ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[27 Jan 2010, 04:25 م]ـ
إخوتي في الله
ماهكذا تناقش الأفكار!!!!
نحن في منتدى علمي!!! فلنلتزم بمنهجية أهل العلم وأدبهم في الطرح والنقاش
لكل منا أن يناقش ولكن بالدليل والحجة والبرهان ... أما أن يجرح بمسلم بمثل هذا التجريح ... الذي نيل به من ذمة ودين وعلم الإمام العزالي رحمه الله .... فلا نرضى!!! أخي الكريم ناقش قوله ... رده بالدليل أما أن تقول أنه ((أجهل الأمة بالشريعة الإسلامية)) فما أظن أن مسلماً يرضى بما قيل ... فضلا أن يكون من أهل وطلابه ولو كان ممن يخالفه في بعض أو كثير مما يذهب إليه ... أو مما ينسب إليه رحمه الله تعالى!!!!
ولو لم يكن له إلا تهافت الفلاسفة لكفاه ... !!!!
فهذا باب يجب ألا يفتح ولغة يتنزه عنها أهل العلم .... !!!
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[27 Jan 2010, 09:18 م]ـ
أخي الكريم: طارق عبد الله.
جزاك الله خيرا على التنبيه، ولكن ألم تنتبه لما قال الأخ البيراوي في شأن السلف الصالح، وأولهم الصحابة.
إنما انتبهت لما قلت أنا في الغزالي.
أنت أفضل عندي من هذا.
ولعلمك وعلم غيرك فإني لم أقل هذا الكلام عن الغزالي؛ بل قاله أئمة الهدى، وكلامهم على الغزالي مدون في كتبهم لمن أراد الرجوع إليه.
والذي دعاني لما قلت - وإن كنت ناقلا له - هو تهجم الأخ على السلف وقوله فيهم وهو مدون في مداخلته؛ ثم مدحه للغزالي، وشتان بين السلف والغزالي.
والغزالي نفسه تهجم على علماء السلف كمالك وغيره؛ ونعت فهمه للأسماء والصفات بأنه فهم العوام؛ بل وتهجم على إماميه الأشعري والجويني؛ فلماذا لا يسمح لطلبة العلم بنقل كلام أهل العلم عليه.
ألا يكفي الغزالي شهادة تلميذه أبي بكر حين قال:"دخل شيخنا أبو حامد في بطون الفلاسفة فما قدر أن يخرج منها "
إذا كان ذلك لا يكفيه؛ أفلا تكفيه شهادته على نفسه بقوله:"بضاعتي مزجاة في الحديث".
لا يهمني هنا تتبع أقوال أهل العلم في الغزالي؛ فمن أراد أن يدافع عنه فكلام أهل العلم عليه موجود.
فمن أراد أن يرد عليهم فليؤلف كتابا يجمع فيه أقواله ومآخذ السلف عليه؛ وسأكون أول القارئين له، وأول المؤمنين بما فيه إن كان حقا.
أما قول البيراوي بأن الآيتين اللتين ذكرت له لا تدلان على علم الصحابة؛ فليرد هو الآخر على المفسرين الذين يقول إنهم فهموا ما لم يفهمه الصحابة؛ فليرد على القرطبي وابن جرير والشنقيطي وغيرهم فكلهم قالوا إن هاتين الآيتين وردتا في الصحابة، وأنهم هم أهل العلم إن كان له أهل.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[28 Jan 2010, 01:03 ص]ـ
الأخ الكريم إبراهيم،
1. مداخلاتي موجودة ويستطيع كل أحد أن يرجع إليها ليعلم أنها تخلو تماماً من التهجّم.
2. ولكن يبدو أنّ قناعاتك قد مُسّت من قِبلي فاعتبرتَ ذلك تهجماً. ثم نتهجم على من؟!! على السلف أم على العلماء في أي عصر؟! أقول لك إنه لم يصدر مني في حياتي كلها أن تهجّمت على عالم يخالف في فهم. وحتى أولئك الذين يعلمون طلابهم كيف يشتمون العلماء المخالفين نستغفر لهم لما نلمس منهم من الصدق وقوة العاطفة. أما علماء السوء فشأنهم مختلف.
3. لا أكتمك أخي إبراهيم أنني أدرك موقفك تماماً من خلال مداخلاتك في أكثر من موضوع، ومن هنا أصبح كلامي مباشر في مناقشة ما أعتبره من الخطأ، وأنت اعتبرت الوضوح والمباشرة من التهجم.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[29 Jan 2010, 01:08 ص]ـ
5. ما للسلف وللعلوم الكونية؟! لا نشك لحظة أنهم كانوا أعجز من أن يفهموا دلالات الآيات والأحاديث التي فيها إشارات علمية. وقد شهد لهم القرآن الكريم بالخيرية ولم يشهد لهم بالعلم.
.
أخي الكريم: بماذا تسمي هذا، وبماذا تفهمه؟
الذي أفهم من هذا الكلام ما يلي:
1 - أنه تهجم على السلف.
2 - أنه اتهام لهم بأنهم كانوا يجهلون معاني بعض آيات القرآن الكريم، وأن دعاة الإعجاز فهموها.
3 - أنه افتراء على كتاب الله تعالى بأنه لم يشهد لهم بالعلم؛ في حين أنه شهد لهم بالعلم في كثير من الآيات، وعرفه بالألف واللام؛ حتى يبين أنه هو العلم الحقيقي.
أما فهمك لموقفي وفكري؛ فلا يحتاج إلى ذكاء كبير؛ لأنه مكتوب بلغة بسيطة مفهومة لأبسط العوام.
وعندك من الفضائل في نظري ما هو أكثر من مجرد فهم موقفي ..
بارك الله فيك وهدانا وإياك للانتصار لآرائنا دون طعن في سلف الأمة، أو تقويل كتاب الله تعالى ما لم يقله.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[29 Jan 2010, 01:43 ص]ـ
الأخ الكريم إبراهيم،
1. تقول:"أنه اتهام لهم بأنهم كانوا يجهلون معاني بعض آيات القرآن الكريم": هذا يعني أنك تقول إنهم كانوا يعلمون كل معاني القرآن الكريم. فمن أين لك هذا؟! ثم أين هذا التفسير لكل معاني القرآن الكريم المنقول عن الصحابة؟! أم أن الأمر من قبيل الرجم بالغيب.
2. تقول إن القرآن قد شهد للصحابة بالعلم في آيات كثيرة، وأنا يكفيني آية واحدة، فأين هي؟!
3. يبدو أننا إما أن نشهد للصحابة الكرام بكمال العلم أو نُتهم بالتهجم عليهم. لا والله لا نقول بعصمة أئمة الشيعة ولا بعصمة الصحابة، ثم الله يحكم بيننا.
4. أما تحليلي الشخصي لمثل هذه المواقف: فإنها بذور الوثنية التي جعلت البشرية تنحرف عن منهج أنبياء الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[30 Jan 2010, 01:18 ص]ـ
أخي الكريم: هذا الطرح فيه ضعف شديد، ومع ذلك سوف أتحمل العناء لأجيبك عنه بما أرجو أن تحصل منه فائدة:
أولا: أنت ترد على نفسك؛ لأن الشهادة بالخيرية تتضمن الشهادة بالعلم؛ وأي خيرية تكون بالجهل.
ثانيا: طلبت آية تشهد للصحابة رضوان الله تعالى عليهم بالعلم وليس عندي الوقت للبحث في مظان ذلك؛ ولكن تحضرني الآن آيتان:
الآية الآولى: قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6]
الآية الثانية: قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 16]
ولعل فيهما ما يكفي لإقناعك بأن الصحابة هم أعلم الأمة؛ وأن علم التابعين والمفسرين إنما نالوه من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
ووصفهم بالعلم ليس فيه غلو وليست فيه وثنية كما تتصور؛ بل هو محض الإنصاف، والإيمان بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أرجو أن لا ينحرف نقاشنا عن الموضوع، ويجدنا زوار الملتقى في نقاش هل الصحابة علماء أم لا؟
لأن هذا مجرد عبث؛ بل أقل شأنا من العبث.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[30 Jan 2010, 02:04 ص]ـ
الأخ الكريم إبراهيم،
1. تقول إن الشهادة بالخيرية تعني الشهادة بالعلم، وهذا يعني أنه كلما ازداد المرء علماً ازداد خيرية. وعليه أصبح معنى:" كنتم خير أمة": أي أعلم أمة أخرجت للناس. بارك الله فيك، هل لك من سلف في هذا التفسير؟!
2. سبق أن قلنا إن (الذين أوتوا العلم) تشمل كل من أوتي العلم في أي عصر من العصور. وفي الصحابة من أوتي العلم على تفاوت بينهم، كأي أمة من الأمم؛ أي أن أهل العلم يوجدون في كل العصور إلى أن يأذن الله برفع العلم. والمسلمون في كل عصر يتفاوتون في درجاتهم العلمية.
3. ارجع إلى الآية 80 من سورة القصص لتجد أن الذين أوتوا العلم موجودون قبل الإسلام. ثم ماذا تقول في قوله تعالى:" يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"، هل المقصود الصحابة دون غيرهم من أجيال الأمة الإسلامية؟!!
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[30 Jan 2010, 03:12 م]ـ
لأن الشهادة بالخيرية تتضمن الشهادة بالعلم
ربما تصح في حق الصحابة وفي العلم الشرعي فقط، أما على إطلاقه فلا.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[30 Jan 2010, 05:39 م]ـ
اخي الكريم: البيراوي
لقد قلت، ولا زلت أقول: إن الشهادة بالخيرية تتضمن الشهادة بالعلم، وأنه لا خيرية مع الجهل.
أما تمثيلك الصحابة بأي امة أخرى؛ فتلك نظرتك الخاصة.
والذي أدين الله تعالى به أنهم ليسوا كأي أمة؛ بل لا توجد أمة ولا قرن يماثلهم علما وورعا وتقى ..
أما طلبك الرجوع إلى آية القصص؛ فلا احتاج إلى ذلك؛ لأني لم أنف أن في الذين قبلنا من أوتي العلم.
أما قولك في تفسير آية "كنتم خير أمة أخرجت للناس " بأنها تعني أعلم أمة؛ فذلك لم أقله؛ وإن كان هو الحق؛ فهذه الأمة هي أعلم أمة وخير أمة.
أما الأخ حجازي الهوى؛ وتدخلاته في توقيت جيد لمساندة الموافقين له؛ فأقول له.
العلم عندما أقولها إنما أقصد بها العلم الشرعي، وعندما يطلقها علماء السلف إنما يعنون بها العلم الشرعي لا غير.
وهو مناط الخيرية في الدنيا والآخرة.
ولا زلت أرجو وآمل أن لا ننصب أنفسنا محل سخرية الجميع بنقاشنا علم الصحابة؛ فالبحث فيه بالنسبة لي غير مفيد؛ لأن عقيدتي في علمهم، وأنهم أعلم هذه الأمة وغيرها من الأمم؛ لن يتزحزح إلا بقول معصوم، ولا أخال أحدا من طلبة العلم يدعي العصمة، أو يدعي أن عنده نقلا عن المعصوم في أنهم من أجهل الناس بعلوم معينة أو غير ذلك من الأوصاف ..
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[30 Jan 2010, 05:54 م]ـ
الأخ الكريم إبراهيم،
كل واحد منا على قناعاته قائم، والذي يهمني هنا أهل الملتقى، فكل مهتم منهم يطلع ويحكم بما أعطاه الله من نعمة العلم والفقه.
بارك الله لك في علمك وسددك بإخلاصك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[30 Jan 2010, 07:27 م]ـ
أخي: البيراوي.
أما أنا فتهمني أنت كما يهمني أهل الملتقى.
بارك الله فيك وفي علمك؛ وهدانا وإياك لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[30 Jan 2010, 08:37 م]ـ
أما الأخ حجازي الهوى؛ وتدخلاته في توقيت جيد لمساندة الموافقين له؛ فأقول له.
العلم عندما أقولها إنما أقصد بها العلم الشرعي، وعندما يطلقها علماء السلف إنما يعنون بها العلم الشرعي لا غير.
وهو مناط الخيرية في الدنيا والآخرة.
ولا زلت أرجو وآمل أن لا ننصب أنفسنا محل سخرية الجميع بنقاشنا علم الصحابة؛ فالبحث فيه بالنسبة لي غير مفيد؛ لأن عقيدتي في علمهم، وأنهم أعلم هذه الأمة وغيرها من الأمم؛ لن يتزحزح إلا بقول معصوم، ولا أخال أحدا من طلبة العلم يدعي العصمة، أو يدعي أن عنده نقلا عن المعصوم في أنهم من أجهل الناس بعلوم معينة أو غير ذلك من الأوصاف ..
الأخ إبراهيم لماذا هذه الحدة؟
لماذا لا تحسن الظن بإخوانك؟
أنا لا أتدخل لمساندة أحد لأنه ذلك الأحد، وإنما أتدخل لعلي أشارك في المساعدة للوصل إلى الحق.
ثم إن الخيرية قد تكون با لإيمان والعلم، وبالإيمان وحده.
وأما علم الصحابة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فليس محل نقاش، فهم في الجملة أعلم الناس بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولكن نقول إن الله قد استودع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من العلوم والمعارف والإشارات بحيث يستنبط كل جيل بقدره وحاجته وبما يتناسب مع الأحداث المستجدة في الحياة الإنسانية ومن ثم يكون الجيل اللاحق قد ظهر له من دلالة الكتاب والسنة ما لم يظهر لمن سبقهم.
وهذا الأمر لا ينتقص من منزلة الصحابة ولا من تبعهم.
وأما طلبك نقلا عن المعصوم يبين أن الصحابة من أجهل الناس بعلوم معينة فهذا طلب عجيب لا أدري كيف صدر منك؟
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[31 Jan 2010, 08:44 م]ـ
ثم إن الخيرية قد تكون با لإيمان والعلم، وبالإيمان وحده.
وأما علم الصحابة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فليس محل نقاش، فهم في الجملة أعلم الناس بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولكن نقول إن الله قد استودع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من العلوم والمعارف والإشارات بحيث يستنبط كل جيل بقدره وحاجته وبما يتناسب مع الأحداث المستجدة في الحياة الإنسانية ومن ثم يكون الجيل اللاحق قد ظهر له من دلالة الكتاب والسنة ما لم يظهر لمن سبقهم.
وهذا الأمر لا ينتقص من منزلة الصحابة ولا من تبعهم.
وأما طلبك نقلا عن المعصوم يبين أن الصحابة من أجهل الناس بعلوم معينة فهذا طلب عجيب لا أدري كيف صدر منك؟
أولا: قولك إن الخيرية قد تكون بالإيمان وحده؛ فلا أدري أيؤمن أحد بما يجهله؛ هذا الطرح ينبغي لك مراجعته؛ فهو بعيد عما عهدناه منك.
أما علم الصحابة؛ فقد قلت لك إن خلافي مع الأخ البيراوي إنما هو في وصف القرآن الكريم للصحابة بالعلم؛ والعلم إذا أطلق إنما يقصد به العلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه، وهو العلم حقا؛ أما شطحات العلوم التجريبية، وما ينبثق عنها من فلك ونحوه فلا يسمى علما عند السلف، وإنما جدت تسميته بالعلم مع ما جد؛ فهو خارج عن محل النقاش.
وأما قولك إن الله استودع كتابه ... إلخ.
فالمهم عندي أن نتفق أنه لم يوجد ولن يوجد جيل أعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما استغرابك لطلبي نصا من المعصوم ..
فلو راجعت المداخلات بإنصاف، غير إنصافك الحالي والسابق، فستعرف سببه.
بارك الله في عقلك وعلمك.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[31 Jan 2010, 09:15 م]ـ
أولا: قولك إن الخيرية قد تكون بالإيمان وحده؛ فلا أدري أيؤمن أحد بما يجهله؛ هذا الطرح ينبغي لك مراجعته؛ فهو بعيد عما عهدناه منك.
.
لا مانع عندي من مراجعة ما أطرحه ولكني أدعوك أنت أيضا أن تكون منصفا وأن تحترم عقل المحاور والقاريء.
طرحي لا غبار عليه إذ أنت تعلم ماهو "العلم" الذي نتحدث عنه.
إذا كان كل مؤمن عالماً عندك فليس لأحد أن يرجع في مسألة إلى أحد، ولا فضل لأحد على أحد.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[01 Feb 2010, 02:54 ص]ـ
أخي الكريم: لو بينت لأحد ما ضعف طرحه العلمي؛ فإنما أقصد بذلك نصحه ..
وعهدي بك تنهى عن سوء الظن بالإخوان في مداخلتك السابقة؛ فما بالك تنهى عن شيء وتأتي مثله.
أما الذي كنت أتكلم عنه، وشعبته أنت وجماعتك فهو واضح؛ وهو: هل شهد الله تعالى للضحابة بالعلم أم لا؟ فالأخ البيراوي نفى شهادة الله تعالى لهم بالعلم، وأنا أثبتها.
ثم أدخلت أنت الإيمان في موضوع نقاشنا، وقلت إنه لا يستلزم العلم فقلت لك إنه يستلزمه ولا شك ..
فلا إيمان بلا علم قطعا إذ كيف يؤمن أحد بما يجهل؟ ..
ومرة اخرى أدخلتمونا في قلت وقال وقالوا وحسن الظن وسوء الظن واحترام المحاور ومعايب المجادل وهلم جرا ..
أرى أنه من الأفضل أن نركز على الموضوع ونترك الهروب إلى الأمام ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عصام المجريسي]ــــــــ[01 Feb 2010, 09:54 ص]ـ
قالوا للذين أوتوا العلم
العلم علمان:
علم مطلق، وهو علم الله تعالى سبحان من (وسع كل شيء علماً).
وعلم مقيد، وهو علم البشر.
ونعوذ بالله أن يكون عندنا اعتقاد أن العلم المطلق يكون عند المخلوقين ولو كانوا أنبئاء، وهذا الخلط بين الاثنين يضر أكثر مما ينفع.
والعلم الوارد في الآية هو العلم البشري بالوحي المسموع في ذلك المجلس المبارك (ومنهم من يستمع إليك ... ).
وهو علم مقيد بقيود كثيرة:
1) قيد الطبيعة البشرية؛ فهم بشر لا يحيطون بكل شيء علماً، وليس معصومين من أن يتطرق إليهم جهل أو غضب أو معصية.
وليس كل الناس في العلم سواء (فسالت أودية بقدرها)، وقد ذكر النبيء أنصباء الناس من العلم في تشبيهه إياه بالماء النازل وأنواع الأرض القابلة فمنها الروابي ومنها القيعان ومنها الصخور.
ورضي الله عن عمر قال حين وفاة النبيء، صلى الله عليه وسلم، في آية آل عمران (وما محمد إلا رسول ... ) لما تلاها عليهم أبو بكر: "كأنني ما سمعتها" .. فلما سمعوها ثابوا إلى الحق .. رضي الله عنهم.
ومعلوم تقسيم الصحابة إلى طبقات من جهة العلم، وتقسيمهم هذا على تلك الطبقات شاهد على اختلافهم.
وهذه الآية الكريمة لا تنفي أن الكفار قد فهموا المراد من القرآن، وقد صرح بذلك أبو جهل (نعلم أن محمداً على حقّ)، ولكنهم رفضوا الإيمان عناداً.
2) قيد السياق؛ فالآية نزلت تعرض بالكفار المنافقين الذين استمعوا إلى النبيء صلى الله عليه وسلم، فلا يعُون ولا يفقهون تهاوناً منهم، بما يُتلى عليهم من كتاب الله، وتغافلاً عما يقوله لهم الرسول ويدعوهم إليه من الإيمان .. حتى إذا انقضى المجلس قالوا لمن سمع منه تلك الموعظة وفهم منه تلك الآية إنهم يتجاهلون ما أخبرهم به، على سبيل الهزء والاستخفاف؛ أي لم نفهم ما يقول ولم نر ما نفع ذلك الذي يقوله ..
فهي تثبت موقفاً واحد، والحاضرون فيه معروفون، كابن عباس وأبي الدرداء وابن مسعود.
ولعل مثل هذه الآية قول قوم شعيب عليه السلام: (ما نفقه كثيراً مما تقول).
3) قيد الهدي القرآني وتربيته للصحابة؛ ثَمّ آيات كثيرة وسنن لم يفعلها النبيء بعدُ إبان تنزل سورة القتال التي منها هذه الآية، فكيف يوصفون بالعلم المطلق المستغرق العام أو بعلم الكتاب بكماله، ولا زال القرآن لم ينقطع عنهم .. وما فائدة تعليم المتعلم؟!. ما هو إلا علم تعلّموه من الوحي، " أو فهماً يؤتاه أحدنا في كتاب الله " كما علي رضي الله عنه ..
4) قيد اللغة؛ اللام في كلمة العلم عهدية .. لا للاستغراق ولا للعموم ..
وكلمة (أوتوا العلم) لا تعني بالضرورة أن الآخذ قد أخذه بكماله .. فهو قد قامت عليه من الله الحجة أنه قد أوتي علماً، وعليه أن يعمل به بعد ذلك.
وهي قريبة من (أوتوا الكتاب) (آتيناهما الكتاب المستبين)
وانسلخ منها بلعام (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها).
5) قيد الحضور لذلك المجلس؛ والحضور قرينة عهدية معروفة في لغة العرب. قال ابن مسعود: أنا منهم، وسئلت فيمن سئل. وابن مسعود من علماء الصحابة رضي الله عنهم.
ثم هناك علوم حصلت للصحابة بعد وفاته، وللتابعين ولمن بعدهم، فهل هي منزوعة العلم.
والعلم في عرف الصحابة هو الملازم للعمل به والتقوى والشكران لله والقيام به (إن أكرمكم عند الله اتقاكم)، هو هيئة كاملة، (إيمان + عمل) وهذا هو مناط الخيرية، وليس هو كثرة المعلومات التي تكون في أصغر حاسوب أو أصغر طالب علم من طلابنا (قارن بين مسند ابن عباس (1500 حديث) وطالب منا يحفظ البخاري مثلا (6000 حديث)، مع فقه ابن عباس وإيمانه! شتان).
ومثل آية القتال قوله تعالى في سورة سبأ:
(ويرى الذين أوتوا العلم ... )
وزيادة؛ أن (يرى) فعل مضارع يفيد التجدد الصالح لكل زمان ومكان ولكل عالم بالشرع من بني الإنسان.
فائدة: العلم الذي هو الإدراك والتمييز ليس هو شرط الإيمان .. فالإنسان قد يؤمن بما لا يعلم حقيقته، وقد يؤمن بما لا يحسن تصوره جملة وتفصيلاً، ويؤمن بما لا يستطيع التعبير عنه ولا الدعوة إليه .. وهو مع ذلك مؤمن .. وإن سرق وإن زنا .. فلماذا سمي إيماناً إذن (الذين يؤمنون بالغيب)، ولم يقول: يعلمون الغيب ..
لقد ترك لنا الصحابة الكرام حملاً ثقيلاً من الإيمان الغامر الراسخ الذي وقر في أعماق القلوب الإيمان بمصداقية الرسالة والرسول والمرسل، ومن طرائق التفكير المتنورة ومن العزائم القوية المصابرة ومن نماذج الخير البشرية التي كانت تناصر الله بحق وتأخذ القرآن بقوة وتتبع الرسول بيقين .. في حركة دائمة بذلك آناء الليل وأطراف النهار .. فاستحقوا بذلك أن يكونوا خير القرون.
ولكن التقصير والخذلان والجمود هو ما كافأناهم بهم .. وأسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[02 Feb 2010, 12:15 ص]ـ
هناك مشكلة وهي أن من شروط التوبة العزم على عدم العود.
وأعلم أني لو عدت ألف مرة؛ ثم تبت أن باب التوبة مفتوح بشروطه.
ولكن أرجو أن لا أعود لما تبت منه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[جمال السبني]ــــــــ[04 Feb 2010, 04:04 ص]ـ
قرأت الموضوع كله وما تلاه من مناقشة ومباحثة ..
جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم ..
أنا أؤيد الأخ الكريم (إبراهيم الحسني) في تأكيده على أفضلية فهم الجيل الإسلامي الأول للقرآن، فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضي الله عنهم).
يجب أن يكون لفهم القرآن الكريم معيار، بل يجب ـ أولا ـ أن ننتبه إلى أن للقرآن ـ كأي نص ـ معنى ثابتا وواحدا، فلا يمكن الآخذ بتصورات البعض التي تفيد أن للقرآن معنى متغيرا بتغير المخاطب والعصر، وبالتالي معنى متعددا بتعدد المخاطبين والعصور.
وهذا المعنى الواحد والثابت للقرآن، لا بد لاكتشافه وتشخيصه من معيار ومنهجية.
وهذا المعيار هو فهم الجيل الذي عايش نزول القرآن آية آية، جيل الذين نزلت فيهم الآيات وعاشوا مضامينها تجربة حية، جيل الذين كانوا ـ عموما ـ يقرؤون القرآن ويفهمونه كما نحن نقرأ ونفهم كلام الناس بسهولة. جيل الذين كانت أحاديثهم اليومية هي مثل اللسان العربي الذي نزل به القرآن. جيل الذين كانت ثقافتهم وذهنيتهم هي تلك التي خاطبها القرآن وانتقدها وأصلحها وأقرّ منها ..
الأخوان (البيراوي) والـ (حجازي الهوى)، لا يدركان هذه القضية، التي هي أن الصحابي هو الشخص الذي كان في المجلس، مجلس نزول الوحي، هو أحيانا يكون المتلقي الأول ـ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، هو سمع القرآن غضا أول ما يتلى. هو ينتمي للوسط الثقافي واللغوي الذي خاطبه القرآن وعمل فيه إصلاحا وانتقادا وإقرارا لما هو جيد وصحيح فيه ..
وهذه القضية لا يمكن الفرار منها باللجوء إلى حسابات بسيطة مثل القول بأن أفضلية الصحابة في العلم والفهم لم يأت فيها نص. هذا الأمر بديهي ولا يحتاج إلى نص. الأمر أوضح من أن يذكره نص بل وأكبر.
لماذا كان علماؤنا القدامى يرجعون إلى أقوال الصحابة والتابعين والكلام العربي والشعر (ديوان العرب) في التفسير وشرح ألفاظ الآيات والأحاديث؟ لأنهم كانوا ينتبهون جيدا للقضية المذكورة آنفا.
وهي قضية علمية ودينية في آن واحد. العالم المستقل يبحث عن معاني القرآن بحسبها، فيحاول العثور على شواهد فهم الجيل الإسلامي الأول والوسط الثقافي والذهنية والذخيرة اللغوية. وهي قضية دينية أيضا، وهي أن التفسير المأثور أو التفسير بالمأثور هو المفضل وله قيمة دينية واضحة، فهو يمثل ـ عموما ـ فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام.
لنتجاوز الحديث عن فهم الصحابة وعلمهم، باعتبار أن هذا مما وقع فيه التباس لكونه لم يرد فيه نص (!)، ولكن لنتحدث عن فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وعلمه: أكثر التفسيرات المسماة بالعلمية تخالف فهم النبي (صلى الله عليه وسلم). وقد مثّلتُ لهذا في مداخلة سابقة لي بتفسير آية (والشمس تجري لمستقر لها) حيث فسّر النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الجريان بجريان الشمس اليومي والاستقرار باستقرار الشمس الليلي، ولكن سادة الإعجاز العلمي يفسرونها بحقيقة دوران الشمس حول مركز المجرة التي تنتمي الشمس إليها. إذن؛ ماذا نختار: تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) أم تفسيرهم؟ المفسّر المسلم المحترف يختار تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم)، والباحث المستقل (مثل المستشرقين) يختار تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم). وأما كتاب التفسير العلمي فيصرّون على التفسير الذي لا ينتمي إلى النص ولا إلى لغته ولا إلى سياقه ولا إلى الشاهد المأثور الذي يدلّ على الفكرة المعينة التي وراء تعبير النص.
ولا تفيد مناقشة كتاب التفسير العلمي بتنبيههم إلى الجانب اللغوي وجانب (السياق) المهمّ، فهم يتملّصون كل مرة ويؤوّلون ويصرّون على التفسير الملتوي الذي لا يقبله أي صاحب ذوق لغوي سليم في فهم النصوص ... ولكننا ننبّههم إلى أن تفسيراتهم مخالِفة لفهم الجيل الإسلامي الأول الذي كان ـ على الأقلّ الأقلّ ـ صاحب الدار وهم أدرى بما فيها (وأعتذر عن هذا التعبير الذي قد يكون غير مناسب لمقام المذكورين ولكنه يناسب ما أريد تبليغه من فكرة).
ـ[عصام المجريسي]ــــــــ[04 Feb 2010, 09:33 ص]ـ
الأخ جمال بارك الله فيك
مقدمة كلامك عن فهم الصحابة وسليقتهم وأحوال تنزل القرآن كانت رائعة جداً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن النتيجة التي انتهيت إليها بتعميم ذلك على أنهم أدركوا كل شيء من القرآن وأنهم وسعوه فقها وعلماً وأنهم هم أصحاب الدار ومن سواهم الضيوف!!! حتى نضطر بذلك إلى نبذ ما أتت به المكتشفات الحديثة الظاهرة للعيان والبادية في الواقع .. فهذا مما لا يقبله من يحترم نعمة العقل التي جعلها الله تعالى محلاً قابلاً لفهم القرآن نفسه.
ألا فاعلم أن صاحب الدار والزمان والناس هو الله عز وجل .. ولا قداسة لبشر.
أنزل الله القرآن لكل الناس ولكل الأزمان ولكل الديار .. فلماذا يجعلونه وقفاً على جيل واحد ودار واحدة وزمن واحد ..
وهذا الجعل مع اختلاف معاييرهم في تحديد هذا الجيل، وهذا الزمن، وهذه الدار ..
أحياناً يلزمنا هؤلاء برأي رجل معاصر نراه بأعيننا بحجة أنه من السلف .. وينبذ آخر من القرن الثاني أو الثالث بحجة أنه ليس من السلف!! .. وأحيانا نلزم بخبر راوه صحابي متجوزاً عن أهل الكتاب .. فيقال هذا من هدي السلف .. وما هو من الحق في شيء ..
القائلون بالإعجاز العلمي في الغالب لا يتجاوزون فهم السلف للقرآن الذي وصل إلى أن يرتقي إلى أن يكون (سنة): "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" ..
وما فارق الغالب فهو محل ردّ وقبول.
فأنت تسمع أنهم ينقلون الأحاديث والآيات والآثار والسنن عن السلف الصالح الثابت منها والصحيح وليس يقبلون الشاذ من تلك الأقاويل المناقضة لشواهد التنزيل والعيان .. حتى تكون الأخبار الصحيحة والثابتة والمستقيمة مع القرآن الذي هو الحاكم، في كثير من الأحيان، هي مدار البحث ..
وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب ذلك القبر ..
مثال على خلل الفهم عند المعاصرين:
ولكن من الذي قال من السلف: إن الشمس هي التي تدور على الأرض؟؟ ..
أما الآيات فلا تدل على ذلك قطعاً .. إلا في حالة الجهل بدلالات اللغة وسياقات القرآن.
آية البقرة:
(إن الله يأتي بالشمس بالمشرق)
لم تقل الآية: أتت الشمسُ من المشرق، بل أسندت الآية الفعل إلى الله تعالى أنه هو الذي أتى بها، فانتفى أن تكون هي الفاعل للحركة. وفرق بين يأتي ويأتي به ويأتيني ...
وإذا كان الإتيان دالّاً عند المنكِر على الدوران فهناك ما يدل على أن الأرض تأتي أيضا مع ما يأتي من أفلاك السماء ..
قال تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين) ..
فها هي الأرض أتت بل أتى معها كل العالم ..
كيف تجعلون الإتيان دالاً على دوران الشمس في آية وتنفونه عن آية أخرى ..
ودعونا من التأويلات .. وأعتقد أن السياق القرآني غير عاجز عن تصوير ذلك بل هو الأبلغ والأقوم.
آية الكهف:
(وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم)
واضح أن الذي احتج بهذه الآية عمي عن الفعل الذي في صدرها (ترى) .. فكل أحد من السلف إلى ما لا يعلمه إلا الله يرى الشمس بعينيه تطلع من جهة المشرق وتغيب من جهة المغرب.
والذي قال في (نظر الناظر) من المفسرين إنما فهم الآية بنصها الكامل لا فهماً مبتوراً ..
أما الدلالات الصحيحة للغة فهي:
أن الله تعالى ذكر الليل والنهار اللذان هما من خصائص الكوكب الأرض ينعكس عليه ضياء الشمس من بعيد فيكون النهار فإذا غاب ذلك الضياء كان الليل ..
والقرآن يذكر لنا أن الليل والنهار اللذان هما السبب في إظهار ضياء الشمس وغيابها هما الفاعل ..
آية سورة الشمس
(والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها) ومثلها آية سورة الليل (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى).
واضح أن النهار في الآية الكريمة هو الذي يجلي ضياء الشمس وأن الليل هو الذي يجعلها تغيب حين يغشاها، هو الذي يفعل بها ذلك المغيب فهي مغيبة لا غائبة .. أليس هذا نصاً في الآية؟.
والليل والنهار ضدان لا يلتقيان، فكيف يجتمعان (خلفة) على مفعول واحد النهار يجليه والليل يغشيه؟ ..
قال تعالى: (وهو جعل الذي الليل والنهار خلفة)
الخلفة: يخلف بعضهما بعضاً؛ يفعلان ذلك بالمخالفة والتناوب؛ هما فاعلان لهذا التنواب ..
بل نجد الآية في سورة الزمر تتحدث عن خصائص في سلخ الليل من النهار الأرضيين باعتبار أن الأرض هي الكوكب الذي يحيط به غلاف جويّ تختلط فيه الأضواء المتعاكسة .. فهذا يبين لزومية الليل والنهار المسلوخ بعضهما من بعض للأرض.
ثم آية الأعراف التي تجعل الليل والنهار يحثان السير (يطلبه حثيثاً).
ونحن لا نشعر أن الشمس فيها ذلك الطلب الحثيث .. بل نراها تكاد تكون بطيئة السير جداً ..
وكلام القرآن عن الظلال (ج ظل) المتفيئة أو الساكنة أو الممدودة هو من آثار حركة الأرض وتقلب الليل والنهار عليها.
بل انظر (يتفيأ ظلالُه) لماذا جاءت (الظلال) فاعلاً والظاهر المرئي منها يجعلنا نقول إنها منفعلة ..
وقارنها بقوله تعالى: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً) .. ونحن في الواقع المرئي نجعل الظل دليلا على الشمس بعكس الآية.
هل هذا الدليل هو معيار الثبات حتى يقاس به غيره من الأشياء أم المدلول عليه هو الثابت؟.
والسؤال المهم .. هل هناك في أقوال السلف الصحيحة والثابتة وغير الشاذة ما يتناقض مع ما اكتشف من هذه الحقائق؟.
أم نريد أن نثبت شيئاً لا ندرك أبعاده على دعوة الإسلام .. من حيث ندري ولا ندري؟
أم أنه قول أشربته القلوب فلا تريد أن تسمع غيره؟ .. كما تقول السيدة عائشة رضي الله عنها.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[04 Feb 2010, 03:13 م]ـ
الأخوان (البيراوي) والـ (حجازي الهوى)، لا يدركان هذه القضية، التي هي أن الصحابي هو الشخص الذي كان في المجلس، مجلس نزول الوحي، هو أحيانا يكون المتلقي الأول ـ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، هو سمع القرآن غضا أول ما يتلى. هو ينتمي للوسط الثقافي واللغوي الذي خاطبه القرآن وعمل فيه إصلاحا وانتقادا وإقرارا لما هو جيد وصحيح فيه ..
.
من قال لك أخانا الكريم أنا لا ندرك هذه القضية!!!؟
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[04 Feb 2010, 04:41 م]ـ
بارك الله في الأخ الكريم عصام فقد أضاف فأجاد،
وأضيف بدوري للتوضيح:
1. إذا كان النص سطحياً يفهمه الناس فهماً متقارباً. وكلما ازداد النص عمقاً اختلفت الأفهام باختلاف الوعي والتجربة والخبرة والعلم .... ألخ.
2. إذن يأخذ الإنسان من النص العميق بقدر وعيه وعلمه هو وليس بقدر ما في النص من معاني. ولا علاقة لفهم معاني المفردات بما نقول.
3. قدرة الصحابة على استنطاق النص الكريم محدودة بوعيهم العلمي وخبراتهم وأفقهم الشخصي وأفقهم الاجتماعي ..... ومن هنا وجدنا أن ما نقل عنهم من تفسير قليل نسبياً ويتصف ببساطة المعاني، على تفاوت بينهم رضي الله عنهم.
4. ما أجمع عليه الصحابة من أحكام شرعية حجة وليس محلاً للنقاش. من هنا نرفض ما يناقض إجماع الصحابة بغض النظر استند هذا الإجماع إلى نص أم لم يستند.
5. يقول الرسول عليه السلام:" .... فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعى له "، ويقول عليه السلام:"رب مبلغ أوعى من سامع "، فهذا نص صريح بأن المُبلَّغ قد يكون أوعى من السامع. ويقول عليه السلام:" وإنما أنا قاسم والله يعطي"، أي يعطي الفهم والفقه في الدين بمفهومه الواسع.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[04 Feb 2010, 05:13 م]ـ
على كل حال ما دام أنكم مصرون على الخروج عن الموضوع؛ فما أنا إلا من غزية.
الأخ البيراوي:
من قال لك إن المراد بالقرآن الكريم أن يكون نصا عميقا لا بد له من عباقرة في قمة الذكاء والفهم ممن فاقوا جيل الصحابة والتابعين كأهل الإعجاز مثلا؟
القرآن الكريم يا أخي الكريم: كتاب ميسر نزل ليفهمه الأعرابي العامي، ونزل لتعمل بما فيه المرأة التي تحمل حطبها على رأسها وتطبخ في قدر فخاري ..
وذكر رب العالمين في عدد من آياته أنه بلسان عربي مبين، وذكر أنه يسره للذكر في عدد من الآيات ..
فلا تتصور أن معيار الجمال والجودة هو الغموض فتلك نظرة صوفية مقيتة فهمتها منك عند أول وهلة ثم أوضحتها عند ثنائك على الغزالي، ثم صرحت بها هنا.
قولك: إن الشخص يأخذ من القرآن بقدر وعيه وعلمه هو بمعزل عن النص، لو قبلناها منك على ما فيها أليس جيل الصحابة هم أكمل وعيا وعلما من هؤلاء أصحاب الإعجاز، وعذرا على هذه المقارنة فليست مقصودة.
أما إجماع الصحابة الذي قلت إنكم تؤمنون به؛ فأي إجماع تقصد؟ وهل تعتبر بالإجماع السكوتي أم لا؟ وهل تعتبر بالإجماع على قولين أو ثلاثة؟ فصل في الأمر حتى نأتيك بإجماعات الصحابة في فهم الآيات التي صرفها أهل الإعجاز عما أجمع عليه الصحابة.
أما نقطتك الخامسة فالله عز وجل هو الذي أعطى الصحابة الفهم والعلم من حيث الجملة.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[04 Feb 2010, 06:14 م]ـ
الأخ الكريم إبراهيم،
1. إذا كان النص القرآني بهذه البساطة التي تزعمها، فلا شك عندها أن جناية المفسرين والفقهاء على الإسلام عظيمة.
2. تلومني على الثناء على الغزالي وأنت تعلم أنني نوّهت في الكلام نفسه إلى أننا لا نقبل كل ما يقول. بل لا يوجد عالم عبر التاريخ القديم والمعاصر نأخذ كلامه بغير ميزان، بل نأخذ ونرد وفق قوة الدليل، لأننا نعلم أنهم بشر محكومون بنقصهم وقصورهم البشري.
3. وأراك حكمتَ بأنني متصوّف لمجرد ثنائي على الغزالي. وقد رُبينا أن نثني على كل العلماء المخلصين على الرغم من أخطائهم ما لم يكن العالم منحرفاً (كشيخ الأزهر مثلاً). ونحن في داخلنا لا نرتاح إلى أولئك العلماء الذين يذمّون غيرهم ويربون تلامذتهم على ذم المخالفين. وعلى الرغم من ذلك نكتم سوأتهم ولا نشهّر بهم احتراماً للعلم الذي يحملونه ولعاطفتهم الصادقة تجاه الإسلام. وأغلب المتصوفة هم من وقع فيما وقعتَ فيه من تقديس البشر ورفعهم فوق ما رفعهم الله ورسوله.
4. نحن نقول إن الإنسان يأخذ من النص الكريم بقدر فهمه ووعيه، ولكن لا نقبل للمرأة التي تحمل الحطب (كما تصف) أن تعمل إلا أن تسأل أهل العلم.
5. حتى لو أقررنا جدلاً بأن علم الصحابة فوق علمنا فإننا نتميّز بأننا أخذنا عنهم ثم عن الأجيال المتعاقبة على مدى 1400 سنة. أم تقصد أن علمهم بقي سراً فلم يصلنا؟!.
6. أما الإجماع السكوتي فلا علاقة له بما هو مطروح، لأنه لابد أن تكون المسألة مطروحة ويبلغهم فيها قول فيكون إجماعهم ساكتين سكوت المقرّين لما طرح من فهم وهم يعلمون. ثم إنّ هذه المسألة يطول الخوض فيها وليست محل اختلافنا.
7. لم تعد تعنيني الآن مسألة الإعجاز العلمي، لأن القضية المطروحة الآن خطيرة، والمدرسة التي تتبناها أنتَ تقف حجر عثرة أمام وعي المسلمين وفهمهم لدينهم، وهي تجعل من ديننا دين عوام لا علاقة لهم بالعلم والمعرفة. وهي مدرسة تلتقي مع الشيعة في تقديس البشر.
8. لماذا قفزتَ عن الحديث المتواتر الذي ينص على:" رب مبلغ أوعى من سامع" ومعلوم أن السامع هم الصحابة والمبلغ هم الأجيال التي تأتي بعدهم. فهل نأخذ بالحديث المتواتر أم بفلسفات بعض أهل العلم العجيبة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عصام المجريسي]ــــــــ[04 Feb 2010, 06:50 م]ـ
7. لم تعد تعنيني الآن مسألة الإعجاز العلمي، لأن القضية المطروحة الآن خطيرة، والمدرسة التي تتبناها أنتَ تقف حجر عثرة أمام وعي المسلمين وفهمهم لدينهم، وهي تجعل من ديننا دين عوام لا علاقة لهم بالعلم والمعرفة. وهي مدرسة تلتقي مع الشيعة في تقديس البشر.
الأخ والشيخ الفاضل أبا عمرو حياك الله وبارك فيك
نعم بهذه الكلمات الصادقة وضعت يدك على الجرح النازف منذ حين ..
إن القضية ليست قضية شخصية بين اثنين أو ثلاثة كما يظنها بعضهم .. وليست مسألة أرض ولا شمس إنها قضية خطيرة بالفعل وأكبر مما قد نظن!!
قضية أن المناقش في أي قضية تعرض يأبى كل الإباء أن يقبل أي كلام من أحد إلا إذا كان صادراً من فلان أو فلان .. لأناس بأعيانهم .. (لا يتجاوزون أصابع اليد) .. ولا يقبلون الزيادة .. ولم يعرفهم هو وحده .. ويعرضهم على عقله .. بل حتى هذه كان فيها مقلداً لغيره ..
ولو نقل له حطاب من الحطابين أو حطابة من الحطابات أن ابن تيمية رحمه الله تعالى قال: إن الأرض تدور حول الشمس أو حول المريخ .. لأمّن معه بصوت جهير يفوق كل المؤمّنين .. ولكتبه بماء الذهب ..
ولعلنا نعثر بذلك النص يوماً عن شيخ الإسلام أو فتوى من فتاويه العظام التي غير فيها نظرته تبعاً لتغير الأحوال .. فنطفئ بها جمرة من جمر الغضا .. نسأل الله ذلك.
وقد تواجهنا معضلة اخرى من معضلاته التي لا تنقضي .. وهي أننا نحن الذين أوردنا كلام شيخ الإسلام .. وليس هو الذي أورده .. معضلة ولا أبا حسن لها ..
وإذا سلمنا من هذه - وهي أبعد من البعيد - جاءنا بثالثة الأثافي .. وهي أننا لم نفهم - ولن نفهم- كلام شيخ الإسلام كما ينبغي .. لأنه هو الذي اختصه الله بعلم شيخ الإسلام .. وحب شيخ الإسلام .. والذب عن شيخ الإسلام .. وروح شيخ الإسلام .. وأسرار شيخ الإسلام. وما أبعده عن فقه الشيخ واجتهاده وتنوره ولباقته وحلمه وأدبه ..
ولا يهمّ الكلام الساخر الهازئ والتسفيه والتجهيل والتعالي على طلاب العلم .. الذي يرسله على كل من يخالفه من الفضلاء في أي شيء يعرض في المنتدى .. والذي يحسنه كل الإحسان .. أكثر مما يحسن إيراد شاهد واحد على ما يقوله من السلف أو حتى من الحطابين .. فالصبر على ذلك من شيم السلف الكرام الذين يدعي وصلهم هو وحده بهم من دون الآخرين .. وليلى لا تقر لهم بذاك ..
إن العود الطيب لا يزيده الإحراق إلا طيباً ..
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[04 Feb 2010, 08:26 م]ـ
الأخ الكريم: أبا عمرو.
الكلام سيطول، ولكن أنصحك، وأنصح نفسي قبلك بما يلي:
1 - أن نحرص على قراءة كتب السلف، وخاصة في القرون المفضة.
2 - أن نحاول فهم الأحاديث المتواترة كما فهمها السلف.
3 - أن ندرس شيئا من علم الأصول، وآداب البحث والمناظرة.
4 - أن نلم ولو إلماما بعلوم اللغة.
بعد ذلك نستطيع أن نتحاور حوارا مفيدا.
بارك الله فيك وفي علمك.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[04 Feb 2010, 09:00 م]ـ
إخوتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر إلى الأخ الكريم (حجازي الهوى)، وكذلك الأخ الكريم (أبي عمرو البيراوي)، إن كان كلامي السابق يوحي بمعنى سلبي وهو غير مقصود. وأرجو أن يسامحانني.
وأريد أن أوضح وأقول: لم يكن مقصودي (من قولي: "إنهما لا يدركان تلك القضية") هو الإدراك مطلق الإدراك، بل قصدت أنهما ـ من وجهة نظري على الأقلّ ـ لم يأخذا تلك القضية (قضية أولوية فهم الجيل الإسلامي الأول للقرآن) بنظر الاعتبار تماما. وهي ليست قضية عقيدية في المرتبة الأولى، حتى يُحتجّ على من يطرح تلك القضية بأن معيارية فهم الصحابة والسلف لم تثبت أو ليست من المعلوم من الدين بالضرورة، بل هي قضية لا بدّ من التنبه لها لمن كان يريد أن يفهم القرآن كما هو وليس كما يريده هو أو كما يقرَؤُه هو. فذلك الجيل الإسلامي الأول لم يتلقّ الإسلام بالخبر والرواية، بل شهد الإسلام كتجربة حية، ولذا فأبناء ذلك الجيل عارفون بمعاني القرآن بصورة تلقائية وضرورية، ومشكلتنا هي في كيفية وصول شهاداتهم وأقوالهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا إخالُ أن مسلما يخالفني في معيارية فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو معلم ذلك الجيل ومرشده، أقصد فهمه للقرآن، ولا أقول إن كل ما ورد في التراث التفسيري الإسلامي كان حاضرا في ذهن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولكن فهمه هو ـ بالضرورة ـ المعيار، ومشكلتنا الوحيدة هي ما وصلنا من أقواله الكريمة في التفسير وكيفية وصول تلك الأقوال والأخبار. وإلا فالمرجع الأول والأخير في فهم القرآن هو فهم النبي (صلى الله عليه وسلم) أو ما سُمِّي بـ (التفسير النبوي). ويليه فهم الصحابة و بعد ذلك التابعين، وذلك لأن الصحابي يقول قوله يرويه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أو فهمه من التجربة الحية والتلقي المباشر ومعايشة الظروف وأسباب النزول، علاوة على الجانب اللغوي الذي لا ينازعهم فيه أحد. والتابعي يفسّر وقد أخذ تفسيره على الأرجح من الصحابي أو فهمه من التجربة التي لا تزال حية حينها وبحكم الاتصال الثقافي والقرب الزماني والمكاني ووحدة اللغة والثقافة.
وأوضح أكثر وأقول: لا أقصد من (فهم القرآن) ما يصحّ أن نعتبره (دَرْسـ) ـا للقرآن، أنا لا أقصد أن كل ما يدخل في باب التفسير وكل التراث التفسيري الإسلامي قد أُخِذ / أو يجب أن يؤخذ / من الجيل الإسلامي الأول. بل أنا أدافع عن معيارية الفهم اللغوي البسيط والمباشر لذلك الجيل، وتحديد المعاني الإجمالية للآيات، وتشخيص أسباب النزول والأمور المقصودة التي لا يمكن البت فيها إلا من خلال الرواية والاطلاع على الحوادث التي جرت وصاحبت نزول الآيات.
أنا أقول هذا لأنني أعرف أن مدرسة التفسير العلمي قامت على عدم الالتفات إلى فهم الجيل الإسلامي الأول للقرآن، حتى الفهم اللغوي البسيط.
أضرب لذك أمثلة:
1. الجيل الإسلامي الأول بل وكل الأمة، كانوا يفهمون من عبارة (أدنى الأرض) أنها تعني (أقرب الأرض) بمعنى أقرب مكان من الأرض أو الناحية المقصودة، وأما كتاب التفسير العلمي أو بعضهم فيقولون إن المقصود من تلك العبارة هو (أخفض مكان في الكرة الأرضية)، مع أنه لم يفهم أحد كلمة (أدنى) على أنها تعني (أخفض) ولم تأت كلمة (أرض) في القرآن بمعنى (الكرة الأرضية) بل أتت بمعنى الأرض المبسوطة التي نراها دائما أو أحيانا بمعنى ناحية من الأرض أو بلاد معينة وهذا إذا كانت (ال) الداخلة على الكلمة تدل على العهد (المعهودية).
2. الأمة فهمت من (دحاها) أنها تعني (بسطها)، وأما البعض من كتاب التفسير العلمي فيقولون تعني (جعلها كالبيضة)! وهذا الفهم مهزلة بحدّ ذاتها لا مجال لبسط القول فيها.
3. الأمة فهمت من قوله تعالى (يا معشر الجن والإنس، إن استعطتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا .. )، أنه تهديد وتعجيز، وأما كتاب التفسير العلمي فيرون أنه حثّ على غزو الفضاء وتنبؤ به! الآيات تقول بأن الإنسان لا يمكنه (النفاذ) وأما هم فيقولون إن هذه الآيات قالت بأن الإنسان يمكنه ذلك! أليس هذا مهزلة يجب التنزه منها؟
4. الأمة فهمت من كلمة (نطفة) أنها تعني الماء القليل وخصوصا المني. وأما مدرسة التفسير العلمي فتقول إن المقصود هو (الحيوان المنوي)!
5. الأمة فهمت من كلمة (علقة) أنها تعني (الدم المتجمد)، وأما التفسير العلمي فيقول بأن المقصود من (علقة) هو الحيوان المعروف الذي يمتص الدم بحجة أن الجنين في هذه المرحلة تشبه ذلك الحيوان من ناحية الشكل ومن ناحية امتصاص الدم! وبعضهم يقول بأن (علقة) تعني خلايا الجنين المتعلقة بجدار الرحم!
6. الأمة فهمت من كلمة (مضغة) أنها تعني لحمة بقدر ما يُمضَغ، وأما كتاب التفسير العلمي فيقولون إنها تعني (اللحمة الممضوغة فعلا) بحجة أن الجنين في تلك المرحلة يشبه بشكله اللحم الممضوغ!
7. أكثر الأمة فهمت من قوله (وإنا لموسعون) أنه يعني (لقادرون) مثل قوله (على الموسع قدره)، والقليلون فهموا الآية على أنها تعني أن الله تعالى إذ خلق السماء خلقها واسعة أو جعلها واسعة وهو يخلقها. ولم يفهم واحد من الأمة أنه يعني أن الله تعالى يوسّع السماء تدريجيا ولا يزال كما يقول سادة التفسير العلمي!
(يُتْبَعُ)
(/)
8. النبي (صلى الله عليه وسلم) فسّر قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) على أنه يعني (الجريان اليومي والاستقرار الليلي) للشمس، وهذا التفسير وارد في أحاديث صحيحة متفق على صحتها، وهكذا فهم الآية أكثر الأمة، وأما مدرسة التفسير العلمي فتقول بأن الآية إشارة إلى دوران الشمس حول مركز مجرة درب التبانة! كما أشرنا قبلا.
9. الأمة، وخصوصا السلف، فهموا قوله تعالى عن السماء حين الخلق (وهي دخان) على أنه يشير إلى المادة البدئية لخلق السماء وحدها، وأما مدرسة التفسير العلمي فتفسر ذلك الدخان بأنه المادة البدئية التي خُلِق منها الكون أرضا وسماءً! وهذا مخالف للآيات نفسها وليس لفهم الأمة والسلف فقط.
10. الأمة فهمت من قوله (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) على أنه يشير إلى الدويبة المعروفة بصرف النظر عن جنسها، إذ يعلم العربي أن (عنكبوت) كلمة ذات مدلول عام والأنثى من تلك الدويبة هي (عنكبة). وأما كتاب التفسير العلمي فيتكلفون للقول بأن المقصود هو أنثى العنكبوت.
11. الأمة فهمت من قوله تعالى (وأسلنا له عين القطر) أنه يعني النحاس المذاب، ومع ذلك وجدنا من يقول إن ذلك إشارة إلى البترول باعتبار أن (القطر) هو النفط! والقائل بذلك هو كاتب موصلي توفاه الله الآن اسمه (عبد المجيد شوقي البكري) صاحب (قصة الطوفان) و (البشرية وأبو البشر).
12. الأمة، والسلف خصوصا، فهمت قوله تعالى (أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) على أن الله تعالى فصل بين السماء والأرض فارتفعت السماء وبقيت الأرض في الأسفل (وتوجد تفسيرات مأثورة أخرى)، ولكن كتاب التفسير العلمي يفسرون ذانك (الرتق والفتق) بنظرية الانفجار العظيم الذي كان توسعا للمادة الكونية البدئية كما يقول شراح النظرية ولم يكن شقا ولا فصلا بين سماء وأرض كما تفيد الآية الكريمة.
13. (وهذه النقطة زيادة، للاعتبار): اتفقت الأمة على أن (الخمار) هو (غطاء الرأس للمرأة) و (الجيب) هو فتحات الملابس من العنق ومن الذراعين، وعلى هذا فقوله تعالى (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) إرشاد إلى تغطية العنق بغطاء الرأس، ولكن وجدنا في عصرنا هذا من يفسر (الخمار) بـ (الملبس) عموما و (الجيب) بموضع الانثناء في الجسد، وعليه فالآية الكريمة تفيد أن الواجب على المرأة المسلمة أن يغطي مواضع الانثناء في جسده فقط، وهذا يعني ـ في نظر هذا المفسر العصري!! ـ أن لباس المرأة المسلمة هو فقط الصدرية والمايوه!!! وهذا المفسر العصري هو المهندس السوري (محمد شحرور) .. ولكن كيفية تعامله مع النصوص والتفسير تتشابه بشكل عجيب مع مدرسة التفسير العلمي. وأنا لا أقارن بين الأشخاص والضمائر وإنما أقارن بين المناهج.
والقائمة تطول، ولكن أعتقد أن رسالتي وصلت. ومختصر رسالتي هو أننا يجب أن نلتزم في فهم القرآن بالمعنى الذي أدّاه حينما كان ينزل، ونفهمه على أساس اللغة العربية الحية في ذلك الوقت، وأن نلتزم بفهم الجيل الإسلامي الأول. وإلا فلا يعدو فهمُنا للقرآن أن يكون مجرد قراءة شخصية للقرآن وتذوق شخصي للنص. وأكرر فأقول: أنا أقصد مجرد الفهم وتشخيص المعاني المباشرة ولا أقصد الدراسة والاستنباط والدلالات الجانبية وتراث التفسير المتراكم، فهذا يتطور ويتجدد، ولكن في الفهم اللغوي وتشخيص المعاني الأساسية فمن الضلال أن نحيد عن فهم الجيل الإسلامي الأول، وهو ضلال علميّ قبل كل شيء.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[04 Feb 2010, 09:57 م]ـ
الأخ الفاضل جمال
مع احترامي الشديد لشخصكم الكريم أقول:
إن المهزلة والسذاجة هو الوصف اللائق تماما بنقاطك التي سطرتها وليتك ما فعلت.
يا أخي الكريم لماذا يكتب أحدنا وهو مغتر بنفسه ومن ثم يصرخ بجهله ليسمعه الناس!؟
يا أخانا الكريم الذين كتبوا في الإعجاز علماء وأعلام في فنون مختلفة جمع بعضهم بين علوم مختلفه تساعدهم على الفهم والحكم، بعضهم جمع بين العلم الشرعي وعلوم المادة الأخرى، لم يتكلموا مجازفة ولا عن هوى.
فمهلا أخانا الكريم وأربع على نفسك.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[04 Feb 2010, 11:32 م]ـ
[اقتباس من مشاركة حجازي الهوى: إن المهزلة والسذاجة هو الوصف اللائق تماما بنقاطك التي سطرتها وليتك ما فعلت].
(يُتْبَعُ)
(/)
أنا بينتُ وجه المهزلة وأنت لم تبين شيئا. أنا اجتهدتُّ ونبّهت على أمور عدة، وأنت رددت عليّ وصف (المهزلة) فقط ووصفت بها كل كلامي. أنا أطلقتُ كلمة (المهزلة) على تفسيرين سخيفين من التفسيرات التي سادت ـ مع الأسف ـ بين المسلمين هذه الأيام، وهما: ـ أولا ـ تفسير (دحا) بمعنى (جعل كالبيضة)!! وهذا مضحك جدا، بل هو تفسير القرآن بالعامية، ففي بعض اللهجات العامية تطلق (دحية) على البيضة، وأما (الأدحيّة) و (الأدحوّة) في الفصيحة فهي موضع بيض النعام ـ فقط لأنها تدحوه أي تبسطه وتمهّده. والتفسير السخيف الثاني فهو التفسير الأسخف الذي يزعم أن آية (لا معشر الجن والإنس .. ) الي هو تهديد إلهي للبشر وتعجيز، يزعم أنه حثّ على الخروج وتنبؤ به. الآية تقول (فلا تنتصران) وسادة الإعجاز العلمي يقولون إن الآية أشارت إلى أن الإنسان ينتصر في الخروج من الأرض! أليس هذا مهزلة ما بعدها مهزلة يا عباد الله؟! هل هذا تفسير أم هو تزوير وخداع للناس؟ َ!
أنا لم أطلق كلمة (المهزلة) جُزافا، وأما أنت فقد أطلقت الكلمة على كل ما كتبته.
[اقتباس من مشاركة حجازي الهوى: يا أخي الكريم لماذا يكتب أحدنا وهو مغتر بنفسه ومن ثم يصرخ بجهله ليسمعه الناس!؟]
وماذا أستفيد من الاغترار مع أنني لا يعرفني أحد، فأنا ليس اسمي (جمال) ولستُ سَبَنيّا على الإطلاق!! أنا واحد من الناس. و (جمال السبني) هو مجرد اسم إلكتروني، لا أدري لماذا خطر لي هذا الاسم حينما تسجلت أول مرة في هذه المنتديات المباركة. أنا أكتب كنكرة.
وهل أنت تعتقد حقا أن كل ما كتبتُه هو جهل؟ أنا بينت ما اتفقت عليه الأمة من تفسير الآيات التي خالف سادة الإعجاز العلمي جميعَ الأمة أو جمهورَها في تفسيرها.
أنا ذكرتُ لك بعض التفسيرات التي اتفقت عليها الأمة أو جمهورها، وأنت تقول إن ذلك من جهلك!! أنا بينتُ تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) لآية من القرآن وأنت تقول أنت تصرخ بجهلك!!
وهل ما أفعله من بعض المشاركات باسم مستعار هو الصراخ، أم الصراخ هو ما يفعله مروّجو صناعة التفسير العلمي من حجز الفضائيات ليل نهار؟!
[اقتباس من مشاركة حجازي الهوى: يا أخانا الكريم الذين كتبوا في الإعجاز علماء وأعلام في فنون مختلفة جمع بعضهم بين علوم مختلفه تساعدهم على الفهم والحكم، بعضهم جمع بين العلم الشرعي وعلوم المادة الأخرى، لم يتكلموا مجازفة ولا عن هوى.]
سمِّ لي هؤلاء العلماء الأعلام؟
اسمح لي بأن أسرد لك أسماء بعضهم أو أبرزهم: مصطفى محمود، عبد الرزاق نوفل، عبد المجيد الزنداني، زغلول النجار (وهؤلاء هم المبدعون منهم والبقية يطوّرون ويُحَشّون ويعلّقون ويُروِّجون) ..
وهل بين هؤلاء عالم مشهود له بالعلم والبحث في علوم الإسلام؟ فأما (مصطفى محمود. إخْصائيّ الطب) و (عبد الرزاق نوفل. إخْصائيّ الزراعة) و (زغلول النجار. إخْصائيّ الجيولوجيا) فمن الظلم والحيف اعتبارهم من العلماء بالدين، وأما (عبد المجيد الزنداني) فلا أعرف له دراسة علمية في مجالنا هذا، وتخصصه في مجال الصيدلة، وكل ما له عبارة عن كتب أو كتيبات دعوية لا تعدو أن تكون مواعظ عصرية، ومقالات وكتيبات في مجال الإعجاز العلمي مع أنه أثبت فيها أنه ليس أهلا للتفسير أبدا، فمن يقول إن (العلقة) في القرآن هي الدويبة التي تمتص الدم؛ فإما أنه ليس مفسرا وإنما هاوٍ في التفسير، أو هو مفسر يفسّر على هواه. ومن يقول إن قوله تعالى (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج) يشير إلى الأمواج الداخلية التي اكتُشفت حديثا؛ إنما يثبت بقوله هذا أنه ليس أهلا للنظر في القرآن أبدا (ولا تهمّني الألقاب العلمية، أنا أقول قولي ولا أبالي)، فالآية صريحة في أن الموج الأسفل هو فوق سطح البحر، فالآية تقول صراحة إن ذلك الموج الأسفل (يغشى البحر)، وجميعنا يعلم ما هو الغشيان، ولكن الزنداني يفسر القرآن كما يحلو له، فبما أنه وجد في التفاسير أن (لجي) بمعنى (عميق)، بادر إلى تفسير الآية بأنها تشير إلى الأمواج في أعماق البحر، مع أن الآية صريحة في أن الموج الأول (الأسفل) يغشى البحر. فهل هذا تفسير أم هو غلط وخطأ لا يغتفر للمبتدئين والناشئين؟ ولا يهمني أن الزنداني نفع الإسلام بدعوته ودعايته، يهمني أنه أخطأ في التفسير بل وغلط غلطا فاحشا لا يمكن غض النظر عنه.
سمّ لي مفسرا محترفا له تفسير كامل مشهود له بالتحقيق، وقع في مزلق التفسير العلمي ..
سمِّ لي عالِما بعلوم الإسلام متمكنا منها محققا، اشتغل بالتفسير العلمي أو وافق التفسيرات المسماة بالعلمية ..
سيدي الحجازي الهوى! أنت لا تعرف معاناتي مع مدرسة التفسير العلمي وكم عانيت في دراستها وغربلتها وتمحيصها ..
وبصراحة، ما كنتُ أتوقع منك ردّا كذلك الذي كتبتَه، فإما أن تشبع الموضوع شرحا وإيضاحا حتى يقتنع قارؤك، وإما أن تكتفي بتعليق بسيط لا أن تتهم وتلقي الكلام على عواهنه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[05 Feb 2010, 12:12 ص]ـ
يا أخي الفاضل جمال
والله أنا لا أحب أن أنتقص أحدا ولا أسخر من أحد، ولكن أردت أن تعرف أثر هذه الكلمات التي يطلقها البعض على الآخرين حين تمس شخصكم الكريم.
يا أخانا الفاضل ما هكذا تناقش الأقوال والأفكار وأنت في ردك الأخير جمعت بين الحشف وسوء الكيل وخاصة كلامك عن الشيخ الزنداني حفظه الله وأحسن له الختام.
وأما بخصوص شخصك الكريم فإني أنصحك وأحذرك من مداخل الشيطان حتى وأنت لا تكتب باسمك الصريح.
وما دمت تقول:
"سيدي الحجازي الهوى! أنت لا تعرف معاناتي مع مدرسة التفسير العلمي وكم عانيت في دراستها وغربلتها وتمحيصها .. "
فنرجوا أن تبين لنا جهودك العلمية بطريقة علمية لعل الله ينفعك وينفعنا والمسلمين بها فإن رأينا فيها حقا قبلناه وأن رأينا فيها ما يمكن أن نناقشك فيه ناقشناه ودعونا لك بالخير.
أما التنقص والسخرية فلا تعود إلا بالضرر على صاحبها.
دمت في حفظ الله ورعايته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[05 Feb 2010, 12:23 ص]ـ
الأخ الكريم جمال،
1. من يفسر القرآن الكريم والسنة لابد أن يرجع إلى معنى اللفظة في عصر الرسول عليه السلام. هذا صحيح نتفق عليه.
2. فهم القرآن الكريم لا يكون بمجرد فهم معاني المفردات. ولعلنا نتفق هنا أيضاً. وقد لاحظت أنك أكثر مرونة ممن ناقشناهم، وواضح أنك لا تنتمي إلى المدرسة التي ننتقدها.
3. وبما أنك سردت أمثلة كثيرة فاسمح لي أن أناقش مثلاً واحداً، لأن الكتابة في كل مثال تطول. مع ملاحظة أننا نوافقك تماماً في مآخذك على البعض:
4. خلق الإنسان من علق: إذا رجعنا إلى المفردات للراغب الأصفهاني المتوفى 425هـ نجده يقول:"العلق التشبث بالشيء ..... العلق: دود يتعلق بالحلق ..... العلق الدم الجامد ومنه العلقة التي يكون منها الولد"، وأنت تريد هنا أن تلزمنا بمعنى واحد لكلمة العلق، على الرغم من أن الدم الرطب سمي علقاً لأنه يعلق فإذا جمد لم يعد علقاً.
وعليه فالمعنى الرئيس والأساس: أن الإنسان خلق من شيء يعلق. وأظن أن القدماء اختاروا الدم الرطب لأن علمهم صرفهم إلى هذا المعنى، لأنه لم يصح في ذلك حديث موقوف.
يقول الطاهر بن عاشور:"اسم جمع عَلَقَة وهي قطعةٌ قَدرُ الأنملة من الدم الغليظ الجامد الباقي رطْباً لم يجفّ، سمي بذلك تشبيهاً لها بدودةٍ صغيرة تسمَّى علقة، وهي حمراء داكنة تكون في المياه الحلوة، تمتص الدم من الحيوان إذا علق خرطومها بجلده وقد تدخل إلى فم الدابة وخاصة الخيل والبغال فتعلق بلهاته ولا يُتفطن لها ". وعليه فالأصل هو التعلق، ثم الدود الذي يعلق فيمتص الدم، ثم .... ألخ.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 12:33 ص]ـ
يا أخي الفاضل جمال
والله أنا لا أحب أن أنتقص أحدا ولا أسخر من أحد، ولكن أردت أن تعرف أثر هذه الكلمات التي يطلقها البعض على الآخرين حين تمس شخصكم الكريم.
يا أخانا الفاضل ما هكذا تناقش الأقوال والأفكار وأنت في ردك الأخير جمعت بين الحشف وسوء الكيل وخاصة كلامك عن الشيخ الزنداني حفظه الله وأحسن له الختام.
وأما بخصوص شخصك الكريم فإني أنصحك وأحذرك من مداخل الشيطان حتى وأنت لا تكتب باسمك الصريح.
وما دمت تقول:
"سيدي الحجازي الهوى! أنت لا تعرف معاناتي مع مدرسة التفسير العلمي وكم عانيت في دراستها وغربلتها وتمحيصها .. "
فنرجوا أن تبين لنا جهودك العلمية بطريقة علمية لعل الله ينفعك وينفعنا والمسلمين بها فإن رأينا فيها حقا قبلناه وأن رأينا فيها ما يمكن أن نناقشك فيه ناقشناه ودعونا لك بالخير.
أما التنقص والسخرية فلا تعود إلا بالضرر على صاحبها.
دمت في حفظ الله ورعايته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رجاءً، لا تكتب سطورا وكلاما موجزا لا يفيدني بشيء كأنك ترسل الفاكس.
اشرح لي ولغيري بالتفصيل لماذا يكون ذكر التفسيرات التي اتفقت عليها الأمة أو جمهورها جهلا وتكون التفسيرات الهزيلة المضحكة لجماعة التفسير العلمي هي العلم كله.
وأنا لا أبالي بما تكتبه عني شخصيا، لا الاتهام والتنقص ولا الاحترام الشكلي الجاف. بل أنا أعلم مسبقا ما ستقوله وتكتبه. ولكن من المؤسف حقا أن تكتب كلاما كبيرا ويكون استدلالك واهيا بل لا شيء من الاستدلال والشرح.
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا كان كلامي كله جهلا، فكيف؟ أين الشرح والإثبات؟
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 01:23 ص]ـ
الأخ الكريم جمال،
1. من يفسر القرآن الكريم والسنة لابد أن يرجع إلى معنى اللفظة في عصر الرسول عليه السلام. هذا صحيح نتفق عليه.
2. فهم القرآن الكريم لا يكون بمجرد فهم معاني المفردات. ولعلنا نتفق هنا أيضاً. وقد لاحظت أنك أكثر مرونة ممن ناقشناهم، وواضح أنك لا تنتمي إلى المدرسة التي ننتقدها.
3. وبما أنك سردت أمثلة كثيرة فاسمح لي أن أناقش مثلاً واحداً، لأن الكتابة في كل مثال تطول. مع ملاحظة أننا نوافقك تماماً في مآخذك على البعض:
4. خلق الإنسان من علق: إذا رجعنا إلى المفردات للراغب الأصفهاني المتوفى 425هـ نجده يقول:"العلق التشبث بالشيء ..... العلق: دود يتعلق بالحلق ..... العلق الدم الجامد ومنه العلقة التي يكون منها الولد"، وأنت تريد هنا أن تلزمنا بمعنى واحد لكلمة العلق، على الرغم من أن الدم الرطب سمي علقاً لأنه يعلق فإذا جمد لم يعد علقاً.
وعليه فالمعنى الرئيس والأساس: أن الإنسان خلق من شيء يعلق. وأظن أن القدماء اختاروا الدم الرطب لأن علمهم صرفهم إلى هذا المعنى، لأنه لم يصح في ذلك حديث موقوف.
يقول الطاهر بن عاشور:"اسم جمع عَلَقَة وهي قطعةٌ قَدرُ الأنملة من الدم الغليظ الجامد الباقي رطْباً لم يجفّ، سمي بذلك تشبيهاً لها بدودةٍ صغيرة تسمَّى علقة، وهي حمراء داكنة تكون في المياه الحلوة، تمتص الدم من الحيوان إذا علق خرطومها بجلده وقد تدخل إلى فم الدابة وخاصة الخيل والبغال فتعلق بلهاته ولا يُتفطن لها ". وعليه فالأصل هو التعلق، ثم الدود الذي يعلق فيمتص الدم، ثم .... ألخ.
مرحبا بالأخ الكريم أبي عمرو البيراوي ونقاطه المضبوطة دائما!
هذا هو الكلام، الذي تفضلتَ به، لا أن تعتبر المشاركة كلها جهلا كما فعل الأخ الحجازي الهوى!
إذن، نحن متفقون على المرجعية التي تتمتع بها العربية في زمن نزول القرآن، أي أنه يجب أن نلتزم بمعاني المفردات كما كانت في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم).
ونحن متفقون على أن فهم النص لا يتمّ بفهم المعنى اللفظي للمفردات فحسب، بل توجد أمور أخرى بوساطتها يمكن فهم المعنى الإجمالي للنص.
ولكن هذين المبدأين يُسقطان مجموعة كبيرة من التفسيرات العلمية من الحساب، فبالمبدأ الأول يسقط التفسير المسمى بالعلمي لكلمة (أدنى) في قوله (في أدنى الأرض) بأنها تعني (أخفض)، فهذه الكلمة لا تعني في العربي الفصيح الأصيل سوى معاني من قبيل (أقرب) و أحيانا (أقلّ)، وإذا كانت الكلمة (أدنى) أو (أدنا) مخففة من (أدنأ) المهموزة، فتعني (أكثر دناءة) أو (أوطأ مكانة ومنزلة) ومع ذلك تجب كتابة الكلمة في هذه الحالة بصورة (أدنا)، وأما تفسير (أدنى) بـ (أخفض) فليس تفسيرا أبدا، أو هو تفسير للقرآن بالمولّد، وهذا لا يمكن بحال من الأحوال، لا يمكن تفسير القرآن بعربية محدثة.
والمبدأ الثاني يسقط التفسيرات العلمية التي تركز على المعنى اللغوي مجردا ولا تلتفت إلى الأمور الأخرى المتصلة بالنص مثل السياق والعرف اللغوي والشواهد التي تدلنا على الخلفية وأسباب ورود الكلام. فمثلا: يمكن للمفسر العلمي أن يؤصل لتفسيره الخاص لقوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) تأصيلا لغويا بحتا، ولكنه يهمل ـ مثلا ـ جانب السياق (السياق الذي يدلّ في ذلك الموضع من سورة يس على أن المقصود هو أمر يحدث في غضون الـ 24 ساعة التي هي ساعات الليل والنهار) أو يهملُ شاهدا مهما هو تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) للآية وتفسيره هذا لا يمكن إهماله لا دينيا ولا علميا.
ومثال آخر لكيفية عمل هذا المبدأ الثاني هو مثالنا المشترك (تفسير علق وعلقة)، فصحيح أن المادة كلها تدل على الالتصاق والتعلق، ولكن العرف اللغوي خصص معنى كلمة (علق أو مفردها: علقة) بأنها قطعة الدم المتجمدة التي تتعلق بالأشياء أو تتعلق بعضها ببعض، ولكن البعض من كتاب التفسير العلمي يقولون إن (علقة) في القرآن إشارة إلى خلايا الجنين المتعلقة بجدار الرحم، فهذا تحكّم وتفسير للكلمة بالهوى لأن المعنى الاشتقاقي لا يمكن تعميمه ليشمل كل ما ينطبق عليه ذلك الوصف، فلا يمكن إطلاق كلمة (علق) على كل ما يعلق أو يتعلق بالأشياء أو يتعلق بعضه ببعض، بل الكلمة في العرف اللغوي
(يُتْبَعُ)
(/)
مخصصة بشيئين: إما هو الدم المتجمد، وإما هو الدويبة التي تتعلق بالكائن الحي لتمتص دمه. ثم الذوق اللغوي الحصيف يخبرنا أنه لا يمكن تفسير (علق) و (علقة) في القرآن بالمعنى الثاني أي الدويبة، فلا يُعقَل إن يُقال (خلق الإنسان من علق) بمعنى خلق الإنسان من تلك الدويبة! ولا أن يُقال (ثم خلقنا النطفة علقة) بمعنى خلقناها وصيّرنا تلك الدويبة المعروفة! وذلك ليس لغرابة الكلام فحسب بل لأن تلك الدويبة هي كائن خاص ذو مواصفات خاصة فلا يمكن إطلاق اسمها على أشياء بدعوى تشابهها مها، وأما الدم المتجمد فليس شيئا خاصا بل هناك أنواع من الدم المتجمد، ابتداء بالدم المتجمد العاديّ إلى الجنين مرحلة العلقة إذ يبدو كقطعة دم متجمدة .. وهكذا.
ولماذا مكث علماؤنا ومفسرونا والأمة كلها يمتنعون عن تفسير (علقة) بإرادة الدويبة المذكورة مع أن اللغة تحتملها؟ الجواب واضح، وهو أنه لا يمكن أن يتكلم متكلم بمثل ذلك، فهم استبعدوا تماما ذلك المعنى من دائرة النص فلم يفكروا فيه أبدا.
وأما قول الطاهر بن عاشور بأن كلمة (علق) أطلقت أولا على الدويبة ثم أطلقت على الدم المتجمد من باب التشبيه والاستعارة، فلا أظن أن غيره يوافقه، فالظاهر أن كلا من الدويبة المعروفة وقطعة الدم المتجمدة أطلق عليها ذلك الاسم على أنها تتعلق بالأشياء. وأنقل هنا من معجم مقاييس اللغة:
(علق) العين واللام والقاف أصلٌ كبير صحيح يرجع إلى معنىً واحد، وهو أن يناط الشَّيء بالشيء العالي. ثم يتَّسع الكلام فيه، والمرجع كله إلى الأصل الذي ذكرناه. تقول: عَلّقْتُ الشيءَ أعلِّقه تعليقاً. وقد عَلِق به، إذا لزِمَه. والقياس واحد. والعَلَق: ما تعلَّق به البَكَرة من القامة. ويقال العلَق: آلة البَكْرَة. ويقولون: البئر محتاجة إلى العَلَقِ. وقال أبو عبيدة: العَلق هي البَكرة بكل آلتِها دون الرِّشاء والدَّلو. والعَلَق: الدم الجامد، وقياسُه صحيح، لأنَّه يَعْلَقُ بالشيء؛ والقطعة منه عَلَقة. قال:
* ينْزُو على أهْدامه من العَلَق *
ويقول القائل في الوعيد: "لتفعلنَّ كذا أو لتَشْرَقَنّ بعَلَقة " يعني الدّم، كأنّه يتوعده بالقَتْل. والعَلَق: أن يُلَزَّ بعيرانِ بحبلٍ ويُسْنَى عليهما إذا عظُم الغَرْب. وأعلقتُ بالغَرب بعيرين، إذا قرنتَهُما بطَرَف رِشائه.
قال اللِّحيانيّ: بئر فلانٍ تدوم على عَلَق، أي لا تنْزح، إذا كان عليها دلوانِ وقامة ورشاء. وهذه قامة ليس لها عَلَق، أي ليس لها حبل يعلَّق بها.
قال الخليل: العَلَق أن يَنَشِب الشيء بالشيء. قال جرير:
إذا عَلِقَتْ مخالبُه بقِرْنٍ ... أصابَ القلبَ أو هتك الحجابا
وعَلِق فلانٌ بفلانٍ: خاصمه. والعَلق: الهوى. وفي المثل: "نظرة مِن ذي عَلَق"، أي ذي هَوىً قد عَلِق قلبُه بمن يهواه. وقال الأعشى:
عُلِّقْتُها عرَضاً وعُلِّقتْ رجلاً ... غيري وعُلِّق أخرى غيرَها الرّجُل
ومن الباب العَلاَق، وهو الذي يجتزئ [به] الماشية من الكلأ إلى أوان الربيع. وقال الأعشى:
وفلاةٍ كأنّها ظهرُ تُرسٍ ... ليس إلاّ الرَّجيع فيها عَلاَقُ
يقول: لا تجد الإبل فيها عَلاقاً إلاّ ما تردّده من جِرَّتها في أفواهها*. والظبية تعلُق عُلوقاً، إذا تناولت الشجرةَ بفيها. وفي حديث الشهداء: "إنَّ أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضر (66) تَعْلُق في الجنَّة". والعُلْقة: شجر يبقى في الشِّتاء تَعلُق به الإبلُ فتستغني به، مثل العَلاَق. ويقال: ما يأكل فلانٌ إلا عُلْقَة، أي ما يُمْسِك نَفْسَه.
قال ابن الأعرابيّ: العُلقة: الشَّيء القليل ما كان، والجمع عُلَق. ومن الباب: العَلَقة: دويْبة تكون في الماء، والجمع عَلَق، تَعْلَق بحَلْق الشَّارب.
فهنا ترى أن المادة كلها تدل على التعلق والالتصاق، فأطلقت على أشياء كثيرة متنوعة من الباب نفسه.
وحينما فسّر (محمد شحرور) كلمة (خمار) بأنها تعني (اللباس) عموما كان المعنى الاشتقاقي يؤيد تفسيره الخاطئ هذا، ولكن العرف اللغوي خصص كلمة (خمار) بغطاء الرأس خصوصا. وهكذا فالعرف اللغوي أيضا تجب مراعاته أيضا وليس المعنى الاشتقاقي البحت. أقول هذا لأن بعض الناس ممن يشتغلون بالتفسير يأخذون بالمعنى الاشتقاقي ويملؤون الباقي بشيء من عندهم، أي هم بأنفسهم يقومون بعمل العرف اللغوي من تخصيص وتشخيص .. وهذا بيّن البطلان، لأنه من التحكم والهوى.
وأنا فرح أيضا بأنك من أهل الإنصاف ومن أهل النظر والتحقيق، فلا توافق التفسيرات العلمية كلها، وهكذا كتب الدكاترة العلماء (يوسف القرضاوي) و (محمد الغزالي) و (محمد سعيد البوطي)، فهؤلاء الأعلام كتبوا عن التفسير العلمي فلم يرفضوه كليا ولم يقبلوا بكل تفسير علمي أو مسمى بـ"علمي".
وأنا أيضا أعمل هكذا، فأفحص وأمحّص كل تفسير علمي على حِدة، وليس عندي قاعدة عامة مطّردة.
وأنا أدعو إلى فحص وتمحيص التفسيرات العلمية بانحياز وحياد تام، بالاحتكام إلى اللغة والسياق والعرف اللغوي والذوق اللغوي السليم والثابت من التفسير النبوي وتفاسير السلف.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[05 Feb 2010, 08:49 ص]ـ
رجاءً، لا تكتب سطورا وكلاما موجزا لا يفيدني بشيء كأنك ترسل الفاكس.
اشرح لي ولغيري بالتفصيل لماذا يكون ذكر التفسيرات التي اتفقت عليها الأمة أو جمهورها جهلا وتكون التفسيرات الهزيلة المضحكة لجماعة التفسير العلمي هي العلم كله.
وأنا لا أبالي بما تكتبه عني شخصيا، لا الاتهام والتنقص ولا الاحترام الشكلي الجاف. بل أنا أعلم مسبقا ما ستقوله وتكتبه. ولكن من المؤسف حقا أن تكتب كلاما كبيرا ويكون استدلالك واهيا بل لا شيء من الاستدلال والشرح.
إذا كان كلامي كله جهلا، فكيف؟ أين الشرح والإثبات؟
عجيب أمرك يا جمال لماذا تقول الغير ما لم يقل؟
أين قلت أنا وأي طالب علم معتبر يقول إن ذكر التفسيرات التي اتفقت عليها الأمة أو جمهورها جهلا وتكون التفسيرات الهزيلة المضحكة لجماعة التفسير العلمي هي العلم كله؟
ثم عجيب أمرك مرة أخرى وأنت تزعم علم الغيب حيث تزعم أنك تعلم مسبقا ما سأقوله وأكتبه.
أما عن كلامي فأنا لم أدخل معك في نقاش علمي حتى أستدل لما أقول، وإنما أقول إن احترام العلماء وحفظ مكانتهم وعدم تنقصهم هو من أخلاق طلبة العلم الصادقين.
إن بلية العصر هي في النكرات الذين يهرفون بما لا يعرفون سمعوا كلاما فرددوه من غير فهم ولا روية، شعارهم الحط من قدر الناس وجهودهم.
ومثال ذلك قولك عن الشيخ الزنداني حفظ الله ورعاه:
"وأما (عبد المجيد الزنداني) فلا أعرف له دراسة علمية في مجالنا هذا، وتخصصه في مجال الصيدلة، وكل ما له عبارة عن كتب أو كتيبات دعوية لا تعدو أن تكون مواعظ عصرية، ومقالات وكتيبات في مجال الإعجاز العلمي مع أنه أثبت فيها أنه ليس أهلا للتفسير أبدا، فمن يقول إن (العلقة) في القرآن هي الدويبة التي تمتص الدم؛ فإما أنه ليس مفسرا وإنما هاوٍ في التفسير، أو هو مفسر يفسّر على هواه. ومن يقول إن قوله تعالى (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج) يشير إلى الأمواج الداخلية التي اكتُشفت حديثا؛ إنما يثبت بقوله هذا أنه ليس أهلا للنظر في القرآن أبدا (ولا تهمّني الألقاب العلمية، أنا أقول قولي ولا أبالي)، فالآية صريحة في أن الموج الأسفل هو فوق سطح البحر، فالآية تقول صراحة إن ذلك الموج الأسفل (يغشى البحر)، وجميعنا يعلم ما هو الغشيان، ولكن الزنداني يفسر القرآن كما يحلو له، فبما أنه وجد في التفاسير أن (لجي) بمعنى (عميق)، بادر إلى تفسير الآية بأنها تشير إلى الأمواج في أعماق البحر، مع أن الآية صريحة في أن الموج الأول (الأسفل) يغشى البحر. فهل هذا تفسير أم هو غلط وخطأ لا يغتفر للمبتدئين والناشئين؟ ولا يهمني أن الزنداني نفع الإسلام بدعوته ودعايته، يهمني أنه أخطأ في التفسير بل وغلط غلطا فاحشا لا يمكن غض النظر عنه
والملاحظ عليك هنا ما يلي:
أولاً: أنت لا تعرف الزنداني فهو درس الصيدلة ولم يكملها وقولك إن الشيخ متخصص في الصيدلة دليل واضح أنك لا تعرفه.
ثانياً: قولك عنه:"وكل ما له عبارة عن كتب أو كتيبات دعوية لا تعدو أن تكون مواعظ عصرية، ومقالات وكتيبات في مجال الإعجاز العلمي مع أنه أثبت فيها أنه ليس أهلا للتفسير أبدا"
دليل آخر على أنك لست اهلاً لتحكم على الشيخ الزنداني ولا غيره، فمن يتنقص العلماء الذين شهدت لهم العامة والخاصة بالفضل والعلم والدعوة إلى الإسلام والذب عنه فلا قيمة لكلامه وهو مردود عليه.
ثالثاً: لن أرد على جهالاتك فيما أوردته من أمثلة: العلقة والبحر اللجي ... " ولكن حتى أبين جهلك باللغة والواقع أقول:
إذا كان الموج الأسفل كما تقول فوق سطح البحر فمن أين أتى الموج الأعلى؟
يا بني أنت لا تعرف اللغة ولا تعرف البحر، وحفظ بعض المفردات مثل: المبتدئين والناشئين، وإطلاقها على الآخرين، لا تدل على العلم والفقه.
نور الله بصيرتك.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 01:20 م]ـ
السلام عليكم ورحمة وبركاته
أخي الكريم الحجازي الهوى
أردّ على كلامك كله فقرة فقرة، من أجل أن لا تضيع الحقيقة بين تهم الجهل والجهالة المجانية:
(يُتْبَعُ)
(/)
عجيب أمرك يا جمال لماذا تقول الغير ما لم يقل؟ أين قلت أنا وأي طالب علم معتبر يقول إن ذكر التفسيرات التي اتفقت عليها الأمة أو جمهورها جهلا وتكون التفسيرات الهزيلة المضحكة لجماعة التفسير العلمي هي العلم كله؟
صحيح أنك لا تقول ذلك صراحة، ولكن ذلك هو الواقع الذي كان. ما فعلتُه كان مقارنة لما اتفقت عليه الأمة أو جمهورها من تفسير بعض الآيات بالتفسيرات الخاطئة الهزيلة لمدرسة التفسير العلمي للآيات نفسها. وأنت جئتَ ووصفتَ كل كلامي بالجهل! فكانت نتيجة كلامك أنك "اعتبرتَ ذِكْرَ التفسيرات التي اتفقت عليها الأمة أو جمهورها جهلا، والتفسيراتِ الهزيلةَ المضحكةَ لجماعة التفسير العلمي هي العلم كله". وهذه النتيجة هي الواقع، فمدرسة التفسير العلمي تقول ذلك عمليا، فإذا أنت رفضت التفسير الذي اتفقت عليه الأمة أو جمهورها وأتيت بتفسير جديد؛ فهذا يعني أنك تعتبر التفسير القديم جهلا (الجهل اللغوي) وتفسيرَك العلميّ علما! هذا هو لسان حال المفسر العلمي وإن لم ينطق لسانه بهذه الجملة.
ثم عجيب أمرك مرة أخرى وأنت تزعم علم الغيب حيث تزعم أنك تعلم مسبقا ما سأقوله وأكتبه.
ليس علما بالغيب، وإنما أعرف أن الذي اتخذ التفسير العلمي كمسلمة من مسلمات الدين لا أنتظر منه سوى التكلف والمعاندة.
أما عن كلامي فأنا لم أدخل معك في نقاش علمي حتى أستدل لما أقول، وإنما أقول إن احترام العلماء وحفظ مكانتهم وعدم تنقصهم هو من أخلاق طلبة العلم الصادقين.
نحن في نقاش علمي، ولا شيء غير النقاش العلمي. نحن في منتدى علمي هو من أكثر المنتديات الإسلامية المتخصصة احتراما. فيجب أن يكون كلامنا كله من قبيل النقاش العلمي ويكون مقرونا بالاستدلال.
وأما عن قولك (إن احترام العلماء وحفظ مكانتهم وعدم تنقصهم هو من أخلاق طلبة العلم الصادقين)، فهذا لا يماري فيه أحد، وأنا أحترم العلماء الحقيقيين الذين يتكلمون في اختصاصهم، وأما الذي يتكلم في موضوع من التفسير مثلا على سبيل الهواية ولا يهمّه سوى فرض فكرته على النص؛ فأنا أنتقده وأعنّفه في النقد، ولو كان حاصلا على أرقى الألقاب العلمية والتشريفية. فأنا لا يهمني الشخص وإنما يهمني ما يقول. والتفسير عندي أهمّ من الأشخاص، لأن التفسير هو تبيان معاني القرآن، فإذا أخطأ شخص في ذلك فلا يمكن السكوت عليه بدعوى الاحترام وحفظ المكانة.
وأنا إذ أقول إن الزنداني كذا وكذا، فهذا على سبيل المقارنة بالعلماء الحقيقيين المتخصصين في علوم الإسلام.
إن بلية العصر هي في النكرات الذين يهرفون بما لا يعرفون سمعوا كلاما فرددوه من غير فهم ولا روية، شعارهم الحط من قدر الناس وجهودهم.
لا سيدي! بلية العصر هي في بعض المشاهير الذين شغلوا الناس بما ليس علما ولا دينا، الذين حوّلوا التفسير والإعجاز إلى تجارة وعمل وبزنس، مع أن ما يطرحونه من تفسيرات وشروح هي مجموعة من الأغلاط والأخطاء اللغوية والنحوية والبيانية والمرتبطة بالسياق والذوق اللغوي، بل المنهج كله غلط، بل الفكرة نفسها غلط، أقصد الفكرة التي قامت عليها مدرسة التفسير العلمي وهي تفيد أن الأمة لم تفهم القرآن أبدا على وجهه الصحيح إلى أن جاء رُوّاد هذه المدرسة فبيّنوا!! إذن فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسف الصالح والتابعون الآتون بعدهم كانوا قد أساؤوا فهم القرآن!!! إذن ماذا كان القرآن يفيد من معاني حتى الآن؟! إذن ماذا بلّغ النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون من الدين وتعليم كتاب الله حتى الآن؟!
وتأمل في بعض تحقيقاتي وانتقاداتي لتلك التفسيرات، فستعرف أنني لست مجرد ناقل ومردد من غير فهم وروية، ما أقوم به من تمحيص علمي للتفسيرات المسماة بالعلمية أتفرّد به في أكثر الأحيان. أنت نفسُك هل رأيت مثل هذا النقد القويّ للتفسير العلمي حتى الآن؟
أنت لا تعرف الزنداني فهو درس الصيدلة ولم يكملها وقولك إن الشيخ متخصص في الصيدلة دليل واضح أنك لا تعرفه.
المهم أن تعلمه النظامي كان في مجال الصيدلة وإن لم يكمله، وحتى الآن بقيت الصيدلة في قمة اهتماماته العلمية. ألم يزعم أنه وجد علاج الآيدز وأعدّه من بعض الأعشاب؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد أكون غير عارف بكل اهتماماته وجوانب حياته، ولكنني عارف بالتفسيرات التي طرحها لبعض الآيات والألفاظ من القرآن. وكلامي يشمل هذه التفسيرات التي طرحها وليس غير ذلك. أنا قلت "لا تهمني الجوانب الأخرى"، بل يهمني أن الشيخ قد نصب نفسه مفسرا وقام بعملية تفسير لآية من القرآن، وأنا فحصت تفسيره فرأيته مخطئا تماما، فخلصت إلى نتيجة مفادها أن صاحب هذا التفسير إما ليس أهلا للتفسير وإما يفسر بالهوى والنزعة الغالبة والرأي الشخصي الذي لا يهمّه ماذا يقول النص في الحقيقة بل كل همه أن يجد في النص ما يريده!
مفسّرو مدرسة التفسير العلمي يعلمون فكرة النص قبل أن يقوموا بدرس النص! وهذا غريب جدا! الشيء الطبيعي هو أن السامع ينتظر ليفهم كلام المتكلم، وأما سادة التفسير العلمي فلا ينتظرون أن يتكلم النص بل يبادرون إلى التكلم والتقرير قبل أن يتكلم النص ويُلزمون النص بترديد ما يقولونه هم!!
قولك عنه:"وكل ما له عبارة عن كتب أو كتيبات دعوية لا تعدو أن تكون مواعظ عصرية، ومقالات وكتيبات في مجال الإعجاز العلمي مع أنه أثبت فيها أنه ليس أهلا للتفسير أبدا"؛ دليل آخر على أنك لست اهلاً لتحكم على الشيخ الزنداني ولا غيره، فمن يتنقص العلماء الذين شهدت لهم العامة والخاصة بالفضل والعلم والدعوة إلى الإسلام والذب عنه فلا قيمة لكلامه وهو مردود عليه.
أنا أحكم على الشخص من خلال ما (كَتَبَـ) ـه، أنا أنظر في مقالاته وكتيباته وأرى فيها مجموعة من الأغلاط الفاحشة في التفسير واللغة وفهم النص. أنا لا أنتقص من قدره كداعية وكرجل من رجال الإسلام المعاصرين. ولكنني أتعامل معه كمفسر. فمن تكلم في آية فقد نصب نفسه مفسرا وإن لم يكن له تفسير كامل. فإما أن يعتصم بالتفاسير المعتبرة إن لم يكن أهلا للنظر أو يُجري تحقيقا كاملا ثم يتكلم أو ليصمت، وإلا فيجب أن يكون مستعدا للنقد، وهو يستحق النقد العنيف أيضا، لأنه شغل الناس والعالم بتفسيرات بينما هي أغلاط. أنا يغيظني جدا أن يشتهر وينتشر كلام من التفسير أو أي شيء وهو خاطئ لا قيمة له من الناحية العلمية. لا أسكت عليه.
وقيمة الكلام مرتبطة بدرجة التحقيق والاستدلال وليس بأن المتكلم يحترم الشخص المنتقَد أو ينتقصه. أنت يجب أن تنظر في كلامي وشرحي لوجه الخطأ في التفسير العلمي الذي أنا بصدد نقده. فإذا كنت مصيبا فغض النظر عن التعنيف الذي أقوم به في النقد، وإن وجدتََني مخطئا فرُدّ عليّ بالشرح والإثبات والاستدلال حتى أفهم وأنتفع.
لن أرد على جهالاتك فيما أوردته من أمثلة: العلقة والبحر اللجي ... " ولكن حتى أبين جهلك باللغة والواقع أقول: إذا كان الموج الأسفل كما تقول فوق سطح البحر فمن أين أتى الموج الأعلى؟ يا بني أنت لا تعرف اللغة ولا تعرف البحر.
ما أسهل الاتهام بالجهل عندك! أنت لا تفيدني بشيء ولا تشرح لي شيئا ومع ذلك تصف كلامي بالجهالة! شيء غريب حقا! أنا شرحتُ لك تعبير الآية وحققتُ لك الموضوع وأنت تكتفي برميي بالجهالة وباستدلالك الواهي جدا " إذا كان الموج الأسفل كما تقول فوق سطح البحر فمن أين أتى الموج الأعلى؟ ". ولكنني أصبر وأزيد الأمر توضيحا وتحقيقا:
يقول تعالى (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب .. ). هنا يهمنا الموج الأول في قوله (يغشاه موج) لأنه الموج الأسفل. دقق معي في تعبير الآية (يغشاه موج)، الضمير في يغشاه يعود على (بحر)، إذن فالكلام هو أن ذلك الموج يغشى البحر .. وأنت تعرف ما هو الغشيان، إذن فذلك الموج (وهو الموج الأسفل) هو فوق البحر وليس في أعماق البحر. وأما الزنداني فالظاهر من كلامه أنه توهم أن الضمير يمكن أن يرجع إلى (لجي) وهو بمعنى (عميق) على أحد القولين، فتوهم أن معنى الكلام هو أن الموج (الأسفل) هو في أعماق البحر، فلم يلاحظ معنى الفعل (يغشى) ولم يلاحظ أن الضمير في (يغشاه) يعود على (بحر) وليس على (لجي). كلنا يعلم أن الضمير يعود على الاسم الموصوف وليس على الصفة، وهذا من بديهيات اللغة.
سيدي! أنا أحقق هكذا وتأملت طويلا في الموضوع ولا أكتب لأنني أفكر في اللحظة الآنية، بل أكتب لأنني متأكد مما أكتب، وأنا تنبّهت لهذا الخطأ منذ سنوات.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما عن استدلالك الذي اكتفيتَ به "إذا كان الموج الأسفل كما تقول فوق سطح البحر فمن أين أتى الموج الأعلى؟ "؛ فسامحني إذا قلت إنه واهٍ جدا. وإليك الدليل والإيضاح:
الموج الأسفل (يغشاه موج) هو فوق سطح البحر لأن الآية تقول إنه يغشى البحر، وأما الموج الأعلى (من فوقه موج) فهو أيضا فوق سطح البحر ولكنه يأتي متأخرا وينشأ بعد أن يقرب الموج السابق من الانتهاء فيركب الموج الأول، وهذا يسمى (تراكب الأمواج)، وعندي صور فوتوغرافية لهذه الظاهرة، وهي ظاهرة جميلة إذ ترى بقية الموج السابق وهو تحت الموج اللاحق! والآية تصور لنا هذا المشهد، ولكن الزنداني أفسد علينا متعة هذا التصوير البديع. وإذا حدث أن تركبت الأمواج فهذا يعني أن البحر في هيجان وحينئذ لا يرى الشخص ما أمامه، لأن درجة الرؤية تقرب من الصفر، وذلك لأن البحر يهيج ويزبد فتستحيل الرؤية وإذا صاحب ذلك وجود السحاب فذلك هو الظلام المطلق الذي تصوّره لنا الآية الكريمة. وهذه الظاهرة يمكن شرحها علميا، فأنا لستُ ضدّ الشرح العلمي للظواهر الطبيعية التي ذكرها القرآن لنا، ولكنني ضدّ الابتداع في التفسير وتفسير القرآن بما لم يفسر به أحد من الأمة، لأن هذا النوع الفاسد من التفسير يقوم عادة على الأغلاط النحوية واللغوية وعلى فكرة أن سلف الأمة لم يفهموا القرآن أو فهموه خطأ أو كان فهمهم نسبيا ومرحليا وكأن القرآن مجرد وعاء يملؤه الناس على هواهم!!
