عندما ولد النبي صلى الله عليه وسلم
ـ[عبد الله بن حميد الفلاسي]ــــــــ[20 Apr 2005, 05:37 ص]ـ
http://www.a-falasi.com/download/1113899526.jpg (http://www.a-falasi.com/maqalat.php?do=show_subject&ID=42&pic_top=)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
إن محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أصوله، وأجل قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين، فإن كل حركة في الوجود إنما تصدر عن محبة، إما عن محبة محمودة، أو عن محبة مذمومة، فجميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن المحبة المحمودة، وأصل المحبة المحمودة هو محبة الله سبحانه وتعالى، ومحبة العبد لله لا تكمل؛ إلا بأن يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله (1).
ولما كان من المشاهد كثرة الدعاوى في هذا الباب حيث لا يوجد منتسب إلى الإسلام؛ إلا وهو يدعى محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأوليائه، مما يجعلنا نبحث عن المظاهر والعلامات الحقيقية التي تؤكد لنا مدى صدق كل شخص في دعواه المحبه، ومن أهم مظاهر المحبة الشرعية (2):
1) أن يكون الله عز وجل أحب شيء إلى العبد، وتعرف هذه المحبة بالعلامات التالية:
أ. أن تسبق محبة الله إلى القلب كل محبة.
ب.أن تكون محبة غيره تابعة لمحبته، فيكون هو المحبوب بالذات والقصد الأول، وغيره محبوباً تابعاً لحبه كما يطاع تباعاً لطاعته، فهو في الحقيقة المطاع المحبوب.
2) طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وتقديمها على طاعة كل أحد، وإن كان أحد الوالدين، أو أكثر المشايخ مهابة وجلالة في العيون، وإن كان النفس والهوى، قال تعالى: ?قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ? [آل عمران: 31]. فهذه الآية هي الميزان التي يعرف بها من أحب الله حقيقة، ومن ادعى ذلك دعوى مجردة، فمن ادعى محبة الله، ولم تظهر ذلك في طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فدعواه كاذبه.
تلك أهم مظاهر محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأكبر سمات المحبين المحقين، وهي بمثابة الميزان والمحك الذي يمكن به التمييز بين مدعي المحبة وهو كاذب، وبين من ادعاها وهو صادق.
إذاً محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تقتضي فعل محبوباته، وترك مكروهاته، والناس تتفاضل في هذا تفاضلاً عظيماً، فمن كان أعظم نصيباً من ذلك كان أعظم درجة عند الله، ومن كان أقل نصيباً كان ذلك سبباً في نزول درجته ومنزلته، وأما من كان غير متبع لسبيل النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون محباً لله سبحانه وتعالى (3).
وينقسم الناس في محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلمصلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام (4)، هي:
القسم الأول: أهل الإفراط:
وهم الذين بالغوا في محبتهم بابتداعهم أموراً لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ظناً منهم أن فعل هذه الأمور علامة المحبة وبرهانها.
القسم الثاني: أهل التفريط:
وهم الذين قصروا في تحقيق هذا المقام، فلم يراعوا حقه صلى الله عليه وسلم في وجوب تقديم محبته على محبة النفس، والأهل، والمال، كما لم يراعوا ما له من حقوق أخرى، كتعزيره، وتوقيره، وإجلاله، وطاعته، واتباع سنته، والصلاة والسلام عليه إلى غير ذلك من الحقوق العظيم الواجبة له.
القسم الثالث: أهل الوسط بين الإفراط والتفريط:
(يُتْبَعُ)
(/)
وهم السلف من الصحابة، والتابعين، ومن سار على نهجهم، الذين آمنوا بوجوب هذه المحبة حكماً، وقاموا بمقتضاها اعتقاداً، وقولاً، وعملاً. فأحبوا النبي صلى الله عليه وسلم فوق محبة النفس، والولد، والأهل، وجميع الخلق، امتثالاً لأمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فجعلوا أولى بهم من أنفسهم تصديقاً لقوله تعالى: ?النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً? [الأحزاب: 6].
وإن دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من أشرف العلوم، وأعزها، وأسناها هدفاً ومطلباً، وبها يعرف المسلم أحوال دينه ونبيه، وما شرفه الله تعالى به من أرومة الأصل وكرم المحتد، ثم ما أكرمه به من اختياره للوحي والرسالة، حمل عبء الدعوة إليه، وإلى دينه، ثم ما قام به صلى الله عليه وسلم من بذل الجهود المتواصلة، وما عاناه من البلاء والمحن في هذا السبيل، وما حظي به من نصرة الله وتأييده بجنود غيبه المكنون، وملائكته البررة الكرام، وبتوجيه الأسباب، وإنزال البركات، وخوارق العادات، وغير ذلك (5).
وقد اخترت موضوع ولادة النبي صلى الله عليه وسلم لدراسته من جميع النواحي، حيث سأتحدث بعد هذه المقدمة عن الأمور التالية:
1) ولادة النبي صلى الله عليه وسلم.
2) تاريخ الولادة.
3) أول من احتفل بالمولد النبوي.
4) أقوال العلماء في الاحتفال بالمولد النبوي.
ولادة النبي صلى الله عليه وسلم (6)
ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم بمكة، ولما ولد خرج نور أضاءت له قصور الشام، وقد أرسلت أمه بعد ولادته إلى جده عبد المطلب لتبشره بحفيده، فجاء مستبشراً، ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، وسماه محمد، رجاء أن يحمد، وهذا الاسم لم يكن معروفاً في العرب، وعق عنه، وختنه في السابع من يومه، وأطعم الناس، كما كان العرب يفعلون.
وأول من أرضعته من المراضع – وذلك بعد أمه صلى الله عليه وسلم بأسبوع – ثويبة مولاة أبي لهب، بلبن ابن لها، يقال له مسروح، وكانت حاضنته أم أيمن (بركة الحبشية)، مولاة والده عبد الله، وقد بقيت حتى أسلمت، وهاجرت، وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو بستة أشهر.
وقد رويت العديد من القصص والأخبار التي لم تثبت صحتها عن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، منها:
1) أن أمنه أم النبي صلى الله عليه وسلم لم ترى أخف، ولا أيسر حملاً منه صلى الله عليه وسلم، وأنها كانت تلبس التعاويذ من حديد فيتقطع، وأنها رأت في منامها بشارة بجليل مقامه، وأمرت بتسميته بمحمد، ورأت عند استيقاظها صحيفة من ذهب فيها أشعار لتدعو له بها.
2) أنه صلى الله عليه وسلم وقع حين ولدته وقوعاً ما يقعه المولود، معتمداً على يديه، رافعاً رأسه إلى السماء، وأنه وضع تحت قدر من حجر، فانفلقت عنه ليبقى بصره شاخصاً إلى السماء، وأنه ولد مختوناً أو ختنه جبر يل عليه السلام.
3) وأن الجان هاتفوا في ليلة مولده، تبشيراً به.
4) وأن بعض الأصنام في المعابد الثونية بمكة انتكاست.
5) وأن إيوان كسرى ارتجاس وسقطت أربع عشرة شرفه من شرفه، وخمدت نيران المجوس، وغيض بحيرة ساوة، ورؤيا الموبذان الخيل العربية تقطع دجلة، وتنتشر في بلاد الفرس.
تاريخ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم (7)
لقد اختلف علماء السير في تحديد تاريخ ولادته صلى الله عليه وسلم، فمنهم من قال: في ربيع الأول، وهو المعروف، ومنهم من قال: كان مولده في رمضان. وهذا القول موافق لقول من قال: أن أمه حملت به في أيام التشريق. ويذكرون أن الفيل جاء مكة في المحرم، وأنه صلى الله عليه وسلم ولد بعد مجيء الفيل بخمسين يوماً.
والجمهور على أن ذلك كان في ربيع الأول، واختلفوا أيّ يوم هو منه؟ على أقوال:
1) ولد في اليوم الثاني من ربيع الأول، وهو قول ابن عبد البر، مستندًا على رواية الواقدي عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني.
(يُتْبَعُ)
(/)
2) ولد في الثامن من ربيع الأول، وهو قول ابن حزم، وفيه رواية مالك عن محمد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب تصحيح أهل الفلك له، وهو المقطوع به عند الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير.
3) ولد في العاشر من ربيع الأول، وهو قول الشعبي وأبي جعفر محمد الباقر.
4) ولد في الثاني عشر من ربيع الأول، نصّ عليه ابن إسحاق، وفيه رواية ابن أبي شيبة عن ابن عباس وجابر، وهو المشهور عند الجمهور.
5) ولد في السابع عشر من ربيع الأول، وهو قول الشيعة.
وليس المقصود التحقق في يوم مولده صلى الله عليه وسلم، وإنّما الإشارة إلى أنّ العلماء لم يتفقوا على أنّ مولده كان في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول؛ إلا أن القول بأنه كان الثامن من ربيع الأول أقوى وأرجح لعدَّة أمور:
1) أنه الذي نقله مالك وعقيل ويونس بن يزيد ـ وهم من هم ـ عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم.
2) أنّ هذه الرواية أكدتها حسابات الفلكيّين الدقيقة، كما نقل ذلك عنهم ابن عبد البر.
3) أنّ هذا القول رجَّحه جمع من أهل العلم المحققون منهم، كابن حزم والحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي والحافظ ابن دحيَّة في كتابه (التنوير في مولد البشير)، وهو أول كتاب صُنِّف في استحباب المولد.
ولكن وقع أيضاً في شهر ربيع الأول حدثان عظيمان آخران، هما أهمّ من حدث المولد ألا وهما: موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهجرته إلى المدينة.
أول من احتفل بالمولد النبوي (8)
إن الناظر في السيرة النبوية، وتاريخ الصحابة، والتابعين، وتابعيهم، وتابع تابعيهم، بل إلى ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين سنة هجرية لم نجد أحداً، من العلماء، أو من الحكام، أو حتى من عامة الناس قال بالاحتفال بالمولد النبوي، أو أمر به، أو حث عليه، أو تكلم به.
وإن أول من ابتدع ذلك هم ملوك الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري، ومن تسمى منهم باسم (المعز لدين الله)، ومعلوم أنه وقومه جميعاً إسماعيليون زنادقة، متفلسفون. أدعياء للنسب النبوي الشريف، فهم من ذرية عبد الله بن ميمون القداح اليهودي الباطني، وقد ادعوا المهدية، وحكموا المسلمين بالتضليل والغواية، وحولوا الدين الى كفر وزندقة وإلحاد.
فهذا الذي تسمى (بالحاكم بأمر الله)، هو الذي ادعى الألوهية، وأسس جملة من المذاهب الباطنية الدرزية أحدها، وأرغم المصريين على سب أبي بكر وعمر وعائشة وعلق ذلك في مساجد المسلمين، ومنع المصريين من صلاة التراويح، ومن العمل نهاراً إلى العمل ليلاً، ونشر الرعب والقتل، واستحل الأموال، وأفسد في الأرض، مما تعجز المجلدات عن الإحاطة به.
وفي عهد هؤلاء الفاطميين أيضاً وبإفسادهم في الأرض أكل المصريون القطط والكلاب وأكلوا الموتى، بل وأكلوا أطفالهم، وفي عهد هؤلاء الذين ابتدعوا بدعة المولد تمكن الفاطميون والقرامطة من قتل الحجاج وتخريب الحج، وخلع الحجر الأسود.
وقال تقي الدين المقريزي: «كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي r، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه ... » اهـ.
وقال الشيخ محمد بن بخيت المطيعي: «مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله .. الخ» اهـ.
وقال الشيخ علي محفوظ: «قيل أول من أحدثها - أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي صلى الله عليه وسلم، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر ... الخ» اهـ.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي (9)
اعلم أيها القارئ الكريم أن الاحتفال بالمولد النبوي، لم يدل عليه دليل من الكتاب، ولا من السنة، ولا الإجماع، ولا القياس الصحيح، ولا حتى دليل عقلي يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، ومن جملة الأدلة التي تدل على عدم مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، هي:
(يُتْبَعُ)
(/)
الدليل من القرآن الكريم:
قال تعالى: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً? [المائدة:3].
وقال تعالى: ?وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا? [الحشر: 7].
وقال: ?اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ? [الأعراف: 3].
وقال:?وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ? [الأنعام: 153].
وقال أيضاً: ?وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ? [التوبة:100].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، فكيف يكون الاحتفال بالمولد النبوي قربة تقربنا إلى الله، ولو كانت قربة لدل الدليل على ذلك، وإلا فإن مقتضى الاحتفال بالمولد النبوي أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تتعلمه.
بل أكمل الله سبحانه وتعالى الدين، وبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك، علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته.
الدليل من السنة النبوية:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من يعش منكم بعدي، فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (10).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (11).
وقال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (12).
بأبي وأمي أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد حذرتنا من الاختلاف، والابتداع، وأوصيتنا بسنتك، وسنة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، أي خير سيأتنا من الاحتفال بالمولد النبوي، وهو أمر لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله الصحابة رضي الله عنهم، ولم يفعله التابعون، بل فعله أقوام في القرن الرابع هجري، يعني بعد مرور 400 عام، ونأتي ونقول أنها بدعة حسنة.
أقوال العلماء:
لقد صرح جماعة من أهل العلم بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات؛ كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة.
والقاعدة الشرعية: رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً? [النساء:59]، وقال تعالى:? وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ? [الشورى:10].
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد رددنا هذه المسألة إلى كتاب الله سبحانه، فوجدنا يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيه، وقد رددنا ذلك - أيضاً - إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.
وساذكر فيما يلي بعض أقوال السلف الصالح في هذا الشأن:
1) قال الشاطبي في ((الاعتصام)) بعد أن عرف البدعة بأنها:طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه: (وقوله في الحد: [تضاهي الشرعية]، يعني: أنها: أنها تشابه الطريقة الشرعية، من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة، منها: وضع الحدود كالناذر للصيام قائماً لا يقعد، ضاحياً لا يستظلّ والاختصاص في الانقطاع للعبادة، والاقتصاد من المأكل والملبس على صنف من غير علَّة.
ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أشبه ذلك ... إلخ) (13) أ. هـ.
2) وقال ابن الحاج في ((المدخل)): (فصل في المولد: ومن جملة ما أحدثوه من البدع، مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات، وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد، وقد احتوى على بدع ومحرمات جملة) (14) أ. هـ.
3) وقال تاج الدين عمر بن علي اللخمي المشهور بالفاكهاني: (لا أعلم لهذا المولد أصلاً في الكتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكَّالُون) (15) أ. هـ
الخاتمة
وفي الختام، أذكر أهم النتائج التي توصلت إليها بعد هذا العرض، وهي كالتالي:
1) إن محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم الواجبات، وأكبر أصوله، وأجل قواعده.
2) من أهم مظاهر المحبة الشرعية:
أ. أن يكون الله عز وجل أحب شيء إلى العبد.
ب. طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقديمها على طاعة كل أحد.
3) ينقسم الناس في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام:
أ. أهل إفراط: وهم أهل الغلو في محبته صلى الله عليه وسلم.
ب. أهل تفريط: وهم الذين لم يراعوا حقوقه صلى الله عليه وسلم.
ج. أهل الوسط، وهم الذين آمنوا بوجوب هذه المحبة حكماً، وقاموا بمقتضاها اعتقاداً، وقولاً، وعملاً.
4) ولد الرسول صلى الله عليه وسلم بشعب بني هاشم بمكة، وأول من أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب، وكانت حاضنته أم أيمن، وما يروى من قصص وأخبار أخرى عن ولادته، لم تثبت صحتها.
5) اختلف علماء السير في تحديد تاريخ ولادته صلى الله عليه وسلم، والراجح هو 8 من ربيع الأول.
6) أول من احتفل بالمولد هم الفاطميون في القرن الرابع عشر.
7) لقد دلت آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة النبوية على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي.
8) أي عقل يدعون للاحتفال بالمولد النبوي، ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابة، ولا التابعين، بل لم يتحفل بمولده إلا بعد مرور 400 عام.
9) عند اختلاف العلماء في مسألة، فلابد من رد التنازع إلى الكتاب، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والعبرة بمن وافق الدليل، وليس العبرة بكثرة الأقوال، والرجال.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الهوامش:
(1) مجموعة الفتاوى [10/ 49 و 206].
(2) انظر: تقديس الأشخاص في الفكر الصوفي [2/ 210 - 214]، ومدارج السالكين [2/ 183 و 3/ 22 وما بعدها].
(3) انظر: مجموعة الفتاوى [18/ 316]، وحقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته في ضوء الكتاب والسنة [1/ 285].
(4) حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته [1/ 289 - 299] بتصرف.
(5) روضة الأنوار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وسلم، ص5.
(6) انظر: الرحيق المختوم، ص71، وروضة الأنوار ص9 - 10، والسيرة النبوية الصحيحة، [1/ 98].
(7) انظر: السيرة النبوية لابن هشام [1/ 195]، وسير أعلام النبلاء – السيرة النبوية – المعروف بتاريخ الإسلام [1/ 33 - 37]، والملف العلمي للمولد النبوي، موقع المنبر للخطب: http://www.alminbar.net/malafilmy/maulud/1/4.htm
(8) انظر: المولد النبوي تاريخه، حكمه، آثاره، أقوال العلماء فيه على اختلاف البلدان والمذاهب، لناصر بن يحيى الحنيني، موقع صيد الفوائد.
وحقيقة الاحتفال بالمولد النبوي، لعبد الرحمن عبد الخالق، موقع صيد الفوائد.
و القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل، لإسماعيل الأنصاري ص64 - 72.
والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، لتقي الدين المقريزي، [1/ 490].
وأحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام، لمحمد بن بخيت المطيعي، ص44.
والإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ، ص251.
والبدع الحولية، لعبد الله التويجري، ص136 وما بعدها.
(9) انظر: حكم الاحتفال بالمولد النبوي، لعبد العزيز بن باز، موقع صيد الفوائد.
وحكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي، لصالح الفوزان، موقع صيد الفوائد.
والبدع الحولية، لعبد الله التويجري، ص 199 - 200.
(10) رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (43) و (44).
(11) رواه البخاري (2697).
(12) رواه مسلم (1718).
(13) الاعتصام (1/ 39).
(14) المدخل (2/ 2 - 10).
(15) الحاوي للسيوطي (1/ 190 - 192).(/)
صفحة لمتابعة دروس الشيخ عبد الكريم الخضير حفظه الله ورعاه
ـ[إمداد]ــــــــ[26 Apr 2005, 12:42 ص]ـ
أثناء تصفحي لبعض المنتديات عثرت عاى هذه الصفحة التي تحتوي على تفريغ دروس فضيلة الشيخ العلامة عبد الكريم الخضير رعاه الله
http://www.rightword.net/Anuke/modules.php?name=Sections&op=viewarticle&artid=974
وهذه الصفحة فيها فهرسة دروسه الصوتية
http://www.liveislam.net/archive.php?tid=273
فأحببت أن أهديها لكم أيها الأخوة الكرام
ـ[إمداد]ــــــــ[27 May 2005, 02:12 م]ـ
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=423
ـ[إمداد]ــــــــ[21 Jun 2005, 02:48 م]ـ
شرح الأربعين النووية فضيلة العلامة الشيخ عبدالكريم الخضير – الطائف
1424
الدرس الأول
http://38.113.141.121/archiv1/jumada-2/khudair16.rm
الدرس الثاني
http://38.113.141.121/archiv1/jumada-2/khudair17.rm
الدرس الثالث
http://38.113.141.121/archiv1/jumada-2/khudair18.rm
الدرس الرابع
http://38.113.141.121/archiv1/jumada-2/khudair19a.rm
الدرس الخامس
http://38.113.141.121/archiv1/jumada-2/khudair20.rm
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[21 Jun 2005, 07:13 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي الكريم إمداد، وأمدك بعونه وتوفيقه على متابعتك، وحرصك على نفع إخوانك طلاب العلم.(/)
الإيضاح في شرح مقامات الحريري،هل طبع؟
ـ[أثرية]ــــــــ[27 Apr 2005, 04:06 ص]ـ
السلام عليكم
"الإيضاح في شرح مقامات الحريري لناصر بن عبد السيد المطرّزي" مخطوط حققه الدكتور حمد بن ناصر الدخيل لنيل درجة الدكتوراه
فهل طبع الكتاب؟ وإن كان مطبوع فما هي اسم الدار التي طبعته؟
وجزاكم اله خيرا
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 Apr 2005, 07:38 م]ـ
سألت زميل الدكتور المحقق، وأحد المسؤلين عن نشر الرسائل في جامعة الإمام فأخبرني أنه لم يطبع بعد.
ـ[أثرية]ــــــــ[04 May 2005, 12:25 ص]ـ
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم(/)
الترحيب بانضمام الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد إلى ملتقى أهل التفسير
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 Apr 2005, 01:26 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم قبل عامين وفي بداية نشر ملتقى أهل التفسير، كتبت موضوعاً بعنوان:
غانم قدوري الحمد ودراساته التجديدية في علم التجويد ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=85) من باب التعريف بكتب الأستاذ الجليل الدكتور غانم قدوري الحمد وفقه الله، التي أرى أنها من الدراسات والبحوث التي أضافت الكثير للدراسات الصوتية وعلم التجويد ورسم المصحف وعلوم القرآن. وقد كان لهذا المقال أثر طيب - ولله الحمد- بحسب ما لمسته من الزملاء ومن لقيته من طلاب العلم، حيث كان بعضهم لا يعرف بعض كتبه وبحوثه وتحقيقاته. ومضى الوقت سريعاً كليلة أو نهار كما قال أحمد شوقي، وإذا بهذه المقالة يقرأها أحد طلاب الدكتور غانم الحمد وهو الأخ الكريم الأستاذ إياد بن سالم السامرائي المدرس بكلية التربية بسامراء بالعراق، وقد كتب معنا في هذا الملتقى ولا يزال، فأضاف الكثير من الكتب والبحوث التي لم أعرفها في مشاركتي السابقة، وأخبرني بأن الدكتور غانم شيخه وأستاذه، وأنه يمكن أن يوصل له خبرنا، وقد فعل حفظه الله وبارك فيه. فكتبت رسالة للدكتور غانم الحمد، أبلغه رغبتنا في مشاركته لنا في ملتقى أهل التفسير، لما أعرفه من علمه، وما أتوقعه من سعادتكم جميعاً بمشاركته لنا في هذا الملتقى العلمي الذي يزداد تألقاً وحضوراً علمياً يوماً بعد يوم ولله الحمد بفضل جهودكم جميعاً وفقكم الله وزادكم من فضله.
ويسعدنا الترحيب بانضمام الأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد الأستاذ في كلية التربية بجامعة تكريت بالعراق، وهو غني عن التعريف، وقد سبق الإشارة إلى كتبه ومؤلفاته وبحوثه في المشاركة السابقة، وسأذكر تعريفاً مختصراً به، نقلاً عن كتاب أعلام العراق في القرن العشرين 4/ 390 حيث قال في ترجمة الدكتور غانم الحمد:
غانم قدوري الحمد (ولد عام 1370هـ).
هو الأستاذ الدكتور غانم قدوري حمد الناصري، باحث في الدراسات القرآنية، ولد في تكريت، يحمل ماجستير من قسم علم اللغة في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة 1976م، ودكتوراه في فقه اللغة من كلية الآداب بجامعة بغداد 1985م، عين تدريسياً في كلية الشريعة بجامعة بغداد 1976 - 1988 م، وأستاذاً في كلية التربية بجامعة تكريت 1988 - 1993.
ثم ذكر بعض مؤلفاته مما قد أتينا عليه وعلى غيره وأضاف الأستاذ إياد السامرائي ما فات ذكره. وننتظر شروع الدكتور غانم الحمد وفقه الله في المشاركة في هذا الملتقى العلمي، ونرجو للجميع التوفيق والسداد. وأشكر أخي العزيز الأستاذ إياد السامرائي الذي كان سبباً في هذا وفقه الله ورعاه.
والله الموفق،،
الرياض، ليلة الجمعة 20/ 3/1426هـ.
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[29 Apr 2005, 10:15 ص]ـ
الحمد لله، لن نعدم الخير من مشرف كأبي عبد الله.
يسرني أن أرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور غانم في ملتقى أهل التفسير، وكم يبهجنا أن يقترب منا علماؤنا ومشيختنا الجلّة.
مرحبًا بك فضيلة الدكتور، حللت أهلاً، ووطئتَ سهلاً. نفع الله بعلمكم الورى.
ـ[السلامي]ــــــــ[29 Apr 2005, 05:05 م]ـ
الحمد لله على ذلك والأستاذ له قدم صدق في علم التجويد والصوتيات فأهلا وسهلا والحمدلله رب العالمين
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[03 May 2005, 11:31 ص]ـ
مرحباً بالأستاذ الدكتور غانم قدوري الحمد، وحيا الله أهل العراق الأبطال النبلاء، والعلماء الأفذاذ. إن انضمامكم لهذا الملتقى نقلة نوعية في عضوية الملتقيات العلمية، فالحمد لله على هذه النعم الجليلة. وقد استمتعت كثيراً وما أزال بقراءة كتابكم الماتع (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) ولم أظفر بعد ببقية المؤلفات مع كثرة الثناء على كتابكم (رسم المصحف) يسر الله العثور عليه قريباً.
مرحباً بكم مرة أخرى يا دكتور غانم مع محبيكم في ملتقى أهل التفسير، وجزى الله المشرفين على الملتقى خيراً على دعوتك للكتابة في الملتقى فقد أحسنوا إلينا بذلك غاية الإحسان.
ـ[غانم قدوري الحمد]ــــــــ[04 May 2005, 04:10 م]ـ
تحية للأستاذ عبد الرحمن الشهري والإخوة أعضاء ملتقى
أهل التفسير
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإني أُحيي أخي الفاضل الأستاذ عبد الرحمن الشهري، الذي أتاح لي هذه النافذة للتواصل مع أهلِ القرآنِ، أهلِ اللهِ وخاصَّتِه، وأحيي الأخوة العاملين معه، والمشاركين في الملتقى، والذين كتبوا كلمات الترحيب، وإني مسرور بالانضمام إلى أسرة الملتقى، أخاً لهم، ومتعلماً منهم، وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً في ما نسعى إليه، وأن يجعل أعمالنا خالصة له، هو حسبنا ونعم الوكيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم: غانم قدوري الحمد
25/ 3/1426هـ
4/ 5/2005م
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 May 2005, 05:06 م]ـ
مرحباً بك دكتور غانم بين أهلك وإخوانك, ونشكر لك مشاركتك في هذا الملتقى,
ولا ننسى جهد الأخ الكريم إياد السامرائي وفقه الله,
وحرص المشرف الفاضل عبد الرحمن الشهري جزاه الله خيراً.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[06 May 2005, 05:48 ص]ـ
مرحباً بكم يا دكتور غانم في ملتقى أهل التفسير، ونحن سعداء بكم، ونؤمل آمالاً عريضة في الاستفادة من علمكم ومشاركتكم في هذا الملتقى العلمي. ونرغب في الاستفادة من خبرتكم الطويلة في البحث العلمي المتميز. وفقكم الله وسدد خطاكم.
ـ[عبدالله الخضيري]ــــــــ[08 May 2005, 08:32 م]ـ
قُبلاتي معْ تحيَّاتي
............... سلامي للسعادات
إذا ضمتني الدنيا
............ بأبطال الكريهات
أحيِّي الطَّلة الغراء
........... -يَمِيْناً- مِنْ حشَاشَاتِي
وبَسْمَاتِي تحيِّيكمْ
.......... و تُغْنِيْ عن كُلَيْمَاتِي
ـ[الإنصاف]ــــــــ[27 May 2005, 07:15 ص]ـ
تحاتي معطرة للدكتور غانم قدوري الحمد
وكم سعدنا به كثيرا
وأني أخبرالأخ فهد الناصر وغيره من الإخوة الفضلاء أ ن كتاب (رسم المصحف) يباع في المكتبة التراثية الواقعة على الدائري الشرقي بين مخرج 10 _ 11 في مدينة الرياض(/)
تنبية:: بخصوص مواضيع سب الرسول وما شابهها التي انتشرت
ـ[الجندى]ــــــــ[01 May 2005, 05:22 م]ـ
المصدر ( http://www.alsakher.com/vb2/showthread.php?p=923330#post923330)
أخي المسلم .. هذا الموقع:
www.------.com
يشوه صورة الإسلام على الإنترنت .. نرجو من الجميع التحذير منه وأن يرسلوه لكل قائمتهم البريدية وساحات الحوار
هذه الرسالة وصلتني مئات المرات وفي كل مرة أشعر بغصّة في الحلق بسبب ما أراه من تصرفات المسلمين الحماسية الخالية من الحكمة والعقل.
لذلك أنا أكتب هذه الكلمات ناصحا إخواني في الله المستخدمين للإنترنت أن يقرأوها ثم أن يوزعوها لكل من يعرفون خاصة إذا كانوا قد وقعوا من قبل ضحية في نشر المواقع المعادية للإسلام بين المسلمين.
أولا: كيف نوقف المواقع المعادية للإسلام:
إن شبكة الإنترنت بعد إنشائها أصبحت بيئة لجميع الأفكار والاتجاهات وكل يعرض رأيه بالطريقة التي يراها ..
ولا يمكن لأي شخص بأي حال من الأحوال إيقاف فكر أو علم سواء كان معاديا للإسلام أو غير معاد عن طريق إغلاق المواقع أو الدعوة لإغلاقها.
فإذا أغلق لأحدهم موقعا يستطيع أن يفتح مئات المواقع الأخرى التي تحتوي نفس المواد وتنتشر.
فلا سبيل أبدا لإيقاف هذه المواقع إلا بطريق واحد وهو: نشر الحق ليكون واضحا وجليا للناس ..
وكما قالوا الهجوم خير وسيلة للدفاع ..
كم من المؤلم أن نرى شبابا وفتيات يرسلون رسائل تعد بالملايين (بدون أي مبالغة) ناشرين فيها موقعا معاديا للإسلام ..
بينما لا نجد منهم من هو حريص على أن يخبر زميلا له عن موقع إذاعة طريق الإسلام مثلا.
ثانيا: الترويج للمواقع على الإنترنت:
إن سبب فشل الكثير من المواقع العالمية والتي قد تصرف فيها آلاف الدولارات هو عملية التسويق والترويج لهذه المواقع ..
فالموقع يظل مغمورا غير معروف طالما لم يتم الترويج له باستخدام قنوات الإعلان الصحيحة عبر الشبكة ( Advertising Banners Campaigns ) والملاحظ أغلب القائمين على تلك المواقع المعادية هم أفراد يحملون حقدا للإسلام دفعهم ذلك لإنشاء هذه المواقع .. ولو -وآه من لو- كان المسلمون على قدر المسؤولية وتجاهلوا هذه المواقع لما علم بها أحد بل وضعف عزيمة أصحابها عن متابعتها ..
وما زلت أكرر .. لو كنت من المشرفين على تلك المواقع لقمت بتصميم الموقع ثم حصلت على عناوين البريد الإلكتروني لخمسة أو ستة مسلمين فقط وأرسلت لهم رسالة قائلا فيها:
(موقع يسب الإسلام .. احذروا منه أشد الحذر .. والعنوان هو: www.------.com .. أرسلوه لكل من تعرفون حتى يتنبهوا) ..
وطبعا سيقوم الإخوة بنشر الموقع لكل من يعرفون ..
فبدلا من 6 أشخاص صاروا 12 ثم 24 ثم 200 ثم ...
حتى يصل العدد لأرقام مليونية خيالية بدأت عن طريق 6 مسلمين ..
ثالثا: ما هي جدوى الترويج لهذه المواقع؟
المشكلة أننا كثيرا ما نتصرف دون إعمال العقل .. فلماذا لا نتوقف قليلا ونسأل أنفسنا .. ما هي الجدوى من نشر هذه المواقع بين المسلمين؟ قد يقول قائل: لتحذير المسلمين منها حتى لا يظنوا أنها مواقع إسلامية وينخدعوا بها!
فأقول رادّا عليك أخي الكريم: لا أحد يظن أن تلك المواقع إسلامية .. لأنهم ببساطة يعادون الإسلام ويضعون في نفس موقعهم مثلا تعريفا بعقيدتهم وأهدافهم .. ولولا المسلمين أنفسهم لما انتشرت هذه المواقع حتى يعرفها المسلم وغير المسلم.
بل وأستغرب من ذلك المنطق العجيب .. وهو أن يقوم الإنسان بالترويج لشيء بغرض التحذير منه!!!
فمثلا إذا وجدت مجلة تحارب الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم وتحوي صورا خليعة وألفاظا قبيحة ..
هل نذهب للبائع ونشتري منه ألف نسخة ثم نقف على قارعة الطريق ..
نعطي نسخة لكل مار بالطريق ونقول له: هذه مجلة تحارب الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم أرجو أن تحذر منها .. تفضل نسختك مجانا!!! أظن لا يقول عاقل أن هذا تحذير!
بل هذا ترويج وخداع!
وهذا ما يحدث بالضبط .. فأنت تطالب الناس بالحذر من موقع ثم تعطيهم عنوانه ..
والنفس البشرية تميل لما هو ممنوع عنها .. فأؤكد لك أن كل الناس سيدخلون على هذه المواقع بسببك أنت!
رابعا: خطر ترويج هذه المواقع:
كما قلت بداية إنك تساهم أخي الكريم بشكل فعّال في نشر هذه المواقع عالميا .. وذلك من خلال:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - دعوة الآخرين لزيارتها وذلك بطريقة غير مباشرة
2 - نشر العنوان بشكل غير طبيعي في رسائل البريد الإلكتروني مما يتيح تقنيا لهذه المواقع أن تتقدم في عرضها في محركات البحث بسبب اشتهارها .. فلو كتب شخص كلمة: islam في محرك للبحث يظهر له عنوان ذلك الموقع من أوائل المواقع .. وبذلك تكون أنت أيضا مساهما في ذلك.
إنني أضرب مثالا صغيرا لأوضح لكم خطورة الموقف: تصلني بعد الرسائل أحيانا من أشخاص يشكون في وجود الله .. ويشعرون بعدم مصداقية الإسلام وهؤلاء قد ولدوا مسلمين ولكن لديهم بعض الشبه والتي والحمد لله نحاول أن نزيلها منهم ..
إن شخصا مثل هذا الشخص الذي أذكره لو دخل موقعا معاديا للإسلام يروج الأكاذيب والشبه قد يقتنع بآرائهم الخبيثة ..
وقد يترك الإسلام .. وذلك بسبب مسلم أرسل له هذه الرسالة ليحذره من موقع يعادي الإسلام!
خامسا: أخي في الله .. اتق الله!
إنني هنا أؤكد لكم أن كل من يقوم بتوزيع هذه المواقع بعد قراءته لهذه المقالة لهو آثم آثم آثم .. وسوف يحاسبه الله تعالى ليس فقط على ما قام هو بإرساله .. بل أيضا على الآخرين الذين أرسلوها عن طريقه .. فيا له من أمر خطير! ويالها من متوالية حسابية في الإثم مخيفة .. فلو قمت بإرساله لشخصين .. كل منهما أرسله لخمسة كان الناتج 12 شخصا في ميزان سيئاتك .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
سادسا: ولكن كيف أكفّر عن ذنبي؟!
التوبة من الذنب هي من أهم الأمور .. وترك الذنب بغير توبة يعني أنك ستحاسب عليه يوم القيامة .. فكيف تتوب؟
أولا: تتوقف نهائيا عن نشر هذه المواقع وتستغفر الله على ما كان منك.
ثانيا: تدعو كل من تعرفه من الإخوة أن يقرأوا هذه المقالة وذلك حتى يعرفوا جيدا خطورة المسألة.
ثالثا: تحفظ نسخة من هذه المقالة عندك وترسلها لكل من يرسل لك مثل هذه المواقع.
رابعا: تقوم بنشر المواقع الإسلامية الصحيحة بين المسلمين حتى يتعرفوا عليها .. على الأقل على نفس العدد الذي أرسلت له تلك المواقع المعادية للإسلام ..
واذكر بعضها هنا:
http://www.islamway.com
http://www.islamtoday.net
http://www.3mha.com
http:/www.saaid.net
وختاما اسال الله لكم التوفيق لكل خير
ولا تنسونا من خالص دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 May 2005, 06:08 م]ـ
جزاك الله خيراً. تنبيه مهم جداً، وينبغي نشره بقدر المستطاع.(/)
فأي الفريقين أحق بالسراط
ـ[صالح الفويه]ــــــــ[03 May 2005, 05:15 م]ـ
قالا بن القيم في مدارج السالكين .... ان الله سبحانه وتعالى قسم الناس الى ثلاثة اقسام: منعم عليهم: وهم اهل الصراط المستقيم الذين عرفوا الحق واتبعوه
ومغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق ورفضوه
وضالون وهم الذين جهلوه فأخطأوه
فكل من كان أعرف للحق وأتبع له:كان اولى بالسراط
ولا ريب ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم اولى بهذه الصفه من الروافض فأنه من المحال أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جهلوا الحق وعرفه الروافض او رفضوه وتمسك به الروافض
ثم انا رئينا اثار الفريقين تدل على اهل الحق منهما. فرأينا اصحاب محمد فتحوا بلاد الكفار وقلبوها بلاد اسلام وفتحوا القلوب بالعلم والهدى.فآثرهم تدل على انهم هم اهل السراط المستقيم ورأينا الرافضه بالعكس في كل زمان ومكان فأنه قط ما قام للمسلمين عدو من غيرهم الا كانوا اعوانهم على الاسلام وكم جروا على الاسلام وهله من بليه وهل عاثت سيوف المشركين ....... من التتار الا من تحت رؤوسهم وهل عطلت المساجد وحرقت المصاحف ... الا باسبابهم
فأي الفريقين أحق بالصراط المستقيم وأيهم احق بالغضب والضلال، ان كنتم تعلمون. انتها كلامه
وقد ذهبت الى سوق من اسواقهم وأذا ببعض الكتب المعروضة وعندما قلبت هذه الكتب وأ ذا بها لاتشتمل على اية واحد ولو أنك رأيت هذه الموئلفات في غير بلد اسلامي لقلت أن مؤلف هذه الكتب كافر لا ينتمي الى الاسلام ولم يحسب عليه
فنعوذ بالله من الضلال ونعوذ بالله من الخذلان(/)
فنون
ـ[د. محمد مشرح]ــــــــ[08 May 2005, 05:38 م]ـ
فِن الدعاء 230
يا صاحب العفو والعافية، والرحمة الواسعة،،،نرجو مغفرتك فلا تعذبنا وهذا عفوك وهذه عافيتك ورحمتك.
وصل على حبيبك وآله وصحبه ومن سار على نهجه ما تعاقب الليل والنهار والشمس والظلال.
(أحضر قلبك عند قراءة الدعاء وكن موقنا بالإجابة فلعلك ممن يستجاب لهم).
فن توجيه الحدث 163
بدون تعليق
عن افتتاحية الصحوة .. تحول في الخطاب السياسي للإصلاح .. وبداية مرحلة - محمد الغابري *
جاءت افتتاحية صحيفة (الصحوة) في عددها الصادر 12 ربيع الأول الموافق 21 أبريل نسيان 2005م بقلم الأمين العام الأستاذ محمد اليدومي، امتداداً لماص صدر عن المؤتمر العام الثالث للإصلاح في دورته الثانية، وجاءت الافتتاحية - في نظري - أكثر وضوحاً وأدق تحديداً في التعبير عن التحول في خطاب الإصلاح السياسي على ثلاثة مستويات رئيسة: الأول: الوعي بالمخاطر المحيطة بالبلاد ومستقبلها القريب. الثاني: في مخاطبة السلطة. والثالث: في ترتيب الأولويات.
الوعي بمخاطر المرحلة:
عبر الإصلاح في مؤتمره العام، وفي افتتاحية (الصحوة) عن وعي بالمخاطر المحيطة بحاضر البلاد وما يمكن أن تسفر عنه في المستقبل القريب.
- النفق المظلم:
أكدت الافتتاحية ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر العام، وأكده رئيس الهيئة العليا الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، من أن سياسة السلطة وإدارتها للشؤون العامة تسير بالبلاد وشعبها باتجاه نفق مظلم (الذي لم يعد أحد قادراً على التمييز بين بداياته المقلقة ونهايته المجهولة، النتائج والعواقب).
أي أن ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر العام وأكد عليه رئيس الهيئة العليا لم يكن مجرد حديث للاستهلاك وإغاظة السلطة، أنه تعبير عن استشعار المخاطر، وهو ما يشكل بداية لبذل الجهود والسير باتجاه (كبح جماح السائرين بنا نحو النفق المظلم) وفي تحليل موقف كهذا أي وصفة ببدايات نفق مظلم فإن اختبار مدى مصداقيتة قد جاءت من أطراف أخرى محايدة وتتحدث بناء على نتائج دراسات وأبحاث علمية ولا صلة بها بالإصلاح والمعارضة، من هذه الأطراف رئيس البنك الدولي في زيارته لليمن فبراير الماضي وعقب انتهاء المؤتمر العام للإصلاح، والذي خاطب الحكومة ورئيسها بالقول: "إنكم بسياستكم الحالية تقودون بلادكم إلى الانهيار وإذا انهارت فلن يساعدكم أحد" .. وخبير عربي آخر تحدث عن خيارين أمام اليمن (الأردن أو الصومال)، وحديثه عن الأردن فيه دبلوماسية، فالسير باتجاه الصومال هو محصلة أداء السلطة، ثم وصف تقارير أمريكية لليمن بالدولة الهشة.
إن تضافر تلك التصريحات في فترة زمنية محدودة ومن أطراف متباعدة لها دلالات من أهمها: أن المتحدثين لا يثقون بالحكومة، فأرادوا نقل مخاوفهم إلى خارج الغرف المغلقة، وتحذير الرأي العام بكل مكوناته من أحزاب وقوى سياسية ومنظمات واتحادات نقابية وشخصيات اجتماعية ليتدارك الجميع بلادهم من الوقوع في النفق المظلم وفيها إثبات لمصداقية الإصلاح في تحذيره من النفق.
* في خطابه للسلطة وسياساتها:
جمعت الافتتاحية بين الجرأة والقوة والرصانة، وعبرت عن بداية لمرحلة في المصارحة والمكاشفة مع ما تتضمن من تنبيه للسلطة ذاتها وللرأي العام في البلاد، وبيان مكامن الخلل والخطر في أداء الحكومة وإدارتها للشؤون العامة .. إنها حكومة (عقمت وتخشبت)، وسياستها قائمة على أنه (ليس في الإمكان أبدع مما كان) .. و (ما بدى بدينا عليه) .. وينطلق طرف السلطة في احتكارها (لأن ذلك قَدَره) ولمجرد أنه يدعي (امتلاكه للخبرة الإدارية والحنكة السياسية) والتشبث بالسلطة (واجب وطني، وأن التخلي عنه لغيره من خلال صناديق الاقتراع خيانة للوطن) ...
وادعاءات الحكومة بالخبرة الإدارية خاصة يدل على مدى تخلفها، فالإدارة في الأصل شأن عام يخضع لمواصفات ومعايير مهنية، وليس له صلة بالأحزاب السياسية، غير أن السلطة لأنها (تحضى بقدر من الأمية لا تحسد عليه) تفاخر بالخبرة الإدارية.
- في نظرة طرف السلطة للمعارضة: حيث تريدها (مسبحة بحمد السلطة والتمجيد بأفضالها، والسكوت على أخطائها والستر على سلبياتها والخنوع لمظالمها).
(يُتْبَعُ)
(/)
إن سياسة الحكومة تجاه الشعب تجسده حقائق الواقع التي (تنطق بمرارة وتعبر بأسى فالوضع المأساوي لغالبية شعبنا، وبروز رز التفاوت المرعب بين أغنياء الفرصة غير المشروعة وبين الملايين المسحوقة). هي سياسة أدت إلى دفع الكثير من الناس إلى مد الأكف والتسول والتشرد وهجرة العقول والكفاءات.
- إنها إيقاع المواطن (في طاحونة الصراع مع متطلبات حياته ومعيشته اليومية .. ومنع أي نزوع قد يعتريه لمحاسبة من ينتزع اللقمة من فيه ومن يدفع به إلى المجهول .. ومحاولة لتحطيمه مع سبق الإصرار والترصد).
* الحوار والنضال السلمي .. ومطالبنا محددة:
جاء في الافتتاحية ذاتها لـ (لصحوة) بعض المطالب أهمها إنهاء احتكار السلطة، الانتخابات الحرة والنزيهة، الالتزام الجاد بالدستور والقوانين، تحرير المؤسسة الإعلامية من دور الخادم للسلطة إلى دور الخادم للشعب، استغلال القضاء واستعادة هيبته، القيام بإجراءات عملية ضد الفساد، تحديد فترة زمنية معلنة لإنهاء مسلسل الجرع .. واستراتيجية عملية للإصلاح الاقتصادي ..
وجاءت تلك المطالب في معرض الدعوة إلى الحوار مع السلطة بشأنها.
المطالب المحددة وأهم الخطوات:
ربما ما كان يؤخذ على أحزاب اللقاء المشترك أن مطالبتها بالإصلاح السياسي والإصلاح الشامل لم يحدد بمطالب واضحة، وبرنامج منظم، إن أولى الخطوات أن تدرك أحزاب اللقاء المشترك ماذا تريد، وتعد برنامجاً .. والخطوات التي تسبقها لتحقيق المطالب سواء عن طريق الحوار أو النضال السلمي، أي أن يكون لديها معايير ومواصفات للصَّلاح السياسي والنظام الرشيد.
ما جاء في افتتاحية (الصحوة) يشكل بداية لمرحلة يتم فيها تطوير تلك المطالب مع شركاء الإصلاح في اللقاء المشترك.
الحوار .. والنضال السلمي:
إن تكرار الدعوة إلى الحوار في الافتتاحية ليس مجرد مناورة وهو أقصر الطرق لإيجاد حلول للمشكلات الحاضرة وتجنيب البلاد المخاطر، غير أن الحوار مع طرف السلطة لإقناعه بالتخلي عن احتكار السلطة والامتيازات غير المشروعة قد لا يكون مقبولاً من قبل السلطة ذاتها، ومن ثمَّ فإن الدعوة إلى الحوار المشفوع بالنضال السلمي، مع إدراك لأعباء وتبعات النضال والتأكيد على وصفه بالسلمي، لأنه -أي خطر العنف ذلك- يؤدي إلى أضرار وخسائر فادحة ولا يحل أي مشكلة بل يذهب بأي فرصة لإيجاد حل لها، فالنضال السلمي لانتزاع الحقوق وإحداث تغيير يتطلب حشد التأييد الجماهيري الكفيل بالضغط على الحكومة وإجبارها على تعديل سلوكها أو تغييرها، وذلك هو التعبير الحقيقي عن إرادة الشعب.
أي أن الشعب القادر على التعبير عن إرادته في اختيار السلطة أو في تغييرها واستبدالها، والنضال السلمي لتحقيق ذلك الطريق الشاق والذي قد يطول نسبياً لكن لا يوجد غيره لتجنيب البلاد وأهلها في الوقوع في النفق المظلم.
والخلاصة في نظري: أن افتتاحية (الصحوة) بقلم الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح تشكل تطوراً ملحوظاً في الخطاب السياسي للإصلاح والتعبير عن هموم الشعب ومآسيه، والوصف الدقيق للحالة العامة في البلاد، مع التأكيد على الحوار والنضال السلمي وما يتطلبه من توكل على الله واستعانة به، والأخذ بالأسباب والسنن بين صبر وعلم وتخطيط، وذلك يتطلب من أعضاء الإصلاح وشركاءه في اللقاء المشترك التعامل الجاد مع متطلبات المرحلة وما تفرضه من أعباء وتبعات، لاسيما مع وجود مناخ عام على المستوى الإقليمي والدولي يساعد على الحوار والنضال السلمي وإيجاد أرضية للإصلاح السياسي والوصول إلى النظام الرشيد، وهو ما بات ضرورة ملحة.
إن المعارضة بحاجة إلى إدراك أن الحوار مع السلطة أو إجبارها على تعديل أو تغيير سلوكها يتطلب أولاً أن تنهض هي بذاتها لتصل إلى مستوى التعامل بندية مع السلطة، أما دون ذلك فإن الحوار الذي يشحذ من السلطة مضيعة للوقت والإلهاء فهل تعمل لذلك؟!.
فن الترويح 173
والحلبة يا أبي! 1
وأصله أن رجلا كان يصعد على مرتفع مطل على المنازل في إحدى المدن بواسطة مدرجة (سلم حجري) ويحاول مغازلة امرأة منزلها بجوار المرتفع ولما لاحظته وكانت امرأة صالحة تقية أضحت تتخفى وتؤخر عملها التي تضطر للظهور فيه كنشر الثياب وسواه حتى تتأكد أنه غير موجود؛ فلما كثر ذلك منه قصت على زوجها القصة وكان ابنها يسمعها وهي تقص على أبيه القصة فاتُخذت التدابير على النحو الآتي:
فأما الأب فقد ذهب إلى المسجد وطلب ممن يرجو صلاحهم قراءة يس (سورة يس) والدعاء على الرجل الذي يؤذي أهله ويضايقها.
وأما الابن فقد راقب الرجل حتى صعد إلى أعلى السلم فأخذ حُلبة مبللة بماء ورش سلم الطلعة درجة درجة من أعلى درجة تخفى على الرجل إلى آخر درجة من الأسفل فلما أراد الرجل النزول كان أو ل ما وضع رجله على أول درج مفروش بالحلبة أخذ يسقط من درجة إلى أخرى ولم يستقر إلا بعد أن وصل إلى الأرض مكسرا بتصبب دما!
فقال الأب: أنظروا ماذا فعلت سورة يس والدعاء!
قال الابن: والحلبة يا أبي.ّ
تعليق
لقد جمع الأب والابن بين الدعاء والأسباب المادية وهذا جيد وإن كان الابن لم يستأذن من الأب فربما تصرف الصغير تصرفا غير جيد فيزيد الطين بلة ... أما الذي كان مزعجا فهو تصرف الرجل المؤذي وهذا يدل على خسة ونذالة وطبيعة تافهة، وعدم خوف وتقوى وعدم استشعار بحق المسلم على أخيه والذي منه الحفاظ على دينه وعرضه وماله ويحفظ قلبه من المعاصي التي تسود القلب
وتجعله مظلما كالكوز مجخيا. نسأل الله السلامة والعافية.
*مادة توجيه الحدث منقولة عن الصحوة نت
1 - الحلبة ثمرة معروفة تشرب كالقهوة عند البعض وتستعمل كإدام عند البعض وهذا الا ستعمال الأخير هو الذي أوقع الرجل في المشكلة فإنه يشكل مادة قابلة للتزلج الشديد.(/)
الداعية الصغير
ـ[عبد الله بن حميد الفلاسي]ــــــــ[09 May 2005, 12:22 م]ـ
الداعية الصغير
إعداد
عبد الله بن حميد الفلاسي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقال في موقعي ( http://www.a-falasi.com/maqalat.php?do=show_subject&ID=60&pic_top=)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
ما من مسلمٍ إلا ويسعد عند الحديث عن الجنة، ومنازلها، وما أعد له فيها، ولكن الجنة، تحتاج لمثابرة، وجد واجتهاد، فالجنة مرتبة عالية، يتمناها كل مسلم، ولكن حتى نصل إلى الجنة، فهناك أمور لابد أن نعملها، ونبذل قصارى جهدنا حتى نكون من أهلها.
حتى نكون من أهل الجنة، لابد أن نشهد بلا إله إلا الله، محمد رسول الله، يعني أن نعبد الله، ولا نعبد غيره، ندعوه ولا ندعو غيره، ونلجأ إليه، ولا نلجأ إلى غيره.
حتى نكون من أهل الجنة، لابد من أن نحافظ على الصلوات الخمس، ونؤديها مع الجماعة، ولا نؤخرها عن وقتها، ونبذل كل الوسائل حتى نكون من المحافظين عليها.
حتى نكون من أهل الجنة، لابد من أن نكون من البارين بأبائنا وأمهاتنا، ونسعى لراحتهم، وإسعادهم، فهم بذلوا كل ما لديهم من أجلنا، ونحن ماذا فعلنا غير التقصير في حقهم، لابد من رد هذا الجميل، ونسعى إلى برهم، وإرضائهم، ونرد الجميل والإحسان، ويكفي أنهم سهروا في تربيتنا.
ولهذا لابد لنا أن نتفكر، وننظر ما الأمور التي ستدخلنا الجنة، وهل ستدخلنا الجنة أم لا؟ نفكر، إذا ضيعنا الصلاة أو قصرنا في تأديتها، هل هذا الفعل سيكون سبباً لدخولنا الجنة، أم لا؟
وحديثنا في هذا المقال عن داعية صغير، مرت به أشد الابتلاءات، كل ذلك من أجل هذا الدين، فتعال معي أيها القارئ لنتعرف على قصة الداعية الصغير، وكيف قتل؟ وكيف إسلم على يديه الكثير:
روى الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان ملكٌ فيمن قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك، إني قد كبرت، فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه – إذا سلك – راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر)).
تأمل معي أيها القارئ العزيز، أرادوا أن يعلموا الغلام السحر، والله أراد خلاف ذلك، أردوا للغلام أن يكون ولياً من أولياء الشيطان، والله عز وجل أراد له غير ذلك.
كل ذلك يعلمنا أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولنعلم أن قلوب العباد بيد الله، فيهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فقد اهتدى الغلام وهو في أحضان الساحر وتحت إشراف الملك.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: ((فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمة قد حبست الناس، فقال – أي: الغلام-: اليوم أعلم الساحرُ أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره)).
فهذه هي الكرامة التي يُكرمُ الله بها عباده الصالحين، الذين وصفهم الله في كتابه بقوله: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ))، وقال تعالى في الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آنته بالحرب ... " رواه البخاري.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: ((فقال الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي)).
هكذا حال المؤمنين الصادقين، يبتليهم الله في الدنيا، قال تعالى: ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ))، ولذلك سأل رجلٌ الشافعي رحمه الله، فقال: يا أبا عبد الله إيما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكنهم الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: ((وكان الغلام يُبرئُ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عَمَىَ، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى)).
انظر إلى ما فعله هذا الغلام، استغل هذه الفرصة لدعوة هذا الرجل إلى الإيمان، لم يقل أنها أموال وهدايا كثيرة سأخذها، إنما استغل الفرصة لدعوته للإيمان، وبين للرجل أن الله الشافي، وليس الشفاء بيده، أراد أن يبين له أن علاج القلوب أولى من علاج الأبدان، لأنه إذا صلحت القلوب صلحت الأبدان، وإذا فسدت القلوب فسدت الأبدان.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((فأتى الملك – أي: جليسه – فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك ربٌّ غيري؟ قال: ربي وربك اللهن فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام)).
رد الله إليه بصره، فالبصر، نعمة، كان لا يرى وبعد أن آمن ودخل الإيمان في قلبه، رد الله عليه بصره، فأبصر الناس، فجاء هذا الجليس إلى الملك ليجلس مع الملك كعادته فنظر إليه الملك فرأى وجهه قد تغير، فالإنسان الأعمى إذا رد الله إليه بصره تغير وجهه، فنظر إليه فقال الملك لجليسه، من رد عليك بصرك؟! قال: ربي، فقال له: أو لك رب غيري؟! فقال له ربي وربك الله.
هكذا الإيمان يفعل في أصحابه، هذا جليس ملك قبل قليل يطمع في منصب من مناصب الدنيا، كان قبل قليل يريد مالاً، ويطمع فيما عند الملك.
الآن يقول له: رب وربك الله، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، قبل قليل كان جليسه يُضحكه، ويشاوره، والآن يعذبه لأنه آمن بالله رباً.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((فجيء بالغلام فقال له: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟
فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى: فاخذه فلم يزل يعبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: إرجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه)).
موقف إيماني في الثبات على دين الله: قطعتان من اللحم في بركة من الدماء، لماذا؟ لأنه أبى أن يرجع عن دينه، كل ذلك وجليس الملك الذي رد الله عليه بصره ينظر إلى هذا الموقف، والغلام الصغير ينظر إلى هذا الموقف:
يقول صلى الله عليه وسلم: ((ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه))
((ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى))
إنه الإيمان، مواقف إيمانية تسجل في قلوب الصالحين بماء الذهب، إنه الصبر على الدين، لأنه أغلى ما يملك المرء في هذه الدنيا.
فلم يقتل الملك الغلام، ولكن ماذا فعل به؟
يقول صلى الله عليه وسلم: ((فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا، وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك)).
إنه الإيمان، أيها الغلام: اهرب، أيها الغلام أين تذهب؟ ماذا يريد الغلام؟ هل يريد منصباً من مناصب الدنيا عند الملك؟ لا
هذه أمور دنيوية يطلبها طالب الدنيا، الغلام يريد شيئاً سنعرفه بعد قليل.
يقول صلى الله عليه وسلم: ((فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور، وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك، ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله تعالى)).
أخواني الكرام:
الغلام يريد شيئاً لم نفصح عنه حتى الآن.
يقول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه: ((يا غلام، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)).
فالله عز وجل يدافع عن الذين آمنوا، ويحفظهم من كل سوء.
(يُتْبَعُ)
(/)
((فقال للملك،: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فقال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيدٍ واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارمني به، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني))
انظروا إلى الغلام هل يريد الدنيا؟ هل يريد المال؟ لا، إنما يريد أن تكون كلمة الله هي العليا.
فقام الملك بتنفيذ أوامر الغلام كلها لأنه لو تخلف شيء مما ذكر له لم يقتله أبداً، والخير قد انتشر في كل مكان، وعلم الناس بأمر الغلام فأتوا يريدون أن يعرفوا الحقيقة.
((فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام)).
((فأُتِيَ الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس، فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت، وأضرم فيها النيران، وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها –أي: خافت فجبنت فتأخرت- فقال لهم الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق))
مواقف إيمانية فيها دروس وعظات وعبر، فمن هذه الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من هذه القصة العجيبة:
1 - أن الدين عند المؤمن الصادق أغلى من النفس والمال والأهل والولد.
2 - الداعية إلى الله يموت ويقدم نفسه من أجل دعوته لتبقى دعوته في الناس.
3 - لا ينفع حذر من قدر، فقد حذر الملك، وعمل ما يستطيع عمله حتى لا يؤمن الناس، ولكن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فقد آمن الناس برب الغلام.
4 - أن الجزاء من جنس العمل عند الله يوم القيامة، فالذين أضرموا النيران وأشعلوها، وعذبوا المؤمنين بها في هذه الدنيا، وأحرقوا أجسادهم، فالله عز وجل يعذبهم يوم القيامة بالتحريق في نار جهنهم.
5 - أن الله وحده هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، فالذي استجاب للغلام عندما رمى الدابة هو الله، والذي استجاب للغلام عندما دعا على ذروة الجبل هو الله، والذي استجاب للغلام وهو في وسط البحر هو الله، والذي استجاب ليونس عليه السلام وهو في ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت وجوف الليل هو الله.
قال تعالى: ((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرجع: أحسن البيان من مواقف أهل الإيمان، لصالح بن طه عبد الواحد، الأردن، مكتبة الغرباء الإسلامية، ط1، 1423هـ - 2002م.
ملاحظة: أصل هذا المقال محاضرة ألقيت في إحدى مدارس دبي.(/)
فائدة نفيسة لطلاب العلم
ـ[أبو احمد]ــــــــ[09 May 2005, 01:06 م]ـ
وقفت على هذا الكلام الذي نقله القرافي في نفائس المحصول في شرح المحصول في كلامه على فرض الكفاية (ج 2 ص 264 ط دار الكتب العلمية) فأحبت أن أنقله لإخواني لتعم الفائدة بإذن الله.
قال رحمه الله:
"قال صاحب الطرز وغيره من العلماء:
إذا خرج للفعل الواجب على الكفاية من يغلب على الظن قيامه، فسقط الفرض عن الباقين، ثم لحق بعض من سقط عنه الفرض بتلك الطائفة المبتدئة لفعل ذلك الواجب، فوقع ذلك الواجب بفعل الجميع وقع الجميع واجبا، وأثيبوا ثواب الواجب، وإن كان قد سقط الوجوب عن اللاحقين، واختص الوجوب بالأولين، فإنه يعمهم بعد ذلك بسبب أن مصلحة الوجوب إنما وقعت بفعل الجميع، لا بالأولين فقط، والثواب لمن حصل المصلحة، ويختلف ثوابهم باختلاف مساعيهم، فمن عمل أكثر كان ثوابه أكثر، كالملتحق بالمجاهدين، وقد سقط الفرض عنه، أو بالمجهزين للأموات، أو المنقذين للغرقى، ونحو ذلك،
ومن ذلك المشتغلين اليوم بطلب العلم،
فإنهم يثابون على اشتغالهم ثواب الواجب؛
فإن المقصود حصول طوائف تقوم بتلك العلوم الشرعية، ولم يحصل إلى الآن،
بل الناس في غاية الحاجة لمن يشتغل بالعلم، ويضبط أصوله وقواعده."
وقد ذكره مختصرا في تنقيح الفصول وشرحه (ص 158).
فشمروا رعاكم الله ولا تفوتوا هذا الفضل العظيم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
وأسأله سبحانه أن يجعلني وإياكم من أئمة المتقين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أخوكم عبد الله.(/)
الفروق في باب الاعتقاد
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذا موضوع خطر على بالي من مدة، وهو جمع الفروق التي ذكرها العلماء في مسائل العقيدة، ولا يخفى على اللبيب دقة، وأهمية الفروق في جميع أبواب العلم، فهو من مهمات العلوم، ولذا عني العلماء به عناية كبيرة، وأفردت فيه عدة مصنفات جلها في الفقهيات، وإن كان قد يعرض فيها فروقا غير فقهيه كما فعل القرافي، وأما باب العقيدة فلا أعرف أنه صنف فيها مصنفا مستقلا.
ولأهمية هذا الباب، وما يترتب عليه من تجلي كثير من الإشكالات؛ فسأقوم ـ بإذن الله ـ بنقل ما مر، ويمر علي من فروق في كتب أهل العلم .. ومن أحسن من تكلم على فروق العقيدة شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، ومن سار على نفس النهج المبارك من بعدهم ..
قال ابن القيم في آخر كتاب الروح ص260:
فصل: وهذا باب من الفروق مطول، ولعل إن ساعد القدر أن نفرد فيه كتابا كبيرا، وإنما نبهنا بما ذكرنا على أصوله، واللبيب يكتفي ببعض ذلك، والدين كله فرق، وكتاب الله فرقان، ومحمد صلى الله عليه وسلم فرّق بين الناس ومن اتقى الله جعل له فرقانا (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) وسمى يوم بدر يوم الفرقان؛ لأنه فرق بين أولياء الله وأعدائه؛ فالهدى كله فرقان، والضلال أصله الجمع، كما جمع المشركون بين عبادة الله وعبادة الأوثان، ومحبته ومحبة الأوثان، وبين ما يحبه ويرضاه، وبين ما قدره وقضاه؛ فجعلوا الأمر واحد، واستدلوا بقضائه وقدره على محبته، ورضاه، وجمعوا بين الربا والبيع؛ فقالوا: (إنما البيع مثل الربا)، وجمعوا بين المذكي والميتة، وقالوا: (كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله)، وجمع المنسلخون عن الشرائع بين الحلال والحرام؛ فقالوا: (هذه المرأة خلقها الله وهذه خلقها، وهذا الحيوان خلقه، وهذا خلقه فكيف يحل هذا ويحرم هذا؟)، وجمعوا بين أولياء الرحمن، وأولياء الشيطان، وجاءت طائفة الاتحادية فطموا الوادي على القرى، وجمعوا الكل في ذات واحدة وقالوا: هي الله الذي لا إله إلا هو، وقال صاحب فصوصهم وواضع نصوصهم:واعلم أن الأمر قرآنا لا فرقانا
ما الأمر إلا نسق واحد * ما فيه من مدح ولا ذم
وإنما العادة قد خصصت * والطبع والشراع بالحكم
والمقصود أن أرباب البصائر هم أصحاب الفرقان، فأعظم الناس فرقانا بين المشتبهات أعظم الناس بصيرة، والتشابه يقع في الأقوال، والأعمال والأحوال، والأموال، والرجال، وإنما أتى أكثر أهل العلم من المتشابهات في ذلك كله، ولا يحصل الفرقان إلا بنور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده يرى في ضوئه حقائق الأمور، ويميز بين حقها وباطلها وصحيحها، وسقيمها (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)
[ثم سرد شيئا من ذلك سأنقله لا حقا بإذن الله]
ولعلي افتتح هذا الفروق بسرد عدد منها مجموع عندي من كلام الشيخ العلامة عبد الرحمن البراك، ثم بعده أنقل ما وقفت عليه لغيره.
وأدعو إخواني في الله أن يتعاونوا معي بذكر ما يقفون عليه من فروق ليعم النفع للجميع ..
* سرد الشيخ بكر أبو زيد في كتابه " التقريب لعلوم ابن القيم" الفروق عند ابن القيم، ثم جمعها في كتاب مستقل الأخ يوسف الصالح.
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:20 م]ـ
سئل الشيخ البراك في لقاء ملتقى أهل الحديث بالشيخ.:
ما الفرق بين الشرك والكفر وأيهما أعم؟
الجواب: الحمد لله، من المعروف أن الشرك منه أكبر، ومنه أصغر، وكذلك الكفر، والذي يظهر أن السؤال في الفرق بين الكفر الكبر، والشرك الأكبر، فإن كلا من الشرك الأصغر، و الكفر الأصغر من أنواع المعاصي بل من الكبائر فأما الشرك الأكبر وهو اتخاذ ند لله في العبادة كما قال لله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ ـ إلى قوله ـ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ".
وأما الكفر الأكبر فكل ما يناقض الشهادتين شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ومعلوم أن الشرك الأكبر يناقض شهادة ألا إله إلا الله كل المناقضة؛ فهو كفر أكبر، ومن الكفر تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا، وهو: الجحود، أو باطنا، وهو: النفاق، ومن الكفر الاستهزاء بالله عز وجل أو بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، وبهذا يتبين أن بين الشرك الأكبر، والكفر الكبر عموم وخصوص، فكل شرك أكبر فهو:كفر، وليس كل كفر أكبر شركا، والله أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:26 م]ـ
وسئل أيضا في الملتقى حفظه الله:
ما الفرق بين المرجئة ومرجئة الفقهاء؟
الجواب: الحمد لله، اسم المرجئة مأخوذ من الإرجاء، وهو التأخير وسمي المرجئة بذلك لتأخيرهم الأعمال عن مسمى الإيمان، وهم طوائف كثيرة، وأشهرهم الغلاة، وهم الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة ـ أي معرفة الخالق ـ.
وهذا هو المشهور عن جهم بن صفوان إمام المعطلة نفاة الأسماء والصفات، وإمام الجبرية، وغلاة المرجئة.
والثانية:هم من يعرفون بمرجئة الفقهاء، وهم الذين يقولون: إن الإيمان هو تصديق بالقلب، أو هو التصديق بالقلب واللسان يعني مع الإقرار، وأما الأعمال الظاهرة والباطنة؛ فليست من الإيمان، ولكنهم يقولون: بوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، وأن ترك الواجبات أو فعل المحرمات مقتضي للعقاب الذي توعد الله به من عصاه، وبهذا يظهر الفرق بين مرجئة الفقهاء، وغيرهم خصوصا الغلاة، فإن مرجئة الفقهاء يقولون: إن الذنوب تضر صاحبها، وأما الغلاة فيقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والله أعلم.
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:27 م]ـ
ومن أجوبته على أسئلة الملتقى أيضا جاء ضمن أحد الأجوبة ..
استعمالات اليد في اللغة والفروق بينها
لفظ اليد مثناة لها في اللغة العربية استعمالات:
فتارة تستعمل غير مضافة، وتلزم الألف، وهذه هي التي بمعنى القدرة، تقول: لا يدان لي بهذا الأمر، أي لا قدرة لي عليه.
وتارة تستعمل مضافة إلى ضمير من قامت به، أو اسمه الظاهر كقولك: بيديّ، أو بيديه، أو بيدي محمد، ويجري فيها إعراب المثنى.
وهي في هذا الاستعمال لا تكون بمعنى القدرة، بل يتعين أن يراد بهما: اليدان اللتان يكون بهما الفعل، والأخذ، ومن شأنهما القبض، والبسط.
وبهذا يظهر ألا تعارض بين أنكراهما على النفاة تأويل اليدين بمعنى القدرة، لأن ذلك لم يرد في اللغة العربية، وبين استعمالهما (اليدان) بمعنى القدرة.
وهناك استعمالان آخران لليدين في اللغة العربية:
أحدهما: أن يعبر بهما عن الفاعل للفعل، وإن لم يكن باشره بيديه كقولك هذا ما فعلت يداك، ومنه قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [(10) سورة الحج]، ويأتي لفظ اليدين مجموعا إذا أضيف إلى ضمير الجمع كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [(182) سورة آل عمران]، ومنه قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يس].
الثاني: استعماله مضافا إليه بعد (بين)، فيكون بمعنى أمام، كقولك: جلس بين يديه، و مشى بين يديه، ويجري هذا الاستعمال في العاقل، وغير العاقل كقوله تعالى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [(64) سورة مريم] وقوله {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} [(12) سورة سبأ] وقوله {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [(57) سورة الأعراف] ونظائر ذلك كثيرة.
فهذه أربعة وجوه من الاستعمالات:
ثلاثة منها مجاز وهي: الأول، والثالث، والرابع.
والثاني: حقيقة.
ويمتنع المجاز في اليدين إذا أسند الفعل لفاعل، وعدي إلى اليدين بالباء كقولك: عملت بيدي، ومنه قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص].
وأما إذا أسند الفعل إلى اليدين كقولك: هذا ما فعلت يداك، فهو من قبيل المجاز العقلي؛ لأنه عبر باليدين عن الفعل مطلقا، وإن لم يكن فعل بيديه.
وبهذا يظهر الفرق بين قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يس]، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص]، فلا تدل الآية الأولى على خلق الأنعام باليدين،
وتدل الآية الثانية على خلقِ اللهِ آدم َ بيديه؛ فتثبت له هذه الخصوصية على سائر الناس.
فمن جعل آية "ص" نظيرا لآية "يس"؛ فقد أخطأ فبين الآيتين فروق:
ففي آية "ص" أضاف الله الفعل إلى نفسه، وعداه إلى اليدين بالباء، وذكر اليدين بلفظ التثنية، وأضافهما إلى ضمير المفرد.
وفي آية "يس" أضاف سبحانه الفعل إلى اليدين بلفظ الجمع، وذكر نفسه بلفظ الجمع الدال على التعظيم.
فيجب التفريق بين المختلفات من الألفاظ، والمعاني، والتسوية بين المتماثلات، والله أعلم.
وبهذا يظهر الفرق بين قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يس]، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص]، فلا تدل الآية الأولى على خلق الأنعام باليدين،
وتدل الآية الثانية على خلقِ اللهِ آدم َ بيديه؛ فتثبت له هذه الخصوصية على سائر الناس.
فمن جعل آية "ص" نظيرا لآية "يس"؛ فقد أخطأ فبين الآيتين فروق:
ففي آية "ص" أضاف الله الفعل إلى نفسه، وعداه إلى اليدين بالباء، وذكر اليدين بلفظ التثنية، وأضافهما إلى ضمير المفرد.
وفي آية "يس" أضاف سبحانه الفعل إلى اليدين بلفظ الجمع، وذكر نفسه بلفظ الجمع الدال على التعظيم.
فيجب التفريق بين المختلفات من الألفاظ، والمعاني، والتسوية بين المتماثلات، والله أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:33 م]ـ
الفرق بين النبي والرسول
مسألة الفرق بين النبي والرسول، والفرق المشهور، أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، هذا التعريف المشهور.
ولكن هذا في الحقيقة غير مستقيم.
فإن تعريف النبي بما ذكر يقتضي أن النبي لا يعلم ولا يأمر ولا ينهي ولا يبلغ، وهذا غير صحيح، بل الأنبياء أرسلهم الله يحكمون بين الناس ويعلمون الناس ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، كما قال الله تعالى في أنبياء بني إسرائيل: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ (44) سورة المائدة
والأنبياء -يعني- لهم حظ من الإرسال، وهو الإرسال الشرعي، الإرسال العام الشرعي، كما قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} (52) سورة الحج
فالنبي مرسل، مكلف، مأمور، يعني يعلم ويدعو وينهي، ولهذا التعريف أو الفرق السديد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب النبوات: أن الرسول بالمعنى الخاص هو من أرسل إلى قوم مكذبين، والنبي من أرسل إلى قوم مؤمنين يعلمهم ويذكرهم ويحكم بينهم كما في الآيات.
[من شرح حائية ابن أبي داود للشيخ البراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:35 م]ـ
القرآن وكلام الله، ما الفرق بينهما؟
الفرق بينهما أن كلام الله أعم من القرآن، فالقرآن هو كلام الله، ـ يعني ـ:أن الله تكلم به، ولكن كلام الله أعم من القرآن، يشمل ما سبق مما أنزله من الكتب فالتوراة والإنجيل والقرآن كلها كلام الله، وتكليمه لموسى وتكليمه للملائكة، وندائه للأبوين كل ذلك داخل في كلام الله؛ فالله تعالى لم يزل يتكلم بما شاء كيف شاء إذا شاء، ومن كلام الله القرآن.
[من شرح حائية ابن أبي داود للشيخ البراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:38 م]ـ
الفرق بين قول السالمية والأشاعرة في كلام الله
كلهم يتفقون على أن كلام الله قديم، وأنه لا تتعلق به المشيئة، لكن السالمية يقولون: إنه حروف، وأصوات قديمة.
والأشاعرة يقولون: إنه معنى فقط، معنى واحد ليس فيه تعدد.
[من شرح حائية ابن أبي داود لشيخ البراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:41 م]ـ
سئل مالفرق بين قول القلب وعمله وقول اللسان وعمله؟
بعضهم يقول: اللسان مع الجوارح، يقول: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فيصير اللسان مع الجوارح هذه سهلة،
لكن السؤال يقول: ما الفرق بين قول القلب وعمله؟
قول القلب هو الاعتقاد، وعمل القلب عمل وليس باعتقاد، فمثلا الإيمان يعني تصديق، التصديق بأن الله خالق كل شيء، وأنه بيده الخير وبيده العطاء والمنع، الإيمان والتصديق بهذا = هذا اعتقاد قول هذا قول اللسان، التوكل على الله هذا عمل القلب، تجد هذا التوكل ثمرة للتصديق الأول، التصديق بأن محمدا رسول الله هذا قول القلب، طاعة الرسول أو العزم على متابعة الرسول هذا من عمل القلب، الانقياد انقياد القلب واستسلامه هذا عمل القلب، الإيمان بأن الله شديد العقاب هذا من قول القلب، الخوف من عمل القلب.
وأما قول اللسان وعمل اللسان قول اللسان: هو الإقرار، الإقرار الأول يعني: افرض أن واحدا كافر ودعوناه للإسلام فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، هذا قول اللسان، وهو الإقرار الذي يدخل به في الإسلام، بعد ذلك إذا قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله هذا عمل اللسان.
[من شرح حائية ابن أبي داود للشيخ البراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:43 م]ـ
ما الفرق بين موالاة الكفار وتوليهم؟ وما حكم كل منهما بالتفصيل؟
(يُتْبَعُ)
(/)
الحمد لله، لقد نهى الله عباده المؤمنين عن اتخاذ الكفار أولياء في آيات عدة كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً" [النساء:144]، وقال: "لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً" الآية
[آل عمران: 28]، وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [المائدة:51]، فاتخاذهم أولياء هو اعتبارهم أصدقاء وأحباباً وأنصاراً، وذلك يظهر بالحفاوة بهم وإكرامهم وتعظيمهم، ومما يوضح ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: "لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" الآية [المجادلة: 22] وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ" الآية [الممتحنة: 1] فدلت الآيتان على أن اتخاذهم أولياء يتضمن مودتهم، وجاء ذكر التولي في آية واحدة وهي قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" الآية [المائدة: 51]، والذي يظهر أن توليهم هو معنى اتخاذهم أولياء، وفسر "التولي" في قوله تعالى: "وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ" بنصرتهم على المسلمين، ولهذا كانت مظاهرة الكفار ومعاونتهم ضد المسلمين من أنواع الردة، لأن ذلك يتضمن مقاومة الإسلام، والرغبة في اضمحلاله، وذل أهله، وأما الموالاة فلم يأت لفظها في القرآن فيما أذكر، والذي يظهر أن الموالاة والتولي معناهما واحد أو متقارب، ولكن من العلماء من فرق بينهما فخصَّ الموالاة بتقديم الخدمات للكفار حفاوة بهم وإكراماً والتولي بنصرتهم على المسلمين، وأن الموالاة كبيرة، والتولي ردة كما تقدم، فالواجب على المسلمين أن يبغضوا الكافرين وأن يعادوهم في الله، وأن يجاهدوهم بالله ولإعلاء كلمة الله، وهذا لا يمنع من معاملتهم في أمور الحياة كالتجارة، ولا يوجب الغدر بما أعطوا من عهد، بل يجب الوفاء بعهدهم كما قال تعالى: "إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" [التوبة:4] فبغض الكفار والبراءة منهم هي من أصول الدين، وهي مقتضى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، ولكن ذلك لا يوجب ولا يبيح الخيانة أو الظلم، فالظلم حرام، ونقض العهد حرام، " ... تلك حدود الله فلا تقربوها ... " [البقرة: 187] نسأل الله أن ينصر دينه ويعز المؤمنين ويذل الكافرين، والله أعلم.
[من أسئلة موقع الإسلام اليوم للشيخ البراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:44 م]ـ
الفرق بين الشرك الكبر والأصغر
.. وأما الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر، فالشرك الأكبر هو اتخاذ المخلوق نداً لله في العبادة، كما قال سبحانه وتعالى: "فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون" [البقرة: 22]، وقال: "ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله" [البقرة: 165]، وقال – صلى الله عليه وسلم- لابن مسعود – رضي الله عنه- لما سأله: "أي الذنب أعظم، قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك" البخاري (4477)، ومسلم (86)، وأما الشرك الأصغر فهو ما يكون في الألفاظ كقول الرجل: ما شاء الله وشئت، وكالحلف بغير الله، ومنه ما يكون بالقلب كالرياء وكالاعتماد على الأسباب، فذلك كله من الشرك الأصغر، جنبنا الله الشرك كله صغيره وكبيره، والله أعلم.
[جاء في أثناء جواب لسؤال من أسئلة موقع الإسلام اليوم للشيخ البراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:47 م]ـ
ما الفرق بين الجبرية وأهل السنة؟
الجبرية يقولون: إنك أنت الآن في قيامك وقعودك، وذهابك ومجيئك وصلاتك وركوعك مثل الشجرة، ما لك إرادة، ولا قدرة، يعني: حركتك في قيامك وذهابك مثل حركة المصاب بالرعشة: المرتعش، فهذا مذهب الجبرية، الإنسان ما له اختيار، ولا إرادة، ولا قدرة، ولا شيء، هو مسلوب، مثل الذي يسقط من شاهق، ما له إرادة، يقولون: إن حركة الإنسان المكلف كحركة الأشجار، وحركة المرتعش، وحركة النائم.
أما أهل السنة يقولون: لا، هذه حركة إرادية، لا أن أنتم وكل عاقل يقسم حركة الإنسان إلى قسمين: حركة إرادية، وحركة لا إرادية، فقيامه وقعوده، وذهابه ومجيئه وكلامه حركة إرادية، وأما حركته نائما فهي حركة لا إرادية، يتحرك بلا إرادة منه.
كذلك المقهور، المكره على الشيء الذي يُلقى من مكان شاهق، حركته من فوق لتحت حركة إرادية؟ حركة لا إرادية، إلى آخره، الأمثلة كثيرة.
[سؤال عرض على الشيخ البراك حين شرحه لكلمة الإخلاص لابن رجب]
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:49 م]ـ
الفرق بين المحبة الدينية والطبيعية
هل يصح الاستدلال على جواز محبة الكفار بقول الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} حيث قالوا: إنه يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية ,وهي كافرة , والمودة لازمة الحصول بينهم؟ هل المودة تعني الحب؟
الحمد لله، قد فرض الله موالاة المؤمنين، وحرم مولاة الكافرين قال الله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [(71) سورة التوبة]
وقال تعالى {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [(73) سورة الأنفال]
وقال تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ} [(28) سورة آل عمران]
وقال تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .. الآية} [(22) سورة المجادلة]
والود، والمودة بمعنى المحبة، والمحبة نوعان: محبة طبيعية كمحبة الإنسان لزوجته، وولده، وماله.
وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [(21) سورة الروم]
ومحبة دينية؛ كمحبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله، ورسوله من الأعمال، والأقوال، والأشخاص.
قال تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [(54) سورة المائدة]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد .. الحديث ".
ولا تلازم بين المحبتين بمعنى: أن المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني؛ كمحبة الوالدين المشركين فإنه يجب بغضهما في الله، ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة، فإن الإنسان مجبول على حب والديه، وقريبة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه لقرابته مع كفره قال الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص]
ومن هذا الجنس محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضا دينيا، ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه، فتكون محبوبة من وجه، ومبغوضة من وجه، وهذا كثير، فقد تجتمع الكراهة الطبيعية مع المحبة الدينية كما في الجهاد فإنه مكروه بمقتضى الطبع، ومحبوب لأمر الله به، ولما يفضي إليه من العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(216) سورة البقرة].
ومن هذا النوع محبة المسلم لأخيه المسلم الذي ظلمه فإنه يحبه في الله، ويبغضه لظلمه له؛ بل قد تجتمع المحبة الطبيعية، والكراهة الطبيعية كما في الدواء المر: يكرهه المريض لمرارته، ويتناوله لما يرجو فيه من منفعة.
وكذلك تجتمع المحبة الدينية مع البغض الديني كما في المسلم الفاسق فإنه يحب لما معه من الإيمان، ويبغض لما فيه من المعصية.
والعاقل من حكّم في حبه، وبغضه الشرع، والعقل المتجرد عن الهوى، والله أعلم.
[من أجوبة الشيخ البراك على أسئلة ملتقى]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:51 م]ـ
الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية
(يُتْبَعُ)
(/)
قال أهل العلم إن الفرق بين الإرادتين من وجهين:
أما الإرادة الكونية فإنها عامة لكل الموجودات فهي شاملة لما يحب -سبحانه- وما لا يحب، فكل ما في الوجود فهو حاصل بإرادته الكونية سواء في ذلك ما يحبه الله أو يغضبه فكل ما في الوجود فهو حاصل بإرادته -تعالى- الكونية التي هي بمعنى المشيئة فإنه لا يخرج عن مشيئته أو إرادته الكونية شيء ألبتة.
أما الإرادة الشرعية فإنها تختص بما يحبه سبحانه فالطاعات مرادة لله شرعًا أما المعاصي فليست مرادة شرعًا وما وقع من الطاعات ما حصل منها فإذا صليت مثلًا نقول: هذه الصلاة تتعلق بها الإرادتان: الإرادة الكونية والإرادة الشرعية. ماذا تقول؟ .. أقول ما يقع من الصلاة إذا صلى الإنسان أو أي طاعة تفعلها فإنها واقعة بالإرادة الكونية ومتعلق كذلك للإرادة الشرعية فهي مرادة لله كونًا وشرعًا. أما المعاصي فهذه مرادة لله كونًا؛ لأنها لا يقع في الوجود شيء البتة إلا بإرادته ومشيئته -سبحانه- لكن هل المعاصي محبوبة لله؟ لا بل هي مبغوضة وإن كانت واقعة بإرادته فهذا هو الفرق بين الإرادتين.
فرق بين الإرادتين من وجهين. الأول: أن الإرادة الكونية عامة لما يحبه الله وما لا يحبه لكل ما في الوجود، فكل ما في الوجود فهو مراد الله كونًا وهو حاصل بمشيئته -سبحانه وتعالى- أما الإرادة الشرعية فإنها إنما تتعلق بما يجب -سبحانه وتعالى- فقط قال أهل العلم: "فتجتمع الإرادتان في إيمان المؤمن وطاعة المطيع تجتمع الإرادتان كما في المثال المتقدم.
وتنفرد الإرادة الشرعية في إيمان الكافر أليس الكافر مطلوب منه الإيمان؟ نعم لكنه لم يحصل فهو مراد لله شرعًا لكنه غير مراد كونًا إذ لو شاء الله لاهتدى وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا وكذلك الطاعة التي أُمِرَ بها العبد ولم يفعلها هذه مرادة لله شرعًا لكنها لم تتعلق بها الإرادة الكونية؛ إذ لو تعلقت بها الإرادة الكونية لحصل؛ لأن ما في إرادة الله كونًا. هذا من الفروق.
وفرق ثالث: وهو أن الإرادة الكونية لا يتخلف مرادها أبدًا، أما الإرادة الشرعية فقد يقع مرادها وقد لا يقع فالله أراد الإيمان من الناس كلهم أراده شرعًا يعني. أمرهم به وأحب ذلك منهم ولكن منهم من آمن ومنهم من كفر.
فالإرادة الكونية لا يتخلف مرادها، أما الإرادة الشرعية فقد يحصل مرادها وقد لا يحصل.
وقال أيضا في موضع آخر من الشرح:
ويفرق العلماء بين الإرادتين من وجوه:
أولاً: أن الإرادة الكونية عامة، فجميع الوجود مراد لله، وواقع بمشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فليس في الوجود، لا يقع في الوجود إلا ما شاء سبحانه وتعالى، ولا يكون إلا ما يريد أبداً، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فالذي وقع نقول فيه: شاءه الله، وما لم يقع ما ندري عنه.
نقول: إن شاء الله يعني: ما فعلته اليوم، أو أمس هل شاءه الله؟. نعم شاءه، لكن ما تنوي فعله غداً ما ندري عنه، فإن وقع علمنا أن الله قد شاءه، وإذا لم يقع علمنا أن الله لم يشأه.
عامة الإرادة الكونية عامة بمعنى المشيئة عامة، تشمل كل ما في الوجود، من خير وشر، كله بمشيئته سبحانه وتعالى، وهذا يرجع إلى كمال ملكه، إلى كمال الملك، فله الملك كله، فكل ما في الوجود فإنه واقع بمشيئته وقدرته تعالى، أما الإرادة الشرعية فليست عامة، بل هي مختصة بما يحبه الله، بما يحبه الله، فالله يريد من عباده الإيمان والطاعة، إذا كان يريد من عباده الإيمان والطاعة، فهذا معناه الإرادة الشرعية.
وهذه الإرادة تتضمن المحبة، فالله يحب الإيمان والمؤمنين، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، يريد من عباده الأعمال الصالحة، ويحبها الله، يحب التقوى والتوبة لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته … الحديث.
فهذان فرقان الأول: أن هذه عامة، والإرادة الشرعية خاصة هنا فرق هذا واحد. الفرق الثاني: أن الإرادة الكونية لا يتخلف مُرَادُها يعني: لا بد أن يقع ما أراده الله، فلا بد أن يقع لا بد؛ لأنه تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ما شاء الله كان، وأما الإرادة الكونية فقد يقع المراد، وقد لا يقع، فليس كل ما أراده الله كونه يعني: شرعا يكون.
فتجتمع الإرادتان في إيمان المؤمن، فإيمان المؤمن مراد لله كونا وشرعا، وتنفرد الإرادة الكونية بكفر الكافر، فكفر الكافر ومعصية العاصي أليست واقعة بمشيئة الله؟ وقع شيء من ذلك قهرا على الله؟ لا، فتستقل به الإرادة الكونية والمشيئة.
وأما الإرادة الشرعية فتنفرد بإيمان الكافر؛ لأنه ما وقع، لكن الله أراده منه وأمره ودعاه إلى الإيمان؛ فهذا مما بينه أهل العلم للفرق بين الإرادتين، الإرادة الكونية والإرادة الشرعية.
فإذا رأينا مثلاً شيئا من الحوادث العامة، يعني رأينا شيئا من المخلوقات نقول: هذا واقع بقدر الله بمشيئته -سبحانه وتعالى- وإرادته يعني: الإرادة الكونية، لكن إذا العبد صلى وأطاع ربه فصلاته واقعة بالإرادتين، وإذا لم يصل عصى، ولم يصل فهو مأمور بالصلاة، والله يريد منه الصلاة، الإرادة الكونية، ولكنه لم يفعل، والله أحكم الحاكمين، وبهذا يعلم أن الله قد يشاء ما لا يحب، ككفر الكافر، ويحب ما لا يشاء كإيمان الكافر، الذي لم يحصل.
فعلى كل حال ينبغي الفرق بين الإرادتين، فالمسلمون الآن يعلمون هذا ولله الحمد بفطرتهم، وبما علموه من كتاب الله، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإذا رأوا أيَّ أمر قالوا: هذا بقدر الله، وبمشيئة الله وبإرادته، يعلمون أنه لا يكون إلا ما يشاء، ويقولون: إنه تعالى يحب من عباده الإيمان والطاعة، هذه أمور محبوبة له سبحانه وتعالى، فليس كل ما في الوجود محبوبا له كما تقول الجهمية والجبرية، وليس شيء من الوجود خارجا عن الإرادة كما تقول القدرية. القدرية ينفون عموم المشيئة، ويخرجون أفعال العباد عن مشيئة الله، هؤلاء القدرية مجوس هذه الأمة.
[من شرح الواسطية للبراك]
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:54 م]ـ
الفرق بين اسمي الله تعالى: الرحمن والرحيم
هذان الاسمان من أسماء الله الحسنى فهو الرحمن وهو الرحيم.
والمشهور في الفرق بينهما أن الرحمن يدل على الرحمة العامة والرحيم يدلُّ على الرحمة الخاصة بالمؤمنين، وقال بعضهم: الرحمن يعني في الدنيا والآخرة والرحيم يعني في الآخرة وهذا قريب من الذي قبله والحق أنه -سبحانه وتعالى- الرحمن الرحيم في الدنيا والآخرة.
وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: الرحمن الرحيم اسمان رقيقان يعني يدلان على الرحمة وهي معنًى فيه رقَّة يعني فيه الرحمة تقتضي الإحسان والإنعام والإكرام ولا يقال: إن هذا تفسير للرحمة؛ لأنها صفة معقولة المعنى وضد الرحمة القسوة وضد الرحمة العذاب: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ.
وفرَّق ابن القيم في الفرق بين هذين الاسمين بأن الرحمن يدل على الرحمة الذاتية والرحيم يدل على الرحمة الفعلية، الرحمة الذاتية للرب سبحانه فإنه -تعالى- لم يزل ولا يزال متصفًا بالرحمة فالرحمة من صفاته الذاتية وهو موصوف بالرحمة الفعلية التي تتعلق بها مشيئته هذه هي الرحمة الفعلية صفة فعلية يرحم مَن يشاء فلا يزال يرحم مَن يشاء كيف يشاء وتقول: لا يزال الله -سبحانه وتعالى- رحيمًا لا يزال موصوفًا بالرحمة، لم يزل ولا يزال موصوفًا بالرحمة -سبحانه وتعالى- هذا اسمان عظيمان.
[من شرح الواسطية للبراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[11 May 2005, 05:56 م]ـ
ما الفرق بين الجبرية والقدرية؟
الجبرية والقدرية ضدان، القدرية يقولون: إن العبد يخلق أفعاله ويتصرف بمحض مشيئته، ولا علاقة لمشيئة الله، ولا علاقة لقدرة الله بأفعاله، هؤلاء هم القدرية النفاة.
أما الجبرية فيقولون: إن العبد لا مشيئة له، ولا قدرة له فحركاته وقيامه وقعوده كلها بمشيئة الله وبقدرة الله، ولا مشيئة للعبد ولا قدرة للعبد، فحركة الإنسان ذهابا ومجيئا وقياما وقعودا وصعودا وهبوطا، كل ذلك بغير مشيئة ولا اختيار، إنكار للحس.
فأفعال المخلوق، أفعال العبد كحركة المرتعش مثل المصاب بالرعشة بيده، المرتعش له إرادة في هز يده؟ لا، لكن أنت إذ هززت يدك تتكلم تقول: اسمعوا = هذه حركة إرادية وإلا غير إرادية؟ هذه إرادية.
وحركة المرتعش لا إرادية، وحركة النائم لا إرادية، فالجبرية يقولون: الإنسان مجبور على أفعاله؛ إذ ليس له فيها إرادة، ما له إرادة، وهذا باطل شرعا وعقلا وحسا.
وهذا يقتضي أن الإنسان إذا فعل فعلاً لا يلام؛ ولهذا يرد عليهم أهل السنة يقولون: إذا صح لكم هذا فإذا اعتدى أحد عليكم فماذا تفعلون به؟ إذا قلتم: إن الإنسان مجبور، واحتججتم بالقدر على المعاصي التي تفعلونها فإذا اعتدى شخص على واحد منهم بالضرب والأذى، هل يقبل منه أن يقول: هذا بقدر، وأنا غير مختار هل يقبل هذا منه؟ لا يمكن.
ما تستقيم ومذهبهم باطل لا يستقيم عليه أمر الدنيا ولا الآخرة، والجبرية يسمون المشركية؛ لأنهم يشبهون الذين قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا و كل من احتج بالقدر على المعاصي فهو يجنح إلى الجبر، السارق إذا جاء وأخذناه وقلنا له: لِمَ تسرق؟ قال: هذا قدري، هذا ليس بإرادتي، هذا قدر، هل نقبل منه ذلك؟ القائل نقبل منه يحتج بالقدر، ويقول: أنا مجبور.
لا، بل نقتل القاتل عمدا، ونقطع يد السارق. كما جاء عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه احتج عليه سارق بالقدر، فقال: إنما سرقتُ بقدر الله. قال عمر: ونحن نقطع يدك بقدر الله.
[من الأسئلة أثناء شرح الواسطية للشيخ البراك]
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[12 May 2005, 02:05 ص]ـ
* سرد الشيخ بكر أبو زيد في كتابه " التقريب لعلوم ابن القيم" الفروق عند ابن القيم، ثم جمعها في كتاب مستقل الأخ يوسف الصالح وطبع عام 1413هـ.
وجمعها أيضا: علي بن إسماعيل القاضي وعنون لها "الفروق الشرعية واللغوية عند ابن القيم " وطبع عام 1423هـ.
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[12 May 2005, 03:17 م]ـ
لوجود الإضافات من الإخوة على الموضوع، وتوفيرا للوقت يمكن متابعة الموضوع هنا:
الفروق في أبواب الاعتقاد ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=160086#post160086)(/)
((طلب)) مساعدة لإكمال مشروع جامع في الرياض
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[12 May 2005, 04:45 م]ـ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أيها الإخوة أرجو منكم مساعدتي ولكم منا جزيل الشكر والدعاء وطلبي هو أن تدلوني على أحد يكمل مشورع جامع في الرياض في حي الحمراء بين مخرج 9 ومخرج 10 وفي المرفق كروكي المسجد ورقم الإمام
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[12 May 2005, 05:01 م]ـ
روى مسلم في صحيحه حدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيرا حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه أنه سمع عبيد الله الخولاني
يذكر أنه سمع عثمان بن عفان عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إنكم قد أكثرتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجدا لله تعالى قال بكير حسبت أنه قال يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة
ابن عيسى في روايته مثله في الجنة
وقال حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا الضحاك بن مخلد أخبرنا عبد الحميد بن جعفر حدثني أبي عن محمود بن لبيد
أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك فأحبوا أن يدعه على هيئته فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله
((والدال على الخير كفاعله))
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[26 May 2005, 11:16 م]ـ
رقم الإمام 0503286801 عمر المضحي
رقم المؤذن 0553193720
عمر الزومان(/)
دعاة على أبواب جهنم ... في بلاد الإسلام
ـ[أبو زينب]ــــــــ[13 May 2005, 12:28 ص]ـ
بعد غياب طال لأكثر من شهرين قمت فيها بسياحة خارج الوطن ثم بسياحة افتراضية في أحد المنتديات العامة. أعود بإذن الله تعالى للقاء الأحبة و الإخوة في منتدانا المبارك. و رغم أني لم أشارك في المداخلات لكني لم أغب عن قراءتها.
و كما ذكرت لكم فقد التحقت بأحد المنتديات العامة بعد ما شاهدت فيه من هجومات على السنة النبوية الشريفة -على صاحبها أفضل الصلاة و أزكى السلام - و على الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- بل و على الخالق و الإسلام ... كنت أتوقع جهلا بسيطا يحتاج لتبصرة. و لكن ما راعني إلا و المشاركون مصممون على إنكار السنة و التهجم و التهكم على كل من يحتج بحديث نبوي. بدأت أصاب بالإرهاق و الكلل. و لم أر بدا من الانسحاب خاصة بعد مشورة بعض الإخوة.
هذا الموضوع قرأته في أحد المواقع و هالني ما قرأته من تخطيط و تنسيق لمحاربة الإسلام و أتباعه. فأصبحت الندوات تعقد باسم الإسلام في بلاد الإسلام لمحاربة الإسلام بالتعاون مع أعداء الإسلام. و قد قمت بتسطير أهم ما جاء في المقال. و لكن الأكثر أهمية هو ما اتفق عليه المشاركون و نادوا بضرورة العمل على تطبيقه. إنهم جادون و ماضون في خططهم.
في ندوة «حوار الأديان التوحيدية الإبراهيمية من أجل التسامح والسلم» بتونس .. القراءات الخاصة للنصوص الدينية أفسدت علاقات أصحاب الأديان
تاريخ النشر: الإثنين 9 مايو ,2005 تمام الساعة 06:49 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة
تونس ـ صالح عطية:
هيمنت على المشاركين في ندوة عقدت بتونس تناولت «حوار الأديان التوحيدية الإبراهيمية من أجل التسامح والسلم»، إشكالية ذات أهمية بالغة، تتصل بالراهن الدولي في العلاقة بالأديان. لقد تبين، لرجال وعلماء الدين، والمتخصصين في تاريخ الأديان والمهتمين بعلم اجتماع الأديان، أو علوم الإنتروبولوجيا الثقافية، الذين يحاولون فهم الظاهرة الدينية في أبعادها الثقافية، أنه في الوقت الذي يعتبر فيه الجميع، أن التعايش هو الركيزة الأساسية لمختلف الأديان، فإن المجتمعات والشعوب، تخوض صراعات وحروبا، باسم الدين، أو من أجل التوقي من التوظيفات الدينية المتطرفة، في هذا الجانب أو ذاك.
لم يخف المشاركون في هذا الملتقى، انشغالهم بما يجري اليوم في العالم، من صراعات لا تزيد الإنسانية إلا آلاما وجراحات مؤلمة.
واعتبر جل المحاضرين في مداخلاتهم، أن الأديان تلعب دورا ضمنيا في هذا الوضع، غير أنهم وجهوا أصابع الاتهام إلى الأطراف التي انتصبت للتحدث باسم الأديان، وتقديم قراءاتهم الخاصة للنصوص الدينية، بما جعلهم يتسببون في إفساد العلاقات بين أصحاب هذه الديانات، ما أدى إلى حصول صراعات، لا تكاد تتوقف، حتى تتأجج من جديد.
واقترحوا ـ كبديل لهذا المأزق ـ اعتماد قراءة نقدية وجدية للنصوص الدينية، والدعوة الصريحة من قبل اليهود الذين شاركوا في الملتقى، بضرورة إعادة صياغة شكل التعليم ومضمونه لدى الناشئة، خاصة فيما يتعلق بالأديان، بهدف تمكينها من المعرفة بهذه الأديان، تؤهلهم لتسليط حكم نزيه تجاه معتقد ديني أو آخر، حسب اعتقادهم.
الحوار كبديل عن الصراع ..
وقال كبير أحبار فرنسا جوزيف سيتروك، إننا فعلا مختلفون، كل شخص منا يحمل صفات وخصوصيات تعود له فقط، ولكننا مطالبون بالحوار، وهذا الحوار لا ينبغي أن يقتصر على الندوات العلمية، بل يجب أن يتواصل بالمدرسة والجامعة، معربا عن تشجيعه على السفر وتبادل المعرفة، وعلى الالتقاء .. وشدد على أن الحقيقة لا يملكها أحد، وأن الحوار هوالضامن الأساسي للسلام.
ودعا الزعيم السابق للأحبار في فرنسا، صامويل سيتروت في محاضرته، إلى ضرورة تعليم الناشئة لغة الحوار، وتكوينهم على قبول الرأي الآخر أو رفضه وفقا لمنهجية واضحة تجعل من الحوار والالتقاء، سبيلا للتعايش بين الأديان، سواء فيما بين الأمم أو الشعوب أو صلب البلد الواحد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأكد الأستاذ محمد حسين فنطر، رئيس كرسي بن علي لحوار الحضارات، الذي تولى تنظيم هذا الملتقى، أن تونس كانت منذ العهد القرطاجني القديم، أرضا لم تشهد على مر التاريخ، أي صراعات دينية، مشددا على أن السلم يبقى مسؤولية الجميع، سواء حكومات ومجتمعاً مدنيا ومثقفين وعلماء ورجال الدين، إلى جانب مختلف الفعاليات الاجتماعية والسياسية والثقافية، معربا عن أمله في أن يكون القرن الحادي والعشرين، قرن اعتراف كل واحد من البشر بالآخر، باختلافاته وخصوصياته ..
وأوضح الدكتور ميلاد حنا «مسيحي مصري»، أن العالم تتوافر فيه عشرات الأديان الكبرى، ومئات المذاهب والفرق، غير أن الأديان الإبراهيمية الثلاث، تظل الأكثر تأثيرا على الساحة الدينية والثقافية والسياسية في العالم، وهو الدور الذي لعبته عبر التاريخ .. مشيرا إلى أن هذه الأديان، عرفت صراعات في إطار الدين الواحد، أثمرت مذاهب عديدة، بما يعني ثراءها وغناها.
وتحدث المحاضر عن خصائص الديانات الإبراهيمية الثلاث، فلاحظ أن هناك أدياناً تبدو دعوتها ذات صبغة إنسانية، وهو ما يجسده الإسلام والمسيحية، اللذان يحملان هذا التوجه منذ نشأتهما، فيما تعد اليهودية الديانة الوحيدة ضمن الديانات الإبراهيمية، التي تتسم بالانغلاق، نتيجة اقتصارها على مفهوم «الأمة اليهودية»، وهي لهذا السبب عاجزة عن نشر رسالتها لغير اليهود، بل إن هذه الديانة، باتت ـ على حد قوله ـ وكأنها «جنسية» أو «قومية»، أي تجمع لقوم، وليس لدين.
واستعرض الدكتور ميلاد حنا، مختلف التطورات التي عرفتها الأديان، متوقفا بالخصوص عند التحالفات بين اليهود وعدد من الاتجاهات المسيحية، ومن بينها «التحالف» الذي يطلق عليه «المحافظون الجدد»، والذي يقود الولايات المتحدة الأمريكية منذ وصول الرئيس الأمريكي الراهن إلى السلطة قبل أربع سنوات، ملاحظا أن هذا التحالف، تسبب في حالة من الصراع بين الحضارات، بلغت حد الكراهية بين الغرب والإسلام .. لكنه أكد في المقابل، أن الحوار متوافر على مساحة واسعة، صلب العالم الإسلامي وخارجه، وهو حوار تاريخي نشأ مع إطلاق الدعوة الإسلامية، ويتواصل اليوم في أوروبا، بهدف التوصل إلى فهم جيد وفعال للإسلام «الصحيح» ـ حسب تعبيره ـ الذي بوسعه التعايش في أوروبا.
وأثارت مداخلة الدكتور ميلاد حنا، ردود فعل إيجابية، سيما عندما تتطرق إلى مسألة التحالف اليهودي ـ المسيحي في الولايات المتحدة، الأمر الذي أسال لعاب الكثير من المتدخلين خاصة في مجال الحديث عن الحرب الصليبية، التي كان بوش أطلقها فور تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
فقد تناول الأستاذ، جوان آلدن ويليامس «الولايات المتحدة»، موضوع عودة الحروب الصليبية .. فلاحظ أن هذه الفكرة، تعيش مع الأمريكيين منذ عهد الرئيس ويلسون، الذي يرى ـ وهو المسيحي البروتستانتي ـ أن أمريكا لها وظيفة دينية تتمثل في العودة إلى المسيحية، التي تعد جذورها الأولى، والعمل على نشرها في شتى بقاع العالم، وهو الخطاب الذي ما يزال مقبولا لدى الأمريكيين إلى غاية الوقت الراهن .. داعيا إلى إدانة الممارسات التي وصفها بـ «الظالمة» للإدارة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بسياستها الخارجية.
لكن السيد ويليامس، المتخصص في تاريخ الحضارات بالجامعة الأمريكية، اعتبر أن هذا الخطاب، تتولى ترويجه بعض المجموعات لأهداف ومصالح ذاتية، «أما الصليب الذي يزعمون أنهم يقيمون الحروب من أجله، فهو منهم براء»، كما يقول، مشددا على ضرورة احترام عقائد الآخرين وعاداتهم وسلوكياتهم، حتى وإن لم تشاطرهم الرأي، وأكد في ذات الوقت، على أهمية الاقتناع بأن «المعتقدات الدينية، تفرض علينا بالضرورة، الاعتراف بالآخر .. ».
النصوص أرحم من التطبيقات ..
على صعيد آخر أوضح الأستاذ الصادق بلعيد «أستاذ القانون بالجامعة التونسية» في محاضرته حول «الإسلام والتشريع»، أن النص القرآني غالبا ما تتم قراءته بصورة مشوهة، والتلاعب بمعانيه وفق أهواء الناس المستفيدين من ذلك، متوصلا إلى أن الأديان، أكثر تسامحا في نصوصها، من تطبيقات البشر، مقدما بعض الأدلة الشرعية كتلك التي تشمل أحكام الإسلام في مسائل مثل الزنا أو السرقة وغيرهما .. مشيراً إلى أن أحكام النص القرآني، هي في الغالب أرحم من أحكام الناس الذين يبالغون فيها، أو يحرفونها تماما.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعارض الأستاذ المازري حداد، الجامعي التونسي المقيم في فرنسا، بشدة نظرية «هنتنغتون» الشهيرة حول صدام الحضارات، وقال إن الصدام ليس بين الحضارات، إنما يعود إلى الجهل وانعدام الثقافة وهيمنة التعصب الديني. واعتبر أن مصطلح «التسامح» الذي يتردد كثيرا هذه المدة، لم ينشأ ـ برأيه ـ قبل القرن السادس عشر مبرزا أن المفكر الإنجليزي «جون لوك»، هو أول من جسد من خلال أفكاره، قيمة وفلسفة التسامح، بما يعني الاعتراف بالآخر وبخصوصياته، بشكل ندي للطرف المقابل. وأكد المحاضر في ختام مداخلته حول «منهج المقارنة بين الأديان والحضارات»، أنه حيثما وجدت مظاهر اللا تسامح، يكون الجهل سيد الموقف.
وقدم إمام جامع باريس، الجزائري، «دليل أبو بكر»، صورة عن الوضع في أوروبا، الذي قال إنه يتسم بتعدد الثقافات بفعل العدد الكبير من المهاجرين .. واعتبر أبو بكر، أن دفع الحوار «واجب أساسي»، سيما وأن الكتب الدينية السماوية الثلاثة، يكمّل الواحد منها الآخر، داعيا إلى جعل الأديان، «مصدرا للهدوء والتعامل بصفاء مع الآخر، وعدم اعتباره خصما» ..
استنتاجات وخلاصات ..
لم تكن الندوة بذلك العمق الفكري والفلسفي الذي كان منتظرا منها، فقد خاض الجميع في قضايا شائكة ولكن طريقة المعالجة، اتسمت بالعمومية ولم تطرح الخلافات والتناقضات بين الفعاليات الدينية المختلفة، على بساط الدرس والنقاش المعمق .. لم يحصل تباين كبير في المواقف والأفكار، ربما لان معظم الحاضرين من المفكرين ورموز الأطياف الدينية، اليهودية والمسيحية، كانوا حريصين على التوافق أكثر من حرصهم على التباين والتناقض. على أن الجميع أعرب عن قناعته التامة، وبشكل واضح لا غبار عليه، بأن الأديان، على اختلاف مرجعياتها، ستواصل لعب دور عالمي مهم في المستقبل، لكنهم اتفقوا حول جملة من الأفكار أهمها:
< < أنه بات من الضروري اليوم، إخضاع الأديان إلى إصلاحات جوهرية تبدأ من المدارس وصولا إلى الجامعات.
< < الدعوة إلى إخضاع النصوص الدينية، إلى قراءات جديدة ومستنيرة تستفيد من التطور الذي تشهده العلوم اليوم.
< < دعوة المسؤولين ورموز وزعماء الفعاليات الدينية، إلى الالتزام بالعهود والمواثيق التي تكفل حقوق الإنسان، ومن بينها حرية المعتقد.
< < مناشدة الحاضرين للنضال من أجل مقاومة مختلف الاتجاهات والنظريات التي تخدم التيارات الأصولية، وتشجع على التعصب الديني بشكل عام.
< < تشجيع الحوار بين الديانات، بشكل يقرب الهوة فيما بينها ويخلق نوعاً من الحوار الجاد والعميق.
< < ضرورة النضال من أجل خلق مناخ من التسامح، ليس بين الديانات المختلفة فحسب، وإنما أيضا بين أصحاب ومعتنقي الديانة الواحدة.
http://www.al-sharq.com/site/topics/printArticle.asp?cu_no=1&item_no=145376&version=1&template_id=265&parent_id=259
وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم " .... دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها فقلت يا رسول الله صفهم لنا قال نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ... "
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[13 May 2005, 07:15 ص]ـ
بارك الله فيكم يا أبا زينب على هذه الإضاءات القيمة، والتنبيهات المهمة. وما أشرتم إليه في هذا المؤتمرأصبح حديث الإعلام في زماننا هذا، وينبغي أن يدعونا هذا للعمل بشكل مركز. وموضوع القراءة الجديدة للنصوص الدينية مصطلح براق، كأنه يعني جميع الأديان، وفي الواقع التطبيقي لا تجدهم يعيدون إلا قراءة النصوص الإسلامية، وهذا موضوع يحتاج إلى توسع، وهوجدير من الباحثين بالدراسة والتوسع. وقدناقشه مؤتمر دبي الأخير وقدمت فيه دراسات جيدة جديرة بالحوار، ولعل هذا يتيسر إن شاء الله.(/)
مشروع الخطة الاسلامية للتعاون الدولي لمكافحة الارهاب
ـ[المجدد الوسطي]ــــــــ[13 May 2005, 08:07 م]ـ
الاخوة الاحبة قد تم نشر مشروع الخطة الاسلامية للتعاون الدولي لمكافحة الارهاب
والتي اعدها فضيلة العلامة الدكتور عبدالله بن بيه حفظه الله فادعوكم باسم القائمين على الموقع للاطلاع عليها وتقييمها علما ان الباب سيفتح لمناقشة الخطة وتلقي ارائكم حولها في وقت قريب على موقع فضيلة الشيخ
www.binbayyah.net
مع شكري لكل مستجيب للدعوة
اخوكم
ـ[المجدد الوسطي]ــــــــ[14 May 2005, 12:55 م]ـ
اخوتي الاحبة اقدم لكم نص خطة العلامة بن بيه على مراحل ومرحبا بمداخلاتكم
اخوكم
البطل
.................................................. .......................................
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه
{خطة ابن بيّه لمكافحة الإرهاب}
مرجعية الخطة إسلامية إنسانية ونعنى بها مبادئ أخلاقية يزكيها الإسلام والقانون الدوليِّ والمنطق السليم كما تعنى أنّ الأفكار التي تتضمنها تعبر عن شعور أغلب الناس في العالم الإسلامي أصالة ومن الطبيعي أن كثيراً من الناس في كل الديانات والحضارات لهم شعور مماثل.
أهداف الخطة:
- تقديم رؤية مقنعة لمكافحة الإرهاب.
- إيجاد أرضية مشتركة لتعاون دولي لمكافحة الإرهاب تفعل دور المثقفين والعلماء لفتح حوار واسع الآفاق حول معضلة الإرهاب.
خطة إسلامية للتعاون الدولي:
مقدمة: إن الإرهاب عابر القارات أساء وآذى العالم كله وفي مقدمته العالم الإسلامي الذي أصبح إلى حدِّ ما يمثل دور الضحية والمتهم لا يمكن القضاء عليه إلا من خلال تضامن دولي صادق وفعال ونعنى بذلك أن ينطلق هذا التضامن من قاعدة مفاهيم متفق عليها نحو أهداف متفق عليها بواسطة وسائل وآليات متفق عليها.
وفي تصوري أن ذلك لم يتم حتى الآن.
والاستشهادات التالية تشير إلى رغبة في تعاون دولي لم تتحقق: الفقرات لكاتبة غربية: ويمكن للأمم المتحدة أن تستمر في دورها كقوة فاعلة في محاربة الإرهاب من خلال مساندة شرعية التصدي العسكري المسلح له وزيادة فاعلية العقوبات الاقتصادية والسياسية وتقوية وإدامة التعاون المتعدد الأطراف لمحاربته وأيضا عن طريق وضع معايير دولية ثابتة لتحديد المسئوليات.
والأهم من هذا كله أن الأمم المتحدة بجهودها الرامية إلى حسم الصراعات الإقليمية ورعاية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير سيادة القانون ومعايير الحكم المناسب تستطيع تحسين الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحيلولة دون استفادة الجماعات الإرهابية منها.
وكان بيان الرياض يؤكد على وجوب تظافر الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في شتى المجالات.
وقد تقدم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بمقترحات لمؤتمر مدريد المنعقد حول الديمقراطية والإرهاب والأمن تتكون من خمس نقاط لمحاربة الإرهاب.
وتتمحور الإستراتيجية في إقناع الجماعات الساخطة بالعدول عن اختيار الإرهاب كأسلوب لتحقيق أهدافها وحرمان الإرهابيين من وسائل تنفيذ هجماتهم وإثناء الدول عن دعم الإرهابيين وتطوير قدرات الدول لمنع الإرهاب وأخيرا الدفاع عن حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب.
وقال عنان إن الإرهاب يمثل هجوما مباشرا على القيم الأساسية التي تنادي بها الأمم المتحدة: سيادة القانون وحماية المدنيين والاحترام المتبادل بين الناس من مختلف الأديان والثقافات والحل السلمي للنزاع، لذلك لا بد أن تكون الأمم المتحدة في الصدارة لمكافحته حيث إن الإرهاب لا يمكن قبوله أو تبريره في أية قضية كانت.
وأضاف الأمين العام أن الأمم المتحدة ظلت لسنوات عديدة تؤدي دورا هاما في جميع هذه المجالات وقد حققت نجاحات هامة إلا أننا نحتاج إلى أن نفعل المزيد ويجب أن نقوم بأفضل من ذلك.
وفي تفصيل أكثر للنقاط التي وضعها قال عنان "إن الإرهابيين يختارون الأساليب الإرهابية لأنهم يعتقدون أن تلك الأساليب فعالة إلا أنه يجب أن نبين بوضوح وعن طريق جميع السلطات المعنوية والسياسية الممكنة أن الإرهاب غير مقبول تحت أي ظرف من الظروف وفي أي ثقافة".
(يُتْبَعُ)
(/)
وطالب عنان باتفاقية شاملة تحظر الإرهاب بجميع أشكاله وقال إن الحق في مقاومة الاحتلال ينبغي أن يفهم بمعناه الصحيح إذ لا يمكن قبول قتل أو تشويه المدنيين عمدا.
وأكد الأمين العام أن اللجنة رفيعة المستوى التي عينها العام الماضي لدراسة التهديدات والتحديات العالمية والتوصية بإجراء تغييرات في النظام الدولي، طالبت بوضع تعريف للإرهاب يوضح ما إذا كان "أي تصرف يشكل إرهابا إذا كان القصد منه التسبب في وفاة مدنيين أو غير محاربين أو إلحاق الأذى الجسماني الجسيم بهم بغرض تخويف مجموعة سكانية أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه".
أما بالنسبة للعنصر الثاني وهو حرمان الإرهابيين من وسائل تنفيذ هجماتهم أوضح الأمين العام قائلا "إن الأمم المتحدة قدمت في هذا المجال مساهمات هامة، فقد ظلت اتفاقية الأمم المتحدة لقمع وتمويل الإرهاب سارية لمدة ثلاث سنوات، مؤكدا أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراء فعال ضد غسيل الأموال بالإضافة إلى حرمان الإرهابيين من الحصول على المواد النووية".
وأضاف عنان كون هجوم كهذا لم يقع بعد فإنه لا يعتبر مبرراً للرضا بما تحقق بل يتيح ذلك فرصة أخيرة لاتخاذ إجراء وقائي فعال.
أما بالنسبة للعنصر الثالث وهو ثني الدول عن دعم الجماعات الإرهابية، أشار الأمين العام إلى أن الأمم المتحدة لم تتوان في الماضي عن التصدي للدول التي تأوي الإرهابيين وأن مجلس الأمن فرض عليها جزاءات مختلفة.
وقال عنان يجب الحفاظ على هذه السياسة الحازمة وتعزيزها وعلى كافة الدول أن تعلم أن مجلس الأمن لن يتردد في استخدام التدابير القسرية ضدها في حال تقديمها لأي شكل من أشكال الدعم للإرهابيين.
أما العنصر الرابع والمعني بتطوير قدرة الدول على مكافحة الإرهاب فقد طالب عنان بتقديم المساعدة للدول الفقيرة التي لا تستطيع بناء القدرات التي تحتاج إليها مؤكدا في الوقت نفسه أن الحكم الرشيد وسيادة القانون هما العاملان الأساسيان في مكافحة الإرهاب.
وأضاف أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يركز بصورة متزايدة على مسائل الحكم التي ندرك أنها مسائل هامة للتنمية مشيرا إلى الخدمات التي تقدمها شعبة المساعدة الانتخابية بالمنظمة إلى البلدان في تنظيم الانتخابات كما حدث مؤخرا في أفغانستان وفلسطين والعراق وبوروندي.
أما العنصر الخامس والأخير فهو حماية حقوق الإنسان، وقال الأمين العام في هذا الصدد "إن خبراء دوليين في حقوق الإنسان، بمن فيهم خبراء الأمم المتحدة، يجمعون على أن العديد من التدابير التي تعتمدها الدول حاليا للتصدي للإرهاب تنتهك حقوق الإنسان والحريات الأساسية".
وأكد عنان أن الإخلال بقانون حقوق الإنسان لا يمكنه أن يخدم مكافحة الإرهاب بل على النقيض ييسر للإرهابي بلوغ هدفه بمنحه قاعدة أخلاقية عليا وبإثارة التوتر والكراهية وطالب الأمين العام بإنشاء وظيفة مقرر خاص يقدم تقاريره إلى لجنة حقوق الإنسان عن توافق تدابير حقوق الإنسان مع قوانين حقوق الإنسان الدولية".
يمكن أن نستخلص النقاط التالية:
- أن الإرهاب لم يعرف وأن عدم تعريفه يُكون هماً وهاجساً للأمم المتحدة.
- الحاجة إلى تغييرات في النظام الدولي.
- ضرورة التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.
- الاهتمام بالحكم الرشيد.
- ضرورة احترام حقوق الإنسان التي صرح الأمين العام بأنها انتهكت بالفعل وأن انتهاكها ليس في صالح مكافحة الإرهاب.
في النهاية يمكن الاستنتاج من ما قاله عنان بضرورة إيجاد خطة دولية أكثر إلتزاماً بالأخلاق ومطابقة للقانون الدولي، تحوز رضا الجميع، بما فيهم الدول الصغيرة.
.............................................
يستكمل ان شاء الله تعالى
www.binbayyah.net
ـ[المجدد الوسطي]ــــــــ[15 May 2005, 08:29 ص]ـ
الاحبة الاخوة هذا هو الجزء الثاني والاخير من الخطة
اخوكم
................................
في النهاية يمكن الاستنتاج من ما قاله عنان بضرورة إيجاد خطة دولية أكثر إلتزاماً بالأخلاق ومطابقة للقانون الدولي، تحوز رضا الجميع، بما فيهم الدول الصغيرة.
انطلاقاً من هذا أردت أن أقدم أفكاراً وليست خطة أو إستراتيجية تدعي الكمال وتحوز الاتفاق وإنما هي أفكار للمناقشة صورتها برؤية إسلامية صغتها كالتالي:
(يُتْبَعُ)
(/)
فما هي رؤية العالم الإسلامي للتعاون الدولي؟ و ما هو موقعه في هذا الوضع؟
وهل هو شريك أم هو موضوع؟
- وبكلمة واحدة- ما هو مشروع العالم الإسلامي لمكافحة الإرهاب؟ وموقعه في المشروع الغربي "العالمي" هل هو لاعب أو لعبة؟
وحيث أن المشروع الغربي قد جرب في أقطار عدة من العالم فهل يمكن للعالم الإسلامي أن يتفرج على لعبة الدومينو هذه حيث تتساقط البيادق نتيجة لإصابة الهدف الأول.
إن العالم الإسلامي - وهو يدين الإرهاب بشدة وقوة- مدعو لتقديم مشروع متماسك فيه شيء من الأخلاق والانضباط لإقناع الغربيين به حتى لا يكون الضحية الدائمة والوحيدة وحتى يحد - على الأقل- من خسائر معركة لا تلوح في الأفق نهايتها إذ أن حرائقها قد رمت مناطق واسعة من العالم الإسلامي.
1 - يجب أن يحدد المشروع الإسلامي مفهوم الإرهاب فما هو الإرهاب الإجرامي؟ وما هو السلوك الإرهابي؟
في غيبة تعريف جامع مانع يجمع أطرافه ويفلع أصدافه ليتبين أن دفاع الضعيف عن أرضه وعرضه ليس إرهاباً لأن عدم وجود تعريف متفق عليه يشكل معضلة قانونية وأخلاقية ويفتح آفاقاً مظلمة في العلاقات بين الشعوب والأمم.
فهل جمع الصدقات من طرف الهيئات الخيرية وتوزيعها على الفقراء والمعوزين إرهاب؟ إذ أن هذه الهيئات إنما تقوم بأداء وظيفة دينية ففريضة الزكاة في الإسلام تعتبر الركن الثالث بين الأركان الخمسة للإسلام والمسلمون يجب عليهم بنص القرآن الكريم أن يوزعوها على مصارفها.
وهل ممارسة الشعائر وغيرها من المظاهر الدينية يمكن أن توصف بأنها سلوك إرهابي؟
هل نشر المعاهد الدينية وتدريس العلوم الشرعية إرهاب؟
إنها أسئلة يجب أن تجد أجوبة من خلال تعريف واضح وشفاف، تعريف يشخص الجريمة، فالتشخيص الصائب يهدي إلى الدواء الصائب، وعلى رجال القانون والحقوق أن يقدموا الرؤية الصحيحة غير المنفعلة.
وبعبارة أخرى فإن اعتبار بعض الشعائر من قبيل السلوك الإرهابي يعقد مهمة مكافحة الإرهاب لأنه يوجد نوعاً من اللبس الضار في أذهان المتدينين وهذا لا يمنع من إيقاف كل عمل مخل بالأمن يلبس مسوح الدين أو يتخذ من عمل الخير ذريعة لكن التعميم في هذا المجال له انعكاساته ومفاعيله العكسية.
2 - وفى المقابل فعلى المشروع الإسلامي أن يقدم رؤية لثقافة التسامح الإسلامية طبقاً للمعايير والمرجعية الإسلامية الكفيلة بتجفيف الينابيع الفكرية للإرهاب وتصحيح المفاهيم المغلوطة في المنظومة المعرفية والتربوية وبخاصة فيما يتعلق بمفهوم الجهاد حتى يطمئن العالم الغربي بأن الإرهاب ليس مرادفا للجهاد فالإرهاب يختلف عن الجهاد شكلا ومضموناً.
فالإسلام يدعو إلى السلام والتعايش وذلك مؤصل من القرآن والعالم الإسلامي مستعد لغرس ثقافة السلام.
فالجهاد في الإسلام هو حرب دفاعية يعلنها الأمام أي أنها حرب بين دول لرد عدوان كما هو نص القرآن الكريم? أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا .. ? فلا يمكن لفرد ولا لجماعة أن تعلن حربا أو تقوم بعمليات هجومية على أي بلد تحت أي ذريعة وعلى العلماء والفقهاء أن يسهموا في تعريف الجهاد لتنضبط الفتاوى في هذا المجال.
ولهذا فإن نشر قيم التسامح والتواصل بين الحضارات والثقافات كما أكد عليه بيان الرياض أمر ضروري ويجب أن يكون متبادلاً وليس من جانب واحد.
3 - إن المشروع الإسلامي سيؤكد على الشفافية في قضية الاتهام الموجه إلى الأفراد أو الدول لأهمية البينة في الشريعة الإسلامية وفى كل الشرائع السماوية والنظم البشرية فالإنسان بريء حتى تثبت إدانته بالطرق القانونية فبذلك تكون الحرب على الإرهاب أكثر نظافة، لأنها تحترم حقوق الإنسان.
4 - إن المشروع الإسلامي يجب أن يؤكد على قاعدة عدم أخذ البريء بالمجرم وهى القاعدة القرآنية التوراتية الإبراهمية بنص القرآن?أم لم ينبأ بما في صحف موسى و إبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى?
وهى قاعدة تعترف بها كل الشرائع والقوانين الدولية.
5 - إن المشروع الإسلامي يؤكد على وجوب احترام المواثيق الدولية وسيادة الدول في حال ما إذا وجه الاتهام إلى أفراد أو جماعات ينتمون إلى دولة معينة أو يوجدون تحت سيادتها.
فهذه الدولة هي وحدها التي من حقها أن تقوم بعمليات التحقيق والمحاكمة مع إبلاغ الجهة المتضررة بالنتائج التي تتوصل إليها بشفافية ووضوح.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولهذا فإن معالجة موضوع الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة ستكون له أهمية كبرى لحل العقد القانونية والأمنية والنفسية التي تنشؤ من تنصيب دولة لنفسها مهما كانت قوتها للتدخل المباشر لما يسبب من زعزعة الأمن وربما من تهيئة أجواء للإرهاب أكثر ملائمة.
6 - إن المشروع الإسلامي يؤكد على وجوب وجود مشروع دولي لمعالجة الفقر والخصاصة يحترم حقوق الدول الفقيرة في النمو الذاتي ويتيح معاملة منتجاتها وسلعها معاملة تناسب أوضاعها.
7 - إن المشروع الإسلامي يؤكد على ضرورة احترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاماً وليس تبايناً وصداماً ويبرئ كل الديانات من وصمة الإرهاب وفي طليعتها الدين الإسلامي.
ويدعو إلى حوار حضاري معمق يستند إلى العقلانية والقيم الإنسانية والمصالح المتبادلة.
8 - يؤكد المشروع الإسلامي أهمية معالجة المظالم في العالم وبخاصة الظلم التاريخي في القضية الفلسطينية حتى تجتث جذور الإرهاب وتهيأ الظروف لعالم أكثر سلاماً وطمأنينة لأنه أكثر عدلاً وإنصافاً.
وبهذا الصدد فإن وضع المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حقوق معترف بها دولياً على قدم المساواة مع المنظمات الإرهابية عابرة القارات التي لا تستند إلى أيّ مبدإ خلقي من شأنه أن يضر بقضية مكافحة الإرهاب ويخلط الأوراق ويطرح الأسئلة على الضمير العالمي ويخدم الإرهابيين.
9 - تحديد مفهوم الإصلاح المطلوب دولياً ومحلياً سواء تحت مسمى الديمقراطية أو أي مسمى آخر.
لكن هذا الإصلاح ليصل إلى أهدافه بالنسبة لكثير من شعوب العالم الإسلامي وهو إصلاح يشمل المجالات الثقافية والسياسية يجب أن يكون مؤصلاً من أرضية إسلامية ليكون مفهوماً ومقبولاً ناشئاً عن تفاعل بين جدلية التراث والمعاصرة بدلاً من إصلاحات مظهرية تهيجها الضجة العالمية غير منبثقة من روح المجتمع وحاجاته.
وبالتالي فلن تأتي في النهاية بالنتائج المتوخاة في مكافحة الإرهاب بل إنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية.
10 - إيجاد آليات تعاون أمني تنساب فيها المعلومات بشكل متبادل بين الدول على قدم المساواة دون احتكار يؤكد على الثقة بين مختلف الأجهزة ويشعر الدول الثالثية بمسئوليتها ويزودها بالأدوات الفنية والمادية لتقوم بدور فعال.
كما ينبغي إيجاد آليات لتبادل ثقافي وحوار فاعل بين مختلف الفعاليات في الغرب والعالم الإسلامي وفتح وسائل الإعلام في العدوتين لنشر الحوارات وتعميمها في الجامعات والمراكز الفكرية.
ملاحظة: قبل عقود كان العالم الإسلامي منغلقاً عن فكرة الحوار أما اليوم فنلاحظ أن الجهات الغربية على مختلف الأصعدة تمارس انتقائية في الحوار وأحياناً وضع قائمة من الموضوعات المحظورة "تابو Taboo". وقد خبرت ذلك بنفسي في برشلونة وروما وغيرهما.
إن هذه النقاط العشر تمثل محاولة لإيجاد عقد عالمي طوعي يتمتع بأخلاقية تجعل كل الأطراف تتصرف بطمأنينة وثقة متبادلة تقضى على الإرهاب الإجرامي وتجتثه من جذوره.
ويمكن أن أدعي أن المثقفين وحتى الحكومات الإسلامية تشاطر شعوري بحاجة إلى مثل هذا الميثاق بل أدعي أن الإنسان البسيط الذي يحلم بالعدل ويرغب في السلام له نفس الشعور.
ومن شأن إهمال هذه الموضوعات الحيوية وترك الأمور في داخل العالم الإسلامي وخارجه في مهب رياح أجواء الحروب وتوتراتها والاتهامات الغامضة ضد مجموعات تعيش في الظلام الدامس.
كل ذلك ينشأ وضعا أمنياً مزعزعاً وحالة اجتماعية معكرة ووضعاً من الكساد الاقتصادي
وفي الختام:
فإن هذه المساهمة تتصف بالإجمال أكثر من اتصافها بالتعمق في القضايا الجزئية التي لها أهميتها الأكيدة بل والحاسمة في إستراتيجية مكافحة الإرهاب.
وإنّ هذه الأفكار تفترض وجود تباين في المنهج إن لم نقل في الرؤية الحضارية لمكافحة الإرهاب يمثل معوقاً لتنسيق الجهود العالمية للقضاء على ظاهرة الإرهاب يجب الالتفاف عليه.
ولهذا جاءت هذه الخطة -التي لا تدعي الكمال ولا التكامل- أنموذجاً لما يمكن أن يكون مقاربة فكرية تشير إلى توجهات من شأنها- إذا حظيت بقبول مبدأي- أن تمثل قاعدة لمعالجة أوسع لأن مساحة المشترك ستكون أكثر اتساعاً وبالتالي ستكون أكثر إيجابية.
ولهذا فإن المحاور المرشحة للنقاش حولها والحوار ستكون:
- المحور الأول: التعريف بين الماضي والحاضر، الفائدة منه والتكييف القانوني والعلاقة الخلقية.
- المحور الثاني: مسالة الدين هل العنف في طبيعته بنيوي؟
ومن خلال هذا المحور تتم معالجة المناهج والبرامج بين الحقيقة والوهم.
- المحور الثالث: هل المظالم محفز ومحرض فقط؟ أم سبب أصيل؟ وهل يمكن اجتثاث الإرهاب دون إزالة هذه المظالم ولو جزئياً؟
هل التركيز على الديمقراطية جزء من الحل أم تهرب بالنسبة للفاعلين الدوليين من الحلول الأكثر صعوبة.
وهو سبحانه وتعالى وليُّ التوفيق
عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه
وزير العدل –سابقاً-
أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز –جدة
.................................................. .............................
www.binbayyah.net(/)
تلاوة للمقرئ المتقن ابي الحسن محي الدين الكردي
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[14 May 2005, 02:12 م]ـ
تلاوة للمقرئ المتقن ابي الحسن محي الدين الكردي
http://s10.yousendit.com/d.aspx?id=1AFEOL530XOMH1W17DVYC3IVQ2(/)
من طرائف النحو والنحويين
ـ[سلسبيل]ــــــــ[14 May 2005, 08:10 م]ـ
لا لي لو ما حضر
قال ابن الجوزي: لقي نحويٌّ رجلاً، وأراد الرجل أن يسأله عن أخيه، وخاف أن يلحن، فقال أخاك أخيك أخوك ها هنا؟!
فقال النحويُّ: لا لي لو ما حضر
أبا أبو أبي فلان
وله أيضا قال: سمعت شيخنا أبا بكر محمد بن عبد الباقي البزار يقول: قال رجل لرجل: قد عرفت النحو إلا أني لا أعرف هذا الذي يقولون: أبو فلان وأبا فلان وأبي فلان؟!
فقال له: هذا أسهل الأشياء في النحو ..
إنما يقولون:
أبا فلان .. لمن عظم قدره
وأبو فلان .. للمتوسطين
وأبي فلان .. للرذلة.
النحوي وبائع الباذنجان
وقال أيضًا: وقف نحويٌّ على رجل فقال: كم لي من هذا الباذنجان بقيراط؟!
فقال: خمسين
فقال النحوي: قل خمسون.
ثم قال: لي أكثر، فقال: ستين.
قال: قل ستون
ثم قال: لي أكثر، فقال: إنما تدور على مئون وليس لك مئون.
متسوِّل وضليع في النحو
قال أحد النحاة: رأيت رجلاً ضريرًا يسأل الناس يقول: ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا ..
فقلت له: يا هذا .. علام نصبت ضعيفًا مسكينًا فقيرًا ضريرًا؟!
فقال الرجل: بإضمار ارحموا ..
قال النحوي: فأخرجت كل ما معي من نقود، وأعطيته إياه فرحًا بما قال.
سمَّاك يجيد النحو
حكى أبو بكر التاريخي في كتابه أخبار النحويين: أن رجلاً قال لسمَّاك بالبصرة: بكم هذه السمكة؟
فقال السماك: بدرهمان.
فضحك الرجل!!
فقال السماك: أنت أحمق، سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان!!
أبوك وحمارِه
حكى العسكري في كتاب التصحيف أنه قيل لبعضهم: ما فَعَلَ أبوك بحمارِهِ؟!
فقال: باعِهِ، فقيل له: لم قلت "باعِهِ"؟!
قال: فلم قلت أنت "بحمارِهِ"؟!
قال الرجل: أنا جررتُه بالباء.
فرد عليه بقوله: فلِمَ تَجُرُّ باؤك وبائي لا تَجُرُّ؟!
في التعزية قولان
وعن ابن أخي شعيب بن حرب قال: سمعت ابن أخي عمير الكاتب يقول وهو يعزي قومًا: آجركم الله وإن شئتم أجركم الله، كلاهما سماعي عن الفراء.
مولع بالرفع
عن أبي زيد الأنصاري قال: كنت ببغداد فأردت الانحدار إلى البصرة، فقلت لابن أخٍ لي: اكتَر لنا .. فجعل ينادي: يا معشر الملاحون .. يا معشر الملاحون ..
فقلت: ويحك!! ما تقول جُعلتُ فداك؟!
فقال: أنا مولع بالرفع!!
كلام لم يخلق الله له أهلاً
عن أبي طاهر قال: دخل أبو صفوان الحمَّام، وفيه رجل مع ابنه، فأراد أن يعرف ما عنده من البيان، فقال: يا بني ابدأ بيداك ورجلاك، ثم التفت إلى خالد فقال: يا أبا صفوان هذا كلام قد ذهب أهله، فقال: هذا كلام لم يخلق الله له أهلاً قط!!.
نصيحة نحوي لمحتضر
وعن أبي العيناء عن العطوي الشاعر أنه دخل على رجل عندنا بالبصرة وهو يجود بنفسه، فقال له: يا فلان قل لا إله إلا الله، وإن شئت فقل لا إلهًا إلا الله، والأولى أحب إلى سيبويه.
كلما كلمتك خالفتني
وعن عبد الله بن صالح العجلي قال: أخبرني أبو زيد النحوي قال: قال رجل للحسن: ما تقول في رجل ترك أبيه وأخيه؟! فقال الحسن: ترك أباه وأخاه.
فقال الرجل: فما لأباه وأخاه؟! فقال الحسن: فما لأبيه وأخيه، فقال الرجل للحسن: أراني كلما كلمتك خالفتني!!
دعوا زيدًا وشأنه
يُروى أن رجلاً دُعي إلى حضور درس من دروس النحو، فلما حضر لاحَظَ أنهم "أي النحاة" يقولون في أمثلتهم:
"جاء زيدٌ"، "ضرب زيدٌ عمرًا"، "حدَّث زيدٌ عمرًا حديثًا " .. إلخ.
فشعر بضيق من ذلك، وأنشأ يقول- على سبيل الدعابة-:
لا إلى النَّحو جئتكم لا ولا فيه أرغبْ
دعُوا زيْدًا وشَأنه أينما شَاء يذهبْ
أنا مَالي وما لامريء أبدَ الدَّهر يُضْربْ
وفي هذا أيضًا يقول أحدهم:
أخذوا من داود واوه وقالوا بها نصلح شأن عمرو
فظل داود بحسرة واوه وسلط زيدًا ليضربَنَّ عمرو
منقول
ـ[قطرة مسك]ــــــــ[18 Feb 2008, 03:24 ص]ـ
جزيتِ خيرا.
نقول ظريفة، وحكايات ماتعة، ولو ذيّلتِها بالمصادر لكان أفضل.
ـ[المجلسي الشنقيطي]ــــــــ[18 Feb 2008, 11:20 ص]ـ
الحمد لله
أضحك الله سنك
ـ[ولد السيح]ــــــــ[18 Feb 2008, 01:19 م]ـ
أضحك الله سنك(/)
لمن يستخدم برنامج أهل الحديث والأثر
ـ[أخوكم في الله]ــــــــ[14 May 2005, 09:26 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله.
لعل البعض من أخواننا و مشايخنا الكرام قد إستخدم البرنامج المشار اليه في العنوان وهو برنامج يحمل عليه صوتيات بعض المشايخ مثل بن باز و أبن عثيمين و الألباني رحمهم الله وغيرهم من أهل العلم ......
يوجد لدي سؤال حول إضافة المحاضرات وليس الشروح حيث أني لم أستطع فعل ذلك مع أني حملته من موقعهم وأضفتها الى المجلد المخصص ولكن تأتيني رسالة أنه غير موجود؟
أتمنى ممن لديه علم بهذا البرنامج أن يرشدني الى الطريقة الصحيحة لإضافتها.
مع العلم أنني راسلت القائمين على البرنامج لكن لا جواب الى الأن.
السلام عليكم و رحمة اللهز
أخوكم في الله محمد(/)
نرجو منكم المساعدة ... دراسة القراءات .. بمصر
ـ[عماد الدين]ــــــــ[16 May 2005, 01:56 م]ـ
إخواني جميعا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرغب في الدراسة على يد شيخ لضبط الأحكام والتجويد.
وأنوي السفر لمصر الشهر القادم بمشيئة الله لهذا الغرض.
أرجو أن تدلوني على شيخ متخصص أو معهد في منطقة الصعيد بقرب الجيزة ... حتى أتعلم قراءة حفص وآخذ إجازة فيها .. والله يجزل لكم المثوبة(/)
دعوة لإنصاف العلماء
ـ[إمداد]ــــــــ[16 May 2005, 02:05 م]ـ
دعوة لإنصاف العلماء
لضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعود الحمد
العلماء هم ورثة الأنبياء, يقومون بمهمة البلاغ والتعليم والتوجيه والنصح والوعظ والتحذير والبيان, مجالسُهم عبادة, وكلامهم إفادة, وهم كالنجوم يهتدى بهم في كلِّ أمر, وهم أنصار الملة, وأطباء العلة, ينفون عن الدين تأويل المبطلين, وتحريف الجاهلين, وأقوال الكاذبين, وهم العارفون بشرع الله, المتفقِّهون بدينه, وهم الفرقة التي نفرت من هذه الأمة لتتفقه في دين الله ثم تقوم بواجب الدعوة, والعلماء باقون ما بقي الدهر, أعيانهم مفقودة, وآثارهم في القلوب موجودة, فما أحسن أثرهم على الناس, وما أسوأ أثر الناس عليهم.
ليس الغريب بأن نسمع ونقرأ في الصحف من أقوامٍ لا خلاق لهم يكتبون بين فينةٍ وأخرى مقالات سيئة, وعبارات يذيئة تحطُّ من قدر علمائنا ودعاتنا وأفاضل الناس فينا, وتعييرهم, والاستهزاء بهم ورميهم بما هم منه براء, إنما الغريب حقاً أن يُسْمعَ أمثال هذا الكلام, من أناسٍ منتسبين للصلاح, فضلاً عن غيرهم, ولذلك سيدور الحديث حول مكانة أهل العلم والدعوة, والحذر من الوقيعة فيهم أو نشر أخطائهم المغمورة في بحار حسناتهم أو لمزهم والقدح فيهم ونحو ذلك.
وهذه المسألة مستفادة من كلام أهل العلم والتحقيق من السابقين واللاحقين ممن بينوها غاية البيان, بالحجة الساطعة والبرهان والله وحده المستعان.
إن القدح في العلماء, والطعن فيهم سبيلٌ من سبيل أهل الزيغ والضلال وهو إيذاءٌ لهم, وإيذاؤهم إيذاء لأولياء الله الصالحين وهم أول من يدخل في ذلك.
قال الحافظ ابن عساكر-رحمه الله-في التحذير من الوقيعة في العلماء: (واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته, وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حقَّ تقاته أن لحوم العلماء مسمومة, وعادةُ الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة, لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براءٌ أمره عظيم, والتناول لأعراضهم بالزُّورِ والافتراء مرتع وخيم, والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خُلقٌ ذميم) وقال: ( ... ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب, ابتلاه الله تعالى قبل موته بموت القلب [فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ].
ولذلك فإنه يخشى على من هذه حاله من سوء الخاتمة والعياذ بالله, وقد ذكروا عن أحد الفقهاء والقضاة الشافعية, وقد درَّس وأفتى, وكثرت طلابه, واشتهر ذكره, ويعد صيته، قال عنه الجمال المصري: (إنه شاهده عند وفاته, وقد اندلع لسانه واسود, فكانوا يرون أن ذلك بسبب كثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي رحمهم الله جميعاً) [1]
ويقول العلامة بكر أبو زيد حفظه الله تعالى حول الوقيعة في الأئمة الكبار: (وبهذا تعلم أن تلك البادرة (الملعونة) من تكفير الأئمة, النووي, وابن دقيق العيد, وابن حجر العسقلاني-رحمهم الله تعالى- أو الحط من أقدارهم , أو أنهم مبتدعة ضلال, كل هذا من عمل الشيطان, وباب ضلالةٍ وإضلال, وفسادٌ وإفساد, وإذا جرح شهود الشرع جرح المشهود به, ولكن الأغرار لا يفقهون ولا يتثبتون) [2] ا-هـ
لقد كان سلف هذه الأمة يحترمون علماءهم احتراماً كبيراً ويتأدبون معهم, فلقد اخذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مع جلالته وعلو مرتبته بركاب زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- وقال: (هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا).
وقال الإمام أحمد لخلف الأحمر رحمهما الله تعالى: (لا أقعد إلا بين يديك, أمرنا أن نتواضع لمن نتعلم منه).
والآثار في هذا الباب كثيرة, قال الإمام الطحاوي -رحمه الله-: (وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر, لا يذكرون إلا بالجميل, ومن ذكرهم بسوءٍ فهو على غير السبيل" ا-هـ.
ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا, ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويعرف لعالمنا حقه).
(يُتْبَعُ)
(/)
والواجب على كل مسلم التماس العذر للعلماء وإحسان الظن بهم, والتثبت مما يُنْقلُ ويشاع عنهم, لا سيما في حال الفتن والشرور ففيها يكثر الكذب والافتراء والطعن في العلماء, يقول أحد الأدباء-رحمه الله-: (والجماهير دائماً أسرع إلى إساءة الظن من إحسانه .. فلا تصدق كل ما يقال, ولو سمعته من ألف فم, حتى تسمعه ممن شاهده بعينه, ولا تصدق من شاهد الأمر بعينه حتى تتأكد من تثبته فيما يشاهد، ولا تصدق من تثبت فيما يشاهد حتى تتأكد من براءته وخلوه عن الغرض والهوى, ولذلك نهانا الله عن الظن واعتبره إثماً لا يغني من الحق شيئاً).
ويقول السبكي رحمه الله تعالى: (فإذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة, فلا ينبغي أن يحمل كلامه, وألفاظ كتاباته على غير ما تعود منه, ومن أمثاله, بل ينبغي التأويل الصالح وحسن الظن الواجب به وبأمثاله).
والمعتبر بكثرة الفضائل, فليس أحد من الناس معصوماً إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, فيجب أن يغتفر قليل خطئهم في كثير صوابهم ويعتبر بالغالب من حالهم, فكيف إذا رجع إلى الحق وبأن له الصواب, قال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: (ليس من علم ولا شريفٍ ولا ذي فضل إلا وفيه عيب, ولكن من كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله, كما أن من غلب عليه نقصانه ذهب فضله).
ويقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: (والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ( .. ومن له علم بالشرع والواقع, يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالحٌ وآثارٌ حسنه, وهو من الإسلام وأهله بمكانٍ , قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذورٌ بل مأجورٌ لاجتهاده, فلا يجوز أن يتبع فيها, ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين).
وإذا الحبيب أتى بذنبٍ واحد * جاءت محاسنه بألف ii شفيع
وقيل أيضاً:
فإن يكنِ الفعل الذي ساء واحداً * فأفعاله اللاتي سررن ii كثيرُ [3]
وإذا لم يستطع المرء أن يقول خيراً, أو يبدي نصيحةً, أو ينبه مخطئاً على خطئه, فإن الصمت له نجاة, ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (طويل الصمت, قليل الضحك).
وقد قيل: (ما ندم حليمٌ ولا ساكت).
وقال طاووس رحمه الله تعالى: (لساني سبُع, إن أرسلته أكلني)
ما إن ندمتُ على سكوتي مرةً * ولقد ندمت على الكلام مرارا
وأما من جالس أقواماً يغتابون فيجب عليه الإنكارُ بالحكمة, أو قطع الغيبة بكلامٍ آخر, أو مفارقة المجلس, وحول ذلك يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: (اعلم أن الغيبة -كما يحرم على المغتابِ ذكرها- يحرم على السامع استماعها وإقرارها, فيحب على من سمع إنساناً يبتدئ بغيبةٍ محرمة أن ينهاه إن لم يخف ضرراً ظاهراً, فإن خافه وجب عليه الإنكارُ بقلبه, ومفارقةُ ذلك المجلس إن تمكنَّ من مفارقته, فإن قدر على الإنكار بلسانه, أو على قطع الغيبة بكلامٍ آخر, لزمهُ ذلك, فإن لم يفعل عصى, فإن قال بلسانه: (اسكت) وهو يشتهي بقلبه استمرارهُ, فقال أبو حامد الغزالي: (ذلك نفاقٌ لا يخرجه عن الإثم, ولا بد من كراهته بقلبه) [4]
21/ 3 / 1426 هـ
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الدرر الكامنة 4/ 106.
[2] تصنيف الناس بين الظن واليقين ص 94.
[3] ينظر: قواعد في التعامل مع العلماء د. عبد الرحمن بن معلا اللويحق. فمنه استفدت كثيراً
[4] عن الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام للمقدم ص (36, 46).
منقول من موقع دعوة الأسلام(/)
حكم خلوة المرأة بالقرد؟!
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[17 May 2005, 12:57 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم أما بعد:
فهذه فائدة غريبة ذكرها بعض فقهائنا الحنابلة رحمهم الله
في الإنصاف للعلامة المرداوي20/ 59:
تحرم الخلوة .. ، ولو بحيوان يشتهي المرأة، وتشتهيه هي؛ كالقرد، ونحوه.
ذكره ابن عقيل، وابن الجوزي، والشيخ تقي الدين [ابن تيمية] رحمه الله. اهـ
وانظر: الاختيارات ص 291
أقول: سبحان الله، قد حدث في هذا الزمان من شذوذ بعض البشر أعظم مما يخشى من القرد!!
فإلى الله المشتكى.
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[17 May 2005, 05:06 م]ـ
عكسها
قال العلامة المرداوي في الإنصاف 20/ 57 ط التركي
فائدة
قال ابن عقيل: يحرم النظرُ مع شهوةِ تخنيثٍ وسحاقٍ، وإلى دابةٍ يشتهيها، ولا يعِفُ عنها، وكذا الخلوة بها.
قال في الفروع: وهو ظاهر كلام غيره.اهـ
وقد نص عليه جمع بعده، رحم الله الجميع.(/)
الاستشراق الألماني ودوره في نقل الثقافة العربية
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[17 May 2005, 03:08 م]ـ
الاستشراق الألماني ودوره في نقل الثقافة العربية
د. محمد أبوالفضل بدران *
في تناول ادوارد سعيد للاستشراق أغفل- عن عمد- الاستشراق الألماني، وربما كان عامل اللغة حائلاً بينه وبين تناول المستشرقين الألمان، وقد جاءت بعض الدراسات التي تناولت الاستشراق الألماني أبحاثاً جادة ومفيدة، ألقت بعض الضوء على بعضهم إلا أننا نفتقد دراسة جادة تتناول الاستشراق الألماني ككل لما يحتله هذا الاتجاه من أهمية بالنسبة لنا نحن إذ إننا- نحن- موضوع الاستشراق تراثاً وتاريخاً وواقعاً واستشرافاً، وسواء أوافقنا على نتائجهم أم اختلفنا حيالها فلن يقلل من أهميتها، ومن ثم دراستها ونقدها.
وقبيل أن أتناول الاستشراق الألماني المعاصر، أود أن أذكر هنا عدة أمور تساعدنا في فهم واقع الاستشراق الألماني:
أولاً: لم تستعمر “تستخرب” ألمانيا أية دولة عربية، ومن هنا ينتفي الغرض الاستعماري “الاستخرابي” عنها، وقد يقول قائل: ربما لو استطاعت لفعلت، ولكن هذا الحكي غير مقبول منهجياً فالباحث عليه أن يحلل التاريخ الذي حدث وليس الذي من المفترض حدوثه في الماضي.
وربما كان هذا البعد ذا أهمية في نقد المستشرقين الألمان، إذ انهم لم يكونوا- أعني غالبيتهم- أدوات استعمارية.
ثانياً: لا نغفل التوسعات الطموحة لهتلر نحو السيطرة على العالم، ولكننا لا ننسى أن بعض الدول العربية الإسلامية كانت واقفة الى جواره وقوفاً حقيقياً أو معنوياً لا حباً فيه بل كراهية للاستعمار البريطاني الذي كان يجثم على أرضها، وقد كان كتاب هتلر “كفاحي” من العوامل التي ساعدت على الاهتمام باللغة العربية في ألمانيا، وربما نعجب إذا عرفنا أن أهم قاموس عربي في اللغة الألمانية قد وضع لاهتمام سياسي بترجمة كتاب كفاحي لهتلر.
ثالثا: ان الموقف الألماني في عهد هتلر كان ضد اليهود، ولعل قراءة في كتاب هتلر سالف الذكر توضح إلى أي مدى كانت الكراهية في صدره ضد اليهود، ولم يكن فرداً في ذلك التوجه بل كان يعبر عن رأي قطاع من الشعب. وربما كان ذلك من العوامل المساعدة التي حدت ببعض المستشرقين الى أن يسيروا في فلكه فألفوا آنذاك العرب والمسلمين أعداء لليهود فأخذوهم مادة للدرس والاستشراق.
رابعاً: من السذاجة القول إن الاستشراق الألماني المعاصر محايد أو مع العرب والمسلمين في قضاياهم وليس ذلك لمصلحة العرب ولا المسلمين لأننا في حاجة إلى من ينقدنا بمنهج علمي قد نتفق معه أو نختلف لكننا في حاجة إليه، وحتى نرى كيف يرانا الآخر لا كما نرى ذواتنا من منظار تضخيم الذات وإعلائها، أو التقليل من شأنها، ومن هنا فإن بعض المستشرقين الألمان ضد العرب وضد المسلمين وضد المنطق أحياناً إلا أننا في حاجة إلى هؤلاء وإلى أولئك حتى نعرف موطئ أقدامنا في عالم معاصر متغير يسبح فوق بحار الكونية والعولمة وتختفي فيه المساحات والرؤى الأحادية، وحتى نكشف هؤلاء الذين يسيئون إلينا وإلى تراثنا وديننا ينبغي علينا قراءتهم ومن ثم نقد ما يكتبون بغية الوصول إلى الحقيقة.
أود هنا أن أوضح دور المستشرقين الألمان حيال اللغة العربية والعرب، وذلك من خلال نقاط هي:
أولاً: حفظ المخطوطات العربية إذ من المؤسف ومن المفرح في آن واحد أن آلاف المخطوطات العربية والإسلامية قد وجدت طريقها نحو المكتبات الألمانية فربما لو ظلت قابعة في بيوتنا لقضي عليها وقد آلت إلى المكتبات الألمانية في الجامعات والبلديات من خلال الشراء والاستيلاء عليها من الأقطار العربية لكنها- وبحق- وجدت من يسعى إلى حفظها وتصنيفها وفهرستها والعمل على تحقيقها، وإن نظرة في أعداد هذه المخطوطات لتوضح لنا أهميتها كذخائر تراثية لا تقدر بثمن.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد احتلت مكتبة برلين الوطنية نصيب الأسد من هذه المخطوطات إذ إن عددها يربو على عشرة آلاف مخطوط، فهرست في عشرة مجلدات، وفي مكتبة جامعة جوتنجن حوالي ثلاثة آلاف مخطوط من نفائس التراث العربي، وفي مكتبة جامعة توبنجن في جنوب المانيا العديد من المخطوطات والذخائر ناهيك عما فيها من كل اصدارات العالم العربي والإسلامي من كتب ودوريات منذ اختراع المطبعة، جاوز عمر بعضها المائة عام واختفت من المكتبات العربية وصار الحصول على بعضها ضرباً من المستحيل، كل ذلك محفوظ في مكتبة جامعة توبنجن مما يجعل دورها دوراً ثنائياً في خدمة المخطوط والمطبوع من الفكر العربي، ولقد عثرت في إحدى زياراتي على مخطوط فريد في العروض العربي وهو مخطوط “كتاب العروض” لعلي بن عيسى الربعي المتوفى سنة 420 ه وقمت بتحقيقه وعلى الرغم من مضي أكثر من ألف عام على المخطوط إلا أن حالته جيدة، وقد اغتظت ذات مرة من المبالغة في حفظ المخطوطات، وكانت إحدى موظفات المكتبة ترمقني وأنا أقلب المخطوط، وودت أن تقلب لي المخطوط بدلاً مني فصحت بها في لطف ممازحاً: ربما يكون هذا المخطوط بخط جدي.
فأردفت على التو: لكن لم يحافظ عليه أبوك. وربما كانت على حق في ذلك، حتى لو قلنا إنهم قد سرقوا هذه المخطوطات.
ثانيا: تحقيق المخطوطات العربية والإسلامية. ولم يقتصر دور المستشرقين الألمان على حفظ هذه المخطوطات فحسب بل عمدوا الى تحقيقها تحقيقاً علمياً ذا فهارس متعددة واستوجب تحقيقهم وضع مؤلفات تعد عمدا في موضوعاتها كالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم الذي وضعه المستشرق الألماني فلوجيل Flugel والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، ومعجم شواهد العربية، وهي بحق مؤلفات رائدة يعتمد عليها المحققون العرب، وقد قام بعض العرب بالسطو عليها وكتبوا اسماءهم كمؤلفين لها وربما تواضعوا وذكروا اسم المستشرق الألماني في سطر في مقدماتهم الطويلة.
وقد حقق المستشرقون الألمان عدداً كبيراً من أمهات التراث العربي “الكامل” للمبرد و”تاريخ الطبري” الذي استغرق تسعة عشر عاماً من العمل المتواصل، ومؤلفات البيروني و”بدائع الزهور” لابن اياس و”طبقات المعتزلة” لابن المرتضى و”مقالات الإسلاميين” لأبي الحسن الأشعري، و”الفهرست” لابن النديم ومؤلفات ابن جني وعدداً كبيراً من دواوين الشعراء القدامى، وقد عكف ايفالدفاجنر على ديوان “أبي نواس” قرابة عشرين عاماً حتى أكمله تحقيقاً.
وهو دور يجب أن يحمدوا عليه، وقد يقال: إن بعض ما حققوه كان اختياراً متعمداً لبعض الكتب التي تعنى بالفرق الإسلامية واللهجات، وهي مقولة صحيحة لكن جل تحقيقهم كان بعيداً عن ذلك، فما علاقة تحقيق المعلقات وترجمتها بحالة العرب الآن وتشرذمهم وتخاذلهم؟
كما أن أخطاء كثيرة وقعت في تحقيقاتهم وهذا أمر منتظر، فسر العربية عصي على أبنائها، فكيف على غير ابنائها، وقد جاءت بعض الأخطاء مضحكة، فقد قرأت لأحد المستشرقين تحقيقاً لكتاب ورد فيه مقولة “أشهر من قفا نبك” وجاءت في المخطوط “أشهر من قفا نبك” وقام المستشرق الألماني بالبحث في المعاجم والقواميس عن شخصية “قفان بك” ومن عجب أنه قد وجد أن قائداً تركياً قديماً كان يدعى بهذا الاسم فعزا إليه الشهرة، ولم يهتد إلى معلقة امرئ القيس المبدوءة بقوله:
“قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل”.
لكن ذلك الأمر لا يخلو منه المحققون العرب الذين يخطئون في أشياء مضحكة أيضاً.
وأود هنا أن أنوه بجهود مركزين هما: معهد الدراسات الشرقية في اسطنبول بتركيا، ومعهد الآثار والدراسات الشرقية في بيروت، اذ يعملان على تحقيق المخطوطات العربية والاسلامية ونشرها في سلسلتين هما: المكتبة الاسلامية، وسلسلة بيروت، وقد أسهمتا في نشر الكثير من النصوص الأدبية المخطوطة وتحقيقها كالوافي بالوفيات للصفدي على سبيل المثال.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثاً: تأليف الكتب والدراسات حول الفكر العربي والاسلامي، ولا يمكن لأي دارس في الأدب والنقد العربيين أن يتجاهل اعمال مستشرقين ألمان كبار مثل كارل بروكلمان Carl Brockelmann وكتابه تاريخ الأدب العربي، على الرغم مما ورد فيه من بعض الاخطاء التي حاول دارسون عرب ان يتداركوها عليه كما فعل عبدالله بن محمد الحبشي، لكن يبقى لكتاب بروكلمان فضل السبق في التعريف بالتراث العربي والاسلامي المخطوط في جميع مكتبات العالم وهو جهد فردي لم نستطع نحن للأسف فرادى وجماعات ان نقوم به، وقد احسن الدكتور محمود فهمي حجازي وجمع من المهتمين باللغة الالمانية في ترجمته لهذا الكتاب ترجمة وافية أفادت المتلقي العربي.
كما ان المعاجم التي وضعت في الالمانية كمعجم هانزفير Hans Wehr العربي/ الالماني يعد معجماً رائداً، كما يعد كتاب “العربية” ليوهان فك Johan Fuck من المصادر التي لا يستغنى عنها، وقد تحدث نجيب العقيقي في كتابه “المستشرقون” عن بعض المستشرقين الالمان وعن اسهاماتهم الفكرية ويعد هذا الكتاب مرجعاً في بابه حتى زمن نشره.
وقد وجه بعض الباحثين نقداً لهذه المؤلفات تركز معظمه على النحو التالي: ان معظم هذه المؤلفات قد اتجه الى اللهجات وان هذه الدعوة لتعميم اللهجات ورعايتها لم تكن لمصلحة البحث العلمي بل هي لإشعال الفتن المحلية والقوميات غير العربية ولا أبرىء نفراً منهم قصدوا الى ذلك قصداً لكن ذلك لا يجعلنا نلقي الاتهام على الآخرين وبيننا نفر قد نحوا هذا المنحى، واضافة الى ذلك يجب ألا نرى كل الابحاث حول اللهجات المحلية أو العامية بعين الريبة فقد تكون من أجل البحث العلمي الداعم للفصحى.
اتجه بعض الدارسين الى وضع مؤلفات عدة في التراث الروحي في الاسلام وألقوا باللائمة عليهم اذ انهم قد اهتموا بالتصوف مثلاً الداعي الى الزهد والى الخلوة، وهذه نظرة حقيقية، فالتراث الصوفي من تراثنا وهو فرع من تاريخ الآداب العالمية وأظن ان تجاهله او التعالي عليه يفقد الأدب العربي والاسلامي رافداً كبيراً من روافده المتجددة.
ولقد جاءت جهود بعض المستشرقين الالمان في دائرة التصوف من أفضل ما كتب، اذ ان معظمهم أجاد عدة لغات بجانب العربية كالفارسية والأردية وبعض لغات الهنود والتركية ولغات بعض الاقليات الاسلامية في ربوع الارض مع اجادتهم للغات القديمة ومعظم اللغات الحديثة الحية مما جعل نظرتهم في الآداب المقارنة تبدو اشمل وأكثر عمقاً.
ورأى البعض ان جل كتابات المستشرقين الالمان مجدت الفرق الاسلامية المناوئة ورأت من واضعيها أبطالاً وأضفت على المرتدين والمنافقين هالة من البحث والضوء، فمنهم من عني بابن الراوندي وغيره من الزنادقة، ومنهم من أعلى من دور الشعراء الفاسقين كأبي نواس وابن ابي حكيمة وبشار وغيرهم من شعراء المجون، وربما كان لهم في مقولة القاضي عبدالعزيز الجرجاني “ان الدين بمعزل عن الشعر” حجة، بيد انهم لن يجدوا حجة في اذكاء روح التعصب والطعن ضد الاسلام والمسلمين في بعض كتاباتهم.
رابعاً: نشر اللغة العربية في ربوع ألمانيا، بجانب دورهم ذاك انصب اهتمامهم على تعلم اللغة العربية وتعليمها، ولقد كان للمعاهد الاستشراقية في الالمانيتين قبل الوحدة وفي الدول الناطقة بالالمانية كالنمسا وسويسرا وجانب كبير من هولندا او بلجيكا ولوكسمبورج وغيرها دور كبير في نشر اللغة العربية، وقل ان نجد مدينة كبرى في المانيا دون ان نرى مركزاً لتعليم اللغة العربية وبغض النظر عن المقاصد فإن ذلك اتجاه محمود.
خامساً: ترجمة الأدب العربي الى الالمانية، ففي ظل وجود حوالي مائة وخمسين مليوناً ينطقون بالالمانية او يجيدون قراءتها فإن ترجمة ادبنا العربي الى الالمانية تبدو مهمة، وقد قام بعض المستشرقين بهذا الدور الرائد وقد وصل الأدب العربي الى القارىء الالماني من خلالهم، وغدا نجيب محفوظ والغيطاني وجبران خليل جبران ومحمد شكري وغيرهم اسماء مشهورة في الاوساط الثقافية الالمانية، وربما يعيب هذا الاتجاه عدم وجود خطة للترجمة التي تخضع للانتقاء الشخصي والمزاج الشخصي ايضاً، بل ان بعضها لا يخلو من سوء القصد كترجمة الأدب الذي يتحدث عن اضطهاد المرأة بحيث تغدو أليفة رفعت، أديبة كجونتر جراس في المانيا، وتغدو كتابات الختان والأقليات والطعن في الاسلام هي الكتابات التي يتلقفها بعضهم للترجمة لا من الأدب العربي بل من غير العرب كما فعلوا بتسليمة نسرين التي ودوا ان يجعلوا منها سلمان رشدي الجديد لكنهم فشلوا وعادت الى ادراجها كسيرة.
* باحث وأكاديمي في جامعة الإمارات
http://www.alkhaleej.ae/articles/show_article.cfm?val=165801
ـ[محمد الشعراوي]ــــــــ[17 May 2005, 04:55 م]ـ
شكرا لكم على هذه المعلومات القيمة.
وهنا لدي سؤال فقد لاحظت من أسماء المخطوطات التي حققها المستشرقون الألمان أن الغالب منها يصنف تحت قسم اللغة وحتى تناولهم للحديث فكان من نفس المنطلق حيث المعاجم معنية باللغة والألفاظ. وقد حققوا تاريخ بن جرير ولكن ما ذكرتم في رسالتكم فالغالب على تحقيقاتهم هي كتب اللغة فلماذا؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[17 May 2005, 05:27 م]ـ
أخي الفاضل ...
أنا مجرد ناقل للموضوع ...(/)
حاجة الأمة إلى العلماء الربانيين وخطر رفع العلم
ـ[إمداد]ــــــــ[20 May 2005, 02:17 م]ـ
حاجة الأمة إلى العلماء الربانيين وخطر رفع العلم
د. أحمد العمراني
مَنِ العالم حقيقة الذي نخشى فقدانه؟ وما العلم المطلوب؟ وكيف واقع الأمة اليوم تجاه العلم والعلماء؟
إن أول ما يجب التسليم به هو أن علم البشر وعلم الخلائق كلها لا يساوي شيئاً أمام علم الله المطلق، لقوله ـ تعالى ـ: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]. فعِلْمُ الله مطلق لا حد له ولا حصر، يعلم الجزئيات والكليات، ولا يغيب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، سواء أكان في السر أم في العلن. قال ـ تعالى ـ: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام: 3].
- بل إن علم الخلائق جملة سواء أكانوا ملائكة، أم رسلاً، أم أنبياء أم علماء هم من عطاء الله؛ حيث يقول ـ سبحانه ـ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 31 - 32].
وعن أُبَيِّ بن كعب قال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: بَيْنَا مُوسَى فِي مَلأ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْكَ فَقَالَ مُوسَى: لا، فَأُوحِىَ إِلَى مُوسَى: بَلَى! عَبْدُنَا خَضِرٌ».
- وفي رواية: «قال: فَانْطَلَقَا ـ موسى والخضر ـ يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ؛ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الخَضِرُ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الخضِرُ: يَا مُوسَى! مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ في الْبَحْرِ».
إنها نصوص رائعة من نصوص شرعنا، نصوص ناطقة ومعبرة، لهذا وجب على كل عالم أو متعلم، إرجاع العلم الى الله أولاً. وقد عنون البخاري ـ رحمه الله ـ باباً من أبوابه الحديثية بقوله: «باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إذَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ».
وهو المنهج الذي سار عليه السلف الصالح، فعن ابن أم عبد الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود أنه قال: «مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: لاَ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] (4). بل هو النهج الذي سار عليه سلفنا الصالح في كتاباتهم واجتهاداتهم؛ فقلما يخلو مقال لهم أو كتاب من ختم بكلمة: (الله أعلم).
? العلم الذي يُخشى من رفعه:
ورد العلم في نصوص شريعتنا بعدة معانٍ من أهمها:
- بمعنى الخشية، قال ـ تعالى ـ: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. قال ابن مسعود: «ليس العلم بكثرة الحديث، ولكن العلم بالخشية».
- بمعنى: النور: قال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]. قال إمامنا مالك: «إن العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور جعله الله في القلوب».
- بمعنى: القرآن: حيث سمّى الحق ـ سبحانه ـ القرآن علماً في قوله ـ تعالى ـ: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6]. كما عرَّف النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن بالعلم في قوله: «أبا المنذر! أي آية معك في كتاب الله أعظم ـ مرتين؟ قال: قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، قال: فضرب في صدري، وقال: ليهنك العلم أبا المنذر!».
(يُتْبَعُ)
(/)
- بمعنى: الحديث: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: لقد ظننتُ يا أبا هريرة! أنه لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوْلى منك؛ لِمَا رأيت من حرصك على الحديث، وإن أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قِبَل نفسه». وفي رواية: «والذي نفسي بيده! لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك؛ لما رأيت من حرصك على العلم».
وأخرج الشيخان في صحيحيهما، واللفظ للبخاري عَنْ أَبِي مُوسَى ـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الماءَ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِي قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ».
? فَضْلِ الْعِلْمِ عامة والعلوم الشرعية خاصة:
وهذا أمر لا يخفى على عاقل أريب؛ فنصوص الوحيين ناطقة بفضله، مغرية بتمثله؛ حيث يقول ـ سبحانه ـ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة». وقال: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له». وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة نبيه».
وقال ابن عمر: «العلم ثلاثة أشياء: كتاب ناطق، وسنة ماضية، و (لا أدري)».
قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ: (واتفق أهل الشرائع على أن علوم الشريعة أفضل العلوم، وأعظمها أجراً عند الله يوم القيامة). وقال محمد بن القاسم بن خلاد: (العقل دليل الخير، والعلم مصباح العقل، وهو جلاء القلب من صدى الجهل).
? آداب طلب العلم:
1 - النظر فيمن يؤخذ عنه العلم: وهذا يعني أنَّ تعلُّمَ العلم الشرعي: هو تديُّن وعبادة وتقرب إلى الله، لهذا يجب الاحتياط في أخذه، وحسن تلقيه من أهله؛ فعن مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ؛ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ!).
2 - ضرورة التخصص في العلم: قال ـ تعالى ـ: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]. وقال ـ سبحانه ـ: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلُّم». وقال أيضاً ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون» وهم أهل العلم.
3 - ضرورة الإخلاص في طلب العلم: وهو أمر لا يتمارى فيه اثنان، ولا يتناطح فيه عنزان؛ فكل عمل خلا من الإخلاص فَقَدَ قيمته؛ فالإخلاص أساس اليقين، ومن تيقن أمراً دام على السير في نطاقه قال ـ تعالى ـ: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
4 - الابتعاد عن تعلُّم العلم المذموم: ولا يخلو أمر من ثنائية تخالفه، أو تضاده؛ فما من شيء في الكون إلا وفيه النافع والضار؛ فالعلم علمان: علم نافع، وعلم ضار. ومن العلم الضار أن يتعلم الإنسان ما يضره أو يضر غيره، أو ما لا ينفع مطلقاً، لهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «من اقتبس علماً من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد»
(يُتْبَعُ)
(/)
5 - ضرورة بذل الجهد في طلب العلم: ومن المسلّم به أن الله ـ عز وجل ـ بنى حياة الإنسان على الأخذ ثم العطاء، فلا نيل دون جهد؛ فالجنة تُنال بالعمل، والنار تتجنب بالعمل، وتحقيق النجاح في الدنيا والفوز في الأخرى يتحقق بالعمل، وخصوصاً العلم؛ فلا يعقل أن يكتسب الإنسان علماً دون أن يبذل جهداً مقابل الحصول عليه، وهذا ما أكده أحد الصحابة الأجلاء فيما أخرجه مسلم في صحيحه قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: «لاَ يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الجِسْمِ»
6 - تجنب الخصال المبعدة عن التعلم: والعلم مطلوب، وبذل النفس والمال والعاطفة من أجل الحصول عليه أمور أساسية، ولكن هناك خصلتان تمنعان من توفره والحصول عليه، خصلتان يجب تجنبهما، وهما: الحياء في طلبه، والاستكبار عن أخذه، وفي ذلك يقول التابعي الجليل مجاهد بن جبر: «لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ ـ رضي الله عنها ـ: «نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ! لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ
? خطورة رفع العلم وآثاره:
قال -صلى الله عليه وسلم-: «من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا». وقال النبي الأمين: «بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ، يَزُولُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ فِيهَا الجهل»
وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً؛ فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»
وفي رواية البخاري عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعاً، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ»
وإن كنا لا ننكر وجود الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة فإن ما أصبحنا نشاهده اليوم من اتِّباع العامة للسفهاء، وهجر العلماء لَخَيْر دليل على أننا أضحينا أقرب إلى وقوع الآفة التي حذرنا منها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن حديث نبينا واقع لا محالة فينا.
ولعل من الآثار السلبية الواضحة لغياب العلم ورفعه ما يلي:
1 - حصول خلل في العقيدة:
إن غياب العلم برفعه أو بتغييبه عن واقع الأمة يُسهِّل على الشر والجهل العمل بسرعة من أجل الانتشار والتأثير، وأخطر تأثير يتسلط على الإنسانية بسبب غياب العلم: الجهل والتجهيل؛ حيث يحصل للناس نسيان الحقائق ثم تركها؛ فالابتعاد عنها، ثم استبدالها بما يضاد العلم والمعرفة. وأهم ما اكتسبه الإنسان بالعلم: العلم بالله وعبادته وتوحيده؛ فإذا غاب العلم حصل ابتعاد الناس عن توحيد الله وعبادته كما أمر، ثم يخلق الناس لأنفسهم؛ بسبب الجهل وغياب العلم آلهة تعبد، وهذا ما أكده ابن عباس حبر الأمة فيما أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً قال: «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِى قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ ... »
2 - الاستخفاف بالعلم والعلماء:
وهذا أمر خطير؛ لأنه بحصوله يفقد الناس أطباءهم الروحيين، ويحصل الضلال المبين، وقد حذر الفقيه الجليل الإمام ابن حزم الظاهري من حدوث هذا الأمر؛ فقال منكراً على أهل زمانه استخفافهم بالعلماء: «صار الناس في زماننا يعيب الرجل من هو فوقه في العلم ليرى الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يذاكر من هو مثله، ويُزهى على من هو دونه، فذهب العلم وهلك الناس»
ولن نذهب بعيداً، وننكر حدوث هذا الأمر، فكم استمعنا عبر الفضائيات إلى من يسب العلماء! وكم قرأنا من مقالات تطعن في علم بعضهم، وتسفِّه فكر الآخر؛ وهذا كله مع الأسف الشديد من قلة العلم وغياب فقه العلم.
3 - جرأة الفساق على العلم:
(يُتْبَعُ)
(/)
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أمام الدجال سنين خَدَّاعة يُكَذَّبُ فيها الصادق، ويُصَدَّقُ فيها الكاذب، ويُخَوَّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرُّوَيْبِضة. قيل: وما الروبيضة؟ قال: الفُوَيْسق يتكلم في أمر العامة» (10).
الرُّوَيْبِضة: أي الفاسق، وفي رواية التافه الذي يتكلم في أمور الدين وهو جاهل لأيسر قضاياه، وأمثال هؤلاء كثيرون في زمننا، بل وفي كل الأزمنة التي مرت بالمسلمين، ولكنهم سيظهرون بكثرة في زمننا لغياب العلماء، وابتعادهم عن واجبهم ومسؤوليتهم، وترك الحبل على الغارب لمن لا يحسن الكلام؛ فكيف بالفتوى وإصدار الأحكام؟
4 - ولاية الدين من غير أهله:
وهذا يعني الترامي ـ إن صح التعبير ـ على العلم الشرعي من غير أهله وذويه، أو تولية غير أهله له؛ حيث يتقدم للفتوى من لا يدريها، ويُقدّم لها من لا يستحقها، كما يُقدمون لتعليم الناس، فيحتلون بذلك مناصب هم أبعد ما يكونون عنها،
فتولي أمر الفتوى وأمر الدين من غير أهله وذويه يطعن الأمة في عمقها، ويسبب تشتتها وتمزقها؛ إذ الدين هو موحدها وجامع كلمتها، وبتوليه من غير أهله تحصل كارثة في الأمة؛ إذ يمكن قبول أي ارتماء على أي مهنة أو حرفة إلا الارتماء على العلوم الشرعية وأمور الدين.
5 - كثرة المعارف وقلة العمل:
حيث روي عن زياد بن لبيد قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، فقال: «ذاك عند ذهاب العلم، قلت: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال: ثكلتك أمك، زياد! إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوَ ليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟»
- وعن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عليه، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقَرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ؛ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بَهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ ... »
والعلم أيضاً مطلوب؛ لأنه طريق العمل؛ فلا عمل دون علم، والله لا يُعبَد بالجهل، وهو القائل: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132]. والعلم إذا لم يكن ثمرة في القلب، والجوارح، والمعاملات؛ فكأنه لم يكن.
وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضاً: «إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في جوف البحر ليصلُّون على معلم الناس الخير»
6 - اتِّباع أهل الكتاب:
وقد حذر الشارع المسلمين من عداوة أهل الكتاب لأهل الإيمان من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبيّن لنا في القرآن أن عداوتهم لن تنقطع، ولن يرضوا عن حالنا إلا إذا أبعدونا عن ديننا، أو نتبع ملتهم، فقال ـ سبحانه ـ: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]. وقال أيضاً: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].
كما أخبر الرسول الكريم بأن من سنن الله في خلقه، وفي هذه الأمة اتباع أهل الكتاب في كل ما نحلوه وفعلوه، فقال: «لتتبعُنَّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه»
فالأمة مطالبة اليوم بالحذر، وبالاحتياط فيما تأخذ وتتبع؛ فالإسلام لا يعادي الأخذ من الآخر ولا الاستفادة من تجارب الأمم وحضارتهم، ولكنه يعادي التقليد الأعمى، والتلقي السالب الذي يسلب المرء من كرامته وشخصيته وهويته؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم- محذراً من التقليد كيفما كان: «لا تكونوا إمَّعة تقولون: إنْ أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» وعن حرب بن إسماعيل الكرماني، قال: قلت لإسحاق بن راهويه: ما معنى قوله: «إمَّعة»؟ قال: تقول: إن ضل الناس ضللتُ، وإن اهتدوا اهتديت»
منقول من مجلة البيان وللموضوع بقية ( http://www.albayan-magazine.com/bayan-211/bayan-02.htm)
ـ[أحمد العمراني]ــــــــ[19 Sep 2010, 05:06 م]ـ
أشكر الأخت إمداد على رفع موضوعي هذا لأهل ملتقى التفسير، وسأعمل على إعادة نشره كاملا إن شاء الله.,(/)
قصيدة: ..... "يا أمة الغيث" .......
ـ[صالح العمري]ــــــــ[20 May 2005, 02:55 م]ـ
يا أمّةَ الغَيْث ..
------------------------
------------------------
إلى أمة الإسلام، أمة الهدى والنور، أنتِ الأمل المنتظر رغم الظلام الهادر، والكيد المتواتر ..
------------------------
------------------------
يا أمّة الغيث هِلّي اليوم وائتلقي = فكم تحسّر طَرْفُ العينِ في الأفق ِ!!
يا أمّة الغيث هل للغيثِ من سُحبٍ = سحّاءَ تُطْفيءُ ما في القلبِ من حُرق ِ!!
يا أمّة الغيثِ أنتِ النورُ منسكبا = من سدرة المُنتهى للمصطفى الشَفِق ِ
سنا تجلّى إلى جبريلَ مؤتمناً = فهلْ لنورِكِ في الآفاق ِ من شَفَق ِ
يرنو إليكِ وجودٌ لا حياة َ له = إلا بنبضِك في وجدانِهِ الخَفِق ِ
وتشرأبُ البرايا في سفاسفها = إلى سموِّكِ في الإيمان ِ والخُلُق ِ
ويستغيثُك جرحٌ لا التئامَ له = إلاّ برايات ِ سبّاق ٍ و مُسْتَبِق ِ
ويسألُ السهدُ عنكِ النَّجمَ في أملٍ = لعلَّ فجْركِ يجلو ظلمة َ الغسق ِ
وللجوى عنكِ تطوافٌ وأسئلةٌ = وألفُ تنهيدةٍ في مسْمَع ِ الأرق ِ
وتغزلُ الريحُ فوقَ الرَّملِ ملحمةً = من ذكرياتِ الفِدا والعزِّ والسّمَق ِ
يا أمّة الغيثِ للعصيان ِ مشأمةٌ = من اتقى الله في كلِّ الأمورِ وُقي
الأرضُ بعدكِ أشلاءٌ مضمّخةٌ = وتِرْكة ُ المجدِ نهبُ الحاقدِ الشَّبِق ِ
وللمباديء أكفانٌ وأضرحة ٌ .. = والروحُ –يا لكسادِ الروحِ– في ملق ِ
وللفواحشٍ أصداءٌ مدويّة ٌ = يسوقُُها طبقٌ دانٍ إلى طبقِ ِ
وللسعادةِ سندانٌ و مطرقةٌ = يلوكُها الدهرُ في كماشةِ القَلق ِ ..
يا أمّة الغيثِ هلّي اليوم وائتلقي = فأنتِ رَوْحُ الشذى في الزهر والورق ِ
وأنتِ بُشرى الهدى المُنثال منذُ زها = فجرُ النبوّةِ واستجلى لكلِّ تقي
وفي يمينكِ آياتٌ مبيّنةٌ = من سورةِ الفتحِ والأنفال ِ والفلق ِ
بك استنارت قلوبُ السائرين هدى = ومنكِ يحلو الجنى في غصنهِ العذق ِ
يا أمّة الغيثِ هلي اليوم وائتلقي = واستنقذي الكون من دوامّة ِ النَفَق ِ
كم معقل ٍ صار للأعداءِ مرتفقا = قد كان مبعثَ راياتي و مُنْطَلقي
كم أمّةٍ عزَّها التوحيدُ فاعتصمَتْ = قد أصبحتْ من دعاوى الشكّ في فِرَقِ!!
وبقعة ٍ حُرّة ٍ كانتْ مُمَلّكَة ً = يسومها المعتدي .. مكسورة العُنُق ِ
في كلّ يوم ٍ يسجّيها على فتن ٍ = يا بؤس مُصْطبحٍ فيها ومغتبق ِ!!
يدّعها في متاهاتٍ و معمعة ٍ = يحارُ فيها فؤادُ المؤمن الحّذِق ِ
قالوا جنيتُ .. وسهم الغدر في كبدي!! = ومذنبٌ .. وشهودُ البغي في حدقي!!
مُكبّلٌ .. و كراماتي مدنسّةٌ = والقدسُ يا لعناء القدس في الرَّبَق ِ!!
مُجَرّمٌ .. وجحيمُ القصفِ في بلدي!! = ومعتدٍ .. ونصالُ السيفِ في عُنُقي!!
وموصمٌ أنا بالإرهاب في زمن ٍ = يعدُّ تكبيرتي من أحمقِ الحَمَق ِ!!
وقد أهانوا كتاب الله في صلفٍ = إنَّّ البهيمة َ لا تعتدُّ بالوَرِق ِ؟!!
وأسرفوا في دمي .. واستعذبوا شرفي = وسوف ينفجرُ البركانُ من حنقي ..
وفي المدينة سمّاعون قد مردوا .. = هم الخفافيشُ في ليلٍ من الرَّهق ِ
يا أمتي إن يكن باللهِ مُعْتَصَمي = لاندكَّ كلُّ كيان الكفر من فرَق ِ
البذلُ لله نصرٌ لا اندحار له = والسعيُ من دونهِ زخمٌ من العَرَق ِ!
مليارُنا اليوم صفرٌ لا اعتداد به = لأنّ مليارنا حبرٌ على ورق ِ
يا أمّة الغيثِ يا آمالَ مرتقبٍ = والأرضُ تهتفُ من وجدانِ منسحق ِ
مدّتْ إليك ِ ذراعَ المستغيثِ رجا = فاستفتحي باسم ربّي كلَّ منغلق ِ ..
وأجهشت، ونداءُ الشوقِ في فمها: = خذي بحاري وبرّي واملأي طرقي
عودي لسيرتك الأولى هدى وسنا = صوني البريّة عن مستنقّع الغَرَق
آمنتُ يا أمتي بالنصر فاعتصمي = واستنزلي الفتح .. وامضي للعُلا .. وثقي
-----------------------------
-----------------------------
صالح بن علي العمري- الظهران
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 May 2005, 04:26 م]ـ
أحسن الله إليك على هذه القصيدة الصادقة، وهذا النَّفَس العَذْب. أحسنت التعبير، وأجدت اختيار البحر، نسأل الله أن يحسن عاقبة هذه الأمة المكلومة التي تتقلب على نار الفتن صباح مساء، وهذا مؤذن بانبلاج النور، وتبدد الظلام بإذن الله.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[22 May 2005, 12:14 ص]ـ
أخي صالح
جزاك الله خيرًَا، ولقد كنت أتمنى منذ زمن أن يحظى ملتقانا بقصائدك النابضة الحية، فأرجو أن تتحفنا بجديدك من هذه القصائد، ولا زلت أتمنى أن يُفتح في هذا الملتقى باب رديف يكون للمطارحات الأدبية الجادة، والأشعار الماتعة.
وقد وعدنا أدباء هذا الملتقى خيرًا، ولعله يتمُّ ما وعدوا.(/)
مساجلات شعرية من نظمك
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[22 May 2005, 06:05 م]ـ
الإخوة الكرام في ملتقى أهل التفسير .... تحية طيبة وبعد:
أحببتُ أن أفتح موضوعا للمساجلة الشعرية ... والتي هي عبارة عن مساجلات مرتجلة يشارك فيها الإخوة الشعراء بما تجود به قرائحهم، وقد رأيت أن أضع بعض الشروط والقيود ...
فأرجو من الإخوة المشاركين الالتزام بها:
1 - الالتزام باللغة العربية الفصحى والنظم على بحور الشعر المعروفة
2 - أن تكون الأشعار من نظم المشاركين (أي من مقولهم لا من منقولهم)
3 - أن يبدأ الشاعر بقافية من سبقه
فلنبدأ على بركة الله.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[22 May 2005, 07:18 م]ـ
ها قد بدأ أضعفكم:
يا ملتقى التفسير جئتُ مساجلا
أهل القريض بأجمل الأشعار
فكأنني مثل الهَزَار وحوله
كل البلابل أنصتتْ بوقار
ـ[حكيم السبيعي]ــــــــ[22 May 2005, 09:30 م]ـ
السلام عليكم ..
في ملتقى التفسير فاح عبيركم
والناس تألف نفحة الأزهار
فأتى "حكيم" بينكم ليراكم
ويبث شكواه إلى الأخيار
سؤال:
لماذا جعلت حرف القافية راء؟
أتُرى جعلت "الراء" حرف رويكم
حتى يكون الشعر في "عمار"؟!!
[ابتسامة]
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[22 May 2005, 10:57 م]ـ
الأخ الكريم ... السبيعي:
مرحبا بك ولا فض فوك، وجوابا عن سؤالك أقول: أضحك الله سنك، وأقول أيضا:
رائي تقول أيا حكيم ترفقنْ
فالله شاء بأن أكون أنا الرويّْ
إن كنتَ عبدا للإله فسلِّمَن
ولْتَصْبِرَنَّ على المقدَّرِ يا أخيّْ
أراك -أخي الفاضل- قد خالفتَ الشروط! فالمفروض أن تبدأ أبياتك بقافية من سبقك ....
ولذا نحن نطمع بأبيات أخرى تبدأ بالراء وتختار حرف رويّ مناسب لك "أو تتركه راء" .... ثم يبدأ مَنْ يأتي بعدك برويّك وهكذا ..... ما رأيك بالميم (حكيم)؟!
تحياتي لك ...
================================================== ==
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[23 May 2005, 11:56 ص]ـ
يا أخوة في الله طاب مقامكم
وحلا الكلام لطلعة الأسحار
وأبو لبابة جاءكم متطفلا
يرجو القبول بمجلس الأخيار
هلا قبلتم ورده فلعله
يحظى بمغفرة العزيز الباري
فالقوم لا يشقى جليس جنابهم
أملا بوعد المصطفى المختار
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[26 May 2005, 05:11 ص]ـ
المعذرة .... فلقد شُغِلتُ ببعضِ الأمور! ولكني أعود لأقول:
رأيتُ أبا لبابة قد أتانا
بِشِعْرٍ كالنسيمِ يسوقُ عِطْرا
وحلَّ بدارنا ضيفا كريما
وحقّ الضيفِ أَنْ نُقْرِيهِ تَمْرا
ونفرح بالقدومِ بذبحِ شاةٍ
نقَلّبُها على النيرانِ عشرا (1)
ونشرب قهوةً مَعْ بعض بُسْرٍ
ونحمد ربّنا ونزيد شكرا
==============================
(1) نقلبها على نار هادئة جدا لمدة عشر ساعات
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[31 May 2005, 12:45 ص]ـ
رائي تَنُوحُ وَتَشْتَكِي طولَ النّوى
وَتَصِيحُ أَيْنَ الصَّحْبُ والأحبابُ؟!!
بالأمسِ كانوا والإخاء يضمّهم
واليومَ قَدْ هَجَروا المكان وغابوا!
ـ[حكيم السبيعي]ــــــــ[01 Jun 2005, 04:35 ص]ـ
بالله! لا تجرح مشاعرَ صاحبٍ
الصبرُ منه على شفيرٍ هارِ
أبني العزاءَ مجاهداً حتى إذا
تم البناء أتيت تهدم داري؟!
عمار أين الصبر يا عماري؟
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[02 Jun 2005, 04:48 م]ـ
رجعت إليكمُ أبغي بيانا
لميعاد القرى عشرا وعشرا
أعد الساعَ تلو الساع طاو
أمني النفس شاة الشي نشرا
فقلت لعل أيام الليالي
قصدن بوعد من وصفهن عشرا
أفيدوني! أعدهمُ سنينا؟
أفيدوني برب البيت بشرا
ـ[حكيم السبيعي]ــــــــ[02 Jun 2005, 11:03 م]ـ
رأيت أبا لبابة ذا اعتجال
وقد نصح الذي قد قال: صبرا
ألا يا أيها الضيف المؤاتي
مقامك يهتنا فينا ويشرى
أرى عمار واعدنا بلقيا
وعلَّ لصاحب الدعوات عذرا
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[03 Jun 2005, 12:30 ص]ـ
رجوتك يا إلاهي يا مجيبا
دعاء العبد إن صدق السؤالا
بأن ترحم حكيماً يوم عرضٍ
عليك وتجزلنَّ له النوالا
ـ[حكيم السبيعي]ــــــــ[03 Jun 2005, 06:11 م]ـ
لك الله الذي تدعوه حتى
ينيل أخاك رحمته نوالا
لمثل كذا أنسنا بالتآخي
وأليقنا لصحبتك الحبالا
ـ[حفصة]ــــــــ[04 Jun 2005, 06:19 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مساجلات أكثر من رائعة
تابعوا ثبتكم الله
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[04 Jun 2005, 04:21 م]ـ
لذ في حمى القوم إن باحوا بوعدهمُ
ومنّ نفسك لا تقنط ولا تحِد
"عمار" نعم الورى فالاسم عمار
لا نرتضي لأخينا قالة الجحِد
"حكيم" يعضده في الفضل يعذره
يا حسنها صحبة في حالة الوحِد
أبا لبابة فاصبر وانتظر أملا
ولا تقل ليس وافي العهد من أحد
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[06 Jun 2005, 04:40 ص]ـ
دَعِ الإخوانَ أَمْرهُمُـ (و) عجيبُ
نُنَاديهِمْ ولكنْ لا مُجيبُ!
وأَقْبِلْ يا أَخِي إنّي مُضِيفٌ
وإنّ الشاةَ موعدها قريبُ
وإنْ ضاقتْ بكم داري فقلبي
لكم يا ضيفنا بيتٌ رحيبُ
ـ[حكيم السبيعي]ــــــــ[06 Jun 2005, 05:38 ص]ـ
وأَقْبِلْ يا أَخِي إنّي مُضِيفٌ
وإنّ الشاةَ موعدها قريبُ
بدا عمار فينا يستجيبُ
كذلك يعرف الكرم الخصيب
وليس يضيق قلبكمُ، وأرجو
بألا يحرُج البيت القشيب!
لأن (الشاة) نلقاها ببيت
وليست في فؤادك يا حبيب!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[07 Jun 2005, 01:35 ص]ـ
تنبيه: في أبياتي السابقة وقعت في خطأ نحوي سهوا وقد عدت إلى الموضوع لأصحح فلم أستطع ..... ولذا أحب أن أضع التعديل هنا:
دَعِ الإخوانَ أَمْرهُمُـ (و) عجيبُ
نُنَاديهِمْ ولكنْ لا مُجيبُ!
الخطأ هو أن كلمة "مجيب" من حقها النصب وهذا لا يتماشى مع حركة الرويّ في الأبيات ..... ولذا نقول:
دَعِ الإخوانَ أَمْرهُمُـ (و) عجيبُ
نُنَاديهِمْ وما فيهم مجيبُ!
أعود لاحقا إن شاء الله.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[07 Jun 2005, 08:27 م]ـ
بقلبي الحبّ يا خلّي فحسبُ
وفي أفيائهِ يرتاحُ صَحْبُ
وما لي لا أراك أيا صديقي
تجودُ بما يجود به المحبُّ!
فَجُدْ بالخيْرِ واقبلنا ضيوفاً
لِيُسْكِتَ جوعنا جَدْيٌ وَضَبُّ!!
ـ[سلسبيل]ــــــــ[09 Jun 2005, 11:58 م]ـ
برب البيت أشجاني سجال
فغرقت ويحي في بحر العروض
فأتموا أخوتي ما أحلى الوصال
وغضوا الطرف عن كل الرضوض
ـ[عصام البشير]ــــــــ[18 Jun 2005, 09:29 م]ـ
ضيفٌ من المغرب الأقصى يهنئكم ... على سجال غدا أحلى من العسلِ
فهل رضيتم به ضيفا بمجمعكم **** قِراهُ فائدة تختال في الحلل؟
ـ[حكيم السبيعي]ــــــــ[18 Jun 2005, 11:40 م]ـ
لا أرضَ إلا فؤادُ الصبِّ يحملكم
ولا سماءَ سوى ظِلٍّ من المقلِ
إن كنت في المغرب الأقصى فنحن هنا
في الشرق، والقلب موصول بمتصلِ!
ـ[عصام البشير]ــــــــ[19 Jun 2005, 01:48 م]ـ
لا فُض فوك، ودُمتَ في العَلياء ... مترنما بقصائد الشعراء
وازدانَ عيشُك بالسرور وفرحةٍ ... يصفو بها من كُدرة الأقذاءِ
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[20 Jun 2005, 03:57 م]ـ
آن الأوان لآل الشام أن يقفوا
مرحبين أخا ما مثله ضيف
خذها من الجانب الشرقي حافلة
بالبشر تهتف يا أهلا بمن دلفوا
يزدان مجلسنا حيث الألى مروا
وعرجوا كرما بالحسن قد هتفوا
ياحسنها جلسة بالقوم عامرة
في منتدى العلم والتوحيد قد عرفوا
العلم يجمعهم والذكر يؤنسهم
والرب مقصدهم بالجد قد عرفوا
ـ[عصام البشير]ــــــــ[22 Jun 2005, 07:09 م]ـ
فاز المطيع بجنة الرضوان **** وغدا الكفور مصاحب النيران
فاظفر بتقوى الله، وارتقِ بالجِها ... دِ منازل الإيمان والإحسانِ
ـ[طويلب علم]ــــــــ[25 Jun 2005, 08:19 ص]ـ
نحوت على منوال من فاقني شعراً .... وزاد من بدع التماثيل أشجاني
هو الهم من بين الجوانح قد فرا ....... واوسع باب القلب للصاحب الداني
لا ضير ياقلبي المغربل لا ضيرا .... أتاك المنادي صادحاً يسمع العاني
الا بارك الله المنادي إلى الخيرا .... فذاك الذي يعرف الباقي من الفاني
ـ[عصام البشير]ــــــــ[25 Jun 2005, 11:33 ص]ـ
أخي طويلب علم
في الوزن شيء، فلتراجعه بارك الله فيك.
ـ[طويلب علم]ــــــــ[03 Jul 2005, 12:30 ص]ـ
البيت موزون جزاك الله خير لكن الفتحات والكسرات والضمات هي اللي توضح
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[03 Jul 2005, 04:43 م]ـ
نم في سريرك عمارٌ ولا تقلقن
إخوانك الغر في النادي يغنونا
إنا بفقدك نشكو وحشة طالت
نقول في غصة يا ما وحشتونا
ـ[عصام البشير]ــــــــ[04 Jul 2005, 11:30 ص]ـ
البيت موزون جزاك الله خير لكن الفتحات والكسرات والضمات هي اللي توضح
لم يظهر لي بارك الله فيك، فلو تشرح أكثر.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[07 Dec 2005, 04:48 ص]ـ
أتيتُ إليكم* بعد الغيابِ
فأسعدني سجالات الصّحابِ
وأحزنني بأن الكلّ بانوا
وصار الرّوضُ كالأرضِ اليَبَابِ
فهلْ من عودةٍ تَسْلو غريباً
بأرضِ الشِّعْرِ مغبرّ الثياب!
.................................................. ...............
* تقرأ بإشباع الميم كي يستقيم الوزن
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[07 Dec 2005, 06:07 م]ـ
سلاما على أهل القريض وربعه***********"لأسباب" "أوتاد" بها المنتدى شُدا
خذوني إليكم. أوقدوا لي قصيدكم***********فمقروركم قد آنس الورد والوُدا
*******
"الورد" لكم خيار فتح الواو أو كسرها ..... أيها الكرام ... وأيا ما اخترتم فأنتم معدن ذاك.
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[07 Dec 2005, 10:05 م]ـ
بالأمس كانت مغاني القوم ذاخصب
واليوم أضحت يبابا مابها دار
كانت بحسهم تهتز في طرب
تختال تيها بمن حلوا ومن ساروا
قد طالها الهجر من خلانها عسفا
لا الدار دار ولا الأحجار أحجار
كانت مجالسنا إن غص واردها
أغاثها برقيق الشعر عمار
فكيف إن غص عمار بمورها
من يورد الحبر معسولا لمن زاروا
ماهكذا الظن فيمن حط رايتنا
لمن تركت أمور الحي تنهار
لا لن نرى عودة بالسهل تكسيها
لا بد من حكم يقضي بمن جاروا
تقول "أحزنني .. " يا طول محزننا
بحت حناجرنا، ما الأمر عمار
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[08 Dec 2005, 04:58 ص]ـ
إلى الأخ الكريم أبي عبد المعز:
دالٌ أتيتَ بها فَنِعْمَ الدّالُ
قد أشرقتْ من نورها الآمالُ
لكنّ بائي يا أخي تبكي أسىً
وتقولُ قد خالفتَ شرط الآلِ
لَمْ تبدأنَّ قصيدكم برويّنا
فالزوم شروطي إن أردتَ سجالي!
==============================================
إلى الأخ الكريم أبي لبالة:
رقيقُ الشِّعْرِ أبكاني وإنّي
لأرجو منكم* عفوَ الكرامِ
ولا والله ما قدْ غبتُ زُهْدًا
بصَحبٍ نورهم بدر التّمام
وَدارٍ زانها أدَبٌ وتقوى
وعلمٌ خِلْتَهُ* غَدَقُ الغمام
ولكنّ الرّزايا في احتدامٍ
وصبرُ المرءِ يأخذُ بالخِطامِ
فَيا من يبتغي حُكْما علينا
رضيتُ بحكمكم بعد المَلامِ
وهذا العذر أرفعه* إليكم
ومالي شاهدٌ إلا كلامي
====================================
* بإشباع الميم والهاءات.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[09 Dec 2005, 03:16 م]ـ
عمار .. إني لا أطيق نزالكم
فالسيف أغمد والحصان بليد
أنّى لأعزل مثل "باء"ك إنها
برقت بكفك والطعان شديد
ما كان مني غير "دال" مسالم
هذي شفيعتها أيا صنديد
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[10 Dec 2005, 02:55 ص]ـ
من الطريف أنني وقعتُ في عيب من عيوب القافية وهو ما يسمّى عند العروضيين بالإقواء، ولم أنتبه لذلك إلا بعد أن طار النّعاس من عينيّ!
وذلك في قولي:
دالٌ أتيتَ بها فَنِعْمَ الدّالُ
قد أشرقتْ من نورها الآمالُ
حيث كان في نيتي أن تكون الدال مجرورة في الأبيات كلها.
*للفائدة: الإقواء هو (إختلاف إعراب القوافي ... كما ذكر الخوارزمي في مفاتيح العلوم)
ومثاله من القديم قول دريد بن الصمة:
دعاني أخي والخيل بيني وبينه
فلما دعاني لم يجدني بقعدد
فجئت إليه والرماح تنوشه
كوقع الصياصي في النسيج الممدد
فطاعنت عنه الخيل حتى تنهنهت
وحتى علاني حالك اللون أسود
===========================================
أبا عبد المعز:
سأعود إلى أبياتك لاحقا إن شاء الله ..... فإني أخاف أن يأتيني النعاس مرة أخرى فأنتج شعرا حَدَاثيّا!
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[14 Dec 2005, 05:48 م]ـ
دَعْ عنك أعذارا كمِثْلِ سرابِ
وأنِخْ رِكَابكَ سيّد القِرْضابِ
إني رأيتُ الدّالَ تبرق في يدٍ
إن شئتَ أهْوَتْ مثل بَرْقِ سَحابِ
أنتَ الكَميّ فأقبلنْ يا صاحبي
فأبو لبابةَ قد أتى لضِرابِ!
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[15 Dec 2005, 10:47 ص]ـ
يا صاح ما جئنا لضرب رقاب-------نهفو لبنت الطلح لا لغراب.
و"الملتقى"للود "مفتوح", فما---------شن الحروب به وسن حراب؟
عمار, إن أبا لبابة لم يقل ------------.شيئا ولم يكشر لنا عن ناب!
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[15 Dec 2005, 04:02 م]ـ
بالله خلوا عنكم الأقوالا
ودعوا الفعال تترجم الأحوالا
إني رأيت الخير فيما رمته
تقارعا يستوجب النوالا
ماالعذر ياعمار في غيب طرا
وكأن دارا ما أوت رجالا
أوليس من حق الأخوة علمهم
فيما يجد لنظهر الأفعالا
ماذا أقول لفتية ماخلتهم
في الملتقى لا يلزمون القالا
أني أصر على النزال لعلني
أحقق الأحلام والآمالا
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[18 Dec 2005, 07:22 ص]ـ
لأبي لبابة بعد نفث نفثة ........... منها تضوع عنبر وانثالا
لقد استقام الشعر منه فلو يرى ...... في رابع الأشطار شيئا مالا.
وكذا بسادسها وآخر دره .... .... (سبحان ربي وحده وتعالى)
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[18 Dec 2005, 04:31 م]ـ
لله در أبي المعز ورشقه
بالدر نقدا غامضا في عطفه
أنا لست أدري ماالذي يرنو به
أبو المعز لشعرنا في شطره
عمار أفت بما لديك بواضح
مما لديك قواعدا لعروضه
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[06 Jan 2006, 06:57 ص]ـ
الأخوان الفاضلان / أبو عبد المعز وأبو لبابة:
خرجتُ من السجال لأستمتع برقيق شعركما ... لذا أرجو أن تستمرا بإطرابنا بما تجود به القريحة.
همسةٌ في أذن أبي لبابة:
أقدم يا أخي ولا تخف من قِرْضابِ أبي عبد المعز، وإن كان قد رفع سيف النقد فبسبب خللٍ في الوزن في الأبيات التي أشار إليها في تعقيبه عليكم.
لكن لا عليك فكلنا معرّض للخطأ والنسيان ولا يخيفنّك ما رأيتَ!
طلب:
لو يكتب لنا الإخوانُ شيئا من شعر "الحكمة" يصبّون فيه خلاصة تجاربهم في الحياة ليبقى الموضوع متنفّسا لمن يريد الإحماض!
فقد روي أن ابن عباس كان إذا شعر بكفاية الدارسين قال لطلابه: "أحمضوا بالشعر أو هاتوا كتب الشعر" وذلك لتجديد نشاطهم ودفع الملل عنهم.
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[07 Jan 2006, 03:17 م]ـ
بكيت اليوم من بُعد الصحابِ .... فما قرأوا كتابي أو خطابي
ـ[الجعفري]ــــــــ[09 Jan 2006, 08:29 ص]ـ
قلتم هذه مساجلات وليست كذلك فيما يظهر فالمساجلة التي أعرفها أن تأتي بشعر يوافق السابق في القافية وهكذا كل يأتي بما عنده حسب قافية الآخر ومن يعجز لا يسمح له بالمشاركة - حت إشعار آخر-
يقول الشاعر:
بكيت اليوم من بُعد الصحابِ .... فما قرأوا كتابي أو خطابي
وقلت: ألا فدع البكاء فليس يجدي .... وأبشر الكلام المستطاب
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[09 Jan 2006, 09:33 م]ـ
حياكم الله أخي الكريم / الجعفري ... :
نعم ... المساجلة التي تعرفها هي كما ذكرتَ، لكن من باب التجديد رأيتُ أن نغير قليلا وقد ذكرتُ الشروط في بداية موضوعنا:
1 - الالتزام باللغة العربية الفصحى والنظم على بحور الشعر المعروفة
2 - أن تكون الأشعار من نظم المشاركين (أي من مقولهم لا من منقولهم)
3 - أن يبدأ الشاعر بقافية من سبقه
عموما ... لن نضيّق واسعا.
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[09 Jan 2006, 11:59 م]ـ
بشارتكم صديقي لم تصلني ... فقد بَعُدتْ كما بُعْدِ السرابِ
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[10 Jan 2006, 02:12 ص]ـ
الأخ الكريم / الجعفري:
يبدو لي أن لوحة المفاتيح قد أسقطت الباءَ من بيتكم:
ألا فدع البكاء فليس يجدي .... وأبشر بالكلام المستطابِ
==================================
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[14 Jan 2006, 10:36 م]ـ
البشارة وصلت
بشارتكم صديقي قد أتتني .... محملة على كثب السحابِ
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[15 Jan 2006, 04:11 م]ـ
بأي بشارة جاء السحاب
وسحب الدهر حاملة الرزايا
أبن عنها وبشرنا فإنا
سئمنا شؤم أخبار البلايا
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[17 Jan 2006, 12:50 ص]ـ
لا تسبوا الدهر .. ويعجبني الفال
يسائلني صديقي أي بشرى .... محملة اتت فوق السحاب
سحاب الله محمول الينا ... وبشرى الله في كنف السحاب 1
وسب الدهر يا صحبي حرام ... كذا قال النبي بلا ارتياب 2
تفاءل وانتظر خيرا فإنا ... نشاهد في الدجى نور الكتاب 3
كتاب الله مكتوب كتبنا .. سننصر ديننا فاقبل عتابي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - ويرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا ... الآية
2 - حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن بن شهاب أخبرني أبو سلمة قال قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار
حدثنا عياش بن الوليد حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسموا العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر
3 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمقال لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل قال كلمة طيبة
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[17 Jan 2006, 11:57 ص]ـ
بأي شتيمة أو سب دهر
أتى شعري - وحاشاني - أخيا
وأي تشاؤم فيما أتينا
هي الأخبار دوما عن بلية
دعونا مرة للقدس نبكي
تلونا ذاك للشيشان عيا
وفي كشمير شرمستطير
وفي أرض العراق نراه غيا
وفي الآفاق حرب ليس تنبي
بأخبار السلامة يا أخيا
نحب الفأل لكن ليس يعني
بأن نطوي صحاف الدهر طيا
بل الخطب الجليل يقول قوموا
بفكر ثاقب يفري الرزية
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[29 Jan 2006, 12:07 م]ـ
يا لؤم أخبار أتت يا بؤسها
يا بؤس أيام الألى يروونها
عشنا لنشهد من أسافل عصرنا
سبا لمن زان الورى ورقى بها
برسالة الرحمن عز مقامه
طوبى لمن رفع اللوا نصرا لها
بسلى الجزور رماه يوما سافل
فبكاه أطهار الألى شهدوا بها
واليوم يرميه البغاة بسخفهم
واليوم نبكي يا أُخيً إزاءها
ـ[الطبيب]ــــــــ[31 Jan 2006, 11:01 ص]ـ
هو البكاء نُجيده=نبكي لأَعرَاض المرضْ
فإذا انجلت أعراضُه=فلا بكاءَ ولا حَرَضْ
ننسى بأن مُصابنا=أنّا لهم مثلُ الغَرَضْ
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[05 Mar 2006, 04:08 م]ـ
ضمد جراحك يا أخي
نبكي لها .. فيم الغلط؟
انفض عن الهام الغبار
وخل عنا ذا اللغط
إن لاح فينا عارض
يدعو إلى غم فقط
فادفعه واحرص دائما
أن تبتغي الحل الوسط
ـ[القاضي الأثري]ــــــــ[21 Mar 2006, 03:46 ص]ـ
إلى ملتقى التفسير فاضت مشاعري
وفي واحة التفسير حطت خواطري
من الصِّيد أقوام به حل رحلهم
من البيد أو من سابغات الحواضر
أسوق لهم شعري وشعري عاجز
ولكن همو يُرقُونه بالنظائر
==
ـ[عدنان البحيصي]ــــــــ[21 Mar 2006, 05:55 م]ـ
رجوت الله إخلاصاُ بقولي ... وقبل القول إخلاص النوايا
ـ[القاضي الأثري]ــــــــ[25 Mar 2006, 11:25 م]ـ
وليس الفقه إدلاء بعلم ... ولكن حده حسن السجايا
==========
محمد القاضي
ليسانس الآداب
ـ[عدنان البحيصي]ــــــــ[29 Mar 2006, 10:40 م]ـ
يلوك الحزن مني كل جنب ... ويذهلني تخلي من أحب
مرتجل
ـ[عدنان البحيصي]ــــــــ[02 Apr 2006, 11:03 ص]ـ
بعثت سرية كانت أسوداً ... بعزمهم قد هُزم اليهود
مرتجل
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[04 Apr 2006, 07:09 م]ـ
أرحب بالإخوة الكرام .... وأقول لهم: " لا فض فوكم "
.................................................. ............
أخي الكريم: عدنان البحيصي /
بيتك الأخير جميل ... لكن حبذا لو تراجع الشطر الثاني ففيه خلل في الوزن.
يستقيم البيت لو قلتَ مثلا:
بَعثْتُ سريّة كانتْ أسودا ** بعزمهمُـ (وا) لقد هُزمَ اليهودُ
وجزاك الله خيرا على مشاركاتك الجميلة.
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[29 Apr 2006, 09:17 ص]ـ
دليلي في السُّرى يا خيرَ هادِ ... ويا حادي البرية للرشادِ
ويا أتقى الأنام عليك مني ... سلامٌ, لايؤخره بِعادي
تحيَّاتي تزفُّ إليك تترى ... ويشفعها الحنين إلى بلادي
لطابة كم يذوب القلب توقا ... وكم طالت مسامرة السُّهادِ
صلاة الله معْ أزكى سلام ... على من يرتجى يوم المعادِ
وآل الطهر والأصحاب طرّاً ... ومن تبعوا ففازوا بالرشادِ(/)
مخطوطات الأزهر على الشبكة العالمية
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[25 May 2005, 08:11 ص]ـ
هذا موقع مخطوطات جامعة الأزهر:
http://www.alazharonline.org/Manuscripts/index.jsp
للقراءة والتصفح والحفظ الالكتروني.(/)
مثلث النجاح الدراسي!
ـ[ hedaya] ــــــــ[25 May 2005, 10:44 ص]ـ
أخي الطالب ... أختي الطالبة:
هل تشتكي من الارتباك والتوتر في فترة الاختبارات؟ هل ينتابك الصداع وآلام المعدة أثناء تأدية الاختبارات؟ هل تناوبك اضطرابات النوم كلما اقترب موعد اختباراتك؟
أقدم لك فيما يلي باقة من الوسائل المعينة على تجاوز فترة الاختبارات براحة ويسر إن شاء الله تعالى، مع نتائج طيبة طبعًا بعد أدائها، وهي وسائل مجربة شخصيًا وقد حققت لي أفضل مردود ولله الحمد والمنّة:
1 - وضع جدول زمني لكامل فترة الاختبارات: أنا أعلم أن مواعيد الاختبارات محددة مسبقًا من قبل الإدارة المدرسية أو الجامعية، ولكن ذلك لا يقلل من أهمية وضع جدول لكافة فترة الاختبارات – شهر كامل – وتحديد المواعيد عليها بدقة، ثم وضع فترات المذاكرة بينها مقسمة على 3 فترات رئيسية هي: الصباح -من 8 إلى أذان الظهر- مثلاً، والمساء -من أذان العصر وحتى أذان المغرب- مثلاً، والليل -من صلاة المغرب وحتى 10 مساءً- مثلاً.
وستجد نفسك –إن شاء الله– وقد ازددت ثقة بنفسك بمجرد كتابة هذا الجدول وتعليقه بغرفتك، لأن الأمور والأوقات أصبحت واضحة أمام عينيك ولن تضيع وقتًا في التفكير بماذا تدرس اليوم أو متى تراجع غدًا، كما أن الكتابة والتعليق يجعلانك أكثر التزامًا بإنجاز المذاكرة من حالة ترك الأمور في ذهنك فقط!
2 - الاستعانة بالله تعالى والوسائل الإيمانية: فلا يعقل أن نهمل علاقتنا مع الرب سبحانه في هذه الفترة العصيبة ثم نطلب منه تعالى أن يوفقنا! علينا أن نحرص على اجتناب المحرمات وأداء الصلاة والوضوء قبل كل صلاة خلال فترة الاختبارات –وبعدها إن شاء الله– حتى ييسر لنا سبحانه المذاكرة ويشرح صدورنا وعقولنا لتحقيق أفضل النتائج.
كما أن دعاء الوالدين لأولادهم –بإذن الله– مستجاب؛ فيجب أن لا نغفل عن تقبيل رأسيهما كل صباح ومساء كي ننال رضاهما ونطلب منهما الدعاء لنا بالتوفيق والنجاح.
3 - بذل الأسباب والاستعداد الجيد ليوم الامتحان: ويبدأ هذا الاستعداد قبله بفترة عن طريق الخطة الواضحة – بند 1 – وخلال تلك الفترة ويوم الاختبارعن اللجوء إلى الله تعالى – البند 2 – وكذلك عبر "المذاكرة الفعّالة" وأهم صفاتها ما يلي:
- القراءة السريعة لكامل المقرر المطلوب: قبل البدء بالمذاكرة.
- فهم تقسيم الموضوعات المختلفة للمقرر: عن طريق الفهرس أو غير ذلك.
- المذاكرة الجادة: بعيدًا عن الملهيات، ونضع بجانبنا أوراق وأقلام نلخص بها العناصر والتعاريف.
- الاطلاع على نماذج الاختبارات السابقة: ومحاولة الإجابة عليها ذاتيًا ثم تصويبها من المقرر.
- المراجعة الشاملة ليلة الامتحان: عبر القراءة السريعة لمرة أخيرة وحفظ الملخصات وتسميعها.
أخي الطالب ... أختي الطالبة:
متى حققنا العناصر الثلاثة السابقة لمثلث النجاح الدراسي، والتزمنا بالبنود الخمسة للمذاكرة الفعّالة، فإننا -إن شاء الله – لن نواجه أية مشكلة في النجاح ... عفوًا في التفوق بإذن المولى القادر على كل شيء.
ألقاكم بعد الاختبارات لأسمع نتائجكم الطيبة.
أخوكم/طالب تخرج بتفوق:) ... والعقبى لكم.(/)
الإسلاميون والانتخابات!
ـ[ hedaya] ــــــــ[26 May 2005, 09:59 ص]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالشورى مبدأ إسلامي أصيل أقره القرآن الكريم فى قوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم} وقوله تعالى: {وشاورهم فى الأمر}، وإن كان هذا الأمر من الله موجه للرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بوحي السماء فما بالنا بحالنا نحن الضعفاء الخطاؤون؟ بلا شك فإن الشورى بحقنا أوجب وألزم.
وها هو النبي عليه الصلاة والسلام يستشير صحابته قبيل غزوة أحد في التحصن داخل المدينة المنورة أو الخروج إلى الكفار، فلم يستثنى أحداً بل أخذ برأي الشباب والشيوخ معًا، ونزل على رأى الأغلبية رغم مخالفة ذلك الرأي لرأى كبار الصحابة رضوان الله عليهم.
ولكن هل لمشاركة الإسلاميين كأفراد وحركات في الانتخابات أهمية؟
نعم؛ فإن لمشاركتهم -مشاركتك أخي القارئ الملتزم- أهمية بالغة للأسباب التالية:
1 - التيار الإسلامي يمثل قطاع عريض من شعوب العالم الإسلامي، وبالتالي لا بد له من تمثيل نيابي ومهني و ... الخ يتناسب مع حجمه الكبير.
2 - التيار الإسلامي لديه من الأهداف والوسائل ما يكفل -بعد توفيق الله تعالى- تحقيق الإصلاح المنشود ومحاربة الفساد الموجود على كل الأصعدة.
3 - مشاركتهم -وأنت معهم- تحقيق لمبدأ الشورى التي تواترت الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على فرضيته وإلزاميته.
4 - الحركات الإسلامية على احتكاك يومي مباشر بالشارع العربي والمسلم، مما يجعلها تتلمس مشاكله وتحس بآلامه.
5 - مشاركتها ضرورة للقضاء على الإرهاب لأنها وسيلة موفقة في التعبير والتغيير، وكلما قل هامش الحرية زادت مساحة الإرهاب.
أما نتائج فوز الحركات الإسلامية فى الانتخابات ودخولها ساحات صنع القرار:
1 - تصحيح الأوضاع المزرية ومعالجة الفساد المستشري فى جنبات بلداننا.
2 - العمل على إنجاز القوانين والمشاريع التى تحافظ على مقدرات الشعوب وترعى مصالحهم.
3 - إيقاف أو تعطيل القوانين والمشاريع التى تهدر مقدرات الشعوب وتقيض الحريات.
4 - التفانى فى خدمة الشعوب والأوطان لأن ذلك من تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فإما رجح وإما شفعت له).
5 - صبغ القوانين والمشاريع بالصبغة الإسلامية ومراعاة أحكام الشريعة فى هذه القوانين.
6 - إثراء النقاش السياسي الذي يأتي بأفضل القوانين والقرارت: وذلك نتيجة للأخذ بكل الآراء وعدم الأخذ بالرأي الواحد، والذى غالباً ما يخدم الأحزاب الحاكم ويتجاهل الشعوب المحكومة!
7 - الضغط على الحكومات بغية الإصلاح الشامل الذى يشمل كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية، وغيرها من نواحي الحياة التي عمها الفساد.
8 - إظهار قيادات سياسية جديدة: كي تجرى الدماء الحارة فى عروق مؤسسات الدول، بما تحمل هذه القيادات بين جنباتها من حماس وإصرار على الرقى بأوطاننا إلى مصاف الدول المتقدمة.
ختامًا: ها قد عرفنا جانبًا من أهمية مشاركة الإسلاميين والمتلزمين في الحياة السياسية، وقد عددنا جانبًا من الفوائد المترتبة على تلك المشاركة، فدعونا نلتف حولهم بالنصح الصادق والتأييد الواثق ... معًا نصنع التغيير(/)
برنامج احتساب مدة حفظ القرآن الكريم اعتمادا على قدرة الحفظ اليومي للآيات
ـ[إمداد]ــــــــ[27 May 2005, 02:01 ص]ـ
برنامج احتساب مدة حفظ القرآن الكريم اعتمادا على قدرة الحفظ اليومي للآيات
إضافة عملية ميسرة لتمهيد الطريق الطويل إلى الجنة؟
إذا حفظت من القرآن الكريم في اليوم (آية واحدة فقط) تحفظ القرآن كله
في مدة 17 سنة و7 أشهر و9 أيام
وإذا حفظت في اليوم 2 آية تحفظه في 8 سنوات و9 أشهر و18 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 3 آيات تحفظ القرآن في 5 سنوات و10 اشهر و13 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 4 آيات تحفظ القرآن في 4 سنوات و 4 اشهر و 24 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 5 آيات تحفظ القرآن في 3 سنوات و6 اشهر و 7 أيام
وإذا حفظت في اليوم 6 آيات تحفظ القرآن في 2 سنتين و 11 شهرا و 4 أيام
وإذا حفظت في اليوم 7 آيات تحفظ القرآن في 2 سنتين و 6 اشهر و 3 أيام
وإذا حفظت في اليوم 8 آيات تحفظ القرآن في 2 سنتين و 2 شهر و 12 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 9 آيات تحفظ القرآن في 1 سنة و 11 شهراً و 12 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 10 آيات تحفظ القرآن في 1 سنة و 9 أشهر و 3 أيام
وإذا حفظت في اليوم 11 آية تحفظ القرآن في 1 سنة و 7 أشهر و 6 أيام
وإذا حفظت في اليوم 12 آية تحفظ القرآن في 1 سنة و 5 أشهر و 15 يوما
وإذا حفظت في اليوم 13 آية تحفظ القرآن في 1 سنة و 4 أشهر و 6 يوما
وإذا حفظت في اليوم 14 آية تحفظ القرآن في 1 سنة و 3 أشهر فقط 0
وإذا حفظت في اليوم 15 آية تحفظ القرآن في 1 سنة و 2 شهر و 1 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 16 آية تحفظ القرآن في 1 سنة و 1 شهر و 6 أيام
وإذا حفظت في اليوم 17 آية تحفظ القرآن في 1 سنة و 10 أيام0
وإذا حفظت في اليوم 18 آية تحفظ القرآن في 11 شهر و 19 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 19 آية تحفظ القرآن في 11 شهر و 1 يوماً0
وإذا حفظت في اليوم 20 آية تحفظ القرآن في 10 شهر و 16 يوماً
وإذا حفظت في اليوم 1 وجه تحفظ القرآن .. في 1 سنة و8 شهر و12 يوماُ
وإذا حفظت في اليوم 2 وجه تحفظ القرآن .. في 10 أشهر و 6 أيام فقط
لا تنسى أن كل حرف تنطقه عند قراءة القرآن الكريم بحسنة، وتكتب عشر
حسنات! .. ففي (بسم الله الرحمن الرحيم) مثلاً 19 حرفاً .. تحتسب
بـ 190 حسنة! .. فقط عند التسمية 190 حسنة .. فكيف بالآيات، والتكرار
التلقائي مع الحفظ وبعد الحفظ؟. (حقاً فرصة العمر) .. لأن بعض
الموازين يوم الحساب قد لا تحتاج إلا لحسنة واحدة لتترجح كفة حسناتها
على كفة سيئاتها فينفتح الطريق بفضل الله ورحمته إلى الجنة!. لا
حرمنا الله الطريق الآمن إليها. رزقنا الله جميعاً عونه وتوفيقه
والصدق والإخلاص والقبول، وحسن العاقبة .. اللهم آمين
منقوول
من http://www.quranmakkah.org/
__________________(/)
جدول بث إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية
ـ[إمداد]ــــــــ[27 May 2005, 01:27 م]ـ
جدول بث إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية
http://www.liveislam.com/series/quraan.htm
ـ[إمداد]ــــــــ[31 May 2005, 05:26 ص]ـ
هذا ملف وورد لبرامج إذاعة القران لعام 1426
http://www.muslimathost.net/files/ethaa26.zip(/)
أمة مكلومة جراحها تنزف ومع ذلك تغني وترقص
ـ[إمداد]ــــــــ[28 May 2005, 03:05 م]ـ
خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية
لفضيلة الشيخ: صلاح البدير
بتاريخ: 8 - 4 - 1422هـ
والتي تحدث فيها فضيلته عن: حكم الغناء
الحمد لله، الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للهدى، ونكت في قلوب أهل الطغيان فلا تعي الحكمة أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهً أحدًا، فردًا صمدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ما أكرمه عبدًا وسيدًا، وأعظمه أصلاً ومحفِدًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه غُيوثِ الندى ولُيوثِ العِدى، صلاةً وسلامًا دائمين إلى أن يبعث الناس غدًا:
عباد الله، اتقوا الله فإن تقواه أفضل مكتسب، وطاعته أعلى نسب،) ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـ?لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ?للَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ([الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
يعيش أهل الإسلام في ظل هذا الدين حياة شريفة كريمة، يجدون من خلالها حلاوة الإيمان، وبرد اليقين والاطمئنان، وأنس الطاعة، ولذة العبادة، وتقف تعاليم هذا الدين حصنًا منيعًا ضد نوازع الانحراف وأهواء المنحرفين، تصون الإنسان عن نزواته، وتحميه من شهواته، وتقضي على همومه وأحزانه، فما أغنى من والى دين الله وإن كان فقيرًا، وما أفقر من عاداه وإن كان غنيًا.
أيها المسلمون:
وإن مما يُحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، وينشدون البهجة فيما عداه، يضعون السموم على الأدواء مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في عاجلات الشهوات والأهواء.
ومن ذلك عكوف كثير من الناس اليوم على استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وهِجِّيرَاهم، متعللين بعلل واهية، وشبه داحضة، وأقوال زائفة، تبيح الغناء ليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم فُتنوا باتباع الشهوات، واستماع المغنِّيات، وقد أخبرنا بذلك الصادق المصدوق فقال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف)) رواه البخاري معلقًا مجزومًا به داخلا في شرطه، ورواه أحمد وأبو داود موصولاً من طرق متعددة.
أيها المسلمون:
إن من أبطل الباطل، وأبين المُحال أن يقول أحد من أهل العلم والإيمان بإباحة الغناء المعروف اليوم، المشتمل على كل مفسدة، الموقع في كل مهلكة، غناءٌ يضجُّ بوصف العيون، ومحاسن المعشوق، وألوان العتاب، ولواعج الاشتياق، وآثار القلق والفراق، صوت شيطاني، يتغلغل في القلوب، يثير كامنها، ويحرك ساكنها، إلى شهوات الغي والردى، زَهْزَهَةٌ وفرقعة، تهييج وتشبيب، ضحك وصخب، رقص وتكسر وتثني، عفن يُزكِم الأُنوف، وفجور يملأ الآذان ويصك الأسماع.
أيها المسلمون:
كيف يدسُّ العاقل نفسه الشريفة في خلاعة ماجنة، تأنف منها النفوس المؤمنة، وتنفر منها الطباع السليمة، فعن جابر t قال: قال رسول الله: ((إني لم أنه عن البكاء، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمةٍ، لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوتٍ عند مصيبةٍ، لطم وجوه وشق جيوب ورنة شيطان)) رواه الحاكم، وعن أنس t ، قال رسول الله: ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة)) أخرجه البزار.
أيها المسلمون:
جاءت الآيات القرآنية بتحريم الغناء وتقبيحه، يقول الله جل جلاله: وَمِنَ ?لنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ?لْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ?للَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [لقمان: 6]، يقول النبي: ((لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن، ولا تجارة فيهن، وثمنهن حرام، إنما نزلت هذه الآية في ذلك)) أخرجه الطبراني في المعجم.
ويقول عبد الله بن مسعود t " إنه الغناء، إنه الغناء، والذي لا إله إلا هو".
أيها المسلمون:
(يُتْبَعُ)
(/)
الغناء صوت الشيطان، يستفزّ به بني الإنسان، إلى الفجور والعصيان، فالواجب على كل مسلم تجنبه والإعراض عنه، يقول تبارك وتعالى:) وَ?سْتَفْزِزْ مَنِ ?سْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى ?لاْمْو?لِ وَ?لأولَـ?دِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ?لشَّيْطَـ?نُ إِلاَّ غُرُورًا ([الإسراء: 64].
عباد الله:
اهجروا الأغاني وآلات الملاهي؛ فإنها رائدة الفجور، وشَرَك الشيطان، ورُقية الزنا، يقول يزيد بن الوليد: "يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه يُنقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر"، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى مؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي، التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن حضور المعازف واستماع الأغاني واللهج بها يُنبت النفاق في القلب كما يُنب العشبَ الماء"، وكتب لعمر بن الوليد كتابًا جاء فيه: "وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجزُّ جمّتك جمة السوء" أخرجه النسائي.
أيها المسلمون:
احذروا أسباب سخط الله وغضبه، وإن ظهور الأغاني وآلات الملاهي من أسباب سخط الله وحلول عقابه، فعن أبي مالك الأشعري t قال: قال رسول الله: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمُغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير)) رواه ابن ماجه.
وعن عمران بن حصين t قال: قال رسول الله: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)) قيل: يا رسول الله، ومتى ذاك؟ قال: ((إذا ظهرت القينات والمعازف، وشُربت الخمور)) أخرجه الترمذي.
ويقول الضحاك: "الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب".
عباد الله:
إن مادة الغناء وحقيقته، وباعثه وغايته، وأثره وثمرته، كلها تدور حول أشعار الفُساق والفُجار، المشتملة على مدح ما يبغضه الله ويمقت عليه، والافتخار بنيله والتبجح بالوصول إليه، وربما تعدَّوا ذلك إلى الغناء بالأشعار الكفرية التي تحادّ ما أنزل الله على رسوله محمد، وانظر ما جرَّت هذه الأغاني والملاهي على أربابها من الشر والفساد، ينكشف لك قناعها، ويُسفر لك عن وجهها، آثارٌ سيئة، وعاقبةٌ وخيمة، يراها كل صاحب بصيرة في صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم، وحركاتهم وأحوالهم،) وَمَن يُرِدِ ?للَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ?للَّهِ شَيْئاً ([المائدة: 41].
وحين سُئل مالك بن أنس -رحمه الله تعالى- عما يترخص فيه بعض أهل زمانه من الغناء قال: "إنما يفعله عندنا الفُساق".
أيها المسلمون:
إن استماع الأغاني والعكوف عليها من أعظم مكائد الشيطان ومصائده التي صاد بها قلوب الجاهلين، وصدهم بها عن سماع القرآن الكريم، يقول الشافعي رحمه الله تعالى: "خَلّفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير، يصدون به الناس عن القرآن".
الله أكبر، إذا كان هذا القول في التغبير، وهو شعر يزهّد في الدنيا، يغنِّي به مغنِّي، فيضرب على توقيعات غنائه ضارب بقضيب على نطع أو جلد يابس أو نحوهما، فما القول في غناء هو صنو الخمر ورضيعه، يسمونه فنًا، وليس سوى شهوة ونزوة، وكلمات قذرة، لا يقِرُّ معها قلب، ولا يسكن معها عصب؟! فيا سبحان الله، يا سبحان الله، كيف ضلّت العقول، وغارت الفهوم) فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ?لأَبْصَـ?رُ وَلَـ?كِن تَعْمَى? ?لْقُلُوبُ ?لَّتِى فِى ?لصُّدُور ([الحج: 46].
عباد الله:
السمع أمانة عظمى، ومِنَّةٌ كبرى، امتنَّ الله على عباده بها، وأمرهم بحفظها، وأخبرهم بأنهم مسؤولون عنها، وإن استماع الأصوات المُطْرِبَة، وما يصحبها من المزامير والطنابير جُحود لهذه النعمة، واستخدام لها في معصية الله، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله: ((العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه)) رواه مسلم.
أيها المسلمون:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن تعظيم الأغاني وآلات الملاهي، وإظهار أصحابها بمظهر السيادة والريادة دعوة للناس إلى الغي والضلال، وصدّ لهم عن كتاب الله، وسنة رسوله، وقد قال عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: ((ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا)) رواه مسلم.
أيها المسلمون:
عجبًا من أمة تغني طربًا في حين أنها أمةٌ مثخنة بالجراح والدماء، مثقلة بتلال الجماجم والأشلاء، يُنال من كرامتها، ويُعتدى على أرضها وعرضها، ومقدساتها في الصباح والمساء، تُغني طربًا، وكأن لم يكن ثمّ حروبٌ شديدة، ووقائع مبيدة، وقتال مستعر، وأممٌ من المسلمين تحتضر، نعوذ بالله من موت القلوب وطمس البصائر.
أيها المسلمون:
نَزِّهوا أنفسكم وأسماعكم عن اللهو ومزامير الشيطان، وأحِلُّوها رياضَ الجنان، حِلق القرآن، وحِلق مُدارسة سُنَّة سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تنالوا ثمرتها، إرشادًا من غي، وبصيرة من عُمي، وحثًا على تُقى، وزجرًا عن هوى، وحياة لقلب، ودواءً وشفاءً، ونجاةً وبرهانًا، وكونوا ممن قال الله فيهم:) وَ?لَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً ([الفرقان: 72]، وممن قال فيهم جل وعلا:) وَ?لَّذِينَ هُمْ عَنِ ?للَّغْوِ مُّعْرِضُونَ ([المؤمنون: 3].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله:
اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه،) يَـ?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ?لصَّـ?دِقِينَ ([التوبة: 119].
أيها المسلمون:
شرع الله في النكاح الضرب بالدف مع الغناء الذي ليس فيه دعوة ولا مدح لمحرم, للنساء خاصة، لإعلان النكاح والتفريق بينه وبين السفاح، يقول النبي: ((فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح)) أخرجه الترمذي وغيره، وفي صحيح البخاري تقول الرُبيِّع بنت معوّذ بن عفراء حين البناء عليها والدخول بها: "فجعلت جُويريَّات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر".
يقول ابن حجر في فتح الباري: "والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يلتحق بهن الرجال، لعموم النهي عن التشبه بهن".
أيها المسلمون:
وإن مما يؤسف له أن يتجاوز كثير من الناس ما شُرع لهم إلى ما حُرِّم عليهم، وذلك باستئجارهم المغنين والمغنيات، والمطربين والمطربات، الذين يتغنون بأشعار الفسقة والكلام الهابط، وإحضارهم الآلات الموسيقية والطبول وغيرها، ودفعهم المبالغ الكثيرة الباهظة في مثل هذه المحرمات، واستعمالهم مكبرات الصوت بالغناء، وإيذائهم المسلمين من الجيران وغيرهم، والتشبه بالراقصات العاهرات في رقصهن وإمالتهن، واختلاط الرجال بالنساء، وإضاعة الأوقات والصلوات، إلى غير ذلك من الفتن العظيمة، والعواقب الوخيمة، التي سرت في صفوف كثير من المسلمين، بطريق العدوى والتقليد الأعمى.
فالحذر الحذر -يا عباد الله- وإياكم وحضور مثل هذه المجالس، يقول الإمام الأوزاعي -رحمه الله تعالى-: "لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف".
عباد الله:
توبوا وأنيبوا، والتزموا بآداب دينكم، وأصلحوا ما فسد من أحوالكم، وتمسكوا بكتاب ربكم، وسنة نبيكم محمد تفلحوا وتنجحوا.
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبحة بقُدسه، وثلّث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال قولاً كريمًا:) إِنَّ ?للَّهَ وَمَلَـ?ئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ?لنَّبِىّ ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً ([الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر
أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفق وليّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد r.
اللهم ادفع عنا البلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم اعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأعذنا من الشيطان وجنده يا رب العالمين.
اللهم برحمتك نستغيث اصلح لنا شأننا كله ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا اللهم من الراشدين.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم وانصرهم في الشيشان، اللهم وانصرهم في كشمير، اللهم وانصر إخواننا المستضعفين في كل مكان يا رب العالمين.
عباد الله:)) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ([النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
لحفظ الخطبة
http://www.khotab.net/sound/mad1422-04-08.ram
لاستماع الخطبة
http://www.khotab.net/sound/mad1422-04-08.rm
ـ[سالم سرور عالي]ــــــــ[20 Jul 2008, 09:08 م]ـ
نفع الله بكم.
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[21 Jul 2008, 05:16 م]ـ
سبحان من ألهم هذا الرجلَ الفصاحة وجمال الأسلوب ورصانة التعبير فهو بليغٌ فصيحٌ لا يكاد يُشَقُّ له غبارٌ وإلقائه الوعظيُّ - الذي يزينُه إحساسك برحمة الخطيب المشفقُ على المخاطَبين- يكاد يستحوذ على مجامع قلوب السامعين فبارك الله لنا فيه وزادنا وإياه قرباً منه ومغفرةً ورضواناً.(/)
تهنئة الشيخ ناصر الماجد لحصوله على درجة الدكتوراه وفقه الله
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[30 May 2005, 01:44 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بفضل الله وتوفيقه نوقشت يوم الأربعاء الماضي 17/ 4/1426هـ رسالة الدكتوراه التي تقدم بها الزميل الكريم الشيخ ناصر بن محمد الماجد إلى قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. وكانت الرسالة تحقيقاً لكتاب:
أحكام القرآن لأبي الفضل القشيري المتوفى سنة 344هـ
من أول سورة الأنفال إلى سورة الناسوهو كتاب مختصر من كتاب أحكام القرآن للقاضي إسماعيل بن إسحاق الأزدي، الذي يعد من أقدم المصنفات في أحكام القرآن.
وقد تكونت لجنة المناقشة من كل من:
1 - الأستاذ الدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري المشرف على الرسالة رئيساً.
2 - الأستاذ الدكتور علي بن سليمان العبيد وكيل الرئيس العام لشؤون الحرمين لشؤون المسجد النبوي والأستاذ بقسم القرآن بالكلية سابقاًُ عضواً
3 - الدكتور سعيد بن جمعة الفلاح الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بالرياض عضواً.
وقد قررت اللجنة بعد المناقشة منح درجة الدكتوراه للباحث مع مرتبة الشرف الأولى ولله الحمد.
ونحن في ملتقى أهل التفسير نهنئ الدكتور ناصر الماجد على حصوله على هذه الدرجة ونسأل الله أن تكون عوناً له على الطاعة والعلم، وأن تكون مفتاحاً لمزيد من العطاء العلمي والمشاركة الفاعلة في هذا الملتقى العلمي والإشراف عليه.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[30 May 2005, 08:48 ص]ـ
بارك الله لك يا شيخ ناصر, وجعلها الله عوناً لك على طاعته, ونشر دينه, ونتمنى أن نرى هذا الكتاب القيم قريباً.
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[30 May 2005, 02:44 م]ـ
أبارك للشيخ ناصر الماجد هذه الدرجة وندعو له بالتوفيق.
ـ[أبو الجود]ــــــــ[30 May 2005, 11:17 م]ـ
أبارك لأخي جعله الله مفتاحا للخير وبارك له في علمه ووقته
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[31 May 2005, 02:48 م]ـ
أبارك لأخي الأستاذ ناصر الماجد حصوله على درجة العالمية العالية وأتمنى له مزيداً من التوفيق في حياته العلمية.
ـ[أخوكم]ــــــــ[31 May 2005, 06:41 م]ـ
اللهم بارك للشيخ:
ناصر الماجد
مبروك مبروك مبروك مبروك
ناصر الماجدفي شهادته وعلمه وعمله ودعوته
ـ[موراني]ــــــــ[31 May 2005, 11:07 م]ـ
الاستاذ ناصر الماجد حفظه الله ,
لكم أطيب تهنئتي وأعطرها لهذا النجاح وبهذه الدرجة المتميزة وهي من ثمرات جهودكم العلمية في خدمة التراث.
وبهذه المناسبة أود أن أتوجه اليكم السؤال حول نشر هذا الكتاب وامكانية الحصول اليه
وذلك نظرا الى أن أحكلم القرآن للقاضي اسماعيل بن اسحاق الجهضمي (ما تبقى منه في مكتبة القيروان) سيصدر قريبا.
ودمت بخير وعافية
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[31 May 2005, 11:23 م]ـ
أسأل الله الكريم أن يوفق الأخ العزيز ناصر الماجد لما يحب ويرضى، وأن يجعله مباركاً أينما كان، وأن يجعل ما حصّله عوناً له على طاعة ربه ومولاه.
ثم إن ملتقى أهل التفسير ينتظر منه ومن أمثاله أن يبلغوا ما فتح الله به عليهم من العلم، وأن ينشروه للناس .... فلعلك أبا فارس تعود لتشارك معنا، وتنتخب لنا من الكتاب الذي قمت بتحقيقه فوائد وفرائد، فهذه من حقنا عليك.
ـ[موراني]ــــــــ[01 Jun 2005, 12:22 ص]ـ
...... وتنتخب لنا من الكتاب الذي قمت بتحقيقه فوائد وفرائد، فهذا من حقنا عليك
نعم , أنا أؤيد هذا الاقتراح الطيب من جانب مشرف هذا الملتقى العلمي , وأرجو أن يلبي به صاحب الكتاب قدر امكانيته.
ـ[ناصر الماجد]ــــــــ[02 Jun 2005, 01:45 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخوه الكرام أشكركم جزيل الشكر على مشاعركم النبيلة ودعواتكم الطيبة وأسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعا العلم النافع والعمل الصالح وإن يجعل ما تعلمناه حجة لنا لا علينا، وأن يستعملنا في طاعته
ـ[د. عبدالرحمن اليوسف]ــــــــ[03 Jun 2005, 01:36 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إن القلم ليتدفق محبة، ووفاء، لأخي الكريم، الشيخ الدكتورناصرالماجد، بمناسبة حصوله على العالمية العالية (الدكتوراه)
وفقك الله لكل خير، وفتح عليك من فواتح رحمته،وزادك علما، ونفع بك.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[04 Jun 2005, 06:40 م]ـ
مبارك واسأل الله لك مزيداً من التوفيق والتسديد , وجعلها الله عوناً لك على طاعته.
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[05 Jun 2005, 01:33 م]ـ
مبارك، وأسأل الله أن يزيدكم في العلم، ويوفقكم للدعوة، والعمل ..
ـ[حفصة]ــــــــ[05 Jun 2005, 02:25 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله لك يا شيخ , وجعلها الله عوناً لك على طاعته, ونشر دينه
ـ[الراية]ــــــــ[06 Jun 2005, 11:32 م]ـ
مبارك لكم هذا النجاح ونتمنى لكم التوفيق في حياتكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[10 Jun 2005, 06:09 م]ـ
أبارك للشيخ حصوله على الدرجة، مع بالغ الرجاء بالتوفيق والسداد.(/)
عين على الإعلام الصهيوني
ـ[ hedaya] ــــــــ[30 May 2005, 07:04 ص]ـ
عين على الإعلام الصهيوني
تمهيد وتوطئة:
الإعلام الطبيعي هو السلطة الرابعة في أي دولة، ولكن الإعلام الصهيوني شيء مختلف تماماً عن باقي المؤسسات الإعلامية في العالم! لا غرابة بهذا الكلام لأن حقيقة الإعلام الصهيوني تبين أنه أداة عسكرية لا يختلف عن أي سلاح يستخدمه الكيان الغاصب عقب تنفيذ أي عملية إرهابية أو مخطط استيطاني أو عدواني جديد.
أطماع اليهود:
كما أن الصهاينة واليهود بشكل عام يهتمون كثيراً بالإعلام المقروء والمسموع والمرئي وحتى الفضائي، وذلك ليس حباً بالإعلام ولا هواية فيه وإنما ذلك لأنهم قوم أدركوا فعالية سلاح الإعلام منذ قديم الزمان وقبل إنشاء كيانهم الغاصب على تراب فلسطين، حيث أسس أحبار اليهود قبل ألفي عام حكومة يهودية عالمية، هدفها السيطرة على العالم وشعوبه وجعلهم أداة تحريك لها حسب الرغبات والمصالح.
ثم أسسوا بديلاً عنها عرف بالحكومة اليهودية العالمية السرية، والتي كانت تدرس أمور الدول التي ينتمي أعضاء الحكومة لها وسبل إدخال دول العالم الكبرى بالحروب وإشعال الفتن فيها، فمصالحهم لا تتحقق إلا بوجود تلك الأجواء المضطربة.
الصهيونية الحديثة:
وهكذا تلاحقت الاحداث إلى أن تأسست الحركة الصهيونية العالمية التي هي من مواليد عام 1882م وكان من أهم رجالها بنيامين زئيف هرتزل صاحب فكرة الدولة اليهودية والمعروف بأبو الصهيونية والذي عاش بين عام 1860 إلى عام 1904م حيث ترك مهنته الحقوقية وتفرغ للنشاط الصحافي والأدبي فاستغل خبرته الكتابية بالدعوة لإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي وفي عام 1896م أصدر كتابه دولة اليهود والذي كان له صدى كبير لدى اليهود حيث حاول فيه تجنيد الرأي العام لضمان دعم خطته وذلك قبل عقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897م.
وفي عام 1902 ظهرت أول نشرة حول بروتوكولات حكماء صهيون وفي أواخر 1919 تم نشر أسرار هذه البروتوكولات في برلين ولندن، وكانت هذه البروتوكولات بمثابة دستور للشعب اليهودي وبمنزلة كتابهم التلمود، فكانت منشورات هذه البروتوكولات مقسمة على 24 فقرة كانت الفقرة 12 تحديداً مهتمة بالجانب الإعلامي والصحفي وتأثيرهما على سياسة الدول وفكر الشعوب، وبالتالي كان للإعلام في عيون الصهاينة أهمية كبيرة وضخمة وهذا شئ من حقيقة اهتمامهم بالإعلام.
إسرائيل والإعلام:
وبعد تأسيس دولة الكيان الغاصب كان للإعلام دور هام جداً في الترويج لقبول السرطان الصهيوني الذي ظهر بالمنطقة العربية، وأيضاً كان للإعلام دور هام وكبير في التضليل على فكر ورؤية الشعوب الغربية والتي ما لبثت الى ان اعترفت عبر حكامها بإنشاء ما يسمى بـ "دولة إسرائيل".
وبالعودة إلى يومنا هذا نرى أن الصهيونية العالمية قد استطاعت احتكار الصحافة في بلاد الغرب، وأصبحت قادرة على قلب الحقائق وتصوير الضحية الأعزل على أنه الجاني! وتصوير الجلاد المدجج بالسلاح على أنه ضحية بريئة تحمل السلاح للدفاع أطفالها!
وعبر ذلك تم إسقاط حق الشعوب في المقاومة والتحرر، وأصبح من يحمل السلاح دفاعاً عن نفسه ووطنه إرهابياً، وتم التغطية بذلك على الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، والتحضير لضرب دول أخرى على أجندة الإدارة الأمريكية، التي هي الشريك القديم والمتجدد لتسويق حق الصهاينة في العيش بسلام، عبر قتل وتدمير أي حضارة تقول: لا للصهيونية الحاقدة ولا حق لليهود في أرضنا المغتصبة.
علمنا فماذا نعمل؟
علينا أن ندعم بما استطعنا من مال أو جهد أو دعاية كل المنابر الإعلامية الإسلامية أو المحايدة، وعلينا مقاطعة كل الإعلام المفضوح أو المستتر الداعم للصهيونية، فهو منكر كبير وشر مستطير على الإنسانية كلها، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال ذرة) حديث صحيح.(/)
تسولي
ـ[إمداد]ــــــــ[31 May 2005, 02:11 ص]ـ
تسولي
ما أنت الا مثلٌ من شعبكِ المرحل
مدي يديكِ .. أطلبي لا تخجلي
فربماوجدت كفنا لزوجك المجندلِ
وربما وجدت كسرة من خبزكِ المفضلِ
وربما وجدتِ رقعةٌ لثوبكِ المهلهلِ
وربما وجدتِ آثراً من بيتكِ المزلزلِ
لا تقلقي من رؤية الطائرة المحلقة
وثورة القنبلة المحرقة
لا تقلقي من صحفٌ مأجورةٌ ملفقة
ان هدموا منزلكِ الصغير فاسكتي
لا تصرخي ولا تعاتبي ولا تبكتي
فربما أصبحتي في قائمة الارهاب
اذا صرختي او بكيتي او بالغتي في العتاب
تسولي ياأختنا تسولي
لا تشتكي ولا تولولي
فعندك الرصيف خير منزلِ .. نعم
ففي الرصيف راحة من مطبخ وغرفه وغرسة ومكتل
هم يرسمون ياأخيتي وجة الطريق الامثل
فلا تولولي .. لا تغضبي
فانهم لم يقصدوا ان يهدموا البيوت والمساجد
لم يقصدوا ان ينثروا أشلاء ركعٌ وساجدِ
قد يخطىْ الطيار يا اخيتي
وتخطىْ المقاصدِ
وربما ينحرف الصاروخ او يعاندِ
وربما تدحرجت قنبلة بريئة
وأشعلت بيوتكم أجزاؤها المضيئة
وأحدثت مالم يكن في الخطة الجريئة
تسولي يا أختنا تسولي
فحربهم تلاحق الجناة في الجبال
لم يقصدوا ان يقتلوا الاطفالِ
اطفالكم هم الذين ضيقوا المجالِ
فانهم هداهم الالة يلعبون
ويسرحون في ربوعكم ويمرحون
هم يخرجون لحظة الزلزال
يواجهون القصف والاهوال
كم يخطىء الاطفال يا أخيتي
تسولي يا أختنا تسولي
فحربهم تريد ان تزيل عنكم الشقاء
>
لم يقصدوا ان يقتلوا الشيوخ والنساء
شيوخكم قد اخطأوا
وأخطأت نساؤكم فكلكم خطاء
لانكم هداكم الالة تخرجون في العراء
وتهربون حينما تمطركم قنابل الوفاء
نعم قنابل الوفاء
اليس يرمي قبلها او بعدها الغذاء؟؟
كم يخطىء الشيوخ يا أخيتي وتخطىء النساء
تسولي .. يا أختنا تسولي
لابأس ان يموت طفلك الصغير
وان يموت جده الكبير
وان يئن قلبك الكسير
وان تشب في دياركم السعير
لابأس ان تضربكم طائرة تغير
قائدها يمسك علبة عصير
جهازها يرقب في جبالكم تحرك الخيول والحمير
لانها وسيلة لنقلكم خطيرة
تحملكم ظهورها في الطرق العسير
هداكم الالة يا أخيتي
فعندكم أسلحةٌ مثيرة
لابأس ان يراقبوا مسيرة الحمارة الثيثة
وحركات القطة الغثيثة
فربما تطلق من اذنها بودرة للجمرة الخبيثة
تسولي .. يا أختنا تسولي
فربما تسللت من أرضكم فراشة
عنيفة قوية الهشاشة
وقطعت مسافة تقصر او تطول
وحينما تحقق الوصول
تفجرت في برجهم والناس في ذهول
ألستِ ياأخيتي في عصرنا العجيب؟؟
بعقلةِ وفكرةِ الغريب
فربما تحولت فراشةٌ من أرضكم صغيرة
وأصبحت طائرةٌ كبيرة
واصطدمت ببرجِهم وأوقدت سعيرة
وأصبحت فراشةالارهابِ جديرةٌ بالضرب والعقاب
تسولي .. يا أختنا تسولي
فربما وجدت عابراً يمد كف مفضلِ
لا تشتكي ,,!!
أتشكين المر يا اخيتي الى نبات حنظل؟؟
أتشكين هدم منزلِ الى ضمير معولِ
لاتشتكي ورددي أدعية وحوقلي
وسبحي وهللي وأبشري
فالليل مهما طال سوف ينجلى؟؟؟
لشاعر الأمة عبد الرحمن العشماوي
رعاه الله(/)
يدٌ واحدة ... أمةٌ واحدة!
ـ[ hedaya] ــــــــ[31 May 2005, 09:39 ص]ـ
يدٌ واحدة ... أمةٌ واحدة!
بسم الله الرحمن الرحيم القائل: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} آل عمران، والحمد لله رب العالمين القائل: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} الفتح، والصلاة والسلام على خير الأنام القائل: (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وشبَّك بين أصابعه كما روى البخاري.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الأمة بين زمنين:
تمر أمتنا الإسلامية على مدار الأيام بفترات قوةٍ وعزة وأوقات ضعفٍ وذلة، فنجد الجيل الذي نشأ في الفترات الأولى الجميلة يعيش والخير منتشر والبلاد آمنة والأعراض مصانة ولله الحمد، أما الجيل الذي ينشأ في الأوقات الثانية الكالحة فيرى الشر مستشرٍ حوله والبلاد مستباحة والأعراض منتهكة ولاحول ولا قوة إلا بالله!
ويترعرع الجيل الأول بدون أن يجد ضرورة في بذل الجهد أو الانطلاق للجهاد، كما أنه لا يعرف معاني التضحية والثبات إلا من كتب التاريخ ودروس الماضي! بينما يشب الجيل الثاني على معاني الكفاح والفداء والتعب من أجل رفع الظلم وطرد المحتل وصيانة الأعراض والأموال والدماء.
المصلحون ينتفضون:
ولا شك في أننا نعيش الصنف الثاني من الأوقات، تلك التي نأتي بها والدنيا مدبرةً عنا والأمن راحل عن ديارنا، مما جعل الدعاة والمجاهدين والمصلحين في أمتنا ينتفضون من أجل هدفٍٍٍٍٍٍ واحد ولمواجهة خطرٍ واحد، ولكن من الطبيعي جداً أن تتنوع أساليبهم ووسائلهم وحركاتهم الإصلاحية داخل مجتمعاتنا لاختلاف الرؤى بين الأفراد دون أن يحيدهم ذلك عن هدفهم المشترك وحماية أمتهم الواحدة.
الحزبية العمياء والتعصب!
من المؤكد أن قادة هذه الحركات والاتجاهات على دراية تامة بما يريدون وما يبتغون، ولكن مع زيادة الأعداد ودخول شباب متحمس لتلك التنظيمات والجماعات نجد أن البعض تأخذهم نعرة حزبية ويجرفهم تعصب أعمى وتشدد مقيت، وشيئًا فشيئًا يبدؤون بتسفيه رأي هذا وتكفير ذلك وتفسيق ثالث!
فيبدأ الناس بالنظر لتلك الحركات الإصلاحية على أنها أحزاب متنافسة على الدنيا أو طوائف متناحرة على السلطة والكراسي، مما يجعل الكثير من المخلصين يبتعدون ويؤثرون السلامة في دينهم بعيدًا عن تلك التنظيمات والجماعات.
هل الفردية هي الحل؟
لكن هل الصد عن كل تلك الجماعات هو الحل؟ أم أن الحل كما يراه البعض في أن تحل تلك التنظيمات أنفسها! ليصبح الجميع أفراد متحابين بدون تقسيم مهام أو توزيع مناصب أو رفع واجهات سوى الإسلام وكفى.
العمل الجماعي ضرورة:
إن العالم كله الآن هو عالم مؤسسات وعمل جماعي، وأي فكرة على وجه الأرض تريد الانتصار والانتشار في الكون فإنها لن تتمكن من ذلك إلا بشكل مؤسسي محكم، وأعداء أمتنا الإسلامية من الصهيونية أو الحضارة الغربية لم يسيطروا علينا ويسبقونا في المجالات المختلفة إلا عن طريق مؤسسات ضخمة تعمل ليل نهار، وبشكل تنظيمي دقيق وهدف واضح (خبيث) وضعوه نصب أعينهم وعزموا على تحقيقه، ومخططات مرسومة لأهداف مرحلية على المدى القريب والمدى البعيد مع سرية تامة لعملهم الدؤوب.
فكيف يريد البعض أن يقنعنا بأنه يمكننا الدفاع عن أنفسنا بشكل فردي فقط! كيف يقابل تنظيم محكم بأمة مبعثرة؟ كيف تصد مخطط موحد بآراء متناثرة هنا وهناك! كيف تتصدى بقوه لهجمة شرسة مفاجئة وأنت لا تقدر على جمع الناس تحت راية واحدة بشكل سريع؟ بل كيف ستستمر عبر الزمن وأنت شخص واحد ستنتهي فكرتك بموتك!
حل مشكلة التعصب:
ليس العيب في كون وجود هذه الجماعات وتلك الحركات حتى نلغيها! إنما يكون الحل في دعوة هذه الحركات والجماعات للرجوع لأفكارها النقية ومناهجها الصافية وغايتها المنشودة، ليكون الإسلام قبل الجماعة والإيمان قبل التنظيم.
فمن المستحيل أن تجمع كل الأفكار في حركة واحدة أو تنظيم واحد، لتنوع الأفكار واختلاف الوسائل وهذا من طبيعة البشر، وإنما المتاح أمانا هو أن نجمع بين تلك الحركات برابطة الحب في الله والعمل لنصرة هذه الأمة، وأن نؤمن جميعًا بأنه إذا حدث اختلاف فهو لن يفسد للود قضية، طالما أنه لم يخالف الثوابت والأصول المجمع عليها، حينئذٍ ستكون الحركات الإصلاحية نقطة مضيئة وعلامة نجاح باهرة في أمتنا الإسلامية: تصلح ولا تفسد ... تبني ولا تهدم، وتتعاون مع بعضها لتعيد للأمة مجدها وتصون كرامتها، مصداقًا لقاعدة الداعية محمد رشيد رضا – رحمه الله: (نتعاون فيما نتفق عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه)، يحدونا قول الشاعر:
إن أولى الورى بتوحيد شملٍ،،، أمةٌ كان دينها التوحيد
وفي الختام ننادي:
يا من أخلصتم عملكم لله جل وعلا، ويا من تخافون على أوطانكم من كيد العدا، ويا من نذرتم أنفسكم وأموالكم وأوقاتكم لربكم سبحانه وتعالى، فلنعمل جميعاً على توحيد الشمل وتصفية النفوس وتركيز الجهود نحو العدو المشترك، ونعلنها جميعاً أننا: يدٌ واحدة ... أمةٌ واحدة.
ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا اجمعنا في الدنيا إخوانَا مسلمين، وفي الجنة على سرر متقابلين ... اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين.(/)
حكم التصفيق للرجال والنساء. بحث مدعم بالأدلة وأقوال اهل العلم.
ـ[ابو حنيفة]ــــــــ[03 Jun 2005, 04:12 م]ـ
حكم التصفيق في الإسلام
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات؟
فأجاب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية، وأقل ما يُقال فيه الكراهة، والأظهر في الدليل تحريمه، لأن المسلمين منهيون عن التشبّه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكّة: << وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية>>، قال العلماء: المكاء الصفير، والتصدية: التصفيق.
والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يعجبه أو ما ينكره أن يقول: سبحان الله أو يقول الله أكبر، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة.
ويشرع التصفيق للنساء خاصة، إذا نابهنّ شيء في الصلاة أو كنّ مع الرجال فسها الإمام في الصلاة فإنه يُشرع لهنّ التنبيه بالتصفيق، أما الرجال فينبّهونه بالتسبيح كما صحّت بذلك السنّة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يُعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبّه بالكفرة والنساء وكل ذلك منهيّ عنه. والله ولي التوفيق.
المصدر: نشرت في فتاوى سماحته ضمن صفحة - أسالوا أهل الذكر - التي تصدر من سماحته بالمجلة العربية شهريا.
السؤال: ما حكم التصفيق في الحفلات أرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟
الجواب:
الشيخ: التصفيق في الحفلات ليس من عادة السلف الصالح وإنما كانوا إذا أعجبهم شيء سبحوا أحيانا أو كبروا أحيانا لكنهم لا يكبرون تكبيرا جماعيا ولا يسبحون تسبيحا جماعيا بل كل واحد يكبر لنفسه أو يسبح لنفسه بدون أن يكون هناك رفع صوت بحيث يسمعه من بقربه فالأولى الكف عن هذا أي التصفيق ولكننا لا نقول بأنه حرام لأنه قد شاع بين المسلمين اليوم والناس لا يتخذونه عبادة ولهذا لا يصح الاستدلال علي تحريمه بقوله تعالي عن المشركين (وما كانت صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية) فإن المشركين يتخذون التصفيق عند البيت عبادة وهؤلاء الذين يصفقون عند سماع ما يعجبهم أو رؤية ما يعجبهم لا يريدون بذلك العبادة وخلاصة القول أن ترك هذا التصفيق أولى وأحسن ولكنه ليس بحرام؟
الشيخ / محمد بن صالح العثيمين
حكم التصفيق
قال في حاشية البجيرمي: ((والتصفيق مكروه كراهة تنزية)). حاشية البجيرمي 4/ 434.
وسئل رضي الله عنه عن قول الزركشي إن التصفيق باليد للرجال للهو حرام لما فيه من التشبه بالنساء هل هو مسلم أم لا، وهل الحرمة مقيدة بما إذا قصد التشبه أو يقال ما اختص به النساء يحرم على الرجال فعله، وإن لم يقصد به التشبه بالنساء.
فأجاب: هو مسلم حيث كان للهو، وإن لم يقصد به التشبه بالنساء.
وسئل عن التصفيق خارج الصلاة لغير حاجة هل هو حرام أم لا؟
فأجاب إن قصد الرجل بذلك التشبه بالنساء حرم، وإلا كره. ا هـ. نهاية المحتاج 2/ 47.
قال ابن حجر: يكره التصفيق خارج الصلاة مطلقا، ولو بضرب بطن على بطن، وبقصد اللعب، ومع بعد إحدى اليدين عن الأخرى. وقال شيخنا الرملي: إنه حرام بقصد اللعب، وكتصفيق فيما ذكر ضرب الصبي على بعضه، أو بنحو قضيب أو ضرب خشب على مثله، حيث حصل به الطرب. حاشية قليوبي 1/ 216.
وقد حرم بعض العلماء التصفيق لقوله عليه السلام: ((إنما التصفيق للنساء)) ((ولعن عليه السلام المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء))، ومن هاب الإله وأدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص ولا تصفيق، ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل، ويدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب ولا سنة، ولم يفعل ذلك أحد الأنبياء ولا معتبر من أتباع الأنبياء، وإنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، وقد قال تعالى: ?وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ? وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم يلابسوا شيئا من ذلك، ومن فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه وليس بقربة إلى ربه، فإن كان ممن يقتدى به ويعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات، وإنما هو من أقبح الرعونات. قواعد الأحكام 2/ 220 - 221.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال في التمهيد: وفيه أن التصفيق لا يجوز في الصلاة لمن نابه شيء فيها ولكن يسبح وهذا ما لا خلاف فيه للرجال وأما النساء فإن العلماء اختلفوا في ذلك فذهب مالك وأصحابه إلى أن التسبيح للرجال والنساء جميعا لقوله صلى الله عليه وسلم ((من نابه شيء في صلاته فليسبح)) ولم يخص رجالا من نساء وتأولوا قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إنما التصفيق للنساء)) أي إنما التصفيق من فعل النساء قال ذلك على جهة الذم ثم قال من نابه شيء في صلاته فليسبح وهذا على العموم للرجال والنساء هذه حجة من ذهب هذا المذهب.
وقال آخرون منهم الشافعي والأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وجماعة من نابه من الرجال شيء في صلاته سبح ومن نابها من النساء شيء في صلاتها صفقت إن شاءت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق بين حكم النساء والرجال في ذلك فقال التصفيق للنساء ومن نابه شيء في صلاته يعني منكم أيها الرجال فليسبح واحتج بحديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ففرق بين حكم الرجال والنساء وكذلك رواه جماعة في حديث سهل بن سعد هذا قال الأوزاعي: إذا نادته أمه وهو في الصلاة سبح فإن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء سنة. التمهيد لابن عبد البر 21/ 106.
قال في طرح التثريب: (((الحادية عشرة) أخذ منه بعضهم أنه لا يجوز للرجل التصفيق باليدين مطلقا لا في الصلاة ولا في غيرها لكونه جعل التصفيق للنساء لكنه محمول على حالة الصلاة بدليل تقييده بذلك في رواية المصنف ومسلم وغيرهما كما تقدم.
ومقتضى قاعدة من يأخذ بالمطلق وهم الحنابلة والظاهرية عدم جوازه مطلقا ومتى كان في تصفيق الرجل تشبه بالنساء فيدخل في الأحاديث الواردة في ذم المتشبهين من الرجال بالنساء ولكن ذلك إنما يأتي في ضرب بطن إحدى اليدين على بطن الأخرى ولا يأتي في مطلق التصفيق)). طرح التثريب 2/ 250
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قوله في الحديث: وليصفق النساء دليل على أن قوله في حديث سهل بن سعد المتفق عليه التصفيق للنساء أنه إذن وإباحة لهن في التصفيق في الصلاة عند نائبة تنوب لا أنه عيب وذم.
قال الشافعي حكم النساء التصفيق وكذا قاله أحمد.
وذهب مالك إلى أن المرأة لا تصفق وأنها تسبح واحتج له الباجي وغيره بقوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته فليسبح.
قالوا وهذا عام في الرجال.
قالوا: وقوله التصفيق للنساء هو على طريق الذم والعيب لهن كما يقال كفران العشير من فعل النساء وهذا باطل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن في نفس الحديث تقسيم التنبيه بين الرجال والنساء وإنما ساقه في معرض التقسيم وبيان اختصاص كل نوع بما يصلح له فالمرأة لما كان صوتها عورة منعت من التسبيح وجعل لها التصفيق والرجل لما خالفها في ذلك شرع له التسبيح.
الثاني: أن في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فهذا التقسيم والتنويع صريح في أن حكم كل نوع ما خصه به وخرجه مسلم بهذا اللفظ وقال في آخره في الصلاة
الثالث: أنه أمر به في قوله وليصفق النساء ولو كان قوله التصفيق للنساء على جهة الذم والعيب لم يأذن فيه، والله أعلم)). تهذيب السنن6/ 155.
قال في إغاثة اللهفان: ((والمقصود أن المصفقين و الصفارين في يراع أو مزمار ونحوه فيهم شبه من هؤلاء ولو أنه مجرد الشبه الظاهر فلهم قسط من الذم بحسب تشبههم بهم، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم و تصديتهم.
والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا)). إغاثة اللهفان 1/ 245.
الدكتور / خالد بن عبدالله المصلح
حكم التصفيق
السؤال:
ما حكم التصفيق للرجال؟ و هل هو من قبيل التشبه بالكفار؟
الجواب:
أقول مستعيناً بالله تعالى:
إن كلَّ مَن حَكم على التصفيق بالكراهة أو التحريم، عدَّه مِن التشبه بالنساء اللائي أُمرنَ بالتصفيق إن نابهنَّ شيءٌ في الصلاة، أو مِن التشبه بالمشركين في صلاتهم عند البيت الحرام.
فمن عدَّه تشبهاً بالنساء أثبت كونه من فعل النساء بالسنة، و استدل على النهي عنه كراهةً أو تحريماً بما جاء في السنة أيضاً من تحريم التشبه بالنساء و لعن فاعليه.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما كونه من فعل النساء فدليله ما ثبت في الصحيح و غيره عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليُصلح بينهم، فحانت الصلاة، فجاء المؤذن إلى أبي بكر، فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم و الناس في الصلاة، فتخلص حتى وقف في الصف، فصفَّق الناس، و كان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق الْتَفَتَ، فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أمكث مكانك. فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه، فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، و تقدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصلى، فلما انصرف قال: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟). فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، و إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ)
و ظاهر هذا الحديث قَصرُ التصفيق على النساء، لاستهلاله بأداة الحصر (إنَّما) فيكون معناه: لا تصفيق إلا للنساء. قال الشوكاني [في نيل الأوطار]: (قوله: " إنما التصفيق للنساء " يدل على منع الرجال منه مطلقاً).
غير أنَّ ظاهر الحديث لا دليل فيه على أن نهي الرجال عن التصفيق يسوي في الحكم بين كونه داخل الصلاة أو خارجها، و إن كان ذلك محتملاً، و القاعدة تقول: إذا وقع الاحتمال بطل الاستدلال.
بل الظاهر أن الترخيص في التصفيق للنساء مقتصر على كونهن في الصلاة إذا نابهن فيها شيء، أما خارج الصلاة فهن و الرجال في الحكم سواء، و النهي عن التصفيق خارجها يحتاج إلى دليل خاص، و الله أعلم.
أما مَن عدَّ التصفيق تشبهاً بالمشركين في صلاتهم عند البيت العتيق فقد استند في حكمه إلى قوله تعالى: ? وَ مَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً و َتَصْدِيَةً? [الأنفال: 35].
و المشهور عند أهل التفسير أن المراد بالمكاء هو التصفير، و المراد بالتصدية هو التصفيق، و أصله في اللغة كما قال الإمام الطبري في تفسيره من مَكَا يَمْكُو مَكْوًا وَمُكَاء , وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَكْو: أَنْ يَجْمَع الرَّجُل يَدَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلهُمَا فِي فِيهِ ثُمَّ يَصِيح، و هذا هو الصفير، وَ أَمَّا التَّصْدِيَة فَإِنَّهَا التَّصْفِيق، يُقَال مِنْهُ: صَدَّى يُصَدِّي تَصْدِيَة، وَ صَفَّقَ وَ صَفَّحَ بِمَعْنىً وَاحِد.
غير أن في النفس شيءٌ من اعتبار مطلق التصفيق تشبهاً بما يفعله المشركون أو كانوا يفعلونه في صلاتهم عند البيت، لأن التشبه لا بد فيه من النية، و في الواقع صور من التصفيق تقع من أناسٍ لا عِلمَ لهم أصلاً بأن أهل الجاهلية كانوا يصفقون عند البيت، فكيف ننسبهم إلى التشبه بالمشركين مع أن ذلك لم يدُر في خَلَدهم قط!!
و عليه فلا بد في هذا المقام من تقرير أن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، و حيث إنَّ صُوَرُ التصفيق تختلف باختلاف نية المصفقين و حالهم، فإن حكمه يختلف من حال إلى حال، بحسب التفصيل التالي:
أولاً: اتخاذ التصفيق عبادة في ذاته، أو التصفيق أثناء عبادة مشروعة الأصل، حرامٌ مطلقاً، لما فيه من التشبه بالكفار في عبادتهم من جهة، و لأنه بدعة محدثة من جهة أخرى.
و كثيراً ما يقع التصفيق في مجالس الذكر البدعية على نحو ما يفعله غلاة الصوفية، و قد ذمَّ العلماء هذا النوع من التصفيق، و شنعوا على فاعله، و بالغوا في إنكاره، سواء كان بباطن الأكف، أو بظاهرها، أو بباطنٍ على ظاهرٍ، أو العكس.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله: (و من هاب الإله و أدرك شيئا من تعظيمه لم يتصور منه رقص و لا تصفيق، و لا يصدر التصفيق و الرقص إلا من غبي جاهل، و لا يصدران من عاقل فاضل، و يدل على جهالة فاعلهما أن الشريعة لم ترد بهما في كتاب و لا سنة، و لم يفعل ذلك أحد الأنبياء و لا معتبر من أتباع الأنبياء، و إنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء، و قد قال تعالى: ? وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ? و قد مضى السلف و أفاضل الخلف و لم يلابسوا شيئا من ذلك، و من فعل ذلك أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه و ليس بقربة إلى ربه، فإن كان ممن يقتدى به و يعتقد أنه ما فعل ذلك إلا لكونه قربة فبئس ما صنع لإيهامه أن هذا من الطاعات، و إنما هو من أقبح الرعونات). [قواعد الأحكام: 2/ 220 و ما بعدها].
ثانياً: تصفيق المرء ابتهاجاً بأمر مباح أو مستحسنٍ ـ عقلاً أو نقلاً ـ بَلَغَهُ، أو رآه، أو سمعه. أو تشجيعاً لمن صدر منه، فهذا أمر لم يقم الدليل على تحريمه، و لكن الواجب أن يزم بزمام الشريعة، فلا يسوغ إلا إذا انتظمت فيه ثلاثة شروط:
أولها: أن لا يعتقد فاعله أنه مما يستحب شرعاً، لأن الاستحباب الشرعي توقيفي لا يقال به إلا بدليل.
و ثانيها: أن لا يضاهي بفعله سنةً كالتكبير أو التسبيح عند استحسان الأمور، أو نحو ذلك، لأن مضاهاة المشروع من أمارات البدع المنكرة.
و ثالثها: أن لا يراد بفعله مجاراة الكافرين أو التشبه بهم على سبيل استحسان ما هم عليه أو تفضيله على ما هو معروف عند أهل الإسلام في مثل محله.
فائدة: تكلم بعض أهل العلم في صِيَغ التصفيق، ففرَّق بين ما كان عبارةً عن ضَرب باطن الكفين ببعضهما، و بين ما كان عبارةً عن ضرب باطن كفٍّ بظهر الأُخرى.
قال الإمام النووي في المجموع [1/ 196]: (و يسنّ لمن نابه شيءٌ في صلاته كتنبيه إمامه لنحو سهوٍ، و إذنه لداخل استأذن في الدخول عليه، و إنذاره أعمى مخافة أن يقع في محذورٍ، أو نحو ذلك؛ كغافلٍ و غير مُمَيِّز، و مَن قَصَدَه ظالمٌ أو نحوُ سَبُعٍ؛ أن يسبح و تصفق المرأة، و مِثْلها الخنثىِ، بضرب بطن اليمين على ظهر اليسار، أو عكسهِ، أو بضرب ظهر اليمين على بطن اليسارِ، أو عكسهِ ... و أما الضرب ببطن إحداهما على بطن الأخرى؛ فقال الرافعي: لا ينبغي فإنه لعبٌ، و لو فَعَلَتْه على وجه اللعب عالمةً بالتحريم بطلت صلاتها و إن كان قليلاً؛ فإن اللعب ينافي الصلاة).
قلتُ: و لا أعرف دليلاً على هذا التفريق في صفة التصفيق إلا أن يكون خروجاً مِنْ ذَمِّهِ عند من عدَّه لعباً، و ذلك بالردِّ إلى لغة العرب، حيث ذهب بعضهم إلى أنَّ ضربَ باطِنِ الكفٍّ بظهر الأخرى يسمَّى تصفيحاً لا تصفيقاً، فلا يُذمُّ فاعِلُه، و قد رأيت من المتصوفة في حلب من يفعله و يعدُّه تصفيحاً لا تصفيقاً في مجالس الذكر، أو حينما يَطرَبُ لنشيدٍ و قصيدٍ و نحوه.
و لهم رواية (إنما التصفيح للنساء) في الصحيحن و غيرهما، بدَل رواية (التصفيق للنساء) المتقدمة.
و عند أبي داود (بإسناد قال عنه الشيخ الألباني: صحيح مقطوع): عن عيسى بن أيوب قال: قوله: " التصفيح للنساء " تضربُ بإصبعين من يمينها على كفها اليسرى. ا هـ.
قال الإمام النووي [في شرح صحيح مسلم: 4/ 146]: (السنة لمن نابه شيءٌ في صلاته؛ كإعلام من يستأذن عليه، و تنبيه الإمام و غير ذلك أن يسبح إن كان رجلاً؛ فيقول: سبحان الله، و أن تُصفِّق و هو التصْفيح إن كانتْ امرأةً؛ فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، و لا تضرب بطن كفٍّ على بطن كفٍّ على وجه اللعب و اللهو، فإن فعلت هكذا على جهة اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة).
و قال الإمام الشوكاني رحمه الله [في نيل الأوطار]: (قوله " فإنما التصفيق للنساء " هو بالقاف. و في رواية لأبي داود " فإنما التصفيح ". قال زين الدين العراقي: و المشهور أن معناهما واحد، قال عقبة: و التصفيح التصفيق، و كذا قال أبو علي البغدادي، و الخطابي، و الجوهري. قال ابن حزم: لا خلاف في أن التصفيح و التصفيق بمعنى واحد و هو الضرب بإحدى صفحتي اليدين على الأخرى. قال العراقي: و ما ادعاه من نفى الخلاف ليس بجيد بل فيه قولان آخران: إنهما مختلفا المعنى؛ أحدهما: أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى، و التصفيق الضرب بباطن إحداهما على الأخرى، حكاه صاحب الإكمال، و صاحب المُفهِم. و القول الثاني: أن التصفيح الضرب بإصبَعَين للإنذار والتنبيه، و بالقاف بالجميع للهو و اللعب
هذا، و الله أعلم و أحكم، و ما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت و إليه أنيب
د. أحمد بن عبد الكريم نجيب
ـ[أبو عمار المليباري]ــــــــ[21 Jun 2005, 09:49 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك كتاب جيد للشيخ العلامة ناصر الفهد حول مسألة التصفيق فإنه كتاب توسع فيه المؤلف وأطال نفسه في ذكر الأدلة وأقوال العلماء، اسم الكتاب (التحقيق في مسألة التصفيق).(/)
الأمة الإسلامية بين اليأس والتفاؤل
ـ[إمداد]ــــــــ[03 Jun 2005, 05:53 م]ـ
الأمة الإسلامية بين اليأس والتفاؤل
لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن معلا اللويحق
http://media.al-islam.com/download.aspx?id=188
__________________(/)
(أدب) موقع جميل مفيد جامع .. للشعر وأهله
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 10:18 ص]ـ
موقع جميل مفيد جامع:
(أدب)
http://www.adab.com/
( من نحن:
باختصار شديد يمكن أن نصف موقع (أدب) بأنه (مشروع ثقافي)، ولكنه يختلف عن مشروعات كثيرة وكبيرة أخرى، بامتداد التاريخ الذي يبدأ من يوم أن تمتم العربي الأصيل بأهازيجه الشعرية داخلاً بذلك في دائرة الحضارة الشعرية، إلى ما يمكن أن يصله مستقبل الشعر العربي .. !
والأدب رغم تشعب فنونه وألوانه، إلا أن (أدب) مشروع ينصب اهتمامه في الجزء الأكبر من الأدب العربي الضارب بجذوره في عمق التاريخ ونعني بذلك (الشعر). والشعر (ديوان العرب) وهو (علم قوم لم يكن لهم علم غيره) كما هو منسوب لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومهما تصارعت فنون الأدب فيما بينها لمزاحمة الشعر وأخذ مساحة أكبر في وجدان العرب، فإنه لازال بل وسيظل في مكان الصدارة ... وصدق القائل: (لن يدع العرب الشعر حتى تترك الإبل الحنين) .. !!
ليس من مهمة الموقع (أدب) أن يحدث القراء والزوار عن مكانة الشعر، ولكنه مدخل طبيعي نضع فيه أقدام الزوار على بوابة (أدب) هذا الموقع الذي أخذ على عاتقه أن يوثق للشعر العربي منذ العصر الجاهلي إلى ما يمكن لنا أن ندركه من المستقبل الآتي أو تدركه أجيالنا اللاحقة.
وتوثيق الشعر العربي مهمة جليلة قام على أدائها أجلة من عظماء الأمة، وانتقلت هذه المهمة من جيل لآخر كل يوثق بطريقة مخصوصة، فتارة يوثق لعصر دون عصر، أو لمذهب شعري دون آخر، أو لشعر دون غيره، أولغرض من الأغراض. ويأتي موقع (أدب) بتوثيق لا يعرف حدود عصر من العصور، أو مذهب دون آخر، بل هو توثيق وتتبع تاريخي لكل ما يمكن أن نسميه شعراً في اتجاهاته الفنية المختلفة من الكلاسيكية القديمة إلى آخر صوت شعري (قصيدة النثر) ومروراً بمدارس الرومانسية والواقعية والرمزية والأسطورة .. إلخ.!
وبعيداً عن الورق ودوران آلات الطباعة التي كثيراً ما تخضع لمقص الرقيب السياسي والشخصي، يأتي أدب بتوثيق فضائي يحاول عبور الحدود ويتجاوز الأسوار الحجرية الأرضية، وإن كان لا يفوت (أدب) مؤمنين أن لدى قرائنا (رقيبا أخلاقياً) يقف حيث تقف الفضيلة.
موقع (أدب) رسالة ثقافية جمعت أمام الباحثين آلاف القصائد الشعرية، ومئات الدواوين لشعراء العرب قديماً وحديثاً، وسيواصل مسيرة النشر يوما بعد يوم، ليضع بين يدي الباحثين هذه الثروة الشعرية التي يمكن دراستها دراسات نقدية وفكرية وثقافية لتكون هذه القراءات فيما بعد مشروعات ثقافية أخرى، تكشف عن مواضع القصور بأنواعه في نسيج الشعر العربي، وتضع أعين القراء على مواطن الجمال.
وباختصار أشد اختصاراً من ذي قبل: لا يعبّر الموقع (أدب) عن رأي أحد بعينه، أو فكر بذاته، أو مذهب دون آخر، بل هو نشر توثيقي، كل نص فيه يعبر عن نفسه، وعن رؤية صاحبه بالدرجة الأولى.
وآخر هويتنا .. أننا نعد زوارنا بالاستمرارية المثمرة والعطاء المتجدد، ولن يتم هذا الوعد الكبير مالم تكونوا معنا نقداً وتوجيها ومشاركة في نشر قصائدكم الشعرية أو نشر قصائد شعرائكم المفضلين، أو تذكيرنا بأحد ممن تجاوزته الذاكرة سهواً .. ! فمعكم سنكون أقدر على التمام ... حتى وإن كان النقص ضربة لازب في الجنس البشري ..
ـ[نعيمان]ــــــــ[18 Jun 2010, 08:43 م]ـ
جزاكم الله خيراً يا دكتور نايف على هذا الموقع الرّائع؛ الّذي أردت أن أشكرك عليه في مشاركة قصيرة؛ ليراه الإخوة الأحبّة فيفيدوا منه.
فليس كلّ نافع مفيد يراه إخواننا، فلا بدّ من تحريك بعض الموضوعات.
ويا ليتكم تخصّصون صفحة للمواقع المتميّزة المتخصّصة المتعدّدة المزكّاة الّتي لا يستغني عنها طالب العلم.
ـ[هاني درغام]ــــــــ[18 Jun 2010, 08:48 م]ـ
بارك الله لكم(/)
المنتقى من مقالات العربية
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:27 ص]ـ
هذه مجموعة مقالات وبحوث في العربية بعلومها وفنونها, انتقيتها خدمةً لأهل التفسير والزوار الكرام, ورأيت جمعها ورصفها في موضوع واحد, على أن يكون كل بحث أو مقال في ردٍّ مستقل, وأسأل الله تعالى أن ينفع بها, ويبارك فيها.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:32 ص]ـ
** الأدوات النحويّة وما يَعترضُ الكتّاب مِن اللُبس في استعمالها **
د. صلاح الدين الزعبلاوي
كثيراً ما يعترض الكتاب لبس في استعمال الأدوات النحوية ويقع الإبهام في ذلك، فيأتي كلامهم وقد تخلّف عنه الإحكام في الأداء. فرأيت أن أبحث ما دقَّ من معاني هذه الأدوات وأستجلي بعض حقائقها، فأوضح المبهم منه وأقرب البعيد لعلّي أكشف عما غابت معرفته من مسائلها، فيتسنى بذلك ما تعذر من أمرها ويستيسر ما تصعب، وهأنذا أبسط الكلام في طائفة منها أداة بعد أداة.
1 - إذ:
تستعمل (إذ) في وجوه قد يخفى بعضها على الكتَّاب، وهذه أشهرها.
آ-إذ الحرفية: وهي تزاد للتعليل، قال تعالى: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون –الزخرف/ 39 (، أي: ولن ينفعكم اليوم، أي يوم القيامة، أنكم في العذاب مشتركون، بسبب ظلمكم في الدنيا، والرأي منسوب إلى سيبوبه.
وتزاد (إذ) للمفاجأة كقولك: (بينما هو كذلك إذ جاء خالد).
وأما قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .. البقرة/ 30 (، وقوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا .. البقرة/34 (، فقد قيل إن (إذ) فيهما للتوكيد. والتقدير: (وقال ربك) في الآية الأولى: و (وقلنا للملائكة .. ) في الآية الثانية. وقيل (إذ) فيهما مفعول به فتكون اسماً والتقدير فيهما: (واذكر إذ)، وهو الأرجح.
ب-إذ الاسمية: تقع في موقع الظرف والمفعول به والمبدل منه والمضاف إليه. ومثال الظرف قوله تعالى: (إلاَّ تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا .. التوبة/ 40 (، أي: فقد نصره الله حين إخراج الكفار له. وهكذا قوله تعالى: (وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم .. الأحقاف/ 11 (، وقيل التقدير: وظهر عنادهم إذ لم يهتدوا بالقرآن، لكنه أفاد التعليل لأن (فسيقولون عنه) مسبب عنه.
ومثال المفعول به قوله تعالى: (واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثَّركم .. الأعراف/ 86 (أي اذكروا هذا الوقت. وقيل هو ظرف والتقدير: واذكروا نعمة الله إذ كنتم.
ومثال البدل: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً .. مريم/16 (أي أذكر (مريم) بل أذكر (وقت انتبذت فيه). وقيل إنه ظرف والتقدير: اذكر قصة مريم إذ ..
ومثال المضاف إليه قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .. آل عمران/8 (.
هذا ما ذهب إليه جماعة من النحاة، من أنَّ (إذ) اسم للزمن الماضي وأنها تأتي على ما تقدَّم من وجوه الاستعمال. أما الجمهور فإنه يقتصر من هذه الوجوه المتقدمة على وجهين، فهي إما أن تكون ظرفاً، كما هي في الأمثلة المذكورة آنفاً، أو تكون مضافاً إليها، كقولك يومئذٍ وحينئذ.
جـ-تلزم (إذ) الإضافة إلى جملة اسمية أو فعلية. ومثال الاسمية قوله تعالى: "واذكروا إذ أنتم قليل- الأنفال/ 26", فإذا كانت اسمية مبدوءة بـ (إن) كانت همزة (إن) المشددة هذه مكسورة، خلافاً للشائع عند الكتَّاب. تقول: (عرفت لفلان فضله إذ إنه أحسن إلي)، فتكون (إذ) هنا ظرفاً عند الجمهور وحرف تعليل عند جماعة من النحاة.
فإذا كانت الجملة فعلية فلابد أن يكون فعلها ماضياً لفظاً ومعنى كقوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .. البقرة/ 30"، أو يكون فعلها ماضياً معنى لا لفظاً كقوله تعالى: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت .. البقرة/157"، وقد جاء الفعل بصيغة المضارع استحضاراً للصورة التي وقع عليها الحَدَث، تمكيناً لها في النفس.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد تحذف الجملة التي تضاف إليها (إذ) للعلم بها ويعوض عنها التنوين، وتكسر الذال لالتقاء الساكنين، ومن ذلك قوله تعالى: "يومئذٍ تحدِّث أخبارها بأنَّ ربَّك أوحى لها .. الزلزلة /4 و5". وقد جاء في شرح الكافية: "تقول يومئذ وحينئذ وساعتئذ وليلتئذ، ويجوز بناؤها وإعرابها، كما في قوله تعالى: ومن خِزي يومئذ .. هود/ 66 - 2/ 206 و207". وهو يقصد ببناء (يومئذ) وإعرابها، كسر الميم إعراباً في الآية، لإضافة خِزي إلى يوم، وفتح الميم بناءً، لإضافة يوم إلى مبني، وهو الأكثر.
2 - إذا:
ترد (إذا) في وجوه هذه أشهرها:
1 - إذا الاسمية: تقع في الابتداء فتكون ظرفاً للمستقبل غالباً، ولو جاء فعلها بصيغة الماضي، خلافاً لـ (إذ). فإذا تضمنت معنى الشرط فلابد لها حينئذ من جملتين جملة للشرط فعلية وأخرى للجزاء أو الجواب. ويقترن جواب الشرط بالفاء، إذا لم يكن صالحاً لأن يكون شرطاً كأن يكون جملة اسمية أو فعلية فعلها جامد أو طلبي أو ماض لفظاً ومعنى أو مقرون بقد أو ما النافية أو لن أو السين أو سوف أو ربَّ أو كأنما أو أداة شرط. فإذا كان الجواب صالحاً لأن يكون شرطاً فلا حاجة به إلى الفاء.
و (إذا) هذه المتضمنة معنى الشرط لا تجزم في الأصل وقد تجزم في الشعر. ولابدَّ أن يتلوها فعل، فإذا تلاها اسم مرفوع فعلى أنه فاعل لفعل مقدر محذوف يفسره المذكور، كقوله تعالى: "إذا السماء انشقَّت- الانشقاق/1".
وقد لا تكون (إذا) الظرفية الشرطية للاستقبال نحو قوله تعالى: "وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها .. الجمعة/11"، فإنها للماضي. وقد يسقط عنها معنى الشرط فتنصرف إلى الظرفية وحدها كقوله تعالى: "والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى .. الليل/1"، وكذلك قوله تعالى: "وإذا ما غضبوا هم يغفرون .. الشورى/ 37"، وقوله تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون .. الشورى/ 39"، فـ (إذا) فيهما ظرف لخبر المبتدأ المذكور بعدها. أما قوله تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمناً .. البقرة/ 14" فـ (إذا) فيه للاستمرار في الماضي دون الشرط أيضاً.
و (إذا) الظرفية المتضمنة معنى الشرط تختص بمتيقن الوجود بحكم معنى الظرف كقولك (آتيك إذا احمرَّ البُسر) والبسر لابد أن يحمر فهو التمر قبل أن يصبح رطباً والرطب نضيج التمر. كما تختص أداة الشرط (إن) بالمستحيل كقوله تعالى: "قل إن كان للرحمن ولد .. الزخرف/ 81"، وتشتركان في المشكوك فيه والمحتمل، بحكم معنى الشرط.
ب-إذا الحرفية: تقع (إذا) للمفاجأة فتكون حرفاً وتختص بالجملة الاسمية ولا تحتاج إلى جواب، ويكون معناها (الحال) دون الاستقبال. تقول: (خرجت أبحث عنه فإذا هو واقف أمام المنزل) أو (خرجت فإذا خالد بالباب)، فتكون الجملة بعد (إذا) جملة اسمية من مبتدأ وخبر. وفي التنزيل: "فألقاها فإذا هي حيَّة تسعى .. طه/20" فالضمير بعد (إذا) مرفوع بالابتداء، و (حيَّة) خبر له. أما تسعى فيجوز أن يكون خبراً ثانياً أو يكون حالاً.
ويسأل الكتاب هل يصح قولك: (خرجت فإذا خالد واقفاً) كما تقول (واقف). أقول جاء ذلك ففي مغني اللبيب لابن هشام: "وتقول خرجت فإذا زيد جالس أو جالساً" فجالس مرفوع على الخبرية، وجالساً منصوب على الحالية.
وقد يقول الكتاب: (خرجت فإذا به واقف)، فهل هذا صحيح؟ أقول يصح ذلك. وقد ذهب النحاة إلى أن (الباء) هنا زائدة والضمير في موضع الابتداء. وقد مثَّل ابن هشام لذلك بقوله: (خرجت فإذا بزيد) والخبر في هذا المثال محذوف، كما في قولك: (خرجت فإذا الأسد). وذهب المبرِّد إلى أن التقدير: (فإذا بالحضرة زيد)، و (إذا) عنده ظرف مكان.
ولكن هل تقول (خرجت فإذا به واقفاً) كما تقول: (خرجت فإذا به واقف)، أقول: يسوغ ذلك كما ساغ (خرجت فإذا خالد واقفاً)، ولذا قل: فإذا خالد واقف أو اقفاً، وإذا به واقف أو واقفاً. وقد تقول: (خرجت فإذا ان زيداً بالباب) فيجوز لك كسر الهمزة في (أنّ) على أن ما بعد (إذا) جملة، كما يجوز فتحها على أن ما بعد (إذا) أي (أن واسمها وخبرها) في تأويل المصدر، كما جاء في شرح شذور الذهب لابن هشام.
(يُتْبَعُ)
(/)
والخلاصة: أن إذا المفاجأة تختص بالجملة الاسمية ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال دون الاستقبال. أما الفاء الداخلة عليها في قولك: (خرجت فإذا زيد واقف) فقد قيل إنها زائدة لازمة، وقيل إنها عاطفة لجملة المفاجأة على ما قبلها، أو إنها للسببية المحضة كفاء الجواب، كما جاء في الكليات لأبي البقاء الحسيني الكفوي (1/ 97).
3 - إليك:
إليك: اسم فعل وأسماء الأفعال أدوات تقوم مقام الأفعال فتنوب عنها في العمل لازمة ومتعدية. وهي تلزم حالة واحدة فلا تنصرف تصرف الأفعال باختلاف الأزمان.
ومن أسماء الأفعال ما أصله جار ومجرور نحو: إليك وعليك، وما أصله ظرف نحو: عندك ولديك ودونك ووراءك وأمامك ومكانك. فقد جاء في كتاب (همع الهوامع) للإمام جلال الدين السيوطي: "ومن أسماء الأفعال ما أصله ظرف أو جار ومجرور كمكانك بمعنى أثبت، وعندك ولديك ودونك بمعنى خذ، ووراءك بمعنى تأخر، وأمامك بمعنى تقدم، وإليك بمعنى تنحَّ: وعليك بمعنى الزم". ويكثر استعمال (إليك) في كلام الكتَّاب فيقولون: (وإليك البيان بالتفصيل) بمعنى خذ البيان، فهل هذا صحيح؟
أقول: ذهب بعضهم إلى الشك في صحة قول القائل (إليك البيانَ) بمعنى خذه. لأن الأوائل وكثيراً من المتأخرين قد اكتفوا بقولهم: (إليك البيانَ بمعنى تنحَّ) أي ابتعد، كما فعل السيوطي في (همع الهوامع). قال سيبويه في (الكتاب): "وإليك إذا قلت تنحَّ". وفي شرح الكافية للرضي، وشرح ألفية ابن مالك للأشموني نحو من ذلك.
على أن في كلام كثير من المحققين ما يؤكد صحة قولهم (إليك هذا) بمعنى (خذه) أيضاً. فقد حكى الجوهري صاحب الصحاح بيتاً للقطامي وهو شاعر أموي، ففسر فيه (إليك إليك) بمعنى (خذ). قال القطامي:
إذا التيَّاز ذو العضلات قلنا
إليك إليك ضاق بها ذراعا
يصف الشاعر ناقة قوية مستعصية فيقول: إذا قلنا للتيَّاز –بتشديد الياء- أي القوي (إليك إليك) أي خذ هذه الناقة لتروضها ضاق بها ذراعاً لاستعصائها.
قال الإمام ابن برّي في تعقيبه على رواية الجوهري: "هكذا أنشده الجوهري وغيره: إليك إليك، ونشر في شعره أن –إليك- خذها لتركبها وتروضها. وهذا فيه إشكال لأن سيبويه وجميع البصريين ذهبوا أن –إليك- بمعنى تنحَّ وأنها غير متعدية إلى مفعول". وإذا كان ابن برّي قد أشار إلى الإشكال في مخالفة الجوهري لما نص عليه الأئمة الأوائل فيما تعنيه هذه الأداة، فقد أكد في كلامه صحة رواية البيت ومعناه كما أنشده الجوهري. وشعر القطامي مما يُعتد به والجوهري محقق ثبت. ويؤيد ما ذهب إليه الجوهري ما جاء في شرح ديوان الحماسة. فقد حكى المرزوقي قول الشاعر (حُجيَّة بن المُضرَّب) يخاطب زوجته:
تلوم على مالٍ شفاني مكانه
إليكِ فلومي ما بدا لك واغضبي
قال المرزوقي: "والمعنى اجمعي أمركِ واستمري في عتبكِ وغضبكِ ما بدا لك".
وقد جاء في الكليات لأبي البقاء الحسيني الكفوي: "وإليك كذا أي خذه ... وإليك عني أي أمسك وكف –1/ 278"، فأثبت للأداة المعنيين جميعاً. وكذلك فعل الشيخ مصطفى الغلاييني في كتابه (جامع دروس اللغة العربية) إذ قال: "إليك عني بمعنى تنحَّ عني، وإليك الكتاب بمعنى خذه". ولا عذر للأستاذ زين العابدين التونسي في اقتصاره على معنى واحد من معنيي الأداة في كتابه (المعجم في النحو والصرف)، إذ قال: "إليك اسم فعل أمر غير متعدّ مثل إليك عني أي تنحَّ، وفاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت! وقد صدر عام 1971.
ولذا قل: إليك عني بمعنى أمسك، وإليك البيانَ بمعنى خذه، والبيان مفعول به، فكلاهما صحيح. وقد بحث هذا الأستاذ المحقق محمد علي النجار في كتابه (لغويات/48) فانتهى إلى مثل ما انتهينا إليه.
4 - آمََا:
أما: بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح يراد به التنبيه، ومثلها (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام. ففي نهج البلاغة: "آمَا إنكم ستلقَون بعدي ذلاً شاملاً" ويقع بعدها القسم كثيراً كقول الشاعر أبي صخر عبد الله بن سلمة الهذلي:
أما والذي أبكى وأضحك والذي
أمات وأحيا والذي أمره الأمر
فقد أدخل (أما) على القسم، ثم جاء بجواب القسم فقال:
لقد تركَتْني أحسد الوحش أن أرى
أليفَيْن منها لا يروعهما الذُّعرُ
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن شأن (أما) هذه أن يصح طرحها من الكلام، لأنها تدخل على كلام مكتف بنفسه فأنت إذا أسقطتها من الكلام صح دونها. تقول في مثال نهج البلاغة: (إنكم ستلقون بعدي ذُلاًّ)، وتقول في مثال الشاعر الهُذلي: (والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا .. لقد تركتني أحسد الوحش ... ) فيستقيم الكلام.
وثمة (أمّا) بفتح الهمزة وتشديد الميم، وهي تفيد الشرط فتدخل الفاء في جوابها، كما تدخل في أجوبة الشرط. قال الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه (معجم الأدوات النحوية وإعرابها/ 52): "أما بالفتح والتشديد: حرف شرط وتفصيل وتوكيد. أما كونها حرف شرط فبدليل لزوم الفاء بعد، نحو: فأمّا الذين آمنوا فيعلمون أنه الحقّ من ربّهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضلُّ به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاَّ الفاسقين –البقرة/ 26".
ويكثر في كلام الكتاب قولهم: (أما وقد نجح فلان ... فإنَّ عليه كذا). وهم يسألون: أيخففون (الميم) في (أما) هذه أم يشددونها؟ أقول: بحث هذا الأستاذ محمد العدناني في معجمه (الأغلاط اللغوية المعاصرة)، فقطع بأن (أما) في المثال المذكور مخففة الميم، وأنها للتنبيه والاستفتاح. قال الأستاذ العدناني: (يُكثر مذيعو هذه الأيام وأدباء الإذاعة من ترديد عبارة: أمّا وقد نجح باهر في الفوز بشهادة الهندسة، فإن عليه الشروع ببناء مدرسة لمدينته) بتشديد الميم في –أمّا- وأردف العدناني يقول: (والصواب أما وقد نجح- أي بتخفيف الميم- لأن أما هنا حرف تنبيه يستفتح به الكلام مثل ألا).
أقول حكم العدناني هذا غريب حقاً. ذلك أن (أما) المخففة الميم ليس لها جواب يقترن بالفاء، بل ليس لها جواب البتة كما أسلفنا. فـ (أما) في المثال الذي أتى به. (أما وقد نجح .. فإن عليه .. ) مشدد الميم، وله جواب قد اقترن بالفاء وهو (فإن عليه). وقد أراد العدناني أن يحتج لحكمه هذا فقال: (ويكثر مجيء –أما- قبل القسم كقول أبي حجر الهذلي: أما والذي أبكى ... ) فأما هذه حرف استفتاح قد تلاه قسم كما ذكرنا. وليس لها جواب البتة لأنها دخلت على كلام مكتف بنفسه كما ذكرنا، خلافاً لأمّا المشددة الواردة في مثاله (أمّا وقد نجح .. فإن عليه) فإن لها جواباً قد اقترن بالفاء وهو (فإن .. ). وهكذا أراد العدناني أن يقيس فقاس على غير شبيه، وأتى استدلاله حجة عليه لا له.
وجاء في الكليات لأبي البقاء الحسيني الكفوي مثالان لـ (أما) المخففة، أحدهما (أما والله لأفعلن) دخلت فيه على قسم، والثاني (أما زيد منطلق) وقد دخلت فيه على جملة اسمية لافتتاح الكلام. وقد خلا الخبر من الفاء، ولو كانت (أما) مشددة الميم لدخلت الفاء على الخبر الذي هو الجواب فقيل: (أما زيد فمنطلق).
والخلاصة أن قول الكتاب (أما وقد نجح .. فإنه) صوابه تشديد الميم في –أمّا- لا تخفيفها، والجملة بعدها حالية، قال الإمام السيوطي في كتابه (همع الهوامع –2/ 68): "ولا تعمل أمّا في اسم صريح فلا تنصب المفعول خلافاً للكوفية ... غير الظرف والمجرور والحال فإنها تعمل فيها وفاقاً، لأن هذه الأشياء يعمل فيها معنى الفعل". ولا بأس أن نأتي بمثال مما جاء من كلام الجاحظ، على نحو المثال الذي نحن فيه. قال الجاحظ في كتابه (حجج النبوة): "فأما والأمر كما وصفنا وبينّا فما الطاعن على عثمان إلا رجل أخطأ خطة الحق وعجل على صاحبه ... رسائل الجاحظ للسندوبي/ 122". فقد جاء الكاتب بأمّا المشددة الشرطية وأتبعها الجملة الحالية (والأمر كما وصفنا .. ) ثم أدخل الفاء على جواب (أمّا) فقال (فما الطاعن على عثمان .. )، وسيأتي الكلام مفصلاً على (أمّا) المشددة هذه بعد.
5 - أمّا:
(أمّا) المفتوحة الهمزة المشددة الميم تكون بمعنى –مهما- الشرطية وإن لم تعمل عملها في الجزم، فإذا قلت (أمّا خالد فهو شاعر) فإنك تعني (مهما يكن من شيء فخالد شاعر) أي تعني بذلك الشرطية والتوكيد جميعاً. قال ابن هشام الأنصاري في كتابه (مغني اللبيب –1/ 53 و45): "وأما التوكيد فقلَّ من ذكره، ولم أ رَ من أحكم شرحه غير الزمخشري فإنه قال: فائدة أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد. تقول زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محال ذاهب ... قلت: أما زيد فذاهب، ولذلك قال سيبويه في تفسيره- مهما يكن من زيد فزيد ذاهب- وهذا التفسير مُدل بفائدتين: بيان كونه توكيداً وأنه في معنى الشرط.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهي كما تأتي للتوكيد تأتي للتفصيل، كما في قوله تعالى: "فأمّا اليتيم فلا تقهر وأمّا السائل فلا تنهر وأمّا بنعمة ربِّك فحدّث- ونحو ذلك ما جاء في سورة الكهف: "أما السفينة فكانت لمساكين/79"، "وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين/80"، "وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين/82".
والكتَّاب قد يهملون إدخال الفاء في جواب (أمّا) فيقولون: (أما خالد هو شاعر) وهذا خطأ إذ لابد من دخول الفاء في جوابها كما تدخل في أجوبة الشرط، ولا تسقط إلا لضرورة كقول الشاعر (أما القتال لا قتال لديكم) والأصل: فلا قتال لديكم.
وقد جاء في كتاب (الضرائر) لمحمود شكري الآلوسي: "أما، لنيابتها عن –مهما يكن من شيء- لزمت الفاء في جوابها، ولا تسقط إلا لضرورة، كما في قول الشاعر:
"فأما القتالُ لا قتال لديكم
ولكن سيراً في عراض المراكب"
يعيِّر الشاعر خصومه بالجبن فيقول لهم: لم تقتنوا الخيل فتعدُّوها للحرب والقتال، وإنما تعدّونها لتركبوها للزينة.
ولا تدخل (أما) على فعل لأنها قائمة مقام أداة الشرط وفعله، فلا يدخل فعل على فعل. وهي لا تعمل غالباً فيقع بعدها المبتدأ كقولك (أما خالد فكريم نبيل)، ومن ذلك قوله تعالى: "فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون .. الآية- البقرة/ 26". أو يقع بعدها الخبر كقولك (أما في الدار فزيد)، أو تقع جملة الشرط كقوله تعالى: "فأمّا إن كان من المقرَّبين فروحٌ وريحانٌ وجنة نعيم، وأمّا إن كان من أصحاب اليمين فسلامٌ لك من أصحاب اليمين- الواقعية /88و 89".
فإذا تلاها منصوب فقد يكون معمولاً للجواب كقوله تعالى:" فأما اليتيم فلا تقهر –الضحى/9" أو يكون معمولاً لمحذوف بعد الفاء كقوله تعالى: "وأما ثمودَ فهديناهم –فصِّلت/17" على قراءة النصب.
وقد تعمل (أمّا) لما فيها من معنى الفعل، ولكن ليس في اسم ظاهر، بل في ظرف، تقول: (أما اليومَ فإني ذاهب) أو جار ومجرور، تقول: (وأما في الدار فإن زيداً جالس) ولا يعمل ما بعد (فإن) فيما قبلها. وقد تعمل في الحال المفرد إذا كان منكراً كما تعمل في الجملة الحالية. ومثال الحال المفرد قولك (خالد أديب حقاً، فأما شاعراً فهو خبير بقرض الشعر يتدفق عن سجية وطبع، وأما كاتباً فهو حسن الترسل بليغ العبارة). وأما مثال الجملة الحالية فما ذكرناه قبل من قول الجاحظ: "فأمّا، والأمر كما وصفنا وبينا، فما الطاعن على عثمان إلا رجل أخطأ الحق وعجَّل على صاحبه- حجج النبوة من رسائل الجاحظ- للسندوبي/122".
6 - إمّا:
إمّا بكسر الهمزة وتشديد الميم حرف تخيير أو شك أو تفصيل، ويلزمه التكرير. تقول: (اِِضربْ إما زيداً وإما عمراً) كما تقول: (اضرب زيداً أو عمراً)، وإنما كررت (إما) في القول الأول بدلاً من (أو) في القول الثاني لأنك إذا قلت: (اضرب زيداً أو عمراً) فقد ابتدأت بذكر (زيد) وليس عند السامع أنك تريد غيره ثم جئت بالتخيير. أما إذا قلت (اضرب إما زيداً وإما عمراً) فقد وضعت كلامك ابتداءً على التخيير. وفي الإعراب تقول: (إما) حرف تخيير و (زيداً) مفعول به. والواو حرف زائد و (إما) الثانية حرف عطف. ومنهم من ذهب إلى أن (وأما) جميعاً حرف عطف.
وتقول في معنى الشك: (لقيت إما زيداً وإما عمراً) ..
وجاء في معنى التفصيل قوله تعالى: "إنّا هديناه السبيلَ إمّا شاكراً وإمّا كفوراً- الدهر/3".
وفي كلام الكتَّاب قولهم: (اضرب إمّا هذا أو هذا) بإحلال (أو) محل (وإما) وهذا صحيح .. فقد جاء في التنزيل: (وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين –سبأ/24" وقد قرئ أيضاً (إمّا على هدى أو في ضلال مبين). قال الإمام المرادي في كتابه (الجنى الدالي): "قد يستغنى عن إمّا الثانية بأو كقراءة من قرأ وإنّا وإيّاكم إمّا على هدى أو في ضلال مبين" وقال الشاعر:
يعيش الفتى في الناس إمّا مشيّعا
على الهمّ أو هلباجة متنعماً
والهلباجة الأحمق.
وقد يستغنى عن (إما) الثانية بذكر ما ينوب عنها، تقول: (إما أن تكلم بخير وإلا فاسكت). وقد أورد ابن هشام في كتابه (المغني) شاهداً على ذلك قول الشاعر:
فإما أن تكون أخي بصدقٍ
فأعرفَ منك غثي من سميني
وإلاَّ فاطرحني واتخذني
عدواً أتقيك وتتقيني
فالغث في الأصل هو المهزول وهو هنا الرديء، والسمين في الأصل خلاف المهزول وهو هنا الجيِّد. و (إلاّ) هنا نائبة مناب (إمّا).
(يُتْبَعُ)
(/)
وثمة (إما) من غير هذا الباب، وهي التي تكون شرطية كقوله تعالى: "فإما تَريِنَّ من البشر أحداً فقولي إنّي نذرتُ للرحمن صوماً .. الآية –مريم/16". فإما هنا أدغمت فيها نون –إنْ- الشرطية في –ما- الزائدة للتوكيد، فالأصل (إن، ما). و (تَريِنَّ) فعل الشرط، وقد لحقت به نون التوكيد. أما قوله (فقولي) فهو جواب الشرط. وكذلك قوله تعالى: "إمّا يبلغنَّ عندك الكبرَ أحدُهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً –الإسراء/23". فأمّا هنا ركَّبت من (إن) الشرطية وقد زيدت عليها (ما) تأكيداً، ولذا صحّ لحوق النون المؤكدة لفعل الشرط الذي هو (يبلغنّ)، وأحدهما فاعل –يبلغن- وجزاء الشرط (فلا تقل).
7 - إن:
الأكثر في (إِن) بكسر الهمزة وسكون النون أن تكون شرطية نحو قولك: (اِن تجتهدْ تنجحْ)، أو نافية نحو قولك: (إن أردت إلاَّ نصحك) أي ما أردت غير نصحك. ولكنها قد تأتي زائدة كقول القائل: (ما إن ندمت على سكوتي مرَّة)، وقد زيدت في هذا المثال بعد (ما) النافية، وكذلك قول الشاعر:
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه
إذن فلا رفعتْ سوطي إليَّ يدي
والمعنى: ما أتيت بشيء أنت تكرهه.
والكتَّاب إذا أتوا بأن الزائدة هذه بعد ما النافية، فتحوا همزة (إن) فقالوا: (ما أن جاء خالد حتى بدأ يتكلم ... )، ولا وجه له، والصواب (ما إن جاء خالد حتى بدأ يتكلم) بكسر همزة إن.
ولكن هل تزاد (إن) المكسورة الهمزة بعد (ما) إذا لم تكن هذه نافية؟ أقول تزاد (إن) بعد (ما) المصدرية، وشاهده في كتب النحاة قول القريعي:
ورَجِّ الفتى للخير ما إن رأيته
على السنّ خيراً لا يزال يزيد
و (رجِّ) فعل أمر، والفتى مفعول، و (ما) مصدرية زمنية. والمعنى، توقَّع الخير من الفتى ما دمت ترى الخير منه يزيد بتقدّم سنْه.
أما (إن) المفتوحة الهمزة الساكنة النون فقد تزاد ولكن بعد (لمّا) الحينية غالباً كقوله تعالى: "ولما أنْ جاءت رُسُلنا لوطاً سيء بهم .. هود/77".
وزيادة (أن) بالكسر، و (أن) بالفتح لا يعني أن حذفهما وذكرهما سواء، فزيادتهما إنما تفيد التوكيد.
8 - أن المصدرية وحذفها:
أن المصدرية إما أن تذكر فتنصب المضارع في مثل قولك: (لابد أن تعمل لتضمن النجاح).
وإما أن تضمر فتنصب المضارع في مواضع قياسية، أي كون إضمارها مع استمرار نصبها قياساً، وذلك:
بعد لام التعليل كقولك جئت لألهوَ.
وبعد لام الصيرورة كقوله تعالى: "فالتقطه آلُ فرعون ليكونَ لهم عدوّاً وحَزَناً- القصص/8".
وبعد حروف العطف: الواو والفاء وثم و أو، كقولك: يأبى الشجاع الفرار ويسلمَ، ويأبى الشجاع الفرار فيسلمَ، ويأبى الشجاع الفرار ثم يسلمَ، بنصب (يسلم)، فيها جميعاً. وقولك: يطلب الشجاع النصر أو يموتَ، بنصب يموت.
وقد تحذف (أن) المصدرية هذه فتقول (يريد المعلّم يحذر تلاميذه عاقبة الكسل) والأصل (يريد أن يحذّر)، ويسأل الكتاب، أينصب الفعل هنا وقد حذفت قبله (أن) أم يرفع؟ أقول المشهور رفع المضارع كما ذهب إليه البصريون وعلى رأسهم سيبويه، قال الشاعر:
ألا أيّهذا اللائمي أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مُخلدي
والمعنى يا من تلومني في حضوري الوغى لأشهد اللذات، هل تكفل لي الخلود إذا كففت عن الحرب؟
وقد روى البصريون (أحضر) بالرفع، وقال سيبويه: أصله –أن أحضر- فلما حذفت- أن- ارتفع الفعل. ورواه الكوفيون بالنصب واحتجوا بعطف (أن أشهد) على (أحضر)، فأحضر منصوب لديهم والناصب مضمر قبلها لضرورة الشعر.
أقول ما دام المعول على ما جاء من ذلك في كلام الفصحاء، فقد ورد رفع المضارع بعد حذف (أن) الناصبة في الاختيار. من ذلك ما جاء في حديث جابر بن سمرة: "فشكوه حتى ذكروا أنه لا يُحسن يُصلي" برفع (يُصلّي). وفي الحديث أيضاً: "لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر حدُّث على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" برفع (تُحدُّ)، أي لا يحل لها ترك الزينة لحزنها فوق ثلاث. وفي كلام الجاحظ، كما حكاه الثعالبي في كتابه (لطائف اللطف): "أتحسنين تضربين بالعود"، والأصل: أن تضربي.
وعلى ذلك المثل المشهور (تسمعُ بالمُعَيدي خيرٌ من أن تراه) برفع (تسمع)، والأصل: أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
وفي التنزيل: "قل أفغيرَ الله تأمرونّي أعبدُ أيها الجاهلون –الزمر/ 64"، برفع (أعبد)، والتقدير أتأمروني بعبادة غير الله؟
(يُتْبَعُ)
(/)
فثبت بذلك مجيء المضارع مرفوعاً في الاختيار مع حذف (أن) الناصبة، أما جواز النصب فيه فقد قال به الكوفيون، ولكن عند الضرورة، لا في الاختيار. فما جاء من ذلك فهو شاذ.
9 - إنّ وأنّ:
يشكل على الكتاب حيناً متى تكسر همزة (ان) المشددة ومتى تفتح. والقاعدة في التفريق بينهما أنه كلما أمكن إنزال (أن) وما بعدها منزلة المفرد فاعلاً أو مفعولاً أو مبتدأ أو مجروراً ... فتحت همزتها، ففي قولك مثلاً: (بلغني أنك مسافر) جاء أن وما بعدها في تأويل المفرد مرفوع المحل فاعلاً، أي بلغني سفرُك.
وفي قولك: (علمت أنك قادم) جاء أن وما بعدها في تأويل المفرد منصوب المحل مفعولاً به، علمت قدومك.
وفي قولك: (الحق أنك موفق) جاء في تأويل المفرد مرفوع المحل على الخبر أو الابتداء أي: الحق كونك موفقاً.
وفي قولك بعد –لو-: (لو أنك قائم لكان كذا) أي لو ثبت قيامك ..
وبعد –لولا-: (لولا أنك عالم لفعلت) أي لولا علمك ...
وبعد –ما- المصدرية: (أنفق ما أنك قادر) أي ما استمرت قدرتك ...
وبعد الجار نحو: (عجبت من أنك غاضب) أي من غضبك .. أو شهدت بأنك عالم، أي بعلمك، وهكذا ..
وكلما كانت (ان) وما بعدها في تقدير الجملة كسرت همزتها، كأن تكون جواب القسم لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة نحو (والله إنك صادق) ..
وبعد (القول) نحو (أقول إنك شاعر) لأن مقول القول جملة، وبعد الدعاء نحو قوله تعالى: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهّاب –آل عمران/8".وبعد النهي نحو قوله تعالى:" لاتحزن إنَّ الله معنا- التوبة/40".
وهكذا يجوز الوجهان كلما أمكن التأويل بالمصدر وعدمه، نحو: (أوّل قولي إني أحمد الله) بالكسر بتقدير أول قولي هذه الجملة، والفتح بتقدير: أول قولي حمدُ الله، وهكذا ...
10 - وإن كان:
يشيع في كلام الكتَّاب جملٌ مختلفة يتخللها قولهم (وإن كان)، فهم يقولون حيناً: (خالد، وإن كان حسن الخلق، إلا أنه بخيل)، ويقولون: (خالد، وإن كان حسن الخلق، لكنه بخيل). كما يقولون: (خالد، وإن كان .. ، فإنه بخيل)، ويقولون: (خالد، وإن كان .. ، بخيل)، فأي هذه الأقوال هو الصحيح؟
أقول: يعترض على الجملة الأولى أنه أخبر فيها بالقول (إلا أنه بخيل)، وعلى الثانية أنه أخبر فيها بالقول (لكنه بخيل). ذلك أنه جاء في صدر الجملة (خالد) مرفوعاً بالابتداء وهو يتطلب الخبر، وجاء الخبر مصدراً بإلاّ ولكن، وهما أداتان للاستدراك، والاستدراك لا يأتي إلا بعد تمام الجملة. تقول: (خالد حسن الخلق، لكنه بخيل) أو (إلا أنه بخيل).
أما الإخبار بجملة يتصدرها أداة استدرك فغير جائز. وكذلك إذا تصدرها حرف إضراب أو نداء، كما ذكره الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه (همع الهوامع- 1/ 69) نقلاً عن شارح كافية ابن الحاجب الإمام محمد بن سليمان الكافيجي.
على أن هذا الذي منعه النحاة هنا قد وقع في كلام الأئمة. فقد قال أبو جعفر الإسكافي في الرد على الجاحظ: "ونحن، وإن كنا نعتقد إخلاص أبي بكر وإيمانه الصحيح السليم وفضيلته التامة، إلا أننا لا نحتج له بمثل ما احتج به الجاحظ من الحجج الواهية – رسائل الجاحظ. خلاصة نقض كتاب العثمانية لأبي جعفر الإسكافي –جمع حسن السندوبي/46".
وجاء في رسالة للبديع الهمذاني إلى أبي بكر الخوارزمي: "إني، وإن كنت في الأدب دعيَّ النسب ضعيف السبب ضيق المضطرب ... ولكن بقي أن يكون الخليط منصفاً في الوداد .. رسائل الهمذاني –مطبعة الجوائب- ص/17".
وقد أشار إلى جواز ذلك بعض النحاة. إذ جاء في حاشية الصبان على الأشموني في شرح ألفية ا بن مالك: "واعلم أنه استشكل وقوع الاستدراك خبراً على نحو: زيد وإن كثر ماله لكنه بخيل، مع وقوعه في كلامهم" وأردف: "وخرجه بعضهم على أن الاستدراك خبر عن المبتدأ مقيداً بالغاية" أي أنه ما دام المبتدأ مقيداً بالشرط (وإن كثر ماله) فالمعنى (زيد كثير ماله) ولذا صح الاستدراك بعده. ثم أردف: "وبعضهم جعل الخبر محذوفاً والاستدراك منه، كذا في الشهاب علي البيضاوي –حاشية الصبان- ج2 - ص12".
وعلى هذا صح قولك (إلا أنه بخيل) و (لكنه بخيل) بعد أن ثبت وقوعه في كلامهم. ولو أن الأصل ألا يأتي الاستدراك إلا بعد تمام الكلام كقول الشافعي:
لو أنصفوا أنصفوا، لكن بغوا فبغَى
عليهم الدهر بالأحزان والمِحَنِ
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما قولهم: (فإنه بخيل) بدخول الفاء على توهم وقوعها في جواب الشرط فهو شائع. قال الجاحظ في كتابه (حجج النبوة): "كل إنسان، وإن كان يرى أنه حاسد في شيء، فهو يرى أنه محسود في شيء- رسائل الجاحظ لحسن السندوبي- ص128". وجاء في كتاب "أمالي القالي- 1/ 271 المطبوع 1324) عن سعيد بن مسعدة الخفش: "اعتذر رجل من العرب إلى بعض ملوكهم فقال: إن زلَّتي، وإن كانت قد أحاطت بحرمتي، فإن فضلك يحيط بها وكرمك يوفي عليها". ومثل ذلك كثير في كلام الفصحاء.
وأما قولهم: (خالد، وإن كان حسن الخلق، بخيل) فإنه الأصل لأنه على تقدير (خالد بخيل وإن كان حسن الخلق). وقد يكون الخبر جملة فعلية كقول الجاحظ: "إنه، وإن كان يألفه أكثر من أبويه ... ، لم يكن الإلف ليخرجه عما نشأ عليه. خلاصة كتاب العثمانية من رسائل الجاحظ للسندوبي 24"، وقد يكون الخبر جملة اسمية، كما جاء في كليلة ودمنة (باب الفحص عن أمر دمنة 132): "ولست أقول هذا كراهة للموت فإنه، وإن كان كريهاً، لا منجى منه، وكل حي هالك"!
وقد بحث هذا الأستاذ محمد علي النجار في كتابه (لغويات 65) وانتهى إلى القول: "وبعد فالأسلوب الصحيح البراء من التكلُّف ألاَّ يقترن الخبر بأداة مما ذكر، وأن يطرح ما اطرحته العرب ونعود إلى العربية الصافية 37". وهو يعني بالأسلوب المتكلّف المطّرح إدخال أداتي الاستدراك (لكن وإلاَّ) على الخبر، أقول: قد جاء هذا الأسلوب في كلام كبار الكتَّاب في العصور المتقدمة كما رأيت، وقد حمل ذلك النحاة على أن يتأولوا له وجهاً. فالمختار عندي هو إجازته.
11 - وإلاَّ لكان:
من مواضع (إلاَّ) بكسر الهمزة وتشديد اللام أن تفيد معنى التأكيد. فإذا قلت: (ادفع ما عليك وإلاَّ قوضيت) فإن (إلاَّ) تؤكد ما قبلها أي توجب الدفع، وتعلّق ما بعدها أي (المقاضاة) على انتفاء ما قبلها، فلا مقاضاة ما لم يمتنع الدفع.
وقد شاع في كلام الكتَّاب والمصنفين منذ القدم نحو قولهم: (ادفع ما عليك وإلا لقوضيت) بإدخال اللام على الجواب فهل هذا صحيح؟
أقول تتألف (إلاَّ) من (إن) الشرطية و (لا) النافية، وقد جرى بين النون واللام إدغام المتجانسين، فهل يجوز دخول اللام في جواب (ان) الشرطية؟
أجاز بعض الأئمة دخول اللام في مثل هذا الموضع. قال الإمام شهاب الدين أحمد الخفاجي في (شفاء الغليل-ص176): "إدخال اللام في جواب (لو) ظاهر، وأما في جواب (إن) فقيل إنه من خطأ المصنفين، وليس كذلك، لأنها تُخرَّج على أنها جواب –لو- مقدراً، والتقدير في قولهم- وإن لكان كذا- فلو كان لكان كذا- ترقياً من مرتبة الشك إلى الجزم .... ".
وقال الإمام الأزهري في شرح قواعد الإعراب: "ومنع الجمهور دخول اللام في جواب –إن- وأجازه ابن الأنباري".
وجاء في حاشية المغني قول الإمام محمد الأمير: "قال الشاعر:
أما والذي لو شاء لم يخلق النَّوى
لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي
قوله: لما غبت، قال الدمايني يمكن أنه جواب –إن- والجملة جواب القسم فيكون سَنَداً لنحو قولهم: وإلا لكان كذا".
فثبت بهذا ذهاب بعض الأئمة إلى جواز قولك (ادفع ما عليك وإلا لقوضيت"، وقد بحث هذا الأستاذ أسعد داغر في كتابه (تذكرة الكاتب)، فمنع قول القائل (وإلا لنجح)، ثم عمد إلى إجازته، في ملحق التذكرة، ولم يشر إلى أنه جاء يستدرك بهذا ما سبق أن منعه، إذ قال: "أنهم أجروا إن الشرطية مجرى –لو- في إدخال اللام على جوابها كقولهم: وإلا لكان كذا، لكنهم لم يجروا –إذا- هذا المجرى"
أقول وقد تعامل –لو- أيضاً معاملة- إن- فتقول (أنت لا تكرمني ولو أكرمتك) وأنت تريد (وان أكرمتك). أما (إذا) فلم يقل أحد بدخول اللام في جوابها، كما تقدم الكلام عليه.
وقد بحث الأستاذ محمد علي النجار نحو هذا في كتابه (لغويات –ص 21 و22) إذ تحدَّث عن دخول لام جواب القسم لا لام جواب لو، دخولها في جواب (إن) دون إذا وانتهى إلى القول: "على أن هذا التخريج لا تسكن إليه النفس كل السكينة. فهو إنما ورد مع إن، ولم يرد مع إذا. وأن أمُّ الباب في الشرط، فلا بدع أن تختص ببعض الأمور، ولا يجب أن يقاس عليها في جميع أحكامها سواها، وهو لا يستقيم أيضاً لو قيل مثلاً: إذا أتيتني لأقوم بإكرامك، فإن الواجب، على تقدير القسم، أن يقال: لأقومنَّ بالتأكيد، كما هو معروف". ولذا قل: ليس لديَّ ما أعطيك وإلا لأكرمتك، وسأكرمك ولو
(يُتْبَعُ)
(/)
لم تزرني، ولا تقل إذا أتيتني لأكرمتك.
12 - أيْ:
أيْ المفتوحة الهمزة الساكنة الياء حرف تفسير، على المشهور. تفسَّر بها الجمل كما تفسَّر المفردات. ومثال التفسير بالجُمَل قول الشاعر: (وترمينني بالطرف أي أنت مذنب)، وقولك (سألته أن يحضر أي طلبت منه الحضور، وقولك (قُطع رزق خالد أي مات) ببناء –قُطع- للمجهول، ولا أشكال في ذلك.
وتفسَّر بأي المفردات، تقول (أكرمت خالداً أي أباك)، فيقع الأشكال فيما بعد (أي)، ما محلّه من الإعراب!
أقول المشهور أن يقع الاسم بعد (أي) المفتوحة الساكنة بدلاً من الاسم قبلها، فيرفع أو ينصب أو يجر مثله. تقول: جاء أي خالدٌ بالرفع فيهما، ولقيت أخاك أي خالداً بالنصب فيهما، وظفرت بأخيك أي خالد بالجر فيهما.
وأجاز بعضهم النصب بفعل مضمر بعد المرفوع والمجرور. تقول: جاء أخوك أي خالداً، وتقديره أعني خالداً، كما تقول: أحسنت إلى أخيك أي خالداً، وتقديره أعني خالداً.
كما أجازوا الرفع بعد المنصوب والمجرور، على الاستئناف، كما جاء في اللسان. على أن المشهور هو اتباع ما بعد (أي) ما قبلها رفعاً ونصباً وجراً.
13 - أيّ:
أيّ بفتح الهمزة وتشديد الياء، تكون اسماً للاستفهام أو الشرط أو الموصول:
ومثال الاستفهام قولك: أي الناس أفضل؟ فتكون أي مرفوعة بالابتداء وخبرها أفضل، ويأخذ بعض النقاد على الكتاب قولهم: أيهما أفضل العلم أم المال؟ ويرون هذا خطأ ويجدون الصواب: أيما أفضل العلم أم المال؟ لأن ا لضمير في –أيهما- عاد إلى اسم ظاهر تأخر عنه لفظاً وتقدم رتبة وهو العلم والمال، وهذا لا يجوز. قال الدكتور مصطفى جواد في كتابه (قل ولا تقل): "قل أيما أفضل العلم أم المال؟ ولا تقل: أيهما أفضل العلم أم المال، ذلك لأن –هما- في قولك –أيهما- ضمير يعود إلى اسم ظاهر تأخر عنه لفظاً وتقدم رتبة عوداً غير مجاز ... ".
أقول جاء في كلام الفصحاء (أيما) و (أيهما) في مثل هذا الموضع. ففي نهج البلاغة: "أيما أفضل العدل أو الجود. قال عليه السلام العدل يضع الأمور مواضعها والجود يخرجها من جهتها، والعدل سائس عام والجود عرض خاص، فالعدل أشرفهما وأفضلهما –3/ 257 - 258". وفي كتاب الحيوان للجاحظ: "أيّهما أشد الشتاء أم الصيف .. " فصح بذلك الوجهان أيّما أفضل كذا أم كذا، وأيهما أفضل كذا أم كذا.
وقد تدل (أي) الاستفهامية على التعجب حيناً في مثل قولك (أي شاعر هذا الذي سمعت) أو تدل على الكمال كقولك (سمعت شاعراً أي شاعر) فتكون –هذه صفة لنكرة والمعنى أنك تثني عليه بكل ما يُمدح به الشاعر. وتقول في هذا المعنى: (لله درّ زيد أيّ شاعر) فتنصب (أي) على الحال بعد المعرفة أو ترفع (أي) على الابتداء فتكون استفهامية.
ومثال مجيء (أي) اسماً للشرط قولك: أي رجل يُخلص في عمله يلق نجاحاً، فأي مرفوعة بالابتداء والجملة بعدها خبر. وفعل الشرط (يخلص) والجزاء (يلق) مجزومان. وهكذا قوله تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى- الإسراء /110". والمعنى أيّ هذين تدعوا فهو حسن. فتكون –أيّاً- منصوبة مفعولاً به مقدماً لتدعوا، و –ما- زائدة للتأكيد. وفعل الشرط –تدعوا- مجزوم، وقد دخلت الفاء في الجزاء. وكذا قولك: بأيِّ سببٍ تعتذر يقبل اعتذارك، ففعل الشرط –تعتذر- وفعل الجزاء- يقبل- مجزومان.
ويسأل الكتاب أتتبع- أي- ما تضاف إليه في الشرط والاستفهام فتذكَّر مع المذكَّر وتؤنث مع المؤنث!
أقول بحث هذا الأستاذ محمد العدناني في كتابه (معجم الأخطاء اللغوية المعاصرة) فأوجب التذكير دوماً، إذ قال: "ويقولون أية طالبة فازت بالجائزة؟ والصواب: أي طالبة، لأن –أي- الاستفهامية إذا أضيفت إلى نكرة ثبت لفظها مفرداً دائماً. وأي الشرطية كالاستفهامية". وليس الأمر على ما قال العدناني.
ففي الصحاح: "وتقول أي امرأة جاءتك أو جاءك، على الاستفهام، وأية امرأة جاءتك؟ " فأجاز الوجهين: أي امرأة وأية امرأة. وجاء في المصباح المنير: "والأفصح استعمال –أي- في الشرط بلفظ واحد للمذكر والمؤنث" فآثر التذكير مع المؤنث ولم يوجبه، وكذا الحال في الاستفهام.
وتأتي (أي) اسم موصول في ثلاث أحوال:
(يُتْبَعُ)
(/)
أن يحذف مضافها ويبقى العائد أي الضمير كقولك: (كافئ أيّاً هو مخلص)، فتكون معربة، أو يذكر مضافها وعائدها كقولك: (جاءني أيّهم هو ناجح)، فتكون معربة أيضاً، أو يذكر مضافها ويحذف عائدها كقولك: (أكرم أيّهم أحسن أخلاقاً) فتكون –أي- مبنية على الضم في محل نصب: أي أكرم أيهم هو أحسن أخلاقاً، هذا هو المشهور، ومنهم من أجاز إعرابها في هذه الحال أيضاً.
قال الإمام السيوطي في كتابه (معجم الأدوات النحوية وإعرابها): "وهي –يعني أيّاً- في الأوجه الثلاثة معربة، وتبنى في الوجه الثالث على الضم إذا حذف عائدها وأضيف كالآية- لننزعنَّ من كل شيعة أيّهم أشدّ على الرحمن عتيّاً –مريم 69 - أي أيُّهم هو أشد وأعربها الأخفش .. ".
وقد اشترط النحاة في (أي) الموصولة هذه أن تضاف إلى معرفة، وذهب بعضهم إلى جواز إضافتها إلى نكرة واحتجَّ بقوله تعالى: "وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون – الشعراء 227" أي المنقلب الذي ينقلبونه، كما فعل ابن عصفور الأندلسي. والجمهور على أن (أيّاً) ها هنا استفهامية، والجملة قد سدت سد مفعولي (سيعلم). فإذا صحت إضافتها إلى نكرة، وقد ورد ذلك في الشعر، صح قول القائل: (اسلك أي طريق تريد) أي الطريق الذي تريد.
وقد يسأل سائل ما الرأي في قولهم: (أيّهم تأتي يكرمك) أيرفع فيه الفعلان أم يجزمان؟
أقول تحتمل (أي) هنا الموصولية والشرطية. فإذا كانت الأولى رفعت الفعلين، و (أي) مرفوعة على الابتداء، ويكرمك هو الخبر. وإذا كانت الثانية جزمت الفعلين فقلت (أيُّهم تأتِ يكرمْك)، وتكون (أي) مفعولاً به مقدماً لفعل (تأت) فتأمل.
14 - إيّاك:
إيّاك بكسر الهمزة وتشديد الياء المفتوحة مركبة من (إيّا) وهو ضمير نصب منفصل بني على السكون. و (الكاف) حرف للخطاب كالكاف في (ذلك) أو الهاء في (إياه) أو الياء في (إياي). ففي قوله تعالى: "إيّاك نعبد": إيّا ضمير نصب منفصل بني على السكون في موضع نصب مفعول به لفعل (نعبد). والكاف حرف خطاب للمذكر بني على الفتح. و (نعبد) فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر فيه وجوباً تقديره (نحن). ويقع الأشكال في استعمال (إياك) في المواضع التالية:
1 - في مثل قولك: (ما استقبلت إلا إياك). فما نافية، واستقبلت فعل وفاعل. و –إلا- حرف لإيجاب النفي. و (ايّا) في محل نصب مفعول به. والكاف حرف للخطاب. والسؤال: -هل يصح قولك (ما استقبلت إلاَّك) بإحلال (الكاف) الضمير المتصل محل (إيّاك) الضمير المنفصل؟
أقول منع ذلك بعضهم كالحريري في (درّة الغوَّاص) وأجازه آخرون محتجين بما جاء من ذلك في شعر المتقدمين. وأقر هذا ابن مالك. كما أشار إليه ابن هشام في (أوضح المسالك). وصرَّح ابن الأنباري بجواز وقوع الضمير المتصل محل المنفصل.
2 - وفي مثل قولك: (إياك والكذب) للتحذير. فـ (إياك) مفعول به لفعل مضمر محذوف بصيغة الأمر نحو (دَع أو اتَّقِ)، والواو عاطفة، و (الكذب) معطوف على المفعول. والسؤال: هل يصح قولك (إياك الكذب) بحذف الواو العاطفة؟ أقول أجازوا ذلك وقدروا لنصب (الكذب) فعلاً مضمراً غير ما أضمروه في نصب (إياك). وصحَّ كذلك قولك: (إياك من الكذب) و (إياك أن تكذب).
3 - وفي مثل قولك: (قرأت الكتاب إياه) كما شاع ذلك على ألسنة الكتَّاب، وهكذا قولك (إن اللجنة إياها قامت بذلك) فهل هذا صحيح؟
أقول لا وجه لقولهم هذا، والصحيح: (قرأت الكتاب نفسه) و (إن اللجنة نفسها قامت بذلك)، ولا محل لـ (إياه) و (إياها) فيما تقدم البتة، إذ ليس ثمة ما يستوجب ذكر ضمير النصب ولا علاقة له بالتأكيد الذي أريد بذكره.
15 - الاستئناف وأداته:
الاستئناف في الأصل ابتداؤك جملة لا تكون في سياق ما سبقها من حيث الإعراب، ولو كانت على اتصال بها من حيث المعنى. ويأتي الاستئناف النحوي جواباً عن سؤال مقدَّر {سواء اقتضته الجملة الأولى أو لم تقتضه. ففي قوله تعالى: "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمَّارة بالسوء- يوسف/ 3" قد أتت الجملة المستأنفة جواباً عن سؤال مقدَّر اقتضته الجملة الأولى، وهو: وهل النفس أمّارة بالسوء؟ وفي قول الشاعر:
وتظنّ سلمى أنني أبغي بها بدلاً، أراها في الضلال تهيم
أتت جملة (أراها) مستأنفة، فكانت جواباً عن سؤال مقدَّر لا تقتضيه (وتظن) بالضرورة وهو: وما قولك فيما تظن سلمى؟
ولكن هل ثمة أداة للاستئناف. أقول الأصل ألاَّ تكون ثمة أداة.
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءً فلا محل بينهما لأداة من عاطف أو سواه. تقول (توفي خالد رحمه الله) ولا تقول (ورحمه الله). فـ (توفي خالد) جملة خبرية و (رحمه الله) إنشائية مستأنفة، فلا محل بينهما لعاطف لامتناع عطف الإنشاء على الخبر أو الخبر على الإنشاء، عند الأكثرين. ومن ذلك قوله تعالى: "خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون- النحل3"، فالجملة الأولى خبرية والثانية إنشائية مستأنفة، ولا محل بينهما لعاطف.
ويصح استئناف الجملة المستأنفة بالفاء، إذا لم تختلف الجملتان خبراً وإنشاءً، كقوله تعالى: "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً- الجن 17"، وقوله تعالى: "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً –طه112". فقوله (فلا يخاف) في الآيتين، هو في الأصل جواب الشرط. فمن رفع (فلا يخاف) استأنف بالفاء وكان التقدير (فهو لا يخاف)، ومن جزم (فلا يخف) فعلى النهي.
وهكذا قوله تعالى: "بديع السموات والأرض إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون –البقرة 117"، فالجمهور على أن من قرأ (فيكون) بالرفع كان ذلك عطفاً على (يقول)، أو هو على الاستئناف بالفاء، على تقدير (فهو يكون).
وقد جعلوا من ذلك قول الحُطيئة: (يريد أن يعربه فيعجمُه) برفع (فيعجمُه) على الاستئناف بمعنى فإذا هو يعجمه، لأنه لا يريد الإعجام.
ولكن جاء قوله تعالى: "عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يُشركون –المؤمنون 92". فما مسوَّغ دخول الفاء على الجملة الإنشائية والأصل أن يستأنف الإنشاء بعد الخبر، بلا أداة؟
أقول تقدَّم الآية المذكورة قوله تعالى: "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولَعَلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون –المؤمنون 91". ثم تلاه قوله تعالى: "عالم الغيب والشهادة .. " بالجر على أنه صفة لاسم الجلالة، في قراءة ابن كثير وابن عامر وأبي عمرو ويعقوب وحفص، فجاء هذا دليلاً آخر على نفي التشريك، بناء ًعلى توافقهم في أنه المتفرِّد بذلك، كما قال الإمام البيضاوي في تفسيره، ولهذا رتّب عليه قوله: (فتعالى عمّا يشركون) بالفاء. أقول ما دام قد ترتب (فتعالى) على ما قبله، فالفاء فيه للسبب لا للاستئناف، وقد ذهب جماعة، ومنهم الفراء، إلى أنها للاستئناف.
وكذلك قوله تعالى: "إنّا أعطيناك الكوثر فصلِّ لربك وانحر –الكوثر". فالأكثرون على أن الفاء في قوله (فصلِّ) إنما هي للسبب، لأن الإنعام في قوله (إنّا أعطيناك الكوثر) قد تسبب في الشكر فتطلّب الصلاة، وقد ذهب إلى هذا ابن هشام في (المغني) وقال: "إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر ولا العكس –1/ 140".
ولكن هل تأتي (الواو) للاستئناف كما تأتي (الفاء). أقول جاء قوله تعالى: "من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون –الأعراف 186". فقرئ (ويذرهم) بالرفع على الاستئناف وبالجزم عطفاً على موضع جواب الشرط (فلا هادي). وبحث هذا الإمام الزمخشري في كشافه فذكر أن الرفع على الاستئناف، ولكنه قصد بذلك الاستئناف البلاغي الذي يعني عطف الفعل على جواب سؤال محذوف، كأن يكون السؤال: أهؤلاء يضلّهم الله ولا يهديهم أحد، فيكون الجواب: نعم يضلّهم ويذرهم في طغيانهم يعمهون. فالواو هنا عاطفة على كل حال، بالجزم أو الرفع جميعاً. والفرق بين الاستئناف البلاغي أو البياني والاستئناف النحوي أن البلاغي ما كان جواباً عن سؤال مقدَّر اقتضته الجملة الأولى أو معطوفاً عليه، فهو أخصّ مطلقاً من النحوي، وقد جاء نحو من هذا في كتاب القطوف الدانية في العلوم الثمانية لمحمد أمين السفرجلاني/ 199".