وطالِعِ التفاسيرَ فسترى أن التفسير الذي أذكره أجمع عليه المفسرون وسترى أن تفسير الزنداني مخالف لإجماع المفسرين.
وأما عن اتهامك لي بأنني "لا أعرف اللغة والبحر"، فقارن بين كلامي وكلامك فستعرف مدى صدقه. وبصراحة أنا لا أناقشك، وإنما أناقش الزنداني.
حفظ بعض المفردات مثل: المبتدئين والناشئين، وإطلاقها على الآخرين، لا تدل على العلم والفقه.
أنا لم أصف أحدا بالمبتدئ والناشئ، ولكن قلتُ إن هذا التفسير لا يليق حتى بالمبتدئين والناشئين ولا يُغتفَر لهم إن ارتكبوه، لأنه من الواضح جدا أنه غلط! ولا يرتكب مثل هذا الغلط إلا مَن ركبت رأسَه نزعة خاصة ولا يرى شيئا إلا من خلال نزعته الخاصة وهوايته، وحينئذ لا يرى الأشياء بصورتها الحقيقية.
وأرجو منك إذا كتبت لي ردا مرّة أخرى أن تبين وجهة نظرك بالمعلومات والأمثلة والشرح، حتى أفهم ما تقول ويفهم القراء، حتى لا يكون كلامك مجرد مقاذفة بتهمة الجهالة! أثبت لي جهلي وجهالتي بالأدلة فسأكون أول من يوافقك، ولكن ليس من الجائز ولا من الجميل أن ترميني بالجهالة وأنت لم تفدني بأي علم!
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[05 Feb 2010, 03:13 م]ـ
الأخ جمال
لو أنك سلكت طريق طلبة العلم في تناول الموضوع لأجبتك.
ولكنك نصبت نفسك حكما تطلق الأحكام دون اعتبار لأحد، ونصيحتي لك إذا كنت ترغب أن يستفيد غيرك مما تكتب أن تبتعد عن تجريح وتنقص أهل الفضل.
ولو اتبع السلف أسلوبك في النقد لسقط كلامهم غير مأسوف عليهم.
وانظر كيف هجر كثير من الناس مؤلفات بن حزم مع جلالة قدره وغزير علمه بسبب تنقصه لبعض الأئمة الأعلام من سلف هذه الأمة.
هدانا الله وإياك إلى مرضاته.
والسلام عليكم.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[05 Feb 2010, 03:19 م]ـ
أخي الكريم: جمال حفظك الله تعالى.
أرجو أن لا تتعب نفسك في مجادلات لا فائدة منها ألبتة.
وقد جربت النقاش مع القائلين بما يسمى بالإعجاز العلمي، وتوصلت إلى خلاصة أجملها لك فيما يلي:
1 - لن تجد عندهم من الأدلة إلا ما يمكن تلخيصه في نقاط:
أ - شخصنة الحوار، ومن ثم يحولون النقاش عن الأدلة إلى الكلام الجارح، وأنت ضعيف، وأدلتك واهية، ومستواك العلمي في الحضيض، ورأسك يدور، ومتخلف، وحجر عثرة أمام تقدم المسلمين ...
ب - كلام عام عائم لا يحصر صور مسألة الخلاف في نقاط، ولا يحاول التوصل إلى نتيجة في كل نقطة ليستفيد الجميع.
ج - السخرية من علوم السلف، ونعتها بأنها متخلفة وقديمة.
2 - أحسنهم الأخ حجازي الهوى، فقد يأتيك بأدلة - حينما يكون مزاجه طيبا - وقد يقصد في القول، أما غيره فإياك وإياهم.
3 - عندما تأتيهم بأدلة من تفسير ابن جرير الطبري يعارضونها لك بقول الزنداني، والنجار؛ وهل يعقل مسلم هذا.
4 - عندما تأتيهم بما قال أئمة اللغة كابن دريد والأزهري يعارضونها لك بكتابات طه حسين والعقاد ..
5 - عندما تتنزل معهم إلى أدلتهم وتقبلها جدلا ثم تضيق عليهم الخناق بأدلة أخرى يحاولون اللعب على أعصابك.
هذه هي الخلاصة، وسوف تتوصل إليها أخي الكريم بعد ما تجرب.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 03:36 م]ـ
الأخ جمال
لو أنك سلكت طريق طلبة العلم في تناول الموضوع لأجبتك.
ولكنك نصبت نفسك حكما تطلق الأحكام دون اعتبار لأحد، ونصيحتي لك إذا كنت ترغب أن يستفيد غيرك مما تكتب أن تبتعد عن تجريح وتنقص أهل الفضل.
ولو اتبع السلف أسلوبك في النقد لسقط كلامهم غير مأسوف عليهم.
وانظر كيف هجر كثير من الناس مؤلفات بن حزم مع جلالة قدره وغزير علمه بسبب تنقصه لبعض الأئمة الأعلام من سلف هذه الأمة.
هدانا الله وإياك إلى مرضاته.
والسلام عليكم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم
يبدو أن نقاشنا وصل لطريق مسدود وانتهى.
أنا أعتذر إليك إذا كان في كلامي ما ليس لائقا. أرجو أن تسامحني.
وأنا أعتذر من كل نقد عنيف أو تجريح تجاه أي شخص.
ليس قصدي التجريح، وإنما هو الحرص على إيصال ما أعتقده حقا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[05 Feb 2010, 04:11 م]ـ
الأخ الكريم جمال،
دعنا من الخوض ولنكمل مناقشة مسألة العلق:
1. نحن نقدم الحقيقة الشرعية على العرفية ونقدم العرفية على اللغوية.
2. العلق في اللغة ما يعلق، وهو لا يتنافى مع العرفية التي ترى أن العلقة دودة معروفة يعرفها العربي لأنه يراها في المياه أينما حل. وسميت علقة لأنها تعلق وتمتص الدم. وكان الناس يستخدمونها لتستخرج من جلودهم الدم الفاسد. من هنا من أين لك أن العلق في العرف هو الدم؟! وإن صح نقل عن الصحابة في ذلك فأرجو أن تحيلني إليه. أما أقوال المفسرين فنعرفها، وهم يفسرون بما تحتمله اللفظة وفق علوم عصورهم.
3. وعليه يكون معنى العلق: خلق الإنسان من شيء يعلق. وإذا كانت العلقة توجد في الماء ولها شكل محدد وتقوم بالعلوق والامتصاص، فإن أي شيء يماثلها في الشكل والسباحة في الماء والعلوق والامتصاص فهو علق. وأصحاب التفسير العلمي لم يخرجوا عن دائرة الحقيقة اللغوية ولا العرفية، وليس هناك من حقيقة شرعية لمعنى العلق.
4. أكثرت أخي من الكلام حول الحديث الشريف الذي يتحدث عن جريان الشمس حول الأرض فما هو هذا الحديث حفظك الله؟.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 04:17 م]ـ
أخي الكريم: جمال حفظك الله تعالى.
أرجو أن لا تتعب نفسك في مجادلات لا فائدة منها ألبتة.
وقد جربت النقاش مع القائلين بما يسمى بالإعجاز العلمي، وتوصلت إلى خلاصة أجملها لك فيما يلي:
1 - لن تجد عندهم من الأدلة إلا ما يمكن تلخيصه في نقاط:
أ - شخصنة الحوار، ومن ثم يحولون النقاش عن الأدلة إلى الكلام الجارح، وأنت ضعيف، وأدلتك واهية، ومستواك العلمي في الحضيض، ورأسك يدور، ومتخلف، وحجر عثرة أمام تقدم المسلمين ...
ب - كلام عام عائم لا يحصر صور مسألة الخلاف في نقاط، ولا يحاول التوصل إلى نتيجة في كل نقطة ليستفيد الجميع.
ج - السخرية من علوم السلف، ونعتها بأنها متخلفة وقديمة.
2 - أحسنهم الأخ حجازي الهوى، فقد يأتيك بأدلة - حينما يكون مزاجه طيبا - وقد يقصد في القول، أما غيره فإياك وإياهم.
3 - عندما تأتيهم بأدلة من تفسير ابن جرير الطبري يعارضونها لك بقول الزنداني، والنجار؛ وهل يعقل مسلم هذا.
4 - عندما تأتيهم بما قال أئمة اللغة كابن دريد والأزهري يعارضونها لك بكتابات طه حسين والعقاد ..
5 - عندما تتنزل معهم إلى أدلتهم وتقبلها جدلا ثم تضيق عليهم الخناق بأدلة أخرى يحاولون اللعب على أعصابك.
هذه هي الخلاصة، وسوف تتوصل إليها أخي الكريم بعد ما تجرب.
أخي الكريم إبراهيم الحسني
مرحبا بك
شكرا لك على إسداء النصح المفيد لي، جزاك الله عني خيرا.
كل النقاط التي تفضلتَ بذكرها واجهتُها في مرات سابقة، ولمستُها، ولكن حين عبّرتَ عنها بهذا الشكل الموجز الجميل تذكرتُ كلّ شيء، فقد حدث لي كل ذلك. حدث لي أنني شرحتُ القواعد النحوية وهم أجابوني بأنني لا أعرف قواعد العربية! أنا أنتقدهم على أساس اللغة قبل كل شيء وهم يقولون لي "إنك لا تعرف العربية"! حدث لي أنني انتقدتُ تفسيراتهم ومنهجهم وهم اتهموني بأنني تراثيّ أو أنني أضرّ بمسير الدعوة الإسلامية!
وأكثر معاناتي كانت بسبب أسلوبهم الغريب في النقاش: يدّعون أن تفسيرهم هو التفسير العلمي، ومع ذلك لا يلتزمون في أكثر الأحيان بأبسط قواعد الدراسة العلمية. وأكثر ما يتلاعبون به هو المعنى اللغوي والسياق، وهذان مهمان جدا في تفسير النصوص. ثم لا يستمعون إلى أي تصحيح وتنبيه.
وأعتقد أن هذا الأسلوب الغريب يعود إلى أن موضوع الإعجاز العلمي وكذلك العددي قد أصبح في وجدان المسلم المعاصر من الأمور الإيمانية التي لا يتخلى عنها، ومن الأساليب الدعوية الناجحة، ولذا فقد ينهار المفسر العلمي أمام المناقشة الجادة ولكنه يصرّ على نزعته لأنه يعتقد أن الإعجازات التي يكتشفها في القرآن مهمة جدة في الدعوة، خصوصا في البلاد الغربية. أنا أتفهم دافعَهم، ولكن يجب تنبيههم إلى أن الدعوة لا تكون بتغيير التفسير ومعاني القرآن من أجل موافقته للعلم وإدهاش الناس وإذهالهم. حتى لو اقتنع أحد الغربيين بالإسلام على أساس إعجاز علمي مزعوم يمكن أن يرتدّ بعد مدة بعد أن يكتشف أنه مخدوع بتفسير خاطئ جملة وتفصيلا.
يجب أن تكون الدعوة إلى الإسلام بعرض المزايا التي ينفرد بها الإسلام وليس بإخضاعه للعلوم الحديثة بالقسر والتعسف والتحريف.
ولكن مع كل ذلك أعتقد أننا لا زلنا في بداية الطريق في التنبيه على خلل ذلك المنهج وخطأ تلك التفسيرات المسماة بالعلمية، وأعتقد أننا مقصرون لم نبذل الجهد الكافي. وأنا أدعو إلى تكثيف الجهود وتوحيدها من أجل إعادة التفسير ودرس القرآن إلى سابق عهده وتخليصه من التفسيرات الشخصية والهوايات والنزعات الخاصة.
وأما عن الأخ حجازي الهوى؛ فأنا لا أعود إلى مناقشته وأعتذر إليه من كلامي الذي لم يخلُ من تقريع وتعنيف. ولكن ما أدهشني هو وصفه لـ (13) نقطة في مشاركة لي بالجهل والجهالة دون أن يبين شيئا! هذا شيء غريب قبل كل شيء، يبدو أنه من باب (التلاعب بالأعصاب) الذي تفضلتَ ـ أخي إبراهيم ـ بالإشارة إليه!!
ومن الله التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 04:43 م]ـ
أخي العزيز أبا عمرو البيراوي
سنعود إلى موضوع العلق والعلقة، ولكن أحببت أن أقدم موضوع الحديث الذي يفسر قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها):
أكثرت أخي من الكلام حول الحديث الشريف الذي يتحدث عن جريان الشمس حول الأرض فما هو هذا الحديث حفظك الله؟.
هذا الحديث من الأحاديث المشتهرة التي رويت بطرق عدة، وتختلف عبارته من رواية لأخرى، لكنه يتلخص في أن النبي (صلى الله عليه وسلم) فسر جريان الشمس المذكور في الآية بأنه جريان الشمس في السماء من الطلوع إلى الغروب، وفسّر استقرار الشمس بأنه استقرار الشمس من الغروب إلى الطلوع. وأنه (صلى الله عليه وسلم) تلا قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) حينما كان مع صحابته الكرام (أو مع أبي ذر خاصة) يراقبون غروب الشمس في المساء.
وهذا لفظ إحدى الروايات: (عن أبي ذر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس فقال يا أبا ذر تدري أين تذهب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها ثم قرأ والشمس تجري لمستقر لها) (ابن حنبل في مسنده ج 5/ ص 152 حديث رقم: 21390).
ففي هذا الحديث نلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم، فسّر مستقر الشمس بأنه استقرارها في الليل وأنها تبقى ساجدة حتى موعد الطلوع، فيؤذَن لها بالطلوع والرجوع، فتشرق ثانية من مطلعها. ومن الواضح أن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر الجريان بصورة غير مباشرة بأنه الجريان اليومي للشمس من الطلوع إلى الغروب، وهذا واضح تماما من سياق الحديث.
وبعض الروايات صريحة في تفسير الجريان، مثل رواية مسلم:
حدثنا يحيى بن أيوب وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن بن علية قال بن أيوب حدثنا بن علية حدثنا يونس عن إبراهيم بن يزيد التيمي سمعه فيما أعلم عن أبيه عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما * أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون متى ذاكم ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا \1\
مسلم في صحيحه ج 1/ ص 139 حديث رقم: 159
وهذه هي الروايات التي نقلت هذا الحديث، أنقلها مباشرة من موسوعة التخريج في الشاملة (الشاملة المكية):
* 98857 - ) حدثنا أبو نعيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * كنت مع النبي - عليه الصلاة والسلام - في المسجد عند غروب الشمس فقال يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم \1\
البخاري في صحيحه ج 4/ ص 1806 حديث رقم: 4524
* 98858 - ) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش \21673\
ابن حنبل في مسنده ج 5/ ص 177 حديث رقم: 21583
* 98859 - ) حدثنا أبو داود قال حدثنا سلام بن سليم عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم * يا أبا ذر أتدري أين تذهب الشمس إذا غابت قلت لا قال فإنها تأتي العرش فتسجد ويؤذن لها في الرجوع وكان قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فترجع من حيث جاءت فذلك مستقرها
الطيالسي في مسنده ج 1/ ص 62 حديث رقم: 460
(يُتْبَعُ)
(/)
* 98861 - ) عن ابي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس تصعد أتدري اين تصعد هذه يا أبا ذر قلت الله ورسوله اعلم قال فانها تصعد فتغرب ثم تجري لمستقرها وتأتي العرش فتخر ساجدة حتى يقال لها اطلعي من مطلعك وكان قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا الآية
الطبراني في معجمه الأوسط ج 4/ ص 374 حديث رقم: 0
* 98862 - ) حدثنا عبد الله بن اسحاق بن إبراهيم المدائني قال نا عبيد الله بن الحجاج بن المنهال الانماطي قال نا الحكم بن مروان قال نا ابو مريم عبد الغفار بن القاسم عن هارون بن سعد عن إبراهيم التيمي عن ابيه عن ابي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس تصعد أتدري اين تصعد هذه يا أبا ذر قلت الله ورسوله اعلم قال فانها تصعد فتغرب ثم تجري لمستقرها وتأتي العرش فتخر ساجدة حتى يقال لها اطلعي من مطلعك وكان قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا الآية
الطبراني في معجمه الأوسط ج 4/ ص 373 حديث رقم: 4470
* 98863 - ) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا أبو نعيم قال أخبرنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد عند مغرب الشمس فقال أتدرون أين تغرب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال تذهب حتى تنتهي تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتستشفع وتطلب فإذا قال ذلك قيل اطلعي من مكانك فذلك قول الله عز وجل والشمس تجري لمستقر لها \11347\
النسائي في سننه الكبرى ج 6/ ص 439 حديث رقم: 11430
* 98864 - ) أنا إسحاق بن إبراهيم أنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس بن عبيد عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال * أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فيقال لها ارتفعي فاطلعي من مغربك فتطلع من مغربها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ما ذاكم ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية \11093\
النسائي في سننه الكبرى ج 6/ ص 343 حديث رقم: 11176
* 98865 - ) أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا الملائي عن الأعمش عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبي ذر قال * كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال أتدرون أين تغرب الشمس فقلت الله ورسوله أعلم قال تذهب حتى تنتهى تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها وتوشك ان تستأذن فلا يؤذن لها وتستشفع وتطلب فإذا كان ذلك قيل لها إطلعى من مكانك فهو قوله ^ والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ^ \6153\
ابن حبان في صحيحه ج 14/ ص 25 حديث رقم: 6154
* 98866 - ) حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قال النبي - عليه الصلاة والسلام - لأبي ذر حين غربت الشمس * تدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العلم \1\
البخاري في صحيحه ج 3/ ص 1171 حديث رقم: 3027
* 98867 - ) أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون قال حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبي ذر قال * سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله ^ والشمس تجري لمستقر لها ^ قال مستقرها تحت العرش \6151\
ابن حبان في صحيحه ج 14/ ص 21 حديث رقم: 6152
(يُتْبَعُ)
(/)
* 98868 - ) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا بن نمير ومحمد بن عبيد قالا ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال قال أبو ذر * بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس قال يا أبا ذر أين تذهب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل ثم تستأذن فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها أرجعي من حيث جئت فتطلع من مكانها وذلك مستقر لها قال محمد ثم قرأ والشمس تجري لمستقر لها \21671\
ابن حنبل في مسنده ج 5/ ص 177 حديث رقم: 21581
* 98869 - ) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا يزد ثنا سفيان يعنى بن حسين عن الحكم عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم على حمار وعليه برذعة أو قطيفة قال فذاك عند غروب الشمس فقال لي يا أبا ذر هل تدري أين تغيب هذه قال قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تغرب في عين حامئة تنطلق حتى تخر لربها عز وجل ساجدة تحت العرش فإذا حان خروجها أذن الله لها فتخرج فتطلع فإذا أراد أن يطلعها من حيث تغرب حبسها فتقول يا رب ان مسيري بعيد فيقول لها أطلعي من حيث غبت فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها \21587\
ابن حنبل في مسنده ج 5/ ص 165 حديث رقم: 21497
* 98870 - ) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش \21533\
ابن حنبل في مسنده ج 5/ ص 158 حديث رقم: 21443
* 98871 - ) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا محمد بن عبيد ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس فقال يا أبا ذر تدري أين تذهب الشمس قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها أرجعي من حيث جئت فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها ثم قرأ والشمس تجري لمستقر لها \21480\
ابن حنبل في مسنده ج 5/ ص 152 حديث رقم: 21390
* 98872 - ) حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قال * دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتدري يا أبا ذر أين تذهب هذه قال قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها قال ثم قرأ ذلك مستقر لها قال وذلك قراءة عبد الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح \3241\
الترمذي في سننه ج 5/ ص 364 حديث رقم: 3227
* 98873 - ) حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقال يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه قال قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها قال ثم قرأ وذلك مستقر لها قال وذلك قراءة عبد الله بن مسعود قال أبو عيسى وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس وأبي موسى وهذا حديث حسن صحيح \2191\
الترمذي في سننه ج 4/ ص 480 حديث رقم: 2186
* 98874 - ) حدثنا يحيى بن أيوب وإسحاق بن إبراهيم جميعا عن بن علية قال بن أيوب حدثنا بن علية حدثنا يونس عن إبراهيم بن يزيد التيمي سمعه فيما أعلم عن أبيه عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما * أتدرون أين تذهب هذه الشمس قالوا الله ورسوله أعلم قال إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون متى ذاكم ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا \1\
مسلم في صحيحه ج 1/ ص 139 حديث رقم: 159
(يُتْبَعُ)
(/)
* 98875 - ) حدثنا عياش بن الوليد حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * سألت النبي - عليه الصلاة والسلام - عن قوله والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش \1\
البخاري في صحيحه ج 6/ ص 2703 حديث رقم: 6996
* 98876 - ) حدثنا يحيى بن جعفر حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم هو التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * دخلت المسجد ورسول الله - عليه الصلاة والسلام - جالس فلما غربت الشمس قال يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه قال قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب تستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ثم قرأ ذلك مستقر لها في قراءة عبد الله \1\
البخاري في صحيحه ج 6/ ص 2700 حديث رقم: 6988
* 98877 - ) حدثنا الحميدي حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال * سألت النبي - عليه الصلاة والسلام - عن قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش \1\
البخاري في صحيحه ج 4/ ص 1806 حديث رقم: 4525
* 98878 - ) أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يونس بن عبيد عن إبراهيم التيمى عن أبيه عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال * أتدرون أين تذهب الشمس قالوا الله ورسوله اعلم قال فإنها تجرى حتى تنتهى الى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعى ارجعى من حيث جئت فترجع فتطلع طالعة من مطلعها ثم تجىء حتى تنتهى الى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتطلع طالعة من مطلعها ثم تجىء حتى تنتهى الى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعى ارجعى من حيث جئت فترجع فتطلع من مطلعها ثم تجرى لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهى إلى مستقرها تحت العرش فيقال لها ارتفعى فاطلعى من مغربك فتطلع من مغربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون متى ذلك حين لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا قال أبو حاتم رضي الله عنه هكذا قال إسحاق عن يونس بن عبيد عن إبراهيم التيمى والمشهور هذا الخبر عن يونس بن خباب عن إبراهيم التيمى \6152\
ابن حبان في صحيحه ج 14/ ص 24 حديث رقم: 6153
(أمور النقل والضبط على ذمة موسوعة التخريج)
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 05:05 م]ـ
أكثرت أخي من الكلام حول الحديث الشريف الذي يتحدث عن جريان الشمس حول الأرض فما هو هذا الحديث حفظك الله؟.
أنا لم أقل بأن الحديث هو عن (جريان الشمس حول الأرض)، بل قلت: عن (جريان الشمس اليومي)، وهذا الجريان هل هو حول الأرض أم ماذا فهذا موضوع آخر.
المهم بحسب هذا الحديث أن جريان الشمس المقصود في الآية هو ما يحدث في اليوم وأن استقرار الشمس هو ما يحدث في الليل. وهذا كافٍ للرد على التفسير العلمي القائل إن جريان الشمس المذكور في الآية هو دوران الشمس حول مركز مجرة درب التبانة!! وهذا الدوران يستغرق ملايين السنين! وأما الآية والحديث فيذكران لنا حدثا يتم في مدة 24 ساعة. وسياق سورة يس في ذلك الموضع هو سياق الأمور الطبيعية التي تحدث في اليوم والليلة.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[05 Feb 2010, 06:28 م]ـ
الأخ الكريم جمال،
1. أنا في تصحيح الأحاديث كَلٌّ على أهل الاختصاص الثقات. أما الفهم فشأن آخر.
2. لاحظتُ أن مدار السند في كل ما ذكرت من أسانيد صحت أم لم تصح على إبراهيم التيمي عن أبيه. ولم يشذ عن ذلك سند واحد مما ذكرتَ، ولا أدري إن كان للحديث أسانيد أخرى. وكلها تقريباً تدور على الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه. وستدرك مقصدي من ذلك بعد قليل.
3. إذا خالف الثقة من هم أوثق منه ضعف حديثه، فكيف إذا خالف الثقة أهل الأرض جميعاً من مسلمين وغير مسلمين. ثم نحن لا نقبل في إثبات دَين إلا شهادة عدلين ونقبل في إثبات دِين شهادة عدل واحد (لعله الأعمش، لعله إبراهيم، لعله والد إبراهيم) وهذا الواحد يخالف بدهيات أطبق عليها أهل الأرض؟!!
4. معلوم اليوم لكل أحد أن الشمس لا تغرب عن الأرض اطلاقاً، وليس هناك من فاصل بين طلوعها وغروبها، ففي كل لحظة هي في حالة غروب وشروق. فمتى تذهب إذن لتسجد ثم يؤذن لها فتطلع وهي لا تبرح الطلوع؟! وحتى تتحقق أخي جمال من ذلك يمكنك أنت ومجموعة من زملائك أن تستخدموا الجوّال لتتصلوا بمسلمين في بلاد مختلفة لتأخذوا شهادتهم أن الشمس لا تزال طالعة ولا تغيب عن الأرض اطلاقاً.
5. قد تقول لي إن سجود الشمس تحت العرش هو أمر غيبي لا نحسّه ولا ندرك كنهه، عندها أقول لك: لندع الاستشهاد بالحديث على فهمنا الخاص ولنؤمن به كغيب لا يُدرك كنهه. وإذا أمكن أن نؤوّل الحديث نؤوّله قبل أن نلجأ إلى رده (رد وهم الراوي).
6. الحديث الذي نصه:" سألت رسول الله عن قول الله عز وجل: والشمس تجري لمستقر لها، قال: مستقرها تحت العرش". مفهوم ومنسجم، فالشمس تجري وسوف تستقر ومستقرها تحت العرش. ومعلوم أن الشمس تجري في مدار هائل والمجموعة الشمسية تتبعها في جريانها والله يقول إنها ستستقر.
7. أما الأحاديث الأخرى فيمكن فهمها الفهم الذي يمنع ردّها كالآتي: الشمس تجري حتى تكون تحت العرش فيؤذن لها أن تعود في مدارها الهائل وتبقى تطلع من الشرق (أي عندما تعود في مدارها يبقى واقعها أنها تطلع من الشرق) حتى يأتي اليوم الذي تطلع فيه من الغرب، فيكون ذلك من علامات القيامة. وهذا الفهم أقدمه على فهمك حتى لا نلجأ إلى رد شهادة واحد لا ندري حفظ أم نسي.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[جمال السبني]ــــــــ[05 Feb 2010, 09:15 م]ـ
1. أنا في تصحيح الأحاديث كَلٌّ على أهل الاختصاص الثقات. أما الفهم فشأن آخر.
2. لاحظتُ أن مدار السند في كل ما ذكرت من أسانيد صحت أم لم تصح على إبراهيم التيمي عن أبيه. ولم يشذ عن ذلك سند واحد مما ذكرتَ، ولا أدري إن كان للحديث أسانيد أخرى. وكلها تقريباً تدور على الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه. وستدرك مقصدي من ذلك بعد قليل.
3. إذا خالف الثقة من هم أوثق منه ضعف حديثه، فكيف إذا خالف الثقة أهل الأرض جميعاً من مسلمين وغير مسلمين. ثم نحن لا نقبل في إثبات دَين إلا شهادة عدلين ونقبل في إثبات دِين شهادة عدل واحد (لعله الأعمش، لعله إبراهيم، لعله والد إبراهيم) وهذا الواحد يخالف بدهيات أطبق عليها أهل الأرض؟!!
نعم. تنتهي الأسانيد كلها إلى سلسلة (الأعمش ـ إبراهيم التيمي ـ يزيد التيمي). إذن لم يشتهر الحديث في كل الطبقات. ولكن يجب أن تلاحظ ـ أخي العزيز ـ تصحيحات أهل العلم بالحديث، فقد أخرجه الحديث البخاري ومسلم وغيرهما. وصحّحه الألباني في تعليقته على الجامع الصغير وهي بعنوان (صحيح الجامع الصغير وزيادته "الفتح الكبير")، إذ قال عن الحديث الذي أخرجه مسلم: (صحيح) اهـ. انظر: محمد ناصر الدين الألباني، صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير). المكتب الإسلامي، بيروت. الطبعة الثالثة. 1988. جـ. 1، ص. 78.
وقال الترمذي عن الحديث الذي أخرجه: (هذا حديث حسن صحيح).
وقال أيمن صالح شعبان في تخريج الحديث: (صحيح)، ثم ذكر أسانيد الحديث.
وغير ذلك من التصحيحات.
ثم أنت تضعِّف الحديث بأن الناس جميعا يخالفون هؤلاء الرواة فيضعف الحديث، وبأن الحديث من رواية الواحد وأن هذا الواحد يخالف بديهية أطبق عليها أهل الأرض.
سيدي أبا عمرو!
لا يهمّ أنك تؤمن بالموضوع أو لا. يمكنك أن تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الظاهرة الطبيعية بالفكرة السائدة في ذلك الزمان عن دوران الشمس حول الأرض، ويمكنك أن تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن أمر من أمور الدنيا والناس أعلم بأمور دنياهم. كما يمكنك أن ترفض الحديث جملة وتفصيلا وترفض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيئا كهذا، ويمكنك أن تقول أنك لا تأخذ دينك عن طريق الراوي الواحد وأن هذا مجرد خبر يمكنك الاستغناء عنه.
ولكن لا يجب أن يكون معيارُك لنقد الحديث هو أنك لا تؤمن بالفكرة.
والفكرة التي يتضمنها هذا الحديث، هي أن الشمس تطلع وتجري في السماء ثم تغرب، وهذه الأحداث (الطلوع والجريان والغروب) هي أحداث يحسّ بها الإنسان ويراها بأم عينيه. فأما أن حقيقة الموضوع شيء مغاير وأن ما يجري حقيقة هو أن الأرض تدور حول نفسها فيبدو الأمر وكأن الشمس تدور حول الأرض؛ فهذا شيء آخر. المهم أن الآية الكريمة والحديث الشريف ذكرا ظاهرة طبيعية يراقبها الإنسان منذ فجر البشرية وهي طلوع الشمس وجريانها في السماء ثم غروبها وانقطاعها عن الجريان إلى أن ينتهي الليل فتطلع من جديد. والقرآن الكريم يلفت نظر الإنسان إلى هذه الظاهرة وهي تعاقب الليل والنهار بطلوع الشمس وغروبها. ولا إشكال في الموضوع. ما لفت القرآن الكريم نظر الإنسان إليه هو حقيقة ظاهرة يحسّ بها الإنسان، وما أثبته العلمُ الحديث حقيقة فلكية تحسّ بها الآلات والوسائل الفلكية. القرآن الكريم يخاطب الإنسان ويخاطب في الإنسان تركيبته الذهنية التي اعتادت على مناظر شروق الشمس وغروبها وانقطاعها عن الجريان في الليل. وكذلك الحديث النبويّ مداره على هذه الظاهرة التي هي ظاهرة طبيعية ـ إنسانية، أي طبيعية ولكن يُلاحظها الإنسان، وأقصد الإنسان بإمكاناته الطبيعية وليس بالآلات.
أعرف أن الموضوع صعب وشائك بالنسبة للمسلم، وأن المسلم يحتار في هذه المواضيع. ولكنني أعتقد أنه يمكن التوفيق بين ما ورد في النصوص عن الطبيعة وبين ما أثبته العلم الحديث عن الطبيعة، من دون أن نستشكل النصوص ومن دون أن نكذّب العلم الحديث. والموضوع يحتاج إلى التفكير السليم وإلى التعاون والتكاتف والتبصر.
(يُتْبَعُ)
(/)
المهم الذي أعود إلى تأكيده هو أنه لا يجوز لأي واحد، أن يغيّر معنى الآيات والنصوص عامة لأنه لا يؤمن بالمعنى الذي تتضمنه تلك النصوص، فيرفض تفسيرها الأصيل ويأتي من عنده بتفسير آخر قد لا يكون سوى تحريف معنوي للنص.
إذا كان واحد من المسلمين لا يؤمن بفكرة وردت في آية قرآنية أو حديث شريف؛ فلا يجوز له أن يكذّب الحديث أو يرفضه أو يعيد تفسير الآية بمعنى آخر ويحرّفها تحريفا معنويا. بل يجب عليه أن يرفع إشكاله إلى غيره لعله يندفع ويرى مخرجا له، فلا يجوز له أن يرفض شيئا من الإسلام بدعوى أنه لا يؤمن به ولا يمكنه أن يؤمن به.
وأريد أن تعرف ـ أخي أبا عمرو ـ أنني أومن بحقائق العلم الحديث كلها (الحقائق وليس النظريات) ولستُ من منكري العلم الحديث ومكذبيه، ولكن ذلك لم يجعلني أستشكل النصوص فأرفضها أو أرفض تفسيرها الأصيل، لأنني أعرف كيف أوجّه كل موضوع وجهته. القرآن الكريم يقول إن الأرض مبسوطة، وهذه حقيقة ظاهرة لكل ذي عينين، فما نراه هو الأرض المبسوطة. والعلم الحديث يقول إن كوكب الأرض شبه كروي (بالمناسبة؛ كوكب الأرض ليس كرويا تاما، وليس بيضاويا، وليس إهليلجيا، بل هو شبه كروي: مفلطح عند القطبين بارز عند خط الاستواء، أي: كروي غير تامّ)، وهذا أيضا صحيح. والموضوعان مختلفان، فالقرآن الكريم يتحدث عن بيئة الإنسان، والإنسان هو المقصود في القرآن، وبيئة الإنسان هي أرض مسطحة عموما. وأما العلم الحديث فهو يتحدث عن كوكب الأرض، فهو لا يراعي وجدان الإنسان ويعمل على اكتشاف المادة بصورة منفصلة عن ذهنية الإنسان المرتبطة بالبيئة والمحيط.
والقرآن الكريم إذ يصف الطبيعة، إنما يصف مشاهدها ولا يصف أعماق المادة. القرآن الكريم يصف ما تقع عليه عينُ الإنسان، وذلك لأن هدفه هو إقناع الإنسان. لاحِظ معي قوله تعالى (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، فالقمر في نفسه لا يصير مثل العرجون القديم وإنما مشهده ومنظره يصير كذلك. ولذا فالوصف القرآني وصف تصويري قد يكون ـ أحيانا ـ أشبه بتصوير فوتوغرافي.
أعتقد أن كلامي هذا هو البلسم الشافي لما يثور في وجدان المسلم المعاصر من إشكالات متعلقة بالطبيعة ووصفها في النصوص وفي العلم الحديث.
أرجو أن أكون قد وفقتُ لحلّ هذا الإشكال الذي قد يستعصي على الكثيرين فإما يرفضون حقائق العلم الحديث وإما يستشكلون النصوص فيحاولون رفضها أو رفض تفسيرها الحقيقي.
وأعود في مشاركة لاحقة للحديث عن النقاط الأخرى، وعن موضوع (العلقة) المعلَّق!
ـ[جمال السبني]ــــــــ[06 Feb 2010, 12:12 ص]ـ
4. معلوم اليوم لكل أحد أن الشمس لا تغرب عن الأرض اطلاقاً، وليس هناك من فاصل بين طلوعها وغروبها، ففي كل لحظة هي في حالة غروب وشروق. فمتى تذهب إذن لتسجد ثم يؤذن لها فتطلع وهي لا تبرح الطلوع؟!
حقيقة الأمر أن الكلام في الحديث موجَّه لإنسان معين أو مجموعة معينة من الناس في مكان وزمان معيَّنين. ومن الواضح أن الشمس تغرب عن كل مدينة وكل قرية وكل مجموعة من البشر وكل إنسان. صحيح أن الغروب ليس غروبا واحدا وأن الشمس في طلوع وغروب مستمرين على مدار الساعة باستمرار دوران الأرض حول نفسها؛ ولكنه ليس من الخطأ وصف غروب الشمس لمجموعة من البشر تغرب الشمس أمام أعينهم. هل أكون مخطئا إذا قلتُ (إن الشمس غربت)؟!
وكذلك عن مشكلة الفاصل بين غروب الشمس وطلوعها؛ الفاصل موجود، لكن بالنسبة للمراقب الواحد. فأنا حين تغرب الشمس عني فلا أراها إلا بعد حوالي 12 ساعة، وأنا أستقرّ وأشعر أن الشمس أيضا تستقرّ! فالفاصل موجود، ولكن بالنسبة لأرض معينة، وليس بالنسبة لكوكب الأرض ككلّ.
وأما عن سجود الشمس وبقائها ساجدة حتى الطلوع؛ فلك ـ يا أخي ـ أن لا تفهم الحديث حرفيا، وتفهم منه أن ذلك هو حال الشمس: مطيعة للقوانين والنواميس الطبيعية التي وضعها الله تعالى في المادة والكون، وأنها تبقى غاربة عن الأرض المعيّنة فلا تظهر من جديد إلا بعد انقضاء الليل. ولك أن تقول إنه لا يعدو الأمر في الحقيقة أن تكون تمثيلا لحالة الشمس المتمثلة في الإطاعة التامة للناموس الكوني الذي وضعه الله. فالقرآن الكريم يذكّرنا دائما بأن كل شيء يسبّح لله، ولكن لا يمكن أن نفهم من ذلك أن كل شيء يقول (سبحان الله)!!
(يُتْبَعُ)
(/)
هناك نوع من الكلام يُقال للناس عامة لأنه أكثر تأثيرا في النفوس وأبقى أثرا، يعتمد على القَصَص والصياغة القَصَصية، فيُقال ـ مثلا ـ إن الشمس تسجد وتبقى ساجدة إلى أن يؤذن لها بالطلوع .. وكل واحد يفهم من هذا الكلام على طاقته وبحسب ثقافته!! ومن هذا القبيل قولُه تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان)، فتوهّم بعض المفسّرين أن ذلك العرض والإباء حدث حقيقة وأن الله وهب الإدراك للسماوات والأرض والجبال وعُرِضت عليهم الأمانة!! مع أن التعبير كله تمثيل يعتمد على التخييل والتصوير.
وحتى تتحقق أخي جمال من ذلك يمكنك أنت ومجموعة من زملائك أن تستخدموا الجوّال لتتصلوا بمسلمين في بلاد مختلفة لتأخذوا شهادتهم أن الشمس لا تزال طالعة ولا تغيب عن الأرض اطلاقاً.
أما هذا فهو نكتة بالنسبة لي (ابتسامة). أضحكتَ سنّي، أضحك الله سنّك!
5. قد تقول لي إن سجود الشمس تحت العرش هو أمر غيبي لا نحسّه ولا ندرك كنهه، عندها أقول لك: لندع الاستشهاد بالحديث على فهمنا الخاص ولنؤمن به كغيب لا يُدرك كنهه. وإذا أمكن أن نؤوّل الحديث نؤوّله قبل أن نلجأ إلى رده (رد وهم الراوي).
أما عن سجود الشمس تحت العرش؛ فهو تعبير عن انقياد الشمس المسخَّرة للقانون الكوني. فيمكن أن يُفهَم من (سجود) ها أن المقصود هو إطاعتُها هذه. وأما أن هذا السجود يتمّ تحت العرش، فهو من لوازم التعبير عن السجود والانقياد لله، فهو سجود لله، وهذا السجود يتمّ ـ حتما ـ تحت العرش، فالعرش هو فوق السماوات السبع، هو في أعلى نقطة من العالم المخلوق. العرش هو دائما فوق المستوى الأعلى من الكون، فحينما لم يكن من وجود مادي سوى ما كان للماء كما يقول تعالى (وكان عرشه على الماء)؛ كان الماء أعلى مستوى فكان العرش فوقه، وأما الآن فأعلى مستوى هو السماء السابعة فالعرش فوقها الآنَ، وهكذا.
ملخص الفكرة: الشمس طائعة لله في غروبها، وهي ـ لا محالة ـ تحت العرش. فتأمل.
6. الحديث الذي نصه:" سألت رسول الله عن قول الله عز وجل: والشمس تجري لمستقر لها، قال: مستقرها تحت العرش". مفهوم ومنسجم، فالشمس تجري وسوف تستقر ومستقرها تحت العرش. ومعلوم أن الشمس تجري في مدار هائل والمجموعة الشمسية تتبعها في جريانها والله يقول إنها ستستقر.
يا أبا عمرو! نحن نفسر النصوص ككلّ، ونفسر بعضها ببعض. فهذا الحديث المختصر (مستقرها تحت العرش) ليس منفصلا عن الصياغات الأخرى ولا يمكن التعامل معه على حدة. وتذكَّر أن الأحاديث ذكرت هذا الاستقرار كحدث ليلي يتكرر كل ليلة (وكذلك السياق في سورة يس يدلّ على هذا). بينما جريان الشمس في مدارها الهائل حول المجرة لا يتكرر إلا مرة بعد مرور ملايين السنين، وأتذكر أنني قرأت في أحد المراجع العلمية الموثوقة أنه تم دوران الشمس حول المجرة (18) مرة فقط منذ أن خلقها الله تعالى. وهذا يعني أن الموضوع ليس له علاقة بالإشارة القرآنية التي تتعلق بحدث ليلي يتكرر كل ليلة.
والأحاديث وكذلك الآية، تفيد أن جريان الشمس واستقراره حدثان متعاقبان في اليوم والليلة، فيكون جريان ثم غروب واستقرار. بينما الفكرة العلمية المستخدَمة في التفسير العلمي ليست هكذا، بل هي تؤكّد على جريان الشمس إلى النهاية وفي النهاية يكون استقرار ..
7. أما الأحاديث الأخرى فيمكن فهمها الفهم الذي يمنع ردّها كالآتي: الشمس تجري حتى تكون تحت العرش فيؤذن لها أن تعود في مدارها الهائل وتبقى تطلع من الشرق (أي عندما تعود في مدارها يبقى واقعها أنها تطلع من الشرق) حتى يأتي اليوم الذي تطلع فيه من الغرب، فيكون ذلك من علامات القيامة. وهذا الفهم أقدمه على فهمك حتى لا نلجأ إلى رد شهادة واحد لا ندري حفظ أم نسي.
ما تتحدث عنه أخي الكريم عن دوران الشمس في مدارها الهائل حديث عن عملية تستغرق ملايين السنين! فلا يمكنك أن تتحدث عنها كعلامة يشعر بها البشر أو يلاحظونها. وهل تتوقع أن تبقى البشرية على الأرض لملايين الملايين الأخرى من السنين حتى تكمل الشمس دورة أخرى حول المجرة؟
ويبدو أنك تقصد أنه حين تستأنف الشمس دورتها حول مركز المجرة تتحول جهة طلوعها إلى جهة غروبها الحالية على الأرض! من أين لك أن تثبت هذا؟! ولماذا تختلف الجهة؟!
هذا الفهم الذي تقترحه لا يحلّ شيئا، بل يثير جملة من الإشكالات!
ومن الواضح تماما أن الأحاديث التي تتحدث عن علامات القيامة ومنها طلوغ الشمس من مغربها، إنما تقصد أن ذلك التحول يحدث في ليلة واحدة، ففي اليوم قبل الأخير يكون طلوع الشمس عاديا وطبيعيا، ولكن في اليوم التالي تطلع الشمس من الجهة التي غربت منها في المساء أي تطلع من المغرب. هذا هو المقصود. أي أن القانون الكوني يتغير، أي تؤمَر الشمس باتباع قانون كوني آخر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[جمال السبني]ــــــــ[06 Feb 2010, 05:15 ص]ـ
نحن نقدم الحقيقة الشرعية على العرفية ونقدم العرفية على اللغوية.
كلام ذهبي.
العلق في اللغة ما يعلق، وهو لا يتنافى مع العرفية التي ترى أن العلقة دودة معروفة يعرفها العربي لأنه يراها في المياه أينما حل. وسميت علقة لأنها تعلق وتمتص الدم. وكان الناس يستخدمونها لتستخرج من جلودهم الدم الفاسد. من هنا من أين لك أن العلق في العرف هو الدم؟! وإن صح نقل عن الصحابة في ذلك فأرجو أن تحيلني إليه. أما أقوال المفسرين فنعرفها، وهم يفسرون بما تحتمله اللفظة وفق علوم عصورهم.
أنا لم أقل بأن "العلق في اللغة هو الدم"، هكذا على الإطلاق. بل قلت إن العرف اللغوي خصص الكلمة بشيئين من الأشياء التي تتعلق وتعلق، وهما (الدم المتجمد)، و (الدودة التي تعلق وتمتص الدم)، وأوردت هذين على سبيل المثال، وإلا فيجب أن نضيف إليهما أشياء أخرى. فالفيرزآبادي يورد هذه المعاني للكلمة في (القاموس المحيط) للـ (عَلَق):
1. الدَّمُ عامَّةً أو الشَّديدُ الحُمْرَةِ أو الغَليظُ أو الجامِدُ. القِطْعَةُ منه: عَلَقة.
2. كلُّ ما عُلِّقَ.
3. الطينُ الذي يَعْلَقُ باليَدِ.
4 - 5. الخُصومَةُ والمَحَبَّةُ اللازِمَتَانِ.
6. ذو عَلَقٍ: جَبَلٌ لِبَني أسَدٍ لهُمْ فيهِ يَوْمٌ م على رَبِيعَةَ بنِ مالِكٍ.
7. دُوَيْبَّةٌ في الماءِ تَمُصُّ الدَّمَ.
8. ما تَتَبَلَّغُ به الماشِيَةُ مِنَ الشَّجَرِ.
9. مُعْظَمُ الطَّريقِ (قاله ابن عبّاد).
10. الذي تُعَلَّقُ به البَكَرَةُ والبَكَرَةُ نَفْسُها أوِ الرِّشاءُ والغَرْبُ والمِحْوَرُ جَميعاً أو الحَبْل المُعَلَّقُ بالبَكَرَةِ.
11. والهَوَى والحُبُّ وقَدْ عَلِقَهُ كفَرِحَ وبه عُلوقاً وعِلْقاً بالكَسْرِ وبالتَّحْريكِ وعَلاَقَةً.
12. العلَق مِنَ القِرْبَةِ: كَعَرَقِها، وهو سيْر تُعَلَّقُ به. (ويُراجَع شرح الزبيدي على المادة من القاموس).
يُلاحظ على ما سبق أن المعنى العام الجامع بين هذه المعاني هو العلوق والتعلّق (ما عدا المعاني 6 والمعنى 8 والمعنى 9 فلا أعرف وجه اشتقاق الكلمة ووجه التسمية بحَسَبها). ولا يُستفاد من كلام صاحب القاموس أن الكلمة تطلَق على أي شيء يَعْلَق. بل تطلق ـ مثلا ـ على الدم خصوصا، وخاصة الدم حين يتخثر وقبل أن ييبس. وأنت تلاحظ أن الفيرزوآبادي قال أولا (العلق: الدم عامة)، وأنا لا أتصور أن تطلق الكلمة على الدم عامة وعلى الإطلاق، بل أتصور أنها تطلق على قطعة دم متجمّعة فتكون لزجة وتتعلق بالأشياء.
وقال الطبري: (وَقَوْلُهُ: "ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً" يَقُولُ: ثُمَّ صَيَّرْنَا النُّطْفَةَ الَّتِي جَعَلْنَاهَا فِي قَرَارٍ مَكِينٍ عَلَقَةً، وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الدَّم ِ) ويقول أيضا: (ثم بين الذي خلق فقال " خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ " يعني: من الدم).
وقال القرطبي: ("ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ" وهو الدم الجامد. والعلق الدم العبيط، أي الطري. وقيل: الشديد الحمرة). وقال أيضا: ("خلق الإنسان من علق": قوله تعالى: "خلق الإنسان" "خلق الإنسان" يعني ابن آدم. "من علق" أي من دم؛ جمع علقة، والعلقة الدم الجامد؛ وإذا جرى فهو المسفوح. وقال: "من علق" فذكره بلفظ الجمع؛ لأنه أراد بالإنسان الجمع، وكلهم خلقوا من علق بعد النطفة. والعلقة: قطعة من دم رطب، سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه، فإذا جفت لم تكن علقة).
وقال أبو الليث السمرقندي في بحر العلوم: ("ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً"، أي حولنا الماء دماً، "فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً"، أي حولنا الدم مضغة).
وقال ابن قتيبة في (غريب القرآن): ("عَلَقَةً" واحدة العَلَق، وهو الدم). .
وقال ابن دريد في الجمهرة: (والعَلَق: الدم). مادة علق.
وقال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج عَبد بن حُمَيد، وَابن المنذر، وَابن أبي حاتم عن عكرمة قال: العلقة الدم والمضغة اللحم والمخلقة التي تم خلقها "وغير مخلقة" السقط.
(يُتْبَعُ)
(/)
فأنت ترى هنا أن عكرمة عرّف العلقة بالدم. وهذا حجة لي عليك، ولكنني لا أزال أقول إنه لا يمكن إطلاق (علقة) على الدم بصورة عامة، فلا يمكن أن نسمي الدم في الجسد علقة، بل هي قطعة دم واقعة على الأرض مثلا وهي عادة تكون غليظة لزجة. هكذا يقول لي ذوقي اللغوي! وأرى أنهم حين يفسرون العلق بالدم إنما يصفون مادته وأنهم لا يريدون أنه يصح إطلاق العلق على الدم عموما.
وإطلاق (علقة) على قطعة الدم الغليظة وارد في بعض الأحاديث أيضا في غير موضوع الجنين، فمثلا: الحديث الذي يروي حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام، فيروي مسلم ـ على سبيل المثال ـ:
(حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَاهُ جِبْرِيلُ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ. ثُمَّ غَسَلَهُ فِى طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لأَمَهُ ثُمَّ أَعَادَهُ فِى مَكَانِهِ وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِى ظِئْرَهُ - فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ. فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِى صَدْرِهِ).
صحيح مسلم، الحديث رقم 431، جـ. 1، ص. 101.
وأكثر المعاجم العربية تقول (الدم العليظ) أو (الدم المتجمد) أو (الدم الجامد) ونحو ذلك. فمثلا: يقول الجوهري في الصحاح: (العَلَقُ: الدمُ الغليظُ، والقطعة منه عَلَقَةٌ. والعَلَقَةُ: دودةٌ في الماء تمصّ الدمَ، والجمع عَلَقٌ).
ولاحظ أن المعاجم تورد معنى (الدم المتجمد) كأول معنى ثم تورد المعاني الأخرى.
ومن المحتمل أن هذا هو أصل تسمية الدودة المعروفة بالعلق، فإنها تشبه قطعة دم غليظة، كما يُستفاد من كلام الكثيرين من أهل اللغة والتفسير، فمثلا يقول الأزهري في تهذيب اللغة: (وقال الله عزّ وجلّ: " ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً "، العَلَقة: الدم الجامد الغليظ، ومنه قيل لهذه الدابَّة التي تكون في الماء عَلَقة، لأنّها حمراء كالدم. وكلُّ دمٍ غليظٍ عَلقٌ) .. وإن كان الظن الغالب أن الدودة سميت بذلك لأنها تتعلق فتتعلق بشارب الماء، تتعلق بحلوق المواشي حين تشرب الماء.
ولا يمكن القول بأن (علق) في الآية هو أي شيء يعلق!! فالقرآن يقصد شيئا معينا ولا يريد أن يقول إن الإنسان مخلوق "من أي شيء يعلق" أو "من شيء يعلق"!! لا يُعقَل أن يقصد النص هذا. بل المحتم أن النص يقصد شيئا خاصا معينا ويُطلَق عليه ذلك الاسم لأنه يعلق ويتعلق. ويجب أن يكون تفسير الكلمة بشيء معروف في العرف اللغوي، فلا يجوز ما يقوله طائفة من المفسرين العلميين من أن العلقة هي خلايا الجنين المتعلقة بجدار الرحم! وأما معنى (الدودة التي تعلق وتمتص الدم) فهذا معروف في العرف اللغوي، ولكن هل يناسب التعبير القرآني؟ هل يجوز أن يُقال إن الإنسان خًُلِق من علقة أي من تلك الدودة!! بينما الجنين في مرحلة العلقة هي قطعة دم ولا فرق في الظاهر بينه وبين أية قطعة دم أخرى، فيصح تسميته بالعلقة لأنه قطعة دم حقيقة، ولكنه ليس تلك الدودة قطعا. وربما يُقال إن النص يحتمل ذلك المعنى على وجه التشبيه والاستعارة، أي أن قوله (علق) أو (علقة) استعارة تصريحية بحسب مصطلحات علم البيان، حيث (العلق) هو المشبَّه به، والجنين في تلك المرحلة هو المشبَّه، ووجه الشبه هو العلوق أو المظهر الدموي الأحمر .. ولكن لماذا لم يقل أحد المفسّرين بهذا على طول تاريخ التفسير مع اختلافهم وتشعب أقوالهم؟ .. الجواب واضح، وهو أنه لا وجه ولا حاجة لذلك، فالتفسير بـ (الدم المتجمد) هو التفسير البديهي المتفق عليه. وإذا نظرنا في هذه المصطلحات التي تصف مراحل نشوء الجنين (نطفة ـ علقة ـ مضغة) رأينا أنها كلها مفردات عامة استعملت لمصداق واحد من مصاديقها، فالنطفة هي الماء القليل ولكن استعملت اللفظة للماء القليل الذي هو المني. والعلقة هي الدم المتجمد ولكن
(يُتْبَعُ)
(/)
استعملت اللفظة هنا للدم المتجمد الذي هو الجنين في مظهره الخارجي. والمضغة هي اللحمة بقدر ما يُمضَغ ولكن استعملت اللفظة هنا للحمة التي هي الجنين قبل تميّز أعضائه. وهذه المصطلحات الثلاثة تشير إلى مواد أو أنواع وحالات من المادة الحية، ولا تشير أي منها إلى كائن حيّ خاصّ. خصوصا أن تعبير (خلق الإنسان من علق) باحتوائه على أداة (مِن) يُفيد أن (العلق) هي المادة التي تَشكَّل منها الجنينُ، فإذا كان المقصود من العلق هو الدودة كان المعنى أن الإنسان خُلِِق من مادة دودة أو أنه كان دودة في مرحلة من مراحل نشوءه جنينا، وهذا المعنى غير لائق ومضحك. بينما إذا كان المقصود من العلق هو الدم الغليظ كان المعنى أن الإنسان خُلِِق من دم غليظ أو أنه كان دما غليظا في مرحلة من مراحل نشوءه جنينا وهو معنى مناسب لا اعوجاج فيه.
وأما عن قولك بأن المفسرين فسروا لفظة (علق) بما تحتمله اللفظة وفق علوم عصورهم؛ فأنا بيّنتُ أن اللفظة ليست لفظة قرآنية خاصة، بل هي مفردة عامة من مفردات اللغة، وهي تعني أية قطعة دم غليظة، والمفسرون كانوا يعرفون اللغة العربية وكانوا يتمتعون بذوق لغوي جيد ففهموا النص كما هو على حقيقته ففسروا (العلق) بالدم الغليظ. وما كان ذنبهم سوى أنهم كانوا يعرفون اللغة جيدا ويتذوّقونها تذوقا حسنا! وأما المفسر العلميّ العصري فليس لديه من الذوق اللغوي الجيد ما يدرك به ركاكة تفسيره المصطنَع.
وعليه يكون معنى العلق: خلق الإنسان من شيء يعلق. وإذا كانت العلقة توجد في الماء ولها شكل محدد وتقوم بالعلوق والامتصاص، فإن أي شيء يماثلها في الشكل والسباحة في الماء والعلوق والامتصاص فهو علق. وأصحاب التفسير العلمي لم يخرجوا عن دائرة الحقيقة اللغوية ولا العرفية، وليس هناك من حقيقة شرعية لمعنى العلق.
أنت تقول بأن (علق) كلمة ذات مدلول عام فتدل على كل شيء يعلق، ثم تقول إنه الدودة المذكورة التي تعلق، ثم تقول إنه يعني أي شيء يماثل هذه الدودة في الشكل والسباحة في الماء والعلوق!
فأي معنى من هذه المعاني الثلاثة هو المقصود في التعبير القرآني؟
أنت تجعل الكلمة ذات مدلول عام لتخصصه بعد ذلك بما يطيب لك، وأما التخصيص الذي يعرفه العرف اللغوي العربي منذ نزول القرآن وقبله فترفضه (أقصد تخصيصه بالدم المتخثر أو الجامد).
أولا يجب عليك أن تثبت أن (عَلَق) في اللغة هو كل شيء يتعلق بالأشياء. وأنا أشكّ في هذا. فعبارة الفيروزآبادي (كل شيء عُلِّق) لو كان بصورة (كل شيء يَعْلَقُ) لكان حجة لك، ولكنه يقول (عُلِّقَ) وهذا يعني الأشياء المعلََّقة وليس الأشياء التي من طبيعتها التعلق والعلوق. وهذه العبارة (كل شيء عُلِّق) هي لابن سيده (في "المحكم والمحيط الأعظم") وينقلها الفيروزآبادي وابن منظور وبعدهم "المعجم الوسيط"، وقد ضُبِطت في هذه المعاجم كلها بـ (عُلِّق) وليس (عَلِقَ). ولكن إذا اكتُشِف أنها مضبوطة في أقدم نُسَخ (المحكم والمحيط الأعظم) بصورة (كل شيء عَلِقَ) لانعكس الأمر. ولكنني أقول إنه لا يمكن أن يُقال ـ في هذا السياق ـ (كل شيء عَلِقَ) بل المناسب أن يقال (كل شيء يَعْلَقُ).
وحتى إذا افترضنا أن (العلق) في اللغة هو أي شيء يعلق، فإنه لا يمكن القول بأن (علق) في الآية هو أي شيء يعلق!! فكما قلنا يقصد القرآن شيئا معينا ولا يريد أن يقول إن الإنسان مخلوق "من أي شيء يعلق" أو "من شيء يعلق"!! لا يُعقَل أن يقصد النص هذا. كما بيّنّا.
ثانيا، يجب عليك أن تثبت أنه يجوز إطلاق كلمة (علق) على كل شيء يشبه الدودة التي تعلق وتمتص الدم. من أين لنا أن نثبت أن هذا الاستعمال كان موجودا في لغة القرآن أو أنه مقصود في النص القرآني؟
الغرض هو أن التخصيص يجب أن يكون موجودا في اللغة ولا تصنعه أنتَ. المفسرون العلميون ينصبون أنفسهم مكان العرف اللغوي فيخصصون دلالة الكلمة من عند أنفسهم، وهذا هو المحذور.
وهذا مثل القول بأن (خمار) هو كل شيء ساتر ثم تخصيصه بساتر موضع معين كما فعل محمد شحرور. بينما العرف اللغوي يخصصه بغطاء الرأس.
وما أدراك أن النص يقصد هذا المعنى العرفي المعين أو ذاك إن لم تستعن بالسياق والذوق اللغوي والشواهد المرتبطة بالنص مثل النصوص المفسِّرة والشروح القديمة للنص؟
وملاحظة أن الجنين في تلك المرحلة يشبه الدم الغليظ ملاحظة عامة يعرفها الناس عموما، ويمكن القول إن كل النساء المجربات (والقابلات خصوصا) يعرفن ذلك. لأن السقط يكون على تلك الهيئة. ولم يخاطب القرآن الناس في تلك الأمور إلا بما يعرفون (كما بيّن الشاطبي في كلامه الذهبي في الموافقات).
ويجب أن نعلم أننا لا نقصد بالعرف أي عرف وفي أي عصر ومجتمع، بل نقصد العرف اللغوي القائم في الذخيرة اللغوية التي تمثلت في لغة القرآن الكريم. فهل كان العرف اللغوي في ذلك الزمان يخصص (علق) بخلايا الجنين التي تتعلق بجدار الرحم أو بالجنين باعتبار أنه يشبه الدودة التي تمتص الدم بشكله أو وجوه الشبه الأخرى؟ من الواضح أن شيئا من ذلك لم يكن موجودا. هذه هي النقطة المقصودة، أن لا نفسر القرآن بوجه لغوي لم يكن في العربية التي عاصرت نزول القرآن.
باختصار، أنا أريد أن أقول: إن المعنى القرآني هو المعنى الذي كان للقرآن حينما كان ينزل، هذا هو القرآن. وعلينا أن نجتهد بكل الوسائل لنعرف ذلك المعنى ونكتشفه. واكتشافه ليس بالأمر الصعب، بل يجب فقط أن نتحرر من أي نزعة خاصة في التفسير ونستمع بإخلاص إلى النص نفسه ونحتكم إلى العربية الأصيلة والذوق اللغوي والسياق والشواهد والأدلة ونستفيد من التراث التفسيري الضخم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عصام المجريسي]ــــــــ[06 Feb 2010, 09:15 ص]ـ
الأخ الكريم جمال،
1. أنا في تصحيح الأحاديث كَلٌّ على أهل الاختصاص الثقات. أما الفهم فشأن آخر.
2. لاحظتُ أن مدار السند في كل ما ذكرت من أسانيد صحت أم لم تصح على إبراهيم التيمي عن أبيه. ولم يشذ عن ذلك سند واحد مما ذكرتَ، ولا أدري إن كان للحديث أسانيد أخرى. وكلها تقريباً تدور على الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه. وستدرك مقصدي من ذلك بعد قليل.
3. إذا خالف الثقة من هم أوثق منه ضعف حديثه، فكيف إذا خالف الثقة أهل الأرض جميعاً من مسلمين وغير مسلمين. ثم نحن لا نقبل في إثبات دَين إلا شهادة عدلين ونقبل في إثبات دِين شهادة عدل واحد (لعله الأعمش، لعله إبراهيم، لعله والد إبراهيم) وهذا الواحد يخالف بدهيات أطبق عليها أهل الأرض؟!!
4. معلوم اليوم لكل أحد أن الشمس لا تغرب عن الأرض اطلاقاً، وليس هناك من فاصل بين طلوعها وغروبها، ففي كل لحظة هي في حالة غروب وشروق. فمتى تذهب إذن لتسجد ثم يؤذن لها فتطلع وهي لا تبرح الطلوع؟! وحتى تتحقق أخي جمال من ذلك يمكنك أنت ومجموعة من زملائك أن تستخدموا الجوّال لتتصلوا بمسلمين في بلاد مختلفة لتأخذوا شهادتهم أن الشمس لا تزال طالعة ولا تغيب عن الأرض اطلاقاً.
5. قد تقول لي إن سجود الشمس تحت العرش هو أمر غيبي لا نحسّه ولا ندرك كنهه، عندها أقول لك: لندع الاستشهاد بالحديث على فهمنا الخاص ولنؤمن به كغيب لا يُدرك كنهه. وإذا أمكن أن نؤوّل الحديث نؤوّله قبل أن نلجأ إلى رده (رد وهم الراوي).
6. الحديث الذي نصه:" سألت رسول الله عن قول الله عز وجل: والشمس تجري لمستقر لها، قال: مستقرها تحت العرش". مفهوم ومنسجم، فالشمس تجري وسوف تستقر ومستقرها تحت العرش. ومعلوم أن الشمس تجري في مدار هائل والمجموعة الشمسية تتبعها في جريانها والله يقول إنها ستستقر.
7. أما الأحاديث الأخرى فيمكن فهمها الفهم الذي يمنع ردّها كالآتي: الشمس تجري حتى تكون تحت العرش فيؤذن لها أن تعود في مدارها الهائل وتبقى تطلع من الشرق (أي عندما تعود في مدارها يبقى واقعها أنها تطلع من الشرق) حتى يأتي اليوم الذي تطلع فيه من الغرب، فيكون ذلك من علامات القيامة. وهذا الفهم أقدمه على فهمك حتى لا نلجأ إلى رد شهادة واحد لا ندري حفظ أم نسي.
وفقك الله شيخنا أبا عمرو فقد أحسنت في توفيقك هذا كل الإحسان .. وأزلت لبساً لا يقدره حق قدره إلا من كان مشغولاً فعلاً بهذه القضايا العلمية .. وكشفت عن سر من أسرار الإعجاز النبوي والقرآني الذي يصف أمراً من أمور الكون لن يستطيع الناس أن يتوصلوا إليه إلا من طريق الوحي الأمين .. ولا تتعارض فيه النصوص ولا تنقضي عجائبه.
بارك الله فيك وفي علمك ووقتك.
ـ[نعيمان]ــــــــ[06 Feb 2010, 10:48 ص]ـ
أعرف أن الموضوع صعب وشائك بالنسبة للمسلم، وأن المسلم يحتار في هذه المواضيع. ولكنني أعتقد أنه يمكن التوفيق بين ما ورد في النصوص عن الطبيعة وبين ما أثبته العلم الحديث عن الطبيعة، من دون أن نستشكل النصوص ومن دون أن نكذّب العلم الحديث. والموضوع يحتاج إلى التفكير السليم وإلى التعاون والتكاتف والتبصر.
وأريد أن تعرف ـ أخي أبا عمرو ـ أنني أومن بحقائق العلم الحديث كلها (الحقائق وليس النظريات) ولستُ من منكري العلم الحديث ومكذبيه، ولكن ذلك لم يجعلني أستشكل النصوص فأرفضها أو أرفض تفسيرها الأصيل، لأنني أعرف كيف أوجّه كل موضوع وجهته. القرآن الكريم يقول إن الأرض مبسوطة، وهذه حقيقة ظاهرة لكل ذي عينين، فما نراه هو الأرض المبسوطة. والعلم الحديث يقول إن كوكب الأرض شبه كروي (بالمناسبة؛ كوكب الأرض ليس كرويا تاما، وليس بيضاويا، وليس إهليلجيا، بل هو شبه كروي: مفلطح عند القطبين بارز عند خط الاستواء، أي: كروي غير تامّ)، وهذا أيضا صحيح. والموضوعان مختلفان، فالقرآن الكريم يتحدث عن بيئة الإنسان، والإنسان هو المقصود في القرآن، وبيئة الإنسان هي أرض مسطحة عموما. وأما العلم الحديث فهو يتحدث عن كوكب الأرض، فهو لا يراعي وجدان الإنسان ويعمل على اكتشاف المادة بصورة منفصلة عن ذهنية الإنسان المرتبطة بالبيئة والمحيط.
والقرآن الكريم إذ يصف الطبيعة، إنما يصف مشاهدها ولا يصف أعماق المادة. القرآن الكريم يصف ما تقع عليه عينُ الإنسان، وذلك لأن هدفه هو إقناع الإنسان. لاحِظ معي قوله تعالى (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، فالقمر في نفسه لا يصير مثل العرجون القديم وإنما مشهده ومنظره يصير كذلك. ولذا فالوصف القرآني وصف تصويري قد يكون ـ أحيانا ـ أشبه بتصوير فوتوغرافي.
أعتقد أن كلامي هذا هو البلسم الشافي لما يثور في وجدان المسلم المعاصر من إشكالات متعلقة بالطبيعة ووصفها في النصوص وفي العلم الحديث.
أرجو أن أكون قد وفقتُ لحلّ هذا الإشكال الذي قد يستعصي على الكثيرين فإما يرفضون حقائق العلم الحديث وإما يستشكلون النصوص فيحاولون رفضها أو رفض تفسيرها الحقيقي.
أحسنت أيّها الموفّق المبارك الأستاذ جمال!
وأحسن فضيلة الأستاذ أبو عمرو البيراوي - تلميذ الأستاذ بسّام جرّار وشبيهه في أسلوبه- وأنا متابع له جدّاً؛ فيما يكتب دائماً بأدب العالم وتواضعه، وعلمه الغزير، ومناقشته الرّاقية، وقدرته على تحرير المسائل بأناة، وصبر على المخالف دون تعصّب لرأي.
وآمل أن يكون مثالاً يحتذى في ذلك كلّه. جزاه الله خيراً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[نعيمان]ــــــــ[06 Feb 2010, 11:08 ص]ـ
أعرف أن الموضوع صعب وشائك بالنسبة للمسلم، وأن المسلم يحتار في هذه المواضيع. ولكنني أعتقد أنه يمكن التوفيق بين ما ورد في النصوص عن الطبيعة وبين ما أثبته العلم الحديث عن الطبيعة، من دون أن نستشكل النصوص ومن دون أن نكذّب العلم الحديث. والموضوع يحتاج إلى التفكير السليم وإلى التعاون والتكاتف والتبصر.
وأريد أن تعرف ـ أخي أبا عمرو ـ أنني أومن بحقائق العلم الحديث كلها (الحقائق وليس النظريات) ولستُ من منكري العلم الحديث ومكذبيه، ولكن ذلك لم يجعلني أستشكل النصوص فأرفضها أو أرفض تفسيرها الأصيل، لأنني أعرف كيف أوجّه كل موضوع وجهته. القرآن الكريم يقول إن الأرض مبسوطة، وهذه حقيقة ظاهرة لكل ذي عينين، فما نراه هو الأرض المبسوطة. والعلم الحديث يقول إن كوكب الأرض شبه كروي (بالمناسبة؛ كوكب الأرض ليس كرويا تاما، وليس بيضاويا، وليس إهليلجيا، بل هو شبه كروي: مفلطح عند القطبين بارز عند خط الاستواء، أي: كروي غير تامّ)، وهذا أيضا صحيح. والموضوعان مختلفان، فالقرآن الكريم يتحدث عن بيئة الإنسان، والإنسان هو المقصود في القرآن، وبيئة الإنسان هي أرض مسطحة عموما. وأما العلم الحديث فهو يتحدث عن كوكب الأرض، فهو لا يراعي وجدان الإنسان ويعمل على اكتشاف المادة بصورة منفصلة عن ذهنية الإنسان المرتبطة بالبيئة والمحيط.
والقرآن الكريم إذ يصف الطبيعة، إنما يصف مشاهدها ولا يصف أعماق المادة. القرآن الكريم يصف ما تقع عليه عينُ الإنسان، وذلك لأن هدفه هو إقناع الإنسان. لاحِظ معي قوله تعالى (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، فالقمر في نفسه لا يصير مثل العرجون القديم وإنما مشهده ومنظره يصير كذلك. ولذا فالوصف القرآني وصف تصويري قد يكون ـ أحيانا ـ أشبه بتصوير فوتوغرافي.
أعتقد أن كلامي هذا هو البلسم الشافي لما يثور في وجدان المسلم المعاصر من إشكالات متعلقة بالطبيعة ووصفها في النصوص وفي العلم الحديث.
أرجو أن أكون قد وفقتُ لحلّ هذا الإشكال الذي قد يستعصي على الكثيرين فإما يرفضون حقائق العلم الحديث وإما يستشكلون النصوص فيحاولون رفضها أو رفض تفسيرها الحقيقي.
أحسنت أيّها الموفّق المبارك الأستاذ جمال!
وأحسن فضيلة الأستاذ أبو عمرو البيراوي - تلميذ الأستاذ بسّام جرّار وشبيهه في أسلوبه- وأنا متابع له جدّاً؛ فيما يكتب دائماً بأدب العالم وتواضعه، وعلمه الغزير، ومناقشته الرّاقية، وقدرته على تحرير المسائل بأناة، وصبر على المخالف دون تعصّب لرأي.
وآمل أن يكون مثالاً يحتذى في ذلك كلّه. جزاه الله خيراً.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[07 Feb 2010, 01:30 م]ـ
الأخ أبا حسان:
لعلك تربأ بنفسك عن هذا اللمز المبطن وأن نعلو بأنفسنا بأخلاق العلم الذي نحمله, فمتى كنت حريصا على رأيي وتعليقي , أم تريدني أكون شرطياً على كل ما يذكر في هذا الملتقى وأن تجد لي في كل شاردة وواردة رأي وإلا فنحن لا نفهم ولا نفقه ولا نستحق تلك الشهادات اللي حصلنا عليها كما قلت في مناسبة أخرى.
أخي الكريم: مشاركاتي وتعليقاتي قاربت الألف والثلاثمائة , فإني لأرجو أن تجد فيها ما يفيدك.
أما هذه المقالة فذكرت لك باسم صاحبها ومصدرها ويمكنك مناقشتها دون النظر بكاتبها فضلاً عن ناقلها.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[07 Feb 2010, 03:16 م]ـ
يبدو أن الأخ أحمد قصد أن يرد على مداخلة أخرى في هذا الملتقى، لأن أبا حسان لم يداخل هنا. جل من لا يسهو.
ـ[أبو حسان]ــــــــ[07 Feb 2010, 05:44 م]ـ
الأخ أبا حسان:
لعلك تربأ بنفسك عن هذا اللمز المبطن وأن نعلو بأنفسنا بأخلاق العلم الذي نحمله, فمتى كنت حريصا على رأيي وتعليقي , أم تريدني أكون شرطياً على كل ما يذكر في هذا الملتقى وأن تجد لي في كل شاردة وواردة رأي وإلا فنحن لا نفهم ولا نفقه ولا نستحق تلك الشهادات اللي حصلنا عليها كما قلت في مناسبة أخرى.
أخي الكريم: مشاركاتي وتعليقاتي قاربت الألف والثلاثمائة , فإني لأرجو أن تجد فيها ما يفيدك.
أما هذه المقالة فذكرت لك باسم صاحبها ومصدرها ويمكنك مناقشتها دون النظر بكاتبها فضلاً عن ناقلها.
راجع موضوعي هذا
الرسائل الجامعية الشرعية في الجامعات السعودية والطرح الهزيل ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=18610)
ولنا عودة للنقاش هنا
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[07 Feb 2010, 10:33 م]ـ
الأخ البيراوي:
بل أنا أرد على مشاركته في هذا الموضوع والتي تحمل رقم 16 حيث جاء فيها:
اتمنى من الدكتور أحمد البريدي أن يُبدي لنا وجهة نظره حول هذا الكلام الذي نقله
فقد جرت العادة أن من ينقل فإنه يعلق ويبدي وجهة نظره على الكلام الذي ينقله إلا إذا كان لا يفقه ما ينقل وأتمنى أن لا يكون الناقل هنا كذلك.
الأخ الدكتور أبو حسان:
ما علاقة الرابط بما قلت.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[07 Feb 2010, 11:11 م]ـ
الأخ الكريم البريدي
عذراً، فقد استعرضت المداخلات فلم أنتبه لوجود المداخلة المذكورة باسم الإخ (ابو حسان)، وكما تلاحظ بلغت المداخلات الثمانين.
ـ[أبو حسان]ــــــــ[08 Feb 2010, 12:26 ص]ـ
الأخ البيراوي:
بل أنا أرد على مشاركته في هذا الموضوع والتي تحمل رقم 16 حيث جاء فيها:
اتمنى من الدكتور أحمد البريدي أن يُبدي لنا وجهة نظره حول هذا الكلام الذي نقله
فقد جرت العادة أن من ينقل فإنه يعلق ويبدي وجهة نظره على الكلام الذي ينقله إلا إذا كان لا يفقه ما ينقل وأتمنى أن لا يكون الناقل هنا كذلك.
الأخ الدكتور أبو حسان:
ما علاقة الرابط بما قلت.
فقط أريد منك تعليقا على هذا الموضوع الذي نقلته لنا هنا
أريد أن أعرف وجهة نظرك فقط، ولا أريدك أن تكون شرطياً على كل ما يذكر في هذا الملتقى
ـ[جمال السبني]ــــــــ[08 Feb 2010, 01:22 ص]ـ
الموج الأسفل (يغشاه موج) هو فوق سطح البحر لأن الآية تقول إنه يغشى البحر، وأما الموج الأعلى (من فوقه موج) فهو أيضا فوق سطح البحر ولكنه يأتي متأخرا وينشأ بعد أن يقرب الموج السابق من الانتهاء فيركب الموج الأول، وهذا يسمى (تراكب الأمواج)
وإذا حدث أن تركبت الأمواج فهذا يعني أن البحر في هيجان وحينئذ لا يرى الشخص ما أمامه، لأن درجة الرؤية تقرب من الصفر
الذي كان حاضرا في ذهني وأردتُّ كتابته هو (تراكم الأمواج) ... وإذا حدث أن تراكمت الأمواج ...
ولكنني كتبتُ (تراكب) لقرب عهدي بكلمة (يركب) في عبارتي (فيركب الموج الأول).
فليصحح. وأرجو المعذرة.
و (تراكم الأمواج) مصطلح يرد لدى بعض المفسرين في تفسير الآية ويرد في الكتابات العلمية الحديثة لوصف هيجان البحر والعواصف البحرية.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[08 Feb 2010, 03:20 ص]ـ
رأيي يا أبا حسان:
أن الحقيقة القرآنية لا يمكن أن تخالف الحقيقة الكونية والسبب أن خالق الكون ومنزل القرآن واحد وهو الله جل وعلا ’ فإذا ما وجد ما ظاهره التعارض أو ظننا ذلك أو اختلفنا فيه فلا يخلو من حالين:
الأول: أن الآية القرآنية لم تفهم الفهم الصحيح ولم يكن تنزيلها صحيحاً وبالتالي فهي لا ينطبق عليها أنها حقيقة قرآنية.
الثاني: أن القضية الكونية ما زالت في طور النظرية فهي لم تصل لحد الحقيقة.
ولذا فما ذكره صاحب المقال وجهة نظر معتبرة حيث بين الهدف القرآني من إيراد هذه الحقائق وعاب على المشتغلين بالإعجاز الهرولة للتدليل على كل نظرية تظهر بإشارة القرآن لها بل وصل الحد التعسف في ذلك وهذا حق.
أما الأمثلة المذكورة فما زالت محل بحث واختلاف من الباحثين من جهة وجودها أو صحة الاستدلال لها , وليس المقام مناقشة آحادها.
ـ[أبو حسان]ــــــــ[08 Feb 2010, 04:49 م]ـ
رأيي يا أبا حسان:
أن الحقيقة القرآنية لا يمكن أن تخالف الحقيقة الكونية والسبب أن خالق الكون ومنزل القرآن واحد وهو الله جل وعلا ’ فإذا ما وجد ما ظاهره التعارض أو ظننا ذلك أو اختلفنا فيه فلا يخلو من حالين:
الأول: أن الآية القرآنية لم تفهم الفهم الصحيح ولم يكن تنزيلها صحيحاً وبالتالي فهي لا ينطبق عليها أنها حقيقة قرآنية.
الثاني: أن القضية الكونية ما زالت في طور النظرية فهي لم تصل لحد الحقيقة.
ولذا فما ذكره صاحب المقال وجهة نظر معتبرة حيث بين الهدف القرآني من إيراد هذه الحقائق وعاب على المشتغلين بالإعجاز الهرولة للتدليل على كل نظرية تظهر بإشارة القرآن لها بل وصل الحد التعسف في ذلك وهذا حق.
أما الأمثلة المذكورة فما زالت محل بحث واختلاف من الباحثين من جهة وجودها أو صحة الاستدلال لها , وليس المقام مناقشة آحادها.
جميل ما ذكرته
لكن لم تُبدِ لنا وجهة نظرك، هل أنت من مؤيدي الإعجاز العلمي أو من الذي لا يرتضونه؟
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[08 Feb 2010, 10:46 م]ـ
بل أنا من مؤيديه ما دام بضوابطه الشرعية , المهم عدم التكلف والتمحل.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[08 Feb 2010, 11:50 م]ـ
وما هي الضوابط أخي أحمد.؟
وما هو الموقف حين يتعارض لك تفسير اهل الإعجاز مع تفاسير السلف لنفس الآية تعارضا لا يمكن معه الجمع؛ وأيهما ترجح.؟
ـ[العليمى المصرى]ــــــــ[09 Feb 2010, 12:58 ص]ـ
بل أنا من مؤيديه ما دام بضوابطه الشرعية , المهم عدم التكلف والتمحل.
أحسنت فيما قلت، أحسن الله اليك
وقد أحسنت من قبل حين قلت:
الحقيقة القرآنية لا يمكن أن تخالف الحقيقة الكونية والسبب أن خالق الكون ومنزل القرآن واحد وهو الله جل وعلا
ونعم القول، بارك الله فيك وأكثر من أمثالك
ـ[أبو حسان]ــــــــ[09 Feb 2010, 01:07 ص]ـ
بل أنا من مؤيديه ما دام بضوابطه الشرعية , المهم عدم التكلف والتمحل.
الذي يبدو من كلام المؤلف صاحب المقال أنه من المعارضين للإعجاز العلمي
فكان الأولى بك أن تعقب على كلامه خصوصا وأنك تخالفه فيما ذهب إليه.
ونقلك المجرد دون تعليق يوحي بموافقتك لكل ما يقوله، فكيف تنقل رأياً أنت غير موافق له.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[09 Feb 2010, 12:19 م]ـ
الأخ إبراهيم:
الضوابط كتب فيها المتخصصون, ودار الحديث عنها في مؤتمرات متعددة منها المتفق عليه ومنها غير ذلك.
أما عند وجود تفسير لأهل الإعجاز مع تفاسير السلف لنفس الآية تعارضا لا يمكن معه الجمع؛ فطبق عليها القاعدت التي ذكرت.
الأخ أبو حسان:
من وجهة نظري أنه ليس الأولى أن أعلق على كلام الكاتب , ولا ينبغي لطالب العلم أن يسعى دائما للتعليق على كل من خالفه ففي الفضاء العلمي متسع لاختلاف وجهات النظر , وقد بينت لك وجهة نظري في المقال على وجه الجملة.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[09 Feb 2010, 01:39 م]ـ
أخي الكريم: أحمد.
لنترك قاعدة: أسلفني على أن أسلفك التي يعمل بها كثير من مناصري الإعجاز في هذا الملتقى.
ولنبحث الأدلة حتى تفيدنا ..
نحن لا نريد كلاما عاما.
الضوابط التي ذكرت لو تفضلت ولخصتها لنا في نقاط ولك الأجر في ذلك.
أما سؤالي عن الترجيح بين تفسير آية فسرها أهل الإعجاز بتفسير لا يستند إلى لغة ولا إلى قرآن ولا إلى حديث، بل هو مستند إلى ما قال لهم النصارى إنه حقيقة علمية، وهم اجتروا ما قالوا لهم، بدون تثبت وليست عندهم آلية للتثبت، لأنهم لا يملكون مختبرات ولا سفنا فضائية للتأكد من تلك المعطيات.
وبين تفسير السلف لها؛ فأيهما ترجح؟
أرجو أن يكون الجواب واضحا.
وإذا كان تفسير أهل الإعجاز خارجا عن تفاسير السلف في مختلف العصور لتلك الآية فبرأيك أيكون الصواب مع هؤلاء الذين لا يعرفون - في الغالب - من العلوم الشرعية إلا قشورا مشوبة بما شيبت به، أم يكون مع علماء السلف المتخصصين في مختلف العلوم الشرعية؟
آمل كذلك أن تجيبنا بصراحة؛ وبالأدلة؛ لأن هدفنا هو الفائدة لا غير.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[09 Feb 2010, 03:21 م]ـ
أما عن الضوابط في مدرسة التفسير العلمي ..
فليس لدى هؤلاء المفسرين العلميين ضابطة، إلا موافقة دلالة الآية للفكرة العلمية. ثم إنهم يستخدمون أي شيء إذا كان لصالح تفسيرهم. فيستعينون باللغة والاشتقاق، وحتى بأقوال السلف في التفسير ـ إذا كانت في صالح تفسيرهم.
فتجد ـ مثلا ـ زغلول النجار، في تفسيره لقوله تعالى (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا .. )، يستعين بقول طائفة من أهل اللغة إذ قالوا بأن مفردة (عنكبوت) تؤنث وتذكر، أو تؤنث وقد تذكر .. ويظن أن هذا يساعده في زعمه بأن تأنيث تاء الفعل (اتخذت) هو من أجل أن الآية تقصد الأنثى من العنكبوت .. !! باعتبار أن الكلمة مذكرة ولكنها أنثت من أجل إرادة الأنثى!!
وهكذا إذا كان الدليل اللغوي أو الأثري في صالحهم يذكرونه مقرونا بتوجيههم الخاص، وإذا فلا يذكرونه أبدا.
وحتى الزنداني في تفسيره لمفردة (علق)، يذكر التفسير الأصلي (الدم المتجمد)، ولكنه يتغافل عن المعنى الأصلي لهذا التفسير (المعنى الأصلي هو الدم حين يتجلط ويتخثر)، ويقول إن هذا يشير إلى أن الدم الذي يغذي الجنين في تلك المرحلة هو دم ساكن .. أي يفهم من صفة (متجمد) أنها تعني الراكد الساكن!!
مشكلة هؤلاء أنهم لديهم الفكرة قبل أن يستعرضوا النص. التفسير عندهم ليس محاولة لهم ما يقوله النص، بل هو تقويل النص ما لديهم من فكرة. لا يريدون أن يَفهموا النص، بل يُفهِمون النص ما لديهم. لا يفسّرون النص، بل يجعلونه مجرد قالب للفكرة العلمية.
ومشكلتنا معهم ليست هي نزعتهم العلمية، ليست المشكلة هي أنهم يؤمنون بحائق العلم الحديث، بل هي أنهم يظلمون النصوص ويشوّهونها ويحرفونها تحريفا معنويا، ويقتلعونها من سياقاتها، ويتلاعبون بالتفسير اللغوي ..
مشكلتنا معهم مشكلة علمية أساسا. تفسيرهم ليس علميا أبدا، ليس فيه الشروط العلمية. و مصطلح (التفسير العلمي) لا يشير سوى إلى أن هذا التفسير تُستخدَم فيه فكرة علمية. وهو في الحقيقة فرض لأفكار علمية على القرآن، وهي أجنبية عنه.
وسيكون لي عودة إلى الموضوع.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[09 Feb 2010, 03:22 م]ـ
الأخ الكريم إبراهيم،
1. أنت تعارض القول بالإعجاز العلمي، ولا تقتصر معارضتك على التفسير الذي يتعارض مع ما ثبت عن السلف.
2. ثم أنت تعارض بدهيات العلم وتطلب منا أن ننزل عند فهمك للنصوص. ويبدو أن الأخ أبو حسان قصد في مقاله المدرسة التي تنتمي إليها أنت.
3. حديث الأخوة في هذا الملتقى عن الضوابط وعن حجية أقوال السلف لا علاقة له بموقفك من الإعجاز العلمي والاكتشافات العلمية المعاصرة.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[09 Feb 2010, 09:06 م]ـ
أخي: البيراوي.
لقد تعبنا في حوارات سابقة في الكلام العام، وشخصنة الحوار، وأنا قلت، وأنت قلت، وهو موقفه من الإعجاز، وأنتم تعارضون .. وهلم جرا.
الذي أريده هو الجواب الواضح عن الأسئلة التي سردتها؛ والتركيز على الأدلة، أما أنا وأنت وهو فلنتركها لوقت آخر؛ فلا فائدة فيها.
وأعيد الأسئلة وأزيدها لعل الزيادة تستدعي الإجابة عن بعضها على الأقل:
1 - ما هي ضوابط التفسير العلمي (أرجو أن تكون في نقاط ملخصة موضحة طلبا لا أمرا حتى يستفيد الجميع)
2 - إذا تعارضت أقوال السلف في آية معينة مع أقوال النصارى التي اجترها أصحاب الإعجاز (وهذا وصف للواقع تستدعيه الدقة العلمية) فما هو موقفكم حينذاك؟
3 - لماذا لم يستفد أصحاب الإعجاز من عقولهم التي يقدسونها فيكتشفوا لنا حقيقة علمية من القرآن الكريم؛ لم يكتشفها الآخرون من النصارى ونحوهم؟
4 - لماذا يظلون منتظرين حتى يقول النصارى إنه ثبت علميا أن الجنين يمر بمراحل كذا، وأن الرياح تلقح السحاب، وأن الأرض تنقص من الأطراف، وأن الجماع في فترة الحيض خطير صحيا؛ ثم يهللون ويقولون هذا تدل عليه الآية كذا؛ ثم يتكلفون في لي أعناق النصوص حتى توافق تلك "الحقيقة العلمية" وقد تكون لعبة علمية.
ملاحظة: من تفضل بالإجابة على هذه الأسئلة دون مراوغة فإنه يكون قد أفاد كثيرا من الإخوة المتحيرين في مسألة الإعجاز، وأنا من أولهم.
نفع الله بنا وبكم وفتح علينا وعليكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[09 Feb 2010, 09:10 م]ـ
أما عن الضوابط في مدرسة التفسير العلمي ..
فليس لدى هؤلاء المفسرين العلميين ضابطة، إلا موافقة دلالة الآية للفكرة العلمية. ثم إنهم يستخدمون أي شيء إذا كان لصالح تفسيرهم. فيستعينون باللغة والاشتقاق، وحتى بأقوال السلف في التفسير ـ إذا كانت في صالح تفسيرهم.
فتجد ـ مثلا ـ زغلول النجار، في تفسيره لقوله تعالى (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا .. )، يستعين بقول طائفة من أهل اللغة إذ قالوا بأن مفردة (عنكبوت) تؤنث وتذكر، أو تؤنث وقد تذكر .. ويظن أن هذا يساعده في زعمه بأن تأنيث تاء الفعل (اتخذت) هو من أجل أن الآية تقصد الأنثى من العنكبوت .. !! باعتبار أن الكلمة مذكرة ولكنها أنثت من أجل إرادة الأنثى!!
وهكذا إذا كان الدليل اللغوي أو الأثري في صالحهم يذكرونه مقرونا بتوجيههم الخاص، وإذا فلا يذكرونه أبدا.
وحتى الزنداني في تفسيره لمفردة (علق)، يذكر التفسير الأصلي (الدم المتجمد)، ولكنه يتغافل عن المعنى الأصلي لهذا التفسير (المعنى الأصلي هو الدم حين يتجلط ويتخثر)، ويقول إن هذا يشير إلى أن الدم الذي يغذي الجنين في تلك المرحلة هو دم ساكن .. أي يفهم من صفة (متجمد) أنها تعني الراكد الساكن!!
مشكلة هؤلاء أنهم لديهم الفكرة قبل أن يستعرضوا النص. التفسير عندهم ليس محاولة لهم ما يقوله النص، بل هو تقويل النص ما لديهم من فكرة. لا يريدون أن يَفهموا النص، بل يُفهِمون النص ما لديهم. لا يفسّرون النص، بل يجعلونه مجرد قالب للفكرة العلمية.
ومشكلتنا معهم ليست هي نزعتهم العلمية، ليست المشكلة هي أنهم يؤمنون بحائق العلم الحديث، بل هي أنهم يظلمون النصوص ويشوّهونها ويحرفونها تحريفا معنويا، ويقتلعونها من سياقاتها، ويتلاعبون بالتفسير اللغوي ..
مشكلتنا معهم مشكلة علمية أساسا. تفسيرهم ليس علميا أبدا، ليس فيه الشروط العلمية. و مصطلح (التفسير العلمي) لا يشير سوى إلى أن هذا التفسير تُستخدَم فيه فكرة علمية. وهو في الحقيقة فرض لأفكار علمية على القرآن، وهي أجنبية عنه.
وسيكون لي عودة إلى الموضوع.
يا له من إبداع منقطع النظير ..
ويا لها من علمية في الطرح غابت عن كثير من المشاركات ..
أخي الكريم بارك الله فيك ونفع بما كتبت.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[11 Feb 2010, 11:52 ص]ـ
الأخوة الكرام:
ينبغي أن نفرق بين وجودالإعجاز العلمي في القرآن والذي هو حق لا مرية فيه , وبين التفسير العلمي , وصنيع مناصريه وطريقتهم في إثبات هذاالإعجاز, وأن ننظر إلى المسائل فرادى فنثبت الصواب وننفي عن كتاب الله الخطأ.
وهذا الموضوع قد دار حوله نقاشات في هذا الملتقى لعل من المناسب الرجوع إليها في فهرس ملتقى الانتصار للقرآن.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[11 Feb 2010, 12:23 م]ـ
أما عن الضوابط في مدرسة التفسير العلمي ..
فليس لدى هؤلاء المفسرين العلميين ضابطة، إلا موافقة دلالة الآية للفكرة العلمية. ثم إنهم يستخدمون أي شيء إذا كان لصالح تفسيرهم. فيستعينون باللغة والاشتقاق، وحتى بأقوال السلف في التفسير ـ إذا كانت في صالح تفسيرهم.
فتجد ـ مثلا ـ زغلول النجار، في تفسيره لقوله تعالى (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا .. )، يستعين بقول طائفة من أهل اللغة إذ قالوا بأن مفردة (عنكبوت) تؤنث وتذكر، أو تؤنث وقد تذكر .. ويظن أن هذا يساعده في زعمه بأن تأنيث تاء الفعل (اتخذت) هو من أجل أن الآية تقصد الأنثى من العنكبوت .. !! باعتبار أن الكلمة مذكرة ولكنها أنثت من أجل إرادة الأنثى!!
وهكذا إذا كان الدليل اللغوي أو الأثري في صالحهم يذكرونه مقرونا بتوجيههم الخاص، وإذا فلا يذكرونه أبدا.
وحتى الزنداني في تفسيره لمفردة (علق)، يذكر التفسير الأصلي (الدم المتجمد)، ولكنه يتغافل عن المعنى الأصلي لهذا التفسير (المعنى الأصلي هو الدم حين يتجلط ويتخثر)، ويقول إن هذا يشير إلى أن الدم الذي يغذي الجنين في تلك المرحلة هو دم ساكن .. أي يفهم من صفة (متجمد) أنها تعني الراكد الساكن!!
مشكلة هؤلاء أنهم لديهم الفكرة قبل أن يستعرضوا النص. التفسير عندهم ليس محاولة لهم ما يقوله النص، بل هو تقويل النص ما لديهم من فكرة. لا يريدون أن يَفهموا النص، بل يُفهِمون النص ما لديهم. لا يفسّرون النص، بل يجعلونه مجرد قالب للفكرة العلمية.
ومشكلتنا معهم ليست هي نزعتهم العلمية، ليست المشكلة هي أنهم يؤمنون بحائق العلم الحديث، بل هي أنهم يظلمون النصوص ويشوّهونها ويحرفونها تحريفا معنويا، ويقتلعونها من سياقاتها، ويتلاعبون بالتفسير اللغوي ..
مشكلتنا معهم مشكلة علمية أساسا. تفسيرهم ليس علميا أبدا، ليس فيه الشروط العلمية. و مصطلح (التفسير العلمي) لا يشير سوى إلى أن هذا التفسير تُستخدَم فيه فكرة علمية. وهو في الحقيقة فرض لأفكار علمية على القرآن، وهي أجنبية عنه.
وسيكون لي عودة إلى الموضوع.
كل ما ذكرت يا جمال دعوى يعوزها الدليل
فأنت نفيت أن لدى الباحثين في الإعجاز ضوابط وهذه فرية مجافية للحقيقة حيث إن ضوابط البحث في الإعجاز العلمي متقرره من علماء أفاضل مشهود لهم بالعلم والفضل ولو بحثت عنها لوجدتها.
ثم إنك اتهمت الباحثين في الإعجاز العلمي بسوء النية والقصد حيث قلتَ: ثم إنهم يستخدمون أي شيء إذا كان لصالح تفسيرهم. فيستعينون باللغة والاشتقاق، وحتى بأقوال السلف في التفسير ـ إذا كانت في صالح تفسيرهم.
وهذا أمر لا يليق بمسلم يبحث في كتاب الله وقصده الدعوة إلى دين الله، فمن أين لك هذا الحكم؟ هل اطلعت على سرائر القوم ونياتهم؟.
ثم اتهمتهم بالجهل حيث قلت إنهم يبحثون عن ما يسند الفكرة قبل النظر في النص وأقول من أين لك هذا؟(/)
العقيدة الإسلامية بين جمال القرآن وتقسيمات علم الكلام - الفريد الأنصاري
ـ[خلوصي]ــــــــ[22 Nov 2009, 12:09 م]ـ
______
العقيدة الإسلامية بين جمال القرآن وتقسيمات علم الكلام
العدد: 5 (أكتوبر - ديسمبر) 2006
أ. د. فريد الأنصاري / دراسات إسلامية
تمت قراءة هذه المقالة 2195 مرة
كلمة البدء في الإسلام هي "لا إله إلا الله"، وهي كلمةُ سِرٍّ، سر في غاية اللطافة والبهاء. نعم، كل المسلمين يقولونها، ولكن القليل منهم هم الذين يتذوقونها حقا؛ ذلك أن انصرافهم إلى التصورات الكلامية في مجال العقيدة قد صرفهم عن فضاءاتها الجميلة ومواجيدها الجليلة.
الإسلام عقيدة تربوية في الأساس
إن عقيدة الإسلام لم تكن في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية إلا لمسة تربوية ذات أثر روحي عميق على الوجدان والسلوك. وقد كان المسلمون عندما يتلقونها بعباراتها القرآنية الجليلة، يتفاعلون معها تفاعلا عجيبا؛ إذ يتحولون بسرعة وبعمق كبير من بشر عاديين، مرتبطين بعلائق التراب، إلى خلائق سماوية تنافس الملائكة في السماء، وما هم إلا بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. ولذلك حقق الله بهم المعجزات في الحضارة والتاريخ. إن الكيمياء الوحيدة التي كانوا يتفاعلون بها هي "لا إله إلا الله"، لكن ليس كما صورها علم الكلام بشتى مدارسه ومذاهبه، وإنما كما عرضها القرآن آيات بينات ومحكمات.
إن التقسيمات الكلامية للعقيدة الإسلامية التي أملتها ضرورة حجاجية حينا، وضرورة تعليمية حينا آخر، ليست ذات جدوى في عالم التربية الإيمانية؛ لخلوها من روحها الرباني وسرها التعبدي، الذي لا تجده إلا في كلمات القرآن وأحرفه: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول "الم" حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" (رواه الترمذي). ثم إن التعبير عن حقيقة الذات الإلهية لا يكون على كمال صدقه، جلالا وجمالا، إلا إذا كان بما عبر الله به عن ذاته سبحانه وصفاته. وما كان للنسبي المحدود أن يحيط وصفا وعلما بالمطلق غير المحدود. ومن هنا كان التوقيف في مجال التعبير العقدي في الإسلام.
تفعيل العقيدة
كثير من الناس يتكلم في العقيدة اليوم ولكن قليلا منهم يتفاعل معها؛ لأن العلم الجدلي ما كان له أن يؤتي ثمارا قلبية، وهو قد أنتج أساسا لإشباع رغبات العقل المماري، لا لإشباع حاجات القلب الساري. وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يخاطب بالعقيدة الإيمانية العقول، خطابا ينفذ من خلالها إلى القلوب، حيث تستقر بذرة، تنبت جنات وأشجارا.
إن السر الذي تتضمنه عقيدة "لا إله إلا الله" والذي به غيرت مجرى التاريخ مرات ومرات والذي به صنعت الشخصيات التاريخية العظيمة في الإسلام، إنما يكمن في "جمالها". الجمال، ذلك الشيء الذي لا يدرك إلا بحاسة القلب. إنه إحساسُ: "كم هو جميل أن يكون المرء مسلما! ". ودون هذا الإدراك اللطيف للدين، إدراكات أخرى من أشكال التدين، لا تغني من الحق شيئا. لقد ضاع صفاء الدين وجماله السماوي في غبار التأويلات ورسوم التقسيمات.
وقد ذم قوم "الكلامَ"، لكنهم لم يدركوا أنهم في خضم الصراع المذهبي ردوا وقسموا "فتكلموا"، وسقط عنهم بذلك بهاء الدين وجماله وهم لا يشعرون. أو -على الأقل- لم يترك ذلك في الأتباع لمسات الجمال، وأذواق الصفاء في السلوك الذي يصنفون به على أنهم "مسلمون". فكانت التصورات في واد، والتصرفات في واد آخر. وذلك لعمري هو الخسران المبين.
إن القرآن الكريم والسنة النبوية يقولان لنا حقيقة جليلة عظيمة، لم يستطع أن يوصلها إلينا علم الكلام: هي أن عقيدتنا جميلة.
عقيدة جمالية
ولكم هو مؤسف حقا أن يضيع هذا المعنى من تدين كثير من المسلمين اليوم، فلا يرون في الدين إلا خشونة وحزونة. هذا التخشب في الأقوال والفعال، الذي سيطر على تدين كثير من الناس اليوم؛ إنما كان لأسباب سياسية واجتماعية مختلفة، ليس هذا مجال بيانها. ولا يجوز أبدا أن تكون مسوغا للانحراف عن بهاء الدين وجماله. وإنما أنزله الله ليكون جميلا، تتذوقه القلوب، وتتعلق به الأنفس؛ فلا تستطيع منه فكاكا، فتُسْلِمُ -بجذبه الخفي وإغرائه البهي- لله رب العالمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
"لا إله إلا الله" -إذ يقولها العبد مستشعرا دلالتها اللطيفة– كلمة "قلبية" مدارها على وصف حال، والاعتراف بذوق صفات الكمال والجلال. إنها تعبير عن الخضوع الوجداني التام لله. نعم، قلت "الوجداني" لأنها -ببساطة- كذلك وردت في سياقها القرآني الأصيل.
ولو تأملت هذه العبارة العظيمة في اللغة، لوجدتها تقوم على لفظتين أساسيتين، هما مدار الإسلام كله: "الله" و "الإله".
فأما كلمة: "الله" فهو لفظ الجلال، الاسم العَلَم على الذات الإلهية، الاسم الجامع لكل الأسماء الحسنى والصفات الإلهية العُلَى. ولفظ "الله" فرد في اللغة، فلا يجمع ولا يتعدد.
وأما كلمة "الإله" فهو لفظُ وصفٍ، يدل على معنى شعوري قلبي؛ ولذلك فهو يتعدد، إذ يجمع على "آلهة". وأما باقي العبارات في "لا إله إلا الله" فهي "لا" النافية، و"إلا" الحاصرة، تقومان بدور البناء والتركيب اللغوي؛ للنفي والإثبات، الذي يربط نوع العلاقة في قلب المؤمن بين الوصف "إله" والاسم "الله". وحقيقة تلك العلاقة هي ما يهمنا في هذا البحث. إنها علاقة تملأ الوجدان بما يفيض به قلب العبد المعبّر بها حقا وصدقا من الاعتقاد والشعور تجاه مولاه جلّ علاه.
ذلك أن كلمة "إله" في أصل الاستعمال اللغوي كلمة قلبية وجدانية، كما ذكرنا. أعني أنها لفظ من الألفاظ الدالة على أحوال القلب كالحب والبغض والفرح والحزن والأسى والشوق والرغبة والرهبة ... إلخ. أصلها قول العرب: "ألِهَ الفَصيلُ - يَألَهُ - ألَهاً" إذا ناح شوقا إلى أمه. والفصيل ابن الناقة إذا فطم، وفصل عن الرضاع، يحبس في الخيمة وتترك أمه في المرعى، حتى إذا طال به الحال ذكر أمه وأخذه الشوق والحنين إليها -وهو آنئذ حديث عهد بالفطام- فناح وأرغى رغاء أشبه ما يكون بالبكاء، فيقولون: "ألِهَ الفصيلُ" فأمه إذن ههنا هي "إلهه" بالمعنى اللغوي، أي ما يَشُوقُه. ومنه قول الشاعر: "ألِهْتُ إليها والرَّكائِبُ وُقّفٌ"
جاء في اللسان: اسم "الله": تفرد سبحانه بهذا الاسم، لا يشركه فيه غيره، فإذا قيل: "الإله" انطلق على الله سبحانه وعلى ما يعبد من الأصنام. وإذا قلت "الله" لم ينطلق إلا عليه سبحانه وتعالى. وقيل في اسم الباري سبحانه: إنه مأخوذ من ألِهَ - يَأْلَهُ: إذا تحيَّرَ، لأن العقول تَأْلَهُ في عظمته. وأَلِهَ يَألَهُ ألَهاً: أي تحيَّرَ، وأصله وَلِهَ يَوْله وَلَهاً. وقد أَلِهْتُ على فلان: أي اشتد جزعي عليه مثل وَلِهْتُ. وقيل: هو مأخوذ مِن ألِهَ يَألَهُ إلى كذا، أي: لجأ إليه؛ لأنه سبحانه الْمَفْزَعُ الذي يُلْجَأُ إليه في كل أمر" (1). إذ "الإله" في هذا السياق اللغوي هو: ما يَشُوقُ القلب، ويأخذ بمجامع الوجدان، إلى درجة الانقياد له والخضوع. قال عز وجل: ?أفَرَأيْتَ مَن اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ? (الجاثية:22).
والراجح فعلا أن "ألِهَ" هو من "وَلِه" ومنه اشتق الاسم العلم "الله"؛ لأن مدار كلا المادتين على معاني القلب، فأبدلت من الواو همزة. قال الراغب الأصفهاني: "ألَه فلانٌ - يأله: عَبَدَ. وقيل: أصله وِلاه، فأبدل من الواو همزة، وتسميته بذلك لكون كل مخلوق والِهاً نحوه، إما بالتسخير فقط كالجمادات وال*****ات، وإما بالتسخير والإرادة كبعض الناس، ومن هذا الوجه قال بعض الحكماء: الله محبوب الأشياء كلها" (2).
و"الوَلَهُ": هو الجنون الحاصل بسبب الحب الشديد، أو الحزن الشديد، يقال: امرأة وَلُوهٌ: إذا أحبت حتى جنت، أو إذا ثكلت؛ فحزنت حتى جنت. قال ابن منظور: "الْوَلَهُ: الحزن. وقيل هو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، أو الحزن أو الخوف. والوله: ذهاب العقل لفقدان الحبيب وناقة مِيلاهٌ: هي التي فقدت ولدها فهي تَلِهُ إليه. يقال: وَلَهَتْ إليه تَلِهُ أي تحنّ إليه وناقة وَالِهٌ: إذا اشتد وجدها على ولدها" (3).
عقيدة حب ووجدان
(يُتْبَعُ)
(/)
وهكذا فأنت ترى أن مدار المادتين "أله" و"وله" هو على معان قلبية، ترجع في مجملها إلى التعلق الوجداني والامتلاء بالحب، فيكون قول المؤمن "لا إله إلا الله" تعبيرا عما يجده في قلبه من تعلق بربه تعالى، أي لا محبوب إلا الله، ولا مرهوب إلا الله، ولا يملأ عليه عمارة قلبه إلا قصد الله. إنه أشبه ما يكون بذلك الفصيل الصغير الذي ناح شوقا إلى أمه، إذْ أحس بألم الفراق ووحشة البعد. إن المسلم إذ "يشهد" ألا إله إلا الله، يقر شاهدا على قلبه أنه لا يتعلق إلا بالله رغبةً ورهبةً وشوقاً ومحبةً. وتلك لعمري "شهادة" عظيمة وخطيرة، لأنها إقرار واعتراف بشعور، لا يدري أحد مصداق ما فيه من الصدق إلا الله، ثم الشاهد نفسه، ومعاني القلب لا تحد بعبارات ولا تحصرها إشارات. ومن هنا كانت شهادة "ألا إله إلا الله" من اللطافة بمكان، بحيث لا تدرك على تمام حقيقتها إلا ذوقا.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن محبة العبد لربه فوق كل محبة تقدر، ولا نسبة لسائر المحابّ إليها، وهي حقيقة لا إله إلا الله! " (4) إلى أن يقول في نص نفيس تشد إليه الرحال: "فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطلت منازل السير إلى الله. فإنها روح كل مقام ومنزلة وعمل. فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه. ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها، بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام. فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله. فمن لا محبة له لا إسلام له البتة، بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله. فإن "الإله" هو الذي يألهه العباد حبا وذلا، وخوفا ورجاء، وتعظيما وطاعة له، بمعنى "مألوه": وهو الذي تألهه القلوب. أي تحبه وتذل له فالمحبة حقيقة العبودية" (5).
معنى الإسلام
ذلك أن معنى "الإسلام" هو الخضوع لله رب العالمين، والاستسلام لأمره تعالى. إنه الاعتراف الوجداني، أي التعبير العملي عن الشعور الحقيقي الذي يلامس القلب، عندما يدرك العبد و"يجد" أنه "عبد" لسيد هذا العالم العظي.! وحقيقة كون المسلم عبدا هي الحقيقة التي تغيب عن أكثر المسلمين، فيحدث بسبب ذلك الانحراف بشتى ألوانه وأشكاله.
إن "العبد" مسلوب الإرادة. ليس بالمعنى الكلامي ولكن بالمعنى الوجداني، أعني أن تجد الشعور بأنك أيها المسلم مِلْكٌ لله الواحد القهار، تدور في فلك العبودية والخدمة كما تدور الكواكب في الأفلاك. ?لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ? (الزمر:60). وتلك هي مدارات اللفظ (عبد) في اللغة. إنها لا تخرج عن معاني الذلة والخضوع والخنوع والانقياد، كما تنقاد الأنعام المذللة لمالكيها رغبةً ورهبةً، انقياداً لا تشنّج فيه ولا تَفَلُّت.
والعبد لا يكون إلا في باب الخدمة بين يدي مولاه، واقفا على العتبة ينتظر الأمر والنهي بشوق المحب، ليبادر إلى التنفيذ دون سؤال: علامَ ولِمَهْ؟ ?لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ? (الأنبياء:23). إنه الرب المحبوب الأعظم، المرغوب المرهوب، رب الكون والخلق أجمعين. يُمكنك أن تُعَرِّفَ عقيدة الإسلام في نهاية المطاف، فتقول إنها ميثاق المحبة بين الله وعباده،! أو هي دستور السلام.
وحينما نقول "المحبة" فهي بمفهومها القرآني الجامع المانع، لا ما ذهبت إليه طوائف من الغلاة من هذا الاتجاه أو ذاك، ممن قالوا بها فأبطلوا كل منازل الإيمان من خوف ورجاء. فانتهى بهم الأمر إلى دعاوى عريضة يتشدقون بها، ما أنزل الله بها من سلطان. كلا، بل لا تقوم المحبة بقلب العبد الصادق إلا على جناحي الخوف والرجاء، وما تفرع عن ذلك من معاني الرَّغَبِ والرَّهَبِ. والقرآن العظيم والسنة النبوية واضحان في هذا غاية الوضوح. ولا يزيغ عنهما إلا جاهل أو صاحب هوى. والمحب الحقيقي الصادق يخاف من الحرمان، ويخشى من العقوبة؛ بقدر ما يرجو ويشتاق. فإذا جرد المحبة عن الخوف والرجاء كان من الكاذبين.! كيف ورب العالمين يقول عن صفوة من أنبيائه ورسله: ?إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ? (الأنبياء:90). كيف وهذا محمد رسول الله صلى الله عله وسلم سيد الأولين والآخرين يعلنها في الأمة: "أمَا والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. [وفيه قال:] فمن رغب عن سنتي فليس مني" (متفق عليه). ألا وإن أي انحراف عن هذه السبيل لا يكون إلا جهلا بالدين أو زيغا من الضلال المبين.
فعلى هذا الوِزَانِ إذن نقول إن عقيدة الإسلام قائمة على المحبة، بل إنها ميثاق المحبة. وبذلك المعنى كانت تفيض بأنوار الجمال ومباهج الجلال. فليس عبثا أن يقول النبي صلى الله عله وسلم: "إن الله تعالى قد حرم على النار من قال "لا إله إلا الله" يبتغي بذلك وجه الله" (متفق عليه). أكلمة واحدة تتلفظ بها فتدخل الجنة؟ نعم، ولكنْ، إنها ليست بكلمة ولا كلمات، إنها توجه قلبي وميل وجداني، إنها مسألة "حب". وإن من أحب الله أحبه الله. إنها حقيقة جميلة وعظيمة. وإن عدم إدراكها ذوقا ووجدانا قد كان سببا في تضييع معاني الدين، وانحراف كثير من الناس عن منهاجه المستقيم.____________________
الهوامش
(1) لسان العرب: مادة "أله".
(2) المفردات في غريب القرآن: مادة "أله".
(3) لسان العرب: مادة "وله".
(4) مدارج السالكين لابن القيم، 3/ 18.
(5) مدارج السالكين: 3/ 26.
--------------------------------
(*) جامعة مولاي إسمعيل، ورئيس المجلس العلمي بـ"مكناس" / المغرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلوصي]ــــــــ[05 Mar 2010, 11:25 ص]ـ
[ B]______
ومن هنا كانت شهادة "ألا إله إلا الله" من اللطافة بمكان، بحيث لا تدرك على تمام حقيقتها إلا ذوقا.
قال ابن القيم رحمه الله:
"إن محبة العبد لربه فوق كل محبة تقدر، ولا نسبة لسائر المحابّ إليها، وهي حقيقة لا إله إلا الله! " (4)
إلى أن يقول في نص نفيس تشد إليه الرحال:
" فلو بطلت مسألة المحبة لبطلت جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطلت منازل السير إلى الله.
فإنها روح كل مقام ومنزلة وعمل. فإذا خلا منها فهو ميت لا روح فيه.
ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها، بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام.
فإنه الاستسلام بالذل والحب والطاعة لله. فمن لا محبة له لا إسلام له البتة، بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله. فإن "الإله" هو الذي يألهه العباد حبا وذلا، وخوفا ورجاء، وتعظيما وطاعة له، بمعنى "مألوه": وهو الذي تألهه القلوب. أي تحبه وتذل له فالمحبة حقيقة العبودية" (5) .. [/ color][/B.
ومن هنا كانت شهادة "ألا إله إلا الله" من اللطافة بمكان، بحيث لا تدرك على تمام حقيقتها إلا ذوقا.
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[15 May 2010, 10:33 م]ـ
الأخ خلوصي
شكر الله لكم حُسن اختياركم هذا المقال الرائع
وأجزل لكم ولكاتبه المثوبة ولكل منتفع به
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[15 May 2010, 11:38 م]ـ
رحم الله الدكتور فريد الأنصاري ورفع درجته في الصالحين وجعل كتابه في عليين
الكلمات الصادقة التي تخرج من القلب لابد أن تلامس القلوب الحية وتحرك المشاعر
ولقد حركت كلمات الدكتور مشاعري وهزت كياني ولذلك أرجو الله أن أكون من أصحاب القلوب الحية
شكر الله لك خلوصي وجعل عملك خالصا لوجهه الكريم
ـ[خلوصي]ــــــــ[16 May 2010, 01:07 م]ـ
الأخ خلوصي
شكر الله لكم حُسن اختياركم هذا المقال الرائع
وأجزل لكم ولكاتبه المثوبة ولكل منتفع به
و لكم الشكر الجزيل سيدي الفاضل ... و موعدنا في الكرامات باقٍ بإذن الله فحواركم ماتع غير رائع .. لأن الروعة الإخافة http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif .. و لكن ادع لي أستاذي!
رحم الله الدكتور فريد الأنصاري ورفع درجته في الصالحين وجعل كتابه في عليين
الكلمات الصادقة التي تخرج من القلب لابد أن تلامس القلوب الحية وتحرك المشاعر
ولقد حركت كلمات الدكتور مشاعري وهزت كياني
ولذلك أرجو الله أن أكون من أصحاب القلوب الحية
شكر الله لك خلوصي وجعل عملك خالصا لوجهه الكريم
آمين آمين آمين
و بارك الله فيك استاذي الكريم(/)
الأزهر يمنع إصداره الأخير من مجلة الأزهر إرضاءً للمسيحيين!!
ـ[مرهف]ــــــــ[18 Dec 2009, 02:45 ص]ـ
المختصر / استجابت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، للضغوط الكنسية وأصدرت بيانا مفاجئا يقضي بمصادرة العدد الأخير الصادر لشهر ذي الحجة من مجلة الأزهر وسحبه من الاسواق بعد تضمنه على ملحق "تقرير علمي" للمفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة، بعدما أبدى الأخوة المسيحيون استياءهم مما ورد في الكتاب، بدعوى أنه يصف الكتاب المقدس بأنه محرف، وأن المسيحية تنطوي على ما وصفه الإسلام بالشرك بالله.
ونص البيان الذي صدر أمس وحصلت شبكة الإعلام العربية "محيط"،على نسخة منه، على: "قررت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف سحب نسخ مجلة الأزهر الشريف عن شهر ذي الحجة 1430 هـ والملحق الخاص بها بعنوان "تقرير علمي" للدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية لما فهمه بعض الأخوة المسيحيين بأن ما جاء بملحق المجلة هو إساءة إلى مشاعرهم، والأزهر الشريف يسره أن يستجيب لرغبة الأخوة المسيحيين وأن يعلن احترامه الكامل وإيمانه الشديد بالعقيدة المسيحية والمسيحيين داخل مصر وخارجها ويكن لهم الاحترام والتقدير ولم يقصد في أي لحظة أن يسيء إلى احد من أبناء مصر العزيزة".
وأبدى الدكتور عمارة عبر اتصال هاتفي أجرته معه "محيط"، دهشته من بيان مجمع البحوث الإسلامية وصيغته، وعبر عن استيائه لصدور قرار من أمانة المجمع بسحب الكتاب رغم أن المجمع هو الذي كلفه بإعداد هذا الكتاب للرد على ما جاء في الكتاب التنصيري، وهو الذي اعتمده للنشر
ووصف عمارة بعض العبارات التي وردت في البيان المنسوب للأمين العام للمجمع علي عبد الباقي بـ "الشيء الخطير"، وأكد أنه سوف يدلي برأيه تفصيلا داخل المجمع، نافيا في الوقت ذاته أن يكون الكتاب قد تضمن أي إساءات للمسيحيين.
وكان الدكتور محمد عمارة قد أصدر كتاب "تقرير علمي" بناءا على تكليف من مجمع البحوث الإسلامية، للرد على كتاب تنصيري بعنوان "مستعدون للإجابة" ورد إلى مجمع البحوث بعد شكاوي عديدة من أجل الرد على ما ورد فيه من إساءات إلى العقيدة الإسلامية.
فيما لم تبد مصادر بمجمع البحوث أهمية بالقرار الذى يقضي بسحب العدد الأخير من المجلة، بعد أن نفدت مجلة "الأزهر" وكتاب عمارة الذي صدر كملحق خاص بها من الأسواق قبل أسابيع، مؤكدة أنه لا يمكن من الناحية العملية سحب الكتاب الذي تم توزيعه مع المجلة منذ شهر، لأن كل نسخه نفذت من السوق، وأن ذلك القرار يعتبر قرارا صوريا ليس إلا.
المصدر: محيط للأنباء
ـ[محمد كالو]ــــــــ[18 Dec 2009, 07:27 ص]ـ
علماء الأزهر يستنكرون البيان المنسوب إليهم ويعتبرونه إهانة
كتب عمر القليوبي (المصريون): | 16 - 12 - 2009 23:55
أكدت مصادر رفيعة بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر للمصريون، طلبت عدم نشر اسمها، أن جهة سياسية رفيعة أرسلت رسالة تهديد حملها وزير الأوقاف الدكتور محمود حمدي زقزوق إلى شيخ الأزهر مرفق بها نص بيان طلبت إصداره ممهورا بتوقيع مجمع البحوث وتعميمه من خلال المجمع على الصحف المصرية ووكالة الأنباء الرسمية، وأن المجمع نفسه لا صلة له بهذا البيان، ولم يطلع عليه أي من علماء المجمع إلا من خلال الصحف.
من جانبه، كشف العالم الجليل الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية لـ "المصريون" عن مفاجأة أخرى بشأن ملابسات قرار سحب كتاب المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة، وهو أن المجمع كان قد قرر خلال اجتماعه الأخير رفض أي ضغوط لسحب كتاب الدكتور عمارة أو الاعتذار عنه، وأن قرار المجمع في ذلك كان بالإجماع، مؤكدا أنه لا يعرف شيئا عن البيان المنسوب إلى المجمع، بخصوص كتاب عمارة الذي تم توزيعه كملحق لمجلة "الأزهر" في عددها الصادر لشهر ذي الحجة، ملمحا إلى أن البيان الذي صدر حاملا توقيع الأمين العام للمجمع جاء بضغوط من جهات عليا أملت على الشيخ علي عبد الباقي نص البيان دون أن يتم تمحيصه من قبل علماء المجمع أو استشارتهم فيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأضاف الشكعة في تصريحات لـ "المصريون" قائلا: ما أستطيع تأكيده هو أن المجمع لم يتخذ قرارا بسحب كتاب "تقرير علمي" الذي جاء ردا على كتاب تنصيري بعنوان "مستعدون للإجابة" والذي حمل إساءات للعقيدة الإسلامية، مؤكدا أنه خلال اجتماع المجمع تم الاتفاق على تجاهل الأمر برمته وعدم الاستجابة للمطالب بسحبه.
وحول القرار المفاجئ والغامض لأمانة المجمع يوم الثلاثاء بسحب الكتاب، استجابة لمطالبات مسيحية أبدت استياءها من مضمون الكتاب، نفى الشكعة إجراء أية مناقشات بهذا الخصوص، وقال إنه لم تتم حوله أي مناقشات من قريب أو بعيد، ولم يدل أي من أعضاء المجمع بدلوه حول هذا الأمر.
واعتبر أن البيان الذي تضمن قرار سحب الكتاب بعد تعرضه لموجة هجوم مسيحية تضمن العديد من الأخطاء العقدية التي تسيء إلى الأزهر ولا تليق بعلمائه، مؤكدا أنها تسيء إلى أعضاء المجمع الملتزمين بشرع الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يذكر أن البيان كان قد ورد نصه كالتالي: "قررت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف سحب نسخ مجلة الأزهر الشريف عن شهر ذي الحجة 1430 هـ والملحق الخاص بها بعنوان "تقرير علمي" للدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية لما فهمه بعض الأخوة المسيحيين بأن ما جاء بملحق المجلة هو إساءة إلى مشاعرهم، والأزهر الشريف يسره أن يستجيب لرغبة الأخوة المسيحيين وأن يعلن احترامه الكامل وإيمانه الشديد بالعقيدة المسيحية والمسيحيين داخل مصر وخارجها ويكن لهم الاحترام والتقدير ولم يقصد في أي لحظة أن يسيء إلى احد من أبناء مصر العزيزة".
وعلق الشكعة قائلا: هذا الكلام ليس صحيحا والبيان صيغ بلهجة غير رصينة تحمل إساءة بالغة للأزهر وعلمائه، موضحا أن الإسلام يحترم العقيدة المسيحية الحقيقية التي تقوم حول أن المسيح عبد من عباد الله وليس إلها ولا نؤمن بالثالوث، في إشارة إلى عقيدة التثليث التي يؤمن بها المسيحيون.
وأوضح الشكعة أن العقيدة المسيحية كما جاءت في القرآن الكريم هي محل احترام وتقدير بالغين من الأزهر والمجمع وعلمائه، مؤكدا أن الإسلام لا يعترف بشرعية ما يعتقده المسيحيون من أن المسيح هو ابن الله.
المصدر ( http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=22212)
ـ[أبو المهند]ــــــــ[18 Dec 2009, 03:38 م]ـ
. أعتقد أن عددا من مجلة " ما " ـ صدر في أول الشهر ولا يبقى في السوق منه نسخة غير مباعة بعد ثلاثة أيام من طرحه ـ لا يؤثر فيه خبر ولا نبا ولا سحب ولا موت ولا حياة ولا نشور، وعند مصداقية النبأ يحمل على السياسة الشرعية أو غير الشرعية فليتدبر.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Dec 2009, 01:08 ص]ـ
وفقكم الله جميعاً لكل خير. وجزى الدكتور محمد عمارة خيراً على كتابته لهذا التقرير القيم.
وهذه نسخة PDF من كتابه هذا لمن أراد قراءته، ولعل هذه طريقة ذكية لترويج هذا الكتاب القيم.
لتحميل الكتاب من هنا
تقرير علمي للدكتور محمد عمارة ( http://www.4shared.com/get/176349295/6bb883c/____.html;jsessionid=DCD4A617C95C7CD687839165B947D 49C.dc115)
ـ[بدر عرابي]ــــــــ[26 Dec 2009, 03:31 ص]ـ
وهذه نسخة PDF من كتابه هذا لمن أراد قراءته، ولعل هذه طريقة ذكية لترويج هذا الكتاب القيم.
لتحميل الكتاب من هنا
تقرير علمي للدكتور محمد عمارة ( http://www.4shared.com/get/176349295/6bb883c/____.html;jsessionid=DCD4A617C95C7CD687839165B947D 49C.dc115)
فعلا يا دكتور عبد الرحمن، حيلة ذكية جدا لنشر الكتاب، وحتى دون الحاجة لتحميل المجلة أصلا.
جزاكم الله خيرا على هذه الهدية القيمة
ـ[الشريفة فاطمة]ــــــــ[26 Dec 2009, 03:58 ص]ـ
اللهم انصر الاسلام المسلمين واعزهم اللهم وارفع قدرهم وغلبهم على اعدائك اعداء الدين
ـ[علاوةمحمدزيان]ــــــــ[26 Dec 2009, 08:43 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (قل يأهل الكتب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله ولانشرك
به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا
بأنا مسلمون.) الآية رقم:64 من سورة آل عمران
وقال تعالى: (يردون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكفرون)
الآية رقم:08من سورة الصف
التوقيع/:طالب علم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 Jan 2010, 08:28 م]ـ
كتاب الدكتور محمد عمارة "تقرير علمي .. صرخة ضد التنصير" يقف عند القضايا المحورية التي دارتْ حولها أهمُّ الدعاوى التي وردت في (المنشور التنصيري) باسم "مستعدين للمجاوبة"، والذي يتألف من خمسة فصول، فيتحدَّث في الفصل الأول عن صحة التوراة والإنجيل وعدم تحريفهما، والفصل الثاني عن إنجيل برنابا، والفصل الثالث عن النصرانية ديانة موحدة، والفصل الرابع عن قضية الغفران وضرورة الفداء، والفصل الخامس عن القضايا الصغرى، وهذه الأوراق لم تقف عند عرض العقائد النصرانية والدفاع عنها، وتقديمها للمسلمين بهدف التنصير، وإنما تجاوزتْ هذه الأهدافَ إلى التعرُّض لعقائد الإسلام، وذلك بمحاولات الاستشهاد بالقرآن الكريم على صحة العقائد النصرانية التي يرفضها القرآنُ والإسلام.
وأهم القضايا المحورية التي وردت في هذا الكتاب:
1 - قضية ما يسمَّى بالكتاب المقدس - بعهديه القديم والجديد - وهل استحال على التحريف؟
2 - قضية التأليه النصراني للمسيح - عليه السلام - ودعوى أنه ابن الله.
3 - وقضية العصمة والخطيئة والمعجزات، التي توصل بها هذا الكتاب إلى تأليه المسيح.
تلك هي القضايا التي يتعرض لها الكتاب.
(1)
صحة التوراة والإنجيل وعدم تحريفهما
يقول المنصِّر في منشوره التنصيري في هذا الفصل: "يدَّعي البعض بحدوث تحريف في التوراة والإنجيل، ولكنهم لا يقدمون أي دليل على ذلك، وهو مجرد افتراض واتهام لاسند له، وفي حديث نبوي: ((البينة على من ادَّعى))؛ أي: كل من يدعي بأي اتهام يجب أن يقدِّم البينة؛ أي: الدليل على صدق ادعائه".
فيؤكد الدكتور عماره على تحريف التوراة من خلال الأدلة التالية:
الدليل الأول:
أن التوراة نزلتْ على موسى باللغة الهيروغليفية، قبل نشأة اللغة العبرية بأكثر من مائة سنة؛ لأن العبرية لهجة كنعانية، فأين هي التوراة التي نزلت على موسى بالهيروغيلفية؟
والجواب: أنه لا وجود لهذه التوراة.
الدليل الثاني:
أن موسى - عليه السلام - عاش ومات في القرن الثالثَ عشرَ قبل الميلاد، بينما حدث أول تدوينٍ لأسفار العهد القديم على يدي عزرا في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد؛ أي: بعد عودة اليهود من السبي البابلي (597 – 538 ق. م)، وذلك يعني أن التراث اليهودي ظلَّ تراثًا شفهيًّا مدة ثمانية قرون، عَبَدَ أثناءها بنو إسرائيل العجلَ تارة، وأوثانَ الكنعانيين تارة أخرى، وانقبلوا فيها على أنبيائهم في الكثير من الأحيان.
الدليل الثالث:
التناقضات الصارخة التي توجد في الأسفار، وهي تحتاج إلى سفر لو أردنا أن نحصيَها، وهي على سبيل المثال:
1 - اسم الله أحيانًا يكون "يهوه"، وأحيانًا يكون "إيلوهيم".
2 - في الحديث عن بدء الخلق في سفر التكوين، نجد:
أن النور قد خُلق في اليوم الأول (تكوين 1: 5).
ثم نجد أن النور خلق في اليوم الرابع (تكوين 1: 6 - 19).
والشمس: يقال مرة: إنها خلقت في اليوم الأول (تكوين 1: 5).
ومرة ثانية يقال: إنها خلقت في اليوم الرابع (تكوين 1: 14 - 19).
وفي خلق الكائنات: ففي سفر التكوين (1: 20 - 23) أن الحيوانات خلقت أولاً في اليوم الخامس، وأن آدمَ خلق في اليوم السادس، ثم يعود السفر (التكوين 2: 7 - 19) فيقول: إن الإنسان خلق أولاً، ثم النباتات، ثم الحيوانات والطيور.
3 - وفي الحديث عن عمر الزمان، نجد الآتي:
في التوراة العبرية 1656 عامًا.
وفي النسخة اليونانية 2262 عامًا.
وفي النسخة السامرية 1307 أعوام.
4 - وعن تاريخ نزول إبليس إلى الأرض، نجد الآتي:
مره قبل خلق آدم ودخوله الجنة - رؤيا يوحنا اللاهوتي (12: 7 - 10).
ومرة: بعد خلق آدم ومعصيته في الجنة (التكوين (3: 1 - 15).
5 - وفي مدة طوفان نوح - عليه السلام - نجد:
في سفر التكوين (7: 12) أربعين يومًا وأربعين ليلة.
وفي السفر نفسه (التكوين 7: 24) نجد مدة الطوفان 150 يومًا.
6 - وفي الحديث عن عدد سنين الجوع التي حكم الله بها على داود - عليه السلام - نجد:
سبع سنين (في صموئيل الثاني 24: 12).
وثلاث سنين (في أخبار الأيام الأول 21: 11).
7 - وفي الحديث عن عدد المراكب التي قضى عليها داود في أرام، نجد:
700 مركبة و40000 فارس (في صموئيل الثاني 10 - 18).
7000 مركبة و40000 فارس (في أخبار الأيام الأول 19: 18).
(يُتْبَعُ)
(/)
كما نجد أسفار العهد القديم لا تتحدث عن موسى - عليه السلام - بلسان المخاطَب؛ أي: إنها لم تنزل عليه، وإنما تتحدَّث عنه بضمير الغائب؛ أي: إنها تراثٌ جُمع ودوِّن بعد وفاته، ومن ذلك على سبيل المثال:
"وكلم يهوه موسى .. وكلم يهوه موسى وجهًا لوجه" (الخروج 33: 11).
"وأما الرجل موسى فكان حليمًا جدًّا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض" (العدد 12: 3).
"فسخط موسى على وكلاء الجيش" (العدد 31: 4).
"موسى رجل الله" (التثنية 31: 1).
"ومات هناك موسى عبد الرب" (التثنية 34 - 35).
"فقال الرب لموسى" (الخروج 6: 1).
فهل هذا الكلام نزل على موسى، أو أنها إضافات وتأليفات أُدخلت في هذا التراث؟
ثم إن هناك اختلافات الكنائس النصرانية في عدد أسفار العهد القديم التي تؤمن بها هذه الكنائس:
فالبروتستانت يؤمنون بستة وستين سفرًا.
والكاثوليك يؤمنون بثلاثة وسبعين سفرًا.
والأرثوذكس يؤمنون بستة وستين سفرًا.
وأخيرًا: شهد البابا شنودة الثالث - بابا الأرثوذكس المصريين - في عظته الأسبوعية بأن أسفار العهد القديم الحالية، قد حذفت منها الأسفار القانونية التي تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأنها جزء من العهد القديم.
الدليل الرابع:
هي شهادة علماء اليهود أنفسهم، والذي جمع دراساتِهم العالمُ اليهودي "زالمان شازار" في كتاب عنوانه: "تاريخ نقد العهد القديم من أقدم العصور حتى العصر الحديث"، الذي امتلأ بالشهادات اليهودية القاطعة بأن أسفار العهد القديم إنما هي ثمرةٌ لتراكمٍ شفهي تكوَّن عبر قرونٍ طويلة، وعصور مختلفة، وبيئاتٍ متباينة، وثقافات متمايزة، ومصادرَ متعددة، ومؤلفين مختلفين.
فمثلاً:
إن سفر إشعيا هو عبارة عن ستة أسفار كُتبت في أزمنة مختلفة، عاش أشعيا الأول في عصر يوثام وأحاز ويحزقيا، وكتبت الإصحاحات (24 - 27) في عصر يوشياهو، وكتب الإصحاحان (34 - 35) مباشرة بعد الخراب، وكتب الإصحاحان (13 - 14) بعد حزقيال بثلاثين سنة.
وقسم سفر إرميا إلى أجزاء مختلفة، ووجد في سفر زكريا أقوال ثلاثة أنبياء، أقوال النبي الأول تشمل الإصحاحات (1 - 6)، وعاش في عصر هوشع، وتشمل أقوال الثاني الإصحاحات (7 - 12)، وكان في عصر يهوياقيم وصدقياهو، وتشمل الإصحاحات (12 - 14) أقوال النبي الثالث، باستثناء (13: 7 - 19) الذي تنبَّأ بعد العودة من بابل.
الدليل الخامس:
أن القداسة التي أضيفت على أسفار هذا الكتاب "المقدس" هي طارئة، حدثتْ بعد عصر موسى - عليه السلام - بأكثر من عشرة قرون، فلم يكن هناك من يقدِّس هذه الأسفار قبل عصر المكابيين (168 - 37 ق. م).
فإنه حتى عصر المكابيين لم تكن الأسفار المقدسة قد أقرت، وأن حكماء التلمود "الفرنسيين" قد اختاروا هذه الأسفار من بين بقية الأسفار، وذلك زمن الهيكل الثاني، ثم رتَّبوها ورفعوها لمرتبة الكتاب المقدس.
ومن هنا، فإن جميع ما جاء في القرآن الكريم عن التوراة، والتي فيها هدى ونور؛ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 44]، {وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة: 43]، فإن المراد بها توراة موسى - عليه السلام - وليست هذه الأسفار التي دوِّنتْ بعد موسى بثمانية قرون.
الأدلة على تحريف الإنجيل:
يتبع دكتور عمارة ذات المنهج المنطقي والموضوعي والاستقرائي في إقامة الأدلة على حدوث التحريف.
الدليل الأول:
لقد جاء المسيح - عليه السلام - بإنجيل باللغة الآرامية، فأين هو هذا الإنجيل، إنجيل المسيح؟
إن العالم كله بجميع كنائسه، وبكل مذاهب النصرانية فيه - لا يملك نسخةً واحدة من هذا الإنجيل.
من هنا، فإن الإنجيل الذي جاء به المسيح، والذي تحدَّث عنه القرآن الكريم باعتباره ذِكرًا أنزله الله؛ {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 46].
والذي يطلب من النصارى أن يقيموا أحكامه؛ {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} [المائدة: 47].
هذا الإنجيل لا وجود له لدى أي كنيسةٍ من كنائس النصرانية.
الدليل الثاني:
إن الأناجيل الأربعة المشهورة والمعتمدة، اثنان منها كَتَبَهما اثنان من الجيل التالي لجيل المسيح، فمرقس تلميذ لبطرس، ولوقا تلميذ لبولس، فليسا شاهدينِ على ما كتبا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والإنجيل الثالث (إنجيل يوحنا) تُرجِّح الدراساتُ المستندة إلى النقد الداخلي أنه كُتب بواسطة يوحنا آخر في نهاية القرن الأول الميلادي.
فنحن أمام ثلاثة أناجيل من أربعة، لا علاقة لها بعصر المسيح.
الدليل الثالث:
إن هذه الأناجيل قد انتقلتْ نصوصُها، وتغيَّرت ألفاظُها مراتٍ عديدةً بالترجمات إلى العديد من اللغات.
إن إنجيل متى قد كُتب أولاً بالآرامية لا بالعبرية، ولقد تُرجم إلى اليونانية، وضاع النص الأول وبقي الثاني.
ويضرب الدكتور عمارة بعض الأمثلة:
أ- لقد تُرجم إنجيل مرقس ترجمةً مصرية جديدة، ومن يقارن هذه الترجمةَ بنظيرتها العربية الموجودة ضمن مجموعة "الكتاب المقدس"، سيجد العديد من الاختلافات في كل صفحة من الصفحات.
ب- لقد شهد عقد التسعينيات من القرن العشرين ترجماتٍ جديدةً لنصوص العهدين القديم والجديد إلى العديد من اللغات الحية، وقفتْ وراءها الحركاتُ الأنثوية الغربية المتطرفة، وتم في هذه الترجمات الجديدة تحييد الأسماء الكثيرة المذَّكرة في هذه النصوص؛ كي لا تكون الثقافةُ الدينية فيها "ثقافة ذكورية".
وهذه الترجمات الجديدة يتم الترويج لها، والإشاعة لثقافتها، بواسطة قوى العولمة وما بعد الحداثة.
الدليل الرابع:
إننا إذا نظرنا في افتتاحية إنجيل لوقا - الإصحاح الأول: 1 - 4، فنقرأ قول لوقا - تلميذ بولس -: "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة الأمور المتيقنة عندنا، كما سلَّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيتُ أنا أيضًا - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفليس؛ لتعرف صحة الكلام الذي علمت به".
فنحن أمام نص يقول لنا: إن كثيرين - وليسوا أربعة فقط - قد ألَّفوا أناجيلَ كثيرةً.
الدليل الخامس:
جاء في "دائرة المعارف البريطانية" عن هذه الأناجيل الأربعة:
أ- إنجيل متى: إن كون متى هو مؤلف هذا الإنجيل أمرٌ مشكوك فيه بجد، ومن المسلَّم به أن متى قد اعتمد في كتابة إنجيله على إنجيل مرقس، أول الأناجيل تأليفًا، حيث حوى 600 عدد من أعداد إنجيل مرقس البالغة 621 عددًا؛ أي: 90% من محتويات إنجيل مرقس.
ب- إنجيل مرقس: "في أفضل المخطوطات، فإن الأعداد من 9 إلى 20 تعتبر عمومًا إضافات متأخرة، والأعداد الأخيرة - 16: 9 - 20 غير موجودة في بعض المخطوطات، ويوجد عوضًا عنها مقاطع أقصر في مخطوطات أخرى".
جـ- إنجيل لوقا: "إن مؤلف هذا الإنجيل يظل مجهولاً".
د- إنجيل يوحنا: وهو الإنجيل الوحيد الذي نص بكل صراحة على ألوهية عيسى، حيث نقل عن عيسى أنه قال: "أنا والآب واحد" (يوحنا 10 - 30)، "الذي رآني فقد رأى الآب" (يوحنا 14: 9)، "أنا في الآب والآب في" (يوحنا 14: 10).
ويتعارض هذا الإنجيل مع الأناجيل الأخرى في أمور مهمة وحاسمة، مثل: صلب المسيح، ورواية القربان، وتعميد المسيح، والمدة التي استغرقتها رسالة المسيح.
الدليل السادس:
هو أن تاريخ كتابة هذه الأناجيل متأخِّرٌ عن عصر المسيح وتاريخ وفاته.
فأقدم هذه الأناجيل - كما تذكر ذلك "الموسوعة البريطانية" - هو إنجيل مرقس، الذي كُتب ما بين سنة 65م وسنة 70م؛ أي: بعد ثلاثين عامًا من رفع المسيح - عليه السلام.
وإنجيل متى كتب ما بين سنة 70م وسنة 80م.
وإنجيل لوقا كتب سنة 80م.
أما إنجيل يوحنا، فكتب في نهاية القرن الميلادي الأول؛ أي: سنة 100م.
وكما يقول الأسقف "بابياس" المتوفى سنة 130م: "فإن مرقس الذي كان ترجمانًا لبطرس قد كتب القدر الكافي من الدقة التي سمحتْ بها ذاكرتُه ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله، ولكن دون مراعاة للنظام؛ لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع، وإن كان تابعًا شخصيًّا له، لكنه في مرحلة متأخرة قد تبع بطرس".
الدليل السابع:
يقول الأب "كانينجسر" R.P.Kanenengesser - الأستاذ بالمعهد الكاثوليكي بباريس - يقول: "لا يجب الأخذ بحرفية الأناجيل، إنهم حفظوا منها نصيبًا، وإنهم حرَّفوا النصيب الذي أوتوه، وأنه أعطى عيسى الإنجيل، وقال في أتباعه مثل ما قال في اليهود، فهي كتابات ظرفية خصامية، حرَّر مؤلفوها تراث جماعتهم المسيحية".
الدليل الثامن:
إن الأصول الأولى لكل الأناجيل قد فُقدتْ، وأقدم المخطوطات لهذه الأناجيل الحالية يفصل بينها وبين المسيح وعصرِ مَن نُسبت إليهم هذه الأناجيل ما يقرب من ثلاثمائة عام.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبشهادة "الموسوعة البريطانية": "فإن جميع النسخ الأصلية للعهد الجديد التي كُتبت بأيدي مؤلفيها الأصليين قد اختفتْ، وأن هناك فاصلاً زمنيًّا لا يقل عن مائتين أو ثلاثمائة سنة بين أحداث العهد الجديد وتاريخ كتابة مخطوطاته الموجودة حاليًّا".
الدليل التاسع:
هناك أكثر من مائة وخمسين ألفًا (150000) من مواضع الاختلاف بين المخطوطات التي طُبعت منها الأناجيل المتداولة الآن، وهذه الاختلافات ليستْ بين مخطوطات الأناجيل المختلفة فقط؛ بل وفي مخطوطات الإنجيل الواحد.
ونص عبارة "الموسوعة البريطانية": "فإن جميع نسخ الكتاب المقدس قبل عصر الطباعة تظهر اختلافات في النصوص، وإن مقتبسات آباء الكنيسة من كتب العهد الجديد - والتي تغطيه تقريبًا - تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفًا من الاختلافات بين النصوص".
ثم يعطي الدكتور عمارة شواهدَ على حقيقة الاختلافات بين نصوص الأناجيل، وبين صور هذه النصوص في الأناجيل الحالية، منها على سبيل المثال:
في نص نقلته "الدسقولية" عن إنجيل متى: "فلأجل هذا قال الرب: تشبهوا بطيور السماء؛ فإنها لا تزرع، ولا تحصد، ولا تخزن في الأهراء، وأبوكم السماوي يقوتها، ألستم أنتم أفضل منها؟ فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل وماذا نشرب؟ لأن أباكم عارف بحاجتكم إلى هذا كله".
فإذا رجعنا إلى هذا النص في النسخة الحالية من إنجيل متى، نجده هكذا: "انظروا إلى طيور السماء، إنها لا تزرع، ولا تحصد، ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوِّيها، ألستم أنتم بالأحرى أفضل منها؟
"ومن منكم إذا اهتمَّ يقدر أن يزيد على قامته ذراعًا واحدة؟! ولماذا تهتمون باللباس؟!
تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو، لا تتعب، ولا تغزل، ولكن أقول لكم: إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها، فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم، ويطرح غدًا في التنُّور يلبسه الله هكذا، أفليس بالحري جدًّا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟ ".
"فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل، أو ماذا نشرب، أو ماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها "الأمم"؛ "لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها" متى: 6: 25 - 32.
وبالمقارنة بين النص كما اقتبسته "الدسقولية"، وبين النص كما هو عليه في الصورة الحالية لإنجيل متى، نجد أنه قد تم توسيع النص، وأن العنصر المضاف يتعلَّق بعنصر لم تَرِدِ الإشارة إليه في النص القديم، وهو "اللباس"، وأن الصورة الحالية قد حفلت بالصور والمؤثرات الوجدانية.
الدليل العاشر:
وغير الاختلافات والتناقضات في الأناجيل هناك كثرتها، بينما المفترض أن المسيح قد بشَّر بإنجيل واحد، فهناك غير الأناجيل الأربعة التي تقرَّر اعتمادها من قبل "الدولة الرومانية"، وليس من قبل الله، هناك أناجيل كثيرة جدًّا، منها على سبيل المثال: إنجيل متى، ومرقوس، ونيقوديموس، ولوقا اللاتيني، ولوقا السرياني، والطفولة الأرمني، والطفولة السرياني، وطفولة سيدنا الأرمني، وطفولة سيدنا العربي، وتوماس، وفيلبس، والنص العربي القديم لقصة يوسف النجار (24)، بالإضافة إلى: إنجيل برنابا، ويهوذا، والعبريين، والناصريين، والحقيقة.
بالإضافة إلى الأناجيل التي اكتشفت ضمن "مخطوطات نجع حمادي" في صعيد مصر سنة 1947، وفيها 53 نصًّا، وتقع في 1153 صفحة، والتي جمعت في 13 مجلدًا، ومنها: إنجيل مريم المجدلية، وفليب، وبطرس، والمصريين.
الدليل الحادي عشر:
هو الكم الهائل من التناقضات والاختلافات التي شاعتْ وانتشرت، حتى في الأناجيل الأربعة الشهيرة والمعتمدة، تلك التي قررت "الموسوعة البريطانية" أن في مخطوطاتها أكثر من 150000 تناقض.
ويضرب الدكتور عمارة بعض الأمثال على هذه التناقضات التي تمتلئ بها الأناجيل الأربعة، حول سيرة المسيح ووقائعها.
(2)
المسيحية ديانة موحدة
تحت هذا العنوان يدَّعي كاتب المنشور التنصيري: "أن كلمة الله - التي هي المسيح - تعني (عقل الله)، وقدرته على إعلان ذاته، وتنفيذ إرادته".
يرد دكتور عمارة على هذه الدعوى، فيقول:
? إذا كان المسيح هو كلمة الله، وإذا كانت الكلمة - المسيح - تعني العقل الإلهي، وقدرته على إعلان ذاته، وتنفيذ إرادته.
? وإذا كان المسيح - الكلمة، العقل - قد وُلد من مريم، فهل قبل المسيح كان الله بلا عقل، بلا قدرة على إعلان ذاته، وتنفيذ إرادته؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا قيل: إن عقل الله اتَّحد بالمسيح - أي: بالناسوت - في رحم مريم، فهل دخل الله بعقله في رحم مريم؟! أم دخل عقلُه وحده رحم مريم، وبقي الله بلا عقل؟! وإذا كان الله قد اتحد بالمسيح في رحم مريم - اتحاد اللاهوت والناسوت - فهل كان الله يدبِّر الكون، ويعلن ذاته، وينفذ إرادته من داخل مريم؟
? وإذا كان الثلاثة - الآب، والابن، والروح القدس - هم واحد - لا ثلاثة - مثل حرارة الشمس وضوئها، المتحِدين بها - كما يحلو لهم التمثيل بذلك في تفسير "وحدة الثالوث" - فإن الضوء وحده لا يقوم بوظيفة الشمس، وكذلك الحرارة وحدها لا تقوم بوظيفة الشمس، وإنما من كل مكونات الشمس: الضوء، والحرارة، وغيرها؛ للقيام بوظائف الشمس.
? وأما كون المسيح - في القرآن - هو روح الله: {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: 171]، فإنها لا تعني ألوهيته؛ فلقد نفخ الله - سبحانه وتعالى - في آدمَ من روحه، ولم يقل أحد: إن آدم قد صار إلهًا.
? وأما تفويض القرآن الكريم للمسيح - عليه السلام - معجزات الخلق: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49]، فهو معجزة بإذن الله، وليست خلقًا ابتدائيًّا كخلق الله، وكذلك شفاؤه للمرضى، وإحياؤه للموتى، هو إعجاز بإذن الله؛ {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 49].
فهو إعجاز يُظهِره الله على يديه، وليس ثمرةً لألوهيته، وإلا كان شريكًا لله في الخلق والإحياء والإماتة، والشراكةُ تعني الشركَ لا التوحيد.
? ويستدل الكتاب بآية سورة الزخرف: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف: 61].
استدلاله بجعل القرآن المسيحَ من علامات الساعة يتجاهل أن هذه الآية مسبوقة بالآية 59 التي تقول: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف: 59].
فهو عبد الله ورسوله، جعله آخر أنبياء بني إسرائيل، وعلامات الساعة - كل علاماتها - مخلوقةٌ لله الواحد الأحد.
? وميلاد المسيح بلا أب لا يعني ألوهيته، وإلا لكان آدم - عليه السلام - أولى بذلك؛ فلقد خُلق دون أب ولا أم، إنهما خلق الله، وكلمات الله، خُلقا بقدرة الله الواحد الأحد؛ {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59].
(3)
حول العصمة، والخطيئة، والمعجزات
قال صاحب المنشور التنصيري (ص22، 36): "إنه حتى الأنبياء لم يكونوا معصومين من الخطيئة، وأن كل البشر - حتى الأنبياء والمرسلين - ليس فيهم من له خلاص كامل من عقاب الخطيئة، باستثناء شخص واحد، هو المسيح، هو الكامل كمالاً مطلقًا بلا أية خطيئة فعلية أو أصلية، فهو غير مولود وارثًا لطبيعة الخطيئة الأصلية من أبينا آدم".
وقد ذهب ليستشهد على نفي العصمة عن الأنبياء بدعاء نوح - عليه السلام -: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} [نوح: 28]، ودعاء إبراهيم - عليه السلام -: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41].
? كما ذهب فاستشهد بالعهد القديم - كتابه المقدس - على أن نوح - عليه السلام - قد سكر وتعرى؛ (تكوين 9:21).
? وأن إبراهيم - عليه السلام - قد كذب، وفرط في زوجته؛ (تكوين 20:42).
فيرد دكتور عمارة على ذلك، فيقول:
إن عقيدة العصمة للأنبياء والمرسلين ضرورةٌ عقلية؛ لكمال الله - سبحانه وتعالى - ولحكمته في اصطفاء الأنبياء والمرسلين، ولمصداقية الرسالات التي أرسلهم الله بها إلى الناس.
فمن العبث - الذي يتنزَّه عنه عقلاءُ البشر - أن يختار الإنسان رسولاً يبلِّغ رسالةً وأمانة، دون أن يكون هذا الرسول جديرًا بجذب المصداقية إلى هذه الرسالة وهذه الأمانة.
ثم إن هذه العصمة للأنبياء والمرسلين هي عصمة فيما يبلِّغون عن الله، وعما ينفِّر أو يشين، وليست عصمة مطلق الاجتهادات التي قد لا توافق الأَولى والصواب، فهم في الاجتهادات غير معصومين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد تحدث الشيخ محمد عبده (1266 - 1323هـ/ 1849 - 1905م) عن عقيدة العصمة هذه، وعن معانيها وأبعادها، فقال: "إن من لوازم الإيمان الإسلامي: وجوب الاعتقاد بعلو فطرة الأنبياء والمرسلين، وصحة عقولهم، وصدقهم في أقوالهم، وأمانتهم في تبليغ ما عُهد إليهم أن يبلِّغوه، وعصمتهم من كل ما يشوِّه المسيرة البشرية، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار، وتنفر منه الأذواق السليمة، وأنهم منزَّهون عما يضاد شيئًا من هذه الصفات المتقدمة".
لذلك؛ فإننا نجد أنفسنا - في عقيدة العصمة للأنبياء والمرسلين - أمام مدرستين في الفكر الديني:
1 - المدرسة القرآنية: التي تقرر العصمة للأنبياء والمرسلين فيما يبلِّغون عن الله، ومما ينفِّر ويشين.
2 - ومدرسة أسفار العهدين القديم والجديد: التي تزدري الأنبياء والمرسلين، عندما تجرِّدهم من العصمة، وتصفهم بالأوصاف الرديئة التي يتنزَّه عنها الناس الأسوياء، فضلاً عن المختارِينَ المصطفَيْنَ من الأنبياء والمرسلين.
? فأبو الأنبياء إبراهيم - عليه السلام - في المدرسة اليهودية والنصرانية يخطئ في تقدير أخلاق المصريين، ويتواطأ مع زوجه سارَّة على الكذب، وعلى الدياثة، وإسلام زوجه الجميلة لمن يعاشرها في الحرام؛ طمعًا في بقائه حيًّا، وطمعًا في الغنم والبقر والحمير والجمال والعبيد؛ (تكوين 12: 10 - 20).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة أبي الأنبياء، الأمَّة، والإمام، والصالح، المصطفى في الدنيا والآخرة، والأوَّاب، الحليم، المنيب، الصدِّيق، خليل الرحمن، الأسوة الحسنة، الناظر في الملكوت ليقيم الدليل العقلي على التوحيد، ومحطِّم الأصنام، ومطهِّر البيت الحرام، ورافع قواعده، والذي صارت النار بردًا وسلامًا عليه، والممتثل لأمر ربه أن يذبح ولدَه البكر الحبيب والوحيد.
? وكذلك الحال مع نبي الله لوط - عليه السلام -:
? فصورته في العهد القديم صورة الذي سكر وزني بابنتيه؛ (تكوين 9: 30 - 38).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة العبد الصالح، صاحب العلم والحكمة، والناهي عن الفحشاء والمنكر، والمتطهر الذي نجَّاه الله.
? وكذلك الحال مع نبي الله داود - عليه السلام -:
? فصورته في العهد القديم هي صورة الفاسق، المتلصص على عورات الناس، والزاني، والمتآمر، والقاتل، والمغتصب للنساء والزوجات؛ (صموئيل الثاني 11:1 - 26).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة الخليفة، الأوَّاب، الذي سبَّحتْ معه الطير والجبال، وصاحب الزلفى وحسن المآب.
? وكذلك الحال مع نبي الله سليمان - عليه السلام -:
? فصورته في العهد القديم هي صورة زير النساء، الخارج عن أوامر الرب، الباني النُّصب لعبادة الأوثان من دون الله، والعابد لهذه الأوثان؛ (الملوك 11: 1 - 11).
? بينما صورته في القرآن الكريم هي صورة صاحب العلم والفضل، الذي علَّمه الله منطق الطير، وأعطاه الله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، والشاكر لأنعُم الله.
ثم تحدث دكتور عمارة بعد ذلك عن معجزة القرآن، وأنها تدهش العقلَ ولا تشلُّه عن الفعل، وإنما تستنفره وتستحثُّه ليتفكَّر ويتدبر في الإعجاز الذي جاء به القرآن الكريم، والذي تحدَّى به الإنس والجن تحديًا أبديًّا أن يأتوا بشيء من مثل هذا الذي جاء به القرآن الكريم.
وذلك من خلال سرده لآيات القرآن، وبيان الإعجاز الذي بها.
وأخيرًا:
فلقد توسَّل كاتب هذا المنشور التنصيري بالكذب والتدليس؛ ليصل إلى مقاصده في إثبات عقائد النصارى في تأليه المسيح، وصلبه، وقتله على الصليب، وفي سبيل ذلك كذب ونسب إلى الإمام الفخر الرازي رفضه فكرة إلقاء الشبه - شبه المسيح - على يهوذا؛ {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: 157].
وكذلك صنع فيما نسبه إلى الإمام البيضاوي، وذلك عندما صوَّر لقارئه أن البيضاوي لا يتبنى نفي صلب المسيح وقتله، وإنما يقول: إن كيد اليهود ذهب وطاش، إذ عاد المسيح حيًّا ورفعه الله إليه، فكأن البيضاوي - وفق هذا الكذب والتدليس - يعترف بأن المسيح قد قتل، ثم عاد حيًّا بالقيامة.
فيقول دكتور عمارة: إن هذا الذي ادعاه هذا الكاتب على الإمام البيضاوي هو كذب صراح، وافتراء بواح، فالبيضاوي كان واضحًا وحاسمًا - ككل علماء الإسلام - في نفي الصلب والقتل عن المسيح - عليه السلام - وكان واضحًا وحاسمًا في القطع بأن اليهود قد حرَّفوا التوراة.
ويوصي دكتور عمارة في النهاية بالآتي:
1 - عدم تداول كتاب "مستعدين للمجاوبة"؛ لما يثيره من فتنة بسبب تكذيبه للقرآن، وافترائه على علماء الإسلام، وازدرائه بالأنبياء والمرسلين.
2 - ونشر هذا الرد ملحقًا بمجلة الأزهر؛ لأن التجاوزات التي تضمنها هذا الكتاب قد نشرت بين الناس، الأمر الذي يجعل الردَّ عليه واجبًا؛ لتحصين العقول ضد الأكاذيب والافتراءات.
المصدر: الألوكة ( http://www.alukah.net/articles/1/9509.aspx) .
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مرهف]ــــــــ[01 Jan 2010, 10:08 م]ـ
لقد قرأت معظم الكتاب وهو كتاب في غاية الأهمية ويناقش قضايا حساسة وتثار الآن بكثرة في الإعلام النصيري الذي يطرح الأفكار المحورية الواردة في المنشور التنصيري والتي فندها كتاب "تقرير علمي" للدكتور عمارة.
وليس عجيبا أن تنتفض الكنيسة على الكتاب ذلك لأنه صدر في وقت ارتفعت فيه نشاطات المنصرين مع وجود القوة التي تحميهم من الحكومات وخاصة في شمال أفريقيا.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[02 Jan 2010, 09:15 م]ـ
أحسن الله إليكم على نشر هذا الكتاب النافع حقا.
أما بخصوص الأزهر:
حتى لا يحصل خلط:
مجمع البحوث الإسلامية لا يمثل علماء الأزهر.
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[04 Jan 2010, 10:35 م]ـ
الحقيقة أن هذا الكتاب جاء قاصمة وعاصمة ..... قاصمة لفقار زيف افتأتهم على الله سبحانه ورسله وكتبه .... وعاصمة من الافتتان في أتون ضلالاتهم وما باؤوا به من غضب الله بسبب ما افتروا على الله تعالى ورسله وكتبه
جعل هذا الكتاب في ميزان مداد الدكتور العلامة الداعيه محمد عمارة يوم يوزن مداد العلماء بدماع الشهداء وكذلك في صحيفة كل من يعمل على نشره بين العباد
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[06 Feb 2010, 11:23 م]ـ
جزى الله الدكتور محمد عمارة خيرا. عمل مبارك إن شاء الله. الدكتور محمد فيه غيرة على الدين يحمد عليها. فالله تعالى يتب له جزيل الأجر.
ـ[يسري خضر]ــــــــ[23 Jun 2010, 02:48 م]ـ
هذا واحد من مئات الكتب التي تصدرها الكنيسة تحمل نفس الأكاذيب والأباطيل،وقد تذكرت ساعة قراءة ما سطره الدكتور عمارة أن كتابا بعنوان (استحالة تحريف الكتاب المقدس) صدر عن كنيسة الشهيدة القديسة دميانه بالهرم و قام بتحرير مادته المهندس وهيب عزيز خليل وأسهم في إخراجه البابا شنودة والأنبا دوماديوس أسقف الجيزة، وراجعه الدكتور إبراهيم سدراك، وقدم له القس مرقس حبيب،كما تذكرت تلك الرواية التنصيرية التي أسموها "الباكورة الشهية في الروايات الدينية" زعموا فيهما "إن كتب العهد القديم مكتوبة بإلهام (بوحي) وبالتالي فهي حجة تلزم الناس بما جاء فيها "
وقد تصدي شيخنا الدكتور عبد العظيم المطعني لنقد هذين الكتابين وبيان مافيهما من زيف وخلل علمي ومنهجي فرحمه الله رحمة واسعة.
0.(/)
) حول إنكار: (صفات الله): لا حجَّة لقول الأدعياء! (لخباب بن مروان الحمد
ـ[معيوض الحارثي]ــــــــ[19 Dec 2009, 11:03 ص]ـ
حول إنكار: (صفات الله): لا حجَّة لقول الأدعياء!
(عرض ومناقشة لما طرحه صلاح أبو عرفة في أشرطته)
بقلم: خباب مروان الحمد
KHABAB1403@HOTMAIL.COM
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر له شكراً شكراً، وصلَّى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيراً إلى يوم الدين أمَّا بعد:
فقد استمعت إلى كلام تفوَّه به: (صلاح أبو عرفة) حول صفات الله تعالى؛ ومحاولة إنكار هذا اللفظ الذي دَرَجَ عليه علماء الإسلام، ومحاولته إنكار التلفظ بهذه الكلمة، فالرجل مشكلته الكبرى في الكون والحياة في إطلاق لفظ: (صفات الله) عن الله تعالى، وقد استمعت لشريطين من أشرطته المسجَّلة والمنشورة على موقعه المسمَّى: (أهل القرآن) وفهمت ووعيت مراده ومقصده جيداً، وسمعت كلامه مرتين!
فالمرَّة الأولى: للاهتداء إلى الحق والبصيرة فيه إنَّ كان ما قاله صوابا، ولئلاَّ أقوِّل الشخص ما لم يقل!
والمرَّة الثانية: لتأكدي أنَّ ما كان يقوله في هذا الأمر ضرب من الانحراف، وخلل في الاعتقاد والإيمان وملَّة الإسلام، واستكبار على إخوانه من علماء المسلمين ورميهم بأبشع العبارات وأقذع الكلمات!
فوجدته والعياذ بالله على أسوأ ممَّا تصورَّت، فحذلقة في الكلام، وصياح وصراخ لإقناع الخصم، واستخدام لوسائل عاطفيَّة للتأثير والتشويش على المخالف، بل يزيد الطين بلَّة، أقواله السمجة التي سمعتها منه في أشرطته فكانت إضافة على ما ذكرته عنه ضغثاً على إبَّالة، فحسبي الله ونعم الوكيل!
• عرض لكلام صلاح أبو عرفة حول صفات الله:
وسأسوق كلامه بحذافيره بين علامتي تنصيص، وما أسوقه من كلامه مستقى من أشرطته أنَّ إطلاق: (صفات الله) على الله والقول بها فهو على حدِّ قوله: (من أشد البدع والإحداث في دين الله ورسوله).
ويقول كذلك: (الصفات هي البدعة التي ابتدعها علماء الكلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
بل يرى أنَّ قول العلماء بلفظ صفات الله عن الله: (أنكى نكاية في دين الله من الإحداث وذلك لأنَّها ليست من إحداث العوام بل لأنَّ هذا من إحداث العالِم وإحداث العالِم أشد من إحداث العوام).
ويقول: (أنَّ من جاء وعبد الله بالأسماء والصفات فهو مبتدع مبدِّل مُحدِث ولو شفتوها بالكتاب ولو على الفضائيات ولو قالها رجل معه مائة شهادة دكتوراة)!!
ويقول كذلك: (الإشكال في الصفات ولسنا مضطرين للقول في الصفات ويكفي أن نعلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتكلَّم في الصفات)!!
ويقول: (لقد قال ابن عمر: كل بدعة سيئة ولو رآها الناس حسنة. ثم قال صلاح أبو عرفة: وعلى رأس رأس البدع الصفات).
وكذلك يقول: (مجرَّد أن تقول أنَّ الله وصف المؤمنين أو وصف الجنَّة فأنت شتمت الله)!!
ويرى كذلك أنَّ: (الصفات شتيمة لله ومجرَّد أن تعبد الله بالصفات فهي شتيمة لله)!!
وحينما ساق كلاماً نقله عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو: (ونؤمن بأسمائه وصفاته، أي بأنَّه له الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا) قال (صلاح أبو عرفة) إنَّ ابن عثيمين حينما قال الصفات العليا عن الله فإنَّه شتم الله شعر أم لم يشعر! وأنَّه كَذَبَ على الله! ثمَّ رقَّع كلامه بالترحم على الشيخ ابن عثيمين!!
ولهذا فإنَّ الرجل كما قلت في البداية لديه مشكلة مع لفظ: (صفات الله) وعليه نحاول أن نفهم قوله في ذلك، ومنطقه الذي يدل على جهله وقلَّة أدبه مع الله ومع علماء الإسلام!!
وعلى العموم فلقد ردَّد (صلاح أبو عرفة) أقوال الجهميَّة والمعتزلة من حيث يدري أو لا، كما سنبينه لاحقاً والله المستعان ولا حول ولا قوَّة إلا بالله.
وإني أستغرب من شخص ينتسب للإسلام بله يدعو إليه، كيف يقحم نفسه، في التحدث بأمور ليس له فيها كبير إنعام؟! بل نراه يتحدَّث بالغرائب ويجمع الناس حوله ليحكي لهم العجائب، والعجب العجاب أن نجد الناس حوله زرافات ووحدانا، عدا التعصب لقوله، والتقليد الأرعن لكلامه، والهوى المقيت من قِبَلِ أغلب طلاَّبه ومريديه!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد خرجت عنه عدَّة عبارات، وسمعنا من أقواله ضروباً من المقالات، والأفكار، والمعتقدات الجائرات، فلم أستغرب ما ذكرته عنه من ضلال في الفكر وانحراف في الفهم وخلل في الاعتقاد الذي خالف به جادَّة أهل السنة والجماعة رحمهم الله ورضي عنهم، وسأحاول قدر الإمكان الرد عليه بنوع من التوضيح لكي تنقشع حجَّته، وتطوَّح أدلَّته، ومن الله القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.
فإن أصبتُ فلا عجب ولا غرر ... وإن نقصت فإنَّ الناس ما كملوا
والكامل الله في ذات وفي صفة ... وناقص الذات لم يكمل له عمل
• جواباً عن الشبهات التي طرحها (صلاح أبو عرفة):
أمَّا ما ذكره: (بأنَّ الصفات من أشد البلاء الذي ابتلي به المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم؟)
فالجواب عن ذلك: إنّ من يزعم أنَّ القول بإثبات صفات الله تعالى من أشدِّ البلاء الذي ابتلي به المسلمون بعد نبيهم صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّه قائل على الله بالباطل، ومنتهج سبيل ضلالة وردى، بل أبعد النجعة عن سبل الهدى.
فماذا يقول هذا القائل في وصف الله تعالى لنفسه بصفات كثيرة في الكتاب الكريم؟
وماذا هو قائل بوصف رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ربَّه تبارك وتعالى بالصفات الحميدة اللائقة به سبحانه؟
وماذا يجيب عن وصف الصحابة والتابعين الله تعالى بالصفات اللائقة به؟!
لقد أقرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي الجليل حينما كان يحب قراءة سورة الإخلاص فحينما سئل عن سبب تكراره لقراءة هذه السورة العظيمة فأجاب: (لأنها صفة الرحمن).
والحديث وارد عن الصحابية الجليلة عائشة رضي الله عنها: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ: (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (سلوه لأي شيء صنع ذلك؟) فسألوه. فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه: أن الله تعالى يحبه}.
وعن هذا الشخص الذي كان يقرأ سورة الإخلاص فقد ذكر الإمام ابن حجر أنَّ اسمه كرم بن زهدم، وقال: (ذكره الحافظ رشيد الدين بن العطار في حاشية المبهمات للخطيب فيما قرأت بخطه وقال: هو الذي كان يصلي بقومه ويقرأ (قل هو الله أحد) الحديث وفيه قوله إنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها وذكر أنه نقل ذلك من صفة التصوف لابن طاهر ذكره عن عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده عن أبيه).
وذكر الإمام ابن حجر رحمه الله نقلاً عن ابن التين قوله: (إنما قال إنها صفة الرحمن ; لأن فيها أسماءه وصفاته , وأسماؤه مشتقة من صفاته , وقال غيره: يحتمل أن يكون الصحابي المذكور قال ذلك مستندا لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إما بطريق النصوصية وإما بطريق الاستنباط).
ثمَّ ذكر ابن حجر عن ابن دقيق العيد قوله: (" لأنها صفة الرحمن " يحتمل أن يكون مراده أن فيها ذكر صفة الرحمن كما لو ذكر وصف فعبر عن الذكر بأنه الوصف وإن لم يكن نفس الوصف، ويحتمل غير ذلك إلا أنه لا يختص ذلك بهذه السورة لكن لعل تخصيصها بذلك؛ لأنه ليس فيها إلا صفات الله سبحانه وتعالى فاختصت بذلك دون غيرها) ا. هـ.
وقد احتجَّ ابن تيمية بهذا الحديث فقال: (وفي الصحيح أيضا أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: سأل الذي كان يقرأ بـ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} سورة الإخلاص في كل ركعة وهو إمام فقال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن فقال: «أخبروه أن الله يحبه»، فأقره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على تسميتها صفة الرحمن. وفي هذا المعنى أيضا آثار متعددة، فثبت بهذه النصوص أن الكلام الذي يخبر به عن الله صفة له، فإن الوصف هو الإظهار والبيان للبصر أو السمع، كما يقول الفقهاء: ثوب يصف البشرة أو لا يصف البشرة، وقال تعالى: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ}، وقال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولو كان قول ذلك الصحابي من البلاء لأجابه صلَّى الله عليه وسلَّم بأنَّ ذلك من البلاء، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما يقول علماء الأصول، فكيف إذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقر ذلك الرجل على قوله: (لأنها صفة الرحمن)، فصار هذا اللفظ من قبيل السنَّة التقريريَّة ممَّا صدر عن الصحابة من أقوال أو أفعال؛ بسبب سكوته وعدم إنكاره صلَّى الله عليه وسلَّم، أو بموافقته صلَّى الله عليه وسلَّم واستحسانه قول ذلك الصحابي.
فأي بلاء يدَّعيه هذا الرجل وهو يخالف نهج سلف هذه الأمَّة الأكارم من الصحابة والتابعين ومن تبعهم وسار على دربهم واقتفى أثرهم ونحا نحوهم إلى يوم الدين؟!
بل إنَّ البلاء العظيم بالتطرق في الحديث عن الله تعالى بما لم ينقل من كتاب الله وما صحَّ من سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستحيل أن يجيء شخص بعد عصر الرسالة يهدى لحق لم يهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحم الله ابن القاسم حينما نقل عن الإمام مالك قوله: (لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها).
إنَّ صفات الله عز وجل وغيرها مِن مسائل الدين لا يمكن أن تأتي للأمة بالبلاء؛ فإِنَّنا نعلم يقيناً وضرورة أنَّ الإسلام إنما جاء لسعادة البشرية لا لشقائها، ولرحمتها لا لعذابها، فكانت الصفات التي هي جزءٌ مِن الدين مشتملة على هذه المعاني أيضًا بشكلٍ أو بآخر، وإنما يأتي البلاء مِن خارج الدين، ممن يحاربون أهله، أو يُلحدون في نصوصه، أو يتأوَّلونه على غير مراده، فبان أن الدين لا بلاء فيه، وأن البلاء مِن صنع البشر الذين يتلقَّون هذا الدين، فمن أخذه بحقِّه، واتَّبع سبيل المؤمنين في فهمه، فاز ونجا وكان الدين له سعادة وهناءة، ومَن حرَّف وبدَّل وغيَّر، فله مِن الشقاء بحسب تبديله وتغييره وتحريفه وعداوته للنصوص. وهذا ظاهرٌ واضحٌ لا يحتاج لبرهان.
على أنَّ: (صلاح أبو عرفة) قد ردَّ الحديث الوارد سابقاً عن عائشة، وقول ذلك الصحابي عن سبب محبته لقراءة سورة الإخلاص لأنَّها: (صفة الرحمن) وادَّعى أنَّ الحديث شاذ، مع أنَّ الحديث ثابت صحيح، ولم يتكلَّم به أحد من علماء الحديث، فهو من رواية الإمام البخاري سمعه من أحمد بن صالح قال أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة .... وذكر الحديث.
وهو من رواية الإمام مسلم يرويه عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدَّثه عمه عبد الله بن وهب حدَّثه عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة ... وروى الحديث.
وهو من رواية الإمام النسائي رواية عن سليمان بن داود عن ابن وهب قال حدَّثنا عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أنَّ أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدَّثه عن أمِّه عمرة عن عائشة .... وساق الحديث.
والعجب أنَّ هذا الشخص (صلاح أبو عرفة) لم يعلم عنه إطلاقاً وحتَّى طلاَّبه يعلمون قطعاً أنَّه ليس بمحدِّث أو بمشتغل في علم الحديث، فكيف يتجرَّأ على تضعيف حديث ثابت في صحيحي البخاري ومسلم، ويقول عن هذا الحديث بأنَّه شاذ؟
هل سبقه أحد بذلك فقال عن هذا الحديث الذي ادَّعى زوراً وبهتاناً أنَّه شاذ؟
أم لأنَّ الحديث ناقض قوله وخالف رأيه فرمى به وأعرض عنه؟
إنَّ الغريب أنَّه يُشعر الناس وكأنَّه قد وفِّق لهذا القول الباطل، وأنَّه يدور مع الكتاب والسنة حيث دارَا، ولكنَّه وللأسف حينما يتعارض الحديث مع قوله وفكره ورأيه فما أسرع أن يضعِّف الحديث وبكل جرأة، والعجب كذلك أنَّه بعد اكتشافه الخطير لشذوذ هذا الحديث، يدَّعي زوراً وبهتاناً على أهل الحديث فيقولهم كلاماً لا يقولون به مطلقاً حيث يقول: (فواضح أنَّ هذه اللفظة بحكم أهل الحديث أنَّ لفظة: (صفة الرحمن) شاذة!!) كما في الشريط الذي تكلَّم فيه عن هذا الحديث، وإنكار لفظ: (صفات الله).
وهذا كذب على أهل الحديث وتقويل لهم بكلام لم يقولوه ولم يلتزموه، بل إنَّ أهل الحديث يقولون بخلاف ما يدَّعيه هذا الذي يكذب عليهم والذي يقال له: (صلاح أبو عرفة)!
(يُتْبَعُ)
(/)
وإني أقول لـ: (صلاح أبو عرفة) إن قصدت بالشاذ ما ذكره أهل العلم، ومنهم الإمام الشافعي بأنَّه: (أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس)، فليس ما حكمت عليه بالشذوذ يصلح لحجَّتك، فالإمام الشافعي قال عَقِبَ ذلك: (وليس من ذلك أن يروي ما لم يروِ غيره) كما زعمت أنَّ صاحب هذا الحديث روى ما لم يروِ غيره، أو أنَّ هذا الثقة خالف رواية الثقات، فليس الشاذ يتطابق مع ما ذكرته، وإن قصدت أنَّه شاذ بمعنى مطلق التفرد، فلم يعلَّ علماء الإسلام الحديث بمطلق التفرِّد هكذا وبدون أي تفصيل!
وعلى فرض التسليم بتفرِّد سعيد بن أبي هلال، فإنَّنا نعلم أنَّ أهل العلم لا يردون سائر التفردات ولا يقبلونها بإطلاق، وإنَّما الأمر كما قال الإمام ابن رجب رحمه الله: (لهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه).
وتأسيساً على ذلك فلا حجَّة لمن ضعَّف هذا الحديث ولا أعرف أحداً قال بذلك سوى الإمام ابن حزم، حيث قال إن في سنده سعيد بن أبي هلال، وفيه ضعف، فكلامه مردود منقوض وذلك لأمور:
أولاً: أنَّ ابن حزم متأخر عن أهل العلم الذين تكلموا في سعيد بن أبي هلال، فقد توفي ابن حزم في سنة 456هـ أي في القرن الخامس الهجري، وهنالك الكثير من العلماء المتقدِّمين الذين عرفوا حال سعيد بن أبي هلال أكثر من ابن حزم، ولم يقولوا فيه ما قاله ابن حزم!
ثانياً: أنَّ ابن حزم في تضعيفه وتجهيله للرجال لا يغترُّ بكلامه حينما يتحدَّث عنهم فهو متسرِّع في الحكم على الرجال كما هو معلوم، حتَّى إنَّه جهَّل بعض الأئمة، بل قد يجهِّل ويضعِّف كذلك بدون بيِّنة أو حجَّة.
ثالثا: بعد البحث والاستقصاء والتفتيش عن حال سعيد بن أبي هلال وجدناه ثقة ثبتاً، لم نجد من حكم بضعفه، فلقد وثَّقه ابن سعد، وابن خزيمة، والدار قطني، والخطيب البغدادي، وابن عبد البر، وابن حبَّان، وقال عنه الإمام أحمد: مدني لا بأس به، وقال عنه أبو حاتم: لا بأس به، ووثقه ابن رجب، بل حكى ابن حجر الاتفاق على الاحتجاج به وأنَّه لا يلتفت إلى من ضعَّفه، وكأنَّه يعتبر رأي ابن حزم شاذ وخارج عن النسق الصحيح.
رابعاً: حديث عائشة: (لأنَّها صفة الرحمن) لم يتعقبه أحد من علماء الإسلام بل قد تواتروا على تصحيحه، ونحن نعلم أنَّ الإمام البخاري انتقى أحاديث صحيحه انتقاءً، وكان شرطه في قبولها محل تشديد وتريث، حتَّى إنَّه ما كان يضع حديثاً إلاَّ ويستخير الله قبل وضعه في صحيحه، وهذا الحديث المذكور منها، فهو محل قبول الأمَّة، ولم يتعقبه العلماء برد، فقد ذكر ابن رجب هذا الحديث، واحتج به على مسائل عدَّة ولم يتطرق لنقده، وكذلك الذهبي روى هذا الحديث ولم يتعقبه كعادته في تعقب التفردات والتنبيه على بعض الأوهام، ونقله ابن كثير في تفسيره عن البخاري ولم يتعقبه، والبيهقي ألَّف كتاباً في الصفات نصر فيه الأشاعرة في عدَّة مواضع وخالف أهل السنَّة والجماعة؛ لكنَّه ذكر هذا الحديث ولم يتعقبه بشيء، وكذلك المنذري أورد الحديث معزواً للبخاري ومسلم والنسائي ولم يتعقبه بتفرد ولا غيره، ونحوهم النووي ذكره في رياض الصالحين، ولم يتكلَّم فيه، وهذا كله يدل على تلقي أهل العلم للحديث بالقبول.
أفنصدق هؤلاء الأئمة الأثبات وهم أهل التخصص أم نصدق صلاح أبو عرفة الذي لا ناقة له ولا جمل في علم الحديث!!
إنَّ من ردَّ هذا الحديث فهو كما لو جاء شخص وردَّ أحاديث ثابتة في البخاري كحديث: (إنَّما الأعمال بالنيات) وقال إنَّ هذا الحديث شاذ بسبب التفرد، ولأنَّ فيه محمد بن إبراهيم التيمي، وأنَّ الإمام الذهبي نقل عن الإمام أحمد أنَّه قال عن محمد بن إبراهيم التيمي: في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير أو منكرة.
ثمَّ زاد البليَّة على كلامه فقال: إنَّ هذا الحديث معلول لأنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قاله على المنبر، ولم يروه غير الصحابي الجليل عمر بن الخطَّاب، فكل هذه قوادح في الحديث، تدل على بطلانه!!
فمن قال هذا الكلام فإنَّ كلامه يعدَّ أضحوكة بين علماء الحديث، فظاهره تأصيل وباطنه خبل يدل على العقل الكليل، والذي فضح صاحبه على رؤوس الأشهاد لأنَّه تحدَّث في غير فنِّه فأضحك الناس على عقله، وأتى بالعجائب!!
(يُتْبَعُ)
(/)
خامسا: أنَّ ابن حزم نفسه والذي تكلم في الحديث المذكور سابقا، أثبت لفظ الصفات في موضعين صريحين في كتبه، وسنأتي على ذكرهما إن شاء الله تعالى في الموضع المناسب لذلك.
وبناء على ذلك، فلقد أطبق علماء الأمَّة على القول بصفات الله؛ ومنهم التابعون والذين وصفهم صلاح أبو عرفة في أشرطته بأنَّهم من خير القرون التي شهد لهم الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك، فلقد قال التابعون كذلك بصفات الله، ولو تجشَّم (صلاح أبو عرفة) شيئاً من العناء لوجد في كتب أهل العلم نقولاً كثيرة في ذلك وبالتصريح كذلك باسم: (صفات الله) أو: (صفة الله) فليذهب لكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، ولكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة للالكائي، وكتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني، وكتاب الإبانة عن أصول الديانة لابن بطَّة العكبري، والشريعة للآجري، والعظمة للأصبهاني، وغيرهم من علماء السنَّة.
ولتنظر معي إلى أقوال أئمة المذاهب الأربعة وكيف أنَّهم جميعاً أطبقوا على القول والتلفظ بصفات الله.
أ) فالإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ يقول: (لا يوصف الله تعالى بصفات المخلوقين , وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف , وهو قول أهل السنة والجماعة وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته ورضاه ثوابه , ونصفه كما وصف نفسه أحدٌ لم يلم ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد , حيٌّ قادر سميع بصير عالم , يد الله فوق أيديهم ليست كأيدي خلقه ووجهه ليس كوجوه خلقه).
وكذلك يقول في الفقه الأكبر، عن الله جلَّ وعلا (و له يد ووجه و نفس، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه و اليد و النفس فهو صفات له بلا كيف، و لا يقال إن يده قدرته أو نعمته لأن فيه إبطال الصفة، و هو قول أهل القدر و الاعتزال، و لكن يده صفته بلا كيف).
ب) والإمام مالك بن أنس، حدَّث عنه أشهب بن عبد العزيز فقال: (سمعت مالكاً يقول: إيّاكم والبدع، قيل يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعِلْمه وقدرته ولا يسكتون عمّا سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان)
وقال الوليد بن مسلم: (سألت مالكاً والثوري والأوزاعي والليث بن سعد عن الأخبار في الصفات فقالوا: أمرِّوها كما جاءت بلا كيف).
ونحن نقول هنا لـ: (صلاح أبو عرفة) فهذا رأي مالك بن أنس يا من استدللت بقوله في شريطك المذكور، وقلت اسمعوا لجواب مالك بن أنس، ولا تسمعوا لكلامي، وها نحن كذلك نطلعك على جواب مالك بن أنس فما أنت قائل عنه؟
فهل ستقول عنه: هو كلب أو حمار؛ لأنَّه يزعم أنَّ لله صفات، كما قلت بعظمة لسانك كلَّ من يقول عن الله أنَّ له صفات فهو كلب أو حمار!!
أم أنَّك سترد كلام الإمام مالك لأنَّك تأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواك، وما لم يوافقه ترميه ولا تأبه له، بناء على فهمك الخاطئ والمغلوط؟
أم أنَّك ستترك ما لديك من بدعة محدثة وتتبرأ إلى الله من ذلك؟ وهو أحبّ إلينا من أن تبقى على قناعتك الخاطئة.
ج) والإمام الشافعي رحمه الله يقول: (لله أسماءٌ وصفاتٌ لا يسع أحدًا ردُّها، ومَن خالف بعد ثبوت الحُجَّة عليه فقد كفر، وأمَّا قبل قيام الحُجَّة فإنه يعذر بالجهل).
وقال في كتابه الرسالة: (والحمد لله ... الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصف به خلقه).
د) والإمام أحمد بن حنبل يقول: (لا يوصف الله إلاَّ بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث).
وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي نقل عن الإمام أحمد كتابه لمسدَّد وجاء فيه: (صفوا الله بما وصف به نفسه، وانفوا عن الله ما نفاه عن نفسه).
فقد ذكرت هنا جميع النقول الواردة عن أئمة المذاهب الأربعة في إثباتهم للصفات وتلفظهم بها، فكان ماذا؟ ألم يقولوا هذا القول وهم أئمة الإسلام وفقهاء الملَّة، وأهل اللغة العربيَّة.
وانتقالاً لآراء أئمة الإسلام ومنهم الإمام البخاري رحمه الله، فقد بوَّب في صحيحه باباً فقال: (باب: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ}؛ فسمى الله تعالى نفسه شيئاً، وسمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً، وهو صفةٌ من صفاته) ا. هـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ونجد كذلك عن الفضيل بن عياض قوله: (ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف لأنَّ الله وصف نفسه فأبلغ فقل: (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفوا أحد).
وهذا الإمام أبو جعفر الطحاوي يقول: (وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم. وعليه دين المسلمين، ومن لم يتوقَّ النَّفيَ و التشبيه، زلَّ و لم يُصِب التنزيه. فإن ربنا جل و علا موصوف بصفات الوحدانية)
وقال الإمام البيهقي: (فلله عز اسمه، أسماء وصفات، وأسماؤه صفاته، وصفاته أوصافه)
والعالم أبا القاسم اللالكائي في أصول السنة ينقل عن محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما -قوله: (اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليم وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا).
بل قال الحافظ ابن عبد البر: (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة, والإيمان بها, وحملها على الحقيقة لا على المجاز, إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك, ولا يحدون فيه صفة محصورة, وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج, فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة, ويزعمون أن من أقر بها مشبه, وهم عند من أثبتها نافون للمعبود, والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله).
بل إنَّ ابن حزم نفسه الذي قال: (فلا يجوز القول بلفظ الصفات، ولا اعتقاده بل ذلك بدعة منكرة) نجده رحمه الله قد خالف كلامه السابق في كتبه الأخرى، حيث قال: (وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ).
وقد جاء ذكر ابن حزم للصفات في موضع آخر صريح فقال: (وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز).
فهذه نصوص متواترة متتابعة قاطعة للسان كلِّ من يتقوَّل على أهل العلم، ويتطاول عليهم، فهم أعلم بالسنَّة منه، وأفقه بدين الله لكلِّ من زعم أنَّه من أهل القرآن، وأهل القرآن يتبرؤون من منطقه وقوله.
والسؤال الآن: هل كلُّ هؤلاء العلماء الكبار، والجهابذة الأخيار، كانوا يشتمون الله تعالى بقولهم وتلفظهم بصفات الله، لأنَّه على حد قول: (صلاح أبو عرفة): (من يثبت لفظ الصفات فإنَّه يعتبر شتيمة لله تعالى) فهل كان علماؤنا يشتمون الله بتلفظهم بلفظ الصفات؟!
فسبحان من شرح صدورهم، وفتح على بصيرتهم، وطبع على قلوب مخالفيهم، فأعماهم الهوى عن نيل الحق كما نالوه، ولله في خلقه شؤون!
وصدق الإمام ابن تيمية وهو يقول: (فلا تعجب من كثرة أدلة الحق وخفاء ذلك على كثيرين فإن دلائل الحق كثيرة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم وقل لهذه العقول التي خالفت الرسول في مثل هذه الأصول: كادَها باريها، واتل قوله تعالى: {وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [الأحقاف: 26]).
...
وأمَّا الجواب عن قوله: (الصفات من أشد البدع والإحداث في الدين).
فأقول وبالله التوفيق: لعلَّ قائل هذا الكلام لا يدري حقيقة الكلام الذي يخرج من رأسه، فإنَّ البدعة تعريفها:ما أحدث في أمور الدين على غير مثال سابق.
وقد أثبتنا بأنَّ كلامه عارٍ عن الصِّحة، وبأنَّ أحاديث رسول الله، وأهل العلم قاطبة شاء أم أبى، جاءت على إثبات لفظ الصفات، فكان ما قاله هذا الشخص تقولاً على الله بالباطل وافتراء عليه سبحانه وتعالى، فصار قول هذا القائل بحد ذاته بدعة وإحداثاً في دين الله بما ليس فيه، فأي بدعة يدَّعيها هذا المسكين بالقول بأنَّ إثبات الصفات بدعة وإحداث في الدين؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
ألا يسعه ما وسع سلف هذه الأمَّة الأكارم ـ رحمهم الله ورضي عنهم ـ بإثبات ذلك لله تعالى دون تحريف أو تعطيل أو تأويل أو تكييف أو تمثيل أو تشبيه؟!
لقد خالف هذا الشخص ما اجتمع عليه سلف هذه الأمَّة، أفلا يربأ بنفسه أن يخالف سبيل المؤمنين، وصدق أحسن القائلين إذ قال: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتَّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).
وسأردُّ على هذا الرجل بما كان يطالبنا به فلقد قال إيتونا بخبر أو أثر عن الصحابة يثبت أنَّهم قالوا بلفظ: (الصفات) أو أنَّهم أقرُّوا هذه الكلمة، ولا حرج في ذلك فسنأتيه بذلك.
فلقد روى عبد الرزَّاق: عن معمر بن طاووس عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: أنَّه رأى رجلاً انتفض لمَّا سمع حديثاً عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصفات؛ استنكاراً لذلك، فقال ابن عبَّاس: (ما فرق هؤلاء، يجِدُونَ رقَّه عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه).
وقد ذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله عن ابن عباس في قوله تعالى: {الصمد} قال: (السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحليم الذي قد كمل في حلمه، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله عز وجل، هذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفؤ وليس كمثله شيء، سبحانه الواحد القهار)
وفيه ذكر ابن عبَّاس للفظ الصفات، وقال ابن تيمية عَقِبَ ذلك عن هذا الأثر، بأنَّه: (ثابت عن عبد الله بن أبي صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي، لكن يقال: إنه لم يسمع التفسير من ابن عباس، ولكن مثل هذا الكلام ثابت عن السلف).
إنَّ حقيقة قول (صلاح أبو عرفة) بنفي إثبات لفظ الصفات لله تعالى، وقولته هذه هي محض البدعة والانحراف والإحداث في هذا الدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقوله هذا ليس هو أول مبتدع له؛ فإنَّه ما من بدعة معاصرة إلاَّ ولها بذورها من أهل البدع من الفرق السابقة، وإنَّ من مقتضى كلامه في ذلك أنَّ الصحابة رضي الله عنهم أول من أحدثوا في دين الله، إذ إنَّهم كانوا جميعاً على إثبات الصفات لله، فلم يتنازعوا فيها إطلاقا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والمقصود أن الصحابة رضوان الله عليهم ... لم يختلفوا في شيء من قواعد الإسلام أصلاً: لا في الصفات، ولا في القدر، ولا مسائل الأسماء والأحكام، ولا مسائل الإمامة ... بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه)
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وقد تنازع الصحابة في كثير من مسائل الأحكام، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأمة إيمانا، ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة، من أولهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلا، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا، ولم يبدوا لشيء منها إبطالا، ولا ضربوا لها أمثالا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم).
إنَّ حقيقة هذا القول المستشنع، والرأي المستبشع، الذي يقول به (صلاح أبو عرفة)، ليس إلاَّ تجديد لآراء أهل البدع والمخالفين من أهل الكلام، والذين كانوا بالفعل من أعظم البلاء الذي مرَّ على الأمة، وهو الآن يجدد البلاء ويعيده، فقد صار صلاحٌ بلاءً وكان قبلُ يشتكي البلاء!!
...
وأما ما قاله بأنَّ: (أسماء الله تعالى حق وأما الصفات فمن الباطل).
(يُتْبَعُ)
(/)
فإنَّ هذا القول هو عين قول المعتزلة وهي الفرقة الضالة المخالفة لما كان عليه منهج أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمَّة الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، بل إنَّ من أصولهم الخمسة القول بالتوحيد، والتوحيد عندهم كما يفسره القاضي عبد الجبار المعتزلي بأنَّها نفي الصفات عن الله تعالى، ولهذا نجدهم يقولون بأنَّ الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، ومريد بلا إرادة. تعالى الله عمَّا يقولون علوا كبيرا.
وليسأل صلاح أبو عرفة نفسه: هل الله تعالى عليم؟ فسيثبت حتماً أنَّ الله تعالى عليم.
فنسأله قائلين: هل تثبت لله تعالى صفة العلم؟
فإن أثبتها فقد أثبت صفة لله تعالى هي صفة العلم، وعليه فليثبت الصفات الأخرى التي تليق بالله تعالى، فإن القول في الصفات كالقول في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر كما يقول علماء التوحيد، وعليه قرَّروا أصولهم في الرد على المعتزلة الذين ينفون عن الله تعالى الصفات، والرد على الأشاعرة والماتريدية الذين يثبتون لله تعالى الأسماء وبعض الصفات ولكنهم لا يثبتون بعض الصفات الأخرى.
وإن لم يثبت صلاح أبو عرفة صفة العلم فقد كفر بالله العظيم، لأنَّه نزع عن الله تعالى صفة من أعظم صفاته اللائقة به سبحانه وتعالى وهي صفة العلم، وأثبت له شاء أم أبى نقيضها وهي صفة الجهل، ولهذا لما أنكر القدرية الغلاة علم الله تعالى كفَّرهم أهل العلم كالإمام الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل العلم، وقال فيهم الإمام الشافعي وأحمد: (ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خصموا، وإن أنكروه كفروا).
إنَّ في كتب المعتزلة أنَّ من كمال الإخلاص لله نفي الصفات عنه، وأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته حتَّى لا يستلزم منها الإثنيَّة، وأنَّ القول بتعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله، تعالى الله عمَّا يقول الظالمون علوا كبيراً.
وهذا الكلام هراء وسخف، بل إنَّ من كمال التوحيد لله والإخلاص له توحيده تعالى بما أخبرنا به عزَّ وجل، فمحال أن يخبرنا الله تعالى عن صفات له كالعلو واليدين والحياة والسمع والبصر والكلام، ويكون كلامه تعالى غير واضح لنا وغير مفهوم، فيكون حالنا كحال أهل الكفر بالله حينما يقرؤون كتبهم وهي عليهم عمى، فلو لم يخبرنا الله تعالى في كتابه عن ذلك لما نطقنا عن الله تعالى بما ليس فيه.
ونقول كذلك إنَّ من الباطل القول بأنَّ إثبات الصفات لله هي عين ذاته، فإثبات الأسماء لله بدون أن تدل عليه تعالى من المعاني التي هي صفات كمالية له، جور وضلال وبهتان في حق الله، وهذا يلزم منه تعطيل ما لله تعالى من أوصاف الكمال والجلال، بل لله تعالى ذات تليق بجلاله، وله صفات تليق به تعالى، دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تشبيه، فرب لا يرضى ولا يرحم ولا يحب ولا يتكلم وليس له شيء من الصفات التي أثبتها لنفسه، ليس برب في الحقيقة، ولهذا نجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قد ناقش والده وقال له: (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) وهذا مما يدل على أنَّ الإله الذي كان يعبده آزر وقومه ليس بإله، ولا يستحق العبادة، ولهذا ذكر إبراهيم عليه السلام شيئا من أوصاف الربوبية اللائقة به عزَّ وجل.
ونرد كذلك على من زعم أن القول بأن تعدد صفات الله كالقول بتعدد الأبعاض لله وأنَّ ذلك يستلزم التركيب والله منزَّه عن التركيب، فالجواب عن هذه الشبهة الضلالية أن نقول: أليس المعتزلة الذين نفوا صفات الله وأثبتوا لله الأسماء، وكذلك أثبتوا أنَّه واجب الوجود وأنَّه موجود، ... إلى غير ذلك؟
أليست هذه صفات متعدد؟ أوليس يكون ذلك تركيباً في الله تعالى؟
فلماذا يبيحون لأنفسهم ذلك التركيب التوحيدي على حدِّ زعمهم ويسمون من أثبت له الصفات تركيبا وتشبيها؟!
ثمَّ إنَّا نقول لهذا الشخص ومن كان على شاكلته: (لقد قال تعالى: (سبحان ربك رب العزَّة عما يصفون* وسلام على المرسلين* والحمد لله رب العالمين) فهنا ذكر تعالى أنَّ أولئك الكفَّار وصفوا الله بما هو ليس بلائق له، أفلا يدل ذلكَّ بدلالة المفهوم أنَّ وصف المؤمنين له ـ عزَّ وجل ـ بما هو لائق به وثابت في كتابه أو بما صحَّ عن سنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ محمود؟.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثمَّ هنا نرى أنَّ الله تعالى عقَّب بعد قوله: (سبحان ربك رب العزَّة عما يصفون) وقال بعدها: (وسلام على المرسلين) دلَّ ذلك أنَّ المرسلين وصفوا الله تعالى بما يليق به سبحانه وبحمده.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (وسلَّم على المرسلين؛ لسلامة ما قالوه من النقص والعيب).
وقد وجدت الإمام ابن حجر رحمه الله قد نبَّه على ذلك فقال: (قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) قال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر: (له الأسماء الحسنى) والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته؛ لأنه إذا ثبت أنه حي مثلا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهي صفة الحياة، ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط، وقد قاله سبحانه وتعالى: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: (ولما كان التسبيح يتضمن التنزيه والتبرئة من النقص بدلالة المطابقة، ويستلزم إثبات الكمال، كما أن الحمد يدل على إثبات صفات الكمال مطابقة، ويستلزم التنزيه من النقص - قرن بينهما في هذا الموضع، وفي مواضع كثيرة من القرآن؛ ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ})
لهذا نجد الإمام البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد من (صحيحه) يبوِّبُ باباً فيقول: (باب: قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون} {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}، ومن حلف بعزة الله وصفاته).
وعليه فإنَّ هذا يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته، فلله تعالى صفات، وكل اسم لله تعالى يتضمَّن صفة من هذه الصفات اللائقة به عزَّ وجل.
وإني أسأل هذا الشخص: حينما تطلب من الله تعالى أن يرحمك لأمر نزل بك؟ هل تقول يا جبار يا ذا الانتقام ارحمني؟ أم تقول: يا رحمن ارحمني؟
فإن قلت: كلاهما سواء فأنت أجهل وأضلُّ من حمار أهلك!!
وإن قلت: بل أقول يا رحمن ارحمني.