* * *
هذا ما رأيت الكشف عنه في استعمال هذه الطائفة من الأدوات النحوية، جلاءً لما قد يعترض الكتَّاب فيها من اللبس. فلابد أن يكون لهم من معرفة ذلك حظّ ومن تدبّره نصيب، تجنباً للخطأ وابتغاءً لحسن الأداء وإحكام البيان. ومن الله العون.
----------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 53 - السنة 13 - تشرين الأول "أكتوبر" 1993 - جمادى الأولى 1414
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:35 ص]ـ
اختصار المعاجم: أهدافه وطرائقه
دراسة في (مختار الصحاح) للرازي
د. علي القاسمي
100 ـ تقديم:
(يُتْبَعُ)
(/)
قد يحسب بعضهم أن اختصار المعاجم أمر يتعلق بمعاجم التراث الكبيرة فقط وأن عصره قد انتهى الآن، أو يظن أننا لا نحتاج إلى اختصار معجم موجود بل من الأيسر أن نصنف معجما صغيرا جديدا، أو يتوهم أن اختصار المعاجم فن يعتمد على حذق المعجمي وفطنته وليس علما له قواعده المحددة.
غير أن أبحاث علم اللغة التطبيقي الحديث تدلنا على أن اختصار المعاجم لإنتاج أنواع متعددة منها سيبقى ضرورة حتمية ما دامت مستويات القراء متباينة، وما دامت اهتماماتهم متفاوتة، ومادامت حاجاتهم إلى استعمال المعاجم مختلفة؛ وأن من الأفضل أن تنبني المعاجم المتعددة على مدونة معجمية جيدة واحدة لأن في ذلك توفيرا للجهد وصيانة للوقت وتخفيضا للنفقات. ولهذا نجد أن المؤسسات المعجمية العالمية الكبرى مثل لاروس وأكسفورد ووبستر تنتج عدة معاجم لتستجيب لمستويات القراء المتعددة واحتياجاتهم المتنوعة.
وفي هذه الدراسة المختصرة التي تتخذ من مختار الصحاح ميدانا لها، تعريف ببعض أغراض اختصار المعاجم والقواعد الواجب مراعاتها.
200 ـ العبقرية والتعقيد:
لقد احتاج المعجميون العرب إلى أكثر من قرنين من الزمان للتخلص من تأثير الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175هـ) عليهم. فقد ابتكر الخليل منهجية فريدة توافق عبقريته الفذة وتناسب طموحاته العريضة الرامية إلى وضع معجم يحصي فيه جميع " كلام العرب وألفاظهم فلا يخرج منها عنه شيء." (1)
وتقوم منهجية الخليل على أسس لسانية رياضية منطقية جعلت منها منهجية معقدة لا يستطيع استيعابها إلا المتخصصون، في حين يصعب منالها على عامة المثقفين والمتعلمين. وهذه الأسس هي:
أولا، ترتيب مواد المعجم ترتيبا صوتيا حسب مخارج الحروف ابتداء من حروف الحلق، لأنه أبعد المخارج، والصعود تدريجيا حتى حروف الشفة، فجاء ترتيبه على الوجه التالي: ع ج ه غ خ ق ك ج ش ض ص س ز ط ت د ظ ذ ث ر ل ن ف ب م و ي ا. وجعل الخليل بابا خاصا في معجمه لكل حرف من هذه الحروف. وهو ترتيب مبتكر يصعب استيعابه على عامة الناس الذين اعتادوا علي الترتيب الألفبائي والترتيب الأبجدي الشائعين آنذاك.
ثانيا، ترتيب الكلمات في كل حرف من هذه الحروف حسب أبنيتها الصرفية، بحيث أُفرد باب لكل بناء من الأبنية التالية: الثنائي المشدد ثانيه، والثلاثي الصحيح، والثلاثي المعتل، واللفيف، والرباعي، والخماسي. ومن يبحث عن كلمة عليه أن يعرف أولا أصلها وبنائه.
ثالثا، اعتماد طريقة التقليبات، فهو يذكر الكلمة ثم يقلّبها إلى كل وجه بحيث تتألف من مقلوباتها كلمات، فتُذكر جميع تلك الكلمات في موضع واحد، ويشير إلى المُستعمَل والمُهمَل منها. مثلا: في مادة ع ك ب نجد العنوان التالي:
ع ك ب، ع ب ك، ك ع ب، ك ب ع، ب ك ع (مستعملات)، ب ع ك (مهمل)
ومن يبحث عن (ش ع ل) فهو لا يجدها في كتاب الشين وإنما في كتاب العين لأن العين أسبق من الشين في الترتيب الصوتي الذي ابتكره الخليل.
هذه المنهجية الرائدة في تنظيم المعجم أثّرت، بدرجات متفاوتة، في أعمال كبار المعجمين العرب الذين جاءوا بعد الخليل مثل معاصره أبي عمرو الشيباني (149 - 206هـ)، في معجمه (الجيم)، وابن دريد (223 –321 هـ) في معجمه (الجمهرة)، وأبي منصور الأزهري (282 - 321هـ) في معجمه (تهذيب اللغة)، والصاحب بن عباد (326 - 385 هـ) في معجمه (المحيط).
وعلى الرغم من أن المعجميين الذين جاءوا بعد الخليل بذلوا جهدا كبيرا لتيسير منهجيته وتبسيطها في هذا الجانب أو ذاك، فإنه لم يتم التخلص منها برمتها إلا على يد عبقري آخر هو الجوهري.
300 - الجوهري ومعجمه (الصحاح):
والجوهري هو إسماعيل بن حماد (332 - 400هـ)، أصله من فاراب في بلاد الترك. رحل إلى العراق في طلب العلم فدرس على اثنين من أعظم شيوخ العربية في زمانه هما أبو علي الفارسي (288ـ 356 هـ) وأبو سعيد السيرافي (284ـ 368 هـ). ثم رحل إلى الحجاز وشافه الأعراب في ديارهم. وسافر إلى خراسان فالري فنيسابور حيث أقام هناك متصديا للتدريس ومتفرغا للتأليف، وفيها ألف معجمه (الصحاح) وفيها لقي حتفه على إثر قيامه بتجربة فاشلة للطيران حين صعد إلى سطح الجامع وقد ربط أجنحة إلى ذراعيه وألقى بنفسه محاولا الطيران، ولكنه سقط ميتا. فقال بعضهم إن محاولته تلك نتيجة لإصابته بوسوسة أو لوثة في عقله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومعجمه (الصحاح) يشهد بعبقرية فذة جعلت ياقوت يقول عنه في معجم الأدباء:" كان الجوهري من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما" (2)
ولا تكمن أهمية معجم (الصحاح) في أن الجوهري جمع فيه الألفاظ الصحيحة " بعد تحصيلها بالعراق رواية، وإتقانها دراية، ومشافهتي بها العرب العاربة في ديارهم بالبادية"، كما يقول (3) فحسب، وإنما في الترتيب الذي ابتكره لتيسير المعجم كذلك. وخصائص المعجم الفريدة هذه جعلت الناس يقبلون على اقتنائه وتداوله ما دعا الباخرزي إلى القول: " وهذا الكتاب هو الذي بأيدي الناس اليوم، وعليه اعتمادهم." (4) ويعلل الثعالبي ذلك بأن (الصحاح) " أحسن من (الجمهرة)، وأوقع من (تهذيب اللغة)، وأقرب متناولا من (مجمل اللغة)." (5)
وتنبني منهجية الصحاح على ترتيب جميع أصول الكلمات العربية، بصرف النظر عن بنائها الصرفي، حسب قوافيها على حروف المعجم الألفبائية المعتادة. ويُخصص لكل حرف باب. وفي كل باب تُرتب المواد ترتيبا ألفبائيا كذلك. ففي باب الباء، مثلا، نجد المواد مرتبة ألفبائيا: أبب، أتب، أدب، أرب، أزب، .. ألخ.
400ـ تلخيص الصحاح:
وأدى صدور هذا المعجم الرائع إلى تنشيط الحركة المعجمية تمثل في الكتابات النقدية التي تناولته والأعمال المعجمية التي انبثقت عنه تعليقا، وتكملة، وتحشية، وتلخيصا. ويكفي الجوهري فخرا أن أعظم معاجم التراث العربي بعده سارت على نهجه وأفادت منه، ومنها (القاموس) للفيروزبادي و (لسان العرب) لابن منظور ومعجما الصاغاني.
وقد أحصى الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار، محقق الصحاح، تسعة تعليقات، وسبع حواش، وتسعة كتب جمعت الصحاح مع غيره من المعاجم، وسبع تكملات ومستدركات، وعشرة كتب تناولت الصحاح بالنقد، وستة عشر كتابا أُلفت في الدفاع عن الصحاح، وسبعة عشر مختصرا، وثمان ترجمات إلى اللغتين الفارسية والتركية، وعشرة كتب اقتبست اسم الصحاح أو سارت على منهجيته. (6)
500ـ الرازي ومختار الصحاح:
لا يقل محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت بعد سنة 691هـ) عن الجوهري عبقرية وطول باع في المعارف. فالرازي لغوي، مفسر، فقيه، صوفي، أديب له نظم ونثر. ولكن أخباره قليلة ولا نعرف تاريخ ولادته ولا تاريخ وفاته على وجه التحديد، فقد اتسم العصر الذي عاش فيه بالاضطراب السياسي والحروب الطاحنة، إذ كان الصليبيون قد شنوا حملاتهم المتتالية على العالم الإسلامي من الغرب واستولوا على بيت المقدس سنة 493 هـ واجتاح المغول العالم الإسلامي من الشرق فسيطروا على إيران كلها عام 628 هـ. ثم زحف هولاكو بجحافله إلى عاصمة الخلافة الإسلامية، بغداد، سنة 656 هـ واستباحها ودمّرها وأحرق معاهد العلم والمكتبات فيها وقتل الخليفة وأهله.
ولهذا كله اضطربت في ذلك العصر الاتجاهات الفكرية المتباينة والنزعات الدينية المختلفة، وانتعش التصوف. وكان الرازي، وأصله من الري، من كبار الصوفية الذين ولعوا بالأسفار والرحلة في طلب العلم فزار مصر والشام والأناضول، واتصل بالعلماء وطلاب العلم في هذه الأقطار.
وللرازي مؤلفات عديدة في تفسير القران، واللغة، والبلاغة، والتصوف. وله خبرة في إيجاز المعلومات واختصارها تجلت في تفسيره الموجز المعروف بـ (إنموذج جليل في أسئلة وأجوبة من آي التنزيل) (7)، وفي مصنفه (كتاب الأمثال والحكم) الذي قال عنه في مقدمته إنه مختصر جمع فيه ما تفرق من الأبيات المفردة وأنصاف الأبيات التي ما زال الفضلاء يتمسكون بها في مكاتباتهم ومخاطباتهم ... (8)
هذا اللغوي المتمرس في الإيجاز، المولع في ما قلّ ودلّ، تصدى لاختصار (الصحاح) الذي يقع حاليا في ستة مجلدات مطبوعة يربو عدد صفحاتها على 2560 صفحة من الحجم الكبير، ولخّصه في كتاب صغير عنوانه (مختار الصحاح) لا يتجاوز عدد صفحاته 590 صفحة من القطع الصغير.
600 ـ اختصار المعاجم:
(يُتْبَعُ)
(/)
لا يعني اختصار المعجم مجرد حذف ما زاد على كلمات المداخل ومعانيها الأولى من معلومات نحوية، ومعان ثانوية ومجازية، وتعبيرات اصطلاحية وسياقية، وشواهد، وغيرها. (9) فعملية الاختصار مقيدة بالهدف منها وجمهور القراء المستهدفين. فإذا كان هذا الجمهور يتألف من المتعلمين وغير المتخصصين فقد يقتضي الاختصار إضافة معلومات لا يتضمنها المعجم الأصلي، وهذا ما فعله الرازي في (مختار الصحاح)، فقد أضاف أحيانا إلى مداخل الصحاح ما يحتاج إليه الجمهور الذي يسعى الرازي إلى إفادته. ومن الأمثلة على ذلك ما أضافه الرازي من مصادر الأفعال الثلاثية التي أهملها الجوهري. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك مقدمة المعجم. ففي حين تتألف مقدمة الجوهري لمعجمه (الصحاح) من فقرة واحدة لا تتعدى نصف صفحة، نجد أن مقدمة الرازي لمعجمه (مختار الصحاح) تناهز ست صفحات ضمنها معلومات صرفية ونحوية تساعد القارئ على استيعاب مواد المعجم وفهم سلوكها اللغوي بصورة أفضل.
610ـ أهداف الاختصار ونطاقه:
في مقدمته لـ (مختار الصحاح) يبين الرازي، أولا، سبب اختياره لمعجم الصحاح دون غيره من المعاجم المطولة الأخرى فيقول:
" هذا مختصر في علم اللغة جمعته من (كتاب الصحاح) للإمام العالم العلامة أبي نصر إسماعيل بن حماّد الجوهري رحمه الله تعالى، لما رأيته أحسن أصول اللغة ترتيبا، وأوفرها تهذيبا، وأسهلها تناولا، وأكثرها تداولا، وسميته (مختار الصحاح). (10)
فهو هنا لا يُغفل عنوان المعجم الأصلي ولا يهمل اسم مؤلِّفه بل يذكره بتقدير واحترام ويترحم عليه، وهذا ما تقتضيه آداب التأليف والأمانة العلمية وتواضع الأدباء.
ويوضح الرازي في مقدمته أهداف الاختصار فيذكر أنه أعدّ (مختار الصحاح) ليكون معجما أساسيا ميسرا " لكل عالم فقيه أو حافظ، أو محدّث، أو أديب" (11). فهو ليس للمتخصصين في علوم اللغة كما هو حال المعجم الأصلي، الصحاح، وإنما توخى الرازي أن يجعل (الصحاح) في متناول عامة المثقفين، حجما ومادة، دون أن يجرده من مزاياه المفيدة وخصائصه المجيدة.
ولا يعني الاختصارُ الاقتصارَ على ما ورد في المعجم الأصلي فقط وإنما قد يرجع المعجمي إلى معاجم أخرى فيفيد منها، أو يضيف من معلوماته الخاصة استكمالا للفائدة. وهذا ما فعله الرازي وأشار إليه في مقدمته بقوله:
" وضممت إليه (أي إلى الصحاح) فوائد كثيرة من تهذيب الأزهري وغيره من أصول اللغة الموثوق بها ومما فتح الله تعالى به عليّ فكل موضع مكتوب فيه (قلت) فإنه من الفوائد التي زدتها على الإصل." (12)
620ـ طرائق الاختصار وقواعده:
إذن، ما هي المنهجية التي اتبعها الرازي في الاختصار؟ أو ما هي الوسائل التي استخدمها لتحقيق أهدافه؟
يلخص لنا الرازي منهجيته حينما يذكر في المقدمة أنه اقتصر على ما لا بدّ من معرفته وحفظه لكثرة استعماله وجريانه على الألسن مما هو الأهم فالأهم، واجتنب فيه عويص اللغة وغريبها طلبا للاختصار وتسهيلا للحفظ. (13)
وبعد إمعان النظر في مواد (مختار الصحاح) ومقارنتها بالمواد الأصلية في (الصحاح)، يمكننا أن نستخلص وسائل الاختصار التي استخدمها الرازي ونلخصها في ما يلي:
621 ـ اختصار المعلومات النحوية:
يقدّم المعجم الجيد لمستعمليه معلومات صرفيه ونحوية تعينهم على تصريف الأفعال ونطق مشتقاتها بصورة صحيحة. ويحتاج مستعمل المعجم العربي الذي تتألف مداخله عادة من الأفعال في صيغة الماضي إلى معرفة الأفعال المضارعة وحركة عين الفعل فيها ومصدرها، وأحيانا اسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا شاذين، لأن هذه الأمور سماعية وليست قياسية لا يستطيع القارئ معرفتها بنفسه.
وهذا النوع من المعلومات الصرفية يتطلب استعمال الشكل التام (الحركات) ما يؤدي إلى كثير من التصحيف والتحريف حتى في وقتنا الحاضر التي تطورت فيه الطباعة بالحاسوب بله في ذلك العصر الذي كان يعتمد فيه النشر على النسخ اليدوي والنسّاخ الذين قد تعوزهم المعرفة المتخصصة ويرهقهم العمل ما يؤدي إلى اقترافهم الأخطاء الكثيرة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد استخدم الرازي طريقة ذكية لاختصار المعلومات النحوية في صلب معجمه (مختار الصحاح)، وتساعد، في الوقت نفسه، على تجنب التصحيف والتحريف. وهي طريقة تستخدمها اليوم أحدث المعاجم الإنكليزية مثل معجم كمبرج ومعجم أكسفورد للمتعلمين، مع العلم أن الجوهري لم يستعمل تلك الطريقة في معجمه (الصحاح).
وخلاصة طريقة الرازي تلك أنه ذكر في المقدمة أبواب أو أنواع الأفعال الثلاثية الستة (فَعَلَ يفعُل، فعَل يفعِل، فعَل يفعَل، فعِل يفعَل، فعُل يفعُل، فعِل يفعِل)، ونصّ على موازين كل باب منها، وهي موازين يحفظها التلاميذ في المراحل التعليمية الأولى، مثل:
" الباب الأول ـ فعَل يفعُل، بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع، والمذكور منه سبعة موازين: نصر ينصر نصرا، دخل يدخل دخولا، كتب يكتب كتابة، ردّ يردّ ردّا، قال يقول قولا، عدا يعدو عدوا، سما يسمو سموا"
ثم أتى على بقية الأبواب وموازينها الشائعة، وذكر القواعد الصرفية التي تتحكم في بعض هذه الموازين. أما في صلب المعجم فإنه أخذ يحيل على هذه الموازين المذكورة في المقدمة، فلا يحتاج إلى ذكر الفعل المضارع، ولا تهجي المصدر، ولا تحديد حركة الحرف الأوسط من الماضي، ولا إيراد حركة عين المضارع. وكل ما يحتاجه هو النص على الباب الذي ينتمي إليه الفعل الماضي. مثلا:
"ح ل ل ـ (حَلّ) العقدة: فتحها (فانحلّت). وبابه ردّ. يقال: يا عاقد اذكر حلاً .. "
وعند ذلك يعرف القارئ أن تصريف الفعل الماضي (حلّ) مماثل لتصريف الفعل (ردّ) المنصوص عليه في مقدمة المعجم، وهو: حَلَّ يَحُلُّ حَلاً.
622ـ حذف الألفاظ العويصة والغريبة:
من المعروف أن الناس لا يستخدمون في أحاديثهم اليومية أكثر من ثلاثمائة كلمة، وهي التي اصطلح عليها بالمفردات الشائعة. أما أكبر الكتاب وأطولهم باعا في اللغة وأكثرهم اطلاعا على أوابدها وشواردها فإنه لا يستخدم في كتاباته أكثر من عشرة آلاف كلمة. ولهذا فإن المعجم الوجيز المخصص لعامة الناس من المثقفين لا تتضمن مداخله الكلمات النادرة التي لا يحتاجها مستعملوه عادة. ولذلك فإن الرازي أهمل عددا كبيرا من مداخل الصحاح ذات الألفاظ العويصة التي يصعب على الدارسين حفظها. وهذه إحدى وسائل الاختصار والتسهيل التي اتبعها وأعلن عنها في مقدمته بقوله: " واجتنبت فيه عويص اللغة وغريبها طلبا للاختصار وتسهيلا للحفظ".
وقد تكون المادة برمتها غريبة كما قد يكون أحد مشتقات المادة فقط غريبا. ففي الحالة الأولى يحذف الرازي تلك المادة. وفي الحالة الثانية يُبقي على المادة ويحذف المدخل الغريب فقط.
ومن الأمثلة على المادة الغريبة في الصحاح مادة (ب ج ر م):
" البَجارِم: الدواهي." التي حذفها الرازي،
ومادة (ج ح ل):
" الجُحال بالضم: السَمُّ. وأنشد الأحمر:
جرّعه الذَيْفانَ والجحالا
وأما الجُخالُ بالخاء فلم يعرفه أبو سعيد ... "
وأبو سعيد هذا هو أبو سعيد السيرافي شيخ الجوهري صاحب الصحاح. فإذا لم يعرفه أبو سعيد فما فائدته لعامة المثقفين؟ ولهذا تركه الرازي.
ومن الأمثلة على مداخل الصحاح العويصة الغريبة التي أهملها مختار الصحاح على الرغم من احتفاظه ببقية مداخل المادة، مدخل (طَباقاءُ) في مادة (ط ب ق):
" (طَبَاقَاءُ) ويقال: جملٌ طَباقاءُ، للذي لا يضرب.
والطَبَاقَاءُ من الرجال: العييُّ، قال جميل بن معمر:
طبقاءُ لم يشهد خصوما ولم يَقُدْ ** ركاباإلى أكوارها حين تعكفُ
ويروى "عَيَايَاءُ"، وهما بمعنىً "
623 ـ حذف المعاني العويصة والغريبة:
لا يقتصر الاختصار على حذف الألفاظ العويصة والغريبة فقط، وإنما يشمل كذلك حذف المعاني العويصة والغريبة لبعض الألفاظ. فقد يكون المدخل مشتركا لفظيا له عدة معان بعضها عويص غريب لا يحتاجه القارئ المثقف، فيعمد المعجمي إلى حذفه توخيا للاختصار.
ومن الأمثلة على ذلك مدخل (الرخمة) في مادة (ر خ م) التي أورد لها الصحاح معنيين هما:
ـ "الرَخَمَةُ: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة يقال له ألأنُوق. والجمع رَخَمٌ. وهو
للجنس. قال الأعشى: يا رَخَماً قاظَ على مطلوبِ
ـ والرَخْمَةُ أيضا قريب من الرحمة، يقال: وقعت عليه رَخَمَتُهُ، أي محبته ولينه.
أبو زيد: رَخِمَهُ رَخْمةً، ورَحِمَهُ رحمةً، وهما سواء. قال الشاعر:
كأنها أمُّ ساجي الطرفِ أخْدَرَها ** مستودعٌ خَمَرَ الوَعساءِ مَرْخومُ
(يُتْبَعُ)
(/)
قال الأصمعي: أُلقيت عليه رَخْمَةُ أمّه، أي حُبُّها وإلفُها، وأنشد لأبي النجم:
مُدللٌ يشتمنا ونَرْخَمُهْ ** أطيبُ شيءٍ نَسْمُهُ ومَلْثَمُهْ ... "
أما الرازي فأهمل المعنى الثاني (أي الرخمة بمعنى الرحمة) واقتصر على المعنى الأول مختصرا، كما يلي:
ـ" الرَّخْمَةُ: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، وجمعه (رَخَم) وهو للجنس."
624 ـ حذف المعلومات الموسوعية:
إن أحد الفروق بين الموسوعة والمعجم هو اشتمال الموسوعة على أسماء الأعلام من أشخاص، وأماكن جغرافية ـ مثل البلدان والجبال والأنهار والوديان ـ، وأعياد، ووقائع حربية، وأعمال فنية وأدبية وغيرها مما يُطلق عليه عادة بالمعلومات الموسوعية. أما المعجم اللغوي فإنه يخلو من تلك المعلومات الموسوعية. (14)
وقد دأب أصحاب المعاجم التراثية على إدخال المعلومات الموسوعية فيها جريا على ما سَنّه الخليل في معجمه الرائد، كتاب العين. ويطلق اللغويون المعاصرون على هذا النوع من المعاجم اسم المعاجم الموسوعية. ولكن المعجم اللغوي البحت لا يشتمل على أية معلومات موسوعية. فمكان المعلومات الموسوعية الصحيح هو في المعلمة أو الموسوعة أو دائرة المعارف، وليس في المعجم اللغوي. وهذا ما فعله مجمع اللغة العربية بالقاهرة حينما أصدر المعجم الوسيط خاليا من أسماء الأعلام.
وكان الرازي من أوائل اللغويين العرب الذين تنبهوا إلى هذا الفرق الأساسي بين المعجم والموسوعة (أو بين المعجم اللغوي والمعجم الموسوعي) وأفاد منه في اختصار الصحاح. ولم ينتبه إلى هذه الحقيقة الهامة المعجمي الشهير مجد الدين الفيروزبادي (ت 817 هـ) الذي عاش بعد الرازي بحوالي قرن ونصف قرن من الزمان. فمعجمه (القاموس المحيط) الذائع الصيت هو،في حقيقة الأمر، خلاصة معجمه المسمى (اللامع المُعلم العُجاب الجامع بين المُحكم والعُباب) الذي كان يتألف من ستين سفرا. ولكن الفيروزبادي حذف في عملية الاختصار معظم الشواهد وأبقى على أسماء الأعلام. وليته اقتدى بالرازي وفعل العكس.
ومن الأمثلة على المعلومات الموسوعية التي أوردها الجوهري في الصحاح وأغفلها الرازي في مختار الصحاح ما يلي:
ـ "جُعْفيٌّ: أبو قبيلة من اليمن، وهو جعفي بن سعد العشيرة بن مَذحج. والنسبة إليه كذلك. قال لبيد:
قبائل جعفيٌّ بن سعد كأنما سقى جمعهم ماءَ الزعاف منيمُ
وقوله منيم، أي مهلك، جعل الموت نوما. ويقال: هذا كقولهم ثأر منيم.
ومنهم عبيد الله بن الحر الجعفي، وجابر الجعفي. "
ـ "جُحْفة: موضع بين مكة والمدينة، وهي ميقات أهل الشأم، وكان اسمها مَهيَعة، فأجحف السيلُ بأهلها، فسميت جُحفة. "
625 ـ اختصار الشواهد:
والنوع الآخر من المعلومات التي عمد الرازي إلى اختصارها هو الشواهد. ونعني بالشاهد نصا قصيرا، حقيقيا أو موضوعا، يرد فيه اللفظ المراد تعريفه. وقد استخدم المعجميون العرب الشواهدَ لأغراض متعددة أهمها:
1ـ إثبات وجود الكلمة في اللغة العربية، بدليل ورودها في بيت شعري أو مثل سائر أو قول مأثور أو نحوه.
2ـ توضيح معنى الكلمة، لأن السياق يساعد على تحديد معنى اللفظ الوارد فيه.
3ـ مساعدة القارئ على الوقوف على سلوك اللفظ النحوي عندما يستعل في نص حيّ.
إضافة إلى أن الشاهد المقتبس من القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو كبار الشعراء والأدباء يلقي أضواء كاشفة على الثقافة العربية ويثير اهتمام القارئ.
ولكن المعجميين العرب أكثروا من الشواهد أو استطردوا فيها بحيث اضطروا في أحيان كثيرة إلى شرح معنى الشاهد كله أو بعضه، لأن الشاهد أصعب من اللفظ المطلوب فهمه. ومن الأمثلة على ذلك ما مرّ علينا في الفقرة 624 حين اضطر الجوهري إلى شرح الشاهد الذي أورده من شعر لبيد.
وقد تعامل الرازي مع شواهد الصحاح بطرائق أربع:
أولا، الإبقاء على الشاهد القصير المفيد. مثلا، في مادة (س م ع):
ـ" السَّمْع: سمع الإنسان، يكون واحدا وجمعا، كقوله تعالى: (ختم الله على قلوبهم وسمعهم)، لأنه في الأصل مصدر قولك: سمعتُ الشيءَ سَمعا وسَماعا. وقد يجمع على (أسماع). وجمع الأسماع (أسامع) .. "
ثانيا، اختصار الشاهد بالإبقاء على الجزء المناسب منه. مثلا، في مادة (ع ص م) ورد في الصحاح:
"وفي المثل: (كن عصاميا ولا تكن عظاميا) يريدون به قوله:
نفسُ عصامٍ سودت عصاما
وعلّمته الكرَّ والإقداما
(يُتْبَعُ)
(/)
وصيّرته ملكا هماما ... "
أما الرازي فقد اكتفى بإيراد الشاهد على الوجه التالي:
نفس عصام سودت عصاما ** وعلمته الكرّ والإقداما
وكان بإمكانه، طبعا، أن يقتصر على الشطر الأول فقط، ولكنه آثر أن يحتفظ بالبيت كله لأن الوزن والقافية يسهلان حفظه؛ فالتقصير لا يؤدي دائما إلى التيسير.
ثالثا، إذا ذكر الجوهري عدة شواهد لمدخل واحد، فقد يكتفي الرازي بشاهد واحد منها.
ومن الأمثلة على ذلك مدخل (الغرام) الذي ورد في الصحاح على الوجه التالي:
ـ "ابن الأعرابي: الغرام: الشرّ الدائم والعذاب. قال بشر:
ويومُ النِسار ويومُ الجفارِ ** كانا عذابا وكانا غراما
وقال الأعشى:
إن يُعاقِب يكنْ غراما، وإن يُعـ ** ـطِ جزيلا، فإنه لا يُبالي
وقوله تعالى: (إن عذابها كان غراما). قال أبو عبيدة: أي هلاكا ولزاما لهم. قال: ومنه رجل مُغرم لحب حبّ النساء. ومنه قولهم: رجل مُغرم من الغُرم والدَين ... "
في هذا المدخل من معجم الصحاح، نجد أن الجوهري أتى بثلاثة شواهد، اثنين من الشعر وواحد من القرآن الكريم. أما الرازي فقد اكتفى بشاهد واحد للاختصار، فاختار الشاهد القرآني، وهو أوضح الثلاثة وأبسطها، لأنه يفسر نفسه بنفسه، وجاء المدخل في مختار الصحاح على الوجه التالي:
ـ الغرام: الشر الدائم والعذاب. وقوله تعالى: (إن عذابها كان غراما)، قال أبو عبيدة: أي هلاكا ولزاما له. قال: ومنه رجل مُغرَم: يحب النساء، ورجل مُغرَم: من الغُرم والدَين."
رابعا، حذف الشاهد بأكمله، إذا ما شعر الرازي أنه لا حاجة له أو أنه لا يخدم الغرض الذي استخدم من أجله. ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في مادة (ر ق ع) في الصحاح:
"واسترقع الثوبُ: حان له أن يُرقَع. وأما قول أبي الأسود الدؤلي:
أبى القلبُ إلا أمَّ عمرٍو وحبَّها عجوزاً، ومَن يُحبب عجوزاً يُفنّدِ
كثوب اليماني قد تقادم عهدُه ورُقْعَتُهُ ما شئتَ في العينِ واليدِ
فإنما عني به أصله وجوهره."
أما في مختار الصحاح فنجد المدخل على الوجه التالي:
" استرقعَ الثوبُ: حان له أن يُرقَع."
لأن الشاهد الذي ورد في الصحاح لا يتعلق بـ "استرقعَ " بل بـ " رُقْعة".
626ـ حذف المصادر والمراجع:
تقتضي الأمانة العلمية ومتطلبات تيسير البحث العلمي أن يذكر المعجمي مصادره، وهذا ما دأب عليه الجوهري في المواد التي سمعها من شيوخه أو نقلها من معاجم أخرى ولم يجمعها بنفسه من الأعراب الذين شافههم في البادية. ولهذا نجد الصحاح مليئا بعبارات مثل: "قال أبو عبيدة:" و "أنشدنا أبو عمرو:" و " ابن الأعرابي أو قال ابن الأعرابي:" و" لم يعرفه أبو سعيد" و " أبو زيد:" و " قال الفراء: ".
أما الرازي فقد حذف كثيرا من هذه المصادر، لأن ما يحتاج إليه مستعمل معجمه الوجيز، مختار الصحاح، هو معنى الكلمة والمعلومات المتعلقة بها وليس اسم اللغوي الذي استقيت منه تلك المعلومات. وهذا يذكرنا بمقولة الإمام علي بن أبي طالب: " لا تنظر إلى مَن قال بل أنظر إلى ما قال." ومن أراد الوقوف على المصادر الأصلية يستطيع مراجعة الصحاح.
ومن الأمثلة على حذف الرازي للمصادر حذفه لعبارة "ابن الأعرابي:" التي ذكرناها في النقطة الثالثة من الفقرة 625.
700 ـ الخاتمة:
في هذه الورقة الموجزة لخّصنا الطرائق التي استخدمها الرازي في اختصار معجم الصحاح، وهي طرائق تقوم على تخطيط محكم وأسس علمية جعلت من معجم مختار الصحاح أشهر مختصرات الصحاح وأيسرها، ومكّنته من التفوق على جميع المختصرات الأخرى حتى تلك التي أنجزها علماء مشهود لهم بالمعرفة والخبرة مثل محمود الزنجاني.
* * *
الهوامش:
(1) لخليل بن أحمد، كتاب العين، تحقيق د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي (بغداد: دار الرشيد للنشر، 1980) ج 1، ص 47، من مقدمة الخليل.
(2) ياقوت، معجم الأدباء (بيروت: دار الفكر، 1980) ج 6،ص 151 - 152.
(3) إسماعيل بن حماد الجوهري، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار (بيروت: دار العلم للملايين) ج 1 ص 33.
(4) علي بن أبي الحسن الباخرزي، دمية القصر وعصر أهل العصر، نقلا عن مقدمة المرجع السابق ص 112.
(5) عبد الملك الثعالبي، يتيمة الدهر، تحقيق مفيد محمد قمحية (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983) ج 4، ص 468.
(6) اسماعيل بن حماد الجوهري، مرجع سابق، المقدمة ص 154 - 212
(7) محمد بن أبي بكر الرازي، تفسير الرازي، تحقيق محمد رضوان الداية (بيروت: دار الفكر، 1990)
(8) المرجع السابق، ص 9.
(9) من الأمثلة غير الموفقة على اختصار المعاجم، المعجم العربي الميسر (تونس: الألكسو، 1991)، المستخلص أساسا من المعجم العربي الأساسي. فقد حذف المكلفون بإعداده كثيرا من المعلومات الأساسية الموجودة في المعجم الأصلي، بما في ذلك أسماء اللغويين العرب الذين ألفوه.
(10) محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح (القاهرة: المطبعة الأميرية، 1922) المقدمة.
(11) المرجع السابق.
(12) المرجع السابق.
(13) المرجع السابق.
(14) للوقوف على الفروق بين المعجم والموسوعة، انظر: علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم (الرياض: جامعة الملك سعود، ط2: 1991) ص 43 - 44.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:42 ص]ـ
الإطناب في اللغة والبلاغة حدوده ـــ أقسامه وأغراضه
د. ياسين الأيّوبي
1 - تعريفه:
أ-في اللغة: جاء في لسان العرب أن الإطناب هو: البلاغة في المنطق والوصف، مدحاً كان أو ذمّاً. وأطنب في الكلام: بالغ فيه. والإطناب: المبالغة في مدح أو ذم والإكثار فيه.
وقال ابن الأنباري: أطنب في الوصف، إذا بالغ واجتهد. وأطنبت الريح: إذا اشتدت في غبار (1).
وأصل الإطناب (بالكسر) من: الطُّنْب والطُّنُب، وهما معاً: حبل الخباء والسرادق ونحوهما. والجمع: أطناب (بالفتح).
وقال ابن سيده: الطنب: حبل طويل يشد به البيت والسرادق. وطنبه: مده بأطنابه وشده (2).
ب-في الاصطلاح البلاغي: الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة (3). هذا هو التعريف البلاغي المختصر. ولو شئنا التوسع قليلاً لقلنا: إن الإطناب باب بلاغي قديم قدم الإيجاز، ارتبط به ارتباط العضو بالعضو يتتامان ليؤلفا هيئة أدبية سوية البنية والملامح ... فقد وصفه الجاحظ، ولم يسمه، في ذكره فضائل الصمت والكلام الموزون، يقال في موضعه (4).
ثم ذكره صراحة عندما عرض لحاجات الكلام ومنطقه، رافضاً الفضول والتكلف فقال: هناك أبواب توجب الإطالة وتحوج إلى الإطناب. وليس بإطناب ما لم يجاوز مقدار الحاجة، ووقف عند منتهى البغية (5).
ووصفه أبو العباس المبرِّد (ت 286هـ/ 899م) بالكلام المفَخِّم، في مقابل: الاختصار المفهم، والإيماء البيِّن، واللمحة الدالة (6).
"وقيل لعمرو بن العلاء (ت 154هـ/ 770م) هل كانت العرب تطيل؟ قال: نعم؛ كانت تطيل ليسمع منها، وتوجز ليحفظ عنها" (7).
ج-الربط بين التعريفين اللغوي والبلاغي:
لو قارنا تعريف اللسان، بتعريف البلاغيين القائل: (الإطناب زيادة اللفظ على المعنى لفائدة) لما وجدنا خلافاً. لأن القولين يرميان، من وراء الزيادة اللفظية إلى الفائدة.
و (المبالغة في المدح أو الذم)، من شروط التصوير الفني الأدبي، لأنه لا يصح في الأدب، أن يوصف الممدوح أو المهجو بما فيهما من معالم التمييز الإيجابي أو السلبي، من دون زيادة أو نقصان. إذاً لانتفى دور الأدب وجماله وتأثيره في النفوس. حتى قول المعجم عن (إطناب الريح واشتدادها في غبار)، يصب في هذه الغاية الجمالية التي ينتهي إليها الإطناب. لأن "الغبار" في النهاية هو الدليل الحسي على اشتداد الريح وقسوتها.
والذي يزيد في توضيح صورة الإطناب، تفريق البلاغيين بينه وبين التطويل الذي عدوه زيادة لفظية، من غير فائدة. فقال أبو هلال العسكري (ت 395هـ/ 1004م):
الإطناب بلاغة؛ والتطويل عِيٌّ. لأن التطويل بمنزلة سلوك ما يبعد جهلاً بما يقرب. والإطناب بمنزلة السلوك طريق بعيد نزه يحتوي على زيادة فائدة (8).
"ومن أوفى الشواهد دلالة على فائدة الإطناب، وحسنه، تكرار آية: [فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان] من سورة الرحمن، إحدى وثلاثين مرة، لأنه سبحانه وتعالى، عدَّد فيها نعماءه وأذكَر عباده آلاءه، ونبههم على قدرها، وقدرته عليها، ولطفه فيها؛ وجعلها فاصلة بين كل نعمة وأخرى ليعرف موضع ما أسداه إليهم منها" (9).
2 - أقسامه أو أنواعه:
أ-الإطناب في الجملة الواحدة:
وهو في معظمه لا يتعدى إطاري الحقيقة والمجاز.
1 - إطناب الحقيقة:
وهو ما يزاد الكلام فيه لشرح ما هو معروف فيظن السامع أنه زيادة لا حاجة إليه، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، لأن ما زيد في هذا الصدد يقال في كل شيء يعظم مناله، ويعز الوصول إليه، فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه، دلالة على نيله والحصول عليه (10).
مثل قولهم: رأيته بعيني، وبأم عيني، وقبضته بيدي وذقته بفمي. فالمعروف أن الرؤية لا تكون إلا بالعين، والقبض لا يكون إلا باليد .. وهكذا. ولكن عظم الأمر يستدعي مزيداً من التأكيد والاطمئنان، فيُعمد إلى هذه الإضافات التي ليست أكثر من معان أضيفت إلى نفسها، ليتم الوصول إلى قلب المعنى العزيز الجانب. كقوله تعالى لمن افترى عليه بالقول [ذلكمْ قولُكُمْ بأفواهكمْ].
2 - إطناب المجاز:
قرَّظه ابن الأثير وعظَّمه فقال:
"وهذا موضع من علم البيان كثيرة محاسنه، وافرة لطائفه. والمجاز فيه أحسن من الحقيقة، لمكان زيادة التصوير في إثبات وصف الحقيقي للمجازي، ونفيه عن الحقيقي" (12).
(يُتْبَعُ)
(/)
كقوله تعالى:) فإنَّها لا تَعْمَى الأبصارُ ولكن تَعْمَى القلوبُ التي في الصدور ((13) "ففائدة ذكر الصدور" ههنا أنه قد تُعُورف وعُلم أن المعنى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تُصاب الحدقة بما يَطمس نورها، واستعمالها في القلب تشبيه ومثل. فلما أريد إثبات ما هو خلاف المتعارف من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة، ونفيه عن الأبصار، احتاج هذا الأمر إلى زيادة تصوير وتعريف، ليتقرر أن مكان العمى إنما هو القلوب، لا الأبصار" (14).
ب-القسم الثاني، الإطناب في الجمل المتعددة:
ويتضمن أربعة أشكال، فصَّلها ابن الأثير وشرحها بعناية ..
1 - ذكر الشيء والإتيان به بمعان مختلفة:
إلا أن كل معنى يختص بشيء ليس للآخر وقد استعمله أبو تمام في مواضع كثيرة، كقوله من قصيدة في رثاء القاسم بن طوق (15):
زكيٌّ سجاياهُ تضيف ضيوفُهُ
ويُرجى مرجِّيه ويسأل سائلُهْ
فالفكرة العامة تدور على عظمة الممدوح وقوة عطائه. ولكن الشاعر نَفَذ إلى ما وراء ذلك، عارضاً لصور ومعان أخرى، يتوهمها السامع أنها مكررة، وهي في الحقيقة لازمة لفائدتها في تجميل الصورة العامة وتعميق الفكرة الرئيسة.
ومعنى البيت بصورة تفصيلية: أن ضيفه يستصحب معه ضيفاً طمعاً في كرم مُضيفه؛ ويعطي السائل عطاء كثيراً يصير به معطياً. ومعنى "يرجَّى مُرجِّيه": إذا تعلق به رجاء راج فقد أيقن بالفلاح والنجاح حتى يصبح هذا الأخير موضع رجاء الآخرين، لمكان رجائه الممدوح. وهذا أبلغ الأوصاف الثلاثة (16).
2 - النفي والإثبات:
وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي، ثم يذكر على سبيل الإثبات، أو بالعكس.
شرط أن يكون في أحدهما زيادة ليست في الآخر، وإلا عُدَّ تكراراً. كقول الحق المبارك: [لا يَسْتأذنُكَ الذين يؤمنون بالله واليوم الآخرِ أن يُجاهِدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليمٌ بالمتَّقين* إنما يَسْتأذِنُكَ الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارْتابَتْ قلوبُهُم فهم في ريبهم يتردَّدون] (17).
فقد ذكر الشيء منفياً، ثم ذكره مثبتاً، لوجود الفائدة في الذكر الثاني، وهي تأكيد المعنى الأول المنفي، فقد نفى ربُّ العزة استئذان المؤمنين للنبي بالجهاد وأثبت ذلك بالنسبة للملحدين المُشكِّكين.
"والمعنى في ذلك سواء. إلا أنه زاد في الآية الثانية قوله:) وارْتابَتْ قلوبهم فهم في ريبهم يترددون (ولولا هذه الزيادة لكان حكم هاتين الآيتين، حكم التكرير" (18).
3 - ذكر المعنى الواحد تاماً، ثم يضربُ له مثال من التشبيه:
قال عنه ابن الأثير "هذا الضرب من أحسن ما يجيء في باب الإطناب" (19) كقول أبي عبادة البحتري متغزلاً:
ذات حسن لو استزادت من الحسـ
ـن إليه لما أصابت مزيدا
فهي كالشمس بهجة، والقضيب اللَّـ
ـدْنِ قدَّاً، والريم طرْفاً وجيدا (20)
البيت الأول كاف لبلوغ الغاية في الحسن؛ ومع ذلك فقد جاء الشاعر، في البيت الثاني، بتشبيهات ليزيد السامع تصويراً وتخيلاً.
ومثل ذلك قول البحتري أيضاً- من قصيدة يمدح فيها الفتح بن خاقان:
تنقَّل في خُلقي سؤدد
سماحاً مرجَّى وبأساً مَهيبا
فكالسيف إن جئتَهُ صارخاً
وكالبحر إن جئته مستثيبا (21)
فالبيت الأول تضمن معنيين رئيسيين بارزين هما الكرم والقوة. فجاء البيت الثاني ليصور ذلك تصويراً جمالياً كان التشبيه حليته وزينته، بعد أن كان المعنى عارياً تماماً في البيت السابق .. وفي ذلك وجه آخر من وجوه الحسن في الإطناب.
4 - استيفاء معاني الغرض المقصود من الكلام:
كقول الشاعر المخضرم حميد بن ثور الهلالي (ت 30هـ/ 650م) واصفاً ذئباً:
يَنامُ بإحدى مُقلتَيه ويتَّقي
بأخرى، المنايا، فهو يقظان هاجعُ (22)
فالبيت مكتمل المعنى والسياق في صدره ونصف عجزه. لكن الشاعر أراد استيفاء المعنى في خاطره وخاطر السامع، فقال، مضيفاً ومطنباً: فهو يقظان هاجع". وهذه الإضافة مفيدة على الصعيدين الفكري والبلاغي، إذ لخصت الكلام كله، والصورة كلها بهاتين الكلمتين الجامعتين: (اليقظة، والهجوع).
(يُتْبَعُ)
(/)
قال ابن الأثير عن هذا الضرب: إنه أصعب الضروب الأربعة طريقاً وأضيقها باباً لأنه يتفرع إلى أساليب كثيرة من المعاني .. (23) وضرب لنا مثلاً آخر آية قرآنية غاية في الإيجاز، وهي في وصف بستان، [فيهِ منْ كُلِّ فاكِهَةٍ زوجان] شرحها ابن الأثير شرحاً إطنابياً فقال: جنَّة علت أرضها أن تُمسك ماءً وغنيت بينبوعها أن يستجدي سماء، وهي ذات ثمار مختلفة الغرابة، وتربة منجبة، وما كل تربة توصف بالنجابة ... ففيها المَّشمش الذي يسبق غيره بقدومه ... وفيها التفاح الذي رقَّ جلده وتورَّد خدُّه ... وفيها العنب الذي هو أكرم الثمار طينة ... وفيها الرمان الذي هو طعام وشراب ... وفيها التين الذي أقسم الله به تنويهاً بذكره .. وفيها من ثمرات النخيل ما يُزهى بلونه وشكله .. الخ (24).
ج-القسم الثالث: الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني:
كان للقزويني (ت 739هـ) دور هام في وضع القواعد شبه النهائية لعلوم البلاغة ومصطلحاتها، فأسهم في الإضافة والتفريع والترسيخ الأمر الذي جعل البلاغيين المحدثين يعتمدون تقسيماته وتعريفاته التي كانت هي حصيلة التطور النظري للبلاغة العربية خلال العصور السابقة.
وهكذا وجدنا الدارسين المعاصرين يتناولون الإطناب وفقاً لتقسيمات القزويني، على شيء من الاختلاف، لجهة التنويع، فكان له ولهم الأنواع الآتية:
1 - الإطناب بالإيضاح بعد الإبهام:
ليُرى المعنى في صورتين مختلفتين؛ أو ليتمكن في النفس أفضل تمكن، ويكون شعورها به أتم (25). كقوله تعالى:) وإنَّ لكُمْ في الأنْعام لَعِبْرةً نَسْقيكُمْ مما في بطونه من بين فَرْثٍ ودَم لَبَنَا خالصاً سائغاً للشاربين ((26).
فقد ذكر المعنى العام وهو (العبرة)، غير الواضح، ثم أعقبه بشرح وتوضيح لا لبس فيه ولا غموض. كان التوضيح على مرحلتين: الأولى هي (سُقيا البطون) والثانية: (اللبن السائغ) الذي يخرج من موضع دقيق لا يكاد يعرفه إلا الطبيب الجراح المختص، تماماً كخلق الإنسان، في قوله تعالى:) من ماءٍ دافقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبْ ((27). فتأمل فائدة هذا الإطناب التوضيحي، وأهميته في شرح جوامع الكَلِمَ.
2 - إطناب التوشيع:
ومعنى التوشيع اللغوي لف القطن بعد ندفه. وهو أن يؤتى في سياق الكلام، وبخاصة الشعر، بمثنى مفسر باسمين، أحدهما معطوف على الآخر. ومنه قول عبد الله بن المعتز (ت 296هـ/ 908م):
سقتني في ليل شبيه بشعرها
شبيهة خديها بغير رقيب
فما زلت في ليلين: شعر وظلمة
وشمسين: من خمرٍ ووجهِ حبيب (28)
فالبيت الثاني، يتضمن ذكر لليلين فسرهما الشاعر بالشَّعر والظلمة، وكذلك عجز البيت نفسه، تضمن ذكراً لشمسين، مفسرين بالخمر ووجه الحبيب.
3 - إطناب الخاص بعد العام أو العكس:
بالنسبة إلى الوجه الأول، يكون الإطناب للتنبيه على فضل المذكور أولاً، حتى كأنه ليس من جنسه "تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات" (29) كقوله جلَّ وعلا: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى] (30). فالحفاظ على الصلوات، يتضمن حكماً الصلاة الوسطى. لكن الباري آثر التخصيص، بعد التعميم، للتنبيه على فضل المخصَّص وهو هنا الصلاة الوسطى (أي صلاة العصر) كونها حلقة اتصال بين صلاتي السُّحور والعشاء.
أما الجانب الثاني أي، ذكر العام بعد الخاص، فكقوله تعالى، ذاكراً أيام الصوم المتوجبة على الحاج والمعتمر غير القادرين على الصدقة والتضحية في الحج: [ ... فَمَنْ لم يَجِدْ فَصيامُ ثلاثة أيامٍ في الحجِّ وسبعةٍ إذا رَجَعْتُم تلك عشرة كاملة] (31).
4 - إطناب التكرير:
فصَّل القزويني أغراض هذا النوع فذكر منها خمسة، نلخصها على الوجه الآتي:
*النكتة؛ وهي هنا الفكرة اللطيفة المؤثرة في النفس (32)، كتأكيد الإنذار في قوله تعالى:) كَلاَّ سوف تعلمون، ثم كَلاَّ سوف تعلمون ((33). ففي التكرار إنذار مُبين أشد وأبلغ مما لو اكتفي بالآية الأولى.
*زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة، ليحصل قبول المتلقي لما يقال له أو يخاطب به كما في قوله تعالى:) وقال الذي آمن: يا قومِ اتَّبعونِ أهْدكُمْ سبيلَ الرَّشاد، يا قومِ إنما هذه الحياة الدنيا مَتاعٌ وإنَّ الآخرة هي دارُ القَرار ((34).
(يُتْبَعُ)
(/)
*طول الكلام، زيادة في التأثير النفسي المطلوب، كقول الحق تبارك: [ثمَّ إنَّ ربَّكَ للَّذين هاجروا من بعد ما فُتِنوا، ثمَّ جَاهَدوا وصَبَروا، إنَّ ربَّكَ من بعدها لَغفورٌ رحيم] (35). الفتنةُ ههنا، بمعنى الابتلاء والاختبار.
*تَعدُّد المتعلَّق، لتنوع الغرض الذي يبرز من خلال كل قول مكرَّر. وخير مثال على ذلك تكرار قول الله تعالى) فبأيِّ آلاءِ ربِّكُما تُكَذِّبان (ثلاثين مرة في سورة الرحمن لأنه كان في كل مرة يذكر عَقِبَ نعمة جديدة من نِعَم الله على الإنسان.
*الزَّجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات. نحو قوله تعالى) وَيْلٌ يومئذٍ لِلْمُكَذِّبين (المتكرر عشر مرات في سورة (المُرسلات) "لأنه تعالى، ذكر قصصاً مختلفة، وأتبعَ كل قصة بهذا القول. فصار كأنه قال عقب كل قصة: ويلٌ يومئذٍ للمكذبين بهذه القصة" (36).
وهناك من جعل للتكرير أقساماً، بعضها،
*في اللفظ والمعنى معاً، نحو قولنا، هَلُمَّ! هَلُمَّ! وبعضها الآخر،
*في المعنى دون اللفظ، نحو: اصدُق معي ولا تمكرُ بي! فعدم المكر هو الصدق والوفاء.
*ومنها ما هو مفيد يأتي في الكلام توكيداً له وتسديداً لأمره، وإشعاراً بعظَم شأنه.
كقوله تعالى:) وقال اللهُ لا تَتَّخِذوا إلهَيْنِ اثْنين إنما هو إلهٌ واحد ((37).
فهو من تكرير المعنى دون اللفظ؛ والغرض منه تأكيد معنى المعدود ومنع الالتباس في شأنه.
*ومنها ما هو غير مفيد، كقول المتنبي، من قصيدة في مدح المغيث بن العجلي:
ولم أرَ مثل جيراني ومثلي
لِمثْلي عند مِثلهُمُ مقامُ (38)
ومعنى البيت: لم أر مثل جيراني في سوء الجوار وقلة المراعاة؛ ولا مثلي في مصابرتهم مع جفوتهم. فهو يشكو جيرانه ويلوم نفسه على الإقامة بينهم. فقد حذف الشاعر وأوجز، ولكن على حساب التكرار الإطنابي غير المفيد (39).
5 - إطناب الإيغال:
وهو ضرب من المبالغة في الوصف والتصوير، أو هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها (40). كقول الأعشى (ت 007هـ/ 629م):
كناطحِ صخرة يوماً ليفلِقَها
فلم يَضِرْها، وأوهى قَرْنَه الوعِلُ (41)
قال ابن رشيق (ت 456هـ) إن المثل في هذا البيت قد تمَّ بقول الشاعر:
"وأوهى قرنه فلما احتاج إلى القافية قال: "الوعِلُ" (42). فقد استخدم الشاعر نوعاً من الإيغال في القافية، لا البيت. ومثله قول ذي الرمة (ت 77 أو 117هـ/ 696 أو 735م):
قِفِ العيس في أطلال مية واسألِ
رسوماً كأخلاق الرداء المسلسل (43)
فتمَّ كلامه قبل إضافة (المسلسل) ولكنه احتاج إلى القافية، فزاد شيئاً (44)، وأطال المعنى والصورة. ومثله قول ذي الرمَّة، في القصيدة نفسها:
أظنُّ الذي يُجدي عليك سؤالها
دموعاً كتبديد الجُمان المفصَّل
فتم كلامه عند قوله: "الجمان". لكنه احتاج إلى القافية فقال: "المفصَّل" فزاد شيئاً ..
وعرَّفه قدامة بن جعفر (ت 327هـ/ 948م) فقال: الإيغال أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت تاماً من غير أن يكون للقافية في ما ذكره صنع، ثم يأتي بها لحاجة الشعر، فيزيد بمعناها في تجويد ما ذكره من المعنى في البيت، كما قال امرؤ القيس:
كأنَّ عيون الوحشِ حول خِبائنا
وأرحُلنا الجِزعُ الذي لم يُثقَبِ (45)
فقد أوفى الشاعر التشبيه قبل القافية، لأن عيون الوحش شبيهة بالجزع. ولكن إضافة القافية "لم يثقَّب" جعلت الشاعر يوغل في الوصف وتوكيده، فإن عيون الوحش غير مثقبة وهي بالجزع الذي لم يثقب أدخل في التشبيه (46).
ومن هذا القبيل، قول الخنساء (ت 24هـ/ 646م) ترثي أخاها صخراً:
وإنَّ صَخراً لتأتمُّ الهُداةُ به
كأنَّه عَلَمٌ في رأسه نارُ (47)
لم ترض أن تشبهه بالعلم الذي هو الجبل المرتفع المعروف بالهداية، حتى جعلت في رأسه ناراً (48).
6 - إطناب التذييل:
معناه إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد بعينه ليظهر لمن لم يفهمه، ويتأكد عند مَن فَهِمَهُ، كقول الشاعر ربيعة بن مقروم الضبِّي (ت 16 هـ/ 637م):
فَدعَوا نَزالِ فكنت أوَّل راكبٍ
وعلام أركبُهُ إذا لم أنْزل؟ (49)
فالمصراع الأول مكتمل المعنى. لكن الشاعر لم يكتف بذلك، بل ذيل به مصراعاًُ آخر، توضيحاً للمعنى وتأكيداً، ومثله قول الشريف الرضي متغزلاً:
قمرٌ إذا استَخْجَلتَهُ بعتابِهِ
لبس الغروبَ ولم يعُد لِطلوعِ
أبغي رضاهُ بشافعٍ من غيره
شرُّ الهوى ما رمته بشفيعِ (50)
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد استوفى المعنى في صدر البيت الثاني. لكنه ذيله في العجز تحقيقاً لمزيد من الفهم والتوضيح وقد جعله بعضهم أحد مواضع البلاغة الثلاثة: الإشارة والمساواة والتذييل، لأن فيه موقعاً جليلاً ومكاناً شريفاً خطيراً يزداد بهما المعنى انشراحاً والمقصد إيضاحاً. ومن الأمثلة الشعرية الدالة على إطناب التذييل، قول أبي نواس يمتدح الخليفة العباسي الأمين:
عَرمَ الزمانُ على الذين عَهِدتُهُمْ
بكِ قاطنينَ، وللزمانِ عُرامُ (52)
المعنى مستوفى في صدر البيت. والعجز المذيَّل جعل منه ما يشبه الحكمة عندما أكَّد شدَّة الزمان وثباتها على الأيام.
ومن البلاغيين القدامى، من جعل التذييل إضافة جملة يذيل بها الكلام ليتحقق بها ما قبلها، فقسمه أو قسم الجملة المذيلة قسمين:
1 - قسم لا يزيد على المعنى الأول، وإنما يؤتى بها للتأكيد والتحقيق.
2 - قسم يخرجه المتكلِّم مخرج المثل السائر ليحقق ما تضمن الكلام السابق من زيادة المعنى. كقوله تعالى:) إنَّ اللهَ اشترى من المؤمنينَ أنفسَهُمْ وأموالَهُمْ بأنَّ لهم الجنَّةَ، يُقاتلون في سبيل الله فيَقْتلون ويُقتلَون وعْداً عليه حقَّاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومَنْ أوفَى بعهدِهِ من اللهِ، فاسْتَبْشِروا بِبَيْعِكُمُ الذي بايَعْتُمْ به ((53) فهذه الآية الكريمة تضمنت القسمين من التذييل. أحد القسمين قوله تعالى:) وعْداً عليه حقَّاً (فقد تم الكلام. ثم أتى سبحانه، بهذه الآية تحقيقاً لما سبق. والقسم الآخر قوله تعالى:) ومَنْ أوفى بعَهْدِهِ مِن الله (، فخرج هذا الكلام مخرج المثل السائر لتحقيق ما تقدمه (54).
ومن أجود ما يصح شاهداً بلاغياً على إطناب التذييل، قول ابن نباتة السعدي، من شعراء البلاط الحمداني في القرن الرابع، مادحاً سيف الدولة:
لم يبق جودك لي شيئاً أؤمله
تركتني أصحب الدنيا بلا أمل (55)
فصدر البيت مكتمل المعنى، وليس العجز إلا تذييلاً حسناً، زاد في جمال المعنى وحقيقته ..
7 - إطناب التكميل أو الاحتراس:
وهو أن يؤتى به في كلام يوهم خلاف المقصود، بما يدفعه (56) وهو ضربان: ضرب يتوسط الكلام، كقول طرفة بن العبد يمدح قتادة بن مسلمة الحنفي:
فسقى بلادكَ –غير مفسدها،
صوب الغمام وديمة تهمي (57)
فجملة: "غير مفسدها" أكملت المعنى وحالت دون الوقوع في وهم غير مقصود، وهو ضرر مطر الربيع للديار؛ وإذا المطر نافع. ولهذا السبب سمى هذا النوع: احتراساً، كقوله تعالى:) فسَوْفَ يأتي اللهُ بقومٍ يُحبُّهمْ ويُحبُّونَهُ، أذلَّةٍ على المؤمنين، أعِزَّةٍ على الكافرين ((58) يقول القزويني، شارحاً:
فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلَّة على المؤمنين؛ لتوهم أن ذلتهم لضعفهم، فلما قيل: "أعزَّة على الكافرين" علم أنها منهم تواضع لهم، ومعنى ذلك أن هؤلاء القوم، مع شرفهم، وعلو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين، خافضون لهم أجنحتهم (59).
ومثله قول ابن الرومي، فيما كتب إلى صديق له: إني وليُّك الذي لا يزال تنقاد إليك مودته عن غير طمع ولا جزع، وإن كنت لذي الرغبة مطلباً، ولذي الرهبة مهرباً (60).
ففي قول ابن الرومي كما نرى احتراسان متعاقبان، الأول، في قوله: "عن غير طمع ولا جزع" لأنه أزال توهم المودة الانتفاعية المتخوفة .. والثاني، في قوله: "وإنْ كنت" وما بعدها، لأنه بدَّد ما قد ينشأ في الاحتراس الأول، من شعور بانتفاء دوافع الرغبة والرهبة لدى الناس .. ونرى أن هذا الشاهد من أفضل الأمثلة على إطناب التكميل أو الاحتراس.
ومن هذا النوع قول الشاعر السعودي المعاصر الأمير عبد الله الفيصل:
والنار تعشق، إن تَغِب، فإذا دنت
بك فرَّ من رمضائها الموؤودُ (61)
فالاحتراس من جعل النار معشوقة، اقتضى استكمال المعنى باستدراك لطيف، هو "إنْ تَغِبْ". ومثله، للشاعر نفسه، مكملاً ومحترساً مرتين، على طريقة الاستدراك:
قد ساءلتْ من أنتَ؟ قلتُ أنا الذي
قضَّيتُ عمري –مُدنفاً- أهواكِ
أرنو إليك –على بعادِك- مثلما
يرنو الحزينُ الساطعُ الأفلاكِ (62)
ونختم الكلام على التكميل أو الاحتراس، بإيراد شاهدين معبرين يزيدان في تعريفهما وتحديد ملامحهما، الأول: بيت شعري للشاعر الإسلامي التابعي كعب بن سعد الغنوي:
حليمٌ إذا ما الحلم زيَّن أهلهُ
مع الحلم في عين العدو مهيبُ (63)
(يُتْبَعُ)
(/)
البيت في رثاء أخيه أبي المغوار، وقد نعته بالحلم وهو الرويّة والحكمة. وصفة محمودة كهذه توهم أنه لا يهابه أحد، حتى أعداؤه. فأردف الشاعر بالقول: إنه مع ذلك يخافه الأعداء ويتهيبونه. وهذا إطناب احتراسي جيد.
والشاهد الثاني: بيت لأبي الطيب، مادحاً علي بن محمد بن سيَّار بن مكرم التميمي:
أشد من الرياح الهوج بطشاً
وأسرع في النوى منها هبوبا (64)
فإنه لو اقتصر على وصفه بشدة البطش لأوهم ذلك أنه عنف كله، ولا لطف عنده. فأزال هذا الوهم بالسماحة (65). وهذا من جيد التكميل والاحتراس في الإطناب.
8 - إطناب التتميم:
وهو أن يؤتى –أي التتميم- في كلام لا يوهم خلاف المقصود، بفضلة تفيد نكتة، كقول الله عزَّ وجل:) ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ على حُبِّهِ ((66). فإضافة "على حُبِّه" أتمت المعنى وزادت عليه فأفادت القارئ: أي إنهم لا يطعمون كيفما كان، بل طعاماً مشتهى وعزيزاً ..
مثال آخر، قول الشاعر:
إني على ما تَريْنَ من كِبَري
أعرف من أين تؤكل الكَتِفِ
في البيت نكتة لطيفة تحمل معنى القوة والذكاء، في المرحلة المتقدمة من السن. وهذه النكتة، كامنة في صدر البيت الذي يبدأ بجملة اسمية تقريرية، خبرها في عجز البيت. أي أني ذكي قوي، رغم كِبرَ سني، أو بالعكس: أنا كبير السن، لكنني لا أزال أحتفظ بقواي العقلية. ومثله تماماً، ولكن في اتجاه آخر، قول زهير بن أبي سلمى مادحاً هرماً بن سنان أحد أجواد عصره المشهورين:
مَن يَلقَ يوماً –على علاَّته" هَرِماً
يَلقَ السماحة منه والندى خُلُقا (67)
التتميم كامن في الفضلة "على علاَّته" التي أفادت استمرارية السجايا الكريمة في الممدوح، سجايا لا تؤثر فيها الأحداث وكثرة الانشغالات، لأنها متأصلة فيه لا يحول دونها شيء ...
ومن جيد التتميم، في النثر، قول أعرابية لرجل: كبَتَ الله كلَّ عدوٍّ إلا نفسك (68).
فالقول –على ما فيه من تمام المعنى- ناقص لأنه مطلق. وقولها: "إلاَّ نفسك" إضافة لازمة لأنها أوفَت على حقيقة الدعاء وحُسن دلالته ومساره الإنساني. فنفس الإنسان تجري مجرى العدوّ له لأنها تورطه وتدعوه إلى ما يوبقُه (69).
ومن التتميم ما يسيء إلى القصد، فيصبح إطناباً نافلاً، كقول ذي الرمَّة:
ألا يا سلمي يا دار مَيَّ على البِلى
ولا زال منهلاًّ بجرعائِكِ القطرُ (70)
يدعو الشاعر لحبيبته بالسلامة رغم ما أصاب دارها من بلى واندثار. لكنه في العجز، أو هي كما لو أنه يدعو عليها لأن استمرار انهمار المطر على التربة والنبات يفسدهما، فأساء إلى المعنى المقصود من حيث لم يدر ..
9 - الإطناب بالاعتراض:
وهو أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين كلامَين متصلين معنى، بجملة أو أكثر، لا محل لها من الإعراب، لنكتة سوى ما ذكر في تعريف التكميل (71).
*ومن وجوه الاعتراض ههنا، التنزيه والتعظيم كما في قوله تعالى:) وَيجعلونَ للهِ البناتِ، سُبْحَانَه، ولهم ما يَشْتَهون ((72). فقد اعترضت جملة: "سبحانه سياقَ الآية، تنزيهاً لذات الإله من نسبة الولد إليه، أو تعجباً من قولهم (73).
*ومن وجوهه التنبيه، كما في قول الشاعر:
واعْلَم –فعلمُ المرء ينفعُهُ-
أنْ سوف يأتي كلُّ ما قُدِرا (74)
فالجملة الاعتراضية في الصدر، تنبيه مفيد، يزيد في عمق الوعظ الشعري وترسيخ مغزاه الحكمي.
*ومن وجوهه التكريم، كما في قول المتنبي مادحاً كافوراً في بائيته: "كفى بك داءً":
وتحتقرُ الدنيا احتقارَ مجرِّبٍ
يرى كل ما فيها، وحاشاك، فانيا
شرح العكبري هذا البيت فقال: أنت عظيم القدر. فلهذا تحتقر الدنيا احتقار من جربها وعرفها، وعلم أنها فانية، ولا يبقى إلا ذكر الجميل بين الناس .. "وحاشاك": من أحسن ما خوطب به في هذا الموضع، والأدباء يقولون: هذه اللفظة حشوة، ولكنها حشوة فستق وسكر؛ ومثلها في الحشوات قول عوف بن المحلَّم الشيباني:
إنَّ الثمانين –وبلِّغْتَهَا-
قد أحوجَت سمعي إلى تَرجُمان (75)
فقد اعترضت "وبلِّغْتَهَا" صدر البيت لفائدة كبيرة ما أحوج السامع إليها لأنها تحدث فيه هزة التنبيه أو الانتباه لما يرمي إليه الشاعر من تأكيد الكِبَر والشيخوخة.
*ومن وجوهه المعروفة التخصيص بزيادة التأكيد، كقول الحق تبارك:) ووصَّيْنا الإنسانَ بوالديه، حَمَلَتْه أمُّهُ وَهْناً على وهْن، وفِصالُهُ في عامَيْن، أنِ اشْكُرْ لي ولوالديكَ ((76).
(يُتْبَعُ)
(/)
في الآية اعتراض ضمني يقع في جملة "حمَلَتهُ أمُّهُ وهْناً على وهْن" وهذا يعني تخصيص حق الأم في التوصية الربَّانية، وما ذكرها هنا إلا من قبيل ما يقوله الفقهاء في أن لها من عمل الولد قبل الحُلْمِ جلُّه وهو مما يفيد تأكيد حقها، والله أعلم (77).
ومن الناس من لا يقيد فائدة الاعتراض بما ذكرناه، بل يجوّز أن تكون دفع توهُّم ما يخالف المقصود. وهؤلاء فرقتان، واحدة لا تشترط فيه أن يكون واقعاً في أثناء الكلام، وفرقة تشترط ذلك (78).
وقد تبسَّط القزويني في شرح وجوه الاعتراض مما لم نرَ فيه صورة للوقوف عنده كالمطابقة مع الاستعطاف، والتنبيه على أمر غريب، ومجيء معنى مستقل بين كلامين مستقلين، قد يأتي المعنى في جملة واحدة أو أكثر من جملة، أو يأتي الاعتراض بغير واو ولا فاء أو يأتي بأحدهما ... (79). ليخلص إلى القول الجامع المركَّز: "ووجهُ حُسْن الاعتراض على الإطلاق: حُسْنُ الإفادة، مع أن مجيئه مجيء ما لا معوَّل عليه في الإفادة. فيكون مَثَله مَثَل الحسنة تأتيك من حيث لا تَرتَقبها" (80).
وفي كلمة أوجز وأعمَّ، نقول إن الإطناب معنى كبير عرَّفناه في مطلع هذه المادة (بزيادة لفظية لفائدة .. ) تفرَّع هذا المعنى واتسع فاتخذ أشكالاً ووجوهاً وسماتٍ متعددة تداخل بعضها ببعض وتشابه، وفي بعض الأحيان اختلط وتشابك، ولا سيما الأنواع الخمسة الأخيرة التي اعتمدها القزويني ومن بعده، وهي: الإيغال، والتذييل، والتكميل أو الاحتراس، والتميم، والاعتراض؛ فهي شديدة التداخل والتشابه فيما بينها حتى ليصعب على الدارس في كثير من الأحيان التفريق بينها فيما عدا الأمثلة التي أعطيت لكل واحد منها، وهي مع ذلك –أي الأمثلة- يمكن نقلها من موقع إلى آخر. فتخدم الغرض الذي وضعت فيه دونما اختلاف يذكر بين ما كانت فيه وما نقلت إليه. ولعل الدارسين البلاغيين القدامى قصدوا من وراء هذه التقسيمات والتفريعات إيفاء الإطناب كلَّ ما يحتاجه من شرح وتمثيل.
الحواشي:
(1) لسان العرب، دار صادر-بيروت جـ1/ 562 (طنب).
(2) نفسه/ 561.
(3) المثل السائر، جـ 2/ 344.
(4) البيان والتبيين 1/ 194 - 195. وفي ص 201 ذم للإسهاب المتكلف، والخطل والتزيد ..
(5) الحيوان 6/ 5 - 7.
(6) الكامل في اللغة. دار الفكر العربي، القاهرة جـ 1/ 27.
(7) كتاب الصناعتين/ ص 211.
(8) نفسه/ 210 - 211.
(9) نفسه/ 213.
(10) المثل السائر 2/ 346.
(11) سورة الأحزاب/ 4.
(12) المثل السائر 2/ 350.
(13) سورة الحج/ 46.
(14) المثل السائر 2/ 350.
(15) ديوان أبي تمام-شرح وتعليق د. شاهين عطية، دار صعب. بيروت- لا. ت. ص 337.
(16) المثل السائر 2/ 352.
(17) سورة التوبة/ 44 و 45.
(18) المثل السائر 2/ 353.
(19) نفسه/ 354.
(20) ديوان البحتري جـ 1/ 591، من قصيدة يفتخر فيها بقومه. وقد أورد ابن الأثير البيت الثاني على شيء من الاختلاف عما في رواية الديوان.
(21) ديوانه 1/ 151.
(22) "تفسير أرجوزة أبي نواس" صنعة ابن جني. تحقيق محمد بهجة الأثري. مجمع اللغة العربية بدمشق، الطبعة الثانية/ ص 30 - والبيت في ديوانه/ 105.
(23) المثل السائر 2/ 355.
(24) نفسه 2/ 355 - 357. وقد اقتطفنا ما وسعنا من كلام ابن الأثير الذي يفيض بالمتعة والفائدة ...
(25) الإيضاح في علوم البلاغة، ص 301.
(26) سورة النحل/ 66.
(27) سورة الطارق/ 7.
(28) الإيضاح في علوم البلاغة/ ص 302 - 303. والبيتان غير موجودين في ديوانه ..
(29) نفسه/ ص 303.
(30) بعض الآية 238 من سورة البقرة.
(31) بعض الآية 196 من السورة نفسها.
(32) المعجم الوسيط جـ 2/ 950 (نكت).
(33) سورة التكاثر/ 3 و 4.
(34) سورة غافر/ الآيتان 38 و 39.
(35) سورة النحل/ 110.
(36) الإيضاح .. ص 305.
(37) سورة النحل/ 51.
(38) ديوان المتنبي –بشرح البرقوقي جـ 4/ 194.
(39) انظر مزيداً، لتفصيل ما أوردنا من التقسيمات الجديدة للتكرير، كتاب: "جوهر الكنز" لابن الأثير الحلبي (ت 737هـ/ 1336م) ص 257 - 259 فقد أورد شواهد أخرى أكثر دلالة وتوضيحاً.
(40) الإيضاح في علوم البلاغة/ 305.
(41) ديوان الأعشى، شرح وتعليق محمد محمد حسين. مؤسسة الرسالة ط7. بيروت 1983/ ص 111.
(42) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، جـ 2/ 57.
(يُتْبَعُ)
(/)
(43) ديوان ذي الرمة، المكتب الإسلامي، ط أولى سنة 1964 ص 586. والثوب المسلسل: الذي رق من البلى ولبسته حتى تسلسل. والأخلاق؛ جمع (خَلَق) وهو البالي ..
(44) العمدة 2/ 57.
(45) ديوان امرئ القيس، صنعة السندوبي، القاهرة سنة 1930 ص 27. والبيت كما يقول السندوبي لعلقمة ابن الفحل الذي غالب امرأ القيس في قصيدة بائية-فخلط الرواة بين القصيدتين حتى عز التمييز بين أبيات امرئ القيس وأبيات علقمة. والجزع (بكسر الجيم وفتحها) الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض، قد شبهت به العيون.
(46) نقد الشعر، تحقيق وتعليق د. محمد عبد المنعم خفاجي. دار الكتب العلمية. بيروت. ص 168.
(47) شرح ديوان الخنساء، دار التراث بيروت. سنة 1968، ص 27.
(48) الإيضاح .. ص 305 وفي شرح القزويني أمثلة شعرية أخرى لإطناب الإيغال ...
(49) كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب لابن الأثير الجزري. بغداد سنة 1982 ص / 179. والتعريف نفسه مأخوذ من العسكري في "الصناعتين" ص 413.
(50) عن المصدر السابق/ ص 180.
(51) كتاب الصناعتين/ ص 413.
(52) ديوان أبي نواس. شرح وتحقيق الغزالي. بيروت/ ص 607. والعرام: شدة الزمان وشراسته.
(53) سورة التوبة/ 111.
(54) جوهر الكنز، لابن الأثير الحلبي/ ص244.
(55) ديوانه /وزارة الأعلام العراقية، تحقيق عبد الأمير مهدي الطائي. سنة 1977 الجزء الأول/ ص 208.
(56) الإيضاح .. ص 310.
(57) ورد البيت في معظم المصادر والمراجع: "ديارك" بالكسر والصحيح ما ذكرنا لأنه بصدد امتداح رجل ومخاطبته.
وقبل البيت مباشرة قوله:
وأهنت، إذ قدموا، التلاد لهم
وكذاك يفعل مبتني النعم (ديوانه-صادر/88).
(58) بعض الآية 54/ من سورة المائدة.
(59) الإيضاح/ 310 - 311.
(60) نفسه/ 311.
(61) ديوانه "محروم" مكتبة الإرشاد- جدة، ودار الكتاب العربي بيروت/ ص 110.
(62) م. ن. ص 79.
(63) الإيضاح .. ص 311 وانظر جوهر الكنز / 234 وفيه ذكر للبيت وسبب التكميل فيه.
(64) شرح البرقوقي 1/ 269.
(65) الإيضاح/ 312.
(66) سورة الإنسان/ جزء من الآية 8. والتعريف من: الإيضاح .. ص 313.
(67) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، صنعة ثعلب. النسخة المصورة عن دار الكتب بالقاهرة سنة 1944/ ص 53 والعلة، ههنا معناها، الانشغال أو الحدث الكبير، ولا نظن قصد بها المرض والضعف ..
(68) الصناعتين/ 434.
(69) الصناعتين/ 434.
(70) ديوانه/ 290. والجرعاء، مؤنث الأجرع، وهو الكثير الممتد من الرمل.
(71) الإيضاح في علوم البلاغة/ 313 - 314.
(72) سورة النحل/ 57.
(73) تفسير الكشاف، للزمخشري جـ 2/ 414.
(74) الإيضاح/ ص314.
(75) شرح العكبري لديوان المتنبي جـ 4/ 290. وابن المحكم، شاعر جاهلي من أشراف العرب ت نحو 580.
(76) بعض الآية/ 14 من سورة لقمان. الوهن: الضعف الشديد. الفصال: الفطام ومنع الرضاعة.
(77) حاشية تفسير الكشاف جـ 3/ 232، للإمام ناصر الدين أحمد بن المنير الاسكندري ..
(78) الإيضاح .. ص 317.
(79) الإيضاح في علوم البلاغة/ ص 315 - 316.
(80) نفسه/ 317.
-------------------------------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 44 - السنة 11 - تموز "يوليو" 1991 - محرم 1412
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:47 ص]ـ
** البَحْر في مَعَاجم اللغة **
لـ أحمَد عبد القادر صَلاحية
إن هذا البحث عصارة لغوية، ودراسة تطبيقية مختصرة شديدة الاختصار لأطروحات ونظريات استنتجها بعض علماء اللغة العربية القدامى بسبرهم الدائم لها، وينحو إلى ضرب من الفلسفة اللغوية تتمثل في محاولة اكتناه ذاتي للجذر "بحر".
لقد تتبعت جذر المادة اللغوية "بحر" في ستة عشر معجماً لغوياً تراثياً (1)، ولم أقتصر على معجم بعينه أو معجمين، لعدة أسباب أولها: أني أردت تتبع معاني هذه المادة اللغوية تتبعاً تاريخياً، وثانيها: أني كلما فتحت معجماً جديداً وجدت معاني إضافية زائدة عن سابقه، وثالثها: أني لم أقتصر على المعاجم الموسوعية كاللسان والتاج وفيهما غناء عن سواهما لتأخرهما زمنياً، وأني أردت أن أستقي المادة اللغوية من منبعها الأصيل الصافي.
1 ـ معنى البحر:
إن للجذر "بحر" دلالات كثيرة مختلفة، غير أن ما يطلق عليه اسم البحر من الجذر ذي الدلالة المائية؛ أربعة:
أ ـ الماء الكثير العذب أو المِلْح (2).
(يُتْبَعُ)
(/)
ب ـ البحيرة الكبيرة.
ج ـ الأنهار أو الأنهار العظيمة.
د ـ البحر بدلالته الحالية.
ـ أما معنى "الماء الكثير العذب أو الملح"، فقد ذكر ابن دريد أن: "العرب تسمي الماء المِلْح والعذب بحراً إذا كثر" (3)، وذكر ابن سيده أن: "البحر الماء الكثير ملحاً كَان أو عذباً وقد غلب على الملح حتى قلَّ في العذب"، وأعاد هذا الكلام كل من (ابن منظور ـ الفيروز آبادي ـ الزبيدي).
ـ وأما معنى "البحيرة الكبيرة" فهو مستمد من قول الخليل: "إذا كان البحر صغيراً قيل له بحيرة وأما البحيرة في طبرية فإنها بحر عظيم وهو نحو من عشرة أميال في ستة أميال". وأجد صدى هذا الكلام عند الأزهري وابن منظور كليهما.
ـ وأما معنى الأنهار أو الأنهار العظيمة، فقد قال الأزهري: "قال: [أي الزجاج]: وكل نهر ذي ماء فهو بحر. قلت: كل نهرٍ لا ينقطع ماؤه مثل دجلة والنيل وما أشبههما من الأنهار العذبة الكبار فهي بحار وأما البحر الكبير الذي هو مغيض هذه الأنهار الكبار فلا يكون ماؤه إلا مِلْحاً أجاجاً ولا يكون ماؤه إلا راكداً وأما هذه الأنهار العذبة فماؤها جارٍ وسميت هذه الأنهار بحاراً لأنها مشقوقة في الأرض شقَّاً".
وقال الجوهري: "وكل نهر عظيم: بحر"، ومثله ذكر الزنجاني في تهذيبه.
وعمّم ابن فارس فقال: "والأنهار كلها بحار"، ونقل ابن منظور عن الأزهري وسواه ما قالوه.
ـ وأما معنى البحر بدلالته الحالية فهو الأغلب والأشهر، وهو المعنيّ بإطلاقه، فقد ذكره أحد أصحاب المعاجم كلهم إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولكني ـ مع هذا ـ لا أجد له تعريفاً دقيقاً في معاجم اللغة فقد اكتفى كل من ابن دريد وابن فارس والحميري بالقول: "البحر: معروف"، أو أعثر على شذرات قليلة إذ اقتصر الفارابي على قوله: "البحر نقيض البر"، ومثله الجوهري فقد قال: "البحر خلاف البر"، وكذلك فرّق الأزهري بين النهر العظيم الذي يسمى بحراً والبحر ـ الفقرة السابقة ـ.
غير أن المهم حقاً هو ذلك الرأي المتفرّد الذي ينقله الزبيدي عن شيخه أن البحر هو الأرض التي فيها الماء أو محلّ الماء وليس هو الماء نفسه، يقول: "قال شيخنا: في قوله الماء الكثير، قيل: المراد بالبحر الماء الكثير كما للمصنّف، وقيل المراد الأرض التي فيها الماء ويدلّ له قول الجوهري: لعمقه واتساعه، وجزم في القاموس بأن كلام المصنف على حذف مضاف وأن المراد محل الماء، قال: بدليل ما سيأتي من أن البر ضد البحر، ولحديث: "هو الطهور ماؤه"، يعني والشيء لا يضاف إلى نفسه، قال شيخنا: ووصفه بالعمق، والاتساع قد يشهد لكل من الطرفين".
وأما سائر أصحاب المعاجم المدروسة هنا فلا أجد لديهم أي تعريف للبحر.
2 ـ سبب تسميته:
قد احتفل علماء العربية كثيراً بتبيين سبب وقوع الاسم على المسمى وقد حظي هذا المسطح المائي الذي يحيط باليابسة بتعليلات خمسة لتسميته بالبحر:
أولهما: السعة، يقول ابن فارس في المجمل: "سمّي بذلك لاتساعه"، (الحميري ـ الفيوّمي).
ثانيها: الانبساط، يقول الخليل: "سمي به لاستبحاره وهو انبساطه وسعته"، (الأزهري ـ ابن فارس في المقاييس ـ ابن منظور ـ الزبيدي).
ثالثها: العمق، يقول الجوهري: "يقال سمّي بحراً لعمقه واتساعه"، (الزنجاني ـ ابن منظور ـ الزبيدي).
رابعها: الملوحة، ينقل ابن منظور عن ابن برّي قوله: "وسمّي بحراً لملوحته"، (الزبيدي).
خامسها: الشق، يقول الأزهري: "سمي البحر بحراً لأنه شقّ في الأرض شَقَّاً، وجعل ذلك الشق لمائه قراراً، والبحر في كلام العرب الشق، ومنه قيل للناقة التي كانوا يشقُّون في أذنها شقاً بحيرة". (ابن منظور ـ الزبيدي).
هذه هي التعليلات الخمسة التي ذكرها اللغويون الأوائل ونقلها عنهم المتأخرون من دون كبير تمحيص أو تدقيق أو مراجعة سوى الفيروز آبادي الذي يتفرّد برأيه النافذ وإشارته المضيئّة فلم يذكر في القاموس المحيط سبب تسمية البحر، ولم يعلّل ذلك بل على العكس تماماً، فإنه ـ كما يتراءى لي من استقراء كلامه ـ يرى أن هذه التعليلات إن هي إلا معان مجازية مستنبطة منه طارئة عليه، وذلك فيما نقله الزبيدي في تاج العروس عن الفيروز آبادي في كتابه البصائر، يقول: "وقال المصنف في البصائر:"وأصل البحر مكان واسع جامع للماء (4)، الكثير، ثم اعتبر تارة سعته المكانية فيقال: بحرت كذا: وسَّعته سعة البحر، تشبيهاً به: ومنه: بحرت البعير: شققت
(يُتْبَعُ)
(/)
أذنه شقاً واسعاً، ومنه البحيرة. وسموا كل متوسّع في شيء بحراً فالرجل المتوسّع في علمه بحر، والفرس المتوسّع في جريه بحر. واعتبر من البحر تارة ملوحته فقيل: ماء بحر، أي ملح، وقد بحر الماء". (5).
ولست أود الخوض في قضية نشوء اللغة وكيفية وقوع الدال على المدلول فلا طائل تحتها، غير أني أود القول إنه ليس ثمة من علاقة حقيقية بين الدال والمدلول كما أشار عبد القاهر الجرجاني في قوله إن "نظم الحروف هو تواليها في النطق، وليس نظمها بمقتضى عن معنى .. فلو أن واضع اللغة كان قد قال ربض مكان ضرب لماكان في ذلك مايؤدي إلى فساد" (6)، وكما توصل إليه حديثاً عالم اللغة السويسري دي سوسير الذي يؤكد أن "الرابط الذي يجمع بين الدال والمدلول رابط اعتباطي" (7). وإن وجدت فهي المصادفة وإن أوجدت فهي ضرب من الفلسفة اللغوية التي تحتمل الرجحان1. وهذا المسطّح المائي يسمى في العربية بحراً وفي الإنكليزية Sea وفي الفرنسية Mer.
3 ـ جمعه وتصغيره:
يجمع البحر على "أبحر وبحور وبحار"، الجوهري ـ ابن سيده ـ ابن منظور الفيومي ـ الفيروز آبادي ـ الزبيدي).
ويصغر على أُبَيْحِر" ويجوز أن يصغّر على القياس "بُحَيْر"، وإن كان قليلاً (التاج). (8).
4 ـ دراسة في معاني الجذر "بحر":
لقد لفت انتباهي في أثناء استقرائي مادة بحر في المعاجم اللغوية أن ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة يتفرد من بين اللغويين: "إذ يرى مفردات كل مادة من مواد اللغة إلى أصولها المعنوية المشتركة" (9)، وهو في الجذر "بحر"، يرجع أغلب مفرداته، المتشابهة والمجازية والمختلفة والمتناقضة أحياناً إلى أصلين هما الاتساع والداء، وهما يرجعان بمعناهما إلى البحر وصفاته.
وباستقراء جميع مفردات مادة بحر في سائر المعاجم تبدي لي أنها تنقسم ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المفردات ذات الاتصال بالبحر بدلالته المشهورة:
(بحر: فزع من البحر ـ البحار ـ البحيرة ـ تاجر بحري ـ بنات بحر: السحب).
القسم الثاني: المفردات ذات الاتصال المجازي بالبحر:
(الملوحة ـ الاتساع، الاتساع في الأشياء عامة، الرجل الكريم ـ الفرس الكثير العدو).
القسم الثالث: سائر المفردات:
كانت تلك هي المفردات المتصلة بالبحر أو المشتقة منه، والمفردات التي كان فيها المجاز واضحاً، ولم يزل ثمة الكثير من المفردات التي يصعب ردها إلى أصل أو أصلين وسأكتفي ـ هنا ـ بعرض معانيها وهي: (السل ـ العطش ـ الاصفرار ـ احمرار الأنف ـ دم الجوف أو عمق الرحم (10) ـ الأحمق ـ الكذاب ـ الفضولي ـ الفجوة ـ الشق ـ البروز بلا حجاب ـ المصادفة ـ المكان الواسع ـ القرية أو المدينة ـ الروضة ـ عظم البطن ـ المنخفض من الأرض ـ الضعف ـ الاستخبار ـ الناقة الصفية ـ شجر شائك ـ القمر ـ صنم ـ الحر ـ تغير العليل).
ويتبين من هذه الخلاصة اللغوية المكثفة تعذر انضمام سائر هذه المفردات إلى جذر أو اصل واحد أو أصلين اثنين كما ذكر ابن فارس.
وقبل أن أختم هذا الجزء من البحث أود أن أذكر أنَّ في المعاجم العربية أسماء مواضع كثيرة مشتقة من البحر من أشهرها البحرين وهي ـ قديماً ـ "موضع بين البصرة وعُمان"، (الفراهيدي)، غير أن الموضع الأهم الذي يجلو عنه غبار النسيان هو أن البحرة أو البحيرة اسم للمدينة المنورة، يقول ابن منظور:
"البحيرة مدينة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تصغير البحرة، وقد جاء في روايةٍ مكبراً".
وفي المعاجم أيضاً أسماء أعلام كثيرة يقول ابن دريد: "وقد سمت العرب بَحِيراً ـ وبُحَيْراً وبحراً وبنو بحري بطن منهم وقد سمت العرب يبحرة ـ ه الياء زائدة وهو مأخوذ من التبحر والسعة".
ومن أسماء العرب أيضاً: "بُحُر ـ بَحَر ـ بيحر ـ يبحر ـ بحره ـ بحران". (11).
ومن الأعلام المشهورين: عمرو بن بحر الجاحظ ـ وأبو بحر صفوان بن إدريس الأندلسي صاحب كتاب زاد المسافر وكذلك أبو بحر يوسف بن عبد الصمد (12)، الذي رثى المعتمد بن عباد.
وإن تغلغل لفظة "بحر" في أسماء المواضع والأعلام لهي من الدلائل على معرفة العرب البحر.
5 ـ دراسة في تقاليب الجذر "بحر":
(يُتْبَعُ)
(/)
تحاول هذه الدراسة الحاضرة الغور على تقاليب الجذر بحر وتطبيق عليها ما أطلق عليه ابن جني اسم الاشتقاق الأكبر، وليس من شك في أن هذه النظرية غير مطردة في جذور اللغة جميعها كما يدرك صاحبها ذلك (13)، غير أنه مما دفعني إلى تطبيقها هو أنها من دلائل عظمة لغتنا وأنها قد تبرز خصوصية الجذر بحر وأن عالماً هو الكفوي (ـ 1094هـ)، يؤكد انطباق هذه النظرية وتحققها في الجذر بحر، يقول: "البحر: كل مكان واسع جامع للماء الكثير فهو بحر، ثم سموا كل متوسع في شيء بحراً وفي تقاليبه معنى السعة" (14)، وبعد الدرس وتنخل معاني السعة، من هذه الجذور رتبتها حسب تطابقها مع معنى السعة واقترابها منه: ـ
آ ـ الرحب:
والمعنى الأساسي في هذا الجذر هو الاتساع، يقول ابن دريد: "والمكان الرَحْب: الواسع، وكذلك الرحيب والرحبة بتسكين الحاء وفتحها ـ الفجوة الواسعة بين دور وغيرها"، ويقول ابن فارس في المقاييس "الراء والحاء والباء أصل واحد يدل على السعة".
ب ـ البرح:
ولهذا الجذر عدة معان منها الاتساع والشدة، وقد يؤول هذا الأخير "بلطف الصنعة"، بمعنى الاتساع في الشيء.
أما المعنى الأول فيقول الفارابي: "البراح: ما اتسع من الأرض"، ويقول الجوهري " البراح بالفتح: المتسع من الأرض، لا زرع فيه ولا شجر"ويقول ابن منظور: "وأرض براح واسعة ظاهرة لا نبات فيها ولا عمران".
وأما المعنى الثاني: فيقول الأزهري:"فإن اشتدت الحمى فهي البرحاء، والبرحاء: الشدة والمشقة، وقال الأصمعي: أبرحت: بالغت لؤماً وأبرحت كرماً: أي جئت بأمر مفرط". ويقول الجوهري: "تباريخ الشوق: توهجه".
ويقول ابن فارس:"والباء والراء والحاء: أصلان يتفرع عنهما فروع كثيرة فالأول الزوال والبروز، والثاني الشدة والعظم وما أشبهها".
وعلى هذا فالجذر برح يطابق الاتساع في المعنى الأول له، ويقترب منه في معنى، الاشتداد والمبالغة والإفراط، أي اتساع الشيء وازدياده.
ج ـ الحبر:
قد تفرد الخليل بالإشارة إلى معنى الاتساع في قوله: "المِحْبار الأرض الواسعة"، ومن معاني الحبر: العالم: يقول الخليل: "الحِبْر والحَبْر: العالم من علماء أهل الدين وجمعه أحبار ذمِّياً كان أو مسلماً بعد أن يكون من أهل الكتاب"، وقال ابن منظور: "وكان يقال لابن عباس: الحبر والبحر لعلمه".
وأحسب أنه لو تناول ابن جني هذا المعنى لرده بيسر إلى معنى الاتساع في العلم.
د ـ الربح:
قال ابن فارس:"الراء والحاء والباء واحدة، يدل على شف في مبايعة"، والشف هو الفضل والربح والزيادة وقال ابن سيده: "الربح والرّبح"، النماء في التجر، وقال الحميري: "الربح: الزيادة". فهل يمكن القول: ربح أي اتسع في المال؟ ...
هـ ـ الحرب:
قال الفارابي: حرب "اشتد غضبه".
وقال ابن فارس: "والحرب معروفة واشتقاقها من الحرب وهو الهلاك، ولعلي لا أستطيع هنا سوى أن أهمس: هل يمكن القول: حرب أي اتسع في الغضب. أو أن الحرب هي اتساع المشاجرة أو العراك.
6 ـ دراسة في حروف الجذر "بحر":
قمت فيما سبق بمحاولة اكتناه معاني الجذر بحر، ومعاني تقاليبه، وما أقوم به هنا، هو محاولة اكتناه هذا الجذر نفسه بعد تشريحه وتحليله إلى وحداته الأصلية، وستقتصر الدراسة على جانبين اثنين هما: صفات أحرف هذا الجذر ومخارجها.
أولاً: صفات أحرف الجذر بحر:
في البدء لابد لي من أن أنوه بسبق علماء اللغة العربية في هذا النوع من الدرس اللغوي وأن أشيد بجهودهم الجبارة وبحوثهم المتميزة ونتائجهم القريبة مما توصل إليه علماء اللغة المحدثون بأجهزتهم الحديثة ومختبراتهم الصوتية.
وأذكر هنا انطباق صفات أحرف الجذر "بحر" ومخارجه التي ذكرها علماؤنا القدامى مع نتائج تحليل العلماء المحدثين لها. ومن صفات هذه الأحرف:
آ ـ الباء: الجهر والشدة.
ب ـ الحاء: الهمس والرخاوة.
ج ـ الراء: الجهر والشدة، أو كما ذكر ابن جني: أنها "بين بين"، والتكرار (15).
وإذا تركنا دلالة هذه الصفات الاصطلاحية وانطلقنا من دلالتها اللغوية فإننا واجدون توافقاً مدهشاً لهذه الصفات، مع صفات البحر وتصور العرب له، ففي هذا الجذر حرفان مجهوران بينهما حرف مهموس أي أن الصوت يرتفع ثم ينخفض ثم يرتفع مرة أخرى، وكذلك صوت الموج إذ يبدأ بصوت مرتفع ثم ينخفض هنيهة ثم يرتفع مرة أخرى في جزره، مواكباً حركة الموج.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي هذا الجذر أيضاً حرفان شديدان يتوسطهما حرف رخو، وهذا يعني أن معنى الشدة والصعوبة ضعف معنى السهولة والرخاوة، فهو يدل دلالة خفية على رجحان معنى صعوبة ركوب البحر على سهولته أي يدل على رجحان هيبة العرب أمام هذا المخلوق العجيب على الاطمئنان منه، وهذا يطابق نظرة العرب القدامى إلى البحر من أن هوله وشدته وهيجه أكثر من سهولته وهدوئه ويمكن برهان ذلك على ثلاثة مستويات: المستوى اللغوي والمستوى الشعري والمستوى التاريخي والإخباري، فالجذور الدالة على اضطراب البحر أضعاف الجذور الدالة على هدوئه، وصورة البحر الهائج المخيف هي الغالبة في صور البحر الشعرية وكذلك أكثر الأخبار والأحداث التاريخية.
وأما صفة التكرار فسوف أتركها للتحليل القادم.
ثانياً: مخارج أحرف الجذر "بحر":
"قال الخليل: فأقصى الحروف كلها العين ثم الحاء ولولا بحة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها من العين ... فالعين والحاء والخاء والعين حلقية لأن مبدأها من الحلق ... والراء واللام والنون ذلقية لأن مبدأها من ذلق اللسان وهو تحديد طرفي ذلق اللسان، والفاء والباء والميم شفوية وقال مرة شفهية لأن مبدأها من الشفة". (16).
وقد خالف سيبويه ترتيب الخليل في بعض الأحرف تبعه ابن جني وأغلب من جاء بعده، وقد نال حرف الحاء هذا الاختلاف في الترتيب من أحرف الجذر بحر إذ جعله سيبويه الخامس من نهاية المدرج الصوتي: الهمزة والألف والهاء والعين والحاء ... أي أنه جعل مخرجه وسط الحلق لا من أقصاه (17)، ويمكن ترتيب مخارج هذه الأحرف على النحو الآتي:
آ ـ الباء: حرف شفوي.
ب ـ الحاء حرف من أواسط الحلق.
ج ـ الراء: حرف ذلقي.
وبسبر هذه الأحرف والاكتناه المتعمق فيها تراءت للباحث هذه النتائج، فالباء حرف مخرجه من بداية المجرد الصوتي والحاء حرف من أواسط الحلق يشتم منه رائحة العمق بل هو كما ذكر الخليل ـ من أ عمق الحروف مخرجاً، وكذلك البحر ففي بدايته يكون ضحضاحاً قليل الماء ومن ثم يزداد عمقه ويكون أعمق ما يكون في وسطه ويأتي الراء هذا الحرف التكراري الذي "لو لم يكرر لم يجر الصوت فيه" (18)، ليذكِّر بحركة الموج الدائبة إلى الأبد أو ليس البحر قلب الحياة النابض؟ ..
ومن ناحية أخرى، الباء أول الحروف مخرجاً والحاء من أواخر الحروف مخرجاً وتشبه إحاطة هذين الحرفين بأغلب الحروف بإحاطة البحر باليابسة ثم يأتي حرف الراء من وسط هذا المجرد الصوتي كما يأتي الموج من أواسط البحر ليظل متحركاً مستمراً حتى ينكسر على الشاطئ.
7 ـ البحر في الاصطلاح:
يطلق لفظ "بحر" في اصطلاح العروضيين على الوزن الذي ينظم عليه الشعر، وهو اختراع الخليل بن أحمد الفراهيدي، بيد أن هذا المصطلح على قدمه لم يرد في معاجم اللغة وأغفلته أغلب كتب الاصطلاحات فلم أجده إلا في كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي يقول: ـ"وفي اصطلاح العروضيين هو الكلام الموزون المقفى الذي يشمل على نوع الشعر ... ويطلق على وزن الشعر بحر أيضاً لأنه كالأصل للفروع ... ". (19).
*الحواشي:
(1) ـ انظر: المعاجم المدروسة في المسرد.
(2) ـ يقال ماء ملح وليس مالحاً: "قال البطليوسي في شرح الفصيح: المشهور في كلام العرب ماء ملح ولكن قول العامة مالح لا يعد خطأ وإنما هو لغة قليلة"، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، للسيوطي شرح ـ محمد جاد المولى بك ـ محمد أبو الفضل إبراهيم ـ علي محمد البجاوي ـ المكتبة العصرية 1986 ـ صيدا ـ بيروت 1/ 215، وقال: ابن منظور: "ولا يقال مالح إلا في لغة رديئة"، اللسان مادة (ملح).
(3) ـ الإحالة في القبوسات اللغوية في هذا البحث على مادة بحر في المعاجم المذكورة.
(4) ـ ويقال التهانوي: "والبحر في أصل اللغة شق في الأرض يجري فيه الماء وتعيش فيه حيوانات مختلفة الأنواع ولذلك سمي البحر"1/ 167، كشاف اصطلاحات الفنون ـ محمد بن علي الفاروقي التهانوي. تح. لطفي عبد البديع ترجم النصوص الفارسية، د. عبد المنعم محمد حسنين. راجعه أمين الخولي المؤسسة المصرية ا لعامة للتأليف والترجمة والنشر ـ 1963.
(5) ـ انظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي تح. محمد علي النجار. لجنة إحياء التراث الإسلامي القاهرة ـ 1965 ـ ج2/ 225 ـ 226.
(6) ـ دلائل الإعجاز. عبد القادر الجرجاني: تحقيق محمود محمد شاكر ـ الناشر مكتبة الخانجي. د. ت. القاهرة ـ ص49.
(يُتْبَعُ)
(/)
(7) ـ دروس في الألسنية العامة: فردينان دي سوسير. تعريب صالح الفرمادي، محمد الشاوش، محمد عجينة. الدار العربية للكتاب ـ 1985 ـ ص 111.
(8) ـ وانظر الاختلافات في شمس العلوم والقاموس المحيط وتاج العروس، وكتب النحو.
(9) ـ مقدمة مقاييس اللغة: عبد السلام هارون 1/ 23.
(10) ـ من المدهش حقاً أن البحر هو رمز للرحم في التحليل النفسي وأن الهروب إليه هو الحاجة اللا شعورية إلى العودة إلى الرحم وهذا ما أسمته مود بودكين في كتابها النماذج المثالية في الشعر أنموذج الولادة الجديدة ومنها يستفيد د. إحسان عباس في تحليل قصيدة لأبي شبكة ولم يتنبه إلى معاني بحر: عمق الرحم في اللغة العربية. انظر فن الشعر. عباس ص 226 ـ 230.
(11) ـ وانظر: الاشتقاق لابن دريد ـ تح: عبد السلام هارون ـ مكتبة المثنى ـ بغداد ـ ط2 ـ 1979 ـ ص 93 ـ ص 191 ـ ص 508.
(12) ـ انظر: المغرب في حلى المغرب لابن سعيد المغربي تح: د. شوقي ضيف ـ ط3 منقحة دار المعارف ـ 1980 ـ ج2/ 203. وقد تفضل الدكتور علي دياب بإمدادي بهذه المعلومة القيمة.
(13) ـ الخصائص ـ لعثمان بن جني ـ تح. محمد علي النجار. دار الهدى للطباعة ط2 ج2/ 138.
(14) ـ الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى اللغوي. تح. عدنان درويش ومحمد المصري ـ وزارة الثقافة ـ دمشق ـ 1/ 390 ط2 ـ 1982.
(15) ـ كتاب سيبويه أبي بشر عمرو بن عثمان ـ ج4. عالم الكتب ـ بيروت 4/ 434 ـ 435 ـ وسر صناعة الإعراب لأبي الفتح عثمان بن جني. تح. د. حسن هنداوي. دار القلم ـ دمشق ـ ط1 ـ 1985 ـ 1/ 60، 61، 63 وكذلك 1/ 119، 1/ 179، 1/ 191 وانظر المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث، د. رمضان عبد التواب ـ مكتبة الخانجي ـ القاهرة ط2 ـ 1985 ـ ص 31 ـ 60، فقه اللغة: علي عبد الواحد وافي ـ دار نهضة مصر ـ القاهرة ـ د. ت.ص 165 ـ 168، دراسات في فقه اللغة د. صبحي الصالح ط2 منشورات المكتبة الأهلية ـ بيروت ص 322 ـ 328 الأصوات ووظائفها. محمد منصف القماطي منشورات جامعة الفاتح 1986 ليبيا، ص 54، ص57، ص58، ص62، ص63، الوجيز في فقه اللغة ـ محمد الإنطاكي ـ ط3 ـ مكتبة دار الشرق ـ د. ت. ص 178، ص 191، ص 198.
(16) ـ معجم العين للفراهيدي 1/ 47 ـ 48.
(17) ـ انظر كتاب سيبويه 4/ 433، وسر صناعة الإعراب لابن جني 1/ 47 ـ 48.
(18) ـ كتاب سيبويه 4/ 435.
(19) ـ كشاف اصطلاحات الفنون: للتهانوي 1/ 167.
المعاجم المدروسة حسب الترتيب الزمني لوفيات أصحابها:
(1) ـ العين: للخليل بن أحمد الفراهيدي (ـ 175).
(2) ـ جمهرة اللغة: لابن دريد الأزدي (ـ 321).
(3) ـ ديوان الأدب: لإسحاق بن إبراهيم الفارابي (ـ 350).
(4) ـ تهذيب اللغة: لأبي منصور الأزهري (ـ 370).
(5) ـ الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري (393).
(6) ـ مجمل اللغة: لأحمد بن فارس (ـ 395).
(7) ـ مقاييس اللغة: لأحمد بن فارس (ـ 395).
(8) ـ المحكم والمحيط الأعظم في اللغة لابن سيده الأندلسي (ـ458).
(9) ـ أساس البلاغة لجار الله الزمخشري (ـ 538).
(10) ـ شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: لنشوان بن سعيد الحميري (ـ 554).
(11) ـ التكملة والذيل والصلة للصحاح: لمحمد بن الحسن الصغاني (ـ 650).
(12) ـ تهذيب الصحاح: لمحمد بن أحمد الزنجاني (ـ 656).
(13) ـ لسان العرب: لابن منظور الإفريقي (ـ 711).
(14) ـ المصباح المنير في ريب الشرح الكبير: لمحمد بن أحمد الفيومي (ـ770).
(15) ـ القاموس المحيط لمجد الدين الفيروز آبادي (ـ 817).
(16) ـ تاج العروس من جواهر القاموس لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ـ1205).
1 ـ وهذا ما أسقوم به في دراسة الجذر ـ المبحث السادس ـ.
-------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 54 - السنة 14 - كانون الثاني "يناير" 1994 - شعبان 1414
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:49 ص]ـ
النُّحَاةُ العَرَب وسُبلهم في التألِيف
لـ: محمّد وليد حافظ
يدهش الباحث حين يفتح كشف الظنون على مادة "ألفية ابن مالك" مثلاً، فيجد لها زهاء سبعين خادماً بين شارح ومحشٍ وناظم وشارح شواهد. ويزداد دهشة حين يجد لكافية ابن الحاجب في النحو مئة من الخدمة، بل إن للآجرّومية، وهي الأخرى من مقدمات النحو، ما يزيد على أربعين شرحاً وحاشية في المكتبة الظاهرية وحدها.
(يُتْبَعُ)
(/)
هاجم ابن خلدون هذه الظاهرة، أعني ظاهرة كثرة التآليف هجوماً عنيفاً، قال "اعلم أنه مما أضرّ الناس في تحصيل العلوم كثرة التآليف، واختلاف اصطلاحات التعليم، وتعدد طرقها" (1) وهاجمها كذلك المرحوم أحمد أمين الذي عدّ كل ما أُلف في النحو تكراراً لكتاب سيبويه الذي "كان من القوة بحيث كان المرجع في العالم الإسلامي من تاريخ تأليفه. وكل ما فعله الناس أنهم شرحوا غامضاً، أو اختصروا مطوّلاً، أو بسّطوا معضلاً، أما الأسس التي بني عليها الكتاب فبقيت كما هي في النحو والصرف إلى اليوم، من عهد شرح السيرافي لكتاب سيبويه إلى "النحو الواضح" للمرحوم الجارم بك" (2).
وعزا المرحوم أحمد أمين هذه الظاهرة إلى أن النحو العربي ظل متأثراً طوال حياته بنظرية العامل التي قدمها سيبويه في كتابه، فالفاعل مرفوع بالفعل، والمفعول به منصوب بالفعل. وإذا لم يوجد عامل ظاهر قدر عامل مستتر. ولم يستطع ابن جني –392هـ وابن مضاء الأندلسي- 593هـ تحرير النحو من هذه النظرية (3).
وقد أجمل صاحب كشف الظنون أنواع التآليف فيما يلي، وهي أنواع تنطبق على عالم النحو:
1 - مختصرات تجعل تذكرة لرؤوس مسائل ينتفع بها المنتهي للاستحضار، وربما أفادت بعض المبتدئين الأذكياء.
2 - مبسوطات تقابل المختصرات، وهذه ينتفع بها للمطالعة.
3 - متوسطات، وهذه نفعها عام للمبتدئ والمتوسط والمنتهي (4).
ونظن ظناً أن صعوبة النسخ وتكاليفه كانت وراء تأليف المختصرات، ثم الاتجاه في القرون المتأخرة إلى تلقين النحو لا إلى تفهيمه، ونظن كذلك أن هذه المختصرات اشتغل بها المعلمون، يستعينون بها في استحضار أفكار الموضوع، ويشرحونها لطلابهم شروح المختصرات المتخذة كتباً تعليمية، كألفية ابن مالك والمقدمة الآجرومية.
هاجم ابن خلدون هذه المختصرات موضحاً أضرارها، قال: "ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها، وهو فساد في التعليم، وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه خلطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه، هو لم يستعد لقبولها بعد. وهو من سوء التعليم كما سيأتي، ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها، وصعوبة استخراج المسائل منها، لأن ألفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت. ثم بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة بكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين. وإذا اقتصر عن التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة، فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين فأركبوهم صعباً يقطعهم على تحصيل الملكات النافعة وتمكنها" (5).
وتفهم بسهولة مرامي ابن خلدون من هذا الموقف، وهي:
1 - عدم إرهاق المبتدئ في التعلم بما لا يستطيع فهمه.
2 - عدم إرهاق المبتدئ بتتبع ألفاظ الاختصار، وتضييع وقته.
3 - فائدتها –إن كان لها فائدة- أقل من فائدة المبسوطات.
ويلاحظ أن بعض شارحي الكتب النحوية ألّفوا الأنواع الثلاثة على الكتاب الواحد، وكأنما يراعون مستويات المتعلمين أو يجهزون مذكرات للمعلمين، ومنهم عبد القاهر الجرجاني الشهير بكتابه "دلائل الإعجاز"، فقد ألف ثلاثة شروح لكتاب "الإيضاح في النحو" لأبي علي الفارسي، يقع أوسعها في ثلاثين مجلداً بعنوان "المغني"، وللقارئ أن يتصور صعوبة استعمال هذا المطول، بله اقتناءه. ومنها شروح ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي الحسيني –717هـ على كافية ابن الحاجب.
بل إن معظم أصحاب الأمهات في النحو صنع شرحاً لمختصره، أو اختصر مطوله، أو شرح شواهده، ومنهم:
1 - الزمخشري اختصر "المفصّل" في "الأنموذج".
2 - ابن الحاجب شرح "الكافية"، ونظمها في أرجوزة سماها "الوافية" وشرحها.
3 - ابن مالك شرح "التسهيل"، والتسهيل مؤلف شديد الإيجاز، جمع فيه خلاصة آرائه النحوية.
4 - ابن هشام شرح "قطر الندى" و "شذور الذهب" وشرح شواهد "مغني اللبيب" أكثر من مرة.
ويبدو ابن خلدون أشد تسامحاً تجاه ظاهرة كثرة التآليف رغم مهاجمته لها، فهو لا يعد كل الكتب النحوية والشروح تكراراً لكتاب لسيبويه، بل يصنف أغراض التأليف بعقل منطقي كما يلي:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - كمال مهارة المصنف، فإنه لجودة ذهنه، وحسن عبارته يتكلم من معان دقيقة بكلام موجز، يكفي في الدلالة على المطلوب، وغيره ليس في مرتبته، فربما عسر عليه فهم بعضها، أو تعذر، فيحتاج إلى زيادة بسط في العبارة لتظهر المعاني الخفية.
2 - حذف بعض مقدمات الأقيسة اعتماداً على وضوحها، أو لأنها من علم آخر، أو إهمال ترتيب بعض الأقيسة، فأغفل علل بعض القضايا، فيحتاج الشارح إلى أن يذكر تلك المقدمات المهملة، ويعطي علل ما لم يعط المصنف.
3 - وقد يقع في بعض التصانيف ما لا يخلو البشر منه، من السهو والغلط والحذف لبعض المهمات، وتكرار الشيء بعينه بغير ضرورة إلى غير ذلك، فيحتاج أن ينبه عليه (6).
أما النوع الأول من الشروح فأوضح أمثلته شرح النحوي لمصنفه، وهذا ما فعله ابن هشام بكتابيه "شذور الذهب" و "قطر الندى" وهذا مثال من قطر الندى:
ص: جميع الحروف مبنية.
ش: لما فرغت من ذكر علامات الحرف، وبيان ما اختلف فيه منه، ذكرت حكمه، وأنه مبني لاحظّ لشيء من كلماته في الإعراب.
ص: والكلام لفظ مفيد.
ش: لما أنهيت القول في الكلمة وأقسامها الثلاثة، شرعت في تفسير الكلام ... " (7). ويجدر بالذكر أن ابن هشام يسمي مؤلفه "مقدمة" ويسمي شرحه نكتاً "رافعة لحجابها –يعني المقدمة- كاشفة لنقابها، كافية لمن اقتصر عليها، وافية ببغية من جنح من طلاب علم العربية إليها" (8).
وأما النوع الثاني، فمن أمثلته شروح كتاب سيبويه وشروح مغني اللبيب. يقول ابن هشام في المغني: "إذ لا مجازاة هنا" (9) والإشارة إلى مثال أبي علي الفارسي: "يقال لك: أحبك فتقول: إذن أظنك صادقاً" بضم الفعل المضارع، فيشرح الشمني العبارة قائلاً: "قال الرضي لأن الشرط والجزاء إما في الاستقبال أو في الماضي، ولا مدخل للجزاء في الحال" (10).
وأما الثالث من أسباب التصنيف فقد استغله بعضهم أبشع استغلال للتشنيع على أسلافهم، والانتقاص من أقدار غيرهم. وما أكثر ما نقرأ في كتب النحو اتهامات بالزعم والوهم والتعسف والخلط، هذا أبو حيان النحوي الأندلسي (-745هـ) يتهم أبا علي الفارسي والزمخشري "بعجرفة العجم" وعدم معرفة كلام العرب. ويصف كافية ابن الحاجب بأنها "نحو الفقهاء". وابن مالك يصف الزمخشري بأنه "نحوي صغير" وبين ابن مالك وأبي حيان ما بينهما رغم كون الثاني شارحاً للأول. ثم بين ابن هشام وأبي حيان. ثم ابن هشام يتهم الزمخشري بالخروج عن كلام العرب (11)، والكذب فيما نقله عن سيبويه (12).
وأسوأ من يلقانا في هذا الباب الأسود الغندجاني المتوفى بعد 430هـ، وهو عالم بالشعر والأنساب من غندجان بأرض فارس. تتلمذ على شيخ مجهول يكنى بأبي الندى، فتطاول على أربعة من أسلافه: ابن الأعرابي، وأبي علي الفارسي، وابن السيرافي، وأبي عبد الله النمري. فألف في الرد على كل منهم كتاباً، وأنعم على ابن السيرافي بكتابين فأطلق لسانه "حاداً نابياً لا يتورع عن الساقط من الكلام بحق الأئمة من العلماء في إطار التهكم والسخرية، وضرب الأمثال السوقية في بعض الأحيان، مما عبّر عنه ياقوت بقوله "وكان الأسود لا يقنعه أن يرد على أئمة العلم رداً جميلاً، حتى يجعله من باب السخرية والتهكم وضرب الأمثال" (13). وأمثاله في غاية الفحش والبذاءة أحياناً (14)، وأغلبها مما صنعه الغندجاني نفسه، بالإضافة إلى تحميله ابن السيرافي ما لم يقله (15)، وتصحيف كلامه، وغير ذلك مما يضيق المقام بذكره.
إلا أن نظرة متأنية منصفة تجعلنا نضيف إلى ما سبق من تصنيف ابن خلدون ما يلي:
نحن نعلم أن الأخفش الأوسط (-215هـ) فتح باب الخلاف على أستاذه سيبويه، وأن هذا الخلاف تمخض عن مدرستي البصرة والكوفة، ثم نشأت مدارس أخرى. ونعلم أن هذه المدارس استقطبت النحاة. ونعلم أن جدلاً دار حول أصول النحو، مثل الاحتجاج والقياس ومصطلحات النحو، دون أن يعني هذا خفوت الأصوات الفردية والخلافات الجانبية ضمن كل مدرسة، فإن الأسباب التي أدت إلى ظهور الخلافات، وهي طبيعة اللغة العربية نفسها، وطبيعة العلل التي تتحكم في العلاقات اللغوية، والدلالات التي تحملها الألفاظ، وطبيعة البحث العلمي (16)، هذه الأسباب إلى جانب أسباب أخرى سنتطرق إليها فيما بعد –ظلت نبعاً لا ينضب لتعدد الآراء دون أن تفلح مدرسة الفارسي في الخروج من مأزق الخلاف رغم تأثيراتها العميقة:
(يُتْبَعُ)
(/)
أ-فلابد أن كلاً من عمالقة النحو العربي كان في ذهنه شيء جديد يريد تقديمه، ولاسيما أن معظمهم كان من المعتزلة المؤمنين أعمق إيمان بحرية العقل وسلطانه. فالفرّاء بعد الكسائي وطد أركان مدرسة الكوفة. والرماني (-384هـ) اتهم بنزعته المنطقية. وأبو علي الفارسي صاحب مدرسة مستقلة، هو وتليمذه ابن جني. والزمخشري عاد إلى كتاب سيبويه واختصره في المفصل. وابن الحاجب نحوُه "نحو الفقهاء". وابن مالك توسع في الاستشهاد بالحديث النبوي. وابن هشام صاحب آراء مستقلة.
ب-وارتاد بعضهم ساحات جديدة في التصنيف:
1 - فصنف الزجاجي (-337هـ) كتاب اللامات. والرماني (-384هـ) "معاني الحروف" والهروي (-415هـ) "الأزهية في علم الحروف" وهي كما هو واضح تجميع للأدوات في مؤلفات مستقلة.
2 - وظهرت كتب إعراب القرآن الكريم بدءاً من معاني القرآن للأخفش، مروراً بمعاني القرآن للفراء، حتى اضطر ابن هشام إلى تقديم شكل جديد يغني عن كتب الأعاريب التي كثرت وطالت، فكان "مغني الليبب" دون أن يوقف هذا المغني سيل كتب الأعاريب.
3 - وظهرت كتب الأمالي، للزجاج، والمرتضى (-436هـ) وابن الشجري (-542هـ) وابن الحاجب، وغيرهم. وتبحث كتب الأمالي شتاتاً من الموضوعات يتراوح بين جواب لسائل، وإعراب آية، وشرح بيت مشكل.
4 - وعني بعض النحاة بشرح الشواهد النحوية، وهو عمل جليل يخفف العبء عن متون النحو، ويسمح للمؤلف أن يستمر في عرض مادته دون الانصراف إلى الشواهد، في زمن لم تكن الحواشي فيه معروفة. وللنحاس (-338هـ) وابن السيرافي (-385هـ) والأعلم الشنتمري (-476هـ) شروح لأبيات سيبويه. وقد يشرح النحوي نفسه شواهده كما فعل ابن هشام بشواهد المغني، أو يشرح شواهد غيره. كما فعل ابن هشام نفسه بشواهد ابن الناظم بدر الدين بن مالك (-686هـ). وبلغ من عظمة شارح أبيات الرضي، وهو عبد القادر البغدادي (-1093هـ) أن حمل مؤلفه عنوان "خزانة الأدب" عن جدارة، فيها عشرات المقطعات والقصائد، وتراجم لعشرات الشعراء، ومعرض لآراء النحاة. وكذلك شرحه لأبيات مغني اللبيب.
5 - وألف بعضهم في محاور خاصة مثل كتب الأحاجي النحوية، وكتاب "الاقتراح" للسيوطي.
هذا فيما يخص مناجي التأليف النحوي، أما اتهام أحمد أمين تراث العرب النحوي بأنه تكرار لكتاب سيبويه فإننا نبدي عليه التحفظات التالية:
1 - كان من مظاهر ارتقاء العقل العربي بعد سيبويه الميل إلى التعليل. وإذا كان القياس أساسه الفقه والنحو، فالعلة أساس القياس، والقياس "هو حمل غير المنقول على المنقول في حكم لعلة جامعة" (17) "ألا ترى أنك لم تسمع أنت ولا غيرك اسم كل فاعل ولا مفعول، وإنما سمعت البعض فقست عليه غيره، فإذا سمعت "قام زيد" أجزت: ظرف بشرٌ وكرُم خالدٌ" (18).
جهد النحاة العرب لوضع القاعدة النحوية على أساس علِّيّ. وكانت العلل هشة بادئ الأمر، يطعن الطاعن فيها بسهولة، فلما كان ابن جني عمل للتخلص مما يسمى بتخصيص العلل، أي من إمكان نقضها لعدم الاحتياط في وصفها، مثل قولهم في علة قلب الواو والياء ألفاً: إن الواو والياء متى تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفين" وهي قاعدة منقوضة بمثل: (غَزَوَا)، وبمثل (عَوِر)، فسدّ ابن جني كل خلل في القاعدة، وجعل قاعدته شاملة مطردة لا يطعنها طاعن من جهة، وتخاطب العقل قبل الذاكرة من جهة أخرى، فجعلها كما يلي "إنهما متى تحركتا حركة لازمة، وانفتح ما قبلهما، وعري الموضع من اللبس، أو أن يكون في معنى ما لابد من صحة الواو والياء فيه، أو أن يخرج على الصحة منبهة على أصل بابه، فإنهما يقلبان ألفاً" (19).
وأضحى التعليل من موضوعات الخلاف في العصور المتأخرة، ففي حين أنكره بعض النحاة، ولاسيما نحاة المغرب والأندلس الذين كان للمذهب الظاهري في الفقه أثر واضح على مذهبهم النحوي، كابن مضاء القرطبي وأبي حيان النحوي، عمّق نحاة المشرق بشكل خاص الاتجاه التعليلي، هذا ابن يعيش النحوي الحلبي الكبير، وهو من أواخر المعتزلة، تتلمذ عليه ابن مالك نفسه، وإن كانت تلمذة سطحية على ما يبدو لشدة البعد بين منحيي الرجلين، هاهو يشرح للقارئ سبب انقسام الضمير إلى متصل ومنفصل "القياس فيها أن تكون كلها متصلة لأنها أوجز لفظاً وأبلغ في التعريف، وإنما أتي بالمنفصل لاختلاف مواقع الأسماء التي تضمر، فبعضها يكون مبتدأ، نحو "زيد قائم" فإذا كنيت عنه قلت:
(يُتْبَعُ)
(/)
هو قائم، أو أنت قائم إن كان مخاطباً لأن الابتداء ليس له لفظ يتصل به الضمير، لذلك وجب أن يكون ضميره منفصلاً .. " (20) ويعلل حركة تاء الرفع بأن "التاء هنا (أي في مثل: جلستُ) اسم قد بلغ الغاية في القلة فلم يكن بد من تقويته بالبناء على حركة لتكون الحركة فيه كحرف ثانٍ .. " (21).
ويمضي ابن يعيش على هذا النحو الرائع من التعليل، ومخاطبة العقل مفسراً سبب اختلاف حركات التاء، وسبب اقتصار المخاطب المثنى على ضمير واحد، في حين أن للجمع ضميرين.
بل إن الفراء، وهو المؤسس العملي لمدرسة الكوفة والمتوفى عام 207هـ أي بعد وفاة سيبويه بربع قرن فقط، يحتج لسقوط نون الوقاية في (أنّ) و (كأنّ) و (لعلّ) "بأنها بعدت عن الفعل، إذ ليست على لفظه، فضعف لزوم النون لها، و (ليت) على لفظ الفعل، فقوي فيها إثبات النون، ألا ترى أن أولها مفتوح وثانيها حرف علة ساكن وثالثها مفتوح، فهو كقام وباع .. " (22) أفننكر بعدئذ على هذه العقول الكبيرة أمثال الفراء وابن جني وابن يعيش والرضي جهدها، ونعد ما تعمقوه في النحو تكراراً لكتاب سيبويه؟!
2 - ومعتمد التعليل المنطق، وما من شك أنك تلمح خلف كلام ابن يعيش الذي نقلنا بعضه في الفقرة السابقة ذلك المنطق الإنساني العام الذي لا يختلف فيه اثنان، مثل تعليله انفصال ضمير النصب "وبعضها يتقدم على عامله، نحو "زيداً ضربت" فإذا كنيت عنه مع تقديمه لم يكن إلا منفصلاً لتعذر الإتيان به متصلاً مع تقديمه، لذلك تقول "إياه ضربت" وقال الله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين" (23) .... ".
أما المنطق الذي كان موضع نزاع بين النحاة فهو ذاك الذي ترجم من اليونانية، ومازج النحو، مثل ما لاحظ الفارسي على معاصره الرماني (374هـ) قال: "إن كان النحو ما يقوله الرماني فليس معنا منه شيء، وإن كان ما نقوله نحن فليس معه منه شيء" (24). ومع ذلك لم يسلم الفارسي نفسه من تهمة إقحام المنطق في النحو. ويجدر بالذكر أن لغويي مختلف العصور اتجهوا هذا الاتجاه، ومنهم على سبيل المثال رائدا مدرسة بور رويال في فرنسا في القرن السابع عشر، اللذان كان لقواعدهما ردة فعل عنيفة، لكنها كانت في مطلع القرن العشرين حافزاً لانطلاقة علم اللغة العام.
اصطنع الشراح المتأخرون أساليب المناقشة المنطقية مثل "فان قلت" و "سلّمنا" وهم بذلك يقتفون أثر ابن جني الذي كان منهجه تفنيد كل رد محتمل. غير أن المتأخرين استخدموا أساليب المنطق ومصطلحاته، يردّ الشمني أحد شراح المغني على الدماميني وهو الآخر من شراح المغني –قوله: "قد يقال: ليس بين تأثير الأداة (أن) لتخليص الاستقبال وتأثيرها لنصب اللفظ تلازم بدليل (سوف) " قائلاً "لا دلالة في عبارة المصنف المعنى إلى –يعني ابن هشام- على التلازم، ولو سلم، فالتاثير اللفظي لوجود التأثير المعنوي، لا لماهيته، ولازم الوجود لا يجب ثبوته لكل فرد من أفراد ملزومه بل قد يثبت لبعضها فقط، ككون الجسم ذا ظل في الشمس، فإنه لازم لوجود الجسم، غير ثابت لبعض أفراده كالهواء" (25).
ونقل الشمني شرحاً منطقياً وافياً لقوله تعالى: "ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا" (26)، وللحديث المنسوب إلى عمر رضي الله عنه "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" عن التفتازاني صاحب المطول، يدل على مدى اتساع عقول أولئك البلاغيين المشارقة المتهمين بتجميد البلاغة العربية (27).
وإن سلمنا بأن المنطق جمد النحو العربي والبلاغة فمن ينكر أثر التفكير المنطقي في مثل كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف" للأنباري المتوفى عام 577هـ فهو يسرد في مطلع كل مسألة رأي الكوفيين فرأي البصريين، ثم حجج الكوفيين فحجج البصريين، وأخيراً يحكم بينهما مفنداً رأي أحد الطرفين.
3 - وازدهر علم المعاني، ولاسيما بعد كتاب الإمام عبد القاهر الجرجاني "دلائل الإعجاز" واستوى على يد الزمخشري في "الكشاف"، يعقب الزمخشري على الآية الكريمة "ولكم في القصاص حياة" (28) بقوله: "هذا كلام فصيح لما فيه من الغرابة، وهو أن القصاص الذي هو قتل وتفويت للحياة قد جعل مكاناً وظرفاً لها" (29) وهو بهذا يشرح معنى الظرفية المجازية لحرف الجر (في). ويشرح قوله تعالى "ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله" (30): "الأصل ما أمرتهم إلا ما أمرتني به، فوضع القول موضع الأمر رعاية لقضية الأدب الحسن، لئلا يجعل
(يُتْبَعُ)
(/)
نفسه وربه معاً آمرين" (31). وفي تفسير قوله تعالى: "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه" (32): "هو تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه، وفيه مبالغات شتى، منها الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهية موصولاً بالمحبة، ومنها إسناد الفعل إلى "أحدكم"، والإشعار بأن أحداً من الأحدين لا يحب ذلك" (33).
والحق أن صلة النحو بعلم المعاني وثيقة تكاد لا تتبين حدود كل منهما ولاسيما أبحاث الأدوات أو حروف المعاني، فأول ما يفعله المؤلف في بحث الأداة أو الحرف تفصيل معانيها، ومهمة علم المعاني تعميق فهم الطالب، فإذا قال ابن هشام عن الهمزة "إنها ترد لطلب التصور، نحو: أزيد قائم أم عمرو؟ ولطلب التصديق" (34) استعان الشارح بالسيد الشريف الجرجاني في حاشيته على المطول "والتحقيق أنها، أي الهمزة، في قولك (أدبسٌ في الإناء أم عسل) لطلب التصديق أيضاً، فإن السائل قد يتصور الدبس والعسل، وبعد الجواب لم يزد له في تصورهما شيء آخر أصلاً، بل بقي تصورهما على ما كان، فإن قيل: التصديق حاصل له حال السؤال فكيف يطلبه؟ أجيب بأن الحاصل هو التصديق بأن أحدهما في الإناء مثلاً، والمطلوب بالسؤال هو التصديق بأن أحدهم كالعسل مثلاً في الإناء" (35).
4 - وعلى أثر الخلافات السياسية والصراعات الدموية تبلورت فرق عقائدية شتى، من قائل بالجبر، وقائل بالاختيار، ومن أهل العدل والتوحيد، إلى أهل التشبيه، إلى ما هنالك من فرق أذكت الأحداث عواطفها، وصقلت التجارب أفكارها، فوجد علم الكلام، يبحث في موضوع صفات الله، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف ... وبسط هذا العلم جناحه على أهل العراق وفارس خاصة. ووجد مكاناً له في ساحة النحو، كما في سوح العلوم الأخرى. فإذا اختلف النحاة في إعراب (أنْ) في قوله تعالى "وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً" (36) لجأ بعضهم إلى علم الكلام، فقال: "إلهام الله تعالى لعباده بقوله وأمره" فرد الآخر بأن الإلهام مفسر في الكتب الكلامية بإلقاء معنى في القلب بطريق الفيض" (37). وإذا قال ابن هشام في معرض خروج (إذا) عن الاستقبال في قوله تعالى "والنجم إذا هوى" (38) "والليل إذا يغشى" (39) لأنها لو كانت للاستقبال لم تكن ظرفاً لفعل القسم لأنه إنشاء، لا إخبار عن قسم سيأتي، لأن قسَم الله قديم، أجابه الشمني "إن أراد القسم اللفظي فقد تقرر في علم الكلام أن الكلام اللفظي المؤلف من الحروف الملفوظة المسموعة ليس بقديم، ومعنى إضافته إلى الله تعالى أنه مخلوق له تعالى، ليس من تأليفات المخلوقين، وإن أراد النفسي فقد تقرر أيضاً أن الكلام النفسي صفة واحدة في الأزل ليست بمنقسمة إلى أقسام الكلام التي هي الخبر والأمر والنهي وغير ذلك" (40) ثم مضى يشرح مواقف الكرّامية الذين يثبتون الصفات لله تعالى والتجسيم والتشبيه، ومواقف الحنابلة المشابهة، وأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة من خلال أشهر كتب علم الكلام. ومعلوم ما أثارته مسألة خلق القرآن من مشكلات وصراعات بين المعتزلة وخصومهم زمن المأمون وبعده.
5 - وبعد توضح المذاهب الفقهية نشأ علم أصول الفقه على ثلاثة أسس: علوم اللغة العربية، وعلم الكلام، والفقه. وكان ابن الحاجب صاحب "الكافية" الشهيرة من كبار أصوليي عصره، وكان منهم بهاء الدين السبكي (763هـ) والسعد التفتازاني (793هـ). ولا عجب أن يبدأ التفتازاني كتابه "شرح التلويح" بأبحاث نحوية في معاني الحروف والأدوات، فكثير من الاختلافات الفقهية منشؤها الاختلاف في فهم النصوص القرآنية، لذلك رجع الأصوليون إليها مسلحين باللغة. وكما كان القرآن الكريم نواة العلوم اللغوية فيما سبق، كان فيما بعد نواة لعلم أصول الفقه، وكما بنيت أحكام فقهية على اختلافات لغوية، بنيت أحكام لغوية على اختلافات فقهية.
فاختلافهم على معاني الواو جعلهم يختلفون في فهم آية الوضوء "يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم" (41) فعند بعضهم تفيد الواو التفصيل، وعند غيرهم المعية، وعند آخرين لا تفيد أياً منهما.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبالمقابل فهم بعضهم من قول الإمام الشافعي بالترتيب في الوضوء، أن الواو تفيده. ونقل جماعة الترتيب عن الإمام أبي حنيفة من قوله: "إذا قال الزوج لغير المدخول بها: أنتِ طالق طالق وطالق، تقع واحدة. ويناقشون في كتب النحو قول القائل "والله لا أتزوج النساء" أيقع الحنث بالواحدة لأن (ال) التعريف الماهية أم لا يحنث إلا بتزويج ثلاث، وهو مذهب الشافعي، بناء على أن معنى الجمع باقٍ مع أداة العموم" (42).
وكتب الرشيد ليلة إلى القاضي أبي يوسف، وهو أحد كبار أعوان الإمام أبي حنيفة، أو كتب الكسائي إلى محمد بن الحسن الشيباني، وهو الآخر أعظم منظري المذهب الحنفي، "ما قول القاضي فيمن قال لامرأته:
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن
وإن تخرقي يا هند فالخُرق أشأم
فأنتِ طلاق والطلاق عزيمة
ثلاث، ومن يخرق أعقّ وأظلم
فكتب القاضي (أو محمد بن الحسن): إن رفع "ثلاثاً" تقع واحدة، وأن نصب يقع ثلاث، لأنه إذا رفع ثلاثاً فقد تم الكلام بقوله "أنت طلاق" ثم ابتدأ بقوله: "والطلاق عزيمة" (43).
6 - وبعد ما كان العلماء الأوائل كالأصمعي يتحرجون من تفسير القرآن تحرجاً عظيماً، ويكتفون أن فسَّروا بنقل المأثور، تحمس المعتزلة للتفسير بالمعنى، وغيرهم للتفسير الباطني، وجمع بعضهم بين أكثر من طريقة في التفسير. هذا الزمخشري أكبر مفسري المعتزلة، وابن عطية الأندلسي معاصره من مفسري المأثور، فيجمع أبو حيان تفسيريهما رغم عدائه الشديد للزمخشري، فيصنف "البحر المحيط". وهذا الرازي مفسر آخر من مفسري المعتزلة، ولكنه من مذهب أبي الحسن الأشعري. وما انقطع المفسرون إلى يومنا. ولا يشك أحد، كما يقول السمين الحلبي (756هـ)، أنه لابد لمن يتعرض لعلم التفسير أن يعرف جملة صالحة من العلوم الأخرى.
حتى إذا وصلنا إلى القرن التاسع الهجري وجدنا آثار الوهن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعواقب الغزوات المدمرة التي تعرض لها العالم الإسلامي من الشرق والغرب بدأت تفعل فعلها في هذا الكيان المنخور منذ أواخر الخلفاء العباسيين الأقوياء. وظهر بوضوح أنها أخطر من أن يستطيع النحو وسائر العلوم تجاوزها. ونظل نحمد لعلماء هذا القرن وسالفه على نحو خاص انصرافهم إلى علومهم رغم ظروفهم القاتمة، ونظل نحمد للمماليك تشجيعهم للعلوم مهما كانت دوافع هذا التشجيع، ونظل نحمد للمماليك اعتمادهم على أنفسهم في معاركهم دون قوى الشعب.
على أننا نجد في هذا القرن المجدب، من الذرا النحوية والقرن الذي سبقه صُوّة ينبغي التوقف عندها، وهي محاولة إعادة اللحمة بين علوم اللغة العربية، وهي العلوم التي استعرضنا آنفاً أثرها في غزارة التأليف اللغوي، والتي شذب بعض النحاة النحو منها ليتحول النحو إلى قوانين جافة لا روح فيها. وكان بإمكان موسوعي كبير مثل بهاء الدين السبكي (763هـ) أن ينجز هذا العمل العظيم لو أنه تحمس له وأكمل ما بدأه في شرحه للتخليص في علوم البلاغة، المعروف بعروس الأفراح.
وشروح أهل القرن التاسع على العموم تتصف بالتحقيق الدقيق في المتن المشروح، والجمع المستقصي للآراء. وإن كان يعيبها التكلف الشديد لدى بعضهم، والبحث عن مكامن الضعف لدى خصومهم. وأعتقد أن من المفيد أن نكمل الخطوات التي خطاها نحاة ما قبل العهد العثماني بإعادة النظر في ذلك التراث الكبير كماً وكيفاً، فننسق بين الشروح المتعددة للكتاب الواحد، شريطة أن تكون شروحاً حسنة، فنصنع منها مؤلفاً واحداً على نحو ما فعل البرقوقي بشروح ديوان المتنبي. ونضع البقية من التراث الذي لا يساوي أكثر من قيمته التاريخية في مكانه اللائق، فنريح بذلك مطابعنا وقراءنا وطلابنا الباحثين عن مخطوطات للتحقيق، تكون مرتقى لهم إلى الدرجات العلمية، خير من أن نسوق الجميع بعصاً واحدة، فننكر على أمثال ابن يعيش والرضي أعمالهم العظيمة.
* * *
الحواشي:
(1) مقدمة ابن خلدون 1230.
(2) ظهر الإسلام 2/ 115.
(يُتْبَعُ)
(/)
(3) أما ابن جني فقال في الخصائص 1/ 109: "ألا تراك إذا قلت: ضرب سعيد جعفراً، فإن (ضرب) لم تعمل في الحقيقة شيئاً، وهل تحصل من قولك (ضرب) إلا على اللفظ بالضاد والراء والباء، على صورة (فعل)، فهذا هو الصوت، والصوت مما لا يجوز أن يكون منسوباً إليه الفعل، وإنما قال النحويون: عامل لفظي، وعامل معنوي، ليروك أن بعض العمل يأتي مسبباً عن لفظ يصحبه، كمررت بزيد، وبعضه يأتي عارياً من مصاحبة لفظ يتعلق به، كرفع المبتدأ بالابتداء .. هذا ظاهر الأمر، وعليه صفحة القول؛ أما في الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجر والجزم إنما هو للمتكلم نفسه، لا لشيء غيره. وإنما قالوا: لفظي ومعنوي، لما ظهرت آثار فعل المتكلم بمضامه اللفظ للفظ، أو باستكمال المعنى على اللفظ، وهذا واضح".
وأما ابن مضاء فهو ظاهري المذهب، لا يؤمن بالتأويل والقياس فيجري في النحو مجراه في الفقه، فلا تأويل لعامل، ولا عمل له.
(4) كشف الظنون 35.
(5) مقدمة ابن خلدون 1232.
(6) مقدمة ابن خلدون 1227 وكشف الظنون 35.
(7) شرح قطر الندى 43.
(8) المصدر السابق 10.
(9) المغني 30.
(10) المنصف من الكلام على مغني ابن هشام 1/ 41.
(11) مغني اللبيب 601.
(12) مغني اللبيب 460.
(13) فرحة الأديب مقدمة المحقق 23.
(14) انظر مثلاً ص51 - 53 - 74 - 76 - 105.
(15) فرحة الأديب ج2، ص101.
(16) مقال الكاتب في التراث العربي العدد 30 بعنوان: أسباب الخلاف اللغوي وأسلوب البحث في تراث العالم.
(17) في أصول النحو 78.
(18) الخصائص 1/ 357.
(19) الخصائص 1/ 146 - 147. والمقصود بالصحة مقابل الاعتلال. وما يسميه النحاة شاذاً يعده ابن جني باقياً على أصله منبهة على بابه، مثل صحة الواو في (القود) والياء في (الغيب) تبنيها على أصل (باب) و (عاب).
(20) شرح المفصل 3/ 85.
(21) المصدر السابق 3/ 86.
(22) المصدر السابق 3/ 91.
(23) المصدر السابق 3/ 85.
(24) في أصول النحو ج1، ص137.
(25) انظر مغني اللبيب 44، ص137.
(26) الأنفال 8/ 23.
(27) المطول 128 - 129 والمنصف.
(28) البقرة 3/ 179.
(29) الكشاف 1/ 333.
(30) المائدة 5/ 117.
(31) الكشاف 1/ 657.
(32) الحجرات 49/ 12.
(33) الكشاف 3/ 568
(34) مغني اللبيب 21.
(35) حاشية على المطول 139 والمنصف 1/ 28.
(36) النحل 16/ 68.
(37) انظر المغني 47 والمنصف 1/ 69.
(38) النجم 53/ 1.
(39) الليل 92/ 9.
(40) المنصف من الكلام، مخطوطة الظاهرية 58/أ.
(41) المائدة /5/ 6.
(42) انظر مغني اللبيب 76 والمنصف 1/ 107.
(43) البيتان في شرح المفصل لابن يعيش 1/ 107 ومع الخبر في خزانة الأدب 2/ 69 وشرح أبيات المغني 1/ 124 والمبسوط 6/ 77.
* * *
المصادر والمراجع:
-الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري. دار الجيل 1982.
-حاشية على المطول للشريف الجرجاني 1289هـ.
-خزانة الأدب للبغدادي. مطبعة بولاق 1299هـ.
-الخصائص لابن جني. ت محمد علي النجار. دار الهدى –الطبعة الثانية.
-شرح أبيات المغني للبغدادي. ت رباح ودقاق. مطبعة زيد بن ثابت 1973.
-شرح قطر الندى لابن هشام. مطبعة السعادة. ط 11، 1963.
-شرح المفصل لابن يعيش. بيروت. عالم الكتب.
-ظهر الإسلام لأحمد أمين. دار الكتاب العربي. بيروت 1969م.
-الكشاف للزمخشري. البابي الحلبي 1966م.
-كشف الظنون لحاجي خليفة. مطبعة المعارف. استانبول 1941.
-المبسوط للسرخسي.
-المطول للتفتازاني استانبول 1304هـ.
-مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام للشمني، وبهامشا الدماميني على المغني. المطبعة البهية مصر 1305هـ.
-المنصف من الكلام. مخطوطة الظاهرية رقم 8685 عام.
-مجلة التراث العربي. العدد 30 كانون الثاني 1988.
-----------------------------------------------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 35 و 36 - السنة التاسعة - نيسان وتموز "أبريل ويوليو" 1989 - رمضان وذي الحجة 1409
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:53 ص]ـ
((الصّمصامة أشهر سيوف العرب أين ذهب؟))
تأليف: محمود مفلح البكر
(يُتْبَعُ)
(/)
لم يبلغ سيف من سيوف العرب ما بلغه "الصمصامة" سيف عمرو بن معديكرب الزبيدي، من شهرة وما مر عليه من أحداث، وما دار حوله من حكايات، رأته في مجال الواقع، ودفعته إلى مشارف الأسطورة، فغدا أشهر من ملوك كثيرين، وهناك أناس لا نجد أنفسنا في حاجة إلى ذكرهم، أو تذكرهم، لولا ارتباط أسمائهم- وإن مصادفة- بهذا السيف الذي توغل بداياته في عالم الحكايات، وتنطوي نهايته في مرحلة رديئة صنعها فساد الحكم.
عراقة الصمصامة:
يذكر بعض الرواة أن الملكة بلقيس أهدت إلى الملك سليمان خمسة أسياف هي: ذو الفقار، وذو النون، ومجذوب، ورسوب، والصمصامة.
وجميعها مشهورة قبل الإسلام، فقد كان ذو الفقار لمنبه بن الحجاج أخذه الرسول منه يوم بدر. ومجذوب ورسوب للحارث بن جبلة الغساني، وذو النون والصمصامة لعمرو بن معديكرب الزبيدي (1) أحد مشاهير الأبطال في الجاهلية والإسلام.
ويروي بعضهم أن "الصمصامة" من بقايا السيوف اليرعشية الحميرية، وأن الملك الحميري علقمة بن ذي قَيْفان أهداه لعمرو بن معديكرب الذي يقول فيه:
وسيفٍ لابن ذي قَيفانَ عندي = تخيَّرهُ الفتى من عهدِ عادِ (2)
ولهذا البيت رواية ثانية تنسب "الصمصامة" إلى كنعان جد الكنعانيين:
وسيفٍ من لَدُنْ كنعانَ عندي = تُخيِّرَ نَصْلُهُ من عهدِ عادِ (3)
ويقال أن حديد "الصمصامة" من جبل "نقم" في اليمن (4)، ويروي آخرون أن حديدة وجدت عند الكعبة، مدفونة في الجاهلية، فصنع منها ذو الفقار، والصمصامة (5).
وهذه الروايات لا تخلو من المبالغة، وربما كانت من اختلاق عمرو ذاته، وربما سمعها، واقتنع بها فعلاً، أو أضافها الرواة المعجبون مع الأيام، ليضيفوا على أقاصيصهم مزيداً من التشويق والإدهاش، ومهما يكن من أمر فلهذه الأقاصيص أهداف معنوية هامة، فهي تمنح صاحبها ثقة بقدراته، وتملأ نفسه بعزة أمته، في السلم والحرب.
صفاته:
الصمصامة، والصمصام السيف الصارم الذي لا يثنيه شيء (6)، وصمم السيف، وصمصم: مرَّ في العظام وقطعها (7)، وصمصامة عمرو بن معديكرب الزبيدي يزن ستة أرطال، حسب ما ذكره بعض الرواة (8)، وله حد واحد (9).
ووصفه شاعر متأخر بقوله من أبيات:
أخضر المتنِ بين حدَّيه نورٌ = من فرندٍ تمتدُّ فيه العيونُ (10)
وفي رواية ثانية من الأبيات ذاتها:
سيف عمرو قد كان فيما سمعنا = خير ما أغْمِدت عليه الجفونُ
أوقدتْ فوقه الصواعقُ ناراً = ثم شابتْ به الزعافَ القيونُ (11)
وقد ذكره ابن عباس بقوله لبعض اليمنيين: "لكم من السماء نجمها، ومن الكعبة ركنها، ومن السيوف صمصامها" يعني سهيلاً، والركن اليماني، وصمصامة عمرو (12).
مقدرته على القطع:
تحدث الرواة كثيراً عن صرامة هذا السيف، وأول من تغنى بذلك عمرو بن معد يكرب، كما في قوله، أو المنسوب إليه:
وصمصاماً بكفِّي لا = يذوقُ الماءَ من يَرِدهُ (13)
وفي قصيدة ثانية يذكر عمرو أنه قد أعد للحرب درعاً طويلة، وجواداً غليظاً قوياً، وسيفاً قاطعاً يقدُّ الخوذ، والأجساد المكسوة بالدروع:
أعددت للحدثان سا = بغةً وعدَّاءً عَلَنْدَ
نهداً، وذا شطبٍ يقـ = ـدُّ البيضَ والأبدانَ قدّا (14)
وإذا كانت الأبيات السابقة تحتمل أن يكون المقصود فيها "الصمصامة" أو غيره من سيوف عمرو، فهناك أبيات واضحة الدلالة كهذه:
وسيف لابن ذي قَيفان عندي = تخيره الفتى من عهد عادِ
يقدُّ البيض والأبدان قدّاً = وفي الهام الململم ذو احتدادِ (15)
وفي هذا المعنى حول مقدرة "الصمصامة" على القطع ما أشار إليه عمرو من أبيات قالها عندما أهدى سيفه لخالد بن العاص عامل الرسول على اليمن:
خليلٌ لم أخُنْهُ ولم يخنِّي = إذا ما الخطبُ أنحى بالعظام
وودعتُ الصفيَّ صَفيَّ نفسي = على الصمصام أضعافُ السلام (16)
ومن القصص المشهورة ما روي من ان ملك الهند قد أرسل وفداً إلى هارون الرشيد يحمل معه هدايا ثمينة بينها عشرة سيوف من أجود سيوف الهند، وحين قُدِّمتْ إليه دعا بالصمصامة سيف عمرو بن معد يكرب ليختبرها فقُطعت به السيوف سيفاً سيفاً كما يقطع الفجل، من غير أن تنثني له شفرة، أو يفلّ له حدّ (17).
(يُتْبَعُ)
(/)
وروي أن عمر بن الخطاب سأل يوماً عن أمضى سيوف العرب، فقيل له: (صمصامة عمرو بن معد يكرب الزبيدي) فأرسل إلى عمرو أن يبعث إليه سيفه المعروف بالصمصامة، فبعثه إليه، فلما ضرب به وجده دون ما كان يبلغه عنه فكتب إليه في ذلك، فردَّ عمرو: (إنني إنما بعثت إلى أمير المؤمنين بالسيف، ولم أبعث إليه بالساعد الذي يضرب به) (18).
وهذا الخبر، بهذه الصورة مشكوك بصحته لأمرين:
أولهما: أن الصمصامة لم يكن بحوزة عمرو بن معد يكرب في عهد عمر بن الخطاب، فقد سبق أن وهبه لخالد بن سعيد بن العاص عامل الرسول على اليمن، وقد حمله خالد معه إلى بلاد الشام بعد حروب الردة مباشرة حين ضمه أبو بكر إلى جيش شرحبيل بن حسنة، مما يعني أن عمر لو رغب في رؤية "الصمصامة" لطلبه من خالد لا من عمرو، وما كان لأمر كهذا أن يفوته، وهو الذي لا تغيب عنه لا صغيرة ولا كبيرة في دولته.
وثانيهما: أن الكلمات المنسوبة إلى عمرو في رده على الخليفة عمر تبطن غمزاً بعمر بن الخطاب، ولا تخفى دوافع المعارضة من اليمنيين الذين كانوا على خلاف مع بعض القادة الكبار حينذاك.
وإذا صح شيء من الخبر، فإنه ينتهي عند تساؤل عمر عن أمضى السيوف، والجواب عليه بـ: (صمصامة عمرو بن معد يكرب الزبيدي) فحسب، أما ما لحق بهذا الخبر من تتمة فهو، بلا شك، من اختلاق الرواة المعارضين لأسباب لا مجال الآن للخوض في تفاصيلها.
وعلى أية حال، يبدو لنا أن صرامة "الصمصامة" أمر مؤكد، وإلا لما تسابق المحاربون، والأمراء، والخلفاء للحصول عليه، ودفع بعضهم في سبيله أموالاً طائلة.
وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى أن نوع المعدن ونقاءه، وما يشوبه، ودرجة الحرارة التي يصنع فيها، وطريقة التبريد، وظروفها، وخبرة الصائغ ... الخ .. كلها لها أثرها في مواصفات السيف، ومدى صلابته، ومقدرته على القطع. ولذلك لا نجد غرابة من وجهة النظر العلمية في أن يتمتع سيف أكثر من غيره بصرامة متفوقة. لكن الصمصامة حين آل إلى الخليفة العباسي الواثق بالله (19)، أو المهدي في رواية ثانية (20) دعا بصيقل، فلما سُقي السيف تغير، وقل قطعه.
رحلة الصمصامة:
تطرقنا في البداية إلى شيء مما يحيط ببدايات هذا السيف من غموض يمتزج فيها الديني بالتاريخي بالخيالي. والأمر المؤكد أنه كان أحد سيوف عمرو بن معد يكرب الزبيدي حتى جاء خالد بن سعيد بن العاص عاملاً للرسول على اليمن فوهبه له عمرو. وبين الروايات اختلاف حول سبب هذه الهبة.
فقد ذكر الكلبي أن خالد بن سعيد حين بعثه الرسول عاملاً على اليمن أغار على رهط عمرو بن معد يكرب، لتمردهم على الإسلام، فوقع عدد منهم أسرى في يده بينهم امرأة عمرو- أو أخته ريحانة (21) - فعرض عمرو على خالد أن يمن عليهم بالإفراج فقبل، وأسلموا، فوهبه عمرو سيفه "الصمصامة" وقال في ذلك:
خليلٌ لم أهبهُ من قِلاه = ولكن المواهبَ للكرام
خليلٌ لم أخنْه ولم يخنّي = كذلك ما خِلالي أو نِدامي
حبوتُ به كريماً من قريش = فسُرَّ به وصِينَ عن اللئام (22)
وذكر الهيثم بن عدي رواية ثانية للبيت الثاني:
خليلٌ لم أخنْه ولم يخني = على الصمصام أضعافُ السلام (23)
والأبيات كما نلاحظ لا إشارة فيها إلى الإغارة المذكورة، ولا تشي باعتراف بالجميل لأي سبب، وإنما تركز على فكرة الكرم عامة، والعبارة الوحيدة التي يمكن التوقف عندها لمعرفة خليفتها هي (المواهب للكرام) أو (التواهب في الكرام) في رواية ثانية، والأخيرة أكثر قرباً إذا صحت والتي ربما تتضمن إشارة خفية إلى ما لخالد من يد على عمرو. إلا أن الأخبار المتفرقة عن خالد بن سعيد تلمح بوضوح إلى أنه يتمتع ببطولة، وخصال لم تخرج عن روحها الجاهلية التي يتمتع بها عمرو أيضاً وهي كفيلة بأن يتبادل الرجلان الإعجاب، والصنيع. فقد ذُكر أن المسلمين كانوا (إذا اجتمعوا لحرب أقرّه الأمراء فيها، لبأسه، وكيده، ويمن نقيبته) وقد قاد معركة (دائن) قرب غزة وانتصر فيها على الروم قبل قدوم خالد بن الوليد (24).
(يُتْبَعُ)
(/)
ويبدو أن هناك تقارباً في الطباع بينهما أيضاً. نلمح ذلك من إشارة عمر بن الخطاب- قبل أن يصبح خليفة- في نهايات حروب الردة، حين عقد أبو بكر ثلاثة ألوية لثلاثة رجال، هم: خالد بن سعيد بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص السهمي، ليوجههم إلى بلاد الشام، فلما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره عمر بن الخطاب ذلك، وكلم أبا بكر في عزله، ووصفه بـ (إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب) فعزله أبو بكر- مع أنه كان ثالث أو رابع من اعتنقوا الإسلام (25) - وسلم اللواء ليزيد بن أبي سفيان (26) مما يشير إلى اقتناع أبي بكر بما قاله عمر. وهذه الخصال التي ينتقدها عمر في شخصية خالد، ويؤيده أبو بكر في انتقادها هي مما يفتخر به عمرو بن معد يكرب، ولم تفارقه بعد إسلامه، كما أن خالد بن سعيد ظل متحلياً بها إلى آخر أيامه، وهو الذي كان يُنشد في اليوم الذي استشهد فيه:
من فارس كرهَ الطِّعانَ يُعيرُني = رمحاً إذا نزلوا بمرج الصُّفَّرِ
ولذلك فباب الإعجاب كان مفتوحاً بين خالد وبين عمرو، وأستبعد أن يهب الأخير، سيفه العزيز عليه لرجل لا يملأ عينه مهما كانت الأسباب.
ويتضح من الأخبار أن "الصمصامة" ظل مع خالد بن سعيد إلى يوم (مرج الصفر) جنوبي دمشق- عام 13هـ- 634م (27) - حين دارت رحى معركة دامية مع الروم صبيحة الليلة التي تزوج فيها أمَّ الحكم بنت الحارث المخزومي أرملة عكرمة بن أبي جهل- الذي استشهد في اليرموك- فقضى خالدٌ شهيداً، ووجده معاوية فاخذ الصمصامة منه، ثم طالب به فيما بعد سعيد بن العاص بن سعيد .. فتقاضيا عند عثمان فقضى له، وظل عنده إلى أن وقع (يوم الدار) ووقع مروان بن الحكم على مقربة منه. فأخذ الصمصامة رجل من جهينة، ودفعه الجهني إلى صيقل ليجلوه، وحين رأى الصيقلُ السيف عرف قدره، واستبعد أن يكون للجهني، فرفض أن يعيده له، وأتى به إلى مروان بن الحكم، وهو والي المدينة حينذاك، فسأل الجهنيَّ عنه، فحدثه بما حدث معه يوم الدار، فقال مروان: (أما والله لقد سُلبت سيفي يوم الدار، وسُلب سعيد بن العاص سيفه) وحين جاء سعيد عرف السيف، فاسترده، وختم عليه، ثم بعث به إلى عمرو بن سعيد الأشدق، وهو على مكة فمات سعيد، وبقي السيف عند عمرو بن سعيد، ثم أصيب عمرو بدمشق، فأخذ السيف أخوه محمد بن سعيد، ثم صار إلى يحيى بن سعيد، وبعد موته انتقل إلى عنيسة بن سعيد بن العاص .. ولما أصبح في يد أبان بن يحيى بن سعيد حلاه بحلية ذهبية وعندما آلت الخلافة إلى العباسيين تمكن المهدي من الحصول عليه، بعد بحث، فاشتراه من أيوب بن أبي أيوب بن سعيد .. بنيف وثمانين ألفاً، ورد حليته الذهبية إليه (28).
أما أبو عبيدة فيذكر أن المهدي حين كان في واسط أرسل إلى بني العاص يطلب "الصمصامة" فقالوا: (إنه في السبيل محبساً) فقال: (خمسون سيفاً قاطعاً في السبيل أغنى من سيف واحد) وأعطاهم خمسين سيفاً، وأخذه (29).
وفي رواية أخرى أن "الصمصامة" لم يزل في آل سعيد إلى أيام هشام بن عبد الملك فاشتراه خالد القسري بمال كثير، وأوصله إلى هشام الذي كان يجد في البحث عنه، ولم يزل عند بني مروان حتى آلت الأمور إلى بني العباس. فطلبه السفاح، والمنصور، والمهدي، فلم يجدوه، وجدّ الهادي في طلبه حتى ظفر به (30).
أما الهيثم بن عدي فيذكر أن ولد سعيد بن العاص ظلوا يتوارثون "الصمصامة" إلى مجيء موسى الهادي- بعد وفاة المهدي- فاشتراه منهم بمال كثير، وكان موسى من أوسع بني العباس خلقاً، وأكثرهم عطاءً للمال، فجرده، ووضعه بين يديه، وأذن للشعراء بالدخول ودعا بإناء واسع فيه دنانير مكافأة لمن يحسن وصف "الصمصامة" فقال أحدهم:
حازَ صمصامةَ الزبيديِّ من بيـ = ـن جميع الأنام موسى الأمينُ
سيف عمرو وكان فيما سمعنا = خيرَ ما أغمدتْ عليه الجفونُ
أوقدت فوقه الصواعق ناراً = ثمَّ شابت به الزعافَ القيونُ
فإذا ما هززتَه بهرَ الشمـ = (م) = س ضياءً فلم تكد تستبينُ
يستطير الأبصارَ كالقبس المش = (م) = ـعل ما تستقر فيه العيونُ
وكأن الفرندَ والجوهرَ الجا = (م) = ريَ في صفحتيه ماءٌ معينُ
نعمَ مخراقُ ذي الحفيظة في الهيـ = ـجا بعضَّاتها ونعمَ القرينُ
ما يبالي إذا انتضاهُ لضربٍ = أشمالٌ سطت به أم يمينُ
وكأن المنونَ نِيطتْ إليه = فهو من كلِّ جانبيهِ منونُ
(يُتْبَعُ)
(/)
فقدم الهادي السيف والإناء للشاعر، ففرق الشاعر الدنانير على الشعراء، واكتفى بالسيف، الذي اشتراه منه الهادي ثانية بمال كثير (32).
وحين أصبح "الصمصامة" في يد المتوكل قدمه هدية إلى غلامه التركي (باغرا) فقتله به. وعند (باغرا) ينقطع خبر هذا السيف (33). ويغيب حدُّه المشرق. ولسنا بحاجة إلى مزيد من الاجتهاد لندرك أنه بدءاً من مقتل المتوكل قد حُوِّلَ اتجاه "الصمصامة" ليسلط على رقاب العرب عامة، وهذه طبيعة التاريخ. حين يتردّى حاكم تعاقب الأمة كلها، والتاريخ لا يشفق، ولا يجامل، ولا يتردد، ولا يهتز، وما أعمق إدراك أبي بكر حين قال: "وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت، فقوموني".
****************
الحواشي:
(1) -ابن نباته- سرح العيون- ط1 - القاهرة 1377هـ- 1957م- ت. ص 272.
(2) -نشوان الحميري- منتخبات من أخبار اليمن- صححه: عظيم الدين أحمد- مطبعة بريل- ليدن 1916م- ص 62 - 63.
(3) -ابن عبد ربه- العقد الفريد- ج1 - ط2 - القاهرة 1367هـ- 1948م- ص 121.
(4) -الهمذاني- الإكليل- ج8 - بغداد 1931م- ص 257.
(5) -عبد الرحمن الخثعمي السهيلي- الروض الأنف- ج1 - المطبعة الجمالية بمصر 1332هـ- 1914م- ص 39.
(6) -الصحاح- باب الميم- فصل الصاد- وتاج العروس.
(7) -لسان العرب- صمم.
(8) -أبو هلال العسكري- ديوان المعاني- ج2 - مكتبة القدسي- القاهرة 1352هـ- ص 53.
(9) -ابن هذيل الأندلسي- حلية الفرسان وشعار الشجعان- ج2 - دار المعارف 1951 - ص 191.
(10) -المصدر نفسه- ص 189.
(11) -ديوان المعاني- ج2 - ص 52 - مصدر سابق.
(12) -الثعالبي- ثمار القلوب في المضاف والمنسوب- القاهرة 1326هـ- 1908م- ص 497.
(13) -شعر عمرو بن معدي كرب الزبيدي- جمعه: مطاع طرابيشي- ط2 - مجمع اللغة العربية بدمشق 1405هـ- 1985م- ص 91.
(14) -المصدر السابق- ص 80 - وعلندى: طويل، ضخم- نهد: جسيم مشرف، وهما صفتان للجواد- ذو شطب: فيه آثار طرق.
(15) -منتخبات من أخبار اليمن- ص 63 - مصدر سابق.
(16) -ثمار القلوب- ص 498 - مصدر سابق.
(17) -العقد الفريد- ج2 - القاهرة 1359هـ- 1940م- ص 203.
(18) -حلية الفرسان- ج2 - ص 188 - 189 - مصدر سابق.
(19) -البلاذري- فتوح البلدان- تحقيق: عبد الله أنيس الطباع وعمر أنيس الطباع- دار النشر للجامعيين- 1377هـ- 1957م- ص 165.
(20) -منتخبات- ص 63 - مصدر سابق.
(21) -الروض الأنف- ج1 - ص 39 - مصدر سابق.
تختلف الروايات حول "ريحانة" هذه، فيقال مرَّة: حبيبته، ومرة: أخته، وثالثة: امرأته ... وفيها يقول قصيدة مشهورة مطلعها:
أمن ريحانة الداعي السميع = يؤرقني وأصحابي هجوع
(22) -فتوح البلدان- ص 163 - مصدر سابق.
(23) -ديوان المعاني- ج2 - ص 53 - مصدر سابق.
وللشطر الخير خاصة روايات مختلفة، وقال ابن بري: صواب إنشاده: "على الصمصامة أمْ سيفي سلامي" و (أمْ) زائدة، وهي لغة- انظر لسان العرب- صمم.
(24) -فتوح البلدان- ص 151 - مصدر سابق.
(25) -ابن حجر- الإصابة في تمييز الصحابة- المكتبة العلمية بمصر 1323هـ- ص 91 - 92.
(26) -فتوح البلدان- ص 149 - 150 - مصدر سابق.
(27) -حول تفاصيل مجريات المعركة وموقعها انظر: الجنرال أ. أكرم- سيف الله خالد بن الوليد- ترجمة العميد الركن صبحي الجابي- مؤسسة الرسالة- ط6 - 1408هـ- 1988م- ص 381 وما بعدها.
(28) -فتوح البلدان- ص 163 - 164 - مصدر سابق.
(29) -سرح العيون- ص 273 - مصدر سابق.
(30) -ثمار القلوب- ص 498 - 499 - مصدر سابق.
(31) -ديوان المعاني- ج2 - ص 52 - مصدر سابق.
تتنسب القصيدة لعدد من الشعراء بروايات متقاربة في مصادر مختلفة ففي:
-ديوان المعاني: لابن يامين البصري.
-حلية الفرسان: ص 189 - لأنس.
-فتوح البلدان: ص 164 - لأبي الهول الحميري.
(32) -ثمار القلوب- ص 499 - مصدر سابق.
(33) -سرح العيون- ص 273 - مصدر سابق.
--------------------------------------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 64 - السنة 16 - تموز "يوليو" 1996 - صفر 1417
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 12:00 م]ـ
** الضرورة الشعرية ومفهوم الانزياح**
لـ أحمد محمد ويس
(يُتْبَعُ)
(/)
ثمة ما يشبه الاتفاق على أن للشعر لغة خاصة تمتاز بسمات معينة (وربما غير معينة أيضاً) تميزه من لغة النثر. والإقرار بهذا يعني أنّ الحكم على لغة الشعر ينبغي أن ينبثق من إدراك لطبيعة لغة الشعر دونما تحكيم لمعايير لغة النثر، لأن مثل ذلك التحكيم يؤدي إلى أن تفقد اللغة الشعرية الكثير من سماتها.
ولعل أكثر ما يمكن أن ينطبق على لغة الشعر هو أنها لغة النفس بكل ما في النفس من توتر وانفعال، في حين أنّ لغة النثر أقرب إلى برود العقل. ومن الممكن أن نَسِم لغة الشعر بأنها لغة انفعالية، ولغة النثر بأنها تعاملية أو منطقية [1]، ففي اللغة الانفعالية "يقتصر الاهتمام [على] إبراز رؤوس الفكرة؛ فهي وحدها التي تطفو وتسود الجملة، أما الروابط المنطقية التي تربط الكلمات بعضها ببعض، وأجزاء الجملة بعضها ببعض فإمّا ألاّ يُدَلّ عليها إلا دلالة جزئية بالاستعانة بالتنغيم والإشارة إذا اقتضى الحال، وإمّا ألاّ يُدَلّ عليها مطلقاً ويترك للذهن عناء استنتاجها. هذه اللغة المتكلمة تقترب من اللغة التلقائية، ويطلق هذا الاسم على اللغة التي تنفجر من النفس تلقائياً تحت تأثير انفعال شديد، ففي هذه الحالة يضع المتكلم الألفاظ الهامة في القمة، إذ لا يتيسر له الوقت ولا الفراغ اللذان يجعلانه يطابق فكرته على تلك القواعد الصارمة قواعد اللغة المتروية المنظمة، وعلى هذا النحو تتعارض اللغة الفجائية مع اللغة النحوية" [2]
وإذا كان صحيحاً ما قاله ووردز وورث (1770 - 1850م) من "أن الشعر يتضمن الانفعال بصفة دائمة" [3] فإن الصحيح أن" لكل انفعال نبضه االخاص [و] أنماطه التعبيرية المميزة له" [4] على حدّ قول كولريدج (1772 - 1834م).
والحق أننا نروم من خلال إيراد مثل هذا الكلام ههنا الخلوص إلى أن ماشاع عند القدامى من نحويين وبلاغيين ونقاد مما سمّي "الضرورة الشعرية" كان في القسم الكبير منه مظهراً من مظاهر لغة الشعر التي يحلّق الشاعر بها ومن خلالها في فضاء رحيب من الخيال غير ملتزم بما يسمى قيود اللغة، إذ الشاعر الحق هو من يطوع تلك القيود لفنه، فكأنه بذلك يجاوزها. ولعل هذا ما دعا أبا العتاهية كي يقول في غير قليل من الأنفة: "أنا أكبر من العروض" [5] وكأنه يريد القول إن العروض لا يمكن إن يقف حائلاً دون أن يعبر عما يريد وبما يريد. فإذا وقف حائلاً فلا عليه إنْ هو ابتدع لنفسه عروضاً آخر.
ولكننا لا ينبغي أن نغتر بكلام أبي العتاهية على إطلاقه، فنظن بأن من السهل على الشاعر أن يكون أكبر من العروض، كما لا ينبغي الظن بأن الشعر سهل المسالك خال من القيود، فليس الأمر كذلك، وليس ثمة فن يخلو من قيود .. لا بل إن هناك من يرى أن الفن "لا يحيا بغير قيود" [6] ولكنها القيود التي تؤدي إلى غنى القن لا إلى تجميده. وهكذا فإن القافية- وهي مما جرى اعتباره ضمن القيود-" كثيرا ما تسوق الشاعر إلى معنى لم يكن بباله" [7] كما قال مندور. وطبعاً فإن مثل هذا المعنى إنما يتصيده المتلقي أو يلوح للمبدع نفسه بعد أن يفرغ مما كتب.