فنقول لك: فأنت لحظت الصفة المشتقة من الاسم، وهذا ما يسمَّى بعلم الصرف، فهل علم الصرف عندك بدعة ومحدث في الدين؟!
...
وبالنسبة لما زعمه بأنَّ: (إثبات الصفات يعتبر شتيمة لله تعالى فمجرد أن تعبد الله بالصفات فقد شتمته كما زعم)
فالجواب عنه: أنَّ هذا الكلام لا يخرج من عاقل فضلاً عن متعلم، إذ إنَّ كل شخص لا يثبت هذه الصفات لله إلاَّ لأنَّه تعالى أثبتها لنفسه فهو تعالى الذي قال: (بل يداه مبسوطتان) وهو الذي قال: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربّه) وهو الذي قال: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتَّى يسمع كلام الله) وهو تعالى القائل: (الرحمن على العرش استوى)، وهو القائل: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
ومن السنَّة قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يضحك الله إلى رجلين قتل أحدهما الآخر ثم يدخلان الجنة) وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلاَّ سيكلمه ربه وليس بينه وبينه ترجمان).
فما جواب هذا الرجل عن هذه الآيات والأحاديث التي أوردناها، بل التي نتعبَّد الله تعالى بقراءتها وحفظها، وخصوصاً في كتاب الله تعالى الذي نتلوه في صلواتنا ونتعبَّد الله بقراءة هذه الآيات؟
فهل كل المسلمين يشتمون الله حينما يقرؤون ما أنزله الله عليهم لكي يقرؤوا هذا القرآن ويتعلَّموه؟!
وإذا اعتبر (أبو عرفة) أن المسلمين جميعًا قد أجمعوا على شتيمة الله عز وجل؛ قلنا له: إنما علمهم سبحانه هذا في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ والله لا يُعَلِّم خلقه الشتيمة لنفسه، مع العلم أنَّ شتم الله كفر بالله، فهل من عبد الله بالصفات كفر بالله؟!
...
وأما الجواب عن زعمه: (بأن من يثبت الصفات لله تعالى من العلماء، فهو كلب أو حمار؟).
فلقد ذكَّرني هذا الرجل القائل بهذا القول بأسلافه من المعتزلة الذين رموا أهل السنة والجماعة الذي أثبتوا الصفات لله تعالى بأنَّهم مجسِّمة وحشوية بل قالوا إنَّهم حمير!
نعم لقد قالها شيخهم الزمخشري ـ عفا الله عنا وعنه ـ:
(يُتْبَعُ)
(/)
لجماعة سمَّوا هواهم سنَّة ... لجماعة حمر لعمري موكفة
ومقصوده في قوله حمر أي أنَّهم حمير!
ولهذا ردَّ عليه عدد من العلماء ومنهم البليدي قائلاً له ولأمثاله من المعتزلة:
هل نحن من أهل الهوى أو أنتمو ... ومن الذي منَّا حمير موكفة؟!
اعكس تصب فالوصف فيكم ظاهر ... كالشمس فارجع عن مقال الزخرفة
يكفيك في ردي عليك بأنَّنا ... نحتج بالآيات لا بالفلسفة
وعموما فإني لا أريد أن أنزل عن مستوى أخلاق أهل العلم وحملته بما يمكنني الرد عليه به من قواميس الشتائم، وأنواع السباب، فالمؤمن ليس شتَّاما ولا بذيئاً، فمن قال هذا القول ونطق به، فإنَّ هذا يعبِّر عن حقيقة خلقه، وكل إناء بما فيه ينضح، ولقد قال تعالى: (ستكتب شهادتهم ويسألون) ويقول تعالى: (ما يلفظ من قول إلاَّ لديه رقيب عتيد).
وأذكره بأنَّ من تجرأ على علماء المسلمين بدءاً بصحابة رسول الله، ومن تبعهم من أهل العلم الذين ساروا على درب أهل السنة والجماعة، فإنَّ الله تعالى منتقم منه ولو بعد حين، فلحوم أهل العلم مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة ومن تتبعهم بالثلب والسب فسيبتليه الله بموت القلب: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم).
وإني أقول: لقد تتبعت بعض كلام صلاح أبو عرفة في حق أهل العلم فوجدته والله قليل الأدب معهم، سيء الخلق في التعامل مع كلامهم، مستعل عليهم، ومستعجل في تخطئتهم، ويمكنني أن أضرب على ذلك عدَّة أمثلة، فمنها ما تحدَّث به في شريطه عن (آية الناقة التي ضيعها المسلمون ولم يفهمها المفسرون) كما فهم هو طبعاً، حيث قال في شريط له في الدقيقة الرابعة عشرة من الجزء الأول في الشريط، يقول وقد بدأ يقرأ من أحد التفاسير:
((مالها الناقة يا سيدي بدنا نحكي في الخراريف ... ))
ثم ذكر ما ورد من نقل لبعض الإسرائيليات وقال:
((شو هالحكي يا شيخ مالنا ما لنا ليش الكذب .. الله يعين الي كتب على اللي كتبه ..
واللا كيف فكرك ضاع الدين يا شيخ .. شفت يا سيدي وين راح الدين ..
واللا كيف بدي أسحرك يا شيخ وأعميك .. ))
وإني أقول للأخ القارئ:انظر لكلامه وهو يقرأ في تفسير بعض كتب أهل العلم، وكيف يتعامل معهم، حتَّى إنَّ ألفاظه لا تنم ولا تدل على رجل يحترم أهل العلم، ويتحدث بالعامية التي لا تليق برجل يمتثل القرآن منهجاً.
فهو يقول عن ذلك المفسر: (كيف بدي أسحرك يا شيخ وأعميك) ويقول كذلك: (ليش الكذب).
فتأمل طريقة حديثه مع أهل العلم، ولنفترض جدلاً أن أهل العلم زلوا أو أخطؤوا أبمثل هذه الطريقة السوقية يتحدَّث هذا الرجل مع العلماء؟!
وانظر لكلامه في شريط ملخص آية الناقة وفي الدقيقة الثانية حيث يقول:
((وعندما تلونا لكم ما تلونا من الكتب ابن كثير والقرطبي والطبري في ناس بيعبدوها كما يعبدون القرآن يا شيخ ... ثم كفرت بالقرآن لتأتي بالصخرة ... ))
فتأمل كلامه:من الذي يعبد تفاسير العلماء من المعاصرين ومن السابقين؟ وهل من أمثلة على ذلك قديماً وحديثاً؟
وكذلك في الشريط آنف الذكر نجده يتحدث في الدقيقة الثامنة: ((تتمخض عن ناقة جوفاء هيك في التفسير عند ابن كثير وعندهم رحمة الله عليهم جميعاً الله يصلحهم أنا ما معلش بدنا نسامحه، هو يعني أمام الله يتابع شو قال من وين قال ناقة جوفاء وبرآء عشراء حمراء ليش، بتعرف ليش هذا النفاخ، حتى يعمينا .. شو هذا الحكي، حتى تكبر الكذبة ... ))
فتأمل حديث أبو عرفة عن الإمام ابن كثير الذي شهد له بهذه الإمامة القاصي والداني، وهو يتحدث بهذه الطريقة السمجة ويقول عن هذا الإمام: (حتى يعمينا) و (حتى تكبر الكذبة)!
والعجب العجاب أنَّ عنده تلامذة متعصبين له ويفكرون بمثل تفكيره ويؤجّرون عقولهم له، وينتفضون لقيله وقاله إن اعترضه أحد ويسبونه بأنواع من السباب والشتائم، وأما أهل العلم فلا مانع من أن يقوم شيخهم بسبِّهم وشتمهم.
...
وأمَّا الجواب عن كلامه في موضوع الصفة وتعريفه لها حيث قال: (الصفة هي أن تقول في شيء ما لا تتبيَّن منه) و يقول كذلك: (إذا عبد الله بالاسم فقد عبده بالحق؛ وإذا عبده بالوصف فكأنَّه عبده بالتقريب، وذلك لأنَّ الوصف من التقريب والتقريب من الظن والظن لا يغني من الحق شيئا).
(يُتْبَعُ)
(/)
فالجواب عن ذلك أنَّ نقول: إنَّ هذا الشخص حتَّى في تعريفاته للصفة والوصف قد أخطأ خطأ شنيعاً كعادته في كثير ممَّا يقوله ويتخرَّص به، فالصفة عند أهل اللغة هي: (الاسم الدال على بعض أحوال الذات، وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها) وهي كذلك: (ما وقع الوصف مشتقاً منها، وهو دال عليها، وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه) وقال ابن فارس: (الصفة: الأمارة اللازمة للشيء)، وقيل أن الصفة هي: (لفظ ينعت به الموصوف فيبين صفة من صفاته وحالة من حالاته).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ بعد أن ساق حديث: (صفة الرحمن) ـ فقال عقب ذلك: (والصفة: مصدر وصفت الشيء أصفه وصفًا وصفة، مثل وعد وعدًا وعدة، ووزن وزنًا وزنة، وهم يطلقون اسم المصدر على المفعول، كما يسمون المخلوق خلقًا، ويقولون: درهم ضرب الأمير، فإذا وصف الموصوف، بأنه وسع كل شيء رحمة وعلمًا، سمى المعنى الذي وصف به بهذا الكلام صفة. فيقال للرحمة والعلم والقدرة: صفة، بهذا الاعتبار، هذا حقيقة الأمر).
هذه تعريفات اللغويين والعلماء للصفة والتي تخالف بوضوح ما عرَّفه: (صلاح أبو عرفة) للصفة، فهو تعريف عصري جديد!
وعليه فإنَّ الله عزَّ وجل يستحق الوصف اللائق به تعالى، وهو كلام أهل اللغة كذلك والذين فقهوا من حديث رسول الله وفهموا منه ووقفوا عند حدِّه فاللغوي الشهير أبو القاسم السهيلي يقول: (وأما صفات الباري - سبحانه - فلا نرى أن نسميها نعوتا، تحرجا من إطلاق هذا اللفظ، لعدم وجوده في الكتاب والسنة. وقد وجدنا لفظ الصفة في الصحيح، حين قال عليه السلام للرجل الذي كان يقرأ " قل هو الله أحد " في كل ركعة: لم تفعل ذلك؟ فقال: أحبها لأنها صفة الرحمن).
وقال الزبيدي: (قال ابنُ الأَثِير: النَّعْتُ: وَصْفُ الشيءِ بما فيه من حُسْنٍ ولا يُقَال في القَبِيحِ إِلاّ أَنْ يَتَكَلَّف مُتَكَلِّفٌ فيقول: نَعْتَ سَوْءٍ والوَصْفُ يقالُ في الحَسَنِ والقَبِيحِ. قلت: وهذا أَحَدُ الفُروقِ بين النَّعْتِ والوَصْفِ وإِن صَرَّح الجَوْهَرِيُّ والفَيُّومِيُّ وغيرُهما بتَرادُفِهِما. ويقال: النَّعْتُ بالحِلْيَةِ كالطَّوِيلِ والقَصِيرِ والصِّفَةُ بالفِعْلِ كضَارِب وقال ثعلب: النَّعْتُ ما كان خاصّاً بمَحَلٍّ من الجَسَدِ كالأَعْرَج مثلاً والصِّفَةُ للعُمُومِ كالعَظيم والكَرِيم؛ فاللهُ تعالى يُوصَفُ ولا يُنْعَتُ).
فالكلام الذي قاله صلاح أبو عرفه وتخرَّصه من عقله دون بينة أو برهان بل بقذف شبهات ثارت في فكره، فقذفها من لسانه أمام الناس، فإنَّها لا تثبت عند كلام المحققين من أهل العلم، فحينما قال: (النبي يعلم أنَّ الله لا يصف لأنَّ الوصف كذب وعيب) هذا الكلام لا يخرج من عاقل للغة العربيَّة وأساليبها، والعجب العجاب أنَّه حاول أن ينكر صحَّة القول في كلمة الصفة أو الوصف، فهو يرى عدم جواز إطلاقها وحتَّى لو كان ذلك في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنَّه قد ثبتت لنا أحاديث صحاح وحسان وجياد تدل على أنَّ الصحابة كذلك وصفوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فلدينا حديث عطاء بن يسار حينما قال: (لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}. وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا).
كذلك لدينا حديث أبي جحيفة السوائي قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن علي عليهما السلام يشبهه، قلت لأبي جحيفة: صفه لي، قال: كان أبيض قد شمط، وأمر لنا النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة قلوصا، قال: فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن نقبضها).
فهذه أدلَّة على جواز وصف الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى أنَّ لفظ الوصف لا مانع من إطلاقه، لأدنى عاقل يفقه في اللغة العربيَّة شيئاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
أمَّا أن يقول (صلاح أبو عرفة): (فالوصف في كتاب الله يعني الكذب فكيف تعبد الله بالصفات؟ فهذا يعني أنَّك تعبده بالكذب)، فلا أدري من أين أتى هذا الرجل بهذا اللازم، وحاول أن يلزم به خلق الله على ضلاله الذي وقع فيه، ولنفترض جدلاً أنَّ الوصف ورد في القرآن بمعنى الكذب، فهل يعني هذا أن يكون الوصف لأحد حينما يوصف بشيء فإنَّ هذا الوصف الذي وُصِفَ به كذب؟!
والعجب أنَّه حينما يسأله سائل عن صفات الله يلزمه بضلاله وجوره، فكم من شخص يسأله عن ذلك فيقول له: قل الصفات والعياذ بالله لأنَّه ذكر باطلاً، وهذا مسجَّل بصوته في الشريط المذكور.
فعلاً صدق الشاعر حينما قال:
وكم من فقيه خابط في ضلاله ... وحجَّته فيها الكتاب المنزَّل
• وأخيرا:
فإني أقول لصلاح أبو عرفة هداه الله وردَّه إلى الحق .... آمين.
إن كنت معظِّماً لله تعالى ومحباً له عزَّ وجل؛ فإني أدعوك أن تراجع منهجك وطريقتك في التعامل مع كتاب الله تعالى، حاول أن تعتزل الناس قليلاً كي تراجع منهجك لتدرك أنَّك تسير في طريق خطير جد خطير، تتنكب فيه للمنهج القرآني الذي تدعو إليه، وتقع في أخطاء عقائدية ومنهجية وفكرية خطيرة، وبعدها فما الفائدة؟!!
ألا ترى أنَّك لا تثير سوى الغرائب والعجائب؟!!
وهل وسع أهل القرآن أن يحدثوا الناس إلا بمثل هذه الأمور ثمَّ يطلبوا من غيرهم أن يقتنعوا بها، وإن لم يقتنعوا يشنعوا عليهم في ذلك؟!!
ألا تذكر حين كنت تقف أمام الناس وتقسم بالله أنَّ أمريكا ستغرق في تاريخ كذا وكذا وتقسم على ذلك في المساجد؟ وحينما أتى موعد الغرق الذي قلت به ولم يحصل، أجَّلت هذا لتاريخ آخر، ومع هذا فلم يحصل هذا ولا ذاك ... وليتك اعتذرت للناس عمَّا حصل منك في ذلك.
لهذا فإني أقول لك يا صلاح ألا يسعك ما وسع منهج سلفنا الصالح وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان؟!!
أسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لهداه، ويوفقنا وإياك لرضاه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
ونقول ختاماً:
تم الكلام وربنا محمود ... وله المكارم والعلا والجود
ثمَّ الصلاة على النبي وآله ... ما لاح قمري وأورق عود
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به، وحسبنا الله ونعم الوكيل، سائلاً الله تعالى الهداية لجميع المسلمين، وأن يوفقهم لأحسن الأقوال والأفعال، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وكتبه
خباب بن مروان الحمد
KHABAB1403@HOTMAIL.COM
حامداً لربه، ومصليِّاً على رسوله
صباح يوم الخميس الموافق
30/ 12/ 1430هـ
17/ 12/2009م
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[19 Dec 2009, 02:34 م]ـ
جزاك الله كل خير أخي خباب، فقد أجدت فأفدت،
ولي هنا الملاحظات الآتية:
1. سبق أن سألت شيخي عن المدعو صلاح أبو عرفة فلم يزد أن قال:" دعك ".
2. سبق أن استمعت للرجل وهو يتكلم في حلقة من الحلقات التي تنتشر في المسجد الإقصى فتبين لي أن الرجل يتيه برأيه وهو يتقن التلبيس على العوام. وأقصد بالعوام من ليس لهم حظ من العلم الشرعي. سألت عن تخصصه فوجدته كما قال لي شيخي قد تتلمذ على نفسه.
3. ما يأتي به الرجل من بدع ناتج عن ولعه في الإغراب ولفت الانتباه إلى نفسه. ويبدو أنه يبحث عن بعض ما أثير قديماً فيعمد إلى جعله في قالب مزخرف يخلو من مضمون حقيقي، ومن هنا لا يخدع به أهل العلم، بل ويسهل عليهم إدراك الخلل بمجرد الاستماع إليه لدقائق.
4. ويكفي للتعريف بهذا الرجل ومنطقه المتهافت أن تسمع له شريطاً مصوراً أنزله في الإنترنت يُقسم فيه بأغلظ الأيمان أن الأمريكان لن يصلوا إلى أسامة بن لادن والظواهري. أما دليله على هذا فأخذه كما يقول من سورة القصص:"قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ". ويشدد على أنهما رجلان والقرآن يقول:" ونجعل لكما سلطاناً"، فهل بعد ذلك من عجب؟!!
والذي أراه أنه يكفي مثل هذا الشريط وبمثل هذا المنطق ليقتنع كل صاحب عقل بتهافت منطق الرجل وسخافته.
ـ[خالدعبدالرحمن]ــــــــ[06 Jan 2010, 12:37 ص]ـ
جزاك الله كل خير أخي خباب، فقد أجدت فأفدت،
ولي هنا الملاحظات الآتية:
(يُتْبَعُ)
(/)
1. سبق أن سألت شيخي عن المدعو صلاح أبو عرفة فلم يزد أن قال:" دعك ".
2. سبق أن استمعت للرجل وهو يتكلم في حلقة من الحلقات التي تنتشر في المسجد الإقصى فتبين لي أن الرجل يتيه برأيه وهو يتقن التلبيس على العوام. وأقصد بالعوام من ليس لهم حظ من العلم الشرعي. سألت عن تخصصه فوجدته كما قال لي شيخي قد تتلمذ على نفسه.
3. ما يأتي به الرجل من بدع ناتج عن ولعه في الإغراب ولفت الانتباه إلى نفسه. ويبدو أنه يبحث عن بعض ما أثير قديماً فيعمد إلى جعله في قالب مزخرف يخلو من مضمون حقيقي، ومن هنا لا يخدع به أهل العلم، بل ويسهل عليهم إدراك الخلل بمجرد الاستماع إليه لدقائق.
4. ويكفي للتعريف بهذا الرجل ومنطقه المتهافت أن تسمع له شريطاً مصوراً أنزله في الإنترنت يُقسم فيه بأغلظ الأيمان أن الأمريكان لن يصلوا إلى أسامة بن لادن والظواهري. أما دليله على هذا فأخذه كما يقول من سورة القصص:"قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ". ويشدد على أنهما رجلان والقرآن يقول:" ونجعل لكما سلطاناً"، فهل بعد ذلك من عجب؟!!
والذي أراه أنه يكفي مثل هذا الشريط وبمثل هذا المنطق ليقتنع كل صاحب عقل بتهافت منطق الرجل وسخافته.
وأذكُر كذلك أن الشيخ صلاح الدين كان أحد المعجبين بالاستاذ بسام جرار .. والآن بعدما ازداد به علما، يقول فيه "دعك"من رجل يقرأ القرآن بالأرقام، ويستكشف بها الغيوب!.
ثم يبدو من كلامك أنك لست من "العوام" الذين يسهل على الشيخ أن يوقع بهم، وأنك من رواد الأقصى، فلم لم تراجعه بـ"العلم" و"الحلم" والأناة!؟ حتى لا يوقع المزيد وأنتم تشهدون، فتحملوا أوزارهم ... ؟. كما لو جادلت أهل الكتاب مثلاً؟.
ثمّ أن هذه الجديدة "تتلمذ على نفسه" لا تروق للمقسطين، فإما أنه بخير أو بشر؛ فكم من متتلمذ على "جيش" من العلماء، ولم يفلح أبدا ..
ولعل الشيخ الألباني -الذي تتلمذ على نفسه- يسعفنا في مقصدنا هذا.
وما أعلمه عن "شيخك" أنه من مدرسة "حسن البنا" الذي تتلمذ على نفسه؛ فسبحان الله، كيف تميد الموازين!.
وأخيرا، يعلم الله أنني سمعت الشيخ بأذني يقول: ما جرّاني على القول "بالتواريخ"، إلا ما سبق "أستاذنا" به بسام جرار!. وهو الآن -حفظه الله- متبرئ من كلّ "جُمّل" و"آلة حساب"!.
وإن كان أزعجك منطقه المتهافت، فيما تأوله من سورة القصص، ذكّرناك بالمنطق "المتين" في "زوال إسرائيل 2022 نبوءة أم صدف (((((رقمية)))))!!. وما فيها من المنطق المنزّل الحكيم!.
فسبحان الله، كيف يصير استدلال الرجال بالتنجيم علمًا يُحمدون عليه، ويصير استئناس رجل بآية، سُبّة يُعاب فيها!.
أتمنى أن نتقي الله في أنفسنا، قبل أن نتقيه في الناس.
ـ[خالدعبدالرحمن]ــــــــ[06 Jan 2010, 12:45 ص]ـ
في هذا الرابط، رد مفصل على ما اعترى مقالة خباب الحمد من الاختلاط والالتباس والاضطراب .. وأن ما قاله الشيخ صلاح الدين، قد سبقه إليه من أخذ العلماء عنهم الدين!.
فنسأل الله الهداية لكل مؤمن.
{ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}!.
http://www.muslm.net/vb/showthread.php?t=373053
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[06 Jan 2010, 01:03 ص]ـ
الأخ الكريم خالد،
1. ليتك تغضب لشرع الله أعشار عضبك هذا. وما على شيخي عندما أستنصحه أي يكون عف اللسان فلا يزيد على كلمة (دعك)؟!
2. شيخي لم يتتلمذ على نفسه بل تتلمذ على كبار علماء الشام على اختلاف مشاربهم.
3. الذي يتتلمذ على نفسه فيأت بخير لا نسأله عن شيخه، أما من يتعالم بجهله نسأله عن شيخه. أما الألباني رحمه الله فقد تتلمذ على علماء. أم لعلك تقصد أنه لم يدرس في جامعة كجامعات اليوم التي تُخرّج الكثير ممن لا يفلحون!
4. أما أخذ الغيوب من القرآن الكريم فقد يصح وقد لا يصح ولكنه يستند إلى القرآن الكريم. وصاحبكم هذا يتألّى على الله فيقسم على غيوب لا يستند فيها على دليل شبه معتبر.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[06 Jan 2010, 02:03 ص]ـ
الأخ الكريم خالد،
1. معلوم أن كتاب زوال إسرائيل 2022م هو من تأليف شيخي. ولكن الشيخ لا يقول بحتمية زوال إسرائيل عام 2022م ولا يقسم على ذلك كما يفعل صاحبكم. ومن هنا حرص على أن يكون العنوان هكذا:"زوال إسرائيل 2022م نبوءة أم صدف رقمية". والمعنى: زوال إسرائيل في هذه السنة هل هو تفسير وإبانة للنبوءة الواردة في فواتح سورة الإسراء أم مجرد أرقام أوحت بذلك من قبيل الصدفة.
2. في مقدمة الكتاب يقول بصراحة:" لا أقول إنها نبوءة ولا أقول إنها ستحصل". ولكنها أرقام لفتت انتباهه فهو يعرضها على القارئ الذي يتحمل مسئولية حكمه على دلالتها.
3. وفي أثناء الكتاب يكرر عبارات مثل: (إن صدقت التوقعات) وما يشبهها.
4. سمعت منه في أكثر من محاضرة يركز على هذه المعاني ويحذر من الجزم بالمسألة، وكان فيما قال:"أنا أكثر شخص متشكك في حصول هذا"، قلنا له لماذا فقال:"لأنها أرقام وليست بنص يُصرّح". وكان يمازحنا ويقول: إذا لم تحصل التوقعات لا يراجعني أحد في المسألة لأنني لا أقول بزوال إسرائيل في هذا العام، بل الناس هم الذين يقولون ذلك بعد الاستماع إلى المحاضرات.
فأين هذا المسلك أخي خالد من مسلك صاحبك الذي لا يفتأ يقسم ثم يقسم ثم يقسم ولا يرده عن ذلك تكذيب الواقع له؟!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[06 Jan 2010, 01:48 م]ـ
الأمر سهل لو تدبَّره الشيخ صلاح أبو عرفة وفقه الله، ولكنَّ إصرارَه على أن يأخذ كلَّ مصطلحٍ ولفظةٍ من القرآن أو السنة ضيَّق قاموسه، وجعله يفتعل المعارك التي يظنها علميَّة وليست بها، وليست هذه بأول أوابدِهِ وغرائبِه، والموفَّقُ مَنْ وفَّقه الله للاشتغال بالعلم النافع وجنَّبَه بنيَّات الطريق.
نسأل الله أن يزرقنا العلم النافع، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
ـ[طارق منصور وافي]ــــــــ[06 Jan 2010, 02:35 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي لم اجد تعليقا من الراد على هذا القول وفقك الله
في ما نقل الشيخ خباب في الموضوع اعلاه
وكذلك يقول: (مجرَّد أن تقول أنَّ الله وصف المؤمنين أو وصف الجنَّة فأنت شتمت الله)!!
ويرى كذلك أنَّ: (الصفات شتيمة لله ومجرَّد أن تعبد الله بالصفات فهي شتيمة لله)!!
ارجوا التوضيح(/)
جمعية خيرية في بلد إسلامي تطلب نسخا من المصحف الشريف
ـ[حسن عبد الجليل]ــــــــ[26 Dec 2009, 01:33 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الأحبّة وردتني رسالة من إحدى الجمعيات الخيرية غير الربحية التي تقوم بتعليم المسلمين القرآن الكريم، ويعربون عن حاجتهم لنسخ من المصحف الشريف، وبدوري أضع العناوين التي وصلتني عبر الإيميل بين أيديكم
Republic of Kazakhstan
Astana city
Str. Aulye ata ( Tselskaya ) # 69
Mr. Muhammedamin Kurmanali
Mobile 0077025910233
Phone 0077073969713
أخوكم المحب فى الإسلام
محمد أمين قرمان علي شيخ إكرام أولى
رئيس مجلس إدارة جمعية كازخستان قطر الإجتماعية
(مؤسسة إسلامية خيرية إجتماعية غير ربحية)
0077025910233
0077073969713
islamicworld2007@yahoo.com
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[07 Feb 2010, 04:51 م]ـ
أنصحهم بمراسل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
http://www.qurancomplex.org/
أخبرهم أن يراسلوا المجمع بأوراقهم وشخصيتهم الاعتبارية وعددما يطلبون من المصاحف
وظني أن سيجدوا بغيتهم إن شاء الله
ـ[حسن عبد الجليل]ــــــــ[08 Feb 2010, 11:55 م]ـ
أشكرك أخي الحبيب على توجيهكم الكريم وسأرسل لهم بإذن الله تعالى
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[14 Feb 2010, 12:02 ص]ـ
نعم وأنا أيضا وصلتني الرسالة من الأخ محمد امين قرمان يطلب نسخاً من القرآن الكريم وأضم صوتي لذلك ... وأرجو ممن يمكنهم مساعدتهم في ذلك أن لا يقصروا وقد طلبتُ منهم مراجعة السفارة السعودية.(/)
فصل المقال فيما بين فلسفة البشر وحكمة القرآن من الانفصال عند الحكيم بديع الزمان (1)
ـ[خلوصي]ــــــــ[27 Dec 2009, 09:47 م]ـ
.
فصل المقال
فيما بين فلسفة البشر وحكمة القرآن من الانفصال
عند الحكيم بديع الزمان
(1) العدد: 3 (أبريل - يونيو) 2006
أ. د. طه عبد الرحمن
/ الفلسفة الإسلامية
تمت قراءة هذه المقالة 5593 مرة
--------------------------------------------------------------------------------
نستهل هذا البحث باتخاذ إجراء اصطلاحي أساسي، وهو أن نخصص (من الآن فصاعدا) لفظ «الفلسفة» بالدلالة على المعرفة التي وضعها الإنسان من عنده، فنقول: «الفلسفة الإنسانية»، ولا نقول: «الفلسفة القرآنية»، كما نخصص لفظ «الحكمة» بالدلالة على المعرفة التي جاء بها الوحي من عند الله، فنقول: «الحكمة الإلهية»، ولا نقول: «الحكمة الفلسفية» أو «حكمة الفلاسفة»، ولا بالأوْلى نُطلق اسم «علم الحكمة» على الفلسفة، ولا اسم «الحكماء» على الفلاسفة. (1)
ولا يخفى أن هذا الإجراء الاصطلاحي يضاد كليا نظيره الذي قام به ابن رشد، فقد خص كلمة «الحكمة» بإفادة معنى «الفلسفة» في مقابل «الشريعة» كما جاء ذلك في عنوان كتابه المعروف: فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال؛ ومن شأن تخصيص الفلسفة بالحكمة ومقابلتها بالشريعة أن يوهم بأن الحكمة اجتمعت كلُّها في الفلسفة وأن الشريعة ليس شيء فيها حكمة، بحيث تَرِد على هذا الإجراء شبهة التخليط أو التغليط؛ ولا دفع لهذه الشبهة إلا بتغيير عنوان هذا الكتاب بأحد الطريقين: إما الاستبدال أو التقييد؛ والطريق الأول منهما يقوم في أن نضع لفظ «الفلسفة» مكان لفظ «الحكمة»، فنقول: فصل المقال فيما بين الفلسفة والشريعة من الاتصال، ولا سيما أن المصطلح الذي اختار ابن رشد أن يستعمله في أول كلامه في كتابه هذا هو لفظ «الفلسفة»، وليس لفظ «الحكمة»؛ والطريق الثاني يقوم في أن نخصص طرف الحكمة من طرفَي هذه المقابلة بواسطة الإضافة، فنقول: فصل المقال فيما بين حكمة الفلسفة وحكمة الشريعة من الاتصال أو نخصصه بواسطة الإسناد، فنقول: فصل المقال فيما بين الحكمة الفلسفية والحكمة الشرعية من الاتصال.
وبعد هذا التوضيح الاصطلاحي الضروري، نتَّبع في عرض موقف بديع الزمان من العلاقة بين «الفلسفة» و «الحكمة» الطريق الذي يُؤثِر هو نفسه اتباعَه في بسط أفكاره وآرائه، لأننا نكون بذلك أقرب إلى فهم هذا الموقف مما لو نحن نتَّبع في ذلك طريقا غيرَه من طرق العرض والإيضاح والتحليل المعلومة؛ وليس هذا الطريق المفضَّل لدى بديع الزمان إلا طريق التمثيل والتشبيه؛ فلنوضح إذن موقفه من هذه العلاقة بتشبيه تمثيلي مخصوص نتأوَّله ونتعرف من خلاله على الصفات التي يتميز بها هذا الموقف؛ وليكن هذا التشبيه كالتالي:
فكما أن «كوبيرنيك» أحدث انقلابا في تصور العلاقة بين الأرض والشمس، (2) فكذلك بديع الزمان أحدث انقلابا في تصور العلاقة بين الفلسفة والحكمة،
أو قُل على جهة التشبيه، بين أرض الفلسفة وشمس الحكمة؛ غير أن هذا الانقلاب الجديد أخذ مسارا معاكسا لانقلاب فكري آخر نُعِت هو أيضا بكونه «كوبرنيكيا»، وهو بالذات الانقلاب الذي أحدثه «كانط» في تصور العلاقة بين الذات العارفة والموضوع المعروف؛ (3) فيتعين إذن أن نحدد خصوصية انقلاب بديع الزمان -هذه الخصوصية التي تَثْبُت له معها الصفة «الكوبرنيكية» وتنتفي عنه الصفة «الكانطية» - كما يتعين تحديد نوع الإنسان الذي يتولد من هذا الانقلاب الفكري الجديد.
ومعلوم أن مفهوم «الانقلاب» أخص من مفهوم «التغيير»، إذ هو تغيير الشيء إلى ضده أو نقيضه، بحيث يكون الموقف من العلاقة بين الفلسفة والحكمة الذي انقلب إليه بديع الزمان مضادا للموقف الذي انقلب منه؛ فلننظر الآن في هذا الموقف المنقلَب منه، حتى نتبين قدر التحوّل الذي سوف يطرأ على فكر صاحبه.
1. بديع الزمان الفيلسوف والوصل بين الفلسفة والحكمة
(يُتْبَعُ)
(/)
يقر بديع الزمان بأنه اشتغل بالفلسفة مدة وتعلق بها تعلقه بالعلوم العقلية كما اشتغل وتعلق بها غيره من المفكرين، (4) بحيث يصح أن نَعُد هذه الفترة من حياته الفكرية فترة تفلسف صريح جعله يتخذ من العلاقة بين الفلسفة والحكمة نفس الموقف الذي اتخذه فلاسفة الإسلام من أمثال الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد، (5) وهو، على التعيين، موقف الجمع أو الوصل بينهما، بمعنى أن الفلسفة لا تخالف الحكمة، وإنما توافقها.
والواقع أننا إذا دققنا النظر في هذا الجمع -أو الوصل- وجدنا أنه يتخذ صورتين اثنتَين: إحداهما، الصورة التي اشتهر بها الكندي والفارابي وابن سينا؛ والثانية، الصورة التي اشتهر بها أبو سليمان السجستاني وابن رشد؛ فلنبسط الكلام في هاتين الصورتين للوصل بين الفلسفة والحكمة.
1.1. جمع التداخل بين الفلسفة والحكمة: إن الصورة الأولى التي اتخذها الجمع بين الفلسفة والحكمة هو أنه عبارة عن تداخل، بمعنى أن الفلسفة والحكمة تدخل إحداهما في الأخرى، فما تقرره الحكمة تثبته الفلسفة وما تدّعيه الفلسفة تؤيده الحكمة، بحيث تنزلان منزلة الأختين الشقيقتين؛ ويقوم هذا الوصل التداخلي، حسب ما جاء في نصوص بديع الزمان، على مبدأين أساسيين:
أحدهما، مبدأ تأسيس النقل على العقل: ومقتضاه أن النقل يُؤوَّل على مقتضى العقل متى ظهر تعارضه معه.
والثاني، مبدأ التوسل بالعقل في النقل: ومقتضاه أن المفاهيم العقلية تكون وسائط في بيان الحقائق النقلية.
وقد عَمل بديع الزمان بهذين المبدأين في فترة تفلسفه، إذ يخبرنا أنه كان يقيم الحقائق الإسلامية على أدلة عقلية كما هي طريقة الفلاسفة، داخلا في مناظرة خصومه وخصوم الإسلام. (6) كما نجد أنه كان يلجأ في توضيح المعاني الإسلامية إلى المفاهيم الفلسفية كشأنه مع معنى «العدل»، إذ لجأ في بيانه إلى نظرية «أفلاطون» في الفضائل الأربع -أي العفة والشجاعة والحكمة والعدل- وأيضا إلى نظرية «أرسطو» في مفهوم «الفضيلة» باعتبارها وسطا بين الإفراط والتفريط. (7)
2.1. جمع التصاحب بين الفلسفة والحكمة: أما الصورة الثانية التي اتخذها الجمع بين الفلسفة والحكمة، فهي أنه عبارة عن تصاحب؛ بمعنى أن الفلسفة والحكمة، ولو أنهما تعبِّران عن حقيقة واحدة، تبقيان مستقلتين إحداهما عن الأخرى، إذ تكون لكل واحدة منهما لغتها وجمهورها ومنهجيتها ومقصديتها الخاصة، فتكون العلاقة بينهما علاقة تساوق وترافق أشبه بترافق الصديقتَين؛ والأصل في القول بهذا الوصل التصاحبي هو الاعتقاد بأن الفلسفة تأخذ بمبادئ ثلاثة لا تأخذ بها الحكمة:
أحدها، مبدأ الاندهاش: ومقتضاه أن فعل التفلسف يتولد من الشعور بالدهشة -أو العجب- إزاء الآثار في النفس أو إزاء الأشياء في الأفق.
والثاني، مبدأ الاستشكال: ومقتضاه أن الفيلسوف لا يفتأ يضع الأسئلة تلو الأخرى، باحثا عن الأجوبة عنها.
والثالث، مبدأ الاستدلال: ومقتضاه أن الفلسفة تستند في إثبات حقائقها إلى الأدلة العقلية التي قد تبلغ أعلى مراتب اليقين.
وقد عَمل بديع الزمان بهذه المبادئ الثلاثة، هي الأخرى، في فترة تفلسفه، إذ كان يتمتع بقدرة اندهاشية قَلَّ نظيرها، فلا يرى شيئا في نفسه أو في أفقه إلا ويرى فيه سرا عجيبا ينبغي استكناه أمره؛ وأيضا كانت الأسئلة المصيرية تملك عليه مشاعره وتستحوذ على مداركه، فيشغله طلب الأجوبة عنها طويلا، معاودا النظر فيها، إن تصحيحا أو تعميقا. ولم يكن بديع الزمان يجد من طريق أسلم في استكناه الأمور التي يندهش لها ولا في الجواب عن الأسئلة التي تهجم عليه إلا طريق البرهان العقلي، لكي تطمئن نفسه التي بين جنبيه ويقتنع خصمه الذي بين يديه.
وعلى الجملة، كان بديع الزمان الفيلسوف كغيره من فلاسفة الإسلام يسلّم بمبدإ الجمع بين الفلسفة والحكمة، سواء اتخذ هذا الجمع شكل التداخل كما عند الفارابي وابن سينا أو شكل التصاحب كما عند ابن رشد.
2. بديع الزمان الحكيم والفصل بين الفلسفة والحكمة
(يُتْبَعُ)
(/)
ها هنا يجب التنبيه على حقيقة أساسية، وهي أن هذا الجمع بين الفلسفة والحكمة، إذا كان النظر العقلي المجرد يجوِّزه ولا يحيله، فإن الواقع الحي يكذبه ولا يؤيده؛ ذلك أنه حدثَ على مرأى ومسمع من بديع الزمان انقلاب سياسي اجتماعي تصدَّع له التاريخ واهتز له المجتمع وصعق له الإنسان؛ ولم يكن هذا الانقلاب السياسي الاجتماعي إلا أثرا من الآثار التي انعكس بها على المجتمعات الغربية الانقلاب الفكري الذي قامت به الفلسفة الحديثة ضد الحكمة الدينية والذي يمثله خير تمثيل فكر الفيلسوف الألماني «كانط».
وكان لا بد لهذا التعارض الغريب بين تجويز العقل للجمع بين الفلسفة والحكمة وتكذيب الواقع المعيش له من أن يشغل بال بديع الزمان طويلا ويدعوه إلى مراجعة موقفه الفلسفي وبالتالي إلى تجديدِ النظر فيما تقرر بين فلاسفة الإسلام من أن الفلسفة والحكمة متصلتان اتصالَ تداخلٍ كالشقيقتين أو اتصالَ تصاحبٍ كالصديقتين.
من هنا يبدأ العهد الجديد لبديع الزمان، إذ يتجرد من لباسه الفلسفي القديم ليلبس لباسا جديدا، ألا وهو لباس الحكمة، أو قل ها هنا نشهد موت بديع الزمان الفيلسوف وولادة بديع الزمان الحكيم،
(8) ونسوق في هذا المقام نصا بهذا الشأن لا غبار عليه، وهو التالي:
«راجعت أول ما راجعت تلك العلوم التي اكتسبتها سابقا أبحث فيها السلوة والرجاء؛ ولكن كنت -ويا للأسف! - إلى ذلك الوقت مغترفا من العلوم الإسلامية مع العلوم الفلسفية ظنا مني -ظنا خطأ جدا- أن تلك العلوم الفلسفية هي مصدر الرقي والتكامل ومحور الثقافة وتنور القلب، بينما تلك المسائل الفلسفية هي التي لوثت روحي كثيرا، بل أصبحت عائقة أمام سموي المعنوي».
«نعم، بينما كنت في هذه الحالة، إذا بحكمة القرآن المقدسة تسعفني، رحمة من العلي القدير، وفضلا وكرما من عنده سبحانه، فغسلت أدران تلك المسائل الفلسفية، وطهرت روحي منها -كما هو مبين في كثير من الرسائل-
إذ كان الظلام الروحي المنبثق من العلوم الفلسفية يغرق روحي ويطمسها في الكائنات، فأينما كنت أتوجه بنظري في تلك المسائل فلا أرى نورا ولا أجد قبسا، ولم أتمكن من التنفس والانشراح
حتى جاء نور التوحيد الساطع النابع من القرآن الكريم الذي يلقن «لا إله إلا الله»، فمزق الظلام وبدده، فانشرح صدري وتنفّس بكل راحة واطمئنان». (9)
ويتخذ هذا التحول الجذري في حياة بديع الزمان مظهرين اثنين:
أحدهما مظهر نقدي والثاني مظهر بنائي.
1.2. انقلاب بديع الزمان ونقد الوصل بين الفلسفة والحكمة؛
يتجلى المظهر النقدي لهذا التحول في كون بديع الزمان اشتغل بنقد الجمع بين الفلسفة والحكمة في صورتيه الاثنتين: التداخل والتصاحب نقدا مثلَّثا: نقدا منطقيا ونقدا أخلاقيا ونقدا إشاريا؛ ولا عجب في ذلك، فالحكيم أصلا لا يكتفي بالنقد المنطقي للآراء كما يكتفي به الفيلسوف، بل يتعداه إلى النقد الأخلاقي لها، لأنه لا ينظر إليها مجردة، وإنما مقترنة بالعمل، فيقوّمها بحسب أثرها العملي، ثم يرتقي بها درجة، فينظر إليها من جهة قيمتها الجمالية، فيأتي بنقده الإشاري لها.
فلنبدأ بتوضيح كيف مارس بديع الزمان هذا النقد المثلَّث على الضرب الأول من الوصل بين الفلسفة والحكمة، وهو الضرب التداخلي الذي ينبني، كما تقدم، على مبدأين اثنين هما: «مبدأ تأسيس النقل على العقل» و «مبدأ التوسل بالعقل في النقل».
1.1.2. نقد التداخل بين الفلسفة والحكمة
أ. النقد المنطقي:
يرى بديع الزمان أن مبدأ تأسيس النقل على العقل الذي ينبني عليه جمع التداخل هو عبارة عن ترجيح بغير مرجِّح، ذلك لأن العقل ليس أقل من النقل حاجة إلى التأسيس، ولا يمكن أن يكون هذا التأسيس بطريق العقل نفسه متى كان هذا العقل هو «العقل الدائر بين الناس» (10) ولم يكن عقلا من نوع جديد لا عهد للفلسفة به؛ (11) كما أن هذا المبدأ يحمل على تأويل النقل بما يفضي إلى تحريفه، لأن العقل المعلوم ليس له من السعة والتجرد ولا من القدرة على الانطلاق ما يستوجبه فهم هذا النقل. (12)
(يُتْبَعُ)
(/)
ويرى بديع الزمان كذلك أن مبدأ التوسل بمفاهيم العقل في بيان معاني النقل الذي يقوم عليه هذا الضرب الأول من الوصل لا يرفع من شأن النقل، وإنما ينزل به، لأن فيه إيهاما بأن الأسس العقلية أعمق وأرسخ من الأسس النقلية؛ كما أنه لا يفيد في الظهور على الخصم، لأنه يبقى منحصرا في دفع الاعتراضات بالطريق العقلي المجرد الذي يأخذ به هذا الخصم، ولا يرقى إلى عرض حقائق النقل بالطريق الذي يمتزج فيه العقل بالقلب والذي تختص به هذه الحقائق، (13) هذا إن لم يؤد إلى تزييفها تزييفا كاملا. (14)
ب. النقد الأخلاقي:
يؤكد بديع الزمان أن تعاطي المتفلسف لتأسيس النقل على العقل يصيبه بأمراض قلبية، في مقدمتها مرض الغرور، ذلك لأنه يجعل من عقله الناقص والمحدود معيارا للوحي الذي هو كلام لا حد لكماله؛ (15) كما يؤكد أن التوسل بالمفاهيم الفلسفية -ولا سيما الطبيعية و «الميتافيزيقية» - في مباحث القرآن يفضي بصاحبه إلى تقديس الطبيعة وترك تقديس خالقها.
ج. النقد الإشاري:
إن مَثَل الفيلسوف القائل بالتداخل بين الفلسفة والحكمة عند بديع الزمان كمَثَل من يسلك طريقا في جوف الأرض -أي نفَقا- أو من يأوي إلى كهف، (16) فيكون عبارة عن شبح لا يُرى شخصه وإن عُرفت عينه وشُهِد أثره، وينتهي بالهلاك في هذا النفق اختناقا ولَمَّا يُكمِّل سيره، وتكون منزلته في القرآن -الذي هو معدن الحكمة- منزلة الضال. (17)
من ثمَّ، يصبح الفيلسوفان اللذان ذكرهما بديع الزمان بالاسم مرات عديدة، وهما الفارابي وابن سينا معدودَين عنده في زمرة الضالين، (18) إذ كانا يقولان بالتداخل بين الفلسفة والحكمة، وهو قول أشبه بسفسطة النصارى؛ وقد ذهب ابن سينا في العمل بهذا القول إلى أبعد مما ذهب إليه الفارابي؛ (19) ولما كان بديع الزمان قد أُعجب بدهائهما واعتقد الصحة في رأيهما، فقد كاد هو نفسه أن يَحار كما ضلَّا لولا أن الله تجلى عليه باسمه «الحكيم»، فأضحى أهدى سبيلا وأقوم قيلا.
وعلى هذا، فإن العمل بمبدإ تداخل الفلسفة والحكمة يُنتِج إنسانا رقيق الإيمان ضعيف الحجة متعلقا بالظاهر مغترا بنفسه وتائها عن طريقه.
ولننعطف الآن على الضرب الثاني من الوصل بين الفلسفة والحكمة، وهو الضرب التصاحبي، فنبين كيف مارس عليه بديع الزمان هذا النقد المثلَّث، مع العلم بأن هذا الضرب يقوم على مبادئ ثلاثة هي: «مبدأ الاندهاش» و «مبدأ الاستشكال» و «مبدأ الاستدلال». ____________________
الهوامش:
(1) الشاهد على أن بديع الزمان يميل إلى مثل هذا التخصيص تقييده في أكثر من موضع اسم «الفلسفة» بوصف «البشرية» كما في قوله: «إن سعيدا القديم والمفكرين قد ارتضوا بقسم من دساتير الفلسفة البشرية»، المكتوبات، ص 569؛ وأيضا حِرصُه على الإشارة إلى أن إطلاق لفظ «الحكمة» على الفلسفة هو من عمل غيره - أي الفلاسفة - كما جاء ذلك في قوله: «أما ما يسمونه بعلم الحكمة، وهي الفلسفة، فقد غرقت في تزيينات حروف الموجودات وظلت مبهوتة أمام علاقات بعضها ببعض، حتى ضلت عن الحقيقة»، الكلمات، ص 143؛ مما يشعر بأن ورود هذا الإطلاق في نصوصه هو من باب التساهل في الاستعمال ومجاراة الغير، لا من باب صحة هذا الاستعمال أو الاقتناع به. (نشير هنا إلى أن تسويد الكلمات في النصوص المنقولة هو من فعلنا).
(2) «نيقولاوس كوبيرنيك» فلكي بولوني (1473 - 1543)، اشتهر ببرهنته على دوران الأرض على نفسها وحول الشمس، مبطلا بذلك الرأي القديم الذي يجعل الأرض ثابتة والشمس دائبة الدوران حولها.
(3) «إيمانوئيل كانط» فيلسوف ألماني (1724 - 1804)، أثبت دور الذات الفاعل في تشكيل المعرفة الإنسانية، مفندا بذلك النظرية القديمة التي تجعل للموضوع الدور الفاعل في تشكيل هذه المعرفة.
(4) يقول: «كان سعيد القديم -قبل حوالي خمسين سنة- لزيادة اشتغاله بالعلوم العقلية والفلسفية يتحرى مسلكا ومدخلا للوصول إلى حقيقة الحقائق، داخلا في عداد الجامعين بين الطريقة والحقيقة»، المثنوي العربي النوري، ص29؛ انظر أيضا المكتوبات، ص 569 - 570.
(5) الملاحظ أن بديع الزمان لا يذكر الكندي كما يبدو أنه لم يذكر فيلسوف المغرب ابن رشد إلا قليلا جدّا، قد لا يتعدى ذلك المرتين: المكتوبات، ص 249؛ وأيضا الشعاعات، ص 663.
(يُتْبَعُ)
(/)
(6) يقول: «لما كان اشتغال سعيد القديم بعلمي الحكمة [أي الفلسفة] والحقيقة [أي التصوف] ويناظر عظماء العلماء ويناقشهم في أدق المسائل وأعمقها […]، قد لا يُدرَك قسم منها [أي من ترقياته الفكرية وفيوضاته القلبية]-بعد جهد جهيد- إلا الراسخون في العلم»، المثنوي العربي النوري، ص 32.
(7) إشارات الإعجاز، ص 23 - 33.
(8) يعتبر بديع الزمان هذه الولادة الجديدة بمثابة تجل لاسم «الحكيم» من أسماء الله عليه، إذ يقول: «كذلك أخوكم هذا الذي لا يُعد شيئا يذكر، وهو لا شيء، قد وُهب له وضع يجعله يحظى باسم الله (الرحيم) واسم الله (الحكيم) من الأسماء الحسنى. وذلك أثناء ما يكون مستخدَماً لخدمة القرآن فحسب، وحينما يكون منادياً لتلك الخزينة العظمى التي لا تنتهي عجائبها […] فجميع «الكلمات» إنما هي جلوات تلك الحظوة؛ نرجو من الله تعالى أن تكون نائلة لمضمون الآية الكريمة (ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)»، المكتوبات، ص 23 - 24؛ كما أنه يؤرخ لهذه الولادة برؤيا صادقة رآها قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، قائلا: «رأيت نفسي تحت جبل آرارات، وإذا بالجبل ينفلق انفلاقا هائلا- فيقذف صخورا عظيمة كالجبال إلى أنحاء الأرض كافة، وأنا في هذه الرهبة التي غشيتني رأيت والدتي - رحمة الله عليها - بقربي، قلت لها: «لا تخافي يا أماه! إنه أمر الله، إنه رحيم، إنه حكيم»، نفس المصدر، ص 475؛ وفي كلامه عن «التجلي» و «الجبل» إشارة خفية إلى قصة موسى عليه السلام، إذ سأل ربَّه الرؤية القدسية، فـ?تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا? (الأعراف: 143).
(9) اللمعات، ص 367 - 368؛ ويقول أيضا في موضع سابق: «فما كان من «سعيد الجديد» إلا القيام بتمخيض فكره والعمل على نفضه من أدران الفلسفة المزخرفة ولوثات الحضارة السفيهة»، نفس المصدر، ص 176.
(10) جاء هذا الوصف في قوله: «وشاهدت السُّنن كالجبال المتدلية من السماء، من استمسك ولو بجزئي استصعد واستسعد، ورأيت من خالفها واعتمد على العقل الدائر بين الناس كمن يريد أن يبلغ أسباب السماوات بالوسائل الأرضية فيتحمق كما تحمق فرعون بـ?وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا? (غافر: 36)»، المثنوي العربي النوري، ص 165.
(11) إذ يقول: «من الأصول المقررة أنه إذا تعارض العقل والنقل، يُعد العقل أصلا ويؤوَّل النقل، ولكن ينبغي لذلك أن يكون عقلا حقا»، صيقل الإسلام، ص 29؛ ويقول أيضا في موضع آخر: «إذا تعارض العقل والنقل، يكون الاعتبار للعقل والتأويل للفكر، لكن يجب أن يكون هذا العقل عقلا».
(12) يقول: «اعلم أيها المتفلسف المرجح للعقل على النقل، فتؤول النقل، بل تحرف؛ إذ لم يسعه عقلك المتفسخ بالغرور والتغلغل في الفلسفيات […]؛ فعقلك عقالك وبالنقل نقلتك»، المثنوي العربي النوري، ص 190.
(13) يقول: «ولهذا، لا يتمكنون من إعطاء الصورة الحقيقية للإسلام على تلك الصورة من العمل، إذ يطعّمون شجرة الإسلام بأغصان الحكمة التي يظنونها عميقة الجذور، وكأنهم بهذا يقوون الإسلام؛ ولكن لما كان الظهور على الأعداء بهذا النمط من العمل قليلا، ولأن فيه شيئا من التهوين لشأن الإسلام، فقد تركت ذلك المسلك وأظهرت فعلا أن أسس الإسلام عريقة وغائرة إلى درجة لا تبلغها أبدا أعمق أسس الفلسفة، بل تظل سطحية تجاهها…»، المكتوبات، ص 569 - 570؛ ويقول أيضا: «فلا تجعل مقاييس العلوم الإنسانية مِحَكًّا لحقائقهما [أي القرآن والمنزل عليه القرآن]، ولا تزنهما بميزانها […]؛ ولا تطلب تزكيتهما بها بجعل دساتيرها الأرضية مصداقا على تلك النواميس السماوية.»، المثنوي العربي النوري، ص 348.
(14) صيقل الإسلام، ص 35 - 36.
(15) يقول: «فما أجهل من اغتر بالفنون الفلسفية وصيرها محكا لمباحث القرآن القدسية!»، المثنوي العربي النوري: ص 77؛ ويقول في موضع آخر: «قد شاهدت ازدياد العلم الفلسفي في ازدياد المرض، كما رأيت ازدياد المرض في ازدياد العلم العقلي؛ فالأمراض المعنوية توصل إلى علوم عقلية، كما أن العلوم العقلية تولد أمراضا قلبية»، نفس المصدر، ص 158.
(16) انظرْ كيف أن لِرمز «الكهف» عند بديع الزمان الحكيم مدلولا هو عكس مدلول «المغارة» عند «أفلاطون» ومدلول «القَبْوُ» عند «ديكارت»؛ فالنازل في المغارة عند «أفلاطون» هو الإنسان الجاهل الذي لا يعرف من الأشياء إلا ظلالها في مقابل الفيلسوف الذي يعرف أعيان الأشياء ذاتها (محاورة الجمهورية، الكتاب السابع)، وهو عند «ديكارت» الإنسان الأعمى الذي يعيش في الظلام الدامس في مقابل الفيلسوف الذي يعيش في النور الساطع (مقال في المنهج، الجزء السادس)، بينما هو عند بديع الزمان الإنسان الفيلسوف نفسه، هذا الذي يَعدّه «أفلاطون» العارف بحق ويعدّه «ديكارت» البصير بحق.
(17) يقول: «وهكذا، فالطريق الأول هو طريق الضالين المشار إليه بـ (الضالين)، وهو مسلك الذين زلوا إلى مفهوم «الطبيعة» وتبنوا أفكار الطبيعيين…»، الكلمات، ص 650. ويقول (ولا الضَّالين) فالمراد منه: الذين ضلوا عن الطريق بسبب غلبة الوهم والهوى على العقل والوجدان. إشارة الإعجاز للنورسي، ص 36.
(18) يقول: «إن تلك الأرض هي «الطبيعة» و «الفلسفة الطبيعية». أما النفق فهو المسلك الذي شقه أهل الفلسفة بأفكارهم لبلوغ الحقيقة؛ أما آثار الأقدام التي رأيتها فهي لمشاهير الفلاسفة كأفلاطون وأرسطو؛ وما سمعته من أصوات هو أصوات الدهاة كابن سينا والفارابي… نعم كنت أجد أقوالا لابن سينا وقوانين له في عدد من الأماكن، ولكن كانت الأصوات تنقطع كليا، بمعنى أنه لم يستطع أن يتقدم، أي أنه اختنق»، الكلمات، ص 648.
(19) إشارات الإعجاز، ص 36. --------------------------------
(*) كلية الآداب، جامعة محمد الخامس - المغرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو المظفر الشافعي]ــــــــ[15 Jan 2010, 10:17 م]ـ
جزاك الله خيراً على نقل هذا المقال الرائع.
ـ[خلوصي]ــــــــ[31 Jan 2010, 01:48 ص]ـ
جزاك الله خيراً على نقل هذا المقال الرائع.
فلمَ إذن لمْ تطلب جزءه الثاني أيها العزيز .. بسمة!
" و إيكم بارك الله فيكم "(/)
أراد هذا الشمَّاسُ النصراني البحثَ في القرآن عن تناقضات فقاده للإسلام.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[28 Dec 2009, 07:57 ص]ـ
هذا حوار مع أحد الذين هداهم الله للإسلام بعد أن كان من رجال الكنيسة المتحمسين للنصرانية. فاقرأ هذا الحوار واحمد الله على نعمة الهداية للإسلام، وأسأل الله الثبات على الحق حتى الممات. وتأمل أثر القرآن في تفكير وحياة هذا الرجل حينما كان على النصرانية.
· طُلب منى اكتشاف تناقضات في القرآن فانبهرت بإعجازه واكتشفت 5000 تناقض في الكتاب. المقدس، ثم كتبت في التقرير .. لم أجد في القرآن أي تناقض.
* 30عاماً أبحث عن الحقيقة وأسئلتي الحائرة دفعتني للإسلام.
· دراستي العميقة للكتاب المقدس أكدت لي صدق نبوءة محمد.
· بعد إسلامي .. أحسست أنني وُلدت من جديد.
· القرآن مشعل النور الذي أخرجني من الظلمات إلي النور.
· تركت حياة الرفاهية وأعمل الآن سائقاً بعد إسلامي .. لكنني غير نادم وأشعر بسعادة غامرة.
· الآن أصبحت أعبد الله دائماً وليس في أيام الآحاد فقط.
حوار: محمد سعد الحداد
على مدى 30 عاما ظل يبحث عن الحقيقة وعن الإجابة عن أسئلته الحائرة، وبعد أن كان داعية بارزاً للنصرانية تدرج من شماس إلى مساعد أول قس ثم انطلق من عقيدة الثالوث الباطلة إلى عقيدة الحق الناصعة التي لم يلحق بها التحريف والتبديل. ووقف على نصوص القرآن التي كانت بمثابة مشعل النور الذي أخرجه من الظلمات إلى النور، وأزال عنه الغموض من طلاسم الكتابيين في أسفارهم وأناجيلهم، وتيقن من مواضع التحريف والتبديل الواردة بالكتاب المقدس وكيف تماشى معها فكر أهل الكتاب مع أنها تخالف المنطق وكل الشرائع والأديان السماوية.
والتقينا مع جمال زكريا إبراهيم (الشماس جمال زكريا أرمينيوس سابقاً)، ليحكى لنا قصة إسلامه وأهم الصعوبات التي واجهته وما دفعه من تضحيات ثمناً لإسلامه وأهم الجوانب التي جذبته للإسلام وما طموحاته تجاه دينه الجديد وكان لنا معه هذا الحوار عبر السطور التالية:
* في البداية نود أن نعرف القراء بك؟
جمال زكريا أرمينيوس كنت أعمل شماساً في الكنيسة منذ كان عمري 8 سنوات ومساعد أول قس بعد ذلك وظللت أخدم في الكنيسة لمدة ثلاثين عاماً.
* ما قصة طفولتك وكيف نشأت؟
ولدت في أسرة نصرانية في صعيد مصر وتحديداً في المنيا، ونظراً لتميزي وتديني عن باقي أقراني عملت شماساً وعمري 8 سنوات. ولكن وأنا طفل صغير في المرحلة الابتدائية كان يلفت نظري أنهم يعزلوننا في حصة الدين عن زملائنا المسلمين، وفكرت كثيراً لماذا هذا العزل؟ إضافة إلي أن هناك صور مازالت محفورة في ذهني، وهى منظر الأطفال المسلمين وهم يذهبون يوم الجمعة مع آبائهم لأداء الصلاة، فيلبسون الجلباب الأبيض النظيف ويخلعون نعالهم قبل الدخول إلى المسجد.
وقد ألحت استفسارات عديدة على ذهني الصغير ولكنى أسررتها في نفسي دون أن أجرؤ على البوح بها، وذات يوم وأنا شاب أثارتني صورة المسيح المصلوب والدم يسيل من جنيه، فقلت لوالدي هل هو المسيح حقاً وهل هو الله كما يقولون؟ وأين كان حين صلبوه؟ وكيف يسير الكون وهو مصلوب؟ ولم يستطع والدي الإجابة؟
هرعت بعدها إلى إنجيل لوقا "إصحاح 23" وإنجيل متى إصحاح 27" فلم أجد إجابة، وبعد أن كبرت سألت أحد القساوسة فكانت الإجابة التي لأتقنع أحدا، كما تساءلت عن التثليث، وكيف يكون الثلاثة في واحد، وكيف يكون المسيح هو الله .. وأيضاً لم أجد إجابة.
* هل كان لعملك شماساً دور في التعرف على الإسلام عن قرب؟
نعم، ولا تتعجب إذا قلت لك بأن الكنيسة هي السبب المباشر في اعتناقي للإسلام.
* وكيف حدث ذلك؟
أنا كنت شماساً ثم مساعد أول قس، وكنت عضواً في لجنة القرآن، ومسئولاً عن الأسئلة الدينية بالكنيسة، وهذا كله أتاح لي الفرصة أن أدرس الكتاب المقدس بشكل مكتمل، فاكتشفت فيه 5000 غلطة وتناقض سجلتها بدقة، وبدأت أتناقش مع القساوسة قبل اعترافي بالإسلام، وظللت لمدة 3 سنوات على هذا المنوال ولم أجد الجواب الشافي إلى أن اكتشفوا أن هناك أناساً كثيرين يسلمون، فاختاروا شماساً من كل كنيسة على مستوى الجمهورية وكنت ضمن هؤلاء الشمامسة وأعطونا نسخاً من القرآن الكريم لندرسها جيداً ونستخرج بعض الآيات أو السور التي لها أكثر من تفسير أو تفسر تفسيرا خاطئاً وذلك
(يُتْبَعُ)
(/)
لنؤسس عليها حواراتنا مع المسلمين حول الأديان .. ونستخدم معرفتنا لمحاربة القرآن والإسلام بهذه النقاط التي تدين المسلمين وتشككهم في عقيدتهم كما زعمت الكنيسة لخدمة أهدافها بهذه المغالطات
ولتعلّم للأطفال في مدارس الأحد وللكبار ولا يكتشف الرجال والنساء أن المسيحية بها تناقض. وعندما أخذت المصحف أخذته والتحدي يملؤني أن أستخرج أشياء كثيرة جداً وعندما فتحت المصحف دون ترتيب على سورة الأنعام ووقعت عيني على الآية الكريمة: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125].
وأخذت أفتح المصحف لخمس مرات وتأتى على نفس الآية فاقشعر جسدي بشدة. واستوقفتني كثيراً هذه الآية ودائماً كنت أهيم بفكري في مضمونها. وكان ذلك بداية التحول في حياتي .. وبعد مرور شهر من بحثي المتواصل في القرآن، جاءني الأسقف وكان رئيس أسقف الشباب ليعرف ما توصلت إليه بعد قراءتي للقرآن وما هي المغالطات التي أحرزتها في تلك الفترة بعد البحث العميق؟
فأمسكت ورقة وقلما وكتبت: "لم أجد في القرآن أيَّ تناقض" وذيلت الورقة بإمضائي مجردة من لقب الأرسوزكية الذي خلعته علىَّ الكنيسة وقد تسرب أمري عن طريق زوجتي والتي كلفتها الكنيسة بمراقبتي وأعطيت الورقة إلى أسقف الشباب بإمضاء جمال زكريا فوضعها في جيبه وبعد الاجتماع وضع يده على كتفي وبعد انصراف الحاضرين قال لي: اترك ما تفكر به وانتظر مفاجأة الشهر القادم.
وفى اجتماع الشهر التالي: قرروا تعييني قساً بعد دراسة أربعة أشهر في الكنيسة الإنجيلية بالقاهرة.
فأمسكت بالميكرفون وقلت إنني لا أستحق هذا الشرف أشكركم، ومن هنا تأكدوا أنني أسير في الاتجاه المعاكس لما أرادوه منى وزوجتي توافيهم بأخباري أولاً بأول فعلموا أنني أتدارس الكتب الإسلامية وأقضى معها طيلة وقتي وكان أكثرها كتاب إحياء علوم الدين للإمام أبى حامد الغزالي.
* متى أعلنت إسلامك على الملأ؟ ومن شجعك على هذه الخطوة؟
ظللت في رحلتي للبحث عن الحقيقة سنوات طويلة والحيرة والقلق ينتاباني ويساورنى الشك القاتل فيما أقرأ في كتب النصرانية لدرجة أدت إلى نقصان وزنى 18 كيلو جراماً من جراء التفكير والتساؤلات.
ثم هداني الله عز وجل للاتصال ببعض علماء الإسلام وقراءة بعض الكتب الإسلامية واعتبرت القضية قضية تحد حقيقي بيني وبين نفسي وظللت أطالع هذه الكتب حتى تكونت عندي مكتبة تحتوى على 1500 كتاب عن الإسلام وبعدها أدركت عظمة الإسلام.
أما عن اليوم الذي أعلنت فيه إسلامي على الملأ ففي أثناء عملي في إحدى المؤسسات الصحفية القومية مع بعض الصحفيين كنا بجوار مسجد يقوم بتوزيع الهدايا على فقراء المسلمين. فجاءتني سيدة وأصرت أن تحدثني قائلة أنا أحق من كل هؤلاء وقبل أن تبدأ في سرد قصتها أشرت إليها أن تخاطب أحد الصحفيين وأفهمتها أنه سيساعدها فقالت: أنا كنت من أسرة غنية تدين بالنصرانية واعتنقت الإسلام وتركت كل مالي عند أهلي وتزوجت بأحد فقراء المسلمين، ثم توفى تاركاً لي ثلاثة أطفال دون أي مصدر للعيش. وباستطراد ما بقى من قصة هذه السيدة، كنت في هذا الوقت يساورنى التردد في أمر إشهار إسلامي حيث إن عائلتي بالصعيد وأنا أقيم في منزل أسرة زوجتي ولما سمعت مضمون قصة المرأة، شعرت وكأنها رسالة من الله، فأعلنت على الفور إسلامي بيني وبين نفسي، وصليت العصر بأحد المساجد، وفى اليوم التالي ذهبت مبكراً لدار الإفتاء وأشهرت إسلامي ثم عدت إلى عملي وأعلنت هذا أمام زملائي.
* موقف الكنيسة منك بعد إشهار إسلامك؟
(يُتْبَعُ)
(/)
في البداية حاولوا إغرائي مادياً وبأموال طائلة ثم مساومتي على أولادي ثم بالتهديدات وكان من بين تهدياتهم أن كلفت الكنيسة بأمري عضو نقابة المحامين بلندن وشيكاغو لتبنى قضيتي وإرهابي وإذلالي .. وإعادتي إلى ظلام الجهل زاحفاً لهم؛ فقد استخدم أثنى عشر شيكاً بدون رصيد وتم حبسي ولكن النيابة أفرجت عنى وكل هذا لم يزدني إلا إصراراً على تمسكي بعقيدتي التي يريدون أن يرجعوني عنها، وأقسمت ألا أتوقف ولا أتراجع عن نشر الدعوة بين المسيحيين الذين مازالوا في أروقة ودهاليز الضلال وظلام الجهل بما عرفوه من الكنيسة ورجالها.
* هل كان لك دور في إسلام أحد ومن أبرزهم؟
نعم وهم حوالي 15 شخصاً غير والدتي، وأبرزهم رجل مسن يبلغ من العمر 80 سنة، وآخر سلب منه مصنعه وطردوه، وبفضل الله أهل الخير ساعدوه وسافر للأردن ويعمل عملاً جيداً هناك.
* وما موقف والدتك من إسلامك في البداية؟
حقيقة موقف والدتي كان مثيراً للدهشة والغرابة في الوقت ذاته .. وأنا في عمر الثامنة كانت تدير الراديو على البرنامج العام صباحاً وكل يوم تقول لي الشيخ عبد الباسط والطبلاوى سيقرؤون ... وأنا كنت أخاصمها وأقول لها اقفلي فهذا حرام فترد علىَّ قائلة: أنت حرام عليك يا ولدى هذا كلام ربنا. وعندما أسلمت ذهبت إليها في المنيا وقلت لها: أنا أسلمت اليوم وأنا آت الآن من دار الإفتاء لأبلغك ذلك .. فقالت لي: يااااه إسلامك تأخر كثيراً جداً، فاستغربت وقلت لها لماذا؟ قالت: أنا كنت متأكدة أنك كلما تعمقت في المسيحية كان إسلامك أقرب وبسرعة، ففرحت فرحاً شديداً ودعت لي وأخبرتني زنها قد أسلمت من قبل فزادني ذلك تمسكاً بالإسلام.
* وهل واجهت صعوبات كثمن لإسلامك؟
نعم ولكنها ابتلاءات من الله وعلىَّ أن أتحملها، فأنا تركت منزلي وسيارتي وكل متاع الدنيا وأعيش الآن ظروفاً صعبة وأعمل سائقاً في إحدي الصحف القومية, ولكن الحمد لله أنا غير نادم والحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة وأحمد الله على كل شيء.
* أي أنك دفعت ثمن الهداية للدخول في دين الحق؟
بالتأكيد، فبالرغم مما سلب منى من الامتيازات وحياة الرفاهية التي أكنت أعيش فيها، وعرضهم علىَّ مبلغاً مالياً كبيراً جداً إلا إنني رددت عليهم بأن أموال الدنيا لن تجبرني على ترك الدين الخاتم فأنا دائماً كنت أرد بيقين تام على كل الإغراءات والضغوط النفسية وحرماني من أبنائي الثلاثة بقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} (النحل: 96).
* ما أهم الجوانب التي جذبتك للإسلام ولفتت نظرك تجاه؟
الإسلام هو الدين الشامل الكامل الذي لا ينقصه أي شيء .. فهو علاج كل القضايا الإنسانية كما أنه لايفرق بين غنى وفقير إلا بالتقوى والعمل الصالح ثم هو دين يعترف بالأديان السماوية.
وكذلك شمول الرسالة المحمدية لكل رسالات الله فقد أراد الله سبحانه وتعالى لأمة محمد صلي الله عليه وسلم منهجاً واضحاً، لا يتبدل ولا يتغير، يحميها من الاختلاف في أصل العقيدة فإذا اختلفوا في شيء ردوه إلى الله وإلى الرسول وقد أمر المؤمنين أن يأتمروا بأمر الرسول وأن ينتهوا عما نهاهم عنه فقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7). وحسم الأمر في نهايته فقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85).
* ما شعورك بعد أن أصبحت من أبناء الإسلام؟
حقيقة لما أسلمت أحسست بحق أنى قد ولدت من جديد، ففي الإسلام وجدت الإجابة على كل الأسئلة التي حيرتني سابقاً، كما أن الإسلام هو الدين الذي يجعل الإنسان يعبد الله مدى الحياة لا في أيام الآحاد فقط. وأيضاً وجدت فيه خير الدنيا والآخرة، وأنا أشعر بطمأنينة وسكينة في قلبي وأسأل الله أن ينعم علىَّ بذلك دائماً.
* وأخيراً .. ما أهم خططك وطموحاتك لدينك الجديد؟
بفضل من الله وتوفيقه ألفت كتابين: "لماذا اخترت الإسلام" وقد ترجمته إلى الإنجليزية، "وما قتلوه يقينا"، وأجهز للثالث الآن بعنوان"محمد نبي الرحمة في رسالات السماء. أعرض فيهم كثيراً من الأدلة والحجج الدامغة على أهل الكتاب من واقع نصوص أسفارهم وأناجيلهم، كما أبيِّن كثيراً من الأباطيل والمزاعم التي يزعهما أهل الكتاب وأبحث في التناقضات الموجودة بالكتاب المقدس مستغلا ثقافتي السابقة .. والحمد لله قرأه أكثر من نصراني وأسلم .. وأنا أقوم الآن بتوزيعه على الجاليات الأجنبية المقيمة بمصر وهذا كله أقل شيء يمكن أن أقدمه للإسلام.
المصدر: موقع رسالة الإسلام ( http://www.womanmessage.com/articles.aspx?cid=3&acid=22&aid=12575) .
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[28 Dec 2009, 08:29 ص]ـ
وفقه الله وثبته وتقبل منه.
وهذا كتابه (لماذا اخترت الإسلام ( http://majles.alukah.net/showthread.php?t=32252) ) .
وقد استضافته قناة الرحمة في حلقتين من برنامج (لماذا أسلموا) الذي يقدمه الدكتور حسام عقل، تجدونهما هنا ( http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?t=122654) ، وهنا ( http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?t=124657) .(/)
المغرب يؤسس " مركزا للدراسات القرآنية "
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[29 Dec 2009, 10:01 م]ـ
أعلن الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية لعلماء المغرب عن إطلاق أعمال مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، بالرباط، زوال الجمعة الماضي (25 دجنبر 2009).
( ... ) من باب تحمل مسؤولية أمانة التعامل مع النص المقدس/المؤسس للدين الخاتم، حيث اعتبر أمين عام الرابطة بهذه المناسبة، أنه "تمَّ التفكير في إنشاء هذا المركز، من أجل استئناف البحث المنهاجي التدبيري للقرآن المجيد"، مبرزا أن هذه المؤسسة التي ستعمل على "إنماء الاهتمام البحثي بالدراسات القرآنية تتوخى، على وجه الخصوص، إبراز كونية القرآن الكريم" من منطلق أنه "يختص بنظام مفاهيمي فريد في دلالاته وسياقاته، كما يتفرّد برؤية شاملة مستوعبة للكون وللإنسان وللحياة والأحياء، فكلماته ومفاهيمه وإن أشبهت رسما تلك الكلمات والمفاهيم التي كانت مستخدمة قبل الإسلام فهي متميزة عنها، لأن القرآن المجيد قد أعاد استخدامها وأضفى عليها قيما جديدة من خلال سياقها القرآني، وبإدراك هذا التحول في الاستخدام اللغوي الفريد تفريغا وشحنا للمصطلحات يمكن الكشف عن جانب من معالم الرؤية الكونية للقرآن.
أُعلن إذا عن تأسيس المركز، مباشرة بعد إلقاء عبادي محاضرة في موضوع "نحو منهجية معرفية للدراسات القرآنية"، مؤكدا بداية أن الحرص واضح في القرآن الكريم على بناء مفاهيم نورانية انطلاقا من "البنائية القرآنية"، تأسيسا على حرض أولي وواضح في السنة النبوية، على تجلية كل ذلك فهما وتنزيلا، مبرزا أن القرآن الكريم يختص بنظام مفاهيمي فريد في دلالاته وسياقاته، وبرؤية شاملة مستوعبة للكون وللإنسان وللحياة والأحياء.
وتشير الورقة التعريفية بالمركز، إلى أنه "يروم إعادة اكتشاف قيم الوحي التي كانت بمثابة المنطلق الأساسي لإبداعات وإنتاجات المسلمين، وكذلك اكتشاف المنهج الذي يضم كافة مفردات وجزئيات التراث، والمناقشة العلمية الرصينة لمختلف دعوات القراءات المعاصرة للقرآن الكريم، واستبانة قيمتها المعرفية من خلال عرضها على مقاصد الشريعة الإسلامية وعلى خصوصيات القرآن الكريم وقيمه الحاكمة. بالإضافة إلى العمل على إعداد موسوعة علمية تعنى بالدراسات القرآنية، وفق مقاربة منهجية معرفية"؛ ومن أهدافه أيضا، "إعادة المركزية للنص المرجعي؛ قرآنا وسنة صحيحة، وإعمال النظر فيهما في سبيل استيعاب الإشكالات الجديدة التي استجدت في أسيقة جديدة. وكذا الإسهام في استكمال المناهج العلمية المسعفة في مجالات تمكين المسلمين في العصر الحديث من فهم القرآن الكريم بشكل صحيح، والعمل على إعداد موسوعة علمية تعنى بالدراسات القرآنية".
كما سيحرص مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء على التعاون مع الجامعات العالمية خصوصا أقسام الدراسات الإسلامية، ومراكز البحوث العلمية، وعلى تدريس مقررات تتناول الدراسات القرآنية في أبعادها المنهجية والمعرفية، وسيعمل إجمالا على تحقيق هذه الأهداف باعتماد مجموعة من الوسائل منها: النقد المعرفي؛ القائم على الفهم والتحليل والتفكيك ثم التركيب، لمختلف المدارس الفكرية المهتمة بالدراسات القرآنية، ولما تصدره من منشورات ودوريات، في الشرق والغرب على السواء، مع العناية بالإنتاج والتوليد المعرفيين، حتى تعود المرجعية المعرفية القرآنية، سبيلا لا يسع الإنسان عموما، والإنسان المسلم خصوصا تجاوزه؛ نشر البحوث والرسائل والأطروحات المتميزة التي تعنى بالدراسات القرآنية، باللغة العربية، وسائر اللغات الحية لا سيما الإنجليزية والفرنسية والإسبانية واللغات الأسيوية؛ عقد الندوات والمؤتمرات العلمية لمناقشة مختلف القضايا والمستجدات في مجال الدراسات القرآنية، مع الحرص على أن يتم اختيار المواضيع بدقة عالية، حتى نخلص إلى نتائج عملية محددة، وتوصيات علمية معتمدة؛ إنشاء مكتبة متخصصة في الدراسات القرآنية، بمختلف اللغات الحية، تعمل على حصر شامل لكل ما كتب في هذا المجال قديما وحديثا، مع العمل على تصنيفه، وتبويبه، وفهرسته، ليكون متاحا للدارسين والباحثين في مختلف التخصصات؛ التنسيق مع أقسام الدراسات الإسلامية، وأقسام العلوم الإنسانية بجامعات العالم وتيسير عنايتهم بالدراسات القرآنية المنهجية المعرفية، مع إبراز أبعاد ذلك ودلالاته؛ إنشاء موقع" الدراسات القرآنية المنهجية المعرفية" على شبكة الأنترنت باللغة العربية وبما تيسر من اللغات الحية، يهتم بموضوعات الدراسات القرآنية؛ إعداد ورعاية أجيال من نوابغ الباحثين، من مختلف بقاع العالم، ومن المملكة المغربية على وجه الخصوص، وتوجيههم للتخصص في الدراسات القرآنية المنهجية المعرفية؛ إصدار مجلة دورية علمية محكمة متخصصة في الموضوع، تتغيى إعادة الاعتبار للدراسات القرآنية المنهجية، وتُعرف بأبحاث ودراسات المركز؛ وأخيرا، إنشاء جائزة لأحسن رسالة دكتوراه في الدراسات القرآنية المنهجية، تمنح دوريا كل سنتين.
منقول بتصرف بسيط للإفادة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[بدر عرابي]ــــــــ[31 Dec 2009, 11:24 م]ـ
أسأل الله أن يخدم هذا الصرح القرآن الكريم على الوجه الصحيح، وأن يكون منارة لإعلاء كتاب الله عاليا.
مشكور أخي الحبيب على الخبر الطيب
بالتوفيق
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[01 Jan 2010, 12:16 ص]ـ
أهل المغرب امتداد للمعلم الكبير أبي محمد ابن حزم وللعقليات الرياضية
الفذة التي أنجبتها ديار المغرب الأقصى والأندلس (الفردوس
المفقود)، ابن باجة وابن رشد وابن خلدون وأهل المغرب حفظوا
الولاء لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم على مذهب
أهل المدينة في الفقه والقراءة. ومذهب أهل المدينة هو الأصل لأنه
قد توفرت له قرائن دلالية لفهم الآثار أهمها عمل أبناء الصحابة
وأحفادهم من أهل المدينة. ولذلك قال سفيان ابن عيينة إذا جاوز
الحديثُ الحرتين ضعفت حجته. وكان مالك إذا شك في الحديث طرحه
كله. [الشافعي من تلاميذ مالك] وإذا ذُكر المحدثون فمالك النجم
[الشافعي] والموطّأ هو الأصل الأول واللباب وكتاب البخاري هو
الأصل الثاني في هذا الباب وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي
[ابن العربي في شرح الترمذي]. ولعمري إن اعتبار عمل أهل المدينة
واستصحاب حال أحفاد الصحابة لهو إطار مبارك حمى مذهب أهل
المدينة من التوسع في الروايات التي لا يُدرى زمانها ولا سياقها
حتى قال فيها شيخ المحدثين ابن شهاب الزهري "أعيى
فقهاء الإسلام معرفة ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
من منسوخه".وقال مالك (كثير من هذه الأحاديث ضلالة) فكان في
استمساك أهل المغرب بتعاليم مدرسة أهل
المدينة منجاة لهم وعض بالنواجذ على أصل دوحة العلم. ولذلك حين
نقرأ مؤلفات مثل حافظ المغرب أبي عمر بن عبدالبر النمري كالتقصي
لأحاديث الموطأ وكـ (ـالتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)
الذي قال فيه فخر علماء الإسلام أبي محمد ابن حزم التمهيد لصاحبنا
أبي عمر بن عبدالبر ما أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف
أحسن منه!! نجد ريحَ طَيْبةَ مدينة الرسول من قبل المغرب وعهدنا
بها مشرقية حجازية.
وفي القراءة اختاروا قراءة نافع من رواية ورش وهي من أقرب القراءات
إلى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الأصول، إذ قد قال علماء
النحو (وكانت قريش لا تهمز) ولذلك قال الشافعيّ قراءة نافع سنة
ومثله عن مالكٍ وابن وهب, وزاد ابن وهب:فكيف برجل قرأ عليه
مالك. وقال الأصمعي قال لي مالك قرأت على نافع! وسئل المحدث
الكبير أحمد بن حنبل البغدادي أي القراءات تفضل فقال قراءة أهل
المدينة قيل فإن لم تكن قال فقراءة عاصم. وقد قال أحد شعراء الأندلس
هناؤكمُ يا أهلَ طيبةَ قد حقا * فبالقرب من خير الورى حزتم السبقا
وإن كان أهل المغرب والأندلس قد أنشأوا لنا مدرسة متكاملة
في القراءات وعلم الرسم ازدهرت
في القرنين الخامس والسادس،ابتدأت بأبي عمر الطلمنكي ومكي
بن أبي طالب القيسي وأبي عمروٍ الداني وبني شريح والباذش
والشاطبي ما يزال نورها مشعا وتقريراتها واختياراتها معمولا بها في
أرجاء العالم الإسلامي الكبير.
ولما كانت بقية روح ابن حزم الكبير وابن رشد الحفيد وابن خلدون
ما تزال في أهل المغرب كانت القدرات التحليلية والواقعية النقدية
والصرامة المنطقية سمة لأهل المغرب يفوقون بها نظراءهم في ديار
الإسلام الأخرى. ولما كانت العقلية التحليلية هي سلاح الباحث في
العلم مهما كان موضوع بحثه كان هذا المركز مظنة أن ينتج بحوثا
رصينة وآراء قويمة وكتابات جديدة متينة. فكل مطلع على منتدى
من منتديات أهل المشرق في مجالات الدراسات الإسلامية يجدها
في مجملها - وليس الكلام على النيات الحسنة للقائمين عليها- ملتفتة
إلى الوراء لا تميز بين مستوى الوعي في العصر الشفاهي عنه في
العصر الكتابي عنه في عصر الطباعة عنه في العصر الرقمي وثورة
الاتصالات الكبرى. فبدلا من أن يظهر لنا كل يوم أو كل شهر أو كل عام
منهج في الفهم نجد دارسينا وكتابنا و"علماءنا" في المشرق يكتبون
(منهج ابن جرير في كذا .. ) و (منهج فلان في كذا .. ). وتجد الباحث
عندنا لا يعرف ثوابت المعقول وقوانين المنطق فتراه لا يجرؤ على مخالفة
اسم كبير بله تيار صغير. وهذا ما عسى أن يكون أهل المغرب أحفاد ابن
حزم منه على مفاوز.
وعسى أن يكون في أهل المغرب ما يسد هذا الفراغ الذي هو في
الواقع ثلمة في جدار آلياتنا الدراسية عسى أن يجعل الله تعالى في
أهل المغرب من يخرج لنا ابن حزم جديدا وابن رشد جديدا وابن
خلدون جديدا. وشاطبي قراءات جديدا وشاطبي أصول فقه جديدا
وما ذلك على الله بعزيز
أخذ الله تعالى بيد القائمين على هذا المركز لمراضيه، وجعل مستقبل
العلم في ديار المغرب ناصعا كماضيه. وسرّ الله من سرّنا بهذا الحبر
الزاكي. وعلى الله تعالى التكلان وبه المستعان.
ـ[الجكني]ــــــــ[01 Jan 2010, 02:10 م]ـ
لله درك أخي الكريم د/ عبد الرحمن الصالح، أصلح الله لنا ولك الحال والمآل، لا تزال تأبى إلا وتأسرنا بجمال ذوقك، ورصانة قلمك، فكيف وأنت تحليه بصورة جمالية فذة نقوشها مالك وابن حزم وابن خلدون رحمهم الله ورضي عنهم.
ومما له صلة أننا نقرأ كتب ابن حزم الأصولية والمنطقية ونحسب أننا نقرأ كتاباً في الأدب، وكذا عند ان عبد البر في الفقه والحديث، وكذلك عند الداني ومكي وابني شريح في القراءات، وعلى المنتقد أن يقابل بين كتابات هؤلاء وبين ما يقابله من كتب المشارقة في فنه، وهذا فضل الله يؤتيه الله من يشاء من عباده، وربما من حكمة ذلك الدلالة على أن ليس بالضرورة إذا كان المشرق هو مهبط الوحي أن يكون الدين لا يحفظ إلا بأهله، لأن الدين عام لكل الناس وليس لمشرق دون مغرب أو غيرهما.
أكرر تحيتي وإعجابي بكتاباتك أخي الكريم د/عبد الرحمن الصالح ودمتم سالمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 Jan 2010, 08:42 م]ـ
أسأل الله للقائمين على هذا المركز التوفيق والسداد. وأما الموازنة بين علماء البلاد الإسلامية فالحديث فيها ذو شجون.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[01 Jan 2010, 10:15 م]ـ
نبارك قبام هذا الصرح وننتظر أعماله.
ـ[مرهف]ــــــــ[01 Jan 2010, 11:18 م]ـ
كتب الله له القبول والتوفيق وجعله نبراسا لتحفيز الدراسات القرآنية وتطويرها.
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[02 Jan 2010, 12:31 ص]ـ
لله درك أخي الكريم د/ عبد الرحمن الصالح، أصلح الله لنا ولك الحال والمآل، لا تزال تأبى إلا وتأسرنا بجمال ذوقك، ورصانة قلمك، فكيف وأنت تحليه بصورة جمالية فذة نقوشها مالك وابن حزم وابن خلدون رحمهم الله ورضي عنهم.
ومما له صلة أننا نقرأ كتب ابن حزم الأصولية والمنطقية ونحسب أننا نقرأ كتاباً في الأدب، وكذا عند ان عبد البر في الفقه والحديث، وكذلك عند الداني ومكي وابني شريح في القراءات، وعلى المنتقد أن يقابل بين كتابات هؤلاء وبين ما يقابله من كتب المشارقة في فنه، وهذا فضل الله يؤتيه الله من يشاء من عباده، وربما من حكمة ذلك الدلالة على أن ليس بالضرورة إذا كان المشرق هو مهبط الوحي أن يكون الدين لا يحفظ إلا بأهله، لأن الدين عام لكل الناس وليس لمشرق دون مغرب أو غيرهما.
أكرر تحيتي وإعجابي بكتاباتك أخي الكريم د/عبد الرحمن الصالح ودمتم سالمين.
وسام شرف من مثل أعلى في الأخلاق والعلم دون انتقاص من قدر الإخوة الفضلاء
ـ[محمود سمهون]ــــــــ[02 Jan 2010, 12:40 ص]ـ
على بركة الله، رزقكم الله الإخلاص في العمل ...
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[06 Jan 2010, 10:10 م]ـ
أسأل الله لكم التوفيق والرشاد والعون والسداد.
والمدرسة القرآنية المغربية تولي التفسير الموضوعي للقرآن الكريم جل اهتمامها، بينما تركز الدراسات المشرقية على التفسير التحليلي، ولا غنى لأحد الجانبين عن الآخر، بل المطلوب هو الإسهام في خدمة القرآن بدراسة جادة في كل جانب.
وللاطلاع على جهود الرابطة المحمدية لعلماء المغرب يرجع إلى موقعهم الرسمي هنا ( http://www.arrabita.ma/default.aspx) .
كما أن للدكتور أحمد عبادي كتابان في التفسير الموضوع أحدهما هو رسالته للدكتوراة وهما:
- مفهوم الترتيل في القرآن الكريم: النظرية والمنهج، وقد سبق التعريف به هنا ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=12815) .
- التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: مفهومه, تطوره, منهجه, نموذج منه.
ـ[ايت عمران]ــــــــ[06 Jan 2010, 11:21 م]ـ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
أضم صوتي إلى أصوات السادة المهنئين بقيام هذا المركز
وأرجو من الله العلي القدير أن يوفق القائمين عليه لكل خير
وفي الحقيقة كانت الساحة العلمية المغربية في حاجة إليه وإلى أمثاله
ولعله يحمل على عاتقه تجميع الجهود التي قامت وتقوم في المملكة فيما يتعلق بالدراسات القرآنية
كما أرجو أن يكون للمركز الدور الريادي في نشر الدراسات القيمة والرسائل العلمية المتميزة التي قامت بالمغرب، والتي ظلت حبيسة الرفوف مع الحاجة إليها
والله الموفق
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[11 Feb 2010, 12:06 ص]ـ
هنيئًا لنا هذا المركز، وأسأل الله أن يوفق القائمين عليه، وأن يبارك جهودهم.(/)
الاهتمام بكتاب الله تعالي
ـ[الحداوي]ــــــــ[01 Jan 2010, 09:49 م]ـ
ان الاهتمام بكتاب الله تعالي فى كل الجوانب ضرورة شرعية وفريضة دينية حضارية تفرض نفسها فى كل العصور والأزمان بناء على أن القرءان الكريم يهدي الناس الى طريق قويم فى الفكر والثقافة وفي العلم والعمل وفى السلوك والمعاملة ولا عجب في ذالك فقد بني القرءان الكريم الجيل الأول على ارقي المستويات التى نفتخر ونعتز بها فى الحاضر والمسقبل قال تعالي " ان هذا القرءان يهدى للتى هى اقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا " فالاية تشير الي ان القرءان الكريم هداية فى كل الجوانب والمجالات وذالك اذا نحن قمنا بحقه اتقانا واحسانا واداء لتعطي ثماره فى ارض الواقع.
ان الاهتمام بالقرءان الكريم كتاب الله تعالى ليس معناه شراء المصحف والنظر فيه فى لحظات معدودة او النظر فى مناسبة دينية معينة بل معنى الاهتمام بالقرءان النظر فى كيفية التعامل مع القرءان وما هى الحقوق المطلوبة منا تجاة كتاب الله تعالي وكدالك دراسة المخططات الفكرية والثقافية التى يمكنها ان تؤسس لنا فضاء قرءانيا يمكن الاعتماد عليه فى دراسة القرءان وفهم المعاني والاكتشاف للاحكام وما الى دالك.
إن هذا الكتاب العظيم الذي له كل هذه الخصائص والسمات وأكثر منها هو كلام الله الذي أنزله على خير خلقه وأشرف رسله وأنبيائه وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليصنع لهذه الأمة مجدها ويقيم ما اعوج من بنيانها ويجعلها سيدة الأمم والشاهدة عليها. إنه السلاح الوحيد الذي لا تنتصر إلا به، وإنه المفتاح الوحيد الذي لا تلج باب التاريخ إلا عن طريقه، وإنه الضوء الوحيد الذي لا تستطيع أن تسير إلا من خلاله. وهذا هو بالضبط ما حدث لصدر هذه الأمة العظيمة من سلفنا الصالح، فقد عرفوا لهذا القرآن العظيم قدره فعظموه ووقروه وعملوا به فقادهم إلى معارج العلياء ومدارج الكمال ودكوا به عروش الباطل وحكموه في عباد الله فعاش الناس في ظلاله سعداء إخوة متحابين رحماء أعزاء يعبدون الله ويبتغون فضله ورضوانه، وذلك ما يؤكده قول الحق عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}.
اننى ادعوا كل الباحثين الى دراسة جماعية للنظر فى طرق الاهتمام بالقرءان الكريم لاسيما فى هدا العصر الذي تلاطمت فيه امواج كثيرة من التحديات ضد الاهتمام بالقرءان الكريم فى العالم الاسلامي وهدا وان دالك فانما يدل على النظر الجماعي لا الفردى لمعرفة مواطن الخلل فهل نحن مقبلون على الاهتمام بالقرءان الكريم؟(/)
أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم وأثرها في بناء الشخصية واتزانها (1/ 3) م
ـ[أبو تيمية محمد بن علي خرب]ــــــــ[04 Jan 2010, 09:34 م]ـ
أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم وأثرها في بناء الشخصية واتزانها (1/ 3) مجلة الوعي الإسلامي (العدد: 529)
قد اعتنى علماء التربية والتعليم في الكليات والمعاهد ومدارس تكوين المعلمين بقواعد التربية وعلم النفس اعتناء كبيرا، فكتبوا في ذلك كتبا كثيرة وأبحاثا جمة.
وإن مما يدعو للدهشة والاستغراب أنهم نقلوا فيها عن علماء التربية الغربية كل طارف وتالد، واقتبسوا أصولهم وفروعهم وتجاربهم وإذا كنا نقدر مدى أهمية الاستفادة من عمل الآخرين بعد تصفيته وغربلته مما يتعارض مع أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم، ومع مبادئنا وقيمنا الحضارية، فإن الذي نعيبه على كثير من علماء التربية وأساتذتها ومدرسيها هو تغافلهم، وعدم التفاتهم إلى ما يزخر به القرآن الكريم والسنة النبوية من دقائق علوم التربية والتعليم أصولا وفروعا.
قد اعتنى علماء التربية والتعليم في الكليات والمعاهد ومدارس تكوين المعلمين بقواعد التربية وعلم النفس اعتناء كبيرا، فكتبوا في ذلك كتبا كثيرة وأبحاثا جمة.
وإن مما يدعو للدهشة والاستغراب أنهم نقلوا فيها عن علماء التربية الغربية كل طارف وتالد، واقتبسوا أصولهم وفروعهم وتجاربهم وإذا كنا نقدر مدى أهمية الاستفادة من عمل الآخرين بعد تصفيته وغربلته مما يتعارض مع أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم، ومع مبادئنا وقيمنا الحضارية، فإن الذي نعيبه على كثير من علماء التربية وأساتذتها ومدرسيها هو تغافلهم، وعدم التفاتهم إلى ما يزخر به القرآن الكريم والسنة النبوية من دقائق علوم التربية والتعليم أصولا وفروعا.
القرآن الكريم حوى من ضروب المعرفة والقواعد الأخلاقية والأصول التربوية والتشريعية ما يجعلنا نستغنى به عن النظريات البشرية القاصرة ولتعلم غير المسلمين من المسلمين.
ومن ثم اتجهت إلى المصدر الأصلي لفنون التربية والتعليم والكتاب الأم لأصول التربية والتعليم فقد رسم معالمها الكبرى، وبينتها السنة، وكل من اتجه إلى هذا المصدر يجد ضالته ويدرك بغيته.
وقد أسعفني في هذا التوجه قول الإمام الشاطبي: «لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا» وشد من أزري قول الشيخ الشنقيطي: قد اشتمل كتاب الله علي كل شيء أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها.
إن صفة منهج النبي (صلى الله عليه وسلم) في التربية والتعليم قد رسم القرآن الكريم معالمها الكبرى واستقل ببيانها وفصلتها السته النبوية.
قال تعالى- في بيان صفه صفه هذا المعلم وأصوله - في سورة البقرة: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} (البقرة:151).
وقال في سورة آل عمران {لقد من الله على المؤمنين إذا بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
فقد صرحت هذه الآيات بالمنهج العام لأصول التربية والتعليم الذي لا منهج سواه، والذي لا ينبغي أن يتغير أو يتبدل، وهو منهج أصيل يسعد الإنسان في دنياه وأخراه، لأن منزله هو الخالق لهذا الإنسان العليم بطبيعة تكوينه الخبير بدروب نفسه ومنحنياتها.
وبهذه الطريقة والأصول التربوية أنقذ الله هذه الأمة من الضلال المبين، ولا ينقذها مما هي فيه من الهوان إلا برجوعها إلى ذكرها الذي يرفع شأنها.
وقد ذكر الله في هذه الآيات التي استخرجنا منها أصولا تربوية وجوها من نعمه تعالى على عباده.
علم الخط والرسم
إن القرآن الكريم، وهو المصدر لأصول التربية والتعليم نفى أن يكون (صلى الله عليه وسلم) على دراية بعلم الخط ونفى عنه تلاوة أي كتاب قبل نزول القرآن، وكان هذا قطعا للارتياب ودفعا للشبهة، لو كان يكتب ويقرأ لقال المبطلون: إن هذا القرآن تعلمه وكتبه، فنفى عنه كل ذلك فقال: {وماكنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} (العنكبوت:48).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولذلك وصفه الله في كتب الأولين ونعته بالأمي وهو وصف كمال في حقه قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} (الأعراف: 157).
علم التلاوة والترتيل
بدأت جميع الآيات القرآنية بهذا الأصل وهو التلاوة والترتيل وقد جاء ترتيب هذه الأصول في الذكر على حسب ترتيب وجودها لأن أول تبليغ الرسالة تلاوة القرآن، ثم يكون تعليم معانيه، ثم قال {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه} (القيامة:18 - 19).
ثم العلم تحصل به التزكية، وهي العمل بإرشادات القرآن، كما سيأتي.
أول صفات هذا المعلم أنه يتلو عليهم آياته: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته}، ومعناها القراءة المتتابعة المرتلة التي يكون بعضها تلو بعض والتلاوة المرتلة لا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء على وجه من وجوه القراءات.
وأصل التلاوة من الاتباع، ومنه قولهم: تلاه: إذا تبعه، وهي ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظم تأليف القرآن وترتيبه ومنه قال تعالى: {والقمر إذا تلاها} (الشمس:2).
والتلاوة وحدها كافية لإقامة الحجة، فهي الحجة، وهو المحجة فلا يعذر أحد بعد التلاوة بالجهل، فالقرآن يقيم بالتلاوة الحجة القاطعة على الخلق قال تعالى في بيان ذلك: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا} (القصص:59)، ومثلها في قوله تعالى: {أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} (العنكبوت:51).