وعلى الرغم من أن كلام مندور لا يؤدي حتماً إلى الوقوع في الضرورة فإن مجرد التفاته إلى أن القافية هي من قيود الشعر يصلنا برؤية العلماء القدامى التي كانت تعتبر الوزن والقافية قيدين ترتبط بهما "الضرورة" ارتباط النتيجة بالسبب، أو هذا ما يقوله المبرد: "فالوزن يحمل على الضرورة، والقافية تضطر إلى الحيلة" [8] وعلى مثل هذا النحو كانت نظرة كثير من القدامى فهي عند بعضهم رخصة" [9] وعند بعضهم الآخر "خطأ" أو "غلط" أو "شذوذ" [10] وهي عند أبي هلال العسكري "قبيحة" إذ يقول "وينبغي أن يجتنب ارتكاب الضرورات، وإن جاءت فيها رخصة من أهل العربية؛ فإنها قبيحة تشين الكلام وتذهب بمائه، وإنما استعملها القدماء في أشعارهم لعدم علمهم بقباحتها، ولأن بعضهم كان صاحب بداية. والبداية مزلة، وما كانوا أيضاً تُنْقَد عليهم أشعارهم، ولو قد نُقدت وبُهرج منها المعيب كما تنقد على شعراء هذه الأزمنة ويبهرج من كلامهم ما فيه أدنى عيب لتجنبوها" [11]
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا يبدو مقنعاً تسويغ أبي هلال لورود الضرورة عند القدامى. وهو إلى عدم إقناعه فيه اتهام خفي لذوقهم الشعري. ولا يبعد ابن رشيق عن هذا الاتجاه فيرى أن"لاخير في الضرورة، غير أنّ بعضها أسهل من بعض، ومنها ما يسمع عن العرب ولا يعمل به لأنهم أتوا به على جبلتهم. والمولَّد المحدث قد عَرف أنه عيب. ودخوله في العيب يُلزمه إياه. [12]
وليس ثمة حاجة إلى إيراد مزيد من النصوص، إذ يبدو أن هذه النظرة إلى"الضرورة الشعرية" كانت شائعة قديماً سواء عند أهل العروض أو عند أهل اللغة أو النحو أو البلاغة، فالشعر عندهم موضع اضطرار، أو أسير الوزن. والوفاء للوزن قد يقتضي من الشاعر أن ينحرف بالكلمة أو بالتركيب عما تقتضيه قواعد اللغة من نحو وصرف. والنتيجة التي يؤدي هذا الفهم إليها هي أن الوزن قيد يحد من حرية الشاعر. ولكنها نتيجة تلحق بالوزن وصمة ينبغي ألاّ تكون له. وكان من الممكن أن ينظر إلى هذه التي دعوها "ضرورة" على أنها سمة من سمات اللغة الشعرية. ولكنهم ما فعلوا ذلك، فكان هذا الوصف بالضرورة" وصمة وصموا بها الشعر العربي عن حسن نية منهم" [13]
ولقد حاول بعض المحدثين أن ينأى "بالضرورة" عما حُمّلت به، فرأى كمال بشر -مثلاً- أنها"ليست من باب الخطأ، كما يظن بعض الناس. [وإنما هي] تجيء على قاعدة جزئية تختلف مع القاعدة التي سموها قاعدة عامة، أو تجيء على وفاق لهجة من اللهجات، أو تجيء على وفاق مستوى لغوي معين ... " [14]
ويفسر أحمد مختار عمر لجوء النحاة إلى الوصف بـ"الضرورة" علىأنه مخرج لهم حين تعجزهم الحيل عن إيجاد علة منطقية لتفسيرها، "فأطلقوها دون قيد، لتكون سيفاً مصلتا وسلاحاً يشهرونه في وجه كل بيت يخالف قواعدهم ويعجزون عن تخريجه، فيجدون المخلص في هذا الوصف السهل يلقونه دون نظر أو تفكير" [15]
ولكنّ هذا القول لا يخلو من حيف، فنحن نرى أن النحاة ما انفكوا عن النظر والتفكير، بيد أن المعيارية هي التي غلبت عليهم، وهي التي حرصوا عليها، فكان الوصف بالضرورة من مظاهر هذه المعيارية.
ومهما يكن من أمر هذه المعيارية فإن النظرة إلى الضرورة الشعرية لم تكن على نحو واحد؛ فقد يكفي أن نقرأ للخليل بن أحمد كلاماً يلامس فيه ما ينبغي أن يتسم به الشاعر من حرية وامتياز، إذ يقول: "والشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاؤوا، ويجوز لهم مالا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده ... ومد المقصور وقصر المددود، والجمع بين لغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلّت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه، فيقرّبون البعيد ويبعّدون القريب ويُحتج بهم ولا يحتج عليهم ويصورون الباطل في صورة الحق، والحقّ في صورة الباطل" [16]
ويعلّق حازم على هذا بالقول: "فلأجل ما أشار إليه الخليل رحمه الله من بعد غايات الشعراء وامتداد آمادهم في معرفة الكلام واتساع مجالهم في جميع ذلك، يحتاج أن يحتال في تخريج كلامهم على وجوه من الصحة، فإنهم قلما يخفى عليهم ما يظهر لغيرهم، فليسوا يقولون شيئاً إلا وله وجه، فلذلك يجب تأوُّل كلامهم على الصحة، والتوقف عن تخطئتهم فيما ليس يلوح له وجه، وليس ينبغي أن يعترض عليهم في أقاويلهم إلا مَن تُزاحم رتبتُه في حسن تأليف الكلام وإبداع النظام رتبتَهم" [17]
والحق أن كلام الخليل هذا فريد في بابه، وكان منتظراً له أن يتكرّر بقوة أكبر عند تلميذه سيبويه، ولكن هذه القوة لم تحدث. وعلى الرغم من ذلك فإن سيبويه قد عقد للضرورة باباً سمّاه "باب ما يحتمل الشعر" [18]
والذي يمكن استخلاصه من كلام سيبويه هوأنه أدرك ان للشعر لغة خاصة به يقع فيها الذي لا يقع في الكلام العادي، ويقول: "اعلم أنه يجوز في الشعر مالا يجوز في الكلام من صرف مالا ينصرف، ويشبهونه بما ينصرف من الأسماء لأنها أسماء كما أنها أسماء. وحذف مالا يحذف، ويشبهونه بما قد حذف واستعمل محذوفاً" [19] ثم قال بعد أن أورد جملاً مما يجوز في الشعر دون الكلام: "ليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهاً " [20]. والظاهر من هذا أن سيبويه يقر بوقوع الضرورة، ولكنه يشير إلى إمكان تسويغها على وجه من الصواب؛ أي أن سيبويه يجهد في ألاّ يُخَطَّأ الشاعر. فإذا تقدمنا في الزمن قليلاً وجدنا ابن قتيبة يُضيِّق ما رآه الخليل واسعاً، فتراه يقول: "وقد يضطر الشاعر فيقصُر الممدود، وليس له أن
(يُتْبَعُ)
(/)
يمد المقصور. وقد يضطر فيصرف غير المصروف، وقبيح ألاّ يصرف المصروف ... وأما ترك الهمز من المهموز فكثير واسع لا عيب فيه على الشاعر. والذي لا يجوز أن يهمز غير المهموز:. [21]
وهكذا اختصر ابن قتيبة مجال الحرية إلى النصف ممّا كان عند الخليل. وتبقى الخشية قائمة من مثل هذا الاتجاه العام نحو التضييق على الشاعر، والتقعيد للغة الشعرية.
وعلى الرغم مّما يمكن أن نجده من سطوة هذا التضييق عند بعض اللغويين والنقاد فإن ذلك لا يعني أن كل النقاد أخذوا بمثل هذا التضييق أو ساروا في ركبه، ولذلك فلسنا نوافق مصطفى ناصف في تعميمه الجازم حين قال: "فالمخالفات النحوية اعتبرت على أيدي النقاد جميعاً هفوات، ذلك لأن الشعر ينبغي ألا يخرج على حدود المستوى الأول أو الصورة الوهمية السابقة، ومن أجل ذلك تعقبوا ما سمّوه سقطات المتنبي وسقطات الجاهليين" [22]؛ لا نوافقه، لأنا سنرى وشيكا، إضافة إلى ما رأينا عند الخليل، أن عدداً من العلماء القدامى فهموا الضرورة على غير ما يوحي به اسمها؛ أي على أنّ استعمالها لايكون اضطرارا دائماً وإنما هي تأتي في أحايين كثيرة على نحو اختياري حرّ مقصود في ذاته؛ فقد ورد التعريف بالضرورة على أنها "ما وقع في الشعر دون النثر، سواء كان للشاعر عنه مندوحة، أم لا" [23]؛
أي أن الشاعر إذا وقع فيما يسمى بالضرورة وكانت له عنها مندوحة فهذا يعني أنه يقصد إليها قصدا، وأن له من ورائها غاية فنية أو غير فنية.
ويبدو للباحث أن ما جاء به ابن جني في أمر الضرورة كان ذا أهمية بالغة. وعلى الرغم مّما قد يبدو فيه من عدم اتساق، فإن خلاصة كلامه تؤدي به إلى أن يُسلَك ضمن هذا الاتجاه الذي يمثل التعريف الآنف أحسن تمثيل.
يرى ابن جني أن "الشعر موضع اضطرار، وموقف اعتذار، وكثيراً ما تُحرّف فيه الكلم عن أبنيته، وتحال فيه المثل عن أوضاع صيغها لأجله" [24] وهكذا فإن "عطية" تصير "عطاء" في قول الشاعر:
أبوك عطاء ألأم الناس كلهم
فقبّح من فحل وقبِّحتَ من نجل
وواضح أن ابن جني ههنا يميل إلى اعتبار الشعر موضع اضطرار. فأما سبب الاضطرار فلعله من دون شك الوزن وإن لم يصرّح بذلك هنا. ويكاد ابن جني في هذا النص يكرر ما رأيناه عند سيبويه؛ فهو مع ذهابه إلى أن الشعر موضع اضطرار يرى إمكانية الاعتذار. ولعل من الاعتذار أن تُحمل الضرورة على وجه من الصواب مثلما ذهب سيبويه.
على أن لابن جني رأياً آخر في الضرورة يذهب فيه إلى أن العرب تركبَ الضرورة مع قدرتها على تركها، وهي " تفعل ذلك تأنيساً لك بإجازة الوجه الأضعف لتصح به طريقك، ويرحُب به خناقك إذا لم تجد وجها غيره، فنقول: إذ أجازوا نحو هذا ومنه بدّ وعنه مندوحة، فما ظنك بهم إذا لم يجدوا منه بدلا، ولا عنه معدلا، ألا تراهم كيف يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على تركها؛ ليُعِدّوها لوقت الحاجة؛إليها [25]، ثم يستشهد على ذلك بجملة أبيات من الشعر يعلّق بعد كل واحد منها بأن الوزن ليس هو ما ألجأ الشاعر إلى الضرورة؛ وإنما كان ذلك منه رغبة في الاعتياد عليها [26] حتى يكون وقعها عند ارتكابها اضطراراً أخف على الناس وطأة مّما لو لم يعتادوا سماعها.
ويذهب ابن جني إلى أبعد من ذلك حين يرى أن مرتكب الضرورة يرتكبها لا عن ضعف وعجز، وإنما عن قوة طبع وفيض، ويقول: "فمتى رأيت الشاعر قد ارتكب مثل هذه الضرورات على قبحها، وانخراق الأصول بها، فاعلم أن ذلك على ما جَشِمه منه، وإن دل من وجه على جوره وتعسفه، فإنه من وجه آخر مؤذن بصياله، وتخمطه [أي تكبره]، وليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختيار الوجه الناطق بفصاحته، بل مَثَله في ذلك عندي مثل مُجري الجَمُوح بلا لجام، ووارد الحرب الضروس حاسراً من غير احتشام. فهو وإن كان ملوما في عنفه وتهالكه، فإنه مشهود له بشجاعته، وفيض مُنَّتِه؛ ألا تراه لا يجهل أن لو تكفر في سلاحه، أو اعتصم بلجام جواده لكان أقرب إلى النجاة، وأبعد عن المَلْحاة لكنه جشِم ما جشِمه على علمه بما يعقب اقتحام مثله، إدلالا بقوة طبعه, ودلالة على شهامة نفسه" [27] وإذن فإنما شأن الشاعر في ارتكاب الضرورة اختياراً شأنُ المغامر في ركوبه المخاطر، فهو، إذلا يبالي بالمخاطر، فلأنه يحصل على لذة مضاعفة تنسيه الخطر. ولعل اللذّة لم تأته إلا لأنه في مغامرته راد عالماً مجهولاً، وحصّل تجربة
(يُتْبَعُ)
(/)
جديدة ما كان ممكناً بغير المغامرة تحصّلها.
وإذ يرى ابن جني أن الشاعر لم يرتكب الضرورة مضطراً بل حراً مختاراً، فإنه بعد قليل من كلامه ذاك يذكر أن انجلاء المعنى في ذهن الشاعر يجعله حين يقع فيها غير مدرك لها" فكأنه لأنسه بعلم غرضه وسفور مراده لم يرتكب صعباً، ولا جشم إلا أَمماً، وافق بذلك قابلاً له، أو صادف غير آنسٍ به، إلا أنه هو قد استرسل واثقاً، وبنى الأمر على أنه ليس ملتبساً" [28]
هما إذاً تفسيران يعرضهما ابن جني لارتكاب ما سميّ بالضرورة: تفسير يجعل الشاعر واعياً بما يفعل، ومدلاً بقوة طبعه، وآخر يجعله غير واع يما يفعل حين تنثال عليه الألفاظ فيصوغها في شكل يظنّه واضحاً لغيره مثلما هو واضح في نفسه. على أن المهم في كلام ابن جني ميلُه العامّ إلى اعتبار ما سمي بالضرورة أمراً سائغاً للشاعر ارتكابه، خاصة من كان ذا فصاحة واقتدار لغويّ. وهو بعد أن يستعرض جملة من الضرائر يقول: "إذا جاز هذا للعرب من غير حصر ولا ضرورة قول كان استعمال الضرورة في الشعر للمولدين أسهل وهم فيه أعذر" [29]
وربما أمكن عقد صلة بين ما يقوله ابن جني هنا وبين بحثه في "شجاعة العربية" فالضرورة ما هي إلا مظهر من مظاهر هذه الشجاعة.
وثمة من شارك ابنَ جني رأيه في الضرورة؛ فقد ورد عن معاصره أبي الطيب المتنبي أنه قال: "قد يجوز للشاعر من الكلام مالا يجوز لغيره، لا للاضطرار إليه، ولكنْ للاتساع فيه واتفاق أهله عليه، فيحذفون ويزيدون" [30] وقال: " وللفصحاء المدلين في أشعارهم مالم يسمع من غيرهم ... " [31] وليس بمستغرب على مثل أبي الطيب أن يصدر عن مثل هذا الرأي، وهو المبدع الذي نشد الحرية وانطوى على شعور مَن أيقن أن اللغة ملك له.
وفي هذا العصر نفسه نلفي لغوياً آخر هو حمزة بن حسن الأصفهاني (ت360هـ) لا يكتفي بأن يقرّ الضرورة فحسب، بل هو يعدها وسيلة من وسائل نماء اللغة وغناها، وعلى الرغم من أنه يرى أن الضرورة سببها ما في الشعر من مضايق يرى أن الشعراء يبتكرون بسبب من هذه المضايق صيغا ومفردات تدخل متن اللغة وتزيد في غناها. ويذهب الأصفهاني في سبيل توكيد ذلك إلى القول بأن علماء الآزادمرية إذ "ألْفوا لغات جميع الأمم ... لا يتولد فيها الزيادات والنماء على مرور الزمان ... وجدوا اللغة العربية على الضد من سائر لغات الأمم، لما يتولد فيها مرة بعد أخرى وأن المولد لها قرائح الشعراء الذين هم أمراء الكلام، بالضرورات التي تمر بهم في المضايق التي يدفعون إليها عند حصر المعاني الكثيرة في بيوت ضيقة المساحة، والإقواء [اي الإحراج] الذي يلحقهم عند إقامة الثواني التي لا محيد لهم عن تنسيق الحروف المتشابهة في أواخرها، فلا بد من أن يدفعهم استيفاء حقوق الصنعة إلى عرض اللغة بفنون الحيلة، فمرة يعسفونها بإزالة أمثلة الأسماء والأفعال عما جاءت عليه في الجبلة -لما يُدخلون من الحذف والزيادة فيها- ومرة بتوليد الألفاظ على حسب ما تسمو إليه هممهم عند قرض الأشعار" [32]
ثم يورد الأصفهاني بعدئذ عدداً من الألفاظ التي ولَّدها الشعراء القدامى ولم يكن لها في اللغة وجود، فيقول: "أمّا ما خرج إلى الوجود بالتوليد فكثير ... يدل عليه قليل ما نحكي منه. فمن ذلك قول النابغة:
إلا الأواريّ لأيا ما أبيّنها
والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
فزعم الرواة والعلماء بالشعر أنه أول من سمّى الأرض مظلومة؛ وهي التي حفر فيها ولم تكن قبل ذلك محفورة" [33]
ومن ذلك أيضاً ألفاظ "الشكم " و"الشكد" و"الشكب" التي صارت لغات في "الشكر" بعد أن استعمل طرفة الأولى والثانية في قصيدتين له: قافية الأولى "ميم" وقافية الثانية "دال" واستعمل مزرد الثالثة. [34]
وعلى الرغم من أن ابن رشيق رأى كما مرّ معنا سابقاً "أنه لا خير في الضرورة" فإنه يقع فيما يشبه الاستدراك على نفسه حين يختتم حديثه عن "الرخص في الشعر" بعرض" أشياء من القرآن وقعت فيه بلاغة وإحكاما لاتصرفا وضرورة " [35]
والذي نريده ههنا أنه قال عقب هذا القول رأسا: "فإذا وقع مثلها [يعني الأشياء] في الشعر، لم ينسب إلى قائله عجز ولا تقصير، كما يظن من لا علم له، ولا تفتيش عنده؛ من ذلك أن يذكر شيئين، ثم يخبر عن أحدهما دون صاحبه اتساعاً، كما قال عز وجل: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها) *
(يُتْبَعُ)
(/)
أو يجعل الفعل لأحدهما ويشرك الآخر معه، أو يذكر شيئاً، فيقرن به ما يقاربه ويناسبه، ولم يذكره، كقوله تعالى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) (**) وقد ذكر الإنسان قبل هذه الآية دون الجان وذكر الجان بعدها. وقال المثقب العبدي:
فما أدري إذا يممت أرضاً
أريد الخير، أيهما يليني
أَأَلخير الذي أنا أبتغيه
أم الشر الذي هو يبتغيني
فقال: "أيهما" قبل أن يذكر الشيء؛ لأن كلامه يقتضي ذلك ... ومن ذلك إضمار ما لم يذكر جلّ اسمُه: (حتى توارت بالحجاب) ( ... )
يعني الشمس ... وقال حاتم:
أماويّ ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
يعني النفس. وحدف"لا" من الكلام وأنت تريدها كقوله تعالى: (كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم) (****)
(أي: ألا تحبط) وزيادة "لا" في الكلام كقوله سبحانه: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) (*) فزاد "لا"؛ (لأنهم لا يؤمنون) ... وقال جل اسمه: (وما منعك ألا تسجد) (**) أي: ما منعك أن تسجد ... وقال أبو النجم العجلي:
فما ألوم البيض ألا تسخرا
يريد: "أن تسخرا ... "36
ليس على ابن رشيق حرج في أن يؤدي القياس به وبغيره أيضاً إلى اعتبار مثل هذه الأشياء التي جرت العادة أن تحمل على الضرورة في الشعر، مظهراً من مظاهر البلاغة والفصاحة فإن مجرد ورود مثلها في القرآن -وهو الذروة في البلاغة والفصاحة والمثال الذي يحتذى -كاف في تسويغها بل عدّها من مظاهر القوة الشعرية أيضاً.
ثم نلتقي بعد نحو قرنين من عصر ابن رشيق بابن عصفور (ت669هـ)؛ فنراه يفتتح كتابه "ضرائر الشعر" بالقول: "إن الشعر لما كان موزوناً ... أجازت العرب فيه مالا يجوز في الكلام؛ اضطروا إلى ذلك أم لم يضطروا إليه، لأنه موضع ألفت فيه الضرائر"37
وبحسبنا من هذا القول التفاتته إلى أنّ ما لا يجوز في الكلام قد يأتي في الشعر دونما اضطرار إليه؛ لأن هذا الذي لا يجوز في الكلام هو مما يقوم عليه الشعر حتى لكأن وروده في الشعر صار أمراً مألوفاً. ولعل هذا هو مؤدّى قوله: إن الشعر"موضع ألفت فيه الضرائر".
ونلتقي في هذا العصر بنحوي آخر وهو ابن مالك (ت672هـ) فنراه قد ضيّق من مفهوم الضرورة، إذ هي عنده "ماليس للشاعر عنه مندوحة"38 فأما ما لا يؤدي الوزن والقافية إليه فليس هو من الضرورة في شيء. وعلى ذلك فإن دخول "أل" على الفعل في قول الشاعر:
يقول الخنى وأبغض العجم ناطقاً
إلى ربنا صوت الحمار اليجدع
وفي قول الآخر:
وليس اليَرى للخلّ مثل الذي يرى
له الخل أهلاً أن يعد خليلا
هو دخول اختياري39 وفي هذا يقول ابن مالك: "وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة لإمكان أن يقول الشاعر: صوت الحمار يجدع، وما مَن يرى للخل، وإذا لم يفعلوا ذلك مع الاستطاعة ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار"40
ويبدو أنّ ما أدّى بابن مالك إلى أن يضيِّق من مجال الضرورة هو منهجه في الاعتداد باللهجات المختلفة والقراءات القرآنية والحديث النبوي؛ فإذا ورد من هذه شيء مما يقول النحاة عن نظيره إنه من الضرورة لا يعده هو كذلك، بل يعيد كل ظاهرة إلى أصلها، وقد نص على أنه لهجة قبيلة معينة، وضرورة عند غيرهم.41 وعلى ذلك فإن ابن مالك لا يسدّ باب الضرورة وإنما يضيقه.
بيد أن رأي ابن مالك لم يسلم من النقد الشديد من بعض المتأخرين كأبي حيان (ت745هـ).والشاطبي (ت790 هـ). وقد نقل السيوطي عن أبي حيان قوله في ابن مالك إنه "لم يفهم معنى قول النحويين في ضرورة الشعر، فقال في غير موضع: ليس هذا البيت بضرورة، لأن قائله متمكن من أن يقول كذا ... الضرورة إنما هي دليل قصور من الشاعر، ولكنه القصور القابل لإمكانية التصحيح.
ويشير الشاطبي في معرض رده إلى أمر مهم جداً، وهو "أنه قد يكون للمعنى عبارتان أو أكثر، واحدة يلزم فيها الضرورة إلا أنها مطابقة لمقتضى الحال، ولا شك أنهم في هذه الحال يرجعون إلى الضرورة؛ لأن اعتناءهم بالمعاني أشدّ من اعتنائهم بالألفاظ"42 فههنا مهمة إشارة إلى أن الضرورة قد جاءت اختيارا وأن من ورائها غاية معنوية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونقف أخيراً على كلام لبهاء الدين السبكيّ (ت763هـ) يتضح فيه جلياً أن ما قد يعدُّ ضعيفاً وغير فصيح في الكلام النثريّ قد يعد في الشعر على خلاف ذلك قوياً وفصيحاً. وقد عرض السبكي لهذا الرأي في سياق حديثه عن عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة في مثل "ضرب غلامه زيدا". ويقول: "وقد اختلف في جواز ذلك، فالجمهور على منعه، وجوزه أبو الحسن والطُّوال وابن جني وابن مالك مستدلين بقوله:
جزى ربه عني عدي بن حاتم
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل
ثم قال: "وأعلم أن المصنف [يعني القزويني] والشراح [يعني شراح التلخيص] قالوا: إنما كان ضعيفاً لأن ذلك ممتنع عند الجمهور، ولا يجتمع القول بضعفه وكونه غير فصيح مع القول بامتناعه، فإن أرادوا أنه جائز ولكنه ضعيف لأن الأكثر على امتناعه ... فلا يلزم من القول بجواز مامنعه الجمهور الاعتراف بضعفه، فربما ذهب ذاهب إلى جواز شيء مع فصاحته مع ذهاب غيره إلى امتناعه ... وعليه اعتراض ثان وهو أن هذا على تقدير جوازه وضعفه ليس مثالاً صحيحا"ً، لأن هذا ليس ضعيفاً في الكلام ... ثم ذلك الضعف ربما كان في النثر دون الشعر، لأن ضرورة الشعر كما تجيز ما ليس بجائز فقد تقوي ما هو ضعيف، فعلى البيانيّ أن يعتبر ذلك، فربما كان الشيء فصيحا في الشعر غير فصيح في النثر"43
ومن الواضح أن السبكيّ مدرك تمام الإدارك أن للكلام مستويين: مستوى نثرياً وآخر شعرياً. ويبدو طريفاً ومقنعاً حِجاجُه المنطقيّ هذا الذي ابتغى من ورائه تقرير أن ما يُحكم عليه بالضعف في الكلام النثري قد ينقلب في الشعر فيغدو قويا، فهذا ينبغي أن يكون مثل جعلهم ما ليس بجائز في الكلام جائزاً في الشعر. وهو ما جرت تسميته "بالضرورة". بيد أن هذا لا يعني البتة أن كل ضعيف في الكلام يقوى إذا هو ورد في الشعر ... وإنما الشأن راجع إلى فحولة الشاعر واقتداره. والسبكيّ كان في الحق دقيقاً ومحتاطاً إذ استعمل في عبارته الأداتين "قد" و"ربما"؛ ليشير بهما إلى أنّ الأمر ليس في مكنة كل من يتعاطى قرض الشعر.
وبالجملة فإن من الممكن القول بعد هذا بأن الضرورة الشعرية هي في كثير من أحوالها خصيصة من خصائص اللغة الشعرية. وعلى ذلك فلا تكون عيباً، بل هي في الغالب مظهر من مظاهر الاقتدار الفني. ولعل هذا قد اتضح من خلال ما سقناه من نصوص لامس فيها أصحابها الفكرة على نحو مباشر أو غير مباشر.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- اقتبست هذه التسمية من فندريس في كتابه: اللغة، تر: عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص مكتبة الأنجلو المصرية 1950، ص182
[2]- فندريس: اللغة ص194 - 195
[3]- كولريدج: النظرية الرومانتيكية في الشعر، سيرة أدبية لكولريدج، تر: عبد الحكيم حسان، ط دار المعارف بمصر 1971، ص302
[4]- المصدر السابق ص303 وقد عبر كروتشه عن مثل ذلك فقال: إن اللغة خلق دائم، فما عبر عنه تعبيراً لغوياً لن يتكرر مطلقاً .. فالانطباعات الدائمة الجدة تفسح المجال لظهور تغييرات مستمرة في الصوت والمعنى .. والبحث عن لغة نمطية هو البحث عن سكون الحركة، ويمزات وبروكس: النقد الأدبي، تر: محيى الدين صبحي، مطبعة جامعة دمشق 1973 - 1976،3/ 738
[5]- الأصفهاني: الأغاني، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب، مؤسسة جمال، بيروت د. ت، 4/ 13
[6]- مندور: محمد: في الأدب والنقد، طـ5 دار نهضة مصر د. ت ص11 وهو يشير إلى أن هذا مثل فرنسي.
[7]- المصدر نفسه ص11
[8]- البلاغة، تح: رمضان عبد التواب، ط2 مكتبة الثقافة الدينية بالقاهرة 1985، ص81 وانظر الفراء: معاني، تح: عبد الفتاح شلبي، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 1972، 3/ 118 وابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن، تح: السيد أحمد صقر، ط1 دار الرجاء إحياء الكتب العربية القاهرة 1954 ص154
[9]- انظر: ابن رشيق: العمدة، تح: محمد قرقزان، ط1 دار المعرفة بيروت 1988، ص1020
[10]- انظر: ابن فارس: ذم الخطأ في الشعر، تح: رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي بمصر 1980، ص21 والصاحبي في فقه اللغة، تح: مصطفى الشويمي، مؤسسة بدران، بيروت، 1963، ص276 وابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن، ص154.
[11]- الصناعيتن، تح: علي البجاوي وأبو الفضل إبراهيم، ط عيسى البابي الحلبي القاهرة 1952، ص150
[12]- العمدة، ص102
(يُتْبَعُ)
(/)
[13]- أنيس، إبراهيم: من أسرار اللغة، ط الأنجلو المصرية القاهرة 1951، ص252
[14]- دراسات في علم اللغة، دار المعارف بمصر 1969، 2/ 115
[15]- البحث اللغوي عند العرب، ط4 عالم الكتب بالقاهرة 1982، ص41.
[16]- منهاج البلغاء ص143 - 144،وانظر: ابن فارس: الصاحبي، ص275، والسيوطي: المزهر في علوم اللغة، تح: جاد المولى ورفيقيه، ط2 دار إحياء الكتب العربية القاهرة (د. ت) 2/ 471.
[17]- منهاج البلغاء، ص144.
[18]- الكتاب، تح: عبد السلام هارون،ط دار القلم، القاهرة 1966، 1/ 26.
[19]- الكتاب 1/ 26
[20]- الكتاب 1/ 32.
[21]- الشعر والشعراء، تح: أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر 1966،/1/ 101 وانظر: المرزباني: والموشح، تح: علي البجاوي، ط دار نهضة مصر 1965، ص144 - 145
[22]-نظرية المعنى في النقد العربي، دار القلم القاهرة 1965، ص67
[23]- البغدادي: خزانة الأدب 1/ 3. وانظر: الآلوسي، محمود شكري: الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر، ط المطبعة السلفية بمصر 1341،ص6.
[24]- الخصائص، تح: محمد علي النجار، ط دار الهدى بيروت،د. ت، 3/ 188
[25]- الخصائص 3/ 60 - 61
[26]- انظر: الخصائص 3/ 61 وانظر تأكيداً لهذا في ص303 - 304
[27]- الخصائص 2/ 392
[28]- الخصائص 2/ 393.
[29]- الخصائص 1/ 329
[30]- القاضي الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي البجاوي ط مصطفى البابي الحلبي بمصر د. ت، ص450
[31]- المصدر السابق، ص452.
[32]- التنبيه على حدوث التصحيف، تح: محمد حسن آل ياسين، ط1 مكتبة النهضة بغداد 1967 ص159 - 160
[33]- المصدر السابق، ص158 - 159
[34]- انظر المصدر نفسه، ص159 - 160
[35]- العمدة، ص1032
* - الجمعة 11
(**) -الرحمن13
( ... ) -ص32
(****) - الحجرات 2
(*) - الأنعام
(**) - الأعراف 12
36 - العمدة، ص1032 - 1037
37 - ضرائر الشعر، تح: السيد ابراهيم محمد، ط2، دار الأندلس بيروت 1982، ص13، انظر كتابه الآخر: المقرب، تح: الجواري و الجبوري، ط1، مطبعة العاني بغداد 1972، ج2/ص202
38 - البغدادي: خزانة الأدب 1/ 33 والآلوسي: ضرائر الشعر، ص6
39 - انظر: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، تح: محمد كامل بركات، ط دار الكاتب العربي، القاهرة 1967، ص48 من تقديم المحقق، والبغدادي: خزانة الأدب 1/ 31 - 32
40 - البغدادي: خزانة الأدب1/ 33
41 - انظر: تسهيل الفوائد، ص24
42 - البغدادي: خزانة الأدب 1/ 34
43 - عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، طبع مع مختصر السعد التفتازاني على تلخيص المفتاح المطبعة الأميرية ببولاق 1317هـ 1/ 98 - 99
-----------------------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 68 - السنة السابعة عشرة - آب "أغسطس" 1997 - ربيع الآخر 1418
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[13 Jul 2005, 10:57 م]ـ
(نحو علم لغة خاص بالعلوم الشرعية)
د. أحمد شيخ عبد السلام
الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - الجامعة الإسلامية - ماليزيا
ملخص البحث
المعرفة اللغوية العربية من أهم الأدوات التي استند إليها العلماء في تأسيس العلوم الشرعية وتطويرها. ولم تزل الأسس اللغوية معتمدة فيها، ومن المتوقع أن يسهم تخصيص المنهجية والموضوعات اللغوية بعلم لغة خاص في تطوير هذه العلوم. ويدرس المقال هذه الفكرة، ويهدف بصفة خاصة إلى تقديم مقترحات في إيجاد هذا النوع من العلوم اللغوية الذي يتخذ الدراسة الشرعية مجالا تطبيقيا له، وينظر في القضايا الشرعية اللغوية، والأسس اللغوية النظرية المتعلقة باستنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها. وحاول المقال مناقشة دواعي تأسيس هذا العلم، وملامح تأصيله، وخصائصه، وموضوعاته، وأساليب تنفيذ محتوياته، وبعض فروعه، وضرورة تخصيصه بمساق علمي، وقدم مقترحات في تنفيذ هذا المساق.
• • •
تمهيد:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن المعرفة اللغوية العربية من أهم الأدوات التي استعان بها العلماء في فهم النصوص القرآنية والحديثية واستنباط الأحكام الشرعية منها، وقد جُعل العلم بأسرار العربية شرطا أساسا من شروط الاجتهاد. وتحتلّ المباحث اللغوية حيّزا ملحوظا في مباحث العلوم الشرعية، وتتألف هذه المباحث من موضوعات واسعة ومهمة تكفي لتؤلّف تخصصا علميا مستقلا تتناسق مفرداته. ويؤيد هذا التوجه اهتمام العلماء بالمسائل اللغوية الشرعية وتأليف كثير منهم أو تطرقهم إلى جوانب منها، ولكن ما قدموه بحاجة إلى جمع وتصنيف وترتيب، ولهذا يقترح الكاتب إيجاد علم خاص بهذه المباحث يقدم في الأقسام الشرعية واللغوية، وقد يتفرع هذا العلم إلى فروع داخلية يتم فيها التركيز على بعض المستويات أو الخصائص اللغوية.
ويهدف هذا المقال إلى تقديم مقترحات يرجى أن تكون مفيدة في الإعداد لمساق علمي لنوع من العلوم اللغوية يتخذ الدراسة الشرعية مجالا تطبيقيا، ويهتم بالمسائل النظرية الضرورية لتقديم هذا المساق، كما يعتني بتطوير المسائل اللغوية الشرعية، والقضايا الشرعية المبنية على الأسس اللغوية، فيسهم في خدمة التراث الإسلامي السخي. وينظر المقال في دواعي تأسيس هذا العلم، وملامح تأصيله، ويقدم نماذج شرعية لغوية، ويناقش أهمية تطوير الأسس اللغوية للعلوم الشرعية، وضرورة تخصيصها بالدرس، وخصائص العلم المقترح، وفروعه، وموضوعاته، وأساليب تنفيذ محتوياته. ويتحدد هذا البحث بإبراز ملامح هذا العلم لما قد يسهم به في تطوير المنهجية اللغوية في العلوم الشرعية، وتحقيق الترابط بين مباحثها، وتوثيق نواحي التكامل بين العلوم الشرعية واللغوية، تقوية لهدف خدمة القرآن الكريم التي نشأت الدراسات اللغوية العربية من أجلها. ومن المؤمّل أن تسفر محاولات ترجمة هذه المقترحات إلى واقع عملي، بإذن الله، عن وجهات نظر أخرى عملية تعين في استقرار هذا الفرع العلمي التخصصي.
وتعني "الشريعة" ما شرعه الله تعالى من العقائد والأحكام العملية. ويشمل هذا المصطلح جانبين مهمين هما: الجانب العقدي المتمثل في القضايا المتعلقة بأصول الدين والمعتقدات التي تؤثر في التطبيقات العملية، والجانب التطبيقي العملي المتمثل في القضايا المتعلقة بالمصالح الفردية والاجتماعية الدنيوية والأخروية. ولا ينحصر هذا المفهومُ "الشريعة" في الفقه، وأصوله، وقواعد الفقه الكلية، وما يتصل بهما بشكل مباشر ([1]). ويقصد بـ "العلوم الشرعية" في هذا المقال تلك العلوم والمعارف التي وضعت لفهم الخطاب القرآني والنبوي، واتخذت الكتاب والسنة أصلين للدراسة وفق مناهج عقلية وعلمية محددة، وتتناول الأصول والفروع والمفاهيم المستفادة من هذين المصدرين وأوجه تطبيقها في القضايا المتعلقة بالوقائع المعيشة والمصالح الدنيوية الفردية والاجتماعية، والمسائل الأخلاقية والتعبدية ([2]).
أولا: دواعي تأسيس هذا العلم
يناقش المقال الأساس النظري للأسس والمباحث اللغوية التي تختص بها العلوم الشرعية، ويقترح بناء هذا العلم على الإسهامات الموجودة في العلوم الشرعية واللغوية، ليكون علما مستقلا يمكن التوسع فيه بما يخدم أغراض العلوم الشرعية. ويقدم في الفقرات التالية دواعي تأسيس العلم المقترح بالنظر في الحاجة إلى التطوير في العلوم الشرعية بشكل عام، وتطوير الأسس اللغوية الشرعية، وبيان أهمية بناء منهجية لغوية مستقلة للمباحث اللغوية في العلوم الشرعية.
- التطوير في العلوم الشرعية
من محاولات تطوير العلوم الشرعية ([3]) إبراز أهمية توسيع مباحث العلوم الشرعية ليندرج فيها فقه المجتمع الإنساني، وفقه الحضارات الإنسانية، والمعطيات المفيدة من العلوم الإنسانية، وأدوات البحث فيها وما سواها من القضايا التي لها صلة بفهم الخطاب القرآني والنبوي وتطبيقاتهما، والتركيز على الوظيفة الحضارية للعلوم الشرعية التي منها تحقيق غاية الاستعمار في الأرض والاستخلاف عليها، ومثلها المباحث المتعلقة بفهم النصوص وربطها بالواقع، وتصحيح التصنيف التقليدي للعلوم إلى شرعية وغير شرعية، أو عقلية ودينية، أو عقلية محضة لا يحث الشرع عليها، ونقلية محضة، ونقلية عقلية ([4])؛ لأن الشريعة تشمل المصالح الدنيوية والأخروية. وقد حظي الفقه، وأصوله بنصيب وافر من محاولات تطوير العلوم الشرعية ([5]).
(يُتْبَعُ)
(/)
ونظرًا لعدم مواكبة بعض المؤلفات في هذه العلوم للتطورات المستجدة في مجالات الحياة من حيث مصطلحاتها، وأساليبها، والقضايا العلمية، والنماذج التطبيقية، فقد ناقش المجالي ([6]) الحاجة إلى تطوير محتوى مادة الفقه الإسلامي، وناقش القضايا المتعلقة بالمسافات الزمانية، والمقاييس، والموازين، والمقادير، والأنصبة، والعملات، ونادى بإعادة كتابة بعض الأبواب مثل أبوب الطهارة، والاستنجاء، والزكاة باستخدام المصطلحات المعاصرة تقريبا لهذه الأبواب من متعلمي الفقه الإسلامي.
وتوجد محاولات قديمة في تطوير القواعد المعتمدة في هذه العلوم. فبعد أن كانت محاور علم الأصول هي علوم اللغة، والكتاب والسنة وعلومهما، والأحكام الشرعية، أضيف إليها القواعد المنطقية لدى المتكلمين الأصوليين. وأعاد الإمام الغزالي ترتيب أبوابه ومسائله، وأبرز المسائل غير الأصيلة في علم أصول الفقه ([7]). وحاول الإمام الشاطبي توجيه مباحثه نحو المقاصد الشرعية ([8]). ولعل الاستفادة من مبادئ العلوم الإنسانية المتعلقة بربط النصوص بالواقع، وفهم الخصائص النفسية والاجتماعية للمجتمع الذي يطبق فيه النص يفيد في تطوير منهجية استنباط الأحكام الشرعية وتطبيقها.
وبما أن المسائل اللغوية أساسية في كثير من العلوم الشرعية الفقهية والعقدية، فإن الحاجة ماسة إلى تطوير منهجية البحث اللغوي فيها، وتجديد الأداة اللغوية لها. ولعل ما وضع من كتب حديثة في تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، وسبل الاستنباط من الكتاب والسنة ([9]) يشهد لأهمية توسيع آليات فهم نصوص القرآن والحديث لتشمل مباحث مفيدة من العلوم الاجتماعية، والتشريعية، واللغوية الحديثة، وغيرها. ويعدّ السعي إلى تطوير المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية لتصبح علم لغة خاصا بالدراسات الشرعية تطويرا لآليات قراءة التراث الإسلامي، وإعادة تقديمه لأهله وفقا لظروفهم التي يعيشونها، والمستجدات الفكرية التي وصلوا إليها.
- تطوير الأسس اللغوية الشرعية
ليس غريبا على هذا التراث السعي نحو تجديد منهجية دراسته ([10])؛ إذ تعبر العلوم الإسلامية عن تراكم الخبرات، واستفادة المتأخرين عن أسلافهم، وبنائهم على جهودهم، وهذا واضح في صنيع المفسرين، وأصحاب المعاجم، وغيرهم من علماء المسلمين الأجلاّء. وقد اهتمت الحضارة الإسلامية بقراءة النصوص الدينية وإعادة قراءتها، وبالتجديد في منهجية القراءة بهدف ربط النصوص بوقائع حياة الناس، وتطبيق الأحكام الشرعية عليها. ويؤكد اهتمام العلماء المسلمين بتفسير القرآن الكريم وتجديد تفسيره على مرّ الأزمان مناسبة الرسالة القرآنية لكل زمان ومكان. قال أبو السعود: "ولقد تصدى لتفسير غوامض مشكلاته (أي القرآن الكريم) أساطين أئمة التفسير في كل عصر من الأعصار، وتولى لتيسير عويصات معضلاته سلاطين أسرة التقرير والتحرير في كل قطر من الأقطار فغاصوا في لججه وخاضوا في ثبجه، فنظموا فرائده في سلك التحرير وأبرزوا فوائده في معرض التقرير، وصنفوا كتبا جليلة الأقدار وألفوا زبرا جميلة الآثار" ([11]).
أما عن مبلغ المباحث اللغوية في العلوم الشرعية فإننا نلحظ أن المحتويات الأساسية لعلم أصول الفقه تتألف من علم الكلام، والمنطق، وعلم العربية، والعلم بالمقاصد والأحكام الشرعية. وأما عن تألفه من علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الألفاظ من الكتاب والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغة، من جهة الحقيقة، والمجاز، والعموم، والخصوص، والإطلاق، والتقييد، والحذف، والإضمار، والمنطوق، والمفهوم، والاقتضاء، والإشارة، والتنبيه، والإيماء، وغيره، مما لا يعرف في غير العربية ([12]). وفي ضوء اهتمام بعض المتخصصين في علم أصول الفقه بالمقاصد الشرعية في استنباط الأحكام من النصوص والنظر في وسائل تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإن على القائم بالتحليل اللغوي أن يسعى إلى بيان المقاصد من النصوص الشرعية، ولا يقتصر على تحليل الخصائص اللفظية للتراكيب الواردة فيها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتتضح أهمية تطوير الأسس اللغوية في العلوم الشرعية في الآراء المتعلقة بالقياس، والمعهود، والسياق، والمجاز، وغيرها، وما يؤدي إليه اختلاف المواقف منها في فهم النصوص الشرعية واستنباط الأحكام والمفاهيم منها. فلقضية إنكار القياس في أصول الفقه صلة بالمنهجية اللغوية للتعامل مع النصوص الشرعية عند "الظاهرية"، إذ ترد أهمية القياس من أن النصوص، والأفعال، والإقرارت الشرعية متناهية في ألفاظها، على الرغم من عدم تناهيها في مفاهيمها، وعدم تناهي الوقائع الحيوية مع تناهي العقل البشري. وقد انطلقت المذاهب الفقهية من فكرة تناهي النصوص لاتخاذ القياس دليلا شرعيا رابعا بعد الكتاب، والسنة، والإجماع ([13]).
بيد أن الظاهرية ترى أن مقابلة غير المتناهي بالمتناهي محال ([14])، وتتخذ هي من هذه الخاصية نفسها مندوحة لإثبات بطلان القياس، والاعتداد بدليل العقل، وشهادته، والأخذ بالمعنى المنطوق للألفاظ. وتتبنى الظاهرية منهجا يذهب إلى أن النص قادر على شمول الوقائع -مهما تعددت، وكثرت- بأحكامه دون حاجة إلى القياس، وتسلك مسلك تجريد النص وتحويله إلى قاعدة كلية يمكن أن تشتمل على ما لا يتناهى من الوقائع، بحجة أن لغة النص الشرعي ليست كأية لغة أخرى. فإن لغة المتكلم من البشر تحيط بها قرائن كثيرة، أما لغة النص الشرعي فينبغي أن تكتشف معانيها من خلال قوانين، وعلاقات لغة هذا النص ذاتها ([15]). ويؤدي التعامل الظاهري مع النصوص إلى استثمار المجالات الدلالية للألفاظ لكي يتم إدراج المفاهيم التي تستند إليها الأحكام الشرعية.
وسيؤدي ترك الأخذ بالقياس في فهم معاني الألفاظ في النصوص الشرعية إلى العودة إلى وقائع استخدام الألفاظ، والفحص في مدى انطباق دلالة الألفاظ على هذه الوقائع، دون البناء على القياسات الافتراضية في توسيع دلالات الألفاظ، أو فهم الدلالات المستجدة، ودون ربط فهم الواقع باللفظ بل يربط اللفظ بالواقع الذي يرد فيه، ودون اللجوء إلى القول بالتضمين في تحديد معاني الألفاظ العامة، أو الوظيفية. وباستبعاد القول بالتضمين تزداد الدقة في تحديد دلالة الألفاظ ويزيد التمسك بما ورد به السماع عن العرب.
أكد الشافعي، ومن بعده الشاطبي، وغيرهما من العلماء أهمية الالتزام بمعهود العرب في تلقي الخطاب الديني عند محاولة الوقوف على معانيه أو بيانها ([16]). ويقتضي ذلك أن يحمل النص على معهود المتكلم به: قرآنا وسنة، وهو معهود يستفاد من النصوص الشرعية مجتمعة طبقا لعرف العرب الذين تلقوا هذه النصوص. والمعلوم أن هناك معهودين في التعامل مع الخطاب الشرعي: معهود شرعي، وآخر عرفي لغوي عام ([17]). فإذا لم يكن لهذا النص معهود شرعي محدد، أو تمّ صرفه عن هذا المعهود وفقا للقرائن يحمل على المعهود العرفي العام للمخاطبين الذين نزل فيهم الكتاب ووردت لهم السنة. ولكن ابن حزم يذهب إلى أن الأولى حمل الخطابات على معهودها في اللغة ما لم يمنع من ذلك نص، أو إجماع، أو ضرورة، وإذا وجد مانع من هذه الموانع الثلاثة حمل معنى اللفظ على المعهود الشرعي. ويقترح ابن مضاء الاعتداد بمعهود الخطاب لدى العرب في توضيح الظواهر اللغوية، أخذا باستقراء المتواتر الذي يوقع العلم بالقاعدة دون محاولة استنباط علة لنقل حكمها إلى ما يشبهها من التراكيب اللغوية ([18]).
ونشير إلى عدم لزوم ربط المصطلحات الشرعية بالمعاني اللغوية كما جرت به العادة في العلوم الشرعية حيث يقدم المؤلف المعنى اللغوي، ثم يعقبه بالمعنى الاصطلاحي الشرعي؛ إذ إن نصوص القرآن والحديث تتضمن إعادة تحديد لبعض المعاني اللغوية، مما لم تكن معهودة في العرف اللغوي العام قبل التنزيل، على الرغم من ارتباطها بالمعهود اللغوي العام. ويلحظ أن المعاني اللغوية التي تذكر للمصطلحات الشرعية لا تعكس في بعض المواضع صورة مكتملة لما يمكن أن يرد لها المصطلح لغويا؛ لأن المؤلفين يهتمون في الغالب بالمعاني المعينة على استيعاب المفهوم الشرعي للمصطلح. وتفيد هذه الملحوظة أن معرفة المعهود الشرعي تكفي في فهم المصطلحات الشرعية، أما إذا كان فهم المعهود الشرعي متعلقا بالمعهود اللغوي العام فيكون إيراد المعهودين معا ضروريا، كما قد يحدث في ألفاظ العقود مما يفهم في ضوء أعراف الناس القائمة في تخاطبهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
سيساعد اتخاذ معهود العرب في تلقي الخطاب القرآني في عصر التنزيل مرجعية في فهم النصوص على الوصول إلى المعنى المراد من الشارع في النص الشرعي، وهو معنى يؤخذ إما من ظاهر النص، وإما من تأويل النص حسب الشروط التي تحمي من تحريف معنى النص. ويقتضي الرجوع إلى هذا النوع من المعهود انتفاء استمرار احتمالية دلالة النصوص القرآنية، كما يقتضي عدم قياس الدلالات المبنية على ما يزعم من الاحتمال في دلالة هذه النصوص بخصائص هذا المعهود، ورفض الاحتكام في فهم النصوص الشرعية إلى معهود العرب في التخاطب في العصر الحديث. وتقتصر أهمية المعهود اللغوي الحديث على التعرف على أوجه التعامل اللغوي بين مستخدمي اللغة العربية حديثا ولا يؤخذ به في استنباط الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية من النصوص الشرعية.
وينتج عن اعتبار السياق أو عدمه في فهم النصوص القرآنية والحديثية اختلافٌ في الأحكام الفقهية والمفاهيم العقدية أيضا. ونجد استغلالا واسعا للسياق الموقفي في الأحكام الشرعية المتعلقة باستخدام اللغة في المعاملات والعقود حيث يؤخذ بما يجري في عرف التخاطب اللغوي ومقاماته عند إصدار الأحكام الفقهية وتطبيقها، ومن ثم يعتمد مقصد المتكلم من خطابه، وليس ظاهر هذا الخطاب ([19]). ومن مراعاة السياق اللفظي في الترجيح الفقهي موافقة ابن تيمية للحنفية والظاهرية ([20]) في جواز قصر الصلاة والفطر في رمضان في كل سفر سواء كان سفرا مباحا أو غير مباح ([21])؛ نظرا لتعليق الحكم في النص على مطلق السفر. قال تعالى: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة: 184) وقال عزّ من قائل: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" (النساء: 101)، وهذا على خلاف الشافعية والحنابلة الذين لا يجيزون القصر والفطر في السفر المحرم، بحجة أن السفر المحرّم معصية. والرخصة للمسافر في معصية إعانة على ذلك، ولا تجوز الإعانة على المعصية، فتمّ تقييد القصر والفطر بحكم آخر خارج النص ([22]).
وهناك أسس نظرية أخرى يؤدي اختلاف المواقف منها إلى اختلاف فهم النصوص أو تطبيقها، ومنها القول بالمجاز أو عدمه، أو بالاستعمال اللغوي في تحديد دلالة ألفاظ النصوص الشرعية، وكذلك مبدأ الاستناد في استنباط الحكم إلى مقاصد النصوص أو إلى معانيها المأخوذة من النصوص مباشرة أو غير مباشرة. ومن المتوقع أن يؤدي تطوير هذه الأسس إلى نتائج جديدة مفيدة في التعامل مع النصوص الشرعية، إذا تضمنت النظر في أسس استثمار أدلة الأحكام الإجمالية والتفصيلية، وتحديد ضوابط مراعاة معهود العرب في الخطاب بما يتناسب مع النصوص الشرعية ببيان أنواع المعهود، وشروط مراعاته، وعلاقته بالمقصد من الخطاب، وكذلك النظر في تقنين ربط النص بمواقف وروده وسياقاته، مع توضيح نقطة الانطلاق في فهم العلاقة بين النص والواقع في التعامل مع الخطاب الشرعي، ومثلها النظر في تطوير أساليب بيان المقاصد في النصوص الشرعية، وتوضيح مدى تأثرها بالتطور اللغوي والتطور الاجتماعي والفكري.
وينبغي أن نحذر مما سبق أن أشار إليه الغزالي ([23]) من أن إقامة الدليل على منكري العلم والنظر، مع حب صناعة الكلام قد جرّ المتكلمين من الأصوليين إلى خلط مسائل كثيرة من علم الكلام بعلم أصول الفقه، كما حمل حب اللغة والنحو بعض الأصوليين على مزج جملة من النحو بالأصول، فذكروا فيه من معاني الحروف ومعاني الإعراب جملا هي من علم النحو خاصة. ولعل الغزالي كان يحذر من إدراج الموضوعات التي لا يتعلق بها غرض في علم أصول الفقه. وهذا شيء ينبغي أن ننتبه له في محاولة تحديد معالم علم لغة خاص بالعلوم الشرعية، ولا ينبغي تقليد بعض العلماء الذين يقحمون جلّ القضايا المعرفية في تخصصاتهم في العلوم الشرعية ([24]).
والمؤمل أن يؤدي البحث في المنهجية اللغوية الشرعية بشكل مستقل إلى مستوى علمي أعمق يجاوز مستوى التوفيق بين موضوعات متفرقة من مختلف العلوم الشرعية إلى تأسيس علم لغة خاص بالعلوم الشرعية.
نحو منهجية لغوية مستقلة:
(يُتْبَعُ)
(/)
يجد المطالع في العلوم الشرعية اهتماما بالغا بالمسائل اللغوية، ويلحظ أن الأساس اللغوي كان موجِّها لمسائل كثيرة من هذه العلوم، سواء أكان ذلك مباشرا أم غير مباشر؛ وذلك لارتباط هذه المسائل بتحليل النصوص الشرعية ومعرفة وجوه دلالاتها. ويدور كثير من المداولات حول المفاهيم الفقهية والعقدية، والدلالات العرفية للألفاظ والتراكيب المستنبطة من الخطاب القرآني والنبوي. وتجدر الإشارة إلى أن المباحث والقواعد اللغوية كانت مستفادة من إنتاج اللغويين والبيانيين، إضافة إلى معطيات أبحاث علماء الشريعة الذين كان الكثير منهم علماء نابغين في اللغة العربية وآدابها ([25]).
لقد نشأ الدرس النحوي والبياني في خدمة القرآن الكريم إسهاما في إبراز مفاهيمه، فكان تطبيقيا ووصفيا معا، ثم غلب عليه الجانب النظري والاهتمام بوصف اللغة العربية بشكل عام في المراحل التي عقبت مراحلها الأولى. ويقدم علم التفسير ونقد متن الحديث أمثلة رائعة للغويات النص التطبيقية في تحليل النصوص وربطها بوقائع حياة المتعاملين بها، كما تمثل بعض مباحث علم أصول الفقه علم الدلالة الإسلامي التطبيقي. ويبدو لي أن المحافظة على اللغة العربية تجاه حملات الشعوبية قديما، والمحافظة على الفصحى والتراث الإسلامي في مواجهة هجوم أعداء الفصحى ودعاة العامية حديثا، والمحافظة على التراث الديني واللغوي تجاه الماسونية والصهيونية والمبادئ الهدامة، واعتزاز المسلمين بتراثهم، والنظرة القدسية إليه، لم تسعف في إنجاح محاولات تطوير مناهج دراسة اللغة العربية، وتحليل تراكيبها، وخصائصها الدلالية، أو تحديثها، أو تيسير تعليم قواعدها النحوية والبلاغية. فأصبح كثير من المتخصصين في اللغة العربية يتخذون موقفا سلبيا من الجهود الرامية إلى تحديث تخصصهم أو تطويره.
ولكن علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية سينطلق من توجيه المقاصد الشرعية في تخير المفيد من الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة محاولة تطوير المنهجية اللغوية الشرعية، ومن المؤمّل أن يفيد تطوير هذه المنهجية في إغناء الدراسات الشرعية بالدلالات العامة والمفاهيم الخاصة التي تفيد في التعامل مع المصطلحات الشرعية. فعلى الرغم من أن كتب العلوم الشرعية تكتفي بالإشارة إلى أوجه الاستخدام الواردة في النصوص الشرعية التي تعد موضوعا لها، نظرا لتعلق استنباط الأحكام بالأوجه المذكورة، ولا تعتمد أوجه الاستخدام المستجدة، أي الاستخدامات اللغوية كانت قد تطورت في اللغة التي يتعامل الناس بها، إلا في فهم أحاديث الناس الذين تطبق فيهم الأحكام الشرعية، وبخاصة في المعاملات. فإن الدلالات اللغوية العامة قد توسّع مدارك المتعاملين مع النصوص الشرعية. فلا يكتفى مثلا بالقول بأن معنى لفظة (الصلاة) في اللغة الدعاء، بل يشار إلى معان لغوية أخرى للفظة مثل الترحم أو الرحمة، أو التبريك، أو التسبيح، بغض النظر عن قربها من معنى الدعاء. ويشار إلى أن لفظة (الزكاة) تدل على الطهارة، والنماء، والبركة، والمدح، والصلاح، وصفوة الشيء، ولا تنحصر دلالتها في اللغة على التطهير والتزكية ([26]).
ولذا يحسن أن يهتم المتخصصون في العلوم الشرعية بمراجعة مصادر العلوم اللغوية لدى تناولهم للجوانب اللغوية في تخصصهم، وألا يقتصروا على ما ورد عنها في كتب الدراسات الشرعية لدى معالجتها للقضايا اللغوية المتعلقة بالدرس الشرعي؛ إذ في العودة إلى المراجع اللغوية توثيق لصلة العلوم الشرعية بالمصادر اللغوية الأساسية للمسائل المتداولة في هذا التخصص، وتمكين للمتخصصين من متابعة التطورات العلمية التي قد تفيدهم في تطوير المسائل المشابهة في مجالهم العلمي.
وقد نتصور مدى تأثير تحديث المباحث اللغوية في العلوم الشرعية، إذا علمنا مدى حاجة المتخصص للعلوم الشرعية إلى العلوم اللغوية، وحجم البحث اللغوي في مختلف العلوم الشرعية، ووقفنا على المبادئ والمباحث اللغوية والموضوعات المبنية على أسس لغوية. ولقد ذكر الغزالي أن أعظم علوم الاجتهاد تشتمل على ثلاثة فنون: الحديث، واللغة، وأصول الفقه ([27]). وقرر الشاطبي أهمية المعرفة اللغوية في هذه العلوم بأنه لا غنى لمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب ([28]).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولعل نظرة في تفاعل العلوم اللغوية مع العلوم الشرعية من حيث المصطلحات، والأسس، والمناهج، والموضوعات التي تعالج في سياق الفهم اللغوي للنص تنبئ بهذا التأثير المحتمل. فكثير من القضايا والمعاملات بين الأفراد، بل المعاهدات والاتفاقات بين الدول تتوقف على تحديد معاني الألفاظ، كما يتوقف عليه كثير من التفسيرات التشريعية والفكرية. وللقواعد اللغوية صلة ببناء الأحكام الشرعية واستنباط أدلتها مما يستفاد من التحليل التركيبي، وتحديد معاني حروف المعاني، والمسائل اللغوية الدلالية والمسائل اللغوية العرفية العامة، والقضايا المتعلقة بالقياس والعلة ([29]).
ثانيا: تأصيل علم لغة شرعي:
يتطلب تأصيل علم اللغة الشرعي المقترح تأسيسه تقديم تحديدات يرجى أن تفيد في بناء مساق علمي خاص به. وترد هذه التحديدات في بيان خصائص هذا العلم، وبعض فروعه، وموضوعاته، وتنفيذ محتوياته.
خصائصه:
إن المنطلق الأساسي لهذا النوع من الدرس اللغوي رصد القواعد والأسس والموضوعات اللغوية المستخدمة في العلوم الشرعية، وجمعها، والربط بينها، ومناقشة الجوانب النظرية والتطبيقية المفيدة في فهم النصوص الشرعية وتنزيلها في الواقع. وهدفه تقديم صياغة موحدة لهذه القواعد والأسس بالإفادة بالتراثين الشرعي واللغوي، وبالمعطيات المفيدة من الدرسين اللغوي والتشريعي الحديثين، مع السعي إلى تطوير هذه المحتويات اللغوية. وطبيعته أنه علم لغة تطبيقي ([30]) خاص بالعلوم الشرعية بجانبيه النظري والعملي، ويفيد من النظريات اللغوية العامة وتطبيقاتها في فهم النصوص، وربطها بالمواقف الخطابية المتعددة المتجددة، ويفيد أيضا من مجالات الأبحاث اللغوية الأخرى. وتمتزج في المواد التي يقدمها القضايا النظرية والمجالات التطبيقية، والمناهج التراثية والحديثة. وتتعلق محتوياته بمختلف فروع العلوم الشرعية. ونؤكد أن هذا التخصص يختلف عن الدرس اللغوي العام في الموضوعات، والمحاور، والمفردات العلمية.
ونظرا لتميّز أهداف هذا التخصص ومحاوره، فقد نحتاج، مثلا، في علم النحو الشرعي إلى إعادة تنظيم الأبواب النحوية، وإعادة تنسيق موضوعاتها لكي تتفق مع أهداف المتخصصين في العلوم الشرعية، فيقتصر من النحو العام على ما يعين على استنباط معاني النصوص الشرعية، وتضم إليه القضايا الأسلوبية من علم المعاني. فالنحو المتعلَّم هنا نحو خاص لهدف محدد، وهو نحوٌ تطبيقي خاص بالعلوم الشرعية يسعى إلى فهم النصوص، ولا يقف عند التحليلات التركيبية الجزئية. وبعبارة أخرى، إنه لا يكون نحوا للجملة، بل يكون نحوا للنص الشرعي يقدم القواعد النحوية المساعدة في فهمه، ويستبعد المبادئ والأسس النظرية الافتراضية التي لا تفيد في تحقيق أهداف المادة. وهو نحوٌ يهتم بالقواعد المستخدمة في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وكتب التراث الموضوعة في فهمها عرضا، وتوضيحا، وتطبيقا، ويجعلها أسسا لتحليل المكونات التركيبية للنص الشرعي.
سيعطي هذا التخصص نظرة موضوعية شاملة للأساس اللغوي لاختلاف المذاهب العقدية؛ إذ إن من أسس تصنيف هذه المذاهب اختلاف مواقفها من التعامل مع النص الشرعي، فمنها طوائف تنزع إلى التمسك بالنص، وأخرى تميل نحو العقل. فالموقف السلفي يتمثل في التوسط بين العقل والنقل، وإعطاء الكلمة العليا للوحي دون إغفال للعقل؛ إذ النصوص تتضمن الحجج العقلية وهي لا تتناقض معها، ولا يسرف في تأويل النصوص إلا بقدر ما توجبه قواعد اللغة واستعمالات الشرع، مع نفي المعاني المستلزمة للتشبيه والكيفيات الحسية. أما الحشوية فتتعصب للنصوص والفهم الحرفي لها مما يؤدي بهم إلى سوء فهم للنصوص الدينية نفسها. ويجعل الحنابلة المرجع الأخير في أمر الحكم الشرعي عقديا أو عمليا هو النص الصحيح دون حرفية الفهم لها، مع مقاومة النزعات الباطنية في فهم النصوص، والاحتكام إلى النص بدءا أو نهاية دون إهمال لدور العقل في كلتا الحالتين. وتعادي الظاهرية الإسراف في استخدام الرأي والعقل في أمور الشرع، وتنكر القياس في التفكير الديني فقها أو اعتقادا، وترفض استمداد الحكم الشرعي من استحسان العقل وحده، أما استخدام العقل في فهم النص، أو دعم الحكم المأخوذ من النص بدليل عقلي يضاف إلى دليل النص فلا شيء فيه، بل هو الواجب. ويتراوح موقف الأشعرية والماتريدية بين الميل
(يُتْبَعُ)
(/)
إلى مزيد من الالتزام بالنص والنزوع إلى شيء من التأويل العقلي. أما المعتزلة فيؤكدون دور العقل في مقابلة النص من حيث المنهج ([31]).
فروع علمية مقترحة:
إن التصور المبدئي لعلم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية أن يكون فرعا من فروع علم اللغة التطبيقي، وأن يحتوي نظرات ومداخل لغوية نظرية، ومناهج تحليل، وتطبيقات تتكامل فيها نتائج أبحاث الدرس اللغوي مع نتائج البحث في مختلف فروع العلوم الشرعية من أجل تحقيق تعامل أفضل مع النصوص الشرعية، أو الخطاب الشرعي في المجالات الفقهية، والعقدية، والخلقية. وتكمن أهمية مثل هذا العلم في الإفادة من التراثين الشرعي واللغوي ومن بعض أوجه التطوير في الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة في المجالات النظرية والتطبيقية ([32]). ويقترح أن ينظر هذا العلم في مختلف المستويات اللغوية المتعلقة بأدلة الأحكام في النصوص الشرعية، محققا للتكامل بين الأهداف الشكلية والمقصدية في التحليل اللغوي. وليس كثيرا على النصوص الشرعية تخصيصها بعلم لغة خاص على الرغم من كونها محصورة في مواطنها المعروفة، وذلك لسعة معانيها وأهمية المفاهيم المستفادة منها، ولأن القضايا التي تتناولها غير محدودة بزمن، أو مكان، بل هي موجهة للإنسانية بأسرها في جميع الوقائع الحيوية، ولها تأثير غير متناه في حياة المخاطبين بها. وتتفادى طبيعة هذا العلم كونها تكرارا للمعلومات القديمة المتداولة، أو أن تنحصر فيها دون أن يطورها أو يبني عليها؛ لأنه علم يعكس حقيقة الاستخدام اللغوي حيث تتكامل المستويات اللغوية، ويعكس قوة علاقة اللغة بالظواهر الإنسانية الأخرى.
من الشعب الفرعية المتضمنة في علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية:
- علم المصطلحات الشرعي: الذي يمكن أن ينظر في أسس تحديد مفاهيم المصطلحات الشرعية، وأهميتها في استنباط الأحكام الشرعية، وتصنيفها ([33])، والأسس المنطقية لهذا التحديد، والعلاقة بين المفاهيم اللغوية والشرعية لهذه المصطلحات، وتطور دلالات الألفاظ الإسلامية. ولنا نموذج في منهج كتاب التعريفات للجرجاني، وكتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، وغيرهما، وستصادفنا أمثلة عديدة في كتب الدراسات الشرعية في تحديد المصطلحات. وتسهم المعاجم الفقهية في هذا الفرع بتوضيح معاني المصطلحات والعبارات الشائعة في الفقه، ويقول زكريا الأنصاري في مقدمة "الحدود لأنيقة" "أما بعد، فلما كانت الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين مفتقرة إلى التحديد تعين تحديدها لتوقف معرفة المحدود على معرفة الحد." ([34]) ثم شرع في تقديم التعريفات والحدود للمصطلحات التي اختارها.
- علم الدلالة الشرعي: الذي يمكن أن يتناول وظيفة استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية من خلال دراسة الدلالات المفردة، والمركبة، والمترادفة، والمشتركة، والمطلقة، والمقيدة، والمجازية، وغيرها، وكذلك ربط الدلالات والأحكام بالوقائع العملية. وتلقانا مادة غزيرة لهذا الفرع في علم أصول الفقه، حيث يندرج ما يقارب ثلث مباحثه في دراسة الدلالة الشرعية، وكتب الوجوه والنظائر في القرآن الكريم. ومن المصادر المفيدة هنا: الرسالة للشافعي، والموافقات للشاطبي، والمحصول للرازي، والقواعد والأشباه والنظائر لابن السبكي، والمستصفى للغزالي، وغيرها من كتب علم الأصول.
ومما يندرج في هذا الفرع ما أشار إليه ابن تيمية من أسباب الاختلاف في فهم النصوص القرآنية والحديثية، فقال: "وأما النوع الثاني من مستندي الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين .. إحداهما قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، والثانية قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن والمنزل عليه والمخاطب به، فالأولون راعوا المعنى الذي رأوه من غير نظر إلى ما تستحقه ألفاظ القرآن من الدلالة والبيان، والآخرون راعوا مجرد اللفظ وما يجوز عندهم أن يريد به العربي من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلم به ولسياق الكلام، ثم هؤلاء كثيرا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة كما يغلط في ذلك الذين قبلهم كما أن الأولين كثيرا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن كما يغلط في ذلك الآخرون، وإن كان نظر الأولين إلى
(يُتْبَعُ)
(/)
المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق." ([35])
ويدخل فيه ما وصف ابن السيد البطليوسي للخلاف العارض من جهة اشتراك الألفاظ واحتمالها للتأويلات الكثيرة: "هذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام، أحدها اشتراك في موضوع اللفظة المفردة، والثاني اشتراك في أحوالها التي تعرض لها من إعراب وغيره، والثالث اشتراك يوجبه تركيب الألفاظ وبناء بعضها على بعض. فأما الاشتراك العارض في موضوع اللفظة المفردة فنوعان: اشتراك يجمع معاني مختلفة متضادة، واشتراك يجمع معاني مختلفة غير متضادة." ([36])
- علم تحليل النص الشرعي (أو علم تحليل الخطاب الشرعي): ويدرس الروابط بين الكلمات والعبارات في النص، والعلاقات بينها وبين النصوص التي ترد فيها، ويهتم بعناصر الاتساق في النص، من إحالة، أو استبدال، أو وصل، والعلاقات الدلالية، من ترابط، وانسجام، وترتيب لمكونات بنية الخطاب. وهي عناصر اهتم بها المفسرون، والدارسون لعلوم القرآن، ويعتني بالخصائص البيانية للقرآن الكريم والحديث الشريف ([37]). وتجدر الإشارة إلى أن ما يقارب الخمسين في المائة من التفسير، وعلومه قضايا لغوية ([38]). ومن مصادر هذا الفرع: البرهان في علم القرآن للزركشي، والإتقان في علم القرآن للسيوطي، ودلائل الإعجاز للجرجاني، وغيرها من كتب علوم القرآن، والتفاسير.
ومن قضايا هذا العلم قول الزركشي في معرفة المناسبات بين الآيات: "واعلم أن المناسبة علم شريف تحزر به العقول ويعرف به قدر القائل فيما يقول، .. ومرجعها والله أعلم إلى معنى ما رابط بينهما عام أو خاص، عقلي أو حسي أو خيالي، وغير ذلك من أنواع العلاقات، أو التلازم الذهني، كالسبب والمسبب، والعلة والمعلول، والنظيرين، والضدين، ونحوه، أو التلازم الخارجي، كالمرتب على ترتيب الوجود الواقع في باب الخبر، وفائدته جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء. وقد قلّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي وقال في تفسيره أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط." ([39])
- علم الأسلوب الشرعي: حيث تدرس الخصائص الأسلوبية للنصوص الشرعية، وأسس الإعجاز النظمي، وأثره في استنباط الأحكام، وفهم الخطاب الإسلامي. وتسهم الاتجاهات المذهبية في التفسير، فضلا عن الدراسات النصية، في توفير المواد العلمية لهذا الفرع من العلم. ومن مصادره دلائل الإعجاز للجرجاني، والكشاف للزمخشري، وأسرار ترتيب القرآن للسيوطي، وتناسق الدرر في تناسب السور له أيضا، وما سواها من المصادر.
ومما يمكن أن يناقش فيه ما أورده الشاطبي في تحديد الخاصية الأسلوبية اللغوية للقرآن الكريم، قال: "فإن قلنا إن القرآن نزل بلسان العرب وإنه عربي وإنه لا عجمة فيه، فبمعنى أنه أنزل على لسان معهود العرب في ألفاظها الخاصة وأساليب معانيها، وأنها فيما فطرت عليه من لسانها تخاطب بالعام يراد به ظاهره وبالعام يراد به العام في وجه والخاص في وجه، وبالعام يراد به الخاص والظاهر يراد به غير الظاهر، وكل ذلك يعرف من أول الكلام أو وسطه أو آخره، وتتكلم بالكلام ينبئ أوله عن آخره أو آخره عن أوله، وتتكلم بالشيء يعرف بالمعنى كما يعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بأسماء كثيرة، والأشياء الكثيرة باسم واحد، وكل هذا معروف عندها لا ترتاب في شيء منه هي، ولا من تعلق بعلم كلامها. فإذا كان كذلك فالقرآن في معانيه وأساليبه على هذا الترتيب، فكما أن لسان بعض الأعاجم لا يمكن أن يفهم من جهة لسان العرب، كذلك لا يمكن أن يفهم لسان العرب من جهة فهم لسان العجم؛ لاختلاف الأوضاع والأساليب .. " ([40])
- علم النحو الشرعي: الذي يعتني بأهم القواعد النحوية الشائعة في تحديد الأحكام الفقهية، وأثر الخلاف النحوي في تقرير الحكم الشرعي، وفي الترجيح والتعارض، وأثر الخصائص النحوية للألفاظ والأدوات والتراكيب في تحديد الأحكام وتطبيقها، وأوجه التفاعل بين أصول النحو وأصول الفقه، ومدى تأثر التحليل النحوي بالعقيدة، والفقه، وأصوله. وقد قدم الاسنوي وغيره نماذج تطبيقية رائعة لذلك في كتابه الكوكب الدري. ومن المصادر أيضا كتاب إعراب مشكل القرآن لابن قتيبة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن المسائل التي تدرس في هذا الفرع ما ذهب إليه الأئمة مالك وأبو حنيفة والشافعي في مسألة اشتراط الطهارة في "مس" المصحف من أن الطهارة شرط في مس المصحف، وذهبت الظاهرية إلى أنها ليست بشرط في ذلك. والسبب في اختلافهم في تحديد مفهوم (المطهرون) وتحديد النوع النحوي للجملة المنفية في قوله تعالى: "لا يمسه إلا المطهرون" ([41]) فالمالكية والشافعية والحنفية تفهم أن المقصود بلفظ (المطهرون) بنو آدم، وأن الجملة الخبرية المنفية تفيد النهي، فكان معنى الآية: لا يجوز أن يمسن المصحف إلا آدمي طاهر. أما الظاهرية فتفهم من لفظ (المطهرون) الملائكة، ومن الجملة الإخبار المنفي، فرأت أنه ليس في الآية دليل على اشتراط هذه الطهارة في مس المصحف، فبقي الأمر على الإباحة. وقد احتج جمهور الفقهاء لمذهبهم في اشتراط الطهارة بأدلة أخرى من الآثار المنقولة ([42]).
موضوعاته:
يقصد من الدرس اللغوي الخاص بالعلوم الشرعية أن يكون منطلقا لدراسة القواعد اللغوية في مختلف فروع العلوم الشرعية مجتمعة ومتكاملة، فتتنوع مفرداته لتشمل القصايا الدلالية، والصوتية، والنظمية، والأسلوبية، والاصطلاحية، والفكرية التي تتعلق باللغة وأوجه استخدامها، والنص وأساليب تأليفه، واستيعابه، وتحليله، وتطبيق مضامينه في الوقائع المعيشة للذين وجه إليهم هذا النص. إن الموضوعات التي يمكن أن تدرس في هذا التخصص واسعة ترتبط بمختلف العلوم الشرعية، وينبغي أن يكون التركيز فيها على البحث عن القواعد اللغوية المؤثرة في دراسة موضوعات هذه العلوم، على الرغم من إمكان تخصيص بعض الموضوعات لفرع بعينه، أو التعمق في جانب من هذه الموضوعات في مرحلة من مراحل التخصص في العلوم الشرعية. ولكننا نقترح في الفقرات التالية موضوعات عامة شاملة يمكن أن تدرس فيه:
يشمل التمهيد لهذا العلم مقدمة نظرية تبين أهمية تجديد المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية، لكي تنبني على القواعد اللغوية التراثية لهذه العلوم، وتفيد من الدراسات اللغوية والتشريعية الحديثة. وتدرس أوجه التكامل والتشابه بين العلوم الشرعية واللغوية من حيث المصطلحات، والأسس، والمناهج.
وتعتمد النصوص المتداولة في العلوم الشرعية أمثلة في تأسيس القضايا المطروحة للبحث، ويوجه الدارسون نحو تطبيق الأسس والمبادئ والقواعد التي تختار للدراسة على أمثلة أخرى من النصوص الشرعية العقدية والفقهية في ظروف تطبيق محتوياتها في مختلف وقائع الحياة ومناحيها. ويحرص على إبراز الوحدة الموضوعية والفكرية بين الموضوعات والقضايا المقررة، كما يهدف نحو تحقيق التكامل بين القضايا اللغوية وبين المسائل العقدية، والشرعية. وتخصص مواد قرائية إضافية للدارسين من مصادر الدراسات الشرعية واللغوية التراثية والحديثة، من أجل توسيع مداركهم وتوثيق صلتهم بالمجال التطبيقي للمادة العلمية التي يدرسونها.
ينظر في الأصول والمبادئ النظرية التي كَلِف بها علماء أصول الفقه من أجل فهم الخطاب القرآني والنبوي، مثل أسس بناء النص، والوحدة الموضوعية والمنطقية له، ويتم تطويع المبادئ والقواعد التي يمكن أن يستفاد من النظريات اللغوية الحديثة في التعامل مع القرآن، والسنة؛ لكي تتناسب مع طبيعة نصوصهما، ووظيفتها في حياة المخاطبين بها، وتكون مستكملة لمباحث الدراسات اللغوية التراثية، ومن ثم لا تدرس النصوص لذاتها، بل تدرس لأهداف تطبيقية تسهم في تحقيق الرسالة الربانية التي تحملها هذه النصوص، وتنتقى المبادئ والمناهج المتوافقة مع تقديم هذه الرسالة، وتربط التفسيرات الفقهية والعقدية للنصوص بالأحداث الواقعية، وتبنى الأحكام على أدلة مستفادة من التطبيقات اللغوية التحليلية.
تدرس ظاهرة التجانس الصوتي في القرآن الكريم، وسبل تطوير التلقي الشفهي، وأثر المتنوعات الصوتية في فهم المقروء، وأساليب ربط التلاوة والحفظ بالفهم والاستيعاب، وتأثير هذا الربط في الجوانب النفسية والاجتماعية للقارئ والمستمع، كما تبرز آثار الاختلاف في الخصائص النحوية، والمعجمية، والصوتية في فهم نصوص القرآن، والحديث، وتدرس أوجه القراءات التي تخالف القواعد النحوية الشائعة والمقررة في متون الكتب النحوية إذا تعلق بها اختلاف في المفاهيم، ومسألة الوظيفة اللغوية للقرآن الكريم ([43]).
(يُتْبَعُ)
(/)
تدرس أهمية المعرفة اللغوية العربية في تفسير القرآن الكريم، وصلتها بأسس التفسير بصفة عامة، والمبادئ اللغوية في تفسير النصوص في مناهج التفسير، وسبل توجيه التفسير اللغوي البياني للقرآن ليدرج المواقف الخطابية له، ومعرفة معهود الخطاب لدى العرب، وأنواع المعهود وتأثره بالخبرات التاريخية، وسياقات ورود النصوص الشرعية، ومعرفة التناسب بين الآيات والسور، والانسجام بين تراكيبها، وأجزائها، وأثرها في التعرف على الوحدة الموضوعية القرآنية، وأوجه استخدام وسائل الربط فيما يتعلق بقرائن الكلام وعناصره في فهم النصوص، وأنواع دلالات الألفاظ القرآنية، وأساليب التعامل مع مفردات القرآن في ضوء الجهود التي قدمت في التراث الشرعي في تحقيق الترادف، والمجاز وما سواهما في القرآن الكريم، وأثر التطور الدلالي في فهم آياته، وصلة مراعاة نظمه باستيعاب رسالته، والتفكير في تطبيقها على الواقع. وتناقش أهمية ترجمة القرآن، ومواقع استخدامها، وآراء العلماء في اعتمادها، وأثرها في التطبيقات العملية للرسالة القرآنية. تتناول المادة أسس وضع مصطلحات الأسانيد ودقة الفروق بينها، والقضايا المبنية على الربط بين محتوى المتن وظروف الراوي، وقواعد معرفة لغة الحديث، وفقه مضامينه، وأنواع دلالات ألفاظه، والربط بين هذه الأنواع وبين ما ورد في دلالات الألفاظ القرآنية، والمباحث اللغوية المتعلقة بنقد متن الحديث والعلاقة بين متن الحديث وسنده وقائله.
تندرج في هذا الدرس أيضا المسائل الفقهية والعقدية المبنية على القضايا النحوية، والدلالات اللغوية المستفادة من دلالة المفردات، والتراكيب، والأدوات، والصيغ، وأثر أساليب الكلام، وأوجه الاستخدام اللغوي في الأحكام الفقهية ([44])، والأحكام المتعلقة باستخدام الكلام ([45])، وتدرس ماهية الكلام من حيث المعنى القائم بالنفس، وأثره في تحديد دلالة الألفاظ المسموعة المتداولة، وكيفية حمل الألفاظ الشرعية لدلالاتها، وصلة الحديث في مبدأ اللغات بتحديد دلالات الألفاظ الحقيقية، والمجازية، والاستعمالية، وغيرها، وتأثير القول بالوضع، أو الاستعمال، أو الحمل، أو الترميز الدلالي في التعامل بالنصوص، وأثر تحديد الدلالات على الموقف من تطور المصطلحات، والمفردات، والمقولات الشرعية. وتدرس أهمية معرفة أنواع هذه الدلالات في تقرير الأحكام الشرعية، وأثر المعرفة اللغوية العربية في الاجتهاد في استنباط الأحكام، ومزاولة الإفتاء. وأهمية الاستنتاج، وتفسير قصد المتكلم في إنجاز عملية التخاطب، وقواعد الاستنباط والاستدلال من الخطاب ([46]).
يتم تناول الجانب الأخلاقي لاستخدام اللغة، والمصطلحات اللغوية الأخلاقية الأساسية والثانوية، وآثارها الفكرية، والشرعية، والعقدية، والحضارية، والتوجيهات الأخلاقية اللغوية، وأثر الكلام على العقيدة قولا، وسماعا، وانعكاس اللغة للعقيدة، وصلة العقيدة بالصياغة اللفظية للواقع، ودور الحرية، والإرادة في استخدام الكلام، والمسألة العقدية المتصلة بالكلام النفسي، وقضية الاستدلال على المذاهب العقدية من خلال المسائل اللغوية، وصلة العقيدة بقضايا اللفظ والمعنى. وتدرس أسس اختيار لغة الدعوة، وأثر نوع اللغة في الإقناع بالاتجاه العقدي، والفكري، والآثار النفسية، والاجتماعية، والفكرية للتعامل اللغوي في القيام بالدعوة إلى الله، وأهمية المعرفة والثقافة اللغوية للداعية.
أما مصادر العلوم الشرعية التي تتضمن القضايا اللغوية فمنها كتب أصول الفقه، وقد عالج أصحابها المشكل اللغوي في سنهم لقواعد التشريع واستنباط الأحكام، ومن الاتجاهات البارزة فيها: الاتجاه السني الذي يمثله الشافعي في كتاب (الرسالة)، والاتجاه الظاهري الذي يمثله ابن حزم الأندلسي في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام)، والاتجاه الأشعري الذي يمثله أبو حامد الغزالي في كتابه (المستصفى في علم الأصول). ومنها كتب التفسير حيث يعتني المفسرون عادة في تقديرات لغوية عامة، وفي تحاليل نظرية متنوعة عندما يواجهون بعض الآيات المتصلة بنشأة الكلام، أو بخلق الإنسان، فضلا عن بيان معاني المفردات والتراكيب، والأساليب البيانية، ومن الاتجاهات السائدة فيها: الاتجاه السني الذي يتمثل في تفسير الطبري (الجامع لأصول الأحكام)، والاتجاه الاعتزالي المتمثل في تفسير الزمخشري
(يُتْبَعُ)
(/)
(الكشاف)، وتعليقات ابن المنير السني على تفسير الرازي الكبير "الاعتزالي". وترد في علم الكلام تساؤلات عن قضايا عقدية محورها الظاهرة اللغوية، وبالذات في نشأتها، واتصاف الخالق والمخلوق بها، وكذلك المصطلحات اللغوية العقدية، ثم التراث الفلسفي حيث تبرز القضية اللغوية في تفكير الفلاسفة في المقولات، والقياس، والبرهان، والخطابة ([47]).
ونعتقد أن تحديد المصادر المعتمدة في تقديم هذا العلم لا يمثل صعوبة كبيرة؛ إذ إن الاطلاع في محتويات أمهات الكتب الشرعية التي تطرقت إليها سيثمر دون عناء كبير عن اختيار المراجع المتضمنة لموضوعات متفرقة عن بعض أجزاء هذا العلم، أو فروعه. ونقترح أن ينفذ مشروع بحث في تحديد هذه المصادر قبل الشروع في تنفيذ المساق الخاص بهذا العلم، وتقترح الاستعانة بطلبة الدراسات العليا في إعدادها تحت الأستاذ الذي سيتولى تدريس هذا المساق.
تنفيذ محتوياته:
أما النصوص التي تبنى عليها القواعد أو التي يؤتى بها لتوضيح القواعد موجها، فيقترح أن يتم اختيارها في ضوء احتياجات التخصص، وتربط المسائل الشرعية بالخصائص الدلالية والنحوية والأسلوبية للنصوص، وتدرج هذه المسائل في تحليل التراكيب اللغوية في ضوء سياقات ورودها. وقد يقتصر في التوضيح والتحليل على الآيات والأحاديث التي تفيد القضايا الشرعية، أو تخصص بعض الأبواب النحوية والبلاغية والدلالية بالنصوص التي تندرج في باب معين، أو مسألة محددة من العلوم الشرعية، ويشار من خلال الشرح إلى المقاصد الشرعية للنصوص، وتعتمد الآيات والأحاديث الصحيحة في الاستشهاد دون إخضاعها للنمط العام لكلام العرب، بل تحافظ على خصائصها. وبذلك يحقق الدارس لمثل هذا العلم هدفين: أحدهما لغوي عام، وآخر شرعي خاص.
وتجدر الإشارة إلى ضرورة تطويع أي منهج لغوي يختار للتحليل ليتناسب مع الطبيعة العربية المتميزة لتراكيب النصوص الشرعية المدروسة. ولا ينتظر في المرحلة الأولية لهذا النوع من التخصص اقتراح بدائل للمناهج اللغوية الموروثة، أو التطوير عليها، إذ يمكن أن يكتفى في البدء بإعداد مواد تعليمية مساعدة في تأسيس هذا التخصص، وإعداد مقدمة نظرية له توجه إلى مجالات البحث المهمة في الدرس اللغوي المتعلق بالدراسات الشرعية.
ويحسن أن يتم التركيز على الجوانب التطبيقية من القضايا اللغوية التراثية والحديثة المهمة التي تفيد في فهم الخطاب الشرعي، وفي استنباط الأحكام منه، وعلى الأسس النظرية التي ترشد المخاطبين بهذا الخطاب إلى حسن التعامل معه. ومن تلك الجوانب الاستغناء في تدريس النحو المعين في العلوم الشرعية عن التمرينات النحوية والأبواب النظرية البحتة، وعن مسائل الصنعة النحوية التي يغلب ألا يتعلق بها غرض خطابي، وكذلك اعتماد جميع الأوجه اللغوية الواردة في النصوص الشرعية أساسا للتعامل اللغوي من غير لجوء إلى تصنيف أو تقويم لهذه الاستعمالات التي قد ترد بقواعد يختص بها القرآن أو الحديث. ويلزم البحث عن أساس نظري عام موحد للموضوعات التي تقدم في مفردات التخصص، وهو أساس يساعد في المضي قدما في الأبحاث العلمية اللغوية المفيدة في تخصص الدراسات الشرعية. ومن أمثلة ذلك أن ينتهي التحليل اللغوي إلى بيان المقصد من النص الشرعي، ولا يقف عند تحليل الخصائص اللفظية.
ثالثا: نماذج شرعية لغوية:
يعتقد الباحث إمكان تنفيذ المقترحات السابقة في تأسيس علم لغة خاص بالعلوم الشرعية، وفيما يلي نماذج من المسائل والقضايا الشرعية اللغوية التي تتضمنها العلوم الشرعية.
مسائل شرعية لغوية:
الدراسات الشرعية مجال تطبيقي للدرس اللغوي العربي، لأنها مستندة إلى دراسة الخطاب الشرعي واستنباط الأحكام من أدلته الإجمالية والتفصيلية. ويقترح أن يتجه البحث نحو مراجعة المسائل اللغوية في هذه العلوم، لإبراز الخيط المشترك بينها، وبيان أساليب العلماء في ربط المسائل اللغوية بالمسائل الشرعية، والمنهج المتبع في عرض هذه المسائل، وإمكان تطوير هذا المنهج، ومراجعة المسائل التي أسست عليها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبالنظر في كتب علوم القرآن نجد أن السيوطي ([48]) يتعرض لمعرفة إعراب القرآن، ومعرفة سبب النزول، والوقف والابتداء، والإمالة، والفتح، والإدغام، والإظهار، وغيرها من التنوعات الصوتية، وكيفية تحمل القرآن، وكيفية قراءته، وتجويده، ومعاني الألفاظ والآيات القرآنية، والإيجاز، والإطناب، والخبر والإنشاء، وغيرها من المباحث اللغوية والبيانية. ويدرس الزركشي ([49])، فضلا عن ذلك ما يراه ضروريا لمفسر القرآن الكريم من علاقات اللفظ بالمعنى، ومعرفة التصريف، والأحكام من جهة إفرادها وتراكيبها، وفصاحة اللفظ والتركيب، وأوجه التناسب بين الألفاظ والآيات والسور، والحقيقة والمجاز، والأساليب الخبرية والإنشائية، والأساليب القرآنية النحوية والصرفية والبلاغية بصفة عامة.
ودرس محمد أديب صالح ([50]) تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ورأى أن وظيفة المفسر أن يعمل بالبحث والاجتهاد على إزالة الغموض من النص إن كان المعنى المقصود غير متبادر، وأن من أنواع التفسير معرفة مرامي الألفاظ التي منها الواضح والمبهم، ومعرفة دلالات الألفاظ على الأحكام من حيث تعدد وجوهها ومناحيها، وإدراك معاني الألفاظ في حالات عمومها واشتراكها، وغير ذلك من الموضوعات. وأشار إلى أن الحقيقة الراسخة عند العلماء أن البعد عن التفسير ضمن حدود اللغة والشريعة عدول عما تعبدنا الله من الكتاب بفهم آياته واستنباط أحكامه. وتعرض لأنواع الدلالات.
وعني محمود توفيق محمد سعد ([51]) بالخصائص التي امتاز بها بيان الكتاب والسنة والتي تقتضي أن يكون منهج استنباط المعاني منه وحركته مضبوطين بضوابط تضمن الإيفاء بحق هذه المعاني، وتحفظ الاستنباط من الزيغ إفراطا وتفريطا. ومنها ضابط الوعي بخصائص اللغة ودلالاتها الإفرادية والتركيبية، بحيث تستنبط الدلائل وفق قواعد اللسان العربي ومواضعاته الدلالية عند نزول النصوص وورودها، وليس عن طريق الإسقاط الدلالي التأويلي للغة عصر الوحي، وكذلك ضابط الوعي بالسياق المقامي لبيان الكتاب والسنة، وواقع البيان التطبيقي له، وضابط الوعي بالتكامل الدلالي لنصوص الوحي قرآنا وسنة، وضابط الوعي بمقاصد الوحي الكلية والجزئية.
لا تنحصر المسائل اللغوية في علوم الحديث في دراسة المتن، بل يمتد إلى الإسناد وعلاقته بالمتن وبقائله ([52])، وذلك من حيث التمييز بين الحديث المرفوع، والموقوف، والمقطوع، والمباحث المتصلة بمعنى الحديث من حيث فقهه، ويشمل ذلك معرفة مختلف الحديث، وناسخه ومنسوخه، ومشكله، وغريبه، وأسباب وروده، والمباحث المتعلقة باختلاف رواياته، كمعرفة زيادات الثقات، والشاذ، والمضطرب، والمقلوب، والمدرج، والمصحف، والمعلل. ومثلها المسائل المتعلقة برواية الحديث بلفظه والترخيص في روايته بالمعنى بقيود، والعلاقة بين السند والمتن.
تتضح أهمية الدرس اللغوي في دراسة علوم الحديث، في معرفة المصطلحات وتطور مفاهيمها، وربط الحديث بوسائل نقله في نقد الحديث الذي يعني: الحكم على الرواة تجريحا أو تعديلا بألفاظ خاصة ذات دلائل معلومة عند أهله، والنظر في متون الأحاديث التي صح سندها لتصحيحها، أو تضعيفها، ولرفع الإشكال عما بدا مشكلا من صحيحها، ودفع التعارض بينها، بتطبيق مقاييس دقيقة. وتبرز هذه الأهمية أيضا في مراحل نقد الحديث التي منها الاحتياط في الرواية تحملا وأداء، ونقد معنى الحديث، ودفع التعارض بين المتون ولرفع الإشكال عنها، ومن أهداف هذه المراحل التأكد من سلامة معنى الحديث بنقد معنى المتن، والكلام في الرجال من جانب حفظهم، وصيانة مبنى المتن بالجرح في الضبط، وبيان تخالف دلالات الأحاديث وأسباب ورود الحديث. وهي مباحث مهمة في نقد المتون، والمقارنة بين النصوص، قام بها رجال مختصون في الحديث، والأصول، والفقه، والعقيدة، واللغة، فاستطاعوا أن يوضحوا معناها بدقة. ومن أكثر مراحل نقد الحديث التصاقا بالدرس اللغوي نقد لغة الحديث، أي تفسير غريبه، وتصويب تصحيفاته، وبيان فقه الحديث، أي فهمه، واستخراج معناه. وقد قال الحاكم النيسابوري ([53]) بأن معرفة فقه الحديث ثمرة علوم الحديث، وبه قوام الشريعة، وأن علوم الحديث كلها تتعاضد لتثمر بيان المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم للعمل به.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويتركز التشابه بين علم أصول الفقه وعلم النحو بصورة خاصة في مبحث القياس، فضلا عن التشابه في مصطلحات تقسيم الحكمين الشرعي والنحوي، وأدلة الفقه والنحو الرئيسة. وتجدر الإشارة إلى أن صلة النحو بالفقه وأصوله صلة ذات شقين ([54]): شق تظهر فيه مقولات النحاة في أصول النحو محمولة على أصول الفقه، ولعل ابن جني أول من أشار إلى الصلة القوية بين أصول الفقه وأصول الكلام وبين أصول النحو في كتابه " الخصائص" ([55])، وقدم السيوطي نموذجا واضحا له في كتاب "الاقتراح" ([56]). وشق يظهر فيه أثر النحو الكبير في مباحث الفقه، وجاء كتاب الإسنوي تطبيقا عمليا لهذا الشق الثاني.
قضايا شرعية مبنية على أسس لغوية:
درس جمال الدين عطية ([57]) القواعد اللغوية وأشار إلى مكانها البارز في كتب أصول الفقه بسبب أهميتها في تفسير نصوص الكتاب والسنة واستخراج الأحكام منها، وإلى أن ابن السبكي قد أفرد لها قسما خاصا في كتابه " القواعد والأشباه والنظائر"، فبحث في حروف المعاني، والمركبات، وما ينبني على العربية من الفروع الفقهية، وأثر هذه القواعد في تفسير النصوص المختلفة. ويعتبر جمال الدين الإسنوي أول من خصص كتابا مستقلا عنوانه:" الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية" لدراسة القواعد النحوية التي بني عليها عدد من المسائل الفقهية. واهتم القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" بإبراز الأسس اللغوية للقضايا الفقهية التي عرضها. وتوجد جهود أخرى قديمة وحديثة في هذا الاتجاه. ونشير إلى جهود عبد القادر عبد الرحمن السعدي في مؤلفه الذي عنوانه: "أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية".
ونعرض فيما يلي لبعض القضايا الشرعية اللغوية:
حصر ابن رشد القرطبي ([58])، الأسباب المؤدية إلى الاختلاف بين الفقهاء في تحديد معاني الألفاظ التي تبنى عليها الأحكام في ستة: تردد الألفاظ بين العموم والخصوص ودلالة الخطاب، والاشتراك الحاصل في الألفاظ المفردة والمركبة، والاختلاف في الإعراب لأهميته في التمييز بين المعاني التركيبية، وتردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو على المجاز، من حذف، أو زيادة، أو تقديم، أو تأخير، أو تردده على الحقيقة أو الاستعارة، وإطلاق اللفظ تارة وتقييده تارة أخرى، والتعارض بين الشيئين في جميع أصناف الألفاظ التي تؤخذ منها الأحكام، ومثله التعارض الحاصل في الأفعال، أو الإقرارات، أو القياسات، أو بينها جميعا. ويتضح من محاولة رجع الألفاظ إلى هذه الأسباب الستة أن معظم أسباب الاختلاف في أحكام الفروع الفقهية قائمة على أساس لغوي مما يدعو للرجوع إلى اللغة رجوعا كليا في توجيه قصد الإنسان لإصدار الحكم الشرعي على تصرفه. وترجع أسباب الاختلاف الباقية إلى أمور أخرى من غير اللغة، كالقياس، أو الإجماع، أو العرف، أو الاستحسان. وقد تأتي بعض الفروع الفقهية مخالفة لما تقتضيه قواعد اللغة العربية، أو مخالفة للأرجح من قواعدها، مع موافقتها للمرجوح ([59]).
وقد ذكر ابن السيد البطليوسي ثمانية أوجه للخلاف بين المسلمين بعضها متعلق ببعض، وهي: اشتراك الألفاظ والمعاني، والحقيقة والمجاز، والإفراد والتركيب، والخصوص والعموم، والرواية والنقل، والاجتهاد فيما لا نص فيه، والناسخ والمنسوخ، والإباحة والتوسع ([60]). ومن الواضح أن أربعة أوجه منها لها صلة مباشرة بالمسائل اللغوية، وفيها أغلب أوجه الخلاف.
ومما أورده الإسنوي ([61]) من القضايا الفقهية المؤسسة على القواعد اللغوية أن مقتضى اسم الفاعل صدور الفعل منه، ومقتضى اسم المفعول صدوره عليه. وإذا تقرر هذا فيتفرع عليه إذا حلف لا يأكل مستلذا، فإنه يحنث بما يستلذه هو أو غيره، بخلاف ما إذا قال (شيئا لذيذا) فإن العبرة فيه بالحالف فقط. ومسألة أخرى أن (إذا) ظرف للمستقبل من الزمان، وفيه معنى الشرط غالبا، وقد يقع للماضي .. ، وقد ينتفي فيها معنى الشرط ... وإذا دلت على الشرط فلا تدل على التكرار .. . إذا علمت ذلك فينبني على المسألة الأيمان والتعاليق والنذور. فإذا قال لزوجته مثلا: إذا قمت فأنت طالق، فقامت، ثم قامت أيضا في العدة ثانيا وثالثا، فإنه لا يقع بهما شيء .. كما لا تدل (إذا) على التكرار لا تدل أيضا على العموم، .. وقيل تدل عليه. ومن فروع المسألة أن تكون له
(يُتْبَعُ)
(/)
عبيد ونساء، فيقول: إذا طلقت امرأة فعبد من عبيدي حرّ، فطلق أربعا بالتوالي، أو المعية، فلا يعتق إلا عبد واحد، وتنحل اليمين.
هذا، ويقترح أن يتطرق البحث في دراسة القضايا الشرعية المبنية على الأسس اللغوية إلى طبيعة هذه القضايا، والدافع إلى الاحتجاج باللغة فيها مع توفر الدليل الشرعي، أو عدم توفره، ودرجة هذا الاحتجاج، وأساليب اعتماد الأسس اللغوية أو استغلالها، ومنهج عرض هذه القضايا، وإمكان الربط بينها، وتجديد هذا المنهج، والعلاقة بين المسائل والقضايا اللغوية الشرعية.
• • •
خاتمة:
ينبغي أن نؤكد أن اقتراح تخصيص المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية بالدراسة لا يعني محاولة لإقحام المسائل اللغوية في المسائل الشرعية، أو الإكثار من القضايا اللغوية في غير موضعها مما حذّر منه الغزالي ([62])، وإنما القصد هو تأكيد المزاوجة بين المعرفة اللغوية والمعرفة الشرعية، وتوجيه الدرس اللغوي العربي إلى مواصلة السعي في تحقيق الهدف الذي نشأ من أجله، ألا وهو خدمة القرآن الكريم، وخدمة بيانه، والإسهام في فهم النصوص الشرعية، وفي استثمار المبادئ العقدية والأحكام الشرعية العملية منها ومن ثمَّ تطوير المنهجية اللغوية للعلوم الشرعية.
إن المحتويات العلمية التعليمية لهذا الدرس متوفرة بكثرة في التراث الإسلامي الشرعي، ولها تشعبات متنوعة، وستفيد الأبحاث التي تجرى في هذا المجال اللغوي التطبيقي الشرعي في إثراء التراث الإنساني بالآراء النيرة التي قدمها المسلمون في دراسة الظاهرة الكلامية، وعلاقتها بالعقيدة، والفكر، والثقافة، والكيان الإنساني بوجه عام. ولا ريب في أن الإفادة من الدراسات اللغوية التركيبية، والأسلوبية الحديثة في الجوانب النفسية، والاجتماعية، والأخلاقية، والإعلامية، والتشريعية، طبقا لطبيعة النصوص الشرعية تساعد في فهم الخطاب الشرعي الذي وضعت هذه العلوم لدراسته.
ويقترح الكاتب أن يقرر مساق خاص لهذا العلم في البدء في المرحلة الجامعية العليا للدراسات الإسلامية والشرعية، والدراسات اللغوية، قبل أن يقرر في المرحلة الجامعية الأولى، ويقترح أن تحدد ساعاته المعتمدة بثلاث ساعات إذا تقرر تدريسه بشكل عام، أما إذا قصد تدريس فروعه الداخلية فتحدد لكل فرع ساعة واحدة معتمدة. ويقترح أن يبدأ تقديمه لطلبة الدراسات العليا بشكل ندوات علمية يمكن أن يشترك فيها المتخصصون في العلوم اللغوية، والشرعية، أو أن يتولى تدريسه متخصصون في الدراسات اللغوية لهم خلفية كافية في الدراسات الإسلامية، وذلك من أجل تحقيق نوع من الانسجام بين المفردات التي تقدم للدارسين، والربط بين القضايا اللغوية، وبين المسائل الشرعية على أمل أن يفضي تطور الأبحاث المستقبلية إلى تحقيق هدف هذا المساق. أما عن المقررات والمراجع فتوفر في البدء بانتقاء الموضوعات المتصلة بمفردات هذا المساق من أمهات الكتب التي تتناول فروع العلوم الشرعية التي أشرنا إلى بعض موضوعاتها، وتؤخذ النماذج التطبيقية الأولية منها ريثما يتم تأليف كتاب مخصص له. ومن الممكن استغلال أبحاث طلبة الدراسات العليا في تحقيق هذا الهدف النبيل، وفق أهداف مرسومة ومفردات محددة، ومناهج تعليمية تتفق مع أهداف المؤسسة الجامعية التي تحتضن هذا المساق.
----------------
الحواشي والتعليقات
(1) انظر: سعدي أبو حبيب، القاموس الفقهي: لغة واصطلاحا، دار الفكر، دمشق، 1402هـ (الشريعة).
(2) توجد تقسيمات متعددة للعلوم في التراث الإسلامي، كما يوجد تداخل في تصنيف العلوم وفقا لتباين المعايير المعتمدة في هذا التصنيف. انظر نوعا من مناقشة تصنيف للعلوم الإسلامية في: محمد عمارة، إسلامية المعرفة، دار الشرق الأوسط، القاهرة، 1991م. ص 14 - 17، وانظر في تحديد العلوم الشرعية: أبو حامد محمد الغزالي، إحياء علوم الدين، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، د. ت.، ج3، ص18.
(يُتْبَعُ)
(/)
(3) تجدر الإشارة إلى أن أي تطوير أو تجديد في العلوم الشرعية، إن اقتضته الضرورة، ينبغي أن يتم في حدود مقاصد الشرع، وألا يخالف الغايات العليا للرسالة الإسلامية كما حددها سلف هذه الأمة. ولا ينبغي من جانب آخر أن يصرف أي مقترح في التطوير إلى الاحتكام إلى العقل وإهمال النقل؛ ذلك لأن الفيصل في قبول التطوير أو التجديد في منهجية الدراسة والفهم صدورُه عن العقيدة الصحيحة واتفاقه مع المقاصد الشرعية.
(4) انظر: أبو حامد محمد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، دار الكتب العلمية، بيروت، 1403هـ، ج1، ص3 - 5.
(5) من المحاولات العلمية في تطوير الدراسات الشرعية وتحديثها صنيع الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه المعنون بـ (الزكاة)، وهناك محاولات أخرى له ولغيره، وهي كثيرة.
(6) انظر: عبد الحميد إبراهيم المجالي، مدى الحاجة إلى تطوير محتوى مادة الفقه، في: فتحي حسن ملكاوي، ومحمد عبد الكريم أبو سل، بحوث مؤتمر علوم الشريعة في الجامعات، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان، 1416هـ، ص 49 – 65.
(7) انظر: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص4 - 10، ومحتويات الجزأين.
(8) انظر: إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، دار الفكر العربي، بيروت، د. ت.، ج2، 5 - 40، و ج2، ص5 - 40.
(9) انظر مثلا: محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، مطبعة الأمانة، مصر، 1413هـ. ومحمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، ط3، المكتب الإسلامي، بيروت، 1404هـ.
(10) نشير في هذا الصدد إلى أن تجديد منهجية الدراسة في أي علم من العلوم لا يقتضي بالضرورة أن تكون المناهج السابقة ناقصة، أو غير وافية بالغرض؛ إذ إن المنهجية الجديدة قد تفضي إلى إضافة محمودة إلى نتائج البحث في المجال العلمي المعنيّ، وقد تفتح مجال اهتمام آخر تتلاقح فيه الخبرات، ويعالج فيه بعض القضايا التخصصية المستجدة في هذا المجال.
(11) أبو السعود محمد العمادي، تفسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج1، ص4.
(12) جمال الدين الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، تحقيق محمد حسن عواد، دار عمار، الأردن، 1405هـ، ص43 (مقدمة المحقق).
(13) راجع في الاحتجاج لإثبات القياس والرد على هذه الشبه: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج2، ص256 - 278.
وانظر في نقد الاعتماد على القياس في الاستدلال والاحتجاج في الفقه وفي التعامل مع نصوص الكتاب والسنة: علي بن أحمد بن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1400هـ، مج2، ج8، ص2 - 76.
(14) محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مصطفى الباني الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1370هـ، ج1، ص2 - 3.
(15) راجع: ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، مج2، ج7، ص 57 - 58 و 62 - 63.
وانظر: أنور خالد الزعبي، ظاهرية ابن حزم الأندلسي: نظرية المعرفة ومناهج البحث، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، مكتب عمان، الأردن، 1417هـ، ص 3 - 6 (تقديم طه جابر العلواني للكتاب.)
(16) انظر: محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة، ط2، 1979م، ص51 - 52، فقرة 173. والشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص65 - 70.
(17) محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، مطبعة الأمانة، مصر، 1413هـ، ص38 - 41.
(18) راجع: ابن مضاء القرطبي، كتاب الرد على النحاة، ط3، تحقيق شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1988م، ص 71 - 141.
حاول شوقي ضيف تقديم نموذج متكامل لتصوره لتيسير النحو العربي مستفيدا من آراء ابن مضاء، وذلك في كتابه (تجديد النحو)، وقد قدم تحليلا أسس نظريا لهذا التجديد في كتابه (تيسير النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده).
(19) ابن القيم محمد بن أبي بكر الجوزي، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق محمد بن محيي الدين عبد الحميد،، ج3، 107 - 111.
(20) علي بن أحمد بن حزم، المحلى بالآثار، تحقيق عبد الغفار البندراوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج3، ص187 - 188
(يُتْبَعُ)
(/)
(21) أحمد بن عبد الحليم بن تيمية،، مجموعة الرسائل والمسائل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م، ص294.
(22) عبد الرحمن الحريري، الفقه على المذاهب الأربعة، دار الفكر، بيروت، ج2، ص474.
(23) أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص10.
(24) من النماذج الشائعة في هذا، صنيع الرازي في تفسيره، حيث أطلق لنفسه العنان في إقحام المسائل العقلية في تفسير القرآن الكريم.
(25) ولعل الإمام الشافعي يعد خير دليل على النبوغ في المجالين الشرعي واللغوي. اقرأ نبذة عن الإمام الشافعي في تقديم المحقق للرسالة: محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار التراث، القاهرة، 1399هـ ص 5 - 8
(26) راجع: جمال الدين بن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1990م، مادة (صلا) ومادة (زكا).
(27) أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج2، ص353.
(28) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة ج4، ص114 - 118 وج4، ص 62.
(29) انظر: عبد القادر عبد الرحمن السعدي، أثر الدلالة النحوية واللغوية في استنباط الأحكام من آيات القرآن التشريعية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، 1406هـ، ص 31 - 74.
(30) وردت تحديدات متنوعة لعلم اللغة التطبيقي، ولكنه علم يمثل تكاملا بين مختلف المعارف الإنسانية في دراسة القضايا اللغوية التطبيقية مما يتعلق بفهم الظاهرة اللغوية، واستخدام اللغة، وتوظيفها في العلاقات الاجتماعية، ومجالات الخبرات الإنسانية، وتقديم الحلول العملية لمشكلات استخدام اللغة في مجالات الاتصال الإنساني المعرفي، أو المهني، أو الاجتماعي، أو غيرها.
(31) انظر: حسن محمود الشافعي، المدخل إلى دراسة علم الكلام، ط2، مكتبة وهبة، القاهرة، 1411هـ، ص 72 - 98.
(32) تشمل الدراسات اللغوية الحديثة توجهات متعددة، ويمكن الاستفادة منها في بناء علم اللغة الخاص بالعلوم الشرعية، وبصفة خاصة ما يتعلق من موضوعاته بربط النصوص بالخصائص المقامية لها، وربط التراكيب والنصوص بالجوانب المعرفية والثقافية والنفسية، وتحديد مفاهيم المصطلحات.
(33) قدم أبو حامد الغزالي مثالا للغلط في تمييز المشترك من الألفاظ، محللا لمفاهيم لفظة "مختار" في التعليل لحكم المكره على القتل لدى كل من الشافعية والحنفية. (أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص 33).
(34) زكريا الأنصاري، الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، تحقيق مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1411هـ، ص65.
(35) أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، كتب ورسائل وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مكتبة ابن تيمية، ط2، د. ت.، مج13، ص 355 – 358.
(36) عبد الله بن السيد البطليوسي، الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الخلاف، تحقيق محمد رضوان الداية، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403هـ، ص 36 - 37.
(37) انظر: محمد خطابي، لسانيات النص، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1991م، ص11 - 87 (وقد أبرز المؤلف إسهام المسلمين في دراسة النصوص وبيان أوجه الانسجام فيها، في التفسير، وعلوم القرآن، والبلاغة العربية، ص95 - 204)
(38) انظر: بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ط2، عيسى البابي الحلبي، 1390هـ، (قائمة المحتويات). وعبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، المكتبة الثقافية، بيروت، 1973م، (قائمة المحتويات).
(39) الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج1، ص35 – 36.
(40) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص65 –66.
(41) الواقعة: 79.
(42) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج1، ص 41 - 42.
(43) يمكن أن يدرس إمكان وجود نحو قرآني خاص، وما يدعو إليه بعض الكتاب من ضرورة اتباع الأساليب التركيبية والبيانية للقرآن الكريم، ونظرتهم إلى القواعد اللغوية القرآنية بأنها ملزمة، وينبغي هجر غيرها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه النظرة لا تراعي حقيقة أن الأسلوب القرآني أسلوب نموذجي رفيع، وأنه معجز بنظمه، ومضمونه، وأن تقليد الشيء الخارج عن الطوق البشري لا طائل من دونه، كما أن الأسلوب القرآني لا يمثل كل الأساليب العربية التي منها الرفيع، والوضيع.
(يُتْبَعُ)
(/)
(44) من ذلك الاستحلاف، وأساليب إيقاع الطلاق، والطلب والقبول في النكاح، وصيغ العقود، والاعتراف بالجريمة، وغيرها.
(45) فمثلا: أوقات وساعات منع أنواع من الكلام في بعض الظروف أو الشعائر الدينية، ومواقف السكوت، والحديث مع الوالدين، وإساءة استخدام الكلام.
(46) انظر مثلا: أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول، ج1، ص 337 (طريق فهم المراد).
(47) عبد السلام المسدي، التفكير اللساني في الحضارة العربية، الدار العربية للكتاب، تونس، ط2، 1986م، ص 35 - 36.
(48) عبد الرحمن السيوطي، الإتقان في علوم القرآن.
(49) بدر الدين محمد الزركشي، البرهان في علوم القرآن.
(50) انظر: محمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي، دمشق، ط3، 1404هـ 1/ 60 - 61 و 69 و 109 و 139.
(51) محمود توفيق محمد سعد، سبل الاستنباط من الكتاب والسنة: دراسة بيانية ناقدة، ص 18 - 25.
(52) انظر: محمد طاهر الجوابي، جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي الشريف، مؤسسات ع. الكريم بن عبد الله، تونس، 1991م، ص84 - 128 و 284 - 291، وغيرها.
(53) الحاكم محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري، كتاب معرفة علوم الحديث، مكتبة المتنبي، القاهرة، د. ت.، ص63
(54) الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، ص146: مقدمة المحقق.
(55) انظر: أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1952م 1/ 163 حيث قال: "وكذلك كتب محمد بن الحسن - رحمه الله - إنما ينتزع أصحابنا منها العلل، لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه فيجمع بعضها إلى بعض بالملاطفة والرفق." وانظر: ج1، ص115 - 200 و ج1، ص49 - 96، 115 - 164 في: نوع علل العربية، وجواز القياس، وتعارض السماع والقياس، والاستحسان، وتخصيص العلل.
(56) عبد الرحمن السيوطي، كتاب الاقتراح في علم أصول النحو. (قسم السيوطي هذا الكتاب إلى أجزاء، هي: المقدمات، ثم الكتاب الأول في السماع، والثاني في الإجماع، والثالث في القياس والرابع في الاستصحاب، والخامس في الاستدلال، والسادس في التعارض والترجيح.)
(57) جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، ص109 - 111
(58) ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ص15 - 6.
(59) جمال الدين عطية، التنظير الفقهي، 110 - 111.
(60) ابن السيد البطليوسي، الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الخلاف، ص34.
(61) الإسنوي، الكوكب الدري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية، ص 243 و 266 - 267.
(62) أبو حامد الغزالي، المستصفى في علم الأصول ج1، ص 10.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[20 Oct 2005, 12:46 ص]ـ
تَدَرّج المعاني ـــ صلاح الدين الزعبلاوي
من النقاد من يتعلق بظاهر النص المدرج في المعاجم، على اختصار وجمود، وعلى قصد وإجمال، وفي غير بسط أو إحاطة أو استيعاب. والكشف عن دلالات الكلم مرهون بتبين أصول اشتقاقها أو اجتلاء مدارجها في المجاز والنقل، وتعرّف مساريها في أداء أغراضها والتعبير عن قصودها، واستشفاف قرائنها في متباين مواقعها في الاستعمال والتركيب.
فمن الخطأ أن يظن ظان أن معاجم اللغة وما إليها من أسفار النحو وحواشيها، وكتب الصرف وشروحها، هي عدة اللغوي وحدها، وأن نقولها معوّل تحقيقه وغاية بحثه وحكمه دون سواها. والصحيح أن مراجع اللغوي، إلى ذلك، كتب التفسير والأدب ودواوين الشعر وصحف الرسائل والرقاع، ومصنفات القوم في التاريخ والأخبار والأسفار، بل مؤلفاتهم في مختلف العلوم والصناعات ووضائعهم في الحكم والأمثال.
وقد دأب الأئمة الأوائل في كثير مما دونوه وألّفوه على البحث عن أصل اللفظ، لما تواضعوا عليه من أنه لابد للكلم في كل مادة أن يشتق بعضها من بعض فترد إلى جنس من المعنى يعد أصلاً لما يشتق منها جميعاً. بل تابع بعضهم البحث في تدرج معناه وفي تقلبه وتنقله وتجدد دلالاته في مراحل حياته، ولكنهم لم يستوفوه فيتخذوه منهجاً وسنناً.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد عني علم اللغة الحديث بهذا منذ القرن الماضي وأسمى العلماء أصول البحث فيه: علم معاني الأسماء Science de Sémantique واللفظ مستعار من اليونانية Sêmantikos أي المعنى ولعل أول رسالة ألفّت في ذلك رسالة العالم اللغوي الفرنسي (ميكال بريال: Michel Bréal عام 1897، وعنوانها Essai de Sémantique و (بريال) هذا من العلماء المحققين في علم اللغة التاريخي، وقد توفي 1915م (1).
يقول العالم الإنكليزي (سكيت ولتر وليم) المتوفى عام 1914: (يُنصح المؤلف بتحقق طبيعة استعمال اللفظ في أول نشأته. ويُعين في هذا التحقق ملاحظة النصوص المنقولة التي جرى اللفظ في أثنائها منذ نشأته الأولى) (2). ويقول الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح في مقاله الطريف (مدخل إلى علم اللسان الحديث) (3): (اللسان لا يحدد مضمونه المادي والصوري إلا على أساس المواقع التي تقع فيها وتتعاقب عليها عناصره، إما في درج الكلام فيما يخص الوحدات الدالة، وإما في مدارج الجهاز الصوتي فيما يخص العناصر غير الدالة (4)، وذلك مثل مدلولات الألفاظ فإنها لا تحدد إلا بسياقاتها، لا بما تذكره المعاجم من معانيها، لأن المعاجم تكتفي غالباً بذكر بعض المعاني بالاعتماد على بعض السياقات. وإنما يكون المعجم هو أساس في تحديدها إذا لم يرد اللفظ في أي نص إلا في الذي يذكره هو وحده) ويردف (فبتلك المواقع التي يشاهدها اللغوي في الكلام المسموع يستطيع أن يعرف، بالموضوعية المطلقة، أنواع الأداء وتشعبات المعاني الجزئية. ثم بالنظر في كيفية تقابلها بعضها ببعض وتعاقبها على الموضع الواحد، ودخول هذه على تلك، يستطيع أيضاً أن يكشف عن وضعها ونظامها .. ). فعلى الناقد إذاً ألا يتلمس معاني الكلم في نصوص معاجمنا وما يتصل بها وحسب، بل عليه أن يبتغيها في معالمها الأخرى، ويتطلبها من مآتيها المتعددة. ويؤديه هذا إلى البحث عن أوجه تصرف الكلم في متنوع النصوص المحكية، وصور دلالاتها في سائر الموضوعات المطروحة، كما يقتاده إلى التماس وجوه التقلب التي تلحق بها وصور تجدد أغراضها ومراميها، وانحرافها عن أصولها وتشعبها عن جذورها وذلك بتبدل الموضوعات والبيئات وتغير الأفكار والأحكام واختلاف العصور والأزمان. والأصل في اللفظ أن تتباين شعاب معانيه فيكون له من تدرجه وتقلب دلالاته مجال بسيط ومذهب فسيح.
* * *
هذا والسبيل إلى تدرج المعاني هو المجاز والنقل. والذي نريده ها هنا بالمجاز معناه اللغوي الشامل الذي أخذ به المبرّد في كامله (2/ 301) وابن جنيّ في خصائصه (2/ 446) وابن رشيق في عمدته. وهو طريق القول ومأخذه على حد تعبير ابن رشيق، أي كل ما جزت به الأصل لمناسبة في التركيب والاستعمال فاحتاج في إعادته إليه، إلى تأويل بإظهار مواضع الحذف أو الزيادة أو التقديم أو التأخير أو غير ذلك. فهو لا يقتصر على استعارة أو مجاز كما فعل أصحاب البيان. فقد ذهب هؤلاء إلى أن المجاز هو انتقال اللفظ من المعنى الذي وضع له إلى المعنى الذي انتهى إليه بمناسبة أو علاقة تبنى على مجرد التشبيه كالاستعارة أو غير التشبيه كسببية أو مجاورة كما هو المجاز المرسل أو تشبيه تمثيل كما هو المجاز المركب. ولم يتعدوا به هذا الحد إلى ما يتناوله علم البيان وهو يشمل التشبيه والمجاز والكناية جميعاً، أو ينطوي عليه البديع من وجوه تحسين الكلام.
قال المبرّد: (من الآيات التي ربما يغلط في مجازها النحويون قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، والشهر لا يغيب عنه أحد، ومجاز الآية: فمن كان منكم شاهد بلده في الشهر فليصمه. والتقدير فمن كان شاهداً في شهر رمضان فليصمه. ونصب الشهر للظرف لا نصب المفعول). كما حكا الثعالبي في فقه اللغة (546). وأوضح المبرد كلامه فقال (أي أن نصب الشهر نصب الظروف لا نصب المفعول به).
وقال ابن جني: (أبواب الحذف والزيادات والتقديم والتأخير والحمل على المعنى والتحريف كلها من المجاز).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومهما يكن من أمر فإنه إذا أريد باللفظ ما وضع له أصلاً، في التقدير، فإنه الحقيقة، وإذا جازوا به موضعه الأول هذا في اللغة فأوقعوه موقعاً آخر بسبب يصل ما انتقل منه بما انتقل إليه، فإنه المجاز. فلابد أن يكون ثمة سبب يصل المجاز بالحقيقة. وقد جاء في المزهر (1/ 211): (المجاز كل كلام تجوز به عن موضوعه الأصلي إلى غير موضوعه الأصلي لنوع مقارنة بينهما في الذات أو المعنى). وقال الشريف الجرجاني في تعريفاته: (المجاز ما تعدى محله الموضوع له إلى غيره بمناسبة بينهما، أما من حيث الصورة أو من حيث المعنى اللازم المشهور، أو من حيث القرب أو المجاورة). ومن ثم كان لابد لكل مجاز من حقيقة. قال صاحب الكليات (50): (الأصل أن يكون لكل مجاز حقيقة).
هذا وليس يبعد أن يعتد المجاز بكثرة استعماله أصلاً فيتفرع عليه مجاز آخر، لكنه لا يخرج عن كونه مجازاً. ولابد هنا من وضوح العلاقة بينه وبين الأصل الأول على كل حال. قال الزمخشري في الأساس: (ومن مجاز المجاز تداعت إبل بني فلان هُزلت أو هلكت)، وأصله الأول (تداعى القوم لمهم) إذا دعا بعضهم بعضاً فاجتمعوا لأمر مهم. وقد بُني على هذا قولهم (تداعت الحيطان للخراب) كأن بعضها دعا بعضاً للسقوط والانهيار. ثم تفرع على هذا قولهم (تداعت عليه الحيطان) إذا تهدمت و (تداعى البنيان) إذا تصدع، وتداعت الإبل إذا هزلت أو هلكت. فليس ينكر، على هذا، أن يتفرع مجاز على مجاز، بتعاقب الحقب والأجيال، وأن يختلف القول بالأصلية والفرعية بتباين وجهات النظر والاعتبار.
* * *
هذا ويكون تدرج المعنى بالنقل، وذلك بأن يغلب على لفظ معناه المجازي حتى يشتهر به ويُعرف بلا قرينة. وهو ما أسماه أصحاب البيان المجاز الراجح، فيدعى كسب اللفظ معناه الجديد هذا نقلاً. ومن ذلك غلبة الألفاظ الإسلامية كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها، على ما قُصد بها شرعاً، ومنه شهرة ألفاظ بمعانيها المستحدثة في موضوعات وعلوم وصناعات شتى، كمصطلحات النحو والصرف والوضع والمعاني والبديع والبيان والعروض والحكمة والعقائد والأصول، ومصطلح الحديث والتفسير، وسواها من مواضعات الطبيعة والفلك والعلوم الرياضية .. قال الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي في كتابه (توجيه النظر إلى أصول الأثر): (الاصطلاح اتفاق القوم على استعمال لفظ في معنى غير المعنى الذي وضع له في أصل اللغة. وذلك كلفظ الواجب فإنه في أصل اللغة بمعنى الثابت واللازم. وقد اصطلح الفقهاء على وضعه لما يثاب على فعله ويعاقب على تركه .. )، ثم قال: (واللفظ إذا استعمل في المعنى الذي وضعه له المصطلحون يكون حقيقة بالنسبة إليهم ومجازاً بالنسبة إلى غيرهم. قال في المفتاح: الحقيقة هي الكلمة المستعملة في معناها بالتحقيق. والحقيقة تنقسم عند العلماء إلى لغوية وشرعية وعرفية ... فقلت لغوية إن كان صاحب وضعها واضع اللغة، وقلت شرعية إن كان صاحب وضعها الشارع، ومتى لم يتعين قلت عرفية. وهذا المأخذ يعرفك أن انقسام الحقيقة إلى أكثر مما هي منقسمة إليه، غير ممتنع في نفس الأمر).
ويدخل في النقل ما وضع لمعنى خاص فاستعمل عاماً. وقد مثل صاحب المزهر لهذا بـ (النجعة) فأصلها طلب الغيث، ثم صار كل طلب انتجاعاً. و (المنيحة) وأصلها الناقة أو الشاة تعطى الرجل ليشرب لبنها ثم أصبحت كل عطية منيحة. ونقل المزهر (1/ 253) قول ابن فارس في فقه اللغة) كان الأصمعي يقول أصل الورد إتيان الماء، ثم صار إتيان كل شيء ورداً). ونظيره (الصَدر) فإن أصله الانصراف عن الماء ثم أصبح كل انصراف صدراً. قال صاحب المفردات (يومئذ يصدر الناس أشتاتاً –الآية- والصدر في الحقيقة صدر عن الماء). وقال الجوهري في الصحاح (وطريق صادر أي صدر بأهله عن الماء) ثم قال (والصَدر بالتحريك الاسم من قولك صادرت عن الماء وعن البلاد)، وأردف (وفي المثل تركته على مثل ليلة الصدر، يعني حين يصدر الناس من حجهم). فأورده خاصاً ثم عممه.
و (المجلة) وضعت لمعنى خاص فقيل إنها الصحيفة التي تكون فيها الحِكم، كما قال الجرجاني في تعريفاته، لكنها استعملت لكل كتاب. ففي الصحاح (والمجلة الصحيفة فيها الحكمة. قال أبو عبيد: كل كتاب عند العرب مجلة).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما اجتهد فيه أحمد فارس الشدياق في كتابه سر الليال في القلب والإبدال (551) قوله: (ألا ترى لفظة الدار مثلاً في الأصل من دار يدور، فحقيقة معناها الأصلي ربع مستدير، ثم أطلق على كلّ شكل من البناء)، وقوله (بل الأمر نفسه من هذا القبيل لأنه في الأصل ما يؤمر به ثم عمم، وكذلك الشيء فإنه في الأصل مصدر شاء).
ومن النقل أن يوضع اللفظ لمعنى عام ثم يخصص. وقد عرّفوا التخصيص فقالوا أنه قصر العام على بعض ما يتناوله، كلفظ (الدابة). قال الجواهري في الصحاح (دبّ على الأرض يدبّ دبيباً، وكل ماشٍ على الأرض دابة ... ) فجاء بمعنى الدابة عاماً، ثم قال (والدابة التي تُركت) فخصص. وقال صاحب المصباح: (وكل حيوان في الأرض دابة ... وهو قوله تعالى: والله خلق كلّ دابة من ماء. قالوا أي خلق الله كل حيوان مميزاً كان أو غير مميز) ثم قال: (وأما تخصيص الفرس والبغل، عند الإطلاق، فعرف طارئ).
ومما نقل من العام إلى الخاص الصفات الغالبة، وهي التي أفردت عن موصوفها فخصّت بدلالة وغلبت عليها الاسمية. فـ (نكباء) في قولك (ريح نكباء) صفة لها عموم الدلالة لأنها جارية على الفعل فهي تصف (ريحاً) بأنها تتنكب. وهي لا تختص في الأصل بالريح. أما (النكباء) في قول المرزوقي في شرح الحماسة (806): (والنكباء ريح تنكبت عن الرياح الأربع) فإنها صفة غالبة أُفردت عن موصوفها وخُصت بنوع من الرياح، فأنزلت لذلك منزلة الأسماء وجمعت جمعها على (نكباوات). قال المرزوقي (وإذا كثرت النكباوات واشتد هبوبها شمل القحط).
و (الخضراء) في الأصل صفة للبقلة، لكنها استغنت عن موصوفها فخصصت دلالتها فقيل (ليس في الخضراوات صدقة) أي في البقول، فأنزلت منزلة أسماء الجنس. فالخضراء الصفة الغالبة تدل على البقلة دون النظر إلى اللون، وتجمع على الخضراوات لا على الخُضْر.
و (الدكّاء) صفة (للأرض) إذا انبسطت، ولكنها قُطعت عن موصوفها وخُصصت فعُدَّت اسماً للرابية، وجمعت جمع الأسماء على (دكاوات).
و (الدنيا) في الأصل صفة (للحياة) أو (للدار). ثم أفردت عن موصوفها فقيل (الدنيا)، كما قيل (الأولى)، وهما بمقابل (الآخرة). قال تعالى (فعند الله ثواب الدنيا والآخرة –النساء/ 133)، وقال (وللآخرة خير لك من الأولى- الضحى/4) وقال (ولدار الآخرة خير للذين اتقوا .. يوسف /109). فالدنيا اشتقاقها من (الأدنى) وهو الأقرب. قال الشيخ أبو حاتم الرازي في كتابه الطريف (الزينة في الكلمات الإسلامية العربية 2/ 143): (أي أن هذه الحياة الآخرة هي الحياة الأخرى، وكل شيء له طرفان فالأدنى منهما إليك الدنيا والأبعد هو الآخرة). وقال صاحب المفردات (ويعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن نشأة الأولى)، وقال (وقد توصف الدار بالآخرة تارة، ويضاف إليها تارة أخرى .. ). وقال الفراء في هذه الإضافة (هذا كثير في كلامهم أن يضيفوا الشيء إلى نعته إذا اختلف فيه اللفظان كقوله: ولدار الآخرة، وكقوله حق اليقين).
وذكر (الرائد) فيما كان عاماً فخصص. قال ابن الأثير في النهاية (وفي حديث علي –رضي الله عنه- في صفة الصحابة، رضي الله عنهم: يدخلون رواداً ويخرجون أدلة، أي يدخلون عليه طالبين العلم وملتمسين ما عنده، ويخرجون أدلة للناس). ثم قال: (وأصل الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث). وقد اعتمد هذا الدكتور علي عبد الواحد وافي في كتاب علم اللغة (229) فقال: (والرائد في الأصل طالب الكلأ ثم صار طالب كل حاجة رائداً). وجرى على ذلك الأستاذ محمد المبارك عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، في كتابه (فقه اللغة).
أقول إن هذا وإن صح، لا يمنع أن يكون لكل من (رائد الكلأ) و (رائد القوم) دلالة خاصة كما هو شأن الصفة الغالبة. ويتبين ذلك إذا رُدّوا إلى معنى الفعل في الأصل فـ (راد) على ما جاء في مفردات الراعب (تردد بطلب الشيء برفق). فالرائد الصفة إذاً المتردد لطلب الشيء برفق، أما الرائد الصفة الغالبة التي أفردت عن موصوفها فإن بها خصوصاً. فليس (رائد الكلأ) أو (رائد القوم) الطالب للشيء يبتغيه وحسب. وما أظن قول الدكتور عبد الواحد (ثم صار طالب كل حاجة رائداً) هو الوجه، وإلا كان كل من احتاج فابتغى حاجته رائداً. بل ما إخال قول الأستاذ المبارك (ثم عمم لكل من يتقدم القوم بطلب شيء) قد أحاط بالدلالة المقصودة واستوفى
(يُتْبَعُ)
(/)
ملامحها. ذلك أن الرائد هو متقدم قومه الصادق في حديث علي (يدخلون روّاداً ويخرجون أدلة) وحديث عبد القيس (لكنا قوم رادة أي نرود الخير والدين لأهلنا). وقد تفرع على هذا ما جاء في الحديث
(الحمى رائد الموت). قال ابن الأثير (أي رسوله الذي يتقدمه كما يتقدم الرائد قومه) أقول بل هي رسوله الصادق الجاد في طلبه.
ومما يدخل في الصفات الغالبة: السائبة للناقة إذا تركت راغدة لا تُهاج ولا تمنع من ماء أو مرعى، والراحلة للإبل إذا صلحت للرحيل، والسارية لكل ما دب بليل من الهوام، وللسحابة تمطر ليلاً، والسابغة للدرع الواسعة، والصاعقة للنار تسقط من السماء، والجارية للسفينة والأمَة. قال صاحب المصباح (والجارية السفينة سميت بذلك لجريها في البحر، ومنه قيل للأمَة جارية على التشبيه لجريها مستسخرة في أشغال مواليها). ولفظ (الدابة) الذي أتوا به مثالاً متعارفاً لانتقال العام إلى الخاص، ليس إلا صفة غالبة، وكذلك (الماشية) على أنها من مشت المرأة إذا كثر أولادها. ففي الأساس: (وناقة ماشية: ولاّدة، ومنه الماشية والمواشي على التفاؤل).
* * *
هذا ولابد أن نأتي بأمثلة نكشف بها عن وجه اشتقاق الكلم بعضه من بعض، وسبل تجدد معانيها وتدرّج دلالاتها وتحولها بالنقل من حال إلى حال. وقد يسلُس الأمر ويستيسر فيبدو داني القطوف قريب النجعة، وقد يصعب وينبو فيبدو شديد المطلب وعث المبتغى فيلجئك أن تتلطف له وتتأتى، وتسلك إليه كل سبيل.
قالوا (لا أبالي) ومعناه لا أهتم، فما هو أصل اشتقاقه؟
قال جماعة المبالاة من البلاء بالفتح. والبلاء في الأصل الاختبار. قال المرزوقي في شرح الحماسة (71): (فلان لا يبالي العواقب، يقال ما باليته بالة وبالية ومبالاة وبلاء وما باليت به، وكأنه أخذ من البلاء). ونحو من ذلك في اللسان والتاج. ففي الأول والبلاء الاختبار، وفي الثاني أصل الابتلاء الاختبار.
وليس بعيداً عن هذا قولهم (المبالاة) من (البِلاء) وهو الهم كما حكاه صاحب المصباح عن أبي زيد، وأوردوا البلاء مصدراً لبالَى كما جاء في اللسان والتاج.
وعلل المرزوقي كيف انتهى (بالى) من معنى البلاء وهو الاختبار إلى المفاخرة فكان الامتناع من مفاخرة القِرن استهانة به واستخفافاً، فقال (وقوله لا يبالي العواقب .. كأنه أخذ من البلاء واستعمل في المفاخرة وتعداد الخصال الحسنة عند المنافرة، ثم كثر استعماله حتى صار يقال في الاستهانة بالشيء).
واستشهد بقول الشاعر (مالي أراك قائماً تبالي) أي تفاخر. وقال في موضع آخر: (وقوله تبالي تفاعل من البلاء فإذا قال لا أباليه كأنه أراد لا أحتفل به فأُعادّه بلائي وبلاءه وأفاخره، هذا أصله). أي أن تبادل الاختبار يقود إلى المفاخرة والمنافرة، فإذا أبيت أن تفاخر خصماً أو تنافره أو تكاثره فقد استخففت به.
وأحسب دون ما ذكرناه قول آخرين أن المبالاة من البال وهو الروع والخاطر، انتقل فيه حرف العلة بالقلب فكان وسطاً فأصبح طرفاً، كما قال ابن فارس في مجمله والمزمخشري في أساسه، وقول جماعة أن أصله المبادرة إلى الاستقاء فمعنى لا أبالي لا أبادر إهمالاً له، كما ارتآه ابن فارس في مجمله، وقد انتهى إلى رده إلى (البال) في مقاييسه، وذكره الفيومي في مصباحه.
ولعله قولهم (لا أباليه) متعدياً، إنما يدل على أصله في التعدية لأنه مفاعلة من البلاء، وهو الاختبار، وقولهم (لا أبالي به) محمول على ما انتهى إليه من معنى، وهو لا أحتفل به ولا أعتد.
* * *
وتقول في معنى ما أباليه وما أبالي به، ما أكترث له. وقد جاء في اللغة كرَثه وأكرثه وكرّثه فاكترث. فما معناه الأول؟ أقول دلّ على ذلك الزمخشري فقال في الأساس: (كرّثه الأمر إذا حركه، وأراك لا تكترث لذلك ولا تنوص: لا تتحرك له ولا تعبأ به، وكرّثته الكوارث أقلقته). فالكرث والإكراث والتكريث هو التحريك في الأصل. وكذلك الإقلاق والإزعاج فحقيقتهما التحريك. فإذا كرثك الشيء فقد جعلك تضطرب حقيقة أو مجازاً، ومن ثم قيل كرثه: ساءه، كما حكاه اللسان.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتأسيساً على ذلك كان اكتراث في الأصل كتحرك واضطرب، وكاستاء واغتم واهتم في المجاز. وعندي أن قولك (ما اكترث له) متعدياً باللام بني على أصل معناه، أي لا أتحرك له ولا أقلق من أجله. ولكن هل يقال (ما اكترث به) متعدياً بالباء؟ أقول قد جاء ذلك نصاً، وأرى أنه محمول على قولك لا أغتم به ولا أهتم ولا أُعنى، وهو ما انتهى إليه معناه.
على أن من المعاجم ما خطّأ قول القائل (ما اكترث به) كالتاج، فقد جعل صوابه (ما أكترث له) ونسب الخطأ في الأصل إلى الصحاح. وأخذ بهذا الأستاذ محمد العدناني في معجم الأخطاء الشائعة. أقول لم يخطئ الجوهري حين قال (ما اكترث به)، فقد قال الراغب في مفرداته وقد عايش صاحب الصحاح. قال الراغب الأصبهاني (البال الحال التي يكترث بها، ولذلك يقال ما باليت بكذا بالة، أي ما اكترثت به). وقد قاله صاحب النهاية في موضعين وحكاه عنه ابن منظور في غير مجال.
* * *
وقيل في نحو ما أكترث له (ما آبه له). ففي المعاجم (أبهِ) بالكسر كفرح، و (أبَه) بالفتح كمنع، وقد عدوا الأول باللام والباء فقالوا ما أبهت له وما أبهت به، وعدوا الثاني باللام دون الباء فقالوا ما أبهت له، كما حكاه ابن القوطية والجوهري وصاحب النهاية واللسان. فما أصل معناه؟
يعتد ابن القوطية (أبه) مما جاء على فعَل وفَعِل بمعنى واحد. ويجعل معناه (تنبّه). فإذا استقر هذا فأبِه له بالكسر والفتح تنبه له. وكذلك ما جاء في الصحاح. ولما كان ما يتنبه له في الغالب هو الجليل، فالذي لا ينتبه له ولا يؤبه هو التافه الحقير. ومن ثم قيل فلان لا يؤبه له أي لا يلتفت إليه لحقارته. وعلى ذلك ما جاء في النهاية. وقد عُدّي الفعل بالباء لما انتهى إليه معناه، في السلب، من الاستهانة.
ولكن لِمَ خصت التعدية بالباء هذه بأبه المكسور العين في الماضي دون المفتوح؟ أقول قد يكون ذلك لأن الغالب في اللازم أن يكون كـ (أبِه يأبَه) مثل نَبِه ينبَه الذي هو معناه، من باب فرح يفرح، فهو الأصل. وقد اتَسعوا بتعديته بالباء كما اقتضاه الاستعمال لما آل إليه معناه من الاستهانة. أما (آبَه يأبَه) من باب منع يمنع فلم يتجاوزوا به تعديته الأولى باللام، فليس هو الأصل، لأنه لا يكثر في اللزوم. ولا يُقطع في هذا بيقين على كل حال. على أني رأيت الشدياق في (سر الليال) يسوي بين البابين في التعدية فيقول (وأبه له وبه كمنع وفرح أبْها وتحرك، فطن أو نسيه ثم فطن له) فهل وقف فيه على نص؟
* * *
ويستعمل (التنزه) لترويح النفس بالخروج إلى المكان النزه. أما أصل معناه فكما قال صاحب النهاية (نزه نزاهة وتنزه تنزهاً إذا بَعُد). وقد منعه ابن السكيت على ما حكاه المصباح وجعله فيما تضعه العامة في غير موضعه. وصححه ابن قتيبة فقال: (ذهب بعض أهل العلم في قول الناس خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط، وهو عندي ليس بغلط. لأن البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد. فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل والبيوت، ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر والجنان). وأكد الزمخشري هذا فقال في الأساس (خرجوا يتنزهون يطلبون الأماكن النزهة، وهي النزهة والنزه مثل غرفة وغرف). كما أيده علي بن حمزة البصري اللغوي في التنبيهات (298) رداً على ابن السكيت فقال: (فلما كانت الروضة إذا بعدت عن الناس كان أحسن .. وجب على المتنزه أن يقصدها ويعتمدها بنزهة. وهو لا يصل إليها حتى يبعد كل البعد عن الناس والمياه فقالوا لمن قصد ذلك تنزه فوافق قولهم الحق ووضعوه في موضعه ثم نقلوه إلى من أراد مثل ذلك فيما هو على المياه وبقربها .. ).
* * *
ويقال (رُشّح فلان للرئاسة) إذا أُهّل لها. قال الجوهري في الصحاح (والترشيح أن ترشّح الأم ولدها باللبن القليل تجعله في فيه شيئاً بعد شيء إلى أن يقوى على المص. وتقول فلان يرشّح للوزارة أي يربى ويؤهل لها). وقال المرزوقي في شرح الحماسة (1/ 73): (والترشيح أصله التنبيت والتربية.
ومنه قيل رشحت المرأة ولدها إذا درّجته في اللبن. ثم قيل رشح فلان لكذا توسعاً). ولا يخفى أن تنبيت الشجر غرسه، ومنه تنبيت الصبي تربيته. ونحو من ذلك في الأساس للمزمخشري.
* * *
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال صاحب المصباح في (تعالى): (وتعالى تعالياً من الارتفاع أيضاً. وتعالَ فعل أمر من ذلك. وأصله أن الرجل العالي كان ينادي السافل فيقول: تعالَ، ثم كثر في كلامهم حتى استعمل بمعنى هلمَّ مطلقاً، سواء كان موضع المدعو أعلى أو أسفل أو مساوياً، فهو في الأصل لمعنى خاص ثم استعمل في معنى عام). وفي كتاب الفروق لإسماعيل حقي نحو من ذلك. وكذلك في شرح الحماسة للمرزوقي (56).
* * *
وهكذا (عثر) فأصل معنى العثور أن تزلّ القدم بشيء كحفرة فيسقط صاحبها، ومثله (تعثر). ومن ثم كان (العاثور) هو الحفرة، ففي اللسان ( .. ومن هذا يقال فلان وقع في عاثور شرٍّ إذا وقع في ورطة لم يحتسبها ولا شعر بها، وأصله الرجل يمشي في ظلمة الليل فيتعثر بعاثور المسيل أو في خدخد سيل المطر .. ). وعلى هذا فأنت تقول عثر فلان بعاثور أي بحفرة، على الأصل، كما تقول عثر بعاثور شر أي مكيدة أو ورطة على المجاز.
وقد تدرج معنى العثور من الكبو والسقوط إلى الخطأ في العمل والنطق، تقول عثر فلان أو عثر لسانه إذا تعثر. قال الزمخشري (ومن المجاز عثر في كلامه وتعثر).
وقد آل به التوسع فقيل عثر الحظ إذا خاب صاحبه، وعثر جده إذا تعس، وأعثره الله أتعسه، وفي الأساس (وعثر الزمان به وجدّ عثور وأعثر به عند السلطان إذا قدح فيه وطلب توريطه وأن يقع في عاثور).
بل قيل (عثر عليه) إذا اطلع. قال صاحب المقاييس (وقال بعض أهل العلم إنما قيل عثر من الاطلاع وذلك لأن كل عاثر لابد أن ينظر إلى موضع عثرته).
وعندي أن الفعل قد عُدّي بعلى بطريق التضمين. فكأن قولك عثرت عليه، على تقدير عثرت به فاطلعت عليه. ثم شاع أمره. وفي العربية مالا يحصى من الأفعال تجاوزوا بها الأصل إلى المجاز فعدّوها بحرف غير حرفها، ثم شاع استعمالها بهذا الحرف وكأنه الأصل. وقد عقدت لذلك فصلاً في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق (المجلد 55، الجزء الأول، عام 1980). فأنت تقول مثلاً (أنس به). قال ابن القوطية (وأهلت بالشيء وأنست به) ونحو من ذلك في الصحاح وغيره من المظان. لكنهم عدوا الفعل بـ (إلى) فقالوا (أنست إليه) كما قالوا (استأنست إليه)، ذكره الزمخشري في أساسه. وكان من حقه أن يفرد فيسلكه في المجاز كما فعل في (سكن إليه واطمأن إليه وركن إليه وانبسط إليه) لكنه لم يفعل، إذ قال: (وأنست به واستأنست به وأنست غليه واستأنست إليه). ولعل عذره هو اشتهار تعديته بـ (إلى). وقل مثل ذلك في (استأنس له وتأنس) فلم يلحقه بالمجاز واكتفى بأن قال (واستأنس له وتأنس: تسمّع) وقد يكون تسمَّح به أيضاً وكثيراً ما قرن المجاز بالحقيقة متى اشتهر وشاع. وعندي أن (أنس إليه) على تضمين الفعل معنى (مال) أو نحوه.
* * *
وانظر إلى تدرج معنى (تفقد)، فقد جاء في معجم الأخطاء الشائعة للأستاذ محمد العدناني أن قول القائل (تفقد مزرعته) خطأ .. ، صوابه (زارها ودرس أحوالها) لأن تفقد معناه (طلب الشيء عند الغيبة). ثم استدرك فأدرك ما أتى به المعجم الوسيط (تفقد أحوال القوم ودقق النظر فيها ليعرفها حق المعرفة)، وقال (وأنا أؤيده على أن يفوز بموافقة المجمع) ! أقول إذا كان أصل (التفقد) تطلب الشيء عند الفقد، فقد تجاوز الفعل هذا المعنى إلى تتبع الشيء وتعرّف أحواله، ثم تعدى هذا إلى متابعة النظر في كل ما يستقيم به حال الشيء أو الشخص الذي تتفقده. فقد جاء في مفردات الراغب (التفقد التعهد، ولكن حقيقة التفقد تعرّف فقدان الشيء)، وهذا يعني أن أصل التفقد تعرّف الفقدان لكنه آل بالمجاز إلى التعهد أو إلى ما انتهى إليه التعهد. ففي المصباح (وتعهدت الشيء ترددت إليه وأصلحته، وحقيقته تجديد العهد به، وتعهدته حفظته).
وقد جاء في نهج البلاغة (ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما -3/ 102) و (تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله –3/ 106)، وقول ابن قتيبة في أدب الكاتب (فإن رأيت الكتاب قد تركوا تفقد هذا من أنفسهم .. )، وقول أبي حيان في البحر (10/ 64): في قوله تفقد الطير –أي قوله تعالى: وتفقَّد الطير –النمل/ 20 - دلالة على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم).
(يُتْبَعُ)
(/)
وهكذا صح (التفقد) في التعبير عن الرعاية والتربية والعناية والبر. قال المرزوقي (لم أزل أجري في تربيته وتفقده) إلى أن استكمل شبابه /757) وقال (لحسن توفره وجميل تفقده لأصحابه /923)، وقال (واستصلاح الرعية وتفقد مصالحهم /1091).
بل نحوا بالتفقد فعنوا به الإنعام والإفضال وكأنهم ضمنوه هذا المعنى. قال المرزوقي (بل قد وصّى بها وبأمثالها فيُتفقدون بأوفر الأنصباء عند قسمة الجذور/1050). وقال أبو حيان التوحيدي في (أخلاق الوزيرين/ 336): (فإن كان قد كتب بخطه: يُتفقد فلان بكذا أو يسأل عن فلاه لينظر في مصلحته).
فأين هذا كله من قول العدناني (التفقد طلب الشيء عند الغيبة) ولزومه هذا المعنى، وتعلقه بظاهر النص المدرج في المعاجم على قصد وإجمال، بل سكونه إليه لا يبرحه ولا يتحول عنه. وقد استبان بهذا أن قول الكتاب (تفقد مزرعته) بمعنى تعهدها ورعاها وتوفر عليها، صحيح مستقيم، غني عن أن يجيزه مجمع لغوي أو يقر صحته. وقد قالوا قديماً (فلان يتعهد ضيعته) المغني 2/ 113.
فيتضح بما قدمنا وفصّلنا القول فيه أن لا وجه لجمود المعنى في اللفظ كما يبدو ذلك حيناً في كثير من المعاجم العربية، وإن اعتماد كثير من المحدثين على ظاهر النص والتعويل عليه في التخطئة والتصويب مخالف لأصول ارتقاء اللغة وسنن تحول معانيها وطرائق تعبيرها بتحول العصور والأجيال. ولو كانت تؤلف في العربية معاجم حديثة على مثال ما يؤلف في اللغات الحية الأخرى، دقة وأحكاماً واستقصاء لأنست بالتجدد والتدرج والتوالد في معاني الكلم، ولمست بمعارضة النصوص المحكية بعضها ببعض ترجمة لحياة كل كلمة تظهرك على قصة حالها وتقفك على مسالك تحولها ودروب تنقلها والتدرج بها حالاً بعد حال. وأنت لو لم تطف بمراحل التقلب جفا عليك وجه الاعتداد به البتة. يقول العالم النفسي السوفييتي ل. س.فيجوتسكي المتوفى عام 1934، أنه لا سبيل إلى احتساب معنى الكلمة أمراً ثابتاً، بل لابد من تصوره في نمو مطرد وتحول مستمر دائب (4). والبحث في تاريخ معاني الكلم وأصول اشتقاقها موضوع شائق له في اللغات الحية الأخرى شأن أي شأن. وأحوج ما يكون إليه المشتغلون بتاريخ الأدب وفقه اللغات. وليست معالجة هذه المسألة في العربية وتدارك ما فات من أمرها بعدما كان من الإغفال، على شيء من اليسر والسهولة. ولا ننسَ ما انتحاه المستشرق الأستاذ فيشر وقد أمضى أكثر عمره (بين سنة 1907 و 1950م) في إعداد معجم تاريخي للغة الآداب العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري، أي حتى منتهى ما وصلت إليه اللغة الفصحى من الكمال كما يقول، فلم يخلّف بعد جهد جاهد ونصب ناصب وطول عناء، غير جذاذات لهذا الذي بذل الطوق في إعداده. ولابد أن تضطلع المجامع اللغوية باستتمامه واستفراغ الوسع في إصداره فلا تدخر دون ذلك سعياً. ولكن هل يمم أئمتنا قديماً مثل هذا السمت من البحث وحاولوا ارتياده والجري على منهاجه؟ أقول لاشك أن كتاب (الزينة) قد استن بهذه السنة ونهج هذا السبيل فإن به لوناً طريفاً من ألوان البحث اللغوي التاريخي. فقد وضع الشيخ أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي المتوفى 322هـ كتاباً جامعاً في أوائل القرن الرابع الهجري كان أول مرجع يستفتى في الأسماء العربية التي نطق بها القرآن الكريم فكانت من مصطلحات الإسلام، كما أشار إليه الدكتور حسين الهمداني في مقدمة الكتاب. وقد حاول مؤلف الكتاب أن يجمع بين ألفاظ عربية شتى تغيرت مدلولاتها ومعانيها في العصر الإسلامي عما كانت عليه في العصر الجاهلي، ففات أقرانه في وضع اللبنة الأولى في علم معاني الأسماء العربية والمصطلحات الإسلامية وكان رائداً متأنقاً في هذا المضمار بل إماماً بارعاً في هذا الركن: Arabic Islamic Sémantics.
(يُتْبَعُ)
(/)
فانظر إلى ما ذكره الرازي مثلاً في (الإثم 225)، فقد أتى بأصل معناه فقال (قال أبو سعيد سمي الإثم إثماً لأن الآثم يُبطئ عن طاعة ربه، ويقال أثِمَ إذا أبطأ والآثم المبطئ. ويقال أثمت الناقة إذا أبطأت). ثم تحول إلى ما تدرج إليه معناه فقال: (فالإثم ضد الأجر يقال فلان مأثوم وفلان مأجور، لأن المأجور يسعى في الطاعة .. وذلك الثواب هو أجر له بعمله. والآثم لم يعمل وأبطأ عن الطاعة فلا أجر له فهو آثم أي مبطئ عن الطاعة). فحاول الربط بين الأصل والمجاز. ثم تابع البحث عن تدرج آخر فذكر أن الإثم ضد البر، وأتى بالحديث (البر ما سكنت إليه القلوب واطمأنت إليه النفوس، والإثم ما حك في صدرك وكرهت أن يطلع الناس عليه) وهكذا ..
وقد ذهب الأستاذ عبد العزيز الميمني إلى أن المفضّل بن سَلَمة المتوفى 291هـ قد ضرب على هذا القالب في كتابه (الفاخر)، وكذلك فعل أبو بكر بن الأنباري المتوفى (328هـ) في كتابه (الزاهر). أقول أما كتاب الفاخر فإن مضامينه تدور كما ذكر مؤلفه في مقدمة الكتاب حول (معاني ما يجري على ألسن العامة في أمثالهم ومحاوراتهم من كلام العرب وهم لا يدرون معنى ما يتكلمون به من ذلك). وأردف المؤلف يقول (فبينّاه من وجوه اختلاف العلماء في تفسيره ليكون مَنْ نظر في هذا الكلام عالماً بما يجري من لفظه ويدور في كلامه). وقد عمد صاحب الفاخر في تحقيق ذلك إلى حكاية ما روي من أحداث دفعت إلى النطق بالأمثال مما كانت تطوع به ألسنة الناس في محاوراتهم ومخاطباتهم، وذكر أول من نطق بها، وبحث في اشتقاق ما جاء بها من ألفاظ وردها إلى أصلها وفصّل القول في معانيها. وقد أفاد أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري في كتابه (الزاهر) من كتاب الفاخر هذا وبسط ما جاء فيه وكثّره بالشواهد كما قال مختصر الكتاب أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي. قال الزجاجي (وكان المفضل بن سلمة صاحب الفراء قد أنشأ كتاباً في هذا المعنى سماه ... فعمد أبو بكر محمد بن القاسم لذلك الكتاب فنقله نقلاً ... وبسطه وكثّره بالشواهد). ولا يزال كتاب (الزاهر) مخطوطاً لم يطبع.
هذا وليس كتاب الفاخر والزاهر ولو أفادا في إصابة الغرض الذي ابتغيناه ككتاب الزينة في تحقيق النهج اللغوي التاريخي والجري على أسلوبه.
يقول الدكتور داود حلمي السيد في كتابه (المعجم الإنكليزي بين الماضي والحاضر): (فليس بخاف أن معجميي العربية المحدثين تشدهم تجربة ضاربة في أعماق التاريخ وتقيد حركتهم تقاليد معجمية راسخة تجعلهم دائماً يتلفتون إلى الوراء حين يقررون أي المناهج يتبعون كلما شرعوا في وضع معجم حديث للغة العربية، أهو المنهج التقليدي برمته، أم المنهج الغربي في وضع معجم حديث للغة العربية، أهو المنهج التقليدي برمته، أم المنهج الغربي الحديث برمته. أم يأخذون من هذا وذاك ما يتفق مع طبيعة اللغة العربية). وقال: (ولم أجد أمامي إلا المعاجم العربية القديمة التي مضى على أحدثها أكثر من قرن ونصف من الزمان، أو بعض المحاولات المعجمية الحديثة التي لا ترقى إلى المستوى الذي يجب أن تكون عليه معاجم اللغة العربية في العالم المعاصر، والتي سنعرض لها .. ). ثم عَرّف المعجم الحديث فقال: (فالمعجم بالدرجة الأولى كتاب كلمات. فهو يحتوي بين غلافيه على مفردات اللغة مصحوبة بمعلومات عن اتيومولوجيتها- أي أصول اشتقاقها الأولى- ومعانيها ومدلولاتها واستعمالاتها). أقول لا شك في أن الطريقة النشوئية في القرن التاسع عشر قد أدت إلى ازدهار المباحث اللغوية التاريخية، وإلى وضع معاجم تكشف عن أصول الكلم وتدرج معانيها، وتأكيد اعتقاد أن –الظاهرة اللغوية- لا تتسم بسمة الوضوح أو الجلاء الذي يراد لها ما لم تدرج في سياقها التاريخي (6). وقد ألّف (سكيت ولتر وليم) العالم الإنكليزي المتوفى عام 1912 معجمه الشهير الذي عول فيه على اللون التاريخي من التسجيل اللغوي، فذكر أصول الكلم وألقى الضوء على هذه الأصول بالرجوع إلى جملة من النصوص التاريخية التي عرضت بها هذه الكلم ليظهر القارئ على أصولها الصحيحة ودلالاتها الأولى، وتدرّج هذه الدلالات من عصر إلى عصر، كما أشار إليه الدكتور السيد الخلوي، وقد أومأنا إليه في موضع آخر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن إذا كان قد أدى اشتغال علماء اللغة الفرنسيين مثلاً إلى تأليف معاجم في تاريخ الكلم وأصولها وتسنى ذلك بالعودة إلى الأصول التي تحدرت منها لغتهم يونانية كانت أو لاتينية أو غير هذه وتلك، فليس كذلك حال العربية التي لا يصح ردها إلى ما أسموه باللغة السامية الأولى التي تصوروا أنها أم اللغات السامية، كما كانت اللاتينية مثلاً أُمّاً للفرنسية والإيطالية والإسبانية، إذ لم يقف البحث العلمي التاريخي على لغة من هذا القبيل، وإنما يعوّل على الأصول العربية وحدها. ولكن أليس يصح في العربية الاستعانة في تقرير أصول الكلم وتاريخها حيناً، والكشف عن ظلال معانيها بالعودة إلى بعض اللغات السامية؟
يقول الدكتور داود الحلبي في كتابه (الآثار الآرامية في لغة الموصل العامية) المطبوع عام 1935: (إن تمييز الكلمات الآرامية من الكلمات العربية صعب جداً. وما سبب هذه الصعوبة إلا كون اللغتين شقيقتين، أي فرعين من اللغة السامية الأم. حتى إن نحو أربعة أخماس الكلمات الآرامية تشترك والعربية إما حرفاً أو باختلاف يسير في التلفظ أو تبديل بعض الحروف .. ). وقال: (على أني وجدت بعض كلمات مشتركة معانيها، واضحة كل الوضوح في المعاجم الآرامية، ولكنها في المعاجم العربية مضطربة لم يبت لغويو العرب فيها وذهب كل منهم فيها مذهباً. حتى أن بعضهم أتى في صدد إيضاح أصلها بتأويلات غريبة .. ). ثم قال (ولو كان للغويين العرب القدماء وقوف على الآرامية لما وقعوا في حيص بيص عند بيان معاني أمثال هذه الكلمات. إذ لا يشك في أن معرفة الآرامية وغيرها من اللغات السامية يكون وسيطاً لحل مشاكل لغوية كثيرة في العربية. كما أن معرفة اللغة العربية تحل مشاكل أخواتها اللغات السامية).
أقول ذلك ما بحثه الدكتور محمد حسني قنطر في مقاله حول العربية واللغات السامية (من دراسات الملتقى الرابع لابن منظور في قفصة، في آب 1976). قال الدكتور قنطر: (إنه من واجب الباحث عن كنه الكلمات العربية وعن تاريخها شكلاً ومضموناً، أي عن التطور الذي اعتراها من حيث هي ظرف ومظروف أن يتجه إلى أخوات اللغة العربية ويستنطقها بالدرس والمقابلة والمقارنة عله يدرك الغاية ويجدحل المشكلة ويتمكن من الإجابة عن الأسئلة التي قد تثيرها الكلمة لديه). وقال: (فإذا عُدت للعبرية مثلاً لفهم كلمة عربية وتعرّف حالها تاريخاً واشتقاقاً، فذلك لا يعني أن اللفظة العربية تولدت من لفظة عبرية، بل حدثتك بالعبرية فعرّفتك بالعربية والعكس بالعكس).
وقد أتى الدكتور قنطر بأمثلة فأخذ على معجم اللسان أنه لم يوضح مثلاً معنى (لأك) الذي اشتق منه لفظ (الملَك والملائكة) فقال ولعل الباحث لا يوفق إلى المعنى للمادة، وهو معنى الرسالة. فلأك يعني أرسل، والملَك بالفتح المرسل). وأردف: (فالعودة إلى اللغات السامية القديمة التي عرفت هذه المادة تيسِّر إدراك الحقيقة اللغوية).
أقول إن معجم اللسان قد أشار إلى معنى المادة، ولو أن التعويل على معجم عربي واحد في القطع بحرف ومعناه وأصل اشتقاقه ليس بالوجه. فقد جاء في اللسان (فالملك من الملائكة واحد وجمع. قال الكسائي أصله مألك بتقديم الهمزة من الألوك وهي الرسالة) وفي اللسان أيضاً (قال ابن بري ملأك مقلوب من مألك، ومالك وزنه مفعل في الأصل من الألوك. قال وحقه أن يذكر في فصل ألك، لا فصل ملك). فابن بري وسواه قد جعلوا الأصل (ألك) ثم قلب فأصبح (لأك)، فما الذي قالته المعاجم في (ألك) .. قال الجوهري (الألوك الرسالة .. وكذلك المألك والمألكة بضم الميم فيهما). وقال ابن القوطية (وألك بين القوم ألْكاً وألوكاً ترسّل والألوك الرسالة منه، والملائكة أيضاً). وقال ابن دريد في الاشتقاق (ومنه قولهم ألكني إلى فلان أي كن رسولي إليه). بل في اللسان ألك بمعنى ترسل. أفليس في هذا ما يجزي لإيضاح معنى الفعل واشتقاقه؟ وقد تصرف العرب في (ألك) فقالوا (استألك). فانظر ما جاء في الأساس (ألِكْني إلى فلان واحمل إليه ألوكي ومألُكتي وهي الرسالة. قال:
ألِكني إليها عمرك الله يا فتى
: بآية ما جاءت إلينا تهادياً
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن يستألك لي إليه أي من يحمل رسالتي. وجاء فلان فاستألك ألوكته). أفليس هذا واضحاً جلياً. ومن الطريف أن يكون قائل هذا البيت سحيماً وهو عبد بني الحسحاس، وهو حبشي اشتراه أبو سعيد فشبب بابنته عميرة. وقد نسب لفظ (ألك) فيما نسب إلى الحبشية.
هذا ولا يخفى أن في المظان اللغوية العربية أن (الملائكة) من (ألك بين القول)، وأن أصل المادة عبري أو سرياني أو حبشي. وليس يعني هذا بالطبع أن ثمة تبعية لغوية بين سامية وأخرى. بل ليس في لغات الأسرة أمهات وأخرى بنات كما يقول الأستاذ (فندريس) في كتابه (اللغة) (7). ولا يمنع هذا أن يكون بين الألفاظ السامية المشتركة ما هو أعلق بلغة، منه بلغة أخرى. ولا يُقطع بهذا حتى يوقف على اشتقاق الكلمة. فقد تكون في لغة أظهر وأبرز منها في لغة أخرى أي أكثر تصرفاً. أو تكون واضحة الأصل في إحداها فريدة غريبة يتيمة في سواها. أو تكون الكلمة في المعنى الشائع للزنة التي جاءت بها في لغة ولا تكون كذلك في غيرها وهكذا ..
وقد عُني الأب أنستاس ماري الكرملي برد بعض الألفاظ العربية إلى السامية والاستعانة بالأصول السامية في استبانة معانيها وفك مُشكلها وإظهار مكنوناتها على نحو ما فعل في مجلة الثقافة القاهرية، وسواها.
هذا ما وددت الكشف عنه والتمثيل له في سبل تدرج المعاني في الكلم العربية وما تشعب عن ذلك من وجوه الرأي. وأرجو أن أكون قد وفقت إلى إيضاح المنهاج وجلاء الغامض والإفصاح عن المضمون فيما حاولت تحريره من المسائل في هذا القصد.
دمشق 10/ 2/1982
صلاح الدين الزعبلاوي
* * *
الحواشي:
(1) الدكتور حسين الهمداني في (مقدمة كتاب الزينة للشيخ أبي حاتم الرازي) والدكتور بدر الدين القاسم في ترجمة (تاريخ علم اللغة لجورج مونين).
(2) سكيت واتجاهاته في اللسانيات للدكتور شكري السيد الخلوي في (مجلة اللسانيات لمعهد العلوم اللسانية والصوتية بجامعة الجزائر)، العدد الرابع 73/ 1974.
(3) المصدر السابق.
(4) في علم اللغة الحديث تقسم البنية اللغوية إلى وحدات لغوية دالة، وأخرى غير دالة. ويقصد بغير الدالة حروف المباني أي حروف الهجاء، وهي أصغر صورة معتمدة، ويدعونها بالفونام. ويقصد بالدالة أصغر وحدة لغوية ذات معنى كالأسماء والأفعال وحروف المعاني ويدعونها بالمورفام، فالفونام أصغر وحدة للأصوات والمورفام أصغر وحدة للمعاني. وقد ميز العالم البولوني بودوان كورتناي المتوفى عام 1929، بين مفهوم الصوت اللغوي وبين الفونام الذي هو وحدة لغوية أساسية. ذلك أن الفونام لا يتضمن أصواتاً لغوية وإنما يتألف من صور صوتية هي وحدات نفسية لا مادية. ومن ثم فرّق كورتناي بين العلم الصوتي الفيزيائي، وهو علم الصوت نفسه، وعلم الصوت النفسي الذي سيغدو بارتقائه وتقدمه علم الأصوات الشفهية. ولكن ما حد الكلمة عند النحاة وحد المورفام في علم اللغة الحديث؟.
قال الإمام جلال الدين السيوطي في الهمع: (وقد اختلفت عباراتهم في حد الكلمة اصطلاحاً. وأحسن حدودها: القول المفرد المستقل أو المنوي معه- كالضمير المستكن وجوباً. فخرج بتصدير الحد بالقول غير ذلك من الدوال كالإشارة والخط .. وبالمفرد، وهو ما يدل جزؤه على جزء معناه، المركب كغلام زيد فهما كلمتان. وبالمستقل أبعاض الكلمات الدالة على معنى كحروف المضارعة وياء النسب وتاء التأنيث وألف ضارب، فليست كلمات لعدم استقلالها).
فتبين بهذا أن ما يدخل في حد المورفام من حروف المضارعة وياء النسب وتاء التأنيث وغيرها مما سمي أبعاض الكلمة لا يدخل في حد الكلمة، على ما اختاره السيوطي، لأنه ليس مستقلاً. على أنه استدرك فقال (ومن أسقط هذا القيد، قيد استقلال اللفظ، رأى ما جنح إليه الرضي، من أنها مع ما هي فيه كلمتان .. ). وهكذا أشبه حد المورفام في علم اللغة الحديث حد الكلمة عند الرضي، وبدأ هذا العلم مؤيداً لما جاء به بعض النحاة في إبراز البنية اللغوية. قال الرضي في شرح الكافية: (إن قيل إن في قولك مسلمان ومسلمون وبصري وجميع الأفعال المضارعة جزء لفظ كل واحد منها يدل على جزء معناه، إذ الواو تدل على الجمعية والألف على التثنية، والياء على النسبة، وحروف المضارعة على معنى في المضارع، وعلى حال الفاعل أيضاً، وكذا تاء التأنيث في قائمة، والتنوين ولام التعريف وألف التأنيث، فيجب أن يكون لفظ كل واحد منها مركباً، وكذا المعنى، فلا يكون كلمة بل كلمتين، فالجواب أن جميع ما ذكر كلمتان صارتا من شدة الامتزاج ككلمة واحدة، فأعرب المركب إعراب الكلمة .. ).
وأنت ترى أن الحكم في ذلك اعتباري. ولكن أليس فيما ذهب إليه الرضي من إبراز البنية اللغوية للفظ جلاء لشأن هذه الدوال في تأليف هذه البنية وتحديد معناها؟ والرضي مع ذلك لم يخرج في تصوره لحد الكلمة ورسم نطاقها عن حدود الأوائل في تعريف الكلمة والاقتباس بها. فإذا كانت هذه الدوال قد دلت على ما دلت عليه من المعاني، فكيف تعتد من حروف المبالي أي حروف الهجاء، كما فعل الآخرون، وحروف الهجاء لا تعني غير الأصوات لا تختلف إلا باختلاف مقاطعها؟ ألم يقل سيبويه في فاتحة الكتاب (فالكلم اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل)، والدوال المذكورة حروف جاءت لمعان، وليس هي بأسماء ولا أفعال، فهي على هذا الحد، كلم، كما ذهب إليه الرضي وغيره.
(5) التفكير واللغة لفيجوتسكي ترجمة الدكتور طلعة منصور المعرفة 178 لعام 976.
(6) البنوية والعقلانية لأنطون شاهين –المعرفة 136 لعام 1971.
(7) ترجمة الأستاذ عبد الحميد الدواخلي والأستاذ محمد القصاص.
----------------
مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد الثامن- السنة الثانية- تموز "يوليو" 1982.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[30 Apr 2006, 12:03 ص]ـ
الجملة الاعتراضية في القرآن الكريم ( http://www.quranway.net/index.aspx?function=Item&id=779&lang=)(/)
** ضَوابِطُ مُختَارة في اللغة والأدب **
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:28 ص]ـ
- بعيداً عن القواعد النحوية المألوفة, والمنظومات العلمية المشهورة المتكاملة -
هذه فكرة موضوع جامع, يحتوي ضوابطَ مُختارة في اللغة والأدب, مما اقتنصه مُحِبُّوا العربية وقُرَّائها,
وما أكثر هذه الضوابط في مجاميع الأدب والتراجم والشروح, وربما كان بعضها مسموعاً من غير كتاب,
ولا أظن مُختاراتنا تخلوا من ذلك.
وها أنذا أبدأ:
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:30 ص]ـ
جمع أبو الحسن الدَبَّاج جموع القِلَّةِ في قوله:
بأَفعُلٍ ثم أفعال وأفعِلَةٍ ** وفِعْلَةٍ يُعرَف الأدنى من العدد
كأَفلُسٍ وكأثوابٍ وأرغِفَة ** وغِلْمَةٍ, فاحفظنها حفظ مُجتَهِد
في اللغة والأدب, لمحمود الطناحي 2/ 528.
((لا تنسوا المَرَاجع سلمكم الله))
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 11:59 ص]ـ
(صن شمله)
رموزٌ لأسماء الأنبياء المصروفة المنوَّنَة, وهي:
صالح, نوح, شعيب, محمد, لوط, هود عليهم الصلاة والسلام.
المرجع السابق.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 12:01 م]ـ
(لا تكسر الصحاح, ولا تفتح الخِزانة)
أي:
كتاب "الصَّحَاح" للجوهري - بالفتح-,
و"خِزانة الأدب" للبغدادي - بالكسر-.
المرجع السابق, والإفادات والإنشادات, للشاطبي (ص:141).
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[13 Jul 2005, 10:39 م]ـ
الزوائد في أوّل الفعل المضارع يجمعها قولك: (نأيت) ,
وجمعها بكلمة: (أنيت) أملَح؛ ليكون كل حرف ضعف ما قبله,
فالهمزة لواحد هو: المتكلم,
والنون لاثنين هما: الواحد ومعه غيره, والواحد المُعَظم لنفسه,
والياء لأربعة هم: الغائب الواحد, والغائبين, والغائبات,
والتاء لثمانية هم: المُخاطَب, والمُخاطَبين, والمُخاطَبة, والمُخاطَبَتين, والمُخاطَبات, والغائبة, والغائبتين.
الإفادات والإنشادات, للشاطبي (ص:128).
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[16 Dec 2005, 09:01 م]ـ
(لا تفتح الجِراب, ولا تكسر القَصعَة, ولا تمُدَّ القفا).
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[20 Dec 2005, 06:53 م]ـ
وللفقهاء:
(الجَِنازة بفتح الجيم وكسرها: فالأعلى للأعلى, والأسفل للأسفل).
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[29 Dec 2005, 07:52 ص]ـ
(ملَِك: بكسر اللام في الأرض, وبفتحها في السماء).
ـ[سلطان الفقيه]ــــــــ[29 Dec 2005, 02:50 م]ـ
الاخ أبو بيان بارك الله فيك. قد جمع ابن مالك جموع القلة في قوله:
أفْعلة أفْعل ثم فعلة. ثمت أفعال جموع قلة
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[30 Dec 2005, 01:12 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي سلطان, ونحن هنا نتقي المنظومات كما رأيت, فأسعدنا بغيرها ..
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[10 Oct 2008, 07:49 ص]ـ
وقفتُ على رسالة جميلة طابقت فكرة هذا الموضوع , عنوانها: أبياتُ جمعِ الشَّتَات , جمع الدكتور. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر.
فإذا أضفتَ إليها ما في هذا الموضوع تمت لك الفائدة بإذن الله , وهاهي بين أيديكم , نفع الله بكم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[10 Oct 2008, 08:07 ص]ـ
بارك الله فيك يا أبا بيان ونفع بك، وأَجْمِل بأوابدِك وفرائدك.
خذ هذه تحت الحساب:
أسباب المنع من الصرف في العربية تسعة جمعت في بيت سمعته من أستاذي عبدالكريم النجم حفظه الله ونحن في المرحلة الثانوية عام 1407هـ في درس النحو وعرفت فيما بعدُ أن ناظمه ابن النحاس النحوي المصري رحمه الله:
إجمعْ، وزِنْ، عادلاً، أَنِّثْ بمعرفةٍ * رَكِّبْ وزِدْ عُجمةً فالوصفُ قد كَمُلا
إن لم أكن واهماً أنك تجد هذا البيت في حاشية الخضري على شرح ابن عقيل في موضعها من شرح الألفية.
ـ[ضيف الله الشمراني]ــــــــ[10 Oct 2008, 01:37 م]ـ
جزاكم الله خيرا على الموضوع الشيق المفيد.
قال الإمام ابن هشام الحنبلي رحمه الله في شرح قطر الندى: "وقد جمع العلل التسع في بيت واحد من قال: ........ وذكر البيت الذي تفضل بذكره أستاذنا الشهري.
ثم قال: وهذا البيت أحسن من البيت الذي أثبته في المقدمة، وهو لابن النحاس.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[20 Sep 2010, 05:03 م]ـ
موضوع مفيد، يرجى متابعته.
ومن هذا الباب:
- ترتيب المناسك يوم النحر (رذح) ر: رمي، ذ: ذبح، ح: حلق.
- الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (مكه): م: مرارة بن الربيع، ك: كعب بن مالك، ه: هلال بن أمية.
- المستحيلات السبع (عجل وقتب): ع: عرو الجسم عن النقيضين، ج: الجمع بين النقيضين، ل: لزوم ما لا يلزم، و: وقوع ما لا يتناهى، ق: قلب الحقائق، ت: تحصيل الحاصل، ب: بطلان الحصر.(/)
فائدة في الاستشهاد بكلام المتقدمين والمولدين
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 12:09 م]ـ
قال ابن رُشيق في العمدة (ص:236):
(قال أبو الفتح عثمان بن جِنّي:
" الموَلَّدُون يُستَشهَدُ بهم في المعاني,
كما يُستَشهَدُ بالقُدماء في الألفاظ ",
والذي ذكره أبو الفتح صحيحٌ بَيِّن).(/)
خذ النحو عن الخليل بن أحمد في ثلاث كلمات
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 12:14 م]ـ
قال ياقوت في معجم الأدباء 3/ 1269, ط: دار الغرب:
(كتب سليمان بن حبيب إلى الخليل: أن اكتب لي النحو في ثلاث كلمات ولا تزد عليها.
فكتب إليه: الرفع موسوم بالوصف,
والخفض مجرور بالإضافة,
وما لا سبيل إليه فهو النصب).
وأرجوا ممَّن لديه استطاعة أن يُبيّن عبارة الخليل هذه.
ـ[قطرة مسك]ــــــــ[18 Feb 2008, 03:15 ص]ـ
جزاك الله خيرا.
فائدة لطيفة وفريدة، لكن هل هي على إطلاقها أم تحتاج إلى تقييد؟
بانتظار ردود الأساتذة والمتخصصين الفضلاء.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[18 Feb 2008, 11:53 ص]ـ
هذا الكلام إن صح يدل على عبقرية الخليل رحمه الله تعالى
وفيه أيضا إشارة جليلة القدر إلى كثرة المنصوبات في كلام العرب، وأنها عادة تكون فضلات.
ولهذا السبب أيضا كثر الخلاف بين أهل العلم في توجيه المنصوبات، وكثيرا ما تجد في المنصوب ثلاثة أقوال أو أربعة.
والوصف في كلام الخليل لعله يقصد به الإسناد؛ لأن الوصف والإسناد من باب واحد، أو لعل هذا هو اصطلاح الخليل رحمه الله.
والإسناد إما أن يكون إسناد اسم إلى اسم، فهو الجملة الاسمية، وكلا طرفيها مرفوع المبتدأ والخبر.
وإما أن يكون إسناد اسم إلى فعل وهو الجملة الفعلية، والفاعل هو الموصوف فيها؛ لأنك إذا قلت: (خرج زيد) فقد وصفته بالخروج، فهو فاعل مرفوع.
والجر في كلام العرب نوعان: جر بالحرف وجر بالإضافة، والجر بالحرف هو نوع من الإضافة؛ لأن الإضافة نوعان: إضافة اسم إلى اسم نحو (غلام زيد)، وإضافة فعل إلى اسم، ولا يكون هذا إلا بواسطة الحرف نحو (مررت بزيد).
وهذه النظرية الخليلية العبقرية تلخص لك النحو حقا في هذه الكلمات الثلاث!
رحم الله أهل العلم.
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[18 Feb 2008, 04:19 م]ـ
لعلك تراجع كتاب الجمل في النحو للخليل بن أحمد فقد بناه على هذا الأساس
وأذكر أنه ذكر خمسين وجهاً للنصب في كلام العرب
ـ[قطرة مسك]ــــــــ[18 Feb 2008, 06:40 م]ـ
شرح موفق من أخينا أبي مالك.
دمت مسددا، وزادك الله علما، ورزقك فهما وبيانا وحكمة.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[10 Oct 2008, 07:40 ص]ـ
أقدمُ منظومةٍ نحوية بلغتنا: المنظومةُ النحوية , للخليل بن أحمد (ت:180) , وعددها: 293 بيتاً , ضمَّت معظم أبواب النحو ومسائله {*} , ونقل منها خلف الأحمر (ت:180) بيتين في كتابه: مقدمة النحو.
ينظر: المنظومات النحوية وشروحها - حَلْقَةٌ من تاريخ النحو , للدكتور. محمود نجيب , ص 9 - 10.
----------------
{*}: طبعت منظومة الخليل بعنوان: المنظومة النحوية المنسوبة إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي , دراسة وتحقيق د. أحمد عفيفي , طبع دار الكتب المصرية , القاهرة.(/)
هل تأثر النحو بعلم الكلام؟
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 12:16 م]ـ
ذكر لي -عَرَضاً- أحد المهتمين بالنحو أن هذا العلم -كعدد من العلوم- تأثر بعلم الكلام,
وأن هذا الاختلاط يتحمل نصيباً من صعوبة النحو لدى المتأخرين.
وسؤالي سلمكم الله:
هل تأثر علم النحو بعلم الكلام أو الفلسفة؟
وما مظاهر هذا التأثر: في أي زمن ظهر - أبرز المصنفات على هذا النحو .. ؟
وهل تناول هذه القضية مؤلف؟
وجزاكم الله خيرا.(/)
في المعاجم: ما السبيل إلى معرفة أصل الكلمة؟
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 12:17 م]ـ
من خلال تعاملي مع معاجم اللغة المختلفة, واجهتني مسألة تعارضت فيها أقوال أهل اللغة وآرائهم,
وذلك عند تحقيقهم لأصل الكلمة, فتجد تعارضاً بين نقلة اللغة وعلمائها في بيان الأصل في غيرما موضع,
وسؤالي هنا:
ما السبيل إلى معرفة الأصل اللغوي للفظة ما؟ وخاصة عند اختلاف اللغويين في ذلك.
بارك الله فيكم.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[04 Jun 2005, 12:18 م]ـ
لزيادة الإيضاح أضع هذا المثال:
* مادَّة (حَفَدَ):
قال أبو عبيد القاسم بن سلام:
(أصلُ الحَفدِ: الخدمة والعمل) [تهذيب اللغة 4/ 247] ,
وقال ابن قتيبة:
(أصل الحَفدِ: مُداركَة الخَطوِ, والإسراع في المشي) [غريب القرآن ص:209].
فأيُّهُما أصح؟
وكيف يصل الدارس لأصل الكلمة كما وصلوا؟
وهل لهم نهج مسلوك في ذلك؟
وهل فيه توسُّعٌ في التطبيق, وتعبير بما يُقارب اللفظ ويتعلق به؟
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[06 Jun 2005, 08:10 ص]ـ
أخي أبا بيان
الموضوع الذي طرقته مهم للغاية، وله ارتباط كبير بتفسير ألفاظ القرآن وبيان المعاني اللغوية للفظة، وأصل اللفظة قد يكون لائحًا للناظر، ولا يحتاج أدنى تامُّل، وقد يكون خافيًا، وذلك في أكثر الأصول اللغوية للألفاظ.
ولا يخفى على مثلك أنه قد يكون للفظة أكثر من أصل، كما هو ظاهر من كتاب مقاييس اللغة لابن فارس.
والذي يظهر من هذا البحث (أصل اللفظة) أنه بحث عقلي اجتهادي مبني على استقراء موارد اللفظة في كلام العرب، وهذا هو السبب في اختلافهم في أصول بعض الألفاظ، إذ يختلف النظر من عالم لآخر.
ولو وازنت أصول المفردات القرآنية بين ابن فارس من خلال مقاييس اللغة والراغب من خلال مفرداته، فإنك ستجد اختلافهم في أصل الكلمة في عدد من الكلمات لا بأس به، وهو موضوع صالح للدراسة.
ولا أظن أن مثل هذا الموضوع قد خلت منه المكتبة العربية، وإن كان، فإنه موضوع جدير بالكتابة والتحليل.
ـ[سلطان الدين]ــــــــ[08 Jun 2005, 11:37 ص]ـ
ألم تتطرق له - أنت ياشيخ مساعد - في كتابك التفسير اللغوي؟(/)
استفادة العلامة الشاطبي من شيخ الإسلام ابن تيمية في فن: مقاصد الشريعة
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[04 Jun 2005, 05:37 م]ـ
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله، وسلم أما بعد:
فإن مكانة شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله في جميع الفنون معلومة لا تخفى؛ فهو من قيل فيه: كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي، والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله،
وقيل: برز في كل فن على أبناءه جنسه.
ماذا يقول الواصفون له * وصفاته جلت عن الحصر
هو آية في الخلق ظاهرة * أنوارها أربت على الفجر
وأثر هذا الإمام ظاهر على مَن بعده في معظم المعارف الإسلامية .. ،
ومن ذلك علم " مقاصد الشريعة" الذي أسهم فيه شيخ الإسلام غاية الإسهام حتى قيل:
إن كان الشاطبي شيخ المقاصديين على المستوى النظري،
فإن شيخ المقاصديين، وقائدهم، ورائدهم على المستوى التطبيقي التوظيفي هو شيخ الإسلام ابن تيمية.
وقد اعتنى بجمع، وإبراز جهود شيخ الإسلام في هذا الفن الدكتور /يوسف محمد أحمد البدوي في أطروحته للدكتوراه
" مقاصد الشريعة عند ابن تيمية"
وقد طبع الكتاب في مجلد في دار النفائس _ الأردن.
وهو غاية في الحسن والجودة ..
وكان مما ظهر له في بحثه، وأثبته بالأدلة الكثيرة الساطعة =
استفادة العلامة الشاطبي من شيخ الإسلام ابن تيمية في فن: مقاصد الشريعة ..
ولا بد من النظر في الكتاب ص505 - 517.
ونبهت على هذه الفائدة لأمرين:
1 - ليطلع على الكتاب فيرى جهد ابن تيمية، ومكانه من هذا العلم.
2 - أن يعلم أن الشاطبي قد استفاد من شيخ الإسلام؛ لأن بعض من حقق كتب الشاطبي، وبعض من تكلم في المقاصد نفى ذلك، واستبعده حتى اشتهر الأمر، وهو خطأ = فرفعه حسن.
وأعتذر لعدم نقل الكلام هنا لطوله، وأنا بطيء في الكتابة،
فلعل أحد الإخوة جزاهم الله خيرا ينشط لنقله بأي وسيلة ممكنة.
والله أعلم.
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[17 Jun 2005, 04:30 م]ـ
فضيلة الشيخ عبد الرحمن أكرمكم الله ....
لا نشك بحال أن شيخ الإسلام من أعظم المحققين في مسائل أصول الفقه ومبحث "مقاصد الشريعة، لكن أن نقول إن العلامة الشاطبي قد استفاد منه نحتاح إلى برهان واضح وتفصيل دقيق. ومنهج الشاطبي في حصر المقاصد ليس هو منهج شيخ الإسلام كما هو ظاهر ... فلا يغرنّنا مجرد التشابه في سرد الكلام وطرق الإيرادات
بحث الدتكور يوسف محمد أحمد البدوي أنا قرأته والحمد لله. وهو بحث له قيمته العلمية. إلا أنني لا أحسبه "في غاية في الحسن والجودة". بل ربما لا أبالغ إذا قلت إن فيه قسط ظاهر من الإساءة بكلام شيخ الإسلام ومنهجه ... حيث أنه أخضع كلام شيخ الإسلام في المقاصد إلى طريقة المتكلمين في حصر مقاصد الشريعة الضرورية على كلياتهم الخمس – مع ما عرفنا من نقده رحمه الله لمثل هذه النظرية.
هذا وتقل مني فائق الاحترام ...
طالب بالأزهر:
أبو الأشبال الإندونيسي
ـ[ناصر الماجد]ــــــــ[17 Jun 2005, 05:14 م]ـ
بسم الله
السلام عليكم
أخي الكريم: نضال مرحبا بك عضوا في هذا الملتقى، وأرجو منك وقد قرأت كتاب الدكتور البدوي، أن توضح وجه نقدك له مقرونا بالأمثلة والشواهد، حتى يكون مرادك بينا، ويمكن للأعضاء مدارسة كلامك؛ إما موافقة أو مخالفة،ولك مني كل تحية، ومرحبا بك مرة أخرى
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[18 Jun 2005, 01:21 م]ـ
نضال مشهود
لكن أن نقول إن العلامة الشاطبي قد استفاد منه نحتاح إلى برهان واضح وتفصيل دقيق. ومنهج الشاطبي في حصر المقاصد ليس هو منهج شيخ الإسلام كما هو ظاهر ... فلا يغرنّنا مجرد التشابه في سرد الكلام وطرق الإيرادات.
أخي الكريم نضال وفقه الله
اشتهر عند الكثير أن الشاطبي لم يطلع على كلام ابن تيمية ولم تصلهم كتبه، ولذا لم يستفد منه البته ..
والمؤلف أثبت أن في كتابه نقولا حرفية قارب أحدها أربع صفحات في كتب الشاطبي من كلام ابن تيمية، غير ما سميته بالتشابه في سرد الكلام وطرق الإيرادات.
وإن كان هذا لا يعني أن الشاطبي انتحل آراء شيخ الإسلام المقاصدية، وليس له شخصية، وجهد واختيار مقاصدي .. ففيه فرق واضح، ولذا جاء التعبير بـ: (استفادة).
وصفي للكتاب بأنه: "غاية في الحسن" هذا تقديري له، ولجهده العظيم في جمع المادة، وترتيبها من كتب هذا الإمام التي ملأت السهل والجبل، وعرضها على جهود من قبله، ومن بعده من الأصوليين والمقاصديين، وتوجيه كلامه، ومقارنته بأقواله الأخرى .. الخ
وثم خروجه في مجلد واحد يجمع جهد هذا الإمام في هذا الفن المهم، ويسهل معرفة أرائه المقاصدية.
بقي نقدك له في قضية "حصر المقاصد في الضروريات الخمس وانتقاد ابن تيمية .. "
وهذا بحثه المؤلف في ص252، ونقل كلام ابن تيمية في نقده للأصوليين .. وأطال في المقدمة لذلك ..
ثم خلص بما ظهر له أن: ما ذكره ابن تيمية من: مقاصد الوفاء بالعهود، وحقوق المماليك والجيران .. فإن هذا كذلك راجع إلى حفظ الدين، والضرورات الخمس الباقية، فهذه المقاصد إنما هي وسائل ومكملات للضرورات الخمسة شأنها شأن باقي الأخلاق.
وعلى هذا لا خلاف بين ابن تيمية وبين غيره من الأصوليين في حصر المقاصد في الضرورات الخمس من الناجية الظاهرية الشكلية، ولكن من الناحية الجوهرية المقاصدية = فهو أعمق سبرا، وأدق نظرا وأسد فكرا. اهـ كلامه.
ثم عقد مبحثا في: بعض المقاصد الأخرى غير الضروريات الخمس عند ابن تيمية وعلاقتها بالضروريات ..
ثم ذكر سبعة مقاصد، وبين رجوعها إليها ...
وكلامه قوي في نظري .. فلا أرى أي تشويه في كلام ابن تيمية رحمه الله خصوصا بعد عرضه لكلام ابن تيمية لنقده للأصوليين في التقسيم .. وقد بين ما فهمه، وما توصل إليه فجزاه الله خيرا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[18 Jun 2005, 05:42 م]ـ
بسم الله
السلام عليكم
أخي الكريم: نضال مرحبا بك عضوا في هذا الملتقى، وأرجو منك وقد قرأت كتاب الدكتور البدوي، أن توضح وجه نقدك له مقرونا بالأمثلة والشواهد، حتى يكون مرادك بينا، ويمكن للأعضاء مدارسة كلامك؛ إما موافقة أو مخالفة،ولك مني كل تحية، ومرحبا بك مرة أخرى
جزاك الله خيرا يا أخي على الإذن بالمشاركة ...
عسى أن ينفعني هذا المنتدى كثيرا.
سوف أتابع كلامي بشيء من التفصيل فيما أجملت وأشرت إليه
لكنني بطيئ في الكتابة ...
وهذه الأيام لا زلت منشغلا بالامتحانات الجامعية ...
فسوف أواصل حديثي عن هذا الموضوع متى أجد الفرصة لذلك بإذن الله تعالى
وتقبلوا مني فائق الاحترام ...
===========
يقول أبو العباس الحرّاي -قدس الله سرّه-:
طاعة الله هي فعل ما أمر،
وترك ما حظر،
و الصبر على ما قدر،
وتصديقه في كل ما أخبر.
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[18 Jun 2005, 06:13 م]ـ
فضيلة الشيخ عبد الرحمن نفعنا الله بعلمك وكرمك ...
أجل، أطروحة الدكتور /يوسف محمد أحمد البدوي له ما يستحقه من القيمة والتقدير وليس لي أن أغض الطرف عن جهد الآخرين، فجزاه الله خيرا
لكن هناك حقائق في هذا الموضوع --ليس فقط في الأمور الشكلية وإنما في السائل الجوهرية-- ينبغى أن أفصح عنها نظرا لغيابها عن الكاثيرين .. بل عن الأفاضل منهم! (وهذا من أعجب ما يكون)
فربما للمفضول ما ليس للفاضل
الدكتور /يوسف محمد أحمد البدوي جمع في رسالته هذه مادة غزيرة عن كل ما يتعلق بالموضوع، لكن هذا لا يعني أبدا أنه موفق في نتائج بحثه.
وأعلم أن ما قلت عن هذه الرسالة --بل عن "موافقات" الإمام الشاطبي-- لن يتضح إلا بعد التفصيل وبسط الأمثلة، لكن لم تكن الفرصة بمتوفرة لي الآن. وسوف أتابع فيما بعد بإذن المولى جلّ وعلى.
هذا، ومعذرة إذا كنت قد أسأت الأدب
فأنا في المبدأ مطيع بأننا "نهينا عن الكلام عند أكابرنا"
والله الموفق للسداد ...
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[27 Jan 2007, 05:00 م]ـ
أخي الفاضل نضال مضى سنة ونصف على وعدك!
فائدة
موضع جديد نقله الشاطبي من ابن تيمية لم يشر إليه الدكتور يوسف في بحثه.
المشاركة رقم (3)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=89907
ـ[نضال مشهود]ــــــــ[08 Dec 2007, 03:14 ص]ـ
أخي الفاضل نضال مضى سنة ونصف على وعدك!
فائدة
موضع جديد نقله الشاطبي من ابن تيمية لم يشر إليه الدكتور يوسف في بحثه.
المشاركة رقم (3)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=89907
سلام الله عليكم شيخنا عبد الرحمن ورحمته وبركاته.
شهور كثيرة وكدت أن أنسى هذا الموضوع. . . بل طوال هذه المدة لم أزر هذا الملتقى المبارك إلا شيئا يسيرا.
ثم إن خاصية البحث هنا لم تعد تعمل كما كانت. . . وعلى كل حال، أستسمحكم العذر على هذا التأخر الطويل.
وبالنسبة للموضوع. . . فمع الأسف ليس الكتاب عندي الآن. وقد حاولت تنزيله من موقع الوقفية (وهي بالطبع تحتاج إلى أوقات).
فأمهلني كذا مدة لعلي بإذن الله تعالى آتي بشيء مفيد. وتقبلوا مني فائق الاحترام.(/)
فتاوى (نور على الدرب) للعلامة بن عثيمين رحمه الله
ـ[إمداد]ــــــــ[06 Jun 2005, 12:03 ص]ـ
نبذة عن السلسلة: حلقات برنامج نورٌ على الدرب لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والتي بلغت -حسب جمع موقع مؤسسة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية على شبكة الإنترنت - 753 حلقة بمعدل 50 حلقة سنوياً، إذ كانت حلقات البرنامج تعرض أسبوعياً في إذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية، وملفات هذه الحلقات يعرضها الموقع بصيغتين RM & MP3
http://www.islamway.com/?iw_s=Schol...&series_id=2090
من موقع طربق الأسلام جزى الله القائمين عليه خير الجزاء
صورة مناسبة لمن أراد نشر السلسلة على أقراص CD.s
http://www.islamway.com/team/upload...-1114300683.gif
علما بأن هذه الفتاوى مجموعة في موقع الشيخ رحمه الله حسب المواضيع
صوتا وكتابة للجواب جزى الله القائمين على الموقع خير الجزاء
http://www.ibnothaimeen.com/all/Noor.shtml
الصفحة الرئيسة من موقع الشيخ رحمه الله
http://www.ibnothaimeen.com(/)
رسالة ... إلى المسلمين فقط!
ـ[ hedaya] ــــــــ[08 Jun 2005, 05:07 ص]ـ
رسالة ... إلى المسلمين فقط!
بسم الله الرحيم الرحمن، والحمد لله منزل القرآن، هدى للناس وتبيان، والصلاة والسلام الأتمان، على سيدنا محمدٍ العدنان، وعلى آله وأصحابه والإخوان، وبعد:
هذه رسالة نبعثها إلى كل مسلم ينبض قلبه بالإسلام، إلى كل من تبقى فى شريانه دمٌ مسلم ينبض، إلى كل من وضع في خانة "الديانة" في هويته كلمة "مسلم".
تدنيس قرآننا في غوانتانامو!
نبدؤها بالخبر التالى: "أكد عدة معتقلين بريطانيين كانوا محتجزين في قاعدة غوانتانامو أن الجنود الأمريكيين دنسوا القرآن مرارا سواء كان ذلك في سجون أفغانستان أو في قاعدة غوانتانامو الكوبية، وأكد "معظم بك" الذي أفرج عنه من غوانتانامو أن الجميع يعلم أن جنديا أمريكيا ألقى بنسخة من القرآن الكريم في دلو كان يستخدم مرحاضا في سجن قندهار الأفغاني".
ها نحن ننتظر ... مازلنا ننتظر ... طال الانتظار! أين المسلمون وردة فعلهم بل أين ردة فعلك أنت يا من تقرأ هذه الرسالة؟ ترى ماذا كان الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - سيفعلون لو أهين كتاب الله عز وجل في وقتهم؟ إنهم بلاشك سيثورون غضبًا لله تعالى وكلماته، وللإسلام الحنيف وحرماته، أما نحن ... فقد اكتفينا بما وجهته "بعض" رئاساتنا من كلمات استنكار خجولة هنا وهناك! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عذرا رسول الله ما منّا عمر،،، عذرا رسول الله ذنبنا لا يغتفر!
فلنتخيل أن الإنجيل - كتاب النصاري المقدس - قد دنِّس، فماذا نتخيل ردود الأفعال؟ ستقوم الدنيا ولا تقعد وستعقد المؤتمرات وتتخذ القرارات وتنَّفذ، من أجل معاقبة الفاعلين أولاُ ولضمان عدم تكرار هذا الفعل ثانيًا وثالثًا.
هان القوم فهان دينهم!
ولكن لكوننا - حاليًا - أمةٌ متخلفةٌ علميًا وثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا و ... الخ، بفعل ابتعادنا عن سر نهضتنا واكسير تقدمنا ألا وهو "الإسلام"، فإننا اليوم نتفرق على عشرات الدول التي لا يؤبه لها وليس لها اعتبار، فهذا زمان القوة ونحن ضعفاء فيه وهو زمان الوحدة ونحن متشرذمون به، ومثلما كقول الشاعر:
ومن يهن يسهل الهوان عليه،،، ما لجرحٍ بميتٍ إيلام
فضل القرآن الكريم علينا:
إن للقرآن الكريم وظيفةً رئيسة للمسلم والمسلمة في هذا الوقت وفي كل وقت، مصداقًا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القرآن هدى من الضلال وتبيان من العمى واستقالة من العثرة ونور من الظلمة وضياء من الأحداث وعصمة من الهلكة ورشد من الغواية وبيان من الفتن وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم، وما عدل أحد عن القرآن إلا إلى النار).
وهو بجانب الإرشاد إلى طريق النجاح في الآخرة، فإنه - أي كتاب الله تعالى - فيه الاستدلال على سبيل الصلاح في الدنيا، وقد قال في وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام: (فيه نبأ من كان قبلكم، ونبأ من كان بعدكم، وحكم ما كان بينكم، وهو الفصل وليس بالهزل، ما تركه جبار إلاّ قصم الله ظهره، ومن طلب الهداية بغير القرآن ضل، وهو الحبل المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم، وهو الذي لا تلبس على الألسن، ولا يخلق من كثرة القراءة، ولا تشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ وها هو الشاعر العربي يلخص فوائده ويجمع فرائده بقوله فيه:
كالشمس من حيث التفت رأيتها،،، تهدي إلى عينك نورًا ثاقبا
رسالتنا ... للمسلمين فقط!
إن عز علينا معاقبة الجناة الآثمين ومحاسبة الأنظمة التي تؤويهم، فإن لن يعز علينا أن نذكِّر المسلمين في بيوتنا ومدارسنا ووظائفنا بأن القرآن العظيم هو دستورنا، وهو السبيل الوحيد لننتقل من الضعف إلى القوة ومن التفرق إلى الوحدة، ولننال عن طريق الاستمساك به خيرات الدنيا والآخرة.
وعلينا - بالطبع - قبل تذكير الآخرين وحثهم أن نلتزم في تصرفاتنا كلها بكتاب الله عز وجل، حتى نكون قدوةً عملية يتحقق فيها وصف أمنا عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم، حينما قالت: (كان خلقه القرآن) ... فلتكن هكذا أخلاقنا ولنطبِّق تعاليم قرآننا، والحمد لله رب العالمين.
من مسلمٍ غيور على كتاب ربه
إلى إخوانه المسلمين ... فقط!(/)
العلامة عبدالله بن بيه الذي عرفت
ـ[المجدد الوسطي]ــــــــ[10 Jun 2005, 06:58 ص]ـ
وبعد فإن من نعم الله تعالى على الإنسان أن يتعرف على الرجال الكبار الذين لهم وزنهم العلمي ووزنهم الديني ووزنهم الفكري والسلوكي والإصلاحي هذه نعمة تستحق الشكر واعتقد أن من فضل الله تعالي علي وإحسانه إلي أن عرفت واحداً من العلماء الأفذاذ الذين قل أن يجود الزمن بمثلهم ألا وهو العلامة الشيخ عبد الله بن بيّه الذي اشتهر علمه وفضله في الآفاق وعرفه القاصي والداني وعرفته منذ سنوات طويلة خلال المؤتمرات والندوات التي شارك فيها بعلمه وفكره وجهده.
والحقيقة أني كلما اقتربت منه وازددت معرفة به ازددت حباً له وتقديراً له وقلما يجمع الإنسان لشخص بين الحب والتقدير هناك أناس تقدرهم وتحترمهم ولا تحبهم وهناك أناس تحبهم ويكون لك معهم عاطفة قويه ولكن لا تقدرهم ولا تحترمهم.
أما الذين تجمع لهم بين الحب والتقدير فهم قليلون ومن هؤلاء القليلين الشيخ عبد الله بن بيه الذي آتاه الله فضائل عدة فهو يجمع بين المحافظة والانفتاح فهو رجل محافظ ولكنه ليس منغلقاً وهو رجل ميسر ولكنه ليس متسيباً هو مالكي يحفظ فقه المالكية متونهم وشروحهم وحواشيهم ومنظوماتهم المختلفة ولكنه أيضا علامة في الفقه العام والفقه المقارن هو سلفي العقيدة ولكنه أيضا صاحب نزعة ربانية لا رهبانية كما قال شيخنا أبو الحسن الندوي هو يأخذ التصوف على أنه ربانية وأنه تزكية للنفس وأنه اتصال بالله تبارك وتعالى يجمع الشيخ عبد الله بن بيه بين السلفية والصوفية. ويجمع كذلك بين ما يسميه الناس في عصرنا الأصالة والمعاصرة فهو رجل أصيل موصول بالتراث عارف به مطلع على كنوزه المختلفة في الفقه والتفسير والحديث والتاريخ والأدب وغير ذلك ولكنه غير غائب عن العصر فهو يعيش العصر ومشكلاته وتياراته المختلفة ليس ككثير من علماءنا الذين يعيشون في الماضي وحده ولا يعرفون عن الحاضر شيئاً لكن الشيخ ابن بيه يعرف الماضي ويعايش الحاضر ويستشرف المستقبل ولعل معرفته باللغة الفرنسية من ناحية وتوليه المسئوليات الكبيرة في بلده أكثر من وزارة وأكثر من مسئولية كبرى تحملها لعل هذا كله جعله ينفتح على العصر ينظر إلى العصر بعين وإلى التراث بالعين الأخرى لذلك أهتم بالجانب الإصلاحي والتجديدي في الإسلام وضرورة تغيير الأمة إلى ما هو أفضل وأحسن عن طريق تغيير أفكارها وتغيير معارفها وتغيير إرادتها أو ما عبر عنه القرآن بتغيير ما بالأنفس (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
الحقيقة أن فضائل الشيخ عبد الله بن بيه فضائل كثير ة لا يتسع المقام لها وهذه خواطر مرسلة أعبر بها عن فضل الشيخ وأعبر عن حبي له ودعاء أن يجمعنا الله تعالى به فاعتقد أنه من الصالحين المصلحين إن شاء الله وأنا أقول كما قال الإمام الشافعي:
أحب الصالحين ولست منهم عساني أن أنال بهم شفاعه
وأكره من بضاعته المعاصي وإن كنا سواء في البضاعه
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في عمر الشيخ عبد الله بن بيّه وينفع به الأمة وينفع به الدين والمتدينين والإسلام والمسلمين وأن يبارك في آله وذريته جميعاً وأن يحشرنا معاً في زمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع (النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
.....................................
www.binbayyah.net(/)
أطفال أمريكا يتعلمون محاربة الإسلام في مناهج مدارسهم (صورة)!!؟ ونحن ..
ـ[ابو حنيفة]ــــــــ[10 Jun 2005, 10:44 م]ـ
أطفال أمريكا يتعلمون محاربة الإسلام في مناهج مدارسهم (صورة)!!؟ ونحن ..
أطفال أمريكا يتعلمون محاربة الإسلام في مناهج مدارسهم (صورة)!؟ ونحن ..
بسم الله الرحمن الرحيم
** أيها الأحبة ......... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
** في الوقت الذي يقلص المسؤولون التربويون مواضيع الولاء والبراء من مناهجنا تمشيّاً مع الحملة على ما يُسمّى (الإرهاب) من وجهة النظر الأمريكية فإن أطفال أمريكا يتعلمون محاربة الإسلام في مدارسهم .. !!
** الصورة أدناه خير دليل وشاهد على هذا التناقض السافر الذي تقوده أمريكا ضد شعوب المسلمين وبمداهنة أو خوف من لدن كثير من حكامهم وللأسف الشديد، وأتمنى من الأخوة إكمال ترجمة ما هو مكتوب في لوح السبورة والذي يعصر القلب ويستفزّ المشاعر ...
** أطفال بوش وربما النصارى جميعهم يدرسون معادلة مختصرها أن الإسلام يساوي (الإرهاب) ولاحظوا أن الطلاب في مراحل التعليم المبكرة والتي تترسخ فيها المفاهيم الرئيسية للعملية التعليمية والتربوية وحسبنا الله ونعم الوكيل .. أفلا يحق لنا أن نتساءل عن خبر هذه الصورة وحقيقتها وأثرها البعيد على عقول ومشاعر الأجيال النصرانية في المستقبل القريب ونظرتهم لنا ولديننا؟؟
http://www.al3nabi.net/upload/show.php?pic=33119
أسأل الله أن يهلك أمريكا ومن أعانها ومن أيّدها، وأسأله أن يحفظ لنا ديننا وعقيدتنا وإسلامنا، وأن يسخر لنا ولاة الأمر الصادقين المخلصين وأن يهديهم ويرزقهم البطانة الصالحة الناصحة .. آمين.
منقول(/)
فنون
ـ[د. محمد مشرح]ــــــــ[12 Jun 2005, 05:34 م]ـ
فن الدعاء 232
اللهم إنك غني عنا ورحيم بنا فلا تعذبنا بذنوبنا وأنت غني عن طاعاتنا ورحيم بنا.
وصل على حبيبك وآله وصحبه ومن سار على نهجه ما تعاقب الليل والنهار والشمس والظلال.
(أحضر قلبك عند قراءة الدعاء وكن موقنا بالإجابة فلعلك ممن يستجاب لهم).
فن توجيه الحدث 163
عواصم ومثبتات
في حين تموج الفتن، وتدلهم الخطوب، وتحتدم المواجهات بين أهل الخير وأهل الشر وتكاد تحبط السائرين على درب الإصلاح –إصلاح البشرية –وربما تدسس اليأس إلى النفوس مما يستخدم من وسائل عظيمة في جانب الباطل ضد الحق تطل علينا الآية المائة والخمسون من سورة البقرة لتبشرنا أن هذه الوسائل لا تغني أهل الباطل لأنه ممحوق ... وذلك بشرط أن يقوم أهل الحق بما يقدرون، ويبينون للناس الحق بيانا كافيا وسيجدون قبولا منقطع النظير إلا الذين ظلموا وعاندوا فإنهم لا يستفيدون من البيان ولن يضروا أهل الحق إلا أذى والجولة للحق وأهله فإلى الآية وتفسيرها للشيخ السعدي رحمه الله تعالى:
(149 - 150)
" ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون "
أي: " ومن حيث خرجت " في أسفارك وغيرها وهذا للعموم
" فول وجهك شطر المسجد الحرام " أي: جهته
ثم خاطب الأمة عموما فقال:
" وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره "
وقال:
" وإنه للحق من ربك "
أكده ب إن واللام لئلا يقع لأحد فيه أدنى شبهة ولئلا يظن أنه على سبيل التشهي لا الامتثال
" وما الله بغافل عما تعملون "
بل هو مطلع عليكم في جميع أحوالكم فتأدبوا معه وراقبوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإن أعمالكم غير مغفول عنها بل مجازون عليها أتم الجزاء إن خيرا فخير وإن شرا فشر
وقال هنا:
" لئلا يكون للناس عليكم حجة "
أي: شرعنا لكم استقبال الكعبة المشرفة لينقطع عنكم احتجاج الناس من أهل الكتاب والمشركين فإنه لو بقي مستقبلا بيت المقدس لتوجهت عليه الحجة فإن أهل الكتاب يجدون في كتابهم أن قبلته المستقرة هي الكعبة البيت الحرام والمشركون يرون أن من مفاخرهم هذا البيت العظيم وأنه من ملة إبراهيم وأنه إذا لم يستقبله محمد صلى الله عليه وسلم توجهت نحوه حججهم وقالوا: كيف يدعي أنه على ملة إبراهيم وهو من ذريته وقد ترك استقبال قبلته؟ فباستقبال الكعبة قامت الحجة على أهل الكتاب والمشركين وانقطعت حججهم عليه
إلا من ظلم منهم أي: من احتج منهم بحجة هو ظالم فيها وليس لها مستند إلا اتباع الهوى والظلم فهذا لا سبيل إلى إقناعه والاحتجاج عليه وكذلك لا معنى لجعل الشبهة التي يوردونها على سبيل الاحتجاج محلا يؤبه لها ولا يلقي لها بال فلهذا قال تعالى:
" فلا تخشوهم "
لأن حجتهم باطلة والباطل كاسمه مخذول مخذول صاحبه وهذا بخلاف صاحب الحق فإن للحق صولة وعزا يوجب خشية من هو معه وأمر تعالى بخشيته التي هي أصل كل خير فمن لم يخش الله لم ينكف عن معصيته ولم يمتثل أمره
وكان صرف المسلمين إلى الكعبة مما حصلت فيها فتنة كبيرة أشاعها أهل الكتاب والمنافقون والمشركون وأكثروا فيها من الكلام والشبه فلهذا بسطها الله تعالى وبينها أكمل بيان وأكدها بأنواع من التأكيدات التي تضمنتها هذه الآيات
منها:
الأمر بها ثلاث مرات مع كفاية المرة الواحدة ومنها: أن المعهود أن الأمر إما أن يكون للرسول فتدخل فيه الأمة تبعا أو للأمة عموما وفي هذه الآية أمر فيها الرسول بالخصوص في قوله: " فول وجهك " والأمة عموما في قوله: " فولوا وجوهكم "
ومنها: أنه رد فيه جميع الاحتجاجات الباطلة التي أوردها أهل العناد وأبطلها شبهة شبهة كما تقدم توضيحها ومنها: أنه قطع الأطماع من اتباع الرسول قبلة أهل الكتاب ومنها قوله:
" وإنه للحق من ربك "
فمجرد إخبار الصادق العظيم كاف شاف ولكن مع هذا قال:
" وإنه للحق من ربك "
ومنها: أنه أخبر - وهو العالم بالخفيات - أن أهل الكتاب متقرر عندهم صحة هذا الأمر ولكنهم يكتمون هذه الشهادة مع العلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ولما كان توليته لنا إلى استقبال القبلة نعمة عظيمة وكان لطفه بهذه الأمة ورحمته لم يزل يتزايد وكلما شرع لهم شريعة فهي نعمة عظيمة قال:
" ولأتم نعمتي عليكم "
فأصل النعمة الهداية لدينه بإرسال رسوله وإنزال كتابه ثم بعد ذلك النعم المتممات لهذا الأصل لا تعد كثرة ولا تحصر منذ بعث الله رسوله إلى أن قرب رحيله من الدنيا وقد أعطاه الله من الأحوال والنعم وأعطى أمته ما أتم به نعمته عليه وعليهم وأنزل الله عليه:
" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا "
فلله الحمد على فضله الذي لا نبلغ له عدا فضلا عن القيام بشكره
" ولعلكم تهتدون "
أي: تعلمون الحق وتعملون به فالله تبارك وتعالى - من رحمته - بالعباد قد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير ونبههم على سلوك طرقها وبينها لهم أتم تبيين حتى إن في جملة ذلك أنه يقيض للحق المعاندين له فيجادلون فيه فيتضح بذلك الحق وتظهر آياته وأعلامه ويتضح بطلان الباطل وأنه لا حقيقة له ولولا قيامه في مقابلة الحق لربما لم يتبين حاله لأكثر الخلق وبضدها تتبين الأشياء فلولا الليل ما عرف فضل النهار ولولا القبيح ما عرف فضل الحسن ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا فلله الحمد على ذلك.) 1
ولله في كل لحظة شأن فلم يحزن المؤمن في هذه الحياة.
فن الترويح 75
اضحك قليلا مع مقابلة صحفية
قم بإعداد عشرين قصاصة؛ ووزعها على اثنين؛ لكل واحد منهما عشر قصاصات، واطلب من أحدهما أن يكتب أسئلة يتخيلها في قصاصاته العشر، في كل واحدة سؤالين، أو حسب ما يسع له وقت الترويح، واطلب من الآخر أن يكتب في عشره أجوبة لأسئلة يتخيلها؛ على أن تكون عدد الأجوبة مساوية لأسئلة صاحبه؛بحيث لا ينظر أحدهما إلى ما يكتب صاحبه، ثم تتم المقابلة بينهما! وبعد أن تضحك لا تنس أن تعود إلى الجد والله يتولاك. يمكن أن تتم في العائلة الواحد في المنزل بإشراف الأب أو الأم أو أحد من الأولاد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - التفسير 56(/)
رجل يحمل هم أمة وأمة مهمومة لرجل
ـ[ابن الشجري]ــــــــ[13 Jun 2005, 12:51 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لايحمد على كل حال إلا هو، ولايحول المرء من حال إلى حال سواه، والصلاة والسلام على من بعثه ربه بالحق كالصبح إسفار، وآله وصحبه أبدا ما أشرق النهار.
لقد آلمني كما آلم كل مسلم محب للعلم وأهله ما تناقلته السطور، بدخول سفر الحوالي إلى مشفى النور، خبر تدمع له العين ويرق له القلب، ويتبين به محب أهل العلم والصلاح، ومن في ريم الغواية قد ساخ.
أدعوه بسفر الحوالي هكذا دون كنية أو لقب، فقد أصبح هذا الاسم في أذهان كثير من الناس علما على الرجولة وحراسة الفضيلة، وعلى التفكير السديد والعمل الرشيد والتضحية الصادقة، فإذا قلت سفر الحوالي فقد قلت هذا كله.
ولكن هل يسع المؤمن إلا ماقدر الحق وأمر، وهل يرد القضاء والقدر إلا الدعاء في جوف السحر، لايعلم المؤمن أي حاليه أفضل، والله رب العالمين يبتلي عباده بالسراء والضراء، ولاتعلم النعمة قدرت في أيهما، مسكين من ضن أن النعم لاتكون إلا من جنس مايتلذذ به من مطعوم ومشروب ومنكوح، فوعزة الله ماتعدى همة بهائم الأنعام، فكم لله من منحة في محنة، وكم من غرق أعقبه فرج، وكم من عطية منحت في ثوب رزية.
كم نعمة لايستقل بشكرها ... لله في طي المكاره كامنة
فاصبر أيه المؤمن، واعلم أنك مخلوق ضعيف، لاتملك لنفسك من أمرك شيئا، فضلا عن أمر الآخرين، وماهذه الدار والله إلا كما وصفها الله رب العالمين، دارنكد وبلاء وسجن للمؤمنين، فكيف يفرح بها بعد ذلك من كان من زمرة العقلاء الفطنين، ولعلك أخي المؤمن تعرف الحديث الذي في مسلم من حديث عبد رب الكعبة عن عبدالله بن عمرو يرفعه عن سيد المرسلين، صلى الله عليه وآله وسلم أجمعين: ( ... وإن أمتكم هذه قد جعلت عافيتها في أولها وقد جعل آخرها بلاء وفتنة ... ) الحديث، وحديث أنس في السنن (لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة)، فكن من هذه الدنيا على وجل، وكن شاكي السلاح حذرا من كل زغل، وإياك من بحر الأماني فماهي إلا رأس مال من كان خبل.
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
وإياك ثم إياك أن تسأل أي شئ من البلاء أو تتعرض لمواطنه، فتكن كسمنون الكذاب، واسأل الله العافية في كل أمرك فهي أعظم مسألة، ولكن إذا دهتك الدواهي، وجعلت منك رجلا سباهي، فتدرع بكريم الصبر، ولاتفزع إلى غير من بيده الأمر، واعلم.
أن الرياح إذا اشتدت عواصفها ... فليس تأخذ إلا الأعالي من الشجر
وكن مع ألله في ليلك ونهارك ... ، فلا تلتفت إلا إليه، ولا تعتمد إلا عليه، ولا ترغب إلا فيما لديه، ولاتخش إلا ممن الخلق كلهم ملك يديه.
وأوصيك وصية اجعلها في نياط قلبك، أن لاتلتفت إلى غير الله في جلب نفع أو دفع ضر، فمتى ماتحقق هذا من قلبك، عشت سعيدا، وملكت الدنيا وأنت تقضم اليابس من الخبز، وغيرك يخضم الناعم من الرز، وشاهدت الدنياعلى حقيق قدرها، فعرفت منها حلوها ومرها، وعلمت خيرها وشرها.
عندها تحيا لله وتموت لله وتأكل لله وتصوم لله وتقوم لله وتقعد لله وتتكلم لله وتصمت لله وتقرأ لله وتكتب لله ... ، الله! ما أجمل أن يكون الإنسان عظيما عند نفسه عظيما عند الناس عظيما عند الله!.
قد يدرك المجد الفتى وثوبه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
فإن فاتتك هذه المنزلة، ورأيت أنه قد حال بينك وبينها متلفة، فلم نفسك ولاتلم المطايا، وليس لك إلا حلال الرزايا، واستمطر الدمع وقل ياعين جودي، وهاتف القلب وقل ياقلب ويحك دع الهجود، واسق الثرى في هزيع الليل من فيض الدموع، وناج من يسمع النجوى وقل يارب ارحم قعودي، وهبني من جميل فضلك زادا يبلغني مراقي السعود، فإن استعصت عليك المحاجر، وكان شيمتها الصبر، ولم يكن لك عليها نهي ولا أمر،،، فلن تجد من يسعفك دمع عينه أبدا.
نزف البكاء دموع عينك فاستعر ... عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... أرأيت عينا للبكاء تعار
وأيم الله إني أحب الصالحين وإن كنت أظن نفسي دونهم، وأألف أهل العلم وطلابه وإن لم يكن عندي إلا القليل مما عندهم، وإنه ليؤلمنا مايؤلمهم ويؤرقنا مايؤرقهم، وإن قل أو حقر.
لكل مايؤذي وإن قل ألم ... ما أطول الليل على من لم ينم
(يُتْبَعُ)
(/)
فكيف إن كان ممن له قدم في الحق باسقة، وكان سهما نافذا في نحر أعداء الملة الناصحة، ياطالما قام للحق وقعد، وذب عن دينه بعلمه ونفسه وما ارتعد، إنها والله لحياة كريمة إذا قد عاشها، فلانامت أعين الجبناء.
مازلت أسمع من قديم أن غامد أسفرت عن رجل كمي حليم، حمل القلم فيمن حمل، لكن حمله كان للإمضاء، فدر دره من قلم مضاء، وكم أنار الله به من بصيرة عمياء، وأماط به لثام دويهية مجلجلة صماء.
فكم لسفره العظيم ـ العلمانية ـ من سفير، وكم درأ الله به من شر خطير، ونكأ به أصعل الرأس حقير، أسفر الله به عن رؤوس الشياطين، فلم تقم لهم قائمة منذ حين، أسمع الدنيا فصالت ثم هجدت، لأن فيه حق على دفعه ما كتبت، بل أذعنت وسلمت واستسلمت.
كتب عن منهج الأشاعرة كتيب في حجمه صغير، لكن فيه مالم يكتب عنهم من قبله أي إمام خطير.
وما أنت قائل في كتاب ظاهرة الإرجاء، فلقد أربى فيه على الغاية، وكشف فيه الراية لمن رام الهداية.
فرحم الله أما در له ثديها , وأبا غذاه بحنانه وعطفه دائما أبدا، وشيخا رعاه وعلمه حتى بلغ في العلم أشده واستوى.
المجد عوفي إذا عوفيت والكرم ... وزال عنك إلى أعدائك السقمعجب عجب، كم من قائم محروم ونائم مرحوم، كم دعوة رفعت ودمعة سكبت، الطفل الصغير يدعو والشيخ الكبير ينتحب، والكل يتضرع أن يلبسك الله حلل العافية، مع أني ماسمعت أنك نثرت عليهم درهما ولادينارا حينا، لا ياسفر فما أظن هذا كان يوما.
لكن الله قد أنطق لك الأفواه وعلق بك الآمال، فهي تدعوا لشخصك ولهذا الدين و العقيدة، بل هذه الأمة المكلومة التي رأتك تنافح عنها، ورأت فيك شيئا منها، وفيها شئ منك، فهي تراك وترى أمورا من وراك.
ومع كل ماذكرت ومالم أذكر، فبقدر ماكان هناك محب ناصح، فكم من حاسد مناطح، وللحق يالها من مزية تذكر بقول القائل:
إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئام الناس حسادا
وقبل أن أضع القلم أقول: أسفرلنا ياسفر عن الهم الذي كنت تحمله، فلم يبلغنا عنك أنك ممن شغلك سوق الأسهم أو العقار، نعم أيه الرجل الشهم، فما عدنا نسمع عن هذه التجلطات إلا في ميادين البورصات، ولن أشغل بالي بهم الآن، فلي منك مايشغلني , وإني لسقمك يا أبا عبدالرحيم لسقيم.
أما إن أهل الفضائل لم تتفاوت أقدارهم بالخمائل والحلل، وإنما تفاوتت لتفاوت ماتحمل من عالي الهمم، لقد ضرب الله لنا من خلقة كثير من بديع الحكم والمثل، فهاهي النباتات كان نموها مقامات، فنبتة ترضى بمسيل فضائل الخلق وما يلقى فيه من النتن، ونبتة لاترضى إلا بعرعرة الجبل الأشم ومعانقة ذرات المزن
وَلَم أَرَ أَمثالَ الرِجالِ تَفاوَتَت ** إِلى الفَضلِ حَتّى عُدَّ أَلفٌ بِواحِدِومالي لا أدع مع الداعين، فالله لكرمه يقبل الدعاء من الصالحين والطالحين، بأن يلبسك الله ثوب العافية والعلم والدين، ويقيمك تنكأ نحور المعتدين، ويا لعا لك الله من سقمك , ولا لعا الله صلب من حسدك.
وأعوذ بالله أن أحملك وزر قولي، فما أعلم إلا أنك عبد لله ضعيف بغيره، نرجوا لك ونخاف عليك، ونحسبك والله حسيبك، والدين من قبلك ومن بعدك بحفظ الله محفوظ، فلا أقول بأنا لم نعرف الدين إلا بك، لكن أقول أنك بالدين قد عرفناك، فلهذا أحببناك وأغليناك وفي قلوبنا حملناك، ولست بالمعصوم من زلة هنا أو هناك، لكنا نحسبك بالحق وللحق تقوم، فضاعت الزلة واستعصت على سباهي الفهوم.
والسلام عليك ورحمة الله وبركاته سلاما لايغادرك حتى يبرئ منك كل علة.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 Jun 2005, 02:10 م]ـ
بارك الله في قلمك يا ابن الشجري ونفع بعلمك، ونسأل الله أن يمتعنا بشفاء أبي عبدالرحمن وأن يوفقه لمواصلة التعليم والدعوة. وقد بدأ موقع الشيخ سفر الحوالي عمله الآن ويمكنك من خلاله متابعة أخبار الشيخ والتسجيل لديهم برقم جوالك ليصلك جديد أخباره حفظه الله
http://www.alhawali.com
ـ[ابو حنيفة]ــــــــ[17 Jun 2005, 02:29 م]ـ
http://www.rmooosh.net/up-pic/uploads/502be6178b.jpg (http://www.rmooosh.net/up-pic)(/)
قصيدة في الشيخ الحوالي "طهور .. يا ناصر التوحيد" ...
ـ[صالح العمري]ــــــــ[13 Jun 2005, 08:23 م]ـ
طَهورٌ .. يَا نَاصِرَ التَّوحِيد ..
-----------------------------------------------
كلمات متواضعة للشيخ سفر الحوالي شفاه الله تتضاءل أمام هامته الشامخة ..
-----------------------------------------
أَجْهَدْتَ قَلْبَكَ همَّاً أيُّها البَطَلُ = وذُبْتَ في أُمّةٍ قَدْ شَفَّهَا الخَطَلُ
أَرْخَصْتَ فيها الحَشَا قَلْباً وَأَوْرِدةً = وَذُقْتَ مِن أَمْرِهَا مَا لَيسَ يُحتملُ
لِسَانُ حَالِك "في دِيني وآخرتي= أسلمتُ لله عُمْري ما الْتهى الأَجلُ"
الرأَيُ رأيُك والأنْبَاءُ عَاصِفةٌ = والفَرْيُ فَرْيُكَ والأفكارُ تنتضلُ
وفي فَتَاواكَ آياتٌ وَتَبْصِرةٌ = وَقَولُكَ الفَصْلُ لا رَيْثٌ وَلا عَجَلُ
فلوْ تَرى أَمّةَ الإسْلامِ إذْ وَقَفَتْ = لَمْ يَبْقْ مِنْ أَرْضِها سَهْلٌ ولا جَبَلُ ..
تَبْكِيَكَ يا نَاصرَ التّوحيدِ مِنْ ألمٍ = وفي سَمَاها تَجَلّى الحُبُّ والأملُ
أَصْبَحْتَ في قَلْبِها جُرْحاً ينزُّ أسى = وقَبْلَها كُلُّ جُرحٍ مِنْكَ يَنْدَملُ
سُؤَالُهَا مَنْ سَيَجْلُو كلَّ مُشْتَبَهٍ؟! = منْ يُفحمُ الخَصْمَ والأَحْداثُ تَرْتَجِلُ؟!
أمّنْ يَقُودُ السَّرايا في دُجى فِتَنٍ = أينَ السَّبيلُ إذا شَطّتْ بِنَا السُّبُلُ؟!
فَلَوْ رَأيتَ عُيُونَ السّاهرينَ ضَنَى = يَضّرعونَ .. وَدَمعُ العَينِ مُنْسَدلُ
ولوْ رَأيتَ وُلاةَ الأَمرِ إذْ وَقَفوا = يُسَاهِرونَك لا مَلّوا ولا غَفَلوا
ولَوْ تَرى فِتيةً يسّاءَلونَ هُنَا = وطفلةً في دُجى المحرابِ تَبْتهلُ
ولَوْ تَرى الأمَّ تَبْكي بينَ صِبْيَتِها = والقَلبُ يَلْهجُ والوجْدانُ مُشْتَعِلُ
للهِ .. كَمْ مُهْجةٍ للدينِ مُخْلصةٍ = قدْ اعتراها عليكَ الهمُّ والوَجَلُ
عاشُوكَ في نَزْفِكَ القَاني وفي نَقَهٍ = كمثلما عِشْتَهُمْ والحبُّ مُتَّصِلُ
يَغْشَاكَ مِنْ شَوْقِهِم نَجْوى وأَدْعيةٌ = ومِنْ لهَيبِ الحَشَايا تُمْطرُ المُقَلُ
عليكَ ألْفُ طبَيبٍ .. يَا طبَيبَ هُدى = بطبّهِ تُوْصفُ الأدْواءُ والعِللُ
ولوْ تَرى جافيا قَدْ رَفَّ مِنْ حَسَدٍ = وللتباشيرِ في أنفاسِهِ زَجَلُ!!
لمّا رَأَى حُبَّ خَلْقِ اللهِ أَكْمَدَهُ .. = واهتاج في بطنه الزقّومُ والدَّغلُ
ففي بلائِكَ تَمْحِيصٌ و مَطْهَرةٌ = والمبْدأُ الحَقُّ يَسْتَعْلي ويَنْتَقِلُ
ما زادكَ اللهُ إلاّ رِفْعَةً و عُلا = والوَغْدُ كسوتُهُ الخُذْلانُ والخجلُ
كمْ نِلِْتَ مِنْ كَيْدِهمْ سِرَّا وفي عَلَنٍ = مَا لَوْ عَلا جَبَلاً لَزّلزلَ الجبلُ!!
كمْ قَاتلُوكَ وأَرضُ المسْلمينَ شَكَتْ = قَهْراً فَمَا قَاتَلوا كُفْراً ولا خَذَلوا!!
وكَمْ رَمَوكَ بأَقْذَاءٍ فَسِرْتْ لَهمْ = كمَا مَضَى السَّلفُ الماضونَ والرُّسُلُ
قد كنتَ فينا عَصَى موسى بهيبتِهِا = إذا تَجَلّتْ تَولّى السِّحرُ والدَّجلُ
الحقُّ داعيهُ، والتَّوحيدُ بغيتُهُ = يا مَنْ مقاصدُهُ الإرجافُ والجدلُ
علمتنا أنَّ للإخلاصِ مرتبةً = جُلّى عليها قلوبُ النَّاسِ تتّصلُ
عَلَّمْتَنا كيفَ تُنسى كلُّ سيئةٍ = وكيف يُسقى الإخا والودُّ والأملُ
عَلَّمْتَنَا جَهْرةً بالحقِّ صادحةً = إذا تغَشَّى النفوسَ الخَوْفُ والوجلُ
يا أمةً محّصَتْهَا كلُّ نائبةٍ = وكلّما فَترتْ غَنَّى لها الأملُ
وَقَفْتَ في صَوْلةِ "التَّغريب" فانطفأتْ = عينُ الحقودِ .. فخابَ اليومَ مَا سَأَلوا
وقُمْتَ في فِتنةِ "التكفيرِ" فارتدعتْ = قوافلٌ زالَ عَنْهَا الشكُّ والزللُ
ياربُّ أدعوكَ والأَشجانُ لاعجةٌ = ففي يَدَيْكَ مِصَالُ البُرءِ والعِللُ
شفيتَ أيوبَّ في ضرٍّ و مُكْتَهلٍ = والماء من حولِهِ شربٌ و مُغْتَسلُ
وارتدَّ يَعْقُوبُ فيها مُبْصِرَا فمضى = إلى الحبيبِ وقدْ دالتْ لهُ الدُّولُ
فاشفْ الحَوَاليْ شِفَاءً لا تَدَعْ سَقَمَا = أنت المُرجَّى وقد بارتْ بِنَا الحيلُ
ما لي سِواكَ ومَوجُ الهمِّ ملتطمٌ = يا مَنْ عليهِ لكشفِ الضُرِّ نتّكلُ
أُهْديكَ يا سَفَرَ الآمالِ قافيتي =لعلَّنا بالشفاءِ العَذْبِ نَحْتَفِلُ
حتى نراكَ كنورِ الشَّمسِ مُشْرقةً = وتنطوي عندَها الدَّهماءُ والسُدُلُ
ففي شِفَائكَ سُلْواني وعَافيَتِي .. = كالغَيثِ يزهرُ منه السَّفْحُ والجَبلُ
أحييتَ في جَمْعِنا إلفاً و مرحمةً = وفَوقَ أرواحِنَا منْ حُبِّكم ظُللُ
هذا جوادُكَ مَسْرُوجَا بصهوتِهِ = فقُمْ وخُضْها جِهَادا أيُّها البطلُ ..
----------------------------------------------
شعر: صالح بن علي العمري – الظهران
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[13 Jun 2005, 08:29 م]ـ
جزاك الله خيراً على هذا الشعر الصادق، وقد قلت ما يعتمل في صدورنا جميعاً وفقك الله، وشفى الله أبا عبدالرحمن شفاء لا يغادر سقماً، والبشائر تترى بتماثله للشفاء إن شاء الله. والحمد لله على كل حال.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سلسبيل]ــــــــ[13 Jun 2005, 09:56 م]ـ
جزاك الله خيرا ولا فض فوك
وكتب الله الشفاء العاجل لشيخنا الفاضل
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[14 Jun 2005, 07:46 م]ـ
بارك الله فيك يا مهندز صالح على هذه الأبيات، وعسى الله أن يَشفي الشيخ سفرًا، ويجمعَ له بين الأجر والعافية.
ـ[عصام البشير]ــــــــ[18 Jun 2005, 09:37 م]ـ
لله درّ الذي خطت أناملُه ... شعرا حلاوته ما فاقها العسلُ
تنثال أبياته كالنور في ألقٍ ... ترتاح من طيبها الأسماع والمقلُ(/)
ما هي أفضل المكتبات الموجودة في الرياض؟
ـ[أبو يعقوب]ــــــــ[14 Jun 2005, 02:45 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما هي أفضل المكتبات الموجودة في الرياض؟
وجزاكم الله خيرا
ـ[أبو يعقوب]ــــــــ[15 Jun 2005, 12:33 ص]ـ
هل ممكن مساعدة؟
أنا مستعجل
مع كتابة العنوان إن أمكن
ـ[ناصر الماجد]ــــــــ[15 Jun 2005, 12:49 ص]ـ
بسم الله
الأخ الكريم: أبو يعقوب
مرحبا بك عضوا في هذا الملتقى، ويسعدنا كثيرا تواصلك معنا
بالنسبة لأهم المكتبات في الرياض فهذا يرجع إلى نوع الكتب التي تبحث عنها، وسأفترض أنك مهتم بالكتب الشرعية والتراثية، ومن أحس المكتبات وأشهرها:
مكتبة الرشد في جنوب الرياض، وفرعها في شمال الرياض مقابل وزارة الشؤون البلدية
ومكتبة طيبة في السويدي (جنوب الرياض)
ومكتبة التدمرية على طريق الدائري الشرقي مخرج15 وأسعارها مناسبة ومنخفضة
وأسأل الله لك العلم النافع
ـ[أبو يعقوب]ــــــــ[15 Jun 2005, 03:22 م]ـ
جزاك الله خير أخي ناصر الماجد
أنا مهتم بالكتب الشرعية
هل ممكن أن تضيف المزيد؟
من فضلك
ـ[أبو يعقوب]ــــــــ[16 Jun 2005, 07:54 م]ـ
..
...
يرفع
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[16 Jun 2005, 11:44 م]ـ
هذه المكتبات وهواتفها وفقك الله.
ـ[أبو يعقوب]ــــــــ[17 Jun 2005, 02:34 م]ـ
جزاك الله خيرا
ووفقك لما يحبه ويرضاه(/)
بعض الدورات العلمية التي ستقام في مدينةالرياض صيف 1426هـ (ملف وورد كامل)
ـ[ابو حنيفة]ــــــــ[16 Jun 2005, 02:24 م]ـ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به
طريقاً إلى الجنة) رواه الإمام مسلم
فسارع بالحضور وتشجيع غيرك على الحضور أو الاستماع لها عبر الانترنت و أرسلها بالبريد الالكتروني لكل من تعرف وانشرها في المنتديات والمجموعات البريدية
منقول: أرجو الدعاء لمعدها: أبو محمد
http://www.rmooosh.net/up-pic/uploads/b9d2301120.jpg (http://www.rmooosh.net/up-pic)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[16 Jun 2005, 02:45 م]ـ
بارك الله فيكم وحفظكم أخي الكريم ومن أعدها ورتبها. هذه والله من أبوبا العلم التي فتح الله بها على طلاب العلم في هذا الزمان، نسأل الله أن يبارك فيها وأن يؤيد القائمين عليها بتوفيقه وتأييده.(/)
ما اخترنا حبك يا بغداد
ـ[سلسبيل]ــــــــ[16 Jun 2005, 10:56 م]ـ
ما اخترنا حبك يا بغداد
لكن الله قد اختارا
حب الجهاد من الإيمان إنا لنعلن اسرارا
يا أخوتي روح الإسلام
روح تطير مع الأنسام
عزم الهدى حب ووئام
شمس تتلألأ أنوارا
ما اخترنا حبك يا بغداد
لكن الله هو اختارا
-----------------
ما إن استمعت مؤخرا لكلمات هذه الأنشودة وأنا على غير الحال ... لقد أصبحت هذه الكلمات تتردد بين أعماقي رغما عني وكأنها
م شبح يطاردني أو سياط تلسعني
وأنا أحاول أن أهرب ....... ولكن أين المفر؟
الصوت ينبع من أعماقي " ما اخترنا حبك يا بغداد ... لكن الله هو اختارا "
ويعلو الصوت ويعلو ويعلو
وأنا حائرة لا أدري ما أفعل!
أسد سمعي ........ فلا يجدي
أسلو مع من حولي .. فلا أسلو
التفت يمينا وشمالا .. لعلي أهرب!
نعم
أهرب من وخز الضمير
وصحوة متأخرة
" ما اخترنا حبك يا بغداد ... لكن الله هو اختارا "
لكأن العبارة تعاتبني
بل تتشمت فيّ
وقد دار الزمان
فصارت عدوتي معشوقتي
بغداد ... بالأمس القريب كنت أكرهك
أكرهك
ولا أحب حتى سماع اسمك
واليوم أنا على استعداد أن أفديك بروحي!!
" ما اخترنا حبك يا بغداد ... لكن الله هو اختارا "
لقد أحببتك رغما عني!!
فهل يعشق المرء رغما عنه؟؟
بغداد .. اعذرينني .... لأني كرهتك يوما
.... لأني تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعك ..
اعذريني!
فأنت ضحية مثلي وكنت أظنك جانية
اعذريني لم أختر كرهك .. كما أنا اليوم لم أختر حبك .....
ربما أعود إليك يا بغداد أسطر اعتذاراتي وأشواقي ... ربما ....(/)
إعلان عن لقاء في اللغة مع الشيخ حسن الحفظي في ملتقى أهل الحديث
ـ[عصام البشير]ــــــــ[19 Jun 2005, 12:38 م]ـ
إخوتي في ملتقى التفسير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أن أخبركم أننا في ملتقى أهل الحديث نعقد لقاء مع الشيخ الدكتور حسن الحفظي
وتجدون ترجمته على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=174030#post174030
فمن كان مسجلا هناك فليبادر إلى وضع سؤاله، وإلا فيمكنه وضع سؤاله هنا لأقوم بنقله إلى الشيخ.
اللقاء خاص بعلوم اللغة العربية.
وجزاكم الله خيرا.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[19 Jun 2005, 11:02 م]ـ
أخي الكريم عصام البشير
حياك الله بيننا, وما أجمل هذا التواصل, ولدي تساؤلات أرجوا أن تحملها مع أعطر التحايا إلى الشيخ الحفظي سلمه الله:
1/ هل تأثر علم النحو بعلم الكلام أو الفلسفة؟
وما مظاهر هذا التأثر: في أي زمن ظهر - أبرز المصنفات على هذا النحو .. ؟
وهل تناول هذه القضية مؤلف؟
...
2/ ما رأي الشيخ في ما يذهب إليه بعض المتأخرين من أنه لا مدارس في النحو, وأن الخلاف بين البصريين والكوفيين ليس في أصول هذا العلم وإنما في مسائل فرعية لا تتصل بالأصول, ولا تستحق هذا القدر من التفريق بين المناهج؟
...
3/ عند العزو إلى لسان العرب هل الأولى أن يُقال: قال ابن منظور, أو: جاء في لسان العرب؟ وما حدود إضافة ابن منظور في كتابه هذا في جانب اللغة؟(/)
القواعد الذهبية لحفظ القرآن الكريم.
ـ[ابو حنيفة]ــــــــ[19 Jun 2005, 04:33 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
القواعد الذهبية لحفظ القرآن الكريم
القرآن كتاب الله الخالد المعجز المنزل على عبده ورسوله وخاتم رسله محمد صلى الله عليه وسلم والذي أذن الله بحفظه من أن يغير أو يبدل، أو يزاد فيه، أو ينقص منه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وهو الكتاب الذي بين أيدينا في مشارق الأرض ومغاربها، الكتاب الذي تلقاه الرسول من جبريل، وجبريل من رب العزة تبارك وتعالى، والذي علمه رسوله الله إلى أصحابه الأطهار، وحمله الدين السفرة البررة الكرام، والذي جمعه الصديق بإشارة الفاروق، ودونه ذو النورين عثمان، وأجمعت الأمة المسلمة عليه.
هذا الكتاب هو دستور المسلمين وشريعتهم وصراطهم المستقيم، وحبل الله المتين، وهدايته الدائمة وموعظته إلى عباده، آية صدق رسوله الباقية إلى آخر الدنيا، وهو سبيل عز المسلمين في كل العصور والدهور، ولما كان القرآن كذلك تعبدنا الله بتلاوته، وجعل خيرنا من تعلمه وعلمه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرا حرفاً واحداً منه كان له به عشر حسنات. (رواه الترمذي والدارمي وصححه الألباني في الصحيحة 2327).
وان من قرأ وهو يتعتع فيه فله أجران، ومن كان ماهراً به كان من السفرة الكرام البررة من الملائكة يوم القيامة (متفق عليه)، وأن قارئ القرآن الحافظ له يقال له يوم القيامة: {اقرأ وأرق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها} (رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع 8122)
فلا يزال يرقى في منازل الجنة حتى ينتهي آخر حفظه، وهذه منزلة عظيمة ليست لأحد إلا لحافظ القرآن.
ولما كان هذا فضل حفظ القرآن فإني أحببت أن أضع بين يدي إخواني بعض القواعد العامة التي تساعدهم في حفظ القرآن ولينالوا هذه المنزلة العظيمة أو بعضهاً منها، وما لا يدرك كله فلا بأس بإدراك بعضه أو جله، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.
القاعدة الأولى: الإخلاص
وجوب إخلاص النية، وإصلاح القصد، وجعل حفظ القرآن والعناية به من أجل الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته وحصول مرضاته، ونيل تلك الجوائز العظيمة لمن قرأ القرآن وحفظه، قال تعالى: {فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص}. وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين} .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [قال الله تعالى "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} (رواه مسلم)
فلا أجر ولا ثواب لمن قرأ القرآن وحفظه رياء أو سمعة، ولا شك أن من قرأ القرآن مريداً الدنيا طالباً به الأجر الدنيوي فهو آثم.
القاعدة الثانية: تصحيح النطق والقراءة
أول خطوة في طريق الحفظ بعد الإخلاص هو وجوب تصحيح النطق بالقرآن، ولا يكون ذلك إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن، والقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي، فقد أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب لساناً من جبريل شفاهاً، وكان الرسول نفسه يعرض القرآن على جبريل كل سنة مرة واحدة في رمضان، وعرضه في العام الذي توفي فيه عرضتين. (متفق عليه)
وكذلك علمه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه شفاهاً وسمعه منهم بعد أخذ القرآن مشافهة من قارئ مجيد، وتصحيح القراءة أولاً بأول، وعدم الاعتماد على النفس في قراءة القرآن حتى لو كان الشخص ملماً بالعربية وعليماً بقواعدها، وذلك إن في القرآن آيات كثيرة قد تأتي على خلاف المشهور من قواعد العربية.
القاعدة الثالثة: تحديد نسبة الحفظ كل يوم
يجب على مريد حفظ القرآن أن يحدد ما يستطيع حفظه في اليوم: عدداً من الآيات مثلاً، أو صفحة أو صفحتين من المصحف أو ثمناً للجزء وهكذا، فيبدأ بعد تحديد مقدار حفظه وتصحيح قراءته بالتكرار والترداد، ويجب أن يكون هذا التكرار مع التغني، وذلك لدفع السآمة أولاً، وليثبت الحفظ ثانياً. وذلك أن التغني بإيقاع محبب إلى السمع يساعد على الحفظ، ويعود اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك على الخطأ رأساً عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر القارئ أن لسانه لا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكر، هذا إلى جانب أن التغني بالقرآن فرض لا يجوز مخالفته لقوله صلى الله عليه وسلم: [من لم يتغن
(يُتْبَعُ)
(/)
بالقرآن فليس منا] (رواه البخاري) ..
القاعدة الرابعة: لا تجاوز مقررك اليومي حتى تجيد حفظه تماماً:
لا يجوز للحافظ أن يتنقل إلى مقرر جديد في الحفظ إلا إذا أتم تماماً حفظ المقرر القديم وذلك ليثبت ما حفظه تماماً في الذهن، ولا شك إن ما يعين على حفظ المقرر أن يجعله الحافظ شغله طيلة ساعات النهار والليل، وذلك بقراءته في الصلاة السرية، وإن كان إماماً ففي الجهرية، وكذلك في النوافل، وكذلك في أوقات انتظار الصلوات، وفي ختام الصلاة، وبهذه الطريقة يسهل الحفظ جداً ويستطيع كل أحد أن يمارسه ولو كان مشغولاً بأشغال كثيرة لأنه لن يجلس وقتاً مخصوصاً لحفظ الآيات وإنما يكفي فقط تصحيح القراءة على القارئ، ثم مزاولة الحفظ في أوقات الصلوات، وفي القراءة في النوافل والفرائض وبذلك لا يأتي الليل إلا وتكون الآيات المقرر حفظها قد ثبتت تماماً في الذهن، وإن جاء ما يشغل في هذا اليوم فعلى الحافظ ألا يأخذ مقرراً جديداً بل عليه أن يستمر يومه الثاني مع مقرره القديم حتى يتم حفظه تماماً.
القاعدة الخامسة: حافظ على رسم واحد لمصحف حفظك
ما يعين تماماً على الحفظ أن يجعل الحافظ لنفسه مصحفاً خاصاً لا يغيره مطلقاً وذلك أن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع، وذلك أن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة والنظر في المصحف فإذا غير الحافظ مصحفه الذي يحفظ فيه، أو حفظ من مصاحف شتى متغيرة مواضع الآيات فإن حفظه يتشتت، ويصعب عليه الحفظ جداً، ولذلك فالواجب أن يحافظ حافظ القرآن على رسم واحد للآيات لا يغيره.
القاعدة السادسة: الفهم طريق الحفظ:
من أعظم ما يعين على الحفظ فهم الآيات المحفوظة ومعرفة وجه ارتباط بعضها ببعض.
ولذلك يجب على الحافظ أن يقرأ تفسيراً للآيات التي يريد حفظها، وأن يعلم وجه ارتباط بعضها ببعض، وأن يكون حاضر الذهن عند القراءة وذلك لتسهل عليه استذكار الآيات، ومع ذلك فيجب أيضاً عدم الاعتماد في الحفظ على الفهم وحده للآيات بل يجب أن يكون الترديد للآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق اللسان بالقراءة وإن شت الذهن أحياناً عن المعنى وأما من اعتمد على الفهم وحده فإنه ينسى كثيراً، وينقطع في القراءة بمجرد شتات ذهنه، وهذا يحدث كثيراً وخاصة عند القراءة الطويلة.
القاعدة السابعة: لا تجاوز سورة حتى تربط أولها بآخرها
بعد تمام سورة ما من سور القرآن لا ينبغي للحافظ أن ينتقل إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام حفظها تماماً، وربط أولها بآخرها، وأن يجري لسانه بها بسهولة ويسر، ودون إعناء فكر وكد في تذكر الآيات، ومتابعة القراءة، بل يجب أن يكون الحفظ كالماء، ويقرأ الحافظ السور دون تلكؤ حتى لو شت ذهنه عن متابعة المعاني أحياناً، كما يقرأ القارئ منا فاتحة الكتاب دون عناء أو استحضار، وذلك من كثرة تردادها، وقراءتها، ومع أن الحفظ لكل سور القرآن لن يكون كالفاتحة إلا نادراً، ولكن القصد هو التمثيل، والتذكير بأن السورة ينبغي أن تكتب في الذهن وحدة مترابطة متماسكة، وألا يجاوزها الحافظ إلى غيرها إلا بعد اتقان حفظها.
القاعدة الثامنة: التسميع الدائم
يجب على الحافظ ألا يعتمد على حفظه بمفرده، بل يجب أن يعرض حفظه دائماً على حافظ آخر، أو متابع في المصحف، حبذا لو كان هذا مع حافظ متقن، وذلك حتى ينبه الحافظ بما يمكن أن يدخل في القراءة من خطأ، وما يمكن أن يكون مريد الحفظ قد نسيه من القراءة وردده دون وعي، فكثير ما يحفظ الفرد منا السورة خطأ، ولا ينتبه لذلك حتى مع النظر في المصحف لأن القراءة كثيراً ما تسبق النظر، فينظر مريد الحفظ المصحف ولا يرى بنفسه موضع الخطأ من قراءته، ولذلك فيكون تسميعه القرآن لغيره وسيلة لاستدراك هذه الأخطاء، وتنبيهاً دائماً لذهنه وحفظه.
القاعدة التاسعة: المتابعة الدائمة
يختلف القرآن في الحفظ عن أي محفوظ آخر من الشعر أو النثر، وذلك أن القرآن سريع الهروب من الذهن، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [والذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها] (متفق عليه)
(يُتْبَعُ)
(/)
فلا يكاد حافظ القرآن يتركه قليلاً حتى يهرب منه القرآن وينساه سريعاً، ولذلك فلا بد من المتابعة الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: [إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت] (متفق عليه) وقال أيضاً: [تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عقلها] (متفق عليه)
وهذا يعني أنه يجب على حافظ القرآن أن يكون له ورد دائم أقله جزء من الثلاثين جزءاً من القرآن كل يوم، وأكثره قراءة عشرة أجزاء لقوله صلى الله عليه وسلم: [لا يفقه القرآن في أقل من ثلاث] (رواه أبو داود بهذا اللفظ، وأصله في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو)
وبهذه المتابعة الدائمة، والرعاية المستمرة يستمر الحفظ ويبقى، ومن غيرها يتفلت القرآن.
القاعدة العاشرة: العناية بالمتشابهات
القرآن متشابه في معانيه وألفاظه وآياته. قال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله}.
وإذا كان القرآن فيه نحواً من ستة آلاف آية ونيف فإن هناك نحواً من ألفي آية فيها تشابه بوجه ما قد يصل أحياناً حد التطابق أو الاختلاف في حرف واحد، أو كلمة واحدة أو اثنتين أو أكثر.
لذلك يجب على قارئ القرآن المجيد أن يعتني عناية خاصة بالمتشابهات من الآيات، ونعني بالتشابه هنا التشابه اللفظي، وعلى مدى العناية بهذا المتشابه تكون إجادة الحفظ، ويمكن الاستعانة على ذلك بكثرة الاطلاع في الكتب التي اهتمت بهذا النوع من الآيات المتشابهة ومن اشهرها:
1) درة التنزيل وغرة التأويل – بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز – للخطيب الإسكافي.
2) أسرار التكرار في القرآن – لمحمود بن حمزة بن نصر الكرماني.
القاعدة الحادية عشر: اغتنم سني الحفظ الذهبية
الموفق حتماً من اغتنم سنوات الحفظ الذهبية من سن الخامسة إلى الثالثة والعشرين تقريباً فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جداً بل هي سنوات الحفظ الذهبية فدون الخامسة يكون الإنسان دون ذلك وبعد الثالثة والعشرون تقريباً يبدأ الخط البياني للحفظ بالهبوط ويبدأ خط الفهم والاستيعاب في الصعود، وعلى الإنسان أن يستغل سنوات الحفظ الذهبية في حفظ كتاب الله أو ما استطاع من ذلك. والحفظ في هذا السن يكون سريعاً جداً، والنسيان يكون بطيئاً جداً بعكس ما وراء ذلك حيث يحفظ الإنسان ببطء وصعوبة، وينسى بسرعة كبيرة ولذلك صدق من قال: "الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، والحفظ في الكبر كالنقش على الماء" ..
فعلينا أن نغتنم سنوات الحفظ الذهبية، إن لم يكن في أنفسنا ففي أبنائنا وبناتنا.
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالخالق
منقول(/)
شيخة الإسلام السحاقية" والاجتهاد على الطريقة الأمريكية
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[21 Jun 2005, 08:23 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كانت البداية مقالاً بعنوان "الكاتبة إرشاد مانجي تطلق حملة الاجتهاد لدعم الإصلاح في الإسلام " نشرته صحيفة "صوت الوطن" المشباكية الفلسطينية فى 9/ 5/ 2005م ومعه التعليقات التى علق بها بعض القراء، ومنها تعليقٌ جزى الله صاحبه خيرا أشار فيه إلى موقع الكاتبة، وهو بالإنجليزية، على المشباك، فانتقلتُ إليه فى الحال، وهناك قرأت بعض المقالات عنها، ووجدت ترجمة عربية لكِتَابها "مشكلة الإسلام اليوم"، إلا أننى لم أجد النص الإنجليزى. لذا اكتفيتُ بمطالعة الترجمة العربية، فألفيتُ جرأة على الإسلام وقحة وأفكارا خبيثة مدمرة، ووجدت أنه لا بد من التعليق على ما قرأت، فكانت هذه الدراسة التى سيطالعها القارئ بعد قليل. ولكن علينا أولا الاطلاع على مقال جريدة "صوت الوطن".
[ line]
الكاتبة إرشاد مانجي تطلق حملة الاجتهاد لدعم الإصلاح في الإسلام
غزة-دنيا الوطن
تستعد المؤلفة الكندية المسلمة من أصل باكستاني إرشاد مانجي، التي تصفها وسائل إعلام غربية بالكابوس الأسوأ الذي يواجهه أسامة بن لادن، تستعد لإطلاق حملة "الاجتهاد" من أجل تحقيق تعددية الآراء في الإسلام وتأسيس هيئة تساعد في خلق جيل من الشباب الإسلامي الإصلاحي لاستكشاف ودعم المزيد من الآراء الجديدة.
وفي هذا السياق قالت إرشاد مانجي في تصريحات لصحفية "الغارديان" البريطانية إنه لا يمكن لأي مجتمع أو عرق أو دين البقاء بعيدا عن احترام حقوق الإنسان. وتضيف مانجي في حديثها لـ"الغارديان" صباح اليوم الاثنين 9 - 5 - 2005 "نحن المسلمون نتآمر ضد أنفسنا وفي أزمة حقيقة لأننا نجر بقية العالم معنا وإذا كانت ثمة لحظة مناسبة للإصلاح فهي الآن".
وتوضح مانجي حملتها الجديدة "الاجتهاد" عبر الإشارة إلى عقول إصلاحية عديدة في الإسلام "إلا أننا جميعا نعمل بشكل منعزل ونتحاج لتطوير علاقاتنا ونعتمد على بعضنا البعض في ذلك". ويبدو حسب الصحيفة البريطانية أن إرشاد مانجي تزور لندن حاليا للقيام بسلسة محاضرات حول حملتها الجديدة "الاجتهاد" لجمع المزيد من المناصرين لها في العالم الإسلامي.
وقالت مانجي أيضا بأنها تشعر بقرب النساء المسلمات منها أينما حطت رحالها و"هن في شوق لمعرفة كيف يمكن الانشقاق عن الآراء التقليدية المسيطرة والتمسك بالإيمان في الوقت نفسه". وتتابع "نحن بحاجة الآن لتحويل هذا التوق السري للتغيير إلى ظاهرة صريحة ومعلنة".
وكانت أصدرت إرشاد مانجي كتابا عن الإسلام هو من أكثر الكتب مبيعا في الغرب واسمه "الخلل في الإسلام دعوة إلى الصحوة من أجل الأمانة والتغيير" الذي نشر في باكستان وسينشر قريبا في العراق وتركيا والهند.
ومعلوم أن صحيفة "نيويورك تايمز" وصفتها "بالكابوس الأسوأ" الذي يواجهه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن كما قالت عنها صحيفة "جاكرتا بوست" بأنها واحدة من ثلاث نساء تصنعن تغييرا إيجابيا في الإسلام.
[ line]
والآن إلى الدراسة التى عرضتُ فيها لكتاب المدعوّة "إرشاد مانجى"، صاحبة "الحملة ”اجتهاد”"، ونبدأ بإيراد السطور التالية من صفحة الشكر فى أول الكتاب:
" شكر وتقدير: إني ألبسُ خاتمين: خاتم يرمز إلى حبي لله، وخاتم للتعبير عن آصرة ارتباطي بشريكتي ميشيل دوغلاس. لذا سأبدأ بشكر الله، وأكثر ما أشكره عليه هو ميشيل. فمن بين كل ما منحتْني إياه منحتْني أيضا التولُّع بالعَدْو. وبسبب هذه الهواية أنهيتُ نصف ماراثون في الأيام الأولى من تأليف هذا الكتاب. وخلال تلك الساعتين اللتين توقف فيهما العقل رأيتُ أشجارا على يساري، وشلال ماء على يميني، وأبنية امامي، وشعرتُ من صميم قلبي بالتوحيد، بوحدة خلق الله، الذي يصدف كونه أول ركن من أركان الاسلام. ومن نواحي أكثر مما يتسنَّى لي تعدادها فإن ميشيل هي صفحة الشكر والتقدير.
(يُتْبَعُ)
(/)
آن كولينز من دار "راندوم هاوس: Random House" تأتي أيضا على رأس القائمة، أولا لشجاعتها في نشر هذه الرسالة- الكتاب. ولكن هذا ليس كل شيء، فالأمانة التي تحدثتُ بها عن الإسلام قابَلَتْها آن بأمانة مماثلة في كل ما يتعلق بالمخطوطة. وآن بوصفها حاضنة تحتاج إلى ممارسة، ولكن بوصفها محررة وناشرة ما كان لي أن أطمح بأفضل منها. كما يستحق بيل كامبل وفريقه في دار "ماينستريم ببليشنغ: Mainstream Publishing" كل التقدير لموافقتهم على هذا النص في وقت ابتعد عنه ناشرون بريطانيون آخرون. وهذا تذكير في محله بأن "الاتجاه السائد" لا يعني بالضرورة اتجاها "تقليديا".
كان هناك آخرون مَنَّ الله عليّ بهم، فإن بول مايكلز ساعدني على إقامة اتصالات، وفي مجرى ذلك أصبح صديقا موثوقا. وأنا أعتزُ بصحبته المتألقة فكريا. والجوقة ذات القلوب الكبيرة في مركز هارت هاوس الطلابي بجامعة تورنتو، وعلى رأسها مارغريت هانكوك، وفَّرتْ لي مكتبا فاخرا ومكتبة للعمل منهما. وقد أتاح لي ما وهوبه من مكان أن أنكبّ على عملي في البحث والتنقيب مع الإبقاء على علاقتي في البيت سالمة. فشكرا هارت هاوس. أشكرُ أيضا، على ما يبدو في ذلك من غرابة، جهازي المحمول لاستخدام البريد الإلكتروني "بلاكْبري: Blackberry"، الذي سجلتُ وحفظتُ فيه ملاحظات مستفيضة وَجَدتْ طريقها إلى نص الكتاب. بل إني حتى استخدمتُ جهازي هذا لكتابة مقطع نقدي لم يتحمل الانتظار الى أن أمتشق القلم والورق من أجل تسطيره. وفي أوقات كهذه أهيمُ بتضافر التكنولوجيا والإيمان.
رغم أن هذا الكتاب استغرق زمن حياة كاملة قبل أن يختمر فلم يكن لدي سوى عام لكتابته. وبمثل هذا الجدول الزمني الضيق أسهم كثيرون بسقْطهم: فإن فال روس وجون بيرس وكندال أندرسن ساعدوني على تشذيب الأفكار من لحظة الانطلاق الأولى، ونشأ طابور دولي من المشاركين في مجال البحث ـ والذين تطوروا إلى مساعدين هم سمارة حبيب وكارولين فيرنانديز وميكي سيراك. وكانت معونة ريك ماثيوز وصموئيل سيغيف كبيرة في تدقيق الحقائق. وإن مداخلات فرانك كلارك وأماندا ساسمان ولينساي هندرسن حققت لي لقاءات هامة، في حين أن النقاشات المحتدمة مع جيرالدين شيرمان وروبرت فولفورد وأنا بورتر وأنا مورغان وأماتزيا بارام ودوغ سوندرز ودون حبيبي وطارق ونرجس فتاح قادتني إلى معارف هامة (ينبغي أن أُشير إلى أن الزوجين فتاح يختلفان تماما مع وجهة النظر التي أبديتها عن فلسطين، وكذلك مع ما أُوجهه من اتهام بوجود تواطؤ إسلامي مع الهولوكسوت (المحرقة). ويفضي هذا إلى سبب آخر للتعبير عن شكري لهما على عدم سماحهما للاختلاف الحاد بأن يُفسد في الود قضية). كما كان مهما في ثقافتي عملي مع منافذ إعلامية مختلفة بينها "غلوب أند ميل: Globe and Mail "، و"ستي تي في: Citytv "، و"ماكلينز: Maclean’s"، و"فيشن تي في: Vision TV "، و"ناشنال بوست: National Post "، و"غلوبال تي في: Global TV "، و"هيئة الإرسال الكندية"، و"هُورايْزُونْز: Horizons"، وفي المقام الأول "تي في أونتاريو: TVOntario" حيث للأفكار الكبيرة أهميتها.
إن الدعم الذي أبداه الأصدقاء في لحظات هبوط المعنويات هو ما أُثمنّه أعظم تثمين. وفي هذا المجال أخصُّ بالذكر سمانثا هايوود وأدريانا سالفيا وأندرو فيدوسوف وميشال لامورو ومايكل سافج وعصبة بوشكونغ لايك. أما الذين لا يجدون أسماءهم في هذه القائمة المختصَرة فبإمكانهم التعويل على وجبة عَشاء على حسابي (لم أذكر إلا أكثر الأصدقاء بذخا لكي لا ينتهي بي المطاف إلى الإفلاس). وبمناسبة الحديث عن تفادي الإفلاس فمنِّي أعمق التقدير لوكيل أعمالي مايكل لايفاين وساعده الأيمن، ماكسين كوينغلي".
هذا ما كتبته المدعوّة إرشاد مانجى الباكستانية الكندية فى كلمة الشكر التى صدَّرتْ بها كتابها: "مشكلة الإسلام اليوم"، وهو الكتاب التى تقول إنها كتبته لكى تساعد المسلمين على الخروج من مستنقع التخلف الذى هم فيه، والذى تصوِّر نفسها عبر صفحاته على أنها فقيهة مجتهدة تعمل على تقديم فهم متنور للقرآن والإسلام يناسب العصر ويضمن للمسلمين أن يتبوأوا المكان الذى ينبغى أن تشغله الأمم المتحضرة. وكما يقولون فأول القصيدة كفر، إذ إن الشكر الذى وجهته الكاتبة لله سبحانه وتعالى هو شكره على أنه قد وهبها ميشيل. أتدرون من
(يُتْبَعُ)
(/)
ميشيل؟ إنها صديقتها التى تعيش معها كما يعيش أى رجل وامرأة متزوجين، وتمارس معها السِّحاق. والذى فهمتُه أنها هى الفاعلة، وميشيل هى المفعول بها، علاوة على أن منظرها أقرب إلى الذكورة منه إلى الأنوثة، كما أن التمرد الذى تبديه والاقتحام الذى تعمل على إحداثه فى جدار الحصن الإسلامى لا يناسب الجانب السلبى من الشذوذ الجنسى، أى لا يناسب المفعول بل الفاعل. لعنة الله على الفاعل والمفعول والمرفوع والمنصوب والمشبوح جميعا وكل أبواب النحو الخاصة بالفاعلين (ونواب الفاعلين بالمرة فوق البيعة من أجل خاطر هذه الشاذة ومن يشاكلها، وكثيرٌ ما هُمْ، وكثيراتٌ ما هُنّ بين الملاحدة والمتواطئين مع أعداء الإسلام، وهو ما كنت أردده دائما ويستغربه منى بعض من لا علم لهم بطبيعة هذه النفوس الوضيعة، ويتأكد لى كل يوم أثناء تقليبى فى حيوات المتمردين والمتمردات على دين محمد الكريم، هذا الدين الذى لا يحبه إلا من كان كريما مثله). قلت: لعنة الله على الفاعلين وعلى نواب الفاعلين. ولعنة الله كذلك على المفاعيل، سواء كانت مفعولا به أو فيه من أمثال ميشيل، ننّوسة عين الباجسة المتمردة السليطة اللسان النجسة المعتقد والقلب، أو مفعولا لأجله، أى الغربيين والصهاينة وأجهزة مخابراتهم. ولقد افتتحت السحاقية كتابها بذكر شذوذها والمفاخرة به، وإلا ما تنبهتُ إلى مغزى الشكر الذى وجهتْه إلى الله والثناء الذى أغدقته على ميشيل فى النص السابق، ولظننتُ العلاقة بينهما مجرد صداقة عادية كأية علاقة من هذا النوع بين فتاتين أو امرأتين طبيعيتين!
وهذا ما قالته البنت المفعوصة التى ضحكوا عليها وأوهموها أنها ستكون مجتهدة الإسلام للقرن الخامس عشر للهجرة، عصر اللوطيين والسحاقيات فى الغرب وأمريكا وكندا، و"يا ما فى جراب الحاوى"، وما أكثر ما ستَرَوْنَ أيها المسلمون من البهلوان الأمريكى العجيب وأرانبه وكتاكيته، وكذلك خنازيره، التى يخرجها من كمه (أو من قبعته. لا فرق، المهم أنه يخرجها والسلام، وإن كان العرض البهلوانى لا يبعث على السرور، بل على الغم والهم والرعب لأنه عرض الدمار والخراب والقتل والأحقاد الشيطانية المتسكنة فى قلوبهم السُّود لم تبرد أو يهدأ لها أُوَار على مدى القرون الطوال من عينة ما تَرَوْنه فى فلسطين وأفغانستان والعراق، والبقية تأتى، لا جعلها الله تأتى رغم أننا لا نستحق أن يعفينا الله من العقاب، فنحن المغفَّلون والخونة لأنفسنا بامتياز! هل رأيتم أمة تقدم رقابها للذبح إلى الجزار راجيةً إياه أن يشرّفها بالقتل بسكينه المتحضر، ومعطيةً إياه المال بالمليارات، ومزودةً إياه بالجنود والمخابرات، كى يستطيع إتمام المهمة؟ إذا لم تكونوا قد رأيتم أو سمعتم، فالمثَل الحىّ أمامكم. إنه نحن: أنا وأنتم على السواء!). أقلت إنهم ضحكوا عليها وأوهموها؟ لا ضحك ولا يحزنون، بل هو مجرد تعبير تقليدى مما يجرى على اللسان والقلم دون قصد، لأن أمثالها إنما يذهبون إلى وكر الشيطان بملء حريتهم، تحفزهم إلى ذلك النجاسة المشتركة والخبث المنحط الذى يربط بينهما! قالت شيخة إسلام آخر زمن دون أن يختلج لها جفن أو تعتمل فى أعماقها رفّة ندم أو حياء إن هناك سؤالين تريد أن تطرحهما مدخلا لاجتهادها الفقهى فى هذا الكتاب، ثم تبدأ بالسؤال الأول قائلة: "كيف يمكن التوفيق بين المِثْلِيّة والإسلام؟ فأنا سحاقية بصراحة (أّنْعِمْ وأَكْرِمْ!). وأختار "الإفصاح" عن توجهي الجنسي لأني بعدما نشأتُ في بيت تعيس برعاية أب يحتقر الفرح، لستُ الآن بصدد تخريب الحب المتبادل الذي يمنحني البهجة في سن البلوغ. التقيتُ أولى صديقاتي في العشرينات من عمري، وبعد أسابيع أخبرتُ أمي بالعلاقة. استجابتْ كعهدي بها أمًّا حنونًا (يا للحنان الأموى الرهيف! ألذلك جُعِلَت الجنة تحت أقدام الأمهات؟). وبالتالي فان مسألةَ ما إذا كان بمقدوري أن أكون مسلمة وسحاقية في الوقت نفسه بالكاد كدَّرتني. فذاك دين، وهذه سعادة. وكنتُ أعرف أيهما أحتاج أكثر (وهل فى ذلك ريب؟ السِّحَاق طبعا!). واصلتُ حياتي أدرس الإسلام بصورة متقطعة، وأتعلم الفن الجميل لإقامة علاقات مع النساء (موضوع كتاب آخر بحد ذاته)، وأنتج برامج للتلفزيون، وأعيش على العموم الحياة متعددة الاتجاهات لشابة في العشرين ونيف في أميركا الشمالية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعندما جعلني عملي في التلفزيون شخصية عامة أكثر شهرة تطوَّر أملي في التوفيق بين مثليَّتي والإسلام إلى واحد من انشغالاتي. وكان المشاهدون يريدون مني أن أُبرِّر حالتي الاستثنائية في الجمع بين هويَّتين. وقد دُفِعْتُ إلى نوبة حادة من المراجعة، بل راودتني حتى إمكانية التخلي أخيرا عن الإسلام من أجل الحب. اسمعوا: أيُّ حافز أفضل من هذا الحافز للتضحية بأي شيء؟ ولكني كلما أصل إلى حافة إقصاء نفسي كنتُ أتراجع، لا بدافع الخوف وإنما من باب الإنصاف، إنصاف نفسي. وكان سؤال واحد يتطلب مزيدا من التفكير: إذا كان الله العليم القدير لا يريد أن يجعلني سحاقية فلماذا خلقني سحاقية؟ (صحيح: لماذا؟ أسعفينا بالجواب، جزاك الله عنا خيرا) هل خلق أحدا آخر بدلا مني؟
التحديات العدائية لـ"تبرير نفسي" أصبحت حدثا يكاد يكون يوميا بعد عام 1998. ففي ذلك العام بدأتُ أستضيف برنامج "تلفزيون شاذ: Queer Television"، وهو مسلسل تلفزيوني يُبَثّ على الإنترنت أيضا عن ثقافَتَيِ المثليين والسحاقيات. وكان البرنامج يتعلق ببشرٍ مثلنا بعيدا عن الإباحية والخلاعة. ومع ذلك فإن مسلمين أتقياء انضموا إلى أصوليين مسيحيين في الاحتجاج ضد ظهوري على شاشات تلفزيوناتهم. وفي الواقع أني ما كنتُ أتوقع أقل من ذلك، ولكن هل كنتُ من السذاجة كي أتوقع أكثر قليلا من ذلك: مناظرة بدلا من مجرد الإدانة؟ ".
ولعل القارئ لم يفته أن الذين وقفوا يعضّدون هذه السحاقية كلهم من الغربيين واليهود، وأن الذين شجعوها على تأليف الكتاب ووفّروا لها الجو والمراجع والمال وراحة البال (مع مستلزمات ممارسة الشذوذ الجنسى بدءًا بميشيل، وانتهاءً بما لا أدرى ماذا) ونشروه لها هم مسؤولو دار "راندم هاوس: Random House"، وهى دار نشر يهودية. وبالمناسبة فالكتاب قد تُرْجِم إلى كل اللغات الرئيسية فى القارات الخمس، ويوزَّع الآن فى كل أرجاء الأرض على أوسع نطاق مع أنه الكتاب الثانى فقط الذى يحمل اسمها. فإذا أضفنا أنه يفيض بالتغزل فى اليهود والأمريكان، والغرب بوجه عام، ويرمى المسلمين والإسلام ورسوله وإلهه بكل نقيصة من أجل سواد عيونهم (أو زرقتها على الأصح) اتضحت لنا ملامح الصورة، وعرفنا أسرار ما يجرى خلف الأستار! ولكى نزوِّد القارئ بعينة سريعة مما تلقته من تربيةٍ فى صباها تلك البنتُ السحاقية التى يَسْعَوْن لتكون أول شيخة إسلام فى التاريخ، وكذلك أول من يلبس من المشايخ الطاقية اليهودية بدلا من العمامة)، لكى نزود القارئ بعينة مما تلقته من تربيةٍ فى صباها هذه البنتُ التى تشتم المسلمين فى كل صفحة من صفحات كتابها وتشنِّع عليهم وعلى دينهم ولا ترى فيه أو فيهم إلا كل شر وقبح وغباء، مثلما لا تستطيع أن تبصر فى اليهود والغربيين ودينهم إلا كل ما هو نبيل كريم ذكىّ متحضر، أَسُوق هذه السطور من حديثها عن المدرسة النصرانية التى أخذت تتردد عليها فى بيئتها الجديدة التى انتقلت إليها أسرتها إثر مغادرتها أوغندا فى أيام عيدى أمين حسبما تقول:
"بعد عامين على استقرار عائلتي اكتشف والدي توافر خدمات مجانية للعناية بالأطفال أثناء غياب الوالدين، في كنيسة "روز أوف شارون المعمدانية Rose of Sharon Baptist : Church" ( ما أن تقول كلمة "مجانا" للمهاجر حتى تتراجع الانتماءات الدينية إلى موقع ثانوي أمام الصفقة المتاحة في اليد). وكلَّ أسبوع عندما كانت والدتي تغادر المنزل لبيع منتجات "إيفون" بالطواف على البيوت كان والدي، الذي لا يكن حبا كبيرا للأطفال، يترك صغاره في الكنيسة. وهناك كانت السيدة الجنوب آسيوية المشرفة على دراسة الكتاب المقدس تُبْدِي من الصبر معي ومع شقيقتي الأكبر سنًّا ما تُبْديه مع ابنها الذي من دمها ولحمها. وهي التي غرست فيّ القناعة بأن أسئلتي كانت جديرة بأن تُسأل. وبديهي أن الأسئلة التي كنتُ أطرحها طفلةً في السابعة من العمر ما كان لها إلا أن تكون أسئلة بسيطة: من أين أتى المسيح؟ متى عاش؟ ماذا كان يشتغل؟ ممَّ تزوج؟ هذه الأسئلة لم تضع أحدا في مأزق، ولكن مقصدي أن فعل السؤال، ثم السؤال، كان دائما يَلْقَى ابتسامة أخَّاذة.
(يُتْبَعُ)
(/)
لعل هذا هو الحافز وراء فوزي، في الثامنة من العمر، بجائزة "أفضل المسيحيين الواعدين لهذا العام". وكانت جائزتي طبعة مصورة بألوان زاهية لمائة قصة وقصة من الكتاب المقدس. أنَظْرُ إلى الماضي الآن وأحمدُ الله أن المطاف انتهى بي في عالمٍَ لا يتعين أن يكون القرآن كتابي الأول والأوحد فيه كأنه الغذاء الروحي الوحيد الذي تقدمه الحياة إلى المؤمنين. زد على ذلك أن طبعة الـ 101 قصة من الكتاب المقدس سحرتني بصورها. كيف ستبدو 101 قصة من القرآن؟ في حينه لم أرَ شيئا من هذا القبيل. واليوم ليس هناك شُحٌّ في كتب الأطفال التي تتناول الإسلام بما فيها كتاب "حرف الألف مفتاح لكلمة الله" من تأليف يوسف إسلام (المعروف سابقا باسم كات ستيفينز: Cat Stevens)، فالمجتمعات الحرة تتيح إعادة اختراع الذات وتَطَوُّر الديانات. بعد فترة وجيزة على فوزي بلقب "أفضل المسيحيين الواعدين" اقتلعني والدي من الكنيسة، فإن مدرسة دينية إسلامية جديدة ستُفتَح قريبا، وهذه المتشاطرة الصغيرة لا تستطيع الانتظار. وقياسًا على تجربتي في مدرسة أيام الأحد ستكون المدرسة الإسلامية مسلِّية، أو هكذا افترضتُ ببراءة". ولست بحاجة إلى أن أوضح للقارئ أن المدرسة الإسلامية التى أخذت تتردد عليها السحاقية البريئة الطاهرة أعطتها خازوقا كبيرا، إذ طلعت مدرسة "تقرف الكلب" كما صوَّرَتْها! وهذا أمر طبيعى تماما، وهل كان يمكن أن نتوقع غيره فى حالة تلك البائسة؟
وكنت قرأت منذ وقت قريب كتاب "النوافذ المفتوحة" الذى يترجم فيه شريف حتاتة لنفسه، وهو شيوعى معروف، فلفت نظرى منه أشياءُ مما لفت نظرى فى كتاب إرشاد مانجى ككراهيته للإسلام وشعائره، والرقة فى ذات الوقت مع الديانات الأخرى، فهو مثلا يتقبل كل الأصوات العالية المزعجة فى قريته التى عاد للحياة فيها بعد أن تقدمت به السن، اللهم إلا صوت الأذان، الذى ينعته بالتشنج والوعيد، ويرى فى علوّه دليلا على الجهل والكذب والنفاق، مع أن مبلغ علمى أن الأذان فى قريتهم هو نفسه الأذان فى قريتى وفى كل القرى والمدن المصرية والعربية والإسلامية، وأنهم فى مساجدهم يقولون مثلما نقول: "حى على الصلاة، حى على الفلاح"، ولا يقولون: "هيا يا أوغاد! تعالَوْا يا أوباش! إلى الصلاة يا غجر! لعنكم الله أيها المجرمون! " مثلا. ثم إننى لا أدرى كيف يمكن أن يكون الأذان خفيضا. أتراه يريد من المؤذنين أن يظلوا يصعدون فى المئذنة حتى تنقطع أنفاسهم، ثم بعد ذلك يكتفون بالهمس به فى أكمامهم لا يُسْمِعونه أحدا؟ ومما لفت نظرى عنده أيضا المباهاة دائما، بمناسبة وبغير مناسبة، بتربيته الإنجليزية المتحضرة على يد أمه (وإن لم ينس أيضا ذكر خليلات أبيه وإدمانه للقمار وكثرة مشاجرتها له بسبب مصروف البيت)، وأنه قد تلقَّى تعليمه أثناء صغره فى مدرسة نصرانية، وتحمّس لديانة الصليب وفكّر فى اعتناقها فى تلك السن وفى تهيئة نفسه للقُسُوسة عندما يكبر لولا أن سارع أبوه بسحبه من المدرسة وتحويله لمدرسة أخرى. كما أن الإطار اليهودى موجود أيضا فى حالته، إذ كانت أمه الإنجليزية الجنسية ذات جذور يهودية، وإن كانت قد تنصَّرت تبعًا لأهلها، ثم أعلنت إسلامها بعد زواجها من أبيه ومجيئها إلى مصر، فشكَّك هو فى هذا الإسلام مُرْجِعًا إياه إلى دوافع مصلحية، وهو ما لم يفعله حين أشار إلى تنصُّرها وتنصُّر أسرتها من قبل، بل تقبَّل الأمر تقبلا طبيعيا غير واجد فيه ما يدعو إلى التشكيك.
وكمثل كتاب مانجى أيضا هناك نصيب للشذوذ الجنسى فى كتاب "النوافذ المفتوحة"، فقد وصف لنا صاحبه بالتفصيل الحى، وبالصوت والصورة (واللمس أيضا) ما فعله به خادمهم النوبى فى صباه حين ... حين ماذا؟ يحسن أن يرجع القراء بأنفسهم إذا أحبوا كى يطالعوا اللوحة الناطقة التى رسمتها ريشة الكاتب لهذه الحادثة فلم تترك شاردة ولا واردة إلا أوردتها، حتى لهاث الخادم وهو يعمل عملته واحمرار عينيه وعملية الإنزال والمكان الذى تمت فيه من جسده وما أحسّه من دفء السائل اللزج على أفخاذه، وكيف ذهب إلى دورة المياه بعدها ليغسل المنىّ عن نفسه وملابسه، وقد أمسك بالسروال فى يديه بعد أن سقط عند قدميه، وكيف كان حذاؤه يصدر صوتا وهو يسير فى أرجاء البيت بسبب ما تسرب إليه من ماء أثناء التنظيف! وكنت قرأت فى الصيف الماضى كذلك كتاب "بيضة النعامة" لأحد
(يُتْبَعُ)
(/)
الشيوعيين المصريين، وفيه هو أيضا كلام عن انتشار الميول المثليّة بين الشيوعيين فى السجن وتلذذهم بذلك دون أى حرج على الإطلاق رغم ما يتظاهرون به أمام الناس من النفور من هذا الشذوذ، وهو ما أثار حنق الكاتب فاتهمهم بالنفاق والمراوغة، إذ يراهم يستنكرون فى العلن ما يأتونه فيما بينهم ولا يجدون فيه أدنى مؤاخذة، بل يُضْفُون عليه غلالة شاعرية دافئة!
كما ينتفض فى الذاكرة الآن ما قرأتُه أوائل ثمانينات القرن العشرين فى رواية نجيب محفوظ: "رحلة ابن فطومة" مما رآه بطل الرواية فى رحلته إلى البلاد التى ترمز فى الرواية إلى أوربا وأمريكا من تساهل المسلمين الموجودين هناك فى مسألة الخمر وقيام طائفة منهم بالتظاهر دفاعا عن ممارسة الشذوذ الجنسى. وقد أثار استغرابى ألا يجد المؤلف من مشاكل مسلمى الغرب ما يستحق معالجته إلا هذين الموضوعين، فضلا عما لاحظتُه من تعاطف الرواية مع هاتين النزعتين بشبهة الحاجة إلى تفهم ظروف المسلمين فى تلك البلاد وما يسودها من نزوع إلى الحرية، مع أن هاتين القضيتين هما آخر ما ينبغى أن يفكر المسلمون فى تقليد الغرب فيهما، إذ لا ينقصنا بحمد الله ألوان التقهقر حتى نضيف إليها ما يثبِّت تخلفنا ويضاعف الخلل لدينا. ومما أثار استغرابى فى الأمر أن مسألة اشتراك مسلمى الغرب فى تظاهرات المطالبة بحق ممارسة الشذوذ الجنسى لم تكن واردة آنذاك، بل لم أسمع أصلا، وأنا فى بريطانيا أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن المنصرم، أن هناك مسلمين شواذ، فضلا عن أن يتظاهروا من أجل تقرير حقهم هم وأمثالهم فى ممارسة اللواط والسحاق، بل لا أذكر أنه كانت هناك مظاهرات لهذا الغرض قام بها غير المسلمين. وهذه أول مرة أسمع بأن هناك مسلمين ومسلمات شواذّ فى كندا وأمريكا وأوربا يعضّدون سحاقيتنا هذه ويشتركون فى مؤتمرات خاصة بالشذوذ الجنسى ويتصلون بها أثناء تقديمها برنامجها الشاذ فى التلفاز يظاهرونها على ما تقوله وتدعو إليه، ولهم منظمة تدبّر شؤونهم ... إلخ.
من أين استمد نجيب محفوظ إذن فكرته هذه الاستباقية؟ أنقول إنها عبقرية الإبداع الأدبى التى تستبصر المستقبل قبل وقوعه؟ لكن مبلغ علمنا أن الأستاذ محفوظ لم يكن يوما من "ضاربى الودع"، بل إنه لم يسافر قط إلى أوربا أو أمريكا، فما الذى لَمَّ الشامى على المغربى وجعل شيخ الروائيين العرب وتلك المفعوصة الشاذة ينزعان عن قوس واحدة رغم تنائى الزمان والمكان والبيئة والخُلاّن! ألا إنه لأمر غريب! لقد كتبت دراسة تحليلية لرواية "رحلة ابن فطومة" يجدها القارئ فى الفصل الأخير من كتابى: "فصول من النقد القصصى" فى أواسط الثمانينات من القرن الماصى، أبديت فيها استغرابى لموقف عمنا الكبير، ولم يكن فى حسبانى أن هناك فصلاً آخر لم يئن أوانه بعد سوف أطلع على أحداثه على موقع من مواقع المشباك بعد نحو عشرين عاما. ولعلنا كذلك لم ننس ما كتبه توفيق الحكيم فى أخريات حياته عن أفلام ممارسة الجنس التى شاهدها فى إحدى سفرياته الأخيرة إلى "عاصمة النور" فى ذلك الوقت، والهالة المتألقة التى رسمها لجو الوقار والاحترام الذى يقول إنه كان يسود صالة العرض آنذاك، وكأن المشاهدين فى محراب علم، ودعانا إلى أن نتأسى بالفرنسيين فى سلوكهم هذا الوقور المحترم! وبالمثل ينبغى ألا ننسى شغف الروايات التى يحبِّرها جمال الغيطانى بالشذوذ الجنسى لدرجة أنه فى إحدى رواياته قد تريث عند مضاجعة أحد الفحول لصحفى (أو وزير. لا أذكر بالضبط)، وبالصوت والصورة أيضا. كما قرأت لفاروق عبد القادر فى كتابه الذى صدر العام الماضى فى سلسلة "كتاب الهلال" أن الغيطانى فى رواية أخرى من رواياته قد أخذ راحته على الآخر فى وصفٍ عجائبىٍّ (أرجو مسامحتى على استخدامى لهذا المصطلح الذى يتهوَّس به الحداثيون) لِذَكَر بطل الرواية يدل على خيال غير طبيعى. لا بأس أيها القراء، فنحن فى مولد للشذوذ الجنسى. شىء لله يا مولد!
(يُتْبَعُ)
(/)
ونعود الآن إلى شيخة الإسلام السِّحاقيّة لنقلِّب حججها الشاذة التى تشهرها فى وجوه خلق الله الأسوياء فى الدفاع عن انحرافها إلى مضاجعة مثيلاتها من بنات حواء بدلا من الزواج برجل كما تفعل سائر إماء الله الطبيعيات: "ترى إذا كان الله العليم القدير لا يريد أن يجعلني سحاقية فلماذا خلقني سحاقية؟ وكيف يمكن للقرآن أن يستنكر في آنٍ واحدٍ المثليةَ ويعلن أن الله يخلق كل شيء على أحسن تقويم كما جاء فى الآيتين6 - 7 من سورة "السجدة": "ذلك عالِم الغيب والشهادة العزيز الرحيم* الذي أحسن كلَّ شيء خلَقَه، وبدأ خَلْق الإنسان من طين"؟ كيف يفسر مَنْ ينتقدونني حقيقة أن الله، حسب الكتاب الذي يلتزمون به التزاما صارما، خلق عن سابق إصرار ما في العالم من تعددية أخَّاذة، وكما جاء فى الآية 26 من سورة "ص": "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا. ذلك ظنُّ الذين كفروا، فويلٌ للذين كفروا من النار"، وما جاء كذلك فى الآية 48من سورة "آل عمران" على لسان مريم عليها السلام: "قالت: ربِّ، أنَّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر؟ قال: كذلكِ الله يخلق ما يشاء. إذا قضى أمرا فإنما يقول له: كن، فيكون"؟ ".
ومن بين الحجج التى شهرتها فى وجوه الأنقياء الذين لا يشاطرونها هذا الدنس قولها عن الرسائل التى تلقتها تعليقًا على إحدى حلقات برنامجها المرنائى الذى تقدّمه فى التلفاز الكَنَدىّ عن اللوطيين والسحاقيات والدفاع عن ميولهم المنحرفة والعمل على ترويجها بين الطبيعيين الذين لم تتلوث فطرتهم الأصلية بهذا القَذَر المنتن: "كلما كنتُ أبثّ تعليقات معادية للمثليين من مسيحيين يستشهدون بالكتاب المقدس، كان من المحتم أن يعقبهم مسيحيون آخرون بتأويلات متسامحة مضادة. هذا لم يحدث قَطّ عندما كان مسلمون يتهجمون عليّ، إذ لم يكن هناك شك، على ما يبدو، في أن المتهجمين ينطقون باسم الإسلام، كل الإسلام. ولا يعني هذا أن المسلمين كافةً دون استئناء يعترضون على المثليين، فإن "الفاتحة" (من الافتتاح الذي يفيد معنى الصدارة في الطليعة) هو اسم مجموعة من المثليين المسلمين لديها فروع في مدن كبرى في عموم أميركا الشمالية وأوروبا. وفي تورنتو على الأقل يحقق حفلُ عشائها السنوي حضورَ بعض الآباء والأمهات المسلمين. ولكن حتى إذا كان الكثير من المسلمين لا يشاطرون إسلامَ الاتجاه السائد أحكامَه المتحاملةَ فإننا لسنا بالعدد الكافي لفتح حوارات مع الاتجاه السائد، وإلا كيف نفسر السبب في أنه ما من مسلم واحد كتب إلى برنامج "تلفزيون شاذ" أو اتصل به ليسوق تأويلا بديلا رحيما للقرآن؟ ".
ومن هنا كان الإسلام، حسبما أفتت شيخة الإسلام السحاقية، "أكثر جمودا اليوم من نظيريه الروحيين: المسيحية واليهودية ... ما كنتُ أعرفه أن المؤمنين في الديانات التي خضعت تاريخيا للإصلاح لا يتصرفون قطعا بعقلية القطيع كما يتصرف المسلمون. فالقادة المسيحيون يدركون التنوع الفكري في صفوفهم. وفي حين أن لكل منهم أن ينفي صلاحية التأويلات الاخرى، والكثير منهم ينفونها، فلا أحد منهم ينكر وجود جملة كاملة من التأويلات. أما اليهود فهم متقدمون بمسافة بعيدة عن الباقين. والحق أن اليهود يشيعون الاختلافات القائمة بإحاطة نصوصهم المقدسة بالتعليقات ودمج المناظرات بالتلمود نفسه. وعلى النقيض من ذلك فإن غالبية المسلمين يتعاملون مع القرآن على أنه وثيقة تُحاكَى ولا تؤوَّل خانقًا قدرتنا على التفكير المستقل". يعنى بالعربى الفصيح أن على المسلمين خلط قرآنهم بما يقوله شيوخهم حتى يصبح البساط أحمديا ويبقى زيتنا فى دقيقنا كما صنع الحاخامات اليهود بالتوراة فى تلمودهم. وبهذه الطريقة لا يكون أحد أحسن من أحد. أى أن على المسلمين مداواة داء اليهود بأن يصابوا به هم أيضا بحيث يفضّونها سيرة فلا يرتفع لهم بعد ذلك صوت فى التنديد بما أحدثه اليهود والنصارى من تحريف فى كتابهم، إذ من ذا الذى يمكن أن تواتيه نفسه عندئذ من المسلمين على أن يفتح فمه بكلمة انتقاد واحدة لأهل الكتاب؟ والله لقد احترنا واحتار دليلنا مع هؤلاء الناس! إنهم يوجعون دماغنا ليل نهار فى إفهام أمخاخنا الزَّنِخَة أن القرآن والحديث فقط (أو القرآن وحده، وطُظّ فى الحديث!) هو الذى ينبغى أن نتمسك به، أما أقوال حاخاماتنا (أقصد مشايخنا. حاجة تبرجل المخ، صحيح!) فهى بنت عصرها
(يُتْبَعُ)
(/)
الذى لا يصلح أن يكون معيارا لعصرنا. وها هم أولاء الآن يعودون فينادون بأن نخلط أقوال مشايخنا بالقرآن الكريم حتى يصبح لنا تلمود كما لليهود تلمود، ولا نشعر بالدونية تجاههم. يا جماعة، ارسوا على برّ: نفتح الشباك أم نغلق الشباك؟ ولا إخال القارئ بحاجة إلى أن أقول له إن الهدف فى الحالتين جميعا هو قطع رقبة الإسلام، كلٌّ بطريقته وسِكِّينه!
ومما له مغزاه فى هذا السياق أنها قد وضعت على رأس الفصل الثانى الذى نقلنا منه النص السابق هذا العنوان الموحى: "سبعون حورية". وهذا أمر طبيعى، إذ إن سحاقية مثلها لا يمكن أن تعجبها جنة المسلمين النظيفة التى يستمتع فيها أهلها الاستمتاع الفطرى الطاهر، وتريدها أن تكون جنة شاذة يمارَس فيها اللواط والسحاق، وبالمرة "السادية والمازوكية" (ولم لا؟ هل سندفع لهم شيئا من جيبنا؟)، وذلك حتى تكتمل القعدة وتحلو وتصبح آخر صهللة! وإلا فكيف يستمتع الشواذ بجنة ينقصها تلك الأطباق المتبَّلة التى لا يكون طعام الشواذ شهيًّا بدونها كما تقول كتبهم وأفلامهم وأدبهم؟ (آسف! أقصد قلة أدبهم!). ومما له مغزاه أيضا ألا يجد اللواطيون والسحاقيات اسما يطلقونه على منظمتهم الشاذة إلا "الفاتحة" (أول سورة فى القرآن الكريم) محاولةً منهم وممن وراءهم تدنيس طهارة المصحف (مثلما لم يجد سلمان رشدى اسما يطلقه فى روايته: "الآيات الشيطانية" على الماخور الذى يزعم أنه كان موجودا على أيام الرسول إلا "الحجاب"، وهو ماخور يضم تسع نساء يسمَّيْن: عائشة وحفصة وزينب بنت خزيمة ... إلى آخر الأسماء الكريمة لأمهات المؤمنين الطاهرات)، وإن زعمت السحاقية أن اسم منظمة المثليين مأخوذ "من الافتتاح الذي يفيد معنى الصدارة في الطليعة"! ومرة أخرى نجد أنفسنا فى هذا السياق مع التقدميين والشيوعيين، فهم الذين يسمّون أنفسهم بـ"الطليعة" و"الطليعيين"! وبالمناسبة فقد كان الشيوعيون أيضا من بين من رفعوا أصواتهم حتى بُحَّتْ حناجرهم دفاعا عن حق سلمان رشدى فى ممارسة إبداعه، مثلما كانوا على رأس من هبّوا لنصرة حيدر حيدر وتمجيد روايته: "وليمة لأعشاب البحر"، التى حشد فيها كل قواه لدفع الفتاة المسلمة إلى الزنا وإغرائه لها بمقارفته بذريعة أنها إنما تحطم بهذا الانحرافِ البائسِ قيودَ المجتمعِ المسلمِ الرجعىِّ المكبلةَ لحريتها، وتمارس حقها الطبيعى فى الاستمتاع بجسدها كما يحلو لها دون زواج، كما أنه لم يترك شيئا يعتز به المسلمون إلا تعمد إهانته وسبَّه وتحقيره: بدءا من الله سبحانه وتعالى، ومرورًا بالرسول الكريم والقرآن المجيد الذى جاء به، وانتهاء بالشريعة والعبادات!
على أننا إذا أتينا إلى حُجّتها (أو بالأحرى: شُبْهتها) التى تسوغ بها شذوذها السحاقى وجدناها تردد كلام المشركين الذين كانوا إذا دعاهم الرسول الأكرم إلى نبذ كفرهم وأوثانهم أجابوه فى عناد غبى: "لو شاء اللهُ ما أشركنا ولا آباؤنا، ولا حرَّمْنا من شىء" (الأنعام/ 148). وعجيب أن تردِّد سحاقيتُنا هذا الكلام البدوى المتخلف، وهى التى لا يعجبها الإسلام لأنه، كما تقول بسلامتها، دين قبلى (مثلما لا يعجب البقرةَ الجاحظةَ فتسميه: "ثقافة البعير". ما علينا! خَلِّنا فى إرشاد، فنحن فى غنى عن إضافة بلوى جديدة إلى بلايانا). إننا لو اتبعنا منطق "إرشاد" (لاحظوا أيها القراء كيف أن أحوال هذه البنت كلها معكوسة، فهى تسمَّى: إرشاد، على حين أنها كلها إضلال فى إضلال)، أوقل: إننا لو اتبعنا منطق "إضلال" هذه فلن يكون لذلك من معنى إلا أن نترك أمور الدنيا كلها على ما هى عليه، بحجة أن هذا هو خلق الله. وعلى هذا فلا ينبغى أن نكافح فقرا أو مرضا أو فوضى أو وساخة أو جلافة أو جهلا، أو نسعى إلى تغيير أى شىء أو أى وضع، فهكذا هى الدنيا التى خلقها الله، وإلا فلو كان الله يريد منا أن نغير فيها شيئا لكان قد غيره هو بمعرفته منذ البداية! ثم لماذا كتبت هى كتابها هذا؟ أليست كتبتْه لدعوة المسلمين إلى أن يتغيروا؟ طيب، ماذا لو أن المسلمين طقّتْ فى دماغهم، ولهم عندئذ كل الحق، وقالوا: راسنا وألف برطوشة قديمة لا تغيُّر ولا تغيير؟ فالله قد خلقنا هكذا، بالضبط مثلما خلق إرشاد مانجى سحاقية، ولا يصح أن يفكر أحد فى تغيير خلقة الله، لأنه سبحانه وتعالى لو كان يريد منا أن نتقدم ونتحضر ونَحُوز رضا المفعوصة السحاقية ومن
(يُتْبَعُ)
(/)
يقفون وراءها ويَؤُزُّونها علينا لَغَيَّرَنا هو بنفسه ولما أحوجَنا إلى تجشم كل هذا التعب وخوتة الدماغ! هذا هو المنطق الذى تتبعه شيخة الإسلام الجديدة! أم تراها قائلة: "إن هذه الحجة لا تصلح إلا لتسويغ السحاق فحسب، وعندى أنا وحدى، ومن بعدى الطوفان؟ ". لكن فاتها أن المبدأ الأخلاقى لا بد أن يتميز بالشمولية، فإما أن نأخذ به فى كل مجالات الحياة ونعمِّمه على كل الناس، وإما أن نطرحه بعيدا عنا غير مأسوف عليه.
إن الله قد خلق كل شىء فأحسن خلقه فعلا، لا يشاحّ أحد من المؤمنين فى هذا ولا طرفة عين، إلا أن المقصود بالآية الكريمة هو عكس ما تقوله هذه السحاقية تماما، فالله عندما خلق البشر إنما خلقهم ذكرا وأنثى ليتزاوجوا لا ليلوطوا ويتساحقن، ثم لم يكتف سبحانه بهذا، بل حذرهم اللواط والسحاق ونبههم إلى أن هذا الانحراف إنما هو رِجْسٌ من لدن الشيطان، الذى يوسوس فى صدور بنى آدم فيُصِيخون له أو يُعْرِضون عنه حسبما يختارون فى ضوء ما سبق تنبيههم إليه وما يراه العقل السليم الذى لم يلوثه الهوى المأفون والشهوة المنحرفة المنحطة. لكن سحاقيتنا تريد منا أن نعبث بالقرآن كما عبث أهل الكتاب بكتابهم كى نحلل لها ما هى مرتكسة فيه من شذوذٍ مُنْكَرٍ وَسِخ، وإلا هددتْنا بترك الإسلام، وكأن تركها الإسلام سيقلب موازين الدين والحياة رأسا على عقب! أو كأن الإسلام يريد بقاء هذا العفن فى بيته المعطَّر النظيف، أو كأنها لا تزال مسلمة بعد كل الذى قالته فى حق الله والرسول والقرآن، وبعد كل الذى أتته وتأتيه وتدعو إليه من تصرفات وأفعال شائنة تبعث على القىء! لا يا شيختاه، الإسلام فى غنى عنك وعن شذوذك، فهو كما قلنا دين طاهر كريم، وإلهه طيب لا يقبل إلا طيبا. وما دمت تحبين اليهود وتتفتتين وتذوبين فى هواهم وترَيْنَهم أفضل الخلق، فلماذا تتعبين قلبك مع المسلمين "أولاد الذين" بدلا من أن تأخذى الطريق من قصيره وتلتحقى بسلالة يعقوب الذين يناسبونك ويوافقونك بما سجله عليهم العهد القديم من مخزيات، بدلا من أولاد إسماعيل المفقود منهم الأمل، وكفى الله اللوطيين والسحاقيات متاعب تأليف الكتب وإعداد البرامج التلفازية فى الدعوة إلى الشذوذ؟
لقد سبق أن سمعناها تقول ما تقول فى الموازنة بين الإسلام والشذوذ الذى ابتُلِيَتْ به، وبدلا من أن تستتر بهذه العورة الأخلاقية نراها تجاهر بها وتفاخر وتتهم الأطهار الشرفاء فى أذواقهم وعقولهم وعقيدتهم وتهدد بأنه إما أن يوافق المسلمون على سحاقيتها، وإما أن تترك الإسلام: "عندما جعلني عملي في التلفزيون شخصية عامة أكثر شهرة تطوَّر أملي في التوفيق بين مثليّتي والإسلام إلى واحد من انشغالاتي. وكان المشاهدون يريدون مني أن أُبرِّر حالتي الاستثنائية في الجمع بين هويَّتين. وقد دُفِعْتُ إلى نوبة حادة من المراجعة، بل راودتني حتى إمكانية التخلي أخيرا عن الإسلام من أجل الحب. اسمعوا: أيُّ حافز أفضل من هذا الحافز للتضحية بأي شيء؟ ". وها هى ذى تكرر هذا المعنى بطريقةٍ غير مباشرةٍ مفهمةً إيانا أنها إن كانت لا تزال حتى الآن مسلمة فذلك بفضل سعة الأفق والتفهم الذى تجده فى القارة الأمريكية ليس إلا. تقصد أنهم لا يجدون فى شذوذها عِوَجًا ولا أَمْتًا، بل يحبونها ويشجعونها ويفتحون لها التلفاز على مصراعيه لتطل من شاشته بطلعتها البهية، وتنشر على الملإ دعوتها السحاقية اللواطية: "روح الاستطلاع هذه هي الهواء الذي أشعر بالامتنان لأميركا الشمالية عليه. ففي كثير من بقاع العالم الاسلامي، إذا كان المرء أكثر مما مقرر له أن يكون، تكون قيمته أقل. وفي كثير من أميركا الشمالية يتمتع المسلمون بالحرية في أن يكونوا ذوي أبعاد متعددة. وهذه هي حال أُناس من شتى الأعراق. وكان من ضحايا 11 سبتمبر (أيلول) في نيويورك الأب ميكال جادج، وهو قس كاثوليكي مِثْلِيّ نعاه الإطفائيون الذين رعاهم طيلة سنوات (قطَّعْتِ قلبنا يا شيخة على هذا القس المأبون!). تعددية البشر، تعددية الأفكار. ولكم أن تجدوا العلاقة بين الاثنين. أنا وجدتُها، وهذه العلاقة أنقذت إيماني بالإسلام، حتى الآن. لو نشأتُ في بلد مسلم لصرتُ على الأرجح ملحدة في قرارة نفسي. ولأني أعيش في هذا الركن من العالم حيث أستطيع أن أُفكر وأختلف وأغور أعمق في أي موضوع، فقد تعلمتُ لماذا ينبغي أن لا أفقد
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمل بالإسلام بعد". إنها تحمد لله على أَنْ لم تفقد الأمل بالإسلام بعد، فما زال الأمل يراودها فى أن تكسب المسلمين إلى صف دعوتها الشذوذية النجسة! ونحن بدورنا أيضا نحمد الله، الذى لا يُحْمَد على مكروهٍ سواه!
إن العاشقة المغرمة صبابة بميشيل تتساءل باستنكار: "كيف نفسر السبب في أنه ما من مسلم واحد كتب الى برنامج "تلفزيون شاذ" أو اتصل به ليسوق تأويلا بديلا رحيما للقرآن؟ ". وهى لذلك تتهم الإسلام بأنه "أكثر جمودا اليوم من نظيريه الروحيين: المسيحية واليهودية ... ما كنتُ أعرفه أن المؤمنين في الديانات التي خضعت تاريخيا للإصلاح لا يتصرفون قطعا بعقلية القطيع كما يتصرف المسلمون. فالقادة المسيحيون يدركون التنوع الفكري في صفوفهم. وفي حين أن لكل منهم أن ينفي صلاحية التأويلات الاخرى، والكثير منهم ينفونها، فلا أحد منهم ينكر وجود جملة كاملة من التأويلات. أما اليهود فهم متقدمون بمسافة بعيدة عن الباقين. والحق أن اليهود يشيعون الاختلافات القائمة بإحاطة نصوصهم المقدسة بالتعليقات ودمج المناظرات بالتلمود نفسه. وعلى النقيض من ذلك فإن غالبية المسلمين يتعاملون مع القرآن على أنه وثيقة تُحاكَى ولا تؤوَّل خانقًا قدرتنا على التفكير المستقل". باختصار تريد أن ينزل الإسلام على صوت انحرافها وشذوذها، وما هذا تكون الأديان. إن دينا يمهد الطريق لمزاولة كل منحرف انحرافه، وممارسة كل شاذ شذوذه، لا يمكن أن يكون دينا سماويا، بل دينا من لدن الشيطان.
إن الأديان، يا هذه، إنما جاءت لتهذب الغرائز وتحميها من الانحراف والانجراف، أما النفخ فى ضرامها فلا، إذ الشهوات والغرائز ليست بحاجة إلى من ينفخ فيها، فهى مشتعلة بطبيعتها، بل تحتاج إلى من يتعامل معها باحتراس ولباقة. كذلك لم تأت الأديان بمصادرة الغرائز. كلا لا يقول بهذا عاقل. وعلى أية حال لم يأت الإسلام بذلك، بل أتت به أديان أخرى، ولمّا لم تستطع أن تصادر الغرائز وتقمعها بلا رحمة أو هوادة استدارت من الناحية الأخرى وأرخت لها الزمام تماما وتركتها تفعل ما تشاء. والسحاقية المفعوصة تريد منا أن نتلاعب بدين محمد الصافى النقى كما تلاعب غيرنا بدينهم ونسمح لها بالسحاق، وللرجال ممن هم على سُنَّتها باللواط! إننا لو أخذنا بمنطقها هذا الشاذ المنحرف لما بقيت قيمة واحدة كريمة فى الأرض، بل لما بقى دين أو إسلام: فالقاتل الذى يجد لذة فى إزهاق النفوس البشرية سيطالبنا بأن نكون رحماء فنقدم له تأويلا لآيات القرآن الكريم التى تتوعد القتلة بنار جهنم يَقْلِب معناها بحيث تجوِّز له القتل، والسارق الذى يجد لذة فى اغتصاب ما عند الآخرين دون وجه حق سيطالبنا بأن نكون رحماء به ونقدم تأويلا لآيات القرآن الكريم التى تنادى بقطع يد السارق وتهدده بعقاب الآخرة يجعلها تسمح له، لا بتسلق المواسير، فتلك مهمة خطرة، بل بالدخول على أهل البيت الذى يريد سرقته من الباب وفى عز النهار، فيدخل ويقُشّ ما يريد قَشَّه ويخرج مشيعا بالدعوات والأمنيات الطيبة. ويا حبذا لو زاد كَرَمُ المؤوِّل حبتين فأوجب على أهل البيت أن يجهزوا للِّص ما يريد سرقته منهم بعد أن يتصل بهم قبلها بيومين بحيث لا يضيع وقته فى الانتظار فى الصالة، بل يذهب فيجد الصُّرَّة التى تحوى كل ما لذ وطاب مما غلا ثمنه وخف وزنه جاهزة، فيأخذها ويمضى لحال سبيله وهو يغنى "لحن الوفاء" لميشيل وعاشقة ميشيل، لكن بعد توزيعه توزيعا موسيقيا جديدا يناسب المرحلة! ترى هل تريد عاشقة ميشيل أن يكون عندنا آيات شيطانية تجرى على هذا النحو مثلا: "واللص واللصة أكرموهما وانزلوا لهما عما يريدان سرقته منكم، ومن يشفع ذلك بالدعاء لهما وهما خارجان يحملان ما أخذاه فله ثواب عظيم"، أو "إن اللوطيين والسحاقيات، والساديّين والساديّات، والمازوكيّين والمازوكيّات، أعدت أمريكا لهم ولهن ميشيلين وميشيلات يلوطون بهم ويساحقنهن ويتلذذون بهم وبهن إلى أبد الآبدين، ابتهاجًا بوساخة مقصوفى الرقبة الملاعين". حَنَانَيْكِ يا شيخة الإسلام!
(يُتْبَعُ)
(/)
حتى رشاد خليفة المتنبئ الكذاب وأتباعه، الذين كان أحرى بهم، ما داموا يعيشون فى أمريكا ويتبعون ما يخططونه لهم هناك، أن يقولوا بإباحة الشذوذ الجنسى بين الرجال والنساء كما تريد هذه الملعونة الدنسة، هذا النبى الكذاب وأتباعه لم يقولوها رغم ذلك ودانوا هذا الخروجَ على الفطرة التى فطرنا الله عليها، إذ قال متنبئهم تفسيرا لقوله تعالى: "واتَّقُوا فتنةً لا تُصِيبَنَّ الذين ظَلَموا منكم خاصّةً، واعلموا أن الله شديد العقاب" (الأنفال/ 25): "إن الأمة التى تتسامح مع الشذوذ الجنسى مثلا يمكن أن يعاقبها الله بزلزال: A community that tolerates homosexuality, for example, may be hit by an earthquake"، كما كتب أحد أتباعه فى موقعهم المشباكى، وهو م. صديقى، أنه مثلما يخلق الله بعض الناس عُمْيًا فلا يعفيهم عماهم من وجوب اتّباع القانون الإلهى، ويخلق بعض الناس صُمًّا ولا يعفيهم صَمَمهم من وجوب اتّباع ذلك القانون ... ، فكذلك ينبغى أن يكون الأمر مع مَنْ عندهم ميول جنسية، إذ لا تعفيهم هذه الميول من وجوب اتباع القانون الإلهى ومكافحة ذلك الشذوذ فى أنفسهم بكل وسيلة: طبيةً كانت أو اجتماعية أو نفسيةً أو دينية ... إلخ، ولسوف يبرؤون منها إذا صدقت العزائم. وليس فى القرآن ما يمكن أن يسوغ الشذوذ الجنسى بأى حال، وكل من يستسلم لتلك النوازع الشاذة وينزل على حكمها لا على حكم الله فلسوف ينال العقاب الإلهى. أى أن ذلك النبى الكذاب وأتباعه لم يرضَوْا أن يَتَدَهْدَوْا إلى هذا الدَّرْك المنحط من وساخة الجسد والنفس والخلق. وهذا كلام صديقى بنصه كما ورد بموقعهم على المشباك ردًّا على سؤال وجهه أحد رُوّاد الموقع له، وهو سؤال يتكرر كثيرا من القراء حسبما يقول فى التقدمة:
This is a reply to a question like many others we receive on our web site.
QUESTION:<< My question concerns the issue of homosexuality.
Please provide a Quranic spotlight on this contentious issue. Is
homosexuality normal/natural? Is it accepted in Quran? How to
deal with people who are homosexual? Can homosexuals be
submitters?>>
Homosexuality is a sin. Men and women should abstain from any practice
of Homosexuality.
Homosexuality is prohibited in Quran per the example of the people of Lot.
The following verses will make this clear, God willing.
[7:80-81]
Lot said to his people, "You commit such an abomination; no one
in the world has done it before! "You practice sex with the men,
instead of the women. Indeed, you are a transgressing people."
[26:165-166]
"Do you have sex with the males, of all the people? "You forsake
the wives that your Lord has created for you! Indeed, you are
transgressing people."
The Quran forbids any sexual relationship other than in a marriage
between a man and a woman. Many homosexual men and women
claim that they are born with their sexual preferences and that they
have no choice. Although this point is very much in dispute in the
medical world, it has no support in the Quran. Even then, irrespective
of the nature of homosexuality, this matter would not affect the laws
spelled out clearly in the Quran .
We know that this life is a test. Everyone of us has his/her own test.
For example someone may be born blind, but that person is expected
to live his/her life according to God's law. Others are born poor, short,
tall, weak, missing fingers, having big nose...etc but all of them are
expected to follow God's law. Some men or women may never marry in
their life, or spend part of their life without a spouse. As per the Quran
they still have to live a chaste life and avoid any sexual contacts outside a
marriage. They have to suppress their sexual feelings to follow God's law.
It is a major test and not an easy one for many. Only those who submit to
(يُتْبَعُ)
(/)
God will do everything they can to follow His law. They know that their
salvation and eternal happiness rests in doing so.
Since God condemns homosexuality, then we have to believe that a
man or a woman with homosexual feelings is expected to behave like
any other human being and follows God's laws if he/she truely believes in
them. He/she shall resist his/her feelings , maintains abstinence , use all
available resources of help including medical, social and behavioral
therapies to overcome their behavior and feelings.
They should pray to God to help them getting over it and submit to God's
law that sees homosexuality as gross sin. Only those who steadfastly
persevere in obeying God's law will they pass their test and confirm their
submission to God.
For a person who asks, "why me?" We know God is the Most
Merciful and Just (16:90) and He will give each one of us a fair
test and a fair chance. He assigns the tests to suite each one of us
and we believe that He will never burden any soul beyond its
means (23:2).
على أن فسوق عاشقة ميشيل عن الإسلام لا يقف عند هذا الحد رغم أنه بهذه الطريقة فسوق بلا حدّ، وفسوق عن كل حدّ. إنها تؤكد أن الإسلام ليس شيئا آخر غير ما جاءت به اليهودية، ومن ثم فلا داعى لاعتقاد المسلمين بأفضلية دينهم لأن هذا الدين الذى يفاخرون به إنما هو مأخوذ من ديانة اليهود: "انتقلتُ إلى ملف ضخم آخر من ملفات حقوق الإنسان: معاملة الذميين. فبسبب التقاليد اليهودية- المسيحية التي يتحدر منها الإسلام فإن لدى القرآن الكثير مما يقوله عن اليهود والمسيحيين. وهو يكيل المديح على إبراهيم، أب الديانات التوحيدية الثلاث. وُيطري عيسى بوصفه "المسيح" أكثر من مرة. ويأتي على ذكر مريم أم عيسى اليسوع إيجابا عدة مرات. يضاف إلى ذلك أن القرآن يذكِّرنا بكون اليهود ينتمون الى أمة "مُفَضَّلة" هي بنو اسرائيل! مفَضَّلون؟ اليهود؟ دقَّقْتُ في بعض الترجمات الإنجليزية للتوثق. إزاء هذه العواطف الحارة تجاه أجدادنا الروحيين يكون من المنطقي أن يشير القرآن على اليهود والمسيحيين بأن يطمئنوا أنْ "لاخوف عليهم ولا هم يحزنون" ما داموا مؤمنين بالله واليوم الآخر كما تنص عليه كتبهم المقدسة.
من جهة أخرى يعتبر القرآن بصراحة أن لا دين إلا الإسلام. غريب. أم يا تُرى أهو حقا غريب؟ فثمة فكرة في غاية الأهمية هنا لا شيء يفوقها أهمية في أوقاتنا المشتتة، وهي تتعلق بسبب ظهور الإسلام أصلا. كل ما ينبغي أن يؤمن به المسلمون نزل على اليهود قبلنا بآلاف السنين. وقد حدث ذلك عندما سار بعض اليهود في طريق الضلال عن الحقيقة المنزَّلة بتحولهم إلى عبادة الأصنام مثل العجل الذهبي، فاستثاروا عليهم غضب الله. (أدري، أدري: أي خالق هذا الذي يغار من مولود بقرة؟ أحسبُ أنه خالق يسعى الى الصلح بين قبائل في احتراب دائم مع بعضها بعضا من خلال المحور الجوهري المتمثل في ديانة مشتركة). نعود الى البقرة. فإن انبعاث الوثنية اقتضى إرسال واحد آخر من أبناء إبراهيم لتذكير عالم الساميين بحقيقة ربه، فكان مجيء اليهود، وكذلك نزول الكتاب المقدس الذي يجمع كتب موسى العبرانية (تُعرَف عند المسيحيين باسم العهد القديم). ولكن في النهاية بدأ بعض المسيحيين يدَّعون أن المسيح هو الله، فضلا عن كونه ابن الله، وليس رسولا آدميا اصطفاه الله الواحد الأحد. لقد كانت الوثنية تهدد برفع رأسها (أو رؤوسها) من جديد.
لذا في حوالي سنة 610 ميلادية عاد الله إلى قائمة المرشحين للنبوة واختار محمدا، وهو حفيدٌ آخَرُ من أحفاد إبراهيم، لتطهير كلامه المنزَّل من الفساد الذي أعاثه فيه اليهود والمسيحيون. وأينما فتحتُ القرآن لم أكن قط بعيدة عن رسالةٍ كثيرا ما تتكرر بأن ما سبقه من كتب مقدسة جدير بالتبجيل. مرحبا بكم إلى الفكرة ذات الأهمية البالغة التي لمَّحتُ إليها قبل لحظات: أن الجهل القَبَلي لا يمكن أن يكون حقيقة. وعندما أعدتُ قراءة القرآن للتبصر في "الآخر" وجدتُ أن اليهود ليسوا كلهم الذين يُقال للمسلمين أن يجتنبوهم، بل فقط أولئك الذين يسخرون من الإسلام بوصفه دينا
(يُتْبَعُ)
(/)
كاذبا على نحو متأصل. وينبغي على المسلمين أن لا ينكروا صحة الديانة اليهودية، وإلا فإنهم يسيئون إلى دينهم ذاته.
ولكن إذا كانت اليهودية والإسلام ديانة واحدة فما هي الحكمة في جعلهما كيانين منفصلين؟ وعلى الغرار نفسه ما الحكمة من الإبقاء على المسيحية؟ أو الهندوسية؟ أو البوذية؟ أو السيخية؟ ولكم أن تملأوا الفراغات التي تلي ذلك. لماذا لا نتخلى عن إحساسنا الدفين بالتفوق وننظر إلى بعضنا بعضا على أننا من صنع خالق واحد؟ القرآن لا يتهرب من هذا السؤال الأكثر تنكيدا من الأسئلة الأخرى كلها، فهو يقول إن الله جعل لكل قوم شرعة لحفزهم على التسابق من أجل عمل الخير معترفا أن عمل الخير لن يكون ممكنا إذا اشتبكنا في خلافات على مَنْ هو "الأحق" في تنفيذ مشيئة الله. أنا وأنتم لا علم لنا، وعلينا أن نتخطى هذه المعضلة. والقرآن يؤكد لنا أن الله سيتكفل بتسوية خلافاتنا المذهبية حين إليه نعود. في هذه الأثناء فإن التسابق على عمل الخير إنما هو دعوة تحولت من الشطارة في عالم المال والأعمال إلى الإبداع الفني في تناول الطينة المقدسة ذاتها والدأب على تحسين جمال ما صُنع منها. ويتلازم مع هذه الممارسة الدافع الآخر لقرار الله أن يخلقنا أقواما ومِلَلاً شتى: لكي نشعر بوجود حافز يغرينا بالتعارف على بعضنا بعضا. فالأمر كما لو أن الخالق يريد لنا أن نستخدم الاختلاف كاسحة جليد بدلا من استخدامه ذريعة للانكفاء إلى زوايا متقابلة.
أقر بأن هذا ما بودي أن يكون المعنى من الألف إلى الياء. ولكن كل شيء مطروح للتأويل لأن القرآن يشير على المسلمين بأن لا يتخذوا من اليهود والمسيحيين أصدقاء لهم كيلا نصبح "منهم". وهو يتحدث عنـ"ـهم" بوصفهم من "القوم الظالمين" الذين لا يهديهم الله. وثمة كلام عن إنزال أذى شديد وضرب رقاب وفرض الجزية على أهل الكتاب أتاوة لقاهريهم المسلمين. كلام مخيف بحق، وهذه المقاطع تضفي صدقية على أولئك المسلمين الذين يديرون ظهورهم إلى الوئام بين الأديان. وعند هؤلاء يجوز للذميين أن يوجَدوا، ولكن قطعا ليس على أساس من التكافؤ مع المسلمين، وقطعا ليس على مستوى واحد معهم، لأن الإسلام ليس مجرد دين آخر يضاف إلى بقية الأديان، بل يعلو عليها جميعا بحكم كونه دين الحق، ورسوله خاتم الأنبياء في خدمة الواحد الأحد. إنه لخيار أن يُقْرَأ القرآن على هذا النحو. أوَليس كذلك؟ ولكننا لسنا واعين بهذا الخيار.
لعل أحدكم يحتج قائلا: "تمهلي، فأنا لا أختار هذا التأويل بالمرة. وأنا لا أُريد أن أضرب جاري لاحتفاله بعيد هانوكا، فلا تحسبيني على كارهي اليهود. إني إنسان حسن الطوية بحق السماء". نعم، إنك على الأرجح حسن الطوية. فلتسأل نفسك من باب هذه الطيبة: هل اخترتُ أن أتحدى الاعتقاد الشائع بين مسلمي الاتجاه السائد بأن الإسلام متفوق على المسيحية واليهودية؟ إننا غارقون في نرجسيتنا الروحية حتى أن غالبية المسلمين لا يفكرون مرتين، أو حتى مرة، في الضرر الذي يمكن أن يُلْحِقه هذا الموقف بالعالم. نحن نتقبله فطريا مطلِّين بين حين وآخر من تحت الرمال حيث دفنَّا رؤوسنا لنلحظ وجود "المتطرفين"، وأحيانا لا نلحظ وجودهم حتى وقتذاك".
ولا بد فى البداية من التنبيه إلى أن كل اعتماد الكاتبة السحاقية فى دراسة القرآن واستخلاص أحكامها منه وعليه، كما ذكرت هى، على الترجمة الإنجليزية لا غير، فلا محاولة لتعلم اللغة العربية لقراءته فى أصله العربى بدلا من الترجمة التى لا يمكن أن تنقل الأصل أبدا مهما كانت عبقرية المترجم كما هو معروف، كما أنها لم تَسْعَ بتاتًا لمعرفة أسباب النزول أو المكى والمدنى مثلا أو كيفية التفرقة بين الخاص والعام من النصوص القرآنية، أو للاطلاع على وقائع السيرة من مصادرها الإسلامية، وهذا إن صدَّقْنا أنها هى مؤلفة هذا الكتاب، ولم يؤلفه أحد المستشرقين أو المبشرين وانحصر دورها فى وضع اسمها على غلافه، إذ إن الروح التى تسود الكتاب هى روح عدائية لكل ما هو مسلم وإسلامى، سواء تعلق الأمر بالقرآن أو الرسول أو المسلمين، فهو يدين المسلمين والإسلام دائما، ويسوّغ ما يفعله الغرب واليهود بهم على طول الخط، والخطأ باستمرار من نصيبهم، والصواب ضربةَ لازبٍ من نصيب أعدائهم. بيد أن هذه مسألة أخرى لا أقف عندها الآن، وقد يكشف حقيقتَها التاريخ. وبالإضافة إلى ذلك
(يُتْبَعُ)
(/)
فهو مكتوب بحِرْفِيّة واضحة، والروح السارية فيه روح غربية مخابراتية لا تخطئها العين ولا الأذن، والخبث والدهاء اللذان يغلِّفانه: سواء فى الأسلوب الكتابى أو فى طريقة العرض أو فى التلاعب بمنطق العقل ونصوص القرآن، وإن كانا لا ينطليان على من عنده مُخّ، أكبر من أن تستطيعهما فتاةٌ غِرَّةٌ وسحاقيّة مثلها، بل يتطلب نابًا شيطانيًّا أزرق من عتاة المستشرقين الكارهين للإسلام من أمثال برنارد لويس اليهودى وشيعته.
إنها تخلط بين الأمور خلطا شنيعا: فالقرآن مثلا يتحدث عن التوراة والإنجيل بوصفهما كتابين سماويين صحيحين، فتأتى هى وتتحدث عن أن المقصود هو كتب اليهود والنصارى الحاليّة رغم ما ورد فى القرآن أيضا أن ما بأيدى القوم الآن هو شىء آخر غير ما نزل على أنبيائهم، فقد حرَّفوا كتبهم ونَسُوا بعضها وعبثوا ببعضها، وإلا أفيمكن أن يكون ما نقرؤه فيها عن تصوير الله فى مواضع غير قليلة من العهد القديم تصويرا وثنيا يجسِّده سبحانه، وعن آدم وأنه ابن الله، وعن نوح وسُكْره وانكشاف سوأته، وعن لوط وسَقْى بنتيه إياه خمرا ومضاجعة كل منهما له وحبلهما منه، وعن إبراهيم ورضاه بالتدييث على زوجته، ويعقوب ومصارعته لله وتكتيفه إياه، وعن هارون وصنعه العجل الذهبى ليعبده بنو إسرائيل، وداود وزناه بزوجة جاره وقائده العسكرى وقتله إياه تآمرا وغدرا، وسليمان ومساعدته لزوجاته فى عبادة آلهتهن الوثنية فى بيته ونَظْمه لـ"نشيد الأناشيد" المفعم بالعهر وتزيين الشهوات الجنسية، والمسيح وتعمُّده على يد يحيى، والمفروض أن يحيى ما هو إلا واحد من عباده ما دام هو الله، وطمع إبليس فى اختبار إيمانه وأخلاقه رغم أنه هو رب إبليس وكل الأباليس الذين فى الدنيا أجمعين، وموته على الخشبة رغم ما جاء فى العهد القديم من أن من عُلِّق على خشبة فهو ملعون، وتأكيده أنه ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله ثم نقْضه للتوّ لكل النواميس التى أتى بها موسى، ثم بولس وزعْمه أنه رأى الله (أى المسيح) فى السماء عيانا بيانا وتخبُّطه فى الحديث الذى ادعى أنه دار بينهما بما لا يدخل العقل ... ، أفيمكن أن يكون هذا كله وأمثاله، وهو كثير جدا، هو ما يقول القرآن عنه إنه وحى سماوى ويوجب على المسلمين تصديقه والإيمان به؟ لذلك فإن المسلم يؤمن أن ما جاء به محمد هو وحده الدين الصحيح. ولسوف نرى بعد قليل أن اليهود يرَوْن أن دينهم هو وحده الدين الصحيح. ولم يقل أحد لهم شيئا، فكل إنسان حر فى أن يعتقد ما يشاء، ويوم القيامة نمثل أمام الديان فيحاسبنا على ما كنا نقول ونعتقد، ويتبين الحق من الباطل، والرشد من الغَىّ.
أما قوله تعالى الذى استشهدتْ به مانجى من أن اليهود والصابئين والنصارى لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فلا يعنى ما تريد أن تُدْخِله فى رُوع القراء من أن أولئك الأقوام داخلون الجنة حتى لو بَقُوا على أديانهم المنحرفة، بل تعنى أن الباب فى الإسلام مفتوح أمام أهل الأرض جميعا للإيمان بدعوة محمد والنجاة من ثمّ فى الآخرة حتى لو لم يكونوا من العرب الذين آمنوا فى البداية بمحمد، إذ العبرة فى الدين الخاتم أنه دين عالمى لا دين عصبية قبلية أو قومية مثلا. ولهذا نجد أن الإسلام قد علَّق تلك النجاة على إيمانهم بالله واليوم الآخر وعملهم الصالحات: "إن الذين آمنوا، والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " (المائدة/ 69. وفى البقرة آية أخرى مشابهة لهذه هى الآية 62)، والإيمان بالله واليوم الآخر لا يصح إلا إذا آمن الشخص بجميع الأنبياء والمرسلين بما فيهم، بل وعلى رأسهم، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك واضح من الآيات التالية: "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله ويقولون: نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا* أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينا" (النساء/ 150 - 151)، "وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ مصدِّقُ الذى بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها. والذين يُؤْمِنون بالآخرة يُؤْمِنون به، وهم على صلاتهم يحافظون" (الأنعام/ 92)، "قال: عذابى أُصِيبُ به من أشاء، ورحمتى وسِعَتْ كل شىء، فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون* الذين
(يُتْبَعُ)
(/)
يتَّبِعون الرسولَ النبىَّ الأُمّىَّ الذى يجدونه مكتوبًا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويُحِلّ لهم الطيبات ويُحَرِّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصْرَهم والأغلال التى كانت عليهم. فالذين آمنوا به وعزَّروه ونصَروه واتَّبَعوا النور الذى أُنْزِل معه أولئك هم المفلحون" (الأعراف/ 156 - 157)، وغير ذلك. وما من مرة أثنى القرآن على أحد من أهل الكتاب إلا كان بعد دخوله الإسلام، إلا أن بعض ذوى الأهواء يَبْغُون منا أن نقرأ النصوص القرآنية بقلوب مريضة وعيون عمياء، لكن كيف يبصر الأعمى ومن فى قلبه مرض؟ وعلى هذا فليس فى القرآن أى تناقض، لا فى هذه القضية ولا فى غيرها كما تزعم مانجى أو من كتبوا لها الكتاب، بل ينبغى أن نقرأ كتاب الله فى كُلّيّته وشموله ولا نجعله عِضِين. وإذا دقق القارئ فى الطريقة الترقيمية التى كُتِبَتْ بها الآية السابقة فسوف يتضح له ما أقصد. ونستطيع أن نعيد كتابتها بطريقة ترقيمية أخرى كى تزداد الأمور اتضاحًا: "إن الذين آمنوا (والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا) فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". ذلك أنه لا معنى لاشتراط الإيمان بالله واليوم الآخر فى حالة المؤمنين، أى المسلمين، وهم الطائفة المذكورة فى بداية الكلام، إذ هم مؤمنون فعلا، على عكس الحال مع اليهود والصابئين والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد بعد، ومن ثم فلا يُعَدّون مؤمنين كما بيّنّا قبلا من خلال آيات القرآن الكريم.
وقد عادت مانجى لترديد ذات الكلام فى ردها على فتاة تقول إنها كانت مسلمة ثم لم تجد سكينة روحها فى الإسلام، فتركته إلى اليهودية حيث تعيش الآن فى سعادة وسلام، لكنها تخشى أهلها الذين يهدِّدونها بأن دمها الآن أصبح مهدَرًا بسبب ارتدادها (ياى! ياى!)، فردّت مانجى قائلة لها: إنك تستطيعين أن تجيبى أهلك بأنك، وإن ارتددت عن الإسلام، فإنك الآن واحدة من أهل الكتاب، الذين يكنّ لهم الإسلام كل احترام ويبشرهم بالنجاة فى العالم الآخر، أى بالجنة! وأرجح الظن، بل لا أظننى أجازف ولا ذرةً من مجازفة إذا قلت إننى متيقن بنسبة 99,9% على طريقة نتائج الانتخابات العربية، أن السؤال والجواب مصنوعان صناعةً من أجل تجرىء المسلمين على الردة عن طريق طمأنتهم على مصيرهم فى العالم الآخر، ولكن بعد خراب بصرة إن شاء الله. وليقابلونى إن راحوا رائحتها ولو على بُعْد سبعين خريفا! وهو نفسه ما ضحك به مستشرق فرنسى على السيدة زبيدة المصرية زوجة مينو القائد الثالث للحملة الفرنسية على مصر، الذى أعلن إسلامه كذبا ونفاقا واتخذها زوجة حتى ينسبك الدور على المصريين ويطمئنوا إلى الاحتلال الفرنسى، إذ بعد أن فشل الاحتلال ورجع هذا القائد إلى بلاده ارتد عن الإسلام بعد أن لم تعد به حاجة إلى تمثيل الدور الخسيس، وأراد تعميد ابنه منها وتحويله إلى النصرانية، فجاء المستشرق المذكور وزعم لأم الطفل المسكين أن القرآن يسوى بين المسلمين وأهل الكتاب فى أنهم جميعا لهم الجنة كما تقول سحاقيتنا البائسة، أو بالأحرى: كما يقول من كتبوا لها الكتاب. وعلى كل حال هذا هو السؤال والجواب فى لغتهما الأصلية كما وجدتُهما فى موقع المفعوصة:
" About a year ago, I chose to leave Islam and convert to Judaism. I went through the one-year Judaism course and was more and more convinced that I had done the right thing. For the first time, I was able to really feel God’s presence and worship him. The struggle against my family and society was very difficult. I was told by the local Imam and by my family that I am Kafir [unbeliever facing eternal damnation] and that it is allowed by Islam to kill me because changing one’s faith is even worse than murder. If I could only explain to them that this is EXACTLY why I left why I left Islam – because it has become so violent and primitive. When I read your book, I was filled with hope. Maybe one day, people who choose to leave Islam will not be legitimate targets and will be able to express themselves freely.” - RJ
(يُتْبَعُ)
(/)
Irshad replies: You might wish to remind your family that, as Jew, you’re still part of “Ahl al-Kitab” or “People of the Book.” According to the Koran, People of the Book are to be respected: “Believers, Jews, Christians, and Sabaeans — whoever believes in God and the Last Day, and who does what is right — shall be rewarded by their Lord; they have nothing to fear or regret” (2:62)".
هذا عن الكتاب المقدس فى عجالة سريعة، فماذا عن اليهود؟ إن الإسلام لا يدعو إلى كراهيتهم ولا يغرى أتباعه بالعدوان عليهم ولا على أى أمة أو شعب آخر، فالعدوان فى الإسلام مرفوض ومجرَّم عند الله كما بينتْ آيات وأحاديث كثيرة معروفة لكل إنسان، لكن ليس معنى هذا أن يسكت المسلم على ما يوجَّه له ولدينه من عدوان تحت شبهة أن عليه احترام الآخرين، لأنه إذا لم يحترمنى الآخرون فمن واجبى أن آخذ حقى بيدى. فما بالنا لو كان الأمر أدهى من ذلك وأطمّ على نحو ما هو حادث بيننا وبين الغرب منذ قرون من سبّه لديننا وإساءته إلى رسولنا (وما القرآن الأمريكى المزيَّف المسمَّى زورا وبهتانا بـ"الفرقان الحق" ببعيد، لا ولا تدنيس المصاحف بإلقائها فى مراحيض معتقلات جوانتانامو بممكن نسيانه أو التغاضى عنه إلا إذا كان قد فُقِد منا الأمل البتة)، وكذلك احتلاله بلادنا واغتصابه ثرواتنا واعتداؤه على حريتنا واقتطاعه جزءا غاليا عزيزا من أرض الإسلام وإعطاؤها لليهود الذين لم يكذِّبوا خبرا فانقضوا على الفلسطينيين تقتيلا وتهجيرا وهدما للمنازل ومصادرة للحقول وخلعا لأشجار الزيتون وتضييقا عليهم فى السفر والعودة، وكلما أنّ الفلسطينيون وقاموا بعشر معشار ما ينبغى أن يقوموا به دفاعا عن وجودهم وأرضهم وأولادهم ونسائهم هَبَّ أمثال هذه السحاقية يولولون ويجأرون بالصراخ والعويل أسًى على اليهود المساكين المسالمين واتهامًا للفلسطينيين المتوحشين اللاإنسانييين! ترى ما هو المراد منا؟ أن نسكت على ما ينزل بنا من هوان وعسف وتقتيل ونسف للبيوت وهتك لأعراض النساء واغتيال لأحلام الحاضر والمستقبل؟ إن الغرب يضربنا بالسلاح النووى ويوقع منا القتلى بعشرات الآلاف وينسف البيوت والمساجد والمؤسسات نسفًا، فإذا فكَّر أحدنا أن يردّ عليه بحجر أو بطلقة بندقية أو بقنبلة أو بسيارة مفخَّخة تُوقِع قتيلين أو عشرة أو حتى عشرين هاجَتِ الدنيا علينا وماجَتْ وقيل إننا قتلة وحشيون!
وفى ضوء هذا ينبغى النظر إلى ما جاء من آيات تهاجم اليهود والنصارى وتدعو إلى قتالهم كقوله تعالى فى الآية 29 من سورة "التوبة" مثلا: "قاتلِوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دِينَ الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون"، فالبنت السحاقية التى تريد أن نرسِّمها حاخامةً للإسلام تولول وتلطم خديها وتشد شعرها كالمجانين استعظاما واستنكارا، متجاهلة (هى أو من كتب لها الكتاب) أن الكلام هنا ليس عن أهل الكتاب بإطلاق، بل عن النصارى، وليس النصارى بإطلاق، بل عن الروم، وليس الروم بإطلاق، بل الروم فى سياقٍ معيَّنٍ هو سياق تآمرهم على الدولة الإسلامية الناشئة وتحريكهم الجيش إلى حدود بلاد العرب للاحتكاك بالمسلمين وتوجيه ضربة غادرة إليهم، فكان لا بد أن يقول القرآن لهم: لا تتركوا هؤلاء العلوج يفلتون دون عقاب! لكن السحاقية البائسة التى تحرِّض الغرب كله على المسلمين على طول الكتاب وعرضه كانت تريد من الرسول والصحابة أن يفتحوا بلادهم على مصاريعها ويرحّبوا بكلاب الروم.
مثال آخر: لقد كان اليهود فى المدينة إذا ما سمعوا الأذان سخروا بالمؤذِّن وشبهوه بالحمار الذى ينهق وتهكَّموا بالحركات التى يأتيها المصلون تهكمًا سفيهًا، فنزلت الآيات التالية: "وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخَذوها هُزُوًا ولَعِبًا. ذلك بأنهم قومٌ لا يفقهون* قل: هل تنقمون منا إلا أن آمنّا بالله وما أُنْزِل إلينا وما أُنْزِل من قبلُ وأن أكثركم فاسقون؟ * قل: هل أنبِّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند الله؟ مَنْ لَعَنه الله وغَضِب عليه وجعل منهم القِرَدة والخنازير وعَبَدَ الطاغوت. أولئك شرٌّ مكانًا وأضلّ عن سواء السبيل" (المائدة/58 - 60). (لا بد أن أصارح القراء هنا بأنى لا أستطيع أن أنسى ما
(يُتْبَعُ)
(/)
قاله شريف حتاتة فى حق الأذان والمؤذنين!). ثم إن الذى يسمع كلام هذه الشاذة الموتورة ولا يعرف حقيقة الأمر قد يصدِّق ما تقوله عن اليهود وسماحتهم وسعة أفقهم ورقَّتهم مع مخالفيهم فى الدين واستعدادهم لفدائهم بأرواحهم، على حين أن الواقع يفقأ عينها هى ومن يتشدد لها. ولقد أُجْرِىَ استطلاع للرأى فى أوربا منذ وقت غير بعيد، فكان رأى الأغلبية أن إسرائيل هى أكبر مهدِّد للسِّلْم العالمى. ولا ننس أن الأوربيين هم الذين يقومون بمطالب إسرائيل بعد الأمريكان، وأنهم هم الذين تآمروا على العرب والمسلمين لمصلحتهم وخلقوا إسرائيل خلقا، فلا يمكن أن يتهمهم متهم بالانحياز للعرب والإجحاف باليهود.
ثم لماذا نجد اليهود على مدى التاريخ مكروهين من جميع الأمم التى عاشرتهم، وعلى رأسهم الأوربيون الذين ظلوا يذيقونهم صنوف الأذى والتنكيل حتى العصر الحديث حين خططوا لاتخاذهم شوكة مسمومة يغرسونها فى خاصرة المسلمين، فعندئذ (وعندئذ فحسب) رأيناهم يغيرون أسلوبهم فى التعامل معهم؟ وبالمناسبة فإن شهر العسل الذى يقوم أحيانا بين اليهود ومن يوادّونهم لهذا السبب أو ذاك مما يمثل الشذوذ على القاعدة لا يدوم طويلا كما تقول كلمة التاريخ التى لا تكذب. ولا نظن أن مصير شهر العسل الغربى- اليهودى سيكون أفضل من الشهور السابقة التى كانت بينهم وبين الأمم الأخرى. وعلى أية حال فالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يفيض باللعنات والدمدمات على اليهود، ويتهمهم بالكفر والارتكاس فى مستنقع الوثنية الدنس دائما أبدا، ويشتمهم ويسبهم سبًّا لم يسبه لهم أشد خصومهم: لعنات ودمدمات من الله ومن رسلهم وأنبيائهم. أفلا يكفى هذا لكى تكفّ المسكينة التاعسة البائسة عن كذبها وجنونها المستعر ضد الإسلام والمسلمين؟ ثم إن كتابهم هذا ينهاهم عن إبداء أى قدر من الرحمة أو الفهم فى التعامل مع الأمم الأخرى فى الحرب ويشرِّع لهم إفناءهم بما فى ذلك الحيوان الأعجم بحيث لا يتركون كائنا واحدا يتردد فى صدره نَفَس من حياة، كما يدعو على تلك الأمم ويتفنن فى تصوير ما ينتظرهم من وبالٍ ونكالٍ، ودمارٍ وبوار! فضلاً عن أن التلمود، حسبما يقول العارفون به، يقنِّن لليهودى أن يصنع بالأممى ما يشاء دون أن يكون عليه لوم، يستوى فى ذلك السرقة والربا والغدر والخداع والقتل والزنا ... المهم أن يتأكد أنه لا يعرّض نفسه بهذا إلى أية مسؤولية! "ذلك بأنهم قالوا: ليس علينا فى الأميين سبيل" كما سجل عليهم القرآن الكريم!