وهكذا يجب على طالب العلم أن يهتدي ويقتدي بهذا الأدب، وينصت ويستمع ويتأنى في تلقي العلم، وألا يحمله الحرص على مبادرة المعلم بالأخذ منه قبل فراغه من كلامه ويجب عليه أن يحاكيه في التلاوة بعد الاستماع له.
التجويد أصل كلام العرب
اشتهر عند الناس جميعا أن موضوع علم التجويد هو القرآن الكريم فقط، وزاد بعضهم الحديث الشريف، ثم يصححون قول الجمهور، وهو أن موضوع التجويد القرآن الكريم فقط لا غير.
وكل من ألف في علم التجويد يرددون هذا الادعاء حتى اشتهر عند جميع الناس واستقر في آذانهم أن مباحث علم التجويد لا تكون إلا في القرآن فقط وصار هذا من المسلمات.
وهذا تناقض عجيب وتنافر معيب وخطأ كبير، ووجه تناقضه أنه إذا كان علم التجويد موضوعه القرآن الكريم، فإن القرآن الكريم هو لب كلام العرب.
قال الراغب الأصفهاني: «فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء، والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم ... »، ثم قال: «وما عداها .. كالقشور».
إذا كان- كما قالوا- التجويد موضوعه القرآن الكريم، والقرآن نزل بلسان عربي مبين، فإن النتيجة أن التجويد موضوعه لسان العرب.
قال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} (يوسف:2)
وقال: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} (النحل:103)، وقال: {نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين} (الشعراء: 195).
أثبتت هذه الآيات وغيرها أن القرآن نزل بلغات العرب، وحينئذ تكون مباحث علم التجويد وموضوعه لغات العرب.
تفسير القرآن وبيانه
تعليم الكتاب منصوص عليه في هذه الأصول في قوله تعالى: {ويعلمهم الكتاب} عطفا على قوله {يتلو عليهم آياته}، عطف جملة، وكما أن غاية علم الترتيل النطق الصحيح الفصيح لألفاظ القرآن الكريم، فإن غاية تعليم الكتاب وتفسيره وبيانه الفهم الصحيح لمعاني القرآن الكريم، ومن ثم عطف على التلاوة فكان ترتيبه في المحل الثاني في جميع الآيات القرآنية التي بنينا عليها هذه الأصول.
والارتباط بين هذا الأصل تعليم الكتاب، والأصل الذي عطف عليه وهو التلاوة واضح جلي، فلا يستقيم المعنى إلا إذا استقام اللفظ.
فمبنى الكلمة ومعناه مطلوبان ومتلازمان، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، بل مبناها هو الأصل والأساس الذي يقوم عليه المعنى، بل لا وجود للمعنى إلا بإقامة المبنى، ومن ثم وجب تصحيح النطق بألفاظ القرآن أولا محافظة على المعنى ثم يجب علينا أن نفهم ونتفقه بعد التلاوة الصحيحة في المعنى الذي يحمله اللفظ.
(يُتْبَعُ)
(/)
فيكون المعنى أن هذا المعلم (صلى الله عليه وسلم) يتلو عليهم القرآن ويبين لهم معاني هذا الكتاب وما خفي عليهم من أسراره وأحكامه وحكمه وهذا من وظائفه (صلى الله عليه وسلم) أن يبين ويعلم معاني الكتاب {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44) فكان مبلغا لكتاب الله العزيز، ومبينا لأحكام القرآن الكريم، وموضحا لآياته البينات.
ومما لاشك فيه ولا خلاف عند جميع المسلمين أن القرآن الكريم حوى بين دفتيه أنواعا من العلوم والمعارف يعجز البشر عن الإتيان بمثلها، وتضمن أحكاما وحكما وأخبارا بها يحقق الإنسان سعادته في الدنيا والآخرة.
ولا سبيل إلى معرفة هذه العلوم، وهذا التشريع وهذه الهدايات والوقوف عليها والعمل بها، والاتعاظ بها إلا بفهم القرآن، وتفسيره وتدبره والتفقه فيه، والاستغناء به عن غيره. كيف يتعظ الإنسان بما لا يفهم، لأن ملكة الفهم دخلها الفساد، فصار الناس لا يفهمون القرآن، ولا يفقهون ما فيه، وبدون فهم للقرآن وتفسيره لا يمكن الوصول إلى كنوزه ومعارفه مهما رددنا تلاوته وأقمنا حروفه.
الناس لم يعودوا يتأثرون بالقرآن الكريم، كما كان الجيل الأول يتأثرون به فقد حالت بينهم وبينه غيوم كثيفة وحجب وموانع ومن أشدها كثافة عدم فقه اللغة العربية التي هي وعاؤه، لأن اللسان العربي وملكة البيان دخلها الفساد.
إن القرآن الكريم فيه الكفاية وزيادة على ذلك، فجميع العلوم الإسلامية قد استقل ببيانها، وقد أدرك هذا المعنى الإمام القرطبي- رحمه الله- فقال: «فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع ... رأيت أن أشتغل به مدى عمري وأستفرغ فيه قوتي».
وأضرب لذلك أمثلة واقعية لم يخالف فيها أحد على أننا نستطيع أن نستغنى بالقرآن الكريم عن جميع المقررات.
أولا: مقرر التوحيد
من أبرز العلوم التي يتعلمها الناس في تفسير القرآن الكريم هو علم العقيدة، وهي رأس العلوم الإسلامية وقد أخذت حيزا كبيرا من كتاب الله تعالى.
قال ابن القيم: «وغالب سور القرآن متضمنه لأنواع التوحيد، بل كل سورة في القرآن، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته، وهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادة الله فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته».
ثانيا: مقرر الحديث
وإذا انتقلنا إلى الحديث النبوي الشريف نجد أنه نوع من التفسير، فإنه المبين لمراد الله تعالى من الآية ويشهد بما شهد به القرآن، وهو التطبيق العملي لمعنى الآية النظري، فالطالب في تفسير القرآن يتعلم الحديث، وأضافه عبدالعظيم الزرقاني إلى علوم القرآن فقال: «إذا أضفت إلى علوم القرآن ما جاء في الحديث النبوي الشريف وعلومه وكتبه وبحوثه باعتبارها من علوم القرآن نظرا إلى أن الحديث شارح للقرآن يبين مبهماته ويفصل مجملاته ويخصص عامه».
ثالثا: مقرر الفقه
وإذا عرجنا إلى مادة الفقه، ومقرراته نجد أن مقرر الفقه يندرج في علم التفسير، وهو جزء ضئيل جدا من التفسير، ولا يزال هناك في القرآن فقه ضخم لا يعرف إلا في التفسير.
قال رشيد رضا: «الأحكام العملية التي جرى الاصطلاح على تسميتها فقها هي أقل ما جاء في القرآن، وأن ما بقي فيه من التهذيب والتربية والفقه والأخلاق والآداب والعلوم والمعارف ما لا يستغنى عنه، وما هو أجدر بالدخول في الفقه الحقيقي».
ومن سلبيات عرض مادة الفقه بالطريقة المستقلة عن القرآن وتفسيره انها لا تؤدي الغرض المطلوب حيث يؤدي مدرس المادة عرضه بذكر المسألة والتعريف بها ثم بأقوال العلماء فيها ثم يورد الدليل من القرآن أو السنة أو هما معا، فيقول: دليل هذه المسألة كذا ودليل هذا القول كذا، ودليل المخالفين كذا ويسرد الدليل، هذا إذا كان يذكر الدليل، وهو أحسن أحواله.
تعليم الحكمة
(يُتْبَعُ)
(/)
الأصل الرابع من هذا المنهج الدراسي الكامل تعليم الحكمة فهي في المرتبة الرابعة بعد تعليم الكتابة والخط وتلاوة القرآن وتعليم الكتاب ثم تعليم الحكمة، فمن صفات هذا المعلم (صلى الله عليه وسلم) أنه يتلو عليهم الآيات القرآنية، ويعلمهم معاني الكتاب، وهو تفسيره وبيانه ثم يعلمهم الحكمة، وتأمل أخي هذا التركيب العجيب، وهذا الأسلوب البديع حيث أفرد لتلاوة الآيات فعلا، وهو {يتلو} وجاء بفعل آخر لتعليم الكتاب للدلالة على التباين بيهما، فان تعليم الكتاب غير التلاوة، فإن التلاوة تكون بقصد حفظ الحروف، وتعليم الكتاب يكون بقصد حفظ المعاني، وأشرك الحكمة في نسق التعليم بفعل واحد: {ويعلمهم} لأنها مربوطة بتعليم الكتاب، وتعلم كما يعلم الكتاب، فهما كالشيء الواحد، وحذف كل ذلك من التزكية لأن التزكية لا تعلم ولا تحفظ ولا تتلى، وإنما هي ثمرة من ثمرات التلاوة وتعليم الكتاب وتعليم الحكمة، فإذا لم تثمر هذه الأصول الدراسية التزكية فهي كالعدو فإنما هي محض سلوك وعمل يظهر بعد التلاوة وبعد تعليم الكتاب وبعد تعليم الحكمة.
ونحن الآن نقوم بعملنا هذا بتعليم التزكية كالصناعة والحرفة التي يحتاجها الإنسان، ويقوم بها عند الحاجة لتدر عليه نفعا ما .. هذه حالنا ورب حال أفصح من لسان. من صفات هذا المعلم أن يعلمهم الكتاب والحكمة كما تقدم في قوله تعالى: {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}.
والقرآن الكريم يبين لنا أن الله أنزل الحكمة كما أنزل القرآن، وأنها تتلى فقال: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} (النساء: 113).
وقال: {واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} (البقرة:231).
وأمر الله أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يتذكروا ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة فقال: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} (الأحزاب:34).
ودل الاستقراء والتتبع لكلمة «الحكمة» في القرآن الكريم أنها وردت في كتاب الله على نوعين: مفردة، ومقترنة بالكتاب.
أولا المفردة: فقد وقعت في تسعة مواضع، وقد فسرت بالنبوة، والفهم والقرآن وتفسير القرآن.
وفسرت الحكمة بعلوم القرآن وفقه ما فيه من علوم، ذكر ابن الجوزي أن من معاني الحكمة علوم القرآن.
ثانيا: الحكمة المقرونة بالكتاب
وكلمة الحكمة عادة تأتي بعد كتاب منزل، وجاءت في اختيارنا لهذه الأصول كلها مقترنة بالكتاب ومتصلة به، ومن ثم اشتركت الحكمة في نسق تعليم الكتاب: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} وارتبطت به ارتباطا وثيقا فشاركت الكتاب في التعليم فيجب أن تعلم كما يعلم الكتاب.
واتفق علماء التفسير أن الحكمة المتصلة بالكتاب هي السنة وفسرها بذلك الحافظ ابن كثير وعزاه إلى غير واحد من السلف وهي ما أخذ عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوى القرآن: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» ومصداق ذلك في كتابه الكريم: {وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. علمه شديد القوى} (النجم:3 - 5).
--------------------------------------------------------------------------------
يتبع بحول الله تعالى
--------------------------------------------------------------------------------
بقلم الكاتب: د. أحمد بن معمر شرشال
ـ[أبو تيمية محمد بن علي خرب]ــــــــ[04 Jan 2010, 11:35 م]ـ
أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم وأثرها في بناء الشخصية واتزانها (2/ 3) مجلة الوعي الإسلامي (العدد: 530)
قد اعتنى علماء التربية والتعليم في الكليات والمعاهد ومدارس تكوين المعلمين بقواعد التربية وعلم النفس اعتناء كبيرا، فكتبوا في ذلك كتبا كثيرة وأبحاثا جمة.
وإن مما يدعو للدهشة والاستغراب أنهم نقلوا فيها عن علماء التربية الغربية كل طارف وتالد، واقتبسوا أصولهم وفروعهم وتجاربهم وإذا كنا نقدر مدى أهمية الاستفادة من عمل الآخرين بعد تصفيته وغربلته مما يتعارض مع أصول التربية والتعليم كما رسمها القرآن الكريم، ومع مبادئنا وقيمنا الحضارية، فإن الذي نعيبه على كثير من علماء التربية وأساتذتها ومدرسيها هو تغافلهم، وعدم التفاتهم إلى ما يزخر به القرآن الكريم والسنة النبوية من دقائق علوم التربية والتعليم أصولا وفروعا.
(يُتْبَعُ)
(/)
نص القرآن على هذا الأصل في قوله تعالى {يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}، كما تقدم، فتضمنت هذه الأصول التربوية تلاوة للآيات وتعليما للكتاب وتعليما للحكمة، وتزكية بمعنى التطهير والتنقية من السوء والقبائح والمنكرات، فهي ثمرة عملية لتطبيق الأصول التربوية الأولى، وهي ثمرة لتلاوة القرآن، وثمرة لفقه القرآن، والتفقه فيه، وثمرة لفهم السنة، وثمرة للعمل بما علم من التلاوة والكتاب والسنة.
التزكية: تطهير الإنسان حسيا ومعنويا ظاهرا وباطنا من دنس الذنوب والمعاصي، وفيها معنى النمو والزيادة والتعهد بالرعاية نحو الكمال.
وتأمل هذا التركيب العجيب وهذا الأسلوب الفريد حيث أفرد لتلاوة الآيات فعلا، وهو «يتلو» ثم جاء بفعل آخر لتعليم الكتاب وهو «ويعلمهم» ليدل بذلك على المباينة بين التلاوة وتعليم الكتاب، وأشرك «الحكمة» في نسق التعليم، لأنها مربوطة بتعليم الكتاب، وحذف كل ذلك من التزكية، ولم يقل ويعلمهم التزكية، كالأصول السابقة، لأن التزكية لا تعلم ولا تحفظ ولا تتلى كما هو الشأن في مناهجنا الحالية، وإنما هي إحساس فانفعال فسلوك وعمل بعد ذلك، وإنما هي ثمرة من ثمرات التلاوة وتعليم الكتاب وتعليم الحكمة، فإذا لم تثمر هذه الأصول التربوية التزكية فهي كالعدم، فهي محض سلوك وعمل يظهر بعد التلاوة وبعد فقه التلاوة وبعد فقه السنة.
قال تعالى {قد أفلح من تزكى. وذكر اسم ربه فصلى} (الأعلى:14 - 15)، وقال {قد أفلح من زكاها. وقد خاب من دساها} (الشمس: 9 - 10)، فقد فاز بكل مرغوب وظفر بكل محبوب من زكى نفسه وهذبها ونماها بالعلم، وزكاها بالتلاوة وفقه القرآن وعلومه وعمل بها، ومادة التفعل للتكلف وبذل الجهد أي بذل جهده في تطهير نفسه بالأعمال الصالحة.
بيان بأثر هذه الأصول التربوية وثمراتها
ولما كان التأثير يتم بمقدار عظمة المؤثر ظهر تأثير هذه الأصول التربوية والتفقه فيها في بناء شخصية الإنسان قويا وفعالاً وكاملا يصعب علينا حصر جميع جوانب هذا التأثير في بناء شخصية الإنسان واتزانها واعتدالها، ولسوف أقتصر على بعض الجوانب فقط، لأن مصدر هذه الأصول هو القرآن الكريم، وموضوع القرآن الكريم هو الإنسان نفسه، ولقد استلهمت هذا المعنى من قوله تعالى: {الرحمن. علم القرآن. خلق الإنسان. علمه البيان} (الرحمن: 1 - 4)، فقدم تعليم القرآن على خلق الإنسان، وهو متأخر عنه في الوجود لأن تعليم القرآن هو السبب في إيجاده، فبتعليم القرآن يتحقق في هذا الكائن معنى الإنسان، كما قدمنا في قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} (الأنفال:24)، دلت الآية على أن الاستجابة للقرآن حياة أخرى من نوع آخر، ولا يمكن حمل الحياة هاهنا على نفس الحياة لأن إحياء الحي محال فوجب حمله على حياة أخرى من نوع آخر، الاستجابة لأوامر القرآن واجتناب نواهيه، والعمل به هو الحياة الحقيقية.
ولسوف -بإذن الله- أسوق أمثلة ونماذج حية أبرهن فيها على هذه الحياة في عرف القرآن وأثره في بناء الإنسان.
أولا: طريقة القرآن في الخطاب لتربية الأخوة
قال تعالى في سياق أخبار بني اسرائيل {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون. ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} (البقرة:84 - 85).
قال ابن كثير: إن أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحد وقد بين القرآن أن من قتل نفسا بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعا فقال: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} (المائدة:22)
ومن تعبيرات القرآن بالنفس وإرادة الأخ في الدين قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} (المائدة: 105).
ومن تعبيرات القرآن بالنفس وإرادة الغير، قال تعالى {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} (النور: 61).
ومن تعبيرات القرآن وإرادة الأخ في الدين قوله تعالى {ولا تلمزوا أنفسكم} (الحجرات:11).
ومن تعبيرات القرآن عن الغير بالنفس وإردة الغير لأن الإنسان أخو الإنسان قوله تعالى {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} (النور:12).
ثانيا: حصول الطمأنينة والسكينة
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الاشتغال بفهم القرآن والتفقه فيه يكون سببا للطمأنينة والسكينة ويحصل لصاحبه عز الدنيا وسعادة الآخرة كما أخبر بذلك المعلم الأول (صلى الله عليه وسلم) «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكنية وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده».
ومصداق ذلك في كتاب الله {وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه}.
ثالثا: الجهاد بالقرآن الكريم
نجد الترجمة العملية له عند الأئمة والمصلحين ورجال الدعوة والإرشاد فقد اقتصروا على معاني القرآن وتفسيره في دعوتهم الشاملة، ابتداء بتحقيق التوحيد وحقوقه إلى محاربة الاستعمار، فأثمرت دعوتهم ونالت قبولا، وأقبل عليها الناس من جميع الأصناف والطبقات وأحدثت دعوتهم تغييرا إصلاحيا في العقيدة والسلوك وانتشرت في الشرق والغرب.
وبما أن ميلاد هذا البحث كان في بلاد الكويت، فمن البر بأهلها وإحسانا إلى علمائها وأعلامها، رأيت أن أبتدئ بهم، فراجعت كتاب علماء الكويت وأعلامها، فكان ممن اثار أعجابي الشيخ عبدالعزيز العتيقي، فكان تواقا لطلب العلم، فاقتنى كتبا كثيرة من كتب الحنابلة، ودرس على الشيخ محمد رشيد رضا، وتوثقت الصلة بينهما فكان مستودع أسراره، وكان مجاهدا داعيا سخيا في سبيل نشر الدعوة، وانتقل إلى الهند وأندونيسيا في سبيل نشر الدين ثم عاد إلى وطنه في الكويت، وانقطع للتعليم رحمه الله.
وإذا أردنا أن نتجول مع هذا الأثر الحميد فسنجد من بين هؤلاء المبرزين الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت1376هـ) قد اعتمد في دعوته نشر التوحيد والإصلاح في ربوع نجد على تفسير القرآن الكريم، فكان ذا عناية فائقة بالتفسير وفنونه، وبرع فيه، فألف ثلاثة كتب في التفسير وحده، هي تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، وتيسير اللطيف المنان في خلاصة القرآن، والقواعد الحسان لتفسير القرآن.
وإذا انتقلنا غربا الى مصر نجد الإمام محمد عبده يعتمد في دعوته على التفسير، فقد ألح عليه تلميذه رشيد رضا أن يلقي دروسا في التفسير ويعلل ذلك بقوله: «إن الكلام المسموع يؤثر في النفس أكثر مما يؤثر الكلام المقروء، ثم واصل مسيرة التفسير بعده رشيد رضا إلا أن أجله حال دون إكمال التفسير، رحم الله الجميع.
وإذا انتقلنا قليلا إلى ليبيا نجد ثلة من العلماء الذين قاموا بحق القرآن الكريم، وكانوا ترجمة عملية للذكر الحكيم، من أبرزهم شيخ الشيوخ علي الغرياني التاجوري الليبي.
وإذا انتقلنا غربا إلى تونس نجد الإمام الطاهر بن عاشور يتأثر بمدرسة رشيد رضا في التفسير، وألف تفسيرا كاملا سماه التحرير والتنوير، فحرر الناس من الجهل والظلمات، ونور به البلاد التونسية.
واذا انتقلنا قليلا إلى الغرب في الجزائر نجد الترجمة العملية المتمثلة في الإمام عبدالحميد بن باديس، فقد اقتصر على التفسير ومعاني القرآن في دعوته الإصلاحية الشاملة في الجزائر، ابتداء بتحقيق التوحيد وحقوقه إلى محاربة الشرك والاستعمار.
وإذا عرجنا جنوبا إلى بلاد شنقيط نجد خاتمة المحققين وإمامهم محمد الأمين الشنقيطي يفسر القرآن بالقرآن ويسميه: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.
هؤلاء الأئمة وغيرهم ممن لم أذكرهم كانوا مجاهدين بالقرآن بتفسيره وبيانه والتفقه فيه ودعوة الناس إليه، وقد سمى القرآن مثل عملهم ذاك بالجهاد الكبير فقال جل وعلا {وجاهدهم به جهادا كبيرا} (الفرقان:52). أي بالقرآن كما فسره به ابن عباس، وفي هذا منقبة عظيمة لمن يدعو إلى الله بالقرآن وتفسيره وبيانه للناس فهو مجاهد، اقتداء بالمصطفى (صلى الله عليه وسلم) حيث أمره الله أن ينذر قومه بالقرآن {قل إنما أنذركم بالوحي} (الأنبياء: 45) وقال {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} (الأنعام:19)، فكل من أنذر الناس بغير الوحي والقرآن وما يستفاد منه فقد أخطأ الطريق.
رابعا: زوال التعصب
(يُتْبَعُ)
(/)
من أهم ما تثمره هذه الأصول التربوية في شخصية الإنسان والطالب التخلص من التعصب والتقليد، بل إذا ابتدأ الطالب بعد حفظ القرآن بعلم تفسيره وبيانه والتفقه فيه كما رتبه الله، لم يجد هذا الهاجس إلى نفسه سبيلا، وما وجد التعصب والتقليد إلا بمخالفة المنهج الذي رسمه القرآن في التربية والتعليم، وهو تعليم الخط والكتابة، ثم التلاوة ثم التفسير والحكمة والتزكية وهي العمل بما علم كما قدمنا في قوله تعالى {ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم} (البقرة:129).
فبمخالفتنا لمنهج التربية والتعليم كما رسمه القرآن نعلم الطلاب التعصب والتقليد من حيث لا ندري.
خامسا: الاستقلال في الأخذ والترجيح
من ثمرات هذه الأصول التربوية على شخصية الطالب أنها تعلمه الاستقلال في الأخذ والترجيح، وعدم التبعية والتقليد، فهذا ابن العربي المالكي في أحكام القرآن كثيرا ما يتعصب لمذهبه ويحمل على المخالفين، إلا أن أسلوب القرآن وروعة بيانه أرغمه في بعض المواضع من أحكامه على عدم التعصب، ونسي نفسه ورجح بقوة مذهب المخالفين لمذهبه، مبينا الوجه والسبب فقال عند قوله تعالى {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} (الأنعام:141).
وقال أبو حنيفة: تجب الزكاة في كل ما تنبته الأرض من المأكولات»،ثم تعرض لذكر بقية المذاهب وصرح بما يخالف مذهبه المعتاد وقال كلمة بليغة تكتب بماء الذهب فقال: «وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق».
قال القرطبي: «وأخذ يعضد مذهب الحنفي ويقويه»، هذا هو حال من يطلب فقه القرآن، لا فقه الفقه، وهكذا حال كل من يجعل القرآن مرآته فإنه يبصر الحق كما أبصره الإمام أبوحنيفة، وابن العربي، وجميع الأئمة. ما أحوجنا اليوم إلى أن نجعل القرآن مرآتنا لنبصر الحق والهدى والرشاد في هذه الظلمات المتراكمة علينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
سادسا: الاتزان والاعتدال
من ثمرات هذه الأصول التربوية وفوائدها وأثرها أنها تكسب شخصية الطالب اتزانا واعتدالا وتكاملا، فلا ينحاز ولا يميل، لأن المصدر الذي يتلقى منه علومه ومعارفه واحد، فلا يطغى عليه جانب دون جانب، فهو عند آيات الأسماء والصفات، يتعلم أسماء الله وصفاته بدون تعطيل ولا تمثيل، وإذا جاء إلى آيات الجهاد - وما أكثرها- تعلم وتفقه في أحكام الجهاد، وإذا جاء إلى آيات الأحكام تعلم الفقه والأحكام الشرعية والحدود، وإذا مر على آيات الفرائض تعلم ذلك ولاشك، وإذا مر على الآيات المتعلقة بالبر والإحسان تعلم ذلك وتطبع وعمل به، وإذا مر على الآيات التي تذكر فيها الأمم السابقة وأحوالهم، وما آل إليه أمرهم اعتبر بذلك واتعظ، وتعلم قصص الأنبياء والرسل وما لاقوه في سبيل الدعوة، وعلم طرق الدعوة ووسائلها وأهدافها.
ولما كانت الوسطية من مزايا هذه الأمة، حث عليها الشرع وقررها القرآن {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} (البقرة:143).
كان لتفسير القرآن وفهمه والتفقه فيه أثر قوي لا ينكر في تحقيق صفة اعتدال الشخصية واتزانها.
--------------------------------------------------------------------------------
يتبع
--------------------------------------------------------------------------------
بقلم الكاتب: د. أحمد بن معمّر شرشال(/)
مجلة أمريكية متطرفة تهاجم القرآن الكريم بكتاب مجاني
ـ[يسري خضر]ــــــــ[05 Jan 2010, 10:49 ص]ـ
أعلنت مجلة أمريكية محافظة أنها ستوزع مع الأعداد القادمة من المجلة وبشكل مجاني كتابًا مسيئًا للإسلام، يتهم القرآن بأنه "ليس كتاب سلام"، وهي المرة الثانية خلال ثلاثة أشهر فقط التي تقوم فيها المجلة بتوزيع الكتاب، وهو من تأليف أحد أبرز الكتاب المعادين للإسلام في الولايات المتحدة.
وأعلنت مجلة "هيومان إيفنتس" الأمريكية المحافظة الأحد عن توزيع كتاب "الدليل الكامل للكفار لفهم القرآن"، للكاتب الأمريكي المتطرف روبرت سبنسر، صاحب العديد من الكتب المسيئة للإسلام والمسلمين.
وقال توماس وينتر، رئيس تحرير المجلة، في رسالة بعث بها للقائمة البريدية للمجلة، وتلقت وكالة أنباء "أمريكا إن أرابيك" نسخة منها، إن الكتاب، الذي يبلغ سعره حوالي 20 دولارًا، سيتم توزيعه "لفترة محدودة" على مشتري المجلة
ووصف وينتر القرآن بأنه "ليس من السهل قراءته" وأنه "محير ومتناقض ويسبب التشوش"، وأنه "ينبغي على الأمريكيين أن يقلقوا حيال كتاب المسلمين المقدس"، وقال: "حان الوقت كي يعرف جميع الغربيين الكتاب الذي يُلهم أعداءنا بارتكاب أفعالهم الشنيعة من الكراهية والإرهاب".
وهذه هي المرة الثانية خلال ثلاثة أشهر فقط التي تقوم فيها المجلة بالترويج للكتاب، الذي لم يحظ بنجاح يُذكر عند طرحه في الأسواق؛ حيث سبق وقامت بتوزيعه مجانًا في وقت سابق أوائل أكتوبر 2009م.
كما أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها المجلة، المقربة من تيار اليمين الأمريكي المتطرف، بتوزيع كتب معادية للإسلام، وهي كتب عادةً لا تحظى بتوزيع جيد في الولايات المتحدة، والعديد منها من كتب روبرت سبنسر؛ حيث قامت في مارس2008م بتوزيع كتاب سابق لسبنسر بعنوان "الحقيقة عن محمد: مؤسس أكثر الأديان تعصبًا في العالم"، وهو الكتاب الذي أثار غضب المسلمين الأمريكيين والكتاب المعتدلين عند طرحه في الأسواق في 2006م، لكنه لم يحظ بنجاح في الأسواق.
يُشار إلى أن مجلة "هيومان إيفنتس"، التي تأسست في 1944م، كانت متخصصة إبَّان حقبة الحرب الباردة في مناهضة الشيوعية، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى الهجوم على الإسلام؛ حيث يكتب بها عدد من أبرز الكتاب المناهضين للإسلام، من أمثال آن كولتر ووليد فارس ودانيال بايبس.
ـ[خلوصي]ــــــــ[29 Jan 2010, 09:20 ص]ـ
أبشر أستاذنا الكريم!
نعم و الله .. فما رأيناهم يوما يحاربون الإسلام إلا و كانت حربهم تلك دعاية له!؟!
" فسبّح بحمد ربّك و استغفره إنّه كان توّاباً "
ـ[أحمد الحمادي]ــــــــ[29 Jan 2010, 08:53 م]ـ
وتبقى السماء هي السماء ضاحكة السنِّ بسَّامة المحيى.
وكما أشار أخي خلوصي سينقلب السحر على الساحر إن شاء الله.(/)
معرض القاهرة الدولي - إلى الأخوة المهتمين بمقارنة الأديان ومكافحة التنصير
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[21 Jan 2010, 08:28 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
معرض الكتاب الدولي 2010 بالقاهرة هذا العام على الأبواب ..
وقد رغبت أن أقدم ترشيحًا لأهم الكتب المتخصصة في الرد على النصارى ورد الشبهات عن الإسلام ..
وذلك حتى يقتنيها المهتمون بهذا المجال والمتصدين للعمل الدعوي فيه ..
وهذا عرض لأهم الكتب التي ينبغي على المرء اقتناؤها ..
...
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[21 Jan 2010, 08:45 ص]ـ
أولاً:
كتاب (المسيح عليه السلام - دراسة سلفية) للشيخ رفاعي سرور
إصدار ونشر: دار هادف ..
وهذا الكتاب يعتبر دراسة واسعة للنصرانية من عدة جوانب ..
منها الجانب المتعلق بنقدها ودحضها وإبطالها ..
ومنها الجانب المتعلق بوجهة نظر الإسلام في النصرانية على التفصيل ..
ومنها الجانب المتعلق بكيفية المواجهة ووسائل مكافحة التنصير ..
وغيرها ..
والكتاب يقع في خمسة أبواب ..
الباب الأول: التعريف السلفي بالله ..
وفيه يستعرض الشيخ الآيات القرآنية وبراهينها على تنزيه الله تعالى عن الولد ..
وكيف أن آيات القرآن كلها تنطق بنفي الابن عن الله عز وجل ..
ثم يطرح تصورًا سلفيًا عامًا لقصة المسيح عليه السلام ..
يتناول فيه قضية خلقه وولادته ودعوته و زعم صلبه ورفعه ونزوله ..
وهو في كل هذا يأتي بفرائد وبدائع لم يُسبق إليها بارك الله فيه ..
كالمقابلة القدرية بين المسيح عليه السلام والمسيخ الدجال ..
فهو يقول:
((فالمسيح عيسى هو المقابل للدجال ..
والمسيح الدجال هو المقابل لعيسى ..
ومعنى التقابل هو التضاد مع وجود قاسم مشترك بين طرفي التضاد ..
ومعنى التضاد بين عيسى والدجال هو الخير والشر ..
والقاسم المشترك بين عيسى والدجال هو الفتنة ..
وبذلك يكون معنى كلمة «المسيح» بالنسبة لعيسى هو فتنة الخير المقابلة لفتنة الشر ..
ويكون معنى كلمة «المسيح» بالنسبة للدجال هو فتنة الشر المقابلة لفتنة الخير ..
وتفسير معنى الخير بالنسبة لعيسى ابن مريم ومعنى الشر بالنسبة للدجال يمثل أساسًا جوهريًّا في فهم القضية، وكذلك تفسير معنى الفتنة المشترك بينهما .. ))
((فالمسيح الدجال -الذي يظهر في آخر الزمان مدعيًا للإلهية- ينزل له المسيح عيسى ابن مريم الذي ادعيت له الإلهية بالباطل، بإذن الله تبارك وتعالى، فيقتل مسيحُ الهدى مسيحَ الضلالة .. ))
((وإدراك الحكمة من رفع عيسى يبدأ بتفسير حقيقة عيسى نفسه، فهو «جانب الخير» المقابل للدجال «جانب الشر»، وتحقيق «جانب الخير» في عيسى جاء باعتبار أن الشيطان لم يمسه، وباعتبار أنه لم يذنب قط ..
وبذلك اقتضى الأمر أن يُرفع عيسى ابن مريم ليكون له وجود ممتد في السماء يتقابل مع الوجود الممتد للدجال على الأرض، حتى لا ينقطع وجود عيسى .. باعتباره «جانب الخير» المقابل للدجال .. باعتباره «جانب الشر» ..
وبذلك يفهم أن وجود عيسى بلا انقطاع أمام الدجال .. حكمٌ قدريٌّ ..
وأن قتل عيسى للدجال .. حكمٌ قدريٌّ ..
وأن رفع عيسى حيًّا هو فعل الله المحقق لهذه الأحكام القدرية ..
ولعلنا نلاحظ في الآية أن الرفع جاء قبل النجاة من الذين كفروا؛ لنفهم أن العلة الأساسية من الرفع هي بقاء عيسى حيًّا حتى ينزل في آخر الزمان، وليس مجرد أسلوب نجاة بالنسبة لعيسى، ومفردات الآية تؤكد المعنى الأساسي للرفع .. ))
((ومناسبة عيسى لقتل الدجال تأتي من علاقة التقابل بين عيسى والدجال، فالشر المجتمع في الدجال .. لا يناسبه ليمحوه إلا الخير المجتمع في عيسى ابن مريم ..
وتحقيق «جانب الخير» في عيسى جاء باعتبار أن الشيطان لم يمسه، وباعتبار أنه لم يذنب قط ..
وباجتماع هذه الخصائص في عيسى يكون الله قد حقق فيه غلبة الخير في الواقع البشري بصفة عامة، إذ أصبح قسم من أقسام النوع الإنساني الأربعة؛ لم يمسه الشيطان ولم يذكر له ذنب ..
وبذلك ينطبق على علاقة المسيح عيسى ابن مريم والمسيح الدجال كل قواعد العلاقة بين الخير والشر، وأهمها حقيقة علاقة الصفة القدرية بمقتضاها في الواقع .. ))
والباب الثاني: التحريف النصراني ..
وهو يواجه دعاوي النصارى كادعاء الولد لله والتجسد والأقانيم وتحريف كلام الأنبياء ..
(يُتْبَعُ)
(/)
وهو يرد على هذه الدعاوي بردود بديعة تتسم بالعمق والتحليل والتدبر ..
كتناوله لبدعة تجسد الله عند النصارى ..
فهو ينظر إليها من منظور أن الإنسان يرغب بطبيعته في رؤية الله ..
وهذا ثابت في التصور الإسلامي ..
والشيطان يرتكز دومًا على الطبيعة البشرية في الانحراف بالإنسان ..
لهذا استغل الشيطان هذا المدخل لتضليل البشر عن طريق ((الادِّعاء بأن ظهور الله في صورة إنسان هو الذي سيحقق المعرفة الإنسانية الكاملة بالله، وكان هذا الادِّعاء أهم أسباب فتنة النصارى بادِّعاء التجسد .. ))
ويستشهد الشيخ بقول صاحب اللاهوت النظامي:
((من فوائد التجسد للبشر أن يكون لنا في ابن الله المتجسد مثال فريد لحياة البشرية الكاملة، وظهور اللاهوت بكمال صفاته على هيئة منظورة محسوسة اقتربت منا اقترابًا عجيبًا! جعلت مخاطبتنا لله وجهًا لوجه في الصلاة والاتحاد الروحي أمرًا ممكنًا))
ثم يقوم بتبيين التصور الإسلامي الصحيح لعلاقة الإنسان بالله ..
وحقيقة رؤية الله التي أعدها للمؤمنين في الآخرة وجعل لهم منها نماذج في الحياة الدنيا ..
وهو كله في تصوير بديع وتحليل عميق ..
وتكمن روعة كتاب الشيخ رفاعي سرور في أنه لا يقدم لك ردودًا جاهزة ..
بل يسبح بك في عمق التصور الإسلامي السلفي الصحيح لكل قضية ولكل مسألة ..
بحيث تخرج وقد تكونت لديك فكرة شاملة عميقة لا تصمد أمامها أي شبهة أو تحدي ..
وهكذا حقًا تكون كتابات العلماء الربانيين عندما يتصدون للزيغ والباطل ..
ولنا في شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أسوةً ومثالاً ..
والباب الثالث: تحليل التحريف ..
وهو يتناول في أوله دور إبليس في تحريف بني البشر ..
ورمزية الصليب التي تشير إلى قطع الصراط المستقيم ..
فهو خطٌ قصيرٌ يعترض خطًا طويلاً ..
وملامح دور إبليس في مفردات التحريف النصراني للعقيدة الصحيحة ..
ومن أبرز نقاط هذا الباب هو تناول الشيخ لعقيدة الكفارة وتفنيده لها من أربعة محاور ..
الأول: حكم التناسب بين الخطأ والكفارة ..
الثاني: اختصاص وجوب الكفارة على مرتكب الخطأ ..
الثالث: المناسبة الزمنية بين وقت الخطأ ووقت الكفارة ..
الرابع: تناقضات فكرة الكفارة في النصرانية المحرفة من حيث:
تناقض الكفارة مع معنى العزة الإلهية ..
تناقض فكرة الكفارة مع معنى الرحمة ..
تناقض فكرة الكفارة مع معنى الحب ..
وهذا كله بأسلوب سلس يسير لا تجد فيه صعوبةً ولا عسرًا ..
والباب الرابع: تصحيح التحريف ..
ويتناول فيه الخصائص الربانية للدين من ثلاثة جوانب ..
جانب التلقي والمعرفة، وجانب مضمون الوحي، وجانب الواقع كأمة ..
ثم يعقد مقارنة بين الأمة الإسلامية والأمة النصرانية ..
وهذا الباب فيه من درر الكلام ما لو قرأه نصراني جاد في طلب الحق لأسلم .. !
فإنه يعبر بصورة واقعية عن حقيقة التشتت النفسي والقلبي الذي يعانيه معتنقو العقيدة النصرانية ..
وما يعانوه من فقدان الاطمئنان العقدي نتيجة للتشتت الوجداني بين الأقانيم الثلاثة ..
ويُرجع الشيخ هذا التشتت إلى التناقض بين النصرانية والفطرة ..
((فالألوهية هي المقام الذي يتجه إليه العبد بكليته .. يتجه إليه وحده، فلا شيء في العبد خارج هذا التوجه، ولا جهة أخرى إلا هذا الاتجاه ..
فكيف يكون إحساسٌ بالله وإحساسٌ بابن الله .. ؟!
من منهما صاحب مقام الألوهية الذي سأتجه إليه بكياني كله .. وأتجه إليه وحده .. ؟!))
((فنجدهم بالاعتبار النفسي والقلبي .. يعيشون فكرة «الابن» أكثر من فكرة «الأب» ..
ولا يذكرون فكرة «روح القدس» إلا في مجال المناظرة؛ لأنهم يعيشونها كموضوع جدل باعتبار أن مشكلة «الابن» هي الأكثر مجالًا في المناقشة؛ ولذلك تجد غيابًا عقليًّا وقلبيًّا ونفسيًّا عجيبًا «للروح القدس» .. !
حتى لو قالوا: إن الثلاثة إلهٌ واحد .. إذ كيف يكون التوجه والانشغال القلبي والوجداني بالأب والابن في لحظة واحدة .. ؟!
وهذه المشكلة النفسية لم تظهر من خلال الصراع الجدلي فقط، بل بدأت مع بداية الابتداع .. ))
((إن ادعاء الولد هو أكبر أزمة إنسانية نفسية، والواقع النفسي للنصارى دليل على هذه الأزمة؛ لأن كل فرد من أفراد الأمة النصرانية .. له إحساسٌ خاص بالإله .. !!
إحساسٌ ناشئٌ عن التعامل الشخصي مع عقيدته ..
(يُتْبَعُ)
(/)
فمنهم من يختلف إحساسه بـ «الأب» .. عن الإحساس بـ «الابن» .. عن الإحساس بـ «روح القدس» عن الإحساس بـ «مريم» .. !!
كما يختلف إحساسه بالشكل النهائي للعلاقة بين هذه العناصر .. إذا استطاع أن يصل إلى هذا الشكل .. !!
لذلك يركزون كثيرًا على ما يسمونه بالاختبارات الشخصية، وهي مجموع الخبرات الشخصية لكل فرد في كيفية إحساسه بالله .. !))
وهذا تشخيصٌ دقيقٌ لا يصدر إلا عن حكيمٍ بارعٍ ليس له غبار ..
وفي نفس الباب من درر الكلام ما يقصر عنه هذا الموضع خاصة في تحليل العلاقة بين الإيمان من جهة والعقل والقلب من جهة أخرى ..
حيث أن الإيمان يقوم على مرتكزات العقل والقلب ..
((فعندما يصدق العقل بالحقيقة .. يرسلها إلى القلب لتستقر، مرورًا بالصدر الذي ينشرح لها فلا تَحيك فيه، فإذا استقرت الحقيقة في القلب يكون الاطمئنان والإيمان .. لأن الإيمان هو الاطمئنان.
وليكون أول مقتضيات ذلك .. التسليم العقلي بكل موجبات الإيمان .. ))
((وبذلك تكون علاقة العقل بالإيمان هي القناعة ابتداءً .. والتسليم انتهاءً .. فلا يكون تسليم بغير قناعة في الابتداء .. ولا تشترط القناعة بعد التسليم في الانتهاء .. ))
وهذا والله من درر الكلام .. !
والباب الخامس: الهيمنة السلفية ..
وهو يركز على قضية هيمنة القرآن على ما سبقه من كتب النصارى ..
ومعنى الهيمنة هو تصحيح ما حرفه أهل الكتاب أو الفصل فيما اختلفوا فيه ..
فهو يتناول القضايا التي صححها القرآن أو فصل فيها بتفصيل بديع ووافٍ ..
وفي هذا الفصل على وجه الخصوص من روائع علم المناسبة ما يستحق التأمل والتدبر ..
وقد أبدع الشيخ فيه أيما إبداع .. !
وللشيخ رفاعي سرور حفظه الله باعٌ طويلٌ في هذا الباب من علم المناسبة يدل على تأملٍ وتدبرٍ وطول معايشةٍ لكتاب الله عز وجل ..
والباب السادس: المواجهة ..
وهو آخر أبواب هذا الكتاب الماتع ويتناول فيه منهجية المواجهة وأبعادها ومراحلها ..
وجدال النصارى كمشروعية وضرورة ..
ثم ينتقل إلى تحليل ظاهرة الشبهات وكيفية الرد عليها ..
ويرد بعض الشبهات المنتشرة كمحاولة التردي وحادثة المجبوب والأمية وغيرها ..
وهو في كل هذا لا يعطيك فقط السمكة لتأكلها جاهزة لذيذة بل يعلمك كيف ترمي السنارة وتصطاد ..
وكل هذا في إطار تصور إسلامي سلفي صحيح يضعك على مواطن الداء ويرشدك إلى أين وكيف تؤكل الكتف .. !
والله من وراء القصد .. وهو يهدي السبيل.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[21 Jan 2010, 08:57 ص]ـ
ثانيًا:
كتاب (القرآن ونقض مطاعن الرهبان) للدكتور صلاح الخالدي
إصدار: دار القلم - دمشق ..
والدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي مشهورٌ بكتاباته في الدفاع عن القرآن وفضح محاولات أهل الكتاب لتشويهه ..
بالإضافة إلى مساهماته القيمة في مجال مقارنة الأديان ونقد أسفار أهل الكتاب ..
والكتاب كما يصفه مؤلفه مخصص ((للانتصار للقرآن، والدفاع عنه أمام هجمات أعدائه، الذين انتقصوه وخطؤوه، وأثاروا حوله الشبهات، ووجهوا له الاتهامات، وتعاملوا معه بعداوة وجهل)) ..
وهو يرد على كتاب (هل القرآن معصوم) لعبد الله الفادي، يقول الدكتور صلاح الخالدي:
((الكتابُ الذي خصصنا كتابنا للرد عليه وتفنيد شبهاته واتهاماته هو هل القرآن معصوم؟ ونسب لرجل دين نصراني هو عبدالله الفادي، ويبدو أن هذا الاسم مستعار. وصدر الكتاب عن مؤسسة تنصيرية في النمسا، اسمها ضوء الحياة، وظهرت طبعته الأولى عام 1994م وتوزعه هيئات ومراكز التبشير النصرانية ودعت مؤسسة ضوء الحياة إلى مراسلتها لإرسال الكتاب لمن يطلبونه كما أنها أنزلته على الانترنت)) ..
ويقول عن الدافع للرد على هذا الكتاب:
((وقد رأينا من المناسب أن نرد على كتاب الفادي "هل القرآن معصوم؟ " وأن نبين تهافت أسئلته، وتفاهة انتقاداته .. والذي دفعنا إلى الرد عليه أنه يمثل خلاصة جهود النصارى في فحص القرآن، وإثارة الأسئلة والشبهات حوله، فهناك كتب كثيرة لنصارى عديدين، تنتقد القرآن، وتثير حوله الاعتراضات، وتزعم الوقوف على أخطاء، ولقد قرأنا بعض تلك الكتب، ولدى مقرنتها بهذا الكتاب، وجدناه خلاصة لها، فالرد عليه رد عليها، لأنه لخص ما في تلك الكتب من أسئلة وتشكيكات)).
وفي نقده لمقدمة كتاب الفادي يحلل الدكتور الخالدي موطن الخلل عنده فينقل قول الفادي:
(يُتْبَعُ)
(/)
((رغبت منذ حداثتي أن أقوم بخدمة منتجة دائمة الأثر للجنس البشري، وليس في مقدوري أن أكتشف قارة، مثل ما فعل كولمبس، ولا أن أخترع مذياعًا، منا فعل ماركوني، ولا أن أسخر الكهرباء، مثل ما فعل أديسون، ولا أن أحلل الذرة، كما فعل أينشتاين، فليس شيء من هذا يدخل في دائرة اختصاصي .. ولكنني كرجل دين، رأيت أن أدرس القرآن .. ))
ويعلق الدكتور الخالدي على كلام الفادي بقوله:
((المؤلف عبد الله الفادي قسيس، ورجل دين نصراني، وبما أنه متخصص في الدين، فهو يريد أن يقوم بدراسة دينية، يخدم بها الجنس البشري خدمة دائمة ..
لم يبق أمامه إلا الإسلام ليدرسه، وبما أن القرآن هو أساس الإسلام، فليوجه القسيس الفادي نظراته الكنسية النصرانية إليه، ليدرسه دراسة مفصلة، يقدم بها خدمة للبشرية!))
فالفادي المسكين تراوده أحلام المجد وأن يكون في مصاف أديسون وماركوني وأينشتاين ..
لهذا وضع هذا الكتاب "خدمة للبشرية" .. !
فالمسكين أسير فكرة عجيبة استحوذت عليه وفرضت عليه المضي في هذا الطريق ..
وطبعًا لن ينال المجد إن درس القرآن دراسة منصفة محكمة ..
بل لابد أن تكون دراسته من منطلق نصراني ديني ضيق ..
كي ينال المجد الذي يحلم به!
وهذا هو موطن الخلل: الأفكار المسبقة، والتحيز والتحامل ..
وقد صرح الفادي بتحيزه المسبق في قوله في مقدمة كتابه:
((وبما أن الله واحد، ودينه واحد، وكتابه المقدس واحد، الذي ختمه بظهور المسيح كلمته المتجسد، وقال: إن من يزيد على هذا الكتاب، يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فيه، وبما أن القرآن يقول: إنه وحي، أخذت على عاتقي دراسته)).
ويعلق الدكتور الخالدي على كلام الفادي قائلاً:
((آمن القسيس بهذه الفكرة، وتسلح بهذا السلاح، ووضع هذا المنظار على عينيه، وأقبل على القرآن بدرسه وينظر فيه، ويقدم بذلك خدمة للجنس البشري!))
ويكشف الدكتور الخالدي عن الوسيلة السليمة لدراسة القرآن:
((ولا مانع من أن يدرس أي إنسان القرآن، والقرآن لا يخشى من أن يدرسه أي إنسان، سواء كان مسلمًا أو يهوديًا أو نصرانيًا، قسيسًا أو باحثًا أو عالمًا، لكنه يشترط على الذي سيدرسه شرطًا واحدًا، هو: أن يقبل على القرآن بمقرر فكري أو عقيدي مسبق، وأن لا يحمل فكرة يريد إثباتها في القرآن! إنه إن فعل ذلك تكون دراسته منحازة متحاملة، ومن ثم سيخرج من هذه الدراسة بنتائج خاطئة، تقوم على التحامل والهوى والمزاجية ...
أما إذا وضع الدارس في ذهنه مقررًَا مسبقًا عن القرآن، وأقبل عليه يدرسه لتحقيق وتأكيد هذا المقرر، فسوف تكون دراسته متحاملة منحازة ضده، وسيكون نظره في القرآن نظرًا خاطئًا. كأن يوقن القسيس أن القرآن ليس وحيًا من الله، وأنه من تاليف البشر، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس رسولاً، وإنما هو مدع مفتر، وأن في القرآن أخطاء عديدة، ثم يدرس القرآن ليأخذ منه الأدلة والأمثلة على ما يؤمن به! عند ذلك سيخرج بنتائج خاطئة، ويزعم أنه وجد الأدلة على ما يريد!))
أما عن الكتاب نفسه فيقول الدكتور:
((ونُقَدِّمُ هذا الكتاب (القرآن ونقض مطاعن الرهبان) إلى المسلمين, ليزدادوا يقيناً بأنَّ القرآن كلام الله, وأنه منزَّه عن الأخطاء والمطاعن, وليقفوا على تهافت وتفاهة أسئلة واعتراضات الكفار عليه, وليعرفوا كيفية الرَّدِّ عليها)).
ويقع الكتاب في عشرة فصول, هي:
الفصل الأول: نقض المطاعن الجغرافية
الفصل الثاني: نقض المطاعن التاريخية
الفصل الثالث: نقض المطاعن الأخلاقية
الفصل الرابع: نقض المطاعن اللاهوتية
الفصل الخامس: نقض المطاعن اللغوية
الفصل السادس: نقض المطاعن التشريعية
الفصل السابع: نقض المطاعن الاجتماعية
الفصل الثامن: نقض المطاعن العلمية
الفصل التاسع: نقض المطاعن الفنية
الفصل العاشر: نقض المطاعن الموجهة إلى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
والواقع أن هذا الكتاب عبارة عن معركة غير متكافئة إطلاقًا بين العلم والجهل ..
بين الدقة العلمية والخبط العشوائي ..
وقد كان واضحًا للغاية ضعف مستوى كتاب الفادي أمام انتقادات الدكتور الخالدي ..
حتى صرح الدكتور صلاح الخالدي بهذه الحقيقة في قوله:
(يُتْبَعُ)
(/)
((ونشهد أن كلام الفادي المفتري في كتابه تافه متهافت، والرد عليه وإظهار تهافته سهل ميسور، والرد على الأسئلة المثارة مقدور عليه، ولم يأخذ منا جهدًا كبيرًا ولله الحمد)).
يزعم الفادي أنه درس القرآن وتفاسيره عدة مرات ..
فهو يقول في مقدمة كتابه:
(( .. وبما أن القرآن يقول: إنه وحي، أخذت على عاتقي دراسته، ودراسة تفاسيره، فدرسته مرارًا عديدة، ووقفت على ما جاء به))
ويعلق الدكتور الخالدي قائلاً:
((والتفسير الوحيد الذي أثبته الفادي في قائمة المراجع هو تفسير البيضاوي، ولا أدري لماذا تفسير البيضاوي دون غيره؟ فهناك تفاسير مأثورة أفضل منه، كتفسير الطبري وتفسير ابن كثير)).
فالفادي الجاهل يزعم أنه درس "تفاسير" القرآن، ليس مرة واحدة، بل "مرارًا عديدة"!!
رغم هذا هو لم يستشهد في كتابه كله إلا بتفسير البيضاوي دون غيره ..
بل إنه في هذا التفسير لم يتورع عن الكذب والغش ..
ففي السؤال رقم 25 (هل أشرك آدم وحواء بالله؟) ينقل كلامًا ينسبه للبيضاوي في تفسيره ..
فيتعقبه الدكتور صلاح الخالدي بقوله:
((لم يكن الفادي أمينًا في النقل عن البيضاوي، مع أنه زاد على البيضاوي ما لم يقله، وحذف منه كلامًا مهمًا))
ثم ينقل الدكتور كلام البيضاوي كاملاً، ثم يعقب:
((وأدعو إلى المقارنة بين كلام البيضاوي في تفسيره، والكلام الذي زعم الفادي أنه للبيضاوي في تفسيره، لمعرفة الفرق بينهما، والوقوف على تلاعب الفادي وعدم أمانته!))
ويكمل قائلاً:
((ولقد حرف الفادي المفتري كلام البيضاوي، ليجعله دليلاً له على تخطئة القرآن ... فالبيضاوي يصرح بأن الذين جعلوا لله شركاء هم أولاد آدم وحواء، واتهم المفتري البيضاوي بأنه يرى أن آدم وحواء هما اللذان جعلا لله شركاء!!
ومن افتراء المفتري الفادي افتراؤه على البيضاوي بأنه يعتقد صحة قصة إبليس مع حواء وعبد الحارث، مع أن البيضاوي لا يرى صحة القصة الموضوعة التي ذكرها))
ويواصل الدكتور بقوله:
((ومن باب الإمعان في الكذب والافتراء لم يذكر تعقيب البيضاوي على القصة، وهو تعقيب مهم، لأنه يبين رفض البيضاوي للقصة، لمعارضتها لعصمة الأنبياء، وهو قوله: "وأمثال ذلك لا يليق بالأنبياء .. "!
كما أن الفادي المفتري لم يذكر الاحتمال الثاني الذي أورده البيضاوي في تحديد الشخصين المشركين، أنه ينقض ويرد اتهامه لآدم وحواء بالشرك)) ..
وينتهي إلى النتيجة:
((المهم أن آدم وحواء لم يشركا بالله، والبيضاوي لم ينسب ذلك لهما، وكان الفادي مفتريًا كاذبًا في زعمه ونقله عن البيضاوي)) ..
ولا يفوت الدكتور أن ينبه على مقدار القوم من الأمانة العلمية فيقول:
((إن هذا التصرف الشائن والتلاعب المرذول من الفادي المفتري يدل على فقدانه الأمانة العلمية فيما ينقله من كلام، ينسبه للعلماء والمسلمين ليوافق هواه، ويحرفه عن معناه!! وأدعو إلى الشك في كل ما ينقله الفادي وأهل ملته من أقوال ينسبونها للمسلمين، وإذا أحالوا على كتاب لعالم مسلم، وزعموا وجود الكلام فيه، فأدعوا إلى العودة المباشرة إلى الكتاب الإسلامي، وسوف نجد فرقًا بعيدًا بين الكلام في الكتاب الإسلامي وبين الكلام المنقول منه!! وبهذا نعرف تخلي اليهود والنصارى والمستشرقين عن الأمانة العلمية في بحوثهم العلمية!!))
ونعوذ بالله من الكذب وأهله.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[21 Jan 2010, 09:20 ص]ـ
ثالثًا:
كتاب (الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية)
تأليف: سليمان بن عبد القوي الطوفي - توفى 716 هجرية
تحقيق: د. سالم بن محمد القرني
نشر: مكتبة العبيكان
والمؤلف هو نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري الحنبلي من تلامذة شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن علماء أصول الفقه البارعين المتفننين، قال عنه ابن حجر العسقلاني: ((واشتغل في الفنون، وشارك في الفنون، وتعانى التصانيف في الفنون، وكان قوي الحافظة شديد الذكاء .. وقرأ العلوم وناظر وبحث ببغداد))، ووصفه ابن رجب بـ ((الفقيه الأصولي المتفنن)) وكذلك ابن العماد، وقال عنه صاحب جلاء العينين: ((البحر العباب، والغيث الذي يقصر عنه السحاب))، وأقوال العلماء في قدره ومكانته غير قليلة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وسبب تأليف الكتاب هو اطلاع المؤلف على كتاب ألفه بعض النصارى يطعن به في دين الإسلام، ويقدح به في نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الطوفي رحمه الله: ((فرأيت مناقضته ... ورجوت بها مغفرة من الله ورضوانا، حذرًا من أن يستخف ذلك بعض ضعفاء المسلمين فيورثه شكًا في الدين، ولقد رأيت بعض ذلك عيانًا وآنست عليه دليلاً وبرهانًا))
فهو رحمه الله لم يقدم على تأليف الكتاب حبًا للجدال والخوض مع أعداء الله، ولكن دفاعًا عن دين الله، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفعًا لهذه الشبه التي قد يغتر بها بعض ضعفاء الإيمان والمغفلين كما يحصل في كل زمان، وهو في عصرنا هذا أكثر، لزيادة الجهل بالإسلام، والبعد عن كتاب الله وسنة الني صلى الله عليه وسلم .. والله المستعان.
نموذج لرده على شبهات النصاري:
استشكل النصراني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأنا والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها أحسن منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)
فيرد نجم الدين الطوفي قائلاً:
قلت: وجه سؤاله من هذا: أن الحنث في اليمين استخفاف بحق الله وتهوين بعظمته، بناء على ما عندهم في الإنجيل عن المسيح أنه قال: " سمعتهم ما قيل للأولين: لا تحنث في يمينك، وأوف الرب قسمك وأنا أقول لكم: لا تحلفوا ألبتة لا بالسماء فإنها كرسي الله، ولا بالأرض لأنها موطيء قدميه ولا بأورشليم فإنها مدينة الملك العظيم، ولا برأسك تحلف ولتكن كلمتك: نعم نعم. ولا لا. وما زاد عن ذلك فهو من الشرير ".
والجواب: أن دين الإسلام مبني على رفع الحرج والضيق بناء على أن الغرض من تكليف الخلق تعظيم الله والانقياد له، لا لحوق المشقة لهم بذلك فمتى أمكن الجمع بين تعظيمه تعالى ورفع الحرج عن المكلفين كان ذلك حسنًا جائزًا، وتعظيم الله سبحانه في باب الأيمان يحصل إما بالتزام العقد معه بأن لا يحنث فيها، مثل أن يحلف أن يفعل فيفعل أو لا يفعل فلا يفعل، أو بالتكفير إن خالف ما حلف عليه، لأن في التزام التكفير بجزء من المال المحبوب طبعًا، أو التعبد بإلحاق المشقة بالصوم للبدن تعظيمًا لله سبحانه ولابد، وقد نص عليه القرآن، ولعل التعظيم بذلك أشد من التعظيم بالتزام ما حلف عليه، إذ قد يحلف أن لا يأكل هذه اللقمة فتركها عليه يسير غالبًا، فإذا أكلها لمصلحة دينية وأعتق عوض ذلك رقبة أو أطعم أو كسى عشرة مساكين أو صام ثلاثة أيام متتابعة كان ذلك ولا شك أبلغ في تعظيم الله جل جلاله وتبارك اسمه.
وأما ما ذكره عن المسيح من قوله: "لا تحلفوا بالسماء فإنها كرسي الله" فكلام متهافت لا تليق نسبته إلى المسيح. وبيان تهافته: أنه فاسد الاعتبار، إذ النهي عن الحلف بالسماء يقتضي عدم تعظيمها، وكونها كرسي السماء يقتضي تعظيمها، وجواز الحلف بها، ثم إن الكلام في الفصل الخامس من إنجيل متى، وهو متناقض لما في الفصل السادس والخمسين منه حيث يقول: " من حلف بالسماء فهو يحلف بكرسي الله والجالس عليه " فإنه يقتضي صحة الحلف بالسماء وجوازه، وأن الحالف بها حالف بالله سبحانه وتعالى.
فانظر أيها العاقل إلى هؤلاء الذين يقدحون في دين الإسلام بهذا الكلام المتناقض المتهافت. ا. هـ.
والكتاب غني بالردود العقلية على شبهات النصراني حول الإسلام وشرائعه لا سيما ومؤلفه هو من علماء أصول الفقه البارزين المتفننين، ومعلوم أن علم أصول الفقه هو من أبرز العلوم العقلية في الإسلام، بل هو مفخرة الإسلام بلا نزاع في ساحة المبارزات العقلية. والكتاب في جزئين، وتعليقات محققه تزيده قوة وقيمة، وتضيف إلى حجج مؤلفه الطوفي حججًا جديدة على طول الخط.
والله الموفق.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[22 Jan 2010, 11:59 ص]ـ
رابعًا:
كتاب (الإسلام في مواجهة الاستشراق العالمي)
تأليف: الدكتور عبد العظيم المطعني
نشر: دار الوفاء - المنصورة
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا الكتاب لواحد من فرسان الرد على المنصرين والمستشرقين ومنكري السنة وغيرهم من أعداء الإسلام، وهو فضيلة الدكتور عبد العظيم المطعني، وهو كتاب مهم جدًا لا يجوز أن تخلو مكتبة المرء منه، ويرد فيه الدكتور المطعني على كتاب (الباكورة الشهية في الروايات الدينية) من تأليف مجموعة من علماء النصارى، وهو كتاب حافل بالطعن في الإسلام صراحة. ولم يترك مؤلفوه حسنة من حسنات الإسلام إلا طعنوا فيها، ويلاحظ القاريء في غضون الكتاب كيف حاولوا هدم الإسلام كله، كتابًا ورسولاً وعقائد وتاريخًا.
أما كتاب الدكتور المطعني فهو في ثلاثة أقسام:
القسم الأول حول التوراة بين التحريف والتبديل، والقسم الثاني حول الأناجيل ودعوى سلامتها من التحريف أمام واقعها النصي وتناقضاتها ودعوى تأليه المسيح، والقسم الثالث حول الإسلام والدعاوى الفاسدة المثارة حوله.
وقد جابه الدكتور المطعني مؤلفي الباكورة الغبية في القسمين الأولين من خلال أربعة محاور:
(1) نصوص كتبهم المقدسة التي تثبت وقوع التحريف والتبديل والتناقض، (2) أقوال علمائهم من أعضاء مجامع مسكونية وأساتذة جامعات وآباء كنسيين ورجال دين وفلاسفة ومؤرخين، (3) حقائق العلم والتاريخ المتي ترفض ما جاء بكتبهم، (4) الاحتكام إلى العقل للكشف عن جوانب التحريف والتزوير في كتبهم.
أما في القسم الثالث فقد أضاف الدكتور المطعني محورًا خامسًا وهو الحقائق الإسلامية من عقائد ونصوص قرآنية لأنه وجد القوم يذكرون آيات كثيرة من القرآن الكريم ويتخذون منها أدلة على إبطال الإسلام نفسه! .. يقول فضيلة الدكتور: ((أردنا أن نوضح لهم في يقين أن الحقائق الإسلامية لا يعارض بعضها بعضًا أبدًا، وأن هذا السلاح -القرآن - لا يحسن استعماله إلا أهله، وأنه مستحيل أن يستعمل ضد أهله، وأنه لو استعمله غير أهله ضد أهله فلن يصيب إلا حامله؛ لأن القرآن كله حق، ولن يحارب الحق الحق، وإنما يحارب الحق الباطل وأهل الباطل)).
والكتاب في الجملة ماتع جدًا تتجاوز حجته العقول، وخلاصة القول فيه: إنه لو وقع بيد يهودي أو نصراني يريد الحق والهداية والخير لنفسه في الدنيا والدين، فإنه سيأخذ بيده من أقصر طريق إلى ما فيه خيره وصلاحه.
وللمؤلف كتابان آخران في نفس الغرض:
كتاب (افتراءات المستشرقين على الإسلام .. عرض ونقد)
وكتاب (مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه)
وتنشرهما مكتبة وهبة.
وهذان الكتابان غاية في القوة والإثارة، فالكتاب الأول يرد على المستشرقين أمثال جولدتسيهر ووات وتنيمان وكالسون وشاخت، والكتاب الثاني يرد على شنودة في رسالته (القرآن والمسيحية) وعلى وهيب عزيز خليل في (استحالة تحريف الكتاب المقدس) وعلى المؤلف المجهول لـ (أي الاثنين أقدر .. عيسى أم محمد).
وبالجملة فإن كتب الدكتور المطعني تتميز بالقوة والأصالة والإثارة والحجة الناصعة وإعمال العقل والاحتكام إليه كثيرًا في بيان ضعف حجج المنصرين والمستشرقين وفساد استدلالاتهم، ولا يخلو من السخرية والتهكم على ما بلغه أعداء الإسلام من قصور في التفكير وتهافت في الحجة وعجز عن البيان.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[22 Jan 2010, 12:01 م]ـ
خامسًا:
كتاب (المسيحية .. دراسة وتحليل)
تأليف: ساجد مير
نشر: دار السلام للنشر والتوزيع - الرياض
هذا كتاب مختلف فريد في تناوله للنصرانية حيث إن المواد التحقيقية فيه مأخوذة مباشرة من المراجع المعتمدة للنصرانية المعاصرة، ومؤلفه هو العالم المعروف في باكستان والبلاد الإسلامية، المفكر والقائد السياسي والديني، الأستاذ ساجد مير حفظه الله، رئيس الجمعية المركزية لأهل الحديث بباكستان.
والكتاب مطبوع باللغات العربية والأردية والإنجليزية نظرًا لعمق محتواه وتناوله الأكاديمي للنصرانية، ويجد القاريء أثناء قراءة الكتاب مئات من الاقتباسات من الكتاب المقدس، والمصادر الأساسية المعتمدة لدى النصاري التي توجد في مكتبات أوروبا وآسيا وأمريكا وأفريقيا، يقول المؤلف: ((ولقد طالعت النصرانية في أثناء لإقامتي بأفريقيا عدة سنوات، كما جرى بيني وبين علماء المسيحية تبادل الآراء ومكالمات. ثم في أسفار متعددة إلى بلاد أوروبا وأمريكا وبريطانيا استفدت من المكتبات هناك والتي من أهمها المكتبة البريطانية ومكتبة كاثوليك المركزية، كما استفدت من بعض المكتبات في باكستان وفي بعض الدول العربية)).
والكتاب في عشرة أبواب:
الباب الأول: أفكار المسيحية ومعتقداتها
الباب الثاني: عيسى عليه السلام والمسيحية
الباب الثالث: المؤسس الحقيقي للمسيحية الحالية
الباب الرابع: تطور المسيحية الحالية ومراحلها
الباب الخامس: المسيح - إله أم رسول؟
الباب السادس: طريق النجاة: كفارة أم عمل وتوبة
الباب السابع: تدوين الكتاب المقدس وترتيبه
الباب الثامن: تناقضات الكتاب المقدس وتحريفاته
الباب التاسع: تعاليم الكتاب المقدس
الباب العاشر: آثار التعاليم الأخلاقية للكتاب المقدس
وهذا الباب الأخير على وجه الخصوص مما انفرد به المؤلف حفظه الله ولم يسبق لأحد من المؤلفين المسلمين في الرد على النصرانية أن تناول الوضع الأخلاقي لكبراء النصرانية بهذا التفصيل، والباب في ثلاثة فصول: (1) وضع الأساقفة الأخلاقي في أزمنة السيطرة المسيحية، (2) الحياة الأخلاقية للرهبان والراهبات، (3) أخلاق زعماء العالم المسيحي وسلوكهم. وهو في كل فصل على نفس منواله في بقية الكتاب من الاقتباس من كتب النصارى وعلمائهم ومؤرخي الكنيسة، ونقل كلامهم بلغته الأصلية أولاً ثم ترجمته إلى العربية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[22 Jan 2010, 12:03 م]ـ
سادسًا:
كتابان للرد على زعم النصارى ظهور السيدة مريم ..
كتاب (هل ظهرت العذراء؟) للباحث ياسر جبر
نشر: دار هادف ..
و
كتاب (عبادة مريم في المسيحية والظهورات المريمية) للباحث معاذ عليان
نشر: مكتبة النافذة ..
الكتاب الأول يناقش فرية ظهور مريم عليها السلام وموقف الإسلام منها ..
ثم يرد على كتابي القس عبد المسيح بسيط (ظهورات العذراء حول العالم ودلالتها) و (ظهور العذراء في أسيوط) ..
يقول مؤلفه حفظه الله:
((إن شاء الله تعالى سنناقش بالعلم والدليل وبالأدلة الكتابية الاعتقاد بظهور العذراء فوق أسطح الكنائس الذي يٌعد سبباً هاماً وأساسياً من أسباب الإيمان النصراني ..
فسنقدم أدلة النصارى على الظهور ونفندها بإذن الله تعالى والحمد لله رب العالمين)) ..
والكتاب قدّم له فضيلة الشيخ رفاعي سرور حفظه الله ..
والكتاب الثاني يتناول قضيتين متعلقتين بمريم عليها السلام ..
القضية الأولى هي حقيقة عبادة مريم في النصرانية المعاصرة ..
وأنه بخلاف ما يزعمونه من كونهم لا يعبدونها فإنهم يفعلون ..
ويسرد المؤلف عشرات الأدلة والشواهد على هذ من كتبهم ومراجعهم ..
ثم يتناول مسألة ظهورها المزعوم عند الكنائس وما يتعلق به من حيل الرهبان ..
ويقارنها بما عند الوثنيين من معجزات مزعومة ..
وكيف أن هذه الأشياء لا تؤسس إيمانًا ولا يقينًا ولا دينًا ..
وإلا لزم منها صدق الوثنيين عباد الأصنام ..
وقد قدّم للكتاب الدكتور عبد الله سمك أستاذ ورئيس قسم مقارنة الأديان بكلية الدعوة بجامعة الأزهر ..
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[23 Jan 2010, 10:42 م]ـ
سابعًا:
(الكذاب اللئيم زكريا بطرس) للأستاذ محمد جلال القصاص
نشر: دار الإسلام ..
هاتف: 0103363246 (2+)
وهذا الكتاب صادر في جزئين في مجلد واحد ..
وقد سبق أن صدر الجزء الأول منذ ثلاثة أعوام عن دار هادف ..
ثم صدر الجزء الثاني عن نفس الدار العام الماضي ..
ثم جمع صاحبه الجزئين في مجلد واحد لتصدرها دار الإسلام ..
وقد قدم له جمع من أهل العلم والفضل كالشيخ فوزي السعيد والشيخ محمد حسان والشيخ محمد عبد المقصود ..
وكذلك قدم له الشيخ رفاعي سرور بمقدمة نفيسة تنافس الكتاب نفسه روعةً وتحليلاً ..
ويتميز الكتاب بأنه لا يقدم ردودًا تفصيلية على أباطيل وأراجيف هذا الكذاب الرجيم ..
وإنما يغوص لتحليل هذه الظاهرة المريضة التي يمثلها ..
فيتناول مصادره من ناحية عدم موثوقيتها وعدم حجيتها ..
ثم يتناول دعاويه من ناحية عدم معقوليتها واضطرابها وتناقضها ..
ثم يكر على كتب النصرانية ومصادرها ليثبت أن هجاء اللئيم إن صح لا يصيبن إلا دينه وكتابه ..
وهذا كله في سلاسةٍ ويسرٍ وأسلوبٍ واثقٍ رزينٍ ..
ورغم غزارة ما كُتب عن السفيه زكريا بطرس إلا أن كتاب الأستاذ القصاص هو أفضلها جميعًا ..
وأنا على يقين جازم بأنه لو قرأ نصراني منصف كتابه هذا لتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن زكريا بطرس مهرجٌ لا ينقصه إلا وضع الأصباغ على وجهه .. !
وللأستاذ القصاص كتاب جديد يصدر لأول مرة في هذا المعرض ..
كتاب (عمالة عباس العقاد للفكر الغربي) ..
نشر: دار الإسلام ..
هاتف: 0103363246 (2+)
وهذه الدار ليس لها مقر ثابت في المعرض ..
إنما يمكن حصول دور النشر والأفراد على الكتب منها عن طريق هاتفها أعلاه ..
والله الموفق.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[23 Jan 2010, 10:43 م]ـ
ثامنًا:
كتاب (تنزيه القرآن الكريم عن دعاوي المبطلين) ..
بقلم: الدكتور منقذ محمود السقار ..
نشر: دار الإسلام ..
هاتف: 0103363246 (2+)
وهذا الكتاب قد كتبه الدكتور منقذ بتكليف من منظمة الإيسيسكو ..
وهي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي ..
والهدف منه الرد على الشبهات والمطاعن ضد القرآن العظيم ..
وقد عكف فضيلة الدكتور أعوامًا يجمع الشبهات من كتب الخصوم وصفحات الانترنت ..
ثم كتب الردود عليها بعد تقسيمها موضوعيًا وترتيبها وفهرستها ..
والكتاب يعد موسوعة لرد الشبهات عن القرآن الكريم ..
وهو يتناول الشبهات المتعلقة بجمع القرآن وحفظه وتدوينه ..
وكذلك المتعلقة بإعجازه وبلاغته ..
والمتعلقة بأصالته ووحيه ومصدره الرباني ..
والمتعلقة بالمشكل من آياته وبموهم الاختلاف والتناقض ..
وغيرها من الشبهات المتعلقة بالقرآن الكريم ..
فالكتاب موسوعة بحق لتنزيه القرآن عن دعاوي الطاعنين فيه ..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[23 Jan 2010, 10:44 م]ـ
تاسعًا:
كتاب (القراءات في نظر المستشرقين والملحدين) ..
بقلم فضيلة الشيخ عبد الفتاح عبد الغني القاضي ..
نشر: دار السلام ..
وصاحب الكتاب من علماء القراءات المحققين ورئيس لجنة مراجعة المصحف الشريف الأسبق ..
وقد تتلمذ على يديه أجيال من العلماء وأهل القرآن ..
وفي هذا الكتاب يرد فضيلة الشيخ على ما أورده المستشرق اليهودي جولدزيهر حول القراءات في كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي) ..
وهو كتاب قيّم عامر بالفوائد التي تدل على تبحر صاحبها في هذا الفن وردوده على المستشرق تتسم بالاتزان والروّية ..
ولا أبالغ إن قلت إن فضيلة الشيخ القاضي قد التقط جولدزيهر ونزع عنه ثياب الزور المتشح بها ثوبًا ثوبًا ..
حتى عرّاه تمامًا وفضحه ..
هذا كله في كلام واثق ولغة متزنة ولهجة رصينة ..
ولولا ضيق المقام لنقلت فقرات مطولة من الكتاب ليرى الأخوة الباحثون كيف يكتب العلماء وكيف يردون على خصومهم ..
والحمد لله رب العالمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[01 Feb 2010, 02:46 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكر الله سعيك يا دكتور هشام نفعتنا بما بينته ونبهت عليه فعد لمثل ذلك والعود أحمد حفظك الله ورعاك وحياك وبياك وجعل الفردوس الأعلى مثوانا وإياك وجميع المؤمنين آمين.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[11 Feb 2010, 12:22 ص]ـ
متابعة مشكورة دكتور هشام، وبارك الله في جهودك.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[13 Feb 2010, 11:58 م]ـ
وفقك الله د. هشام وبارك فيك ...
وأضيف:
- في مقارنة الأديان للدكتور محمد عبد الله الشرقاوي - دار الجيل
- الكنز المرصود في فضائح التلمود للشرقاوي أيضاً ..
- إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي وهو من أفضل ما كتب في هذا المجال. دار الحديث. نسخة الملكاوي أفضل نسخة وهي المطبوعة بدار الحديث.
- الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل للغزالي أبو حامد لا أدري إذا كانت هناك طبعة حديثة له.
- الدين - عبد الله دارز رحمه الله.
- محاضرات في النصرانية للشيخ أبو زهرة رحمه الله.
- الجواب الصحيح لابن تيمية رحمه الله.
ـ[رفعة]ــــــــ[25 Feb 2010, 05:50 م]ـ
كتاب شيخ الإسلام (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) كما ذكر فضيلة الدكتور أحمد
كتاب جامع نافع في بيان عقيدة النصارى والرد عليهم, ولم أرى قط كتاب مثيل له في بيان دين النصارى ,والرد عليهم , والكتاب رد على رسالة من أحد رجال الدين النصارى-لايحضرني أسمه- أنصحكم بقراءته, وستجدون فيه كل ماتحتاجونه من ردود شرعية وعقلية على النصارى, وكذلك تحيطون بجميع مايتعلق بهم ..
وهناك طبعتان للكتاب:
طبعة دار الرسالة بتحقيق ثلاث محققين من جامعة الإمام"رسالة دكتوراة"
الطبعة المدنية وهي الأفضل.
وفقكم الله
ـ[يسري خضر]ــــــــ[26 Feb 2010, 04:20 م]ـ
"الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل للغزالي أبو حامد 0
لا أدري إذا كانت هناك طبعة حديثة له "
توجد طبعةجديدة بتحقيق الدكتور محمد عبد الله الشرقاوي حفظه الله(/)
القرآن الكريم وسقوط نظرية دارون
ـ[أشرف الملاحمي]ــــــــ[24 Jan 2010, 07:54 ص]ـ
في فتح علمي جديد وومضة إعجازية من ومضات القرآن المُتجددة والمُستمرة، وهي مناسبة للرد على من يكرر إسطوانة قديمة تقول بضرورة أن يكف المسلمون عن ترديد أن "هذا موجود عندنا في القرآن" أو أن "القرآن الكريم قد تحدث عن هذا الموضوع قبل ألف وأربعمة عام" وهكذا. والحقيقة أن تَجَدُد إعجاز القرآن الكريم يكمن غالباً في السبق القرآني في وصف الاكتشافات العلمية المتنوعة، والتي تؤيد ماجاء به كلام رب السماوات والأرض في زمن لم يكن يخطر على ذهن الإنسان شيء مما يتم إكتشافه الآن، وهذا لايعني طبعاً الركون إلى منهج إنتظار مايكتشفه الآخرون لنعلن أنه مذكور عندنا في القرآن الكريم بل يجب على الأمة إعتماد منهج علمي للبحث والدراسة يختص ببحث الحقائق القرآنية ومن أوجه مختلفة وزوايا متعددة للحقيقة القرآنية الواحدة.
وفي هذا الفتح الذي نتحدث عنه اليوم والذي له من الأبعاد ما يتجاوز مسألة الاكتشافات العلمية إلى حدود إعلامية بل وسياسية تتعلق بارضاء فئة من البشر من خلال الترويج لأكذوبة تتحدث عن أن أصل النشوء الإنساني، حيث يتحدث دارون ومن يؤيده عن أن أصل الإنسان "قرد" ولقد طبَّل وزمّرَ لهذه النظرية من راقت لهم وأطربتهم من الناس، حيث وجودوا فيها دفعاً كاذباً لحقية مسخ بعض أسلافهم إلى قردة وخنازير لفرط ما أرتكبوا من موبقات وفواحش مع اصرارهم عليها، وقد وصف لنا القرآن الكريم هذه الحقائق في غير آية من آياتهِ حيثُ قال تعالى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} وهذا دليل واضح على أن الله تعالى قد مسخ بعض الناس إلى قردة وخنازير سواء على الحقيقة أو أنه جعل طباعهم طباع قردة وخنازيرعلى اختلافٍ بين أهل التفسير. وقال تعالى {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} وقال تعالى {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أي تكبروا وابوا أن يتركوا مانهوا عنه {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} أي صاغرين أذلاء، بُعداء عن الناس. وهي طباع متأصلة في اليهود ومن يدين بأفكارهم، فهم يشعرون بالنقص والصَغار ويبدو ذلك في عدوانيتهم التي طالما حاولو أن يجعلوها تغطية موهومة من قِبَبِلِهم على ذلك النقص. وهذا مايعزز ربما
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
البقرة65
ينظر تفسير القرآن العظيم لأبن كثير أبي الفداء إسماعيل إبن كثير القرشي الدمشقي، تفسير القرآن العظيم، تـ 774هـ دار طيبة للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية، ط2/ 1420هـ - 1999م ج1 ص291
المائدة60
الأعراف166
تفسير القاسمي، محمد جمال الدين1283 - 1332هـ، تفسير القاسمي، المُسمى، محاسن التأويل، وقف على طبعه وتصحيحه ورقمه وخرّج آياته وأحاديثه، وعلق عليه، محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، ط1/ 1376هـ - 1957م ج7 ص2889
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
رأي من قال مِن أهل التفسير بأن المسخ هو معنوي وقع في طباع هؤلاء. واليوم وبعد مرور أكثر من قرن على نظرية تشارلز داروين والتي حاولت أن ترسم خارطة النشوء الإنساني وتؤكد بأن أصل الإنسان هو "قرد" تطور حتى أصبح على هذه الشاكلة التي عليها الإنسان اليوم، ورغم تغاضي هذه النظرية عن الكثير من الحقائق والتساؤلات التي تنسفها من جذورها حتى قبل هذا الإكتشاف الأخير، ومنها .. لماذا إذاً لم تتطور بقية فصائل القردة وإقتصر التطور على "أسلاف" الإنسان؟ ولماذا لايعتبر القرد إنسان متأخر ونُصِرُ على افتراض أنه حيوان متطور؟ وفي علم الأجنة كما هو معلوم الكثير من التساؤلات الأخرى والتي تدور حول هذا الموضوع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد دخل الغرب بعد خمسة عشر سنة من الأبحاث العلمية، من الشُباك بعد أن أبقى القرآن الكريم له ولغيره الباب مفتوحاً لينظر ويتفكر ويكتشف حقائق علمية في وقت قياسي هو لاشك اقصر بكثير من ذلك الذي يقضيه في معاندتهِ، ومجانبتهِ للحق الصريح، وعلى أية حال فالحمد لله انه دخل أخيراً وذلك بأقراره بحقيقة علمية يؤمن بها المسلمون جميعاً كان قد نصّ عليه القرآن الكريم بنصوص واضحة صريحة نؤمن بها إيماناً لم يجعلها عندنا في يوم من الأيام موضع شَك شانها شأن جميع الحقائق القرآنية الأخرى، وذلك في طائفة من آيات القرآن الكريم منها قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فهل يُعقل أن يكون هذا الخليفة الذي كرمهُ المولى تعالى كل هذا التكريم وفضله على جميع خلقه تفضيلاً بصيغة مبالغة في اضهار هذا التفضيل والتكريم، أوحتى اسلافه من القردة؟ وماهو وجه التفضيل والتكريم إذا كان أصله كبقية الحيوانات والبهائم الأخرى، ثم يخبرنا تعالى وهو خالق الإنسان {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} وهذا تصريح بأن أصل خلقة الإنسان هي إنسانية لاحيوانية من الأساس ثم ولتحديد أصل سلالته ولقطع الطريق على من تساوره الضنون إزاء طروحات دارون ومن سبقه ممن ماثله وشابهه في الطرح. يقول تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} سلالة من طين .. يعني آدم عليه السلام .. ثم جعلناه أي جعلنا نسله وذريته نطفة في قرار مكين إلى قوله، تبعثون .. فالأنسان إذا تفكر بهذا التنبيه بما جعل له من العقل في نفسه رآها مَدبَرة وعلى أحوال شتى مَصرَفة كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحما وعظما فيعلم أنه لم ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال. وقد بين تعالى صفة التفوق والإبداع في جميع خلقة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تشارلز داروين 1809 – 1882م من اشهر كتبه (أصل الأنواع) وفيه صرّح بنظريته في النشوء والإرتقاء، والتي حاول أن يثبت من خلالها أن أصل الإنسان هو من سلالة من القردة.
البقرة30
الحجر26
المؤمنون12
تفسير القرطبي، أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ت671هـ، الجامع لاحكام القرآن، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، ط3، 1387هـ - 1967م، ج: 2 ص: 202
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
ثم ميز بعد ذلك الإنسان، لالشيء سوى أنه يعتبر قمة هذا التفوق الذي أنشأه الله تعالى لحكمةٍ أرادها .. فقال تعالى {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} وهو بذلك يبين لنا أن أصل سلالة الإنسان هي ذاتها التي إبتدأ بها الله تعالى خلق هذا الكائن وأنه صمم شكله وهيئته هذه على هذا النسق أصلاً وتأكيد ذلك أيظاً في قوله تعالى {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} ومايؤكد حقيقة تركيبة الإنسان الجينية، وأنها هي ذاتها منذ أن خلق الله آدم وحتى يرث الأرض ومن عليها هو قوله تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} ويقال مشجت هذا بهذا أي خلطته فهو ممشوج ومشيج مثل مخلوط وخليط أي أن تركيبته التي خلقه الله تعالى عليها هي تركيبة إنسانية صرفة. فجعلناه سميعا بصيرا .. ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية ومشاهدة الآيات التكوينية".
(يُتْبَعُ)
(/)
نعم لقد أثبت قبل أيام ومن خلال دراسات استمرت لقرابة الخمسة عشر سنة، علماء من جامعات أمريكية بحسب الخبر الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية في الثالث عشر من شوال الموافق للثاني من نوفمبر من العام الجاري، والذي إنتشر في مختلف وسائل الإعلام انتشار النار في الهشيم، لعظيم وقعه على مختلف فئآت الناس، أثبتوا بطلان نظرية دارون المتعلقة بأصل الإنسان وذكر تقريرهم بصراحة تامة أن (لوسي) الشمبانزي لاعلاقة له بالإنسان وأن (اردي) الذي عثروا عليه في صحراء أثيوبياًعام 1994 والذي يعد اقدم من (لوسي) بمليون سنة على حد زعمهم هو إنسان طبيعي كان يمشي منتصب القامة تماماً كماهي هيئة الإنسان اليوم. وبهذا سقطت واحدة من أهم النظريات التي تم فرضها على عقول الأجيال الناشئة في عالمينا العربي والإسلامي منذ عقود طويلة من الزمن وكأنها قوانين لاتقبل النقاش شأنها شأن الكثير من النظريات الأخرى والتي لاتزيد عنها بشيء في ميزان العلم والمعرفة. وما نستفيده من هذا الدرس البليغ الذي لقنه القرآن الكريم للإنسانية أجمع هو متى تصحو المستويات الرسمية في أمتنا لتعيد النظر في مناهج التعليم التي بُني أغلبها على هذه النظريات التي صارت تتهافت يوماً بعد يوم والتي جاء القرآن الكريم بأدلة قاطعة على بطلانها؟
والعبرة الثانية تتمثل في مسألةٍ قلما يلتفت إليها الباحثون وهي أن هنالك فرق هائل بين الإدعاء المبني على نظريات يُغلق فيها باب البحث بعد وصول الباحثين إلى تصور يفيد بعدم وجود مايعارض نظريتهم ليتلقفها الناس بتقادم الزمن وكأنها أنها حقائق علمية ثابته، و بين الدعوة إلى البحث العلمي الدقيق والمحايد للتوصل إلى حقائق موثوقة دلّنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السجدة7
الرحمن14
الإنسان2
تفسير القرطبي ج: 19 ص: 120
تفسير أبي السعود، محمد بن العمادي، المتوفى سنة951هـ، ارشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1414هـ - 1994م تفسير أبي السعود ج: 9 ص: 70
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
على أسسها واصولها أو على طرق البحث والإستدلال للتوصل إليها على الأقل، القرآن العظيم، والذي لم يجعل مثلاً البحث في أصل النشوء الإنساني مُحرم بل دعى إليه رغم أنه عرض هذه الحقائق وكما تقم بصورة متدرجة ومُحكمة رعايةً لقدرة الإنسان على تلقي واحدة من أعظم وأخطر حقائق الوجود الإنساني ودليل ذلك أنه تعالى وبعد كل هذا التفصيل في حقيقة الإنسان وطريقة خلقهِ وطبيعة خلقتهِ .. قال {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} "للتنبيه على أن ما بيَّن من أن كل نفس عليها حافظ يحصى عليها كل ما يصدر عنها من قول وفعل مستوجب على الانسان أن يتفكر في مبدأ فطرته حق التفكر حتى يتضح له أن من قَدِر على انشائه من مواد لم تشم رائحة الحياة قط، فهو قادر على اعادته بل أقدر على قياس العقل". والعبرة الكامنة بعموم اللفظ تفيد بوجوب البحث والدراسة في حقيقة الإنسان ولمختلف متعلقاتها من أصل النشوء إلى تركيبة الإنسان الكيميائة أو الفيزيائية .. ذلك أن بحث الإنسان بِنيَّة معرفة حقيقة تكوينهِ ووجودهِ بطرق تعتمد العلوم التطبيقية المعاصرة، ومن ثم معرفة موجده هو مايرفع قيمة العلم والمعرفة التي يسعى الإنسان العاقل إلى إمتلاكهما، لا ذلك البحث الذي يُزين للبشرية الضلالات المتمثلة بايحاءآت تفيد بأن "الطبيعة" بزعمهم، لم تتمكن من خلق الإنسان على الهيئة التي هو عليها اليوم إلا بالتدرج ولم تكن نظرية دارون هذه سوى مُكملة فكرية أو هي مُحاكاة تمهيدية لنظرية التطور الطبيعي للحياة وأن الطبيعة تخلق وتطور نفسها وما إلى ذلك من نظريات قديمة أو معاصرة تصب في هذا الإتجاه.
وما نأمله حقيقة هو أن تشكل هذه الحادثة منعطفاً تاريخياً في مجال البحث العلمي الذي يلتزم الحياد والموضوعية ويسعى وراء الحقيقة بالدليل العلمي والمنطقي الواضح، ولايتخذ من الأهواء والضنون مسرباً للتعامي عن الحقيقة التي تمثلت في شواهد حضارة القرآن، أو تسويغاً لنزعات عنصرية أو أفكار إلحادية لاتلبث أن تتهاوى دعائمها الواهية من جانب حتى ينفر شياطين الإنس قبل شياطين الجن لإسنادها من جانب آخر، وهو بالتالي واجب من واجبات الوقت، والتي تقع على عاتق دعاة الأمة وعلمائها ومفكريها ليتخذوا من مثل هذه الحوادث منطلقات للثورة على الفكر والإعلام الذي يروج لهذه الطروحات، وليعرضوا منهج القرآن الكريم في أصول البحث و الإستدلال على مرأى ومسمع العالم أجمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطارق5
تفسير أبي السعود ج: 9 ص: 141
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[24 Jan 2010, 09:09 م]ـ
الأخ الكريم أشرف،
اسمح لي هنا أن أنبه إلى أمور أستحسن أخذها بعين الاعتبار عند البحث في نظرية التطور:
1. ما تم اكتشافه مؤخراً يثبت أن لا علاقة بين الإنسان والقرد، ولكن لا ينفي نظرية التطور في الكائنات الحية. وعلى أية حال فالخارطة الجينية التي يجهلها دارون تبين أن التشابه الظاهري لا يعني شيئاً، لأن العبرة بالخارطة الجينية. وخارطة القرد الجينية بعيدة عن خارطة الإنسان، وهذا العلم كان مجهولاً أيام دارون.
2. لا علاقة للتطور بالإلحاد والمادية، لأنّ كل المخلوقات بديعة الخلق في كل مراحلها، ومن هنا يستحيل أن تنتجها الصدفة العمياء، بل لا بد من قدرة مريدة وراء التطور إن وجد. ولكن منهجية الملحدين المتغافلة جعلتهم يزعمون الصدفة العمياء.
3. وعليه فمسألة تطور الكائنات الحية تترك للعلم يقرر نظرياتها وحقائقها، أما النص الديني الإسلامي فيؤكد خلق الإنسان خلقاً خاصاً ولم يتطرق لكيفية خلق الكائنات الحية.
4. خلق الإنسان من تراب يقصد به: أولاً: الجسم البشري يتشكل من التراب وهذا واقع. ثانياً: بداية خلق الإنسان الإنسان كانت من تراب، أما ما بين التراب والإنسان فغير مفصل الكلام فيه.(/)
محاضرة (الفهم الجديد للنصوص!!) للشيخ محمد المنجد
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[20 Feb 2010, 03:31 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(الفهم الجديد للنصوص) هي محاضرة قيمة للشيخ الداعية محمد بن صالح المنجد حفظه الله إلقاها قبل عامين تقريباً فكانت سابقة من سوابقه ورائده من روائده وكعادة الشيخ فقد أفاد وأجاد في تطرقه لهذا الموضوع الغامض وهو ظاهرة طلب تأويل جديد لنصوص القرآن والسنة والتي ارتفعت أصوات المطالبين بها في وسائل الإعلام المحلية العربية ولهذه الأصوات أسلاف أو أنبياء كما يصفهم الشيخ المنجد في محاضرته ومن أشهرهم نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري والترابي ونوال السعداوي وغيرهم.
وما نسمعه في وسائل إعلامنا المحلية من أصوات ماهي إلا حناجر تلاميذ أو جنود هؤلاء المنظرين منعهم مكرهم إن يكشفوا تلك الحقيقة. وبالتأكيد فان هذه المحاضرة واخواتها الكثر هي سبب الهجوم بل الحرب على الشيخ محمد المنجد كما ان اسقاط العلماء هو جزء مهم وركن اسياسي في مشروع الفهم الجديد للنصوص ...
تكلم الشيخ المنجد عن ظاهرة الفهم الجديد للنصوص وذكر رؤوس المطالبين بها والمنظرين لها من زنادقة العصر وسبب تركيز هؤلاء على هذا الأمر وضربهم هذا الوتر وذكر شيء من أقوالهم المضحكة ومنها قول نوال السعداوي أنها تحج عندها في (البلكونه)!!! وقول آخر إن العقوبات والحدود الجنائية في الإسلام كانت تلائم عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم حيث لم تكن هناك سجون!!
وبالطبع فقد فنّد الشيخ المنجد تلك الدعوى الباطلة المتهالكة بكلام رائقاً رائع وضرب مثال فهم النصوص على النصوص الشعرية وكيف لو انه الجميع فهمها على تصوره الخاص كيف سوف يقُبل هذا منهم وكذلك سرد قصة عجيبة عن الخياط الذي يخيط الملابس التي لا يراها سوى الأذكياء لا أريد إن أفسدها عليكم وسأجعلكم تسمعونها من الشيخ مباشرة
وهذا رابط المحاضرة
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson...esson_id=68341
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Feb 2010, 06:10 م]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم. وقد استمعت للمحاضرة مرتين وهي مفيدة جداً جزاه الله خيراً وبارك في علمه.
ـ[فيوض]ــــــــ[22 Feb 2010, 05:41 م]ـ
بارك الله فيك
فعلآ هذا وقته اختيار موفق.
ـ[محمد الصاعدي]ــــــــ[23 Feb 2010, 10:07 ص]ـ
بارك فيك أخي ماجد ونفع بك.
وحفظ الله الشيخ المنجد وأطال في عمره.
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[06 Jun 2010, 10:26 ص]ـ
فضيلة الشيخ عبد الرحمن الشهري والاخت فيوض والاخ محمد الصاعدي
جزاكم الله كل خير على المرور وبارك فيكم
ـ[زين العابدين الأثري]ــــــــ[06 Jun 2010, 11:47 م]ـ
والمحاضرة مفرغة في موقع الألوكة
ـ[جابر ابن عتيق]ــــــــ[19 Jun 2010, 12:52 ص]ـ
بارك الله فيكم أخي الكريم
وللشيخ المنجد حفظه الله ورعاه كتيب (بدعة إعادة فهم النصوص)(/)
مشاريع الجابري في دراسة القرآن الكريم .. بحث علمي أم تشكيك في قالب البحث؟
ـ[ايت عمران]ــــــــ[02 Mar 2010, 07:59 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نشرت جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية على موقعها اليوم مقالا للأستاذ
نبيل غزالأعجبني طرحه، فأحببت إطلاع أهل التخصص عليه في هذا الملتقى المبارك، بعد أن أرسلت رسالة للكاتب أستاذنه في نشره.
قال الكاتب:
مشاريع الجابري في دراسة القرآن الكريم .. بحث علمي أم تشكيك في قالب البحث؟
"إن القارئ لكتب ومقالات محمد عابد الجابري يجب أن يقرأها وهو مستحضر لمرجعيته وفكره، مستصحبا لأقواله وتصريحاته التي تجلي بكل وضوح خطته ووجهة نظره في التغيير التي أفصح عنها في كتابه التراث والحداثة (ص:259) بقوله: "لا أرى أن الوطن العربي في وضعيته الراهنة يحتمل ما يمكن أن نعبر عنه بنقدٍ لاهوتي .. لأنه لا الوضعية الثقافية والبنية الفكرية العامة المهيمنة، ولا درجة النضوجِ الثقافي لدى المثقفين أنفسهم تسمح بهذا النوعِ من الممارسة الفولتيرية، ولا السياسة تسمح. وبطبيعة الحال فالإنسان يجب أن يعيش داخل واقعه لا خارجه، حتى يستطيع تغييره".
وانتقد: "من يرى أن من الواجبِ مهاجمة اللاعقلانية في عقر دارها"، واعتبر هذا خطأ، "لأن مهاجمة الفكر اللاعقلاني في مسلماته؛ في فروضه؛ في عقر داره، يسفر في غالب الأحيان عن: إيقاظٍ، تنبيهٍ، رد فعلٍ، وبالتالي تعميم الحوار بين العقل واللاعقل، والسيادة في النهاية ستكون خاضعةً للاعقل، لأن الأرضية أرضيته، والميدان ميدانه، والمسألة مسألة تخطيط".
والرجل ليس كغيره من العلمانيين ودعاة الحداثة، فهو بارع وله مهارة خاصة في التمويه والخداع والتلبيس .. لذا فهو لا يستعمل أبدا مصطلح العلمانية في كتبه وأبحاثه، بل يرفض استعمال هذا المصطلح، في حين يناضل بكل قوته من أجل تثبيت مفهومه وحمولته في الفكر المغربي وما يستتبع هذا التثبيت من محاربة للدين والتدين بمفهومهما الأصيل، وإحلال دين وتدين يتماشى مع مفهوم العلمانية، التي يستعيض عن مصطلحها بمصطلحات من قبيل العقلانية والديمقراطية .. لأن المجتمع عنده لم يستكمل عملية التهيئة اللازمة لقبول مثل هذا النوع من المصطلحات، وقد أقرَّ هو نفسه كما سبق أنه يمارس نوعاً مما أسماه بعض الباحثين (نفاقاً علمياً)، حين أشارَ إلى أنه لا يصرح بفكرته مراعاة لطبيعة العقل العربي الذي لا يتقبل النقد اللاهوتي حين تمسُّ المسلمات.
وقد وصف العلماني الآخر جورج طرابيشي مشروع الجابري بأنه "يتصدى للعقل الإسلامي في شبه حصان طروادة"، الذي يرنو إلى إفساد الإسلام من داخله.
وقد صدر مؤخراً عن مركز دراسات الوحدة العربية كتابٌ جديد للجابري بعنوان "فهم القرآن الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول"، وهو جزء ثان -في قسمين- صدر بعد الجزء الأول: "مدخل إلى القرآن الكريم" والذي خصصه -حسب قوله- للتعريف بالقرآن الكريم.