وقد قرأتُ فى أحد المواقع المِشْبَاكِيَّة اليهودية التى تتحدث عن التلمود، وهو موقع " Judaism 101"، ما يقول الحاخامات فيه عن مصير غير اليهود فى العالم الآخر: فالمسلمون الصالحون المتمسكون بدينهم، رغم إيمانهم بالله الذى يعبده بنو إسرائيل مع اختلاف تسميته عندهم، لن يكون لهم مكان فى ذلك العالم لأنهم لا يؤمنون بالتوراة الموجودة فى أيدى اليهود حاليًّا (وهى التوراة التى يعتقد المسلمون أنها قد حُرِّفت وأعطينا أمثلة منها قبل قليل تدل على أنها لا يمكن أن تكون نزلت من عند الله على وضعها هذا، على عكس التوراة الحقيقية التى اختفت والتى يؤمن بها المسلمون من كل قلوبهم ويجلّون الرسول الذى حملها وأتى بها إلى قومه). كما أنهم، وإن آمنوا بوصايا نوح السبعة تمام الإيمان (إذ الشرك والوثنية والتجديف فى حق الله والقتل والزنا والسرقة ولحم الحيوان الحى، كل ذلك حرام عندهم ويجرِّمونه)، لن يُكْتَب لهم الخلود رغم ذلك فى الآخرة لأنهم لا يؤمنون بها من خلال التوراة الموجودة فى أيدى البهود الآن. أما النصارى فرغم إيمانهم بأن التوراة التى بأيدى اليهود حاليا قد نزلت من عند الله لن يُكْتَب لهم الخلود فى الدار الآخرة رغم ذلك، بل سينالهم الفناء بسبب إيمانهم بالثالوث، الذى يؤكد اليهود أنه لون من الوثنية. وهذا هو نص الكلام فى أصله الإنجليزى:
(يُتْبَعُ)
(/)
“ Not all religious Gentiles earn eternal life by virtue of observing their religion: While it is recognized that Moslems worship the same God that we do (though calling him Allah, He is the same God of Israel), even those who follow the tenets of their religion cannot be considered righteous in the eyes of God, because they do not accept that the Written Torah in the hands of the Jews today is the original Torah handed down by God and they do not accept the Seven Laws of Noah as binding on them.
While the Christians do generally accept the Hebrew Bible as truly from God, many of them (those who accept the so-called divinity of Jesus) are idolaters according to the Torah, punishable by death, and certainly will not enjoy the World to Come. But it is not just being a member of a denomination in which the majority are believers in the Trinity that is idolatry, but personal idolatrous practice, whatever the individual's affiliation”…
According to Torah tradition, God gave Noah and his family seven commandments to observe when he saved them from the flood. These commandments, referred to as the Noahic or Noahide commandments, are learned by tradition but also suggested in Genesis Chapter 9, and are as follows:
1. not to commit idolatry
2. not to commit blasphemy
3. not to commit murder
4. not to have forbidden sexual relations
5. not to commit theft
6. not to eat flesh cut from a living animal
7. to establish courts of justice to punish violators of the other six laws.
These commandments may seem fairly simple and straightforward, and most of them are recognized by most of the world as sound moral principles. But according to the Torah only those Gentiles who observe these laws because God commanded them in His Torah will enjoy life in the World to Come: If they observe them just because they seem reasonable or because they think that God commanded them in some way other than in the Torah, they might as well not obey them so far as a part in the World to Come is concerned
ولنقرأ كذلك هذه النصوص التلمودية عن المسيح التى زوَّدَنا بها مايكل هوفمان 2 فى موقعه الذى يفضح فيه ما يقوله اليهود فى تلمودهم عن ذلك النبى عليه السلام: "يقول السنهدرين B 107:"... نصب المسيح حجرا، ثم اتخذه صنما وركع له. كما أنه قد مارس السحر وحرَّض بنى إسرائيل وأضلَّهم". (التلمود البابلى/ مجلد 21/ تراكتيت سنهدرين/ ج 7/ ترجمه إلى الإنجليزية الحاخام آدين شتاين زالتس/ راندم هاوس/ نيويورك/ حقوق الطبع محفوظة لمعهد إسرائيل للمنشورات التلمودية 1999م) ... والآن إلى نصٍّ تلمودىٍّ آخَرَ حول المسيح من السنهدرين B43: " وفى ليلة الفصح أُعْدِم يسوع الناصرى. لقد مارس السحر وحرض بنى إسرائيل وأضلهم ... ترى أكان يستحق البحث عن حجة للدفاع عنه؟ لقد كان محرِّضًا، وجاء فى التوراة: لا ينبغى أن تَعْفُوا عنه، ولا أن تخفوه! ... إن بعض طبعات الجيتين 57 a التى خضعت للرقابة والمتابعة تستبدل باسم "المسيح" اسم "مذنب (أو مذنبى) بنى إسرائيل". ويتضمن الجيتين 57 a من التلمود هجوما بذيئا وفاضحا على المسيح يتعلق بنوع من العقاب يُفْتَرَض أنه يقاسيه بعد وفاته. وكالعادة نرى الـ"إيه دى إل" تتجنب إيراد كلام الجيتين 57 a، ومن ثم كان علينا أن نفضح المحتوى القبيح والمريض لهذا القسم من التلمود. وهذا هو النص المقصود: "ثم مضى (أى الحاخام) وأقام بتعويذاته مُذْنِبى بنى إسرائيل من الأموات، وسألهم: ... ما عقوبتكم؟ فردّوا قائلين: هى إلقاؤنا فى خراءٍ يغلى".
(يُتْبَعُ)
(/)
والغريب أن يصدّع واضع الكتاب أدمغتنا بالكلام عن الخشونة التى يعامل بها المسلمون اليهود، ناسيًا أن العهد القديم يذكر عن بنى إسرائيل وعن قوادهم، بفخرٍ مجلجلٍ، ما يدل على ما كانوا يعاملون به الآخرين من قسوة مفرطة ليس فيها أدنى مراعاة لضميرٍ أو قانونٍ، فضلاً عن أنه يَعْزوه إلى بركة الله ورضاه عنهم. من ذلك مثلا ما جاء فى الإصحاح الرابع والثلاثين من سفر "التكوين" على النحو التالى: "1وَخَرَجَتْ دِينَةُ ابْنَةُ لَيْئَةَ الَّتِي وَلَدَتْهَا لِيَعْقُوبَ لِتَنْظُرَ بَنَاتِ الأَرْضِ 2فَرَآهَا شَكِيمُ ابْنُ حَمُورَ الْحِوِّيِّ رَئِيسِ الأَرْضِ وَأَخَذَهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَأَذَلَّهَا. 3وَتَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِدِينَةَ ابْنَةِ يَعْقُوبَ وَأَحَبَّ الْفَتَاةَ وَلاَطَفَها. 4فَقَالَ شَكِيمُ لِحَمُورَ أَبِيهِ: «خُذْ لِي هَذِهِ الصَّبِيَّةَ زَوْجَةً». 5وَسَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّهُ نَجَّسَ دِينَةَ ابْنَتَهُ. وَأَمَّا بَنُوهُ فَكَانُوا مَعَ مَوَاشِيهِ فِي الْحَقْلِ فَسَكَتَ يَعْقُوبُ حَتَّى جَاءُوا. 6فَخَرَجَ حَمُورُ أَبُو شَكِيمَ إِلَى يَعْقُوبَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ. 7وَأَتَى بَنُو يَعْقُوبَ مِنَ الْحَقْلِ حِينَ سَمِعُوا. وَغَضِبَ الرِّجَالُ وَاغْتَاظُوا جِدّاً لأَنَّهُ صَنَعَ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِمُضَاجَعَةِ ابْنَةِ يَعْقُوبَ. وَ «هَكَذَا لاَ يُصْنَعُ». 8وَقَالَ لَهُمْ حَمُورُ: «شَكِيمُ ابْنِي قَدْ تَعَلَّقَتْ نَفْسُهُ بِابْنَتِكُمْ. أَعْطُوهُ إِيَّاهَا زَوْجَةً 9وَصَاهِرُونَا. تُعْطُونَنَا بَنَاتِكُمْ وَتَأْخُذُونَ لَكُمْ بَنَاتِنَا 10وَتَسْكُنُونَ مَعَنَا وَتَكُونُ الأَرْضُ قُدَّامَكُمُ. اسْكُنُوا وَاتَّجِرُوا فِيهَا وَتَمَلَّكُوا بِهَا». 11ثُمَّ قَالَ شَكِيمُ لأَبِيهَا وَلإِخْوَتِهَا: «دَعُونِي أَجِدْ نِعْمَةً فِي أَعْيُنِكُمْ. فَالَّذِي تَقُولُونَ لِي أُعْطِي. 12كَثِّرُوا عَلَيَّ جِدّاً مَهْراً وَعَطِيَّةً فَأُعْطِيَ كَمَا تَقُولُونَ لِي. وَأَعْطُونِي الْفَتَاةَ زَوْجَةً». 13فَأَجَابَ بَنُو يَعْقُوبَ شَكِيمَ وَحَمُورَ أَبَاهُ بِمَكْرٍ لأَنَّهُ كَانَ قَدْ نَجَّسَ دِينَةَ أُخْتَهُمْ: 14 «لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفْعَلَ هَذَا الأَمْرَ أَنْ نُعْطِيَ أُخْتَنَا لِرَجُلٍ أَغْلَفَ لأَنَّهُ عَارٌ لَنَا. 15غَيْرَ أَنَّنَا بِهَذَا نُواتِيكُمْ: إِنْ صِرْتُمْ مِثْلَنَا بِخَتْنِكُمْ كُلَّ ذَكَرٍ. 16نُعْطِيكُمْ بَنَاتِنَا وَنَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِكُمْ وَنَسْكُنُ مَعَكُمْ وَنَصِيرُ شَعْباً وَاحِداً. 17وَإِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لَنَا أَنْ تَخْتَتِنُوا نَأْخُذُ ابْنَتَنَا وَنَمْضِي». 18فَحَسُنَ كَلاَمُهُمْ فِي عَيْنَيْ حَمُورَ وَفِي عَيْنَيْ شَكِيمَ بْنِ حَمُورَ. 19وَلَمْ يَتَأَخَّرِ الْغُلاَمُ أَنْ يَفْعَلَ الأَمْرَ لأَنَّهُ كَانَ مَسْرُوراً بِابْنَةِ يَعْقُوبَ. وَكَانَ أَكْرَمَ جَمِيعِ بَيْتِ أَبِيهِ. 20فَأَتَى حَمُورُ وَشَكِيمُ ابْنُهُ إِلَى بَابِ مَدِينَتِهُِمَا وَقَالاَ لأَهْلَ مَدِينَتِهُِمَا: 21 «هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ مُسَالِمُونَ لَنَا. فَلْيَسْكُنُوا فِي الأَرْضِ وَيَتَّجِرُوا فِيهَا. وَهُوَذَا الأَرْضُ وَاسِعَةُ الطَّرَفَيْنِ أَمَامَهُمْ. نَأْخُذُ لَنَا بَنَاتِهِمْ زَوْجَاتٍ وَنُعْطِيهِمْ بَنَاتِنَا. 22غَيْرَ أَنَّهُ بِهَذَا فَقَطْ يُواتِينَا الْقَوْمُ عَلَى السَّكَنِ مَعَنَا لِنَصِيرَ شَعْباً وَاحِداً: بِخَتْنِنَا كُلَّ ذَكَرٍ كَمَا هُمْ مَخْتُونُونَ. 23أَلاَ تَكُونُ مَوَاشِيهِمْ وَمُقْتَنَاهُمْ وَكُلُّ بَهَائِمِهِمْ لَنَا؟ نُواتِيهِمْ فَقَطْ فَيَسْكُنُونَ مَعَنَا». 24فَسَمِعَ لِحَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنِهِ جَمِيعُ الْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ. وَاخْتَتَنَ كُلُّ ذَكَرٍ - كُلُّ الْخَارِجِينَ مِنْ بَابِ الْمَدِينَةِ. 25فَحَدَثَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِذْ كَانُوا مُتَوَجِّعِينَ أَنَّ ابْنَيْ يَعْقُوبَ شِمْعُونَ وَلاَوِيَ أَخَوَيْ دِينَةَ أَخَذَا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ وَأَتَيَا عَلَى الْمَدِينَةِ بِأَمْنٍ وَقَتَلاَ كُلَّ ذَكَرٍ. 26وَقَتَلاَ حَمُورَ وَشَكِيمَ ابْنَهُ بِحَدِّ السَّيْفِ وَأَخَذَا دِينَةَ مِنْ بَيْتِ شَكِيمَ وَخَرَجَا. 27ثُمَّ أَتَى بَنُو
(يُتْبَعُ)
(/)
يَعْقُوبَ عَلَى الْقَتْلَى وَنَهَبُوا الْمَدِينَةَ لأَنَّهُمْ نَجَّسُوا أُخْتَهُمْ. 28غَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ وَحَمِيرَهُمْ وَكُلَُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ وَمَا فِي الْحَقْلِ أَخَذُوهُ. 29وَسَبُوا وَنَهَبُوا كُلَّ ثَرْوَتِهِمْ وَكُلَّ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَاءَهُمْ وَكُلَّ مَا فِي الْبُيُوتِ. 30فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلاَوِي: «كَدَّرْتُمَانِي بِتَكْرِيهِكُمَا إِيَّايَ عِنْدَ سُكَّانِ الأَرْضِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِيِّينَ وَأَنَا نَفَرٌ قَلِيلٌ. فَيَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَيَضْرِبُونَنِي فَأَبِيدُ أَنَا وَبَيْتِي». 31فَقَالاَ: «أَنَظِيرَ زَانِيَةٍ يَفْعَلُ بِأُخْتِنَا؟».
على أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فهناك الأمنيات التى يتمنَّى بنو إسرائيل وقوعها بالأمم الأخرى، وهى أمنياتٌ بشعةٌ تكشف ما فى قلوبهم من أحقاد لا ينطفئ لها لَظًى. ولنأخذ فقط بعض ما ينوبنا نحن المصريين من هذا الحب، ولنقرأ ما جاء فى نبوءة أَشَعْيَا فى الإصحاح التاسع عشر: "1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: «هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. 2وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً. 3وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابِعِ وَالْعَرَّافِينَ. 4وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلىً قَاسٍ فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5 «وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ. 6وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ. 7وَالرِّيَاضُ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8وَالصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ وَكُلُّ الَّذِينَ يُلْقُونَ شِصّاً فِي النِّيلِ يَنُوحُونَ. وَالَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ 9وَيَخْزَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْكَتَّانَ الْمُمَشَّطَ وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الأَنْسِجَةَ الْبَيْضَاءَ. 10وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً وَكُلُّ الْعَامِلِينَ بِالأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي النَّفْسِ. 11 «إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءَ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ. كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ. 12فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. 13رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ انْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا. 14مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ. 15فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ. 16فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا. 17 «وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْباً لِمِصْرَ. كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا. 18 «فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ». 19فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا. 20فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصاً وَمُحَامِياً وَيُنْقِذُهُمْ. 21فَيُعْرَفُ الرَّبُّ
(يُتْبَعُ)
(/)
فِي مِصْرَ وَيَعْرِفُ الْمِصْريُّونَ الرَّبَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْراً وَيُوفُونَ بِهِ. 22وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِباً فَشَافِياً فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. 23 «فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. 24فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلْثاً لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ بَرَكَةً فِي الأَرْضِ 25بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ» ".
أتُرَى شيخة الإسلام السحاقية لا تعرف هذا؟ إن الذين كتبوا لها الكتاب يعرفون هذا وأفظع من هذا، لكنها الحرب المعنوية التى يراد منها تكسير نفوسنا وتدمير عقيدتنا وديننا، ومن هنا استقدامهم لهذه السحاقية ووضع هذا الكلام فى فمها كى يكون الإيلام الذى يريدون إنزاله بنا أوجع وأفظع! ثم إنها ترجم المسلمين تحقيرا وتشكيكا فى أخلاقهم ونفسياتهم ودينهم، ولا تكاد تترك أحدا من علمائهم دون أن تهاجمه هجوما رهيبا. حتى شيخ الأزهر، الذى يبدى من المرونة ما يثير عليه الدنيا ويتهمه الكثيرون بالمسارعة إلى التساهل فيما لا يمكن التفريط فيه بحال، حتى شيخ الأزهر لا يدخل مخَّها ولا يملأ عينها، بل تشتمه وتتهمه بمعاداة السامية والإرهاب وتحرّض المسؤولين الغربيين عليه. واللعبة مكشوفة! إنهم يريدون منه أن يبصم على كل ما يريدون لا على بعضه فقط، ولن يرضَوْا عنه مع ذلك فى نهاية المطاف مهما أبدى مزيدا ومزيدا ومزيدا ومزيدا ومزيدا من المرونة. إننا هنا نتعامل مع ناس بلا قلب، ناس يخطِّطون لمحو أمم كاملة من على وجه الخريطة كما فعلوا مع الهنود الحمر مثلا، وكما يريدون أن يفعلوا مع الفلسطينيين لو استطاعوا. شخصان اثنان فقط فى مصر حازا القبول والرضا والثناء الحار الجميل، هما جابرعصفور، الذى يستشهد واضع الكتاب مرارا بمقاله المنشور فى " New Perspectives Quarterly, Winter 2002" بعنوان: " Osama bin Laden: Financier of Intolerant ‘Desert’ Islam: أسامة بن لادن مموِّل الإسلام الصحراوى المتعصب"، وسعد الدين إبراهيم، الذى تكررت الإشارة إلى كلمته في "بيت الحرية: Freedom House" فى واشنطن بتاريخ 21 أكتوبر 2002م والاقتباس منها.
والآن أضع تحت عين القارئ الكريم ما كتبتْه (أو كُتِبَ باسم) فقيهتنا السحاقية عن شيخ الأزهر وجابر عصفور وسعد الدين إبراهيم حتى تكون لديه فكرة عن الطريقة التى تتبعها شيخة الإسلام الأمريكى فى تقويمها لنا والأسس التى تستند إليها فى ذلك. وها هو ذا كلامها عن شيخ الأزهر: "خذوا قضية محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، وما أدراك ما الأزهر بسمعته التي لا تُضَاهَى؟ فإن فريد زكريا يصف الأزهر بأنه "أهم مركز لإسلام التيار السائد في العالم العربي". وإلى جانب كون طنطاوي المسؤولَ الأولَ في الإسلام السائد فهو أيضا راعي "منتدى الديانات الثلاث" الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له. والمنتدى منظمة هدفها مساعدة المسيحيين واليهود والمسلمين على تحقيق التفاهم المتبادل بينهم. يبدو الأمر لطيفا، ولكن دَعُونا نَجْلُوا الخطابية وننبش ما تحت السطح. ففي موعظة في إبريل (نيسان) 2002م ترجمها "معهد الأبحاث الإعلامية في الشرق الأوسط" وَصَف طنطاوي اليهودَ بأنهم "أعداء الله وأبناء الخنازير والقرود". وفي مؤتمرٍ عُقِد عام 1999م حول الطاقة النووية في مصر حَضَّ الشيخُ المسلمين على "امتلاك أسلحة نووية ردًّا على التهديد الإسرائيلي"، وقطع عهدا بأنه "إذا كانت لدى إسرائيل أسلحة نووية ستكون أول المهزومين لأنها تعيش في عالم لا خوف فيه من الموت". هذه الأقوال ينبغي ألا يُستهان بها كنُبَاحٍ بلا أنياب من رجلٍ أوصله المستنقع الفلسطيني إلى الجنون. فحتى عندما كانت عملية السلام لم تزل على قيد الحياة أطلق طنطاوي تعليقات مماثلة. وفي يناير (كانون الثاني) 1998م أجرت قناة "الجزيرة" مقابلة مع الشيخ الذي كان قد اجتمع مؤخَّرا بكبير حاخامات إسرائيل في لقاء بالقاهرة أثار زوبعة في الصحافة
(يُتْبَعُ)
(/)
المصرية. وتساءل مقدِّم "الجزيرة" إن كانت هناك فائدة من مثل هذه اللقاءات. نعق طنطاوي مؤكدا فائدة مثل هذه اللقاءات، وأشار إلى أنه هاجم الحاخام وأثبت له أن الإسلام هو دين الحق ... وباعتقاده أن كل من يرفض اللقاء مع العدو ليصفعه في وجهه جبان طالما أن في مثل هذا اللقاء ما يخدم الإسلام. أهذه هي نظرة شيخنا ذي الكف المتحرقة شوقا لتوجيه الصفعات، إلى رعايته لمنتدى الديانات الثلاث؟ باعتبارها فرصة لإنزال اللطمات بمزيد من اليهود؟ أم إن مثل هذا الموقف يُراد به إسماع الآذان العربية فقط؟ لستُ متأكدة، فبعد الإجابة عن سؤالٍ أوَّلَ مني قطع "منتدى الديانات الثلاث" خط الاتصالات عندما سألتُ: لماذا يُقْبَل طنطاوي صاحبُ اللسان المسموم راعيا للمنتدى؟ وأيًّا يكن من أمر فإن رب طنطاوي ليس رب التجديد بل رب الخداع. وأنا، من بين آخرين، لستُ مسيحية بما فيه الكفاية كي "أُدير الخد الآخر". وعلى مَنْ يُريدون إصلاح الإسلام أن يخوضوا كفاحا مع الخداع لتحقيق شيء ما في الواقع. وهذا يتطلب المضيّ أبعد من الحوار بين الأديان".
ونأتى إلى جابر عصفور، الذى تتغير معزوفتها تماما عند الحديث عنه: "جابر عصفور كاتب مصري يُبدي ارتياعه إذ يرى زحف "إسلام الصحراء" على ما في بلده من تقليد في التبادل الصاخب بالأخذ والرد. وهو يشير إلى أن إسلام الصحراء يتعارض مع ما في "حياة "الحارة" من تعددية ومساومات، إذ انه متعصب". وعلى غرار بَدْو القرن السابع (أرجو أن يأخذ القارئ باله من عبارة "بدو القرن السابع" هذه!) الذين كانوا يرَوْن في كل منعطف ثأرا يتربص بهم فإن الإسلاميين الذين يستوحون حياة الصحراء يرتابون فورا بـ"الآخر"، وحتى يضمرون له الكراهية. و"الآخر" هو اليهود، والغربيون، والمرأة التي يقول عصفور إن ثقافة الصحراء تعدُّها "مصدرا للغواية والشر". وهو يزعم أن أموال النفط التي تدفقت على العربية السعودية أسهمت في إشاعة عادات الصحراء القاسية. دون شك. ولكني أعتقد أن هذه العادات حدَّدت شكل الإسلام زمنا أطول بكثير مما نريد الاعتراف به".
ثم يبقى سعد الدين إبراهيم، وها هو ذا ما جاء عنه فى الكتاب الذى نحن بصدده: "ففي يوليو (تموز) أُودِع سعد الدين إبراهيم السجن للمرة الثانية خلال عامين. وقال ناشر صحيفة "القاهرة تايمز: Cairo Times" إن الحكم عليه بالسجن سبع سنوات مع إمكانية الأشغال الشاقة "يكاد يكون شهادة وفاة" تعلن موت الحقوق المدنية في مصر. ما أوصل أستاذ السوسيولوجيا البالغ من العمر 65 عاما إلى السجن يبقى غامضا، فهو صديق قديم للرئيس المصري حسني مبارك، وهو الأستاذ الذي أشرف على رسالة السيدة سوزان مبارك لنيل شهادة الماجستير وكاتب خطابات لها. وكان إبراهيم يستضيف برنامجا تلفزيونيا أسبوعيا عن التنمية الاجتماعية، وله أبحاث رائدة في دوافع المتشددين الإسلاميين، وقام بتمثيل مصر في مؤتمرات دولية حول حقوق الإنسان. ولكن هذا كله كان قبل 30 يونيو (حزيران) 2000م ليلة القبض عليه. وخلال الأشهر الأربعة والعشرين التالية من التوقيفات المديدة والمحاكمات الصورية وفترات الحبس بات واضحا له أن "الذين أغضبتُهم قرروا التحرك لإلغاء سعد الدين إبراهيم من الحياة العامة في مصر". المرجَّح أن غضب خصومه الأسْوَد كان يغلي منذ منتصف التسعينات. ذلك أن إبراهيم، بوصفه رئيس مركز ابن خلدون للدراسات التنموية في القاهرة، شعر أن من واجبه إشباع عمله بروح صاحب الاسم الذي أطلقه على مركزه. فإن ابن خلدون، الذي كان من آخر عمالقة الفكر في عصر الإسلام الذهبي، حوَّل التاريخ والسوسيولوجيا إلى فرعين محترمين من فروع المعرفة. وعلى أكتاف هذا المفكر الرائد سطع اسم إبراهيم، في العالم العربي المسلم على الأقل، في عام 1994م. فقد بادر إلى تنظيم مؤتمر حول حقوق الأقليات، وفي حينه كانت مصر تتمسك بقانون يفرض على المسيحيين الأقباط أن ينالوا موافقة الرئاسة قبل أن يتمكنوا من ترميم كنائسهم. وإذ طعن إبراهيم في نهج مصر الرسمي القائل إن المسلمين يعيشون في وئام تام مع المسيحيين، اعتبر الأقباط أقلية تعاني من اضطهاد النظام. وهنا كانت الضربة الأولى. فبعد عام راقب وآخرون من أنصار الديمقراطية الانتخابات البرلمانية التي جرت في مصر وكشفوا عن ممارسة التزوير بحجمٍ ما كان ليمكن التفكير فيه سابقا
(يُتْبَعُ)
(/)
إزاء صورة البلد بوصفه واحة للتنوير العربي. ثم كانت الضربة الثانية. فإن ما توصل إليه إبراهيم كان نذيرا بالاتجاه الذي لم تكن مصر تنزلق فيه فحسب، بل وتحث الخُطَى صَوْبَه: استبداد فاسد بدلا من ديمقراطية هشة أصلا".
والآن إلى ما تقوله الكاتبة (إن صح أنها هى التى كتبت الكلام) عن عمليات المقاومة التى يحاول بعض المسلمين أن يدرؤوا بها العدوان الأمريكى المدمر عن أمتهم وعن بلادهم. وسوف أنقل ما قيل عن الشبان الذين قيل إنهم هم الذين شنوا هجوم سبتمبر 2001م على البنتاجون ومركز التجارة العالمى فى نيويورك لأن هذا هو الذى وجدتُه فى الكتاب. لنستمع: "اسمحوا لي أن أفك لكم مفاتيح هذه اللغة المألوفة في أفلام الدرجة الثانية: أن عطا والشباب كانوا يتوقعون أن يدخلوا بحرية مطلقة على عشرات العذراوات في الجنة. وهم ليسوا وحدهم في ذلك. فقبل شهر من 11 سبتمبر (أيلول) قال مسؤول عن كسب أنصار لحركة حماس الفلسطينية التي تحولت من المقاومة إلى الإرهاب في تصريح لمحطة "سي بي إس" التلفزيونية إنه يلوّح بمرأى 70 حوريّة أمام المرشحين لتنفيذ عمليات انتحارية. يبدو الأمر وكأنه رخصة أبدية للقذف عند بلوغ الذروة الجنسية مقابل الاستعداد للتفجير. وقد زُعِم منذ زمن بعيد أن القرآن يَعِد بمجازاة المسلمين الذين يُسْتَشْهَدون. ولكن لدينا سببا للاعتقاد أن هناك متاعب في الجنة، فإن خطأ بشريا وجد طريقه إلى القرآن، إذ تفيد الأبحاث الجديدة ان ما يمكن للشهداء توقعه مقابل تضحياتهم ليس حوريّات، وإنما زبيبات! ذلك أن الكلمة التي قرأها فقهاء القرآن طيلة قرون على أنها كلمة "حور" قد تُفهم فهما أدق بمعنى "الزبيب الأبيض" (لا تضحكوا، ليس بإفراط على أية حال. فالزبيب في الجزيرة العربية خلال القرن السابع كان من الطيبات الثمينة بما فيه الكفاية لأن يُعْتَبَر طبقا من أطباق الجنة). ولكن أن يكون الزبيب هو المقصود بدلا من الحُور؟ حاشا لله. كيف يمكن للقرآن أن يرتكب مثل هذه الغلطة؟
المؤرخ الذي يسوق هذه الحجة، كريستوف لوكسمبرغ Christoph Luxemberg ، ( الصواب: " Luxenberg" بالنون لا بالميم)، خبير متخصص بلغات الشرق الأوسط. وهو ينسب وصف القرآن للجنة إلى عملٍ مسيحيٍّ كُتب قبل ثلاثة قرون على ظهور الإسلام في شكل من أشكال اللغة الآرامية التي كانت على الأرجح لغة المسيح. وإذا كان القرآن متأثرا بالثقافة اليهودية- المسيحية، الأمر الذي ينسجم انسجاما تاما مع دعواه بأنه يعكس ما سبقه من كتبٍ منزَّلة، فإن الآرامية كانت ستُتَرْجَم بيدٍ بشريةٍ إلى العربية، أو تُساء ترجمتها في حال كلمة "الحُور" والله أعلم كم من الكلمات الأخرى.
ماذا لو كانت عبارات وجُمَل كاملة قد جرى تصورها تصورا مغلوطا؟ فإن النبي محمد، الذي كان تاجرا أميا، اعتمد على كتّاب لتسجيل ما كان ينزل عليه من كلام الله. وأحيانا كان النبي نفسه يبذل محاولات مضنية لفك أسرار ما كان يسمعه. وهكذا، على ما يُذكر، نالت مجموعةٌ من "الآيات الشيطانية"، مقاطعُ تؤلِّه الأوثان، قبولَ محمد وسُجِّلت على أنها نصوص حقيقية في متن القرآن. وقد عمد النبي لاحقا إلى إسقاط هذه الآيات متهما الشيطان وأحابيله بالمسؤولية عنها. ولكن الحقيقة الماثلة في أن الفلاسفة المسلمين تناقلوا سرد هذا القصة على مر القرون، تؤكد شكوكا غابرة القدم في كمال القرآن. والآن أكثرَ من أي وقت مضى نحتاج إلى إحياء هذه الشكوك.
ماذا كان سيحدث لو تربى محمد عطا على أسئلة تبحث في الروح عن إجابات بدلا من تربيته على يقينيات بسيطة؟ وعلى أقل تقدير، ماذا لو عرف هذا الطالب الجامعي أن من الممكن المِراء في أصول كلمات مختارة، كلمات محورية عن الآخرة؟ وأنها قد لا تكون بالمرة "كلمات خالق الأرض والأجرام السماوية"؟ وأن جزاء تدمير الذات، ناهيكم عن القتل الجماعي، سيكون مكافأة مشكوكا فيها؟ وأن وعد الجنة هو رجم في الغيب وليس وعدا مضمونا؟ ربما كان حينذاك سيغير رأيه ويتراجع. ربما. فالاحتمال يستحق النظر فيه باهتمام. إنّ فِعْل وضْع القرآن موضعَ تساؤل هو ذاته جزء أساسي من حل لغز الإصلاح لأنه يشير إلى الغناء خارج السرب. وهو يعني عدم قبولكم بأن الإجابات معطاة أو أنها ستُعطى لكم. قال لي ضباط مخابرات في تورنتو يعملون مع خبراء بمكافحة الإرهاب في أنحاء العالم إن
(يُتْبَعُ)
(/)
الانتحاريين كثيرا ما يرتدون أكثر من لباس داخلي واحد أو يَحْشُون المنطقة الحساسة من جسمهم بالجرائد لحماية أعضائهم التناسلية من قوة الانفجار".
وتعليقا على هذا نبادر أولا فنقول إن السخف والتفاهة فى المزاعم المضحكة حول ورق الصحف الذى يحشو به الاستشهادى المنطقة الحساسة من جصده لحمايتها من الانفجار لا تدل إلا على عقلية خائبة فى الدعاية الكاذبة رغم خبثها الشيطانى. كذلك لا يمكن لقائل ذلك الكلام أن يزعم صادقا أنه مسلم، إذ كيف يكون مسلما من لا يؤمن بأن هذا القرآن من عند الله، بل يصر على أنه اسْتُقِىَ من مصادر أخرى، وأنه كان عرضة للعبث والهوى وسوء الفهم حتى من الرسول نفسه. ونحن حين نقول هذا نقول معه أيضا إن هذه البنت حرة تماما فيما تقوله وتعتقده، كما أنها حرة تماما فى أن تكون سحاقية أو امرأة طبيعية. ذلك حقها فى الاختيار، مثلما هو من حقنا أن نكشف الستار عما يحاك لنا فى الغرب، ومنه بكل تأكيد إعدادُ أمثالها ورَمْيُهم فى طريقنا يُجْلِبون علينا، ويحاولون أن يُشِيعوا الاضطراب فى صفوفنا ويشككونا فيما نؤمن به من دين وقيم ومبادئ، وييئّسونا من جدوى الوسائل التى نتخذها للدفاع عن مقومات وجودنا وحاضرنا ومستقبلنا ودنيانا وأخرانا. وواضح أن كاتب الكلام قد وضع نصب عينيه تكسير مجاديف المجاهدين فى سبيل الله، أولئك الأبطال الذين يجرِّعون أمريكا الصاب والعلقم ويطيّرون النوم من عيونها ويستنزفون ملياراتها ويوقعون عشرات الآلاف من القتلى والجرحى من جنودها رغم قلة مواردهم وتخلف وسائلهم وأسلحتهم، ورغم التضييق الخانق المضروب عليهم واشتراك أطراف الأرض كلها تقريبا فى عداوتهم وحصارهم واقتفاء أثرهم والتبليغ عنهم بما فى ذلك كثير من أفراد أممهم حكامًا ومحكومين. إن الأمريكان يبذلون كل غالٍ ونفيس ويتمنَّوْن، ولو بخلع الضرس، بل ولو بقلع العين، أن يقضوا على روح الجهاد التى يخلقها الإسلام فى نفوس أتباعه، والتى لولا هى لكانت أمريكا قد انتهت منا والتهمتنا منذ زمن طويل، وذلك رغم كل التخلف والعيوب التى نعانى منها على كل الأصعدة والمستويات تقريبا. فما بالكم لو أن المسلمين قد استيقظوا كلهم على بَكْرَة أبيهم وهبَّتْ فيهم نسمة الحياة وتحركت نخوتهم وكرامتهم وانتفضوا يعملون ويجِدّون ويكِدّون ويبدعون ويستكشفون وينتجون ويتقنون، ولم يلقوا بالهمّ والمسؤولية كلها على عاتق تلك الطائفة القليلة منهم التى لم تستسلم ولم تَهِن أو تَهُن، بل ما زالت تحاول القيام بالمهمة وحدها فتُوَفَّق أحيانا وتُخْفِق فى كثير من الأحيان لأنها تتحرك فى إطارٍ مُعَادٍ أو على الأقل غير مبالٍ؟ ولا ينبغى أن يغيب عن بالنا ما ورد فى كلامها السابق عن العلاقة بينها وبين بعض رجال المخابرات والمعلومات التى يمدّونها بها مما يؤكد ما قلته عن دور تلك المؤسسة وأمثالها فى تأليف هذا الكتاب.
إن واضع الكتاب يتساءل: "ماذا كان سيحدث لو تربى محمد عطا على أسئلة تبحث في الروح عن إجابات بدلا من تربيته على يقينيات بسيطة؟ وعلى أقل تقدير، ماذا لو عرف هذا الطالب الجامعي أن من الممكن المِراء في أصول كلمات مختارة، كلمات محورية عن الآخرة؟ وأنها قد لا تكون بالمرة "كلمات خالق الأرض والأجرام السماوية"؟ وأن جزاء تدمير الذات، ناهيكم عن القتل الجماعي، سيكون مكافأة مشكوكا فيها؟ وأن وعد الجنة هو رجم في الغيب وليس وعدا مضمونا؟ "، ثم يجيب على النحو التالى: "ربما كان حينذاك سيغير رأيه ويتراجع". وهى بالتأكيد إجابة صحيحة، لكنها ليست إجابة كاملة. أما تكملتها فهى أنه بعد أن يغير رأيه ويتراجع سوف يصيبه اليأس وسوف ينضم، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى طابور العملاء الأمريكيين الذين يخونون بلادهم وشعوبهم ويفسدون كل شىء عليها، مما يمدّ فى سطوة أمريكا على بلاد المسلمين ويفتح شهيتها الجشعة النهمة المجرمة لابتلاع كل شىء، أما فى ظل العمليات الاستشهادية الآن فإن ثمة شوكة بل أشواكا ناشبة فى حلقها تنغِّض عليها الأكل. وأملُنا مع الأيام أن تتحقق من أنها لن تستطيع أبدا التخلص من هذه الأشواك فتنصرف عن التهام ثرواتنا ووجودنا نفسه، وبمشيئة الله لن يكون ذلك بعيدا، اللهم إلا إذا استمرأت جماهير العرب والمسلمين هذا الخُمَار الذى يغيِّب عقلها ويضيِّع عليها الفرص الكثيرة التى يتيحها الله لها. وعندئذ
(يُتْبَعُ)
(/)
قد نكون من الأمم التى تُوُدِّع منها فيستبدل الله بها أمما أخرى أكثر عزة وصلابة وصمودا واستعصاء على الالتهام لتتحمل مسؤولية نصرة هذا الدين العبقرى العظيم الذى فرَّطْنا فيه بغباء نادر، ولم نستطع أن نستلهم ما يستكنّ في أعماقه من إبداع كفيل بإبلاغنا الذُّرَى لو عَقَلْنا ونَشِطَتْ إرادتنا الخائرة المتهافتة التافهة التى لا تستطيع أن تنظر إلا إلى ما تحت أقدامها فلا تبصر السماء والنور والقمم! أيُعْقَل أن تكون هذه الأمة هى أمة محمد؟ والله إنه لحرام! إن فى قلبى، وأنا أخط هذه السطور، لَغُصَّةً ثقيلة! كيف وصل الأمر يا إلهى أن تتجرأ علينا "حِتّة عَيِّلة سحاقيّة مفعوصة" (سواء كانت هى مؤلفة الكتاب أو لم تكن) فتوبخنا وتعيث جهلا وإفسادا فى ديننا وتاريخنا وتنصر أعداءنا علينا، ثم يبلغ من بجاحتها أن تقول إنها هى مجتهدة العصر التى ستقدم الفهم الصحيح للإسلام، مساويةً هكذا رأسها برأس الشافعى وأبى حنيفة والطبرى والغزالى وابن تيمية والسيوطى والشوكانى وابن باديس وشلتوت والمودودى وغيرهم من الفطاحل الكرام؟ لقد هُنَّا هوانًا فظيعًا، ونحن للأسف مستحقّوه! إننى لا أستطيع أن أستقر فى مجلسى أمام الحاسوب، بل أقوم بين الفينة الفينة وأدور فى البيت كالملدوغ!
ومن إرشاد مانجى إلى كريستوف لوكسنبرج يا قلبى لا تحزن. ومرة أخرى يغلبنى التعبير التقليدى الذى لا يعبر عن الواقع، إذ الواقع يقول إنى حزين، ومن ثم كان ينبغى أن أقول: ومن إرشاد إلى كريستوف لوكسنبرج احزن يا قلبى واحزن واحزن على حالنا الذى لا يسر أحدا. تقول الكاتبة، أو يقول من كتب باسمها الكتاب، إن "هناك متاعب في الجنة، فإن خطأ بشريا وجد طريقه إلى القرآن، إذ تفيد الأبحاث الجديدة أن ما يمكن للشهداء توقعه مقابل تضحياتهم ليس حوريات، وإنما زبيبات! ذلك أن الكلمة التي قرأها فقهاء القرآن طيلة قرون على أنها كلمة "حُور" قد تُفْهَم فهمًا أدقّ بمعنى "الزبيب الأبيض" (لا تضحكوا، ليس بإفراط على أية حال. فالزبيب في الجزيرة العربية خلال القرن السابع كان من الطيبات الثمينة بما فيه الكفاية لأن يُعْتَبَر طبقا من أطباق الجنة). ولكن أن يكون الزبيب هو المقصود بدلا من الحُور؟ حاشا لله. كيف يمكن للقرآن أن يرتكب مثل هذه الغلطة؟ ". وهذا الهراء قد نقلته من مقال نشرته النيويورك تايمز للصحفى ALEXANDER STILLE بتاريخ 2 مارس 2002م بعنوان " Radical New Views of Islam and the Origins of the Koran "، وقد بحثتُ عن المقال حتى وجدته فقرأته ورأيت أن أنقل للقراء الفقرة التى تهمنا فى هذا السياق، وهى الفقرة الخاصة بالخطإ الذى يزعم الأغبياء أنه وقع فى القرآن فجعل علماء المسلمين يفسّرون "حُور" الجَنّة بأنهن النساء الجميلات، على حين أن المعنى الصحيح هو الزبيب الأبيض. وحتى لو كان المعنى هو الزبيب الأبيض، أليس هذا بالله عليكم أفضل من قعر سَقَر، الذى سيُشْوَى فيه المضلِّلون الجهلة الكافرون، كلما نضجت جلودهم بدّلهم الله جلودا غيرها ليستمروا فى مقاساة العذاب؟ على أية حال هذا هو النص:
" For example, the famous passage about the virgins is based on the word hur, which is an adjective in the feminine plural meaning simply "white." Islamic tradition insists the term hur stands for "houri," which means virgin, but Mr. Luxenberg insists that this is a forced misreading of the text. In both ancient Aramaic and in at least one respected dictionary of early Arabic, hur means "white raisin."
Mr. Luxenberg has traced the passages dealing with paradise to a Christian text called Hymns of Paradise by a fourth-century author. Mr. Luxenberg said the word paradise was derived from the Aramaic word for garden and all the descriptions of paradise described it as a garden of flowing waters, abundant fruits and white raisins, a prized delicacy in the ancient Near East. In this context, white raisins, mentioned often as hur, Mr. Luxenberg said, makes more sense than a reward of sexual favors".
(يُتْبَعُ)
(/)
كما وجدتُ فى موقع " Beith Drasha Discussion Forum" مقالا بعنوان " Giving the Koran a history" للصحفى Jim Quilty يتناول ما زعمه بعض المستشرقين من وقوع تغييرات فى النص القرآنى وفهمه، وفيه إشارة إلى لوكسنبرج وما قاله عن الحُور والزبيب، وهذا نص كلامه:
" Another more contentious conclusion was picked up by journalists at the New York Times and the Guardian after Sept. 11, 2001, because it seems to have direct implications for the aspirations of those hijackers, and Muslim suicide bombers generally. It concerns the houris, the angels or virgins whom, it is written, await those who attain paradise. Luxenberg argues that “hur” are not virgins but grapes or raisins, specifically white grapes * which were considered a great delicacy at the time. Luxenberg’s restored version of the houris lines thus reads: “We will let them (the blessed in Paradise) be refreshed with white (grapes), (like) jewels (of crystal).” It is a less sensual notion of everlasting life to be sure, but, given that the virgins have always been said to be female, a less patriarchal one as well".
وخلاصته أن قوله تعالى: "وحُورٌ عِين* كأمثال اللؤلؤ المكنون" (الواقعة/ 22) ينبغى أن يفسَّر على النحو التالى: "ومتَّعناهم بزبيب أبيض كأمثال جواهر الكريستال". ويعلق الصحفى شامتا متهكما بأن معنى الآية قد أصبح بكل تأكيد أقل شهوانية، لكنه أصبح كذلك أقل إساءة للنساء (طبعا أقل إساءة للنساء السحاقيات اللاتى لا يردن الرجال، بل يغلبهن السعار إلى الشاذات مثلهن من بنات جنسهن).
وهذا كله كلام سخيف لا طعم له فى دنيا العلم ولا ولون ولا رائحة، فمن الواضح أن المستشرق الذى ينقل عنه هذان الصحفيان إما جاهل أو يستبله، والعلم لا يصلح فيه هذا أو ذاك. كيف؟ إنه يفعل ما يفعله كثير من المستشرقين حين يلدغهم الثعبان إذا ما جاءت سيرة القرآن فيزعمون أن هذه اللفظة القرآنية مأخوذة من الآرامية أو السريانية أو العبرية. المهم أنها ليست عربية، والسلام. ومقطع الحق فى هذه القضية أنه كانت هناك عدة لغات فى منطقة الشرق الأوسط، بعضها لا يزال حيا مستعملا حتى الآن، قد لاحظ المستشرقون بينها شبها فى الألفاظ والصيغ والتراكيب، فاستنتجوا من ذلك أن هذه اللغات هى فى الأصل فروع من لغة أصلية اندثرت فى الزمان الأول هى اللغة السامية. أما الفروع المشار إليها فهى السومرية والأكادية والآشورية والعبرية والسريانية والآرامية والعربية ... بل إن بعض هؤلاء المستشرقين أنفسهم يقولون إن العربية هى تلك اللغة السامية الأم التى تفرعت منها اللغات المذكورة. وعلى كل حال فسواء قلنا إن العربية ما هى إلا فرع من اللغة السامية أو إنها هى هذه اللغة السامية نفسها، فالنتيجة التى ينبغى أن ننتهى إليها أنه لا يصح القول دائما وعلى نحو آلى كما يفعل المستشرقون بأن هذه اللغة السامية أو تلك (الآرامية والعبرية والسريانية بالذات، وهى اللغات التى ترتبط بالكتاب المقدَّس وأتباعه) هى الأصل الذى استعارت منه العربيةُ اللفظَ الفُلاَنىّ كما يحلو لبعض المستشرقين أن يقولوا كلما أرادوا أن ينفوا الأصالة عن القرآن الكريم. فالمشكلة إذن عندهم هى القرآن لا العربية فى حد ذاتها. والآن فإن مادة "ح و ر" موجودة فى العربية على نطاق واسع، والمعنى المحورى فيها هو البياض والصفاء. و"الأحور" هو الأبيض الصافى، و"الحوراء" صفة تُطْلَق على المرأة الشديدة بياض العين وسوادها. ولتكن هذه الكلمة بعد ذلك فى الآرامية ما تكون، فإن معناها هناك لا يلزمنا فى شىء، إذ المهم ماذا تعنى عندنا نحن؟ ثم ها هى ذى آيات القرآن التى وردت فيها هذه الكلمة، وكلها تتحدث عن سعادة المؤمنين فى الجنة مع أزواجهم: "كذلك، وزوَّجناهم بحُورٍ عِين" (الدخان/ 54)، "متكئين على فُرُشٍ بطائنها من إستبرقٍ، وزوّجناهم بحُورٍ عِين"الطور/ 20)، "حُورٌ مقصوراتٌ فى الخيام" (الرحمن/ 73)، "وحُورٌ عِين* كأمثال اللؤلؤ المكنون" (الواقعة/ 22). ترى هل يمكن عاقلا أن يقول إن الكلمة هنا تعنى "الزبيب الأبيض"؟ فمتى كان الزبيب الأبيض أو الأحمر أو الأزرق (أو "المهبّب
(يُتْبَعُ)
(/)
بهباب أسود" كقلوب هذا الصنف من المستشرقين وعقولهم) يتزوج به الرجال؟ هل رأيتم زبيبة تُزَفّ إلى رجل؟ يا ألطاف الله، أدركينى! إن الزبيبة هى هذا المستشرق الذى ليس له عندى إلا: "طول عمرك يا زبيبة، وانت فى ... العود". ثم دَعُونا من "الحُور العين"، التى يصر المستشرق الجاهل الحقود أنها لا تعنى إلا "الزبيب الأبيض"، فماذا نحن فاعلون فى الآيات الأخرى التى تذكر "العُرُب الأتراب" و"قاصرات الطَّرْف اللاتى لم يَطْمِثْهُنّ إنسٌ من قبل ولا جانّ" و" المؤمنين الذين هم وأزواجهم فى ظلالٍ على الأرائك متكئون" ... إلخ، أهذا كله زبيب أبيض؟ يا عالم، اختشوا! صحيح: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"! وهؤلاء قوم لا يستحون ولا يختشون! ومع هذا كله فلن نكتفى بما مضى، بل سنمضى خطوة أخرى ونورد هذه الأبيات من الشعر الجاهلى الذى لم يكن أصحابه ولا مستمعوه يعرفون شيئا عن الجنة ولا ضَحِكَ عليهم بن لادن ولا الدكتور الزهّار وأوهماهم أن فى الجنة سبعين حورية، أى سبعين امرأة جميلة لا سبعين زبيبة كما ينبغى أن يكون معنى الكلام، ومنها البيت الذى يقوله ابن إسرائيل اليهودى (اليهودى، لاحظ! فلا هو مسلم ولا حتى عربى، وهذا من أبلغ البراهين على كذب ما يقول المستشرق). والأبيات لابن إسرائيل وامرئ القيس وعاجبة الهمدانى وعَبِيد بن الأبرص وعمرو بن قميئة وسلامة بن جندل ومالك بن فهم الأزدى والأعسر الضَّبِّى والمرقِّش الأكبر وعرفجة بن جُنَادة على الترتيب:
وعَدَتْ بوصلٍ، والزمانُ يُسَوِّفُ * حَورَاءُ ناظِرُها حُسَامٌ مُرهَفُ
* * *
نَظَرَت إِلَيكَ بِعَينِ جازِئَةٍ * حَوراءَ حانِيَةٍ عَلى طِفلِ
* * *
فَأَسْرَعتُ الإِيابَ بِخَيرِ حالٍ * إِلى حَوراءَ خَرعَبَةٍ لَعوبِ
* * *
وَإِذ هِيَ حَوراءُ المَدامِعِ طَفْلَةٌ * كَمِثلِ مَهاةٍ حُرَّةٍ أُمِّ فَرقَدِ
* * *
لَها عَينُ حَوْراءَ في رَوضَةٍ * وَتَقْرُو مَعَ النَبْتِ أَرْطًى طِوالا
* * *
وَعِندَنا قينَةٌ بَيضاءُ ناعِمَةٌ * مِثلُ المَهاةِ مِنَ الحُورِ الخَراعيبِ
* * *
وَجعدةَ بنتَ حارثَة بن حَربٍ * من الحُور المُحَبَّرةِ الحِسَانِ
* * *
حُورٍ نَواعِمِ قَد لَهَوتُ بها * وَشَفَيتُ من لذّاتِها نَفسي
* * *
وفيهنَّ حُورٌ كمثلِ الظِّباء * تَقَرَّوْا بأعلى السليلِ الهَدالا
* * *
فرَوْضُ ثُوَيْرٍ عن يمينٍ رَويّةٍ * كأن لم ترَبَّعْه أوانسُ حُورُ
ومع ذلك كله هل يعتقد حقًّا هؤلاء الناس أن الشبان الاستشهاديين حين يضحّون بحياتهم إنما يضعون نُصْبَ أعينهم "الحُور العِين" (أى النساء الجميلات فعلا) بهذا المعنى الهلواسىّ كما يزعمون؟ أنا مثلا واحد من الذين يفكرون دائما فى الجنة، وكل ما أتطلع إليه هو الراحة الأبدية الشاملة والسعادة النقية المبرَّأة من الأكدار (وعلى رأس هذه الأكدار الاستعمار وجيوشه من المستشرقين والمبشرين والصحافيين الكاذبين المخادعين الضالين المضلين!). إننا لا نزعم النفور من مُتَع الجنة ومسرّاتها، لكننا نقول إن هذه المتع لا تكون حاضرة فى الذهن بالمعنى الذى يحاول هؤلاء المستشرقون أن يخيِّلوه لنا. ثم أليس مضحكا أن يسخر أولئك اللوطيون والسحاقيات من "الحُور العِين"؟ لكن ما المضحك فى الأمر، وهم ناس شَوَاذّ، والشَّوَاذّ لا يفهمون معنى الاستمتاع بالمتع الطاهرة النظيفة ولا يقدرون عليه؟ إنهم يريدونها جنة شاذة مثلهم! انظر مثلا كيف يتحدث الكتاب الذى يحمل اسم إرشاد مانجى عن فتوى أصدرتها منظمتان إنجليزيتان للُّوطيّين والسِّحاقيّات (ردًّا على ما قيل إنها فتوى كانت قد أفتت بها جماعة إسلامية فى بريطانيا بمحاكمة كاتب بريطانى ألف مسرحية صورت المسيح على أنه شاذ جنسى ووزعتها فى أنحاء المملكة المتحدة) وجاءت على النحو التالى: "ردا على الشيخ ( ... ) أصدرت مجموعتان للدفاع عن حقوق المثليين، هما " Lesbian Avengers" و" Outrage"، " فتوى شاذة" ضده. وقيل إن الفتوى حكمت على ( ... ) "بتعذيبه من خلال اللواط به دون توقف لمدة ألف عام". مسكين ذلك الشخص الذي سيتولى تعذيبه بهذه الطريقة"! بل مسكينة أنت وأمثالك من اللوطيين والسحاقيات، يا من لا تستطيعون أن تفهموا أو تستطعموا إلا لذائذ الخراء، فهنيئا لكم هذا الطبق الشهىّ الذى تجدون فيه بغيتكم كما تجد الديدانُ القذرةُ بغيتها فى الرِّمَم المنتنة!
(يُتْبَعُ)
(/)
وبالمناسبة فبالإمكان الرد على هذه "الفتوى الشاذة" بفتوى أخرى فيها الدواء والشفاء، من داء الأُبْنَة العَيَاء، الذى حار فيه الأطباء، ألا وهى حَشْو دُبُر كل واحد منهم بقليل من مسحوق الشطة السودانى، وأنا زعيمٌ بأنهم سوف يتوبون بعدها توبة نصوحًا ويمشون كالأَلِف لا يلتفتون يمنة أو يسرة! والله عال يا لُمَامَة المجتمع! لم يبق إلا اللوطيون والسحاقيات يتهكمون على الكرام الأطهار بدلاً من أن يتوارَوْا خجلا ويتمنَّوْا أن تنشقّ الأرض وتبتلعهم!
ونختم كلامنا بما أشار إليه الكتاب مما يسمَّى: "قصة الغرانيق"، التى تتلخص فى الزعم بأن سورة " النجم " كانت تحتوى فى البداية على آيتين تمدحان الأصنام الثلاثة: "اللات والعُزَّى ومَنَاة"، ثم حُذِفتا منها فيما بعد. يريدون القول بأن محمدا، عليه الصلاة والسلام، كان يتمنى أن يصالح القرشيين حتى يكسبهم إلى صفه بدلا من استمرارهم فى عداوتهم لدعوته وإيذائهم له ولأتباعه، ومن ثَمَّ أقدم على تضمين سورة " النجم " تَيْنِك الآيتين عقب قوله: " أفرأيتم اللاتَ والعُزَّى * ومناةَ الثالثةَ الأخرى؟ " (النجم /19– 20) على النحو التالى: "إنهنّ الغرانيق العُلا* وإن شفاعتهن لَتُرْتَجَى". والمقصود من وراء ذلك كله هو الإساءة للرسول الكريم بالقول بأنه لم يكن مخلصا فى دعوته، بل لم يكن نبيا بالمرة، وإلا لما أقدم على إضافة هاتين الآيتين من عند نفسه. وهذه الفرية هى مما يحلو للمستشرقين والمبشرين أن يرددوها للمكايدة وإثارة البلبة، مع أن أقل نظرة فى سورة "النجم" أو فى سيرة حياته صلى الله عليه وسلم كافية للقطع بأن تلك القصة لا يمكن أن تكون قد حدثت على هذا النحو الذى اخترعه بعض الزنادقة قديما وأخذ أعداء الإسلام يرددونها شأن الكلب الذى وجد عظمة فعضّ عليها بالنواجذ وأخذ ينبح كل من يقترب منه!
وقد تناول عدد من علماء المسلمين قديما وحديثا الروايات التى تتعلق بهاتين الآيتين المزعومتين وبينوا أنها لا تتمتع بأية مصداقية. والحقيقة إن النظر فى سورة " النجم " ليؤكد هذا الحكم الذى توصل إليه أولئك العلماء، فهذه السورة من أولها إلى آخرها عبارة عن حملة مدمدمة على المشركين وما يعبدون من أصنام بحيث لا يُعْقَل إمكان احتوائها على هاتين الآيتين المزعومتين، وإلا فكيف يمكن أن يتجاور فيها الذم العنيف للأوثان والمدح الشديد لها؟ ترى هل يمكن مثلا تصوُّر أن ينهال شخص بالسب والإهانة على رأس إنسان ما، ثم إذا به فى غمرة انصبابه بصواعقه المحرقة عليه ينخرط فجأة فى فاصل من التقريظ، ليعود كرة أخرى فى الحال للسب والإهانة؟ هل يعقل أن يبلع العرب مثل هاتين الآيتين اللتين تمدحان آلهتهم، وهم يسمعون عقيب ذلك قوله تعالى: " ألكم الذَّكَر وله الأنثى؟ * تلك إذن قسمةٌ ضِيزَى* إنْ هى إلا أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان. إنْ تتَّبعون إلا الظن وما تَهْوَى الأنفس. ولقد جاءهم من ربهم الهدى"؟ إن هذا أمر لا يمكن تصوره! كما أن وقائع حياته صلى الله عليه وسلم تجعلنا نستبعد تمام الاستبعاد أن تكون عزيمته قد ضعفت يوما، فقد كان مثال الصبر والإيمان بنصرة ربه له ولدعوته. ومواقفه من الكفار طوال ثلاثة وعشرين عاما وعدم استجابته فى مكة لوساطة عمه بينه وبينهم رغم ما كان يشعر به من حب واحترام عميق نحوه، وكذلك رفضه لما عرضوه عليه من المال والرئاسة، هى أقوى برهان على أنه ليس ذلك الشخص الذى يمكن أن يقع فى مثل هذا الضعف والتخاذل!
هذا، وقد أضفتُ طريقةً جديدةً للتحقق من أمر هاتين الآيتين هى الطريقة الأسلوبية، إذ نظرتُ فى الآيتين المذكورتين لأرى مدى مشابهتهما لسائر آيات القرآن فوجدت أنهما لا تمتان إليها بصلةٍ البتة. كيف ذلك؟ إن الآيتين المزعومتين تجعلان الأصنام الثلاثة مناطا للشفاعة يوم القيامة دون تعليقها على إذن الله، وهو ما لم يسنده القرآن فى أى موضع منه إلى أى كائن مهما تكن منزلته عنده سبحانه. ولن نذهب بعيدا للاستشهاد على ما نقول، فبعد هاتين الآيتين بخمس آيات فقط نقرأ قوله تعالى: "وكم مِنْ مَلَكٍ فى السماوات لا تُغْنِى شفاعتُهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويَرْضَى". فكيف يقال هذا عن الملائكة فى ذات الوقت الذى تؤكد إحدى الآيتين المزعومتين أن شفاعة الأصنام الثلاثة جديرة بالرجاء من غير
(يُتْبَعُ)
(/)
تعليق لها على إذن الله؟ ثم إنه قد ورد فى الآية الثانية من آيتى الغرانيق كلمة "تُرْتَجَى"، وهى أيضا غريبة على الأسلوب القرآنى، إذ ليس فى القرآن المجيد أى فعل من مادة " ر ج و " على صيغة "افتعل". أما ما جاء فى إحدى الروايات من أن نص الآية هو: "وإنّ شفاعتهن لتُرْتَضَى"، فالرد عليه هو أن هذه الكلمة، وإن وردت فى القرآن ثلاث مرات، لم تقع فى أى منها على " الشفاعة "، وإنما تُسْتَخْدَم مع الشفاعة عادةً الأفعال التالية: "تنفع، تغنى، يملك".
كذلك فقد بدأت مجموعةُ الآيات التى تتحدث عن اللات والعُزَّى ومناة بقوله عَزَّ شأنُه: "أ (فـ) ـرأيتم ... ؟ "، وهذا التركيب قد ورد فى القرآن إحدى وعشرين مرة كلها فى خطاب الكفار، ولم يُسْتَعْمَل فى أى منها فى ملاينة أو تلطف، بل ورد فيها جميعا فى مواقف الخصومة والتهكم وما إلى ذلك بسبيل كما فى الشواهد التالية: " قل: أرأيتم إن أتاكم عذابُه بَيَاتًا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون؟ " (يونس/ 50)، "قل: أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزقٍ فجعلتم منه حلالا وحراما، قل: آللهُ أَذِنَ لكم أم على الله تفترون؟ " (يونس/ 59)، "قل: أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشَهِد شاهدٌ من بنى إسرائيل على مِثلِْه فآمن واستكبرتم؟ إن الله لا يهدى القوم الظالمين" (الأحقاف/ 1)، " أفرأيتم الماء الذى تشربون؟ * أأنتم أنزلتموه من المُزْن أم نحن المُنْزِلون؟ * لو نشاء جعلناه أُجَاجًا، فلولا تشكرون" (الواقعة/ 68– 70). فكيف يمكن إذن أن يجىء هذا التركيب فى سورة "النجم" بالذات فى سياق ملاطفة الكفار ومراضاتهم بمدح آلهتهم؟ وفوق هذا لم يحدث أن أُضيفت كلمة "شفاعة" فى القرآن الكريم (فى حال مجيئها مضافة) إلا إلى الضمير "هم" على خلاف ما أتت عليه فى آيتى الغرانيق من إضافتها إلى الضمير "هنّ ".
وفضلا عن ذلك فتركيب الآية الأولى من الآيتين المزعومتين يتكون من "إنّ (وهى مؤكِّدة كما نعرف) + ضمير (اسمها) + اسم معرّف بالألف واللام (خبرها) "، وهذا التركيب لم يُسْتَعْمَل لـ"ذات عاقلة" فى أى من المواضع التى ورد فيها فى القرآن الكريم (وهى تبلغ العشرات) دون زيادة التأكيد لاسم "إنّ" الضمير بضميرٍ مثله، كما فى الأمثلة التالية: "ألا إنهم هم المفسدون/ ألا إنهم هم السفهاء/ إنه هو التواب الرحيم/ إنك أنت السميع العليم/ إنك أنت التواب الرحيم/ إنه هو السميع العليم/ إنه هو العليم الحكيم/ إنه هو الغفور الرحيم/ إنى أنا النذير المبين/ إنه هو السميع البصير/ إننى أنا الله/ إنك أنت الأعلى/ إنا لنحن الغالبو / إنه هو العزيز الحكيم/ وإنا لنحن الصافّون/ وإنا لنحن المسبِّحون/ إنهم لهم المنصورون/ إنك أنت الوهاب/ إنه هو السميع البصير/ إنه هو العزيز الرحيم/ إنك أنت العزيز الكريم/ إنه هو الحكيم العليم/ إنه هو البَرّ الرحيم/ ألا إنهم هم الكاذبون/ فإن الله هو الغنى الحميد". أما فى المرة الوحيدة التى ورد التركيب المذكور دون زيادة التأكيد لاسم "إنّ" الضمير بضميرٍ مثله (وذلك فى قوله تعالى: "إنه الحق من ربك"/ هود/ 17) فلم يكن الضمير عائدا على ذات عاقلة، إذ الكلام فيها عن القرآن. ولو كان الرسول يريد التقرب إلى المشركين بمدح آلهتهم لكان قد زاد تأكيد الضمير العائد عليها بضميرٍ مثله على عادة القرآن الكريم بوصفها "ذواتٍ عاقلةً"، ما داموا يعتقدون أنها آلهة. وعلى ذلك فإن التركيب فى أُولَى آيَتَىِ الغرانيق هو أيضا تركيب غريب على أسلوب القرآن الكريم.
مما سبق يتأكد لنا على نحوٍ قاطعٍ أن الآيتين المذكورتين ليستا من القرآن، وليس القرآن منهما، فى قليل أو كثير. بل إنى لأستبعد أن تكون كلمة "الغرانيق" قد وردت فى أى من الأحاديث التى قالها النبى عليه الصلاة والسلام. وينبغى أن نضيف إلى ما مرّ أن كُتُب الصحاح لم يرد فيها أى ذكر لهذه الرواية، ومثلها فى ذلك ما كتبه ابن هشام وأمثاله فى السيرة النبوية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد قرأت فى كتاب "الأصنام" لابن الكلبى (تحقيق أحمد زكى/ الدار القومية للطباعة والنشر/ 19) أن المشركين كانوا يرددون هاتين العبارتين فى الجاهلية تعظيما للأصنام الثلاثة، ومن ثَمَّ فإنى لا أستطيع إلا أن أتفق مع ما طرحه سيد أمير على من تفسير لما يمكن أن يكون قد حدث، بناءً على ما ورد من روايات فى هذا الموضوع، إذ يرى أن النبى، عندما كان يقرأ سورة "النجم"، وبلغ الآيات التى تهاجم الأصنام الثلاثة، توقَّع بعض المشركين ما سيأتى بعد ذلك فسارع إلى ترديد هاتين العبارتين فى محاولة لصرف مسار الحديث إلى المدح بدلا من الذم والتوبيخ ( Ameer Ali, The Spirit of Islam, Chatto and Windus, London, 1978, P.134). وقد كان الكفار فى كثير من الأحيان إذا سمعوا القرآن أحدثوا لَغْطًا ولَغْوًا كى يصرفوا الحاضرين عما تقوله آياته الكريمة (فُصِّلَتْ/ 26)، فهذا الذى يقوله الكاتب الهندى هو من ذلك الباب. ولتقريب الأمر أسوق للقارئ مثالا على هذه الطريقة كنت من شهوده، إذ كان رئيس ومرؤوسه يتعاتبان منذ أعوام فى حضورى أنا وبعض الزملاء، وكان الرئيس يتهم المرؤوس المسكين بأنه يكرهه، والآخر يحاول أن يبرئ نفسه عبثا لأنه كان معروفا عنه خوضه فى سيرة رئيسه فى كل مكان. وفى نوبة يأس أسرع قائلا وهو يؤكد كلامه بكل ما لديه من قوة: "إن ما بينى وبينك عميق! "، فما كان من زميل معروف بحضور بديهته وسرعة ردوده التى تحوِّل مجرى الحديث من وجهته إلى وجهة أخرى معاكسة إلا أن تدخل قائلا فى سرعة عجيبة كأنه يكمل كلاما ناقصا: "فعلا! عميقٌ لا يُعْبَر". وهنا أمسك الرئيس بهذه العبارة وعدَّها ملخِّصةً أحسن تلخيص للموقف ولمشاعر مرؤوسه المزنوق الذى يحاول التنصل مما يُنْسَب إليه!
ونختم كلامنا بنقل المقال التالى الذى كتبه أ. حسن السرّات فى جريدة الشعب بتاريخ الجمعة 13/ 5/ 2005 عن الشذوذ الجنسى وانتشاره كالوباء بين الأوربيين والكوارث الصحية والأخلاقية التى تترتب عليه، والقوم رغم ذلك لاهون وماضون فى إشعال الحرائق كما فعل نيرون الطاغية بروما. ونحن نؤمن إيمانا جازما أن ذلك سيكون من العوامل التى تؤدى إلى انهيار العالم الغربى رغم كل القوة والجبروت التى هو عليها، وإن كان هذا لا يعنى بالضرورة أننا نحن المسلمين نصلح بأوضاعنا الحالية لقيادة العالم بعده. على كل حال لنقرإ المقال ولنعتبر:
"الاشتراكيون الأوروبيون والشذوذ الجنسي"
"إسبانيا الكاثوليكية تبيح للشواذ الزواج وفرنسا تترقب"
صوت البرلمان الإسباني ذو الأغلبية الاشتراكية على مشروع قانون يعترف للشواذ الجنسيين بالزواج فيما بينهم وتبني الأطفال وتكوين أسرة، وبتصويت 183 نائبا برلمانيا لصالح مشروع القانون في مقابل 136 من الرافضين وامتناع 6 عن التصويت يوم الخميس 21 أبريل 2005، تكون إسبانيا على عهد الحكومة الاشتراكية بقيادة زاباتيرو أول حكومة أوروبية ستغير مدونتها المدنية لفتح المجال أمام زواج الشواذ وتبني الأطفال في الوقت الذي ما تزال حكومة دول أخرى في مرحلة نقاش وأخذ ورد. بينما اعترفت كل من هولندا وبلجيكا للشواذ بالزواج من دون تبني أطفال عام 2003.
وقد قوبل مشروع القانون بابتهاج جماعات الدفاع والضغط لصالح زواج الشواذ، إذ كان بعضها حاضرا يوم التصويت، كما أنها قامت بعدة مسيرات ومظاهرات احتجاجية وعمليات ضغط مستمرة، ومن المرتقب أن ينظموا مسيرة حاشدة للاحتفال بهذا "الانتصار التاريخي" في عهد الاشتراكيين في شهر يوليوز القادم، بعد أن كانوا ممنوعين من الظهور على عهد فرانكو ومن الاعتراف بالزواج على عهد خوسي ماريا أزنار زعيم الحزب الشعبي اليميني رئيس الحكومة السابقة.
وفي الجهة الأخرى، أعربت الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية عن معارضتها الشديدة لهذا الاعتراف في بيان وصفت فيه هذا القانون بأنه "ظالم بشكل جذري وضار بالمصلحة العامة"، وأن "المصلحة العليا للأطفال تقتضي ألا يصنعوا في المختبرات ولا أن يتبناهم أشخاص من جنس واحد". وأضاف البيان أن "صناعة عملة مزورة هو إهدار لقيمة العملة الأصيلة، وأن مساواة زواج الشواذ بالزواج السوي إدخال لعنصر خطير لتفسخ النظام الاجتماعي".
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي السياق ذاته، دعا الكاردينال ألفونسو لوبيز تروخييو، رئيس المجلس البابوي للأسرة، إلى معارضة هذا القانون، معتبرا أن من واجب المسيحيين أن يعارضوا هذا "القانون الظالم"، وصعد الكاردينال من لهجته وهو يجيب عن أسئلة صحيفة "كوريير ديلا سيرا" قائلا "على كل المسيحيين أن يكونوا مستعدين لدفع الثمن اللازم والغالي، ولو اقتضى ذلك ضياع فقدان مناصب عملهم.
وفي فرنسا، قررت الإدارة المركزية للحزب الاشتراكي دعم "حقوق" الشواذ في الزواج ومساواتهم في هذا مع الأسوياء جنسيا، ويشتغل الحزب، الذي توجد في داخل هيئاته هيئة تمثل الشواذ الاشتراكيين الأمميين، منذ مدة على إعداد مشروع قانون في هذا السياق ليتقدم به إلى البرلمان. وكان السكرتير الأول للحزب فرانسوا هولند قد صرح بأن "الزواج ينبغي أن يفتح للجميع". كما أن عمدة باريس الاشتراكي برتراند دولانوي لا يتردد في الكشف عن شذوذه والدفاع عن حق الشواذ في الزواج، وسجل ذلك في كتاب وقع بعض نسخه في المغرب أثناء زيارة له في مطلع سنة 2005. وقد سبق للزعيم الاشتراكي ليونيل جوسبان عندما كان في الحكم أن أباح الزواج المدني "الباكس" للشاذين، بينما يعارض اليمين الفرنسي والرئيس جاك شيراك ووزيره الأول رافاران زواج الشاذين وتبنيهم للأطفال.
في يوم الجمعة 4 يناير 2005، نشرت الجمعية الوطنية الفرنسية للوقاية من الأنكولوجيا والأديكتولوجيا نتائج أول تحقيق حول سبب تصاعد انتشار شرب الخمور وأخذ أقراص نفسية منشطة وعلاقة ذلك بالشذوذ الجنسي. وكشف التحقيق أن تناول الخمور أصبح مفرطا متجاوزا التردد الأسبوعي إلى التردد عدة مرات في اليوم لدى الفئة العمرية 18 - 25 سنة بين الشواذ (10 في المئة بين الشواذ في مقابل 3 في المئة لدى عامة السكان). ولا يتوقف الأمر عند تناول الخمور ولكن يتعزز ذلك بتناول الأقراص النفسية المنشطة والمخدرات بمختلف أنواعها مما يعتبر دلالة قوية على درجة الاضطراب والانهيار النفسي والاجتماعي الذي تعيشه هذه الفئة. كما أن دراسات كندية أثبتت ارتفاع نسبة الانتحار بين الشاذين الكنديين والأمريكيين.
وبالإضافة إلى انتشار السيدا بين الشواذ وعودة الأمراض التنقلة جنسيا، كشفت آخر الأخبار الطبية عن ظهور مرض جلدي متنقل جديد بين الشواذ (ل. جي. في أو مرض نيكولا-فافر)، وقد سجلت -منذ يناير 2004 - 142 حالة في فرنسا و136 في هولندا وكذلك في ألمانيا والمملكة المتحدة وإسبانيا.
غير أن أخطر انزلاق ينحدر إليه "المناضلون" الشواذ هو الميل الجنسي للأطفال (البيدوفيليا) وسعيهم إلى تطبيعها وممارستها والدفاع عنها، وقد عرف في تاريخ أوروبا عامة، وفرنسا خاصة، عدة كتاب وزعماء من اليسار ممن دعوا إلى الاعتراف بالبيدوفيليا و"التسامح" معها. وتعتبر حالة عمدة مدينة بريم مايكل إنجلمان (35 سنة) عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي بزعامة جيرهار شرودر ورئيس فيدرالية الاشتراكيين الشواذ حالة نموذجية إذ ضبط متلبسا بالتعاطي للبيدوفيليا مما دفعه إلى تقديم استقالته.
في فرنسا دائما يدوراليوم نقاش واسع حول حقوق المدرسين الشواذ في الظهور والخروج من الظل إلى واضحة النهار، ويتولى مطالبهم، بالإضافة إلى التنظيم الدولي للشاذين والسحاقيات، نقابات خاصة بهم، وقد شاركوا في مسيرات عيد الشغل تحت يافطات خاصة بهم.
يذكر أن الشواذ الجنسيين منظمون على الصعيد العالمي تنظيما محكما، ولهم جمعية دولية تتولى تمثيلهم والدفاع عنهم وعن السحاقيات من النساء، كما أن لهم قوى ولوبيات للضغط، ووسائل إعلامية معتبرة، ويستعدون حاليا لتنظيم مسيرة عالمية في دولة الكيان الصهيوني، موازاة مع مسيرات أخرى في مدن عالمية. وإذا كانوا قد استطاعوا الحصول على عدة "حقوق" في البلدان الغربية، فإن البلدان الإسلامية تمثل لهم قلاعا لم تفتح بعد في وجوههم للظهور العلني، ولديهم خطط خاصة بعدة دول الإسلامية للضغط عليها وتحطيم بعض القوانين المانعة لشذوذهم، ومنها تشكيل تنظيمات من الشواذ الجنسيين "المسلمين" حسب كل قطر، وتحريضهم ليكشفوا عن أنفسهم حتى إذا ما قمعتهم السلطات وأرجعتهم إلى منطقة الظل سارعت عدة جمعيات شاذة إلى تولي الدفاع عن "مظلوميتهم"، وقد عرف المغرب ومصر حالات مثل هذه تدخلت فيها منظمات دولية وإقليمية، بل وشخصيات سياسية من الخارج.
ومن الأساليب التي يستخدمها الشواذ للتغلغل إلى العالم الإسلامي الزعم بأن الدين الإسلامي لا يعارض الشذوذ الجنسي، والتصريخ بذلك على لسان شخصيات تقول إنها مسلمة مثلما وقع في إسبانيا في شهر أبريل 2005 حينما دعا "برادو" على موقعه الإلكتروني "ويب إسلام" إلى فتح حوار حول مسألة الشذوذ الجنسي في الإسلام. ولم يستبعد برادو إمكانية تزويج الشواذ من المسلمين في إسبانيا وفق القانون الذي يبيح زواج الشواذ في أسبانيا. كما استنكر برادو في حوار له مؤخرا مع مجلة "ديالوجار" الأسبانية ما أسماه "ملاحقة الشواذ في البلدان الإسلامية". موقف استنكرته الجمعيات الإسلامية الإسبانية كلها وطالبت بإقالته من منصبه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[لطفي الزغير]ــــــــ[24 Jun 2005, 06:03 ص]ـ
بارك الله فيك على إثارة هذا الأمر، وعلى هذه الدراسة لهذا الكتاب الذي قذفته المطابع لنا، والمشكلة أن الكتاب لو كان كتاباً علمياً أو صادراً عن متخصص لأمكن مناقشته، ولقد تصفحت أجزاء من الكتاب المذكور، فوجدته أشبه ما يكون بالخواطر والتمنيات، والأهم من ذلك كله أن الغرب يتلقف أمثال هؤلاء ويشيد بهم ويقلدهم الأوسمة ويوفر لهم الحماية، وما قصة سلمان رشدي، عنا ببعيدة، وأود أن أضع هنا ثناء ((توماس فريدمان))، وأنتم تعلمون من هو توماس فريدمان على هذه المرأة في مقال له في جريد الاتحاد الاماراتية بتاريخ 3/ 3/2005 م، بعنوان شاببة مسلمة شجاعة!! يقول فيه: ((منذ ذلك الحين غدا واضحاً لي، أنه ما لم نقم بمشاركة العرب والمسلمين لتغيير السياق الذي يعيشون فيه، وما لم نساعدهم على إيجاد فضاء حر، تدور فيه حرب أفكار تسمح بانطلاق مناقشات حرة بيننا وبين تلك "البلاد البعيدة" ... فإننا سنكون كمن يسعى إلى 11 سبتمبر أخرى. لقد كنت أعرف طيلة الوقت أنه يوجد لدينا شركاء هناك، بيد أن الحركات الديمقراطية التي بزغت مؤخراً، أظهرت لي العدد الحقيقي للشبان الموجودين في تلك البلدان، والذين يريدون أن يعبروا عن طموحاتهم وأن يحققوا ما تؤهلهم له إمكانياتهم، وهو ما كانت حكوماتهم وقادتهم الروحيون يحولون دون تحقيقه.
وإذا كنت تريد أن تحس بنبض ما يقوله هؤلاء الشبان والشابات، فما عليك سوى أن تقرأ كتاب الآنسة "إرشاد مانجي" الجديد المعنون "المشكلة مع الإسلام اليوم" والرسائل والمساجلات، التي تدور بينها وبين غيرها من الشبان المسلمين على موقعها الإلكتروني: www.muslim-refusenik.com.
والآنسة "مانجي" ناشطة نسائية كندية مسلمة، كان لديها من الجرأة، ما جعلها تقوم بتأليف كتاب تدعو فيه إلى إصلاح الإسلام.
كتبت مانجي في كتابها تقول:"ليس هناك من فكرة للعالم الإسلامي، وبالتالي لنا جميعاً اليوم، أهم من فكرة إعادة فتح باب "الاجتهاد". هذه هي الفكرة الأساسية في كتابي هذا ... وهي أن أبيّن أن الإسلام كان يمتلك ذات يوم تقاليد تعددية تقوم على الحوار، وعلى الاعتراف بحق الاختلاف، وأننا نحن المسلمين بحاجة بالتالي لإعادة اكتشاف هذه التقاليد، كي نقوم بتحديث الإسلام، وجعله متوافقاً مع القرن الحادي والعشرين. وأنا عندما أقول هذا فإنني لا أعتبر راديكالية، وإنما أعتبر في الحقيقة مسلمة مخلصة لدينها".
وإرشاد مانجي، المولودة في أوغندا لأب هندي مسلم، وأم كندية ذات جذور مصرية، تحاضر بشكل دائم عن التنوع الفكري في مدرجات الجامعات. وحول هذه النقطة كتبت تقول: وحتى ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وكتابي هذا، كنت ألاحظ عقب محاضراتي أن المسلمين شباناً وشابات كانوا ينتظرون بجانب المدرج الجامعي، إلى أن يغادر الجميع، ثم يأتون إلي ويقولون لي أشياء من قبيل "مانجي ... نحن نريد المزيد من الأصوات للمساعدة على انفتاح هذا الدين الذي ننتمي إليه، لأنه إذا لم ينفتح فإننا سوف نتركه". هذا ما أدركه هؤلاء الشبان والشابات ... وهذا هو ما لم يدركه رجال الدين. إننا ننقذ الإسلام عندما نبين للأجيال الناشئة، كيف يمكنهم أن يكونوا جزءا من عالم تعددي، وكيف يمكنهم أن يكونوا مسلمين صادقي الإيمان.
وسعياً لتلك الغاية قامت الآنسة "مانجي" بإطلاق ما تسميه "مشروع الاجتهاد". وهي تشرح ذلك بالقول: إن الهدف من هذا المشروع هو إقامة مركز قيادة يجتذب الشبان المسلمين من ذوي التوجه الإصلاحي، ويدفعهم للتواصل مع بعضهم بعضاً، بحيث يدرك هؤلاء الشبان أنهم ليسوا وحدهم. ولكي يكتسبوا أيضاً الثقة بقدرتهم على الاختلاف علناً، مع بعض الأفكار السائدة التي تحتاج إلى تحديث في الدين، ولكي يعرفوا المزيد من المعلومات عن العصر الذهبي في الإسلام، عندما كان المسلمون والمسيحيون واليهود يعملون معاً للمحافظة على المعرفة ونشرها، وهو شيء نادراً ما نقوم بتعليمه في مدارسنا العامة، أو في مدارسنا الدينية، هذا إذا كنا نقوم بتعليمه في الأصل.
وبناء على إلحاح من طلابها قامت الآنسة "مانجي" مؤخراً بترجمة كتابها إلى اللغتين العربية والأُوردية، ووضعه على موقعها الشخصي على الإنترنت، حيث يقوم الشباب العربي والباكستاني الآن بتنزيله سراً ومناقشته. وفي هذا الأسبوع قام صاحب دار نشر عربية صغيرة تعمل في لبنان وألمانيا - وفتحت لها تواً فرعاً في بغداد- بالاتصال بها، عارضاً نشر كتابها في العراق.
قالت مانجي رداً على ذلك:"لا أملك سوى تقدير ما يتضمنه هذا العرض من رمزية ... فبغداد بالذات كانت هي عاصمة الاستنارة الإسلامية من القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر الميلادي، كما كانت ملتقى التجارة والخدمات والأفكار العظيمة".
إن ما يحدث الآن في المنطقة سيستغرق وقتاً حتى يفعل مفعوله. ولا نستطيع الآن القول إننا نضمن أن ذلك سينتهي بمحصلة لائقة. ولكن الأخبار الطيبة فيما يحدث، هي أن الشبان العرب والمسلمين قد بدأوا الآن يتناقشون بطريقة مختلفة جداً في تلك "البلاد البعيدة" ... وأن الكثيرين منهم يريدون الخروج بهذه المناقشات إلى العلن، ودفعها قدماً إلى الأمام.)).
إذاً مثل هذه الكتابات تجد ترحيباً وتشجيعاً من الغرب وكتاب الأعمدة في صحفه، وبدأت تتكشف أكثر فأكثر فكرة الإسلام الأمريكاني التي يروج لها بعض المسلمين بدعم وتشجيع من الساسة والمثقفين الغربيين، وعلى كل حال ما هي إلا فقاعة من تلك الفقاعات التي ظهرت برهة ثم انطفأت ((يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)).
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[08 Jul 2005, 10:52 م]ـ
بارك الله فيكما أساتذتنا الكرام.
وجعل ذلك في ميزان حسناتك يا د. عوض.
ـ[د. أنمار]ــــــــ[10 Jul 2005, 06:03 م]ـ
عموما فقد اشتهر في كندا كونها من عائلة إسماعيلية باطنية
ولا أدري إن سألها أحد عن ذلك من قبل فيبدو أنها لا تتورع عن التصريح بنحو شذوذها
ـ[الجعفري]ــــــــ[01 Aug 2005, 06:53 ص]ـ
أشكر أخي الكاتب على هذا الموضوع وعلى غيرته الحميدة وطول نفسه في الكتابة , وأتمنى أن لو يرزقني الله لو ربع ذلك - ما شاء الله تبارك الله-
لكن لي ملحوظة على العنوان: شيخة الإسلام السحاقية والاجتهاد على الطريقة الأمريكية
فهو لا يليق ولا أحب أن تمتهن هذا الألقاب الإسلامية الفريدة وتخلط بغيرها ولو كان ذلك بسبب الغيرة والسخرية بهؤلاء الضالين المضلين.
ـ[السرخسي]ــــــــ[14 Sep 2008, 06:49 ص]ـ
لم أقرأ محتوا الموضوع كاملاً ..
ولكن عنوان الموضوع سئ جداً ولا يليق بموقع راقي ومحترم يرتاده عدد من طلبة العلم وأساتذة الجامعات .. أرجوا من المشرف تغيير العنوان.
ـ[ابومعاذالمصرى]ــــــــ[15 Sep 2008, 01:38 ص]ـ
الموضوع رائع جزى الله خيرا الاستاذ ابراهيم عوض وفى رأيى ان اروع جملة فى الموضوع هى قول الاستاذ
محمد نبى كريم لايحبه الا كريم
صلى الله عليه وسلم
ـ[د. يحيى الغوثاني]ــــــــ[15 Sep 2008, 03:17 ص]ـ
الموضوع خطير جدا
والظاهرة خطيرة جديرة بالهتمام
وقد جاء رد الدكتور إبراهيم قويا كالصاعقة وأدلته واستدلاته قوية
إلا أن العنوان قد استفزني
((شيخة الإسلام السحاقية" والاجتهاد على الطريقة الأمريكية))
وإن كان واضح أنه تهكمي
ولكن أرى أن ننزه هذا المصطلح من أن يقترن بمصطلح السحاق
ممكن يقال شينة ..... بدل شيخة
وأؤكد شكرى للدكتور الكاتب على ما بذل من جهد وتتبع لهذا الكتاب ولغيره من الكتاب الإباحيين الآخرين
ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[15 Sep 2008, 06:47 ص]ـ
كنت أطالع بعض الكتابات التي ترد على العلمانيين: ومنها:
العقل العربي محمد الصوياني
فلما جاء دور " أركون " كان كثيرا ما يستشهد بكتابات "إبراهيم عوض "
فتمنيت أن أقرأ له .. لقوتها ...
فألفيتها هنا ... ولم تصدق عياناي ... فجزاك الله خير الجزاء ...
وبارك في قلمك .... ووقتك .. وعقلك ... وذكائك ... وفطنتك ...
واسأل الله أن يلهمك حجتك ... ويقوي ساعدك ... ويعلي صوتك ...
فإن كنت أنت (الدكتور إبراهيم عوض) المعروف في هذا المجال فبارك الله فيك
وإن كان (اسم على اسم) فأحسن الله لك على قلمك ...(/)
هل تعرف هذه المواقع
ـ[القناص الإسلامي]ــــــــ[23 Jun 2005, 12:30 م]ـ
هل تعرف هذه المواقع
إنها غاية في الروعة و المتعة، إنها تفيض
بالكم الهائل من الفائدة، عندما تصفحتها وجدت فيها أشياء عجيبة،
لا أريد الإطالة بالكلام و لكن أريد أن تجرب بنفس، و ها أنا أقدمها بين يديك
http://islamicaudiovideo.com/
http://www.alimam.ws/
http://www.islamselect.com/
ـ[أبوخطاب العوضي]ــــــــ[25 Jun 2005, 08:03 ص]ـ
جزاك الله خير أخي الكريم(/)
قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح؟ لشيخ الإسلام ابن تيمية
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[23 Jun 2005, 05:21 م]ـ
قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح؟ لشيخ الإسلام ابن تيمية
أنقلها كاملة، إلا من شيء يسير جدا اختصرته لخروجه عن موضوع الرسالة
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
(((الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فهذه مسألة يحتاج إليها المؤمنون عموما، والمجاهدون منه خصوصا، وإن كان الإيمان لايتم إلا بالجهاد، كما قال تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يرتابوا)، ولكن الجهاد يكون للكفار، وللمنافقين أيضا، كماقال تعالى (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) في موضعين من كتاب ال.
له
ويكون الجهاد بالنفس والمال، كما قال تعالى (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)، ويكون بغير ذلك، وبنفقة، لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا).
ويكون الجهاد باليد والقلب واللسان كما قال تعالى (جاهدوا بالمشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم) رواه أبوداود والدارمي وأحمد، وكما قال في الحديث الصحيح (إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولاقطعتم واديا إلا كانوا معكم حسبهم العذر) متفق عليه.
فهؤلاء كان جهادهم بقلوبهم ودعائهم.
وقد قال تعالى (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (الساعي على الصدقة بالحق كالمجاهد في سبييل الله) رواه أبوداود وابن ماجة والترمذي.
وقال أيضا (المجاهد من جاهد نفسه في الله) رواه أحمد والترمذي.
كما قال (المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
والجهاد في سبيل الله أنواع متعددة ….
ثم قال: يفرق بينهما النية واتباع الشريعة، كما في السنن عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة واجتنب الفساد، كان نومه ونبهه كله أجر.
وأما من غزا فخرا ورياء وسمعه، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه: قال: قيل يارسول الله الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية؟ أي ذلك في سبيل الله؟ قال (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وقد قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله).
وهذه المسألة هي في الرجل أو الطائفة يقاتل منهم أكثر من ضعفيهم، إذا كان في قتالهم منفعة للدين، وقد غلب على ظنهم أنهم يقتلون.
كالرجل يحمل وحده على صف الكفار ويدخل فيهم، ويسمى العلماء ذلك " الانغماس في العدو " فإنه يغيب فيهم كالشيء ينغمس فيه فيما يغمره.
وكذلك الرجل يقتل بعض رؤساء الكفر بين أصحابه، مثل أن يثب عليه جهرة إذا اختلسه ويرى أنه يقتله ويغتفل بعد ذلك.
والرجل ينهزم أصحابه فيقتل وحده أو هو وطائفة معه العدو وفي ذلك نكاية في العدو، ولكن يظنون أنهم يقتلون.
فهذا كله جائز عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم.
وليس في ذلك إلا خلاف شاذ.
وأما أئمة المتبعون كالشافعي وأحمد وغيرهما فقد نصوا على جواز ذلك، وكذلك هو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما، ودليل ذلك: الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
أما الكتاب:
ــــــ
فقد قال تعالى (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد ذكر أن سبب نزول الآية، أن صهيبا خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلحقه المشركون وهو وحده، فنشل كنانته، وقال: والله لايأتي رجل منكم إلا رميته، فأراد قتالهم وحده، وقال: إن أحببتم أن تأخذوا مالي بمكة فخذوه، وأنا أدلكم عليه، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ربح البيع أبا يحيى.
وروى أحمد بإسناده أن رجلا حمل وحده على العدو فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كلا بل هذا ممن قال الله فيه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، والله رؤوف بالعباد).
وقول تعالى (يشري نفسه) أي يبيع نفسه، فيقال: شراه وبيعه سواء، واشتراه وابتاعه سواء، ومنه قوله (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) أي باعوه.
فقوله تعالى (يشري نفسه) أي يبيع نفسه لله تعالى ابتغاء مرضاته، وذلك يكون بأن يبذل نفسه فيما يحبه الله ويرضاه، وإن قتل أو غلب على ظنه أنه يقتل.
كما قال تعالى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).
وهذه الآية وهي قوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم) يدل على ذلك أيضا.
فإن المشتري يسلم إليه ما اشتراه، وذلك ببذل النفس والمال في سبيل الله وطاعته، وإن غلب على ظنه أن النفس تقتل والجواد يعقر، فهذا من أفضل الشهادة.
لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العلم الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) يعني أيام العشر.
قالوا: يارسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟
قال: (ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)
وفي رواية (يعقر جواده وأهريق دمه).
وفي السنن عن عبدالله بن حبشي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي العلم أفضل؟ قال طول القيام.
قيل أي الصدق أفضل، قال: جهد المقل.
قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه.
قيل فأي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بنفسه وماله.
قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه، وعقر جواده.
وأيضا فإن الله تعالى قد أخبر أنه أمر خليله أن يذبح ولده ليبتليه هل يقتل ولده في محبة الله وطاعته؟
وقتل الإنسان ولده قد يكون أشق عليه من تعريضه نفسه للقتل، والقتال في سبيل الله أحب إلى الله مما ليس كذلك.
والله سبحانه أمر ابراهيم بذبح ابنه قربانا، ليمتحنه بذلك، ولذلك نسخ ذلك عنه لما علم صدق عزمه في قتله، فإن المقصود لم يكن ذبحه ولكن ابتلاء ابراهيم.
والله تعالى يبتلي المؤمنين ببذل أنفسهم، ليقتلوا في سبيل الله ومحبة رسوله، فإن قتلوا كانوا شهداء، وإن عاشوا كانوا سعداء.
كما قال تعالى (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين).
وقد قال لبني اسرائيل: (فتوبوا إلى أنفسكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم)
أي ليقتل بعضهم بعضا، فألقي عليهم ظلمة، حتى جعل الذين لم يعبدو العجل، يقتلون الذين عبدوه.
فهذا الذي كان في شرع من قبلنا، من أمره بقتل بعضهم بعضها قد عوضه الله بخير منه وأنفع، وهو جهاد المؤمنين عدو الله وعدوهم، وتعريضهم أنفسهم لأن يقتلوا في سبيله بأيدي عدوهم لا بأيدي بعضهم بعضا، وذلك أعظم درجة وأكثر أجرا.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا).
وأيضا فإن الله أمر بالجهاد في سبيله بالنفس والمال مع أن الجهاد مظنه القتل بل لابد منه في العادة من القتل.
وذم الذين ينكلون عنه خوف القتل وجعلهم منافقين.
فقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا).
وقال تعالى: (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا * قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا).
فأخبر سبحانه أن الفرار من الموت أو القتل ينفع أبدا، بل لابد أن يموت العبد وما أكثر من يفر فيموت او يقتل، وما أكثر من ثبت فلا يقتل.
ثم قال: ولو عشتم لم تمتعوا إلا قليلا ثم تموتوا.
ثم أخبر أنه لاأحد يعصمهم من الله، إن أراد أن يرحمهم أو يعذبهم، فالفرار من طاعته لاينجيهم.
وأخبر أنه ليس لهم من دون الله ولي ولانصير.
وقد بين في كتابه أن ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
فأخبر أن الذين يخافون العدو خوفا منعهم من الجهاد منافقون، فقال: (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ).
وفي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عد الكبائر، فذكر: (الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والسحر، واليمين الغموس، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) وذكر منها (الفرار يوم الزحف في الصفين).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شر ما في المرء شح هالع، أو جبن خالع) رواه أبو داود وأحمد.
أدلة السنة:
ــــــ
أما دلالة سنة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فمن وجوه كثيرة:
منها أن المسلمين يوم " بدر " كانوا ثلاثمائة وبضعة عشرة، وكان عدوهم بقدرهم ثلاث مرات أو أكثر، وبدر أفضل الغزوات وأعظمها.
فعلم أن القوم يشرع لهم أن يقاتلوا من يزيدون على ضعفهم، ولافرق في ذلك بين الواحد والعدد، فمقاتلة الواحد للثلاثة كمقاتلة الثلاثة للعشرة.
وأيضا فالمسلمون يوم " أحد" كانوا نحوا من ربع العدو، فإن العدو كانوا " ثلاثة آلاف " أو نحوها، وكان المسلمون نحو السبعمائة أو قريبا منها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأيضا فالمسلمون يوم " الخندق" كان العدو بقدرهم مرات، كان أكثر من " عشرة آلاف " وهم الأحزاب الذين تحزبوا عليهم من قريش وحلفائها، وأحزابها الذي كانوا حول مكة وغطفان وأهل نجد واليهود الذين نقضوا العهد، وهم بنو قريضة جيران أهل المدينة، وكان المسلمون في المدينة دون الألفين.
وأيضا فقد كان الرجل وحده على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على العدو بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم، وينغمس فيهم، فيقاتل حتى يقتل، وهذا كان مشهورا بين المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه.
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري، جد عاصم بن عمر بن الخطاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنهدوا إليهم بقريب من مائة رجل رام، وفي راية مائتي رجل، فاقتلوا آثارهم، حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، فقالوا: هذا تمر يثرب.
فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع، وفي رواية إلى " فدفد" أي مكان مرتفع، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا فاعطوا أيديكم ولكم العهد والميثاق لايقتل منكم أحد، فقال عاصم: أيها القوم أما والله فلا أنزل على ذمة كافر، اللهم فأخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة.
ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها، قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم لي بهؤلاء أسوة، يريد القتلى، فجرروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم، فقتلوه.
وانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبدمناف خبيبا، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عمرو يوم بدر.
ولبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله.
فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها، فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب.
فقال: أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك؟
قالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر.
وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبا.
فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوا في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين.
فتركوه فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أني ما بي جزع لزدت، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولاتبق منهم أحدا، قال:
فلست أبالي حين أقتل مسلما ** على أي جنب كان في الله مصرعي
وذاك في ذات الاله وإن يشأ ** يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارب فقتله،وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أصيبوا خبرهم.
وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قد قتل أن يؤتى بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلا من عظمائهم.
بعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا.
فهؤلاء عشرة أنفس قاتلوا أولئك المائة أو المائتين، ولم يستأسروا لهم حتى قتلوا منهم سبعة، ثم لما استأسروا الثلاثة امتنع الواحد من أتباعهم حتى قتلوه.
وهؤلاء من فضلاء المؤمنين وخيارهم، وعاصم هذا هو جد عاصم بن عمر، وعاصم بن محمد جد عمر بن عبدالعزيز
ثم قال شيخ الاسلام:
وأيضا ففي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
عجب ربنا من رجلين:
رجل ثار عن وطائه من بين حيه وأهله إلى صلاته، فيقول الله تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي، ثار عن فراشه ووطائه من أهله وحيّه إلى صلاته، رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي.
ورجلا غزا في سبيل الله عز وجل، فانهزم مع أصحابه، فعلم ما عليه في الإنهزام وما له في الرجوع، فرجع حتى يهريق دمه.
فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع غربة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى يهريق دمه.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذا رجل انهزم هو وأصحابه ثم رجع وحده فقاتل حتى قتل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يعجب منه، وعجب الله من الشيء على على عظم قدره، وإنه لخروجه عن نظائره يعظم درجته ومنزلته، وهذا يدل على: أن مثل هذا العمل محبوب لله مرضي لايكتفى فيه بمجرد الإباحة والجواز، حتى يقال: وإن جاز مقاتلة الرجل حيث يغلب على ظنه أنه يقتل فترك ذلك أفضل!!
بل الحديث يدل على: أن ما فعله هذا يحبه الله ويرضاه ومعلوم أن مثل هذا الفعل يقتل فيه الرجل كثيرا أو غالبا، وإن كان ذلك لتوبته من الفرار المحرم، فإنه مع هذه التوبة جاهد هذه المجاهدة الحسنة.
قال الله تعالى (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه "، فمن فتنه الشيطان عن طاعة الله ثم هجر ما نهى الله عنه وجاهد وصبر كان داخلا في هذه الآية.
وقد يكون هذا في شريعتنا عوضا عما أمر به بنو اسرائيل في شريعتهم لما فتنوا بعبادة العجل بقوله: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم).
وقد قال تعالى (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) الى قوله (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم).
وذلك يدل على أن التائب قد يؤمر بجهاد تعرض به نفسه للشهادة.
فإن قيل فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِين).
وقد قالوا: إن ما أمر الله به من مصابرة الضعف في هذه الأية ناسخ لما أمر به قبل ذلك من مصابرة عشرة الأمثال.
قيل: هذا أكثر ما فيه أنه لاتجب المصابرة لما زاد على الضعف، ليس في الآية أن ذلك لايستحب ولايجوز.
وأيضا: فلفظ الآية إنما هو خبر عن النصر مع الصبر، وذلك يتضمن وجوب المصابرة للضعف ولا يتضمن سقوط ذلك عما زاد عن الضعف مطلقا، بل يقتضي أن الحكم فيما زاد على الضعفين بخلافه فيكون أكمل فيه، فإذا كان المؤمنون ظالمين لم تجب عليهم أن يصابروا أكثر من ضعفيهم، وأم إن كانوا هم المظلومين وقتالهم قتال وقع عن أنفسهم فقد تجيب المصابرة كما وجبت عليهم المصابرة يوم أحد ويوم الخندق مع أن العدو كانوا أضعافهم.
وذم الله المنهزمين " يوم أحد " والمعرضين عن الجهاد يوم الخندق، في سورة آل عمران والاحزاب، بما هو ظاهر معروف.
وإذا كان الآية لاتُبقى (أظنها لاتقتضي) وجوب المصابرة (أظنها مصابرة) ما زاد على الضعفين في كل حال، فإنه (لعلها " فلئن ") لايبقى (لاتقتضي) الاستحباب (أو) الجواز مطلقا أولى وأحرى.
فإن قيل: قد قال تعالى (ولاتلقوا بأيدكم إلى التهلكة)، وغذا قاتل الرجل في موضع فغلب على ظنه أنه يقتل، فقد ألقى بيده إلى التهلكه.
قيل: تأويل الآية على هذا غلط.
ولهذا مازال الصحابة والأئمة ينكرون على من يتأول الآية على ذلك كما ذكرنا،: أن رجلا حمل وحده على العدو، فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكه، فقال عمر بن الخطاب: كلا ولكنه ممن قال الله فيهم: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله).
وأيضا فقد روى أبو داود والنسائي والترمذي من حديث يزيد بن أبي حبيب، عالم أهل مصر من التابعين، عن أسلم أبي عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة فقال أبو أيوب إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى
(يُتْبَعُ)
(/)
التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد قال أبو عمران فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية).
وأبو أيوب من أجل السابقين الاولين من الأنصار قدرا، وهو الذي نزل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته لما قدم مهاجرا من مكة إلى المدينة، ورهط بنو النجار هم خير دور الأنصار ما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقبره بالقسطنطينية.
وقد أنكر أبو أيوب على من جعل المنغمس في العدو ملقيا بيده إلى التهلكة دون المجاهدين في سبيل الله، ضد ما يتوهمه هؤلاء الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه، فإنهم يتأولون الآية على ما فيه ترك الجهاد في سبيل الله.
والآية إنما هي أمر بالجهاد في سبي الله، ونهى عما يصد عنه، والأمر في هذه الآية ظاهر كما قال عمر وأبو أيوب وغيرهما من سلف الأمة، وذلك أن الله قال قبل هذه الآية: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين، واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل).
وقوله: (وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين).
إلى قوله: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ * وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
فهذه الآيات كلها في الأمر بالجهاد في سبيل الله وإنفاق المال في سبيل الله، فلا تناسب ما يضاد ذلك، من النهي عما يكمل به الجهاد، وإن كان فيه تعريض النفس للشهادة، إذ الموت لا بد منه، وأفضل الموت موت الشهداء.
فإن الأمر بالشيء لا يناسب النهي عن إكماله، ولكن المناسب لذلك النهي عما يضل (لعلها يصد) عنه، والمناسب لذلك: ما ذكر في الآية من النهي عن العدوان، فإن الجهاد فيه البلاء للأعداء، والنفوس قد لاتقف عند حدود الله بل تتبع أهواءها في ذلك، فقال: (ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين).
فنهى عن العدوان، لأن ذلك أمر بالتقوى، والله مع المتقين كماقال (فمن اعتدى عليكم فاعتقدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).
وإذا كان الله معهم نصرهم وأيدهم على عدوهم، فالأمر بذلك ايسر، كما يحصل مقصود الجهاد به.
وأيضا فإنه في أول الآية قال: (وأنفقوا في سبيل الله)، وفي آخرها (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).
فدل ذلك على ما رواه أبو أيوب من أن إمساك المال والبخل عن إنفاقه في سبيل الله والاشتغال به هوالتهلكة.
وأيضا: فإن أبا أيوب أخبر بنزول الآية في ذلك، لم يتكلم فيه برأيه، وهذا من ثاني (؟) روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حجة تجب اتباعها.
وأيضا فإن التهلكة والهلاك لا يكون إلا بترك ما أمر الله به، أو فعل ما نهى الله عنه.
فإذا ترك العباد الذي أمروا به، واشتغلوا عنه بما يصدهم عنه، من عمارة الدنيا، هلكوا في دنياهم بالذل، وقهر العدو لهم، واستيلائه على نفوسهم وذراريهم وأموالهم، ورده لهم عن دينهم، وعجزهم حينئذ عن العمل بالدين، بل وعن عمارة الدنيا وفتور هممهم عن الدين، بل وفساد عقائدهم فيه.
قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
إلى غير ذلك من المفاسد الموجودة في كل أمة لاتقاتل عدوها سواء كانت مسلمة أو كافرة.
فإن كل أمة لاتقاتل فإنها تهلك هلاكا عظيما باستيلاء العدو عليها وتسلطه على النفوس والأموال.
(يُتْبَعُ)
(/)
وترك الجهاد يوجب الهلاك في الدنيا ما يشاهده الناس، وأما في الآخرة فلهم عذاب النار.
وأما المؤمن المجاهدون، فهو كما قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُون)
فأخبر أن المؤمن لا ينتظر إلا إحدى الحسنيين: إما النصر والظفر وإما الشهادة والجنة، فالمؤمن المجاهد إن حيا حيى حياة طيبة، وإن قتل فما عند الله خيرا للأبرار.
وأيضا فإن الله تعالى قال: (ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا).
وقال في كتابه (ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)
فنهى المؤمنين أن يقولوا للشهيد إنه ميت، قال العلماء: وخص الشهيد بذلك، لئلا يظن الإنسان أن الشهيد يموت فيفر عن الجهاد خوفا من الموت.
وأخبر الله أنه حي يرزق، وهذا الوصف يوجد أضا لغير الشهيد من النبيين والصديقين وغيرهم لكن خص الشهيد بالنهي لئلا ينكل عن الجهاد، لفرار النفوس من الموت، فإذا كان هو سبحانه قد نهى عن تسميته ميتا واعتقاده ميتا، لئلا يكون ذلك منفرا عن الجهاد، فكيف يسمى الشهادة تهلكه واسم الهلاك اعظم تنفيرا من اسم الموت.
فمن قال إن قوله: (ولاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة) يراد به الشهادة في سبيل الله فقد افترى على الله بهتانا عظيما.
وهذا الذي يقاتل العدو مع غلبة ظنه أنه يقتل قسمان:
أحدهما: أنه يكون هو الطالب للعدو، فهذا الذي ذكرناه.
الثاني: أن يكون العدو قد طلبه، وقتاله قتال اضطرار،فهذا أولى وأوكد.
ويكون قتال هذا: إما دفعا عن نفسه وماله وأهله ودينه.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد).
وإن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان القتال يحصل به المقصود، وإما فعلا لما يقدر عليه من الجهاد، كما ذكرناه عن عاصم بن ثابت وأصحابه.
ومن هذا الباب: الذي يكره على الكفر فيصبر حتى يقتل ولا يتكلم بالكفر، فإن هذا بمنزلة الذي يقاتله العدو حتى يقتل ولايستأسر لهم، والذي يتكلم بالكفر بلسانه من قلبه موقن بالإيمان بمنزلة المستأسر للعدو.
فإن كان هو الآمر الناهي ابتداء كان بمنزلة المجاهد ابتداء، فإذا كان الأول أعز الإيمان وأذل الكفر، كان هذا هو الأفضل.
وقد يكون واجبا إذا اقتضى تركه إلى زوال الإيمان من القلوب وغلبة الكفر عليها وهي الفتنة، فإن الفتنة أشد من القتل.
فإذا كان بترك القتل يحصل من الكفر ما لايحصل بالقتل، وبالقتل يحصل من الإيمان مالايحصل بتركه، ترجع القتل واجبا تارة، ومستحبا تارة.
وكثيرا ما يكون ذلك تخويفا به، فيجب الصبر على ذلك.
قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
فأخبر أن الكافرين لايزالون يقاتلون المؤمنين حتى يردوهم عن دينهم.
وأخبر أنه من ارتد فمات، مات كافرا خالدا في النار.
ومن هذا ما ذكره الله عن عباده المؤمنين في كتابه: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم
(يُتْبَعُ)
(/)
بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ).
وقال تعالى: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ 127 قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
وقال تعالى: (أفكلما جاءكم رسول بما لاتهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون).
وقال تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم).
وقال تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ).
وقال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)
وقال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الاخْدُودِ 4 النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ 5 إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ 6 وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ).
وقد روى مسلم في صحيحه عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(كان ملك فيمن كان قبلكم. وكان له ساحر. فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت. فابعث إلي غلاما أعلمه السحر.
فبعث إليه غلاما يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك، راهب. فقعد إليه وسمع كلامه. فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه.
فإذا أتى الساحر ضربه. فشكا ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس. فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم! إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. حتى يمضي الناس. فرماها فقتلها. ومضى الناس. فأتى الراهب فأخبره.
فقال له الراهب: أي بني! أنت، اليوم، أفضل مني. قد بلغ من أمرك ما أرى. وإنك ستبتلى. فإن ابتليت فلا تدل علي.
وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي. فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله.
فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله. فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس. فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله.
فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام. فجئ بالغلام. فقال له الملك: أي بني! قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. فقال: إني لا أشفي أحدا. إنما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب.
(يُتْبَعُ)
(/)
فجئ بالراهب. فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار. فوضع المئشار على مفرق رأسه. فشقه حتى وقع شقاه. ثم جئ بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فوضع المئشار في مفرق رأسه. فشقه به حتى وقع شقاه.
ثم جئ بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا. فاصعدوا به الجبل. فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت.
فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر. فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به. فقال: اللهم! اكفنيهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة فغرقوا.
وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد. وتصلبني على جذع.
ثم خذ سهما من كنانتي. ثم ضع السهم في كبد القوس. ثم قل: باسم الله، رب الغلام. ثم ارمني. فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.
فجمع الناس في صعيد واحد. وصلبه على جذع. ثم أخذ سهما من كنانته. ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: باسم الله، رب الغلام. ثم رماه فوقع السهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السهم. فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام.
فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله! نزل بك حذرك. قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت. وأضرم النيران. وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها. أو قيل له: اقتحم. ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمه! اصبري. فإنك على الحق").
ففي هذا الحديث: أنه قتل جليس الملك والراهب بالمناشير، ولم يرجعا عن الإيمان، وكذلك أهل الأخدود صبروا على التحريق بالنار، ولم يرجعوا عن الإيمان.
واما الغلام فإنه أمر بقتل نفسه لما علم أن ذلك يوجب ظهور الإيمان في الناس، والذي يصبر يقتل أو يحمل (؟) حتى يقتل، لأن ذلك ذلك ظهور الإيمان من هذا الباب.
وفي صحيح البخاري عن قيس بن أبي حازم عن خباب بن الأرت قال:
شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).
وفي رواية: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: ألا تدعو الله، فقعد وهو محمر وجهه، فقال: لقد كان من قبلكم يمشط بأمشاط الحديد.
والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك آمرا لهم بالصبر على أذى الكفار، وإن بلغوا بهم إلى حد القتل صبرا، كما قتلوا المؤمنين صبرا، ومدحا لمن يصبر على الإيمان حتى يقتل))) أنتهت الرسالة
ـ[الازهري المصري]ــــــــ[30 Jul 2005, 10:57 ص]ـ
نقل مبارك
جزاكم الله خيرا
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[30 Jul 2005, 05:39 م]ـ
شكرا لكم أخي الفاضل, وأهلا بكم في هذا المنتدى المبارك.
ـ[الجعفري]ــــــــ[01 Aug 2005, 06:35 ص]ـ
جزاك الله خيراً , وأرجو وضع رابط لحفظ الرسالة.
كما أذكر أن هناك بحث طيب بعنوان أحكام الشهيد لأحد زملائي في الجامعة. وهو ممتاز وتعرض لهذه المسألة. جزاه الله خيرا(/)
لا تجريحا في النبي- حاشا لله- ولكن دفاعا عما نطق به (إن أبي وأباك في النار)
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[25 Jun 2005, 02:32 م]ـ
لا تجريحا في النبي (ص) كما يدعي الضالون- حاشا لله- ولكن دفاعا عما نطق به (إن أبي وأباك في النار)
سوف ادخل في الموضوع بدون مقدمات:
عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال "في النار" فلما قفى دعاه فقال "إن أبي وأباك في النار".
رواه مسلم (1: 132 - 133) وأبو داود (4718) وأحمد (3: 268) زأبو يعلى (3516) وابن حبان (578 - الإحسان) وابن أبي شيبة وأبو عوانة (1: 99) والبيهقي (7: 190) كلهم من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت بن أسلم البناني به.
وهو حديث صحيح جدا, وإسناده في غاية الصحة, صححه مسلم والجوزجاني في الأباطيل والمناكير (1: 233) وابن حبان والبيهقي وابن كثير (باعتمادهما الحديث في كتبيهما وتعليقاتهما كما سيأتي) والألباني في الصحيحة (2592) والحويني في مجلة التوحيد.
وندين لله تعالى بما نطق به هذا الحديث, كما دان به وبمعناه كبار أئمة المسلمين بلا خلاف بينهم, ومنهم:
1 - الإمام مسلم, حيث رواه في صحيحه وعنون عليه: باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين.
2 - داود صاحب السنن, حيث روى حديث أنس مع أحاديث أخرى وعنون عليها: باب في ذراري- أي أبناء- المشركين.
3 - ابن حبان, حيث رواه في ((صحيحه)).
4 - النسائي, حيث روى حديث الاستئذان (2032) - وهو: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) – وهو كما ترى بمعنى حديث أنس في أنه قد ثبت أن من أهل الجاهلية من هم ليسوا من أهل الفترة, وعنون عليه: باب زيارة قبر المشرك. أقول: وهذا الحديث صريح في عدم إيمانها؛ لأن اللَّه عز وجل قال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} , والآية عامة .. فتأمل. ويؤكد ذلك حديث بريدة رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم [في سفر، وفي رواية: في غزوة الفتح]. فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب، ففداه بالأب والأم، يقول:يا رسول لله مالك؟ قال: إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي، فلم يأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار، [واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي]، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ولتزدكم زيارتها خيرا). أخرجه أحمد (5/ 355،357،359) وابن أبي شيبة (4/ 139) والرواية الاخرى لهما وإسنادها عند ابن أبي شيبة صحيح، والحاكم (1/ 376) وكذا ابن حبان (791) والبيهقي (4/ 76) والزيادة الاولى لها: والرواية الاخرى فيها لمن سبق ذكره، والزيادة الاخرى للحاكم وقال: (صحيح على شرط الشيخين) وصححه الألباني [أحكام الجنائز238] , وهو كما قال.
5 - ابن ماجة: حيث روى هو أيضا حديث الاستئذان (1572) , وعنون عليه: باب ما جاء في زيارة قبور المشركين.
6 - البيهقي: إذ قال في كتابه دلائل النبوة (1/ 192، 193) بعد تخريجه لهذا الحديث: (وكيف لا يكون أبواه وجدُّه بهذه الصفة في الآخرة، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، ولم يدينوا دين عيسى ابن مريم عليه السلام). وقال أيضا في سننه (7: 190): " وأبواه كانا مشركين, بدليل ما أخبرنا .. " ثم ساق حديث أنس.
7 - ابن الجوزي إذ قال في الموضوعات (1: 284) بعد أن ذكر حديثا باطلا موضوعا فيه أن الله أحيا أبوي النبي (ص) ليؤمنا به, قال: [هذا حديث موضوع لا يشك فيه, والذي وضعه قليل الفهم, عديم العلم, إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة, لا بل لو آمن بعد المعاينة, ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى" فيمت وهو كافر", وقوله (ص) .. وذكر ابن الجوزي حديث الاستئذان .. ].
(يُتْبَعُ)
(/)
8 - ابن كثير, حيث نقل كلام البيهقي المتقدم من الدلائل تأييدا له وإقرارا, ثم قال ابن كثير في (سيرة الرسول وذكر أيامه .. ): "وإخباره (ص) عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة ... , فلا منافاة ولله الحمد والمنة ".
9 - النووي, حيث قال في [شرح مسلم (3/ 79)] في شرحه لحديث أنس: " فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العربُ من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة, فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء".
وقال قي شرحه لحديث الاستئذان (7/ 45): "فيه جواز زيارة المشركين في الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهي عن الاستغفار للكفار".
10 - الألباني, انظر كلامه في الصحيحة (2592) وصحيح السيرة (24: 27).
11 - ابن باز, في فتواه [مصير أهل الفترة] من فتاوى نور على الدرب.
شبهات مثارة لرد الحديث
الشبهة الأولى: يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي- عفا الله عن زلاته, وجازاه خيرا عن صالح أعماله, فإنا لا ننكر فضله - في كتابه هموم داعية (21: 22) - وقال ما شابه ذلك في دستور الوحدة الإسلامية (25) -:
" رأيت نفرا يغشون المجامعَ مذكّرين بحديث أنّ أبا الرسولِ صلى الله عليه وسلم في النار! وشعرت بالاشمئزازِ من استطالتِهِم وسوء خلقِهِم! قالوا لي: كأنك تعترض ما نقول؟ قلتُ ساخرا: هناك حديث آخر يقول: {وما كنّا مُعَذّبِينَ حتّى نَبْعثَ رَسُولاً} فاختاروا أحدَ الحديثيْنِ ... قال أذكاهم بعد هنيهةٍ: هذه آية لا حديث! قلت: نعم جعلتها حديثا لتهتمّوا بها فأنتم قلّما تفقهونَ الكتابَ!!
قال: كانت هناك رسالات قبل البعثةِ والعربُ من قوم إبراهيم وهم متعبّدون بدينِهِ. قلتُ: العرب لا من قومِ نوح ولا من قومِ إبراهيم، وقد قال الله تعالى في الذين بُعِثَ فيهم سيد المرسلين: [ومَا آتَينَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسونَهَا وَ مَا أَرْسَلْنَا إلَيهِمْ قَبْلَك منْ نَذيرٍ] وقالَ لنبيّهِ الخاتم: [وما كُنتَ بِجَانبِ الطّورِ إذْ نَادَينَا ولكِنْ رَّحمةً منْ ربّكَ لِتُنذِرَ قَومَاً ما أتَاهُم منْ نَذيرٍ من قبلِكَ لعَلّهُم يتذكّرونَ]. كلّ الرسالاتِ السابقةِ محلّية مؤقتة، وإبراهيم وموسى وعيسى كانوا لأقوامٍ خاصّة!! وللفقهاءِ كلام في أنّ أبوي الرسول ليسا في النارِ يردّونَ بِهِ ما تروونَ، لقد أحرجتُم الضميرَ الإسلاميّ حتى جعلتموهُ ليستريحَ يروي أنّ الله أحيى الأبوينِ الكريمينِ فآمنا بابنِهِما وهي روايةٌ ينقصُها السندُ؛ كما أنّ روايَتَكم ينقصها الفقهُ، ولا أدري ما تعشّقُكُم لتعذيبِ أبوينِ كريمينِ لأشرفِ الخلقِ؟ ولم تنطلقونَ بهذه الطبيعةِ المسعورةِ تسوءون الناسَ؟ " انتهى.
قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله , لا يصدر هذا الكلام ممن شم رائحة الفقه أبدا, فاللهم غفرانك وعفوك ...
ملخص كلامه أن الحديث مخالف لقوله تعالى:
1 - "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" [الإسراء15]
2 - "لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون" [السجدة3]
"لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون" [يس6]
"ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون" [القصص46]
3 - "قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير .... " [المائدة19]
أقول- والعون من الله - ردا على ذلك:
هذه الآيات عامة, تتحدث عن مطلق الناس ومطلق القوم, والأحاديث خاصة بأفراد وأناس وأشخاص معينين, فوجب التخصيص لكل من تأمل وكان له قلب, أو ألقى السمع وهو شهيد.
1 - بالنسبة لآية الإسراء, الرسول المقصود فيها, أرجح أنه ما جاء في هذا الحديث: "أربعة يوم القيامة يدلون بحجة ... وذكر النبي (ص) منهم من مات على الفترة ... فيأخذ-أي الله- مواثيقهم ليطعنه, فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار-أي يأمرهم ذلك الرسول بذلك ليختبرهم ويرى مدى طاعتهم لله ومدى استجابتهم لأوامره-, وأكمل الرسول (ص) فقال: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما-أي لطاعته لأمر الله- , ومن لم يدخلها يسحب إليها ".رواه أحمد, وابن أبي عاصم (السنة355) وهو حديث صحيح صحيح, بأسانيد صحيحة عن أبي هريرة عن النبي (ص). وكذا صححه الألباني في الصحيحة (1432و 2468). ويرد عليهم أيضا بما سيأتي في
(يُتْبَعُ)
(/)
الفقرات التالية.
2 - احتج بآيات القصص والسجدة و يس, ونسي أو تناسى بقية سياق آية القصص, إذ في الآية48 " أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل .. ", فهذا دليل قاطع دامغ على أن الكثير منهم قد بلغتهم الحجة والرسالة ودعوة التوحيد وشرائع بعض الرسل, فكفروا بكل ذلك. ويؤكد ذلك ايضا إنكار الله عليهم, إذ يقول تعالى: " ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم, أتتهم رسلهم بالبينات .. " [التوبة70] , فأهل الجاهلية-في مجملهم-كانوا على علم بذلك إذا, ولكنه الكبر الذي في قلوبهم, فإنه لا تعمى الأبصار, ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
3 - أما احتجاجه بآية المائدة, فيرد عليه بما جاء في الفقرة السابقة, إضافة إلى الاية104 من المائدة نفسها .. " قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا, أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا (وهؤلاء هم المقصودون بأهل الفترة, لأنهم لا يعلمون شيئا, ولم يفكروا أصلا في من هو الخالق, وهل لهذا الكون-أصلا- صانع أو مبدع أم لا, أي أنهم لم يدر بخلدهم أو تفكيرهم مثل هذه الأسئلة والأفكار على الإطلاق. هب أنك قد انقطعت بك السبل في صحراء واسعة شاسعة لا تجد فيها أثرا لحياة أو طعام أو شراب, ومرت عليك الأيام والليالي, وذات مرة غلبك النوم فنمت, وعندما استيقظت فوجئت بمائدة منصوبة لك عليها أطايب الطعام والشراب .. , فكنا من يفكر-قبل أن تمتد يدك إليها- في أمرها وأصلها وفصلها, ومن أين جاءت إلى هنا, ومنا من لا يلتفت إلى شيء من ذلك على الإطلاق, فيهجم عليها هجمة الأسد, يفترسها عن آخرها. فمثل الأول مثل من اهتدى بفطرته إلى وجود الله, ومثل الثاني مثل من لم يهتد إلى شيء على الإطلاق, لأن الأمر لا يشغل باله بتاتا ... , فتأمل) ولا يهتدون (وهؤلاء كفار كفرا بينا, لأنهم قد بلغتهم الحجة ودعوة التوحيد, أو تفكروا واهتدوا بفطرتهم إلى أن هناك (الله) , ولكنهم جحدوه بعد اهتدائهم له تعالى اتباعا لأهوائهم أو آبائهم ... بدليل قوله تعالى " لا يهتدون", فهذا معناه أنهم قد وقفوا على شيء يدعوهم إلى الهداية, ولكنهم لم يهتدوا ... فتأمل) ".
ويرد عليه أيضا قوله تعالى " وجعلوا لله .. نصيبا, فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا .. ساء ما يحكمون " [الأنعام13] , فهم يعرفون أن هناك (الله) , ولكنهم يجحدونه. وكذلك قوله تعالى " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله (فهاهم يقرون به تعالى من دون أن يقول لهم النبي (ص) شيئا على الإطلاق) , قل الحمد لله, بل أكثرهم لا يعلمون (أي: لا يعلمون أنهم بإقرارهم هذا قد هدموا عقيدتهم الشركية الفاسدة) " [لقمان25]
وهناك ملحظ آخر أحب إضافته (وهو يحتاج لمناقشة) , فإن كان صحيحا فلله الحمد, وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان. الملحظ هو أن المقصود بأنهم "ما آتاهم من نذير من قبلك", المقصود أنهم لم يبعث فيهم خاصة رسول من قبل الله , فالكثير والكثير من الأقوام على مر العصور بعث الله فيهم نبيا أو رسولا خاصة لهم من دون الآخرين, ولم يحدث ذلك لقريش أو عرب الجزيرة العربية. فامتن الله عليهم بأن بعث فيهم رسولا منهم, لهم خاصة وللناس والعالمين عامة. فأصبحوا يفضلون كل من سبقهم من الأقوام, فرسولهم للبشرية كلها, ورسالته خالدة خلود الدهر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ... , فتأمل, أفيتركهم الله طيلة الزمان والدهر بدون شيء ينبههم أو دعوة للتوحيد والحنيفية تصل إليهم .. !!
وبهذا يتضح لكل ذي عينين أنه ليس كل أهل الجاهلية من أهل الفترة, فهل يقول المخالف أيضا أن نصوص القران الكريم " ينقصها الفقه" .. !!
وبما سبق يتضح بطلان دعوى الغزالي, وكذلك بطلان قول فضيلة الشيخ القرضاوي الذي قال في كتابه كيف نتعامل مع السنة (117) " ما ذنب عبد الله بن عبد المطلب حتى يكون في النار وهو من أهل الفترة و الصحيح أنهم ناجون؟ ".
قال الإمام النووي-كما نقلنا سابقا- " من مات في الفترة على ما كانت عليه العربُ من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة, فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء ".
(يُتْبَعُ)
(/)
أما قول الغزالي " كلّ الرسالاتِ السابقةِ محلّية مؤقتة، وإبراهيم وموسى وعيسى كانوا لأقوامٍ خاصة ", فهو قول عجيب, ألدعوة للتوحيد وإفراد العبودية لله رسالة محلية مؤقتة أيضا .. !! , فإننا نتكلم في دعوة التوحيد والحنيفية التي تركها أهل الجاهلية-عمدا- وعبدوا الأصنام, فلسنا نتكلم في تفاصيل الأحكام والشرائع حتى تقول أن رسالات إبراهيم وموسى وعيسى رسالات محلية مؤقتة .. فتأمل ولا تشطط.
إليك هذه الأمثلة, وتأملها جيدا وعض عليها بالنواجذ:
1 - عن سالم بن عبد الله أنه سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله (ص) أنه " لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل (بلدح)، وذلك قبل أن ينزل على رسول الله (ص) الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منه وقال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه ". رواه أحمد (2/ 89)، قال الألباني (صحيح السيرة34): إسناده صحيح, وهو كما قال. وحاشا النبي (ص) أن يذبح على النصب, فلقد كان على الحنيفية السمحة كما هو ثابت معلوم بالضرورة, ولكن عمرا لم يكن يعرف أن محمدا بن عبد الله موحد حنيفي.
2 - عن اسماء بنت أبي بكر قالت: "رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش, والله ما منكم على دين إبراهيم عليه السلام غيري. وكان-أي زيد- يحيي الموءودة, يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: أنا أكفيك مؤنتها, فيأخذها, فأذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك, وإن شئت كفيتك مؤنتها ". رواه البخاري معلقا (7: 114_ 115) , ووصله الحاكم في المستدرك (3: 440) وصححه على شرط الشيخين, وصححه الألباني (تخريج فقه السيرة للغزالي 66).
3 - " ورقة بن نوفل كان امرءا تنصر في الجاهلية, وكان يكتب الكتاب العبراني ... فأخبره الرسول (ص) خبر ما رأى, فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى ... , وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا .... ". حديث صحيح جدا رواه البخاري (18:1_ 23) ومسلم (1: 97_ 98).
4 - قال (ص) "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار, كان أول من سيب السوائب (وفي رواية: كان أول من غير دين إسماعيل) ". رواه الشيخان, وانظر الصحيحة (1677).
5 - سألوه (ص) عن عبد الله بن جدعان, فقالوا: كان يقري الضيف, ويعتق, ويتصدق, فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال (ص):" لا, إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". رواه مسلم, وانظر الصحيحة تحت الحديث رقم (2927).
6 - " مر النبي (ص) بنخل لبني النجار, فسمع صوتا, فقال: ما هذا, فقالوا قبر رجل دفن في الجاهلية. فقال (ص): لولا أن تدافنوا, لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمعني". حديث صحيح جدا, رواه أحمد (3: 201) وابن حبان (786) بأسانيد صحيحة عن أنس.
وله شاهد رواه مسلم (8: 160) بسند صحيح عن زيد بن ثابت: بينما النبي (ص) في حائط لبني النجار .. , فقال (ص) من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا. قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك, فقال (ص) " لولا أن تدافنوا, لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمعني".
7 - " رؤيته (ص) في صلاة الكسوف صاحب المحجن يجر قصبه في النار, لأنه كان يسرق الحاج بمحجنه ". رواه مسلم, وانظر الإرواء (656).
كل هذه الأحاديث, وغيرها الكثير, تدل على أن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل البعثة –الكثير منهم- معذبون بشركهم وكفرهم, وأن معظمهم ليسوا من أهل الفترة, إذ لو كانوا من أهلها لم يستحقوا العذاب.
الشبهة الثانية: أورد السيوطي في ((مسالك الحنفا في والدي المصطفى)) (2/ 432 - 435) سؤالاً في مسألة إيمان والدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {{{فإن قلت: بقيت عقدةٌ واحدةٌ وهي ما رواه مسلمٌ عن أنسٍ أن رجلاً قال: يا رسول اللَّه، أين أبي؟ قال: ((في النار))، فلما قفَّى دعاه، فقال: ((إن أبي وأباك في النار)). وحديث ((مسلم)) و ((أبي داود)) عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم استأذن في الاستغفار لأمه فلم يُؤذن له. فاحلل هذه العقدة. قُلْتُ: على الرأس والعين، والجواب: أن هذه اللفظة، وهي قوله: ((إن أبي وأباك في النار)) لم يتفق على ذكرها الرواة، وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنسٍ، وهي الطريق التي رواه مسلمٌ منها، وقد خالفه معمر عن ثابت، فلم يذكر: ((إن أبي
(يُتْبَعُ)
(/)
وأباك في النار))، ولكن قال: ((إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار))، وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلم بأمرٍ البتة، وهو أثبت من حيث الرواية، فإن معمرًا أثبت من حمادٍ، فإن حمادًا تكلِّم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسَّها في كتبه، وكان حمادٌ لا يحفظ فحدَّث بها فوهم، ومن ثمَّ لم يخرج له البخاري شيئًا، ولا خرَّج له مسلم في الأصول إلاَّ من حديثه عن ثابتٍ .. وأمَّا معمر فلم يتكلَّم في حفظه، ولا استنكر شيءٌ من حديثه، واتفق الشيخان على التخريج له، فكان لفظه أثبت ... ثم ذكر السيوطي شاهدًا لحديث معمر من حديث سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه}}} انتهى كلام السيوطي-عفا الله عن زلته-.
أقول ردا على ذلك:
1 - بنى السيوطي تضعيفه على أن معمرا بن راشد قد خالف حماد بن سلمة عن ثابت عن أنسٍ في لفظه "إن أبي وأباك في النار" فقد قال معمر عن ثابت- كما يدعي السيوطي- " إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار".
أقول: هذا هو الكذب بعينه, هذا هو الكذب بعينه, فلقد أعمى التعصب السيوطي, فوقع في الكذب على رسول الله (ص) , فليس هناك إسناد لهذا الحديث في الدنيا كلها- ولو في الأحلام, إلا أحلام السيوطي بالطبع- فيه معمر عن ثابت عن أنس بلفظ " إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار". فمعمر لم يرو هذا الحديث أصلا عن ثابت, ولا بواسطة أخرى عن أنس. وإنما الحديث الذي فيه " إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار", فقد رواه معمر عن الزهري مرسلا, أخرجه عبد الرزاق في المصنف (19687) عن معمر بن راشد، عن الزهري قال: جاء أعرابي لرسول الله (ص) فقال: أين أبي؟ قال: ((في النار)). قال: فأين أبوك؟ قال: ((حيثما مررت بقبر كافرٍ فبشره بالنار)) ". فالحديث مرسل ضعيف كما ترى, فانظر كيف يضرب السيوطي الصحيح بالضعيف الواهي الذي هو أشبه بالريح- كما قال الأئمة في مراسيل الزهري-. وإياك أن تقول أن الزهري المرسل صحيح, لأن إبراهيم بن سعد رواه موصولا عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه فذكر الحديث- أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (1/ 191/1) وابن السني في (عمل اليوم والليلة) رقم (588) بسند صحيح- لأن أبا حاتم قال " إنما يرونه عن الزهري، قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... والمرسل أشبه). ذكره ولده في ((العلل)) (ج2/ رقم 2263). وما ذكره أبو حاتم هو الحق والصحيح والصواب لأنه قد اختلف إبراهيمُ بن سعد ومعمر بن راشد، ولا شك عندنا في تقديم رواية معمر المرسلة؛ لأن معمرًا ثبتًا في الزهري، وأما إبراهيم بن سعد فقال قال صالح بن محمد الحافظ: (سماعه من الزهري ليس بذاك؛ لأنه كان صغيرًا حين سمع من الزهري). وقال ابن معين وسئل: إبراهيم بن سعد أحب إليك في الزهري أو ليث بن سعد؟ قال: كلاهما ثقتان. فإذا تدبرت قول يعقوب بن شيبة في الليث: (ثقة وهو دونهم في الزهري - يعني: دون مالك ومعمر وابن عيينة - وفي حديثه عن الزهري بعض الاضطراب). عملت أن قول ابن معين لا يفيد أنه ثبت في الزهري مثل معمر.
فالذي يتحرر من هذا البحث أن الرواية المرسلة هي المحفوظة، وهي التي رجحها أبو حاتم الرازي, وكذلك الدارقطني في العلل (4/ 334) ... فتأمل منصفا.
ولنفترض جدلا أن معمرا قد رواه عن ثابت باللفظ الذي ذكره السيوطي- وقد علمت أن هذا كذب صراح بواح- فالرد: الأمر لا يخفى على أحدٍ من المشتغلين بالحديث أن أهل العلم بالحديث قالوا: أثبت الناس في ثابت البناني هو حمادُ بن سلمة، ومهما خالفه من أحدٍ فالقولُ قولُ حمادٍ. فقال أبو حاتم الرازي - كما في ((العلل)) (2185) -: (حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابتٍ وفي علي بن زيد). وقال أحمد بن حنبل: (حماد بن سلمة أثبت في ثابتٍ من معمر). وقال يحيى بن معينٍ: (من خالف حماد بن سلمة فالقول قول حمادٍ. قيل: فسليمانُ بن المغيرة عن ثابت؟ قال: سليمانُ ثبتٌ، وحماد أعلم الناس بثابت). وقال ابنُ معينٍ مرة: (أثبت الناس في ثابت: حماد بن سلمة). وقال العقيلي في ((الضعفاء)) (2/ 291): (أصح الناس حديثًا عن ثابت: حماد بن سلمة).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد أكثر مسلمٌ من التخريج لحماد بن سلمة عن ثابت في الأصول، أما معمر بن راشد فإنه وإن كان ثقةً في نفسه إلاَّ أن أهل العلم بالحديث كانوا يضعفون روايته عن ثابت البناني ولم يخرج له مسلمٌ شيئًا في ((صحيحه)) عن ثابت إلا حديثًا واحدًا في المتابعات، ومقرونًا بعاصم الأحول، وهذا يدلك على مدى ضعف رواية معمر عن ثابت. ولذلك قال ابنُ معين: (معمر عن ثابت: ضعيفٌ). وقال مرَّةً: (وحديث معمر عن ثابت، وعاصم بن أبي النجود، وهشام بن عروة وهذا الضرب مضطربٌ كثيرُ الأوهام). وقال العقلي في ((الضعفاء)) (2/ 291): (أنكرُ الناس حديثًا عن ثابت: معمر بن راشد).
ولا تقل أن حمادا قد تغير حفظه بأخرة كما قال ابن حجر في التقريب, لأن أمير المؤمنين في الحديث وفي الجرح والتعديل يحيى بن معين قد نفى ذلك بقوله: حديث حماد بن سلمة أوله وآخره واحد (انظره في تهذيب الكمال للمزي في ترجمة ابن سلمة) , ومما يؤكد ذلك .. قول أمير المؤمنين في الحديث عبد الرحمن بن مهدي: " صحيح السماع .. , لم يتهم بلون من الألوان .. فسلم حتى مات" .. فلم يذكر أي تغير, وقال أيضا الإمام الكبير العظيم أبو حاتم الرازي " أضبط الناس وأعلمهم بحديثيهما-يقصد ثابتا وحميد الطويل اللذين أكثر عنهما حماد ابن سلمة-, بين خطأ الناس " .. فهل يقال ذلك فيمن تغير حفظه, اللهم غفرا. وسئل يحيى بن الضريس: حماد أم الثوري, فقال: حماد أحسن حديثا. وهذا قول منه عن سبر, لأن ابن الضريس عنده عن كل واحد منهما عشرة آلاف حديث (انظر كل هذه الأقوال في المصدر السابق). أقول: لقد كان حماد واسع الرولية .. روى بضعة عشر ألف حديث, فإذا أخطأ في شيء منها .. كان ماذا؟!! وكذلك كل من ترجم له من الأئمة يوثقونه مطلقا.
2 - زعم السيوطي أن حماد قد وقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسَّها في كتبه. وهذا هو الباطل بعينه مجسدا مجسما, يرد عليه أقوال الأئمة التي ذكرناها في الفقرة السابقة. وإليك ما قاله فضيلة الشيخ الحويني في رد ذلك (مقال له بمجلة التوحيد) وهو رد نفيس غال, عض عليه بالنواجذ:
" قولُ السيوطي: إن ربيب حماد بن سلمة دسَّ في كتبه أحاديث مناكير وانطلى أمرها على حمادٍ لسوء حفظه. وهذه تهمة فاجرةٌ، كما قال الشيخ المعلمي رحمه اللَّه في ((التنكيل)) (1/ 243)، ومستند كل من تكلَّم بهذه التهمة ما ذكره الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (1/ 593) من طريق الدولابي قال: حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي، قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث - يعني أحاديث الصفات - حتى خرج مرة إلى عبادان، فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر فألقاها إليه. قال ابن الثلجي: فسمعتُ عباد بن صهيب يقول: إن حمادًا كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دُسَّت في كتبه. وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه، وعلَّق الذهبي على هذه الحكاية بقوله: (ابن الثلجي ليس بمصدق على حمادٍ وأمثاله، وقد اتُهم. نسأل اللَّه السلامة). انتهى.
وابن الثلجي هذا كان جهميًا عدوًا للسنة، وقد اتهمه ابنُ عدي بوضع الأحاديث وينسبها لأهل الحديث يثلبهم بذلك، فالحكاية كلُّها كذب، فكيف يُثلب حماد بن سلمة بمثل هذا، ولو جاز لنا أن نرد على السيوطي بمثل صنيعه لذكرنا ما روى عن أبي حامد بن الشرقي - كما في ((تاريخ بغداد)) (4/ 42) - أنه سئل عن حديث أبي الأزهر، عن عبد الرزاق، عن معمر في فضائل علي بن أبي طالب، فقال أبو حامد: هذا حديثٌ باطل، والسببُ فيه أن معمرًا كان له ابنُ أخٍ رافضيٌّ، وكان معمر يمكنه من كتبه، فأدخل عليه هذا الحديث، وكان معمر رجلاً مهيبًا لا يقدرُ أحدٌ عليه في السؤال والمراجعة، فسمعه عبد الرزاق في كتاب ابن أخى معمر). فعلَّق الذهبي في ((السير)) (9/ 576) قائلاً: (هذه حكاية منقطعةٌ، وما كان معمرُ شيخًا مغفلاً يروج عليه هذا، كان حافظًا بصيرًا بحديث الزهري). ولكننا لا نستجيز أن نطعن على الثقات بمثل هذه الحكاية ". انهى كلام الحويني.
الشبهة الثالثة: إن القول بكفر والدي النبي (ص) يقدح في نسبة رسول الله (ص).
(يُتْبَعُ)
(/)
ويجيب عن ذلك الإمام البيهقي بقوله في الدلائل (1/ 192, 193): " وكفرُهم لا يقدح في نسب رسول اللَّه (ص) , لأن أنكحة الكفار صحيحة، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم، فلا يلزمهم تجديد العقد، ولا مفارقتهن؛ إذ كان مثلُه يجوز في الإسلام. وباللَّه التوفيق ". كما لا يقدح في إبراهيم أن ينتهي نسبه إلى أبيه المشرك بنص القران, والدليل على ذلك من قول الصحابة- فمنهم تؤخذ اللغة-: عن علي رضى الله عنه قال: " سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت:تستغفر لأبويك وهما مشركان!؟ فقال: أليس قد استغفر إبراهيم وهو مشرك؟ قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم!؟ فنزلت: {ما كان لله والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} أخرجه النسائي (11/ 28) والترمذي (4/ 120) وحسنه, وابن جرير (11/ 28)، والحاكم (2/ 335) وقال صحيح الإسناد, وأحمد (771, 1085) والسياق له. قال الألباني إسناده حسن, وهو كما قال, لأن في إسناده أبو الخليل الكوفي- عبد الله بن خليل الحضرمي-, وقد روى عنه الشعبي, وهو لا يروي إلا عن ثقة يحتج بحديثه كما قال ابن معين في ترجمة الشعبي من تهذيب الكمال. (انظر هنا لزاما الهامش رقم (1و 2) ص16 فهو في غاية الأهمية).
الشبهة الرابعة: هذا قول لا يتفق مع منزلة الرسول (ص) وقدره, ولا يتفق مع محبتنا له.
الرد: هذا من غلوهم في تعظيم وحب النبي (ص) , فينكرون أن يكون أبواه (ص) كما أخبر هو نفسه عنهما, كأنهم أشفق عليهما منه (ص). ومن التجني أن يوصف من يتمسك بالأحاديث الصحيحة بسوء الأدب، وواللَّه لو صحت الأحاديث في إسلام والدي النبي صلى الله عليه وسلم لكنا أسعد الناس بها, كيف وهم أقربُ الناس لرسول اللَّه (ص) الذي هو أحبُّ إليَّ من نفسي، واللَّه على ما أقول شهيد. ولكننا لا نتبنى قولاً ليس عليه دليلٌ صحيح, ولكن كثيرًا من الناس من يتخطى المحبة الشرعية, ويخالف الحجة ويحاربها.
الشبهة الخامسة: أن حديث أنس منسوخ بحديث أن الله أحيا أبوي النبي (ص) ليؤمنا به.
الرد: قال ابن الجوزي في الموضوعات (1: 284): [هذا حديث موضوع لا يشك فيه, والذي وضعه قليل الفهم, عديم العلم, إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة, لا بل لو آمن بعد المعاينة, ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى" فيمت وهو كافر", وقوله (ص) .. وذكر ابن الجوزي حديث الاستئذان .. ]. وهو حديث موضوع باطل كما قال الدارقطني والجوزجاني وابن عساكر والذهبي والعسقلاني كما قال الألباني في الصحيحة (2592). وهكذا عارض السيوطي هذه الأحاديث الصحيحة بأحاديث منكرة وباطلة.
والسيوطي يعلم –كما يعلم كل من شم رائحة الأصول- أن النسخ لا يقع في الأخبار, وإنما في الأحكام. فلا يعقل أن يخبر النبي (ص) عن شخص أنه في النار, ثم ينسخ ذلك بقوله إنه في الجنة .. !! هذا كلام لا يقول به عاقل.
الشبهة السادسة: تأويل الأب في حديث أنس على أنه العم, كما قال القرضاوي في كتابه كيف نتعامل مع السنة (117).
الرد: هذا ضعيف باطل, لأنه خلاف الظاهر والمتبادر-كما قال القرضاوي أيضا-, لأنك عندما تسأل جارك مثلا: هل رأيت أبي اليوم؟ يفهم منه الجار- قطعا وفي الحال- أن المقصود هو الوالد .. , فتأمل. وإليك الدليل على ذلك من قول الصحابة- فمنهم تؤخذ اللغة-: عن علي رضى الله عنه قال: " سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت:تستغفر لأبويك وهما مشركان!؟ فقال: أليس قد استغفر إبراهيم وهو مشرك؟ قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم!؟ فنزلت: {ما كان لله والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم} أخرجه النسائي (11/ 28) والترمذي (4/ 120) وحسنه, وابن جرير (11/ 28)، والحاكم (2/ 335) وقال صحيح الإسناد , وأحمد (771, 1085) والسياق له. قال الألباني إسناده حسن, وهو كما قال, لأن في إسناده أبو الخليل الكوفي- عبد الله بن خليل الحضرمي-, وقد روى عنه الشعبي, وهو لا يروي إلا عن ثقة يحتج بحديثه كما
(يُتْبَعُ)
(/)
قال ابن معين في ترجمة الشعبي من تهذيب الكمال.
الشبهة السابعة: أن حديث أنس خبر آحاد لا يعتد به لأنه مخالف للقران.
الرد: دعوى مخالفته للقران قد رددنا عليها أثناء ردنا على الغزالي.
أما دعوى أنه أخبار آحاد, فأقول: فهذا هو التكذيب بعينه وإن سمي بغير اسمه، أو لبس بلباس من غير جنسه, وهو مسلك ممقوت دأب عليه المخالفون في الكتاب المختلفون في الكتاب، حيث يحكمون أهواءهم وعقولهم القاصرة في نصوص السنة والكتاب فما وافقها قبلوه وجعلوه حجة قطعية، وما خالفها ردوه وجعلوه دلالة ظنية, وبذلك المسلك الفج طعنوا في نصوص كثيرة محكمة بحجة أنها أخبار آحاد، لا تفيد – بزعمهم – إلا الظن.
بل أقول: خبر الآحاد الصحيح يفيد العلم القطعي والعمل رغم أنف كل مكابر, والدليل قول الله تعالى: " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" [النساء59]
فإذا رجعوا إلى سنة الرسول (ص) بعد وفاته - والآية مطلقة وعامة, تشمل حياته ووفاته (ص) , وتشمل العقيدة والأحكام, وتشمل المتواتر والآحاد الذي وصل إلينا عنه (ص) – فماذا تفيدهم؟ فإن قالوا: ظنا, فهل يأمر الله المتنازعين أن يردوا النتنازع فيه إلى ما يفيدهم ظنا, فيستمر النزاع؟!! لولا أن المردود إليه يفيد العلم القطعي والعمل, وينهي النزاع, لم يكن في الرد إليه أي فائدة, وهذا هو عين الباطل .. فثبت المراد والحمد لله, فتأمل منصفا.
الشبهة الثامنة: يقول الأبي في شرحه لصحيح مسلم (1: 363_ 373) - وأيده القرضاوي ص119 - : " قصر التعذيب المذكور في هذه الأحاديث على من بدل وغير من أهل الفترة, بما لا يعذر به من الضلال " كأن يكون وأد ابنة أو نحو ذلك مما هو معلوم القبح لدى كل العقلاء.
الرد: سبحان الله العظيم, ما هذا البهتان الكبير؟!! أيكون وأد البنات معلوم القبح لدى كل العقلاء, ولا تكون عبادة الأصنام والإشراك بالله غير معلوم القبح لدى كل العقلاء .. !!! لا حول ولا قوة إلا بالله, تأمل ماذا يفعل التعصب والهوى في أصحابه, واحمد الله أنك تعصبك وهواك هو للكتاب والسنة لا غير.
الشبهة التاسعة: أن هذا الحديث معارض للحديث الصحيح أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة.
الرد: يقول ابن كثير في (سيرة الرسول وذكر أيامه .. ): "وإخباره (ص) عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والأطفال والمجانين والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة. لأنه سيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء-أي الذين أخبر عنهم النبي- من جملة من لا يجيب، فلا منافاة، ولله الحمد والمنة ".
والحمد لله أولا وآخرا على توفيقه وتسديده.
ثم أضيف فأقول: قال القرافي في شرح تنقيح الفصول (ص297): «حكاية الخلاف في أنه عليه الصلاة والسلام كان متعبدا قبل نبوته بشرع من قبله يجب أن يكون مخصوصا بالفروع دون الأصول، فإن قواعد العقائد كان الناس في الجاهلية مكلفين بها إجماعا. ولذلك انعقد الإجماع على أن موتاهم في النار يعذبون على كفرهم، ولولا التكليف لما عذبوا، فهو عليه الصلاة والسلام متعبد بشرع من قبله -بفتح الباء -بمعنى مكلف لامرية فيه، إنما الخلاف في الفروع خاصة، فعموم إطلاق العلماء مخصوص بالإجماع».
وقد بسط الكلام في عدم نجاة الوالدين العلامة إبراهيم الحلبي في رسالة مستقلة، وكذلك العلامة الحنفي الملاّ علي بن سلطان القارئ (ت1014هـ) في "شرح الفقه الأكبر"، وفي رسالة مستقلة أسماها: "أدلة معتقد أبي حنيفة الأعظم في أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام". وقد أثبت بذلك الكتاب تواتر الأدلة والأحاديث على صِحّة معنى هذا الحديث وعدم نجاة والدي الرسول –عليه أتمّ الصلاة والتسليم–. وقد نقل الإجماع على تلك القضية فقال في ص84: «وأما الإجماع فقد اتفق السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر المجتهدين على ذلك، من غير إظهار خلافٍ لما هُنالك. والخلاف من اللاحق لا يقدح في الإجماع السابق، سواء يكون من جنس المخالف أو صنف الموافق».
ـ[إمداد]ــــــــ[27 Jun 2005, 01:34 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبا صلاح الدين على هذه المقالة التي فيها بيان للحق في هذه المسألة التي وضحها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه فلا كلام لأحد بعده
(يُتْبَعُ)
(/)
ويا حبذا لو أنك كملت كتابة كلمة صلى الله عليه وسلم ولم تكتف بكلمة ص فحقه عليه الصلاة والسلام علينا عظيم
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[27 Jun 2005, 09:21 ص]ـ
شكرا جزيلا لك, وبارك الله فيك.
ـ[ابن مالك]ــــــــ[26 Feb 2006, 11:52 م]ـ
جزاك الله خيرا.
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[27 Feb 2006, 10:45 م]ـ
جهد طيب لا يتنقص منه إلا جاحد، بارك الله في جهودكم أخي ..
ولكنها خواطر.
يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي- عفا الله عن زلاته, وجازاه خيرا عن صالح أعماله, فإنا لا ننكر فضله –
حق
لكن
أقول: هذا هو الكذب بعينه, هذا هو الكذب بعينه, فلقد أعمى التعصب السيوطي, فوقع في الكذب على رسول الله (ص) ,
؟؟!!!
أما دعوى أنه أخبار آحاد, فأقول: فهذا هو التكذيب بعينه وإن سمي بغير اسمه، أو لبس بلباس من غير جنسه, وهو مسلك ممقوت دأب عليه المخالفون في الكتاب المختلفون في الكتاب، حيث يحكمون أهواءهم وعقولهم القاصرة في نصوص السنة والكتاب فما وافقها قبلوه وجعلوه حجة قطعية، وما خالفها ردوه وجعلوه دلالة ظنية, وبذلك المسلك الفج طعنوا في نصوص كثيرة محكمة بحجة أنها أخبار آحاد، لا تفيد – بزعمهم – إلا الظن.
ولكن قال بذلك كثير من أكابر العلماء
ولا يحق وصف هدفهم من ذلك تحكيم الأهواء، بل للقوم أدلتهم.
----------------------------------------
وهذا ذكرني أثناء حواري مع إخوتي في أحد المنتديات للرد على شبهات مثارة حول عصمة الأنبياء في القرآن الكريم، وحين بدأت بشائر الانتصار على الملاحدة والنصارى قاموا ـ بكل خبث ـ بوضع موضوع حول مصير والدَي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكاثرت حوله خلافات المسلمين، وفرح النصارى والملحدون ..
وضاع أثر ذاك الانتصار فكان النداء أن هذا الأمر لا ينبني عليه عمل، وليس له ثمرة ..
ونجح أخوكم مع إخوانه في إقناع المسلمين بإهمال البحث في ذلك الموضوع، وليقل المنصرون والملحدون فيه ما يشاؤون .. والعودة للانتصار للقرآن الكريم ..
وهنا الثمرة التي أكرمنا خالقنا جل جلاله بها، في إسلام عدد من الإخوة المهتدين والأخوات .. الذين صار لهم مواقع إنترنت للدفاع عن الإسلام، ولله الفضل والمنة وحده سبحانه وتعالى.
صحيح أن هذا الموضوع مهم، لكن هناك ما أهم منه ...
وما الذي نقوم به نحن الآن؟!
نقوم فقط بنقل ما قال هذا الفريق أو ذاك.
وبعد مئة سنة ستثار المسألة عينها، ويكون لكل فريق أدلته التي لن تخرج عن هذه الأدلة.
وبعد مئة سنة أخرى، ستعود تلك المسألة، وما هي أدلة الفريقين؟
إنها ذاتها قطعاً .... وهكذا.
المهم في الموضوع:
الوقت أثمن من أن يضيع في تجميع المجموع، وبسط المبسوط .. في أمر لا ينبني على زيادة العلم به عمل، ولا يُنتَقص العامي إن جهِلَه.
في مقابل فوات وضياع أثمن ما يملكه الإنسان في الدنيا: (الوقت).
هل قمنا (بالهمة ذاتها) ببيان طرق المرويات حول جمع القرآن الكريم، والتي تستخدم في إثارة الشبهات حوله؟
هل قمنا بتتبع روايات الروايات التي يفهم منها وقوع (النسخ تلاوة) وهي من أشد الطعون المثارة حول القرآن الكريم حالياً؟
هل تتبعنا ما يثار حول (رضاعة الكبير) بالنفس العلمي ذاته؟
هل تتبعنا روايات بدء الخلق، التي ظاهرها التعارض مع القرآن الكريم؟
هل تتبعنا شبهة رواية (أم قرفة) التي تتخذ حجة على إرهاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
انظر مثالَين على المنهجية التي نمر بها على أحاديث نبوية شريفة هي مثار شبهات غير المسلمين، لكننا ـ كالعادة ـ نترك خطاب غير المسلمين، ونركز على المسلمين.
متناسين أن هدف الداعية الأول دعوة غير المسلمين، فالأولى إنقاذ شخص مخلد في النار ... وهذا من له حُمُر النَّعم، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!!
المثال الأول:
إليك هذه الأمثلة, وتأملها جيدا وعض عليها بالنواجذ:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - عن سالم بن عبد الله أنه سمع ابن عمر يحدث عن رسول الله (ص) أنه " لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل (بلدح)، وذلك قبل أن ينزل على رسول الله (ص) الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منه وقال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه ". رواه أحمد (2/ 89)، قال الألباني (صحيح السيرة34): إسناده صحيح, وهو كما قال. وحاشا النبي (ص) أن يذبح على النصب, فلقد كان على الحنيفية السمحة كما هو ثابت معلوم بالضرورة, ولكن عمرا لم يكن يعرف أن محمدا بن عبد الله موحد حنيفي.
-----------
لكن للحديث رواية أخرى، استخدمها المنصرون للانتقاص من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
أخرج الإمام أحمد (1/ 190) قال: حدثنا يزيد حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن أبيه عن جده قال
:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة هو وزيد بن حارثة فمر بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعواه إلى سفرة لهما فقال يا ابن أخي إني لا آكل مما ذبح على النصب قال فما رئي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أكل شيئا مما ذبح على النصب قال قلت يا رسول الله إن أبي كان كما قد رأيت وبلغك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له قال نعم فأستغفر له فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة ".
الشبهة:
زيد بن عمرو يرفض أكل ما ذبح على النصب بينما ....
================
أنا هنا لا أطلب رد الشبهة، فالرد عليها يسير جداً ولله الحمد.
لكنني أقول إن الأولى بالبحث حالياً رد شبهات غير المسلمين، يلقون بها بين أيدي العوام ـ وأشباههم ـ لتنصيرهم، وكثيراً ما حصل ذلك وللأسف.
وألفت الانتباه إلى الأولويات هنا.
المثال الثاني:
- " ورقة بن نوفل كان امرءا تنصر في الجاهلية, وكان يكتب الكتاب العبراني ... فأخبره الرسول (ص) خبر ما رأى, فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى ... , وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا .... ". حديث صحيح جدا رواه البخاري (18:1_ 23) ومسلم (1: 97_ 98).
----------------------
- ما معنى تنصر؟
ففي تحديد حقيقة النصرانية التي كان عليها ورقة أثر كبير في نفي شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نصرانياً، وأراد بالإسلام إعادة إحياء النصرانية.
- ما معنى: " يكتب الكتاب العبراني "؟
- هل كان يملك العلم الذي يؤهله للترجمة؟
==================
أين جهود العلماء في ذلك؟!!
لماذا لا تتركز جهودنا على تتبع الروايات (رواية) وإغفال الأهم ـ والمقصد منها ـ (الدراية)؟!!
تخيل بالله عليك شخصاً أراد تتبع روايات حديث: " إنما الأعمال بالنيات ".
ثم جاء بعده شخص آخر وخرج بالنتيجة ذاتها.
وبعده آخر.
وبعده آخر.
.
.
.
.
ماذا تحكمون على هذا؟!!
ماذا ستقولون للمنشغل بذاك، في الوقت الذي يسابق فيه المنصرون الزمن، لإكمال مشروعهم الذي سبق بيانه: " مشروع تفنيد القرآن "؟!!
فالوقت لا ينتظر أحداً، والفتق يتسع ويتسع، والراقعون أندر من الألماس ..
نحن نتهيب كثيرا مِن البحث في أمور لم يبحثها السادة العلماء من السلف الصالح رحمهم الله تعالى، مع أن الأولى الإتيان بجديد، لا إعادة طباعة المطبوع، والبحث في المَبحوث، فسندور ـ ويدور أبناؤنا من ورائنا ـ حول ذات الحلقة المفرغة.
اللهم هل بلغت.
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[28 Feb 2006, 01:29 ص]ـ
رأي صائب أخي الفاضل " عبد الرحيم "، أكرمكم الله،
و لا أدري ما الفائدة من تلك الكتابات - الآن - عن مصير والديّ رسول الله صلى الله عليه و سلم،
و ما الغرض من الاشتغال بها و الانشغال عما هو أولى و أجدى؟،
و الذي أحسبه صوابا عدم ذكر ذلك إلا لحاجة حقة، تدعو إلى بيان حقيقة ذلك الأمر أو لها تعلق به،
أما في غير ذلك: ف {تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت و لكم ما كسبتم، و لا تسئلون عما كانوا يعملون}. [البقرة: 134].
****************
- أما تساؤلكم عن ورقة بن نوفل:
(- ما معنى تنصر؟
ففي تحديد حقيقة النصرانية التي كان عليها ورقة أثر كبير في نفي شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نصرانياً، وأراد بالإسلام إعادة إحياء النصرانية.
- ما معنى: " يكتب الكتاب العبراني "؟
- هل كان يملك العلم الذي يؤهله للترجمة؟).
(يُتْبَعُ)
(/)
* فجوابه - كما ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري شرح صحيح البخاري " -:
[قوله (تنصر): أي صار نصرانيا [ورقة بن نوفل]، و كان قد خرج هو و زيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام و غيرها يسألون عن الدين، فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر،
و كان لقي من بقى من الرهبان على دين عيسى، و لم يبدل، و لهذا أخبر بشأن النبي صلى الله عليه و سلم، إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل،
و أما زيد بن عمرو فسيأتي خبره في المناقب إن شاء الله تعالى.
قوله (فكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية)، و في رواية يونس و معمر: " و يكتب من الإنجيل بالعربية ". و لمسلم " فكان يكتب الكتاب العربي " [و يكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله له أن يكتب]. و الجميع صحيح،
لأن ورقة تعلم اللسان العبراني و الكتابة العبرانية، فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي، لتمكنه من الكتابين و اللسانين].
* و عن حقيقة نصرانية ورقة بن نوفل: قال ابن حجر:
(و أما ما تمحل له السهيلي [أي: في شأن ما ورد من قول ورقة: " هذا الناموس الذي نزل على موسى "] من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى و دعواهم أنه أحد الأقانيم الثلاثة - فهو محال لا يعرَج عليه في حق ورقة و أشباهه ممن لم يدخل في التبديل و لم يأخذ عمن بدَل.].
- و عللَ ابن حجر (قوله " على موسى " و لم يقل: على عيسى - مع كونه نصرانيا - لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى). انتهى كلام ابن حجر.
* و يكفي في دحض شبه النصارى هنا: قول ورقة بعدما سمع من رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر الملك الذي نزل عليه بالوحي: " هذا الناموس الذي نزَل الله على موسى ".
فأشار بقوله " هذا " إلى الملك الذي ذكره النبي صلى الله عليه و سلم في خبره، و نزَله منزلة القريب لقرب ذكره.
و الناموس: صاحب السر.
و المراد بالناموس هنا: جبريل عليه السلام. قاله ابن حجر.
... و ليس هناك أدل دليل و أوضح سبيل في نفي شبهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نصرانياً، وأراد بالإسلام إعادة إحياء النصرانية - من أن القرآن الكريم الذي أنزل على الرسول عليه السلام جاءت آياته تكذيبا و تكفيرا للنصارى - فيما زعموه من بنوة عيسى عليه السلام لله تعالى، سبحانه عما يقولون و مما ادعوه بثلاثية الآلهة - قال الله عزَ و جلَ مخاطبا رسوله و أمته:
{قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد و لم يولد * و لم يكن له كفوا أحد *}. [سورة الإخلاص].
ففيها إثبات الوحدانية لله تعالى، و نفي الابن و الشريك و الشبيه له، سبحانه و تعالى عن عباده علوا كبيرا،
فهذا أول أصل من أصول الإسلام و الإيمان الحق،
و هذا ناقض و نقيض ما يزعمونه " الإيمان المسيحي " القائم على التثليث و التشريك في الألوهية بادعائهم و إفكهم.
فأين هذا من ذاك؟
ـ[يحيى]ــــــــ[28 Feb 2006, 03:27 ص]ـ
أخي الكريم عبد الرحيم
شكرا لك, وجزاك الله خيرا .. وصدقت في كل كلمة قلتها .. لا فض فاك
ولكنني ما كتبت (أبو صلاح الدين = يحيى) هذا البحث إلا دفاعا عن السنة , حيث أنه يتم ترديده ((دائما)) كمثال على أنه يجب عرض حديث الاحاد على القران , ولولا ذلك والله ما ألفته.
وثانية .. شكري الجزيل والحار لكم.
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[28 Feb 2006, 10:31 ص]ـ
أخي و صديقي العزيز يحيي (أبو صلاح الدين)
سلام الله عليكم و رحمته و بركاته
* يكفينا في الدفاع عن السنة النبوية الشريفة، و حجيتها في التشريع للأحكام و سائر الأمور قول الله عزَ و جلَ: {و ما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}. [سورة النجم]،
- و في تفسيره " الجامع لاحكام القران " قال الإمام القرطبي:
(قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ?لْهَوَى?. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى?}.
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ?لْهَوَى?} قال قتادة: وما ينطق بالقرآن عن هواه {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى?} إليه. وقيل: «عَنِ الْهَوَى» أي بالهوى؛ قاله أبو عبيدة؛ كقوله تعالى:
{فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}
(يُتْبَعُ)
(/)
[الفرقان: 59] أي ف?سأل عنه. النحاس: قول قتادة أولى، وتكون «عن» على بابِها، أي ما يخرج نطقه عن رأيه، إنما هو بوحي من الله عز وجل؛ لأن بعده: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى?}.
الثانية: قد يحتج بهذه الآية من لا يجوّز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في الحوادث. وفيها أيضاً دلالة على أن السُّنة كالوحي المنزل في العمل. وقد تقدّم في مقدّمة الكتاب حديث المِقدام بن معدي كرب في ذلك والحمد لله).
- و هو ما جاء في " مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ "، مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ، حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
" أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ:
16915 حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز، عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي، عن المقدام بن معدي كرب الكندي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها، ومن نزل بقوم، فعليهم أن يقروهم، فإن لم يقروهم، فلهم أن يعقبوهم بمثل قراهم " *
هذا فيمن زعم عدم الاحتجاج بالسنة النبوية،
- و أما من ادعى وجوب عرض حديث الاحاد على القران: فيرده ما ترجم به الإمام البخاري بابا في " صحيحه " - و فقهه في تراجمه، كما ذكر الحافظ ابن حجر - فقد بوَب في كتاب الأحكام من صحيحه (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام وقول الله تعالى: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، " ويسمى الرجل طائفة لقوله تعالى ": وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا، " فلو اقتتل رجلان دخل في معنى الآية "، وقوله تعالى: إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا، " وكيف بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمراءه واحدا بعد واحد، فإن سها أحد منهم رد إلى السنة).
- قال ابن حجر في " فتح الباري ":
و المراد " بالإجازة " جواز العمل به، و القول بأنه حجة، و " بالواحد " هنا حقيقة الوحدة، و أما في اصطلاح الأصوليين فالمراد به ما لم يتواتر،
و قصد الترجمة: الرد على من يقول: إن الخبر لا يحتج به إلا إذا رواه أكثر من شخص واحد كالشهادة، و يلزم منه الرد على من شرط أربعة أو أكثر. انتهى كلام ابن حجر.
- و قد أورد الإمام البخاري رحمه الله في ذلك الباب من الأحاديث الصحاح بيان ما ترجم به و احتج،
و هي حجة لازمة.
* أعلم أخي أنه لا يخفى ذلك عليكم،
و لكني ذكرته تذكرة و تبصرة للقارئين.
ـ[يحيى]ــــــــ[04 Mar 2006, 06:14 م]ـ
جزاك الله خيرا .. وشكرا لكم
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[05 Mar 2006, 08:05 م]ـ
وفقنا الله و إياكم لما فيه الخير و النفع في كل أمر.
ـ[الجنيدالله]ــــــــ[08 Mar 2006, 10:26 م]ـ
السلام عليكم
اخي الكريم راجع مقالتك ففيها امور تحتاج للتحرير منها ماهو طباعي ومنها ما هو علمي واتمنى لك التوفيق
ثم ان فقط مسالة دخول ابوي النبي صلى الله عليه وسلم النار او لا كافية لنصرة السنة؟
شكرا لمجهودك اثابك الله
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[15 Apr 2006, 10:18 م]ـ
الحق أنه لم يثبت في تعذيب الأبوين حديثٌ سالمٌ من المنازعة، إنْ في الدلالة، وإنْ في الثبوت؛ فيجب التوقف فيهما، وعدم القطع لهما بجنة أو نار.
أما حديث أبيه صلى الله عليه وسلم فقد اختلف الرواة في لفظه، فبعضهم يرويه بلفظ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ. فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ»، وهذا لفظ مسلم، من طريق أنس، والبعض الآخر لا يذكر قوله: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ»، وإنما يرويه بلفظ: «حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ»، وهذا الاختلاف من الرواة يوجب التوقف في الحديث وعدم القطع بمضمونه.
وأما أحاديث أمّه صلى الله عليه وسلم فلم يأت منها حديث صحيح صريح بأنها من أهل النار، والثابت هو النهي عن الاستغفار لها، وهذا النهي لا يلزم منه أنْ تكون من أهل النار، والله تعالى أعلم.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[20 Apr 2006, 09:05 م]ـ
قول الأستاذ أحمد: "أما حديث أبيه صلى الله عليه وسلم فقد اختلف الرواة في لفظه، فبعضهم يرويه بلفظ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ. فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ»، وهذا لفظ مسلم، من طريق أنس، والبعض الآخر لا يذكر قوله: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ»، وإنما يرويه بلفظ: «حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشْرِكٍ فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ»، "
هذا غلط، وقد تقدم الرد عليه. فلفظ مسلم هو الصحيح الذي أجمع علماء الحديث على صحته، واللفظ الثاني هو الغلط كما تجده مفصلاً أعلاه.
ولو لم يكن في الباب غير الإجماع الصريح لكفى ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الجكني]ــــــــ[21 Apr 2006, 01:21 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد أما بعد: فكم كنت أتمنى عدم الخوض فى هذا الموضوع،على الأقل تأدباً مع النبي صلى الله عليه وسلم،ولكن على من يتكلم فى هذه المسألة الإلمام بعلم الأصول،فأقول وبالله التوفيق:1 - هذا الإجماع الذى ادعاه محمد الأمين منقوض بالروايات المختلفة الصحيحة 02/ماذا نقول فى قول الله تعالى (قالوا نعبد إلاهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) فإسماعيل عمه قطعاً فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم،فهذا النص قطعي المتن قطعي الدلالةلايحتمل غير مايدل عليه لفظه بالمطابقة، وهناك نص آخر فى القرآن الكريم لكنه قطعي المتن ظني الدلالة وهو قوله تعالى (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاًهدينا من قبل) إلى قوله (وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً) وهونص قرآني على أن إبراهيم يطلق عليه أنه أب للوط وهو عمه على ما وردت به الأخبار، إلا أن هذا النص ظني الدلالة لأنه يحتمل أن يكون الضمير من قوله تعالى (ومن ذريته) يرجع إلى نوح، لأنه قال فى الآية قبل ذلك (ونوحاً هدينا من قبل) ولكنه احتمال مرجوح لأن الكلام عن إبراهيم عليه السلام 03/ماذا يقال فى قوله صلى الله عليه وسلم فى عمه العباس رضي الله عنه (ردوا عليَ أبي فإن عم الرجل صنو أبيه) والحديث من أحاديث الكشاف التى خرجها الحافظ ابن حجر بقوله: ابن أبى شيبة فى المغازى فى مصنفه، وأيضاً ذكرقوله صلى الله عليه وسلم فى العباس (احفظونى فى العباس فإنه بقية آبائى) رواه الطبرانى فى الأوسط 0فهذه نصوص من كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم على استعمال (الأب) مكان (العم) ولايلزم من ذلك تكذيب للقرآن ولا للنبي صلى الله عليه وسلم أو اتهام المسلمين برد الأحاديث النبوية،بل الأمر لايتعدى إعمال النصوص فى معانيها الصحيحة المناسبة لئلا يفهم التكذيب عند من لايفهم الشريعة ولا العربية4/وأيضاًيقال لمن يقول:أليس بالإمكان حمل الخاص على العام لأن الخاص يقضى على العام عند جمهور الأصوليين،فقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) دليل عام والأحاديث الواردة فى أشخاص معينين دليل خاص خرج من العموم ومالم يخرجه بقي على عمومه داخلاً فيه:يقال له:إن هذا التخصيص لو قلنا به لأبطل ذلك حكمة العام لأن الله تعالى تمدح بكمال الإنصاف وأنه لايعذب أحداً حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل إليه فى دار الدنيا فلو عذب أحداً من غير إنذار لاختلت تلك الحكمة ولثبت لذلك المعذب الحجة على الله التى أرسل الرسل لقطعها كما بينه تعالى فى سورة النساء (رسلا ًمبشرين ومنذرين لئلايكون للناس على الله حجة بعد الرسل) ولقوله تعالى (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى) 0هذا ماعندى فى هذه المسألة وأدين الله تعالى به ,لا أتهم من خالفنى فيها بعدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم،حاشا وكلا فهو عنده نص مستمسك به يسأل عنه يوم القيامة، ولكن هل نعذر بعضنا بعضاً، هذا ما أتمناه وأرجوه وآخر دعواي أن الحمد لله وصلى الله على سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد 0
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[21 Apr 2006, 01:33 ص]ـ
ولو لم يكن في الباب غير الإجماع الصريح لكفى ذلك. [/ quote]
أين الإجماع حفظك الله
وكيف تجيب عن الآيات القاطعة بعذر أهل الفترة عموماً وهي آيات وليست آية
ولم التشبث ببعض الروايات والقطع بمضمونها على الرغم من وجود روايات أخرى مخالفة لها؟
ولاحظ أني قلت يجب التوقف في أب النبي صلى الله عليه وسلم من أجل تعدد الروايات لحديث مسلم لا رداً للحديث
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[21 Apr 2006, 01:57 ص]ـ
أين الإجماع حفظك الله
وكيف تجيب عن الآيات القاطعة بعذر أهل الفترة عموماً وهي آيات وليست آية
ولم التشبث ببعض الروايات والقطع بمضمونها على الرغم من وجود روايات أخرى مخالفة لها؟
ولاحظ أني قلت يجب التوقف في أب النبي صلى الله عليه وسلم من أجل تعدد الروايات لحديث مسلم لا رداً للحديث
الإجماع نقله العلامة الحنفي الملاّ علي بن سلطان القارئ إذ قال: «وأما الإجماع فقد اتفق السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وسائر المجتهدين على ذلك، من غير إظهار خلافٍ لما هُنالك. والخلاف من اللاحق لا يقدح في الإجماع السابق، سواء يكون من جنس المخالف أو صنف الموافق».