وقد تضمن الجزء الأول فصلاً بعنوان "جمع القرآن ومسألة الزيادة فيه والنقصان"، جاء في (ص:232) منه: "ومن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمع زمن عثمان -أي القرآن- أو قبل ذلك، فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين، وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذكر في مصادرنا، وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر، فالقرآن نفسه ينص على إمكانية النسيان والتبديل والحذف والنسخ .. " اهـ.
وفي (ص:231) قال -وهو يتحدث عن احتمال وقوع النقص في سورتي براءة والأحزاب-: "لقد اشتملت السورتان على نقدٍ داخليٍّ ومراجعة وحساب وكشف عورات -وخاصة سورة براءة-، لم يرد مثله في أية سورة أخرى. ولا نعتقد أن ما سقط منهما من الآيات -إذا كان هناك سقوط بالفعل-، يتعلق بهذا الموضوع، لأن ما احتفظت به السورتان كان عنيفاً وقاسياً إلى درجة يصعب معها -بالنظر إلى أسلوب القرآن في العتاب- تصور ما هو أبعد من ذلك" ..
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال: "وكل ما يمكن قوله -على سبيل التخمين لا غير- هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة هو القسم الأول منها، وربما كان يتعلق بذكر المعاهدات التي كانت قد أبرمت مع المشركين. ذلك أن سور القرآن، بخاصة الطوال منها، تحتوي عادة على مقدمات تختلف طولاً وقصراً مع استطرادات، قبل الانتقال إلى الموضوع أو الموضوعات التي تشكل قوام السورة".
ثم قال: "أما سورة الأحزاب، فيبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه .. "
هذا هو أسلوب الجابري، أسلوب التشكيك في قالب "البحث العلمي" والعبارات الموهمة، (يبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه، ما يمكن قوله على سبيل التخمين لا غير، هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة .. وهكذا).
وقد رتب جزأه الثاني (فهم القرآن الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول) على ما أسماه ترتيب النزول، وههنا أمر يجب التفطن له وهو:
إن كان العلماء قد اختلفوا في ترتيب السور على ثلاثة أقوال معروفة لا يكاد يخلو منها كتاب في علوم القرآن، وهي:
القول الأول: أن ترتيب السور على ما هو عليه الآن لم يكن بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان باجتهاد من الصحابة. وينسب هذا القول إلى جمهور العلماء منهم مالك والقاضي أبو بكر فيما اعتمده من قوليه.
القول الثاني: أن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه صلى الله عليه وسلم.
القول الثالث: أن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وترتيب بعضها الآخر كان باجتهاد من الصحابة.
وقد ذهب إلى هذا الرأي فطاحل من العلماء ولعله أمثل الآراء -كما قال صاحب مناهل العرفان-.
قال السيوطي ما نصه: "الذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءة سور أولا على أن ترتيبها كذلك، وحينئذ فلا يرد حديث قراءة النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز" اهـ.
وقال الزرقاني رحمه الله في مناهل العرفان: والأمر على كل حال سهل حتى لقد حاول الزركشي في البرهان أن يجعل الخلاف من أساسه لفظيا.
إلا أنه سواء كان ترتيب السور توقيفيا أم اجتهاديا فإنه ينبغي احترامه خصوصا في كتابة المصاحف، لأنه عن إجماع الصحابة والإجماع حجة، ولأن خلافه يجر إلى الفتنة ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب.
إن النتيجة التي خرج بها الجابري في جزئه الثاني "من مصاحبة هذه التفاسير مدة من الزمن، مستعينا بالحاسوب وما يرتبط به من مكونات ووسائل تمكن مستعملها من الجولة في الكتب بسهولة، مهما كبر حجمها وتعددت مجلداتها .. هي أن المكتبة العربية الإسلامية تفتقد إلى تفسير يستفيد من عملية الفهم من جميع التفاسير السابقة ويعتمد ترتيب النزول".
وأضاف: "يمكن القول دون فخر زائد ولا تواضع زائف، إنه لأول مرة أصبح ممكنا عرض القرآن ومحاولة فهمه بكلام متصل مسترسل يشد بعضه بعضا، كلام يلخص مسار التنزيل ومسيرة الدعوة في تسلسل يرضي النزوع المنطقي في العقل البشري".
فعلا لأول مرة تمكنا فيها من رؤية مزيج من كتب تفسير أهل السنة وأهل الكلام والبدع، مزيجا وخليطا استحال تجانسه بين دعوة الحق ودعوة الباطل.
فمن تلبيساته في هذا القسم حشره -بعد ذكر مرويات حول الجن لها علاقة بالقرآن- أحاديث صحيحة بعضها في صحيح مسلم وبعضها في السنن في "جنس الإسرائيليات التي غصَّت بها كتب المفسرين"، وخلوصه بعد نقله كلاما طويلا للرازي في الموضوع إلى رأي المعتزلة الذين وصفهم -كعادة كافة العلمانيين- بأنهم "ذووا الاتجاه العقلاني في فهم الدين الإسلامي"، إلى "أن الجن كالملائكة أجسام لطيفة وحية أي عضويات ( Organismes) دقيقة جدا فيها حياة فهي أشبه بالكائنات الروحية ولكنها لا تستطيع القيام بأفعال شاقة، أما الأشاعرة فيتصورونها جواهر فردة، أي أجزاء لا تتجزأ ( Substances Indivisibles) حاملة للأعراض كالحياة والحركة .. إلخ، يخلق فيها الله القدرة على فعل الشاق وغير الشاق. اهـ.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومعلوم عند كل باحث في مجال علوم القرآن والتفسير مآخذ العلماء والمحققين على تفسير الرازي "مفاتيح الغيب"؛ كتوسعه في ذكر مسائل علم الكلام، والفلسفة، والعلوم الطبيعية والرياضية، التي لا علاقة لها بموضوع التفسير إلا بشيء غير يسير من التكلف والتأويل البعيد، والتعرض لمثل هذه الأمور مما يجلُّ عنه كتاب الله سبحانه.
ومن بين المآخذ التي سجلها العلماء حول هذا التفسير ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله: "وكان يُعاب بإيراد الشبهة الشديدة، ويقصِّر في حلِّها" وهذا ملاحظ بالفعل في هذا التفسير؛ إذ يورد الرازي شُبه المخالفين على غاية ما يكون الإيراد، حتى قيل: إنه يقرر مذهب خصمه تقريرًا بحيث لو أراد خصمه تقريره لم يقدر على الزيادة عليه .. لكنه عندما يعود لتقرير ما هو الحق في المسألة نجده يضعف، ولا يوفي الرد حقه. ولأجل هذا كان بعضهم يتهم الرازي في دينه، ويشكك في عقيدته"، ووصف بعض العلماء تفسيره فقال: "فيه كل شيء إلا التفسير".
فالجابري له أصل عرف به في جل كتبه، ظل وفيا له في مؤلفه الأخير أيضا، وهو سوقه ما يسعفه من روايات الفرق الضالة المنتسبة للإسلام، كالرافضة والمعتزلة والجهمية .. ، في سياق واحد مع دعوة أهل الحق -أهل السنة والجماعة-، من غير بيان أو إيضاح، ليَلبِس بذلك الحق بالباطل، وهو عين ما صرح به في كتابه التراث والحداثة (ص:260) بقوله: "يمكن أن نمارس النقد اللاهوتي من خلال القدماء، يعني نستطيع بشكل أو بآخرَ استغلال الحوار الذي دار في تاريخنا الثقافي ما بين المتكلمين بعضهم مع بعضٍ، ونوظِّفَ هذا الحوار، لنا حرمات يجب أن نحترمها حتى تتطور الأمور، المسألة مسألة تطور".
لقد وصف الدكتور يوسف نور عوض كتاب الجابري بأنه نوع من الكتب التي يوهم القارئ بأنه يتحدث في أمور خطيرة ويتناولها بطريق علمية وموضوعية، ولكن المتأمل فيه يدرك أن الكتاب فارغ المضمون، وأنه مليء بالمغالطات والآراء غير العلمية بعكس الدعاية الكبيرة له.
وأن أمثاله -أصحاب اتجاه النقل المقصود به الهدم- يزعمون أنهم يناقشون قضايا المجتمع العربي الإسلامي من منظور علمي مع أنهم في الحقيقة يحاولون عمداً هدم الإسلام من الداخل، ذلك أن معظم الكتاب العرب الذين بدأوا يستخدمون هذا المنهج، لم يحاولوا في الواقع نقد المنهج ذاته بل استخدموه بأقصى درجات التطرف من أجل تفتيت كيان الأمة الثقافي. تارة تحت اسم (سوسيولوجيا المعرفة) وأخرى تحت اسم (سوسيولوجيا النقد).
وفي انتظار القسم الثالث الذي سيتناول فيه الجابري "تفسير" السور المدنية والتي لا مناص له فيها من الحديث عن جانب التشريع والحكم والسياسة وغيرها من الأمور، لا يحق لنا أبدا أن نلدغ من جحر مرارا متعددة، وأن نسمح لأي كان أن يشككنا في ديننا، أو يزعزع عقيدتنا في القرآن، ويخلط علينا الأمور ويلبسلها علينا".
وهذا رابط المقال في الجريدة المذكورة:
http://www.hespress.com/?browser=view&EgyxpID=19153
ـ[ضيف الله الشمراني]ــــــــ[02 Mar 2010, 09:02 م]ـ
جزاك الله خيرا ..
ويراجع كتاب: الشبه الاستشراقية في كتاب مدخل إلى القرآن الكريم، للدكتور محمد عابد الجابري ـ رؤية نقدية ـ لعبد السلام البكاري، والصديق بوعلام.
ولعل الإخوة يتفضلون بالإفادة عن الكتب التي تناولت فكر الجابري بالنقد والدراسة.
ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[02 Mar 2010, 11:14 م]ـ
قدمت في الماجستير بحثا صغير بعنوان (القراءات عند الجابري من خلال كتابه المدخل)
وجمعت النصوص التي تعتبر (مثار إشكالية) كالتي نقلها الكاتب، وخرجت بأمر:
وهو أن الجابري في المرحلة الحالية إما:
1ـ أسلووب التشكيك والذي ينتظر من (يثيره) مع الأيام، أو على الأقل يجد له من
خلاله (مطعن) أي (قنبلة موقوته).
2ـ وإما في مرحلة انتقالية إلى (تحسن تراجع) عن كثير مما كان يتبناه ويراه ..
ولا عجب في ذلك فالرجل صاحب ذكاء وفطنة ونقد ... ونصوص أهل العلم فيها
من الإخلاص ما يجعل (مريض القلب) يتشافى حين يقرأها ...
وبالتالي يختلف الحال في التعامل معه (بناء على ظني على حسب المرحلتين):
ففي الاجتمال الأول: يحسن جمع النصوص (التشكيكية) والجواب عنها ونقدها.
وفي الاحتمال الثاني: الأفضل أن (يحتوى) من قبل أهل العلم ويمد جسور صلة.
والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[02 Mar 2010, 11:51 م]ـ
مثلما أنتج المغرب العربي عظماء ومجددين كابن حزم وابن رشد وابن خلدون من يُعدون من مفاخر الإنسانية لا مفاخر أمة الإسلام وحدها فقد أنتج هدميين رجوعيين كابن عربي وغيره.
واليوم قد أنتج للأمة ثلاثة مفكرين كبارا هم محمد عابد الجابري وعبدالله العروي ومحمد أركون الجزائري، وهؤلاء، شأن كثير من الفلاسفة، يتميزون بفهم كبير للكليات ولكنهم كثيرا ما يقعون في سوء فهم للجزئيات، مردّه إلى أنهم ليسوا عرباً في أصل نشأتهم اللغوية، فالجابري قال في كتابه (حفريات في الذاكرة من بعيد) إنه نشأ في بيئة بربرية ثم تعلم العربية في طفولته. ومعروف عن العروي أنه تعلم العربية على كبر وكذلك أركون.
وحين يكون الشأن شأن المسائل العلمية وشأن الأفكار الكبرى والتجريدية فإن في الفرنسية غنية عن العربية وكذلك في اللغات الحية كاللغات الأوربية. لكن حين يتعلق الأمر بتفسير النصوص القرآنية وفهمها فإن الأمر يعتمد على الوحدة التفسيرية/
صغرى (كلمة) [مرجعها/ علم الصرف والمعجم] أو (أكبر) كالجملة [مرجعها الإضافي علم النحو والبلاغة]
أو (أكبر) كالفقرة والمنزلة [مرجعها الإضافي التاريخ (أي أسباب النزول) والبلاغة،]،
ومعلوم لدى علماء اللسانيات -وما أنا إلا قارئ لهم- أن الحضارة هي أكبر وحدة دلالية وأن الكلمة هي أصغر وحدة دلالية، ولما كان الفلاسفة (وليس أدل من الجابري والعروي وأركون عليهم في الثقافة العربية المعاصرة) يهتمون بمجموع العلوم الإنسانية من أجل نقد الفكرة كانوا من أهل الشأن حين تكون الوحدة الدلالية هي الحضارة أو ما قاربها كالثقافة وكالدولة وكعلاقة السياسي بالثقافي وكالفكر النظري في مرحلة تاريخية معينة، وكمصادر العلوم الطبيعية ومدى تأثير اليهودية والفلسفة الإغريقية في الحضارة العربية.
ولما كان هؤلاء المفكرون يجيدون بعض اللغات العالمية كالإنكليزية والفرنسية والألمانية كانوا على اطلاع بما يكتبه المختصون بالحركة الفكرية في القرون الإسلامية الثلاثة الأولى كالكتابين القيمين اللذين لا غنى عنهما لباحث جاد يريد فهم حقيقة المعتزلة ونشوء علم الكلام والقضايا الفكرية الكبرى التي شغلت الإسلاميين في القرنين الثاني والثالث الهجريين/ وهما كتاب مونتكمري واط وكتاب جوزيف فان إس عن تاريخ الفكر الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى، ولا سيما كتاب جوسف فان إس لاستيعابه وشموله.
لذلك فإن المفسر حين يكون المعنى متوقفا على وحدة دلالية صغرى كالكلمة فإنه يعود إلى المعجم، أو ينتقد المعجم نفسه إذا توفرت له نصوص وشواهد تجعله يرجح دلالة على أخرى من بين احتمالات الكلمة.
كأن يستطيع الفصل في معنى الحيق هل هو (النزول والحصول) أم (الإحاطة)؟
وحين يكون المعنى متوقفا على تركيب من عدة كلمات يكون مرجعه (علم النحو) القابل أيضا للنقد والترجيح وإعادة الطرح والتصنيف شأن أي عمل بشري، ولاشك أن كتابات سيبويه وابن جني ومن لخص علمهما كابن هشام ما تزال المراجع الأولى للنحو العربي.
وحين يكون المعنى متوقفا على التاريخ، أي حين يحيل النص إلى حدث ليس موجودا فيه لكنه ضروري لفهم الدلالة، مثل قوله تعالى (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) فما الذي صرف دلالة (لا جناح) من التخيير إلى الوجوب؟ فإن مرجع المفسر هو كتب التاريخ (كالتفاسير الموسوعية وكتب السير والحديث [الصحاح والسنن والمسانيد])
وحين يكون المعنى متوقفا على وحدة دلالية أكبر كالدولة، وآليات التدوين، والحضارة،وعلاقة الشفاهي بالكتابي،وقدرة الخط على حفظ النص، ونقد قدرة الذاكرة البشرية على الحفظ،وخصائص العقل الشفاهي والكتابي فإن حاجة المفسر إلى الفلاسفة والمختصين بالعلوم الإنسانية تبرز في هذه المرحلة أكثر من غيرها. والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها كان أحق بها
لقد قرأت هذا المقال الناقد للمفكر المغربي الجابري فرأيته ينم عن قصور كبير في فهم مرامي الجابري، وسأحاول أن أكون موضوعيا قدر المستطاع، وأحسب القارئ سيلمس ذلك واضحا، ولا سيما أني قد قدّمت (مكامن) ضعف هذا النوع من الأساتذة ألا وهو الجزئيات، أي المفردة والجملة، وأشرت إلى مكامن قوتهم وهو الوحدات الكبرى.
ونحن هنا في ملتقى أهل التفسير كان من أصحابنا من استفاد من الفلسفة وعلم الكلام كالرازي ومن استفاد من التاريخ كالطبري ومن وظف التأويل الذي لا يصمد أمام أي نقد فلسفي موضوعي ككثير من تفاسير أهل الأهواء، فقد رأيت من النصيرية من فسر (ذاالكفل) بأنه أبو طالب لأنه كفل طفولة النبي، وفي مذهب الفرس يسمى أبو طالب عمران، خلافا للتاريخ الذي سماه عبدمناف، لكي يمكن إسقاط اسمه على (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وءال عمران على العالمين)، وهم اليوم لا يشعرون بخجل حين يقتطعون جزءا من آية (إنما يريد الله ليُذهب عنكم االرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ليُسقطوها على من يقصرون اسم أهل البيت عليه بناءً على برمجتهم العاطفية.
الزبدة أن هذا الموضوع وأمثاله ليس جديدا ولن يكون جديدا على أهل التفسير
وليس الجابري ولا أركون ولا العروي إلا مسلمون قادهم وعيهم وتفكيرهم إلى ما يظنون أنه الحقّ، وعلينا أن نبذل وسعنا في تأييد أو تفنيد أطروحاتهم بقدر طاقتنا.
وقد ارتأيت أن أورد المقال فقرة فقرة في القسم الثاني الذي سيأتي لاحقاً، وأعلق عليه بلون مختلف، عسى أن أكون قد قربت الفجوة بين من يريدون الحفاظ على الإيمان حتى ولو باغتيال العقل! وبين من يريدون الحديث عن العقل حتى ولو بـ"ـتجاهل" ضرورة الإيمان.
وأترك للقارئ الحكم والله وليّ التوفيق
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ايت عمران]ــــــــ[05 Mar 2010, 01:39 ص]ـ
وقد ارتأيت أن أورد المقال فقرة فقرة في القسم الثاني الذي سيأتي لاحقاً، وأعلق عليه بلون مختلف، عسى أن أكون قد قربت الفجوة بين من يريدون الحفاظ على الإيمان حتى ولو باغتيال العقل! وبين من يريدون الحديث عن العقل حتى ولو بـ"ـتجاهل" ضرورة الإيمان.
وأترك للقارئ الحكم والله وليّ التوفيق
ما زلنا ننتظر يا دكتور.
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[06 Mar 2010, 02:10 ص]ـ
تعليق على هامش مقال نُشر في الانترنت عن بعض كتب الجابري، وقد حملني على كتابة التعليق ما لا أرتضيه لأحد أن ينتقد النيات ويشكك في الدوافع بدلا من النقد العلمي.والنقد العلمي له مبادئ معروفة وهي تتبع المصادر وتوثيق النصوص وبيان الضلال في فهمهما بحسب مبادئ منطق المعرفة العلميةـ وليس من العلم في شيء أن يُنتقد شخصُ الكاتب أو تُبتسر أقواله أو أن توضع النتيجة سلفا ثم يُشرع بإيراد النصوص لتتسويغها، وهذا مع الأسف ما يفعله كثير من الناس اليوم، نعوذ بالله من الخذلان. وقد تكون دوافع كاتب المقال نبيلة والغالب أنها كذلك فهو يدافع عن الدين وربما كنا نتبنى موقفه ذات يوم لكن تبين لنا فيما بعد أن علينا أن نكون أهدأ وأكثر اتهاما لفهومنا فبل أن ننتقد الناس.
وسيرى القارئ أني لا أجعل من الجابري إماما ولا حبرا بحرا بل هو أستاذ ذو قدرة تحليلية قفز بالفكر العربي خطوة إلى الأمام، ولا غنى لمثقف عربي عما كتب، لكن ذلك لا يعني أنه لم يرتكب أخطاء ولم يتسرع في استنتاج أو يقع في سوء فهم، لكن كفى المرء نبلاً أن تُعدّ معايبه.
وإذا كان التدين مسألة شخصية (وقل الحقُّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، إلا أنه في العلم والفكر والبحث على الإنسان أن يكون نزيها مخلصا لمبادئ العقل والعلم، وهذا ما كان عليه الجابري بدلالة أبحاثه التي بين أيدينا. وعليه فلا نرتضي للمتدينين أن يردوا عليه أيديولوجيًّا لأنه لا يعادي الدين ولا يحارب الإسلام بل يكون الرد عليه بالحجة والبرهان دون تشكيك في نواياه ومقاصده ودوافعه، وهذا أوان الشروع في المقصود
بسم الله الرحمن الرحيم
نشرت جريدة هسبريس الإلكترونية المغربية على موقعها اليوم مقالا للأستاذ
نبيل غزال أعجبني طرحه، فأحببت إطلاع أهل التخصص عليه في هذا الملتقى المبارك، بعد أن أرسلت رسالة للكاتب أستاذنه في نشره.
أشكُر الأخ آيت عمران على إيراده المقال وعلى حُسن خلقه في مراسلة الكاتب واستئذانه قبل نشره في المنتدى، وإن كان نشرُه في الشبكة يسمح له باقتباسه في المنتدى دون إذن، لكنه التزم ما لا يلزم فدل على احتياطه وتبصّره.
وقد وعدت أن أكتب تعليقا على المقال لأن موضوعه عن كاتب ملأ الدنيا وشغل الناس وهو الدكتور محمد عابد الجابري حفظه الله، ونبدأ بالعنوان.
قال الكاتب:
مشاريع الجابري في دراسة القرآن الكريم .. بحث علمي أم تشكيك في قالب البحث؟
لم أفهم ماذا عنى الكاتب بقوله (بحث علمي أم تشكيك في قالب البحث) في بداية الأمر لأن عليه أن ورود حرف الجر (في) بعد كلمة تشكيك يوهم القاري أن التشكيك قد كان في البحث على حين أنه يقصد (تشكيك على هيئة بحث)
"إن القارئ لكتب ومقالات محمد عابد الجابري يجب أن يقرأها وهو مستحضر لمرجعيته وفكره، مستصحبا لأقواله وتصريحاته التي تجلي بكل وضوح خطته ووجهة نظره في التغيير التي أفصح عنها في كتابه التراث والحداثة (ص:259) بقوله: "لا أرى أن الوطن العربي في وضعيته الراهنة يحتمل ما يمكن أن نعبر عنه بنقدٍ لاهوتي .. لأنه لا الوضعية الثقافية والبنية الفكرية العامة المهيمنة، ولا درجة النضوجِ الثقافي لدى المثقفين أنفسهم تسمح بهذا النوعِ من الممارسة الفولتيرية، ولا السياسة تسمح. وبطبيعة الحال فالإنسان يجب أن يعيش داخل واقعه لا خارجه، حتى يستطيع تغييره".
وانتقد: "من يرى أن من الواجبِ مهاجمة اللاعقلانية في عقر دارها"، واعتبر هذا خطأ، "لأن مهاجمة الفكر اللاعقلاني في مسلماته؛ في فروضه؛ في عقر داره، يسفر في غالب الأحيان عن: إيقاظٍ، تنبيهٍ، رد فعلٍ، وبالتالي تعميم الحوار بين العقل واللاعقل، والسيادة في النهاية ستكون خاضعةً للاعقل، لأن الأرضية أرضيته، والميدان ميدانه، والمسألة مسألة تخطيط".
(يُتْبَعُ)
(/)
اقتبس الكاتب هنا نصين مختلفين للجابري ووضعهما في سياق مقدمته التي يريد أن يستنتج منها "فهمـ"ـه للنية "غير" الحسنة الكامنة خلف كتابات مواطنه. فالنص الأول
[لا أرى أن الوطن العربي في وضعيته الراهنة يحتمل ما يمكن أن نعبر عنه بنقدٍ لاهوتي .. لأنه لا الوضعية الثقافية والبنية الفكرية العامة المهيمنة، ولا درجة النضوجِ الثقافي لدى المثقفين أنفسهم تسمح بهذا النوعِ من الممارسة الفولتيرية، ولا السياسة تسمح. وبطبيعة الحال فالإنسان يجب أن يعيش داخل واقعه لا خارجه، حتى يستطيع تغييره".] لا يدل كما ذهب الكاتب إلى تعمد التقيّة و"إضمار السوء"، بل دلالته واضحة من مفكر يعتمد التحليل والنقد الفلسفي الحر منهجاً وطريقة، فقد قضى عمره أستاذا في الفلسفة مشاركا في كل الندوات التي تُعقد عن التراث محاولا فهمه وتفهيمه. ولا أظن من بين القراء من يجهل كثرة القيود السياسية والاجتماعية والفكرية أمام كل مفكر عربي. كل ما في نص الجابري أعلاه شيئان ضروريان أولهما أنه يستحيل على الكاتب أو الفيلسوف أو الفاعل الاجتماعي أن يغير واقعا دون أن يكون في داخله، فلا تغيير من برج عاجي. و"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". ولكن العيش داخل مجتمع يقتضي أخذ مستواه الفكري والقيمي بالحسبان، وأن يسعى جهه أن لا يصطدم بالبنى الفاعلة فلا يسبح ضد التيار ولا يستثير المخيال الجماهيري. وليس من باب نقد العرب او المسلمين أن تقول إن حرية التعبير وابداء الرأي هي في بلاد الغرب خير منها في بلادنا، فإن هذا لا ينتطح فيه كبشان.
فكلمة الجابري توصيف مستبصر ونصيحة ثمينة لكل مصلح، وهي تدل على صدق الرجل لا على نفاقه وإضماره نية السوء ضد الأمة فهذا أقل ما يقال فيه إنه إبعاد للنجعة.
والنص الثاني ورد عند الجابري في سياق مختلف، ذلك أن الجابري نصح المفكرين العرب نصيحة من ذهب، فلا يرتاب عاقل أن واجب المثقف والفيلسوف المفكر أن ينتصر للعقلانية لكنه الأستاذ الجابري هنا ينصحهم أن لا يهاجموا اللامعقول لأنه سيثير من المشاكل أكثر مما يحل، ولأن اللامعقول شعري ينتصر على الواقعي حتماً.
وهذا من عبقرية الجابري ولا ريب.
جرب أن تبدأ مع الشيعي بأن تنكر اللامعقول، أن تبدأ بأن تقول إن (صاحب الزمان خرافة) أو لا وجود لقائم "’آل محمد، الإمام الحجة ابن الحسن"، سينفر منك مباشرة ويتهمك بأنك لا "تحب آل البيت" وأنك "ناصبي"، على حين أن الاعتقاد بوجود هذا الكائن الخرافي هو قتل للدين والعقل معاً. لكن الجابري ينصح الذين يريدون نشوء عقلانية واقعية بين المسلمين أن يتسموا بالهدوء ويعد النظر وتعليم الفيزياء والعلوم حتى تنشأ العقلانية فيكتشفوا بأنفسهم استحالة وجود مثل هذا الكائن الخرافة.
وهو طريق طويل لكن لا يوجد غيره أمام الإصلاح السلمي الهادئ.
ولأن الأستاذ الجابري خير من يمثل المهتمين بتحليل التراث فإنه أعلم وأدرى من غيره بكثرة البنى اللامعقولة التي ظهرت فيه والتي يتطلب تحليلها أن تخوض معارك فكرية شرسة مع الناطقين باسمها.
وبرغم أننا ننتمي إلى أهل السنة وهم أكثر المسلمين وأقلهم لا معقول إلا أن التعصب وردود الفعل فيما بينهم قد أنتجت تجاذبات وإضافات ليست من كيان الدين في عصر الصحابة، وهذه البنى الحادثة لها من ينطق باسمها ويستميت دفاعا عنها، فينصحنا الأستاذ الجابري بحق أن ننشغل ببيان المعقول دون أن نقابل بينه وبين اللامعقول. وهذه عبارة عامة قد حملها الكاتب على أسوأ محمل.
والرجل ليس كغيره من العلمانيين ودعاة الحداثة، فهو بارع وله مهارة خاصة في التمويه والخداع والتلبيس .. لذا فهو لا يستعمل أبدا مصطلح العلمانية في كتبه وأبحاثه، بل يرفض استعمال هذا المصطلح، في حين يناضل بكل قوته من أجل تثبيت مفهومه وحمولته في الفكر المغربي وما يستتبع هذا التثبيت من محاربة للدين والتدين بمفهومهما الأصيل، وإحلال دين وتدين يتماشى مع مفهوم العلمانية، التي يستعيض عن مصطلحها بمصطلحات من قبيل العقلانية والديمقراطية .. لأن المجتمع عنده لم يستكمل عملية التهيئة اللازمة لقبول مثل هذا النوع من المصطلحات، وقد أقرَّ هو نفسه كما سبق أنه يمارس نوعاً مما أسماه بعض الباحثين (نفاقاً علمياً)، حين أشارَ إلى أنه لا يصرح بفكرته مراعاة
(يُتْبَعُ)
(/)
لطبيعة العقل العربي الذي لا يتقبل النقد اللاهوتي حين تمسُّ المسلمات.
كشف الكاتب هنا عن أنه لم يقرأ تحليل الأستاذ الجابري لمصطلح علمانية تحليلا مستفيضا عند حديثه الرائع عن العلاقة بين العروبة والإسلام.
ينطلق كاتب المقال من خلفية دينية وهذه مزية لولا أنه يظن أنه لا يوجد "علماني " أو "دنيوي" نزيه. وهو بلا شك مخطئ أيما خطأ. فالجابري يختلف عن سواه من العلمانيين ليس فيما ذهب إليه ظن الكاتب بل في كونه نزيها ومن هنا جرأته وقوة تحليله. وأسباب الأمانة أربعة ليس الدين إلا أحدها، هي على هذا النحو:
-عقلي، كأن يفكر الإنسان أن لا يسرق لأنه سينكشف أمره كما انكشف سواه، فيقرر أن يكون أمينا لأنه أسلم له وأرد عليه بخير
-اجتماعي، يخاف المرء على سمعة العائلة، أن يقال ابن فلان فعل كيت وكيت
-ديني، أن يخاف من الله، ويفكر بالحساب والعقاب
-جمالي، أن يفكر بجمال أن يفي الناس بوعودهم وأن يحترموا أشياء الآخرين وأن يكون كل شيء كما ينبغي أن يكون.
وفي البحث العلمي تهمنا الأمانة كثيرا مهما كان سببها، والأمين لأي سبب (عقلي، أو اجتماعي، أو ديني، أو جمالي،) أنفع للعلم والفهم من المتدين غير الأمين، أو المتدين قصير النظرة "المرائي بالشيوخ" على قول الغزالي، أو المتشبع بما لم يُعط، أو المتزبب وهو حصرم!
فقد قال جمال الدين الأفغاني رحمه الله في كتابه الرد على الدهريين، إن الدهريين في الغرب تجد عندهم على إلحادهم حبا لبلادهم وأوطانهم ولبني جنسهم عى خلاف الدهريين عندنا، وهكذا يمتاز دهري الشرق على دهري الغرب بالخسة والنذالة بعد الكفر والزندقة.
ويبدو أن الحديث عن هذه النقطة بعينها يستلزم تفصيلا.
كان الجابري منذ ابتداء مسيرته بعد الدكتوراه قد تأمّل مليا في سبب تقدم الغرب علميا وتأخر المسلمين وهم كانوا حملة الحضارة والفكر العلمي فيما يسميه الغربيون في تاريخهم بالقرون الوسطى، وجاءه تأمله ذلك من تفكره عشر سنين في مقدمة العلامة ابن خلدون الخالدة. فاهتدى بفكره الثاقب إلى ما قرره في مقدمة الجزء الأول من كتابه "دراسات في الإيبسستيمولوجيا المعاصرة- الفكر الرياضي " أن الفلسفة القديمة كانت في مجملها فلسفة في الوجود والفلسفة الحديثة فلسفة في المعرفة، وأن للعقل حدودا يعرفها لا تفرض عليه من خارجه كما يحاول "المؤمنون" بل إنه أوعى بقصوره وقدرته المحدودة بالحواس فقط. ولذلك قرر الجابري أن يترك لمن شاء أن يبدد قدراته العقلية خارج حدود الواقع المحسوس وأن يستغل عقله في التفكير به داخل مجاله. ولذلك قدم الجابري للإنسان العربي بعقل عربي كتبه القيمة في تقريب ماضيه منه، وبيان عقلانية تراث حوّمت به كتب الأدب وخيال الإنسان الجامح خارج حدود العقل. وقد كان الجابري ذكيا سار على قول النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم"الحكمة ضالة المؤمن" فاستفاد من كل مايجعله يفهم موضوعه مهما كان انتماؤه.
فكون الجابري لا يرى العقل العربي في مرحلته التاريخية المعاصرة مهيئاً لمصطلح علمانية يعدّ بُعْدَ نظَر لديه ولا يعد دليلا على "نفاقه".
وما أرى الكاتب الشاب إلا متحاملا على مواطنه الشيخ تحاملا لا مسوغ له.
وقد وصف العلماني الآخر جورج طرابيشي مشروع الجابري بأنه "يتصدى للعقل الإسلامي في شبه حصان طروادة"، الذي يرنو إلى إفساد الإسلام من داخله.
حاول طرابيشي أن يتسلق على مشروع أثنى عليه إبان صدوره، ثم كان معه كما قالوا في وصف النقاد / إنهم عجزوا عن حفر بئر عذب كالشعراء الكبار فقاموا بتلويثها.
وقد صدر مؤخراً عن مركز دراسات الوحدة العربية كتابٌ جديد للجابري بعنوان "فهم القرآن الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول"، وهو جزء ثان -في قسمين- صدر بعد الجزء الأول: "مدخل إلى القرآن الكريم" والذي خصصه -حسب قوله- للتعريف بالقرآن الكريم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد تضمن الجزء الأول فصلاً بعنوان "جمع القرآن ومسألة الزيادة فيه والنقصان"، جاء في (ص:232) منه: "ومن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمع زمن عثمان -أي القرآن- أو قبل ذلك، فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين، وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذكر في مصادرنا، وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر، فالقرآن نفسه ينص على إمكانية النسيان والتبديل والحذف والنسخ .. " اهـ.
الجابري أستاذ مختص بالفلسفة وله قدرة تحليلية هائلة إذا قورن بنظرائه من العرب بدا عبقريا، وكتابه "نحن والتراث قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي" الذي نشر فيه مجموع دراسات شارك بها في مناسبات متفرقة جمعها موضوع واحد، يعدّ هذا الكتاب فنحا في الدراسات العربية عن التراث الفكري، وفيه استخدم منهجا موفقا حيث فصل بين المحتوى المعرفي والمضمون الأيديولوجي، ولولا هذا الإجراء المنهجي لما تمكن الجابري وتمكنا عن طريقه أن نفهم الفارابي وابن سينا وابن رشد وابن باجة وابن طفيل والفكر العربي الفلسفي على الإطلاق. لقد استطاع الجابري أن يضع الفلاسفة في مكانهم الطبيعي من تاريخ الفكر العربي الذي هو بنية من بنى تاريخ العلم والفكر الإنسانيين.
وهو ليس مختصا بالقرآن ولا بالعلوم الشرعية ولكنه جاء إليها من اهتمامه بالفكر العربي وتحليله، وتعد العلوم الشرعية عنصرا رئيسا في بنيته، ولا ننسى أنه هو من كشف أن الشافعي هو من رسخ آلية القياس في العقل العربي.
لكن الجابري قد كبرت سنه وقد أدى رسالته كأستاذ ناجح في الفلسفة لم يتطفل على اختصاصه ولم يتشبع بما لم يعط ولم يحاول أن يتسلق على أكتاف الآخرين، ورأى أن الدراسات القرآنية هي كما وصف هو القراءة السلفية للتراث بأنها "التراث يكرر نفسه"
فشمر عن ساعده ليقتحم غمارا لم ينفق فيه طفولته ولم يتعمق فيه من البداية، لكنه كما قلت يظل ذا قدرة تحليلية عظيمة ومنهجية محترمة فحاول أن يكتب تفسيرا للقرآن لكنه استهله بمقدمة أو مدخل استفز مشاعر الكثيرين ومنهم صاحب المقال.
وأنا شخصيا لم يعجبني كتابه "مدخل إلى القرآن الكريم" بل أراه أضعف ما كتب الجابري، وعن منهجه في التفسير فقد ابتدأ بمحاولة دراسة النص مرتبا وفق النزول لا وفق الترتيب الذي سار عليه المسلمون منذ عهد عثمان على الأقل.
وهذه محاولة لا يعاب عليها فهي جائزة شرعا لأنها إجراء لفهم الكتاب لا غير،
وأما قوله إن جمع الصحابى للقرآن أمر يجوز عليه الخطأ فهو عمل بشري، فما ينكر أنه قول جريء لكنه تذكير بأن الكمال لله وحده.
ويجدر بنا أن نذكر أن القرآن قد مر بطريقين إلينا الأول من الله تعالى إلى رسوله بواسطة جبريل فهذه من أنكرها فقد كفر لقوله تعالى عمن قال عن القرآن إنه "قول البشر سأصليه سقر". وأما طريق القرآن من النبي إلينا كيف حفظه أصحابه وتدارسوه وتلوه وتعبدوا به وكتبوه وعلى ماذا كتبوه وكيف جمعوه ومتى طور الخط العربي ليصبح قادرا على نقل النص وأين توجد أقدم النسخ من المصحف في أي متاحف العالم ومكتباته العامة وهل اختلفت في هجاء بعض كلماته أم اتفقت على جميعه، إلى غير ذلك فهذا كله فعل بشري، قابل للصواب والوهم غير أنا لا نشك أن الله تعالى قد رعاه ومن على المسلمين بأن شرح صدور الخلفاء الأول أن ينتدبوا لجمعه خير حفاظه وكتبته.
ونحن نقبل كل نقد علمي لتاريخ جمع القرآن على أن يتجرد للحقيقة التاريخية ويتعب عليها.
وقصارى ما قام به الجابري وما يستطيع أصلا أن يقوم به هو التالي
أن يلخص ما قيل في الموضوع في كتب علوم القرآن الجامعة ككتاب السيوطي
أن يعتمد بعض اللمسات التاريخية للمختصين بتاريخ القرآن كنولدكة
أن يجتهد رأيه في الجمع بين نصوص من الصعب أن يجمع بينها دون تفكير
وهو وإن فعل كل ذلك إلا أننا لا نرتضي منه استخدام غير مصطلحات علوم القرآن لنفس الفكرة، فقوله سقط من سورة الأحزاب كذا، كان الأجدر أن يقول (ما نسخ لفظه)
لا سقط.
ومثل هذه الهنات هي التي جلبت عليه سخط الناس أو بعضهم.
لكن يظل لعمله قيمة وهي أنه قرب الدراسات القرآنية إلى أوساط كثير ممن كان بينهم وبين العلوم الشرعية حاجز نفسي إما لتربيتهم في الغرب أو لعيشهم بعيدا عن الدين
، وعمله إضافة لا بأس بها إلى مجال العلوم الدينية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي (ص:231) قال -وهو يتحدث عن احتمال وقوع النقص في سورتي براءة والأحزاب-: "لقد اشتملت السورتان على نقدٍ داخليٍّ ومراجعة وحساب وكشف عورات -وخاصة سورة براءة-، لم يرد مثله في أية سورة أخرى. ولا نعتقد أن ما سقط منهما من الآيات -إذا كان هناك سقوط بالفعل-، يتعلق بهذا الموضوع، لأن ما احتفظت به السورتان كان عنيفاً وقاسياً إلى درجة يصعب معها -بالنظر إلى أسلوب القرآن في العتاب- تصور ما هو أبعد من ذلك" ..
وقال: "وكل ما يمكن قوله -على سبيل التخمين لا غير- هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة هو القسم الأول منها، وربما كان يتعلق بذكر المعاهدات التي كانت قد أبرمت مع المشركين. ذلك أن سور القرآن، بخاصة الطوال منها، تحتوي عادة على مقدمات تختلف طولاً وقصراً مع استطرادات، قبل الانتقال إلى الموضوع أو الموضوعات التي تشكل قوام السورة".
ثم قال: "أما سورة الأحزاب، فيبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه .. "
هذه اقتطافات مستلة من أسيقتها، لأنها تتجاهل أنها فهوم الجابري لروايات لم يقم باختلاقها بل حاول فهمها، نعم ردها كثيرون لأنهم لم ينطلقوا من رؤية أوسع قدمت لها قبل قليل، لكنه غير ملزم بها. والحق يقال أن تعليله لرد رواية النقص في سورة الأحزاب قد كان فيه موفقا كل التوفيق بل إنه سحب البساط من تحت من يريد أن يستغل الرواية مجددا في المستقبل.
ونحن لا ننكر أن أسلوب الجابري في كتابه الآنف الذكر يجعل إمكانية أن يفوت جامعي القرآن شيءٌ منه على خلاف اعتقاد الجم الغفير من المسلمين، لكن القول بجواز أن يكون فات من جمع القرآن شيء منه لا يُخرج القائل به من الملة إذا كان ظنه قد جاءه من فهمه للنصوص المروية في هذا الشأن.
ونحن نعلم أن المصاحف العثمانية قد تضمنت ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، وأما أن تكون فُقدت قطع من القرآن بغير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا ما نستبعده بل هو عندنا من المنسوخ لفظا وحكما أو من المنسوخ لفظا فقط كـ"الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وأما المنسوخ حكما فقط كـ"فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت" فهو مشهور معروف.
وأما من ظن أن قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتانى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ... ) إنما هو آيتان التصقتا وكانت في الأصل (وإن خفتم ألا تقسسطوا في اليتانى [فافعلوا شيئا يتعلق بهم]) وأن صدر الآية الثانية [كذا] فانكحوا ما طاب لكم .. قد فقد من النص إبان الجمع، فهو من الظنون. ولم أر الجابري تطرق لها.
هذا هو أسلوب الجابري، أسلوب التشكيك في قالب "البحث العلمي" والعبارات الموهمة، (يبدو أن ما سقط منها مبالَغ فيه، ما يمكن قوله على سبيل التخمين لا غير، هو أن يكون الجزء الساقط من سورة براءة .. وهكذا).
وقد رتب جزأه الثاني (فهم القرآن الحكيم، التفسير الواضح حسب ترتيب النزول) على ما أسماه ترتيب النزول، وههنا أمر يجب التفطن له وهو:
إن كان العلماء قد اختلفوا في ترتيب السور على ثلاثة أقوال معروفة لا يكاد يخلو منها كتاب في علوم القرآن، وهي:
القول الأول: أن ترتيب السور على ما هو عليه الآن لم يكن بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان باجتهاد من الصحابة. وينسب هذا القول إلى جمهور العلماء منهم مالك والقاضي أبو بكر فيما اعتمده من قوليه.
القول الثاني: أن ترتيب السور كلها توقيفي بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم كترتيب الآيات وأنه لم توضع سورة في مكانها إلا بأمر منه صلى الله عليه وسلم.
القول الثالث: أن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وترتيب بعضها الآخر كان باجتهاد من الصحابة.
وقد ذهب إلى هذا الرأي فطاحل من العلماء ولعله أمثل الآراء -كما قال صاحب مناهل العرفان-.
قال السيوطي ما نصه: "الذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءة سور أولا على أن ترتيبها كذلك، وحينئذ فلا يرد حديث قراءة النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز" اهـ.
وقال الزرقاني رحمه الله في مناهل العرفان: والأمر على كل حال سهل حتى لقد حاول الزركشي في البرهان أن يجعل الخلاف من أساسه لفظيا.
(يُتْبَعُ)
(/)
إلا أنه سواء كان ترتيب السور توقيفيا أم اجتهاديا فإنه ينبغي احترامه خصوصا في كتابة المصاحف، لأنه عن إجماع الصحابة والإجماع حجة، ولأن خلافه يجر إلى الفتنة ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب.
قد تبين أن الجابري قام بإجراء روي مثله عن علي أنه كان له مصحف على ترتيب النزول، وحتى لو لم يكن له سلف لكان صنيعه جائزا لأنه تفسير ومحاولة تقريب للفهم وليس إعادة كتابة للمصحف، وحتى لو حاول مسلم أن يجمع مصحفا بحسب ترتيب النزول لنفسه أو لطلابه من الأجل الفهم لكان عمله جائزا، وغير الجائز أن يقوم بذلك لتلاوة التعبد والختمة المعهودة فلا يجوز مخالفة ما استقر عليه الأمر إلا كما تقدم والله أعلم.
وعن آراء جمعه وما تنشرح به صدور بعض الناس فلعله لا تنشرح به صدور غيرهم ..
إن النتيجة التي خرج بها الجابري في جزئه الثاني "من مصاحبة هذه التفاسير مدة من الزمن، مستعينا بالحاسوب وما يرتبط به من مكونات ووسائل تمكن مستعملها من الجولة في الكتب بسهولة، مهما كبر حجمها وتعددت مجلداتها .. هي أن المكتبة العربية الإسلامية تفتقد إلى تفسير يستفيد من عملية الفهم من جميع التفاسير السابقة ويعتمد ترتيب النزول".
وأضاف: "يمكن القول دون فخر زائد ولا تواضع زائف، إنه لأول مرة أصبح ممكنا عرض القرآن ومحاولة فهمه بكلام متصل مسترسل يشد بعضه بعضا، كلام يلخص مسار التنزيل ومسيرة الدعوة في تسلسل يرضي النزوع المنطقي في العقل البشري".
فعلا لأول مرة تمكنا فيها من رؤية مزيج من كتب تفسير أهل السنة وأهل الكلام والبدع، مزيجا وخليطا استحال تجانسه بين دعوة الحق ودعوة الباطل.
هي على العموم محاولة جائزة لم يبتدعها الجابري أكثر مواءمة لطريقة العقل في الفهم/ فالزمن من المقولات التي لا يعقل شيء بدونها، وترتيب القرآن حسب نزوله لغرض الفهم هو وإن خالف ترتيبه لغرض التعبد لكنه يُقبل ًوهو ما لم يدّع الجابري خلافه.
وأما قول الكاتب مزيج من أهل الكلام والبدع فأمر يمثل وجهة نظر غير ملزمة لسوى القائلين بها، فأهل الكلام مسلمون وحتى أهل البدع مسلمون ننكر عليهم ومنهم ما نعلمه يقينا ابتداعا في الدين لا ما خالف مدرستنا أو مذهبنا أو طريقة تفكير آبائنا.
ومن المضحك أن نريد من أستاذ فلسفة أن يصبح سنيا وفقط، بل نكتفي منه أن يكون مسلما ولعل ذلك هو الأصوب لنا جميعا.
من تلبيساته في هذا القسم حشره -بعد ذكر مرويات حول الجن لها علاقة بالقرآن- أحاديث صحيحة بعضها في صحيح مسلم وبعضها في السنن في "جنس الإسرائيليات التي غصَّت بها كتب المفسرين"، وخلوصه بعد نقله كلاما طويلا للرازي في الموضوع إلى رأي المعتزلة الذين وصفهم -كعادة كافة العلمانيين- بأنهم "ذووا الاتجاه العقلاني في فهم الدين الإسلامي"، إلى "أن الجن كالملائكة أجسام لطيفة وحية أي عضويات ( Organismes) دقيقة جدا فيها حياة فهي أشبه بالكائنات الروحية ولكنها لا تستطيع القيام بأفعال شاقة، أما الأشاعرة فيتصورونها جواهر فردة، أي أجزاء لا تتجزأ ( Substances Indivisibles) حاملة للأعراض كالحياة والحركة .. إلخ، يخلق فيها الله القدرة على فعل الشاق وغير الشاق. اهـ.
ومعلوم عند كل باحث في مجال علوم القرآن والتفسير مآخذ العلماء والمحققين على تفسير الرازي "مفاتيح الغيب"؛ كتوسعه في ذكر مسائل علم الكلام، والفلسفة، والعلوم الطبيعية والرياضية، التي لا علاقة لها بموضوع التفسير إلا بشيء غير يسير من التكلف والتأويل البعيد، والتعرض لمثل هذه الأمور مما يجلُّ عنه كتاب الله سبحانه.
ومن بين المآخذ التي سجلها العلماء حول هذا التفسير ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بقوله: "وكان يُعاب بإيراد الشبهة الشديدة، ويقصِّر في حلِّها" وهذا ملاحظ بالفعل في هذا التفسير؛ إذ يورد الرازي شُبه المخالفين على غاية ما يكون الإيراد، حتى قيل: إنه يقرر مذهب خصمه تقريرًا بحيث لو أراد خصمه تقريره لم يقدر على الزيادة عليه .. لكنه عندما يعود لتقرير ما هو الحق في المسألة نجده يضعف، ولا يوفي الرد حقه. ولأجل هذا كان بعضهم يتهم الرازي في دينه، ويشكك في عقيدته"، ووصف بعض العلماء تفسيره فقال: "فيه كل شيء إلا التفسير".
(يُتْبَعُ)
(/)
فالجابري له أصل عرف به في جل كتبه، ظل وفيا له في مؤلفه الأخير أيضا، وهو سوقه ما يسعفه من روايات الفرق الضالة المنتسبة للإسلام، كالرافضة والمعتزلة والجهمية .. ، في سياق واحد مع دعوة أهل الحق -أهل السنة والجماعة-، من غير بيان أو إيضاح، ليَلبِس بذلك الحق بالباطل، وهو عين ما صرح به في كتابه التراث والحداثة (ص:260) بقوله: "يمكن أن نمارس النقد اللاهوتي من خلال القدماء، يعني نستطيع بشكل أو بآخرَ استغلال الحوار الذي دار في تاريخنا الثقافي ما بين المتكلمين بعضهم مع بعضٍ، ونوظِّفَ هذا الحوار، لنا حرمات يجب أن نحترمها حتى تتطور الأمور، المسألة مسألة تطور".
هنا يظهر التفاوت الكبير بين وعيين وموقفين من التاريخ هما موقف الجابري وموقف كاتب المقال الذي نعلق عليه لأنه يمثل رأي شريحة من شرائح المجتمع.
إن مرجعية الجابري هي العقل ومرجعية الكاتب هي خليط من الآراء خلال ألف سنة بشرط صدورها عن كيان مختلف المشارب مترامي الأطراف.
وأهل السنة في القرن الثاني كانوا هم الأمة، ولذلك كان منهم من أيد زيد بن علي ومنهم من ثار مع بني العباس حين دعوا إلى الرضا من آل محمد ومنهم من اعتزل، ولكن ما نسميه اليوم أهل السنة هو تيار بدا بالتشكل بأن جعل من نفسه خصما للمعتزلة، والمعتزلة من الأمة لا يجوز إخراجهم منها ولا الحكم على مجموعهم بجملة واحدة، بل كان منهم الصالحون ومنهم العلماء الفضلاء ومنهم دون ذلك، فهل يريد كاتب المقال من أكبر أستاذ فلسفة في الوطن العربي أن يكون مصنفا داخل تيار نشأ في التاريخ!!
بل إن أحسن تعريف للمعتزلة هو تعريف الجابري نفسه بأنهم "مجموعة مثقفين اتفقوا على خمسة أصول هي العدل والتوحيد والوعد والوعيد والمنزلة بين بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"
لو كان ذلك ممكنا لدعوناه إلى حظيرتك ولكن صدقني يا أخ أن هذا غير ممن بحكم الضرورة.
وأما حشرك لاسم الرافضة مع المعتزلة فهذا من التعصب الصادّ عن الحق فإنه لا يوجد إنسان في التاريخ عرّى الرافضة فكريا كما فعل الجابري حيث اكتشف أصل فكرهم الهرمسي وحدد حدود الغنوص في كتابه بنية العقل العربي بما لا مزيد عليه.
ولو كانت الحياة فكرا فقط، لما قامت للرافضة بعد الجابري قائمة، ولكن الحياة كتل سياسية تقوم بإنفاق أموال طائلة لبناء مؤسساتها ووسائل إعلامها لنشر أيديولوجياتها. ولا ننكر أن الجابري لا يُقرأ جيدا بين تلاميذ المؤسسة السنية التقليدية بل يقرؤه الأكاديميون وخريجو المدارس الحكومية، ذلك أن العلوم العقلية مهملة عند المؤسسة التقليدية فهي تمارس العلم بعقل فطري بسيط، لا بعقل رياضي ذي أصول تجريبية علمية كما يفعل العالم المتقدم، ولذلك لم تقم كتابات الجابري بتطويرها المرتجى رغم أنّه يبدأ مع قارئه من الصفر ويمتلك قدرة عجيبة على تسلسل الأفكار كأنه مبرمج محترف، فهو لا يقفز إلى النتيجة حتى يعرض مراحل تدرج الفكرة لتؤدي إليها، وهذه قدرة لا يمتلكها كثير من المفكرين. ونحن اليوم كما يقول الدكتور نبيل علي "أن مطالب اللحاق بركب هذا العصر أوضحت مدى العجز الذي يعانيه العقل العربي في مواجهة التعقد الشديد الذي أصبح السمة الغالبة للمجتمع الإنساني المعاصر، وأبرزت مدى قصور أدواتنا الذهنية ووسائلنا التقنية في مواجهة ظاهرة الانفجار المعرفي التي تتفاقم حدتها يوما بعد يوم" فنحن بحاجة إلى مفكرين وفلاسفة نزيهين لا يعلم حجمها إلا الله.
لقد وصف الدكتور يوسف نور عوض كتاب الجابري بأنه نوع من الكتب التي يوهم القارئ بأنه يتحدث في أمور خطيرة ويتناولها بطريق علمية وموضوعية، ولكن المتأمل فيه يدرك أن الكتاب فارغ المضمون، وأنه مليء بالمغالطات والآراء غير العلمية بعكس الدعاية الكبيرة له.
إذا كان المقصود هو كتابه مدخل إلى دراسة القرآن فلا اعتراض كبير لي على ذلك لأني قد قدمت أنه أضعف كتب الجابري على الإطلاق. وإذا كان المقصود مشروعه نقد العقل العربي أو كتب الجابري الأخرى فهو كقول رجل المتنبي غير شاعر!!
وأن أمثاله -أصحاب اتجاه النقل المقصود به الهدم- يزعمون أنهم يناقشون قضايا المجتمع العربي الإسلامي من منظور علمي مع أنهم في الحقيقة يحاولون عمداً هدم الإسلام من الداخل، ذلك أن معظم الكتاب العرب الذين بدأوا يستخدمون هذا المنهج، لم يحاولوا في الواقع نقد المنهج ذاته بل استخدموه بأقصى درجات التطرف من أجل تفتيت كيان الأمة الثقافي. تارة تحت اسم (سوسيولوجيا المعرفة) وأخرى تحت اسم (سوسيولوجيا النقد).
وفي انتظار القسم الثالث الذي سيتناول فيه الجابري "تفسير" السور المدنية والتي لا مناص له فيها من الحديث عن جانب التشريع والحكم والسياسة وغيرها من الأمور، لا يحق لنا أبدا أن نلدغ من جحر مرارا متعددة، وأن نسمح لأي كان أن يشككنا في ديننا، أو يزعزع عقيدتنا في القرآن، ويخلط علينا الأمور ويلبسلها علينا".
وهذا رابط المقال في الجريدة المذكورة:
لا يجوز مصادرة جهود الرجل بهذه الطريقة وإن كان الكاتب ما يزال شابا،ولا يجب أن يبعث اي كتاب يتناول تاريخ جمع القرآن أي شك في قلب المسلم، فالقرآن كلام الله تعالى حفِظ لنا بجهود الصحابة وأبنائهم وأحفادهم جيلا عن جيل بحسب قدرة التاريخ على الحفظ على أتم ما يُمكن. وحتى لو لم يتمكن التاريخ من حفظ آية أو آيتين فإن معنى ذلك أن الله تعالى لم يشأ أن تدوّن. وهو القائل إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فالله تعالى قد حفظه لنا بالهيئة التي أراد وتمت بها مشيئته ولله الحمدُ والمِنة.
إن الجابري رجل مجدد وهو بلا شك رجل (دنيوي) لأنه قد اختار هذا الطريق لكنه ليس
ضدّ الإسلام ولا ضدّ الدين، بل هو مفكّر وأستاذ متمرس ما نشك في نزاهته وتواضعه وأنه قد اختطّ طريقا ينفع الأمة، لكن هل سينفعه عند الله؟ برغم أنه ليس من واجبنا ذلك لكنا نرجو الله أن يُحسن خاتمته وأن يجعل موته على لا إله إلا الله محمد رسول الله.(/)
قراءة نقدية جديدة لكتاب (تاريخ القرآن) لنولدكه
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Mar 2010, 07:05 ص]ـ
* كثير من المستشرقين ضللوا العقل الغربي ونقلوا صورة مشوهة للإسلام
تاريخ النشر: السبت27/ 2/2010, تمام الساعة 02:47 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة
في قراءة لكتاب "تاريخ القرآن" .. عبد الله البكري:
النقد العلمي للاستشراق يخدم المعرفة وجزءا من الحوار الحضاري
المستشرقون حجبوا نور الإسلام عن شعوبهم .. ودحض مزاعمهم ينير العقل الغربي
الدوحة – الراية:
صدر مؤخرا عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (ترجمة وقراءة نقدية) لكتاب من أهم كتب الاستشراق ومرجع من أهم مراجعه وهو كتاب (تاريخ القرآن) للمستشرق الألماني (تيودور نولدكه) (1836 - 1930م) ترجمة وقراءة نقدية للباحث د. رضا محمد الدقيقي وهو رسالة علمية متميزة حصل بها الباحث على درجة الدكتوراة من جامعة الأزهر، بمرتبة الشرف مع التوصية بالطبع، وقد أشرف عليه أ. د محمود حمدي زقزوق وشارك في المناقشة كل من أ. د عبدالله الشاذلي وأ. د. محمد شامة والمستشرق الألماني تيلمان ناجل.
وقدم عبد الله بن عمر البكري رئيس لجنة إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي عرض للكتاب أكد فيه انه لأهمية كتاب (تاريخ القرآن) فلا تكاد تجد باحثاً مختصاً في مجال الدراسات الإسلامية في الغرب لا يرجع إليه.
وهذه فكرة موجزة عن الكتاب نستعرض فيها بعض ماورد في مقدمة الباحث لرسالته والتي تُعد من أهم الدراسات المعاصرة المتعلقة بحركة الاستشراق، وقد اعتبرها الباحث خطوة للحوار مع المستشرقين حيث أشار أنه لا ينبغي أن يماري أحد في أهمية الحوار الديني مع الغرب، وهذا الحوار يتضمن بالضرورة حوارًا مع المستشرقين الذين هم من أهم مكونات العقل الغربي والثقافة الغربية. والحوار مع المستشرقين كما يرى الدكتور يوسف القرضاوي جزء من الحوار الديني للغرب ومتمم له وهو ضروري لتصحيح الفكرة وتقريب الثقة وتنقية الأجواء وتمهيد الأرض لعلاقات أفضل كما يرى الباحث.
وقال البكري: وتأتي أهمية هذه الدراسة كونها تتعلق بعالم من أبرز المستشرقين ويكفي أنه أستاذ للمستشرق كارل بروكلمان ذائع الصيت صاحب (تاريخ الأدب العربي) الذي يُعد من أبرز أعمال المستشرقين وأنفعها حتى جاء الباحثة د. فؤاد سزكين بالعمل الأنفس وهو (تاريخ التراث العربي) الذي أصلح فيه أخطاء بروكلمان وزاد عليه ونقحه. يقول المستشرق الألماني "إينو ليتمان" عن (نولدكه): (لقد طبعت مكانته العلمية وقوة نفوذه حقل الاستشراق بكامله خلال السبعين عاماً الأخيرة بطابع شخصيته، ولولاه لما أمكن أي تطور لهذا العلم).
واضاف: ووصفه المستشرق الألماني " يوهان فيُك" بالذكاء الحاد والفكر الثاقب والذاكرة القوية التي أتاحت له أن يسلك طريقه في مجالات عديدة؛ فهو لغوي ومؤلف ومترجم ونحوي وناقد. وقال: إنه يمكن وصفه بأنه أعظم المستشرقين الألمان في عصره، ووصف منهجه بالتدبر الحكيم الذي جعل أبحاثه من الوجهة المنهجية نموذجاً يُحتذى.
ووصفه " جولدتسيهر" بأنه (زعيمنا الأكبر) وقال تلميذه " كارل بروكلمان": كان "نولدكه" على رأس مدرسة الاستشراق الألمانية بـ " اشتراسبورج" وطبع حركة الاستشراق سبعين سنة بشخصه.
وقال عنه المستشرق الألماني " رودي بارت " (صاحب أشهر ترجمة لمعاني القرآن في ألمانيا): "تيودور نولدكه أستاذ الاستشراق الجليل الذي حظي باحترام عالمي في مادته".
وإذا كانت هذه مكانة نولدكه بين زملائه وتلامذته من المستشرقين؛ فقد تمتع بمكانة طيبة وسمعة حسنة بين كثير من العلماء العرب فقد أثنى عليه جماعة وقال عنه د. عبد الرحمن بدوي: (يعد نولدكه شيخ المستشرقين الألمان غير مدافَع، وقد أتاح له نشاطه الدائب وألمعية ذهنه واطلاعه الواسع على الآداب اليونانية ... أن يظفر بهذه المكانة ليس فقط بين المستشرقين الألمان بل بين المستشرقين جميعاً).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال: أما كتاب (نولدكة) الذي تخرج قطر اليوم ترجمة له فقد كان في أصله رسالة دكتوراة باللغة اللاتينية بعنوان: (حول نشوء وتركيب السور القرآنية) تقدم بها " نولدكه" عام 1856م إلى جامعة جوتنجن للحصول على الدكتوراة وكان عمره عندئذ عشرين عاماً، وحصل عليها بالفعل بمرتبة الشرف الأولى.كما حصل " نولدكه" عام 1858م بهذه الرسالة على جائزة من فرنسا خصصت لأفضل كتاب أُلِّف في أوربا عن كتاب مقدس. ثم عكف بعد ذلك على إعادة كتابتها باللغة الألمانية بمفرده على نحو جديد وصدرت كطبعة أولى سنة 1860م تحت عنوان: (تاريخ القرآن).
وأضاف: وتأتي أهمية كتاب الدكتور رضا الدقيقي من كونه متعلقاً بهذا المرجع الاستشراقي المهم في الأوساط الغربية فمنه يستمد الغربيون المعرفة بالقرآن الكريم وبالنبي صلى الله عليه وسلم منذ زمن طويل. وقد قسم الباحث كتابه إلى ثلاثة أقسام خرجت في ثلاثة مجلدات هي:
1 - الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم بين الإنكار والتفسير النفسي.
2 - الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم هل هو صوت داخلي.
3 - النبي صلى الله عليه وسلم والمرجعية هل ثمة تحول.
ولأهمية كتاب (تاريخ القرآن) فإن ثلاثة من العلماء الألمان قد عملوا على تحقيقه ومعالجته ونشره، هم: (شفاللي) (برجشتراسر)، و (بريتسل).ووصف المستشرق المجري (جولدتسيهر) كتاب تاريخ القرآن بأنه (كتاب أصيل بكر).وقال عنه المستشرق البريطاني) آرثر جفري): (إنه أساس كل بحث في علوم القرآن في أوروبا).وقال المستشرق الألماني (رودي بارت): "لقد أصبح كتاب (تاريخ القرآن) منذ زمن طويل كتاباً أساسياً من كتب هذا الفرع من التخصص، ولا يحتاج لتبجيل أو تكريم أكثر من هذا .. وعلى من يريد الاشتغال علمياً بالقرآن على أي نحو أن يعتمد على كتاب نولدكه " تاريخ القرآن " ذلك الكتاب الذي سيظل حافظاً لقيمته على مر الأيام".
وقال عنه المستشرق الألماني " جوستاف بفانموللر" (وأما كتاب نولدكه: تاريخ القرآن فإنه يفي بكل متطلبات العلم. إنه كتاب عظيم القيمة لكل الذين يدرسون الإسلام ولكنه بالنسبة لغير المستشرقين كتاب شاق الاستعمال). ويقول عنه المستشرق الألماني " يوهان فيُك": "لقد أحدث الكتاب هزة مدوية حيث عولجت فيه بذكاء مسألة نشأة الكتاب وجمعه وروايته. ولقد أسست المناقشة النقدية فيه للترتيب الزمني لسور القرآن قاعدة راسخة لكل البحوث التاريخية حول القرآن". وقال عنه المستشرق الألماني (فريدريش شفاللي):"إنه يعد في المحيط العلمي من أُمَّات الكتب ".
واكد انه على الرغم من أهمية هذا الكتاب؛ فقد كانت صلة معظم الباحثين العرب والمسلمين به تتم من خلال دراسات المستعربين باللغتين الإنجليزية والفرنسية؛ حيث نقل هؤلاء وعلى وجه الخصوص: بلاشير في كتابه: (مدخل إلى القرآن) فقرات منه. وصادف أن الفقرات التي نقلها بلاشير لا تتعلق بشكل مباشر بآراء نولدكه بشأن الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وأصل القرآن والمصدر الإلهي للإسلام وغير ذلك من مسائل العقيدة؛ وإنما تتعلق برأي أو ترجيح في مسألة من المسائل الفنية المتعلقة بعلوم القرآن كمكية موضع قرآني أو مدنيته، وسبب نزول آية أو ترتيب زمني للقرآن. ونتيجة لذلك وتأثرًا بالأحكام الاستشراقية سالفة الذكر بشأنه، فقد أغرى الإعجاب الاستشراقي بالكتاب بعض الباحثين المسلمين والعرب بأن يثنوا على الكتاب بشكل مطلق. فلقد عد الدكتور أحمد سمايلوفيتش كتاب (تاريخ القرآن) لنولدكه "واحدًا من البحوث القيمة التي كانت بمثابة تحول عظيم في تصحيح مفاهيم الغرب عن الإسلام والعرب ... الخ ". وعلى الرغم من أن الدكتور صلاح الدين المنجد وصف بعض آراء نولدكه بشأن القرآن بأنها خاطئة تماماً إلا أنه قال عن كتاب (تاريخ القرآن):"هو أول مؤلفات (نولدكه) العظيمة الكثيرة، وبه دل على طريق البحث العلمي الصحيح في الدراسات القرآنية ... "!!!
(يُتْبَعُ)
(/)
كما وصف الدكتور عمر فروخ كتابات نولدكه بشكل مطلق بأنها "يصعب أن يكون فيها تشويه وأن يقصد بها ضرر مباشر" وقدم وصفا جزئياً عن كتاب تاريخ القرآن تحديدًا.وأشار الدكتور سامي الصقار إلى رسالة نولدكه للدكتوراة (حول نشأة وتركيب السور القرآنية) التي تمثل البدايات الأولى لكتابه (تاريخ القرآن) مكتفياً بما نقله عن نجيب العقيقي من أنها "كانت من الإتقان لدرجة أنها حازت على جائزة مجمع الآداب في باريس عام 1858م وقد وسعها ونشرها في عام 1860م "
وقال: من هنا أيضاً تأتي أهمية هذه الدراسة التي تنشرها اليوم لجنة إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي بقطر، فهي إلى جانب كونها أولى الدراسات العربية عن هذا الكتاب المهم؛ فهي أيضاً تسهم في تقييم موضوعي لكتاب نولدكه: (تاريخ القرآن) بعيدًا عن الافتتان بالحضور الطاغي لشخصيته أو الأحكام المطلقة التي قوبل بها كتابه وذلك في دراسة رصينة لباحث متميز حاز إعجاب المناقشين له ومنهم المستشرق الألماني "ناجل".
ومما تغافل عنه كثير ممن افتتن بكتاب (نولدكه) أن نولدكه نفسه قد نقد كتابه وأشار لبعض سلبياته فقد نشر نولدكه كتابه (تاريخ القرآن) كطبعة أولى باللغة الألمانية سنة 1860م، وعرض عليه الناشر عام 1898م أن يعيد نشره باللغة الألمانية كطبعة ثانية؛ لكن نولدكه رفض لأسباب عديدة لم يذكرها، واقترح أن ينهض بهذا تلميذه (شفاللي). وساق الباحث الدكتور رضا الدقيقي عدة أدلة وقرائن تؤكد بأن نولدكه لم يكن راضياً عن كتابه (تاريخ القرآن) بل أن نولدكة وبعد أن انتهى (شفاللي) من معالجة الطبعة الثانية من القسم الأول من كتاب نولدكه في أغسطس 1909م كتب نولدكه مقدما لها؛ فاعترف أن السلبيات الفكرية مازالت على حالها؛ فالتهور في الأحكام ما زال موجودًا، وكثيرا مما كان يجزم نولدكه بصحته في الكتاب؛ ظهر له فيما بعد أن صحته غير مؤكدة؛ فقال نولدكه:" لقد جعل (شفاللي) هذا الكتاب الذي كتبته بتعجل قبل نصف قرن متناسباً بقدر الإمكان مع المقتضيات العلمية المعاصرة، وأقول - والكلام لنولدكه -: بأن آثار تهور الشباب لم تمح بالكامل؛ وإلا لنشأ عمل جديد. إن كثيرًا من المسائل التي اعتقدت وقتئذ صحتها – بكثير الجزم أو قليله- بدت لي فيما بعد غير مؤكدة الصحة " أهـ. وهذا الاعتراف يُحسب لنولدكه ويبين أنه كان على قدر كبير من الإنصاف - بحسب ما سمحت له ثقافته ونشأته - فإن نولدكه حصل بسبب هذا الكتاب على جائزة كبرى كما رأينا، وكان الكتاب سبباً رئيساً في تبوئه المكانة الرفيعة التي نالها بين المستشرقين وغيرهم. ومع ذلك لم يأنف أن يصدر منه هذا الاعتراف دون أن يأبه لعواقبه. وهذا الاعتراف من نولدكه؛ وإن كان يرفع من قدره كعالم متواضع لا يغره جهل غيره به عن علمه بنفسه؛ إلا أنه كان ينبغي أن يبرر إعادة النظر من قِبل باحثي الدراسات الإسلامية في كثير من النتائج التي توصل إليها الكتاب، لا سيما أن مؤلفه لم يحدد ما هي المسائل التي رأى فيما بعد أن نتائجها كانت تهوُّرًا، أو التي ظهر له فيما بعد أن صحتها غير مؤكدة. كما أن نولدكه قد سئل وقد شارف على التسعين إن كان قد شعر بالندم؟ فقال: (إذا كان من ندم فلأنني درست علوماً لم أظفر منها في النهاية بنتائج حاسمة قاطعة) ولاشك أن دراسته لتاريخ القرآن كانت من هذه العلوم إذ لم يهتد بها إلى الحق والنور الذي بعث الله به خاتم النبيين.
ولأن هذا الكتاب كان وما زال يحتل مكانة كبيرة لدى باحثي الدراسات الإسلامية كما بيّنّا؛ فقد كان واجباً على الباحثين في هذا المجال – خاصة الألمان- أن يعيدوا قراءته من جديد بشكل نقدي يدفعهم لذلك تحقيق رغبة أستاذهم على أقل تقدير.
ويقول الدكتور رضا الدقيقي:"ولأكون أمينا مع نفسي كما علمني الإسلام؛ فإني أبين أني أفعل ذلك في المقام الأول بهدف النقاش الهادئ والموضوعي للقضايا التي أثارها نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) بشأن العقيدة الإسلامية، ولا أدري إن كان في ذلك تحقيق لرغبة نولدكه أو لا؛ إذ الوحيد القادر على أن يقرر هو نولدكه نفسه؛ لكن الموت حال بينه وبين أي قرار كما حال من قبل بينه وبين أي تصحيح ... ".
(يُتْبَعُ)
(/)
البكري إن الاستشراق هو أحد أهم مصادر الأفكار الغربية عن الإسلام والحضارة الإسلامية، وإن كان للاستشراق حسناته في إخراج بعض كتب التراث وخدمتها وفهرستها لأغراض مختلفة فإن الاستشراق قد ساهم بقصد أو بغير قصد على نشر صورة غير صحيحة عن الإسلام وشعائره وشرائعه لدى أمم الغرب ومنها انتقل إلى غيرها من الأمم. وحتى قبل الاستشراق فإن الأفكار الغربية عن الإسلام لم تؤخذ من مصادرها الصحيحة وكمثال مما نُشرعلى نطاق واسع في أوروبا الحكاية الأسطورية أن محمدًا صلى الله عليه وسلم درب الحمامة لتلتقط حبات القمح من أذنه وبذلك أقنع العرب أن تلك الحمامة هي رسول الروح القدس الذي كان يبلغه الوحي الإلهي، ولقد بلغ تأثير هذه الحكاية أن شاعرًا إنجليزياً في القرن الخامس عشر هو" جون ليدهيت" وضع سيرة لحياة محمد صلى الله عليه وسلم تحدث فيها عن الحمامة المذكورة ولم ينس أن يقول: إن لونها كان حليبياً أبيض. وبلغ من تأثير الأضحوكة كذلك أنها وردت على لسان أحد أبطال رواية " شكسبير" (هنري الرابع) حيث يخاطب " جان دارك" ساخرًا: (ألم تلهم الحمامة محمدًا؟ أما أنت فإن النسر ربما ألهمك).
وقال: وإذا كان هذا هو صدى هذه الحكاية وأمثالها، فإن الصدى سيكون أوسع لادعاءات تخرج من أوساط علمية ذات مستوى أكاديمي. ومن هذا القبيل المواضع التي انتقدها الباخث على (نولدكه) كزعمه أن وحي الله جل وعلا لمحمد صلى الله عليه وسلم هو صوت داخلي ظنه محمد صلى الله عليه وسلم وحياً، يقول: (إن محمدًا عدّ كل ما يتحرك بداخله شيئاً خارجياً مرسلاً له من السماء، ولم يختبر أبدًا هذا الإيمان؛ بل انقاد للشعور الغريزي الذي قاده مرة إلى هنا ومرة إلى هناك، إذ إنه كان يعتبر هذا الشعور الداخلي صوت الله الذي قدر له بشكل خاص).
فلقد كان لهذا القول انعكاساته على المثقفين الغربيين؛ حيث قال ويلز في كتابه معالم تاريخ الإنسانية إن (محمدًا لم يكن دجالاً بأية حال وإن كان اعتداده بنفسه يدعوه في بعض الأحيان أن يتصرف كأنما كان الله رهن إشارته وكأنما كانت أفكاره أفكار الله).
واشار البكري الى انه إذا قارنَّا كلام ويلز هنا بما قاله نولدكه أدركنا مدى انعكاس أفكار كبار المستشرقين بشأن الإسلام على مؤرخي الغرب وكتُّابه ومثقفيه الذين لا يتمكنون – بسبب عجز لغوي- من التعرف المباشر على الإسلام عبر نصوصه ومصادره الأصلية؛ فلا يبقى لهم من ثَمَّ إلا الولوج إليه عبر البوابة الاستشراقية. هذا في المستشرقين الموصوفين بالحياد والموضوعية فما بالك بمن عُرف منهم بالتجني والحقد الواضح والمغالطات البينة. إن المستشرق في موضوعه – كما يقول الشيخ محمود محمد شاكر- (مأمون عند كل أوروبي من أول طبقة الرهبان والساسة إلى آخر رجل من جماهير الناس، مأمون على ما يقوله، مصدّق فيما يقوله في أمور لا سبيل لأحد منهم إلى معرفتها لأنها تتعلق بأقوام لسانهم غير لسانهم ولا يقوم بها إلا دارس صابر ذو معرفة بهذا اللسان الغريب).
وهذا يلقى بتبعة أخلاقية في المقام الأول على المستشرقين؛ عليهم أن يقدروها حق قدرها؛ وذلك لأن الثقة التي يوليها المتلقي الغربي لأبحاث المستشرق هي ثقة بلا حدود لأنها (يسّرت له – ما لم يكن يتيسر البتة- أن يعرف أشياء كثيرة متنوعة في صورة واضحة مصورة بمهارة ومصنوعة بأسلوب مقنع مقبول لا يرفضه عقله، بل لعله يرتضيه كل الرضا .. فهو – أي المتلقي الغربي- غير حريص على التحقق من صحة التفاصيل التي تكونت منها الصورة؛ ولا هو قادر على التشكك في سلامتها من الآفات، ولا يخطر بباله أن يسأل نفسه: أهي صادقة أم كاذبة؟ أهي مطابقة للحقيقة أم غير مطابقة للحقيقة؟ فإذا كان جزء من الصورة التي يقدمها الاستشراق عن الشرق – والإسلام في قلبه- شائها منقوصاً؛ فإننا نصبح بالضرورة إزاء مشكل كبير يعبر عنه إدوارد سعيد أصدق تعبير حين يقول: (ليس في وسع إنسان في الغرب يكتب عن الشرق أو يفكر فيه أو يمارس فعلاً متعلقاً به أن يقوم بذلك دون أن يأخذ بعين الاعتبار الحدود المعوقة التي فرضها الاستشراق على الفكر والفعل. وبكلمات أخرى فإن الشرق بسبب الاستشراق لم يكن موضوعا حرًا للفكر أو للفعل).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن هنا يقول الباحث في مقدمة كتابه: "فإني آمل أن تسهم دراساتي هذه لدى من يقرأها من المعاصرين من المستشرقين في أن يخرجوا أنفسهم من هذه الزاوية التي وضع فيها الاستشراق نفسه عبر تاريخه الطويل وأن يرفعوا تلك المعوقات التي وضعها سلفهم في سبيل فهم جيد للشرق بمكونه الرئيس: الإسلام؛ حتى يسهل على قومهم الوصول للمعرفة الحقيقية بالشرق والإسلام وهم إن فعلوا؛ فقد أدوا أمانة العلم وكانوا أهلاً للثقة التي حباهم بها مواطنوهم ومجتمعهم" ثم بين امتداد أثر الاستشراق إلى الباحثين المسلمين فقال:"إن الاستشراق ما عاد محدود الأثر ببيئته التي نشأ فيها؛ بل تعدى أثره لبيئتنا العربية والإسلامية؛ فلقد فرّخت أفكاره فيها عبر التلقي والتلمذة المباشرة أو عبر الترجمة؛ فقلّ ألا تسمع فكرة مارقة عن الإسلام في الغرب دون أن يكون لها صدى يتراوح مداه بين الخفوت والإعلان في بلادنا، وشجع على ذلك ملابسات كثيرة ليس هذا مكان تفصيلها " فلقد ذهبت الأيام التي كان يكتب فيها المستشرقون غالب كتاباتهم ليقرأها مستشرقون مثلهم. و نحن ننحي جانباً الدراسات الفرعية المتخصصة لنجد معظم الإنتاج الحاضر يقرؤه ويقدره أعداد ضخمة من الباحثين والمثقفين واسعي الأفق في الغرب ومن هؤلاء أعداد قد تكون أكبر في العالم الإسلامي. يقول الشيخ محمود محمد شاكر عن المسلمين والاستشراق: (هم يتدارسون ما يلقيه إليهم على أنه علم يتزوده المعلم، وثقافة تتشربها النفوس، ونظر تقتفيه العقول، حتى كان كما قال مالك بن نبي: (إن الأعمال الأدبية لهؤلاء المستشرقين قد بلغت درجة من الإشعاع لا نكاد نتصورها)، وتفصيل أثر هذا الإشعاع في تاريخنا الحديث وفي سياستنا وفي عقائدنا وفي كتبنا وفي ديننا وفي أخلاقنا وفي مدارسنا وفي صحافتنا وفي كل أقوالنا وأعمالنا شيء لا يكاد يحيط به أحد).ولذا يؤكد الدكتور محمود حمدي زقزوق أن حركة الاستشراق (لها آثار كبيرة على قطاعات عريضة من المثقفين في العالم الإسلامي وفي العالم الغربي على السواء ولهذا؛ لا بد من التوافر على دراسة الاستشراق دراسة عميقة. وليس يكفي أن نقول: إن ما يكتبونه كلام فارغ؛ فهذا الكلام الفارغ مكتوب بشتى اللغات الحية؛ ومنتشر انتشارًا واسعاً على مستوى عالمي).
واكد انه من المهم أن تجرى دراسات أكاديمية جادة تعالج الطروحات الاستشراقية في شتى المجالات التي ولجها البحث الاستشراقي، وتأتي إلى ما عسى أن يكون باحثا غربيا متهورا قد أحدثه؛ فتسد الثغرات التي يفتحها، وترتق الخرق الذي يفتقه، وتعيد الصورة التي يشوهها إلى سابق وضاءتها. ولن يكون ذلك ببضعة كلمات إنشائية يكتبها صاحبها كيفما اتفق من أجل المعايشة في سوق الكتاب؛ بل بأبحاث جادة يقوم بها علماء أكفاء، أو بأبحاث جامعية يقوم بها شباب واعون حسبة لله تحت رعاية علماء أكفاء يساعدونهم في المنهج، ويعينونهم على سلوكه، ويقومون نتاجهم ويجعلونهم أكثر دقة وموضوعية" ولابد أن ترعى نشر تلك الأبحاث الجادة جهات عدة تأتي على رأسها وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي وتأتي في مقدمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر التي قدمت للأمة الكثير في هذا المجال من خلال إصدارات الوزارة المختلفة الذي يأتي من ضمنها هذا الكتاب.
ويقول الباحث "إن استيعاب الإنتاج الاستشراقي – كما يقول الدكتور محمود زقزوق – ودراسته دراسة عميقة هو الخطوة الأولى لنقده نقدًا صحيحاً وإثبات ما يتضمنه من تهافت أو زيف. وهذا يجعل المستشرقين يفكرون ألف مرة قبل أن يكتبوا تحسباً لما قد يواجههم من نقد علمي يعربهم ويثبت زيف ادعاءاتهم. ويؤكد هذه الحقيقة المستشرق الفرنسي " مكسيم رودنسون" حين يشير إلى أن هناك طريقاً واحدًا فقط لنقد المستشرقين، وهذا الطريق يسير عبر دراسة تفصيلية لمؤلفاتهم).
انتهى الباحث إلى أن نولدكه وقع في أخطاء علمية ومنهجية في دراسته للقرآن الكريم ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وضلل العقل العربي لزمن طويل بشأن الإسلام والقرآن والنبوة، بقصد أو بغير قصد، وبعض أخطائه ناشئ عن جهله باللغة العربية وبعضها لعوامل أخرى لا تخفى. وهذه المغالطات الشنيعة التي أوردها (نولدكه) عبر عنها المستشرق الألماني "ناجل" الذي شارك في مناقشة الرسالة على استحياء بقوله إن الأسس التي بنى عليها (نولدكه) كتابه " تختلف عما نسلم به اليوم كأمر بدهي".
وأهم ما فيه من الباطل رفضه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تلقى الوحي من الله جل وعلا، حتى أنه من جهله باللغة زعم أن جبريل نزل على هيئة عائشة رضي الله عنها وذلك في سوء فهم منه للقصة المعروفة في رؤيته صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في المنام قبل زواجه بها.
المصدر: جريدة الراية القطرية ( http://www.raya.com/site/topics/printArticle.asp?cu_no=2&item_no=509538&version=1&template_id=20&parent_id=19) .
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[30 Mar 2010, 06:40 ص]ـ
تمت مناقشة القسم الأول من الكتاب والمتعلق بالوحي قبل ثلاثة أيام،
فالكتاب كان قد تم تقسيمه على ثلاثة من طلبة الدكتوراة عندنا في جامعة اليرموك، كل واحد منهم تولى الرد على شبهات القسم المعني، وقريبا تتم مناقشة الطالبين الآخرين اللذين توليا الرد على ما تبقى من الكتاب.
وتفصيلات ذلك في الآتي:
تحقيق ودراسة (قسم الوحي) من كتاب تاريخ القرآن لنولدكه، الطالب عبد الرزاق
المشرف على الرسالة: د. عبد الله السوالمة
المشرف المساعد: د. محمد المجالي،
المناقشون:
د. عبد الرحيم الزقة
د. شحادة العمري.
د. محمد إبراهيم الشافعي,
د. محمد عبد العزيز الجمل.
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[30 Mar 2010, 06:50 ص]ـ
العنوان الدقيق للرسالة التي تمت مناقشتها:
الوحي في كتاب تاريخ القران للمستشرق الالماني نولدكه عرض ونقد
واسم الطالب: عبد الرزاق احمد اسعد رجب
ـ[يسري خضر]ــــــــ[01 Jul 2010, 10:56 ص]ـ
نوقشت رسالة الأخ الدكتور رضا الدقيقي والتي سبق عرضها منذ عشر سنوات تقريبا
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[01 Jul 2010, 12:06 م]ـ
الله الله على الجهود والاوقات الضائعة بسبب عدم التنسيق
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[01 Jul 2010, 06:48 م]ـ
للعلم، الرسائل التي سبقت الإشارة إليها دراسة متخصصة تحت قسم التفسير وعلومه، وكانت تعنى بذلك من هذه الجانب، في حين رسالة الدكتور الدقيقي في القسم الاول الوحي (تقريبا)، وتولى الرد من الجانب العقدي، تحت قسم أصول الدين
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[23 Jul 2010, 12:56 م]ـ
كيف أحصل على دراسة الدكتور رضا الدقيقي .. ؟
هل هي موجودة ضمن مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف في مصر .. ؟
ـ[النجدية]ــــــــ[24 Oct 2010, 08:02 ص]ـ
ما السبيل إلى هذه الدراسة؟
جزاكم الرحمن الجنة
ـ[مشعل الكندي]ــــــــ[31 Oct 2010, 08:37 م]ـ
عندي نسخة ممتازة من كتاب الدكتور رضا الدقيقي الذي رد فيه على نولدكه، وهي من إصدار وزارة الأوقاف القطرية. كان في نيتي أن آتي به معي إلى كندا وأقوم بتصويره ورفعه للمنتدى، ولكن قدر الله وما شاء فعل حصلت ظروف وتركت الكتاب في داري في قطر .. لعلي أقوم بتصويره ورفعه حالما أعود للديار!(/)
تحذير .. ! الشركات الايرانية (تفرم) المصاحف لاستعمالها في حشو صناديق التفاح المصدرة للعراق ..
ـ[أبو وئام]ــــــــ[02 Apr 2010, 12:21 ص]ـ
جاء في بيان الرابطة العراقية في موقعها على الأنترنت
مصدر الخبر مع فيديو ( http://www.iraqirabita.org/index.php?do=article&id=24148)
قد فعلت ايران ما لم تجرؤ عليه اسرائيل أو حتى هولندا التي سخرت من رسولنا الكريم عليه وعلى آله افضل الصلاة والتسليم .. إنهم يفرمون المصحف الكريم كتاب الله عز وجل في مفارم الورق ثم يستعملونه لحشو صناديق الفاكهة المصدرة للعراق ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله(/)
عن الحفظ والتدوين للقرآن
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[02 Apr 2010, 06:18 م]ـ
المدينة - الرسالة -الجمعة, 2 أبريل 2010 ( http://n10.al-madina.com/node/236929/risala)
د. محمد عمارة
لأن القرآن الكريم هو الوحى الخاتم للنبوة الخاتمة الذي ختمت به معجزات النبوات والرسالات وشرائعها، فلقد شاء الله – سبحانه وتعالى – أن يتعهد هو بحفظه من التحريف وذلك لتظل حجة الله قائمة أبداً على عباده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولذلك لم يدع هذا الكتاب إلى الناس بأهوائهم وقدراتهم النسبية يحرفون كلماته أو ينسون حظوظاً مما ذٌكَروا به فيه- كما حدث لكتب أخرى سبقته فى التاريخ ..
وعن هذه المشيئة الإلهية قال الله فى قرآنه المجيد (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (واتل ما أوحى إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً) (وهو الذى أنزل إليكم الكتاب والذين أتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)
كما تعهد - سبحانه وتعالى – بعصمة رسوله صلى الله عليه وسلم- من أن ينسى شيئاً ما أوحى إليه ربه، مخافة أن يصيب هذا الوحي القرآني فى شيء مما أصاب الكتب السابقة – من الضياع والتحريف والنسيان – جاء الوعد الإلهى لرسوله بأن الله كما تعهد بحفظه .. وكما عصمه من النسيان، فلقد تعهد بجمع هذا الوحي القرآني والجمع يقتضى الترتيب للآيات فى السور , وللسور فى مجمل الكتاب ـ فقال سبحانه لرسوله (لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه).
ولأن الله سبحانه وتعالى – إذا أراد أمرا ـ فى عالم الإنسان، الذي فيه تخيير وتمكين هيأ لهذا الأمر أسباب التحقيق والتمكين فلقد هيأ لهذا القرآن الكريم من أسباب " التدوين" والحفظ والتوثيق ما لم يتهيأ لكتاب سابق فى التاريخ .. وتلك حقوقه يشهد عليها العلماء الذين كشفوا وفحصوا آثار الحضارات السابقة .. وما تعرضت له وثائقها وآدابها ـ حتى التى دون منها على الصخورـ من ضياع وانتقاض وتغيير وتبديل، وعن هذه الحقيقة من حقائق تفرد القرآن الكريم بتدوين وتوثيق لم يحظ به كتاب سابق بقول واحد من أبرز العقول الأصولية والمجتهدة .. والمجددة " فى عصرنا الحديث- وهو الشيخ إمين الخولى " 1313 – 1385 هـ -1895 - 1966م): " لقد كانت للرسول – صلى الله علية وسلم – عناية بنشر الكتابة فى مجتمعه وكان للرسول كتبة وحى يكتبون بين يديه القرآن .. وقد بلغ عددهم إلى بضع وعشرين شخصا، ورأى – عليه السلام لبعضهم أن يتعلموا من اللغات غير لغتهم العربية .. وكذلك كُتب القرآن: أول بأول، مع حفظ ما ينزل منه كذلك أولاً بأول، فتهيأ من للنص القرآنى من الاطمئنان ولا يكاد يتوافر مثله على التاريخ لما حفظت البشرية من نصوص وأصول".
وبهذه الحقيقة- حقيقة التدوين والحفظ الذي تميز به وامتاز هذا القرآن الكريم، شهد علماء كثيرون من غير المسلمين ومنهم المستشرق الانجليزى مونتجرى وات (1909 - 2006م) – وهو قسيس انجليكانى، درس القرآن والإسلام لأكثر من ثلث قرن ثم كتب فقال: " إن القرآن كان يسجل فور نزوله .. وعندما تمت كتابة هذا الوحى شكًل النص القرآني الذى بين أيادينا .. إنه كلام الله وحده .. وهو قرآن عربى مبين .. وعندما تحدى محمد أعداءه أن يأتوا بسورة من مثل السور التى أوحيت إليه،كان من المفترض أنهم يستطيعوا مواجهة التحدي، لأن السور التي تلاها محمد هى من عند الله، وما كان لبشر أن يتحدى الله "أن النص المعجز .. الذي مثل تدوينه وحفظه معجزة من المعجزات.(/)
حلقة جديده للدكتور حسام أبو البخارى علي قناة الناس
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[05 Apr 2010, 10:12 م]ـ
http://www.sheekh-3arb.info/islam/Library/img/3ater/div1011.files/image080.gif
http://www.sheekh-3arb.net/3atter/salam_files/image061.gif
http://www.sheekh-3arb.org/islam/join/nastv3.gif
الدكتور حسام أبو البخاري (- ANTI )
هو أحد ضيوف حلقة هذا الإسبوع من برنامج
سهرة خاصة
(قناة الناس الفضائية)
تقديم الشيخ / خالد عبد الله
عنوان الحلقة
(عظام ماعز .. ونظرة في الدين المقارن)
موعد الحلقة: الخميس 8 - 4 - 2010 .. العاشرة والربع مساءا توقيت مصر .. الحادية عشره والربع توقيت مكة المكرمة
ان شاء الله
http://www.sheekh-3arb.info/islam/Library/img/3ater/div1011.files/image080.gif(/)
هل القراءات المعاصرة للقرآن تحلل من المبادئ؟
ـ[محمد كالو]ــــــــ[06 Apr 2010, 01:13 م]ـ
هل القراءات المعاصرة للقرآن تحلل من المبادئ؟
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[22 Nov 2010, 12:28 ص]ـ
شكر الله لك يا دكتور محمد هذا المقال الجميل، فقد أبنت فيه عوار أصحاب القراءات المعاصرة للقرآن من ناحية تاريخية ومنهجية، مع فوائد أخرى ماتعة.(/)
سبب اختلاف ألفاظ بعض الكلمات في القصص القرآني
ـ[روضة المحب]ــــــــ[12 Apr 2010, 06:55 م]ـ
فتوى اعجبتني
السؤال:
لماذا اختلفت ألفاظ بعض الكلمات في بعض الآيات المتكررة خصوصًا في ذكر قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون؟ ومن ذلك قوله -تعالى-: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) (الأعراف:111)، وقوله: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) (الشعراء:36).
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا الاختلاف لأن هذه أصلاً ترجمة عن اللغة التي تكلم بها موسى -عليه السلام- وفرعون، فهُما لم يتكلما باللغة العربية قطعًا، وإنما تكلما بلغة أخرى؛ فالترجمة الباب فيها واسع، ثم إذا كانت هناك بعض الاختلافات في المعاني فمردُّها إلى تعدد القائل أو تعدد الأقوال؛ بمعنى أن فرعون قال: (وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:23)، وقال: (فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى) (طه:49)، فهذا ليس تعارضًا؛ لأن فرعون يمكن أن يكرر السؤال في مواطن مختلفة بألفاظ ومعانٍ مختلفة.
وأما الآية التي ذُكرت فهُم عدة من القائلين كما سبق، والألفاظ إذا كانت مترجمة وسع فيها الأمر
....................................
ولعل احدا يفيدنا في هذا الباب أكثر(/)
حلقة الدكتور حسام أبو البخاري علي قناة الناس ((عظام ماعز ... ونظرة في الدين المقارن))
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[12 Apr 2010, 11:07 م]ـ
http://www.sheekh-3arb.net/vb/mwaextraedit4/extra/15.gif
عظام ماعز .. و نظرة في الدين المقارن
http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00.gif
لقاء دكتور حسام أبو البخاري (- ANTI )
علي قناة الناس و برنامج سهرة خاصة
في ضيافة الشيخ الكريم / خالد عبد الله
الخميس 8/ 4/2010
http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00.gif
رابط تحميل الحلقة الاصلية (حجم 500 ميجا تقريبا)
هنا ( http://www.sheekh-3arb.org/mo7ads/Alnas_TV.rar)
روابط أخرى جودة أقل و حجم اقل ايضا:
رابط فيديو جودة عالية ممتازة: ( http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00.AVI)
رابط فيديو mp4 جودة عالية: ( http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00_512kb.mp4)
رابط صوت mp3 جودة عالية: ( http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00.mp3)
رابط صوت wma جودة عالية: ( http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00.wma)
رابط Ogg Video جودة عالية: ( http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00.ogv)
(http://ia341314.us.archive.org/1/items/forsan2009-804/091231_213045.ogv)
http://www.archive.org/download/forsan2010-1030/sahra.2010-04-08.00.gif
صور من داخل الحلقة للمتابعة
مسح تاريخي و جغرافي للكتاب المقدس
http://www.sheekh-3arb.org/islam/join/14.jpg
مجمع ترينت
http://www.sheekh-3arb.org/islam/join/TRENT1.jpg
جزيل الشكر و التقدير لمنتدى فرسان السنة
http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?t=158279 (http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?t=158279)(/)
غداً حلقة الدكتور حسام البخاري عن لاهوت المسيح
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[15 Apr 2010, 12:19 ص]ـ
http://www.s3udy.net/pic/salam_kalam005_files/48.gif
http://www.sheekh-3arb.org/islam/join/nastv4.gif
نلتقي غدا ان شاء الله الخميس 15 - 4 - 2010
مع الدكتور / حسام أبو البخاري (- ANTI)
و
الشيخ / خالد عبد الله
و حلقة أخرى جديدة من برنامج سهرة خاصة - قناة الناس
وذلك في العاشرة و النصف ليلا توقيت مصر - الحادية عشر و النصف توقيت مكة المكرمة
نسأل الله التوفيق
http://www.s3udy.net/pic/decoration001_files/12.gif(/)
لماذا ترك برتراند رَسِلْ المسيحية؟ حوار بينى وبين الفيلسوف البريطانى
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[15 Apr 2010, 12:23 ص]ـ
لماذا ترك برتراند رَسِلْ المسيحية؟
حوار بينى وبين الفيلسوف البريطانى
د. إبراهيم عوض
لا أدرى متى سمعت لأول مرة فى حياتى باسم برتراند رَسِلْ (1872 - 1970م)، الفيلسوف الإنجليزى المشهور، الذى اهتممت به اهتماما خاصا وأنا طالب فى الجامعة، ومن ثم شرعت أقرأ عنه وله، بدءًا بما كتبه د. زكى نجيب محمود عن الوضعية المنطقية، ذلك المذهب الفلسفى الذى كان يتحمس له كاتبنا المصرى أشد التحمس، وكتب بوَحْىٍ منه كتابه المعروف: "خرافة الميتافيزيقا". إلا أننى ما زلت حتى الآن أذكر بكل وضوحٍ الحوارَ الذى دار عام 1970م بينى وبين زميل لى فى جامعة القاهرة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، التى التحقت بها لدن دخولى الجامعة، لكنى لم أبق فيها سوى ثلاثة أيام ليس إلا وبشِقِّ النَّفْس، ثم لم أطق بعدها صبرا فحولت أوراقى إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب فى نفس الجامعة. وكنا أنا والزميل المذكور نسير أمام باب حديقة الأورمان المواجه لشارع الدقى بين العصر والمغرب كعادتنا فى نزهاتنا أيامئذٍ قاصِدَيْن ميدان التحرير على أقدامنا ومتناوِلَيْن ما يعنّ لنا من موضوعات أو ما يكون منها حديث الساعة فى الصحف. وكانت ترجمة كتاب رَسِلْ المعروف بـ"سيرتى الذاتية" قد صدرت لتوها، وكانت، إن لم تتلاعب بى الذاكرة، موضوع نقاش فى الجرائد المصرية. ولم نكن قد قرأنا الكتاب، وإن كنا نتابع ما يكتب عنه فى الصحف وقتذاك. وكنا حديثى عهد بالمحاكمة الدولية التى عقدها رَسِل وبعض المفكرين الأوربيين للرئيس الأمريكى جونسون على جرائمه وجرائم دولته فى فيتنام، وهو ما حظى منا بالإكبار. ثم زاد تقديرى للرجل وأنا أكتب هذه الدراسة حين وقعتُ على مقال يشير إلى لجنة شكلتها مؤسسة برتراند رسل للسلام سنة 1967م للنظر فى الأعمال الإجرامية التى ارتكبها الصهاينة فى فلسطين، إذ كنت أظن أن رَسِلْ لم يبد اهتماما بقضية العرب والمسلمين مثلما أبدى اهتمامه بفييتنام، وأستغرب لذلك الصمت وأعده أمرا شائنا. ثم هأنذا أعلم أنه لم يفته هذا الواجب الإنسانى الكريم.
ليس ذلك فقط، بل إن آخر نشاط سياسى قام به قبيل وفاته 1970م هو تجريمه العدوان الإسرائيلى على البلاد العربية عام 1967م ومناداته بانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها أثناء ذلك العدوان. وهذا نص ما كتبه فى هذا الصدد: " The tragedy of the people of Palestine is that their country was "given" by a foreign power to another people for the creation of a new state. The result was that many hundreds of thousands of innocent people were made permanently homeless. With every new conflict their numbers increased. How much longer is the world willing to endure this spectacle of wanton cruelty? It is abundantly clear that the refugees have every right to the homeland from which they were driven, and the denial of this right is at the heart of the continuing conflict. No people anywhere in the world would accept being expelled in masses from their own country; how can anyone require the people of Palestine to accept a punishment which nobody else would tolerate? A permanent just settlement of the refugees in their homeland is an essential ingredient of any genuine settlement in the Middle East. We are frequently told that we must sympathise with Israel because of the suffering of the Jews in Europe at the hands of the Nazis. [...] What Israel is doing today cannot be condoned, and to invoke the horrors of the past to justify those of the present is gross hypocrisy"
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا أستطيع الآن أن أتذكر السبب الذى جعلنى وزميلى نتساءل ونحن مارّان أمام بوابة الأورمان: ترى ماذا سيكون مصير برتراند رَسِلْ يوم القيامة؟ وكان رد زميلى هو أنه مخطئ، وسوف يحاسبه الله على عدم إيمانه بالإسلام. لكن كان رأيى أن الإنسان قد يطلب الحق فيخطئه، كما لا ينبغى أن ننسى أن رَسِلْ ابن بيئة تختلف عن بيئتنا تشرّب منها موقفها من الإسلام، ومن ثم لا يصح أن نسوى بيننا وبينه من حيث الفرص المتاحة للتعرف إلى الإسلام على الوجه الصحيح. لكن زميلى أصر على كلامه قائلا إن أى إنسان لا يمكن أن يضل عن حقيقة الإسلام متى كان مخلصا فى بحثه، بل لا بد أن يصل حتما إلى وجه الصواب فيه. ومع هذا فقد بقيت أنا على رأيى قائلا إنه ليس مستحيلا أن يطلب الشخص الوصول إلى الحق لكنه، لسب أو لآخر، لا يستطيع بلوغه، وهو ما أرى الآن بكل وضوح أنه يتمشى مع حديث الرسول الكريم عن أجر المجتهد فى حالة خطئه وفى حالة صوابه، إذ إن هذا الحديث العبقرى العجيب إنما يعنى أن المجتهد يمكن جدا، رغم إخلاصه وشدة تقصيه، أن يخطئ الهدف فلا يصل إلى الصواب الذى وضعه نصب عينيه، وإن كنت رغم ذلك أرى أنه يجب علينا أن نترك لله سبحانه وتعالى وحده الحكم على نية الباحث عن الحق ومدى إخلاصه أو عدم إخلاصه وإلى أى حد يمكن معذرته بتأثير البيئة عليه أَوْ لا ... إلخ. على أن ليس معنى ذلك ترك كل إنسان يقول ما يشاء دون الرد أو التعقيب عليه، بحجة أن هذا هو اقتناعه. ذلك أننى أنا أيضا لى اقتناعاتى، ومن حقى بل من واجبى أن أعلنها وأدعو إليها وأبسط الحجج التى أستند عليها فى تلك الدعوة.
وفى ذات الوقت ينبغى مراعاة طبيعة موقف كل شخص لا يؤمن بالإسلام من الإسلام، وهل يا ترى يقف منه موقف العداء والحقد؟ أم هل يقف منه موقف المسالمة والاحترام؟ ففيلسوفٌ مثلُ رَسِلْ لا يصح أن يعامَل كأى سفيه حقير ممن يُقِلّون أدبهم على المسلمين وعلى دينهم ورسولهم وقرآنهم من المستشرقين والمبشرين وأولئك الأوباش طوال اللسان قصار العقل من المهجريين المصريين. فالرجل لم يمنعه إلحاده من أن يذكر الإسلام بخير ويقول عنه كلاما طيبا كما سوف نرى. صحيح أنه غير كاف، لكن ليس من العدل ولا من المروءة أن نسوى بين صاحبه وبين أولئك السفهاء الشتامين.
وصحيح أيضا أننى لم أكن وقتذاك أعرف أن لرَسِلْ كلاما طيبا فى حق الإسلام، وإن كنت أعلم فى ذات الوقت أن له كتابا عن "تاريخ الفلسفة الغربية" تعرَّض فيه للإسلام ونبيه، إلا أننى كنت أجهل ما قاله فى ذلك الموضوع لأن الكتاب الذى كان فى يد زملائى كان بالإنجليزية، على حين كانت لغتى الأجنبية الأولى هى الفرنسية، ولم أكن قد تعلمت لغة جون بول بعد على النحو الذى يؤهلنى للقراءة بها بسهولة ويسر، كما لم أكن على علم بأن الكتاب قد تُرْجِم إلى العربية: ترجمه أحمد أمين وزكى نجيب محمود. بل لقد حاولت مؤخرا أن أعثر على تلك الترجمة فلم يتيسر لى إلا جزء واحد منها فقط، وهو عن الفلسفة الغربية الحديثة مما لا علاقة له بالإسلام ونبيه. كذلك لم أكن أعرف إلا مؤخرا جدا أن خاله الأكبر هنرى كان مسلما! جاء ذكر ذلك فى الصفحات الأولى من "سيرته الذاتية"، ووصفه كالعادة بأنه "محمدى"، كما جرده من كل مزايا الأسرة ورماه بأنه أكثر من عرفهم إثارة للملل، وإن لم يُعْفِ الأخوال الآخرين وأمهم من الانتقاد هم أيضا. وهذه هى عبارته نصا، والإشارة فيها إلى جدته لأمه: " Her eldest son was a Mohammedan… Henry, the Mohammedan, was devoid of all the family merits, and was, I think, the greatest bore I have ever known"، وإن كان مترجمو الكتاب إلى العربية قد استخدموا كلمة "مسلم" بدلا من "محمدى".
وكنا أنا وزميلى فى ذلك الوقت نقرأ، ضمن ما نقرأ، بعض كتب الشيخ شلتوت التى كنا نستمتع بمطالعتها لما يتمتع به الشيخ الكريم من بساطة فى الأسلوب وصفاء فى الرؤية وعمق فى التحليل وسماحة فى الفهم والحكم. ولكنى لست أدرى هنا أيضا أكنت قرأت له تفسير العشرة الأجزاء الأولى من القرآن الكريم أم لا. لكنى على أية حال قد سُرِرْتُ لمّا قرأتُ (متى بالضبط؟) تفسيره رحمه الله لقوله تعالى فى الآية 115 من سورة"النساء": "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
(يُتْبَعُ)
(/)
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"، فهو تفسير يتسق مع ما قلته لزميلى فى ذلك النقاش الذى أتحدث عنه، إذ قال ذلك العلامة الكبير ما معناه أن من سوف يصلى جهنم ممن لم يؤمنوا بالإسلام هو من تبين له الهدى لكنه عاند وكفر كبرا أو خوفا على مصلحة شخصية زائلة أواتباعا لشهوة دنيوية أو تطلعا إلى كسب مال أو إحراز منصب أو ما إلى ذلك. أما من لم يتبين له الهدى لأنه لم يسمع بالإسلام، أو سمع به لكن على نحو مشوه من شأنه أن ينفر الناس منه، أو اجتهد وفكر لكن حالت ظروفه دون تبين الهدى، فإنه لا يشمله هذا الوعيد. ويدخل فى ذلك على سبيل المثال الأمم التى لم تصلها دعوة الإسلام أصلا، أو وصلت إليها على غير حقيقتها فنفرتها منه، أو وصلت إليها على حقيقتها إلا أنها لم تستطع أن تبصر نور الهداية لسبب أو لآخر رغم إخلاص النية والتجرد فى البحث عن الحق.
وهذا الذى قاله شلتوت، رضى الله عنه، ليس رأيا ينفرد وحده به، فعلى سبيل المثال يقول الإمام الغزالى فى كتابه: "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" إن "من كذَّبه (صلى الله عليه وسلم من الأمم الأخرى) بعدما قرع سمعه بالتواتر عن خروجه وصفته ومعجزاته الخارقة للعادة، كشق القمر وتسبيح الحصا ونبع الماء من بين أصابعه والقرآن المعجز الذي تحدى به أهل الفصاحة وعجزوا عنه ... فإن اشتغل بالنظر والطلب ولم يقصر، فأدركه الموت قبل تمام التحقيق، فهو مغفور له ثم له الرحمة الواسعة. فاسْتَوْسِعْ رحمة الله الواسعة، ولا تَزِنِ الأمور الإلهية بالموازين المختصرة الرسمية. واعلم أن الآخرة قريب من الدنيا: فـ"ما خَلْقُكم ولا بَعْثُكم إلا كنفسٍ واحدة". فكما أن أكثر أهل الدنيا في نعمة وسلامة، أو في حالة يُغْبَطها، إذ لو خير بينها وبين الإماتة والإعدام مثلا لاختارها، وإنما المعذب الذي يتمنى الموت نادر، فكذلك المخلدون في النار بالإضافة إلى الناجين والمخرجين منها في الآخرة نادر. فإن صفة الرحمة لا تتغير باختلاف أحوالنا، وإنما الدنيا والآخرة عبارتان عن اختلاف أحوالك. ولولا هذا لما كان لقوله عليه الصلاة والسلام معنى حيث قال: أوّلُ ما خطّ اللهُ في الكتاب الأوّلِ: أنا الله، لا إله إلا أنا. سبقت رحمتي غضبي. فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فله الجنة".
ويقول الإمام الرازى صاحب "مفاتيح الغيب" فى المسألة الخامسة من مسائله فى تفسير آية سورة "النساء" المذكورة آنفا، ولكن على نحو موجز، إن "الآية دالة على أنه لا يمكن تصحيح الدين إلا بالدليل والنظر والاستدلال، وذلك لأنه تعالى شَرَط حصول الوعيد بتبين الهدى. ولو لم يكن تبين الهدى معتبرا في صحة الدين لم يكن لهذا الشرط معنى". وفى تفسير ابن كثير: "قوله: "وَمَن يُشَاقِقِ ?لرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ?لْهُدَى?": أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق، والشرع في شق، وذلك عن عَمْدٍ منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له ... ". حتى سيد قطب، الذى قيل فيه ما قيل، يكتب بملء قلمه أنه "قد اقتضت رحمة الله بالناس ألا يحق عليهم القول ولا يَصْلَوْا جهنم وساءت مصيرا إلا بعد أن يرسل إليهم رسولا، وبعد أن يبين لهم، وبعد أن يتبينوا الهدى ثم يختاروا الضلالة. وهي رحمة الله الواسعة الحانية على هذا المخلوق الضعيف. فإذا تبين له الهدى، أي إذا علم أن هذا المنهج من عند الله، ثم شاقّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم فيه، ولم يتبعه ويطعه، ولم يرض بمنهج الله الذي تبيَّن له، فعندئذ يكتب الله عليه الضلال، ويوليه الوجهة التي تولاها، ويلحقه بالكفار والمشركين الذين توجه إليهم. ويحق عليه العذاب المذكور في الآية بنصه: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم. وساءت مصيرا" ... ".
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى تفسير "المنار" لمحمد رشيد رضا تفصيل للمسألة شديد الاتساع والإمتاع، إذ نقرأ فيه: "قَالَ الاسْتَاذُ الامَامُ: لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي الآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَعْدَهُ بِالْجَزَاءِ الْحَسَنِ لِلَّذِينِ يَتَنَاجَوْنَ بِالْخَيْرِ وَيَبْتَغُونَ بِنَفْعِ النَّاسِ مَرْضَاةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ فِي هَذِهِ الايَةِ وَعِيدَهُ لاولَئِكَ الَّذِينَ يَتَنَاجَوْنَ بِالشَّرِّ، وَيُبَيِّتُونَ مَا يَكِيدُونَ بِهِ لِلنَّاسِ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ مُشَاقُّونَ لِلرَّسُولِ إِذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ بَعْدَ أَنْ ظَهَرَتْ لَهُمُ الْهِدَايَةُ عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ بِحَقِيقَةِ مَا جَاءَ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَتَبَيَّنْ لَهُمُ الْهِدَايَةُ فَلا يَسْتَحِقُّونَ هَذَا الْوَعِيدَ. وَهُمْ مُتَفَاوِتُونَ: فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمْ فِي الدَّلِيلِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْحَقُّ وَبَقِيَ مُتَوَجِّهًا إِلَى طَلَبِهِ بِتَكْرَارِ النَّظَرِ وَالاسْتِدْلالِ مَعَ الاخْلاصِ فَهُوَ مَعْذُورٌ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ كَالَّذِي لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الاشَاعِرَةِ، وَالْمُشَاقَّةُ بَعْدَ تَبَيُّنِ الْهُدَى إِنَّمَا تَكُونُ عِنَادًا وَعَصَبِيَّةً أَوِ اتِّبَاعًا لِشَهْوَةٍ تَفُوتُ بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ اهـ.
أَقُولُ: الْمُشَاقَّةُ الْمُعَادَاةُ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ شَقَّ الْعَصَا، أَوْ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الشَّقِّ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَادِينَ يَكُونُ فِي شِقٍّ غَيْرَ الَّذِي فِيهِ الآخَرُ كَمَا قَالُوا، وَالْكَلامُ جَاءَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى طُعْمَةَ، كَمَا ذُكِرَ فِي قِصَّتِهِ وَعَلَى قَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ مِنْهُمْ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى قَلِيلٍ مِنَ النَّاسِ لانَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فُطِرُوا عَلَى تَرْجِيحِ الْهُدَى عَلَى الضَّلالِ وَالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ وَالْخَيْرِ عَلَى الشَّرِّ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَعَرَفُوهُ، وَنَاهِيكَ بِمَنْ دَخَلَ فِيهِ وَعَمِلَ بِهِ وَرَأَى الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَقَوْمُهُ كَطُعْمَةَ. وَلا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا التَّرْجِيحِ الْفِطْرِيِّ وَالْعَمَلِ بِهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَبَيَّنَ بِالْبُرْهَانِ الْيَقِينِيِّ الْمَنْطِقِيِّ الَّذِي لا يَقْبَلُ النَّقْضَ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَرْءِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْهُدَى أَوْ أَنَّهُ أَهْدَى مِنْ مُقَابِلِهِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مُقَابِلٌ. وَسَبَبُ هَذَا وَمَنْشَؤُهُ أَنَّ الإنْسَانَ فُطِرَ عَلَى حُبِّ نَفْسِهِ وَحُبِّ الْخَيْرِ وَالسَّعَادَةِ لَهَا وَالسَّعْيِ إِلَى ذَلِكَ وَاتِّقَاءِ مَا يُنَافِيهِ وَيَحُولُ دُونَهُ. لِذَلِكَ كَانَتْ شَرِيعَةُ الاسْلامِ الَّتِي هِيَ دِينُ الْفِطْرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَاعِدَةِ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ الْمَصَالِحِ، فَكُلُّ مَا حُرِّمَ فِيهَا عَلَى النَّاسِ فَهُوَ ضَارٌّ بِهِمْ، وَكُلُّ مَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَوِ اسْتُحِبَّ لَهُمْ فِيهَا فَهُوَ نَافِعٌ لَهُمْ. وَلِهَذَا كَانَ غَيْرَ مَعْقُولٍ أَنْ يَتْرُكَهَا أَحَدٌ بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَهَا وَتَتَبَيَّنَ لَهُ، وَكَانَ إِنْ وَقَعَ لا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ. وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (2: 130)، أَيْ لا أَحَدَ يَرْغَبُ عَنْهَا إِلا مَنِ احْتَقَرَ نَفْسَهُ وَأَزْرَاهَا بِالسَّفَهِ وَالْجَهَالَةِ. وَنَحْنُ نُبَيِّنُ أَصْنَافَ النَّاسِ فِي اتِّبَاعِ الْهُدَى وَتَرْكِهِ وَسَبَبِ ذَلِكَ فَنَقُولُ:
(يُتْبَعُ)
(/)
الصِّنْفُ الاوَّلُ: مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى بِالْبُرْهَانِ الصَّحِيحِ، وَوَصَلَ فِيهِ إِلَى حَقِّ الْيَقِينِ. وَهَذَا لا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ اعْتِقَادًا، وَيَنْدُرُ جَدًا أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ عَمَلاً. وَلِلاسْتَاذِ الامَامِ كَلِمَةٌ فِيهِ كَالْيَقِينِ فِي الْحَقِّ كِلاهُمَا قَلِيلٌ فِي النَّاسِ، وَهُوَ يَعْنِي الرُّجُوعَ بِالْعَمَلِ، إِذِ الانْسَانُ يَمْلِكُ مِنْ عَمَلِهِ مَا لا يَمْلِكُ مِنَ اعْتِقَادِهِ. فَمَنْ كَانَ مُوقِنًا بِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لا يَكُونُ إِلَهًا وَلا شَرِيكًا لِلَّهِ يُؤَثِّرُ فِي إِرَادَتِهِ وَيَحْمِلُهُ عَلَى فِعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَهُ لَوْلاهُ لا يَسْتَطِيعُ بَعْدَ الْيَقِينِ الْحَقِيقِيِّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمَسِيحَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ عُبِدَ وَمِمَّا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ آلِهَةٌ أَوْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَطِيعُ وَيَدْخُلُ فِي إِمْكَانِهِ أَنْ يَدْعُوَهَا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ، وَأَنْ يَعْبُدَهَا بِغَيْرِ الدُّعَاءِ أَيْضًا كَالتَّمَسُّحِ بِهَا وَالتَّعْظِيمِ الَّذِي يَعُدُّهُ أَهْلُهَا مِنْ شَعَائِرِ الْعِبَادَاتِ، لا مِنْ عُمُومِ الْعِبَادَاتِ. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَاتِهَا لا يَفْعَلُهُ. أَيْ لا يَرْجِعُ عَنِ الْحَقِّ بِالْعَمَلِ إِلا أَنْ يَكُونَ لِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ السَّبَبِ، وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدُ.
الصِّنْفُ الثَّانِي: مَنْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى بِالدَّلائِلِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَرْجُحُ بِهَا بَعْضُ الاشْيَاءِ عَلَى بَعْضٍ بِحَسَبِ أَفْهَامِهِمْ وَعُقُولِهِمْ لا بِالْبُرْهَانِ الْمَنْطِقِيِّ الْمُؤَلَّفِ مِنَ الْيَقِينِيَّاتِ الْبَدِيهِيَّةِ أَوِ الْمُنْتَهِيَةِ إِلَيْهَا. وَهَؤُلاءِ لا يَرْجِعُونَ عَنِ الْهُدَى إِلَى الضَّلالِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْهُدَى بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ، إِذْ يَكْفِي أَنَّهُمْ مُعْتَقِدُونَ بِهِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، فَلا يُشَاقّون مَنْ جَاءَهُمْ بِذَلِكَ وَلا يَتَّبِعُونَ غَيْرَ سَبِيلِ أَهْلِهِ إِلا لِسَبَبٍ يَقِلُّ وُقُوعُهُ كَمَا سَيَأْتِي.
الصِّنْفُ الثَّالِثُ: مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى تَقْلِيدًا لِمَنْ يَثِقُ بِهِ مِنَ النَّاسِ كَآبَائِهِ وَخَاصَّةً أَهْلَهُ وَرُؤَسَاءَ قَوْمِهِ. وَهَذَا لا يَدْخُلُ فِيمَنْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ وَالْهُدَى لانَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ. وَلِذَلِكَ يَتْرُكُونَ الْهُدَى إِلَى كُلِّ مَا يُقِرُّهُمْ عَلَيْهِ رُؤَسَاؤُهُمْ مِنَ الْبِدَعِ وَالضَّلالاتِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ وَالادْيَانِ.
الصِّنْفُ الرَّابِعُ: مَنْ لَمْ يَتَّبِعِ الْهُدَى لانَّهُ نَشَأَ عَلَى تَقْلِيدِ أَهْلِ الضَّلالِ، فَلَمَّا دُعِيَ إِلَى الْهُدَى لَمْ يَنْظُرْ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ الَّذِي دُعِيَ إِلَى دِينِهِ وَلا تَأَمَّلَ فِي دَلِيلِهِ لانَّهُ صَدَّقَ الرُّؤَسَاءَ الَّذِينَ قَلَّدَهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلاً لِلاسْتِدْلالِ، وَأَنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْثَالِهِ النَّظَرَ فِي الادِلَّةِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَلِّدُوا أَهْلَ الاجْتِهَادِ وَمَنْ يَنْقُلُ إِلَيْهِمْ مَذَاهِبَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ. فَمَنْ قَلَّدَ عَالِمًا لَقِيَ اللهَ سَالِمًا، وَمَنْ نَظَرَ وَاسْتَدَلَّ زَلَّ وَضَلَّ. وَهَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي زَمَنِ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الادْيَانِ الْمُدَوَّنَةِ كَالْمَجُوسِ. وَأَمْثَالُ هَؤُلاءِ إِذَا تَرَكَ رُؤَسَاؤُهُمْ دِينَهُمْ أَوْ مَذْهَبَهُمْ يَتْبَعُونَهُمْ فِي الْغَالِبِ، وَلا سِيَّمَا إِذَا دَخَلُوا فِي مَذْهَبٍ أَوْ دِينٍ جَدِيدٍ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِهِ عَدَاوَاتٌ دِينِيَّةٌ وَلا سِيَاسِيَّةٌ تُنَفِّرُهُمْ تَنْفِيرًا طَبِيعِيًّا. وَلِذَلِكَ دَعَا النَّبِيُّ
(يُتْبَعُ)
(/)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلُوكَهُمْ وَرُؤَسَاءَهُمْ إِلَى الاسْلامِ وَكَتَبَ لِكُلِّ رَئِيسٍ أَنَّ عَلَيْهِ إِثْمَ قَوْمِهِ أَوْ مَرْءُوسِيهِ إِذَا هُوَ تُوَلَّى عَنِ الايمَانِ، وَلَمْ يُجِبْ دَعْوَةَ الاسْلامِ.
الصِّنْفُ الْخَامِسُ: كَالَّذِي قَبْلَهُ فِي التَّقْلِيدِ لاهْلِ الضَّلالِ تَعْظِيمًا لِجُمْهُورِ قَوْمِهِ وَمَنْ نَشَأَ عَلَى احْتِرَامِهِمْ مِنْ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَاسْتِبْعَادًا لِكَوْنِهِمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى اتِّبَاعِ الضَّلالِ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الدَّاعِي قَدْ عَرَفَ الْهُدَى مِنْ دُونِهِمْ أَوْ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِمْ. وَهَذَا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَامَّةُ الْعَرَبِ عِنْدَ ظُهُورِ الاسْلامِ. وَالايَاتُ الْمُبَيِّنَةُ لِحَالِهِمْ هَذِهِ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ سَرْدِهَا. وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُقَلَّدَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالادْيَانِ الْمُدَوَّنَةِ ذَاتِ الْكُتُبِ وَالْهَيَاكِلِ وَالرُّؤَسَاءِ الرُّوحِيِّينَ أَنَّ تَقْلِيدَ هَؤُلاءِ الْعَرَبِ أَضْعَفُ وَجَذَبَهُمْ إِلَى النَّظَرِ وَالاسْتِدْلالِ أَسْهَلُ، وَكَذَلِكَ كَانَ. وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ ظُهُورِ الاسْلامِ فِيهِمْ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ.
الصِّنْفُ السَّادِسُ: عُلَمَاءُ الادْيَانِ الْجَدَلِيُّونَ الْمَغْرُورُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ النَّاقِصِ بِهَا الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الْهُدَى فَلَمْ يَتَوَلَّوْا عَنْهُ اتِّبَاعًا لِرُؤَسَاءَ فَوْقَهُمْ، وَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهِ بِالاسْتِقْلالِ وَالاخْلاصِ، بَلْ أَعْرَضُوا احْتِقَارًا لَهُ لانَّهُ غَيْرُ مَا جَرَوْا عَلَيْهِ وَوَثِقُوا بِهِ، وَجَعَلُوهُ مَنَاطَ عَظَمَتِهِمْ، وَحَسِبُوهُ مُنْتَهَى سَعَادَتِهِمْ. وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَلِّدُونَ كَعَامَّتِهِمْ، وَلَكِنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الصَّوَارِفِ عَنْ قَبُولِ الْهُدَى مَا لَيْسَ عِنْدَ الْعَامَّةِ مِنْ مَعْرِفَةِ عَظَمَةِ أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَيْهِمْ وَمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالصَّلاحِ وَالْفَضَائِلِ وَالْكَرَامَاتِ، وَمِنَ الادِلَّةِ الْجَدَلِيَّةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ.
الصِّنْفُ السَّابِعُ: الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْهُدَى عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا الصَّحِيحِ الْمُحَرِّكِ لِلنَّظَرِ، فَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهَا وَلَمْ يُبَالُوا بِهَا لانَّهُمْ رَأَوْهَا بَدِيهِيَّةَ الْبُطْلانِ. وَمِنْ هَؤُلاءِ أَكْثَرُ كُفَّارِ هَذَا الزَّمَانِ الَّذِينَ لا يَبْلُغُهُمْ عَنِ الاسْلامِ إِلا أَنَّهُ دِينٌ مِنْ جُمْلَةِ الأدْيَانِ الْكَثِيرَةِ الْمُخْتَرَعَةِ فِيهِ وَفِي هَذِهِ مِنَ الْعُيُوبِ وَالأبَاطِيلِ وَمَا هُوَ كَذَا وَكَذَا، كَمَا اخْتَرَعَ وَافْتَرَى رُؤَسَاءُ النَّصْرَانِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الاسْلامِ، وَلا سِيَّمَا مَا كَتَبُوهُ قَبْلَ تَأْلِيبِ الشُّعُوبِ الأورُبِّيَّةِ عَلَى الْحَرْبِ الشَّهِيرَةِ بِالصَّلِيبِيَّةِ. فَهَؤُلاءِ لا يَبْحَثُونَ عَنْ حَقِيقَةِ الإسْلامِ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لا يَبْحَثُونَ عَنْ دِينِ الْمُورْمُونِ مَثَلا.
الصِّنْفُ الثَّامِنُ: مَنْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْهُدَى عَلَى وَجْهِهَا أَوْ غَيْرِ وَجْهِهَا فَنَظَرُوا فِيهَا بِالاخْلاصِ وَلَمْ تَظْهَرْ لَهُمْ حَقِيقَتُهَا وَلا تَبَيَّنَتْ لَهُمْ هِدَايَتُهَا، فَتَرَكُوهَا وَتَرَكُوا إِعَادَةَ النَّظَرِ فِيهَا.
الصِّنْفُ التَّاسِعُ: هُمْ أَهْلُ الاسْتِقْلالِ الَّذِينَ نَظَرُوا فِي الدَّعْوَةِ كَمَنْ سَبَقَهُمْ، وَلا يَتْرُكُونَ النَّظَرَ وَالاسْتِدْلالَ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُمُ الْحَقُّ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، بَلْ يَعُودُونَ إِلَيْهِ وَيَدْأَبُونَ طُولَ عُمْرِهِمْ عَلَيْهِ. وَهُمُ الَّذِينَ نَقَلَ الاسْتَاذُ الامَامُ عَنْ مُحَقِّقِي الاشَاعِرَةِ الْقَوْلَ بِنَجَاتِهِمْ لِعُذْرِهِمْ.
(يُتْبَعُ)
(/)
الصِّنْفُ الْعَاشِرُ: مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالْهُدَى الْبَتَّةَ. وَهُمُ الَّذِينَ يُعَبِّرُ عَنْهُمْ بَعْضُهُمْ بِأَهْلِ الْفَتْرَةِ. وَمَذْهَبُ الاشَاعِرَةِ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ وَنَاجُونَ.
هَذِهِ هِيَ أَصْنَافُ النَّاسِ فِي الْهُدَى وَالضَّلالِ، بِحَسَبِ مَا خَطَرَ لِلْفِكْرِ الْقَاصِرِ الآنَ. وَلا يَصْدُقُ عَلَى صِنْفٍ مِنْهَا أَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى إِلا الأوَّلَ وَالثَّانِي. فَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ أَفْرَادِهِمَا فِي حَيَاتِهِ، أَوْ يُعَادِ سُنَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْهُدَى، وَإِنَّمَا سَبِيلُهُمْ كِتَابُ اللهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ: "نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا"،. وَهُوَ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةٍ أُخْرَى: "أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ" (45: 23). وَهُمْ أَجْدَرُ النَّاسِ بِدُخُولِ جَهَنَّمَ، وَصَلْيُهَا الاحْتِرَاقُ بِهَا وَسَائِرُ أَنْوَاعِ عَذَابِهَا، لانَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، وَعَانَدُوا الْحَقَّ وَاتَّبَعُوا الْهَوَى.
وَأَمَّا سَائِرُ الاصْنَافِ فَيُوَلِّي اللهُ كُلا مِنْهُمْ مَا تَوَلَّى أَيْضًا كَمَا هِيَ سُنَّتَهُ فِي الانْسَانِ الَّذِي خَلَقَهُ مُرِيدًا مُخْتَارًا حَاكِمًا عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الطَّبِيعَةِ الْمُحِيطَةِ بِهِ، بِحَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهِمَا التَّصَرُّفَ الَّذِي يَرَاهُ خَيْرًا لَهُ. وَلِذَلِكَ غَيَّرَ فِي أَطْوَارٍ كَثِيرَةٍ أَحْوَالَ مَعِيشَتِهِ وَأَسَالِيبَ تَرْبِيَتِهِ، وَسَخَّرَ قُوَى الطَّبِيعَةِ الْعَاتِيَةِ لِمَنَافِعِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ جَمِيعًا مِنْهُ (45: 13). فَهُوَ مُرَبِّي نَفْسِهِ وَمُرَبِّي الطَّبِيعَةِ الَّتِي أَلَّهَهَا بَعْضُ أَصْنَافِهِ جَهْلا مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ لا مُتَصَرِّفَ فَوْقَهُ فِي هَذِهِ الارْضِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الارْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. أَقُولُ هَذَا نَسْفًا لأسَاسِ جَبْرِيَّةِ الْفَلْسَفَةِ الاورُبِّيَّةِ الْحَاضِرَةِ بَعْدَ نَسْفِ أَسَاسِ جَبْرِيَّةِ الْفَلْسَفَةِ الْغَابِرَةِ، هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ مَا يُسَمُّونَهُ: "الافْعَالَ الْمُنْعَكِسَةَ" تَعْمَلُ فِي الانْسَانِ عَمَلَهَا وَأَنَّهُ لا عَمَلَ لَهُ بِهَا. وَالصَّوَابُ أنََّهُ حَاكِمٌ عَلَيْهَا كَحُكْمِهَا عَلَيْهِ: فَإِنْ تَرَكَ لَهَا الْحُكْمَ اسْتَبَدَّتْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَفِيهَا فَعَلَ.
قُلْتُ: إِنَّ مِنْ سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي الانْسَانِ أَنْ يُوَلِّيَ كُلاًّ مِنَ الاصْنَافِ مَا تَوَلَّى، وَلَكِنَّهُ لا يُصْلِي كُلا مِنْهُمْ جَهَنَّمَ الَّتِي سَاءَ مَصِيرُهَا لانَّ إِصْلاءَ جَهَنَّمَ هُوَ تَابِعٌ لِمَا يَتَوَلاهُ الانْسَانُ مِنَ الضَّلالَةِ فِي اعْتِقَادِهِ. وَنَاهِيكَ بِهِ إِذْ تَوَلاهَا بَعْدَ أَنْ ظَهَرَتِ الْهِدَايَةُ لَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِمَا تَكُونُ عَلَيْهِ النَّفْسُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الطَّهَارَةِ وَالزَّكَاءِ وَالْكَمَالِ بِحَسَبِ تَزْكِيَةِ صَاحِبِهَا لَهَا، أَوْ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَدْسِيَتِهِ لَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: "نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى".
(يُتْبَعُ)
(/)
وَإِنَّنِي لا أَتَذَكَّرُ أَنَّنِي اطَّلَعْتُ عَلَى تَفْسِيرٍ وَاضِحٍ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَكِيمَةِ الْعَالِيَةِ نَوَلِّهِ مَا تَوَلَّى، وَإِنَّمَا يُفَسِّرُونَ اللَّفْظَ بِمَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ، كَأَنْ يَقُولُوا: نُوَجِّهْهُ إِلَى حَيْثُ تَوَجَّهَ، أَوْ نَجْعَلْهُ وَالِيًا لِمَا اخْتَارَ أَنْ يَتَوَلاهُ، أَوْ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ اسْتِدْلالَ كُلِّ فُرْقَةٍ بِالآيَةِ عَلَى مَذْهَبِهَا أَوْ تَحْوِيلِهَا إِلَيْهِ. أَعْنِي مَذْهَبَهُمْ فِي الْكَسْبِ وَالْقَدَرِ وَالْجَبْرِ، وَتَعَلُّقِ الارَادَةِ الالَهِيَّةِ أَوْ عَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِالشَّرِّ،. وَالَّذِي أُرِيدُ بَيَانَهُ وَتَوْجِيهَ الاذْهَانِ إِلَى فَهْمِهِ هُوَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُبَيِّنَةٌ لِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي عَمَلِ الانْسَانِ، وَمِقْدَارِ مَا أُعْطِيَهُ مِنَ الارَادَةِ وَالاسْتِقْلالِ، وَالْعَمَلِ بِالاخْتِيَارِ. فَالْوِجْهَةُ الَّتِي يَتَوَلاهَا فِي حَيَاتِهِ، وَالْغَايَةُ الَّتِي يَقْصِدُهَا مِنْ عَمَلِهِ، يُوَلِّيهِ اللهُ إِيَّاهَا وَيُوَجِّهُهُ إِلَيْهَا. أَيْ يَكُونُ بِحَسَبِ سُنَّتِهِ، تَعَالَى، وَالِيًا عَلَيْهَا، وَسَائِرًا عَلَى طَرِيقِهَا، فَلا يَجِدُ مِنَ الْقُدْرَةِ الالَهِيَّةِ مَا يَجْبِرُهُ عَلَى تَرْكِ مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ. وَلَوْ شَاءَ تَعَالَى لِهَدَى النَّاسَ أَجْمَعِينَ بِخَلْقِهِمْ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الطَّاعَةِ كَالْمَلائِكَةِ، وَلَكِنَّهُ شَاءَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ عَلَى مَا نَرَاهُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَفَاوُتِ الاسْتِعْدَادِ وَالادْرَاكِ، وَعَمَلِ كُلِّ فَرْدٍ بِحَسَبِ مَا يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْفَعُ فِي عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا إِلَى آخِرِ مَا لا مَحَلَّ لِشَرْحِهِ هُنَا مِنْ طَبَائِعِ الْبَشَرِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ تَوْلِيَةِ اللهِ لِمِثْلِ هَذَا مَا تَوَلَّى هُوَ مَا يَلْزَمُهَا مِنْ عَدَمِ الْعِنَايَةِ وَالالْطَافِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِنَايَةً خَاصَّةً بِبَعْضِ عِبَادِهِ وَرَاءَ مَا تَقْتَضِيهِ سُنَنَهُ فِي الاسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ، وَجَعَلَ الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ أَثَرًا طَبِيعِيًّا لِلاعْمَالِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ النِّظَامِ وَالْعَدْلِ الْعَامِّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُمْلَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَقِيقَةِ مَعْنَاهَا، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ هَذَا شَأْنَهُ فَهُوَ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ لأنَّ مِنْ سُنَّةِ اللهِ أَنْ يَكُونَ حَيْثُ وَضَعَ نَفْسَهُ وَاخْتَارَ لَهَا وَأَنَّ مَصِيرَهُ إِلَى النَّارِ وَبِئْسَ الْقَرَارِ. نَعَمْ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهَبُ لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَيَزِيدُهُمْ مَنْ فَضْلِهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْمَقَامُ مَقَامَ بَيَانِ سَبَبِ الْحِرْمَانِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الاخْتِصَاصِ، إِذْ لَيْسَ مَنْ يُشَاقِقُ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى مَظِنَّةً لَهُ فَيُصَرِّحُ بِنَفْيِهِ عَنْهُ. وَلَيْتَ شِعْرِي أَيَقُولُ الَّذِينَ فَسَّرُوا التَّوْلِيَةَ بِهَذَا النَّفْيِ وَالْحِرْمَانِ مِنَ الْعِنَايَةِ وَالالْطَافِ: إِنَّ هَذَا الصِّنْفَ وَحْدَهُ هُوَ الْمَحْرُومُ مِنْ ذَلِكَ، أَمِ الْحِرْمَانُ شَامِلٌ لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْنَافِ الضَّالِّينَ؟ وَهَلْ يَسْتَلْزِمُ حِرْمَانُهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَأْسَ مِنْ هِدَايَتِهِ ثَانِيَةً أَمْ لا؟ لا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا فِي هَذَا الْبَابِ مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَيَسْلَمُ مِنَ الايرَادَاتِ الَّتِي لا تُدْفَعُ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ عَوْدَةِ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ الضَّالِّينَ إِلَى الْهُدَى لانَّ عِلْمَهُ بِحَقِيقَةِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبُطْلانِ مَا صَارَ إِلَيْهِ لا يَبْرَحُ يَلُومُهُ وَيُوَبِّخُهُ عَلَى مَا فَعَلَهُ، وَلا يَبْعُدُ أَنْ يَجِيءَ يَوْمٌ يَكُونُ فِيهِ الْفَلْجُ لَهُ.
(يُتْبَعُ)
(/)
أَمَّا السَّبَبُ الَّذِي يَحْمِلُ مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى عَلَى تَرْكِهِ فَهُوَ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَالاً مِنَ الاحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ الْقَوِيَّةِ كَالْحَسَدِ وَالْبَغْيِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالْكِبْرِ وَالشَّهْوَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى الْعَقْلِ وَالْعَصَبِيَّةِ لِلْجِنْسِ. وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ فِيهِ اتِّبَاعُ هَوَى النَّفْسِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ بَعْضَ أَحْبَارِ الْيَهُودِ قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ صِدْقَ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَلَّوْا عَنْهَا حَسَدًا لَهُ وَلِلْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِيثَارًا لِرِيَاسَتِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا مَرْؤُوسِينَ فِي غَيْرِهِمْ. وَارْتِدَادُ جَبَلَةُ بْنُ الايْهَمِ عَنِ الاسْلامِ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ يُسَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَطَمَهُ مِنَ السُّوقَةِ. وَارْتَدَّ أُنَاسٌ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ دِينِهِمْ لافْتِتَانِهِمْ بِبَعْضِ النِّسَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَيْ عِلَّةُ تَأْثِيرِ هَذِهِ الاسْبَابِ فِي نُفُوسِ بَعْضِ النَّاسِ، هِيَ ضَعْفُ النَّفْسِ وَمَرَضُ الارَادَةِ بِجَرَيَانِ صَاحِبِهَا مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ عَلَى هَوَاهُ، وَعَدَمِ تَرْبِيَتِهَا عَلَى تَحَمُّلِ مَا لا تُحِبُّ فِي الْعَاجِلِ لاجْلِ الْخَيْرِ الآجِلِ. وَهَذَا هُوَ مُرَادُنَا مِنْ إِرْجَاعِ جَمِيعِ الاسْبَابِ إِلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَهُوَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الانْسَانَ مَفْطُورٌ عَلَيْهِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْفَعُ. وَصَاحِبُ الْهَوَى الْمُتَّبَعُ لا يَتَمَثَّلُ لَهُ النَّفْعُ الاجِلُ كَمَا يَسْتَحْوِذُ عَلَيْهِ النَّفْعُ الْعَاجِلُ لِضَعْفِ نَفْسِهِ وَمَهَانَتِهَا وَعَجْزِهَا عَنِ الْوُقُوفِ فِي مَهَبِّ الْهَوَى مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمِيلَ مَعَهُ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ مَدَّ سِمَاطًا عَامًّا لِلنَّاسِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، فَرَأَى فِيهِمْ أَعْرَابِيًّا يَأْكُلُ بِشَرَهٍ شَدِيدٍ. فَلَمَّا جَاءَتِ الْحَلْوَى تَرَكَ الطَّعَامَ وَوَثَبَ يُرِيدُهَا، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ سَيَّافَهُ أَنْ يُنَادِيَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَلْوَى قُطِعَتْ عُنُقُهُ بِأَمْرِ الامِيرِ! وَالْحَجَّاجُ يَقُولُ وَيَفْعَلُ. فَصَارَ الاعْرَابِيُّ يَنْظُرُ إِلَى السَّيَّافِ نَظْرَةً، وَإِلَى الْحَلْوَى نَظْرَةً، كَأَنَّهُ يُرَجِّحُ بَيْنَ حَلاوَتِهَا وَمَرَارَةِ الْمَوْتِ. وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ ظَهَرَ لَهُ وَجْهُ التَّرْجِيحِ، فَالْتَفَتَ إِلَى الْحَجَّاجِ وَقَالَ لَهُ: "أُوصِيكَ بِأَوْلادِي خَيْرًا"، وَهَجَمَ عَلَى الْحَلْوَى وَأَنْشَأَ يَأْكُلُ، وَالْحَجَّاجُ يَضْحَكُ، وَهُوَ إِنَّمَا أَرَادَ اخْتِبَارَهُ".
أما الذى أثار كل ذلك الآن فهو محاضرة صادفتها على المشباك كان برتراند رَسِلْ قد ألقاها بتاريخ السابع من مارس للعام 1927م فى الجمعية المسماة: " National Secular Society" بلندن، وشن فيها على المسيحية والكنيسة ورجال الدين المسيحيين حملة كاسحة بسط من خلالها القول فى الأسباب التى حملته على الكفر بذلك الدين بعدما كان واحدا ممن يؤمنون به. وكان اصطدامى بتلك المحاضرة على غير ترتيب منى حين كنت أنكش فى المشباك بحثا عن شىء لا أذكر الآن ما هو. وقد وجدتها أولا فى ترجمة عربية منشورة فى أحد المواقع المشباكية لشخص رمز لنفسه باسم "زمكان" (نحتًا، فيما يبدو، من كلمتى "الزمان" و"المكان")، ثم بحثتُ عن الأصل الإنجليزى وراجعته على الترجمة المذكورة فألفيتها فى كثير من الأحيان ترجمة تقريبية، وفى بعض الأحيان الأخرى تخطئ أخطاء غير هينة. ولهذا نحيتها جانبا وشرعت أترجم النصوص التى أريد الاستشهاد بها بنفسى.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأول ما لفت نظرى فى كلام رَسِلْ تعريفُه للمسيحى فى بداية المحاضرة، إذ قال: "وكما يشير لفظ "مسيحى" ضمنا فإنه يتعين عليك أن تؤمن بأشياء معينة بالنسبة إلى المسيح. فالمسلمون مثلا يؤمنون بالله والأبدية، ولكن لا يمكن أن يُسَمَّوْا: مسيحيين. ذلك أنه يجب، ولو بشكل طفيف، أن تؤمن بأن المسيح، إن لم يكن إلها، فهو أكثر الرجال حكمة على مر التاريخ. فإذا لم تؤمن بألوهيته أو حكمته المطلقة على الأقل فإنك لست بمسيحى، ولا تملك الحق فى أن تسمى بهذا الاسم". ومن الواضح أن رَسِلْ يشير هنا إلى أن المسيحية ليست بالضرورة المسيحية التثليثية، التى تؤله المسيح عليه السلام وتؤمن بصلبه فداء للبشر من خطيئة آدم الأولى، إذ الواقع أن هذه ليست سوى فرقة واحدة من فرق المسيحية، وليست كل المسيحية، علاوة على أنها ليست أقدم تلك الفرق ولا هى بالفرقة الأصيلة، وإن كان لها الآن الانتشار الواسع دون المسيحية الموحدة التى لا ترى فى المسيح عليه السلام سوى رسول لا يتجاوز وضعه بالنسبة إلى الله عز وجل وضع العبودية.
ثم يمضى رَسِلْ فيشير سريعا إلى ما يعرفه تاريخ تلك الديانة التثليثية من استحداث عقائد لم تكن موجودة من قبل، ثم أُوجِدَتْ بفعل فاعل بشرى عن طريق المجامع والمجالس، وحَذْف عقائد كانت موجودة ثم أُبْعِدَتْ وطُمِسَتْ، وكأن الدين اختراع إنسانى يستطيع البشر أن يغيروا فيه ويبدلوا كلما عَنَّ لهم ذلك، وليس وحيا سماويا لا يحق لهم أن يتلاعبوا به على أى وضع من الأوضاع. قال: "كان المسيحي القديم يؤمن بالجحيم. إنه يؤمن بنار أبدية كانت تشكل إيمانا أساسيا وجوهريا لدى كل مسيحي حتى أوقات قريبة جدا. وفي هذا البلد (يقصد بريطانيا)، وكما تعلمون، أصبح الإيمان بالنار الأبدية شيئا غير أساسي في المعتقد المسيحي بعد القرار الصادر من مجلس الملكة. وبعد هذا القرار كان مطران كانتربري ومطران يورك قد أعلنا معارضتهما لهذا القرار الملكي. ولكن في بلدنا يتم تحريك الدين عبر القرارات البرلمانية، ولهذا فقد كان المجلس الملكي قادرا على أن يسيطر على المسيحية، وأن يتم إلغاء الإيمان بالنار كجزء أساسي من معتقدات المسيحيين".
وعلى الرغم من أن رَسِلْ إنما ألقى محاضرته أساسا للاعتراض على المسيحية وتوضيح الأسباب التى حملته على الكفر بها فإنه قد تعرض لقضية الوجود الإلهى، وكان قاطعا فى إنكار ذلك الوجود، الذى بدون الإيمان به لا يمكن أن يكون المرء مسلما، إذ لا تختص هذه القضية بالمسيحية وحدها، وإن كان مفهوم الإله عندنا يختلف عن مفهومه عند المسيحيين التثليثيين ذوى الأغلبية الآن. لكن رَسِلْ، حين تناول تلك القضية، لم يتناولها من الوجهة المسيحية كى نقول إن كلامه لا يلزمنا، بل أنكر الله إنكارا مطلقا دون التطرق إلى القول بأنه إنما ينكر ألوهية عيسى وحدها، فقد أكد أننا "إذا أردنا أن نقترب من السؤال المتعلق بوجود الله فسنجده سؤالا ضخما وخطيرا. وإذا كنت أنوى معالجة الأمر بشكلٍ صحيحٍ فيجب أن تسمحوا لي بمعالجته بإيجاز واقتضاب. إنكم تعلمون أن الكنيسة الكاثوليكية قد وضعت الله كمرتكز إيمانى تقوم على أساسه المسيحية، وهذا الإيمان لا يتم التطرق له بالوسائل المنطقية. إن هذه العقيدة تثير الفضول، ورغم هذا تظل عقيدةَ الكاثوليك الرئيسية. لقد اضطُرّوا إلى إنشائها لأنه فى وقت من الأوقات كان المفكرون المتحررون يدخلون فى جدالات شتى سببها البحت هو الله ومحاولة هؤلاء المتحررين نفى وجوده. وهم يعرفون في أعماقهم أن الله موجود فى الإيمان فحسب. ولقد طالت مدة هذه الحوارات وامتدت لوقتٍ ليس بالقصير، وشعرت الكنيسة الكاثوليكية أن الوقت قد حان لإيقاف هذا الجدل. ولهذا أقرّت الكنسية بأن إثبات وجود الله يتم عبر أسباب جدلية، وهي الأسباب التي ظنّوها قادرة على إثبات وجود الله. وهناك عدد كبير من هذه الفرضيات، ولكننى هنا سأستعرض القليل منها".
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم يمضى قائلا تحت عنوان "الجدال حول المسبب الأول"، وهو، كما يرى القارئ، كلام عام يهم المسلم مثلما يهم كل مؤمن بالله سبحانه: "لربما كانت قضية المسبب الأول هى أسهل وأكثر النظريات قابلية للفهم. وهي تعنى أن كل شىء نراه في هذا العالم له سببه، وعندما تذهب إلى أبعد حلقات هذه السببية ستجد المسبب الأول، وهو ما يسمى بـ"الله". إن هذه الفرضية فى اعتقادى لا تحمل مصداقية قوية هذه الأيام لأن السبب فى المقام الأول ليس واضحا كما يتصور بعض الناس. لقد خاض الفلاسفة ورجال العلم فى هذه السببية، وهذه الفرضية السببية ليست بالصلاحية المرجوة التي كانت تؤتي أكلها فى الماضى. ولكن، بمعزل عن كل هذا، سنجد أن فرضية السببية ليست على مستوى عالٍ من المصداقية. ويمكن القول بأننى فى شبابى كنت أجادل بخصوص هذه الأسئلة بكل ما أوتى عقلى من طاقة. ولقد قبلت لوقت طويل بفرضية المسبب الأول، حتى جاء اليوم الذي تخليت عن هذه الفرضية بعد قراءتى لسيرة حياة جون ستيوارت ميل، التى قال فيها: "لقد علمنى والدي أن السؤال عمّن خلقنى لا يمكن الإجابة عليه لأنه يستلزم على الفور سؤالا أبعد من هذا، وهو: من خلق الإله؟ ". لقد بينت لى هذه الجملة القصيرة حتى هذه اللحظة أن مبدأ المسبب الأول هو مبدأ مغالط ومسفسط. فإذا كان لكل شىء مسبب فيجب أن يكون لله مسبب أيضا. وإذا كان كل شىء بلا مسبب فسيكون العالم هو الله! لهذا وجدت أنه لا مصداقية فى هذه الفرضية. إنها تماما مثل الفرضية الهندوكية التى تقول إن العالم رقد على ظهر فيل، وإن الفيل رقد على ظهر سلحفاة. ثم حين يُقال: وماذا عن السلحفاة؟ يبادر الهندي بالإجابة: "دعنا نغير الموضوع! ". إن السببية ليست بأفضل حالا من الطريقة الجدلية السلحفائية. إننا لا ندرك السبب الذى من أجله جاء العالم بلا سبب. وعلى الجانب الآخر لا نستطيع أن نعرف لماذا كانت السببية غائبة وغير موجودة على الدوام. إنه لا يوجد أي داعٍ نفترض بناء عليه أن للعالم بداية. إن فكرة وجود بداية لكل شىء سببها فقر مخيلتنا عن هذا العالم. ولهذا لن أهدر مزيدا من الوقت فى المجادلة حول السبب الأول".
وقد خطر فى ذهنى، وأنا أقرأ ما كتبه رسل فى هذه الفقرة عن السلحفاة الهندية، الحديث النبوى الذى رواه الإمام أحمد فى"مسنده"، ونصه: "يأتي الشيطانُ الإنسانَ فيقول: من خلق السموات؟ فيقول: الله. ثم يقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله ... حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم". ثم أمعنتُ النظر فى الحديث وما يقوله الهنود فوجدت الأمر مختلفا تمام الاختلاف. وهذا هو الوضع الطبيعى، لأن حديث الهنود هو حديث الخرافة والأساطير، على حين أن ما يقوله الرسول هو حديث التوحيد النقى. فالواضح مما يقوله الهنود أننا إزاء خرافات لا صلة بينها وبين العقل والمنطق، إذ العالم عندهم راقد على ظهر فيل، والفيل راقد على ظهر سلحفاة، وهذا أمر لا يقوله الإسلام ولا يمكن أن يقبله لأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية واضحة صريحة فى هذا السبيل، فضلا عن مخالفته للواقع الذى نعرفه جميعا. كذلك ليس عندنا هذا التسلسل على أى نحو كان، إذ كل شىء هو من خلق الله كما يقول الحديث وكما يكرره القرآن فى مواضع كثيرة منه. وإضافةً إلى هذا فالهندى، حين يصل الأمر إلى السلحفاة، يطلب تغيير الموضوع، وهو ما لا وجود له فى الحديث. وكل ما هنالك أن الرسول يوصى المسلم بألا يتمادى فيما لا يليق بجلال مفهوم الألوهية، إذ هو سبحانه وتعالى خالق لا مخلوق، وهو الأول الذى لا يسبقه شىء، والآخِر الذى لا يأتى بعده شىء، والقادر قدرة مطلقة، والمريد الذى يقول لأى شىء: "كن" فيكون، لا راد لمشيئته، والقوىّ قوة لا تُحَدّ ... إلخ. وهذه طبيعة الألوهية، ومن ثم كان من غير المنطقى أن يقيس الإنسان الله على نفسه وغيره من المخلوقات فيستاءل عمن خلقه، إذ إن هذا يتنافى مع أبسط قواعد المنطق، فهو سبحانه لو كان مخلوقا ما كان إلها أصلا. ذلك أن الألوهية والاعتماد على خالق يخلق ضدان لا يجتمعان.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا ما قاله عدد من علماء الحديث أيضا، ففى "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" يكتب ابن حجر ما نصه: "قال الخطابي: على أن قوله: "من خلق ربك؟ " كلام متهافت ينقض آخره أوله لأن الخالق يستحيل أن يكون مخلوقا. ثم لو كان السؤال متجها لاستلزم التسلسل، وهو محال. وقد أثبت العقل أن المحدثات مفتقرة إلى محدث. فلو كان هو مفتقرا إلى محدث لكان من المحدثات ... قال الطيبي: إنما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر ولم يأمر بالتأمل والاحتجاج لأن العلم باستغناء الله جل وعلا عن الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة". وفى "فتح البارى" أيضا: "قال ابن بطال: فإن قال الموسوس: فما المانع أن يخلق الخالق نفسه؟ قيل له: هذا ينقض بعضه بعضا، لأنك أثبتَّ خالقا وأوجبتَ وجوده ثم قلت: "يخلق نفسه" فأوجبت عدمه. والجمع بين كونه موجودا معدوما فاسد لتناقضه، لأن الفاعل يتقدم وجودُه على وجودِ فِعْلِه فيستحيل كونُ نفسه فِعْلا له. وهذا واضح في حل هذه الشبهة".
الشىء الثانى هو قول رسل إنه إما أن يكون كل شىء له سبب أو أنه لا سبب لأى شىء على الإطلاق، وأنه على الفرض الأول لا بد أن يكون لله هو أيضا مسبِّب أوجده، وعلى الفرض الثانى لا بد أن يكون الكون من حولنا هو الله، الذى لا سبب له. ولكن من قال إنه لا بد أن يكون لكل شىء بإطلاقٍ سبب؟ إن هذا إنما يصدق على ما نراه أو نلمسه أو نشمه وما إلى ذلك مما يقع تحت إدراكنا، وإن الذين يتخذون هذه الحجة إنما يقصدون أنه لا بد من الانتهاء إلى السبب الذى ليس له مسبِّب، وهو الله، إذ مما لا يقبله العقل أن نظل نمضى فى تتبع الأسباب إلى ما لا نهاية. أما قوله إن مسألة السببية ليست بالبساطة التى كان يظنها الناس، فأغلب الظن أنه يقصد ما يقوله بعض الفلاسفة، وهو منهم، من أن تتابع اشتعال النار والإحراق، أو تتابع تناول الطعام والإحساس بالشبع مثلا لا يعنى أن النار هى سبب الإحراق ولا أن الطعام هو سبب الشبع. لكن القول بهذا لا يستلزم أنه لا علة لأى شىء، إذ يمكن الموافقة على ذلك والنظر إلى مثل تلك التعبيرات على أنها تعبيرات مجازية لا تعنى أن النار هى سبب الإحراق ولا أن الطعام هو سبب الشبع، بل تعنى أن الإحراق يتم لدى وجود النار، وأن الشبع يقع عند تناول الطعام، وأن الله، الذى هو السبب الحقيقى لكل ما يقع فى الكون، هو مَنْ قدّر تحقق الإحراق عند وجود النار، وقضى بحدوث الشبع عند أكل الطعام. وقد قلنا قبل قليل إن التسلسل إلى ما لا نهاية فى تتبع أصل وجود الأشياء أمر يرفضه العقل، وهنا لا يبقى أمامنا إلا حلان: فإما أن نقول إن العالم الذى يوجد من حولنا هو الله، وإما أن يكون الله هو الإله الذى نؤمن نحن به فى الإسلام (ولا علاقة لنا بالإله فى المعتقدات الأخرى التى لا نومن بها). فأى الحلين هو الذى يقبله العقل؟ هل يقبل العقل أن يكون الله هو ذلك الكون الغشيم الذى لا عقل له ولا إرادة ولا قدرة على شىء؟ ألا نرى نحن البشر أننا أرقى ما فى الكون من مخلوقات، مع إدراكنا فى ذات الوقت أننا ضعفاء بل عاجزون أمام الحياة وأننا مجبرون فى كثير من أمورنا لا نملك حيالها شيئا، وأننا ننتهى دائما إلى الموت؟ فنحن إذن لا يمكن أن نكون الله، علاوة على أن الله لا يمكن أن يتجزأ أو يكون محدودا فى وجوده وقوته وقدرته وإرادته وعلمه وسلطانه كما هو حالنا الذى يصعب على الكافر. أما الحل الثانى فهو أن يكون هناك إله ذو وجود وقوة وقدرة وحكمة وعلم وسلطان مطلق، إله لا يحتاج إلى غيره ولا ينتظر عونا من أحد ولا يصيبه كلال ولا تعب ولا حيرة ولا تتخلف مشيئته كما نرى ذلك متحققا فى الكون من حولنا. أعتقد أن المسألة ينبغى أن توضع على هذا النحو لا على النحو الذى صوره لنا رَسِلْ!
(يُتْبَعُ)
(/)
إن هذا النظام المحكم الذى تسير عليه أمور الكون يدل بكل قوة على وجود إله وراء كل شىء. لكن رَسِلْ يتكلم عن المصادفة بوصفها المسؤولة عن وصول الكون إلى ذلك النظام. إلا أنه قد قاته شىء هام، وهو أننا لو سلمنا بما يقوله عن المصادفة، فمن الذى رتب أمر المصادفة على هذا النحو يا ترى؟ بل قبل ذلك من الذى خلق الكون أصلا؟ ثم بعد هذا من الذى قدّر للمصادفة، متى ما وصلت بالكون إلى هذا الوضع المنظم المحكم، أن تستمر على هذا الوضع فلا تعود إلى اندفاعها المتخبط الأعمى ويعود الأمر كما كان: لا نظام فيه ولا ترتيب؟ يا لها من مصادفة غريبة تلك التى ما إن تصل إلى النظام والترتيب المحكمين الشاملين حتى تتغير طبيعتها فلا تبقى مصادفة كماكانت! وهذا كله لو قلنا بالمصادفة، أما لو شغّلنا عقولنا فإن تلك العقول ترفض مبدأ المصادفة الأعمى وتقبل بدلا منه بالحكمة المطلقة التى تسيّر الكون. بالله عليك أيها القارئ: أيهما أقوم منطقا وأهدى سبيلا؟ أن نقول بالمصادفة العاجزة العمياء الغشوم أم نؤمن بالقدرة والإرادة والحكمة الشاملة المطلقة؟
ويقول رَسِلْ تحت عنوان "الجدال حول القانون الطبيعي": "هناك أيضا جدل شائع يدور حول القانون الطبيعي. لقد كان هذا الجدل موضوعا مفضلا طيلة القرن الثامن عشر، وبخاصة تحت تأثير نظريات السير إسحاق نيوتن عن نشوء الكون. لقد لاحظ الناس أن الكواكب تدور حول الشمس وفقا لقانون الجاذبية، وكانوا يظنوّن أن الله أصدر أمرا لهذه الكواكب كي تتحرك على هذا النحو. لقد كان هذا بطبيعة الحال تفسيرا مريحا وبسيطا وفر عليهم عناء البحث أكثر من ذلك فى شرح قانون الجاذبية. ونحن الآن نشرح قانون الجاذبية بأسلوب أكثر تعقيدا طبقا لنظريات آينشتاين. ولن أعطيكم محاضرة عن آراء آينشتاين بهذا الخصوص لأن هذا يستلزم وقتا أطول، ولكنْ بصفة عامة لم تعد هناك تلك القوانين الطبيعية التى كانت موجودة طبقا لنظام نيوتن حيث كانت الطبيعة، لسبب لا نعرفه، تسير على نفس الوتيرة. لقد اكتشفنا الآن أن كل ما كنا نعده قوانين طبيعية ليس سوى مواضعات بشرية، فأنتم تعرفون مثلا أن الياردة، حتى فى أبعد نقطة فى الفضاء الخارجى، تساوى دائما ثلاثة أقدام. وعلى الرغم من أن هذه معلومة رائعة فمن الصعب جدا تسميتها: قانونا طبيعيا. وكثير مما كنا نعده قوانين طبيعية لا يعدو أن يكون من هذا القبيل. ومن ناحية أخرى إذا أتينا إلى أى شىء يتعلق بسلوك الذرة فسنجد أنها أكثر ابتعادا عن الخضوع للقانون الطبيعى مما كان الناس يظنون، وأن القوانين التي نصل إليها ليست أكثر من متوسطات إحصائية من نفس النوع الذى تأتينا به المصادفة. وهناك، كما نعرف جميعا، قانون ينص على أنكم لو رميتم نردين فستحصلون على ستتين معا بمعدل مرة واحدة في كل ست وثلاثين رمية. ونحن لا نستطيع أن نعد هذا دليلا على أن رمي النرد خاضع لإرادة الرامي. وعلى النقيض من ذلك إذا كانت الستتان تأتيان معا في كل مرة نرمي النردين فسنقول حينها إن هناك تعمدا بالفعل من قِبَل ذلك الرامي. إن قوانين الطبيعة هي على هذا النحو في معظمها. إنها معدلات إحصائية تنبثق عنها قوانين المصادفة، وهذا ما يجعل مسألة القانون الطبيعي أقل إدهاشا لنا من ذى قبل. وفضلا عن هذا، وهو ما يمثل وضع العلم المؤقت، ذلك الوضع الذى يمكن أن يتغير من الغد، فإن فكرة القانون الطبيعي تنطوي على أن ثمة واضعا لهذا القانون، مما يكشف عن خلط بين القانون الطبيعي والقانون البشري. بيد أن القوانين البشرية إنما هى أوامر توجب عليكم التصرف بطريقة معينة بمستطاعكم اتباعها أو نبذها. لكن القوانين الطبيعية ليست على هذه الشاكلة، إذ هي تصف لكم كيفية تصرف الأشياء. ولأنها مجرد وصف من ذلك النوع فإنكم لا تَقْوَوْن على الجدال بأن هناك من يأمر هذه الأشياء بالتصرف على هذا النحو، لأنه حتى لو صح هذا الفرض فإنكم لا تلبثون أن ترتطموا بسؤال آخر هو: لماذا قضى الله هذه القوانين، ولم يقض غيرها؟ وإذا قلتم ببساطة إنه قد فعل ذلك لما يسببه له من لذة وليس لأى سبب آخر، فإنكم سوف تجدون أن هناك شيئا لا يخضع للقانون الطبيعي، ومن ثم تتوقف سلسلة ذلك القانون. أما لو قلتم، كما يقول عدد أكبر من رجال الدين الأرثوذكس، إن الله في كل القوانين التي اقتضاها دون غيرها كان لديه سبب معين دون غيره من
(يُتْبَعُ)
(/)
الأسباب، فإن السبب بطبيعة الحال لن يكون شيئا آخر غير خَلْقِ أفضل الأكوان، وهو ما لا صحة له البتة. ولكن إذا كان ثم سبب لما يقدّره الله من قوانين فمعنى ذلك أن الله ذاته يخضع للقانون، وبالتالى لن تكون هناك أية جدوى من اتخاذ الله وسيطا لأنه سيكون هناك حينئذ قانون خارج عن الله وسابق عليه، ولن يكون لله فى هذه الحالة أية فائدة لأنه لن يكون المصدر النهائى للقوانين. باختصار: لم تعد القوانين الطبيعية الآن تعنى ما كانت تعنيه من قبل".
والواقع أنه لو لم يكن هناك قوانين وكانت الأمور تجرى على المصادفة كما يقول رَسِلْ فمعنى ذلك أن من المستحيل على البشر اتخاذ أى قرار أو الإقدام على أى تصرف، إذ إن القرارات والتصرفات تتطلب أن يكون هناك نظام مطرد حتى يستطيع الواحد منا رسم خطة مضادة يبنى عليها قراره وسلوكه. وتصور أنك قمت من النوم وأردت أن تبدأ يوما جديدا ففوجئت أن أحوال الكون قد تغيرت عما كنت قد عهدته وأنه لم تعد هناك قوانين ولا أنظمة، بل كل شىء يتم عشوائيا لا يمكن التنبؤ بمساره ولا بكيفيته ولا يمكن وضع خطة لمواجهته كى نحصد منه أكبر قدر ممكن من المكاسب ونتجنب أكبر قدر من المشاكل والخسائر. بل إن الخطط نفسها فى هذه الحالة لن يكون لها معنى ولا مصداقية، إذ لا نظام هناك ولا ثمار لأى شىء بما فيها الخطط. أمن الممكن أصلا فى هذه الحالة أن تكون هناك حياة؟ يقول رسل إن فَهْمنا للقوانين قائم على الوهم. لكن هناك رغم ذلك نظاما ما نستطيع أن نستند إليه ونقيم عليه حياتنا أيا ما يكن رأينا فى هذه الحياة. ذلك أن هذه الحياة التى لا تعجبنا أفضل مليارات المرات من الحياة الأخرى التى لا وجود لها إلا فى عقل رَسِلْ، تلك الحياة التى لا يمكن التعامل معها ولا اتقاء متاعبها أو الفوز بأى من خيراتها. وهذا إن جاز أن يكون لمثل تلك الحياة معنى أو كانت تشتمل على أية خيرات، أو كان لها وجود أصلا.
أما ما يقوله رَسِل عن الله وصلته بقوانين الطبيعة فهو صادر عن قياسه لله سبحانه على البشر، على حين قد رأينا أنه لا بد فى نهاية المطاف، ومهما طالت سلسلة الأسباب المترتب بعضها على بعض، من إله مطلق أزلى لا حاجة به إلى مسبِّب ولا يصلح معه القول بأنه كان خاضعا لهذا الاعتبار أو ذاك عند اختياره لهذا القانون أو ذاك. أما زراية رَسِلْ بتصورنا وجود مصدر للقوانين وتفسير ذلك بأننا إنما نقيس قوانين الطبيعة على قوانين البشر فهى زراية فى غير محلها. ذلك أننا، حين نتجه تلقائيا إلى التفكير فى مصدر القوانين الطبيعية، إنما نتصرف التصرف المنطقى، إذ بدلا من التعامى عن السبب الأول المطلق، ذلك التعامى الذى يؤثره برتراند رَسِلْ، نجدنا بوحى من فطرتنا نبحث عن السبب. وإلا أفيعقل أن تحتاج حياتنا تلك الضيقة والعابرة إلى مُصْدِر للقوانين بينما يستغنى ذلك الكون الهائل الذى لا تُعَدّ دولنا جميعا شيئا إلى جانبه عن مُصْدِرٍ لقوانينه؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى المواضعات الاجتماعية التى أشار إليها رَسِلْ وظن أنه يستند فيها إلى حجة قاطعة، إذ إن وجود تلك المواضعات لهو دليل على أن حياتنا الضيقة العابرة كما سميتُها عن حق لا يمكنها الاستغناء عن نظام يكفل لنا فهمها والتعامل معها ومواجهة مشاكلها وجنى فوائدها. فما بالنا بالكون كله، وهذه الأرض التى نعيش فوقها لا تساوى بالقياس إليه شيئا البتة؟ على أن هناك أمرا طريفا فى كلام رسل، وهو تكرر ذكره لقوانين المصادفة. ترى أيكون للمصادفة قانون، ولا يكون ثم قانون لهذا النظام الذى يسرى فى كل شىء من حولنا؟ من يقول هذا؟ وأطرف من ذلك أننى أشعر بهدوء تام وأنا أناقش ما يقوله ذلك الفيلسوف الكبير، ولا أجد فى نفسى ضيقا به. ولعل فيما قلته عنه وعن مواقفه السياسية وما سطره عن الإسلام تعليلا لهذا الهدوء الذى أحسه بين جوانحى وأنا أحبّر هذا الكلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونأتى الآن إلى تجويز رَسِلْ أن تتغير قوانين الطبيعة من الغد، وأنا معه فى هذا، ولا أجد فى تغير تلك القوانين يومًا من الأيام ما يصدم عقلى، فلقد وضحتُ أن القوانين الطبيعية لا تعنى مثلا أن فى النار ذاتها خاصة الإحراق، بل أن الله هو الذى رتب حدوث الإحراق على وجود النار. وهذا ما كان يقول به الإمام الغزالى وبسطه فى كتابه: "تهافت الفلاسفة" على النحو التالى: "الاقتران بين ما يُعْتَقَد في العادة سببا وما يُعْتَقَد مسبِّبا ليس ضروريا عندنا، بل كل شيئين ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما متضمن لإثبات الآخر، ولا نفيه متضمن لنفي الآخر، فليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر، ولا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر، مثل الرِّيّ والشرب، والشبع والأكل، والاحتراق ولقاء النار، والنور وطلوع الشمس، والموت وجز الرقبة، والشفاء وشرب الدواء، وإسهال البطن واستعمال المسهِّل ... وهَلُمَّ جَرًّا إلى كل المشاهدات من المقترِنات في الطب والنجوم والصناعات والحرف. وإن اقترانها لما سبق من تقدير الله سبحانه يخلقها على التساوق لا لكونه ضروريا في نفسه غير قابل للفرق، بل في المقدور خلق الشبع دون الأكل، وخلق الموت دون جز الرقبة، وإدامة الحياة مع جز الرقبة ... وهلم جرا إلى جميع المقترنات. وأنكر الفلاسفة إمكانه وادعوا استحالته. والنظر في هذه الأمور الخارجة عن الحصر يطول، فَلْنُعَيِّنْ مثالا واحدا، وهو الاحتراق في القطن مثلا مع ملاقاة النار. فإنا نجوِّز وقوع الملاقاة بينهما دون الاحتراق، ونجوِّز حدوث انقلاب القطن رمادا محترقا دون ملاقاة النار، وهم ينكرون جوازه".
ويمضى، رحمه الله، فى الرد على دعوى الخصم بأن فاعل الاحتراق هو النار فقط، وهو فاعل بالطبع لا بالاختيار، مؤكدا أن "فاعل الاحتراق بخلق السواد في القطن والتفرق في أجزائه وجَعْله حُرَاقًا أو رمادًا هو الله: إما بواسطة الملائكة أو بغير واسطة. فأما النار، وهي جماد، فلا فعل لها. وهذا يكون بالحصول عنده لا بالحصول به. فما الدليل على أنها الفاعل، وليس له دليل إلا مشاهدة حصول الاحتراق عند ملاقاة النار، والمشاهدة تدل على الحصول عنده، ولا تدل على الحصول به وأنه لا علة سواه؟ ".
وإمامنا الغزالى، بهذا الكلام الذى ينفى فيه أن تكون فى النار خاصة الإحراق، مؤكدا أن الأمر مجرد تتابع بين وجود النار أولا فالإحراق ثانيا، قد سبق دافيد هيوم وبيركلى وبرتراند رسل ذاته بزمن طويل، إلا أن فيلسوفنا المسلم يعزو كل شىء فى هذا الأمر إلى مشيئة الله التى اقتضت هذا التتابع واطراده حتى الآن بما خيل للناس بوجه عام أن النار ذاتها هى سبب الإحراق. وفى هذا الصدد يقول هيوم: "إذا ما ارتبط شيئان ارتباطا لا تخلف فيه كالحرارة واللهب مثلا، أو الثقل والصلابة، فإن العادة وحدها عندئذ تقتضينا أن نتوقع أحد الشيئين إذا ما ظهر الآخر". ومن ثم فعنده أن "العادة هي المرشد العظيم للحياة البشرية. فهذا المبدأ وحده (أي العادة) هو الذي يجعل خبرتنا ذات نفع لنا، ويتيح لنا أن نتوقع في المستقبل سلسلة من الحوادث الشبيهة بسلسلة الحوادث التي ظهرت فيما مضى". فنحن قد تعودنا مثلا أن نرى الورق يحترق حينما نقربه من النار، فنتوقع من خلال هذا التعود احتراقه مستقبلا حينما نقربه من النار. وهذا التوقع احتمالي عند هيوم، إذ ليست هناك ضرورة عقلية في نظره توجب أن يحترق الورق بالنار مستقبلا، بل يمكن أن لا يحدث ذلك في المستقبل. ومن ثم فحينما نتوقع أحداث المستقبل استنادا إلى الخبرة الحالية فإن توقعنا ساعتئذ يكون من قبيل الاحتمال لا اليقين. وهذا هو ما يقوله الغزالى بفصه ونصه. وأرجح الظن أن هيوم ورسل قد قرآ فيلسوفنا المسلم: إما مباشرة وإما من خلال وسيط، إذ من الصعب عقلا أن نقول بأن هذا ليس إلا توارد خواطر، وبخاصة أن الغزالى معروف جيدا للغربيين عن طريق المستشرقين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وحتى لا يسارع بعض الملاحدة السفهاء، وكثيرٌ ما هُمْ، إلى التشنيع على القائلين بذلك بأنهم يقولون بكونٍ قائمٍ على اللانظام أقول مرة أخرى بملء فمى وبأعلى صوتى: إن الكون قائم على نظام عجيب وقوانين مطردة، ولكن هذه القوانين لا تنبع من الأشياء ذاتها، بل من إرادة الله، الذى سوف يأتى يوم يبطل فيه تلك القوانين ويبدع قوانين أخرى تختلف عنها كما نجد ذلك فى القرآن والسنة. ذلك أنه لن يكون فى الجنة مثلا ملل ولا ضيق ولا حزن ولا قلق ولا حقد ولا مغص ولا جوع ولا عطش ولا برد ولا حر ولا حرمان ولا نقص ولا ألم ولا رائحة كريهة ولا منظر منفر ولا موت ولا خصام ولا عدوان ... إلخ، وهو ما تختلف به الجنة اختلافا كليا وجزئيا عن الدنيا. وقد أشار القرآن إلى أنه يوم القيامة سوف "تُبَدَّل الأرضُ غيرَ الأرض والسماواتُ". ذلك أنه ما دامت القوانين لا تكمن فى الأشياء كمونا طبيعيا ملازما فمعنى ذلك أن الله المطلق السلطان الذى أصدر للأشياء الأمر بأن تكون على ذلك النحو يمكن أن يصدر لها الأمر بأن تكون على نحو غير ذلك فى الوقت الذى تقدره مشيئته سبحانه وتعالى. وبالمناسبة فبرتراند رَسِلْ، كما أشرنا قبيل قليل، هو من القائلين بذلك أيضا، إلا أنه على عكس الغزالى المؤمن كان ملحدا ينكر وجود الله والحياة الآخرة.
ويمضى الفيلسوف الإنجليزى الكبير فيناقش دليلا آخر مما يتخذه المؤمنون دليلا على وجود العناية الإلهية، وهو دليل التصميم. وهذا نص كلامه: "الخطوة التالية من استعراضي للفرضيات لابد أن توصلني إلى جدلية التصميم. إنكم تدركون جميعا أن فرضية التصميم تقتضي أن كل شيء في هذا العالم تم تصميمه من أجل أن نعيش وفقا له، ولو أن العالم اختلف قليلا عن صورته الحالية لما استطعنا أن نعيش فيه. هذه هي جدلية التصميم، التى تأخذ أحيانا شكلا مثيرا للفضول. فمثلا يقال إن الأرانب قد خُلِقَتْ بذيول بيضاء كي يسهل اصطيادها، ولكننى لا أعرف كيف تنظر الأرانب إلى هذا الوضع. إنه أمر يبعث على السخرية. وأنتم جميعا تعرفون ملاحظة فولتير، وهو أن الأنف قد خُلِق ملائما لحمل النظارة! وقد ظهر أن هذا النوع من السخرية لم يبتعد كثيرا عن إصابة الهدف كما كان يُظَنّ فى القرن الثامن عشر، لأنه منذ داروين بدأنا نفهم بشكل أفضل كثيرا لماذا تتكيف الكائنات الحية مع بيئاتها. وهذا يعني أن البيئة ليست هي التى تكيف نفسها من أجل الكائنات، بل الكائنات هى التى تكيف نفسها مع بيئتها. وهذا هو أساس التكيف البيئي. ولا وجود فيه، كما نرى، لأي دليل على التصميم".
أما أنا العبد لله الضعيف فأقول مع احترامى الكامل لرَسِلْ، الذى كلما نظرت إلى صورته وقد أصبح عجوزا جدا، وفى فمه المتغضن غليونه المشهور يخفف به قليلا من شعوره بالشقاء الذى وصفه لنا فى سيرته الذاتية، لا أملك نفسى من العطف عليه رغم اختلافى الشديد معه فى موقفه من الألوهية، وإن كنت لا أختلف معه كثيرا حول وجود الشقاء فى العالم، ومن ذا الذى يجرؤ على أن ينكره أو يجادل فيه؟ لقد قالها القرآن نفسه بكل وضوح لآدم والسيدة حَرَمه منذ البداية: إياكما أن يخرجكما إبليس من الجنة، وإلا شقيتما، بما يفيد بمنتهى الصراحة أن الدنيا ليست دار سعادة كاملة، وإن لم تكن أيضا دار شقاء تام، بل هى، حسبما نرى، مزاج من هذا وذاك. ولم نذهب بعيدا؟ إننى، أثناء كتابتى هذا الرد على رسل، لأشعر بنشوة عجيبة وأنا أحاور عقلا كبيرا كعقل رَسِلْ فى موضوع كبير كموضوعنا ذاك. فهذا إذن لون من السعادة الدنيوية لا شك أيضا أنه كان يستمتع به وهو يعد محاضرته التى نحن بصددها، وكذلك وهو يلقيها، مثلما كان يحس بالسعادة حين اهتدى، أو فلنقل دون أن نقصد إغاظته: حين هداه الله إلى إديث فينتش، زوجته الرابعة التى أهدى لها "سيرته الذاتية"، والتى تقول كلمة الإهداء إنه يدين لها بشىء غير قليل من السعادة فى دنياه تلك التى يحاول أن يقنعنا أنها مفعمة تماما بالشقاء بحيث لا يوجد فيها ولا ثَقْب إبرة يمكن أن ينفذ منه بصيص من البهجة. أمعقول يا فيلسوفنا أنك لم تذق مثلا مع أى من زوجاتك لذة الفراش ولو مرة، وأن دنياك كانت خالية معهن من كل نشوة؟ ودَعْنا من غير زوجاتك يا رجل يا نِمْس! ألم تستمتع مثلا بزوجة تى إس إليوت، الذى يقلده القِرَدة عندنا تقليدا أعمى مباهين بهذا التقليد، شأن كل قرد
(يُتْبَعُ)
(/)
أقرع؟ وهذه مجرد حلقة واحدة فى سلسلة عشيقاتك يا عفريت! وحتى حين دخلتَ السجن (ولأعترف هنا أننى لا أحبه، ولا أريد أبدا أن أذوقه) ألم تكن تشعر بالرضا والسكينة لأنك استطعت، بمعونة الله طبعا رغم إنكارك وجوده، أن تتحمل متاعبه وما تجره هذه المتاعب وراءها من ألوان الحرمان والعناء المختلفة فى سبيل مبدئك؟ هكذا ترى يا فيلسوفنا الكبير، الذى أشعر والله بالعطف عليه وعلى نفسى معه أيضا، أن الدنيا، حتى فى أشد ظروفها حلوكة، يمكن أن تمد صاحبها بكِفْلٍ غير قليل من السعادة والرضا.
والآن إلى المناقشة، التى أرجو ألا تفسد للود بينى وبين الفيلسوف البريطانى أية قضية، فأقول: لنفترض أن الأمر كما قال رَسِلْ بناء على نظرية داروين، وأن الكائن هو الذى يتكيف مع بيئته، وليست البيئة هى التى خُلِقَتْ مناسبة له، فهل ينال هذا من قيمة الدليل التصميمى؟ لا إخال ذلك أبدا. كيف؟ أليست المحصلة النهائية أن الكائن ينجح فى التعايش مع بيئته؟ بَلَى والله وأَلْفُ بَلَى. فهذا هو دليل التصميم، ولكن على شكل آخر، وهو أن الله سبحانه وتعالى، حين أبدع مخلوقاته، جعلها مهيأة للعيش فى كل الظروف، واهبا إياها المقدرة على التكيف معها. فما المشكلة إذن؟ أما كلام رَسِلْ فمَحْضُ تحكُّم لا معنى له، وهو ما يذكرنى بما يقوله العامة عندنا: أَكْل وتبريق! وهذا إن كان الأمر على ما يقول، وهو ليس كذلك فى الواقع، وإلا فلماذا لم يوزع الله كل الكائنات على كل الأمكنة فى العالم دفعة واحدة، وعلى كل منها أن تتأقلم مع ظروف كل مكان؟ لماذا مثلا لم يضع الله عز وجل الإنسان فى قلب لهيب الشمس؟ أو لماذا لم يجعل معيشته فى باطن الأرض مغروسا فى الطين كما هو حال كثير من الديدان مثلا؟
واضح أن التكيف البيئى الذى يشير إليه رَسِل استنادا إلى داروين ليس معناه أن الكائن يغير نفسه تغييرا جذريا ليتلاءم مع بيئته، وإلا لرأينا للإسكيمو مثلا جلودا سميكة كجلود الدِّبَبَة القطبية حتى يستطيعوا تحمل البرد الرهيب هناك، وهو ما لا وجود له، بل كل ما هنالك أنهم قد عملوا على تحوير آلاتهم وأدواتهم ومرافقهم بحيث تعينهم على مواجهة مصاعب تلك البيئة، فكانت أحذيتهم ووسائل مواصلاتهم وبيوتهم مختلفة فى التصميم والمواصفات عما لدينا من أحذية ومواصلات وبيوت ... وهكذا. أما هم أنفسهم فلا يفترقون عنا فى شىء، إذ ما زالت لهم عينان كعينينا، وأنف كأنفنا، ويدان كيدينا، وذَكَرٌ كذَكَرنا، واسْتٌ كَاسْتِ القُمَّص المنكوح، إلا أنهم ليسوا مناكيح مثله، ويأكلون من فمهم كما نأكل نحن من فمنا، ولهم فى كل فم ست وثلاثون سِنًّا كما لنا، ويحتاجون إلى الحمام كما نحتاج نحن أيضا، ولهم طموح وآمال ومخاوف وقلق وحزن وملل، وفيهم لصوص وقتلة وناس طييون وكتاب وقراء، ولديهم مطاعم وفنادق، كما لنا وفينا ولدينا بالضبط ... إلخ.
أما بالنسبة إلى الأرانب ذات الذيول البيضاء التى ضربها رَسِلْ مثلا على التعاسة فما أكثر ما تستمتع رغم هذا بالشمس الدافئة والهواء الطلق والعشب الغزير والجرى فى الغابة تمرح كما يحلو لها. نعم إن ذلك كله مصيره إلى انتهاء، وقد تكون النهاية ذبحها وأكلها، لكن ألم تستمتع هى قبل ذلك؟ بلى لقد استمتعت، ونعم لقد انتهت فى كثير من الأحيان إلى المصير المذكور. لكن أتراها فى هذا تختلف عمن صادوها؟ ألا يستمتعون هم أيضا، ثم ينتهون إلى الموت، وربما القتل، كما تنتهى هى؟ سيقول رَسِلْ: ومع هذا فإن فى الدنيا شقاء وتعاسة. لكن هل خالفناه فى هذا؟ إن كل ما نخالفه فيه هو أنه يركز فقط على ألوان الشقاء، وكأن الدنيا كلها حالكة السواد، فلا لقمة شهية ولا منظر جميل ولا شذى حلو ولا ملمس ناعم ولا رقدة هنية ولا يقظة بهيجة ولا جماع لذيذ ولا أولاد يملأون البيت على الأب والأم سعادة ونورا وأنغاما ولا كتاب مثير للعقل والوجدان ولا صلاة تبعث السكينة فى النفس ولا تضحية من أجل مبدإ جليل ولا أبناءٌ لطافٌ ولا رحلة بهيجة ولا تأمل فكرى لذيذ. إننى لأتألم غاية الألم حين تصيبنى بَلِيّةٌ من بلايا الدنيا، وما أكثرها! وأتقلب على جمر الحرقات ساعتئذ تقلبا، إلا أننى سرعان ما أفىء إلى الواقع من حولى قائلا لنفسى: لِمَ تنسى كذا وكذا وكذا مما حباك الله به (أو فلنقل كى نضحك قليلا مع رَسِلْ: مما حبتك به الطبيعة) يا فلان، وهو كثير، والحمد لله؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكى أبين للقارئ أن حياة الأرانب والعجماوات جميعا ليست كلها شقاء كما يحاول رسل أن يقنعنا أذكر له أننى، فى صيف عام 1976م، ذهبت فى بعثة إلى بريطانيا للحصول على الدكتورية فى النقد الأدبى، فبدأنا نأخذ دروسا فى الإنجليزية بلندن، ثم انتقلنا إلى ميناء هيستنج لنكمل أخذ هذه الدروس، فكنت فى الفسحة التى تفصل درسًا عن درسٍ آخر النهار أجلس فى ردهة المدرسة، وقد اكتست الدنيا فى الخارج عَتَمَةً، وبدا كأن المغرب قد جاء، فأنظر عبر النافذة إلى منارة صغيرة على الشاطئ متوهما فى كل مرة أنها مئذنة وأن أذان المغرب سوف يرتفع بعد قليل. على أن هذه ليست النقطة التى أريد الحديث فيها، بل النوارس التى كانت تحوم على الشاطئ قريبا منا والتى، وهذا هو بيت القصيد، كنت أحسدها على ما تتمتع به من حرية وقدرة على التحليق فى أجواز الفضاء، على حين أجد نفسى مقيدا بجاذبية الأرض لا أملك طيرانا. أما حسدى إياها فلأنى كنت أتصور أننى لو رُزِقْتُ مثلها المقدرة على الطيران لكان باستطاعتى أن "آخذ بعضى" طيرانا على مصر، التى كنت أشعر آنئذ بحنين جارف مؤلم نحوها، ودون الحاجة إلى تذكرة سفر أو تأشيرة أو إجراءات معقدة فى الخروج والدخول. خلاصة القول أن العجماوات ليست تعيسة الحياة تماما كما يخيِّل لنا كلام رسل، إذ هى تتمتع بكثير مما حُرِمْنا نحن البشر منه حتى إننا لنحسدها على كثير مما حباها الله (أو كما يقول رَسِلْ وأشباهه: مما حبتها الطبيعة) به.
وبعد الأرانب ذات الذيول البيضاء يأتى ونستون تشرشل وأضرابه من ذوى القلب السوداء، ذلك الاستعمارى البغيض الذى ضربه رَسِِلْ مثلا على أن الحياة كلها شقاء وتعاسة. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد كان رَسِلْ يناصر الحركة الاستعمارية فى مطلع حياته، ثم انقلب معاضدا لحركات التحرر الوطنية ضد بلده وضد العالم الغربى عموما، وهو ما يُشْكَر عليه. لكن هل كان تشرشل، رغم أننا فى عالمنا العربى والإسلامى قد اصطلينا نار نزعته الاحتلالية وشقينا بها أيما شقاء، خلوا تماما من أى نفع؟ لقد كان كاتبا سياسيا وأديبا قوى الأسلوب. ولا شك أنه، بهذا الاعتبار، كان ذا فائدة لبعض البشر. كذلك قرأت ذات مرة أنه كان يصدر أوامره لمجلس الحرب بوصفه رئيسا للوزراء وهو فى بيت الأدب (أو إذا شئتم: بيت قلة الأدب والقيمة!) يقضى حاجته كيلا تفوت الفرصة إذا انتظر حتى ينتهى مما هو فيه فيَصْدُر الأمر بعد خراب بصرة. فلو لم يكن له إلا هذا التصرف الذى أضحكنى وما زال يضحكنى حتى هذه اللحظة وتغرورق عينى جَرّاءه بالدموع لكان هذا كافيا كى أعلم أن خَلْقه فى الدنيا لم يكن سُدًى! ومع هذا فلعنة الله على ذلك العلج الاستعمارى، إن لم يكن من أجل شىء فكيلا يغضب منى رَسِلْ.
لكن ذلك الإبليس لا يتحمل هو وأمثاله وحدهم إثم الاستعمار، وهو بلا أدنى ريب أو جدال إثم بشع لا يطاق، بل تتحمله معه الأمم التى ابتليت به فرضيت بالهوان بل استعذبته، وكلما أخذت صفعة على خد من خديها أدارت الخد الآخر كى يأخذ هو أيضا نصيبه من الهوان والخزى فتكون قد تقلبت فى الخزى على الجانبين ولم يفتها شىء منه كما هو حال أمتنا أمة الزفت والهوان، التى من الواضح أنها باتت خارج التاريخ منذ استنامت إلى المذلة على يد حكامها الوطنيين (أقصد: المُسَمَّيْنَ زورا بـ"الوطنيين"، وما هم فى الحقيقة إلا عصابة من الجهلة الأفاكين، لعنهم الله ولعن معهم شعوبهم التى يحكمونها أجمعين أكتعين أبصعين!)، وكذلك على يد مستعمريها الخارجيين، وصارت مشكلتها من التعقيد بحيث إننى لا أكف عن الألم والمرارة طوال الوقت حتى وأنا أتريض تجنبا للإصابة بالسكر وانسداد الشرايين، غير واجد لوضعها هذا البائس حلا، إذ كيف يمكن أن تُحَلّ مشكلتها، وهى نفسها لا تريد لها حلا، بل لا تحاول أن تساعد من يتصدى لإصلاح أحوالها فتتركه يدخل السجن أو يُعْدَم دون أن تجشم نفسها ذرف دمعة من دموعها الرخيصة عليه، منصرفة إلى الكرة والرقص والطبل والزمر والحشيش والأفيون؟ ولنعد إلى ما كنا فيه، وإلا ساءت صحتى أكثر وأكثر، وساعتئذ لن أجد من جماهير الأمة من ينفعنى ببصلة!
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك يستنكر رسل أن يكون العالم الذى حولنا بعيوبه ونقائصه هو كل ما استطاع الله بعلمه المطلق وقدرته التى لا يحدها حد أن يخلقه فى الملايين بعد الملايين من السنين، مؤكدا أنه لو أُعْطِىَ قدرة وعلما بلا حدود وصُبِرَ عليه ملايين السنين فإنه قادر على أن ينتج كونا أفضل من هذا. وهذا يذكرنى بما كان يقوله أحد رجال القرية، وكان زمّارا فى فرقة المزيكة التى يرأسها عمه، ثم كُسِرت أصابعه فترك العزف على المزمار ولم يعد صالحا لعمل أى شىء، فكانت زوجته المسكينة هى التى تسعى عليه وتوفر له الشاى واللحم، اللذين لو تخلفا عن الميعاد كان جزاؤها الشتم والضرب وقلة الأدب. والشاهد فى الأمر أنه كان دائما، رغم مواظبته على الصلاة والصيام، فضلا عن التأذين للصلاة بصوته الجميل، كثير التمرد على مقام الربوبية، زاعما أنه لو تولى أمر الكون لجعله أفضل من هذا كثيرا. يقصد أنه ساعتها سوف يوفر كيلو لحم وكيس شاى وباكو سكر لكل فقير أسبوعيا، ويا حبذا لو كان معها أيضا علبة سجائر أو ورقة معسل، فهذا هو أقصى ما يمكن أن يفكر فيه زمّارنا، الذى كنت أعطف عليه وأستطيب صحبته وأتغاضى عن حماقاته وغروره الغبى.
المضحك فى دعوى رَسِلْ أنه يقول: "لو" أُعْطِيت كذا وكذا، إذ الإله لا يقول ذلك لأنه لا يأخذ شيئا من أحد، بل هو الذى يعطى، ويعطى دائما. ثم إن "لو" تفتح عمل الشيطان. كما أنها، طبقا لما يقوله جهابذة الإعراب الصِّيَاعِىّ، "حرف شعلقة فى الجو". والكون، رغم ما فيه من مآس لا ينكرها أحد، يدل على خالق قدير عليم حكيم رحيم جبار منتقم شديد. وليلاحظ القارئ أننى لم أجتزئ بذكر الحكمة والقدرة والرحمة الإلهية وحدها، بل ذكرت معها الجبروت والانتقام أيضا، فهذه هى صفات الله. ولقد حار الفلاسفة والحكماء، ومعهم الطبالون والزمارون، فى بحثهم عن السر فى وجود المعاناة والألم فى الدنيا، ولم يرجعوا بطائل، ولا أظنهم سوف يرجعون به يوما. فَلْنَكُفَّ عما لا جدوى منه كما قال العقاد فى بعض شعره عن ذلك الموضوع، فهذا هو حال العالم الذى حولنا، ولنركز على أن نجتهد بكل طاقتنا كى نستخرج منه أحلى ما فيه ونتجنب أسوأ ما يحتويه، أو ننزل بنصيبنا من هذا الجانب السيئ فيه إلى أصغر درجة ممكنة على الأقل، "ونعيش ونقول: يا باسط! "، مع رجائى من القراء أن يتولى أحدهم مشكورا ترجمة العبارة الأخيرة لرَسِلْ حتى يفهم عنى ولا تضيع نصيحتى على الفاضى!
وهنا نسمع رَسِلْ يؤكد، وكأنه يقول شيئا جديدا على المؤمنين، أن الحياة على الأرض مصيرها إلى انتهاء. لكننا نعرف هذا يا فيلسوفنا العزيز من قبل ونؤمن به، وكنت أنت أيضا تؤمن به أيام كنت متخلفا مثلنا، وهو ما نسميه: يوم القيامة. فما الجديد فى هذا إذن؟ إلا أن المسألة بالنسبة إلينا لا تقف عند انتهاء الحياة، بل اعتقادنا أنه ستبدأ حياة أخرى بعد دمار هذا العالم، الذى سوف يعاد رغم ذلك تشكيله من جديد بأوضاع أخرى نرجو أن تعجب رَسِلْ، وزمارنا المسكين، الذى أدعو له الله العَفُوّ الغفور الودود الحليم الرحيم الكريم أن يجد عندئذ الشاى والسكر واللحم بوفرة تبعث على الطمأنينة وارتخاء الأعصاب، ولا داعى للمعسل لأنه ضار، وذوقه بلدى، علاوة على أن شاربه يقضى النهار والليل فى السعال والبصق فيزعجنا، ونحن لم نكد نصدق أننا قد تركنا الدنيا ببلاياها!
وعلاوة على هذا فإنى آخذ على رَسِل أنه، حين يذكر المسلمين أو يريد الإشارة إليهم فى هذه المحاضرة، يستعمل كلمة " Mohammedans: المحمديين". وهذا خطأٌ صُرَاحٌ، ويزيده سوءا صدروه عن رَسِل الفيلسوف الذى تقوم فلسفته هو وأشباهه من الفلاسفة على وجوب تحديد الألفاظ قبل استخدامها منعا لأى لبس أو اضطراب. فهل من تحديد الألفاظ تحديدًا سليمًا أن يُطْلَق علينا نحن المسلمين اسم "المحمديين"؟ إن كل دور رسولنا عليه الصلاة والسلام طبقا لمعتقد الإسلام، الذى جاء به، هو أنه واحد من البشر تلقى الوحى من الله سبحانه وأنه المثال الأعلى لأولئك البشر. فلا هو إذن صاحب الإسلام ومخترعه ولا نحن نؤلهه أو نرتفع به عن مستوى البشرية بأى معنى من المعانى ولا إلى أى مدى من الأمداء، وذلك امتثالا لقوله تعالى: "قل: إنما أنا بشر مثلكم يُوحَى إلىّ أنما إلهكم إله واحد". وعلى هذا فليس هناك أى أساس يمكن الاستناد إليه فى إطلاق كلمة "المحمديين" علينا
(يُتْبَعُ)
(/)
نحن المسلمين. فإذا ما صدر هذا الخطأ من رَسِلْ بالذات كان الخطأ أسوأ وأشنع.
والعجيب أن رَسِل نفسه يقول شيئا قريبا جدا مما قلتُه آنفا عن الرسول، إذ كتب فى كتابه الموسوم بـ" A HISTORY OF WESTERN PHILOSOPHY: تاريخ الفلسفة الغربية"، وهو الكتاب الذى ضمن له بقية حياته دخلا منتظما، وليس مثلنا نحن الذين لا يشترى أحد من أمتنا المنكوبة بأدواء الجهل والبلادة وكراهية الثقافة شيئا من كتبنا: يا حسرة! نقول إنه كتب فى كتابه ذاك عن النبى عليه السلام ما نصه: " The Prophet made no claim to be divine, nor did his followers make such a claim on his behalf". كما قال كلاما طيبا عن الإسلام وسعة صدره مع المخالفين له فى المعتقد على عكس ما هو معروف عن المسيحية، التى عاملت مخالفيها من يهود ومسلمين معاملة بشعة غير إنسانية حسب كلامه، معبرا عن دهشته من سرعة انتشاره وما أحدثه من تغييرات واسعة سريعة فى تاريخ الإنسانية ليس لها مثيل: " Their victories were easy, and the fighting was slight. Except possibly during the first few years, they were not fanatical; Christians and Jews were unmolested so long as they paid the tribute"، "Throughout the Middle Ages, Jews had no part in the culture of Christian countries, and were too severely persecuted to be able to make contributions to civilization, beyond supplying capital for the building of cathedrals and such enterprises. It was only among the Mohammedans, at that period, that Jews were treated humanely, and were able to pursue philosophy and enlightened speculation. Throughout the Middle Ages, the Mohammedans were more civilized and more humane than the Christians. Christians persecuted Jews, especially at times of religious excitement; the Crusades were associated with appalling pogroms. In Mohammedan countries, on the contrary, Jews were not in any way ill treated". ومع هذا فإننا نراه، حتى فى هذا الكتاب يجرى على تلك السُّنّة، سنة إطلاق اسم "المحمديين" علينا نحن المسلمين!