والإجماع حجة شرعية، ومخالفه متبع لغير سبيل المؤمنين.
وقولك حفظك الله "وكيف تجيب عن الآيات القاطعة بعذر أهل الفترة عموماً وهي آيات وليست آية"، فعلك يا شيخ لم تقرأ الكلام السابق. قال الإمام النووي –رحمه الله– معلقاً على الحديث في شرحه لصحيح مسلم (3\ 79): «فيه أن من مات على الكفر فهو من أهل النار ولا تنفعه قرابة المقربين. وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار. وليس هذا مؤاخذه قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء –صلوات الله تعالى وسلامه عليهم–». وما ذهب إليه الإمام النووي هو ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة المستفيضة منها:
1. قوله r: « رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار. كان أول من سيب السوائب». أخرجه الشيخان.
2. سألته أمنا عائشة t: « يا رسول الله. ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحِم ويطعم المسكين. فهل ذاك نافعه؟». فقال: «لا ينفعه. إنه لم يقل يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين» أخرجه مسلم.
3. رؤيته r في صلاة الكسوف صاحب المحجن يجر قصبة في النار، لأنه «كان يسرق الحاج بمحجنه». أخرجه مسلم.
فأنت ترى كيف أن أهل الجاهلية في النار لأن دعوة إبراهيم وإسماعيل وصلتهم، والأحاديث في ذلك متواترة.
وقول فضيلتكم "ولاحظ أني قلت يجب التوقف في أب النبي صلى الله عليه وسلم من أجل تعدد الروايات لحديث مسلم لا رداً للحديث" أقول عند تعدد الروايات ننظر إلى أيهما الصحيح وأيهما الخطأ. فلا يجوز أن ترد الصحيح وبحجة مجئ روايات خاطئة للحديث. ولا يخفى عليكم منهج العلماء في تقديم روايات الصحيح على غيرها.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[21 Apr 2006, 05:13 م]ـ
دعوى الإجماع على تعذيب أهل الفترة عموماً مُعارض بما ورد في القرآن الكريم من عُذرهم بالفترة، وهي نصوص قطعية لا تحتمل التأويل، ومُعارض بما جاء في السنة النبوية من أنَّ أهل الفترة يُمتحنون يوم القيامة، ودعوى الإجماع لابُدَّ وأن يكون لها مستند من كتاب أو سنة، وأنْ لا تخالف شيئاً من النصوص، وغالباً ما يُحكى الإجماع ولا تجد له أصلاً، أو يكون أصله مختلف في حجيته، وتحقق ثبوت الإجماع عزيز قَلَّ أنْ يثبت.
ولم يأتِ دليل قاطع بتعذيب أهل الفترة عموماً، والأحاديث الواردة في تعذيبهم إنما وردت بخصوص أشخاص بعينهم، ولم يأت فيها ما يُفيد تعذيب أهل الفترة مطلقاً، وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يوجد مسألة مجمع عليها إلا وفيها بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد مسألة يتفق الإجماع عليها إلا ولها مستند من كتاب أو سنة. انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (19/ 195).
وأما دعوى الملا علي القاري الإجماع على أنَّ الأبوين ماتا على الكفر فهي دعوى عارية عن الصحة، فكيف يُحْكَى الإجماع في زمن متأخر جداً، فالقاري وفاته في سنة (1014 هـ) ولا أعرف أنَّ أحداً ادعى الإجماع قبله، على أنَّ دعوى الإجماع تحتاج إلى تحقيق كما قلتُ سابقاً، فليس كل ما يُحكى فيه الإجماع يجب التسليم له.
والمتأمل في كتابات الملا علي القاري حول حكم الأبوين يجد عنده تناقض وتردد في مصيرهما، فهو في كتابه «أدلة معتقد أبي حنيفة» يذكر لنا أنهما ماتا على الكفر ومصيرهما إلى النار، بينما نراه في كتابه «شرح الشفا، للقاضي عياض» يقول: «وأما إسلام أبويه ففيه أقوال: والأصح إسلامهما على ما اتفق عليه الأجلة من الأئمة، كما بينه السيوطي في رسائله الثلاث المؤلفة».اهـ
وقال في الكتاب نفسه: «وأما ما ذكروه من إحيائه عليه الصلاة والسلام أبويه فالأصح أنه وقع، على ما عليه الجمهور الثقات، كما قال السيوطي في رسائله الثلاث المؤلفة».اهـ
انظر: شرح الشفا، لعلي القاري (1/ 106)، (1/ 648) طبعة استانبول، 1316 هـ.
وفي كتابه «مرقاة المفاتيح» (4/ 216) يذكر لنا أنَّ مذهب الجمهور على أنَّ والديه صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر.
وهذا التناقض من القاري يؤكد لنا خطأ دعواه الإجماع؛ إذ لو كان ثَمَّةَ إجماع لما تردد في مصيرهما.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[23 Apr 2006, 01:50 م]ـ
وأما أحاديث أمّه صلى الله عليه وسلم فلم يأت منها حديث صحيح صريح بأنها من أهل النار، والثابت هو النهي عن الاستغفار لها، وهذا النهي لا يلزم منه أنْ تكون من أهل النار.
كلا الجملتين غلط.
مجمع الزوائد [جزء 1 - صفحة 314]
457 - وعن بريدة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزل ونحن معه قريب من ألف راكب فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان فقام إليه عمر بن الخطاب ففداه بالأم والأب يقول: يا رسول الله مالك؟ قال:
إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي فلم يأذن لي فدمعت عيناي رحمة لها من النار
رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح " (قال شعيب: اسناده صحيح على شرط الشيخين)
مجمع الزوائد [جزء 1 - صفحة 313]
456 - وعن أبي رزين العقيلي عن عمه قال: قلت: يا رسول الله أين أمي؟ قال: " أمك في النار " قال: قلت: فأين من مضى من أهلك؟ قال: " أما ترضى أن تكون أمك مع أمي "
رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
هل تريد يا شيخ أصرح من هذا؟!
والاستغفار جائز بل مستحب للمسلم -وإن كان عاصياً- ولا يمنع إلا عن الكافر، لأن الله لا يغفر أن يشرك به.
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[23 Apr 2006, 04:47 م]ـ
هذان الحديثان معلولان وسأبين ما فيهما من علل:
أولاً: حديث بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ رضي الله عنه قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَهُ قَرِيبٌ مِنْ أَلْفِ رَاكِبٍ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَفَدَاهُ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ؟ قَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الِاسْتِغْفَارِ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا
(يُتْبَعُ)
(/)
مِنْ النَّارِ».
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 355)، قال: حدثنا حسن بن موسى، وأحمد بن عبد الملك، قالا: حدثنا زهير، قال أحمد بن عبد الملك في حديثه: حدثنا زبيد بن الحارث اليامي، عن محارب بن دثار، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، به.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (12/ 212)، وأبو عوانة في مسنده (5/ 83)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 76)، جميعهم من طريق عبد الرحمن بن عمرو البجلي، عن زهير بن معاوية، به.
والحديث عند أحمد رجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 116)؛ إلا أن قوله في الحديث: «فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنْ النَّارِ» لم تأتِ إلا من هذه الطريق.
فقد رواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 359)، قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا خلف ـ يعني ابن خليفة، عن أبي جناب، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَخَرَجَ يَمْشِي إِلَى الْقُبُورِ حَتَّى إِذَا أَتَى إِلَى أَدْنَاهَا جَلَسَ إِلَيْهِ كَأَنَّهُ يُكَلِّمُ إِنْسَانًا جَالِسًا يَبْكِي قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ؟ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَأْذَنَ لِي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّ مُحَمَّدٍ فَأَذِنَ لِي، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَأْذَنَ لِي فَأَسْتَغْفِرُ لَهَا فَأَبَى .... ».
والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ من أجل أبي جناب، وهو يحيى بن أبي حية الكلبي، ضعفه ابن سعد، ويحيى القطان، وابن معين، والدارمي، والعجلي، وكان كثير التدليس. انظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر (11/ 177).
ورواه الإمام أحمد في مسنده (5/ 356)، قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا أيوب بن جابر، عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَدَّانَ قَالَ: مَكَانَكُمْ حَتَّى آتِيَكُمْ، فَانْطَلَقَ ثُمَّ جَاءَنَا وَهُوَ سَقِيمٌ فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُ قَبْرَ أُمِّ مُحَمَّدٍ فَسَأَلْتُ رَبِّي الشَّفَاعَةَ فَمَنَعَنِيهَا .... ».
والحديث بهذا الإسناد ضعيف أيضاً؛ من أجل أيوب بن جابر، فإنه ضعيف كما في التقريب (1/ 89).
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/ 29)، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: «لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أتى حرم قبر فجلس إليه فجعل كهيئة المخاطب، وجلس الناس حوله، فقام وهو يبكي، فتلقاه عمر وكان من أجرأ الناس عليه فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما الذي أبكاك؟ قال: هذا قبر أمي، سألت ربي الزيارة فأذن لي، وسألته الاستغفار فلم يأذن لي، فذكرتها فذرفت نفسي فبكيت. قال: فلم يُرَ يوماً كان أكثر باكياً منه يومئذ».
قال الألباني في إرواء الغليل (3/ 225): «سنده صحيح على شرط مسلم، إلا الأسدي، وهو ثقة، كما قال ابن معين، وأبو داود وغيرهما».اهـ
قلت: قد توبع الأسدي؛ فرواه أبو زيد النميري في أخبار المدينة (1/ 78)، قال: حدثنا قبيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، بمثله سواء.
وبهذا يتبين أن قوله في الحديث: «فَدَمَعَتْ عَيْنَايَ رَحْمَةً لَهَا مِنْ النَّارِ» زيادة شاذة لا تثبت في الحديث، ويقوي شذوذها حديث أبي هريرة المخرج في صحيح مسلم؛ فإن فيه ذكر القصة بتمامها دون ذكر هذه الزيادة.
ثانياً: حديث أَبِي رَزِينٍ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيْنَ أُمِّي؟ قَالَ: أُمُّكَ فِي النَّارِ. قَالَ قُلْتُ: فَأَيْنَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِكَ؟ قَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ أُمُّكَ مَعَ أُمِّي».
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 11)، قال: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن عُدُس، عن أبي رزين، به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/ 289)، والطبراني في الكبير (19/ 208)، كلاهما من طريق محمد بن جعفر، به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (1/ 147)، عن شعبة، به.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 116): «رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات».اهـ
قلت: الحديث رجال إسناده ثقات، غير وكيع بن عُدُس، ويقال: حُدُس، بالحاء بدل العين، أبو مصعب العقيلي، الطائفي، وثقه ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (1/ 124)، وذكره في الثقات له (5/ 496)، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب (2/ 338): «مقبول»، وأما الحافظ الذهبي فقد اختلفت عبارته فيه، فأشار إلى توثيقه في الكاشف (2/ 350)، وقال في الميزان (7/ 126): «لا يُعرف».
وقال ابن القطان في الوهم والإيهام (3/ 617): «لا تُعرف له حال، ولا يُعرف روى عنه إلا يعلى بن عطاء».
قلت: وهذا الاختلاف في توثيقه يوجب التوقف في روايته إلا أن تأتي من طريق أخرى تقوي روايته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[27 Apr 2006, 10:16 ص]ـ
هنا بحث ونقاش طويل في الموضوع فيه فوائد
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=35656
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[29 Apr 2006, 07:03 م]ـ
قال الإمام المفسر محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان في هذه المسألة التي لا يترتب على العلم بها نفع ولا على الجهل بها أي ضرر- في نظري- بعد أن أشبعها بحثا وأورد حجج الفريقين وأدلتهم وناقشها كما هي عادته رحمه الله وساق كلام علماء الأصول على القادح المعروف بالنقض:
(قال مقيده عفا الله عنه: الظاهر أن التحقيق في هذه المسألة التي هي:
هل يعذر المشركون بالفترة أو لا؟
هو أنهم معذورون بالفترة في الدنيا وأن الله يوم القيامة يمتحنهم بنار يأمرهم باقتحامها فمن اقتحمها دخل الجنة وهو الذي كان يصدق الرسل لو جاءته في الدنيا ومن امتنع دخل النار وعذب فيها وهو الذي كان يكذب الرسل لو جاءته في الدنيا لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل.
وإنما قلنا أن هذا هو التحقيق في المسألة لأمرين:
1 - أن هذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبوته عنه نص في محل النزاع فلا وجه للنزاع ألبتة مع ذلك.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية التي نحن بصددها بعد أن ساق الحاديث الكثيرة الدالة على عذرهم بالفترة وامتحانهم يوم القيامة رادا على ابن عبد البر تضعيف أحاديث عذرهم وامتحانهم بأن الآخرة دار جزاء لا عمل وأن التكليف بدخول النار تكليف بما لا يطاق وهو لا يمكن- ما نصه:
والجواب عما قال أن أحاديث الباب منها ما هو صحيح كما نص على ذلك كثير من أئمة العلماء ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن.
وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها.
وأما قوله: إن الآخرة دار جزاء فلا شك أنها دار جزاء ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو الناركما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال وقد قال تعالى (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود) الآية.
وقد ثبت في الصحاح وغيرها: ((أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة وأن المنافق لا يستطيع ذلك ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقا واحدا كلما أراد السجود خر لقفاه))
وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجا منها ((أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه ألا يسأل غير ما هو فيه ويتكرر ذلك منه ويقول الله تعالى: يابن آدمما أعذرك ثم يأذن له في دخول الجنة)) وأما قوله فكيف يكلفهم الله دخول لناروليس ذلك في وسعهم؟
فليس هذا بمانع من صحة الحديث فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط وهو جسر على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب ومنهم الساعي ومنهم الماشي ومنهم من يحبو حبوا ومنمهم المكردس على وجهه في الناروليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم.
وأيضا فقد ثبت بالسنة بأن الدجال يكون معه جنة وناروقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار فإنه يكون عليه بردا وسلاما وهذا نظير ذلك
وأيضا فإن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضا حتى قتلوا فينا قيل في غداة واحدة واحدا وسبعين ألفا, يقتل الرجل أباه وأخاه وهم في عماية غمامة أرسلها الله عليهم وذلك عقوبة لهم على عبادة العجل وهذا أيضا شاق على النفوس جدا ولا يتقاصرعما ورد في الحجيث المذكور والله أعلم) انتهى كلام الحافظ ابن كثير بلفظه ...
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى أيضا قبل هذا بقليل ما نصه:
ومنهم من ذهب إلى أنهم يمتحنون يوم القيامة في عرصات المحشر فمن أطاع دخل الجنة وانكشف علم الله فيه بسابق السعادة, ومن عصى دخل النارداخرا, وانكشف علم الله فيه بسابق الشقاوة.
وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض.
وهذا القول هو الذي حكاه أبو الحسن الأشعريُّ عن أهل السنة والجماعة وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البييهقي في كتاب الاعتقاد وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد.
انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير وهو واضح جدا فيما ذكرنا.
2 - أن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن بلا خلاف لأن إعمال الدليلين أولى من إالغاء أحدهما, ولا وجه للجمع بين الأدلة إلا هذا القول بالعذر والامتحان فمن دخل النار فهو الذي لم يمتثل ما أمربه عند ذلك الامتحان ويتفق بذلك جميع الأدلة والعلم عند الله تعالى) 3/ 481 - 484(/)
نداء من أهل القرى: أين طلاب العلم؟
ـ[إمداد]ــــــــ[26 Jun 2005, 02:45 م]ـ
نداء من أهل القرى: أين طلاب العلم؟
سلطان بن عبدالله العمري
نداء من أهل القرى
يا طلاب العلم
أين أنتم؟؟
هل غرتكم الحياة الدنيا؟
أين أنتم عنا؟؟
إننا بحاجة إليكم
لقد تعلمتم الكثير فلماذا لا تبلغون العلم؟؟
ألم يقل الرسول (بلغوا عني ولو آية)
لماذا لا تعلموننا مما علمكم الله؟
هل يصعب عليكم زيارة القرى والمحافظات البعيدة؟؟
أين التضحية والهمة؟
إن النصارى يعملون
وأنتم لا تعملون
لا تريدون إلا مكانا مكيفا وجميلا وقريبا
فمن لنا؟
والله إن منا من يموت وهو لا يعرف يصلي
ومنا من يجهل أبسط مسائل الطهارة
ومنا من لم يسمع موعظة تنفعه وتذكره بربه
فأين أنتم؟؟
الواحد منكم إذا (توظف عندنا وجاء تعيينه في القرى)
بدأ يبحث عن (الواسطة) لعل هناك من يفك عنه كربته
ويخرجه من هذه القرية القديمة
عجبا لكم
أهكذا كان الصحابة؟
الذين هجروا بلادهم لكي يبلغوا الدين
وأنتم يستلم الواحد منكم راتبا يقارب (5000) ولا يضحي من أجل دينه؟؟
عجبا لكم
المنصرين يذهبون للغابات والصحاري
لكي ينصّروا المسلمين
وأنتم تنامون بين أحضان (النعيم)
عجبا لكم
تدعون العلم ولا علم
تدعون الحب للدين
ولا حب
تزعمون أنكم تحملون هم الإسلام
ولاهم
كلامكم كثير
وعملكم قليل
أنتم كثير فماذا قدمتم لدين الله؟؟
من السهل أن تدعو في بيتك وعملك
لأن الهواء نقي
والمكان قريب
والزوجة بجانبك
وأطفالك حولك
أما أن ترحل أيام
وأسابيع
إلى قرية بعيدة
قد تنفق مئات الريالات من أجل الوصول لها
فهذا لا تستطيع
تسافر للسياحة
ولا تسافر لتبليغ دين الله
عجبا لكم
يا طلاب العلم
لم لا تنصرون دين الله
والله يقول (كونوا أنصار الله)
لقد رحل الرسول إلى الطائف على قدميه
ونحن نقول تعال إلينا بالسيارة
أو بالطائرة
عجبا لكم
هل تربيتم على الكسل والذل
أهكذا تعلمتم من أساتذتكم؟؟
كم عددكم؟؟
ولكن
فيكم من هو غثاء كغثاء السيل
منكم من عشق الوسادة
وآخر طاب له العيش بين الأجواء الجميلة
فهو لا يستطيع البعد عن المساكن والدنيا
وآخر تزوج فتوقف عن الدعوة
وآخر فتح محل تجاري وهجر العلم
وآخر بدأ في السياحة والسفر
وآخر من النوع (الناعم) لا يصبر على شدة الحر
وآخر من النوع (الحساس) لا يقوى على الغبار
وآخر ترفض زوجته أن يذهب
فيطيعها
وآخر يزعم أنه بار بوالديه
فلا يذهب
ولكن
لو كان له انتداب
ويأخذ من وراءه (راتب) لذهب
أرجو أن لا تغضب من الصراحة
يا ترى
هل سبق وأن علمت جاهل
أو ألقيت كلمة
أو شاركت بتوزيع كتاب أو مطوية
يا ترى
هل جربت الذهاب للدعوة خارج بلدك
وبعيدا عن مدينتك
نحن أهل القرى نناديك
وسوف نكرمك
ونذبح لك
ونرحب بك
ولكن متى ستأتي لنا
نحن بانتظارك
لا تتأخر لا تتأخر لا تتأخر لا تتأخر
منقول من صيد الفوائد
موضوع ذات صلة
http://saaid.net/afkar/64.htm(/)
سؤال إلى المشرفين.
ـ[لطفي الزغير]ــــــــ[28 Jun 2005, 03:10 م]ـ
الأخوة المشرفون على هذا الملتقى المبارك.
أريد أن أشارك بموضوع ولكني كتبت آياته بالخط العثماني فهل يمكن تنزيلها كما هي أم لا بد من تغيير الخط؟ وجزاكم الله خيراً
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[28 Jun 2005, 04:14 م]ـ
جرب هذا البرنامج وفقك الله
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=3544
ـ[أحمد القصير]ــــــــ[29 Jun 2005, 05:54 ص]ـ
مرحباً بك أخي الكريم الأستاذ لطفي بن محمد الزغير في هذا الملتقى المبارك ملتقى أهل التفسير
وبعد فقد قرأت بحثك لرسالة الدكتوراه والمعنون بـ (ظاهرة التعارض في الحديث) والذي قمت بطرحه في ملتقى أهل الحديث وقد استفدت منه كثيراً، نظراً لقربه من موضوعي لرسالة الدكتوراه والمعنون بـ (الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم) جمعاً ودراسة.
ورأيت في بحثك جهداً كبيراً ورائعاً فجزاك الله خيراً إلا أني رأيت الجزء الأول منه فيه بتر وتنسيقه ليس بذاك فحبذا لو تفضلتم بإنزاله كاملاً بتنسيق مرتب على صفحات الوورد.
وأما عن خطوط الرسم العثماني فيمكن تدراك هذه المشكلة بإرفاق الخطوط إن أمكن ذلك.
ـ[لطفي الزغير]ــــــــ[29 Jun 2005, 07:04 م]ـ
جزاكم الله خيراً على كل ما تقومون به، ولقد حاولت إنزال الخطوط لكن لم أستطع المضي إلا إلى المنتصف، ولعل المسألة تحل إن شاء الله تعالى، أما ما ذكرته أيها الأخ الكريم أحمد عن عدم التنسيق والاختلال في الرسالة فهو واردٌ، لأن الملفات التي أنزلت منها عمرها 10 سنوات، وحدد لي أخي الكريم الصفحات التي تريد وسأرسلها لكم على البريد، إو من خلال الأخ الدكتور حسين راضي زميلكم في الكلية بقسم المناهج، والله الموفق.(/)
أسئلة عن فهارس المخطوطات في بعض المكتبات؟
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[01 Jul 2005, 12:34 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
اخوتي في الله،
لدي بحث علمي يتعلق بالمؤلفات في علوم القرآن، والتفسير،،لذلك،،،،،،،،،،،،،
ارجو من الاخوة الافاضل في هذا الملتقى إفادتي بما يلي:
1 - هل هناك موقع خاص يدلني على مكتبة الظاهرية، وان لم يكن كذلك فأين أجد محتويات هذه المكتبة المطبوع منها والمخطوط؟؟؟
2 - هل هناك موقع للأزهرية بمصر، وأين أجد محتوياتها المطبوعة والمخطوطة؟؟؟؟؟
3 - هل من الإخوة في المغرب الشقيق أن يدلني على أهم المكتبات لديهم وطريقة الحصول على محتوياتها؟؟؟
4 - كيف يتسنى لي الحصول على قوائم مؤلفات دور النشر، وما أهمها في هذا المجال؟؟؟ في داخل المملكة وخارجها؟؟
5 - ارجو إفادتي بعناوين المكتبات السالفة الذكر (البريد العادي للمراسلة) وكذلك أرقامها؟؟؟
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[01 Jul 2005, 01:18 ص]ـ
http://www.alazharonline.org/Manuscripts/index.jsp
هذا موقع المخطوطات الأزهرية
أما المكتبة الظاهرية، فحسب علمي أنها تحولت إلى مكتبة الأسد الوطنية، وتجدها على هنا:
http://www.alassad-library.gov.sy/index.html
وأما المغرب فمعنا في هذا الملتقى بعض الإخوة من المغرب، ومنهم أبوعبدالمعز ـ والعرباض؛ فبإمكانك مراسلتهم عبر الموقع عن طريق خدمة الرسائل الخاصة.
وأعرف في المغرب الدكتور: محمد عبدالحق حنشي من جامعة المولى اسماعيل - كلية الآداب والعلوم الإنسانية - شعبة الدراسات الإسلامية.
ورقم هاتفه: 0021261702728؛ فيمكنك الاتصال به
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[02 Jul 2005, 09:46 ص]ـ
الأخ الفاضل:
بالنسبة للمكتبة الظاهرية فقد انتقلت كل مخطوطاتها لا كتبها إلى مكتبة الأسد لوجود ظروف أفضل لحفظ المخطوطات كالتكييف وأجهزة مكافحة الحرائق ومسببات إتلاف الورق من حشرات وكائنات دقيقة آكلة للورق.
وكنت قد حزنت على ذلك النقل (بخاصة حين وقفت على جزء منه) في البداية، وبلغ الأسى مني مبلغاً ....
ولكن الله تعالى شرح صدري ففي ذلك خير كبير.
الموجود حالياً في المكتبة الظاهرية كتب مطبوعة قديمة (أوائل الطبعات)
والتسجيل فيها مفتوح لكل المسلمين بمبلغ رمزي جدا (أقل من 5 دولارات)
ولكنها في هذا الوقت من كل سنة تجري عملية جرد ويتوقف فيها التسجيل.
ولابن الظاهرية البار الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى كتاب بعنوان: " فهرس مخطوطات المكتبة الظاهرية ".
ولكتابه هذا قصة طريفة
http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?threadid=311926&goto=nextnewest
مع محبتي
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[02 Jul 2005, 01:06 م]ـ
وإن كنت مهتماً كثيراً بالمخطوطات راجع هذا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=140884&postcount=19
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[02 Jul 2005, 06:29 م]ـ
جزاكم الله خيرا، ولو أخبرتنا اخي عبدالرحيم كيفية التسجيل في هذه المكتبة
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[03 Jul 2005, 01:53 ص]ـ
بالنسبة للمكتبة الظاهرية فقط جواز السفر و200 ليرة سورية وصورة
ومكتبة الأسد الشروط أصعب ..
فيجب أن تكون مدرساً أو طالباً في إحدى الجامعات السورية وصورتين شخصيتين وثلاثمائة ليرة سورية
وجامعة الأسد لا تسمح بإعارة الكتب، بل يجب أن تقرأ الكتب داخل مبنى الجامعة.
والاطلاع على المخطوطات يحتاج إذناً خاصاً من مدير المكتبة.
وفي كل منهما تنتظر على الأقل أسبوعاً واحداً لأخذ هوية الجامعة أو المكتبة الظاهرية.
وتجدد الهوية كل سنة.
المكان:
مكتبة الأسد في ساحة الأموين والمكتبة الظاهرية قرب المسجد الأموي.
ملاحظة: هذه المعلومات قبل ثلاث سنين .. ولعلي آتيك بالخبر اليقين في شهر 8 عندما أذهب إلى هناك.
فأنا مقيم بالأردن.(/)
إيمانٌ وأمان فضيلة الشيخ بدر المشاري وفقه الله
ـ[إمداد]ــــــــ[01 Jul 2005, 01:34 ص]ـ
إيمانٌ وأمان
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 83]
بدر بن نادر المشاري
قدّم له صاحب الفضيلة:
الشيخ العلامة: عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
http://saaid.net/Doat/almshary/5.jpg
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
من العبد الفقير إلى ربه وعفوه بدر بن نادر المشاري
إلى من يراه من عموم المسلمين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد،،،
فمما لا يخفى على أحد أن أهل العلم والناصحين والعقلاء أصدروا وبينّوا ما يوضح موقف الشارع الكريم من هذه الأحداث والفتن التي ابْتلي بها المسلمون عموماً وفي بلاد الحرمين على وجه الخصوص، ومن المعلوم أيضاً أن كبار الصحابة كانوا يتدافعون الفتيا والكلام فيما يتعلق بثوابت الأمة ومصيرها؛ فالصحابة يسألون كبارهم، وكبارهم يسألون رسولهم محمداً صلى الله عليه وسلم، ورسولهم يسأل جبريل، وجبريل يسأل ربه؛ فيأتي الأمر من السماء "قل" بعد "ويسألونك" ولعل ما قاله علماؤنا ودعاتنا وعقلاؤنا المنصفون بشتَّى منطلقاتهم من موقف حول الأحداث الأخيرة في بلاد الحرمين حماها الله مجمعين ومجتمعين على إدانة الأحداث واستنكارها مقدِّمين من الأدلَّة والحجج ما يكفي، ولكثرة من سألني وطلب رأيي وموقفي من هذه الأحداث؛ فقد بينته في حين سؤاله بالاستنكار والإدانة وعدم قبوله، وأشار عليَّ بعض أهل العلم والفضل أن أكتب موقفي مبيناً مكانة الأمن، واحترت بين أمرين:
الأول/ أن أكتفي بما صدر وبينه العلماء وقوفاً عند قوله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيل} [النساء: 83]
والثاني/ التبيين والتصريح فأكون عالةً على من سبقني علماً وسنًّا وقدراً وفهماً، وبعد نظرٍ وبعد الاستخارة والاستشارة كتبت هذا البيان إبراءً للذمة ونصحاً للأمة ورفعاً للحرج والغمة، وسيراً على ما كان عليه علماء الأمة راجياً أن يكون وفقاً لما في الكتاب والسنة، فقلت مستعيناً بالله، سائله أن يلهمني السداد والصواب والإخلاص في القول والعمل:
أولاً: على الجميع تقوى الله، فمن اتَّقى ربَّه رشد، ومن أعرض عن مولاه؛ عاش في كمد.
ثانياً: ليعلم الجميع أن شريعة الإسلام جمعت المحاسن كلَّها فصانت الدين، وحفظت العقول، وطهرت الأموال، وصانت الأعراض، وأمنت النفوس؛ فأمرت المسلم بإلقاء كلمة السلام والأمن والرحمة والاطمئنان على أخيه المسلم إشارة منها لنشر الأمن بين الناس.
• وأوجبت حفظ النفس حتى في مظنة أمنها في أحب البقاع إلى الله كما قال عليه الصلاة والسلام: "إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها أو قال فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء [متفق عليه]
• وحذَّرت من إظهار أسباب الرَّوع بين صفوف المسلمين كما قال محمداً صلى الله عليه وسلم: "لا يُشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزعَُ في يده فيقع في حفرة من النار"0
• وحرمت على المسلم الإشارة على أخيه المسلم بالسلاح ولو مازحاً وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أشار إلى أخيه بحديدةٍ؛ فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه" ـ[رواه مسلم]، قال النووي رحمه الله: "هذا مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد سواءً من اتهم فيه ومن لا يتهم، وسواءً كان هذا هزلاً ولعباً أم لا " انتهى كلامه رحمه الله؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال.
ثالثاً: لقد دعا الإسلام إلى كل عمل يبعث على الأمن والاطمئنان بين صفوف أفراده، وأمر بإخفاء أسباب الفزع في المجتمع فقال عليه الصلاة والسلام: " لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً" [رواه أحمد].
رابعاً: لقد فرض الله الفرائض، وحرم المحرمات، وأوجب الحقوق رعاية لمصالح العباد وجعل الشريعة غذاءً لحفظ حياتهم ودواءً لرفع أدوائهم، وجاءت دعوة الرسل لإخلاص العبادة لله بخضوع وخشوع وطمأنينة ومقتت ما يصرف القلوب عن خالقها.
(يُتْبَعُ)
(/)
• فكانت أول تضرعات الخليل عليه الصلاة والسلام لربه جلَّ وعلا أن يبسط الأمن على مهوى أفئدة المؤمنين0 فقال: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنً}، فاستجاب الله دعاءه فقال سبحانه: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنً}.
• وفضَّل الله البيت الحرام بما أحلَّ فيه من الأمن والاستقرار {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} [البقرة:125].
• وامتن الله على ثمود قوم صالح نحتهم بيوتهم من غير خوف ولا فزع فقال عنهم: {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ} [الحجر:82].
• وأنعم الله على سبأ وأغدق عليهم الألآء المتتابعة، وأسكنهم الديار الآمنة، فقال جلَّ وعلا: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} [سبأ:18].
• ويوسف عليه السلام يخاطب والديه وأهله ممتنًّا بنعم الله عليهم لدخولهم بلدًا آمنًا مطمئنًا مستقرًّا تطمئن فيه نفوسهم فقال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ} [يوسف:99].
• وحبس الله عن مكة الفيل وجعل كيد أصحاب الفيل في تضليل؛ لتبقى كعبة الله حرماً آمناً عبر التاريخ.
خامساً: ومن المعلوم أن العرب كانت تعيش قبل الإسلام حالة من التمزق والفوضى والضياع تدور بينهم حروب طاحنة، ومعارك ضارية، وما علت مكانة قريش من بينهم إلا لاحتضانها بلداً آمناً {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [الروم:67]. بل وأقسم الله بذلك البلد المستقر الآمن فقال: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ {2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ {3}} [التين:1، 3].
• ووعد الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأداء النسك على صفة تتشوق لها نفوسهم وهي الأمن والاطمئنان قال تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح:27].
• ومما اختص الله به مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم أمنها حين فزع القُرى من المسيح الدجال قال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يؤمئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان" [رواه البخاري].
• ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح منح أهل مكة ما تتوق إليه نفوسهم فأعطى الأمان لهم فقال: " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن " [رواه مسلم].
• وما شرعت الحدود العادلة الحازمة في الإسلام على تنوعها إلا لتحقيق الأمن في المجتمعات، ومن نعيم أهل الجنة في الجنة أمن المكان فلا خوف ولا فزع ولا تحول {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ} [سورة الحجر: 46] وقال سبحانه وتعالى: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سورة سبأ:37] وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [سورة الدخان:51]
سادساً: وليعلم الجميع أن بالأمن والإيمان تتوحَّد النفوس، وتزدهر الحياة، وتغدق الأرزاق، ويتعارف الناس وتتلقى العلوم من منابعها الصافية، ويزداد الحبل الوثيق بين الأمة وعلمائها وتتوثق الروابط بين أفراد المجتمع، وتتوحَّد الكلمة، ويأنس الجميع، ويتبادل الناس المنافع، وتقام الشعائر بطمأنينة، وتقام حدود الله في أرض الله على عباد الله.
• وإذا اختل الأمن يتبدل الحال ولم يهنأ أحد براحة بال، فيلحق الناس الفزع في عبادتهم فتهجر المساجد ويمنع المسلم في إظهار شعائر دينه فقال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ} [يونس:83].
• باختلال الأمن تعاق سبل الدعوة، وينضب وصول الخير إلى الآخرين، وينقطع تحصيل العلم وملازمة العلماء، ولا توصل الأرحام، و يئنُ المريض فلا دواء، ولا طبيب، فتختل المعايش، وتهجر الديار، وتفارق الأوطان، وتتفرق الأُسر، وتنقض عهود ومواثيق، وتبور التجارة، ويتعسر طلب الرزق، وتتبدل طباع الخلق، فيظهر الكذب، ويلقى الشح، ويبادر إلى تصديق الخبر المخوف، وتكذيب خبر الأمن،
• باختلال الأمن تقتل نفوس بريئة، وترمل نساء، وييتم أطفال.
(يُتْبَعُ)
(/)
• إذا سلبت نعمة الأمن؛ فشا الجهل، وشاع الظلم، وسلبت الممتلكات.
• إذا حلَّ الخوف أُذيق المجتمع لباس الجوع والخوف كما قال تعالى: {فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112]، قال القرطبي ـ رحمه الله ـ " سمى الله الجوع والخوف لباساً؛ لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس".
• والخوف يجلب الغم وهو قرين الحزن قال جلَّ وعلا: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
• يقول معاوية رضي الله عنه: " إياكم والفتنة فلا تهموا بها فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال".
• ولو قلَّبت البصر في الآفاق؛ لوجدت الأمن ضرورة في كل شأن ولن تصل إلى غاية كمال أمر إلا بالأمن؛ بل لن تجد مجتمعاً ناهضاً وحبال الخوف تهز كيانه.
• نعمة الأمن من نعم الله حقًّا حقيق بأن تُذكر ويذكَّرَ بها وأن يُحافظ عليها، قال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
• ونعمة الأمن تقابل بالذِّكْر والشكر {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 239]
• وأمر الله قريشاً بشكر نعمة الأمن والرخاء بالإكثار من طاعته قال جلَّ وعلا {فلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4]
• ثم لنعلم جمعياً حاكماً ومحكوماً، وعالماً ومتعلماً، وذكراً وأنثى، وصغيراً وكبيراً، أن المعاصي والأمن لا يجتمعان فالذنوب مزيلة للنعم وبها تحل النقم {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53].
• وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، والطاعة هي حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين، وبالخوف من الله ومراقبته يتحقق الأمن والأمان، فهابيل امتنع عن قتل قابيل لخوفه من ربه جلَّ وعلا قال تعالى: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28].
• والعناية بالعلم والتمسك بالكتاب والسنة شريعة وقيماً وأصولاً عصمة من الفتن وسبب للأمن والتعليم الشرعي أساس في رسوخ الأمن والاطمئنان قال ابن القيم رحمه الله: " وإذا ظهر العلم في بلد أو محلةٍ؛ قلَّ الشر في أهلها، وإذا خفي العلم هناك؛ ظهر الشر والفساد".
• والعلماء الربانيون هم ورثة الأنبياء وفي ملازمتهم وزيارتهم وسؤالهم والاستنارة بآرائهم وخصوصاً وقت الفتن سدادٌ في الرأي وتوفيق للصواب ودرءٌ للمفاسد؛ لأن الفتنة إذا أقبلت علمها العلماء وإذا أدبرت علمها العلماء والعامة.
• وببركة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ على أن نأمر بالمعروف بالمعروف، وننهى عن المنكر بالمعروف ـ تمنع الشرور والآفات عن المجتمعات.
• وحفظ العبد نفسه من شهوات النفس وشبهات القلب أصل في صيانة المجتمع من المخاوف والمكاره.
• وتأويل نصوص الشريعة على غير وجهها سبب انحراف الفهوم ومنها ينطلق من قلَّ حظه لتلويث عقول الناشئة ويزداد الأثر حين يضعف التحصن بعلوم الدين.
• وبعد فحفظ الأمن في بلاد الحرمين ألزم فعلى ثراها تنزل الوحي، ومن بين لا بتي طابة شع النور في الآفاق فيها بيت الله قائم، وفيها مسجد رسول الله عامر، ويجب أن ينهل الجميع من نبع الكتاب والسنة من غير تحويل أو تأويل لنصوصهما ومعرفة ضوابط الولاء والبراء من غير إفراط فيها أو مجافاة عنها.
(يُتْبَعُ)
(/)
• وبالتمسك بالشريعة يسعد الجميع بالأمن والرخاء قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]
• فالأمن مطلب في الحياة لا يستغني عنه الخلق لقضاء مصالحهم الدينية والدنيوية وما من عبد إلا ويبحث لنفسه عن أسباب أمنها ويتوقى جهد طاقته أسباب الخوف التي قد تحدق به في طريق حياته، ومهما أوتي الإنسان من سلامة بدن ووفرة رزق؛ فإنه لا يشعر بقيمتها إلا بالأمن والاستقرار.
• والخوف من الله ومراقبته مفتاح الأمن للمسلم في دنياه وأخراه.
• وعقد القلب على أركان الإيمان وتوفير مقتضياته في عمل الجوارح هو المصدر الحقيقي لحصول الأمن في الدنيا والآخرة.
• والأمن التام هو في طاعة الله ولزوم ذكره {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]
• وإذا استقام الفرد في نفسه وألزم من تحت يده من زوجةٍ وأبناء على السير وفق كتاب الله، حقق الأمن لنفسه وانتظم الأمن في المجتمع، فعلى الجميع حاكماً ومحكوماً، صغيراً وكبيراً، ذكراً وأنثى، أن يتقوا الله سبحانه 0
• وليعلم الجميع أن من أسباب الأمن وما يعين عليه إقامة الحق والعدل ونبذ البدعة والشرك ونشر التوحيد {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [المائدة: 82].
• ونصرة المجاهدين والجهاد في سبيل الله على وجهه الصحيح في مواقعه الحقيقية في ثغور الجهاد ورباطاته حيث إنه ذروة سنام الدين وخير وسيلة لقمع الظالمين وطرد الغزاة والمحتلين، وعدم تمييع هذا الركن العظيم بشروطه وأركانه وضوابطه وأصوله لإعلاء كلمة الله ونشر دينه لأنه باقٍ وماضٍ إلى قيام الساعة وهذا من دواعي وأسباب الأمن على أن لا نخلط بين الجهاد في سبيل الله والإفساد في أرض الله والدعاء للمجاهدين الصادقين بالنصرة والتمكين وأن يدحر الله عدوهم وهذا اقل ما ينصرون به.
• ويحذر من أهلِ البدع ومروجي الفتن ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وبين صفوف ومجتمعات المسلمين الذين يسبون الله ورسوله وصحابة رسول الهدى صلى الله عليه وسلم رضي الله عن أصحابه أجمعين، والذين نالوا من أحكام الدين كالحجاب وغيره والذين أفسدوا إعلام وتعليم المسلمين حيث توسع المنافقون توسعاً مخيفاً في موضوع المرأة والمناداة باختلاطها وفتح باب الشر لها في كل ميدان تارة بالنداء بقيادتها وتارة بنزع حجابها وتارة بمزاحمتها الرجال في ميدانهم واتهام المصلحين باتهامات باطلة واستغلال الأحداث وتسخيرها وتجييرها لصالح الأعداء في الداخل أوفي الخارج كل هذا سيسهم في إحلال وضياع الأمن {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]. والرد على شبه الأعداء واتهاماتهم لديننا وعدم قبولها مع بيان أن دين الله هو دين الحق والعدل والرحمة والوسط الذي كفل لكلِّ ذي حق حقه دون ظلم أو هضم أو تعدٍّ على أحد.
• وليعلم الجميع أن الله {هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:65].
• ولنعلم أن من علامات آخر الزمان كثرة الفتن كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتقارب الزمان، ويقل العمل، ويلقى الشح، وتكثرـ أو قال تظهرـ الفتن"،وذلك لأن الفتن إذا ظهرت سيكون معها من الفساد ما يكون قريباً بقيام الساعة فمنها ما يكون يحرق الدين ويحرق العقل ويحرق البدن ويحرق كل خير حيث حذرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الفتن كلها.
• وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/ 343): " والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء فصار الأكابر عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها وهذا شأن الفتن كما قال تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25].
• واحذر أخي المسلم من مواطن الفتن والخوض فيها فإنها إذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله، {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات:50].
هذا ما يسَّر الله لي كتابته، فهي كلمات كتبت باختصار وعلى عَجَلٍ لمسيس الحاجة إليها إيضاحًا للسبيل ودفعاً للدخيل، كتبت والمصائب على أشدها وعقد أهل الحق قد انحصر، ومباعدة أهل البدع قد وهن، فهي دعوة لأهل العلم والعقل إلى توضيح الحق ودفع الشبه عن العوام بالدليل والحجة والإقناع، وهي شمعة على هذا الطريق لا تكفي لإضاءته فهل من إجابة إلى هذه الدعوة من أهل العلم والعقل والمنصفين؟! عصمنا الله وإياكم من الفتن، وأرشدنا للحق واتباع السنن، وحفظ علينا وعلى المسلمين أمننا وإيماننا وأعاننا على الفعل والقول الذي يرضيه، وصلّى الله وسلّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بقلم
بدر بن نادر المشاري
1/ 4/1425هـ
من صيد الفوائد(/)
مقاهي الإنترنت تختطف الشباب
ـ[إمداد]ــــــــ[04 Jul 2005, 08:35 ص]ـ
مقاهي الإنترنت تختطف الشباب
--------------------------------------------------------------------------------
لم يكن الحديث عن الإنترنت لسنوات مضت بالكثافة التي هو عليها الآن. الكثيرون اعتقدوا أن الأمر لا يعدو كونه ثورة سريعة لن تلبث أن تخمد لتعود الحياة إلى مسارها الطبيعي العادي المعتمد على الورقة والقلم.
وكما يقول عبد القادر استيتو: "تمر السنوات و تخيب توقعات هؤلاء، في حين تصيب توقعات الخبراء والمهتمين الذين كانوا يؤمنون بأن المستقبل سيكون معلوماتيا محضا.
أشياء كثيرة قيلت و كتبت عن الإنترنت، و شيئا فشيئا تحول التوجس إلى فضول، ثم إلى اكتشاف فإقبال كبير من مختلف الشرائح المجتمعية".
ومع انتشار الإنترنت المريع ظهرت مكملات ومتممات جانبية تلتصق بهذا الانتشار ومنها ما يسمى بمقاهي الإنترنت التي استمالت إليها طائفة كبيرة من الناس غالبيتهم العظمى من الشباب الذين انجذبوا إلى ذلك الفضاء الفسيح وذلك الوافد الجديد بكل قوة حتى أصبح ارتياد الشباب لها ظاهرة جديدة تستحق البحث والتحليل والعلاج؛ إن كان ثم ما يحتاج إلى علاج.
من هنا كانت البداية
انطلقت أول سلسلة في العالم من هذه المقاهي في عام 1995م في المملكة المتحدة، ثم انتشرت في كثير من الدول العربية منذ سنوات قليلة، وكان دافع أرباب المقاهي من وراء افتتاحها تحقيق هامش ربحي من خلال المزاوجة بين خدمتين، خدمة المقاهي التقليدية وخدمة الإيجار في شبكة الإنترنت، في المقابل وجد فيها الشباب تسلية جديدة تختلف عن المقاهي التقليدية!!
ومقاهي الإنترنت بحد ذاتها ليست ظاهرة سيئة لو استغلت الاستغلال الأمثل، لكن الخطير في الأمر أن تصبح هذه المقاهي أوكاراً للاستخدام السيئ من قبل بعض الزبائن، وذلك من خلال الدردشة لأجل الدردشة فقط، والنفاذ إلى المواقع الجنسية بعيدا عن الرقابة الأسرية.
إحصائيات مرعبةوقد دلت الإحصائيات أن معظم مرتادي هذه المقاهي هم من الشباب، فقد أثبتت إحصائية وزعتها مجلة خليجية على عدد من مقاهي الإنترنت أن 80% من مرتادي هذه المقاهي أعمارهم أقل من 30 سنة، فيما قالت إحصائية أخرى أن 90% من رواد مقاهي الإنترنت في سن خطرة وحرجة جداً.
وهذه نتيجة خطيرة، فكون معظم مرتادي المقاهي من الشباب ومن فئة عمرية خطرة تحديدا، وأن معظمهم يرتاد هذه المقاهي للدردشة، فإن الظاهرة هنا تصبح خطرة تستدعي إيجاد بدائل يمكن للشباب أن يقضوا أوقات فراغهم فيها، بدلا من إضاعة المال والوقت والأخلاق بما لا ينفع!!.
المقاهي لماذ؟
كان اندفاع الشباب نحو تلك المقاهي لأسباب مختلفة يأتي على رأسها الفراغ الممتد في يوم الشباب والفرار من الأعمال الجادة، خصوصا مع ارتفاع معدل البطالة في كثير من دولنا العربية والإسلامية، فيبحث الشاب عن مكان يقطع فيه فراغه. ثم بعد ذلك أسباب أخرى منها:
أولا: عدم إمكانية شراء جهاز كمبيوتر لغلائه ونظرا للحالة الاقتصادية عند بعض الشباب فاستعاضوا عن ذلك بساعات يقضونها في المقاهي.
ثانيا: صعوبة الوصول إلى النت عند البعض، خصوصا أن هذه الوسائل لم تعمم في جميع البلدان ووجودها يقتصر في بعض الدول على المدن دون القرى، لكن عموما هذه الخدمة بدأت تنتشر وتتوفر وإن كان بنسب متفاوته خاصة في المجتمع العربي وتشير إحصائية تم رصدها عام 2004 إلى أن نسب المستخدمين للنت بين عام 1990 وعام 2002 بلغت في البحرين 245 من كل ألف شخص، و105.8 من كل ألف شخص في الكويت، و113.2 في قطر، و313.2 في الإمارات العربية المتحدة، و70.9 في عُمان، و64.6 في السعودية، و117.1 في لبنان، و57.7 في الأردن، و51.7 في تونس، و30.4 في فلسطين، و12.9 في سورية، و16 في الجزائر، و28.2 في مصر، و23.6 في المغرب، و2.6 من أصل ألف شخص في السودان. ولا شك أن هذه الأعداد زادت عامي 2003، 2004.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثا: البحث عن الخصوصية: فبعض الشباب ربما لديهم أجهزة في بيوتهم لكنهم يفتقدون خصوصية البحث عما يريدون، لاسيما إذا كانت البيوت محافظة وهم يبحثون عن المحادثات أو المواقع الإباحية وهي نسبة كبيرة من الشباب. وأكثر المقاهي تجدها مهيئة لذلك من جو شاعري وأضواء خافتة وتجهيز المكان بحيث لا يطلع أحد على الجالس ولا يدري أحد ماذا يفعل .. ويكفي أن نعلم أن المقهى الذي لا يوفر مثل تلك الخصوصية يتدنى دخله بصورة كبيرة جدا مقارنة بالمقاهي التي توفرها.
رابعا: وجود الفني القادر على كسر كثير من برامج حجب المواقع الممنوعة (البروكسي)، وكثير من الشباب لا يرى غضاضة في أن يستدعي عامل المقهى ويطلب منه الدخول على مواقع معينة وهو يدفع للمقهى وهذا ما يريده كثير من هؤلاء المستثمرين على حساب الأمة ودينها وشبابها. فالمبدأ عند هؤلاء التجار " ادفع واطّلع على ما تريد".
خامسا: الاستئناس بالأصدقاء والبعد عن جو المنزل وذلك من خلال الخدمات الجانبية التي يقدمها المقهى وإمكانية مواعدة الأصدقاء فيها ليكون لقاء بالأصدقاء وإبحارا في النت في نفس الوقت.
سادسا: يعلم كثير من المستخدمين لشبكة الإنترنت أن بوسع غيرهم أن يتعرف عليهم فيما لو استخدموا أجهزتهم الشخصية، ولذا فراراً من انكشاف أفعالهم المخزية يلجئون إلى هذه المقاهي لتقيد جرائمهم ضد مجهول، ويظهر هذا جليا مع البنات ذوات العلاقات أو الباحثات عن اللذة ومواقع الجنس.
ومن الأسباب أيضا: إهمال الأباء وضعف مراقبة الأسر لأبنائها وهذه عليها معول كبير.
هذه كانت أشهر الأسباب في نظري، ولا شك أن هناك أسبابا أخرى تختلف باختلاف الأشخاص ومقاصدهم.
ماذا يفعلون؟
كان السؤال الذي يطرح نفسه لبيان وضع تلك المقاهي ومدى منفعنها أو ضررها هو معرفة ماهية المواقع التي يتصفحها مرتادوا المقاهي؟.
في استبانة أجرتها إحدى المجلات السعودية عن نوعية المواقع التي يدخلها الشباب في المقاهي كانت النتيجة أن 60 % يقضون أوقاتهم في مواقع المحادثة، و20% من المستخدمين للمواقع الثقافية، و12% للمواقع الطبية والحاسوبية والتجارية، و8 % للمواقع السياسية.
وقد أجمع أصحاب تلك المقاهي أن أكثر ما يبحث عنه الشباب خصوصا والرواد عموما هو التشات (المحادثة) والجنس ..
يقول محمد خضير صاحب مقهى في القاهرة: "إن الشباب المصري يُقبل بشكل أساسي على مواقع المحادثة المختلفة (تشات)، يليها مواقع البريد الإلكتروني، ثم مواقع محركات البحث، خاصة غوغل وياهو!! أما الأجانب فغالبا ما يركّزون استخدامهم على مواقع البريد الإلكتروني".
أما محمد الشاوني، 21 سنة، طالب فيقول: "بصراحة أحضر هنا للدردشة، إنها أمر مسلٍ، و باعتباري أجيد اللغة الإسبانية فأنا أحب أن أحاور الإسبان".
ويقول عبد الفتاح، 23 سنة، أحضر هنا للدردشة بالدرجة الأولى، أحاول أن أفعل أشياء أخرى لكن مشكلة اللغة تقف حاجزًا أمامي لأن المواقع التي أريدها هي بلغة أجنبية".
وتبدي هبة حداد وهي طالبة تجارة اشمئزازها مما تراه خلال ترددها إلى مقاهي الإنترنت وتقول: "لا أعرف لماذا يحب بعض الشباب الاطلاع هذه الصور الإباحية الصارخة".
وتقول سامية محمد (22 سنة): "شبكة الإنترنت فتحت لي آفاق المعرفة وأبواب الحرية على مصراعيها، وأكملت جوانب أفتقدها في الواقع، لكنها في المقابل وضعتني في اختبار مستمر أمام نفسي .. في بعض الأحيان أدخل إلى الإنترنت بعد منتصف الليل ويكون جميع أفراد أسرتي نائمين، أذهب إلى غرف المحادثة للتعرّف على أصدقاء جدد لهم نفس اهتماماتي.
أما صلاح (20 سنة) فيقول: "لقد فعلت كل شيء عبر الإنترنت، وكنت أعتقد أنني بذلك نلت كل حريتي، لكنني سرعان ما اكتشفت أنني مخطئ".
لا رقابة:
في حديث مع بعض أصحاب المقاهي حول جدية الرقابة وحجب المواقع المثيرة كانت الإجابة بما معناه القانون هنا " ادفع واطّلع على ما تريد". وقال صاحب إحدى المقاهي: "لم أتدخل يوماً في ماهية ما يقرأه المتصفح، ولا عوازل أو رقابة أفرضها على أي موقع". ويقول مؤيدا مبدأه عمليا: "رأيت شباناً يطلعون على مواقع إباحية وغيرها، لكن لا يمكن منع الزبون من رؤية ما يجذبه، ليست مهمتي هنا تربيته! "
(يُتْبَعُ)
(/)
أما المستشار القانوني لجمعية محترفي الإنترنت وليد ناصر فيقول: "لا أعلم ما إذا كانت الأجهزة الأمنية تفرض رقابة دائمة على الإنترنت، وأنا أشك في ذلك؛ لأن أمراً مماثلاً يحتاج إلى جهاز رقابة دائمة يرصد ما يضاف وما يحذف، وهو أمر معقّد".
ويقول سفيان وهو مستثمر لمقهى إنترنت إن حجم الرقابة التي يمكن أن تفرض على مرتادي الإنترنت تتفاوت حسب قدرات المستخدم التقنية، فالمبتدئ يُسيطَر عليه بنسبة 100%، أما المحترف فحجم السيطرة عليه لا تتجاوز30% كونه يمتلك طرقا لاختراق الرقابة، تتمثل بما يسمى بـ"البروكسي"، والذي يمكن أن يتطوّر بتطور أجهزة الرقابة وبحسب الحاجة، ويمكن كسر الحظر بالدخول عن طريق مواقع أخرى، أو بتغيير شيفرة الموقع، فتكتب الشيفرة بدلا من الأحرف التي تكون اسم الموقع، وتمر عملية الاتصال".
نتائج ومخاطر
والخلاصة أنه يكاد يكون من المستحيل وجود رقابة صارمة لحفظ أبنائنا مع وجود محاولات جدية من بعض الدول، وانفتاح صارخ من بعضها الآخر مما ينتج عنه مخاطر جمة .. أهمها:
1) انهيار المجتمع بانهيار فئة الشباب فيه.
2) تضييع أوقات الشباب في غير منفعة عند الغالبية.
3) الإصابة بالأمراض النفسية.
4) الغرق في أوحال الدعارة والفساد.
5) التعرف على أساليب الإرهاب والتخريب.
6) التعرض لدعوات التنصير والتهويد والمذاهب الهدامة.
7) التجسس على الأسرار الشخصية.
8) إنهيار الحياة الزوجية.
9) التغرير ببعض الفتيات ووقوعهن فريسة للاهين اللاعبين.
خاتمة لابد منها:
لا يستطيع أحد أن يجحد الفوائد التي يمكن أن يجتنيها البعض من خلال تلك المقاهي، كالبحث العلمي، وإرسال رسائل بريد إلكتروني سريعة، والاطلاع على الكتب الحديثة والمكتبات العالمية الضخمة، والبحوث العلمية الحديثة .. و .. ولكن لما كان جل الاستخدام في غير ذلك كان إثمها أكبر من نفعها ..
والإنترنت ومقاهيه ـ كما الأدوات الإعلامية الأخرى – سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون مفيدا جدا إذا عرفنا كيف نستغله أحسن استغلال، و هو في نفس الوقت أداة تخريب للنفوس والأرواح عن طريق المواقع التافهة و الجنسية التي لا تجدي فتيلا، وبشيء من المراقبة، وبشيء من التوجيه والإرشاد و التوضيح، يمكن أن نستفيد من هذه الآلة ونحفظ أبناءنا من شرورها والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
منقول من (الشبكة الإسلامية)
__________________
ـ[أبو محمد نائل]ــــــــ[23 May 2008, 11:30 ص]ـ
من يتابع خطة عمل تحويل سلاح الدمار الى عمار ... هل تعجز العقول عن الإبداع من يتابع ...
ــــــــــــــــــــــــــ
) انهيار المجتمع بانهيار فئة الشباب فيه.
2) تضييع أوقات الشباب في غير منفعة عند الغالبية.
3) الإصابة بالأمراض النفسية.
4) الغرق في أوحال الدعارة والفساد.
5) التعرف على أساليب الإرهاب والتخريب.
6) التعرض لدعوات التنصير والتهويد والمذاهب الهدامة.
7) التجسس على الأسرار الشخصية.
8) إنهيار الحياة الزوجية.
9) التغرير ببعض الفتيات ووقوعهن فريسة للاهين اللاعبين.(/)
ليس العهد الجديد كلمة الله وليس عيسى عليه السلام بإله بل هو رسول الله
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[04 Jul 2005, 11:48 ص]ـ
سوف أدخل في الموضوع بدون مقدمات:
مخطوطات العهد الجديد
يقول القس سويجارت: " يوجد ما يقرب من أربعة وعشرين ألف مخطوط يدوي قديم من كلمة الرب من العهد الجديد ... وأقدمها يرجع إلى ثلاثمائة وخمسين عاماً بعد الميلاد، والنسخة الأصلية أو المنظورة، أو المخطوط الأول لكلمة الرب لا وجود لها .. ".
ولو فصلنا أكثر في ذكر ما وصل إلينا من مخطوطات العهد الجديد، فإنا نقول: إنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ) مخطوطات البردي، والكتابة على ورق البردي، وكانت تستخدم في القرن الثاني والثالث الميلادي. وقد وصل إلينا عن طريقها قطعتين فقط من العهد الجديد.
الأولى: تضم جملتين من إنجيل يوحنا 18/ 31، 18/ 37 - 38، وقد كتبتا في القرن الثاني وهي محفوظة في مانشستر.
والثانية: وتضم مقطعين من إنجيل متى 1/ 1 - 9، 12/ 14 - 20.كما يوجد بعض مخطوطات البردي والتي تحوي نصوصاً إنجيلية صغيرة، وتعود للقرون اللاحقة.
ب) مخطوطات إغريقية مكتوبة على رقوق الحيوانات، ولم تعرف هذه الطريقة في الكتابة إلا في القرن الميلادي الرابع، ويوجد منها عدد كبير من المخطوطات أهمها النسخة الإسكندرية والفاتيكانية والسينائية.
ج) مخطوطات متأخرة ترجع للقرون 13 - وما بعده، وذكر منها البروفسور كولينز سبع مخطوطات أهمها البازلية.
ومن أهم المخطوطات المكتوبة على رقوق الحيوانات المخطوطة الفاتيكانية والسينائية والإسكندرانية، وهي مخطوطات كتبت في القرن الرابع الميلادي، ونذكر هنا بعض ما يتعلق بالعهد الجديد في هذه المخطوطات.
1) النسخة الفاتيكانية: وجاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك: " وأقدم كتب الخط التي تحتوي على معظم العهد الجديد أو نصه الكامل كتابان مقدسان يعودان إلى القرن الرابع وأجلّهما المجلد الفاتيكاني .. وهذا الكتاب الخط مجهول المصدر، وقد أصيب بأضرار لسوء الحظ، ولكنه يحتوي على العهد الجديد ما عدا الرسالة إلى العبرانيين (9/ 14 - 13/ 25) والرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس، والرسالة إلى فليمون، والرؤيا.
وقد أضاف ناسخ مجهول في القرن الخامس عشر الميلادي هذه الرسائل. وينتهي إنجيل مرقس في هذه النسخة عند الجملة 16/ 9، وترك بعده بياض.
2) النسخة السينائية: ويقول عنها المدخل الفرنسي " والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له المجلد السينائي .. لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة إلى برنابا وجزء من (الراعي) لهرماس، وهما مؤلفان لم يحفظا في قانون العهد الجديد صيغته في الأخيرة ".
ولا تتضمن هذه النسخة خاتمة مرقس 16/ 9 - 20 ولا يوجد فيها بياض عند هذه الخاتمة بل يبدأ على الفور إنجيل لوقا.
3) النسخة الإسكندرانية: وتحوي العهد الجديد مع النقص الواضح فيه، ومن النقص الموجود فيها (1) في أول متى - 25/ 6، (2) وفي يوحنا من 6/ 51 - 8/ 52.
وتضم أيضاً رسالتي كلمنت - وهما أيضاً ناقصتين - اللتين لم تضما إلى العهد الجديد إضافة إلى زبور غير معترف فيه، وينسب لسليمان، كما فيه أشياء أخرى لم تدخل في الكتاب المقدس.
4) النسخة الافرايمية: وتحوي هذه النسخة العهد الجديد فقط، وهي محفوظة في باريس في المكتبة الوطنية، ويرى المحققون أنها كتبت في القرن السادس أو السابع، وقال بعضهم: بل القرن الخامس.
5) نسخة بيزا: وتعود للقرن الخامس، وتحوي الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل، وهي محفوظة في جامعة كمبرج، وتخلو من كثير من النصوص مثل مقدمة يوحنا. وقد تحرر ناسخها من المخطوطات القديمة التي ينقل عنها أيما تحرر، فقد قام بكتابة نسب المسيح كما أورده متى، ثم لما نسخ إنجيل لوقا ولاحظ الفوارق الكبيرة بين قائمتي لوقا ومتى أعاد قائمة متى في إنجيل لوقا، ولما كانت قائمة متى ناقصة لكثير من الأسماء أضاف الناسخ أسماء إضافية من عنده.
6) النسخة البازلية: ويفترض تدوينها في القرن الثامن، وهي محفوظة بجامعة بازل بسويسرا، وتضم الأناجيل الأربعة بنقص كبير.
7) نسخة لاديانوس: وترجع هذه النسخة للقرن التاسع، وهي محفوظة في بولديانا بأكسفورد، وتضم سفر أعمال الرسل فقط.
(يُتْبَعُ)
(/)
كما ثمة مخطوطات أخرى متأخرة عنها، فهي أقل أهمية.
اختلاف مخطوطات العهد الجديد
نلحظ أولاً أن هذه النسخ جميعاً ليست من خط كاتبها أو ليس منها شيء كتب في وجوده، بل إن أولها كتب بعد وفاة كُتاب الأناجيل بما لا يقل عن قرنين من الزمان.
ولا يستطيع النصارى أن يثبتوا سنداً لهذه المخطوطات إلى كتبتها، واعترف بذلك القسيس فرنج فقال " إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة " لكن رحمة الله الهندي يعتبره عذراً لا يقيلهم من إحضار سند هذه الكتب، فمثل هذه المسائل لا تقبل من طريق الظن والتخمين.
وهذه النسخ وغيرها التي يتحدث النصارى عن كثرتها لا يتفق منها إثنان، فقد تعرضت للزيادة والنقصان حسب أهواء النساخ وهو ما يعترف به النصارى ومنهم سويجارت الذي يحاول التقليل من أهمية هذه الاختلافات فيقول: " المبادئ العلمية تخبرنا أنه فيما يختص بكتب العهود القديمة إذا توفر لدينا عشر نسخ منها فإننا لا نحتاج بالضرورة إلى الأصل لنضمن تحققنا من النسخة الأصلية، وعندما نفكر أن لدينا أربعة وعشرين ألف نسخة، وأن بعض الاختلافات موجودة فيما بين هذه النسخ، وهذا ما نعترف به، فالمهم أن جوهر النص لم يتغير".
لكن الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس " يرد ذلك ويخالفه، وكان روبرت قد أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس، ثم منع من طبعها، ولما سئل عن السبب في منعها قال: " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب ".
يقول د. روبرت: " لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد، وأن الخلاف محصور فيمن قام بهذا التحريف.
ويقول كينرايم: إن علماء الدين اليوم على اتفاق واحد يقضي بأن الكتاب المقدس وصل إلينا منه أجزاء ضئيلة جداً فقط هي التي لم يتم تحريفها.
ويقول الدكتور روبرت: " لن يدعي أحداً أبداً: أن الله هو مؤلف كل أجزاء هذا الكتاب قد أوحى إلى الكتبة هذه التحريفات أو لم يكن يعرفها أكثر من ذلك ".
يقول موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية ": " إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا.
وعن إنجيل مرقس، فيتحدث عنه نينهام مفسر إنجيل مرقس، فيقول: " لقد وقعت تغييرات تعذر اجتنابها، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد، ومن بين مئات المخطوطات لإنجيل مرقس، والتي لا تزال باقية حتى اليوم لا نجد نسختان تتفقان تماماً، وأما رسائل بولس فلها ستة قراءات مختلفة تماماً ".
ويقول: " ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين " ويستعين بما ذكره القس شورر عن مخطوطات الأناجيل وأن بها 50000 اختلاف، وقال كريسباخ 150000 وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تغطي كله تقريباً تظهر أكثر من مائة وخمسين ألف من الاختلافات بين النصوص ".
وممن اعترف بكثرة هذه الاختلافات العالم ميل، وذكر بأنها ثلاثون ألفاً، ووافقه القس باركر البروتستانتي، وأوصل هذه الاختلافات العلامة وتيس تين إلى أزيد من ألف ألف.
ويقول شميت: لا توجد صفحة واحدة من الأناجيل العديدة التي لا تحتوي نصها الأقدم على اختلافات عديدة".
ويحاول النصارى تبرير هذه الاختلافات الكثيرة بين المخطوطات فيقول صاحب كتاب " مرشد الطالبين ": " لا تعجب من وجود اختلافات في نسخ الكتب المقدسة، لأن قبل ظهور صناعة الطبع في القرن الخامس عشر من الميلاد كانت تنسخ بالخط، فكان بعض النساخ جاهلاً وبعضهم غافلاً وساهياً "، لكن الحق أن هناك تحريفاً متعمداً وهو ما أقر به المدخل الفرنسي للعهد الجديد " إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة. بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية .. هناك فوارق أخرى بين الكتب الخط تتناول معنى فقرات برمتها واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر
(يُتْبَعُ)
(/)
العسير.
فإن نص العهد الجديد قد نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء ... يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحياناً عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم، وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ، ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحياناً إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت على التلاوة بصوت عال.
ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلاً بمختلف ألوان التبديل .. والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة، لكي يقيم نصاً يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يمكن في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه".
ويؤكد هذا كله جورج كيرد رئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس بقوله: " كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين، ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق من الجلد أو القماش.
إن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافاً كبيراً، ولا يمكننا الاعتماد بأن أياً منها قد نجا من الخطأ .. إن أغلب النسخ الموجودة من جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على يد المصححين الذين لم يكن عملهم دائماً إعادة القراءة الصحيحة ".
أمثلة لتحريف النساخ
وذكر المحققون أمثلة صريحة لتدخل النساخ في النص عن عمد، منه ما جاء في متى " متى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس، ليفهم القارئ، فحينئذ ليهرب الذي في اليهود إلى الجبال " (متى 24/ 15 - 16) فلفظه " ليفهم القارئ " من زيادة الناسخ.
ومثله ما جاء في آخر يوحنا " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " (يوحنا 21/ 24) فقوله " نعلم أن شهادته حق " من زيادة النساخ.
ومثله ما جاء في يوحنا " للوقت خرج دم وماء، والذين عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم " (يوحنا 19/ 34 - 36) فالجملة الأخيرة أراد الناسخ بها التأكيد والتنبيه على صدق يوحنا، وهي ليست من كتابته.
إبطال دعوى الإلهام لكتبة العهد الجديد
إن أحداً من كتاب العهد الجديد - سوى بولس - لم يدع لنفسه الإلهام، بل سجلت كتاباتهم أن هذا العمل جهد بشري خالص لم يقصد كاتبوه أن يسجلوا من خلاله كتباً مقدسة.
فها هو لوقا في مقدمة إنجيله يقول “ إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به “ (لوقا 1/ 1 - 4).
فيفهم من هذه المقدمة أمور منها: أن إنجيله خطاب شخصي، وأنه دوّنه بدافع شخصي، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق، وأن كثيرين كتبوا غيره، ولم يذكر لوقا شيئاً عن إلهام إلهي أو وحي من روح القدس.
وإذا كان الحواريون والتلاميذ غير عارفين بإلهامية ذواتهم وبعضهم، فكيف عرف النصارى ما جهله أصحاب الشأن؟ لا دليل في الأناجيل على إلهامية أحد منهم.
عبارات لا يمكن أن تكون وحياً
لو تتبعنا الأناجيل لما وجدنا ما يشعر بأن أياً منها صادر من ملهم يكتب وحياً، فمثلاً يقول لوقا: “ ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف .. “ (لوقا 3/ 23) فلفظه “ نحو “ “يظن” لا تصدر عن ملهم جازم بما يقول، وقد أزعجت هاتان العبارتان علماء الكنيسة، فحذفوهما من طبعة الكتاب المقدس المنقحة.
ومثله في خاتمة يوحنا يقول: “ وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله (يوحنا 20/ 30 - 31)، وقد كتبه بطلب من أساقفة آسيا لا الروح القدس، وهو لا يقول بأن الله ألهمه ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويقول: “ هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق “ فلم يذكر شيئاً عن إلهام هذا الإنجيل، ثم قال بعدها ما أثبت صفة البشرية لكلامه “ وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة “ (يوحنا 21/ 24 - 25)، فمثل هذه المبالغة لا يغيب أنها صنع بشري لعادة البشر في ذلك.
وعلاوة على هذا كله فإن في الرسائل فقرات تنفي هي عن نفسها دعوى الإلهام وتكذبه، وتشهد لصاحبها بأنه يتحدث ببشرية تامة، وأن الوحي لا علاقة له بما يكتب
ومن ذلك قول بولس: “ أقول لهم أنا لا الرب “ (كورنثوس (1) 7/ 12).
ثم يقول “ حسب رأيي “ (كورنثوس (1) 7/ 40).
ويقول: “ ليس عندي أمر من الرب فيهن “ (كورنثوس (1) 7/ 25)، فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات أنها أيضاً ملهمة.
ويقول بولس أيضاً وهو ينفي عن كلامه صفة القداسة “ الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه “ (كورنثوس (2) 11/ 16 - 17).
ويؤكد أن بعض ما يصدر عته هو محض رأي بشري واجتهاد شخصي منه، فيقول: “لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد ... أعطي رأياً في هذا أيضاً “ (كورنثوس (2) 8/ 8 - 10).
ويقول بولس: “ ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً “ (كورنثوس (2) 11/ 1)، فهل أوحى الله له أن يصف نفسه بالغباء، وهل يعتذر الله ويخشى أن يكون ملهمه قد أثقل على أولئك الذين يقرؤون رسالته.
ويقول معتذراً، والمفروض أن القائل وحي الله الذي يسجله بولس: “ لقد اجترأت كثيراً فيما قلت أيها الإخوة“ (رومية 15/ 15).
إنكار المحققين لإلهامية كتبة العهد الجديد
وقد أنكرت بعض فرق النصارى وبعض مقدميهم وغيرهم من المحققين إلهامية الأناجيل والرسائل.
ويقول مؤلفو الترجمة المسكونية: “ جمع المبشرون، وحرروا، كل حسب وجهة نظره الخاصة ما أعطاهم إياه التراث الشفهي “ فليس ثمة إلهام إذن.
ويقول لوثر عن رسالة يعقوب: “ إنها كلّاء .. هذه الرسالة وإن كانت ليعقوب .. إن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه، لأن هذا المنصب كان لعيسى عليه السلام فقط “، فقول لوثر هذا، يفهم منه عدم اعتباره ليعقوب الحواري ملهماً.
ثم يقول ريس في دائرة معارفه: “ والكتب التي كتبها تلاميذ الحواريين - مثل إنجيل مرقس ولوقا وكتاب الأعمال - توقف ميكايلس في كونها إلهامية “.
ويقول" حبيب سعيد" عن بولس في كتابه "سيرة رسول الجهاد" منبهاً إلى حقيقة هامة وصحيحة: " لم يدر بخلده عند كتابتها - أو على الأصح عند إملائها - أنه يسطر ألفاظاً ستبقى ذخراً ثميناً تعتز به الأجيال القادمة"، ويا للعجب، بولس لا يعلم بقدسية كلماته بينما النصارى عنه يناضلون.
وفي الفاتيكان شكل البابا (جون) لجنة لدراسة الإنجيل برئاسة العلامة (هانز كومب)، وبعد دراسة متأنية، قررت اللجنة:" أن الإنجيل كلام بشر، وأنه لا يوجد دليل على أن الإنجيل ينحدر مباشرة عن الله “.
إن أحداً من الإنجيلين لم يلهم كتابة خبر الصعود (صعود المسيح للسماء) , لأن خبر الصعود قد أضيف فيما بعد، كما اعترفت بذلك لجنة تنقيح الكتاب المقدس التي أصدرت النسخة ( r.s.v), واسمها النسخة المنقحة من الكتاب المقدس .. !!
إبطال نسبة الأناجيل والرسائل للحواريين
تعود أسفار العهد الجديد السبعة والعشرون إلى ثمانية مؤلفين تفاوتت مقادير كتاباتهم، ففي حين لم تزد رسالة يهوذا عن صفحتين فإن لبولس ما يربو على المائة صفحة.
وأيضاً يتفاوت قرب هؤلاء من المسيح، ففي حين أن يهوذا وبطرس ويوحنا من تلاميذه الاثنى عشر، فإن لوقا ومرقس لم يلقيا المسيح، فيما لم يتنصر بولس إلا بعد رفع المسيح.
والنصارى يعتبرون هؤلاء المؤلفين الثمانية بشراً ملهمين كتبوا ما أملاه عليهم روح القدس وفق أسلوبهم، وقد ثبت لدينا عدم إلهامية كتبة العهد الجديد فيما سبق.
ولكن هل تصح نسبة الكتب إلى هؤلاء الثمانية؟ وبالذات إلى متى ويوحنا وبطرس الذين يفترض أنهم من أخص تلاميذ المسيح أم أن النسبة هي أيضاً محرفة؟ وهل من الممكن أن يصدر هذا الكلام - الذي في العهد الجديد - من حواريي المسيح الذين رباهم طوال سني رسالته، وذكرهم القرآن بالثناء الحسن؟
(يُتْبَعُ)
(/)
إن هذا كله جعل المحققين من المسلمين يرون أن هذه الأسفار لا يمكن أن تصدر عن تلاميذ المسيح المؤمنين، فاهتموا لذلك بدراسة وتوثيق نسبة هذه الأسفار إليهم.
أولاً: إنجيل متى
أدلة الكنيسة على صحة نسبة الإنجيل إلى متى
تؤكد الكنيسة بأن متى هو كاتب الإنجيل، وتستند لأمور ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس، أهمها: " الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصر "
وأيضاً " لا يعقل أن إنجيلاً خطيراً كهذا - هو في مقدمة الأناجيل - ينسب إلى شخص مجهول، وبالأحرى أن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح ".
وأيضاً " يذكر بابياس " في القرن الثاني الميلادي أن متى قد جمع أقوال المسيح "
وأخيراً " من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات، لأن هنا من أهم واجباته لتقديم الحسابات، وكذلك فإن هذا الإنجيلي قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة ".
ملاحظات على إنجيل متى:
رأى المحققون أنه لا دليل عند النصارى على صحة نسبة الإنجيل لمتى، بل إن الأدلة قامت بخلافه. إذ في الإنجيل أموراً كثيرة تدل على أن كاتبه ليس متى الحواري، ومن هذه الأدلة:
- أن متى اعتمد في إنجيله على إنجيل مرقس، فقد نقل من مرقس 600 فقرة من فقرات مرقس الستمائة والاثني عشر، كما اعتمد على وثيقة أخرى تسمى M
يقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى: " إن القديس متى كان يقتبس من إنجيل القديس مرقس، وكان ينقحه محاولاً الوصول إلى تصور أحسن وأفضل لله ".
ويضيف القس فهيم عزيز أن اعتماد متى على مرقس حقيقة معروفة لدى جميع الدارسين، فإذا كان متى هو كاتب الإنجيل فكيف ينقل عن مرقس الذي كان عمره عشر سنوات أيام دعوة المسيح؟ كيف لأحد التلاميذ الإثني عشر أن ينقل عنه؟
- ثم إن إنجيل متى قد ذكر متى العشار مرتين، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى أنه الكاتب، فقد ذكره بين التلاميذ الإثنى عشر، ولم يجعله أولاً ولا آخراً، ثم لما تحدث عن اتباعه للمسيح قال: " وفيما يسوع مجتاز هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى فقال له: اتبعني فقام وتبعه" (متى 9/ 9).
فاستخدم أسلوب الغائب، ولو كان هو الكاتب لقال: " قال لي "، " تبعته " " رآني "، فدل ذلك على أنه ليس الكاتب، وهنا يجدر التنبيه على أمر هام، وهو أن مرقس ذكر القصة ذاتها، وسمى عامل الضرائب لاوي بن حلفي (انظر مرقس 2/ 15) فهل لاوي بن حلفي هو نفسه متى؟ هل هذا هو الاسم التنصيري للاوي كما تزعم الكنيسة؟
يقول جون فنتون مفسر متى وعميد كلية اللاهوت بلينشفيلد بأنه لا يوجد دليل على أن متى هو اسم التنصير للاوي، ويرى أنه من المحتمل " أنه كانت هناك بعض الصلات بين متى التلميذ والكنيسة التي كتب من أجلها هذا الإنجيل، ولهذا فإن مؤلف هذا الإنجيل نسب عمله إلى مؤسس تلك الكنيسة أو معلمها الذي كان اسمه متى، ويحتمل أن المبشر كاتب الإنجيل قد اغتنم الفرصة التي أعطاه إياها مرقس عند الكلام على دعوة أحد التلاميذ، فربطها بذلك التلميذ الخاص أحد الإثني عشر (متى) الذي وقره باعتباره رسول الكنيسة التي يتبعها ".
- ثم إن التمعن في الإنجيل يبين مدى الثقافة التوراتية الواسعة التي جعلت منه أكثر الإنجيليين اهتماماً بالنبوءات التوراتية عن المسيح، وهذا لا يتصور أن يصدر من عامل ضرائب، وهذا لن يكون من كتابة متى العشار. يقول أ. تريكو في شرحه للعهد الجديد (1960م): إن الاعتقاد بأن متى هو عشار في كفر ناحوم ناداه عيسى ليتعلم منه، لم يعد مقبولاً، خلافاً لما يزعمه آباء الكنيسة.
منكرو نسبة الإنجيل إلى التلميذ متى
وقد أنكر كثير من علماء المسيحية في القديم والحديث صحة نسبة الإنجيل لمتى يقول فاستس في القرن الرابع: " إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه "، وكذا يرى القديس وليمس. والأب ديدون في كتابه " حياة المسيح".
ويقول ج ب فيلبس: " نسب التراث القديم هذه البشارة إلى الحواري متى، ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي ".
ويقول د برونر: " إن هذا الإنجيل كله كاذب ".
ويقول البرفسور هارنج: إن إنجيل متى ليس من تأليف متى الحواري، بل هو لمؤلف مجهول أخفى شخصيته لغرض ما.
(يُتْبَعُ)
(/)
وجاء في مقدمة إنجيل متى للكاثوليك: " أما المؤلف، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وتقاليد الكنيسة تنسبه إلى الرسول متى، ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم ".
ويقول القس فهيم عزيز عن كاتب متى المجهول: " لا نستطيع أن نعطيه اسماً، وقد يكون متى الرسول، وقد يكون غيره ".
ويقول المفسر لإنجيل متى جون فنتون في تفسيره عن كاتب متى: " إن ربط شخصيته كمؤلف بهذا التلميذ إنما هي بالتأكيد محض خيال ".
وقد طعنت في صحة نسبة الإنجيل لمتى فرق مسيحية قديمة، فقد كانت الفرقة الأبيونية ترى البابين الأولين لإنجيل متى إلحاقيين، ومثلها فرقة يوني تيرين، ويرون أن البداية الحقيقية لهذا الإنجيل قوله: " في تلك الأيام جاء يوحنا المعمداني .... " (متى 3/ 1) فتكون بداية الإنجيل قصة يوحنا المعمداني كما هو الحال في مرقس ويوحنا، ويدل لذلك أيضاً أن قوله " في تلك الأيام " لا يمكن عوده على ما في الإصحاحين السابقين، إذ كان الحديث في آخر الإصحاح الثاني عن قتل هيرودس للأطفال بعد ولادة المسيح، وهو زمن طفولة المسيح والمعمدان الذي يكبره بستة أشهر، بينما الإصحاح الثالث يتحدث عن دعوة المعمداني - أي وهو شاب -، وهذا يعني وجود سقط أو حذف قبل الإصحاح الثالث، أو أنه البداية الحقيقية للإنجيل.
من الكاتب الحقيقي لإنجيل متى؟
وإذا لم يكن متى هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه، فمن هو كاتب هذا الإنجيل؟
في الإجابة عن السؤال نقول: نتائج الدراسات الغربية التي أكدت أن هذا الإنجيل قد كتبه غير متى التلميذ، ونسبه إليه منذ القرن الثاني، ولربما يكون هذا الكاتب تلميذاً في مدرسة متى.
ويحاول كولمان وشراح الترجمة المسكونية تحديد بعض الملامح لهذا الكاتب، فالكاتب - كما يظهر في إنجيله - مسيحي يهودي يربط بين التوراة وحياة المسيح، وهو كما يصفه كولمان: يقطع الحبال التي تربطه باليهودية مع حرصه على الاستمرار في خط العهد القديم، فهو كاتب يهودي يحترم الناموس، ويعتبر بذلك من البعيدين عن مدرسة بولس الذي لا يحترم الناموس، بينما يقول هذا الكاتب " فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس، هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات " (متى 5/ 19).
ويرجح كولمان أيضاً أنه عاش في فلسطين، ويرجح فنتون أنه " كتب في حوالي الفترة من 85 - 105م " (متى مات سنة70)، وهو يقارب ما ذهب إليه البرفسور هارنج حين قال " إن انجيل متى ألف بين 80 - 100م ".
ولو تساءلنا أين الإنجيل الذي كتبه متى كما جاء في شهادة بابياس في القرن الثاني الميلادي؟
وفي الإجابة عن السؤال نقول: فإن بابياس ذكر أن متى كتب وجمع أقوال المسيح، وما نراه في الإنجيل اليوم هو قصة كاملة عن المسيح وليس جمعاً لأقواله، كما أن عدم صحة نسبة هذا الإنجيل له لا تمنع من وجود إنجيل آخر قد كتبه، ولعل من المهم أن نذكر بأن في الأناجيل التي رفضتها الكنيسة إنجيلاً يسمى إنجيل متى، فلعل بابياس عناه بقوله.
وهكذا رأى المحققون أن ثمة أموراً تمنع القول بأن هذا الإنجيل هو كلمة الله ووحيه وهديه، فهو - وكما يقول الشيخ أبو زهرة - إنجيل " مجهول الكاتب، ومختلف في تاريخ كتابته، ولغة الكتابة، ومكانها، وتحديد من كتب له هذا الإنجيل، ثم شخصية المترجم وحاله من صلاح أو غيره وعلم بالدين، واللغتين التي ترجم عنها، والتي ترجم إليها، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي.
ثانياً: إنجيل مرقس
ملاحظات على إنجيل مرقس
لقد توقف المحققون ملياً مع هذا الإنجيل وكاتبه، وكانت لهم ملاحظات: -
أن مرقس ليس من تلاميذ المسيح، بل هو من تلاميذ بولس وبطرس. يقول المفسر نينهام مفسر لوقا: " لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة، وعلاقة خاصة بيسوع، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى ".
(يُتْبَعُ)
(/)
وثمة دليل قوي آخر هو شهادة المؤرخ بابياس (140م) حين قال: " اعتاد الشيخ يوحنا أن يقول: إذ أصبح مرقس ترجماناً لبطرس دون بكل تدقيق كل ما تذكره، ولم يكن مع هذا بنفس الترتيب المضبوط ما رواه من أقوال وأفعال يسوع المسيح، وذلك لأنه لم يسمع من السيد المسيح فضلاً عن أنه لم يرافقه، ولكن بالتبعية كما قلت، التحق ببطرس الذي أخذ يصوغ تعاليم يسوع المسيح لتوائم حاجة المستعمين، وليس بعمل رواية وثيقة الصلة بيسوع وعن يسوع لأحاديثه ".
كما يقول مفسر مرقس دنيس نينهام قوله " من غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في أعمال الرسل (12/ 12، 25) ... أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى (5/ 13) .. أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس ...
لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم، ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية، فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة ".
وأهم مسألة شغلت الباحثين بخصوص هذا الإنجيل خاتمته، فإن خاتمة هذا الإنجيل (16/ 9 - 20) غير موجودة في المخطوطات القديمة المهمة كمخطوطة الفاتيكان والمخطوطة السينائية.
ويقول وليم باركلي: إن النهاية المشهورة - علاوة على عدم وجودها في النسخ الأصلية القديمة - فإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الإنجيل، وقد اعتبرتها النسخة القياسية المراجعة فقرات غير موثوق فيها، ونقل رحمة الله الهندي أن القديس (جيروم) في القرن الخامس ذكر بأن الآباء الأوائل كانوا يشكون في هذه الخاتمة.
وعن الخاتمة الموجودة يقول الأب كسينجر " لابد أنه قد حدث حذف للآيات الأخيرة عند الاستقبال الرسمي (النشر للعامة) لكتاب مرقس في الجماعة التي ضمنته.
وبعد أن جرت بين الأيدي الكتابات المتشابهة لمتى ولوقا ويوحنا، تم توليف خاتمة محترمة لمرقس بالعناصر من هنا ومن هناك لدى المبشرين الآخرين .. وذلك يسمح بتكوين فكرة عن الحرية التي كانوا يعالجون بها الأناجيل ".ويعلق موريس بوكاي قائلاً " ياله من اعتراف صريح بوجود التغييرات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة ".
ثالثاً: إنجيل لوقا
ملاحظات على إنجيل لوقا
نلاحظ على إنجيل لوقا ملاحظات، أهمها:
1 - أن مقدمته تتحدث عن رسالة طابعها شخصي، وأنها تعتمد على اجتهاده لا على إلهام وحي، وكان قد لاحظ ذلك أيضاً عدد من محققي النصرانية، فقد أنكر إلهامية هذا الإنجيل عدد من النصارى منهم مستر كدل في كتابه " رسالة الإلهام " ومثله واتسن، ونسب هذا القول للقدماء من العلماء، وقال القديس أغسطينوس: " إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة".
2 - شك كثير من الباحثين في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل، بل إن هذا الشك كما ذكر جيروم يمتد إلى الآباء الأوائل للكنيسة، وكذلك فرقة مارسيوني فليس في نسختها هذين الإصحاحين.
ويؤكد المحققون بأن لوقا لم يكتب هذين الإصحاحين، لأنه يقول في أعمال الرسل " الكلام الأول أنشأته ياثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع " (أعمال 1/ 1) أي معجزاته بدليل تكملة النص " ما ابتدأ يسوع يعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه " (أعمال 1/ 2) والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح، لا عن أعماله. ونقل وارد كاثلك عن جيروم قوله: بأن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون أيضاً في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل.
وهكذا نرى للإنجيل أربعة من الكتاب تناوبوا في كتابة فقراته وإصحاحاته.
3 - إن الغموض يلف شخصيته، فهو غير معروف البلد ولا المهنة ولا الجهة التي كتب لها إنجيله تحديداً، ولا تاريخ الكتابة و .... المعروف فقط أنه من تلاميذ بولس، وأنه لم يلق المسيح، فكيف يصح الاحتجاج بمن هذا حاله وجعل كلامه مقدساً؟
رابعاً: إنجيل يوحنا
أدلة النصارى على نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتستدل الكنيسة لتصحيح نسبة هذا الإنجيل بأدلة ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس وهي: -
(يُتْبَعُ)
(/)
" (1) كان كاتب الإنجيل يهودياً فلسطينياً، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين، والأماكن المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود …ويظهر من الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية.
(2) كان الكاتب واحداً من تلاميذ المسيح، ويظهر هذا من استخدامه المتكلم الجمع .. وفي ذكر كثير من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح ومشاعر تلاميذه ... ويتضح من يوحنا (21/ 24) أن كاتب هذا الإنجيل كان واحداً من تلاميذ المسيح.
(3) كان كاتب الإنجيل هو التلميذ الذي كان المسيح يحبه .. وكان هذا التلميذ هو يوحنا نفسه ".
ويتحدث مؤلف الإنجيل عن سبب تأليفه له فيقول " أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون - إذا آمنتم - حياة باسمه " (يوحنا 20/ 31) ".
ويوضح محررو قاموس الكتاب المقدس فيقولون: " كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين ... ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح ".
وقد لقي هذا الإنجيل معارضة شديدة للإقرار بقانونيته، فاندفع د. بوست في قاموس الكتاب المقدس يدافع عنه ويقول: " وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي، ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح، غير أن الشهادة بصحته كافية.
فإن بطرس يشير إلى آية منه (بطرس (2) 1/ 14، يوحنا 21/ 18) وأغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني.
وبناءً على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً".
إنكار صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتوجهت جهود المحققين لدراسة نسبة الإنجيل ليوحنا، ومعرفة الكاتب الحقيقي له.فقد أنكر المحققون نسبة الإنجيل ليوحنا الحواري، واستندوا في ذلك إلى أمور منها:
1 - أن ثمة إنكار قديماً لصحة نسبته ليوحنا، وقد جاء هذا الإنكار على لسان عدد من الفرق النصرانية القديمة، منها فرقة ألوجين في القرن الثاني، ويقول صاحب كتاب (رب المجد): " وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود، وحجر عثرة في سبيلهم، ففي الأجيال الأولى رفض الهراطقة يوحنا ".
وتقول دائرة المعارف البريطانية: " هناك شهادة إيجابية في حق أولئك الذين ينتقدون إنجيل يوحنا، وهي أنه كانت هناك في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه تأليف يوحنا، وذلك في نحو 165م، وكانت تعزوه إلى سرنتهن (الملحد). ولا شك أن عزوها هذا كان خاطئاً.
لكن السؤال عن هذه الطبقة المسيحية البالغة في كثرة عددها إلى أن رآه سانت اييفانيوس جديرة بالحديث الطويل عنها في (374 - 377م) " أسماها القس " ألوغي " (أي معارضة الإنجيل ذي الكلمة).
لئن كانت أصلية إنجيل يوحنا فوق كل شبهة، فهل كانت مثل هذه الطبقة لتتخذ نحوه أمثال هذه النظريات في مثل هذا العصر، ومثل هذا البلد؟ لا وكلا ".
ومما يؤكد خطأ نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا أن جاستن مارتر في منتصف القرن الثاني تحدث عن يوحنا، ولم يذكر أن له إنجيلاً، واقتبس فيلمو - 165م - من إنجيل يوحنا، ولم ينسبه إليه.
وقد أُنكر نسبة الإنجيل أمام أرينيوس تلميذ بوليكارب الذي كان تلميذاً ليوحنا، فلم ينكر أرينيوس على المنكرين، ويبعد كل البعد أن يكون قد سمع من بوليكارب بوجود إنجيل ليوحنا، ثم لا يدافع عنه.
وقد استمر إنكار المحققين نسبة هذا الإنجيل عصوراً متلاحقة، فجاءت الشهادات تلو الشهادات تنكر نسبته ليوحنا. منها ما جاء في دائرة المعارف الفرنسية: " ينسب ليوحنا هذا الإنجيل وثلاثة أسفار أخرى من العهد الجديد، ولكن البحوث الحديثة في مسائل الأديان لا تسلم بصحة هذه النسبة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويقول القس الهندي بركة الله: " الحق أن العلماء باتوا لا يعترفون دونما بحث وتمحيص بالنظرية القائلة بأن مؤلف الإنجيل الرابع كان القديس يوحنا بن زبدى الرسول، ونرى النقاد بصورة عامة على خلاف هذه النظرية ".
وعند تفحص الإنجيل أيضاً تجد ما يمتنع معه نسبته الإنجيل للحواري يوحنا، فالإنجيل يظهر بأسلوب غنوصي يتحدث عن نظرية الفيض المعروفة عند فيلون الإسكندراني، ولا يمكن لصائد السمك يوحنا أن يكتبه خاصة أن يوحنا عامي كما وصفه سفر أعمال الرسل " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " (أعمال 4/ 13).
وتقول دائرة المعارف البريطانية: " أما إنجيل يوحنا، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما، وهما القديسان متى ويوحنا .... وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى ".
وأما ما جاء في خاتمة الإنجيل مما استدل به القائلون بأن يوحنا هو كاتب الإنجيل وهو قوله " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " (يوحنا 21/ 24). فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل ليوحنا، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب.
ويرى ويست أن هذه الفقرة كانت في الحاشية، وأضيفت فيما بعد للمتن، وربما تكون من كلمات شيوخ أفسس. ويؤيده بشب غور بدليل عدم وجودها في المخطوطة السينائية.
ويرى العلامة برنت هلمين استرتير في كتابه " الأناجيل الأربعة " أن الزيادات في متن يوحنا وآخره كان الغرض منها " حث الناس على الاعتراف في شأن المؤلف بتلك النظرية التي كان ينكرها بعض الناس في ذلك العصر".
ثم إن بعض المؤرخين ومنهم تشارلز الفريد، وروبرت إيزلز وغيرهما قالوا بأن يوحنا مات مشنوقاً سنة 44م على يد غريباس الأول، وعليه فليس هو مؤلف هذا الإنجيل، إذ أن هذا الإنجيل قد كتب في نهاية القرن الأول أو أوائل الثاني.
من كتب إنجيل يوحنا؟
وإذا لم يكن يوحنا هو كاتب الإنجيل، فمن هو الكاتب الحقيقي؟
يجيب القس فهيم عزيز: " هذا السؤال صعب، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة: لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل ".
وحاول البعض الإجابة عن السؤال من خلال تحديد صفات كاتب الإنجيل دون ذكر اسم معين، يقول جرانت: " كان نصرانياً، وبجانب ذلك كان هيلينياً، ومن المحتمل أن لا يكون يهودياً، ولكنه شرقي أو إغريقي، ونلمس هذا من عدم وجود دموع في عينيه علامة على الحزن عندما كتب عن هدم مدينة لليهود ".
وجاء في مدخل الإنجيل أن بعض النقاد " يترك اسم المؤلف، ويصفونه بأنه مسيحي كتب باليونانية في أواخر القرن الأول في كنائس آسيا ".
وقال مفسر إنجيل يوحنا جون مارش: " ومن المحتمل أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس خلافاً لما هو شائع من أنه يوحنا بن زبدى .. وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة، فقام حينئذ بتسجيل جديد لقصة يسوع ".
وقال المحقق رطشنبدر: " إن هذا الإنجيل كله، وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه، بل صنفها أحد في ابتداء القرن الثاني، ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس ".
ويوافقه استادلن ويرى أن الكاتب " طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية ".
وقال الخوري في " تحفة الجيل " بأن كاتب الإنجيل هو تلميذ يوحنا المسمى بروكلوس.
وقال بعض المحققين ومنهم جامس ماك كينون، واستيريتر في كتابه " الأناجيل الأربعة " بأن يوحنا المقصود هو تلميذ آخر من تلاميذ المسيح وهو (يوحنا الأرشد)، وأن أرينوس الذي نسب إنجيل يوحنا لابن زبدى قد اختلط عليه أمر التلميذين.
وذكر جورج إيلتون في كتابه " شهادة إنجيل يوحنا " أن كاتب هذا الإنجيل أحد ثلاثة: تلميذ ليوحنا الرسول أو يوحنا الشيخ (وليس الرسول) أو معلم كبير في أفسس مجهول الهوية.
(يُتْبَعُ)
(/)
لكن ذلك لم يفت في عضد إيلتون الذي ما زال يعتبر إنجيل يوحنا مقدساً، لأنه " مهما كانت النظريات حول كاتب هذا الإنجيل، فإن ما يتضح لنا جلياً بأن كاتبه كان لديه فكرة الرسول، فإذا كتبه أحد تلاميذه فإنه بلا مراء كان مشبعاً بروحه .. ".
كما ذهب بعض المحققين إلى وجود أكثر من كاتب للإنجيل، منهم كولمان حين قال: " إن كل شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن النص المنشور حالياً ينتمي إلى أكثر من مؤلف واحد، فيحتمل أن الإنجيل بشكله الذي نملكه اليوم قد نشر بواسطة تلاميذ المؤلف، وأنهم قد أضافوا إليه "، ومثله يقول المدخل لإنجيل يوحنا.
ومن هذا كله ثبت أن إنجيل يوحنا لم يكتبه يوحنا الحواري، ولا يعرف كاتبه الحقيقي، ولا يصح بحال أن ننسب العصمة والقداسة لكاتب مجهول لا نعرف من يكون.
وعند غض الطرف عن مجهولية الكاتب واستحالة القول بعصمته عندئذ، فإن ثمة مشكلات تثار في وجه هذا الإنجيل نبه المحققون إليها منها: اختلاف هذا الإنجيل عن باقي الأناجيل الثلاثة رغم أن موضوع الأناجيل الأربعة هو تاريخ المسيح.
إذ تتشابه قصة المسيح في الأناجيل الثلاثة، بينما يظهر الإنجيل الرابع غريباً بينها، فمثلاً: هو الإنجيل الوحيد الذي تظهر فيه نصوص تأليه المسيح، بل هو أنشىء لإثبات ذلك كما يقول المفسر يوسف الخوري: " إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها، والسبب: أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح ".
ولما لم يكن في الأناجيل الثلاثة ما يدفع أقوال هذه الطوائف، أنشأ يوحنا إنجيله، وهذا المعنى يؤكده جرجس زوين، فيقول عن أساقفة آسيا أنهم اجتمعوا " والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح، وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون ".
ويقول الأب روغيه في كتابه المدخل إلى الإنجيل:" إنه عالم آخر، فهو يختلف عن بقية الأناجيل في اختيار الموضوعات والخطب والأسلوب والجغرافيا والتاريخ، بل والرؤيا اللاهوتية ".
وهذه المغايرة أوصلته إلى تقديم صورة للمسيح مغايرة تماماً عما في الأناجيل الثلاثة والتي يسميها البعض: " المتشابهة " أو " الإزائية "، لذا تقول دائرة المعارف الأمريكية: " من الصعب الجمع بين هذا الإنجيل والأناجيل الثلاثة، بمعنى أن لو قدرنا أنها صحيحة لتحتم أن يكون هذا الإنجيل كاذباً ".
يقول السير آرثر فندلاي في كتابه " الكون المنشور " معبرا عن هذا الاختلاف: " إن إنجيل يوحنا ليس له قيمة تستحق الذكر في سرد الحوادث الأكيدة، ويظهر أن محتوياته لعب فيها خيال الكاتب دوراً بعيداً ".
ومن المشكلات التي تواجه هذا الإنجيل أيضاً أن أيدي المحرفين نالت هذا الإنجيل، فأضافت فيه رواية المرأة الزانية (انظر يوحنا 8/ 1 - 11) والتي يقول عنها مدخل هذا الإنجيل: " هناك إجماع على أنها من مرجع مجهول في زمن لاحق". وقد حذفت هذه القصة من النسخة القياسية المراجعة (( r. S. V) لاعتبارها عبارة دخيلة على الإنجيل.
يقول الفاضل الكريم أد. منقذ بن محمود السقار في كتابه الماتع (هل العهد الجديد كلمة الله):
مصادر الأناجيل المسيحية:
عندما يتحدث النصارى عن إلهامية الأناجيل والرسائل يفهم منه أن ما كتبه الإنجيليون وحي الله الذي صاغه بعض البشر بعباراتهم وأساليبهم بعد أن ألهمهم روح القدس ما كانوا يكتبونه.
ولما ثبت لدينا براءة روح القدس من هذه الأناجيل وجهالة أصحابها، وبطلان دعوى الإلهام المزعومة تساءل المحققون عن مصدر هذه الأناجيل وعن علاقة مواد بعضها ببعض، وهل من سبيل لمعرفة المصادر التي لجأ إليها الكاتبون الذين نسميهم متى ويوحنا ومرقس ولوقا، مجازاً ومجاراة للعرف السائد فحسب؟
منذ القرن الخامس الميلادي حاول النصارى من خلال النظر في التشابه فيما بين الأناجيل معرفة مصادر هذه الأناجيل، وسجلت أول محاولة على يد القديس أوغسطين الذي قال بأن مرقس اقتبس من إنجيل متى ولخصه، وأما لوقا فاستعمل في كتابته الإنجيلين.
وبقي رأي أوغسطين سائداً حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث أظهرت الدراسات الحديثة نظريات أخرى مخالفة لنظرية أوغسطين وأكثر دقة منها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد لاحظ المحققون وجود تشابه كبير بين الأناجيل الثلاثة، ورأوا أن هؤلاء الإنجيليين نقل بعضهم من بعض، وقبل أن نذكر أهم هذه النظريات، لنقف على مدى التقارب بين الأناجيل الثلاثة التي يسميها البعض الإزائية أو المشتركة (متى ومرقس ولوقا) نتأمل الجدول التالي، وأما إنجيل يوحنا فهو إنجيل مختلف تماماً عن هذه الأناجيل الثلاثة.
متى مرقس لوقا
عدد جمل كل إنجيل 1068 661 1160
جمل مشتركة بين الأناجيل الثلاثة 330 330 330
جمل مشتركة بين متى ومرقس 178 178 -
جمل مشتركة بين مرقس ولوقا - 100 100
جمل مشتركة بين متى ولوقا 230 - 230
جمل مستقلة لكل منهم 330 53 500
وأول نظريات المصادر قدمها هوتزمان 1860م، وأفادت هذه النظرية أن متى ولوقا تأثرا بمرقس خلافاً للمشهور، كما تأثر متى ولوقا أيضاً بوثيقة مشتركة أخرى غير معروفة في العصور الحديثة، كما كان لكل من متى ولوقا مصدر خاص نقل عنه كل منهما ما انفرد به.
وقول هوتزمان بأن مرقس أصل لمتى ولوقا، تقول عنه دائرة المعارف البريطانية: " يكاد يكون مسلماً به ".
وأما إنجيل مرقس فالسائد عنه ما يقوله ابن البطريق: " كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عن مرقس في مدينة رومية، ونسبه إلى مرقس "، ولا يخفى غرابة هذا القول إذ كيف ينقل بطرس الحواري عن مرقس الذي لا دليل على لقياه المسيح؟!
وأما القول بأن مرقس أخذ عن بطرس إنجيله بعد أن رافقه في أسفاره فهو قول ممكن، لو ثبت نسبة الإنجيل إليه وكان قد رافق بطرس الحواري حقاً كما ذكر المؤرخ الأسقف بابياس ت 130م حين قال: " إن مرقس كان ترجماناً لبطرس، قد كتب بالقدر الكافي من الدقة التي سمحت بها ذاكرته ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله دون مراعاة لنظام، لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع، ولا كان تابعاً شخصياً له، لكنه في مرحلة متأخرة - كما قلت أنا من قبل - قد تبع بطرس ".
لكن الدراسات الأحدث والأعمق قام بها الأبوان بينوا وبومارا الأستاذان بمعهد الكتاب المقدس بالقدس 1972 - 1973م تذكر أن النص الإنجيلي مر بمراحل وتطورات، يقول الأبوان: " إن بعض قراء هذا الكتاب سيندهشون أو سينزعجون عندما يعلمون أن كلمة المسيح تلك، أو أن ذلك الرمز أو ذلك الخبر عن مصيره، لم تكن ملفوظة كما نقرأها نحن، بل إنها قد نقحت، ثم كيفت من الذين نقلوها إلينا، أما بالنسبة إلى الذين لم يألفوا هذا النوع من البحث العلمي فيمكن أن يكون هذا مصدراً للدهشة، بل للفضيحة ".
ويذكر الأبوان أن الأناجيل مرت في تدوينها بمرحلتين،، حيث وجدت أربع مصادر نقل عنها الإنجيليون بصورة متشابكة، فتكونت كتب وسيطة تمثل الكتابات الأولية للإنجيليين، وفي المرحلة الثانية ظهرت الكتابات النهائية للأناجيل الأربعة بعد أن اعتمد كل منهم وبصورة متشابكة أيضاً على كتابات بعض في المرحلة الأولى أو الأولية.
والمصادر الأولية كما يرى بينوا وبومارا هي:
- الوثيقة (أ) ونبعت من أوساط يهودية مسيحية، وألهمت متى ومرقس.
- الوثيقة (ب) هي المادة التفسيرية للوثيقة (أ)، واستخدمتها الكنائس المسيحية ذات الأصول الوثنية، وألهمت جميع المبشرين ما عدا متى.
- الوثيقة (ج) وألهمت مرقس ولوقا ويوحنا.
- الوثيقة (ق) تكون معظم المصادر الشائعة بين متى ولوقا.
ولم تؤد أية وثيقة من هذه الوثائق الأساسية إلى تحرير النصوص النهائية التي في حوزتنا، فبينها وبين التحرير النهائي توجد تآليف وسيطة خاصة بكل إنجيل ".
وهذا الذي نقلناه من حديث النصارى عن المصادر - ورغم الخلاف فيها واحتمالية أن تظهر نظريات أخرى - فإن مجرد البحث في موضوع هذه المصادر ينقض الادعاء القائل بإلهامية الأناجيل وصلتها بالروح القدس، أو حتى التلاميذ.
وأما تلك الوثائق المجهولة التي نقل عنها كتبة الأناجيل فهي حلقة أخرى من سلسلة المجاهيل التي تكتنف الأناجيل وكتابها وسني تدوينها و ... .
إنجيل المسيح
وإذا كانت هذه الأناجيل والرسائل من صنع البشر وتأليفهم، وإذا كان أصحابها لم يدعوا لأنفسهم أنهم يسجلون كلمة الله، فكيف أضحت هذه الكتابات مقدسة وإلهية؟ وأين الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، والذي يومن به المسلمون؟
الإنجيل الصحيح: إنجيل المسيح
(يُتْبَعُ)
(/)
تساءل المحققون طويلاً عن إنجيل المسيح الذي أنزله الله على عيسى، ذلكم الإنجيل الذي يؤمن به المسلمون والذي تذكره الأناجيل كثيراً.
لكن الإجابة النصرانية هي صمت مطبق وتجاهل لوجود الإنجيل، فنقطة البدء عندهم للإنجيل أو العهد الجديد تبدأ من الحواريين وهم يسطرون الرسائل والأناجيل.
لكن هذه الرسائل التي ألفت في النصف الثاني من القرن الأول تتحدث في نصوص كثيرة عن إنجيل المسيح، ولا تذكر شيئاً عن الأناجيل التي لم يكن مرقس - أول الإنجيليين - قد خط شيئاً منها، إذ أن بولس – وله أربعة عشر رسالة في العهد الجديد - قتل سنة 62 بينما ألف مرقس أول الأناجيل عام 65م، ثم تتابعت العشرات من الأناجيل بعد ذلك وهي تشير أيضاً إلى إنجيل المسيح أو إنجيل الله.
نصوص تتحدث عن إنجيل المسيح
تحدث بولس ثم الإنجيليون عن إنجيل المسيح في نصوص كثيرة منها: قول بولس: " إني أعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر .. يوجد قوم يريدون أن يحولوا إنجيل المسيح .. " (غلاطية 1/ 6 - 8)، فهو يتحدث عن إنجيل حقيقي يتركه الناس إلى إنجيل آخر مزور.
ومثله قول بولس " بل نتحمل كل شيء لئلا نجعل عائقاً لإنجيل المسيح .. أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون " (كورنثوس (1) 9/ 12 - 14).
ويقول متوعداً: " الذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع، الذين سيعاقبون بهلاك أبدي " (تسالونيكي (2) 1/ 8 - 9).
وفي الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل حديث عن إنجيل حقيقي، ففي أعمال الرسل أن بطرس قام وقال: " أيها الرجال الإخوة: أنتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة اختار الله بيننا أنه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون " (أعمال 15/ 7).
وعندما سكبت المرأة الطيب عند قدمي المسيح قال: " الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها ". (متى 26/ 13)، وهو بالطبع لا يقصد إنجيل مرقس الذي ألفه مرقس بعد القصة بسنوات طويلة.
ويقول مرقس: " من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها ". (مرقس 8/ 35).
والملاحظ أن هذه النصوص تتحدث عن إنجيل واحد، وليس الأناجيل الأربعة أو السبعين التي رفضتها الكنيسة، وتسمي النصوص هذا الإنجيل، إنجيل الله، وإنجيل المسيح.
وقد تهرب عموم النصارى من الإقرار بوجود إنجيل حقيقي هو إنجيل المسيح، فقالوا: لم ينزل على المسيح شيء، بل الإنجيل هي أقواله الشخصية، وقد سطرها الإنجيليون، وهذا بالطبع متسق مع قولهم بألوهية المسيح، إذ لا يليق بالإله أن يؤتى كتاباً فهذا حال الأنبياء.
لكن يرد هذه الدعوى ذكر النصوص التي تحدثت عن وحي الله إلى المسيح منها قوله: " أنا أتكلم بما رأيت عند أبي " (يوحنا 8/ 38).
وقوله: " أتكلم بهذا كما علمني أبي " (يوحنا 8/ 28).
ويثبت في موضع آخر أنه يوحى إليه كسائر الأنبياء، فيقول: " الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم " (يوحنا 14/ 24).
الإقرار بوجود إنجيل المسيح وفقده
كما نقل رحمة الله الهندي في كتابه الماتع إظهار الحق عن بعض علماء النصرانية إقرارهم بوجود إنجيل يسوع قبل ضياعه واختفائه، ومنهم مارش وليكرك وكوب وأكهارن وغيرهم، يقول أكهارن: " إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال رسالة المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال أنها هي الإنجيل الأصلي، والغالب أن هذا الإنجيل كان للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم، ولم يروا أحواله بأعينهم، وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب ".
ويصف الدكتور هارناك هذا الإنجيل فيقول: " والإنجيل الذي قام بتبليغه المسيح إنما كان يتعلق بالأب وحده، ولا يتعلق بالابن، وليس ذلك أمراً متضاداً، كما أنه ليس عقلانية، وإنما هو عرض بسيط ساذج للحقائق التي بينها مؤلفو الأناجيل ".
يا مسلمون أحضروا إنجيل المسيح!!
ولنا أن نتساءل إن كان هذا الإنجيل مما أمرت الكنيسة بإحراقه ضمن الأناجيل الكثيرة التي حرمتها وأمرت بحرقها في مجمع نيقية.
(يُتْبَعُ)
(/)
فكثيراً ما نسمع مطالبة النصارى للمسلمين أن يظهروا إنجيل المسيح الذي يدعونه، فيجيب العلامة منصور حسين في كتابه الفريد "دعوة الحق بين المسيحية والإسلام": " إنه منذ فجر المسيحية، وبعد رفع المسيح، وقبل الإسلام كان هناك العديد من الأناجيل، قبل المسيحيون أربعاً منها فقط .. والباقي - كما وجدنا - طوردت وأحرقت، والذين طاردوها هم المسيحيون أنفسهم وأحرقوها، وليس المسلمون، وليدلنا سيادته (أي القمص باسيليوس، وهو أحد المرددين لهذه العبارة) عليها، وحينئذ أدله من بينها على الإنجيل الصحيح، أما أن يحرقها المسيحيون، ثم يطالبون المسلمين ... فهذا غير معقول ".
إذاً قد اختفى إنجيل المسيح، وعهدة إحضاره باقية في ذمة النصارى. وما زال الكلاك للدكتور الفاضل: منقذ السقار, إذ يقول:
تناقضات الأناجيل في رواياتها بعض الأحداث
نسب المسيح
منها تناقض متى ولوقا في نسب يوسف النجار، كما تناقض لوقا ومتى مع ما جاء في سفر الأيام الأول وهو يتحدث عن بعض ملوك إسرائيل الذين جعلهم متى من أجداد المسيح. يقول متى: " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق. وإسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وإخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصورن. وحصرون ولد أرام، وأرام ولد عمينا داب. وعمينا داب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى، ويس ولد داود الملك.
وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا، وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيا. وأبيا ولد آسا. وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزيا. وعزيا ولد يوثام. ويوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيا. وحزقيا ولد منسي. ومنسي ولد آمون. وآمون ولد يوشيا. ويوشيا ولد يكنيا وإخونه عند سبي بابل.
وبعد سبي بابل يكنيا ولد شالتئيل. وشالتئيل ولد زربابل. وزربابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازور. وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أخيم. وأخيم ولد أليود. وأليود ولد أليعازر، وأليعازر ولد متان. ومتان ولد يعقوب. ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح.
فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " (متى 1/ 1 - 17).
لكن لوقا يورد نسباً آخر للمسيح يختلف تمام الاختلاف عما جاء في متى يقول لوقا:" ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف بن هالي، بن منثات بن لاوي بن ملكي بن ينا بن يوسف بن متاثيا ابن عاموص بن ناحون بن حسلي بن نجاي، بن ماث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا، بن يوحنا بن ريسا بن زربابل بن شالتبئيل بن نيري، بن ملكي بن أدى بن قصم بن ألمودام بن عير، بن يوسي بن أليعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي. بن شمعون بن يوذا بن يوسف بن يونان بن ألياقيم بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود.بن يسى بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميناداب بن أرام بن حصورن بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهمي بن تارح بن ناحور، بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن فينان بن أرفكشاد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم ابن الله " (لوقا 3/ 23 - 38).
توقف المحققون ملياً عند التناقض في نسب المسيح، وقد استوقفتهم ملاحظات منها:
- أن متى ولوقا اتفقا فيما بين إبراهيم وداود، ثم اختلفا بعد ذلك اختلافاً كبيراً، فقد جعل متى المسيح من ذرية ملوك بني إسرائيل سليمان ثم رحبعام ثم أبيا ثم آسا ثم يهوشافاط .... ، بينما يجعله لوقا من نسل ناثان بن داود وليس في أبنائه من ملك على بني اسرائيل.
- ولا يعقل أن يكون المسيح من ذرية أخوين أي سليمان وناثان ابنا داود عليه السلام.
- وأيضاً بلغ الاختلاف بين القوائم الثلاث مدى يستحيل الجمع فيه على صورة من الصور، فالاختلاف في أعداد الأجيال كما الأسماء، وثمة خلل في الأنساب وإسقاط لعدد من الآباء.
(يُتْبَعُ)
(/)
- وقد حرص متى على تقسيم سلسلة الأنساب التي ذكرها إلى ثلاثة مجموعات في كل منها أربعة عشر أباً فيقول: " فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " (متى 1/ 17).
لكن متى لم يوف بالأرقام التي ذكرها إذ لم يذكر بين المسيح والسبي سوى إثني عشر أباً. وقد تصرف متى في المجموعة الثانية فأسقط عدداً من الأسماء ليحافظ على الرقم 14 فأسقط ما بين يورام وعزيا ثلاثة آباء، هم أخزيا بن يورام وابنه يواشى وابنه أمصيا والد عزيا.
- وأما ما جاء في مقدمة لوقا " وهو على ما كان يظن " فقد يظن فيه النصارى مهرباً من الاعتراف بهذا التناقض لكن هذه العبارة قد وضعت في النسخ الإنجليزية بين قوسين () للدلالة على عدم وجودها في المخطوطات القديمة، أي أنها دخيلة وتفسيرية.
لكن العبارة في سائر اللغات العالمية موجودة من غير أقواس، أي أصبحت جزءاً من المتن (الوحي).
ولعل صورة التناقض والتلاعب تتضح إذا تأملنا في الجدول الذي يقارن بين سلسلتي لوقا ومتى، ونضع إلى جوارهما ما جاء في سفر (الأيام الأول 3/ 10 - 19)، لنقف على الأسماء التي أسقطها متى، لتنتظم له سلسلته التي أرادها، فقد غير في نسب المسيح، لتتناسب وحساباته الخاصة:
م إنجيل متى (1/ 1 - 17) أخبار الأيام (3/ 10 - 19) إنجيل لوقا (3/ 23 - 38) م إنجيل متى (1/ 1 - 17) أخبار الأيام (3/ 10 - 19) إنجيل لوقا (3/ 23 - 38)
1 داود داود داود 22 زربابل زربابل شالتئيل
2 سليمان ناثان ناثان 23 أبيهود حننيا زربابل
3 رحبعام رحبعام متاثا 24 الياقيم ريسا
4 أبيا أبيا مينان 25 عازور يوحنا
5 أسيا اسا مليا 26 صادوق يهوذا
6 يهوشافاط يهوشافاط الياقيم 27 أخيم يوسف
7 يورام يورام يونان 28 أليود شمعى
8 عزيا أخزيا يوسف 29 اليعازر متائيا
9 ... يواش يهوذا 30 متان مآث
10 ... أمصيا شمعون 31 يعقوب نجاى
11 ... عزريا لاوى 32 يوسف حسلى
12 يوئام يوثام متثات 33 ناحوم
13 أحاز أحاز بوريم 34 عاموص
14 حزقيال حزقيال اليعازر 35 مُتاثيا
15 منسى منس يوسى 36 يوسف
16 آمون آمون عير 37 ينًا
17 يوشيا بوشيا المودام 38 ملكى
18 ... يهوياقيم قصم 39 لاوى
19 يكنيا يكنيا أدى 40 متثات
20 شالتئيل شالتئيل ملكى 41 هالى
21 ... فدايا نيرى 42 يوسف
والسؤال كيف يجمع علماء الكتاب المقدس بين تناقضات أنساب المسيح؟
قال بعضهم: " لا يراد من هذا شجرة نسب كامل، … أسماء قد سقطت من بعض الإنجيليين، وهذا للتوضيح الموصل إلى الرغبة بإثبات سلالة مؤسسة على الصحة التاريخية في خطوطها العريضة أو عناصرها الأساسية ".
ولكن بوكاي لا يرى هذا التبرير مقبولاً، لأن النصوص لا تسمح بمثل هذا الافتراض، إذ أن نص التوراة الذي اعتمد عليه الإنجيليون يقول: فلان في عمر كذا أنجب كذا، ثم عاش كذا من السنين، وهكذا فليس ثمة انقطاع.
ويقول صاحب كتاب " شمس البر " معرفتنا بطريقة تأليف جداول النسب في تلك الأيام قاصرة جداً "، ويعلق بوكاي " لاشك أن نسب المسيح في الأناجيل قد دفع المعلقين المسيحيين إلى بهلوانيات جدلية متميزة صارخة تكافئ الوهم والهوى عند كل من لوقا ومتى ".
لكن النتيجة الخطيرة والمهمة المترتبة على وجود هذا التناقض هي: أن إنجيل متى لم يكن معروفاً للوقا مع أنه قد سبقه بنحو عشرين سنة، ولو كان لوقا يعرفه، أو يعتبره إنجيلاً مقدساً لراجعه ولما خالفه، فدل ذلك على عدم وجود إنجيل متى يومذاك، أو إسقاط الاعتبار له.
ثم ماذا عن يوحنا ومرقس لم أهملا نسب المسيح، فلم يذكراه؟ هل يرجع ذلك لشكهما في صحة متى ولوقا أم خوفاً من سخرية اليهود أم ..... ؟ ثم يتعامل مرقس ويوحنا بوضوح تام مع المسيح على أنه ابن ليوسف النجار.
ملاحظات هامة حول نسب المسيح
ومن التأمل في سلسلتي نسب المسيح تبين للمحققين بعض الملاحظات.
1) ما علاقة يوسف النجار بالمسيح
عند التأمل في سلسلة نسب المسيح نجد أن النصارى جعلوا نسب يوسف النجار نسباً للمسيح الذي لا أب له، وليس ثمة علاقة بينه وبين يوسف النجار، ولو كان المذكور نسب مريم لكان له وجه، أما يوسف النجار فلا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم إن نسبة المسيح ليوسف النجار تؤكد ماكان اليهود يشيعه عن مريم وابنها، إذ هي نسبة غير حقيقية، ثم إن اشتهار المسيح بأنه ابن يوسف النجار يجرد المسيح من إحدى أعظم المعجزات التي اختص بها ?، فلم يصر عليها النصارى؟
وإن أصر النصارى على قدم هذه النسبة التي أوردتها الأناجيل فإنا حينذاك نراها دالة على عبوديته لله، وأن معاصريه كانوا يرونه بشراً عادياً جاء من سلالة بشرية، وكانوا يسمونه ابن النجار، وهذا يدل على أن دعوى الألوهية التي أحدثها بولس لم تكن قد سرت حينذاك وإلا لما احتيج إلى نسب للمسيح الإله.
2) جدات المسيح المذكرات في نسب متى
ثم نلحظ أن متى ذكر في نسب المسيح أربع جدات للمسيح هن ثامار، وزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي، وراحاب، وراعوث. فما السر في ذكر هؤلاء الجدات دون سائرهن؟ هل كن نساء فوق العادة حتى خلدهن الإنجيل؟
إن لكل واحدة من الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد تنفيذاً لما جاء في الناموس عن زواج الرجل من أرملة أخيه، وهكذا ولدت ثامار فارص من والد أزواجها يهوذا (انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/ 2 - 30).
وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة زوراً داود بأنه فجر بها، وهي زوجة لأحد قادته فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته، وكان حملها بالنبي سليمان أحد أجداد المسيح. (انظر القصة في صموئيل (2) 11/ 1 - 4).
وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب " (يشوع 2/ 1) وذكر قصة زناها في سفره.
وأما راعوث فهي راعوث المؤابية زوجة بوعز وأم عوبيد، والتوراة تقول: " لايدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر " (التثنية 23/ 3).
ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها.
3) أجداد المسيح
أما أجداد المسيح الذكور الذين ذكر متى منهم اثنان وثلاثون أباً (إلى دواد) وذكر لوقا اثنان وأربعون أباً، فهؤلاء أيضاً لا يتشرف المسيح بأن يكونوا من آبائه لو كان ما تذكره التوارة صحيحاً، وحاشا أن يكون ذلك صحيحاً فإن أربعة من هؤلاء الآباء تذكر التوراة أنهم فعلوا الزنا، وبعضهم كان الزنا المنسوب إليه زنا محارم، وهؤلاء الأربعة هم يهوذا، وداود، وسليمان، ورحبعام.
وأما يهوياقيم أحد أجداد المسيح كما في سفر الأيام الأول " بنو يوشيا: البكر يوحانان، الثاني يهوياقيم، الثالث صدقيا، الرابع شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/ 14 - 15)، فيهوياقيم اسم أسقطه متى من نسبه للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا، ولا يخفى على المحققين سبب إسقاطه لاسمه، فحسب سفر الأيام فقد ملك يهوذا، فأفسد فقال الله فيه: " لا كون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً، وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم " (إرميا 36/ 30 - 31)
ثم بعد ذلك يزعم النصارى أن المسيح سيرث كرسي داود يقول لوقا في أعمال الرسل: " من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد ليجلس على كرسيه " (أعمال 2/ 30) ويقول: " الرب الإله يعطيه كرسي داود أبيه " (لوقا 1/ 32) .... فكيف يتفق هذا مع نص إرميا؟ ولم يصر النصارى على ذكر هؤلاء الآباء والأمهات للمسيح؟
يقول مفسر الإنجيل وعلماء اللاهوت " هنا تكمن الروعة برمتها، فإن الله أحب الخطاة إلى درجة أنه لن يستنكف أن يجعل أسلاف ابنه مثل هؤلاء ".
أسماء التلاميذ الإثني عشر
ومن التناقضات بين الأناجيل أيضاً اختلاف الأناجيل في أسماء التلاميذ الإثني عشر، إذ يقدم العهد الجديد أربع قوائم للتلاميذ الاثني عشر تختلف كل واحدة عن الأخرى، وبيانه:
أن أسماء التلاميذ ذكرها متى في إنجيله (10/ 1 - 4)، ومرقس أيضاً (انظر 3/ 16)، وذكرها لوقا في إنجيله في (6/ 14) ثم في أعمال (1/ 13).
وتتشابه القوائم الأربعة في تسعة أسماء وهي سمعان بطرس وأخوه اندرواس ويعقوب بن زبدى وأخوه يوحنا وفيلبس وبرثو لماوس وتوما ومتى ويعقوب بن حلفي.
ويتفق متى ومرقس ولوقا على ذكر يهوذا الأسخريوطي، فيما أهمل في أعمال الرسل.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما الاسمين الباقين فتختلف القوائم فيهما اختلافاً بيناً، فيذكر متى ومرقس اسم سمعان القانوي، فيما يذكر لوقا في الإنجيل والأعمال سمعان الغيور.
ويذكر متى ومرقس اسم تداوس فيكملان به الاثني عشر، فيما يذكر لوقا في إنجيله وأعمال الرسل يهوذا بن حلفي.
وإذا كانت الأناجيل تختلف بأمر بمثل هذه الأهمية والوضوح، فكيف لنا أن نثق بما وراء ذلك من أخبار ووقائع وتفصيلات تعرضها عن حياة المسيح وغيره.
من الذي طلب الملكوت الأم أم ابناها؟
ومن تناقضات الأناجيل أيضاً ما تناقض فيه متى مع مرقس، فقد ذكر متى أنه " تقدمت إليه أم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئاً وقالت له: قل: أن يجلس ابناي هذان، واحد عن يمينك، والآخر عن اليسار في ملكوتك، فأجابها يسوع: لستما تعلمان ما تطلبان ... " (متى 20/ 20 - 23).
وفي مرقس تذكر القصة نفسها وبنفس حيثياتها، لكن الذي طلب الملكوت هما الابنان وليس أمهما كما ذكر مرقس: " وتقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين: يا معلّم نريد أن تفعل لنا كل ما طلبنا. .. فقالا له: أعطنا أن نجلس واحد عن يمينك، والآخر عن يسارك في مجدك. فقال لهما يسوع: لستما تعلمان ما تطلبان .... " (مرقس 10/ 35 - 38).
هل أوصى المسيح تلاميذه بأخذ العصا والأحذية أم أوصاهم بتركها؟
ومن التناقضات أن مرقس يذكر وصية المسيح لتلاميذه بعد أن أعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة فقال: وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط، لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المنطقة، بل يكونوا مشدودين بنعال، ولا يلبسوا ثوبين " (مرقس 6/ 8 - 9).
لكن الوصية في متى تتفق مع مرقس في أمور وتختلف في أخرى فقد جاء فيها: " لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً لطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا " (متى 10/ 9 - 10). فقد تناقضا في وصية المسيح بخصوص العصا والأحذية.
هل حضر القائد إلى المسيح؟
ويذكر متى أن المسيح عندما دخل كفر ناحوم " جاء إليه قائد مائة يطلب إليه ويقول: يا سيدي، غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً " (متى 8/ 5 - 7).
ويروي لوقا القصة وذكر بأن القائد لم يأت للمسيح بل " فلما سمع عن يسوع (أي القائد) أرسل إليه شيوخ اليهود يسأله أن يأتي ويشفي عبده، فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد .. " (لوقا 7/ 3 - 4) فهل حضر القائد أم لم يحضر.
أم المجنونة، كنعانية أم فينيقية؟
وجاءت المرأة تشكو إلى المسيح مرض ابنتها بالجنون، وهذه المرأة عند متى " كنعانية " (متى 15/ 22).
غير أنها عند مرقس " فينيقية سورية " (مرقس 7/ 26) فأيهما الصحيح؟
متى يبست التينة؟
وتتحدث الأناجيل عن إتيان المسيح شجرة تين، فلما وجدها غير مثمرة دعا عليها قائلاً: " لاتخرج منك ثمرة إلى الأبد، فيبست تلك الشجرة للوقت، فنظر التلاميذ وتعجبوا " (متى 21/ 19 – 20)، إذاً كان يباسها في الحال.
وهذا ما يناقضه مرقس إذ ذكر دعاء المسيح على الشجرة ثم " لما صار المساء خرج إلى خارج المدينة، وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول فتذكر بطرس، وقال له: يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست " (مرقس 11/ 19 – 20) ومعنى هذا أنها لم تيبس في الحال، كما لم يكتشف التلاميذ يباسها إلا في الغد.
وننبه إلى أنه من غير المعقول أن يدعي المسيح على الشجرة التي قصدها في غير وقت إثمارها "لأنه لم يكن وقت تين " (مرقس 11/ 13) فذلك يلحق الضرر بأصحابها وهو من التعدي والظلم.
هل يوحنا المعمدان هو إيلياء؟
ويذكر يوحنا أن الكهنة واللاويين أرسلوا إلى يوحنا المعمدان ليسألوه: من أنت؟ فسألوه وقالوا: " أأنت إيليا؟ فقال: لست أنا " (يوحنا 1/ 20 - 22).
لكن متى يذكر أن المسيح قال عنه بأنه إيليا " الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان. ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه .. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي. من له أذنان للسمع فليسمع" (متى 11/ 14).
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي موضع آخر قال المسيح، وهو يقصد يوحنا: " ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا " (مرقس 9/ 13). حينئذ فلزم من هذا التناقض تكذيب أحد النبيين. اهـ ما قاله الدكتور الفاضل منقذ بن محمود السقار.
الأدلة من الإنجيل على أن عيسى رسول الله, وليس هو الله، أو ابن الله
أ- في إنجيل متى فقرة 4:
(ثم صعد الروح بيسوع إلى البرية، ليجرّب من قبل إبليس، وبعدما صام أربعين نهاراً، وأربعين ليلة، جاع أخيراً، فتقدم إليه المجرب وقال له: "إن كنت ابن الله، فقل لهذه الحجارة أن تتحول إلى خبز! " فأجابه قائلاً: "قد كتب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله! " ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على حافة سطح الهيكل، وقال له: "إن كنت ابن الله، فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك، فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر! " فقال له يسوع: "وقد كتب أيضاً لا تجرب الرب إلهك! ".
ثم أخذه إبليس أيضاً إلى قمة جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم وعظمتها، وقال له: "أعطيك هذه كلها إن جثوت وسجدت لي! " فقال له يسوع: "اذهب يا شيطان! فقد كتب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد! ".
فتركه إبليس، وإذا بعض الملائكة جاءوا وأخذوا يخدمونه).
وفي هذا النص من الأدلة على عبودية المسيح لله ما يلي:
1 - أن روح القدس (وهو ملاك الرب الذي ينزل بالوحي من الله للأنبياء) أصعد عيسى إلى البرية ليمرنه ويجربه على عصيان إبليس والرد عليه، ويعرفه بأساليبه في الغواية ليحذرها، ويستحيل لو كان عيسى هو الله أو أنه الله كما تدعي النصارى أن يأخذه الملاك ليعلمه!! كيف يتقي شر الشيطان، فهل يحتاج خالق للسماوات والأرض إلى تعليم؟!
2 - صام عيسى أربعين يوماً وليلة وجاع .. فهل الرب يصوم ويجوع!! أم أن الرب الإله لا بد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه .. قال تعالى في القرآن في بيان بطلان كون عيسى وأمه إلهين: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} فمن يحتاج إلى الطعام لا يكون إلهاً ورباً وخالقاً، لأن الإله الرب لا بد وأن يكون غنياً عن كل ما سواه، ولا شك أن من يأكل من البشر ويشرب ويبول ويتغوط .. فهل يوصف الإله بذلك؟ أليس لمن يقول بألوهية المسيح وربوبيته من عقل يميزون بين الرب الإله الخالق المنزه عن كل نقص وبين الإنسان المحتاج الفقير العاجز؟؟
3 - تقدم الشيطان إليه ليجربه بقوله له: إن كنت ابن الله حقاً اقلب هذه الأحجار إلى خبز .. أي لتأكل منها بعدما جعت، ورد عيسى عليه بأنه (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله). ومعنى أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان أي أن الحياة الحقيقية ليست بما يحيي الجسد فقط، وإنما الحياة الحقيقية بما يحيي الروح فمن آمن بالله وعمل بكلماته فهو الحي حقيقة، وأما الكافر الذي يعيش لبطنه فقط فهو ميت في ظاهر حي كما قال تعالى في القرآن: {أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} أي لا يستوي هذا وهذا .. فمن كان ميتاً أي بالكفر فأحيينا أي بالإيمان وجعلنا له نوراً أي هداية وشريعة يعرف بها الحلال من الحرام والحق من الباطل، والهدى من الضلال، والشرك من التوحيد، والصلاح من الفساد، ليس يستوي هذا ومن هو ضال لا يهتدي يعيش للدنيا فقط ولا يميز بين شرك وتوحيد، وهدي وضلال، وخير وشر.
معنى ابن الله كما ورد في النص:
4 - ألفاظ ابن الله التي جاءت في الأناجيل والكتب المقدسة عند النصارى من المتشابه الذي يجب رده إلى المحكم فإن هذه اللفظة (ابن الله) استخدمت في عيسى، وفي أتباعه، وفي كل مؤمن بالله غير كافر به .. وقد ادعاها كل من اليهود والنصارى جميعاً كما قال تعالى في القرآن: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه}.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذه الكلمة تحتمل معنيين: بنوة الهداية، والإيمان، والتشريف، وهو ما يسمونه بالبنوة الروحية، ويقال في مقابلها: أبناء الشيطان، وأبناء الأفاعي كما جاء في الإنجيل في وصف اليهود: (يا أبناء الأفاعي)، والكل يعلم أنهم ليسوا أبناء الأفاعي من النسب، ولا الشيطان من الصلب، وإنما نسبوا إلى الأفاعي لمكرهم وخطرهم، وسمومهم، وإلى الشيطان لتلبيسهم، وكذبهم.
والنسبة إلى الله بالأبناء للهداية، والتوفيق، والعمل بشريعة الله، والسير على هداه، والإستضاءة بنوره المنزل على عباده المرسلين.
والمعنى الثاني نبوة النسب، والإبن الذي هو قطعة من أبيه، وبضعة منه.
ولا شك عند كل ذي لب، وإيمان، وبصيرة، وتمييز بين الخالق، والمخلوق أن المعنى الثاني منتف عن الله سبحانه وتعالى، فليس بين الله وأحد من خلقه بنوة نسب قط، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وإذا كانت هذه اللفظة: (ابن الله) دائرة في المعنى بين بنوة الشريف، والإيمان، والتقديس، والمحبة .. وبين بنوة النسب، والولادة، والجزئية، فتكون هذه اللفظة هنا من المتشابه الذي يجب أن يحمل على المحكم الذي لا يتغير معناه، واللفظ المحكم هو ما لا يكون معناه إلا واحداً، ولا يختلف أهل اللسان فيه، ولا أهل العقل حول حقيقة معناه.
ونحن نورد هنا عشرات من الأدلة من الإنجيل نفسه أن لفظ (ابن الله) الوارد في الأناجيل، وفي كتب رسل المسيح -عليه السلام- ما أريد بها إلا بنوة التشريف، والتقديس، والرفعة، والمحبة، وأنها لا تنتمي إلى بنوة النسب، والولادة بأي حال تعالى الله عما يقول الجاهلون الكافرون الضالون علواً كبيراً.
فقول إبليس المتكرر .. (إن كنت ابن الله) هو من هذا الباب. ومن ذلك قول عيسى لتلاميذه:- (وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، ويضطهدونكم لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات) (متى 6/ 45).
وقوله عليه السلام: (فعندما تصلي فادخل غرفتك، وأغلق عليك بابك، وصل إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يكافئك) (متى 6/ 7).
ومثل هذا كثير جداً من الكلام المنسوب إلى المسيح عليه السلام، وكله شاهد أنه كان يستعمل اسم (الأب) في التعبير عن الله بمعنى المربي، والذي يكلأ عباده المؤمنين وليس بمعنى أبوة النسب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
5 - قول إبليس لعيسى: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل لأنه قد كتب: يوصي ملائكته بك فيحملونك على أيديهم لكي لا تصطدم قدمك بحجر"!! فقال عيسى: (وقد كتب أيضاً: لا تجرب الرب إلهك)!!.
في هذا النص إقرار عيسى لإبليس على النص السابق من كلام الله، وأنه هو المقصود به، وإذا كان هو المقصود بذلك، فكيف يكون هو ابن الله أو الله كما يدعون ويزعمون أن صفاته وأعماله هي صفات الرب وأعماله ثم يقال عنه: (يوصي ملائكته بك)!!
فهل يحتاج الإله الرب أن يُوَصَّى عليه، وأن يكون الملائكة حفظٌ له، وحماية له ألا يصطدم قدمه بحجر!!، وهل يكون من يحتاج أن تحميه الملائكة من السقوط إلا عبداً محتاجاً ذليلاً فقيراً؟!!
6 - قول عيسى –عليه السلام- رداً على إبليس وقد كتب أيضاً: "لا تجرب الرب إلهك"!!
فهذا من أعظم الأدلة على أن عيسى يعتقد أن الله سبحانه وتعالى هو ربه، وهو إلهه وأنه لا يحسن به أن يجربه بمعنى أن يطلب منه شيئاً لينظر أيقدر عليه أم لا؟ فإذا كان عيسى –عليه السلام- هو الله كما يزعمون فمن يجرب؟! هل يجرب أباه؟! فينظر أيحميه من الحجارة أم لا؟ أم يجرب نفسه فينظر هل يستطيع إذا قفز من فوق الهيكل أن يحمي نفسه من السقوط أم لا؟ تباً لعقول تقرأ ولا تفقه!!.
هل هناك أصرح من هذا الدليل في أن عيسى -عليه السلام- يتبرأ من الحول، والقوة، ويجعل الله وحده هو صاحب الحول، والقوة، وأنه هو وحده ربه وإلهه.
7 - دعوة إبليس للمسيح -عليه السلام- أن يسجد له!! وقوله له بعد أن أراه من فوق جبل عال جداً جميع ممالك العالم، وعظمتها: "أعطيك هذه كلها إذا جثوت، وسجدت لي"! وقول عيسى عليه السلام رداً عليه: (اذهب يا شيطان، وقد كتب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد) فيه من الأدلة على فساد معتقد النصارى في ألوهية المسيح وربوبيته الشيء الكثير فمن ذلك:-
(يُتْبَعُ)
(/)
أ- عرض إبليس عليه ممالك الدنيا، وإيراءه إياها، واطلاعه عليها، ولو كان عيسى هو الله، أو ابن الله لقال له: أنا مالكها، وخالقها، وهي لي، وتحت تصرفي؟ بل ما كان لإبليس أن يتجرأ أصلاً ليقول للإله، أعطيك هذه إن سجدت لي!! ..
ب- عجباً أن يأمر إبليس خالق السماوات والأرض أن يسجد له!! ألا يستحي النصارى وهم يقرأون هذا الكلام!! ألا يستحون أن من يعتقدون فيه الألوهية، والربوبية أن يصحبه إبليس، ويعرض عليه السجود له مقابل أن يملكه الدنيا.
ج- لو كان عيسى هو الله أو ابن الله لما كان رده على عرض إبليس هذا أن يقول: لا قد نزل في كتب الأنبياء السابقين: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد".
هل هناك أصرح من هذا في أن عيسى دعا إلى عبادة لله خالق السماوات، والأرض، وأن عيسى لا يعبد إلا الله، ولا يسجد إلا له سبحانه وتعالى.
يكفي هذا الدليل لكل من يريد بصيرة في الدين أن عيسى عليه السلام جاء ليقول كما قال الله عنه: {وقال المسيح يا بني إسرائيل: اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}.
د- يأس الشيطان من عيسى، وذهابه عنه، وعدم قدرته عليه حق لعصمة الله له تحقيقاً لقول امرأة عمران أم مريم عندما وضعت مريم: {رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم .. وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}، وليس من ذرية مريم إلا عيسى عبدالله ورسوله، وقد أعاذه الله الشيطان الرجيم صغيراً وكبيراً.
8 - وقول الإنجيل: "فتركه إبليس، وإذا بعض الملائكة جاءوا إليه وأخذوا يخدمونه" دليل جديد على عبودية المسيح، فالذي يحتاج إلى الخدمة هو العبد الفقير المحتاج، وهم جاءوه، ولم يستدعهم، وهذا مما يدل على أن الله أرسلهم إليه، وهم كانوا يخدمونه، ولم يأتوا ليعبدوه، والرب سبحانه وتعالى تعبده الملائكة، ولا تخدمه، لأنه الحي القيوم القائم بنفسه المقيم لغيره، فالملائكة تحتاجه، وهي فقيرة إليه، وأما هو فغني عن الجميع سبحانه وتعالى.
ب- جاء في إنجيل متّى:12
جاء أن عيسى -عليه السلام- بعد أن وعظ الناس بموعظة بليغة في الهيكل، وحذّر اليهود، من أن عقوبة الله ستحل بهم قريباً في مدن صور، وصيدا، وكفر ناحوم، وأنه سيكون لها مثل ما صار لقرى لوط سدوم، وعمورة.
قال عيسى بعد ذلك:
راحة للتعابى:
"أحمدك أيها الأب، رب السماء والأرض، لأنك حجبت هذه الأمور عن الحكماء والفقهاء، وكشفتها للأطفال! نعم أيها الأب، لأنه هكذا حسن في نظرك. كل شيء قد سلمه إليّ أبي، ولا أحد يعرف الإبن إلا الأب، ولا أحد يعرف الأب إلا الإبن، ومن أراد الإبن أن يعلنه له.
تعالوا إليّ يا جميع المتعبين، والرازحين تحت الأحمال الثقيلة، وأنا أريحكم، إحملوا نيري عليكم، وتتلمذوا على يديّ، لأني وديع متواضع القلب، فتجدوا الراحة لنفوسكم، فإن نيري هين، وحملي خفيف! " (متّى:12/ 26 - 30).
وفي هذا النص من دلائل عبودية المسيح -عليه السلام- ما يلي:
1 - توجهه بالحمد إلى خالق السماوات والأرض -سبحانه وتعالى-، ولو كان هو الله لحمد نفسه، وأثنى على ذاته.
2 - جعله شرح صدور الأطفال والصغار إلى الدين الحق، وحجب هذا عن رؤساء اليهود، وعظماء ديانتهم، وأن هذه مشيئة الله سبحانه وتعالى (لأنه هكذا حسن في نظرك) وهذا شبيه بما جاء في القرآن الكريم من أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه هدى لنوره كثيراً ممن لم يكن يؤبه بهم كما قال تعالى في القرآن الكريم: {وكذلك فتناّ بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا، أليس الله بأعلم بالشاكرين}.
3 - وأما قول عيسى كما جاء في الإنجيل: (كل شيء قد سلمه لي أبي .. ) فمعناه أن الطريق إلى الله في وقت عيسى لا يكون إلا باتباعه، ولا يجوز أن يفهم منه أن الله قد سلمه مقاليد السماوات والأرض، وإدخال الجنة، والنجاة من النار بدليل أن الهداية بيد الله، وأنه قد وفق لها من شاء من عباده كما جاء: (لأنه هكذا حسن في نظرك)، ولأن عيسى في كل أمر كان يفزع إلى الله، ويدعوه، فقد دعاه، وألحّ عليه أن يصرف عنه كأس الموت بعد أن علم بتآمر اليهود عليه لقتله، وقد دعاه من أجل تلاميذه، وأدعية عيسى -عليه السلام- وطلبه من الله في الإنجيل كثيرة ..
(يُتْبَعُ)
(/)
وإنما معنى قوله: (كل شيء قد سلمه لي أبي) هو ما قلناه، وهذا من باب {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}، فالهداية في وقت عيسى -عليه السلام- لا تكون إلا باتباعه لأنه الرسول المرسل في وقته، ولا يجوز لهم إلا اتباعه، والكفر به كفر بالله.
وكذلك الحال بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فالإسلام الحق، والدين المقبول عند الله لا يكون إلا باتباعه لأنه الرسول المرسل إلى الجميع: إلى اليهود، والنصارى، والمشركين، وكل الملل والطوائف، والأجناس لا قبول لأحد عند الله إلا باتباعه، وطاعته.
4 - وصف عيسى -عليه السلام- لنفسه هنا بأنه وديع، ومتواضع، القلب، وصف لائق بالعبد، وأما الرب سبحانه وتعالى فهو متصف بالرحمة، ومعها الجبروت، وبالحلم ومعه الشدة، والمؤاخذة كما قال تعالى في القرآن الكريم: {نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم}، فالله، -سبحانه وتعالى- هو الرب الرحيم الودود، وهو كذلك الجبار المتكبر القوي ذو القوة المتين، شديد العقاب، ذو الطّول لا إله إلا هو إليه المصير، وأما صفات الرحمة، والوداعة وحدها فهي لائقة بالعبد، وعيسى -عليه السلام- لم يكن إلا عبداً لله سبحانه، وتعالى ولذلك لم يصف نفسه دائماً إلا بالرقة، والوداعة، والضعف، والإنكسار ..
ج- جاء في الأناجيل أن عيسى -عليه السلام- كان دائماً يذكر تلاميذه أنه رسول الله إليهم، وأن الإله وحده هو الله سبحانه وتعالى، وأن عيسى -عليه السلام- ليس إلا مجرد رسول تفضّل الله عليه بكل ما أعطاه، وهذه بعض النصوص في هذا الصدد.
في إنجيل يوحنا 8/ 32 - 48:
وفي معرض جدال عيسى لليهود الذي آمن بعضهم به، وكفر بعضهم، كما قال تعالى في القرآن: {فآمنت طائفة وكفرت طائفة}، قال عيسى -عليه السلام- للذين آمنوا به من اليهود: "إن ثبتم في كلمتي، كنتم حقاً تلاميذي، وتعرفون الحق، والحق يحرركم". فرد اليهود: "نحن أحفاد إبراهيم، ولم نكن قط عبيداً لأحد! كيف تقول لنا: إنكم ستصيرون أحراراً؟ " أجابهم يسوع: "الحقّ الحقّ أقول لكم: إن من يرتكب الخطيئة يكون عبداً لها، والعبد لا يبقى في بيت سيده دائماً: أما الابن فيعيش فيه أبداً، فإن حرركم الابن تصيرون بالحق أحراراً، أنا أعرف أنكم أحفاد إبراهيم، ولكنكم تسعون إلى قتلي، لأن كلمتي لا تجد لها مكاناً في قلوبكم، إني أتكلم بما رأيته عند الأب، وأنتم تعملون ما سمعتم من أبيكم". فاعترضوه قائلين: "أبونا إبراهيم! " فقال: "لو كنتم أولاد إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم، ولكنكم تسعون إلى قتلي وأنا إنسان كلمتكم بالحق الذي سمعته من الله، وهذا لم يفعله إبراهيم، أنتم تعملون أعمال أبيكم! " فقالوا له: "نحن لم نولد من زنا! لنا أب واحد هو الله"، فقال يسوع: "لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني، لأني خرجت من الله وجئت، ولم آت من نفسي، بل هو الذي أرسلني، لماذا لا تفهمون كلامي لأنكم لا تطيقون سماع كلمتي! إنكم أولاد أبيكم إبليس، وشهوات أبيكم ترغبون في أن تعملوا .. فهو من البدء كان قاتلاً للناس، ولم يثبت في الحق لأنه خالٍ من الحق، وعندما نطق بالكذب فهو ينضح بما فيه، لأنه كذاب، وأبو الكذب! أما أنا فلأني أقول الحق لستم تصدقونني، من منكم يثبت على خطيئة؟ فما دمت أقول الحق، فلماذا لا تصدقونني؟ من كان من الله حقاً، يسمع كلام الله، ولكنكم ترفضون كلام الله، لأنكم لستم من الله! " أ. هـ (إنجيل يوحنا 8/ 31 - 42).
أ- فانظر إلى ما نسبه يوحنا إلى المسيح –عليه السلام- هنا: (لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأنني خرجت من الله وجئت، لم آت من نفسي، بل هو الذي أرسلني) واليهود دائماً كانوا يدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه، كما قال تعالى في القرآن عنهم: {وقالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وإليه المصير} (المائدة).
وقد رد المسيح على قولهم أنهم أبناء الله فقال لهم لو كنتم أبناء الله حقاً كما تدعون لآمنتم بي لأني خرجت من عند الله، أي أن الله هو الذي أخرجه وأرسله، قال عيسى: (لم آت من نفسي بل هو الذي أرسلني) وهذا نص في أنه مجرد رسول أرسله الله تعالى، وليس إلهاً كما تدعي النصارى وكفرت به، أن جوهره من جوهر الرب، تعالى الله عن ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ب- وفي هذا النص مما يوافق ما جاء في القرآن العزيز سعي اليهود -عليهم لعنة الله- في قتل عيسى بن مريم -عليه السلام- ولذلك قال لهم عيسى هنا (لو كنتم أبناء إبراهيم لعملتم أعمال إبراهيم، ولكنكم تسعون إلى قتلي وأنا إنسان كلمتكم بالحق الذي سمعته من الله) فاحتج عيسى -عليه السلام- وأبطل مدعاهم في بنوتهم لإبراهيم أنهم لو كانوا أبناءه حقاً. بنوة إيمان ومتابعة له لعملوا مثل عمله في الإيمان والعمل الصالح، ولما سعوا في قتل عيسى بن مريم الذي هو رسول الله يدعو إلى الإيمان والعمل الصالح كما كان إبراهيم كذلك .. ولكنهم كما قال عيسى أبناء الشيطان لعملهم مثل عمله.
وهذا يدلك على أن إطلاق لفظ الابن في لغتهم تطلق على بنوة النسب، وبنوة الطاعة، فسائغ في لغتهم أن يطلق علي المطيع لأمره الله ابن الله، والمطيع للشيطان ابن الشيطان، ولا شك أن عيسى -عليه السلام- يعلم يقيناً أن اليهود هم من نسل إبراهيم فهم أولاد إسحاق، وإسحاق بن إبراهيم عليهما السلام ونفيه هنا أن يكونوا أبناء إبراهيم ليس نفي بنوة النسب وإنما نفي بنوة الطاعة والإتباع والمحبة على ما هو جار في لغتهم.
ج- وقول عيسى -عليه السلام- (لأني خرجت من الله وجئت) ليس كما ادعت النصارى أنه مولود من الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فالإله الواحد سبحانه وتعالى: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} وإنما هذا كقوله -عليه السلام- أيضاً (من كان من الله حقاً يسمع كلام الله، ولكنكم ترفضون كلام الله لأنكم لستم من الله).
د- وفي هذا النص مما يوافق القرآن الكريم في اتهام اليهود -عليهم لعنة الله- لعيسى -عليه السلام- أنه ابن زنا كما قال تعالى عنهم في القرآن الكريم: {وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً}.
وفي هذا النص يقولون لعيسى عليه السلام معرضين به (نحن لم نولد من زنا!! لنا أب واحد هو الله)، وهذا تعريض بعيسى -عليه السلام- واتهام له ولأمه برأها الله وشرفها ..
هـ- قال عيسى –عليه السلام-: (لم آت من نفسي بل هو الذي أرسلني) وهذا يثبت أن عيسى –عليه السلام- رسول الله، وليس هو الله أو أن له مشيئة مع الله وقد تكرر ورود مثل هذا النص كثيراً في الأناجيل:
1 - (ولكن الذي أرسلني هو الحق، وما أقوله للعالم هو ما سمعته منه) (يوحنا 8/ 27).
2 - (إن الذي أرسلني هو معي، ولم يتركني وحدي لأني دوماً أعمل ما يرضيه) (يوحنا 8/ 30).
وهذا نص واضح في عبودية عيسى -عليه السلام-، وخضوعه لإرادة الله، وتعبده بما يرضي الرب تبارك وتعالى، ولو كان إلهاً مع الله بمشيئة مستقلة كما تدعي النصارى لما كان يقول (ودائماً أعمل ما يرضيه)، وأما معية الله لعيسى فهي كائنة لكل مؤمن يتقي الله سبحانه وتعالى، ومعية الله للأنبياء -عليهم السلام- عظيمة لأن الله يرعاهم ويصنعهم على عينه كما قال تعالى لموسى -عليه السلام- لما أرسله إلى فرعون:
{إنني معكما أسمع وأرى}. وقال أيضاً: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
ومعية الله مع المؤمنين معية تأييد، ونصر، ورعاية، وعيسى -عليه السلام- كان رسولاً باراً تقياً، وكان الله معه دائماً بالتأييد، والرعاية، والنصرة.
3 - في إنجيل يوحنا - أيضاً- أن عيسى -عليه السلام- بعد أن أحيا (لعازر) الذي مات منذ أربعة أيام رفع بصره إلى السماء، وقال:
(أيها الأب أشكرك لأنك سمعت لي، وقد علمت أنك دوماً تسمع لي، ولكني قلت هذا لأجل الجمع الواقف حولي ليؤمنوا أنك أنت أرسلتني) (يوحنا 11/ 42،43).
وهذا النص يوضح أن عيسى -عليه السلام- كان يحيي الموتى بإذن الله، وليس من عند نفسه، ولا بقوته، وقدرته، وأن الله -سبحانه وتعالى- قد أقدره على إحياء الموتى ليكون هذا معجزة له، ودليلاً على نبوته، ورسالته كما قال تعالى في القرآن: {وإذ تخرج الموتى بإذني}.
(يُتْبَعُ)
(/)
فإخراج الموتى من قبورهم الذي صنعه عيسى إنما صنعه بأمر الله -عز وجل- وإقداره له عليه، لا لأنه هو ابن الله صفته صفة الرب، أو أن له قدرة من ذاته أن يحيي الموتى وإنما أقدره الله على ذلك ليعلم الجميع أنه رسول الله كما جاء في نص الإنجيل: (لأجل الجمع الواقف حولي ليؤمنوا أنك أنت أرسلتني) وقد كانت الجموع حوله تنتظر هذه المعجزة، وكل ما طلبه عيسى أن يشهدوا له فقط بالرسالة، وأن الله هو الذي أرسله، ولو كان هو الله لقال لهم: انظروا بقدرتي صنعت، وأحييت، وخلقت، ورزقت، وسبحان الله أن يكون له ولد، أو أن يكون له شريك في الملك، أو شريك في الألوهية، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه سبحانه وتعالى.
4 - (في إنجيل يوحنا 13 - 21):
أن عيسى -عليه السلام- قال لتلاميذه عندما أرسلهم لنشر الدعوة: (من يقبل الذي أرسله يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني).
وهذه العبارة كقول الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم: [من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى أميري فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله].
والشاهد أن عيسى -عليه السلام- قال: (من يقبلني يقبل الذي أرسلني) فيخبر أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أرسله إلى بني إسرائيل.
5 - في إنجيل يوحنا أن المسيح -عليه السلام- قال:
"والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق وحدك، والذي أرسلته يسوع المسيح". وفي هذا دليل على الخلود في الجنة للذي يؤمن بالله الإله الحق وحده سبحانه وتعالى، وأنه هو الذي أرسل عيسى المسيح عليه السلام. (يوحنا 17/ 3 - 4).
6 - في إنجيل يوحنا أيضاً:
أن عيسى -عليه السلام- لما أحس بقرب انتهاء وجوده على الأرض شرع يصلي (يدعو) من أجل أن يحفظ الله تلاميذه، فقال في جملة صلاته:-
"أظهرت اسمك للناس الذين وهبتهم لي من العالم (أي الذين آمنوا بي) وقد عملوا بكلمتك، وعرفوا الآن أن كل ما وهبته لي فهو منك لأني نقلت إليهم الوصايا التي أوصيتني بها فقبلوها، وعرفوا حقاً أنني خرجت من عندك (أي لست ابن زنا كما يدعي اليهود لعنهم الله) وآمنوا أنك أنت أرسلتني" (يوحنا 17/ 8،9).
7 - وقال أيضاً:
"أيها الأب البار إن العالم لم يعرفك، وأما أنا فعرفتك، هؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني وقد عرفتهم اسمك، وسأعرفهم أيضاً لتكون فيهم المحبة التي أحببتني بها، وأكون أنا فيهم" أ. هـ
وهذا النص دليل واضح أن عيسى –عليه السلام- كان نبياً رسولاً صالحاً، عرف الله ولم يكن هو الله، لأن الرب الإله لا يجهل شيئاً قبل وجوده، ولا يعرف شيئاً لم يكن يعرفه، وغاية عيسى –عليه السلام- كما دل عليه النص أنه آمن بالله وعرفه يوم كفر الناس، وأنه علَّم تلاميذه اسم الله، وصفاته، وأنه كان يتضرع لربه من أجلهم، ويتمنى أن تبقى فيهم روح الوحي التي نشرها فيهم وعلمهم إياها، وأن تظل تعاليمه في نفوسهم وهذا معنى قوله: (وأكون أنا فيهم) وإلا فإن عيسى -عليه السلام- لا يحل في تلاميذه، ولا يحل تلاميذه فيه، وإنما الذي يكون في التلاميذ من المعلم هو العلم الذي علمه، والنور الذي نشره، والهدى الذي هداهم به، والإيمان الذي يجمع بين أهله، فأهل الإيمان جميعاً ملائكة وبشراً قد حل فيهم نور الإيمان، وهداية الله، ورحمته، ورضوانه، وتنزلت عليهم سكينته.
ولا يفهم من مثل هذه العبارات أن ذات الله سبحانه أو صفاته جل وعلا تحل في مخلوقاته، ومصنوعاته، ومخترعاته، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، فالرب جل وعلا هو الإله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.
10 - إطلاق لفظ (الأب) على الله سبحانه وتعالى بمعنى المربي والرحمن، وليس بمعنى أبو النسب:
تكرر استعمال لفظ الأب في الأناجيل التي يعتمدها النصارى بمعنى المربي، والرحمن، وهي نسبة تحبب إلى الله، وتقرب منه، وليست مطلقاً نسبة بنوة، ونسب وهذه جملة من الأقوال المنسوبة إلى عيسى -عليه السلام-:
1 - قول عيسى -عليه السلام- "وصلوا من أجل الذين يسيئون إليكم، ويضطهدونكم لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (متّى 6/ 34).
2 - وقوله أيضاً: "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم السماوي كامل" (متّى 6/ 34).
3 - وقوله أيضاً: "أما أنت فعندما تتصدق على أحد فلا تدع يدي اليسرى تعرف ما تفعل اليمنى لتكون صدقتك في الخفاء، وأبوك السماوي الذي يرى في الخفاء هو يكافئك".
(يُتْبَعُ)
(/)
4 - وقوله أيضاً: "أما أنت فعندما تصلي فادخل غرفتك وأغلق الباب، وصلِّ إلى أبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يكافئك".
5 - وقوله أيضاً -عليه السلام-: "فصلوا أنتم الصلاة: أبانا الذي في السماوات، ليتقدس أسمك! ليأت ملكوتك! لتكن مشيئتك على الأرض كما هي في السماء! خبزنا كفافنا أعطنا اليوم! واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن للمذنبين إلينا! ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير! فإن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم، وإن لم تغفروا للناس لا يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم" (متّى 6/ 15).
6 - وقوله -عليه السلام- أيضاً: "وأما أنت فعندما تصوم، فاغسل وجهك، وعطر رأسك لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء، وأبوك الذي في الخفاء هو يكافئك" (متّى 6/ 18".
7 - وقوله أيضاً: "تأملوا طيور السماء لأنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع في مخازن، وأبوكم السماوي يعولها" (متّى 6/ 27).
8 - وقوله: "لا تحملوا الهم قائلين: ما عسانا نأكل، ما عسانا نشرب، أو ما عسانا نكتسي فهذه الحاجات كلها تسعى إليها الأمم، فإن أباكم السماوي يعلم حاجتكم إلى هذه كلها، وأما أنتم فاسعوا أولاً إلى ملكوت الله وبره" (متّى 6/ 34).
9 - وقوله أيضاً -عليه السلام-: "اطلبوا تعطوا .. اسعوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم .. إلى أن يقول: فأي إنسان فيكم يطلب منه ابنه خبزاً فيعطيه حجراً، أو سمكة فيعطيه حية، فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالأحرى جداً يعطي أبوكم السماوي عطايا جيدة للذين يطلبون منه" (متّى 7/ 12).
10 - وكذلك ما جاء في إنجيل مرقص (12/ 26،27) على لسان عيسى -عليه السلام-: "ومتى وقفتم تصلون، وكان لكم على أحد شيء فاغفروا له لكي يغفر لكم أبوكم الذي في السماوات زلاتكم، ولكن إن لم تغفروا، لا يغفر لكم أيضاً أبوكم الذي في السماوات زلاتكم".
الإسلام والمسيح عليه الصلاة والسلام
معنى أن عيسى كلمة الله:
ومعنى أن عيسى كلمة الله، أي أن الله -سبحانه وتعالى - قد خلقه بالكلمة وهي (كن) كما قال تعالى: {إنما مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}. وهذا الذي ذكره جميع المفسرين من السلف أن تسمية عيسى بكلمة الله أنه مخلوق بالكلمة، وأن الكلمة نفسها ليست ذات عيسى، أو أنه خلق منها، تعالى الله عن ذلك.
فكلمات الله غير مخلوقة، كما قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم، فنفخ فيها من روحه بأمر ربه عز وجل؛ فكان عيسى –عليه السلام- بإذن الله عز وجل؛ فهو ناشيء عن الكلمة التي قال له: {كن} فكان، والروح التي أرسل بها: هو جبريل عليه السلام".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيمن زعم أن عيسى -عليه السلام- مخلوق من الكلمة أي أن الكلمة هي نفس عيسى قال: "فلا ريب أن المصدر يعبر به عن المفعول به في لغة العرب، كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، ومنه قوله: (هذا خلق الله)، ومنه تسمية المأمور به أمراً، والمقدور قدرة، والمرحوم به رحمة والمخلوق بالكلمة كلمة، لكن هذا اللفظ إنما يستعمل مع ما يقترن به مما يبين المراد، كقوله: {يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين}، فبين أن الكلمة هو المسيح.
ومعلوم أن المسيح نفسه ليس هو الكلام {قالت: أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر! قال كذلك الله يخلق ما يشاء، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} فبين لما تعجبت من الولد أنه سبحانه يخلق ما يشاء؛ إذا قضى أمراً أن يقول له كن فيكون، فدل ذلك على أن هذا الولد مما يخلقه الله بقوله: {كن فيكون}؛ فلهذا قال أحمد بن حنبل: عيسى مخلوق بالكن؛ ليس هو نفس الكن ولهذا قال في آية أخرى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} فقد بين مراده أنه خلق بكن لا أنه نفس كن ونحوها من الكلام. (الفتاوي (20/ 493 - 494).
معنى أن عيسى -عليه السلام- روح الله:
وأما معنى أن عيسى روح الله فهو أنه عليه الصلاة والسلام قد خلق بنفخة الملك الذي أرسله الله إلى مريم، وهذا الملاك هو جبريل، والذي سماه الله روح القدس كما جاء في قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} فمنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم هو جبريل وسمي روح القدس أي الروح المقدسة، لأن الله نزهه وقدسه وهو روح لأنه نزل بالروح، كما سمّى الله القرآن روحاً فقال: {وكذلك أنزلنا إليك روحاً من أمرنا} ..
وأما نسبة روح القدس إلى الله فنسبة تشريف كما قال تعالى لمريم: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً، قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً}.
والنسبة إلى الله إن كانت معنى لا يقوم بنفسه، ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله سبحانه وتعالى كما نقول سَمْعُ الله، وبَصَرُ الله، ورحمةُ الله، وإن كان المضاف إلى الله عيناً قائمة بنفسها كما نقول بيتُ الله، وناقةُ الله، ورسول الله، فهذه مخلوقات أضيفت إلى الله، وإضافتها هنا إلى الله إضافة تشريف وتعظيم.
وكذلك الشأن في وصف عيسى بأنه روح الله، ومعلوم أن عيسى ذات إنسانية فتسمية روح الله تسمية تشريف كما سمي جبريل كذلك روح الله تشريفاً له، وتقديساً.
وبهذا نفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: [وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه]. وفي الحديث الآخر: [ائتوا عيسى عبدالله ورسوله وكلمة الله، وروحه] (حديث البخاري، كتاب التفسير باب 2 حديث 1).
انتهى ما أردت أن أقوله, والحمد لله أولا وآخرا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[05 Jul 2005, 10:23 ص]ـ
قائمة المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم.
* الكتاب المقدس. طبعة: دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط.
* إنجيل برنابا. ترجمة: خليل سعادة. ط. دار الوثائق. الكويت، 1406 هـ.
*هل العهد الجديد كلمة الله للدكتور منفذ محمود السقار
*شهادة الإنجيل علي أن عيسى عبد الله ورسوله لعبد الرحمن عبد الخالق
* إسرائيل حرفت الأناجيل والأسفار المقدسة. أحمد عبد الوهاب. ط1.مكتبة وهبة. القاهرة، 1972م.
* الأسفار المقدسة قبل الإسلام. صابر طعيمة. عالم الكتب. ط1. بيروت، 1406هـ.
* إظهار الحق. رحمة الله الهندي. تحقيق: محمد أحمد ملكاوي. ط1. دار الحديث. القاهرة، 1404هـ.
* البرهان المبين في تحريف أسفار السابقين. أحمد عبد الوهاب. مكتبة التراث الإسلامي. القاهرة.
* التوراة والإنجيل والقرآن والعلم. موريس بوكاي. ترجمة: حسن خالد. ط2. المكتب الإسلامي. بيروت، 1410هـ.
* حول موثوقية التوراة والأناجيل. محمد السعدي. منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية. طرابلس. ليبيا، 1406هـ.
* دراسة عن التوراة والإنجيل. كامل سعفان. دار الفضيلة. القاهرة.
* دعوة الحق بين المسيحية والإسلام. منصور حسين عبد العزيز. ط2. مكتبة علاء الدين. الإسكندرية، 1972م.
* العقائد الوثنية في الديانة النصرانية. محمد طاهر. محمد المجذوب. دار الشواف، 1992م.
* الفارق بين الخالق والمخلوق. عبد الرحمن البغدادي. ضبط وتعليق: عصام فارس الحرستاني. ط1. مكتبة دار عمار. عمان، 1409هـ.
* قراءات في الكتاب المقدس. عبد الرحيم محمد. (بدون معلومات نشر).
* القرآن الكريم والكتاب المقدس. أيهما كلمة الله؟ أحمد ديدات.
* الكتاب المقدس في الميزان. عبد السلام محمد. ط1. دار الوفاء، 1412هـ.
* الله جل جلاله والأنبياء عليهم السلام في التوراة والعهد القديم. محمد علي البار. ط. دار القلم. دمشق، 1410هـ.
* المسيحية الحقة التي جاء بها المسيح. علاء أبو بكر. ط1. مكتبة وهبة. القاهرة، 1418هـ.
* المناظرة الحديثة في علم مقارنة الأديان. أحمد ديدات. جمع وترتيب: أحمد السقا. ط1. مكتبة زهرة، 1408هـ.
* مناظرة العصر. أحمد ديدات و القس أنيس شروش. ترجمة: علي الجوهري. دار الفضيلة.
* مناظرتان في استكهولم. أحمد ديدات والقس شوبرج. دار الفضيلة.
* هل الكتاب المقدس كلمة الله؟ أحمد ديدات. ترجمة: نورة النومان. دار الهجرة. دمشق، 1408هـ.
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[05 Jul 2005, 10:54 ص]ـ
مقالي هذا ملخص من الكتب التي في قائمة المراجع, وخاصة (هل العهد الجديد كلمة الله) وهو كتاب ماتع خطير ومهم جدا.
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[06 Jul 2005, 07:07 م]ـ
بارك الله فيكم, أين تعليقاتكم وتفاعلكم .... ؟؟؟!!!
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[27 Dec 2005, 09:28 م]ـ
حسب علمكم من من علماء المسلمين الدين لهم رد على النصارى فتح باب نقد نصوص الأناجيل للبرهان على التحريف
ونرجوا منكم بارك الله فيكم أن تعلل جوابك؟
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[16 Sep 2009, 03:13 ص]ـ
*ما شاء الله ... بحث رائع ومفيد، اتمنى ان انشط لأوثق كل هذه النقاط من المراجع المسيحية الموجوده الان.
* د/سمير القدوري انا لا اعلم من اول من فتح هذا الباب لكن كتاب اظهار الحق هو الكتاب الوحيد الذي واكب تطور مدارس النقد الكتابي في اثبات تحريف الكتاب المقدس وانتفاء عصمته فضلاً عن توثيق كل ما ذكره من المراجع النصرانية لكن للاسف لأن عادة النصاري اخفاء مراجعهم فأن مراجع هذه الكتاب مفقودة أو نادرة الي اقصي حد عدا تفسير آدم كلارك فهو موجود بالانجيليزية لذا فأن أهم امر لا مجرد ذكر شواهد تتكلم عن اثبات تحريف الكتاب بل ان تكون هذه الشواهد من مراجع موجوده الآن ومتوفره وتباع في المكتبات المسيحية حتي تقام الحجة. فهناك الكثيرة من المؤلفات الاسلامية في اثبات تحريف الكتاب المقدس لكن مراجعه المسيحية (غير موجوده الان) لذا فائدتها الحقيقة منتفيه.
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[16 Sep 2009, 03:14 ص]ـ
*ما شاء الله ... بحث رائع ومفيد، اتمنى ان انشط لأوثق كل هذه النقاط من المراجع المسيحية الموجوده الان.
* د/سمير القدوري انا لا اعلم من اول من فتح هذا الباب لكن كتاب اظهار الحق هو الكتاب الوحيد الذي واكب تطور مدارس النقد الكتابي في اثبات تحريف الكتاب المقدس وانتفاء عصمته فضلاً عن توثيق كل ما ذكره من المراجع النصرانية لكن للاسف لأن عادة النصاري اخفاء مراجعهم فأن مراجع هذه الكتاب مفقودة أو نادرة الي اقصي حد عدا تفسير آدم كلارك فهو موجود بالانجيليزية لذا فأن أهم امر لا مجرد ذكر شواهد تتكلم عن اثبات تحريف الكتاب بل ان تكون هذه الشواهد من مراجع موجوده الآن ومتوفره وتباع في المكتبات المسيحية حتي تقام الحجة. فهناك الكثيرة من المؤلفات الاسلامية في اثبات تحريف الكتاب المقدس لكن مراجعها المسيحية (غير موجوده الان) لذا فائدتها الحقيقة منتفيه.(/)
رسالة من الشيخ أحمد ياسسن
ـ[ hedaya] ــــــــ[05 Jul 2005, 01:24 ص]ـ
نصيحة غالية من الشيخ الشهيد بإذن الله أحمد ياسين رحمه الله
"حان الوقت يا أبنائي ويا أحفادي لترجعوا إلى الله تعالى وتتوبوا إليه،
حان الوقت لتدعوا التفاهات من حياتكم وتنحوها جانباً،
حان الوقت لتوقظوا أنفسكم وتصلوا الفجر في جماعة،
حان الوقت لتتعلموا وتتثقفوا وتخترعوا وتكونوا سباقين على الغير،
حان الوقت لتتحلوا بالأخلاق وتنفذوا ما في القرآن وتقتدوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتتقربوا من ذلك النبي الأعظم ...
أدعوكم يا أبنائي للصلاة في ميقاتها، وأريدكم يا شباب الأمة أن تعرفوا وتقدروا معنى المسؤولية، وأن تتحملوا مشاق الحياة وأن تتركوا الشكوى، وأن تتجهوا إلى الله عزَّ وجلَّ، وتستغفروه كثيراً ليمنحكم الرزق، وأن توقروا الكبير وترحموا الصغير.
أطلب منكم يا أحفادي الصِّغار ألا تشغلكم قنوات الأغاني المرئية والمسموعة، وأن تعرضوا عن كلمات الهوى والعشق والحب، وأن تستبدلوا بها كلمات العمل والفعل، وذكر الله، وألا تنساقوا وراء الشهوات.
أما أنتن يا فتيات الأمة، حفيداتي:
استحلفكن بالله أن تتمسكن بالحجاب الحق الذي يستر العورات،
وأستحلفكن بالله أن تحتمين بدينكن وبالرسول الكريم، واقتدينَ بأمكنَّ خديجة وأمكنَّ عائشة، اجعلنهما نبراس حياتكن،
وأطلب منكن أن تستعدُّنّ لما هو آت: استعدوا بالعلم والدين، استعدوا للعمل بحكمة: اخشوشنوا، وتعلموا كيف تعيشون في ظلام دامس، علموا أنفسكم كيف تعيشون لأيام بلا أجهزة كهربائية وإلكترونية، حين يمنع العدو ذلك، علموا أنفسكم كيف تعيشون في ظل حياة قاسية، علموا أنفسكم كيف تحمون أنفسكم وكيف تخططون لمستقبلكم، تمسكوا بدينكم وخذوا بالأسباب وتوكلوا على الله".
http://usera.imagecave.com/Hozeifa/al-multaqa/YAhmad.jpg(/)
بالله عليكم ما تقولون في هذا المخلوق؟
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[06 Jul 2005, 03:07 ص]ـ
أعرف أنني سأقذي أعينكم بهذا العرض، لكن ما تعليقكم؟
هل قال بما قاله سلفُه الخبثاء؟
بمؤشر الفأرة الأيمن، ثم حفظ الهدف باسم: هنا ( http://www.3laya.com/jokr/hasn.ram ).
أرجو المعذرة.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[06 Jul 2005, 01:34 م]ـ
قال تعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)) سورة الحشر.
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[07 Jul 2005, 01:22 م]ـ
فضيلة الدكتور مساعد
أشكر لك ردك الكريم، وبالفعل هذه الآيات رَدٌّ على القوم في المعتقد والفقه.
تقبل مودتي.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Jul 2005, 03:22 م]ـ
لا نقول إلا رضي الله عن الصحابة أجمعين. وقبح الله مبغضيهم. وهذا المسكين دفعه جهله وطمعه إلى قول كلمة فاجرة كافرة. وأمر كره الرافضة للصحابة رضي الله عنهم ظاهر عند العقلاء، وهذا شريط في صميم الموضوع لأحد الفضلاء وفقه الله.
الرافضة و أكذوبة محبة النبي صلى الله عليه و سلم
http://media.islamway.com/lessons/abdullahsalfy//OkThobah.rpm
وفي هذا الشريط تسجيلات لمشايخ الرافضة وهم يقولون عن الصحابة كلاماً تقشعر منه نفوس المؤمنين.
وفي الشريط صوت العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله ورضي عنه وهو يبكي عندما قرأ الطالب في الدرس حادثة الإفك. وشكر الله لأخي خالد الشبل هذه الفائدة فمنه استفدتها وفقه الله.
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[07 Jul 2005, 04:53 م]ـ
اللهم ثبتنا على منهج أهل السنة والجماعة وأمتنا عليه يا رافع السماوات بلا عمد.
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[08 Jul 2005, 01:35 ص]ـ
أخي الموقر عبد الرحمن الشهري
شكرًا على تعليقك الطيب، وجزاك الله خيرًا على نقل هذا الرابط المفيد.
وأكرر معك: رضي الله عن الأصحاب أجمعين.
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[10 Jul 2005, 01:55 م]ـ
الأخ الكريم أبا صلاح الدين
آمين، وجزاك الله خيرًا على دعواتك الطيبة.
تقبل تحياتي.(/)
من هم العلماء؟ وما علامتهم؟
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[07 Jul 2005, 01:29 ص]ـ
قرأت في كتاب إبطال الحيل لابن بطة: ما نصه:
(حدثنا أبو عبد الله بن مخلد , حدثنا أبو بكر المروذي , حدثنا حبان بن موسى , قال: سئل عبد الله بن المبارك: هل للعلماء علامة يعرفون بها؟ قال: علامة العالم من عمل بعلمه , واستقل كثير العلم والعمل من نفسه , ورغب في علم غيره , وقبل الحق من كل من أتاه به , وأخذ العلم حيث وجده , فهذه علامة العالم وصفته " قال المروذي فذكرت ذلك لأبي عبد الله. قال: هكذا هو)
أعيد هذه العلامات:
1 - من عمل بعلمه
2 - واستقل كثير العلم والعمل من نفسه
3 - ورغب في علم غيره
4 - وقبل الحق من كل من أتاه به
5 - وأخذ العلم حيث وجده
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[07 Jul 2005, 10:51 ص]ـ
بارك الله فيك على هذا النقل الماتع الجميل, ورحم الله أئمة السنة وعلى رأسهم الإمام ابن المبارك.
ـ[محمد حامد سليم]ــــــــ[05 Aug 2005, 11:28 م]ـ
بارك الله فيك
وإن كنت أضيف
ورغب أن ينهل غيره من ماء علمه
ـ[خالد وليد عبد الرحمن]ــــــــ[16 Aug 2005, 02:11 ص]ـ
جزاك الله خيرا على الموضوع. ولكن هناك صفات اخرى اذكر منها.
العلماء ورثة الانبياء والانبياء لا يورثون درهما ولا دينارا وانما يورثون العلم
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[09 Aug 2007, 07:58 ص]ـ
جاء في إحياء علوم الدين - (ج 1 / ص 81 - 82) ما مختصره:
(وقيل: إذا جمع المعلم ثلاثاً تمت النعمة بها على المتعلم: الصبر والتواضع وحسن الخلق. وإذا جمع المتعلم ثلاثاً تمت النعمة بها على المعلم: العقل والأدب وحسن الفهم.
وعلى الجملة فالأخلاق التي ورد بها القرآن لا ينفك عنها علماء الآخرة لأنهم يتعلمون القرآن للعمل لا للرياسة. ...
وقيل خمس من الأخلاق هي من علامات علماء الآخرة مفهومة من خمس آيات من كتاب الله عز وجل: الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة على الدنيا وهو الزهد.
فأما الخشية فمن قوله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء "
وأما الخشوع فمن قوله تعالى: " خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً "
وأما التواضع فمن قوله تعالى: " واخفض جناحك للمؤمنين "
وأما حسن الخلق فمن قوله تعالى: " فبما رحمة من الله لنت لهم "
وأما الزهد فمن قوله تعالى: " وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ".)
ـ[د/ إبراهيم الشافعي]ــــــــ[09 Aug 2007, 06:01 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو عبدالبر السوسي]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:17 م]ـ
بارك الله فيكم وحفظ الله علماؤنا
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[14 Aug 2007, 12:45 ص]ـ
عقد ابن الجوزي في صيد الخاطر فصلاً في المقارنة بين علماء الدنيا و علماء الآخرة، فقال ما مختصره:
(تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حب الدنيا فإن علماء الآخرة يتوادون و لا يتحاسدون كما قال عز وجل: {و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا}
و قال الله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا}
و قد كان أبو الدرداء: [يدعو كل ليلة من إخوانه]
و قال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي: [أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر]
و الأمر الفارق بين الفئتين: أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها و يحبون كثرة الجمع و الثناء و علماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك و قد كانوا يتخوفونه و يرحمون من بلي به .....
و كانوا يتدافعون الفتوى و يحبون الخمول.
و إنما كان بعضهم يدعوا لبعض و يستفيد منه لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا؛ فالأيام و الليالي مراحلهم إلى سفر الجنة.)
صيد الخاطر - (ج 1 / ص 19)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[30 Dec 2007, 10:17 م]ـ
هذا من المواضيع المحيرة التي لم أجد لها جوابا يروي الغليل:
هل العلم صفة؟ أم درجة؟ أم ماذا؟
من يصف بها؟ ومن يوصف بها؟
أهو الشخص ذاته يعرف بها نفسه؟ أم أقرانه أم شيوخه أم تلاميذه؟ أم الله عز وجل؟ أم هي صفة مكتسبة عند توفر جملة من الخصائص الموضوعية فيه؟ من يوصف بها؟
هل هي درجات أم حكم مطلق؟
قرأت لأحدهم تهكما على بعض من يوصفون بالعلماء: (كنت تلميذه وأشهد أنه لا يجوز أن يوصف بطويلب علم، فكيف بطالب علم أو عالم)
وقرأت لأحدهم تهكما على بعض من يوصفون بالعلماء (قرأت أسماء هؤلاء فلم أجد عالما واحدا بينهم)
وتأملت في إصرار البعض على وصف نفسه بطالب علم وخشيته من أن يوصف بالعالم، فازدادت حيرتي. وتساءلت:
لم الإصرار على وصف الناس بها؟ وعلى رفض إطلاقها على البعض الآخر بها؟
ألا يمكن أن تكون الصفة نوعا من المدح والذم الذي يستعمله أحدنا بلا ضوابط موضوعية، وإنما من باب الهوى؟
بعضهم يتحرى ألا ينسب صفة العلم إلا لمن يرتضي اجتهاداتهم الفقهية أو العقائدية، وكل من يخالف مذهبه الفقهي أو الاعتقادي فلا يستأهل أن يعتبر من العلماء.
البعض الآخر يرى أن "الرجل" إذا اجتهد في أمر وخالف به "أهل الثقة" أو "أهل العلم" دل ذلك على أنه ليس من طلبة العلم فضلا عن أن يكون عالما ...
في انتظار أن أعثر على الجواب الشافي، أفضل أن أعتبر هذه الصفة كلمة فضفاضة يحسن عدم النظر إليها عند قراءة الأقوال أو الكتب أو التزكيات، لأن إثباتها لشخص أو نفيها عنه قد تستبطن مغالطة منطقية تهدف إلى التأثير على عقل القارئ والحؤول دون الاطلاع على كلام أو رأيه ومحاكمته إلى الأدلة الشرعية أو المنطقية فقط.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[31 Dec 2007, 01:14 ص]ـ
صفات العالم ومؤهلاته: وما يجب أن يقوم به من دور في المجتمع:
تتفاوت مراتب العلماء وفق مجموعة من الاعتبارات، وهناك حد أدنى من الصفات ليسمى الرجل عالما ...
إن العالم الذي يتحدث في الدين يجب أن تتوفر فيه مجموعة من الشروط لا تختلف كثيرا عما اشترطه المحدثون في الرجال مثل أن يكون مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف عدلا ضابطا ثقة وما إلى ذلك ...
وعندي أنه ينبغي الأخذ بعلم الرجال وما يشترط في المفسر في كل من يتكلم في العلم وأن يتحلى بمثل الصفات الآتية:
1 - الأمانة والصدق أو أ خلاقيات العلم: عن الزهري:إن للعلم غوائل ... ومن غوائله الكذب فيه، وهو شر غوائله
2 - -العلم بالعربية:يقول الإمام مالك:"لا أوتى برجل يفسر القرآن وهو غير عالم بالعربية إلا جعلته نكالا " وهذه من المصائب التي ابتلي بها العلم في العهود الأخيرة حيث تجد الأمي الذي لايكاد يقيم جملة واحدة يفسر كلام الله تعالى ويشرح حديث رسوله عليه الصلاة والسلام
3 - المروءة والتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " العلماء ورثة الأنبياء" الحديث
والعلم إن لم تكتنفه شمائل * * * تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده * * * ما لم يتوج ربه بخلاق
وكان كثير من الطلبة يلازمون شيوخهم مدة بعد الطلب ليتعلموا من آدابهم ...
3 - اقتران العلم بالعمل: ويرجع أيضا إلى السير على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم.
4 - الخشية: -قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} - قال ابن كثير:" أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر."
5 - ترك المعاصي: قال الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور * * * ونور الله لا يهدى لعاصي
6 - السكينة والحلم والتواضع: عن عمر {ض}: "تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والحلم وتواضعوا لمن تعلمون وتواضعوا لمن تعلمون منه ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلهم "
7 - إصلاح ذات البين: في السنن عنه صلى الله عليه وسلم "ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال:إ صلاح ذات البين ... " الحديث
8 - - تبليغ العلم: قال تعالى {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} وقال رسول الله:"بلغوا عني ولو آية " الحديث رواه البخاري وقال:"من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي قال ابن تيمية:" فترك أهل العلم لتبليغ الدين كترك أهل القتال للجهاد ... " •
9 - التيسير والتبشير: لحديث:" يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا " رواه الشيخان
10 - صيانة العلم وإعزازه كما قال الشاعر:
ولم أقض حق العلم إن كان كلما * * * بدا مطمع صيرته لي سلما
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي * * *لأخدم من لاقيت لكن لأخدما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة * * * إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم * * * ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا * * * محياه بالأطماع حتى تجهما
ـ[المجلسي الشنقيطي]ــــــــ[31 Dec 2007, 03:19 ص]ـ
الحمد لله
العالم هو الذي ظهر عليه إرث النبوة.
وكلما كان أعلم بالله كان حظه من ارث النبوة أكبر ..
وأرى أن العالم لا يظهر علمه الا وقت البلاء ..... فإن العلم ما وقر في القلب و صدقه العمل .... و العلم الخشية ..
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[01 Jan 2008, 10:43 م]ـ
من المداخل الضرورية لفهم مصطلح (العالم) وعلى من يمكن إطلاقه، أن نبحث عن استعمالات لفظ العلم في القرآن الكريم، وهل هو وظيفة أو نشاط إنساني عام ينطبق على كل البشر؟ أم أنه ينطبق على البعض دون الآخر؟ ...
وقد وجدت كتابا مفيدا حول هذا الموضوع، بعنوان (العلم والإيمان) للدكتور إبراهيم أحمد عمر، والكتاب دراسة قرآنية مركزة حول المصطلحات الثلاثة: العلم، الإيمان، المعرفة، وعلاقتها بمفهومي الغيب والشهادة.
وأصل الكتاب بحث مقدم للمؤتمر العالمي الرابع للفكر الإسلامي الذي انعقد بالخرطوم سنة 1987.
وقد وضعته في المنتدى في هذا الرابط:
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=10546
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[07 Feb 2009, 12:38 ص]ـ
قال الحارث المحاسبي في رسالة المسترشدين: (اعلم أن العاقل لما صح علمه وثبت يقينه: علم أنه لا ينجيه من ربه إلا الصدق؛ فسعى في طلبه، وبحث عن أخلاق أهله رغبة في أن يحيا قبل مماته، ليستعد لدار الخلود بعد وفاته، فباع نفسه وماله من ربه حيث سمعه يقول: ? إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ?، فعلم بعد الجهل، واستغنى بعد الفقر، وأنس بعد الوحشة، وقرب بعد البعد، واستراح بعد التعب، فائتلف أمره، واجتمع همه، وصارت التقوى شعاره، والمراقبة حاله.
ألا ترى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يارك."
يحسبه الجاهل صمّيتا عييا, وحكمته أصمتته
ويحسبه الأحمق مهذارا , والنصيحة لله أنطقته
ويحسبه غنياً، والتعفف أغناه
ويحسبه فقيراً، والتواضع أدناه
لا يتعرض لما لا يعنيه
ولا يتكلف فوق ما يكفيه
ولا يأخذ ما ليس بمحتاج إليه
ولا يدع ما وكل بحفظه
الناس منه في راحه، وهو من نفسه في تعب
قد أمات بالورع حرصه، وحسم بالتقى طمعه، وأطفأ بنور العلم شهواته.
فهكذا فكن، ولمثل هؤلاء فاصحب، ولآثارهم فاتبع، وبأخلاقهم فتأدب، فهؤلاء الكنز المدفون، بائعهم بالدنيا مغبون، وهم العدة في البلاء، والتقاة من الأخلاء، إن افتقرت أغنوك، وإن دعوا الرب لم ينسوك ? أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?.) انتهى بنصه(/)
روابط الأذاعات والقنوات الاسلامية
ـ[إمداد]ــــــــ[08 Jul 2005, 02:41 ص]ـ
إذاعة القران الكريم من المملكة العربية السعودية
http://www.kacst.edu.sa/en/stream/Quran-Radio-Station.asx
رابط اخر
http://www.saudiradio.net/radio-quran.php?id=1
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
إذاعة القران الكريم من ابو ظبي الأمارات العربية المتحدة
pnm://194.170.242.137/encoder/quran
__________________________________________________ _______
إذاعة القران الكريم من الكويت
http://live.media.gov.kw:8080/kuwait_radio_quran.mp3.m3u
__________________________________________________ __________
إذاعة القران الكريم من نابلس من فلسطين
mms://www.quran-radio.com:3000/
______________________________________
قناة المجد الأسلامية الفضائية
http://www.kacst.edu.sa/ar/stream/Al-Majd%20TV.asx
__________________________________________________ _____
قناة المجد العلمية
http://www.islamacademy.net/arabic/index.asp(/)
17 دليلا متواترا تواترا يقينيا على إفادة أخبار الاحاد العلم اليقيني والعمل
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[08 Jul 2005, 10:09 م]ـ
هذا المقال هو جزء من كتابي: إثبات إفادة خبر الواحد العلم اليقيني والعمل, ولم يطبع بعد.
وكافة حقوق التأليف والطبع والنشر والتوزيع محفوظة.
17 دليلا متواترا تواترا يقينيا على إفادة أخبار الاحاد العلم اليقيني والعمل
(والمقصود بهذه الأدلة المتواترة تواترا يقينيا هي ايات القران الكريم)؛ لأنه متواتر بإجماع أهل القبلة.
1 - قول الله جل في علاه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) (البقرة:143). فوصفهم بأنهم وسط أي عدول خيار، وبأنهم يشهدون على الناس، أي بأن الله أمرهم بكذا، وفرض كذا، ويشهدون بكونها من دينه، وقد قرأوا قوله تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (الزخرف:86). فشهادتهم بهذه الأخبار عن نبيهم توجب ليقين بما قالوه؛ بسبب حفظ الله لهذا الدين, ولعدالة الرواة وقوة حفظهم.
فالمخبر بخبر عن رسول الله (ص) شاهد على الناس بأنه (ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره, وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها, وهذا باطل .. فتأمل.
2 - وقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب 36. إن لفظة (أمرا) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد ... , فمن أين جاء المخالف بتفريقه المبتدَع.
3 - وقوله (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) التوبة 122. والطائفة في اللغة تقع على الواحد فما فوقه ... [البخاري في صحيحه 9: 155 فقد استدل بهذه الآية بما يدل عنده على ما ذكرت أنا, الإمام ابن العربي المالكي في المحصول من علم الأصول2: 173 وأحكام القران 2: 1031, والقرطبي في تفسيره 8: 294, والشعراوي في تفسيره 5576, وأبو الحسين البصري في " المعتمد في الأصول" 2: 588, ود. وهبة الزحيلي في أصول الفقه الإسلامي 1: 469 ... إلخ, وانظر معاجم وقواميس اللغة]. والإنذار: الإعلام والإخبار بما يفيد العلم, فـ (أنذر): أعلم بالشيء وخوّف منه ... [انظر المعجم الوسيط:2: 949, ومعجم ألفاظ القران الكريم 2: 1085]
لقد حض الله المؤمنين على أن ينفر منهم إلى النبي (ص) طائفة ليتعلموا ويفهموا الدين (وكلمة الدين عامة, فهي تشمل العقائد والأحكام, والمعاملات والحدود. ولا شك أن أهم وأول ما يتعلمه طالب العلم هو العقائد؛ لأنها أساس الأمر كله في جميع الرسالات والديانات). ثم حضهم الله على إنذار إعلام وإخبار قومهم بكل ما تعلموه إذا رجعوا إليهم.
فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد الصحيح عقيدة وأحكاما لما حض الله الطائفة على التبليغ والإنذار حضا عاما, فكيف يحض-جل وعلا- على شيء لا قيمة له, ولا فائدة ترجى منه .. , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولقد علل الله الحض على التبليغ بقوله
" لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون", وهذا صريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة (التي هي الواحد فما فوقه) .. , أي لينذروا قومهم حتى يحذروا من ما يجب اجتنابه من كفر وشرك وعصيان لأوامر الله, وفعل لما حرمه ونهى عنه, وحتى يحذروا عذاب الله وعقابه.
4 - قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسئولا) الإسراء 36. أي لا تتبعه ولا تعمل به. و من المعلوم والمقطوع به أنه لم يزل المسلمون من عهد الصحابة والتابعين يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون بها بها العقائد والغيبيات والصفات الإلهية. فلو كانت أخبار الآحاد الصحيحة لا تفيد علما, ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم, وهذا لا يقوله مسلم. [انظر الصواعق المرسلة 2: 396]
(يُتْبَعُ)
(/)
5 - قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) الأنبياء 7. فأمر الله بسؤال أهل الذكر, والأمر للوجوب مطلقا, ويؤكد ذلك كون السائل لا يعلم, ويحرم عليه العمل بالجهل أو بغير تثبت, ولو لم يكن القبول واجبا لما كان السؤال واجبا, فوجب العمل (ووجوب العمل يقتضي وجوب العلم كما أوضحنا سابقا) بخبر المخبر الثقة, وإلا كان وجوب السؤال كعدمه, وذلك باطل. فلولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافيا.
6 - قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه) المائدة 67. وقوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِين) ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان الرسول (ص) يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته, ولو لم يفد ذلك العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل فيلزم من قال أن أخبار رسول الله (ص) لا تفيد العلم أحد أمرين:
أ- إما أن يقول أن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ.
ب- وإما أن يقول أن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب ولا يقتضي علما.
وهذان الأمران هما عين الباطل, فلزم المراد.
وزيادة في البيان والتوضيح أقول: إن الله أمر رسوله بتبليغ ما أنزل إليه للناس كافة (من عاصره ومن يأتي بعده إلى يوم القيامة) , فوجب التبليغ عنه (ص) على من سمع من فمه الشريف, ووجب كذلك على من بعدهم ممن سمعهم .. , وهكذا. وإلا كان وجوب التبليغ على النبي (ص) كعدمه, وهذا باطل. والتبليغ عنه (ص) قد تقوم به جماعة أو واحد أو اثنان, ولا يؤمر أحد بالتبليغ غلا وقد وجب قبول خبره, ووجب العمل به على كل من سمعه, وغلا كان وجوب التبليغ على الفرد أو الجماعة كعدمه, وهذا باطل ممتنع. ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ, ويحصل به العلم (كما أوضحنا سابقا).
7 - قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) البقرة 143. وقوله تعالى: (وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). فالمخبر بخبر عن النبي (ص) شاهد على الناس بأن الرسول (ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس, إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره عنه (ص) , وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها. وهذا كله باطل, فلزم المراد.
وزيادة في البيان أقول: أنه تعالى أخبر أن جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ذلك، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله (ص) أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا, فهم حجة الله على من خالف رسول الله وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة, وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه, ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به من أهل الشهادة, فلو كانت أحاديث رسول الله (ص) التي يرويها الآحاد لا تفيد العلم, لم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه. وانظر الآتي:
8 - قوله تعالى: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون). وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها لا يدري هل هي حق أو باطل.
(يُتْبَعُ)
(/)
فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب طرحها وعدم الالتفات إليها, وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية. وإن كانت حقاً فيجب الشهادة على القطع بأنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به. [ذكره ابن القيم في الصواعق المرسلة]
9 - قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله .. ) النساء 135. فأوجب –جل في علاه- الشهادة لله, والقيام بالقسط .. , والأمر للوجوب, ولا يوجب ذلك إلا وقد ألزم قبول شهادة الشاهد. ومن أخبر عن النبي (ص) بما سمعه منه فقد قام بالقسم المأمور به, وشهد لله, فليزم على السامع قبول الخبر, وإلا كان وجوب الشهادة كعدمها, وهذا باطل ممتنع. [ذكره القاضي برهون في خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته 2: 66]
10 - قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة. ودعوته نوعان .. نوع: مواجهة, ونوع: بواسطة مبلغ. وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين, وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه.
11 - قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم). وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره (ص) إلى يوم القيامة. ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم, فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذرا. وكلمة (أمره) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد, والعبادات والحدود والمعاملات ... , فتأمل منصفا.
12 - قول الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النساء59.
فإذا رجعوا إلى سنة الرسول (ص) بعد وفاته - والآية مطلقة وعامة, تشمل حياته ووفاته (ص) , وتشمل العقيدة والأحكام, وتشمل المتواتر والآحاد الذي وصل إلينا عنه (ص) – فماذا تفيدهم؟ فإن قالوا: ظنا, فهل يأمر الله المتنازعين أن يردوا المتنازع فيه إلى ما يفيدهم ظنا, فيستمر النزاع؟!! لولا أن المردود إليه يفيد العلم القطعي والعمل, وينهي النزاع, لم يكن في الرد إليه أي فائدة, وهذا هو عين الباطل .. فثبت المراد والحمد لله, فتأمل منصفا.
13 - قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه .. ) الحشر7. إن لفظة (ما) من ألفاظ العموم والشمول, وأنت أخي القارئ لو سألت المخالفين لنا عن دليلهم في وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام, لاحتجوا بهذه الآية. فلا أدري, ما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها, وهي داخلة في عموم الآية دخولا يقينيا, يعرف ذلك كل من شم رائحة الفقه واللغة .. , فكلامهم تخصيص بلا مخصص, وذلك كله باطل عاطل.
14 - قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتان, أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة 159.
فلقد توعد الله على كتمان البينات والهدى, فدل ذلك على وجوب إظهار الهدى - ولا شك أن أقوال النبي (ص) وأفعاله من البينات والهدى " وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى" – وما يسمعه الواحد من النبي (ص) يجب عليه إذا إظهاره. فلو لم يجب على من بلغه قبوله, لكان الإظهار كعدمه, فلا يجب. وهذا باطل بنص الآية, فلزم المراد والحمد لله.
وقد يعترض معترض فيقول: لا يسلم لك هذا الدليل؛ لأن الآية خاصة باليهود والنصارى بدليل سبب نزولها الصحيح الثابت.
أقول:
أ- إن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب كما هو معلوم للمبتدئ.
ب- اللعن لا يشمل اليهود والنصارى لمجرد أنهم يهود ونصارى, بل لأنهم كتموا البينات والهدى, فاستحقوا لعن الله ولعن اللاعنين. فعلة اللعن هي الكتمان, وهذا يشمل كل من كتم آية أو حديثا أو علما.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا هو ما فهمه علماء المسلمين. روى البخاري (188) عن أبي هريرة (رض) أنه قال: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة -يعني في رواية الأحاديث عن النبي (ص) -, ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا, ثم تلى البقرة 159: 163 ... ". وروى البخاري (128) عن أنس (رض): "أن معاذ بن جبل أخبر بحديث عند موته تأثما". (أي حتى لا يحمل إثم كتمان حديث النبي"ص"). وهذا أيضا هو قول كبار المفسرين: ابن كثير 1: 618, والشوكاني في تفسيره 1: 115, ود. محمد محمود حجازي في التفسير الواضح 1 - 2 - 14, والشعراوي ص687, وغيرهم من كبار المفسرين.
15 - قوله تعالى: (واذكرن ما يتلوا في بيوتكن من آيات الله والحكمة .. ) الأحزاب 34.
أمر الله أزواج رسوله (ص) بأن يخبرن بما أنزل الله من القران في بيوتهن, وما يرين من أفعال النبي (ص) وما يسمعن من أقواله؛ حتى يصل ذلك إلى الناس, فيعملوا بما فيه ويقتدوا به. وما أمرن بذلك إلا والحجة قائمة بالأخبار التي يبلغنها, ولو كانت الحجة لا تقوم بما تبلغ الواحدة منهن عنه (ص) لكان وجوب التبليغ عليهن كعدمه, لا فائدة له ولا قيمة. وهذا باطل .. , فلزم المراد, فإن وجوب العمل مترتب على وجوب العلم كما أوضحنا سابقا.
16 - قوله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب, هذا حلال وهذا حرام, لتفتروا على الله الكذب, إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) النحل 116.
أفادت الآية أن التحليل والتحريم بدون إذن من الله كذب على الله وبهتان عظيم. فإذا كنا والخالفين متفقين على إيجاب التحليل والتحريم بخبر الواحد الصحيح, وأننا به ننجو من التقول على الله, لأن هذا الخبر إذن من الله لنا بالتحليل والتحريم. فيلزمهم من هذا المنطلق إيجاب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة ولا فرق, لأنها إذن من الله لنا بالتحدث في أمور العقيدة المذكورة في هذه الأحاديث. فمن ادعى التفريق فعليه الدليل والبرهان, ودون ذلك خرط القتاد وخيوط القمر.
17 - قوله تعالى: (يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا .. ) الحجرات 6. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (فتثبتوا) [البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة 2: 315, لشيخ القراء سراج الدين النشار (ت: 938هـ)].
وقبل أن أبين دلالة هذه الآية على المطلوب, أحب أن أبين أننا احتججنا بهذه الآية فيما نحن فيه بسبب أن الله قد تكفل بحفظ الله للشريعة والقران والسنة. فلا يصح الاحتجاج بها على إفادة شهادة الشاهد العدل العلم؛ لأن الشهادة المعينة على شيء معين لم يتكفل الله بحفظها… فافهم هذا جيدا وتأمله منصفا.
وجه الاستدلال بهذه الآية: الآية تدل على أنه إذا جاء من ليس بثقة ولا عدل بخبر, وجب علينا أن نتثبت ونتبين من صحة هذا الخبر. والآية تدل جزما وقطعا –في ضوء ما نبهنا عليه قبل هذا الشرح- على قبول خبر كل من انتفت عنه الصفات الموجبة لرد روايته وعدم الاعتداد بها كالفسق وضعف الحفظ وقبول التلقين, فالوصف بالفسق جاء في هيئة الشرط في الآية. فلزم –بمفهوم الآية والشرط المذكور فيها- أن خبر الواحد الصحيح مفيد للعلم, ولو كان لا يفيد علما لأمر الله تعالى بالتثبت حتى يحصل العلم. ومما يؤكد ما ذكرت عمل الصحابة, فمما هو معلوم بيقين عند كل علماء الحديث أن بعض الصحابة يقول: قال رسول الله (ص) كذا وكذا. في حين أن هذا الصحابي يكون قد سمعه من صحابي آخر سمعه من النبي (ص). وهذا القول "قال رسول الله" شهادة من القائل وجزم بأن النبي (ص) قد قال هذا. ولو كان خبر الواحد لا يفيد العلم القطعي لكان الصحابي شاهدا على رسول الله (ص) بغير علم. وهذا لا يقوله مسلم. [وانظر بعضا من هذا الكلام في إعلام الموقعين 2: 394]
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[09 Jul 2005, 12:48 ص]ـ
جهد مشكور أخي الكريم، فجزاك الله خيراً
وحقيقة أني أتعجب ممن يقول بعدم إفادة خبر الواحد اليقين؛ لكثرة الأدلة التي تبطل هذا الحكم.
وما قولكم شيخنا الحيب وفقكم الله في قول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله - تعليقاً على نخبة الفكر للحافظ ابن حجر -: (وهذا الذي ذكره الحافظ رحمه الله موافق لما نقلناه عن الإمام ابن عبد البر والعلامة النووي رحمة الله عليهما في بيان أن الخلاف إنما هو في إفادة أخبار الآحاد العلم والقطع، أما الاحتجاج بها ووجوب العمل بها إذا صحت أسانيدها فأمر مجمع عليه بين أهل العلم.)
المصدر ( http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=kb00004)
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[09 Jul 2005, 04:22 م]ـ
قولك "وما قولكم شيخنا الحبيب " ..... أنا لست بشيخك أخي الحبيب, إنما أنا مازلت أحبوا في رحاب الشريعة السمحة, فهي بحر لا يدرك غوره, ولا تنفد درره, ولا تنقضي عجائبه.
أما ما ذكرته فسوف أجيب عنه لاحقا؛ لانشغالي ببعض الأمور. وأؤكد على أنه يفيد العلم ((اليقيني والفطعي)) والعمل.
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[10 Jul 2005, 05:57 م]ـ
أين تعليقاتكم أيها الإخوة الأحباب .... ؟؟!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[11 Jul 2005, 12:15 م]ـ
أدلة منطقية عقلية تناقش دعوى المخالف من أساسها, وتنقض مذهبه:
1 - كما أن القول بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، هو قول في حد ذاته عقيدة، فما هو الدليل على صحته؟! فإما أن يأتوا بالدليل القاطع المتواتر على صحة هذا القول، وإلا فهم متناقضون.
2 - إن دعوى احتمال الشبهة (كل أخبار الآحاد تفيد الظن، لوجود احتمال انقطاعها بأي نوع من أنواع الانقطاع ككذب الراوي أو نسيانه أو خطئه في روايته ... الخ) في صحة اتصال أخبار الآحاد إلى رسول الله هي كدعوى من يدعي أن هذا العام مخصوص ولا مخصص، أو أن هذا الدليل المطلق مقيد ولا مقيد، أو أن هذا الحكم منسوخ ولا وجود لناسخه ونحو ذلك، فما أسهل الدعاوى!!!
3 - الذين يجعلونه مظنوناً -ولو مع القرائن- يجوزون أن يكون في نفس الأمر كذباً أو خطأ ثم هم مع ذلك يوجبون العمل به مع ما يخالج نفوسهم من احتمال كونه باطلاً، والعمل به عندهم مكابرة وعناد لا يجوز .. !!! ثم أضيف فأقول: إن القائلين بأنها ظنية ويجب العمل بها، يلزمهم القول بأن الله أمر بما نهى عنه، وما ذمه في هذه الآيات، حيث أوجب أن نحكم في دينه وشرعه بأدلة متوهمة، وقد نهانا عن التخرص في الدين، وأخبر أنه خلاف الهدى الذي جاءهم من ربهم، وإذاً فلا فرق بين أهل الظن وبين أولئك المشركين الذين قال الله فيهم: (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) (الأنعام:148). وقد نهى الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقفوا ما ليس له به علم، بل جعل القول عليه بلا علم في منزلة فوق الشرك، كما في آية المحرمات في سورة الأعراف، حيث ترقى من الأسهل إلى الأشد، فبدأ بالفواحش، ثم بالإثم وهو أشد، ثم بالبغي وهو أعظم من الإثم، وبعده الشرك أشد منه، ثم القول على الله بلا علم، فأي ذم أبلغ من هذا.
وتكلف بعض المتكلمين الجواب عن هذا الدليل بحمل هذه الآيات على ذم الظن والتخرص في أمور الاعتقاد، وما لا بد فيه من اليقين. والجواب: أنا نمنع التفريق بين الأصول والفروع, فالنهي عن الظن على عمومه في الجميع، ويراد به ما لم يكن مبنياً على دلائل وبراهين وأمارات قاطعة حاسمة، بل هو مجرد وهم وتخمين.
4 - إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة. قال ابن حزم [الإحكام (1/ 117 - 118)]: قال تعالى:) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ((الحجر 9).
وقال تعالى:) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ((النحل 44).
فصح أن كلام رسول الله r كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل. فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يُحَرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الذي أتانا به محمد r محفوظ بتولي الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبداً إلى انقضاء الدنيا. قال تعالى:) قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ((الأنعام 19).
فإذ ذلك كذلك فبالضرورة نعلم أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء مما قاله رسول الله r في الدين ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز لأحد من الناس بيقين إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ ولكان قول الله تعالى:) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ((الحجر 9) كذباً ووعداً مخلفاً وهذا لا يقوله مسلم).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما يؤكد ما أقول ويزيده بيانا قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ... أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو مما أنزل الله وهو ذكر من الله أنزله على رسوله وقد تكفل سبحانه بحفظه فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه وهذا من أعظم الباطل ونحن لا ندعي عصمة الرواة بل نقول إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ولا بد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ولا تلتبس بما ليس منها فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين.فتأمل منصفا.
5 - ومما يزيد الأمر وضوحاً في أن الله سبحانه وتعالى حافظ لوحيه إلى قيام الساعة أنه جل وعلا نصب أئمةً أعلاماً جهابذةً حفاظاً أثباتاً نقاداً للحديث يَمِيزُون الطيب من الخبيث، والصحيح من السقيم، والحق من الباطل. قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة. قال: يعيش لها الجهابذة. [انظر: هذا الكلام والذي بعده في: كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 3، 10)]. فمن هؤلاء الجهابذة:- عبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت157هـ)، وشعبه بن الحجاج (ت 160هـ)، وسفيان الثوري (ت161هـ)، ومالك بن أنس (ت179 هـ)، وحماد بن زيد (ت179هـ)، وعبدالله بن المبارك (ت181هـ)، و وكيع بن الجراح (ت196هـ)، وسفيان بن عيينة (ت 198هـ)، ويحيى بن سعيد القطان (ت198هـ)، وعبدالرحمن بن مهدي (ت198هـ)، ويحيى بن معين (ت233هـ)، وعلي بن المديني (ت234هـ)، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه (ت238هـ)، وأحمد بن حنبل (ت241هـ)، وأبو محمد عبدالله الدارمي (ت255هـ)، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)، ومسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ)، وعبيد الله بن عبدالكريم أبو زرعة الرازي (ت264هـ)، وأبو داود السجستاني (ت275هـ)، وأبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي (ت277هـ).
فهؤلاء الذين لا يختلف فيهم ويعتمد على جرحهم وتعديلهم ويحتج بحديثهم وكلامهم في الرجال والحديث قبولاً أو رداً؛ لاتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك. كما أن الله لم ينزلهم هذه المنزلة إذ انطق ألسنة أهل العلم لهم بذلك إلا وقد جعلهم أعلاماً لدينه، ومناراً لاستقامة طريقه وألبسهم لباس أعمالهم. فما أجمع عليه هؤلاء فهو المقبول, وما ردوه فهو المردود؛ سيما وقد قال رسول الله (ص) في حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم الرسول r : بايعنا رسول الله صلى عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر …وعلى أن لا ننازع الأمر أهله. رواه مسلم في صحيحه (3/ 1470). وقد أجمعوا على إثبات إفادة العلم والعمل بخبر الواحد الصحيح كما بينا بحمد الله.
6 - القول بأن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قول أتفه من أن يعبأ بردّه. الذي لا يفيد علماً لا شك أن الاشتغال به يعدّ إضاعة للوقت. وهل يعقل أن يمضي الآلاف من علماء هذه الأمة أوقاتهم في جمع وتبويب ودراسة وشرح ما لا يفيد؟!
7 - يعتبر المخالفون أن خبر الواحد مسألة من المسائل الشرعية التي يبحث فيها .. , أقول لهم: منذ متى وهي "مسألة" يشتغل بها أصلاً؟ هل اعتبرها أهل الحديث المتقدمون "مسألة"؟ أم أنها كذلك عند المتكلمين ومن حذا حذوهم. ونحن لم نعتبرها مسألة إلا للرد على زيغهم وضلالهم فحسب .. , فتأمل.
8 - أن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم- العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ولو قيل لهم أنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم لم يروها عنهم عدد التواتر وهذا معلوم يقيناً فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم إن هذا لهو العجب العجاب وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفتاواه وأقضيته تفيد العلم. وإما أن يقولوا أنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم وأن النقول عنهم لا تفيد علماً. وإما أن يكون ذلك مفيد للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو من أبين الباطل.
9 - قولهم إن خبر الواحد لا يوجب العلم, يلزم منه الآتي: إن النبي صلى الله عليه وسلم أدَّى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه –وهذا لا يجادل فيه كافر- ليؤدوه إلى الأمة، ونقلوا عنه، فإذا لم يقبل قول الراوي لأنه واحد رجع هذا العيب إلى المؤدي –أي النبي (ص) - نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والاعتقاد القبيح.
10 - إذا قلنا: أن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم, حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً، ولا ينفع، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور مالا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عليه. وهذا هو رأس الباطل بعينه.(/)
ذكرى .. والم ..
ـ[ hedaya] ــــــــ[10 Jul 2005, 06:29 م]ـ
في غفلة من الدولة الإسلامية، جمع الفرنجة قوتهم من كل مكان وأعلن رأس الكنيسة (البابا) الحرب الصليبية على بلاد المسلمين، من أجل استعادة ما يدَّعون أنه حق النصارى في القدس (وما صدقوا في ذلك لأن الأيام أثبتت أنهم نكلوا بالنصارى في فلسطين كما فعلوا بالمسلمين)، وإعادة عرش المملكة الرومانية إليها.
وبدخولهم القدس الشريف في 4/ 7 / 1099م، موطن النور والأمن والسلام، أعمل الصليبيون السيف، فقتلوا 70 ألفاً من أهلها، ولم يرحموا شيخاً كبيراً ولا طفلاً صغيراً ولا حتى امرأة، ولم يعرفوا حرمة لبيت أو مسجد، وجرت الدماء في أزقة القدس أنهاراً، ورفع الصليبيون الصليب على قبة الصخرة المشرفة، وحولوا المصلى المرواني إلى اسطبل للخيول، ومنعوا الصلاة فيه.
وبعد مرور 80 عاماً على طغيانهم، جاء القائد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي ليكسر عرشهم، ويسقط صليبهم من على القبة المشرفة، ويعيد للمسجد الأقصى طهره وعزه.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فبينما المسلمون في غفلة وضياع، عاث اليهود في الأرض وما زالوا فساداً وخراباً، يقتلون الناس ويدوسوا على حرمة المساجد، حتى المسجد الأقصى لم يسلم من مكرهم وحقدهم فمنعوا المسلمين من الصلاة فيه وانتهكوا ودنسوا طهر المسجد ولم يخفوا عزمهم على تدميره بلا كلل.
لكن أبناء فلسطين يُثبتون في كل لحظة كما أثبت أجدادهم من قبل أن في الأمة لا زال ألف صلاح الدين، فهذه الأيادي الصغيرة التي تقذف الحجارة، وهذه القنابل البشرية التي تضرب في كل مكان فيه احتلال، لتعيد للأمة ذاكرة صلاح الدين وقطز ومن فاروق الأمة عمر وتبشر بأنه مهما ازداد حقد الحاقدين فستشرق شمس الحرية على الأقصى من جديد.(/)
هل تعلم؟ إذًا فاعمل!
ـ[ hedaya] ــــــــ[10 Jul 2005, 07:08 م]ـ
هل تعلم؟ إذًا فاعمل!
أخي الحبيب وأختي الفاضلة:
* هل تعلم أن أداء الصلاة هو ما يفرق بين المسلم والكافر؟
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بينَ الرجلُ وبين الشّركِ والكفرِ تركُ الصلاة".
* هل تعلم أن الله عزَّ وجلَّ قد أمرنا بأداء الصلوات الخمس؟
- قال عزَّ من قائل: [حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ].
* هل تعلم أن الصلاة كانت وصية رسول صلى الله عليه وسلم قبل موته؟
- كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي توفي فيه: "الصَّلاة وما مَلَكَت أَيمَانُكم" ... فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه.
* هل تعلم أن الصلاة مكفرة للذنوب والسيئات؟
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله عليه، فيصلي هذه الصلوات الخمس، إلا كانت كفارة لما بينهن".
* هل تعلم أن الصلاة مفتاحٌ لكل خير؟
- قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "الصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، طاردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل، منشطة للجوارح، ممدة للقوى، شارحة للصدر، منورة للقلب، حافظة للنعم، دافعة للنقم، جالبة للبركة، مبعدة من الشيطان، مقربة من الرحمن".
* هل تعلم أن الصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة؟
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن أكملها كتبت له نافلة فإن لم يكن أكملها قال الله سبحانه لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فأكملوا بها ما ضيع من فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك".
* هل تعلم أن تارك الصلاة مع المجرمين في نار جهنم؟
- قال الله عزَّ وجلَّ: [كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ].
* وأخيرًا ... هل تعلم أن أداء الصلاة سبيل لدخول الجنة؟
- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني جبريل من عند الله تَباركَ وتَعالَى، فقال: يا محمد إن الله عز وجل قال لك: إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات، من وافاهن على وضوئهن ومواقيتهن، وسجودهن، فإن له عندي بهن عهد أن أدخله بهن الجنة، ومن لقيني قد انقص من ذلك شيئاً - أو كلمة تشبهها - فليس له عندي عهد، إن شئت عذبته، وإن شئت رحمته".
أخي الحبيب وأختي الفاضلة:
ها قد علمنا معًا جانبًا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصالحين بشأن فريضة الصلاة، وعرفنا معًا جانبًا من فوائدها في الدين و الدنيا والآخرة!
إذاَ هل يُعقل أن يضيع مسلم الصلاة بعد ذلك؟!
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ...
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
والحمد لله رب العالمين
((واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون))
منابر الدعوة - بتصرف
سرايا الدعوة(/)
محاضرات في الحث على طلب العلم والعمل به
ـ[إمداد]ــــــــ[11 Jul 2005, 02:42 ص]ـ
كيف نتحمس لطلب العلم للشيخ محمد بن صالح المنجد رعاه الله
http://audio.islamweb.net/audio/ind...o&audioid=87510
إقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي رحمه الله للشيخ محمد بن صالح المنجد رعاه الله
http://audio.islamweb.net/audio/ind...fo&audioid=4783
فضل علم السلف على علم الخلف لإبن رجب رحمه الله للشيخ محمد بن صالح المنجد رعاه الله
http://audio.islamweb.net/audio/ind...fo&audioid=4780
__________________(/)
مصطلح ((الليبرالية الإسلامية)) ... رؤية شرعية
ـ[عبد الله بن حميد الفلاسي]ــــــــ[12 Jul 2005, 05:02 م]ـ
[ align=center] مصطلح ((الليبرالية الإسلامية)) ... رؤية شرعية
إعداد
عبد الله بن حميد الفلاسي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
لقد شاع في كثير من وسائل الإعلام والمنتديات مصطلح " الليبرالية الإسلامية "، مما أدى إلى أن يظن البعض أن هذا المبدأ يتيح للإنسان حريته من خلال سلوك يحكمه الدين ثم العرف الاجتماعي ثم الأخلاق الإنسانية الفطرية، وقد تسلل هذا المصطلح إلى عقول بعض من يطلق عليهم (الإسلاميون) حتى رأينا من يتمدح بأنه (ليبرالي إسلامي)، أي: متفتح متعصرن، لا مشكلة عنده مع الليبرالية، ولهذا كان لابد من توضيح خطورة هذا المصطلح وحقيقته.
فالليبرالية -كما في الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة-:
مذهب رأسمالي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي، ففي الميدان السياسي وعلى النطاق الفردي: يؤكد هذا المذهب على القبول بأفكار الغير وأفعاله ولو كانت متعارضة مع المذهب بشرط المعاملة بالمثل.
وفي إطارها الفلسفي تعتمد الفلسفة النفعية والعقلانية لتحقيق أهدافها، وعلى النطاق الجماعي: هي النظام السياسي المبني على أساس فصل الدين عن الدولة، وعلى أساس التعددية الأيديولوجية، والتنظيمية الحزبية والنقابية، من خلال النظام البرلماني الديمقراطي بسلطاته الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية للحفاظ عليها، وفي كفل حرية الأفراد بما في ذلك حرية المعتقد، إلا أن الليبراليين في الغالب يتصرفون ضد الحرية لارتباط الليبرالية بالاستعمار، وما يتضمن ذلك من استغلال واستعباد للشعوب المستعمرة.
والليبرالية الاقتصادية: تأخذ منبعها من المدرسة الطبيعية، التي تؤكد على أنه يوجد نظام طبيعي يتحقق بواسطة مبادرات الإنسان الاقتصادي، الذي ينمو بشكل طبيعي نحو تلبية أقصى احتياجاته بأقل ما يمكن من النفقات، على أن تحقيق الحرية الاقتصادية يحقق النظام الطبيعي، وفي ذلك تدعو الليبرالية الاقتصادية إلى عدم تدخل الدولة في النظام الاقتصادي إلى أدنى حد ممكن، ومن أشهر من نادى بالليبرالية آدم سميث ومالتوس وريكاردو وجون ستيورات مل.
وبالتالي فإطلاق المصطلح "الليبرالية الإسلامية" لا يجوز شرعاً لعدة اعتبارات:
الاعتبار الأول: أن الإسلام منهج عظيم متكامل، والجمع بينه وبين المذاهب الأرضية التي هي في الحقيقة زبالات الأذهان ونفايات الأفكار، طعن فيه بالنقص والحاجة إلى التكميل، وقد قال تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً)) (المائدة: 3). وقال تعالى: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (آل عمران: 85). وقال: ((أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ)) (آل عمران: 83) وقال: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)) (المائدة: 50).
الاعتبار الثاني: أنه لا وجود لما يسمى بالليبرالية الإسلامية، لأن هذا جمع بين النقيضين، ومن أطلق هذا المصطلح المحدث يصدق عليه قول الشاعر:
سارت مشرقة وسرت مغربا شتان بين مشرق ومغرب
فشتان شتان بين الليبرالية والإسلام، ولهذا فإن من يطلق هذا المصطلح "الليبرالية الإسلامية" يضطر إلى أن يفسر الليبرالية بتفسير يفرغها من حقيقتها ومضمونها، بحيث لا يبقى لها أي معنى، فإذا كانت الليبرالية الإسلامية تعني التقيد بالدين ثم بالعرف ثم بالأخلاق الإنسانية الفطرية كالرحمة والشفقة .. الخ، فأي فائدة لكلمة الليبرالية، فإن التقيد بالدين ثم بالعرف ثم بالأخلاق الإنسانية داخل في مفهوم الإسلام، فأي جديد أضافته كلمة الليبرالية حتى يقال: ليبرالية إسلامية؟!
الاعتبار الثالث: أن هذا المصطلح المحدث يوهم التقارب بين الإسلام والليبرالية، ويسمح بتمرير ضلالات الليبرالية إلى قلوب عوام الناس وعقولهم وهم لا يشعرون، وهذا لا ريب أنه محظور عظيم يجب سد الطرق المفضية إليه.
الاعتبار الرابع: وبما أن الليبرالية تبيح للشخص أن ينتسب إلى أي دين، وإلى أي مذهب دون أن يعاب أو ينكر عليه، فهذه حريةً مطلقة لا قيود ولا ضوابط لها، فقد دل الكتاب والسنة وأجمع المسلمون على وجوب اتباع دين الإسلام الحق، وأن من لم يتبع دين الإسلام فهو كافر شقي في الدنيا، وهو في الآخرة من الأخسرين الخالدين في الجحيم، قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وقال النبي -صلى اللهُ عليه وعلى آله وسلم-: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار)).
الاعتبار الخامس: إن مفهوم الليبرالية، كما وضع له في الغرب، يصطدم بالدين الإسلامي، بل كافة الشرائع، في أصول لايستهان بها، كاستبدال الحكم الإلهي بالحكم البشري، فيما يسمى بالديمقراطية، وكذا الحرية المطلقة في الاعتقادات، بالتغيير والتبديل، وغير ذلك.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع:
1. فتوى رقم 51488 و 42744 من موقع الشبكة الإسلامية.
2. سليمان الخراشي، الليبرالية ... النبت اليهودي!!، موقع صيد الفوائد.
3. أسامة بن عطايا العتيبي، الليبرالية: مذهب هدام يدمِّر العقيدة ويؤيد التفجير والتكفير والفساد، موقع الشيخ أبي عمر أسامة بن عطايا العتيبي.
4. أبو سارة، نظرة في: " .. الليبرالية .. " من الداخل، موقع شبكة الراصد.
5. سعيد صالح الغامدي، الرد على عادل الطريفي – والتحذير من ظاهرة "الإسلاميين الليبراليين"، موقع شبكة الراصد.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الجندى]ــــــــ[12 Jul 2005, 07:04 م]ـ
بارك الله فيك
ـ[عبد الله بن حميد الفلاسي]ــــــــ[14 Jul 2005, 09:58 ص]ـ
وفيك بارك أخي الكريم
ـ[ناصر الغامدي]ــــــــ[04 Jan 2006, 04:43 م]ـ
الله يبارك فيك(/)
العلامة المحدث عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله ورعاه
ـ[إمداد]ــــــــ[13 Jul 2005, 01:50 ص]ـ
الاسم: عبد المحسن بن حمد العباد
سيرة الشيخ ومعلومات عن حياته:
اسم الشيخ حفظه الله:
هو الشيخ المحدث الفقيه العلامة السلفي الزاهد الورع عبدالمحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد بن عثمان آل بدر.
أسرته:
وأسرة آل بدر من آل جلاس من قبيلة عنزة إحدى القبائل العدنانية، والجد الثاني عبد الله ولقبه (عباد) وقد اشتهر بالانتساب إلى هذا اللقب بعض أولاده ومنهم المترجم له، وأمه ابنة سليمان بن عبد الله آل بدر.
ولادته ونشأته:
ولد الشيخ عبدالمحسن العباد عقب صلاة العشاء من ليلة الثلاثاء من شهر رمضان عام 1353 هـ في بلدة الزلفي، ونشأ وشب فيها، وتعلم مباديء القراءة والكتابة في الكُتاب عند بعض مشايخ الزلفي
مشايخه في الزلفي:
1 - الشيخ عبد الله بن أحمد المنيع.
2 - الشيخ زيد بن محمد المنيفي.
3 - الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغيث، وقد أتم على يديه القرآن الكريم.
4 - الشيخ فالح بن محمد الرومي.
ومن شيوخه بعد ذلك:
5 - الشيخ المفتي محمد بن إبراهيم
6 - والشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز
7 - والشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي
8 - والشيخ العلامة عبدالرحمن الأفريقي
9 - والشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي
رحمهم الله أجمعين.
ملامح من سيرته في التعلم والتعليم:
دراسته:
عندما أسست أول مدرسة ابتدائية في الزلفي عام 1368 هـ التحق بها في السنة الثالثة الابتدائية، ونال الشهادة الإبتدائية فيها عام واحدٍ وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية.
ثم انتقل إلى الرياض ودخل معهد الرياض العلمي، وكانت السنة التي قدِم العلامة الإمام عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- من الخرج إلى الرياض وأول سنة يُدرسُ في هذا المعهد.
وبعد تخرجه التحق بكلية الشريعة بالرياض، وأثناء السنة النهائية في الكلية عُين مدرساً في معهد بريدة العلمي في 13/ 5/1379هـ، وفي نهاية العام الدراسي عاد إلى الرياض لأداء الامتحان النهائي في الكلية، فأكرمه الله تعالى بأن كان ترتيبه الأول بين زملائه البالغ عددهم ثمانين خريجاً، وكانوا يمثلون الفوج الرابع من خريجي كلية الشريعة بالرياض، كما كان ترتيبه الأول أيضاً في سنوات النقل الثلاث في الكلية، وعند حصوله على الشهادة الثانوية بمعهد الرياض العلمي. ودرس الشيخ في الجامعة وفي المساجد على يد العلماء الكبار ممن سبق ذكرهم.
وقد درس على الشيخ عبدالرحمن الأفريقي- رحمه الله- في الرياض عام اثنتين وسبعين وثلاثمائة وألف والعام الذي تلاه درسَ عليه
في الحديث والمصطلح، ويقول عنه:
((كان مدرساً ناصحاً وعالماً كبيراً، وموجّهاً ومرشداً وقدوة في الخير رحمه الله تعالى)).
وفي عام 1380هـ نقل إلى التدريس في معهد الرياض العلمي، وعندما أنشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وكانت أول كلية أنشئت فيها هي كلية الشريعة، اختاره سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ للعمل فيها مدرساً، وبدأت الدراسة فيها يوم الأحد 3/ 6/1381هـ.
وكان المترجم له الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد أول من ألقى فيها درساً في ذلك اليوم.
وقد حصل على شهادة الماجستير من مصر.
وبقي الشيخ يعمل مدرساً في هذه الجامعة إلى الآن إضافة لتدريسه في الحرم النبوي الشريف.
وفي 30/ 7/1393هـ عُين نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية، وقد اختاره لذلك المنصب جلالة الملك فيصل – رحمه الله -، وكان أحد ثلاثة رشحهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – رئيس الجامعة في ذلك الوقت وبقي في ذلك المنصب إلى 26/ 10/1399هـ، حيث أُعفي منه بإلحاح منه، وفي السنتين الأوليين من هذه السنوات الست، كان المترجم له هو المسؤول الثاني فيها، وبعد انتقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء كان هو المسئول الأول، خلال هذه الأعوام الستة لم يتخل عن إلقاء درسين أسبوعياً في السنة الرابعة من كلية الشريعة.
وها هنا قصة ذكرها الشيخ سلمه الله حصلت له قبل توليه رئاسة الجامعة حيث يقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
((كنت أتي إليه-يعني الإمام بن باز رحمه الله-قبل الذهاب إلى الجامعة وأجلس معه قليلاً، وكان معه الشيخ إبراهيم الحصين رحمه الله، وكان يقرأ عليه المعاملات من بعد صلاة الفجر إلى بعد ارتفاع الشمس.
وفي يوم من الأيام قال لي: رأيتُ البارحةَ رؤيا وهو أنني رأيتُ كأنّ هناك بَكْرَةٌ جميلة وأنا أقودها وأنت تسوقها، وقال: أوّلتُها بالجامعة الإسلامية، وقد تحقق ذلك بحمد الله فكنتُ معه في النيابة مدّة سنتين ثم قمتُ بالعملِ بعدهُ رئيساً بالنيابة أربعةَ أعوام)).
ولقد أُضيف لمكتبة الجامعة الإسلامية في عهد رئاسة المترجم الكثير من المخطوطات بلغت الخمسة آلاف مخطوطة، حيث كان يُنتدب الشيخ العلامة حماد الأنصاري –رحمه الله -لجلبها من مختلف مكتبات العالم، يقول الشيخ حماد:
((تراث السلف الذي صور للجامعة الإسلامية أغلبه في عهد الشيخ عبد المحسن العباد عندما كان رئيساً للجامعة الإسلامية))، ويقول أيضاً:
((جلبت للجامعة الإسلامية أثناء رحلاتي على حسابها خمسة آلاف مخطوطة، وأغلب الرحلات التي من أجل جلب المخطوطات وتصويرها، وكانت في وقت رئاسة الشيخ عبد المحسن العباد للجامعة)).
وقد كان أكثر هذه المخطوطات من كتب الحديث المسندة والعقيدة السلفية.
ولم أجد من يصور عظيم خدمة المترجم للعلم والتعليم خلال رئاسة للجامعة إلا ما قاله العلامة حماد الأنصاري – رحمه الله -:
((إن الشيخ عبد المحسن العباد ينبغي أن يكتب عنه التاريخ، كان يعمل أعمالاً في الجامعة تمنيت لو أني كتبتها أو سجلتها، وقد كان يداوم في الجامعة على فترتين صباحاً ومساء بعد العصر، ومرة جئته بعد العصر بمكتبه وهو رئيس الجامعة فجلست معه ثم قلت: يا شيخ أين القهوة؟ فقال: الآن العصر ولا يوجد من يعملها، ومرة عزمت أن أسبقه في الحضور إلى الجامعة فركبت سيارة وذهبت، فلما وصلت إلى الجامعة فإذا الشيخ عبد المحسن يفتح باب الجامعة قبل كل أحد)).
وقال الشيخ حماد أيضاً: ((والشيخ عبد المحسن في الجد في العمل حدث ولا حرج)).
وقال أيضاً: ((الجامعة الإسلامية هي جامعة العباد والزايد والشيخ بن باز)).
وقد كان الشيخ سبباً في تأليف الكتاب العظيم في التوسل الذي ألفه العلامة حماد الأنصاري رداً على كتاب عبدالله الغماري (إتحاف الأذكياء في التوسل بالأنبياء والصالحين والأولياء) وكان المترجم قد أحضره معه من سفرته للمغرب.
أول رحلات الشيخ:
إن أول رحلة قام بها الشيخ العباد خارج مدينة الزلفي كانت إلى مكة المكرمة لحج بيت الله الحرام، وذلك عام 1370هـ.
وفي أواخر عام 1371هـ رحل إلى الرياض لطلب العلم في معهد الرياض العلمي.
وقد سافر الشيخ إلى المغرب.
لطائف من أقوال الشيخ:
يقول المتَرْجَم له:
((إن لدي الآن دفاتري في مختلف المراحل الدراسية بدأً من السنة الثالثة الابتدائية، وهي من أعز وأنفس ما أحتفظ به)).
ويقول:
((من أحب أعمالي إلى نفسي وأرجاه لي عند ربي حبي الجم لأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورضي الله عنهم – وبغضي الشديد لمن يبغضهم، وقد رزقني الله تعالى بنين وبنات، سميت أربعة من البنين بأسماء الخلفاء الراشدين –رضي الله عنهم- بعد التسمية باسم سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم -، وسميت بعض البنات بأسماء بعض أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن - بعد التسمية باسم سيدة نساء المؤمنين –رضي الله عنها- وأسأل الله تعالى وأتوسل إليه بحبي إياهم وبغضي من يبغضهم، وأن يحشرني في زمرتهم، وأن يزيدهم فضلاً وثواباً)).
قال صاحب كتاب (علماء وأعلام وأعيان الزلفي):
((والمترجم له أيضاً يعتبر مثالاً في العلم والعمل والاستقامة في دينه، متواضعاً حليماً ذا أناة وتؤدة)).
وممن درس على الشيخ الكثير من العلماء وطلبة العلم ومنهم:
الشيخ العلامة إحسان إلهي ظهير
الدكتور علي ناصر فقيهي
والشيخ يوسف بن عبدالرحمن البرقاوي
والدكتور صالح السحيمي
والدكتور وصي الله عباس
والكتور عبدالرحمن الفريوائي
والشيخ الحافظ ثناء الله المدني
والدكتور باسم الجوابرة
والدكتور ناصر الشيخ
والدكتور صالح الرفاعي
والدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي.
والدكتور عبدالرحمن الرشيدان
والدكتور إبرهيم الرحيلي
والكتور مسعد الحسيني
وابنه الدكتور عبدالرزاق.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعدد كبير من خريجي الجامعة الإسلامية وطلاب الحرم النبوي الشريف
مؤلفاته:
للشيخ مؤلفات عديدة منها:
1 - عشرون حديثاً من صحيح الإمام البخاري.
2 - عشرون حديثا من صحيح الأمام مسلم.
3 - من أخلاق الرسول الكريم.
4 - عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام.
5 - فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة.
6 - عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر.
ومما قاله الإمام عبد العزيز عن هذا الكتاب عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر)) قبل تمامها، وذلك بعد محاضرة ألقاها المترجم حول (المهدي المنتظر):
((الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فإنا نشكر محاضرنا الأستاذ الفاضل الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد على هذه المحاضرة القيمة الواسعة فلقد أجاد فيها وأفاد واستوفى المقام حقاً فيما يتعلق بالمهدي المنتظر مهدي الحق، ولا مزيد على ما بسطه من الكلام فقد بسط واعتنى، وذكر الأحاديث، وذكر كلام أهل العلم في هذا الباب، وقد وفق للصواب وهُدي إلى الحق، فجزاه الله عن محاضرته خيراً وجزاه الله عن جهوده خيراً وضاعف له المثوبة وأعانه على التكميل والإتمام لرسالته في هذا الموضوع، وسوف نقوم بطبعها بعد انتهائه منها لعظم فائدتها ومسيس الحاجة إليها)). قلت: ماكان الإمام عبد العزيز ابن باز-رحمه الله – وهو من هو في التثبت وعدم الاستعجال ليثني على هذه الرسالة ويعد بطباعتها، لولا ثقته بها وبمؤلفها، فتنبه!
7 - الرد على الرفاعي والبوطي.
8 - الانتصار للصحابةِ الأخيار في ردِّ أباطيل حسن المالكي.
9 - الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله نموذج من الرعيل الأول.
10 - الشيخ عمر بن عبدالرحمن فلاته وكيف عرفته.
11 - الإخلاص والإحسان والإلتزام بالشريعة.
12 - فَضلُ المدينة وآدابُ سُكنَاها وزيارتِها.
13 - شرح عقيدة أبي زيد القيرواني، والمترجم له إن لم يكن أول عالم سلفي يشرحها، فهو من أوائل العلماء السلفيين شرحاً لها، مما يدل على ذلك قول العلامة حماد الأنصاري في حياته:
((لم يشرح عقيدة ابن أبي زيد القيرواني عالم سلفي، إنما شرحها الأشاعرة)) والشيخ حماد قد توفي في الشهر السادس من عام 1418هـ.
14 - كتاب ((من أقوال المنصفين في الصحابي الخليفة معاوية رضي الله عنه))
وقد اقتصر فيها المترجم له على أقوال المنصفين دون المتعسفين المنحرفين، فلما أطلع على رسائل المدعو (حسن المالكي) ألف (الانتصار) رداً عليه، فدحض أباطيله بالحجة والبرهان، فجزاه الله عن صحابة رسول الله خير الجزاء.
15 - رفقا أهل السنة بأهل السنة
وكما ذكرنا أنهُ مدرس بالحرم المدني فالعام الماضي كانت دروسه يومياً عدا الخميس بعد كل صلاة مغرب بالحرم النبوي في شرح سنن أبي داود، وله دروس أخرى في مسجده.
أتم الشيخ شرح عدة كتب من كتب السنة النبوية، وشرح مقدمة ابي زيد القيرواني في العقيدة، وشرح في المصطلح ألفية السيوطي، وشرح كتاب الصيام من اللؤلؤ والمرجان، وكتاب آداب المشي إلى الصلاة وكلها في الحرم.
من دروسه بالحرم النبوي والتي تجدها في تسجيلات الحرم النبوي:
1 - شرح مُختصر ألفية السيوطي ـــــ57شريط.
2 - القيروانيةـ14 شريط.
3 - صحيح البخاري [لم يكتمل]ــــــ623 شريط.
4 - سنن النسائي ــــــــ414 شريط.
5 - سنن أبي داود [و قد تم شرحه]ــــــ؟؟ شريط.
6 - اللؤلؤ والمرجان [كتاب الصيام]ــــــ7 شريط.
7 - آداب المشي إلى الصلاةـ14 شريط.
حبه للعلماء السلفيين أهل الحديث:
إن الشيخ من محبي أهل الحديث والسلفيين وكانت تربطه علاقة قوية بعلمائهم من شتى الديار
كما كانت تربطه علاقة متينة بالشيخ العلامة حماد الأنصاري رحمه الله
والشيخ العلامة عمر فلاته رحمه الله
و بالشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وله ثناء عطر عليه ومن ذلك:
قوله:
لا أعلم له نظيراً في هذا العصر في العناية بالحديث وسعة الإطلاع فيه، وأنا لا أستغني وأرى أنه لا يستغني غيري عن
كتبه والإفادة منها.
من أخلاقه والثناء عليه:
ومن الأمور التي تدل على رفعة أخلاق المترجم ورحمته للخلق أنه رغم ترؤسه للجامعة الإسلامية إلا أنه لم يكن يستغل هذا المنصب الرفيع ليشق على العاملين معه؛ بل كان يتعمد عدم إقلاق راحتهم، وقد روى العلامة حماد الأنصاري ما نصه:
((ذهبت إلى الجامعة عصراً عندما كان الشيخ عبد المحسن العباد رئيسها، ولم يكن في الجامعة إلا أنا وهو، فقلت له: لماذا لا تأتي بمن يفتح لك الجامعة قبل أن تحضر؟، فقال: لا أستخدم أحداً في هذا الوقت، لأنه وقت راحة، وكان ذلك وقت العصر)).
وقال العلامة المحدث الشيخ حماد الأنصاري:
((إن الشيخ عبد المحسن العباد ما رأت عيني مثله في الورع)).
ومن محاضرات الشيخ المسجلة:
1 - معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بين أهل الإنصاف وأهل الإجحاف.
2 - الإيمان بالغيب.
3 - أربع وصايا للشباب.
4 - أثر علم الحديث.
5 - تقييد النعم بالشكر.
6 - محبة الرسول صلى الله عليه وسلم (2 شريط.
7 - توقير العلماء والاستفادة من كتبهم.
8 - أثر العبادات في حياة المسلمين.
9 - الشيخ بن عثيمين رحمه الله وشيءٌ من سيرته ودعوته.
10 - الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله نموذج من الرعيل الأول.
11 - الشيخ عمر بن عبدالرحمن فلاته وكيف عرفته.
12 - خطر البدع.
وغيرها ...
حفظ الله الشيخ العلامة عبد المحسن العباد ونفع به ونصر به التوحيد والسنة اللهم آمين.
اضغط هنا لاستماع دروس الشيخ عبد المحسن وفقه الله ( http://www.islamway.com/index.php?iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=461)(/)
إثبات إفادة خبر الواحد العلم والعمل بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول وأقوال العلماء
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[17 Jul 2005, 10:18 ص]ـ
إثبات إفادة خبر الواحد العلم والعمل
تأليف
أبو صلاح الدين
كافة حقوق التأليف والطبع والنشر والتوزيع محفوظة
وجوب العلم قبل العمل:
في وجوب العلم قبل العمل يقول بعض الناس-جزاه الله خيرا-:
1 - قال تعالى (قل إنما حرّم ربي الفواحش ماظهر منها ومابطن، والإثم والبغي بغير الحق، وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) الأعراف 33.
وهذا نص صريح في تحريم القول على الله بغير علم (قل إنما حرَّم ربي ... وأن تقولوا على الله مالا تعلمون). وهو وعيد خاص في حق العالم والقاضي والمفتي وكل مبلغ لأحكام الله تعالى أن يقول على الله مالا يعلم. ويدل النص –بمفهومه- على وجوب العلم قبل القول والعمل ومنه التعليم والحكم والفتوى.
وقد بيَّن الله تعالى في آيةٍ أخرى أن الإقدام على مخالفة هذا النهي إنما هو من تزيين الشيطان، وذلك في قوله تعالى (ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين، إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون) البقرة 168: 169. ومثل هذه الآية قوله تعالى (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ٍ ويتبع كل شيطان مريد، كُتب عليه أنه من تولاه فأنه يُضله ويهديه إلى عذاب السعير) الحج 3: 4. فدل على أن الجدال- وهو أقوال- بغير علم من تزيين الشيطان، وبيَّن سوء عاقبة ذلك.
2 - قوله تعالى (إذ تلقّونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم) النور 15.
فَذَمّ الله تعالى القول بغير علم (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم) وبيّن سبحانه أن هذا أمر عظيم عند الله وإن استهان الناس به. والآية وإن كانت في حق من تكلم في حادثة الإفك إلا أن العبرة بعموم اللفظ. اهـ ما قاله بعض الناس.
3 - قوله تعالى (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم، فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم) آل عمران 66.
قال القرطبي في تفسيره (4: 108): " في الآية دليل على المنع من الجدال لمن لا علم له، والحظر على من لا تحقيق عنده .. - إلى قوله- وقد ورد الأمر بالجدال لمن عَلِم وأيقن فقال تعالى «وجادلهم بالتي هي أحسن» ".
4 - قال البخاري رحمه الله في كتاب العلم من صحيحه، باب (العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى " فاعلم أنه لا إله إلا الله" فبدأ بالعلم) أهـ.
قال ابن حجر" فتح الباري، 1/ 159: 160": (قال ابن المنيّر: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يُعتبران إلا به، فهو متقدم عليهما لأنه مصحِّح للنية المصحِّحة للعمل).
5 - عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار) رواه الأربعة، وصححه الحاكم والألباني.
فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على من عمل بعلم (وهو من عرف الحق فقضى به)، كما ذم من عمل بغير علم (وهو من قضى على جهل) وذكر الوعيد الوارد في حقه بما يدل على أنه لم يعذره بالجهل لتقصيره في طلب العلم الواجب عليه قبل اشتغاله بالقضاء. فدل الحديث على تحريم القول والعمل بغير علم، وعلى وجوب العلم قبل القول والعمل.
حفظ الله للسنة:
إن المخالف بنى مذهبه الباطل في رد أخبار الآحاد الصحيحة على قياس باطل فاسد الاعتبار, فقد قاس المخبر-بتشريع عام للأمة أو بصفة من الصفات الإلهية- عن رسول الله أو عمن سمع رسول الله, قاسه على خبر الشاهد على قضية معينة, ويا بعد ما بينهما!! فإن الشهادة المعينة على شيء معين لم يتكفل الله بحفظها, بخلاف الدين والشريعة والقران والسنة .. , لأن المخبر عن رسول الله (ص) لو قدر أنه كذب أو سها ولم يظهر ما يدل على ذلك, لزم منه ضياع الدين وإضلال الخلق وتضليلهم, وهذا محال على الله تعالى.
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول-جل في علاه-: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر 9. ولفظة (ذكر) بعمومها وشمولها تشمل القران والسنة - متواترة وآحادية, فأنت تقول مثلا: أذكار الصباح والمساء, أذكار اليوم والليلة, أذكار الصلاة .. إلخ. والسنة منزلة بوحي من الله .. , وما ينطق عن الهوى أن هو ألا وحي يوحى -. فجميع ما يصدق عليه ذكر فهو في ضمان الله وحفظه إلى يوم القيامة.
إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة.
قال الإمام ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام (1/ 117 - 118): قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر 9). وقال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (النحل 44).
فصح أن كلام رسول الله (ص) كله في الدين وحي من عند الله عز وجل لا شك في ذلك ولا خلاف بين أحد من أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل. فالوحي كله محفوظ بحفظ الله تعالى له بيقين. وكل ما تكفل الله بحفظه فمضمون ألا يضيع منه وألا يُحَرَّف منه شيء أبداً تحريفاً لا يأتي البيان ببطلانه, إذ لو جاز غير ذلك لكان كلام الله تعالى كذباً وضمانه خائساً .. , وهذا لا يخطر ببال ذي مسكة عقل، فوجب أن الذي أتانا به محمد (ص) محفوظ بتولي الله تعالى حفظه، مبلغ كما هو إلى كل ما طلبه مما يأتي أبداً إلى انقضاء الدنيا.
قال تعالى: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ (الأنعام 19).
فإذ ذلك كذلك, فبالضرورة نعلم أنه لا سبيل البتة إلى ضياع شيء مما قاله رسول الله (ص) في الدين, ولا سبيل البتة إلى أن يختلط به باطل موضوع اختلاطاً لا يتميز لأحد من الناس بيقين, إذ لو جاز ذلك لكان الذكر غير محفوظ ولكان قول الله تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (الحجر 9) كذباً ووعداً مخلفاً وهذا لا يقوله مسلم. اهـ
أدلة منطقية عقلية:
وقد بدأت بها قبل أدلة القران والسنة؛ حتى لا يتم تأويل تلك الأدلة أو الاعتراض والتشغيب عليها بما لا ينفع ولا يشفي- كعادة المتكلمين دائما- , وذلك أفضل في حسم الخلاف والنزاع من جدوره, واجتثاثه من أصله, وحتى يكون بحثنا هذا على أرضية صلبة لا يفلها الحديد. فنحن هنا نناقش فكرة المخالف من أصلها, وهل هي صالحة أم لا. ثم ينبني على هذا الكلام ما يأتي بعد ذلك من أدلة. والحمد لله أولا وآخرا.
1 - القول بأن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، هو قول–كما يقول العلامة الألباني- في حد ذاته عقيدة، فما هو الدليل على صحته؟! فإما أن يأتوا بالدليل القاطع المتواتر على صحة هذا القول، وإلا فهم متناقضون.
2 - إن دعوى احتمال الشبهة (كل أخبار الآحاد تفيد الظن، لوجود احتمال انقطاعها بأي نوع من أنواع الانقطاع ككذب الراوي أو نسيانه أو خطئه في روايته ... الخ) في صحة اتصال أخبار الآحاد إلى رسول الله هي كدعوى من يدعي أن هذا العام مخصوص ولا مخصص، أو أن هذا الدليل المطلق مقيد ولا مقيد، أو أن هذا الحكم منسوخ ولا وجود لناسخه ونحو ذلك، فما أسهل الدعاوى!!!
3 - الذين يجعلونه مظنوناً -ولو مع القرائن- يجوزون أن يكون في نفس الأمر كذباً أو خطأ ثم هم مع ذلك يوجبون العمل به مع ما يخالج نفوسهم من احتمال كونه باطلاً، والعمل به عندهم مكابرة وعناد لا يجوز .. !!! ثم أضيف فأقول: إن القائلين بأنها ظنية ويجب العمل بها، يلزمهم القول بأن الله أمر بما نهى عنه، وما ذمه في هذه الآيات، حيث أوجب أن نحكم في دينه وشرعه بأدلة متوهمة، وقد نهانا عن التخرص في الدين، وأخبر أنه خلاف الهدى الذي جاءهم من ربهم، وإذاً فلا فرق بين أهل الظن وبين أولئك المشركين الذين قال الله فيهم: (إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) (الأنعام:148). وقد نهى الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقفوا ما ليس له به علم، بل جعل القول عليه بلا علم في منزلة فوق الشرك، كما في آية المحرمات في سورة الأعراف، حيث ترقى من الأسهل إلى الأشد، فبدأ بالفواحش، ثم بالإثم وهو أشد، ثم بالبغي وهو أعظم من الإثم، وبعده الشرك أشد منه، ثم القول على
(يُتْبَعُ)
(/)
الله بلا علم، فأي ذم أبلغ من هذا.
وتكلف بعض المتكلمين الجواب عن هذا الدليل بحمل هذه الآيات على ذم الظن والتخرص في أمور الاعتقاد، وما لا بد فيه من اليقين. والجواب: أنا نمنع التفريق بين الأصول والفروع, فالنهي عن الظن على عمومه في الجميع، ويراد به ما لم يكن مبنياً على دلائل وبراهين وأمارات قاطعة حاسمة، بل هو مجرد وهم وتخمين.
4 - إن أخبار الآحاد المضافة إلى الشارع ليست كسائر الأخبار المضافة إلى غيره؛ لأن أخبار الشارع محفوظة عن الضياع أو الاشتباه بالأخبار المكذوبة عليه، بخلاف أخبار الآحاد عن غيره فإنها قد تضيع وقد تشتبه بالمكذوبة ولا تعلم إلى قيام الساعة. انظر ما قاله ابن حزم فيما نقلناه عنه سابقا, فكلامه متين.
ومما يؤكد ما أقول ويزيده بيانا قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ... أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. ووجه الاستدلال أن كل ما حكم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو مما أنزل الله وهو ذكر من الله أنزله على رسوله وقد تكفل سبحانه بحفظه فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ولم يقم دليل على غلطه وسهو ناقله لسقط حكم ضمان الله وكفالته لحفظه وهذا من أعظم الباطل ونحن لا ندعي عصمة الرواة بل نقول إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلا بد أن يقوم دليل على ذلك ولا بد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ولا تلتبس بما ليس منها فإنه من حكم الجاهلية بخلاف من زعم أنه يجوز أن تكون كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذباً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين.فتأمل منصفا.
ومما يزيد الأمر وضوحاً في أن الله سبحانه وتعالى حافظ لوحيه إلى قيام الساعة أنه جل وعلا نصب أئمةً أعلاماً جهابذةً حفاظاً أثباتاً نقاداً للحديث يَمِيزُون الطيب من الخبيث، والصحيح من السقيم، والحق من الباطل. قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة. قال: يعيش لها الجهابذة. [انظر هذا الكلام والذي بعده في: كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 3، 10)]. فمن هؤلاء الجهابذة: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت157هـ)، وشعبه بن الحجاج (ت 160هـ)، وسفيان الثوري (ت161هـ)، ومالك بن أنس (ت179 هـ)، وحماد بن زيد (ت179هـ)، وعبد الله بن المبارك (ت181هـ) , و وكيع بن الجراح (ت196هـ)، وسفيان بن عيينة (ت 198هـ)، ويحيى بن سعيد القطان (ت198هـ)، وعبد الرحمن بن مهدي (ت198هـ)، ويحيى بن معين (ت233هـ)، وعلي بن المديني (ت234هـ)، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه (ت238هـ)، وأحمد بن حنبل (ت241هـ)، وأبو محمد عبد الله الدارمي (ت255هـ)، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت256هـ)، ومسلم بن الحجاج القشيري (ت261هـ)، وعبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي (ت264هـ)، وأبو داود السجستاني (ت275هـ)، وأبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي (ت277هـ).
فهؤلاء الذين لا يختلف فيهم, ويعتمد على جرحهم وتعديلهم ويحتج بحديثهم وكلامهم في الرجال والحديث قبولاً أو رداً؛ لاتفاق أهل العلم على الشهادة لهم بذلك. كما أن الله لم ينزلهم هذه المنزلة إذ أنطق ألسنة أهل العلم لهم بذلك إلا وقد جعلهم أعلاماً لدينه، ومناراً لاستقامة طريقه وألبسهم لباس أعمالهم. فما أجمع عليه هؤلاء فهو المقبول, وما ردوه فهو المردود؛ سيما وقد قال رسول الله (ص) في حديث عبادة بن الصامت في مبايعتهم الرسول (ص): بايعنا رسول الله صلى عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر… وعلى أن لا ننازع الأمر أهله. رواه مسلم في صحيحه (3/ 1470). وقد أجمعوا على إثبات إفادة العلم والعمل بخبر الواحد الصحيح كما سنبين أن شاء الله.
5 - القول بأن أخبار الآحاد لا تفيد العلم قول أتفه من أن يعبأ بردّه. الذي لا يفيد علماً لا شك أن الاشتغال به يعدّ إضاعة للوقت. وهل يعقل أن يمضي الآلاف من علماء هذه الأمة أوقاتهم في جمع وتبويب ودراسة وشرح ما لا يفيد؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
6 - يعتبر المخالفون أن خبر الواحد مسألة من المسائل الشرعية التي يبحث فيها .. , أقول لهم: منذ متى وهي "مسألة" يشتغل بها أصلاً؟ هل اعتبرها أهل الحديث المتقدمون "مسألة"؟ أم أنها كذلك عند المتكلمين ومن حذا حذوهم. ونحن لم نعتبرها مسألة إلا للرد على زيغهم وضلالهم فحسب .. , فتأمل.
7 - أن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم- العلم يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم وأقوالهم أنهم قالوا ولو قيل لهم أنها لم تصح عنهم لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ومعلوم أن تلك المذاهب لم يروها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم لم يروها عنهم عدد التواتر وهذا معلوم يقيناً فكيف حصل لهم العلم الضروري والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا وذهبوا إلى كذا ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم إن هذا لهو العجب العجاب وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفتاواه وأقضيته تفيد العلم. وإما أن يقولوا أنهم لا علم لهم بصحة شيء مما نقل عن أئمتهم وأن النقول عنهم لا تفيد علماً. وإما أن يكون ذلك مفيد للعلم بصحته عن أئمتهم دون المنقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهو من أبين الباطل.
8 - قولهم إن خبر الواحد لا يوجب العلم, يلزم منه الآتي: إن النبي صلى الله عليه وسلم أدَّى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه –وهذا لا يجادل فيه كافر- ليؤدوه إلى الأمة، ونقلوا عنه، فإذا لم يقبل قول الراوي لأنه واحد رجع هذا العيب إلى المؤدي –أي النبي (ص) - نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والاعتقاد القبيح.
9 - إذا قلنا: أن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم, حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً، ولا ينفع، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور مالا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عليه. وهذا هو رأس الباطل بعينه.
10 - قولكم المذكور يستلزم تفاوت المسلمين فيما يجب عليهم اعتقاده, مع بلوغ الخبر إليهم جميعا. وهذا باطل. وبيان ذلك-كما يقول العلامة الألباني- أن الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ما في العقيدة, هذا الصحابي يجب عليه اعتقاد ذلك؛ لأن الخبر بالنسبة إليه يقين, وأما الذي تلقى الحديث عنه من صحابي آخر أو تابعي لا يجب عليه اعتقاد ذلك؛ لأنها إنما جاءته من طريق الآحاد, وهو الصحابي الذي سمع الحديث منه (ص) , فإنه يحتمل عليه الخطأ .. !!
وهذا الذي يدعونه هو من أبطل الباطل كما أوضحناه في الأدلة العقلية السابقة, فإن المخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لو قدر أنه كذب عمدا أو أخطأ, ولم يظهر هذا الخطأ, لزم من ذلك إضلال الخلق, وضياع الدين, وهذا هو عين الباطل.
11 - قول المخالف الذي يدعيه يستلزم –كما يقول العلامة الأاباني- تعطيل العمل بحديث الآحاد في الأحكام العملية أيضا. وهذا باطل لا يقولون به أصلا.
وبيانه أن كثيرا من الأحاديث العملية تتضمن أمورا اعتقادية, فهذا صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه الشيخان, وهو مما تلقته الأمة بالقبول: (إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال).
هذا الحديث آحاد, يؤخذ به عندهم في الأحكام، لا يؤخذ به في العقيدة.
لكن هذا الحديث يتضمن أمرين:
أ- يتضمن حكما: فليستعذ بالله من أربع
ب- ويتضمن عقيدة: عذاب القبر, وفتنة الممات (وهذا غيب) والمسيح الدجال في آخر الزمان وفتنته.
فكيف يستطيع المخالف أن يستعيذ بشيء لا يؤمن به؟؟!! لا يستطيع. إذاً هو في حيص بيص. إن أخذ بالحديث؛ لأنه فيه حكم شرعي, فهذا واجب باتفاقهم. لكنه لم يأخذ ما به من عقيدة, وهو الإيمان بعذاب القبر، وبالمسيح الدجال في آخر الزمان وبشر فتنته.
إذاً, في أثناء تطبيقه لهذا الحكم هو مخالف لعقيدته, وهذا هو الباطل بعينه مجسدا مجسما. اهـ
(يُتْبَعُ)
(/)
فإن قالوا: نعمل بهذا الحديث, ولكنا لا نعتقد ما فيه من إثبات عذاب القبر والمسيح الدجال. قلنا-كما يقول الألباني بتصرف وإضافات-: إن العمل به يستلزم الاعتقاد به, لوجوب العلم قبل العمل-كما بينت أنا في أول هذا البحث-, وإلا فليس عملا مشروعا ولا عبادة. فإن العقيدة يقترن معها عمل, والعمل يقترن معه عقيدة .. إليك هذا ليتضح المراد, ويسفر الحق عن وجهه:
يقول الإمام ابن القيم في الصواعق (2: 420و 421) بتصرف وإضافات يسيرة: " ليس العمل مقصورا على أعمال الجوارح فحسب, بل أعمال القلوب أصل لأعمال الجوارح, وأعمال الجوارح تبع, فكل مسألة من العلميات يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه, وذلك عمل, بل هو أصل العمل. فإن كثيرا من الكفار جازمون بصدق النبي (ص) غير شاكين في ذلك, غير أنه لم يقترن بذلك الجزم عمل القلب من حب ما جاء به النبي (ص) , والرضا به, والموالاة والمعاداة عليه. هذه هي حقيقة الإيمان, فالمسائل العلمية عملية, والمسائل العملية علمية ". اهـ.
يقول الألباني-بتصرف وإضافات يسيرة-: مما يوضح أن لابد من اقتران العقيدة بالعمليات والأحكام هذا المثال: لو افترض أن رجلا يغتسل أو يتوضأ للنظافة, أو يصلي تريضا, أو يصوم تطببا, أو يحج سياحة, لا يفعل ذلك معتقدا أن الله أوجبه عليه وتعبده به, لما أفاده ذلك شيئا, كما لا يفيده معرفة القلب إذا لم يقترن بعمل القلب .. ألا وهو التصديق. وكل مسألة علمية إنما يتبعها عمل .. ألا وهو إيمان القلب وتصديقه لتلك المسألة. اهـ. فتأمل منصفا أخي القارئ, يتضح لك الحق جليا كالشمس في كبد السماء.
أدلة القران:
1 - قول الله جل في علاه: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) (البقرة:143). فوصفهم بأنهم وسط أي عدول خيار، وبأنهم يشهدون على الناس، أي بأن الله أمرهم بكذا، وفرض كذا، ويشهدون بكونها من دينه، وقد قرأوا قوله تعالى: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) (الزخرف:86). فشهادتهم بهذه الأخبار عن نبيهم توجب ليقين بما قالوه؛ بسبب حفظ الله لهذا الدين, ولعدالة الرواة وقوة حفظهم.
فالمخبر بخبر عن رسول الله (ص) شاهد على الناس بأنه (ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره, وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها, وهذا باطل .. فتأمل.
2 - وقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب 36. إن لفظة (أمرا) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد ... , فمن أين جاء المخالف بتفريقه المبتدَع.
3 - وقوله (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) التوبة 122. والطائفة في اللغة تقع على الواحد فما فوقه ... [البخاري في صحيحه 9: 155 فقد استدل بهذه الآية بما يدل عنده على ما ذكرت أنا, الإمام ابن العربي المالكي في المحصول من علم الأصول2: 173 وأحكام القران 2: 1031, والقرطبي في تفسيره 8: 294, والشعراوي في تفسيره 5576, وأبو الحسين البصري في " المعتمد في الأصول" 2: 588, ود. وهبة الزحيلي في أصول الفقه الإسلامي 1: 469 ... إلخ, وانظر معاجم وقواميس اللغة]. والإنذار: الإعلام والإخبار بما يفيد العلم, فـ (أنذر): أعلم بالشيء وخوّف منه ... [انظر المعجم الوسيط:2: 949, ومعجم ألفاظ القران الكريم 2: 1085]
لقد حض الله المؤمنين على أن ينفر منهم إلى النبي (ص) طائفة ليتعلموا ويفهموا الدين (وكلمة الدين عامة, فهي تشمل العقائد والأحكام, والمعاملات والحدود. ولا شك أن أهم وأول ما يتعلمه طالب العلم هو العقائد؛ لأنها أساس الأمر كله في جميع الرسالات والديانات). ثم حضهم الله على إنذار إعلام وإخبار قومهم بكل ما تعلموه إذا رجعوا إليهم.
فلولا أن الحجة تقوم بحديث الآحاد الصحيح عقيدة وأحكاما لما حض الله الطائفة على التبليغ والإنذار حضا عاما, فكيف يحض-جل وعلا- على شيء لا قيمة له, ولا فائدة ترجى منه .. , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولقد علل الله الحض على التبليغ بقوله
(يُتْبَعُ)
(/)
" لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون", وهذا صريح في أن العلم يحصل بإنذار الطائفة (التي هي الواحد فما فوقه) .. , أي لينذروا قومهم حتى يحذروا من ما يجب اجتنابه من كفر وشرك وعصيان لأوامر الله, وفعل لما حرمه ونهى عنه, وحتى يحذروا عذاب الله وعقابه.
4 - قوله تعالى: (وَلا تَقْف مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم إن السمع والبصر والفؤاد كل أؤلئك كان عنه مسئولا) الإسراء 36. أي لا تتبعه ولا تعمل به. ومن المعلوم والمقطوع به أنه لم يزل المسلمون من عهد الصحابة والتابعين يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ويثبتون بها بها العقائد والغيبيات والصفات الإلهية. فلو كانت أخبار الآحاد الصحيحة لا تفيد علما, ولا تثبت عقيدة لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم, وهذا لا يقوله مسلم. [انظر الصواعق المرسلة 2: 396]
5 - قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) الأنبياء 7. فأمر الله بسؤال أهل الذكر, والأمر للوجوب مطلقا, ويؤكد ذلك كون السائل لا يعلم, ويحرم عليه العمل بالجهل أو بغير تثبت, ولو لم يكن القبول واجبا لما كان السؤال واجبا, فوجب العمل (ووجوب العمل يقتضي وجوب العلم كما أوضحنا سابقا) بخبر المخبر الثقة, وإلا كان وجوب السؤال كعدمه, وذلك باطل. فلولا أن أخبارهم تفيد العلم لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً، وهو سبحانه لم يقل سلوا عدد التواتر بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافيا.
6 - قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه) المائدة 67. وقوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِين) ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان الرسول (ص) يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته, ولو لم يفد ذلك العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل فيلزم من قال أن أخبار رسول الله (ص) لا تفيد العلم أحد أمرين:
أ- إما أن يقول أن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ.
ب- وإما أن يقول أن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب ولا يقتضي علما.
وهذان الأمران هما عين الباطل, فلزم المراد.
وزيادة في البيان والتوضيح أقول: إن الله أمر رسوله بتبليغ ما أنزل إليه للناس كافة (من عاصره ومن يأتي بعده إلى يوم القيامة) , فوجب التبليغ عنه (ص) على من سمع من فمه الشريف, ووجب كذلك على من بعدهم ممن سمعهم .. , وهكذا. وإلا كان وجوب التبليغ على النبي (ص) كعدمه, وهذا باطل. والتبليغ عنه (ص) قد تقوم به جماعة أو واحد أو اثنان, ولا يؤمر أحد بالتبليغ غلا وقد وجب قبول خبره, ووجب العمل به على كل من سمعه, وغلا كان وجوب التبليغ على الفرد أو الجماعة كعدمه, وهذا باطل ممتنع. ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ, ويحصل به العلم (كما أوضحنا سابقا).
7 - قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا) البقرة 143. وقوله تعالى: (وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). فالمخبر بخبر عن النبي (ص) شاهد على الناس بأن الرسول (ص) قد قال كذا وكذا, ولا يجوز أن يجعله الله شاهدا على الناس, إلا ويتعبد بالرجوع إلى خبره عنه (ص) , وإلا كانت الشهادة على الناس كعدمها. وهذا كله باطل, فلزم المراد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وزيادة في البيان أقول: أنه تعالى أخبر أن جعل هذه الأمة عدولاً خياراً ليشهدوا على الناس بأن رسلهم قد بلغوهم عن الله رسالته وأدوا عليهم ذلك، وهذا يتناول شهادتهم على الأمم الماضية وشهادتهم على أهل عصرهم ومن بعدهم أن رسول الله (ص) أمرهم بكذا ونهاهم عن كذا, فهم حجة الله على من خالف رسول الله وزعم أنه لم يأتهم من الله ما تقوم به عليه الحجة, وتشهد هذه الأمة الوسط عليه بأن حجة الله بالرسل قامت عليه, ويشهد كل واحد بانفراده بما وصل إليه من العلم الذي كان به من أهل الشهادة, فلو كانت أحاديث رسول الله (ص) التي يرويها الآحاد لا تفيد العلم, لم يشهد به الشاهد ولم تقم به الحجة على المشهود عليه. وانظر الآتي:
8 - قوله تعالى: (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون). وهذه الأخبار التي رواها الثقات الحفاظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إما أن تكون حقاً أو باطلاً أو مشكوكاً فيها لا يدري هل هي حق أو باطل.
فإن كانت باطلاً أو مشكوكاً فيها وجب طرحها وعدم الالتفات إليها, وهذا انسلاخ من الإسلام بالكلية. وإن كانت حقاً فيجب الشهادة على القطع بأنها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وكان الشاهد بذلك شاهداً بالحق وهو يعلم صحة المشهود به. [ذكره ابن القيم في الصواعق المرسلة]
9 - قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله .. ) النساء 135. فأوجب –جل في علاه- الشهادة لله, والقيام بالقسط .. , والأمر للوجوب, ولا يوجب ذلك إلا وقد ألزم قبول شهادة الشاهد. ومن أخبر عن النبي (ص) بما سمعه منه فقد قام بالقسم المأمور به, وشهد لله, فليزم على السامع قبول الخبر, وإلا كان وجوب الشهادة كعدمها, وهذا باطل ممتنع. [ذكره القاضي برهون في خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته 2: 66]
10 - قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُم) ووجه الاستدلال أن هذا أمر لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة. ودعوته نوعان .. نوع: مواجهة, ونوع: بواسطة مبلغ. وهو مأمور بإجابة الدعوتين في الحالتين, وقد علم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً أو يحييه بما لا يفيد علماً أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل عاقبه وحال بينه وبين قلبه.
11 - قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم). وهذا يعم كل مخالف بلغه أمره (ص) إلى يوم القيامة. ولو كان ما بلغه لم يفده علماً لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد علماً للفتنة والعذاب الأليم, فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمخالف أمره عذرا. وكلمة (أمره) تشمل -بعمومها وإطلاقها- العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد, والعبادات والحدود والمعاملات ... , فتأمل منصفا.
12 - قول الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) النساء59.
فإذا رجعوا إلى سنة الرسول (ص) بعد وفاته - والآية مطلقة وعامة, تشمل حياته ووفاته (ص) , وتشمل العقيدة والأحكام, وتشمل المتواتر والآحاد الذي وصل إلينا عنه (ص) – فماذا تفيدهم؟ فإن قالوا: ظنا, فهل يأمر الله المتنازعين أن يردوا المتنازع فيه إلى ما يفيدهم ظنا, فيستمر النزاع؟!! لولا أن المردود إليه يفيد العلم والعمل, وينهي النزاع, لم يكن في الرد إليه أي فائدة, وهذا هو عين الباطل .. فثبت المراد والحمد لله, فتأمل منصفا.
13 - قوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه .. ) الحشر7. إن لفظة (ما) من ألفاظ العموم والشمول, وأنت أخي القارئ لو سألت المخالفين لنا عن دليلهم في وجوب الأخذ بخبر الواحد في الأحكام, لاحتجوا بهذه الآية. فلا أدري, ما الذي حملهم على استثناء العقيدة من وجوب الأخذ بها, وهي داخلة في عموم الآية دخولا يقينيا, يعرف ذلك كل من شم رائحة الفقه واللغة .. , فكلامهم تخصيص بلا مخصص, وذلك كله باطل عاطل.
(يُتْبَعُ)
(/)
14 - قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتان, أؤلئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) البقرة 159.
فلقد توعد الله على كتمان البينات والهدى, فدل ذلك على وجوب إظهار الهدى - ولا شك أن أقوال النبي (ص) وأفعاله من البينات والهدى " وما ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى" – وما يسمعه الواحد من النبي (ص) يجب عليه إذا إظهاره. فلو لم يجب على من بلغه قبوله, لكان الإظهار كعدمه, فلا يجب. وهذا باطل بنص الآية, فلزم المراد والحمد لله.
وقد يعترض معترض فيقول: لا يسلم لك هذا الدليل؛ لأن الآية خاصة باليهود والنصارى بدليل سبب نزولها الصحيح الثابت.
أقول:
أ- إن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب كما هو معلوم للمبتدئ.
ب- اللعن لا يشمل اليهود والنصارى لمجرد أنهم يهود ونصارى, بل لأنهم كتموا البينات والهدى, فاستحقوا لعن الله ولعن اللاعنين. فعلة اللعن هي الكتمان, وهذا يشمل كل من كتم آية أو حديثا أو علما.
وهذا هو ما فهمه علماء المسلمين. روى البخاري (188) عن أبي هريرة (رض) أنه قال: "إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة -يعني في رواية الأحاديث عن النبي (ص) -, ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا, ثم تلا البقرة 159: 163 ... ". وروى البخاري (128) عن أنس (رض): "أن معاذ بن جبل أخبر بحديث عند موته تأثما". (أي حتى لا يحمل إثم كتمان حديث النبي"ص"). وهذا أيضا هو قول كبار المفسرين: ابن كثير 1: 618, والشوكاني في تفسيره 1: 115, ود. محمد محمود حجازي في التفسير الواضح 1 - 2 - 14, والشعراوي ص687, وغيرهم من كبار المفسرين.
15 - قوله تعالى: (واذكرن ما يتلوا في بيوتكن من آيات الله والحكمة .. ) الأحزاب 34.
أمر الله أزواج رسوله (ص) بأن يخبرن بما أنزل الله من القران في بيوتهن, وما يرين من أفعال النبي (ص) وما يسمعن من أقواله؛ حتى يصل ذلك إلى الناس, فيعملوا بما فيه ويقتدوا به. وما أمرن بذلك إلا والحجة قائمة بالأخبار التي يبلغنها, ولو كانت الحجة لا تقوم بما تبلغ الواحدة منهن عنه (ص) لكان وجوب التبليغ عليهن كعدمه, لا فائدة له ولا قيمة. وهذا باطل .. , فلزم المراد, فإن وجوب العمل مترتب على وجوب العلم كما أوضحنا سابقا.
16 - قوله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب, هذا حلال وهذا حرام, لتفتروا على الله الكذب, إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) النحل 116.
أفادت الآية أن التحليل والتحريم بدون إذن من الله كذب على الله وبهتان عظيم. فإذا كنا والخالفين متفقين على إيجاب التحليل والتحريم بخبر الواحد الصحيح, وأننا به ننجو من التقول على الله, لأن هذا الخبر إذن من الله لنا بالتحليل والتحريم. فيلزمهم من هذا المنطلق إيجاب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة ولا فرق, لأنها إذن من الله لنا بالتحدث في أمور العقيدة المذكورة في هذه الأحاديث. فمن ادعى التفريق فعليه الدليل والبرهان, ودون ذلك خرط القتاد وخيوط القمر.
17 - قوله تعالى: (يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا .. ) الحجرات 6. وقرأ حمزة والكسائي وخلف: (فتثبتوا) [البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة 2: 315, لشيخ القراء سراج الدين النشار (ت: 938هـ)].
وقبل أن أبين دلالة هذه الآية على المطلوب, أحب أن أبين أننا احتججنا بهذه الآية فيما نحن فيه بسبب أن الله قد تكفل بحفظ الله للشريعة والقران والسنة. فلا يصح الاحتجاج بها على إفادة شهادة الشاهد العدل العلم؛ لأن الشهادة المعينة على شيء معين لم يتكفل الله بحفظها… فافهم هذا جيدا وتأمله منصفا.
وجه الاستدلال بهذه الآية: الآية تدل على أنه إذا جاء من ليس بثقة ولا عدل بخبر, وجب علينا أن نتثبت ونتبين من صحة هذا الخبر. والآية تدل جزما وقطعا –في ضوء ما نبهنا عليه قبل هذا الشرح- على قبول خبر كل من انتفت عنه الصفات الموجبة لرد روايته وعدم الاعتداد بها كالفسق وضعف الحفظ وقبول التلقين, فالوصف بالفسق جاء في هيئة الشرط في الآية. فلزم –بمفهوم الآية والشرط المذكور فيها- أن خبر الواحد الصحيح مفيد للعلم, ولو كان لا يفيد علما لأمر الله تعالى بالتثبت حتى يحصل العلم. ومما يؤكد ما ذكرت عمل الصحابة, فمما هو معلوم بيقين عند كل علماء الحديث أن بعض الصحابة يقول: قال رسول الله (ص) كذا وكذا. في حين أن هذا
(يُتْبَعُ)
(/)
الصحابي يكون قد سمعه من صحابي آخر سمعه من النبي (ص). وهذا القول "قال رسول الله" شهادة من القائل وجزم بأن النبي (ص) قد قال هذا. ولو كان خبر الواحد لا يفيد العلم لكان الصحابي شاهدا على رسول الله (ص) بغير علم. وهذا لا يقوله مسلم. [وانظر بعضا من هذا الكلام في إعلام الموقعين 2: 394]
أدلة السنة:
1 - عن أنس قال: قال (ص): (من رغب عن سنتي فليس مني). رواه البخاري (6/ 116) وهو حديث صحيح أجمع على صحته أهل القبلة كلهم لاحتجاجهم به في كل كتبهم. وكلمة (سنتي) شاملة لأخبار النبي (ص) في العقائد والأحكام, والمتواتر والآحاد.
وانظر إلى الوعيد الذي ذكره (ص) فهو شديد شديد. ومن هذا نستفيد أن خبر الواحد الصحيح يفيد العلم اليقيني والعمل, وإلا كان ذكر هذا الوعيد من اللغو والعبث .. حاشا لله.
2 - قال البخاري (4486): (حدثنا أبو نعيم سمع زهيراً عن أبي إسحاق عن البراء ? أن رسول الله ? صَلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً. وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت وأنه صلَّى – أو صلاّها – صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمرَّ على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي ? قِبَلَ مكة فداروا كما هم قِبَلَ البيت وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قِبَلَ البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة: 143]) اهـ.
وجه الاستدلال: أن المسلمين لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح-كما روى البخاري, وأجمعت الأمة على صحة ذلك الحديث فقد تلقته الأمة بالقبول وروته قرنا بعد قرن من غير نكير- أن القبلة قد حولت إلى الكعبة, قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة, ولم ينكر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-. ولقد كانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى, فما توقف أحد منهم ولا قال: أتم صلاتي حتى استوثق بعد ذلك أَحُوِّلَتِ القبلة أم لا لاحتمال أن يكون كاذباً. ما خطر هذا في بال أحدهم. فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم.
3 - ما رواه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال (كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شراباً من فضيخ, فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها, فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى كسرتها).
ووجه الاستدلال بهذا الحديث الصحيح: أن أبا طلحة أقدم على قبول خبر التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالا, وهو يمكنه أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة. وأكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه, وهو مال, وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله (ص) ورسول الله إلى جنبه. فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من النبي (ص) بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه.
4 - قال (ص) في الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول, ولم يقدح في صحته أحد: " بلغوا عني", وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة " أنتم مسئولون عني فماذا أنتم قائلون". قالوا: نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت.
ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ، ويحصل به العلم. فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد. فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرسل الواحد من أصحابه يبلغ عنه، فتقوم الحجة على من بلغه وكذلك قامت حجته علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته, ولو لم يفد العلم لم تقم علينا بذلك حجة ولا على من بلغه واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر، وهذا من أبطل الباطل. فيلزم من قال أن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا تفيد العلم أحد أمرين:
أ- إما أن يقول أن الرسول لم يبلغ غير القرآن وما رواه عنه عدد التواتر وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ.
ب- وإما أن يقول أن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً ولا يقتضي علماً.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا بطل هذان الأمران بطل القول بأن أخباره - صلى الله عليه وسلم- التي رواها الثقات العدول الحفاظ لا تفيد علما. وهذا ظاهر لا خفاء فيه بحمد الله.
5 - روى الشافعي في الرسالة فقال: أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فرب حامل فقه إلى غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم. إخلاص العمل لله والنصيحة للمسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم". رواه أحمد وابن ماجة عن أنس وصححه الألباني في صحيح الجامع (6640) , ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وهو حديث متواتر بلغ رواته من الصحابة نحو ثلاثين صحابياً، كما ذكر الإمام السيوطي في تدريب الراوي (ج 2 ص179، وانظر كشف الخفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني ج2 ص 441) , وهو مما أجمعت على صحته الأمة, ولم يطعن فيه حتى أعداء السنة.
قال الشافعي في الرسالة (ص402 – 403): فلما ندب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمرا أن يؤديها ولو واحد دل على أنه لا يأمر من يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدي إليه؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلالاً يؤتى, وحرام يجتنب, وحد يقام, ومال يؤخذ ويعطى, ونصيحة في دين ودنيا. ودل على أنه قد يحمل الفقه غير الفقيه يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم ". اهـ
والمقصود أن خبر الواحد العدل لو لم يفد علماً لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن لا يقبل من أدى إليه إلا من عدد التواتر الذي لا يحصل العلم إلا بخبرهم ولم يدع للحامل المؤدي وإن كان واحداً، لأن ما حمله لا يفيد العلم فلم يفعل ما يستحق الدعاء وحده إلا بانضمامه إلى أهل التواتر وهذا خلاف ما اقتضاه الحديث ومعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إنما ندب إلى ذلك وحث عليه وأمر به لتقوم به الحجة على من أدي إليه فلو لم يفد العلم لم يكن فيه حجة.
6 - حديث أبي رافع الصحيح (وهو مما تلقته الأمة بالقبول, فلم يطعن فيه أحد, ولا حتى مجنون) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا ألفين أحداً منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري, يقول: لا ندري ما هذا .. , بيننا وبينكم القرآن. ألا وإني أوتيت القران ومثله معه ". رواه أبو داود والترمذي والحاكم وصححه, وأحمد بإسناد صحيح.
ووجه الاستدلال أن هذا نهي عام لكل من بلغه حديث صحيح ((لقوله"ص": يأتيه الأمر من أمري. .. يأتيه الأمر عن طريق الآحاد من الصحابة الذين هم أول من ينقل الخبر)) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يخالفه أو يقول لا أقبل إلا القرآن بل هو أمر لازم وفرض حتم بقبول أخباره وسننه وإعلام منه - صلى الله عليه وسلم- أنها من الله أوحاها إليه فلو لم تفد علماً لقال من بلغته إنها أخبار آحاد لا تفيد علماً فلا يلزمني قبول مالا علم لي بصحته والله تعالى لم يكلفني العلم بما لم أعلم صحته ولا اعتقاده بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمته ونهاهم عنه ولما علم أن في هذه الأمة من يقوله حذرهم منه فإن القائل إن أخباره لا تفيد العلم هكذا يقول سواء لا ندري ما هذه الأحاديث وكان سلف هؤلاء يقولون بيننا وبينكم القرآن وخلفهم يقولون بيننا وبينكم أدلة العقول وقد صرحوا بذلك وقالوا نقدم العقول على هذه الأحاديث آحادها ومتواترها ونقدم الأقيسة عليها.
7 - عن أنس قال: "أن أهل اليمن قدموا على رسول الله (ص) فقالوا: ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام. فأخذ صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيدة فقال: هذا أمين هذه الأمة". أخرجه مسلم, ورواه البخاري مختصرا.
ولو لم يفد خبر الواحد العلم والعمل, لم يبعث إليهم (ص) أبا عبيدة بن الجراح وحده.
وقولهم (يعلمنا السنة والإسلام) صريح في أن ذلك يشمل العقيدة.
(يُتْبَعُ)
(/)
8 - عن أبي جمرة، قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فقال: إن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " من الوفد أو من القوم" قالوا: ربيعة, فقال: " مرحبا بالقوم أو بالوفد، غير خزايا ولا ندامى" قالوا: إنا نأتيك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا، ندخل به الجنة. فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله عز وجل وحده، قال: " هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم" ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت" قال شعبة: ربما قال: " النقير" وربما قال: " المقير" قال: " احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم". رواه البخاري.
إن الأمر النبوي الشريف " احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم" يتناول كل فرد كما هو واضح, فلولا أن خبر الواحد يفيد العلم والعمل ما حضهم صلى الله عليه وسلم ولا أمرهم, وإلا كان أمره (ص) لهم عبثا .. , وهذا لا يقوله مسلم.
9 - أن النبي ? أرسل معاذاً وحده إلى اليمن كما في الصحيحين من حديث ابن عباس. وقال له: «إنك تَقْدَمُ على قوم أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة ... » الحديث. رواه البخاري (1496) ومسلم في باب (الدعاء إلى الشهادتين) من (كتاب الإيمان).
وفي رواية أخرى عن ابن عباس أيضاً: «إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ... » الحديث، وفي رواية: «إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله».
فالنبي ? قال لمعاذ ?: «فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله» هذه عقيدة أم لا؟! أو ليست هذه هي كلمة التوحيد التي يُبْنَى عليها الإسلام كله؟
لو أن أهل اليمن بعد دخول معاذٍ ودعوته للتوحيد فيهم أبوا أن يقبلوا خبره لكانوا كفرة مرتدين.
فهل يُعْقَلَ أن يقول أهل اليمن لمعاذٍ: خبر رسول الله ? على العين والرأس لكنَّ كلامك لا يفيد علماً لاحتمال أن تكون مخطئاً أو كاذباً لذلك فنحن لا نقبل منك إلا إذا أرسل معك ما يبلغ عدد التواتر؟! ما قاله أهل اليمن، ولا يُقْبَلَ أن يقوله أحد. وهذه عقيدة .. فتأمل.
10 - عن مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي (ص) ونحن شببة متقاربون, فأقمنا عنده نحوا من عشرين ليلة, وكان رسول الله (ص) رحيما رفيقا, فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا, أو قد اشتهينا أهلنا, أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا, فأخبرناه, قال: ارجعوا إلى أهليكم, فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم, وصلوا كما رأيتموني أصلي. رواه البخاري.
فقد أمر (ص) كل واحد من هؤلاء الشببة-كما قال العلامة الألباني- أن يعلم كل واحد منهم أهله, والتعليم يعم العقيدة, بل هي أول ما يدخل في العموم .. , فتأمل منصفا.
11 - عن أنس قال: "دخل رجل .. فسأل رسول الله (ص): أسألك بربك ورب من قبلك, الله أرسلك إلى الناس كلهم. فقال (ص): اللهم نعم. فقال الرجل: ... إلخ, فقال الرجل: آمنت بما جئت به, وأنا رسول من ورائي من قومي, وأنا ضمام بن ثعلبة ... ". رواه البخاري (63) , ولم يطعن في صحته أحد من علماء الحديث.
فهذا رجل واحد, أرسله قومه ليسأل النبي (ص) في أمور من صميم العقيدة, فلم يخرج أحد من قومه ليتفلسف ويقول: هذا واحد لا نستطيع إرساله إلى النبي (ص) ليسأله في أمور العقيدة, لأنها أمور تحتاج للتواتر .. !! فتأمل أخي القارئ, هدى الله المخالف إلى ما فيه الخير والصواب.
12 - حديث الجساسة المشهور, وهو مما تلقته الأمة كلها بالقبول إلا من شذ من العقلانيين العصريين:
(يُتْبَعُ)
(/)
عن عامر بن شرحبيل الشعبي أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس- وكانت من المهاجرات الأول- فقال: حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل. حدثيني فذكرت قصة تأيمها من زوجها واعتدادها عند ابن أم مكتوم. ثم قالت: فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي؟ منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفؤا إلى جزيرة ... فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. فقالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال. فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ما أنت؟ قال. قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم (أي هاج) فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، يدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا. ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا. وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. قال أخبروني عن نخل بيسان (مدينة بالأردن بالغورالشامي) .. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك ألا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية؟ قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قلنا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر؟ (في طرف البحيرة المنتهية في واد هناك بينها وبين بيت المقدس ثلاثة أيام وهي من ناحية الحجاز). قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منها استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: "هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة- يعني المدينة- ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو: من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم وأبو داود.
(يُتْبَعُ)
(/)
وجه الاستدلال بهذا الحديث الخطير: في هذا الحديث صراحة قبول خبر الواحد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يرد قول تميم الداري, ولم يقل له: " إن ما تحكيه لي هو من أمور العقيدة, وأنا لا أقبل منك أو من مثلك شيئا في أمور العقيدة والغيب إلا أن ينقل لي بالتواتر". بل لقد أقر النبي (ص) تميما بقوله (ص) بأن ما حدث به تميم موافق لما كان يحدث به أصحابه رضي الله عنهم. وقد صرح بذلك النبي (ص) على المنبر- كما هو واضح في أول الحديث-, فهذا من النبي (ص) إقرار واضح تمام الوضوح لما قاله الداري. وإن ما قاله تميم للنبي (ص) هو أمر غيبي, وهو من أشراط الساعة. وهذا-كما يقول القاضي برهون في: خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته (2: 425) - من صميم الدين, وجب الإيمان به واعتقاده, والتكذيب به تكذيب بالدين. وقد أطلت هنا بعض الشيء ردا لقول بعض الناس: في ادعائه بأن النبي (ص) لم يقر تميما الداري, وادعائه أيضا بأن تصديق الكاذب فيما لا يخل بأصل الدين شيء جائز .. !! ولا يخفاك أيها القارئ اللبيب أن هذا فيه غمز ولمز وتعريض صريح بالصحابي الجليل تميم الداري.
13 - روى أحمد والشافعي في الرسالة (ص411) عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه, قال: "بينما نحن بمنى إذا علي بن أبي طالب على جمل يقول: إن رسول الله (ص) يقول: إن هذه أيام طعام وشرب فلا يصومن أحد, فتبع الناس وهو على جمله يصرخ فيهم بذلك". وهو حديث صحيح.
فهذا صلى الله عليه وسلم كان بمقدوره- كما يقول القاضي برهون في كتابه الرائع الماتع الذي لم تقع عيناي على مثله [خبر الواحد في التشريع الإسلامي وحجيته] (2: 18) - أن يبعث عددا يفيد التواتر, فلم يبعث إلا واحدا يعرفونه بالصدق. وهو (ص) لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم قائمة بقبول خبره عنه (ص). فمدار الأمر هنا على أن النبي (ص) لا يبعث أحدا إلا إذا كانت الحجة (وهي إفادة العلم والعمل) تقوم به.
14 - عن مرثد بن ظبيان, قال: جاءنا كتاب من رسول الله (ص) فما وجدنا له قارئا يقرأه علينا غير رجل من بني ضبيعة: "من رسول الله (ص) إلى بكر بن وائل: أسلموا تسلموا ". رواه أحمد بسند صحيح.
فهذه قبيلة كاملة, اعتمدت على رجل واحد في قراءة كتاب رسول الله (ص) , فأخبرهم الرجل أن فيه: أسلموا تسلموا, وهذا هو أس العقيدة ولبها, فلم يقولوا: " انتظروا حتى نأتي بعدد التواتر؛ لأن ما يخبرنا به هذا الرجل هو عقيدة تحتاج إلى التواتر". فتأمل ما تفعل العصبية والهوى بأهلهما .. !!
15 - قال (ص): "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي, لن يفترقا حتى يردا على الحوض". رواه مالك بلاغا, والحاكم مسندا وصححه, وقال العلامة الألباني بإسناد حسن.
فقد أطلق صلى الله عليه وسلم بقوله: "سنتي", ولم يقل " المتواتر من سنتي". وهذا الشمول والعموم يشمل المتواتر والآحاد من سنته الشريفة .. , فتأمل منصفا.
16 - قال (ص): "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". رواه الشيخان.
وما يدعيه المخالف هو البدعة بعينها, لم يدعيها أحد من سلفنا الصالح, إنما قال به جماعة من علماء الكلام المتأخرين. فلم يقل أحد لمن حدثه حديثا عقديا عن رسول الله (ص): خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتواتر .. !!
وتقسيم الحديث إلى متواتر يفيد القطع, وآحاد يفيد الظن هو-كما يقول القاضي برهون
(2: 396) - من صنيع الجهمية والمعطلة والرافضة والمعتزلة, وليس من صنيع أهل الحديث. وهذا هو الثابت في كلام أهل العلم:
1 - قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (1: 130 بشرح النووي) فيمن طعن في بعض كيفيات رواية الحديث وطرق تحمله: " وهذا القول– يرحمك الله- في الطعن في الأسانيد قول مخترع مستحدث, غير مسبوق صاحبه إليه, ولا مساعد له من أهل العلم عليه. وذلك هو القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا, أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثا, وجائز ممكن لقاؤه والسماع منه, لكونهما جميعا في عصر واحد, وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا, ولا تشافها بكلام, فالرواية ثابتة, والحجة بها لازمة ".
2 - قال الإمام وكيع: "من رد حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير عن النبي (ص) في الرؤية-أي رؤية المؤمنين لله يوم القيامة- فاحسبوه من الجهمية". رواه عبد الله بن أحمد في السنة بسند حسن.
(يُتْبَعُ)
(/)
3 - قال أبو إسحاق الفقيه إبراهيم بن محمد بن شاقلا (انظر طبقات الحنابلة لأبي يعلى 2: 135): من خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل موصولة بلا قطع في إسناد, ولا جرح في ناقليها, وتجرأ على ردها, فقد تهجم على رد الإسلام؛ لأن الإسلام إنما نقل إلينا بمثل ما ذكرت".
4 - أنكر أبو الحسن الخياط المعتزلي القدري (ت 300هـ) حجية أخبار الاحاد مطلقا, وألف كتابه (الرد على من أثبت خبر الواحد). انظر الفرق بين الفرق (ص136) والانتصار للخياط (ص27).
5 - قال الإمام ابن تيمية في المسودة (238): قال قوم من أهل البدع من الروافض ومن المعتزلة: لا يجوز العمل بخبر الواحد, وقال القاساني وأبو بكر بن داود من الرافضة: لا يجوز العمل به شرعا, وإن جوز التعبد به .. !! وحكى ابن برهان كقول القاساني عن النهرواني وإبراهيم بن إسماعيل بن علية.
6 - قال ابن حزم في الإحكام (1: 113, 114): صح إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي (ص) , وأن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي (ص) , يجري على ذلك كل فرقة في علمها, كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية, حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ, فخالفوا الإجماع في ذلك.
7 - قال القاضي عبد الجبار المعتزلي عن خبر الواحد (شرح الأصول الخمسة ص768, 770): إن كان-أي خبر الواحد- مما طريقه الاعتقادات ينظر, فإن كان موافقا لحجج العقول قبل, واعتقد موجوبه, لا لمكانه بل للحجة العقلية. وإن لم يكن موافقا لها فإن الواجب أن يرد, ويحكم بأن النبي (ص) لم يقله ... !!!
8 - قال القاضي برهون (1: 117): نقل أبو منصور البغدادي عن أبي هذيل العلاف في الأخبار قوله: إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من ايات الأنبياء عليهم السلام, وفيما سواها, لا تثبت بأقل من عشرين نفسا, فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر.
9 - قال ابن أبى العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية (ص127): " .. يشير الشيخ-أي الطحاوي- بذلك إلى الرد على الجهمية والمعطلة والمعتزلة والرافضة القائلين بأن الأخبار قسمان: متوتر وآحاد .. فالمتواتر-أي عندهم- قطعي السند. قالوا: والآحاد لا تفيد العلم".
10 - قال ابن القيم في الصواعق المرسلة (2: 458): لا سلف للقائل به-أي القائل بإفادة حديث الآحاد الظن- إلا الجهمية والمعطلة والرافضة والقدرية والمعتزلة, وتلقفه منهم من تلقفه من أهل الفقه والأصول, ولم يقفوا على ما قصدوا بهذا القول-أي مقصودهم رد السنة النبوية- كما قال أبو المظفر-أي الإمام السمعاني-.
ومن هذا يتضح أن "هذا التفريق الذي صار عقيدة في أذهان كثير من الناس إنما هو من صنيع متكلمي الفرق قديما, وتلقفه منهم أهل الأصول, فصار مقبولا لدى كثير من المثقفين الإسلاميين في غفلة من أهل الحديث في العصور المتأخرة". اهـ من برهون (1: 351).
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[17 Jul 2005, 10:19 ص]ـ
الإجماع:
الإجماع على تحريم القول والعمل بغير علم، وعلى وجوب العلم قبل القول والعمل:
1 - قال الإمام المالكي الكبير شهاب الدين القرافي في كتابه " الفروق 2: 148و 149": " إن الغزالي حكى الإجماع في إحياء علوم الدين، والشافعي في رسالته حكاه أيضا في: أن المكلَّف لا يجوز له أن يُقدم على فعلٍ حتى يعلم حكم الله فيه. فمن باع وجب عليه أن يتعلم ماعيّنه الله وشرعه في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله تعالى في الإجارة، ومن قارض وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في القراض، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى في تلك الصلاة، وكذلك الطهارة وجميع الأقوال والأعمال. فمن تعلّم وعمل بمقتضى ما عَلِم فقد أطاع الله طاعتين، ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين، ومن عَلِم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله طاعة وعصاه معصية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويدل على هذه القاعدة أيضا من جهة القرآن، قوله تعالى- حكاية عن نوح عليه السلام- (إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) هود 47. ومعناه: ما ليس لي بجواز سؤاله علم، فدلّ ذلك على أنه لا يجوز له أن يقدم على الدعاء والسؤال إلا بعد علمه بحكم الله تعالى في ذلك السؤال وأنه جائز، وذلك سبب كونه عليه السلام عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه في السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد، وأنه مما ينبغي طلبه أم لا؟ فالعتب والجواب كلاهما يدل على أنه لابد من تقديم العلم بما يريد الإنسان أن يشرع فيه.
إذا تقرر هذا فمثله أيضا قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) الإسراء:36. نهى الله تعالى نبيّه عليه السلام عن اتباع غير المعلوم فلا يجوز الشروع في شئ حتى يعلم، فيكون طلب العلم واجبا في كل حالة. ومنه قوله (ص): " طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
قال الشافعي رحمه الله: طلب العلم قسمان: فرض عين وفرض كفاية، ففرض علمك بحالتك التي أنت فيها، وفرض الكفاية ماعدا ذلك. اهـ كلام القرافي.
2 - أهل العلم بالحديث لم يزالوا يقولون صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وذلك جزم منهم بأنه قاله، ولم يكن مرادهم ما قاله بعض المتأخرين أن المراد بالصحة صحة السند لا صحة المتن بل هذا مراد من زعم أن أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا تفيد العلم، وإنما كان مرادهم صحة الإضافة إليه وأنه قال كما كانوا يجزمون بقولهم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأمر ونهى وفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وحيث كان يقع لهم الوهم في ذلك يقولون يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويروى عنه ونحو ذلك.
3 - خبر الواحد العدل لو لم يفد العلم لم تجز الشهادة على الله ورسوله بمضمونه ومن المعلوم المتيقن أن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وخطابهم، فيقولون شرع الله كذا وكذا على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم- فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادتهم زوراً وقولاً على الله ورسوله بغير علم ولعمر الله هذا حقيقة قولهم وهم أولى بشهادة الزور من سادات الأمة وعلمائها.
4 - قال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتاب الحجة في بيان المحجة (217): "أجمع أهل الإسلام متقدموهم ومتأخروهم على رواية الأحاديث في صفات الله وفي مسائل القدر، والرؤية، وأصل الإيمان، والشفاعة والحوض، وإخراج الموحدين المذنبين من النار، وفي صفة الجنة والنار، وفي الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وفي فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه وأخبار الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، وكذلك أخبار الرقائق والعظات، وما أشبه ذلك مما يكثر عدَّه وذكره، وهذه الأشياء كلها علمية لا عملية، وإنما تروى لوقوع علم السامع بها" اهـ.
ومما يؤكد لك ذلك, هذه الأمثلة:
أ- لما قال معبد الجهني وجماعة معه في البصرة بالقدر، وبلغ ذلك ابن عمر من طريق يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن الحميري قال ابن عمر: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم إني برئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"، ثم روى عن أبيه الحديث المشهور الذي فيه سؤال جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان فأجابه رسول لله صلى الله عليه وسلم على أسئلته إجابة شافية، ومن إجابته عن السؤال عن الإيمان قوله: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". روى كل ذلك مسلم في صحيحه.
والشاهد أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر اكتفى في هذه المسألة العقدية الكبيرة بالاحتجاج بالسنة النبوية مع أن هناك آيات في الإيمان بالقدر.
ب- عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنَّكم إليها " قال: فقال بلال أن عبد الله: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبّه سباً سيئاً ما سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: "والله لنمنعهن". رواه مسلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ج- أثبت عمر بن الخطاب شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده كما رواه الشافعي وأحمد بأسانيد صحيحة.
د- أثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفى عنها بخبر فريعة بنت مالك وحدها. رواه أحمد أصحاب السنن الأربعة.
هـ- عن سعيد بن جبير. قال: قلت لابن عباس:
إن نوفا البكالي يزعم أن موسى، عليه السلام، صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر، عليه السلام. فقال: كذب عدو الله. سمعت أبي بن كعب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل. فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه. فأوحى الله إليه: أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: أي رب! كيف لي به فقيل له: احمل حوتا في مكتل. فحيث تفقد الحوت فهو ثم. فانطلق وانطلق معه فتاه. وهو يوشع بن نون. فحمل موسى، عليه السلام، حوتا في مكتل. وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة. فرقد موسى، عليه السلام، وفتاه. فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر. قال وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطاق. فكان للحوت سربا. وكان لموسى وفتاه عجبا. فانطلقا بقية يومهما وليلتهما. ونسي صاحب موسى أن يخبره. فلما أصبح موسى، عليه السلام، قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا. قال ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به. قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا. قال موسى: ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا. قال يقصان آثارهما. حتى أتيا الصخرة فرأى رجلا مسجى عليه بثوب. فسلم عليه موسى. فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه. قال له موسى، عليه السلام: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبرا. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا. قال له الخضر: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا. قال: نعم. فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر. فمرت بهما سفينة. فكلماهم أن يحملوهما. فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول. فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه. فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها. لقد جئت شيئا إمرا. قال: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا. ثم خرجا من السفينة. فبينما هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان. فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله. فقال موسى: أقتلت نفسا زاكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئا نكرا. قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا؟ قال: وهذه أشد من الأولى. قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني. قد بلغت من لدني عذرا. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما. فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه. يقول مائل. قال الخضر بيده هكذا فأقامه. قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا، لو شئت لتخذت عليه أجرا. قال هذا فراق بيني وبينك. سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يرحم الله موسى. لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما ". قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كانت الأولى من موسى نسيانا ". قال " وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة. ثم نقر في البحر. فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر ". قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا. وكان يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا. رواه مسلم (2380).
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذا ابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يكذب به امرأ من المسلمين؛ إذ حدثه أبي عن النبي (ص) بما فيه دلالة على أن موسى عليه السلام صاحب الخضر, وهذا أمر غيبي عقدي كما هو واضح للعيان.
و- عن ابن عباس، أنه تمارى هو والحر بن قيس الفزاري، في صاحب موسى، قال ابن عباس: هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب، فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى، الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل، جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى، عبدنا خضر، فسأل موسى السبيل إليه، فجعل له الحوت آية، وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه، فكان يتبع أثر الحوت في البحر، فقال لموسى فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره)، فقال موسى: ذلك ما كنا نبغ، فارتدا على آثارهما قصصا، فوجدا خضرا، فكان من شأنهما الذي قص الله في كتابه". رواه البخاري (3245)
ز- حديث عائشة رضي الله عنها, أن ابن عمر كان يأمر النساء أن ينفضن رؤوسهن, فسمعت عائشة ذلك فقالت: " يا عجبا لابن عمر هذا, يأمر النساء أن ينفضن رؤوسهن, أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن. لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله (ص) من إناء واحد, وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ". رواه مسلم. وهذا واضح كل الوضوح في إفادة خبر الواحد العلم والعمل؛ لإنكار عائشة الشديد على ابن عمر.
ح- جاء رجل من أهل الشام لابن عمر يسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج. فقال: ابن عمر: حسن جميل. فقال الرجل: إن أباك كان ينهى عن ذلك. فقال ابن عمر: ويلك!! فإن كان أبي قد نهى عن ذلك, وقد فعله رسول الله (ص) وأمر به, فبقول أبي تأخذ, أم بقول رسول الله (ص)؟! فقال: بأمر رسول الله (ص). فقال ابن عمر: فقم عني. رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار, وأبو يعلى في مسنده, قال الألباني في صفة الصلاة (ص54): بإسناد جيد.
ط- روى البخاري (1: 50) عن ابن عمر, عن سعد بن أبى وقاص عن النبي (ص) أنه مسح على الخفين, وأن ابن عمر سأل عمر بن الخطاب عن ذلك, فقال: نعم. إذا حدثك شيئا سعد عن النبي (ص) فلا تسأل عنه غيره.
5 - قال ابن القيم في الصواعق (2/ 362) ط مكتبة الرياض الحديثة: " ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مائة موضع.فهذا الذي اعتمده نفاة العلم عن أخبار رسول الله (ص) خرقوا به:
1 - إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة.
2 - وإجماع التابعين.
3 - وإجماع أئمة الإسلام.
ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء. وإلا فلا يعرف لهم سلف من الأئمة بذلك بل صرح الأئمة بخلاف قولهم". ثم نقل أقوال أئمة الإسلام في ذلك.اهـ.
6 - قال الإمام الحجة ابن حزم في الإحكام (1: 113, 114): صح إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي (ص) , وأن جميع أهل الإسلام كانوا على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي (ص) , يجري على ذلك كل فرقة في علمها, كأهل السنة والخوارج والشيعة والقدرية, حتى حدث متكلموا المعتزلة بعد المائة من التاريخ, فخالفوا الإجماع في ذلك. ثم قال: وقد صح الإجماع من الصدر الأول كلهم.
7 - قال ابن عبد البر في التمهيد (1: 8): "وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات, ويعادي ويوالي عليها, ويجعلها دينا وشرعا في معتقده. على ذلك جماعة أهل السنة". ثم علق شيخ الإسلام ابن تيمية على كلام ابن عبد البر هذا بقوله في المسودة (ص245): هذا الإجماع يؤيد قول من يقول إنه يوجب العلم, وإلا فما لا يفيد علما ولا عملا, كيف يجعل شرعا ودينا يوالىَ عليه ويعادىَ.
وقال أيضا (1: 28): "الذي اجتمع عليه أئمة الحديث والفقه في حال المحدث الذي يقبل نقله ويحتج بحديثه, ويجعله سنة وحكما في دين الله هو أن يكون حافظا إن حدث من حفظه .. , متيقظا غير مغفل .. ".
8 - قال الإمام الشافعي (الرسالة 453): "ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل-أي تثبت بخبر الواحد- ".
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال (457): "ولو جاز لأحد أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي. ولكن أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد،
بما وصفت من أن ذلك موجوداً على كلهم".
أقوال العلماء:
1 - قول الحسن بن علي البربهاري (ت 329هـ): "إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار ولا يقبلها، أو ينكر شيئاً من أخبار رسول الله (ص) فاتهمه على الإسلام، فإنه رديء المذهب والقول…. القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن ". انظر: شرح السنة له (41) و طبقات الحنابلة لأبي يعلى (2/ 25).
وقد قال كثير من أهل العلم بنحو ما قاله البربهاري رحمه الله مثل الحكم بن عتيبة والأوزاعي والثوري ومحمد بن الحسن الشيباني ووكيع وسحنون وابن خزيمة وغيرهم. انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 111) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللآلكائي (1/ 64) ومفتاح الجنة (75) والمدخل إلى السنن الكبرى (200) وحجية السنة (361) وكتاب معرفة السنن والآثار للبيهقي (84).
2 - قول أبي حنيفة: (وخبر المعراج حق، فمن رده فهو ضال مبتدع). انظر: كتاب الفقه الأكبر بشرح القاري (165). وقوله: (وخروج الدجال، و يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام من السماء، وسائر علامات يوم القيامة، على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن). انظر: كتاب الفقه الأكبر بشرح القاري (166، 168).
3 - ثبت عن كثير من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على توقيرهم للسنة وعدم تقديم شيء عليها (وهذا عام يشمل المتواتر والاحاد .. فتنبه زلا تكن من الغافلين) والرجوع إليها والتعويل عليها في جميع أمورهم، ومن أولئك عبدالرحمن بن عوف وابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وعبدالله بن مغفل وخراش بن جبير وغيرهم. انظر ما ورد عنهم في: صحيح البخاري (6/ 219) و (8/ 123) ومسند الإمام أحمد (1/ 337) وصحيح مسلم (1/ 64، 327)، (3/ 1176) وشرح السنة للبغوي (8/ 257) وسنن الدارمي (1/ 79 - 80) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 239).
4 - ورد عن شريح وابن مهران الرياحي وعمر بن عبد العزيز ومجاهد والحسن البصري وابن سيرين وغيرهم ما يدل على أن الفلاح في التمسك بالسنة (وهذا عام يشمل المتواتر والاحاد .. فتنبه, ولا تكن من الغافلين) والهلاك والضلال في تركها وأن الراغب عنها مطعون ومتهم في دينه. انظر أقوالهم رحمهم الله تعالى في: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 56 - 57، 94) وسنن الدارمي (1/ 40) والمدخل إلى السنن الكبرى (22) وجامع بيان العلم وفضله (2/ 167 - 168) ومفتاح السنة (92، 152 - 153).
5 - ذكر ابن عقيل في الفنون 2/ 637 أدلة من الكتاب بأن خبر الواحد يوجب العلم.
6 - عَنْ يَحْيَى قَال: قُلْتُ لِلْقَاسِم: مَا أَشَدَّ عَلَيَّ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ الشَّيْءِ لاَ يَكُونُ عِنْدَكَ وَقَدْ كَانَ أَبُوكَ إِمَامًا. قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ أَنْ أُفْتِيَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ أَرْوِيَ عَنْ غَيْرِ ثِقَة.
أخرجه: الدارمي فيسننه (1/ 238) , ومسلم في مقدمة صحيحه (1/ 16)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (1/ 141).
7 - قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية (1: 19): "يعمل بخبر الآحاد في أصول الدين، وحكى الإمام ابن عبد البر الإجماع على ذلك".
8 - وقال الإمام الشافعي (الرسالة 453): "ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذه السبيل-أي تثبت بخبر الواحد- ".
وقال (457): "ولو جاز لأحد أن يقول في علم الخاصة: أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه، بأنه لم يعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبته جاز لي. ولكني أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد، بما وصفت من أن ذلك موجوداً على كلهم".
وقد صرح الشافعي في كتبه بأن خبر الواحد يفيد العلم، نص على ذلك صريحاً في كتاب اختلاف مالك.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال السيوطي (مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة 6): "روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوماً حديثاً وقال إنه صحيح فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبدالله؟ فاضطرب وقال: يا هذا أرأيتني نصرانياً؟ أرأيتني خارجاً من كنيسة؟ أرأيت في وسطي زنارا؟ أروي حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به؟ ".
9 - قال ابن تيمية في المسودة (242): قال أبو بكر المروزي: قلتُ لأبي عبدالله (الإمام أحمد: ههنا إنسان يقول: إن الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً. فعابه وقال: ما أدري ما هذا؟! فقال ابن تيمية: وظاهر هذا أنه سوى فيه بين العمل والعلم.
وقال السفاريني (لوامع الأنوار البهية 1/ 18): نقل أحمد بن جعفر الفارسي في كتاب الرسالة عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: لا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون ذلك في حديث كما جاء نصدقه أنه كما جاء فقوله: ونعلم أنه كما جاء نص صريح في أن هذه الأحاديث تفيد العلم عنده.
10 - قال ابن القيم (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (2/ 362) طبعة مكتبة الرياض الحديثة):
" نص على أن خبر الواحد يفيد العلم مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن علي وأصحابه".
11 - قال ابن حزم (الإحكام 1/ 124): وقد ثبت يقيناً أن خبر الواحد العدل عن مثله مبلغاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حق مقطوع به موجب للعمل والعلم معاً.
وقال أيضا (الأحكام 1/ 112 – 113):
"وقد أوجب الله تعالى على كل طائفة إنذار قومها وأوجب على قومها قبول نذارتهم بقوله تعالى: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} فقد حذر تعالى من مخالفة نذارة الطائفة –والطائفة في اللغة تقع على بعض الشيء كما قدمنا- ولا يختلف اثنان من المسلمين في أن مسلماً ثقة لو دخل أرض الكفر فدعا قوماً إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن وعلمهم الشرائع لكان لزاماً عليهم قبوله ولكانت الحجة عليهم بذلك قائمة وكذلك لو بعث الخليفة أو الأمير رسولاً إلى ملك من ملوك الكفر أو أمة من أمم الكفر يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم القرآن وشرائع الدين ولا فرق وما قال قط مسلم أنه كان حكام أهل اليمن أن يقولوا لمعاذ ولمن بعثه رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقد الإيمان حق عندنا؛ ولكن ما أفتيتنا به وعلمتناه من أحكام الصلاة ونوازل الزكاة وسائر الديانة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما أقرأتنا من القرآن عنه عليه السلام فلا نقبله منك ولا نأخذه عنك لأن الكذب جائز عليك ومتوهم منك حتي يأتينا لكل ذلك كواف وتواتر؛ بل لو قالوا ذلك لكانوا غير مسلمين، وكذلك لا يختلف اثنان في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعث من بعث من رسله إلى الآفاق لينقلبوا إليهم عنه القرآن والسنن وشرائع الدين، وأنه عليه السلام لم يبعثهم إليهم ليشرعوا لهم ديناً لم يأت هو به عن الله تعالى. فصح بهذا كله أن كل ما نقله الثقة عن الثقة مبلغاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنن ففرض قبوله والإقرار به والتصديق به واعتقاده والتدين به".
12 - قال ابن حزم (الأحكام 1/ 119): قال أبو سليمان والحسين بن علي الكرابيسي والحارث بن أسد المحاسبي: إن خبر الواحد العدل عن مثله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل جميعاً.
13 - قال الإمام أبو المظفر السمعاني في كتاب الحجة في بيان المحجة (214: 217):
" قولهم إن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم .. , هذا رأس شغب المبتدعة في ردّ الأخبار، وطلب الدليل من النظر، والاعتبار" و" هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال، ولا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدريَّة والمعتزلة، وكان قصدهم منه ردَّ الأخبار وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول، ولو أنصف الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم، فإنهم تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بخبر الواحد".
(يُتْبَعُ)
(/)
14 - قال الإمام الكبير ابن قتيبة في الرد على الجهمية (ص41): وعدل القول في هذه الأخبار أن نؤمن بما صح منها بنقل الثقات لها, فنؤمن بالرؤية والتجلي, وأنه ينزل إلى السماء, وأنه على العرش استوى, وبالنفس واليدين, من غير أن نقول في ذلك بكيفية أو بحد.
15 - قال الإمام أبو سعيد عثمان الدارمي في الرد على الجهمية (ص46): فهذه الأحاديث-أحاديث في الصفات الإلهية- قد جاءت بها كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن, وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا, لا ينكرها منهم أحد, ولا يمتنع عن روايتها, حتى ظهرت هذه العصابة, فعارضت آثار الرسول (ص) برد, وتشمروا لدفعها بجد.
وقال (ص63): ولم يزل المسلمون يروونها, ويؤمنون بها, لا يستنكرونها, ولا ينكرونها. ومن أنكرها من أهل الزيغ نسبوه إلى الضلال.
16 - قال الإمام الأشعري في الإبانة عن أصول الديانة (ص28): ونسلم للروايات الصحيحة عن رسول الله (ص) التي رواها الثقات, عدل عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله (ص).
وقال أيضا (ص29): ونصدق بجميع الروايت التي يثبتها أهل النقل ... , وبسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافا لأهل الزيغ والتضليل.
17 - قال الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية (227): وجميع ما صح عن رسول الله (ص) من الشرع كله حق.
18 - قال الإمام الحجة الكبير ابن أبي ذئب لأبي حنيفة سماك بن الفضل –فيما رواه الشافعي في الرسالة فقرة 1234 بسند صحيح- بعد أن روى حديثا لسماك بن الفضل, فقال له سماك: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ قال سماك: فضرب صدري وصاح صياحا كثيرا ونال مني, وقال: أحدثك عن رسول الله (ص) وتقول تأخذ به؟!! نعم اخذ به. وذلك فرض علي وعلى من سمعه.
19 - قال ابن عبد البر في التمهيد (1: 8): "ليس في الاعتفاد كله في أسماء الله وصفاته إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله (ص) أو أجمعت عليه الأمة. وما جاء في أخبار الآحاد في ذلك كله يسلم له ولا ينظر فيه".
20 - قال د. عبد الله عبد المحسن التركي في تعليقه على كتاب المدخل غلى مذهب الإمام أحمد (ص212): "التحقيق في أخبار الآحاد قبولها في الأصول كما تقبل في الفروع. فما ثبت بسند صحيح وجب قبوله وإثباته واعتقاده في الأصول .. فينبغي التنبه لذلك, وعدم الانسياق وراء كلام البعض في عدم إثبات الأصول بها".
هذه أقوال أساطين العلم وجهابذة الفتوى .. يرون أن حديث الآحاد يفيد العلم والعمل, وأنها حجة في العقائد.
شبهات وردها:
1 - يقول البعض " ذهب بعض الفقهاء إلى أن خبر الآحاد يفيد العلم والعمل وهم يستندون في ذلك إلى أدلة هي في حاصلها أخبار آحاد".
الرد: هذا الكلام لا يرد علينا؛ لأننا قد أبطلنا - بحمد الله وتوفيقه- دعواكم من أصلها وأساسها, وبينا فسادها وعوارها .. , فيلزمكم قبول أدلتنا كما هي.
ثم إن أشهر الأدلة التي يستدل بها من قال أن الآحاد تفيد العلم هو إرسال النبي صلى الله عليه وسلم معاذ إلى أهل اليمن وغيره من الصحابة إلى العديد من البقاع. وهذا ليس آحاد!!! بل أمر مجمع عليه لا خلاف فيه من أحد من الناس مسلمهم وكافرهم وحتى وثنيهم, لا يجادل في ذلك إلا ما لا يعي ما يخرج من فيه.
وأقول أيضا: إن بعض هذه الأخبار قد روي من طرق كثيرة، بلغ حد الاستفاضة، ولو استقصينا طرقها وشواهدها لطال الكلام.
وأيضا: إن أدلتنا المذكورة وإن كانت آحاداً فهي لكثرتها وتعدد جهاتها تفيد المتواتر المعنوي بلا أدنى شك أو ريب-عند كل من كان له قلب أو به مسحة من عقل أو شم رائحة علم الحديث- الذي يفيد القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وأئمة الإسلام كانوا يكتفون بالآحاد، ويبنون على خبرهم كل شيء.
2 - يقول المخالفون: (صدق الكاذب محتمل، وكذب الصادق محتمل)
الرد: أ- قال الإمام ابن المبارك: (من عقوبة الكذاب أن يرد عليه صدقه).
ب- قال الإمام سفيان الثوري: ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث. ونسيت ذكر مصدر هذه الأقوال.
وهذا أمر مجمع عليه بين علماء الحديث, وهم أهل الشأن والصنعة, وأهل مكة أدرى بشعابها.
3 - وقد تعلق هؤلاء المشكِّكون بعدد من الشبه الواهية التي زعموا أنها تؤيد ما ذهبوا إليه في ردِّهم لخبر الواحد وعدم قبوله.
(يُتْبَعُ)
(/)
أ- من ذلك قصة ذي اليدين الثابتة في صحيحي البخاري ومسلم حين توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - في قبول خبر ذي اليدين لما سلَّم على رأس الركعتين في إحدى صلاة العشاء فقال له ذو اليدين: " أقصرت الصلاة أم نسيت؟ "، قالوا فلم يقبل خبره حتى أخبره أبو بكر و عمر ومن كان في الصف بصدقه، فأتمَّ عليه الصلاة والسلام صلاته وسجد للسهو، ولو كان خبر الواحد حجة لأتمَّ - صلى الله عليه وسلم - صلاته من غير توقف ولا سؤال.
ب- ثم قالوا: وقد روي عن عدد من الصحابة عدم العمل بخبر الآحاد، فقد ثبت أن أبا بكر ردَّ خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدَّة حتى انضم إليه خبر محمد بن مسلمة، ج- وثبت أن عمر ردَّ خبر أبي موسى في الاستئذان حتى انضم إليه أبو سعيد، وكان علي لا يقبل خبر أحد حتى يحُلِّفه سوى أبي بكر.
د- وردَّت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه.
وكلُّ ما ذكروه من شبه في الحقيقة ليس فيها دليل على ما ذهبوا إليه من عدم الاحتجاج بخبر الواحد، والإجابة عنها في غاية الوضوح لمن كان يعقل:
أ- فأما توقف النبي- صلى الله عليه وسلم- في خبر ذي اليدين، فلأن ذي اليدين ذهب إلى يقين النبي (ص) يزيله, فلم يقبل منه (ص) ذلك إلا بحجة (وهي سؤال بقية الصحابة عن صحة ما يقوله ذي اليدين). فالنبي (ص) توهم غلط ذي اليدين .. حيث استبعد أن ينفرد بمعرفة هذا الأمر دون من حضره من الجمع الكثير، ولذا قال له صلى الله عليه وسلم (لم أنس, ولم تقصر الصلاة)، وكان هذا اعتقاده صلى الله عليه وسلم، ولا يُكَلَّف الإنسان بقبول خبرٍ مع اعتقاده خطأ راويه، فلما وافقه غيره ارتفع احتمال الوهم عنه، فَقَبِلَه- صلى الله عليه وسلم- وعمل بموجب الخبر عندما تبين له عدم الوهم، وبعبارة أخرى كان يقين ذي اليدين معارضاً ليقين النبي- صلى الله عليه وسلم- ولا يمكن تقديم يقين ذي اليدين على يقين النبي (ص) إلا بمرجح خارجي وهو شهادة الصحابة الباقين.
وأمَّا ما أوردوه من أن عدداً من الصحابة لم يعمل بخبر الآحاد، فإن الثابت الذي لا شك فيه أن الصحابة رضي الله عنهم مجمعون على العمل بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم آحادًا كان أو غير آحاد-، فإذا روي عنهم التوقف في بعض الأخبار فإن ذلك لا يدل على عدم الاحتجاج والعمل به، بل قد يكون لغرض آخر كطروء ريبة في حال الراوي، أو احتمال وهمه، أو سدِّ ذريعة أو مزيد رغبة في التثبت والاحتياط .. إلى غير ذلك من الأغراض. فإن توقفهم هو من قبيل قوله تعالى (فعززنا بثالث) يس 14. فليست الزيادة في التأكيد مانعة من أن تقوم الحجة بواحد. فإن كانت الحجة تثبت بخبر الواحد, فخبر الاثنين لا يزيدها إلا ثبوتا. وهم رضي الله عنهم يفعلون ذلك أحيانا؛ زجرا للناس وتحذيرا لهم من ألا يتقولوا عليه (ص) , وألا يحدثوا إلا بما حفظوا وتيقنوا من حديثه. وكأن لسان حال الصحابة يقول: " هذا فلان بن فلان-وهو من هو أمانة وصدقا وثقة وحفظا- أطالبه بشاهد يشهد على ما يخبر به عن النبي (ص) , فلتزدجروا, ولا تحدثوا عنه إلا بما حفظتم وتيقنتم ". وكأن الصحابة يطبقون المثل الشعبي المصري العامي القائل: (اضرب في المربوط, يخاف السايب). هذا كلام مهم انقدح في القلب, فخذه بقوة وعض عليه بالنواجذ. وقال الآمدي في الإحكام: " وما ردوه من الأخبار أو توقفوا فيه إنما كان لأمور اقتضت ذلك من وجود معارض أو فوات شرط، لا لعدم الاحتجاج بها في جنسها ".
ب- ما ادعاه المخالف على أبي بكر هو الكذب بعينه, فإن أبا بكر لم (يرد) خبر المغيرة, وإنما قال له: هلْ مَعَك غَيْرُك. وليس في هذا أي رد لخبر المغيرة. إليك ما حدث بحروفه وحركاته؛ لتعلم تحريف المخالف للوقائع:
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ: جَاءَتْ الْجَدَّةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا؟ قَالَ فَقَالَ لَهَا: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ وَمَا لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاس. فَسَأَلَ النَّاسَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَة: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ مَعَك غَيْرُكَ, فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الأنصَارِيُّ فَقَالَ مِثْلَ مَا قَالَ
(يُتْبَعُ)
(/)
الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَة. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْر.
رواه أبو داود والترمذي. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/ 82): " وإسناده صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته أن مرسل فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن له شهوده للقصة قال ابن عبد البر بمعناه " اهـ. وقال المزي في في ترجمة قبيصة من تهذيب الكمال: روى عن أبى بكر, مرسل. وقال الألباني في الحديث: ضعيف. وهو كما قالا؛ لإرساله, هذا هو الظاهر. أما قول المخالفين: لعله أخذه من المغيرة بن شعبة. أقول: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب, فهذه احتمالات وتخرصات وظنون, وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .. , فأنصفوا مرة أيها القوم تفلحوا.
فأولا: هو حديث ضعيف غير ثابت كما علمت, فلا يصح الاحتجاج به مطلقا.
وثانيا: ومع أن شهادة محمد بن مسلمة لم ترفع الخبر عن كونه آحاداً، إلا أن أبا بكر لم يتردد في قبوله والعمل به. والمخالف لا يقول أصلا بحجية الآحاد المنقول عن اثنين, بل لا يقبل إلا بالمتواتر.
وثالثا: هذا الحديث الذي تحتجون به علينا هو في الأحكام, فهلا قلتم قولتكم الفاسدة في عدم قبول الأخبار إلا المتواتر في الأحكام أيضا. وهذا أشنع ما يلزمهم. فتأمل ما يفعل الهوى بأهله.
ج- أسوق لك ما حدث من عمر رضي الله عنه بحروفه: عن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار، فجاء أبو موسى فزعاً له، فقالوا: ما أفزعك؟ قال: أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً فلم يُؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: إني أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم تردوا علي، فرجعت، وقد قال رسول الله: "إذا استأذن أحدهم ثلاثاً فلم يُؤذن له فليرجع". قال: لتأتيني على هذا بالبينة. فقالوا: لا يقوم إلا أصغر القوم. فقام أبو سعيد معه فشهد له. فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكنه الحديث عن رسول الله (ص). أخرجه البخاري ومسلم.
وبهذا يتبين أن عمرا لم يرد خبر أبي موسى كما يدعي المدعون. إنما أراد عمر التثبت والاحتياط في الرواية سدا للذريعة، لئلا يفضي ذلك إلى التوسع في الحديث عن رسول الله ممن دخل حديثاً في الإسلام أو لغير ذلك من الأغراض. وهو رضي الله عنه فعل ذلك؛ زجرا للناس وتحذيرا لهم من ألا يتقولوا عليه (ص) , وألا يحدثوا إلا بما حفظوا وتيقنوا من حديثه. وكأن لسان حاله يقول: " هذا أبو موسى الأشعري-وهو من هو أمانة وصدقا وثقة وحفظا- أطالبه بشاهد يشهد على ما يخبر به عن النبي (ص) , فلتزدجروا, ولا تحدثوا عنه إلا بما حفظتم وتيقنتم ". وكأنه رضي الله عنه يطبق المثل الشعبي المصري العامي القائل: (اضرب في المربوط, يخاف السايب). ولذلك قال عمر لأبي موسى: " أما إني لم أتهمك, ولكنه الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
ولم تخرج رواية أبي موسى عن كونها آحاداً حتى بعد أن انضم إليه أبو سعيد إلا أن عمر رضي الله عنه أراد أن يعطي درساً في المحافظة والحرص على سنة النبي (ص).
وأقول أيضا: هذا الحديث الذي تحتجون به علينا هو في الأحكام, فهلا قلتم قولتكم الفاسدة في عدم قبول الأخبار إلا المتواتر في الأحكام أيضا. وهذا أشنع ما يلزمهم. فتأمل ما يفعل الهوى بأهله.
وقد قبل عمر رضي الله عنه أخباراً أخرى هي من قبيل الآحاد، فقد روى رواه أحمد وأبو داود (2927) والترمذي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: " الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا ". حتى قال له الضحاك بن سفيان: كتب إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أوَرِّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها. فرجع إليه عمر ".
وقد قبل رضي الله عنه أخبارا آحادية فيما تعم به البلوى: خبر عبد الرحمن بن عوف في أمر الطاعون كما روى الشيخان.
وروى الشافعي في الرسالة (فقرة 1183) وأحمد- وهو حديث صحيح ثابت بأسانيد صحيحة-: " لم يكن عمر أخذ الجزية, حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي (ص) أخذها من مجوس هجر".
د- ما زعمته السيدة عائشة رضي الله عنها هو الخطأ بعينه- وكل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم-. وإليك البيان من أحكام الجنائز للألباني-بتصرف-:
(يُتْبَعُ)
(/)
قال (ص): "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه", وفي رواية: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه". أخرجه الشيخان وأحمد من حديث ابن عمر. والرواية الاخرى لمسلم وأحمد. ورواه ابن حبان في صحيحه (742) من حديث عمران بن حصين نحو الرواية الاولى.
وقال (ص): "من ينح عليه يعذب بما نيح عليه (يوم القيامة) " أخرجه البخاري (3/ 126) ومسلم (3/ 45) والبيهقي (4/ 72) وأحمد (4/ 245، 252، 255).
ثم إن ابن عمر لم يتفرد بهذه اللفظة, فقد تابعه عليها عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة, كما ثبت في الصحيحين. وهذا مما يثبت قطعا خطأ السيدة عائشة, والحق أحق أن يتبع .. , فعائشة رضي الله عنها حبيبة إلينا, ولكن الحق أحب إلينا منها.
ومثل ذلك يقال في كل ما ورد –إن صح أصلا- من هذا القبيل، فالصحابة إذاً لم يتوقفوا في الاحتجاج بخبر الآحاد والعمل به، بل أجمعوا على قبوله كما سبق، وتوقُّفِ بعضهم أحياناً لبعض الأسباب ليس توقفاً عن العمل به .. فتأمل.
4 - قولهم: لو حصل العلم بخبر الواحد لما احتيج في الأحكام إلى تعدد الشهود، ولا إلى يمين المدعي مع الشاهد، فعدم جواز الحكم بشهادة الواحد دليل عدم حصول العلم بخبره، فكذلك كل خبر واحد.
الرد: لما كانت حقوق العباد بينهم كثيراً ما يقع فيها النزاع والتشاجر، جعل الله الحكم بينهم بأمر ظاهر منضبط، هو البينة التي إذا وجدت تحتم الحكم بها. وليس ذلك لحصول العلم بما شهدت به، ولا لعدم حصوله بما دونها. فإن الحاكم لو حصل له العلم بخلاف ما شهدت به لم يجز له القضاء بعلمه، والعدول عن البينة. فالقاضي قد يحصل له العلم بالقضية بدون بينة، وقد يحصل له بشهادة واحد. ولكنه ليس مكلفا بالحكم إلا إذا أتى بالبينة أو استوفى نصاب الشهود.
ثم إن هناك فرقا واضحا وضوح الشمس بين الشهادة والرواية, لا ينكره إلا معاند أو مكابر, ألا وهو: أن الأحكام والشرع قد تكفل الله بحفظه, وضمن لنا بقاءه سليما من الأذى والتحريف والتبديل. لذلك كان ما تضمنته الأخبار الدينية الصحيحة والثابتة عن الرسول (ص) حقاً متيقناً، مقطوعاً بصحته، بخلاف ما شهدت به البينة, فإن الله لم يتكفل بحفظها من دخول الكذب والتدليس والتزوير والتحريف عليها, فإن حقوق العباد مما قدر الله فيها التظالم والتعدي من بعضهم على البعض الآخر ... , فتأمل. ثم إن الأمر بالبينة هو أمر بشيء منضبط لا خَفَاء فيه، ثم فيه نوع من التعبد فيأثم من تركه, وهذا -كما هو واضح لكل من كان له قلب- بخلاف الأخبار الدينية.
والحمد لله أولا وآخرا على توفيقه ومنه وكرمه.
ـ[أبو صلاح الدين]ــــــــ[21 Jul 2005, 08:08 م]ـ
أرجوا من الإخوة التعليق والتفاعل ... !!!!
أين أنتم أحبتي في الله ... ؛ إنما طرحت هذا البحث هنا قبل أن أنشره رغبة في الاستفادة من تعليقاتكم واستدراكاتكم ومناقشاتكم.
ـ[ناصر الغامدي]ــــــــ[07 Jan 2006, 07:50 م]ـ
بيض الله وجهك يا أبا صلاح، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
طالعته سريعاً، فيه جهد مميز، وما دام أنك تنصر السنة، فإنت في جهاد بارك الله فيك.
وحكى الإجماع على قبولها أيضاً بن قدامة في " تحريم النظر في كتب الكلام "
ص 56 طبع دار عالم الكتب بالرياض تحقيق عبدالرحمن دمشقية
ـ[عبدالرحمن السديس]ــــــــ[08 Jan 2006, 11:20 م]ـ
جزاك الله خيرا
وليتك طرحت الموضوع على مراحل .. ولطوله لم أقرأه!
لكن هنا فائدة:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=22028
ـ[أبو الهيثم]ــــــــ[09 Jan 2006, 02:59 ص]ـ
بعد الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم
جزاكم الله خيرا أخي على هذا المجهود المبذول لاسيما في نصرة السنة،، و لكن كان ينبغي أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا تكتب (ص)،، فإن العلماء أعدوا ذلك من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم،، (راجع مقدمة النووي على صحيح مسلم)
ـ[سيف الدين]ــــــــ[13 Jan 2006, 11:01 م]ـ
الاخ الكريم ...
بارك الله في جهودك الطيبة ... وارجو من الله ان تكون اسئلتي اثراء لبحثك الطيب:
1 - عن الاية في سورة النجم {وما ينطق عن الهوى} {ان هو الا وحي يوحى} ... هل يستقيم الاستدلال بهذه الايات عن انها ترجع الى السنة؟ يذهب البعض الى انها ترجع الى القرآن وليس الى السنة ... جاء في تفسير الرازي ج28 ص244 في قوله تعالى: {ان هو الا وحي يوحى}:" ... وان قلنا ان المراد من قوله: {ان هو} قوله وكلامه فالوحي حينئذ هو الالهام ملهم من الله, او مرسل وفيه مباحث:
البحث الاول: الظاهر خلاف ما هو المشهور عند بعض المفسرين وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق الا عن وحي, ولا حجة لمن توهم هذا في الاية, لأن قوله تعالى: {ان هو الا وحي يوحى} ان كان ضمير القرآن فظاهر وان كان ضميرا عائدا الى قوله فالمراد من قوله هو القول الذي كانوا يقولون فيه انه قول شاعر, ورد الله عليهم فقال {وما هو بقول شاعر} <الحاقة:41> وذلك القول هو القرآن, وان قلنا بما قالوا به فينبغي ان يفسر الوحي بالالهام.
البحث الثاني: هذا يدل على انه صلى الله عليه وسلم لم يجتهد وهو خلاف الظاهر, فانه في الحروب اجتهد وحرم ما قال الله لم يحرم وأذن لمن قال تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} <التوبة:43> نقول على ما ثبت لا تدل الاية عليه. (انتهى كلام الرازي)
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سيف الدين]ــــــــ[16 Jan 2006, 04:29 م]ـ
2 - ان كان الانبياء لا يتكلمون الا بما يوحى اليهم فكيف نفهم موقفين مختلفين لنبيين في موقف واحد وهو موقف هارون وموسى مما فعله قوم موسى في غياب موسى عنهم: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} (94) سورة طه
ـ[سيف الدين]ــــــــ[16 Jan 2006, 04:32 م]ـ
3 - ان كان الانبياء لا يتكلمون الا بما يوحى اليهم فكيف نفهم موقف موسى مع العبد الصالح والذي اعترض 3 مرات على العبد الصالح؟ وقد قال الله عز وجل عن العبد الصالح: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} (65) سورة الكهف
ـ[خادم الكتاب والسنة]ــــــــ[16 Jan 2006, 08:21 م]ـ
بارك الله فيك، ممكن تستفيد من العديد من الرسائل التي كتبت في هذا الباب مثل:
الحديث حجة بنفسه في الاحكام والعقائد لشيخنا الالباني
حجية خبر الواحد كذا لشيخنا رحمه الله
ولتلميذ الالباني الشيخ الهلالي رسالة موسع اكثر
وهناك رسائل عديدة اخرى
بالاضافة لاقوال اهل العلم كابن القيم فله كلام محقق مدقق في هذا
وفقك الله
ـ[سيف الدين]ــــــــ[18 Jan 2006, 08:06 م]ـ
4 - ثم ان القول بأن الانبياء لا يوحى اليهم الا ما جاء في الكتب السماوية كلام لا يستقيم مع النص القرآني, حي ان القرآن قد اثبت وحيا خارج نصوص الكتب السماوية مثل ما حدث مع موسى في جبل الطور وغير ذلك كثير ... والقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يتكلم الا بوحي هو كلام لا يستقيم ايضا مع السياق القرآني حيث عاتب القرآن الرسول في سورة عبس وسورة التحريم ... من هنا كانت دراستنا للحديث يجب ان تكون متأنية غير متعسفة لا تنفي الوحي كما انها لا تنسب الى الوحي ما ليس منه ... اذا كانت هذه المقدمة مقبولة وجب علينا الانتقال الى وجود ضابط في دراستنا للاحاديث النبوية .... كما وجب علينا الاشتغال بتعريف اخر للسنة وضرورة فصل تعريف السنة عن الحديث ...
ـ[سيف الدين]ــــــــ[21 Jan 2006, 11:24 م]ـ
5 - لا ريب ان الرسول صلى الله عليه وسلم قد اوحي اليه من التشريع ما هو خارج النص القرآني , والصلاة - كركن عبادي وما جاء فيها من احكام تفصيلية - من آكد الادلة على ذلك ... غير ان البعض انطلق من هذه الحالات الخاصة من التشريع خارج النص القرآني ليعمّم ذلك على كل ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول او فعل او تقرير ... وهو بذلك وقع في تعارض صريح مع القرآن الكريم حيث ان القرآن الكريم عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض المواقف التي وقفها ... ومن ناحية اخرى استقرأ البعض في السيرة الحوادث التي كان الرسول فيها صلى الله عليه وسلم يصوب من السماء فقام بالتعميم ايضا وقال بان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوح اليه شيء غير النص القرآني .. وهو بذلك ايضا تعسف وتكفيه الصلاة واحكامها ليعلم ان ما ذهب اليه فيه من التعسف ما فيه ... ان التعميم في فهم السنة هو شيء عقيم لا يعين على الوقوف على حقيقة السنة ..(/)