وبالنسبة إلى ما قاله رسل عن مثال صندوق البرتقال الذى وَجَد صَفَّه العلوى فاسدا فكان هذا دليلا عنده على أن بقية الصفوف الأخرى فاسدة مثله، ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك، وأن قياس سائر الكون على الكرة الأرضية ينتهى بنا حسب رأيه إلى أن الكون كله سيئ، ولا سبيل إلى تغيير سوئه حُسْنًا، فالرد عليه سهل جدا جدا، إذ إن ما توصل إليه من نتيجة هو شىء غير لازم ولا حتمية فيه، بل أقصى ما يمكن قوله أنه مجرد احتمال واحد من عدة احتمالات. ولا أدرى كيف غابت عنه هذه النظرة العلمية القائمة على دراسة الاحتمالات المختلفة لشىء ما ونسبة كل احتمال منها إلى الاحتمالات الأخرى والقاعدة التى تحكم ذلك. وهذا لو كان الظلم الذى يتحدث عنه هو ظلم إلهى وليس ظلما بشريا. ترى هل هو متأكد أن الكائنات التى فى سائر الكون بعيدا عن دنيانا الأرضية هى مثلنا كائنات بشرية؟ وهل هو متأكد أنها تشبهنا فى الخُلُق والتصرف والضمير؟ لقد كان عليه أن يسأل نفسه مثل تلك الأسئلة قبل أن يفكر فى إصدار ما أصدر من حكم، ولكنه للأسف لم يفعل. وبكل يقين فإن رَسِلْ يعرف عن هذا الكون المادى، باعتباره عالما رياضيا، أفضل كثيرا جدا مما يعرفه أغلب الناس، فكان ينبغى ألا يفوته اتساع الكون الهائل الذى لا يمكن أى عقل مهما كان واسعا وعميقا ومحيطا أن يصل إلى معرفة كنهه أو حتى أبعاده الظاهرية. فكان من الواجب اللازب عليه ألا يغامر بإصدرا مثل ذلك الحكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم يقول رَسِلْ إن الذين يؤمنون بالله إنما تم تلقينهم منذ طفولتهم الأولى الإيمان به سبحانه، فهم من ثم يتبعون ما لُقِّنوه لا يحيدون عنه، بخلاف الملاحدة، فإنهم يختارون طريقهم بأنفسهم. ولى على ذلك ملاحظتان: الأولى أن أمثاله من الملاحدة لا شك يربون أولادهم على الإلحاد، إذ كل أب وأم إنما يربيان أولادهما عادة على ما يؤمنان هما به. ومن ثم فقوله إن الملحدين إنما يختارون طريقهم بأنفسهم غير صحيح على إطلاقه على الأقل. والثانية، ألم يسأل رسل نفسه: لماذا كان الإيمان هو الغالب على الناس بحيث يفترض هو نفسه أن الآباء جميعا (تقريبا، و"تقريبا" هذه من عندى) ينشئون أولادهم على الإيمان لا على الكفر؟ أليس لهذا دلالته؟ وإلا فما مصلحة الناس فى إيثار الإيمان على الإلحاد؟ طبقا لما قاله هو لا أنا. الجواب لديه: "أن السبب الأقوى بعد ذلك وراء إيمان البشر بالله هو الرغبة فى السلامة. إنه نوع من الشعور بأن لك أخًا أكبر يقوم برعايتك. وهذا الأمر له دور عميق في التأثير على رغبة الناس في الإيمان بالله". لكن الله ليس أخا أكبر، وإلا ففى كل أسرة أخ أكبر يمكن أن يقوم بهذا الدور. ولنفترض أننا قبلنا جَدَلاً هذه الحجة، فكيف نفسر حاجة الإخوة الكبار والآباء والأمهات والأجداد والجدات والأغنياء والأصحاء وذوى المناصب الضخمة والقادة والزعماء والرؤساء والقضاة والوزراء وكل كبير من الكبراء والجماعات والأمم والدول إلى الإيمان بالله؟ إن العالم كله تقريبا يؤمن بالله حتى لو لم يشتغل بهذا الأمر اشتغالا واضحا، وحتى لو أخطأ الطريق إليه. والسبب هو أن ثمة نزوعا فطريا نحو البحث عن الخالق، إذ إن أمور الكون لا تستطيع أن تمشى دون هذا الخالق. فمن أين أتى هذا النزوع الفطرى؟ ألم يسأل رَسِلْ نفسَه هذا السؤال؟ وبالمناسبة فقد كان الأخ الأكبر لرَسِلْ يثير لديه الخوف لا الطمأنينة كما حدّثنا فى الفصل الأول من سيرته الذاتية. فما القول فى ذلك؟ أليست هذه مفارقة مضحكة؟
بعد هذا ينتقل رَسِلْ إلى البحث فى موضوع آخر، وهو الحكم على شخصية المسيح عليه السلام. وهو، بطبيعة الحال، لا ينطلق فى الحكم عليه من أنه إله، فالرجل لا يؤمن بالألوهية أصلا كما رأينا، فضلا عن أن ينظر إلى المسيح على أنه إله. بل إنه لا يعده نبيًّا. وهذا أمر طبيعى، فمنكر الألوهية ينكر النبوات حتما. ليس ذلك فحسب، بل إنه ليخطو خطوة أبعد، إذ ينفى أن يكون المسيح مثالا أعلى للبشر، فهو فى نظره ليس أحكم الحكماء، بل إن فى سلوكه ومبادئه ما لا يقبله العقل والضمير، بل ما يدل على توحش وقسوة شديدة غير مفهومة ولا مسوَّغة. وهو يبدأ بالهجوم الكاسح على ما تنسبه الأناجيل إليه من أنه إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر، وأنه لا ينبغى لأى إنسان أن يدين الآخرين كيلا يدان هو أيضا ... وأمثال ذلك، مؤكدا أنه لم ير مسيحيا فى حياته يتخذ التسامح مع الآخرين مبدأ له فى الحياة، وأنه هو نفسه لا يستطيع أن يفعل هذا، وأنه على العكس من ذلك كثيرا ما رأى مسيحيين يظلمون الآخرين دون أن تختلج ضمائرهم أو يشعروا أنهم أتوا أمرا لا ترضاه المسيحية. وفوق ذلك نراه يشك حتى فى مجرد الوجود التاريخى للسيد المسيح عليه السلام.
فأما الشك فى وجود المسيح فلا نشاطره فيه، فالمسيح عندنا موجود حتى لو كانت الكتابات النصرانية عنه لا تبعث على الثقة، إذ لدينا مصدر آخر موثوق هو القرآن الكريم. وهو موثوق لأننا نؤمن به بعد تمحيصه من جهة المضمون والأسلوب، وبعد فحص شخصية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام والاطمئنان إلى أنه لا يمكن إلا أن يكون صادقا، وإلا فما مصلحته فى ادعاء الوحى والنبوة والتعرض لكل ما تعرض له عليه السلام من أذى وعدوان وتكذيب وسباب ومؤامرات ومواجهة لقوى العالم كلها دون أى سند بشرى؟ وأما أن المبادئ التى ينسبها كتبة الأناجيل لعيسى بن مريم، صلى الله عليه وسلم، هى مبادئ غير قابلة للتطبيق فى أغلبها فنحن معه فى هذا الكلام قلبا وقالبا. وقد قلناه وقاله غيرنا كثيرا من قبل، فقالوا بكل صفاقة: اخرجوا من البلد!
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال رَسِلْ أيضا إن المسيح قد ظنّ أن قدومه الثاني سيتحقق قبل ممات كل البشر الذين كانوا يعيشون في ذلك الوقت، وأن هناك كثيرا من الآيات تدلل على وجود هذا الظن، منها قوله لتلاميذه: "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم: لا تملكون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان". ولما كان هذا لم يقع ولم يأت ابن الإنسان، والمقصود السيد المسيح ذاته، كان هذا برهانا عند رَسِلْ على أن المسيح قال كلاما غير صحيح، مما يعنى أنه لم يكن يعرف شيئا عما يتحدث عنه وأن ما قاله لا يعدو أن يكون خيالات وأوهاما لا حقيقة لها، ورغم هذا لا يزال هناك من المسيحيين من ينتظر عودته حتى الآن. وفى نظر رَسِلْ أن المسيح لم يكن حكيما حينما بشَّر بقرب مقدمه، وأنه لم يكن على قدرٍ من الحكمة يماثل ما يتمتع به بعض البشر، ولم يكن فائق الذكاء.
وإضافة إلى ما تقدم يأخذ الفيلسوف البريطانى على السيد المسيح إيمانه بالعذاب الأبدى وتهديده بذلك كل من لا يؤمن به، مما لا يلجأ إليه كثير من الدعاة، فكيف يقع فيه المسيح؟ إن مثل هذا التهديد من شأنه أن يخدش صورته. كما أخذ عليه أيضا أنه كان خشنا فظا مع كل من خالفه لا يعرف التسامح. أما سقراط فلم يفعل شيئا من هذا، وكان رقيقا مهذبا مع من لا يستمعون إليه، فكان من ثم أحكم من المسيح. ولكن انظر إلى المسيح وما كان يقوله لمن لا يصغون إلى دعوته. لقد كان يقول لهم: "يأَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ "، "يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم، ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان". ثم يمضى رَسِلْ مؤكدا أن قارئ الأناجيل يشعر أن ثمة استمتاعا من قِبَل المسيح عند الحديث عن عويل الكفار وصرير أسنانهم. كما يورد رَسِل الآية الإنجيلية التي تتحدث عن الخِرَاف والجِدَاء قائلة إن المسيح في عودته الثانية سوف يفرق بين الخراف والجداء، وسيقول للجداء: "اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية، النار المعدّة لإبليس وملائكته". ثم يقول المسيح أيضا: "فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ". ويرى رَسِلْ أن أي معتقدٍ يعتمد على التهديد بالنارهو معتقد وحشى ينشر الرعب والخوف مدى الدهور. وينبغى من ثم تحميل المسيح المسؤولية عن كل هذا.
والواقع أن الإسلام يتكلم هو أيضا عن النار ويهدد بها العصاة المتمردين الذين لا يريدون أن يشغّلوا عقولهم فيتركوا الكفر وعبادة الحجارة أو يكفوا عن اضطهاد الضعفاء وأكل حقوقهم. وقد مر بنا أن العقاب الأكيد هو لمن بلغته الدعوة الإسلامية على وجهها الصحيح وفكر فيها ثم ظهر له وجه الحق، لكنه آثر العناد وركب رأسه وأصر على الكفر والظلم وأكل حقوق الآخرين. ثم إن الإسلام يخاطب دائما العقل ويحتكم إليه حينما يختلف الرسول والكفار، فيأمرهم بالنظر فى السماوات والأرض ويعرض عليهم الأدلة والبراهين طالبا منهم أن يقلبوا فيها البصر، قائلا لهم: "وإنا أو إياكم لَعَلَى هُدًى أو فى ضلالٍ مبين"، "قل: لا تُسْأَلون عما أجرمنا ولا نُسْأَل عما تعملون". فأى إنصاف أحسن من هذا؟ ثم إن فريقا من علماء المسلمين يقولون بعدم استمرار العقاب الأخروى، إذ سوف يأتى اليوم الذى تنتهى فيه النار ولا يكون ثم عقاب بعد ذلك. وعلى كل حال فالحسنة فى الإسلام بعشر أمثالها، والسيئة بمَثَلٍ واحد فقط إن لم يغفر الله للمخطئ، وكثيرا ما يحدث، إذ وعد سبحانه الذين أسرفوا على أنفسهم بغفران جميع الذنوب، ومن ثم فلا مجال للقنوط من رحمة الله. كما أن دخول الجنة أمر فى متناول من يريد، إذ قد يفوز بها من سقى كلبا عطشان شربة ماء. ثم بعد هذا لا تهم شخصية من سقى الكلب ولو كانت مومسا تتاجر بعرضها مع الزناة والفاسقين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى مسند أحمد بن حنبل عن جابر بن عبد الله قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كُنَّ له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة. قال: قيل: يا رسول الله، فإن كانت اثنتين؟ قال: وإن كانت اثنتين. قال: فرأى بعض القوم أن لو قالوا له: واحدة، لقال: واحدة". وفى مسند الإمام أحمد عن الصديقة بنت الصديق رضى الله عنها: "جاءت امرأة ومعها ابنتان لها تسألني فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فشقتها باثنين بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئا، ثم قامت فخرجت هي وابنتاها. فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته حديثها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ابتُلِيَ من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار". وفى مسند ابن حنبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة البتة. ومن أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار، يجزي بكل عضو منه عضوا منه من النار". وفى مسند أحمد عن معاذ بن جبل أنه سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، وجبت له الجنة". وفى مسند أحمد عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث: الكِبْر والغُلول والدَّيْن، فهو في الجنة أو وجبت له الجنة". وفى سنن ابن ماجة: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن السّقْط ليراغم ربه إذا أدخل أبويه النار، فيقال: أيها السقط المراغم ربه، أدخل أبويك الجنة. فيجرهما بسَرَره حتى يدخلهما الجنة". وفى سنن أبى داود: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة (وأومأ يزيد بالوسطى والسبابة): امرأة آمت من زوجها ذات منصب وجمال حبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا". وفى مسند ابن حنبل عن عقبة بن عامر الجهنى: " من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله عز وجل (فقال أبو عشانة مرة: في سبيل الله، ولم يقلها مرة أخرى) وجبت له الجنة". وفى البخارى عن عَدِىّ بن حاتم " أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوَّذ منها، ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوَّذ منها، ثم قال: اتقوا النار ولو بشِقّ تمرة. فمن لم يجد فبكلمة طيبة".
وأخيرا وليس آخرا هذا الحديث الجميل الذى يشيع السكينة فى جنبات النفس، وهو من أحاديث الإمام البخارى: " عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: بينما أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: يا معاذ. قلت: لَبَّيْك يا رسول الله وسَعْدَيْك! ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ. قلت: لَبَّيْك رسول الله وسَعْدَيْك! ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل. قلت: لَبَّيْكَ رسول الله وسَعْدَيْك! قال: هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل. قلت: لبيك رسول الله وسعديك! قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق العباد على الله أن لا يعذبهم". فانظر كيف يتحول الأمر إلى حقوق وواجبات لكل من الطرفين وعلى كل من الطرفين، وكأننا بإزاء دستور سياسى، وليس علاقة بين الله وعباده! فأية روعة تلك! وهذه كلها مجرد أمثلة لا غير، وقد ذُكِرَتْ فيها الجنة صراحة أو ضمنا، وإلا فهناك شواهد كثيرة مثلها. فهذه هى بعض من القيم التى أتى بها رسول الإسلام، وليست المسالة أنه أتى بشىء جديد، والسلام، فلم يوافقوه فهددهم بالنار: هكذا من الباب للطاق! كما أنه ليس من الإنسانية أن يتدهدى أقوام إلى الدرك الأسفل من التوحش والتخلف فيؤمنوا بالأصنام ويظنوا أنها آلهة تنفع وتضر ويقدموا لها القرابين ويعبدوها من دون الله، فضلا عن إدمانهم الخمر والقمار، وارتكاسهم فى ظلم اليتامى والمساكين وتطفيف الكيل والميزان وهضم حقوق النساء ... إلى آخر ما نعرفه من أوضاع الجاهلية المزرية التى جاء الإسلام فأصلحها ووضع الأمور فى نصابها، خالقا بذلك من العرب البدو المتخلفين المتوحشين أمة متحضرة قادت ركب التقدم والعلم لقرون متعددة فى وقت كانت أوربا المسيحية تغط فى جهل مقيت وتوحش فظيع.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الإكراه فى الإسلام أمر غير متصوَّر، إذ هو ينافى طبيعته: "لا إكراه فى الدين. قد تَبَيَّن الرُّشْدُ من الغَىّ" (البقرة/ 256)، "وقل: الحقُّ من ربكم، فمن شاء فلْيؤمنْ، ومن شاء فلْيكفرْ" (الكهف/ 29)، "ولوشاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا. أفأنت تُكْْرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس/ 99). بل إن المسلم مأمور من ربه أن يحسن صحبة أبويه المشركين حتى لو جاهداه على الشرك بالله: "وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) " (لقمان). كذلك لو كان هناك مشرك محارب، ثم جاء هذا المشرك مستجيرا بالمسلمين لكان واجبهم أن يجيروه، ثم بعد أن يسمع كلام الله عليهم أن يُبْلِغوه مَأْمَنَه: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) " (التوبة). وإلإسلام لا ينهى أبدا أتباعه عن موادة غير المسلمين إلا إذا كانوا يعتدون عليهم ويخرجونهم من ديارهم ويستولون على ممتلكاتهم. أما من دون ذلك فمن واجبهم أن يبروهم ويقسطوا إليهم لأن الله يحب المقسطين: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) " (الممتحنة).
هذا، ولا نكران أن الإسلام يوجب على أتباعه رد العدوان بمثله، لكنه لا يجيز الاعتداء على مخالفيه بغيا وظلما مهما استحكمت بين الفريقين العداوة والبغضاء: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) " (البقرة)، "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) " (البقرة)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) " (المائدة)، وذلك رغم ما صبه المشركون على رؤوس المسلمين من عذاب وتنكيل وقتل وترويع وحصار وتهجير ومصادرة للأموال والممتلكات وتجييش للجيوش بغية القضاء عليهم وعلى دينهم. أى أن المسلمين هم الذين وقع عليهم لا منهم الأذى والعدوان. وحين دانت لهم الدنيا وصارت لهم إمبراطورية لم يكرهوا أحدا على اعتناق دينهم ولم يضطهدوا أحدا لتمسكه بدينه، بل تركوا كُلاًّ وما يعتقد. ولهذا بقيت الأقليات المسيحية لم تنقرض ولم تختف فى ظل الدولة الإسلامية، على عكس الحال فى الدول المسيحية حيث لم يكن هناك ولو خرم إبرة لغير المسيحيين كما هو الوضع فى الأندلس بعد انتصار المسيحيين على المسلمين، إذ أكرهوهم إكراها على التنصر أو قتلوهم أو نَفَوْهم من البلاد رغم أن البلاد هى بلادهم، إذ كان المسلمون هناك مثلما هو الحال فى أى بلد آخر هم من أهل البلد لا كما يزعم المسيحيون دائما كذبا وزورا أنهم عرب أتوا من آخر الدنيا متجاهلين أن العرب من المسلمين فى كل بلد مسلم لا يشكلون إلا كسرا ضئيلا جدا لا يكاد يذكر، إذ لا يزيد فى أقصى أحواله من بين السكان الذين يعدون بالملايين على بضع عشرات من الآلاف
(يُتْبَعُ)
(/)
كما هو معروف، والباقون وطنيون من أهل البلاد، وكما هو الوضع أيضا فى أمريكا حيث قضى المسيحيون الأوربيون على الهنود الحمر، وكما هو الوضع فى أستراليا حيث محوا سكان البلاد الأصليين كلهم تقريبا من الوجود.
وها هو ذا الكاتب الإسرائيلى يورى أفنيرى يرد على من يتهمون الإسلام كذبا وبهتانا، ومنهم بابا روما الحالى بينيدكت السادس عشر، بأنه انتشر بالسيف. يقول أفنيرى فى مقال له منشور فى عدد غير قليل من المواقع المشباكية بعنوان "سيف محمد" (ترجمة خالد الجبيلى): "منذ أن بدأ الأباطرة الرومان يلقون بالمسيحيين طعاما للأسود طرأت تغيرات كثيرة على العلاقات بين الأباطرة ورؤوس الكنيسة. وبدأ قسطنطين الكبير، الذي أصبح إمبراطورا في سنة 306، أي قبل 1700 سنة تماما، يشجع على اعتناق المسيحية في إمبراطوريته، التي كانت تشمل فلسطين كذلك. وبعد عدة قرون انشقت الكنيسة إلى قسمين لتصبح كنيسة شرقية (أرثوذوكسية) وكنيسة غربية (كاثوليكية). وفي الغرب طلب أسقف روما، الذي حاز على لقب البابا، أن يقبل الإمبراطور سيادته وتفوقه.
وقد لعب الصراع بين الأباطرة والباباوات دورا محوريا في التاريخ الأوروبي، وأدى إلى تقسيم الشعوب والأمم. وقد شهد هذا الصراع تقلبات كثيرة، فقد أقدم بعض الأباطرة على عزل أو طرد أحد الباباوات، وقام بعض الباباوات بعزل أو طرد أحد الأباطرة. وكان الإمبراطور هنري الرابع "قد توجه إلى كانوسا سيرا على الأقدام، ووقف أمام القلعة التي يقيم فيها البابا مدة ثلاثة أيام حافي القدمين في الثلج، إلى أن تنازل البابا وألغى أمر حرمانه وطرده من الكنيسة".
إلا أنه مرت فترات في التاريخ عاش فيها الأباطرة والباباوات في وئام وسلام. ونحن نشهد مثل هذا الفترة في أيامنا هذه، إذ توجد بين البابا الحالي، بنيديكت السادس عشر، والإمبراطور الحالي، جورج بوش الثاني، مرحلة رائعة من الانسجام والاتفاق، وإذ تتوافق الكلمة التي ألقاها البابا في الأسبوع الماضي، والتي أثارت عاصفة عالمية، مع الحملة الصليبية التي يشنها بوش ضد "الفاشيين الإسلاميين" في سياق "صراع الحضارات". ففي المحاضرة التي ألقاها في إحدى الجامعات الألمانية، وصف البابا الـ265 ما يراه اختلافا شاسعا بين المسيحية والإسلام: ففي حين تقوم المسيحية على العقل، فإن الإسلام ينكره. وفي حين يرى المسيحيون منطق أعمال الله، فإن المسلمين ينكرون وجود هذا المنطق في أعمال الله. وبصفتي يهوديا ملحدا، فإني لا أريد أن أدخل في هذه المساجلة. إذ إن فهم منطق البابا يفوق قدراتي العقلية المتواضعة. غير أني لا أستطيع أن أغفل فقرة وردت في كلمته، وهي تخصني أنا أيضا كإسرائيلي يعيش بالقرب من خطّ الاحتكاك هذا بين "حرب الحضارات".
ولكي يثبت البابا انعدام العقل في الإسلام فهو يؤكد أن النبي محمدا أمر أتباعه بنشر العقيدة الإسلامية بحد السيف. وحسبما جاء على لسان البابا فإن هذا شيء غير منطقي لأن الإيمان يولد من الروح لا من الجسد. فكيف يؤثّر السيف على الروح؟ ولإثبات مقولته لم يجد البابا أحدا أفضل من أحد الأباطرة البيزنطيين، الذي كان ينتمي بطبيعة الحال إلى الكنيسة الشرقية المنافسة، ليستشهد بكلامه. ففي أواخر القرن الرابع عشر دار حديث بين الإمبراطور مانويل الثاني بالايولوجس، أو كما قال (إذ يشك في أن يكون هذا قد حدث فعلا)، مع عالم فارسي مسلم لم يذكر اسمه. وفي غمرة النقاش المحتدم ألقى الإمبراطور (كما قال هو نفسه) الكلمات التالية في وجه خصمه: "فقط أرني أشياء جديدة جلبها محمد، ولن تجد سوى أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل وصيته التي يأمر فيها بنشر الدين بحد السيف". تفضي هذه الكلمات إلى طرح ثلاثة أسئلة: أ- لماذا قال الإمبراطور هذه الكلمات؟ ب- وما مدى صحتها؟ ج- ولماذا استشهد البابا الحالي بكلامه؟
(يُتْبَعُ)
(/)
عندما كتب مانويل الثاني أطروحته كان على رأس إمبراطورية تحتضر. فقد تبوأ السلطة في سنة 1391، التي لم يكن قد بقي منها سوى بضعة أقاليم من الإمبراطورية التي كانت ذائعة الصيت ذات يوم، والتي أضحت كذلك تحت رحمة التهديد التركي. في ذلك الوقت كان العثمانيون الأتراك قد وصلوا إلى ضفاف الدانوب، واحتلوا بلغاريا وشمال اليونان، وهزموا الجيوش التي كانت قد بعثت بها أوروبا مرتين لإنقاذ الإمبراطورية الشرقية. وفي سنة 1453، وبعد موت مانويل بسنوات قليلة، سقطت القسطنطينة (إستنبول حاليا) بيد الأتراك. وهكذا انتهت الإمبراطورية الذي دامت لأكثر من ألف سنة. وجاب مانويل خلال فترة حكمه عواصم أوروبا للحصول على دعم منها. وكان قد وعد بتوحيد الكنيسة مجددا. ومما لا شك فيه أنه كتب أطروحته الدينية هذه لكي يحرّض الدول المسيحية ضد الأتراك، وليقنعها بشن حملة صليبية جديدة. كان الهدف ذا طابع عملي، وكان الدين يعمل لخدمة السياسة.
لذلك فإن هذا الاستشهاد يخدم مآرب الإمبراطور الحالي جورج بوش الثاني. فهو أيضا يريد أن يوّحد العالم المسيحي ضد "محور الشرّ" المسلم. كما أن الأتراك يقرعون أبواب أوروبا ثانية، لكن بسلام هذه المرة. ومن المعروف أن البابا يؤيد الدول التي تعارض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي. هل توجد أيّ حقيقة في الحجّة التي أوردها مانويل؟ كان البابا نفسه قد ألقى كلمة ليكون في حيطة من أمره. فكونه عالما دينيا جديا ومشهورا فإنه لا يستطيع أن ينقض النصوص المكتوبة ويكذّبها. لذلك اعترف بأن القرآن قد حرّم بوضوحٍ نشرَ العقيدة باستخدام القوة. فقد اقتبس من سورة البقرة، الآية 256 (من الغريب القول بأنه معصوم عن الخطأ بصفته البابا، وأخطأ وقال الآية 257) التي تقول: "لا إكراه في الدين". كيف يمكن للمرء أن يتجاهل مثل هذا التصريح الواضح والجلي؟ لكن البابا يجادل بأن النبي محمدا كان قد جاء بهذه الآية عندما كان لا يزال في بداية رسالته، وكان لا يزال ضعيفا لا حول له ولا قوة، لكنه عندما اشتد عوده أمر أتباعه باستخدام السيف لنشر العقيدة. إلا أن هذا الأمر لم يرد في القرآن. صحيح أن محمد دعا إلى استخدام السيف لمحاربة القبائل التي حاربته وعارضته (مسيحيون ويهود وآخرون) في الجزيرة العربية عندما كان في طور إنشاء دولته. بيد أن هذا كان عملا سياسيا، وليس دينيا. كان في جوهره صراع على الأرض، لا من أجل نشر الدين.
قال المسيح: "من ثمراتهم يُعْرَفون"، إذ يجب الحكم على الطريقة التي عامل فيها الإسلام الديانات الأخرى، وذلك بإجراء اختبار بسيط: فكيف تصرف الحكّام المسلمون منذ أكثر من ألف سنة عندما كانوا يملكون القوة ويستطيعون "نشر الدين بالسيف"؟ حسنا، فهم لم يفعلوا ذلك. فقد دام حكم المسلمين على اليونان قرونا عديدة، لكن هل أصبح اليونانيون مسلمين؟ هل حاول أحد أن يرغمهم على اعتناق الإسلام؟ على العكس فقد تبوأ المسيحيون اليونانيون أعلى المناصب في الإدارة العثمانية، وعاش البلغاريون والصرب والرومانيون والهنغاريون وشعوب دول أوربية أخرى لفترات متفاوتة تحت حكم الدولة العثمانية، وتمسكوا بدينهم المسيحي، إذ لم يرغمهم أحد على اعتناق الإسلام، وظلوا جميعهم مسيحيين أتقياء. صحيح أن الألبانين اعتنقوا الإسلام، وكذلك البوشناق. لكن لا يستطيع أحد أن يدّعي بأنهم اعتنقوا الإسلام بالإكراه، بل اعتنقوه لتكون لديهم حظوة لدى الحكومة وليتمتعوا بخيراتها.
في عام 1099 غزا الصليبيون القدس وأعملوا في سكانها المسلمين واليهود قتلا وذبحا بدون تمييز، وذلك باسم السيد المسيح المتسامح الرقيق الجانب. في ذلك الحين كان قد مضى على احتلال المسلمين لفلسطين 400 سنة، وكان المسيحيون لا يزالون يشكلون غالبية السكان في البلاد. وخلال هذه الفترة الطويلة لم يبذل المسلمون أي جهد لفرض دينهم عليهم. أما بعد أن ُطرِد الصليبيون من البلاد بدأ معظم السكان يتكلمون اللغة العربية وأخذوا يعتنقون الدين الإسلامي، وهم أسلاف معظم فلسطينيي اليوم.
(يُتْبَعُ)
(/)
لا يوجد أي دليل على الإطلاق على وجود أي محاولة لفرض الإسلام على اليهود. وكما هو معروف تماما فقد نعم يهود أسبانيا، تحت حكم المسلمين، بازدهار لم يتمتع به اليهود في أي مكان من العالم حتى وقتنا هذا تقريبا. فقد نظم شعراء مثل يهودا هاليفي (الشاعر الأندلسي المعروف باسم أبو حسن اللاوي) باللغة العربية، كما كان يفعل الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون العظيم. وفي أسبانيا الإسلامية شغل اليهود مناصب وزراء، وكانوا شعراء وعلماء معروفين. وفي طليطلة الإسلامية كان العلماء المسلمون واليهود والمسيحيون يعملون معا، وقاموا بترجمة النصوص اليونانية الفلسفية والعلمية القديمة. كان ذلك حقا عصرا ذهبيا. فهل من الممكن أن يكون النبي قد أمر "بنشر الدين بالسيف"؟
لكن ما حدث بعد ذلك لهو أشد أثرا في النفس. فعندما احتل الكاثوليك إسبانيا ثانية واستردوها من المسلمين فرضوا عهد الإرهاب الديني، إذ كان أمام اليهود والمسلمين خياران قاسيان لا ثالث لهما: فإما أن يعتنقوا المسيحية أو أن يُقْتَلوا أو يغادروا البلاد. وإلى أين هرب مئات الآلاف من اليهود الذين رفضوا أن يتخلوا عن دينهم؟ لقد اسْتُقْبِلوا جميعهم تقريبا بحفاوة في البلدان الإسلامية، إذ استقر اليهود السيفارديم (الأسبان) في جميع أرجاء العالم الإسلامي: من المغرب غربا وحتى العراق شرقا، ومن بلغاريا (التي كانت جزءا من الإمبراطورية العثمانية آنذاك) شمالا وحتى السودان جنوبا. ولم يتعرضوا للاضطهاد في أي بقعة انتقلوا إليها، ولم يعرفوا شيئا مثل التعذيب الذي كانت تمارسه محاكم التفتيش، وأعمال الحرق علنا في الساحات العامة، وعمليات القتل والذبح، والطرد الجماعي الفظيع الذي حدث في جميع البلدان المسيحية تقريبا حتى وقوع المحرقة.
لماذا؟ لأن الإسلام حرّم صراحةً ممارسة أيّ اضطهاد على "أهل الكتاب"، فقد كان اليهود والمسيحيون يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع الإسلامي. صحيح أنه لم تكن لهم حقوق متساوية تماما مع السكان المسلمين، إلا أنهم كانوا يتمتعون بجميع الحقوق تقريبا، فقد كانوا يدفعون الجزية، لكنهم كانوا مُعْفَيْنَ من الخدمة العسكرية. وهذه مقايضة لاقت ترحيبا كبيرا لدى الكثيرين من اليهود. وذُكِر أن الحكّام المسلمين كانوا يرفضون أيّ محاولة لجعل اليهود يعتنقون الإسلام حتى بالحسنى لأن ذلك كان سيؤدي إلى خسارة الضرائب التي يدفعونها. لا يمكن لأيّ يهودي صادق يعرف تاريخ شعبه جيدا إلا أن يشعر بالامتنان العميق للإسلام والمسلمين، الذين قدموا الحماية لليهود على مدى خمسين جيلا، في الوقت الذي كان فيه العالم المسيحي يضطهد اليهود، وحاول في أحيان كثيرة "بالسيف" أن يجعلهم يتخلون عن دينهم.
إن قصة "نشر الدين بحد االسيف" أسطورة شريرة وآثمة. إنها إحدى الأساطير التي ظهرت في أوروبا في أثناء قيام حروب كبرى ضد المسلمين: استرداد أسبانيا على يد المسيحيين، الحملات الصليبية، وطرد الأتراك الذين أصبحوا على أبواب فيينا. إني أشكّ في أن البابا الألماني أيضا يؤمن بهذه الخرافات حقا. وهذا يعني أن زعيم العالم الكاثوليكي، الذي يعد عالما في الدين المسيحي عن جدارة، لم يبذل أي جهد في دراسة تاريخ الديانات الأخرى. لماذا قال هذه الكلمات على الملأ؟ ولماذا الآن؟ لا مفر من رؤيتها من زاوية الحملة الصليبية الجديدة التي يشنّها بوش وأتباعه الإنجيليون بشعاراته: "الفاشية الإسلامية"، و"الحرب العالمية على الإرهاب" عندما أصبح "الإرهاب" مرادفا لكلمة المسلمين. فبالنسبة لأعوان بوش فإن هذه مجرد محاولة سافرة لتبرير هيمنتهم على منابع النفط في العالم. فليست هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تنشر فيها عباءة دينية لتغطية عُرْي المصالح الاقتصادية. ليست هذه هي المرة الأولى التي تتحول فيها الحملات اللصوصية إلى حملة صليبية. إن الكلمة التي ألقاها البابا تندرج في هذا المسعى. لكن من يستطيع أن يتنبّأ بالعواقب المريعة؟ ".
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك ينهال رَسِلْ على الكنيسة براجماتِ صواريخه مؤكدا أن الكنيسة كانت وما زالت تقف ضد العلم وضد كل قيمة كريمة وأنها كانت ولا تزال تأخذ دائما جانب الاستبداد والعنصرية والخرافة والاستعمار ... إلخ: "كلما ازداد التحمس للدين (يقصد الدين المسيحى) وتصلَّب الاعتقاد في أي عصر من العصور تعاظمت الوحشية وساءت الأحوال. وفيما يسمى بـ"عصور الإيمان"، عندما كان المسيحيون يؤمنون إيمانا كاملا بالمسيحية، كانت هناك محاكم التفتيش بكل ما كانت تنزله بالناس من ألوان التعذيب. لقد أُحْرِقَت فيه ملايين النساء بتهمة ممارسة السحر، ومورست كل أشكال القسوة ضد الناس باسم الدين. وإذا نظرتم حولكم فى كل مكان فلسوف تلاحظون أن كل تحضر فى المشاعر الإنسانية، وكل تطور في مجال القانون، وكل خطوة نحو مناهضة الحرب، وكل دعوة لتحسين معاملة الأجناس الملونة، وكل محاولة لتخفيف ويلات العبودية، وكل تقدم أخلاقى فى العالم، سوف تلاحظون أن كل هذه الأمور قد وقفت الكنائس فى كل أنحاء العالم ضدها. وأنا أصرح بكل ما أوتيت من ثقة أن الدين المسيحي متمثلا فى كنائسه هو العدو الرئيسى للتقدم الأخلاقى فى العالم".
هذا ما قاله برتراند رسل عن المسيحية، وإلى القارئ بعض ما هو معروف من موقف الإسلام من تلك القضايا والقيم. وبين الموقفين فرقُ ما بين المشرق والمغرب. وسوف نكتفى بوضع النصوص بين يدى القارئ، ثم نخلى بينه وبين عقله ينظر ويقارن ويحكم. ففى القرآن المجيد: "وقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كُفْرَان لسعيه"، "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يُجْزَى إلا مثلها، وهم لا يُظْلَمون"، "قل: يا عبادىَ الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا. إنه هو الغفور الرحيم"، "وقل: رب، زدنى علما"، "قل: هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب". وفى الأحاديث النبوية الكريمة: "الدنيا حلوةٌ خَضِرَةٌ، فمن أخذها بحقّه بورك له فيها"، "نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجل الصالح"، "سعادة لابن آدم ثلاث، وشقاوة لابن آدم ثلاث. فمن سعادة ابن آدم الزوجة الصالحة، والمركب الصالح، والمسكن الواسع. وشقوة لابن آدم ثلاث: المسكن السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء"، "لأن يحتطب أحدكم حزمةً على ظهره خيرٌ من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه"، وفى الحديث "أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلْسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقَعْبٌ نشرب فيه من الماء. قال: ائتني بهما. قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم. قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قَدُومًا فأتني به. فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: اذهب فاحتطب وبِعْ، ولا أَرَيَنَّك خمسة عشر يوما. فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا، وببعضها طعاما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع"، "والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم"، "من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع"، و"إن الله عز وجل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكا فى طلب العلم سهّلتُ له طريق الجنة"، و"فضلٌ في علمٍ خيرٌ من فضلٍ في عبادة"، "من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما. ورَّثوا العلم. فمن أخذه أخذ بحظ وافر"، "من نفَّس عن مؤمن كربةً من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن يسَّر على مُعْسِر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، "إذا اجتهد (الشخص) فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر"، "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، "إماطة الأذى عن الطريق صدقة"، "النظافة من الإيمان"، "إن الله جميل يحب الجمال"، "تدخلون عليّ قُلْحًا (أى صُفْرَ الأسنان)! استاكوا، فلولا أن أَشُقّ على أمتي لفرضتُ عليهم السواك عند كل صلاة"، "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس و اللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده) أنِ اخْرُجْ (كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته)، ففعل الرجل ثم رجع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟ "، "إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فَسِيلة فليغرسها"، "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داءٍ دواءً، فتَدَاوَوْا"، "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا"، "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء"، "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا. ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أوَلاَ أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"، "غُفِر لأمرأة مومسة مرت بكلب على رأسِ رَكِيٍّ يلهث، قال: كاد يقتله العطش، فنزعت خفها فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغُفِر لها بذلك"، "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثلُ الذي كان بَلَغ بي. فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: في كل ذاتِ كبدٍ رَطْبَةٍ أجر"، "دخلت امرأة النار في هرةٍ حبستْها: فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خَشَاش الأرض"، "انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم (ابن النبى)، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي". والآن ما رأى برتراند رسل فيلسوفنا الكبير؟
أما بالنسبة إلى محاكم التفتيش، تلك المؤسسة الإجرامية التى عرفتها البشرية فى ظل الحكم المسيحى فى أسبانيا وغيرها فمن المستحسن أن نسوق بعض النصوص التى تعرّف بها حتى يكون القارئ على بينة مما يتحدث عنه رَسِلْ بكل هذا الغضب النبيل. إنها هيئات أنشأتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية للقبض على الأشخاص المعارضين لتعاليم الكنيسة ومحاكمتهم. وقد أقيمت هذه المحاكم في كثير من أرجاء أوروبا، إلا أن محكمة التفتيش الأسبانية كانت هي أكثرها شهرة. ومنها تلك المحاكم التي أقامها الملك فرديناند الخامس وزوجته إيزابيللا للتجسس على أهل الأندلس المسلمين الذين تم تنصيرهم قسرا، وللتنكيل الوحشى بهم. وكانت تعاليم الكنيسة تعد أساسًا للقانون والنظام ابتداءً من حكم الإمبراطور الروماني قسطنطين (306 - 337م)، وكان الخروج عليها جريمة ضد الدولة. وخلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين ثارت جماعات معينة من الرومان الكاثوليك ضد كنيستهم، وبعد أن رفض بعض الحكام المدنيين أو عجزوا عن معاقبة المهرطقين تولت الكنيسة هذه المهمة. وفي عام 1231م أنشأ البابا جريجوري التاسع محكمة خاصة للتحقيق مع المتهمين وإجبار المارقين على تغيير معتقداتهم. وبعد نحو قرنين من الزمان تولت لجنة الكرادلة التابعة للمكتب البابوي عملية التحقيق. وكثرت محاكم التفتيش في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا، وكان التعذيب وسيلة اعتيادية جدا فى تلك المحاكم، ومنه حرق المحكوم عليهم أحياءً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكى يأخذ القارئ فكرة عن الترويع الذى كانت تنشره تلك المحاكم والتعذيب الذى كانت تنزله بمن تسوقهم أقدارهم السُّود إلى الوقوع فى براثن رجال الكنيسة نسوق هنا نصين هامين: الأول قصة كتبها الشيخ على الطنطاوى بعنوان "محمد الصغير" تصور طرفا ضئيلا من الجو الرهيب الذى عاش فيه المسلمون فى الأندلس أيام تلك المحاكم الوحشية. تقول القصة، وهى مروية بلسان البطل الصغير: "كنت يومئذ صغيرا لا أفقه شيئا مما كان يجري في الخفاء. ولكني كنت أجد أبي، رحمه الله، يضطرب ويصفر لونه كلما عدت من المدرسة فتلوت عليه ما حفظت من "الكتاب المقدس" وأخبرته بما تعلمت من اللغة الإسبانية، ثم يتركني ويمضي إلى غرفته التي كانت في أقصى الدار، والتي لم يكن يأذن لأحد بالدنو من بابها، فيلبث فيها ساعات طويلة لا أدري ما يصنع فيها، ثم يخرج منها محمر العينين كأنه كان يبكى بكاءً طويلا. ويبقى أياما ينظر إلىَّ بلهفة وحزن ويحرك شفتيه، فعل من يهم بالكلام. فإذا وقفت مصغيا إليه ولاّني ظهره وانصرف عني من غير أن يقول شيئا. وكنت أجد أمي تشيعني كلما ذهبتُ إلى المدرسة حزينة دامعة العين، وتقبلني بشوق وحرقة، ثم لا تشبع مني، فتدعوني فتقبلني مرة ثانية، ولا تفارقني إلا باكية، فأحس نهاري كله بحرارة دموعها على خدي، فأعجب من بكائها ولا أعرف له سببا. ثم إذا عدت من المدرسة استقبلتني بلهفة واشتياق كأني كنت غائبا عنها عشرة أعوام. وكنت أرى والديّ يبتعدان عني، ويتكلمان همسا بلغة غير اللغة الإسبانية لا أعرفها ولا أفهمها. فإذا دنوت منهما قطعا الحديث وحوّلاه، وأخذا يتكلمان بالإسبانية، فأعجب وأتألم، وأذهب أظن في نفسي الظنون حتى إني لأحسب أني لست ابنهما، وأني لقيط جاءا به من الطريق، فيبرّح بي الألم، فآوي إلى ركن في الدار منعزل، فأبكي بكاءً مرًّا. وتوالت علي الآلام فأورثتني مزاجا خاصا يختلف عن أمزجة الأطفال الذين كانوا في مثل سني، فلم أكن أشاركهم في شيء من لعبهم ولهوهم، بل أعتزلهم وأذهب فأجلس وحيدا أضع رأسي بين كفي، وأستغرق في تفكيري أحاول أن أجد حلا لهذه المشكلات حتى يجذبني الخوري من كم قميصي لأذهب إلى الصلاة في الكنيسة. وولدت أمي مرة، فلما بشرت أبي بأنها قد جاءت بصبي جميل لم يبتهج، ولم تَلُحْ على شفتيه ابتسامة، ولكنه قام بجر رجله حزينا ملتاعا، فذهب إلى الخوري، فدعاه ليعمد الطفل. وأقبل يمشي وراءه، وهو مطرق برأسه إلى الأرض، وعلى وجهه علائم الحزن المبرح واليأس القاتل، حتى جاء به إلى الدار ودخل به على أمي، فرأيت وجهها يشحب شحوبا هائلا، وعينيها تشخصان، ورأيتها تدفع إليه الطفل خائفة حذرة، ثم تغمض عينيها. فحرت في تعليل هذه المظاهر، وازددت ألما على ألمي. حتى إذا كان ليلة عيد الفصح، وكانت غرناطة غارقة في العصر والنور، والحمراء تتلألأ بالمشاعل والأضواء، والصلبان تومض على شرفاتها ومآذنها، دعاني أبي في جوف الليل، وأهل الدار كلهم نيام، فقادني صامتا إلى غرفته، إلى حرمه المقدّس، فخفق قلبي خفوقا شديدا واضطربتُ، لكني تماسكت وتجلدت. فلما توسط بي الغرفة أحكم إغلاق الباب، وراح يبحث عن السراج، وبقيت واقفا في الظلام لحظات كانت أطول عليّ من أعوام، ثم أشعل سراجا صغيرا كان هناك، فتلفتّ حولي فرأيت الغرفة خالية ليس فيها شيء مما كنت أتوقع رؤيته من العجائب، وما فيها إلا بساط وكتاب موضوع على رف، وسيف معلق بالجدار. فأجلسني على هذا البساط، ولبث صامتا ينظر إليّ نظرات غريبة اجتمعت عليَّ هي ورهبة المكان وسكون الليل، فشعرت كأني انفصلت عن الدنيا التي تركتها وراء هذا الباب، وانتقلت إلى دنيا أخرى لا أستطيع وصف ما أحسست به منها. ثم أخذ أبي يديَّ بيديه بحنو وعطف، وقال لي بصوت خافت: يا بني، إنك الآن في العاشرة من عمرك، وقد صرت رجلا. وإني سأطلعك على السر الذي طالما كتمته عنك. فهل تستطيع أن تحتفظ به في صدرك، وتحبسه عن أمك وأهلك وأصحابك والناس أجمعين؟ إن إشارة منك واحدة إلى هذا السر تعرض جسم أبيك إلى عذاب الجلادين من رجال "ديوان التفتيش".
(يُتْبَعُ)
(/)
فلما سمعت اسم ديوان التفتيش ارتجفتُ من مَفْرِق رأسي إلى أَخْمَص قدمي. وقد كنت صغيرا حقا، ولكني أعرف ما هو ديوان التفتيش، وأرى ضحاياه كل يوم، وأنا غادٍ إلى المدرسة ورائحٌ منها ـ فمن رجال يُصْلَبون أو يُحْرَقون، ومن نساء يعلَّقْن من شعورهن حتى يمتن أو تُبْقَر بطونهن، فسكتُّ ولم أجب.
فقال لي أبي: مالك لا تجيب؟ أتستطيع أن تكتم ما سأقوله لك؟
قلت: نعم
قال: تكتمه حتى عن أمك وأقرب الناس إليك؟
قلت: نعم
قال: اقترب مني. أرهفْ سمعك جيدا، فإني لا أقدر أن أرفع صوتي. أخشى أن تكون للحيطان آذان، فَتَشِيَ بي إلى ديوان التفتيش، فيحرقني حيا.
فاقتربت منه وقلت له: إني مُصْغٍ يا أبت.
فأشار إلى الكتاب الذي كان على الرف وقال: أتعرف هذا الكتاب يا بني؟
قلت: لا.
قال: هذا كتاب الله.
قلت: الكتاب المقدس الذي جاء به يسوع بن الله؟
فاضطرب وقال: كلا، هذا هو القرآن الذي أنزله الله، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، على أفضل مخلوقاته، وسيد أنبيائه، سيدنا محمد بن عبد الله النبي العربي صلى الله عليه وسلم.
ففتحت عيني من الدهشة، ولم أكد أفهم شيئا.
قال: هذا كتاب الإسلام، الإسلام الذي بعث الله به محمدا إلى الناس كافة، فظهر هناك وراء البحار والبوادي في الصحراء البعيدة القاحلة، في مكة في قوم بداة مختلفين مشركين جاهلين، فهداهم به إلى التوحيد، وأعطاهم به الاتحاد والقوة والعلم والحضارة، فخرجوا يفتحون به المشرق والمغرب، حتى وصلوا إلى هذه الجزيرة، إلى إسبانيا، فعدلوا بين الناس، وأحسنوا إليهم، وأمنوهم على أرواحهم وأموالهم، ولبثوا فيها ثمانمائة سنة، ثمانمائة سنة جعلوها فيها أرقى وأجمل بلاد الدنيا. نعم يا بني نحن العرب المسلمين.
فلم أملك لساني من الدهشة والعجب والخوف، وصحت به: ماذا؟ نحن؟ العرب المسلمين؟
قال: نعم يا بني. هذا هو السر الذي سأفضي به إليك. نعم نحن. نحن أصحاب هذه البلاد،. نحن بنينا هذه القصور التي كانت لنا فصارت لعدونا. نحن رفعنا هذه المآذن التي كان يرن فيها صوت المؤذن، فصار يقرع فيها الناقوس. نحن أنشأنا هذه المساجد التي كان يقوم فيها المسلمون صفا بين يدي الله، وأمامهم الأئمة يتلون في المحاريب كلام الله، فصارت كنائس يقوم فيها القسوس والرهبان يرتلون فيها الإنجيل.
نعم يا بني، نحن العرب المسلمين، لنا في كل بقعة من بقاع إسبانيا أثر، وتحت كل شبر منها رفات جد من أجدادنا، أو شهيد من شهدائنا. نعم، نحن بنينا هذه المدن. نحن أنشأنا هذه الجسور. نحن مهدنا هذه الطرق. نحن شققنا هذه الترع. نحن زرعنا هذه الأشجار.
ولكن منذ أربعين سنة، أسامع أنت؟ منذ أربعين سنة خُدِع الملك البائس أبو عبد الله الصغير، آخر ملوكنا في هذه الديار، بوعود الإسبان وعهودهم، فسلمهم مفاتيح غرناطة، وأباحهم حمى أمته ومدافن أجداده، وأخذ طريقه إلى بر المغرب ليموت هناك وحيدا فريدا شريدا طريدا. وكانوا قد تعهدوا لنا بالحرية والعدل والاستقلال، فلما ملكوا خانوا عهودهم كلها، فأنشأوا ديوان التفتيش، فأُدْخِلْنا في النصرانية قسرا، وأُجْبِرْنا على ترك لغتنا إجبارا، وأخذوا منا أولادنا لينشئوهم على النصرانية. فذلك سر ما ترى من استخفائنا بالعبادة، وحزننا على ما نرى من أمتهان ديننا، وتكفير أولادنا. أربعون سنة يا بني، ونحن صابرون على هذا العذاب الذي لا تحتمله جلاميد الصخر، ننتظر فرج الله، لا نيأس لأن اليأس محرم في ديننا، دين القوة والصبر والجهاد. هذا هو السر يا بني فاكتمه، واعلم أن حياة أبيك معلقة بشفتيك، ولست والله أخشى الموت أو أكره لقاء الله. ولكني أحب أن أبقى حيا حتى أعلمك لغتك ودينك وأنقذك من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، فقم الآن إلى فراشك يا بني.
(يُتْبَعُ)
(/)
صرت من بعد كلما رأيت شرف الحمراء أو مآذن غرناطة تعروني هزة عنيفة، وأحس بالشوق والحزن، والبغض والحب، يغمر فؤادي. وكثيرا ما ذهلت عن نفسي ساعات طويلة، فإذا تنبهت أطوف بالحمراء وأخاطبها وأعاتبها وأقول لها: أيتها الحمراء، أيتها الحبيبة الهاجرة، أنسيت بُناتَك وأصحابك الذي غذوك بأرواحهم ومهجهم، وسقوك دماءهم ودموعهم، فتجاهلت عهدهم وأنكرت ودهم؟ أنسيت الملوك الصِّيد الذين كانوا يجولون في أبهائك، ويتكئون على أساطينك، ويفيضون عليك ما شئت من المجد والجلال، والأبهة والجمال، أولئك الأعزة الكرام الذين إن قالوا أصغت الدنيا، وإن أمروا لبى الدهر؟ أألفت النواقيس بعد الأذان؟ أرضيت بعد الأئمة بالرهبان؟
ثم أخاف أن يسمعني بعض جواسيس الديوان، فأسرع الكرّة إلى الدرة لأحفظ درس العربية، الذي كان يلقيه عليّ أبي، وكأني أراه الآن يأمرني أن أكتب له الحرف الأعجمي، فيكتب لي حذاءه الحرف العربي، ويقول لي: هذه حروفنا. ويعلمني النطق بها ورسمها، ثم يلقي عليّ درس الدين، ويعلمني الوضوء والصلاة لأقوم وراءه نصلي خفية في هذه الغرفة الرهيبة. وكان الخوف من أن أزلّ فأفشي السر لا يفارقه أبدا، وكان يمنحنني فيدس أمي إليّ فتسألني: ماذا يعلمك أبوك؟
فأقول: لا شيء
فتقول: إن عندك نبأ مما يعلمك، فلا تكتمه عني.
فأقول: إنه لا يعلمني شيئا.
حتى أتقنت العربية، وفهمت القرآن، وعرفت قواعد الدين، فعرّفني بأخ له في الله، نجتمع نحن الثلاثة على عبادتنا وقرآننا.
واشتدت بعد ذلك قسوة ديوان التفتيش، وزاد في تنكيله بالبقية الباقية من العرب، فلم يكن يمضي يوم لا نرى فيه عشرين أو ثلاثين مصلوبا، أو محرقا بالنار حيا، ولا يمضي يوم لا نسمع فيه بالمئات يعذبون أشد العذاب وأفظعه، فتقلع أظافرهم، وهم يرون ذلك بأعينهم، ويُسْقَوْن الماء حتى تنقطع أنفاسهم، وتكوى أرجهلم وجنوبهم بالنار، وتقطع أصابعهم وتشوى وتوضع في أفواههم، ويجلدون حتى يتناثر لحمهم. واستمر ذلك مدة طويلة، فقال لي أبي ذات يوم: إني أحس يا بني كأن أجلي قد دنا، وإني لأهوى الشهادة على أيدي هؤلاء، لعل الله يرزقني الجنة فأفوز بها فوزا عظيما، ولم يبق لي مأرب في الدنيا بعد أن أخرجتك من ظلمة الكفر، وحملتك الأمانة الكبرى، التي كدت أهوي تحت أثقالها. فإذا أصابني أمر فأطع عمك هذا ولا تخالفه في شيء. ومرّت على ذلك أيام، وكانت ليلة سوداء من ليالي السِّرار، وإذا بعمي هذا يدعوني ويأمرني أن أذهب معه، فقد يسر الله لنا سبيل الفرار إلى عدوة المغرب بلد المسلمين فأقول له: وأبي وأمي؟ فيعنف عليّ ويشدُّني من يدي ويقول لي: ألم يأمرك أبوك بطاعتي؟
فأمضي معه صاغرا كارها، حتى إذا ابتعدنا عن المدينة وشملنا الظلام، قال لي: اصبر يا بني، فقد كتب الله لوالديك المؤمنين السعادة على يد ديوان التفتيش.
ويخلص الغلام إلى بر المغرب ويكون منه العالم المصنف سيدي محمد بن عبد الرفيع الأندلسي، وينفع الله به وبتصانيفه".
أما النص الثانى فهو الفقرات التالية فى تصوير ما أنزله نصارى أسبانيا بالمسلمين من ترويع بعدما دالت دولة الإسلام فى الأندلس وأصبح السلطان للنصارى، الذين سرعان ما تناسوا أن المسلمين كانوا قد تركوا مواطنيهم النصارى فى تلك البلاد يعيشون معهم فى أمان، ويمارسون دينهم كما يحلو لهم دون أى تدخل من جانبهم ودون أى تضييق عليهم أو تعرض لهم بعنت أو أذى: "سقطت غرناطة آخر قلاع المسلمين في إسبانيا سنة 897 هـ- 1492م، وكان ذلك نذيرًا بسقوط صرح الأمة الأندلسية الديني والاجتماعي وتبدد تراثها الفكري والأدبي. وكانت مأساة المسلمين هناك من أفظع مآسي التاريخ حيث شهدت تلك الفترة أعمالا بربرية وحشية ارتكبتها محاكم التحقيق (التفتيش) لتطهير أسبانيا من آثار الإسلام والمسلمين، وإبادة تراثهم الذي ازدهر في هذه البلاد زهاء ثمانية قرون من الزمان. وهاجر كثير من مسلمي الأندلس إلى الشمال الإفريقي بعد سقوط مملكتهم فرارًا بدينهم وحريتهم من اضطهاد النصارى الأسبان لهم، وعادت أسبانيا إلى دينها القديم. أما من بقي من المسلمين فقد أجبر على التنصر أو الرحيل، وأفضت هذه الروح النصرانية المتعصبة إلى مطاردة وظلم وترويع المسلمين العُزْل، انتهى بتنفيذ حكم الإعدام ضد أمة ودين على أرض أسبانيا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونشط ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي يدعمه العرش والكنيسة في ارتكاب الفظائع ضد الموريسكيين (المسلمين الذين أجبروا على التنصير)، وصدرت عشرات القرارات التي تحول بين هؤلاء المسلمين ودينهم ولغتهم وعاداتهم وثقافتهم. فقد أحرق الكردينال خمينيث عشرات الآلاف من كتب الدين والشريعة الإسلامية، وصدر أمر ملكي يوم 22 ربيع أول 917 هـ- 20 يونيو 1511 يلزم جميع السكان الذي تنصروا حديثًا أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم. ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية وانتهت بفرض التنصير الإجباري على المسلمين، فحمل التعلق بالأرض وخوف الفقر كثيرًا من المسلمين على قبول التنصر ملاذًا للنجاة، ورأى آخرون أن الموت خير ألف مرة من أن يصبح الوطن العزيز مهدًا للكفر، وفر آخرون بدينهم، وكتبت نهايات متعددة لمأساة واحدة هي رحيل الإسلام عن الأندلس.
توفي فرناندو الخامس ملك إسبانيا في 17 ذي الحجة 921 هـ- 23 يناير 1516م، وأوصى حفيده شارل الخامس بحماية الكاثوليكية والكنيسة واختيار المحققين ذوي الضمائر الذين يخشون الله لكي يعملوا في عدل وحزم لخدمة الله وتوطيد الدين الكاثوليكي، كما يجب أن يسحقوا طائفة محمد. وقد لبث فرناندو زهاء عشرين عامًا بعد سقوط الأندلس ينزل العذاب والاضطهاد بمن بقي من المسلمين في أسبانيا. وكانت أداته في ذلك محاكم التحقيق التي أنشئت بمرسوم بابوي صدر في رمضان 888هـ- أكتوبر 1483م، وعين القس توماس دي تركيمادا محققًا عامًًّا لها ووضع دستورًا لهذه المحاكم الجديدة وعددًا من اللوائح والقرارات. وقد مورست في هذه المحاكم معظم أنواع التعذيب المعروفة في العصور الوسطى، وأزهقت آلاف الأرواح تحت وطأة التعذيب. وقلما أصدرت هذه المحاكم حكمًا بالبراءة، بل كان الموت والتعذيب الوحشي هو نصيب وقسمة ضحاياها، حتى إن بعض ضحاياها كان ينفذ فيه حكم الحرق في احتفال يشهده الملك والأحبار. وكانت احتفالات الحرق الجماعية تبلغ في بعض الأحيان عشرات الأفراد. وكان فرناندو الخامس من عشاق هذه الحفلات. وكان يمتدح الأحبار المحققين كلما نظمت حفلة منها. وبث هذا الديوان منذ قيامه جوا من الرهبة والخوف في قلوب الناس، فعمد بعض هؤلاء الموريسكيين إلى الفرار. أما الباقي فأبت الكنيسة الكاثوليكية أن تؤمن بإخلاصهم لدينهم الذي أجبروا على اعتناقه لأنها لم تقتنع بتنصير المسلمين الظاهري، بل كانت ترمي إلى إبادتهم.
تنفس الموريسكيون الصعداء بعد موت فرناندو وهبت عليهم رياح جديدة من الأمل، ورجوا أن يكون عهد شارل الخامس خيرًا من سابقه. وأبدى الملك الجديد في البداية شيئًا من اللين والتسامح نحو المسلمين والموريسكيين، وجنحت محاكم التحقيق إلى نوع من الاعتدال في مطاردتهم، وكفت عن التعرض لهم في أراجون بسعي النبلاء والسادة الذين يعمل المسلمون في ضياعهم. ولكن هذه السياسة المعتدلة لم تدم سوى بضعة أعوام، وعادت العناصر الرجعية المتعصبة في البلاط وفي الكنيسة فغلبت كلمتها، وصدر مرسوم في 16 جمادى الأولى 931هـ- 12 مارس 1524م يحتم تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى النصرانية من إسبانيا، وأن يعاقب كل مسلم أبى التنصر أو الخروج في المهلة الممنوحة بالرق مدى الحياة، وأن تحول جميع المساجد الباقية إلى كنائس. ولما رأى الموريسكيون هذا التطرف من الدولة الإسبانية استغاثوا بالإمبراطور شارل الخامس، وبعثوا وفدًا منهم إلى مدريد ليشرح له مظالمهم، فندب شارل محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق برئاسة المحقق العام لتنظر في شكوى المسلمين، ولتقرر ما إذا كان التنصير الذي وقع على المسلمين بالإكراه يعتبر صحيحًا ملزمًا، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت.
وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة بأن التنصير الذي وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة لأن هؤلاء الموريسكيين سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه، فكانوا بذلك أحرارًا في قبوله.
وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهًا على البقاء في أسبانيا باعتبارهم نصارى، وأن ينصر كل أولادهم، فإذا ارتدوا عن النصرانية قضي عليهم بالموت أو المصادرة. وقضى الأمر في الوقت نفسه بأن تحول جميع المساجد الباقية في الحالة إلى كنائس.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان قدر هؤلاء المسلمين أن يعيشوا في تلك الأيام الرهيبة التي ساد فيها إرهاب محاكم التحقيق. وكانت لوائح الممنوعات ترد تباعًا، وحوت أوامر غريبة منها: حظر الختان، وحظر الوقوف تجاه القبلة، وحظر الاستحمام والاغتسال، وحظر ارتداء الملابس العربية. ولما وجدت محكمة تفتيش غرناطة بعض المخالفات لهذه اللوائح عمدت إلى إثبات تهديدها بالفعل، وأحرقت اثنين من المخالفين في شوال 936هـ- مايو 1529م في احتفال ديني.
كان لقرارات هذا الإمبراطور أسوأ وقع لدى المسلمين، وما لبثت أن نشبت الثورة في معظم الأنحاء التي يقطنونها في سرقسطة وبلنسية وغيرهما، واعتزم المسلمون الموت في سبيل الدين والحرية. إلا أن الأسبان كانوا يملكون السلاح والعتاد فاستطاعوا أن يخمدوا هذه الثورات المحلية باستثناء بلنسية، التي كانت تضم حشدًا كبيرًا من المسلمين يبلغ زهاء 27 ألف أسرة، فإنها استعصت عليهم لوقوعها على البحر واتصالها بمسلمي المغرب. وقد أبدى مسلمو بلنسية مقاومة عنيفة لقرارات التنصير، ولجأت جموع كبيرة منهم إلى ضاحية بني وزير، فجردت الحكومة عليهم قوة كبيرة مزودة بالمدافع، وأرغمت المسلمين في النهاية على التسليم والخضوع، وأرسل إليهم الإمبراطور إعلان الأمان على أن يتنصروا، وعدلت عقوبة الرق إلى الغرامة، وافتدى الأندلسيون من الإمبراطور حق ارتداء ملابسهم القومية بمبلغ طائل.
وكانت سياسة التهدئة من شارل الخامس محاولة لتهدئة الأوضاع في جنوب الأندلس حتى يتفرغ للاضطرابات التي اندلعت في ألمانيا وهولندا بعد ظهور مارتن لوثر وأطروحاته الدينية لإصلاح الكنيسة وانتشار البروتستانتية. لذلك كان بحاجة إلى توجيه كل اهتمامه واهتمام محاكم التحقيق إلى الهراطقة في شمال أوروبا. كما أن قيام محاكم التحقيق بما يفترض أن تقوم به كان يعني إحراق جميع الأندلسيين لأن الكنيسة تدرك أن تنصرهم شكلي لا قيمة له. يضاف إلى ذلك أن معظم المزارعين الأندلسيين كانوا يعملون لحساب النبلاء أو الكنيسة، وكان من مصلحة هؤلاء الإبقاء على هؤلاء المزارعين وعدم إبادتهم.
وكان الإمبراطور شارل الخامس حينما أصدر قراره بتنصير المسلمين وَعَدَ بتحقيق المساواة بينهم وبين النصارى في الحقوق والواجبات. ولكن هذه المساواة لم تتحقق قط، وشعر هؤلاء أنهم ما زالوا موضع الريب والاضطهاد، ففرضت عليم ضرائب كثيرة لا يخضع لها النصارى. وكانت وطأة الحياة تثقل عليهم شيئًا فشيئًا حتى أصبحوا أشبه بالرقيق والعبيد. ولما شعرت السلطات بميل الموريسكيين إلى الهجرة صدر قرار في سنة 948 هـ=1514م يحرم عليهم تغيير مساكنهم، كما حرم عليهم النزوح إلى بلنسية، التي كانت دائمًا طريقهم المفضل إلى الهجرة. ثم صدر قرار بتحريم الهجرة من هذه الثغور إلا بترخيص ملكي نظير رسوم فادحة. وكان ديوان التحقيق يسهر على حركة الهجرة ويعمل على قمعها بشدة.
ولم تمنع هذه الشدة من ظهور اعتدال من الإمبراطور في بعض الأوقات. ففي سنة 950 هـ- 1543م أصدر عفوًا عن بعض المسلمين المتنصرين تحقيقًا لرغبة مطران طليطلة، وأن يسمح لهم بتزويج أبنائهم وبناتهم من النصارى الخلص، ولا تصادر المهور التي دفعوها للخزينة بسبب الذنوب التي ارتكبوها. وهكذا لبثت السياسة الأسبانية أيام الإمبراطور شارل الخامس 922هـ- 1516م حتى 963هـ- 1555م إزاء الموريسكيين تتردد بين الشدة والقسوة وبين بعض مظاهر اللين والعفو. إلا أن هؤلاء المسلمين تعرضوا للإرهاق والمطاردة والقتل، ووجدت فيهم محاكم التحقيق الكنسية مجالا مفضلا لتعصبها وإرهابها.
وكانت الأمة الأندلسية خلال هذا الاستشهاد المحزن الذي فُرِض عليها تحاول بكل وسيلة أن تستبقي دينها وتراثها، فكان الموريسيكيون بالرغم من دخولهم في النصرانية يتعلقون سرًّا بالإسلام، وكثير منهم يؤدون شعائر الإسلام خفية. وكانوا يحافظون على لغتهم العربية، إلا أن السياسة الإسبانية فطنت إلى أهمية اللغة في تدعيم الروح القومية، لذلك أصدر الإمبراطور شارل الخامس سنة 932هـ- 1526م أول قانون يحرم التخاطب بالعربية على الموريسكيين، ولكنه لم يطبق بشدة لأن هؤلاء الموريسكيين دفعوا له 100 ألف دوقة حتى يسمح لهم بالتحدث بالعربية. ثم أصدر الإمبراطور فيليب الثاني سنة 964هـ- 1566م قانونًا جديدًا يحرم التخاطب بالعربية، وطبق بمنتهى الشدة والصرامة. وفرضت
(يُتْبَعُ)
(/)
القشتالية كلغة للتخاطب والتعامل، ومع ذلك وجد الموريسكيون في القشتالية متنفسًا لتفكيرهم وأدبهم، فكانوا يكتبونها سرًّا بأحرف عربية، وأسفر ذلك بمضي الزمن عن خلق لغة جديدة هي "ألخميادو"، وهي تحريف إسباني لكلمة "الأعجمية". ولبثت هذه اللغة قرنين من الزمان سرًّا مطمورًا، وبذلك استطاعوا أن يحتفظوا بعقيدتهم الإسلامية. وألف بها بعض الفقهاء والعلماء كتبًا عما يجب أن يعتقد المسلم ويفعله حتى يحتفظ بإسلامه. وشرحوا آيات القرآن باللغة الألخميادية، وكذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم. وكان من أشهر كتاب هذه اللغة الفقيه المسمى: فتى أبيرالو، وهو مؤلف لكتب التفسير وتلخيص السنة، ومن الشعراء محمد ربدان، الذي نظم كثيرًا من القصائد والأغنيات الدينية. وبذلك تحصن الموريسيكيون بمبدأ التقية، فصمدوا في وجه مساعي المنصرين الذين لم تنجح جهودهم التبشيرية والتعليمية والإرهابية في الوصول إلى تنصير كامل لهؤلاء الموريسيكيين، فجاء قرار الطرد بعد هذه الإخفاقات. ولم تفلح مساعي الموريسيكيين في الحصول على دعم خارجي فعال من الدولة العثمانية أو المماليك في مصر رغم حملات الإغارة والقرصنة التي قام بها العثمانيون والجزائريون والأندلسيون على السفن والشواطئ الأسبانية، ودعم الثوار الموريسيكيين.
واستمرت محاكم التحقيق في محاربة هؤلاء المسلمين طوال القرن السادس عشر الميلادي، وهو ما يدل على أن آثار الإسلام الراسخة في النفوس بقيت بالرغم من المحن الرهيبة وتعاقب السنين. ولعل من المفيد أن نذكر أن رجلا أسبانيًا يدعى "بدية" توجه إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج سنة 1222هـ- 1807م، أي بعد 329 سنة من قيام محاكم التحقيق. وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوما سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.
ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى أسبانيا بعد الثورة الفرنسية. كتب الكولونيل ليموتسكي أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا، قال: "كنت سنة 1809 ملحقا بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا، وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل مدريد العاصمة، وكان الإمبراطور نابيلون أصدر مرسوما سنة 1808 بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية. غير أن هذا الأمر أُهْمِل العمل به للحالة والاضطرابات السياسية التي سادت وقتئذ. وصمم الرهبان الجزوبت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاما من القرار الصادر وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو. وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شارعا يقل المرور فيه من شوارع مدريد إذ باثنين مسلحين قد هجما عليّ يبغيان قتلي، فدافعت عن حياتي دفاعا شديدا، ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة، وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام. فما إن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش. فأسرعت إلى المارشال سولت الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ، وقال: لا شك بأن من يُقْتَل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار. لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم. والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة".
ثم يتابع قائلا: "أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعا وعلى جنودهم الحراس توطئةً لتقديمهم إلى مجلس عسكري، ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراسيّ هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة. وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع. وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو. وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع يوقد أمام صور الرهبان. ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب. إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها، فلم نجد شيئا يدل على وجود ديوان للتفتيش، فعزمنا على الخروج من الدير يائسين. كان الرهبان أثناء التفتيش يُقْسِمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهما باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس توشك عيناه أن تطفرا بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير. لكن اللفتنانت دي ليل استمهلني قائلا: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟ قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئا مريبا. فماذا تريد يا لفتنانت؟ قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف، فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.
عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة. وكنا نرقب الماء، فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط دي ليل من شدة فرحه، وقال: ها هو الباب،. انظروا. فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف. كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير. أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة. وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين. ولما هممت بالنزول وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفا، وقال لي: يابني، لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال. إنها شمعة مقدسة.
قلت له: يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء. وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك. وهبطت على دَرَج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام به حلقة حديدية ضخمة، ورُبِطَتْ بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها. وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض. رأيت فيها ما يستفز نفسي ويدعوني إلى القشعريرة والتقزز طوال حياتي. رأينا غرفا صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفا على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممدا بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان. ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي. وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها. كان السجناء رجالا ونساءً تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين. وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة. كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب. وكان السجناء جميعا عرايا حتى اضْطُرّ جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء. أخرجنا السجناء إلى النور تدريجيا حتى لا تذهب أبصارهم. كانوا يبكون فرحا، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب وأعادوهم إلى الحياة. كان مشهدا يبكي الصخور. ثم انتقلنا إلى غرف أخرى فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان. عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب منها آلات لتكسير العظام وسحق الجسم البشري. كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة والدماء الممزوجة باللحم المفروم. هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين. ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماما يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة. وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة. وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على
(يُتْبَعُ)
(/)
حاله تلك حتى يموت. وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة. كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إِرْبًا إِرْبًا. كما تم العثور على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين. وتم العثور على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم" (محمد عبد الله عنان/ نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين، وليونارد باتريك هارفي/ تاريخ الموريسكيين السياسي والاجتماعي والثقافي).
على أننا بعد ذلك كله لا نوافق رَسِلْ فى قوله إن التحمس الدينى وحده وبالذات هو الذى يدفع إلى اضطهاد المخالفين فى الرأى، فالمشكلة فى الإنسان أولا، وإلا فكيف نفسر ضروب الاضطهاد وألوان العسف والترويع فى ظل الفاشية والنازية والشيوعية والاستعمار؟ وكيف نفسر ما صنعته بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال وبلجيكا بشعوب مستعمراتها؟ وكيف نفسر ما تصنعه أمريكا الآن فى العراق وأفغانستان وغيرهما من بلاد العرب والمسلمين؟ إن هذه كلها صور من الاضطهاد السياسى، وهو وضع مروّع كما نرى. وعلى الضفة الأخرى فإن تاريخ الإسلام لم يعرف شيئا من هذا الترويع المنظم لأتباع الأديان الأخرى ولم يخطر له يوما العمل على إبادتهم بغية الانفراد وحده بالساحة كما رأينا الكنيسة تفعل. إن الدين الذى نزل على محمد عليه الصلاة والسلام شىء مختلف تماما من هذه الناحية، كما أن أتباعه كانوا قمة فى التسامح وسعة الأفق والرحمة تجاه الأديان الأخرى ومعتنقيها. ولو أنهم جَرَوْا على ما عوملوا به من قِبَل المسيحيين فى الأندلس مثلا ما بقى هناك مسيحى واحد بين ظَهْرانَيْهم. أما ما نشاهده الآن من وجود الأقليات الدينية فى بلاد المسلمين تمارس حياتها دون أن يتعرض لها أحد بسوء فبرهان ساطع على ما قاله كل منصف قرأ تاريخ الإسلام والدول الإسلامية رغم أن المسلمين لم يكونوا دائما على مستوى دينهم وقيمه العظيمة، بل كانوا وما زالوا يقصّرون أحيانا عن بلوغ ذراه السامقة. ومع هذا نرى المسيحيين يتصايحون بأنهم مضطهدون مظلومون رغم تمتعهم بما هو أكبر كثيرا جدا جدا من حقهم. إنهم يريدون أن تكون السلطات كلها فى أيديهم حتى يعيدوا عصور محاكم التفتيش للمسلمين فينكلوا بهم ويسملوا أعينهم وينزعوا ألسنتهم ويخوزقوهم ويسحقوا عظامهم وينصّروا أولادهم بالقوة والإكراه، ثم يزعموا مع هذا أنهم متسامحون وُدَعاء يولون خدهم الأيسر لمن يصفعهم على الخد الأيمن ...
ودفاعا عن أهمية الإيمان بالله يؤكد د. توفيق الطويل أن "نتائج التعصب المتزمت، بالغة ما بلغت فظاعتها، لا تبرر نزوع أحرار الفكر إلى القضاء على الإيمان فى كل صوره لأن الإنسان بطبيعته لا يستطيع، بالغا ما بلغ احترامه لشريعة العقل، أن يحيا فارغ القلب. وليس الإلحاد الصادق فى كل صوره إلا إيمانا انحرف عن طريقه المرسوم. ومن هنا قال الملحدون الذين أرخوا لظاهرة التدين عند الناس: لا يموت فى قلب الإنسان إله حتى يحتل مكانه إله آخر. ناهيك بما يترتب على الإيمان من النفع المادى والأدبى على السواء. إن الإيمان يشيع الطمأنينة فى النفس ويملأ شعابها غبطة ورَوْحا، وهذه الطمأننية زاد لا يستغنى عنه إنسان. هذا بالإضافة إلى ما يترتب على الإيمان من نفع مادى يعبر عنه فولتير بقوله: إذا لم يكن الله موجودا لوجب اختراعه. يجب أن نؤمن بالله حتى تكون زوجتى أكثر وفاء لى، وخادمى أقل رغبة فى السرقة. وهو رأى أعرق فى القدم من فولتير بصرف النظر عن تدين أصحابه أو إلحادهم" (د. توفيق الطويل/ قصة الاضطهاد الدينى فى المسيحية والإسلام/ الزهراء للإعلام العربى/ 1412هـ- 1991م/ 28 - 29).
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى ختام المحاضرة يلح رَسِلْ على أن الدين مؤسَّس في صميمه على الخوف أولا وأخيرا: الخوف من المجهول، والخوف من الهزيمة، والخوف من الموت. ثم يقفز الفيلسوف البريطانى من ذلك إلى القول بأن الخوف هو أبو الوحشية. ومن ثم لا يرى أى عجب فى أن الدين والوحشية قد سارا معا يدا بيد. وهو يرى أن العلم قادر على مساعدتنا فى تخطي هذا الخوف الذي سيطر على عقول البشر لأجيال طويلة فلا نحتاج بعدها إلى البحث عن حلفاء وهميين في السماء، مكتفين بالعمل هنا على ظهر البسيطة لجعل هذا الكوكب مناسبا لنا فنتخذه بديلا من ملكوت السماوات الذي بشرتنا به الكنيسة طوال قرون.
وبادئ ذى بدء أعلن مخالفتى لرَسِلْ فى حملته الشاملة على الخوف، تلك الحملة التى لا ترى فى الخوف أية قيمة نافعة، مع أننا نجده، فى حالات كثيرة لا تحصى ولا تعد، ذا فائدة عظيمة محققة. ترى لو أن الطالب لم يخف من الرسوب فى الامتحان، أكان يستذكر دروسه ويتعلم؟ ترى لو أن الموظف لم يخف من العقوبة التى يمكن أن ينزلها به رئيسه، أكان يهتم بإنجاز ما هو مفروض عليه من مصالح الجمهور؟ ترى لو أن اللص لم يخف من القانون والمحاكم والسجون، أكان يمتنع عن سرقة الآخرين؟ ترى لو أن القاتل لم يخف من عقوبة الإعدام، أكان يتراجع عن إزهاق الأرواح البريئة؟ ترى لو أن المريض لم يخف من عاقبة المرض، أكان يذهب إلى الطبيب بحثا عن الشفاء؟ ترى لو لم يخف برتراند رسل نفسه من طغيان الكنيسة، أكان يلقى هذه المحاضرة؟ ترى لو لم يخف العلماء من عواقب المشكلات التى تواجه البشر فى كل مناحى الحياة، أكانوا يقومون ببحوثهم ويسهرون فى معاملهم جريا وراء اكتشافاتهم العلمية؟ ترى لو لم يخف رجال الجيش من هجوم أعداء وطنهم عليه، أكانوا يقضون ليلهم دون نوم حذرا من أن يفاجئهم عدو بلادهم على حين غِرّة؟ وهكذا يرى القارئ أن الخوف فى كثير من الحالات نعمة من النعم، وقيمة كبيرة لا يصح التحقير منها. نعم إن الخوف فى غير موضعه ضار، وقد يحول حياة الإنسان إلى جحيم. إلا أن ذلك لا يجوز اتخاذه تكأة للهجوم على كل ضروب الخوف، وإلا فما من شىء فى دنيا الناس إلا وله سياقات يصير فيها مزعجا بل مؤذيا، فهل نتخلص من كل شىء فى الدنيا لهذا السبب؟ وفى أمثالنا الشعبية: "من خاف سَلِم"، وهذه حكمة القرون المتطاولة التى لا يصح الاستهانة بها.
ونصل إلى الخوف من الله، وإنى لأتساءل: وماذا فى أن نخاف منه؟ إن عدم الخوف هو المصيبة الكبرى. يا عم برتراند، فليكن الخوف من الله شبيها بالخوف من القانون، فهل تريد أن تمحو الخوف من القانون؟ تعست البشرية إذن وهلكت! ولا يقول بهذا عاقل. على أن الخوف من الله إذا لم يحكمه الاتزان والحكمة تحول إلى شىء ضار أشد الضرر، فالذين لا يعرفون عنه سبحانه وتعالى إلا أن لديه أنكالا وجحيما، وطعاما ذا غصة وعذابا أليما، تتتحول حياتهم إلى جحيم من قبل الأوان بأوان. بل إنهم لييأسون ويقنطون وينتهى بهم أمرهم إلى الوبار والدمار. ومن هنا وجدنا القرآن يقول: "وخُِلق الإنسان ضعيفا"، "فتلقَّى آدم من ربه كلمات فتاب عليه. إنه هو التواب الرحيم"، "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يُجْزَى إلا مثلها، وهم لا يُظْلَمون"، "قل: يا عبادىَ الذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا. إنه هو الغفور الرحيم"، "ورحمتى وَسِعَتْ كل شىء"، "يغفر لمن يشاء بغير حساب". ونجد الرسول الكريم أيضا يقول: "إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق الخلق: "إن رحمتي سبقت غضبي"، فهو مكتوب عنده فوق العرش"، "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم". ترى كيف يشل الخوف عقل شخص وهو يسمع أن رسوله يجعل التبسم فى وجوه الآخرين صدقة، وأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأن الكلمة الطيبة صدقة، وهو ما يعنى أن باب الثواب مفتوح على مصراعيه فى كل وقت، وأن النجاة فى يد كل إنسان وبأبسط الوسائل فى حالات كثيرة؟ صحيح أن من الوعاظ من يرعب الناس من الله فلا يعرفون عن ربهم سبحانه إلا كل ما هو مُوئِس، إلا أن العيب إنما هو عيب هؤلاء الوعاظ الحمقى بل المرضى الذين بدلا من تحبيب الناس فى الدين والدنيا ينفرونهم من الاثنين معا. وإنى لأذكر هنا أن أقصى ما كنت أقوله لابنى الصغير إذا أخطأ
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يصغ لنصحى إياه إن الله سوف يخاصمه، أو سوف يشده من أذنه. أما النار وأهوالها فكيف لمثله أن يستوعبها؟ أو كيف يصح أن يخوَّف بها، وهوالطفل الصغير؟ إنها كفيلة بتحويل حياته إلى رعب دائم.
وعلى كل حال فإن حياتنا لا يمكن أن تخلو يوما من الخوف. ترى هل سيمكن يوما أن نقضى على المرض مثلا أو الفقر أو الجريمة أو الشك أو الفشل؟ فكيف يمكن أن نتخلص من الخوف إذن؟ وها نحن أولاء الآن قد تقدم العلم على أيدينا تقدما يدير العقل، فهل تخلصنا من الخوف؟ بل هل تخلص العلماء أنفسهم منه؟ ترى كيف يمكن أن يتخلص المصلحون من خوف السجن والإعدام بالغةً ما بلغت شجاعتهم ومقدرتهم على التضحية بالغالى والنفيس فى سبيل مبادئهم؟ أو كيف نتغلب على الخوف من اللصوص والقتلة وقطاع الطريق والمستبدين والمستعمرين والخائنين والجشعين والأنانيين والمرتشين والكاذبين ومخلفى الوعود؟ ثم كيف نعلو فوق الخوف من المستقبل؟ هل سيأتى اليوم الذى نعرف فيه كل ما سوف يحدث قبل وقوعه؟ ولنفترض أننا وصلنا إلى ذلك المدى من العلم، فهل هذا بمانع لنا أن نخاف من وقوع ما لا نريد؟ والخوف من الصراصير عند بعض النساء أو العناكب مثلا رغم أن الخوف منها يبعث على الضحك لتفاهتها وانتفاء أى خطر منها، ترى كيف نلغيه ونلغى كل المخاوف الشاذة التى من هذا النوع والتى كان يعانى من عدد منها ويرهقك بها، يا برتى، تلميذك وخليفتك الألمانى العبقرى وتجنشتاين ( Wittgenstein)؟ إن ذلك معناه أن ماضى كل إنسان وتجاربه المؤلمة لا تزال تتحكم فيه وفى مشاعره. أى أن المستقبل ليس هو الزمن الوحيد الذى يلقى فى قلوبنا الخوف، بل يشركه الماضى أيضا. ولنضف إليهما الحاضر كذلك متمثلا فى جيراننا وزملائنا ورؤسائنا وأقاربنا الذين ليست علاقتنا بهم على ما يرام ونتوقع منهم، بحقٍّ أو بغير حق، الضرر والأذى ... وهكذا دواليك.
إن الخوف عنصر أصيل فى الطبيعة البشرية لا مَعْدَى عنه ولا فى مجال العلم. وكلما استطاع العلماء مساعدة الناس على التغلب على منبع من منابع الخوف ظهر بدل هذا المنبع منابع جديدة. وعبثا يحاول الإنسان التخلص من الخوف مثلما من العبث محاولته الهروب من ظله. إنه، حتى فى أشد لحظات سروره وابتهاجه، يشعر بالخوف، كما هو الحال فى مباريات كرة القدم مثلا حيث تكون الإثارة والمتعة فى أقصى مداهما، ومع هذا يخاف المشاهد أن ينهزم الفريق الذى يشجعه، ويظل طول الوقت متأرجحا بين متعة المشاهدة وألم الخوف من الهزيمة. فكيف يا ترى يمكن التخلص من مثل ذلك الشعور كما يتوهم رَسِلْ؟ بالله كيف يمكن أن يواجه الإنسان هذا الكون اللامتناهى دون خوف، بل دون مخاوف لا تنتهى؟ بالله كيف نستطيع أن نتصور العلم وقد قضى على كل لون من الخوف، ونحن نرى العلماء أنفسهم والفلاسفة والمفكرين يخافون من نتائج التقدم العلمى، تلك النتائج التى أثمرت القنابل النووية والهيدروجينية مثلا، ومنهم مؤمنون كثيرون أكثر من الملحدين، ومنهم غربيون كثيرون لا يكتفون بذلك بل يدخلون الإسلام باقتناع وسعادة وراحة ضمير؟ ثم ها هو ذا برتراند رَسِلْ نفسه يتحدث فى مقدمة "سيرته الذاتية" عما لابس حياته، وهو العالم الفيلسوف، من مخاوف وأحزان وآلام! فإذا كان هو، بجلالة فلسفته وعلمه، يشعر بكل هذا القدر من المخاوف والآلام، فما بالنا بغيره ممن ليس بفيلسوف ولا عالم ولا عنده تلك الآمال الطِّوَال العِرَاض فى إمكانات العلم الخارقة التى يعلقها هو عليه؟
ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[15 Apr 2010, 07:19 ص]ـ
جميلة جدا ورائعة بحق ....
منذ متى ما قرأنا مثل هذه الكتابات ...(/)
موسوعة آخر الزمان .... لأنباء المنتصرين للقرآن!؟!
ـ[خلوصي]ــــــــ[15 Apr 2010, 07:22 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه دعوة لإنشاء موسوعة بعمل جماعي!؟!
فهي أولا في الانتصار للقرآن ..
و هي ثانياً موجهة لأهل القرآن ليقوموا بواجبها ..
و هي ثالثاً بعمل جماعي يذلل الصعاب ..
و هي أخيرا و ليس آخراً شيء فريد لم يسبق إليه .. !؟!
و قد جاءتني هذه الفكرة منذ سنوات .. إذ كنت من حين لآخر أسمع و أقرأ مفاجآت كهذه:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=18315
أو كإسلام لورد بريطاني منذ مئة سنة! و الدعوة وقتها ما تعلمون ..
أو كإسلام جورج على يد سيدنا خالد بن الوليد بطريقة طريفة قبل بدء القتال!
أو .....
أو ...........
و هي كما تعلمون متكاثرة و لله الحمد كالنار في الهشيم ..
فعلى الأقل نستوسع منها http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif
قصص المشاهير
و مشاهير القصص أي الغريبة و لو لعوام الناس ..
و ما فيه عبرة للمسلمين الكسالى ضعاف الإيمان - مثلي مثلاً - للنهوض من جديد!؟!
و لا أستثني نفسي من الوظيفة و الشرف http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif.. فعلي إن شئتم وضع مقدمة صغيرة عنوانها:
ليس إلا القرآنُ .. ذلكـ الكتابْ!؟ ( http://www.tafsir.net/vb/showpost.php?p=68352&postcount=1)
فهل أنتم فاعلون؟!؟
ـ[خلوصي]ــــــــ[11 Jun 2010, 02:07 م]ـ
فهي أولا في الانتصار للقرآن ..
و هي ثانياً موجهة لأهل القرآن ليقوموا بواجبها ..
و هي ثالثاً بعمل جماعي يذلل الصعاب ..
و هي أخيرا و ليس آخراً شيء فريد لم يسبق إليه .. !؟!
.........
.......
فهل أنتم فاعلون؟!؟
فهل أنتم فاعلون؟!؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[13 Jun 2010, 04:22 م]ـ
بارك الله فيكم أخي خلوصي.
هذه فكرة رائعة حقاً بارك الله فيك، وليت أخي الدكتور حاتم القرشي يتأمل فيها ويناقشها معكم حتى تكتمل معالمها، ثم يبدأ فيها بالطريقة التي ترونها مناسبة.
ـ[خلوصي]ــــــــ[13 Jun 2010, 07:43 م]ـ
و فيكم بارك الله أستاذنا المفضال ..
و شكر الله لكم هذا الاهتمام و التشجيع
و أنا رهن الإشارة لهذا العمل قدر المستطاع جندياً من جنوده.
ـ[خلوصي]ــــــــ[13 Jun 2010, 08:53 م]ـ
و تشويقاً و تحريضاً للمشرفين و الإخوة و الأساتذة الكرام أبادر إلى ذكر هذه القصة البديعة ذات الرهبة و الخشوع! , بشكلها المبدئي و الذي أرجو حسب الجدية من هذا الجمع المبارك و التأييد المباشر من الأستاذ د. الشهري أن تتحول فيما بعد إلى الرواية الأدق من صاحب القصة نفسها الذي التقيت به شخصياً , و سألت عنه أقربائي في أمريكا!
إليكم القصة .. و بعدها أذكر لكم كم أسلم على يدي هذا الأمريكي؟
هنا رويت قصته هكذا:
http://muntada.islamtoday.net/t73669.html
وبدأت الترجمة .. لقصة إسلام أمريكي أبيض؛ (عبد البديع)
يقول الأمريكي .. اسمي جون أو جورج الصغير .. في الحي نسبة لوجود سميّ له أكبر منه .. محبوب من الجيران والأصدقاء والأقارب .. في وسط راقٍ محافظ .. مترابط اجتماعيا نسبةً لأمريكا ..
- عند بلوغي سن الثانية عشرة .. أرسلني والدي ذات يوم أحد .. إلى الكنيسة لتعلم الدين المسيحي .. وتلقي التعليمات اللازمة .. حسب المتبع عندهم ..
استقبلني الراهب .. وحياني .. وأشار إلي بالجلوس .. ثم استدار إلى منصته التي يعلوها بعض التماثيل الخشبية والمعدنية .. وأعطاني وجهه ثم ألقى تحية الصليب أو الصلاة .. مردداً ألفاظها الثلاثة الشهيرة ..
سبحان الله وتعالى عما يصفون ..
- سيدي الراهب .. رفعت يدي بطريقة اعتراض .. !
- أجابني بامتعاض .. ماذا هناك .. ؟ ..
- يجب أن يكون الإله واحداً .. وإلا ما استحق أن يكون إلهاً! ..
- اخرس أيها الشقي .. ولا تتفوه بكلمة واحدة .. ثم صرفني على أن أعود في المرة القادمة .. وأن أستبعد خيال الأطفال أو الأفكار الغريبة التي تراودني! ..
يقول: كرهت هذا الراهب .. وأسررت لأمي؛ بأني لا أريد الذهاب إلى الكنيسة .. !!
وفي المرة التالية؛ أقنعني والداي أن أذهب وأتلقى تعليمات دين آبائي ..
ومن ثم .. أنت حر .. أنت ابن أمريكا ..
(يُتْبَعُ)
(/)
- استقبلني الراهب بابتسامة ماكرة .. وبدأ الدرس .. وأن الآلهة ثلاثة ..
- لكن يا قداسة الراهب .. لنفترض أنهم اختلفوا! ..
لمن ستكون السماء .. ؟
ولمن ستكون الأرض؟ .. وما مصيرنا .. نحن البشر .. ؟ .. !!! ..
- اخرس أيها الشيطان المارد .. وانتفخت أوداجه واحمر وجهه .. ورمقني بعيون يتطاير منها الشرر .. ثم استلم أحد التماثيل المعدنية .. وأرسله إلي! .. راسماً علامة مرسيدس بنز! .. على جبيني! .. وانهمر الدم على وجهي! .. فأخذني بتلابيبي! .. وسحبني لبيتنا! .. وهو يركلني! .. مرددًا! .. الشيطان! .. المارد! .. الكافر بدين المسيح! .. ثم يتلو ابتهالاته ودعاءه علي! .. وأسلمني إلى أهلي! .. وهو يقول لا أريد رؤية هذا المارد مرة أخرى!!!! ..
- ما باله .. ؟ .. أمي تتساءل!! .. وأبي واجم ..
- هو يقول الآلهة ثلاثة! .. وهذا لايصح! .. يجب أن يكون الإله واحداً! .. وأجهشت بالبكاء! ..
- تمتم أبي .. لابأس .. لابأس .. وهو يهز رأسه .. ومسحت أمي على رأسي وهي تنظر إلي .. وتهز رأسها .. تأييداً لي .. لكن .. لاجواب .. !!! ..
تغير فكري! .. وبدأت أهتم! .. وأتساءل؟ .. وأعبر عن تساؤلاتي .. بالرسم .. وكنت أتأمل في الأشياء التي حولي .. الكون والطبيعة والناس! .. وأرسم .. وأفكر! .. في الجمال! .. الوردة؛ المرأة؛ السيارة الجديدة؛! ..
كل شيء يزهو؛ ثم يذبل؛ ثم يفنى؛! .. ولم هذا؟ .. ! ..
اهتدى فكري إلى أن هناك جمالاً أزليّاً أبديّاً! ..
يرينا آياته في هذا الجمال الزائل! .. أشعر به! .. في كل الكائنات؛
أجده قريباً مني وسوف يهديني! ..
وبعد تسجيلي في الجامعة .. فرحت بالتعدد الثقافي والمبتعثين .. وكنت أطرح الأسئلة على الجماعات حتى استنكروني؛ ثم على الأفراد! .. حتى سموني الموسوس! .. وكان كل دين يخطر على بالي سبر أغواره؛ إلا الإسلام (أنا آسف فالمسلمين الذين عرفتهم غثاء) أتذكر اثنين يضحكان بسخرية على العالم كله .. عندما سألتهما .. ما دينكما .. ؟ .. فأجاباني يضحكان ..
قل لاإله إلا الله محمد رسول الله تدخل الجنة! ..
قولٌ ثمينٌ بالنسبة لي؛ لكنه لم يكن مؤثراً بسبب استهتارهما وخلفيتي عن المسلمين .. أنا آسف ..
انتشر خبري خلال سنتين أني تركت ديني ثم وسوست! ..
تلقفني مسيحي عربي .. يريد ردي لدين آبائي! .. وسألني ..
وقلت قرأت كل الأديان عدا الإسلام؛ لا أرى فيه بغيتي ..
اذاً خذ هذا الكتاب يكفيك في معرفة الإسلام .. تسل به ريثما أُحضر بعض الأغراض من السوق .. قالها وهو يناولني كتاب نقد للإسلام والمسلمين ودينهم على الطريقة المسيحية العربية .. مؤلفه من نابلس ..
بدأت أتصفح الكتاب ولا زلت في الصفحات الأولى ..
وفجأة ارتجف قلبي ..
أعدت الكلام .. فارتجف أشد ..
فميزت الكلام فبدأت أتهجأ الكلمة الغريبة .. التي لأول مرة في حياتي أنطقها ..
أي إل إل أي اتش وعندما نطقتها كاملة
allah
ارتجف كياني وسقطت مغمىً علي .. !!!؟؟!!!
وما أفقت إلا وزميلي يقلبني محاولاً عمل إسعافاتاً أولية ..
- ما بك؟ .. ماذا جرى عليك .. ؟ ..
- لاشيء .. فقط شعرت بإعياء شديد وأنا أقرأ وسقط الكتاب وذاك آخر عهدي بنفسي ..
- هل آخذك إلى الطبيب؟ ..
-لا؛ شكراً .. سأتدبر أمري!! .. وماذا تعني هذه الكلمة؟ .. !!
- الله اسم من أسماء إله السماء! ..
- آه .. شكراً .. مع السلامة ..
خرجت أكاد أطير من الفرح وأردد الكلمة أتهجاها وأنطقها كاملة .. في كل أحوالي ..
تغيرت أموري! .. ودرجاتي! .. وعلاقاتي! .. وتميزت ببصيرة فذة! ..
كنت إذا فرغت من شغل! .. عدت إلى شغلي! .. التفكير! .. الرسم! ..
وترديد ..
الله! .. الله! .. الله! ..
!!!
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[14 Jun 2010, 09:26 ص]ـ
الأخ الكريم خلوصي:
إن هذه الفكرة بديعة وجميلة، وينبغي تفعيلها بشكل جماعي كما تفضلت.
وسنجتهد في تطبيق ما ذكرته حفظك الله.
ـ[خلوصي]ــــــــ[14 Jun 2010, 04:49 م]ـ
جزاكم الله خيراً على جهودكم المباركة يا شيخ حاتم ..
و حقيقة انا مسرور بعزمكم على هذا المشروع الذي يراودني منذ مدة طويلة!
و لله الحمد على هذه المنتديات التي قربت القاصي و جعلت الباحثين كأنهم في عمارة واحدة!
ـ[يسري خضر]ــــــــ[22 Jun 2010, 08:46 م]ـ
بارك الله فيكم أخي خلوصي.
موضوع مبارك وفيه نفع ان شاء الله وحبذا لوقام الاخوة المشاركون باستنباط الدروس الدعوية من كل قصة فمن هنا نستفيد 1 - أن العاقل يجب أن يتأكد من صحة الدين الذي يدين به،وان يسأل نفسه لماذا أومن به وأكفر بغيره؟ وقصة هذا الشاب فيها تصريح بما في معتقدات النصاري من خلل واضح وتناقض فاضح، إن الإنسان العاقل ما عليه إلا أن يحكم عقله فيما يعرض عليه من معتقدات النصاري فإنه "لا شاهد أعدل من العقل "ولم يمنح العقل للإنسان إلا ليكون حكما فارقا بين الصدق والكذب والحق والباطل "وقال الشيخ الباجه جي زاده مخاطبا النصراني "نح علي عقلك قبل دينك"
2 - إن من أقوي الأساليب في تفنيد معتقدات النصاري وغيرهم من المبطلين -استدعاء شهادات كبارهم وصغارهم لأنهم أهل الدار والأعلم بخباياها يقول: الشيخ الباجه جي زاده صاحب الفارق بين المخلوق والخالق بعد أن أورد شهادات علماء النصرانية "يكفيك أيها المسيحي ما نقلت إليك من أقوال إخوانك "و يقول الدكتور محمد شامه: (المقام يحتم علينا الاستشهاد بما قاله غير المسلمين فهو أبلغ في الدلالة،وأوقع في نفس السامع) وقد طبق الشيخ عبد العظيم المطعني هذا فنقل كثيرا عنرجال دينهم فكأنه يقول للنصراني: من فمك أدينك. استمع إليه يقول: لسنا في حاجة إلي أقوال المسلمين ما دمنا قد وجدنا فيما يقولونه هم يهودا أ ونصارى مايكفي في الرد عليهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلوصي]ــــــــ[22 Jun 2010, 09:59 م]ـ
و فيكم بارك الله أستاذنا الفاضل د. يسري ..
و جزاكم الله خيراً على التشجيع ..
و أرجو أن تجدوا في التصور العام و المنهج الذي طلب مني الأساتذة الفضلاء توضيحه .. ما يسرّ كل حريص على تقوية إيمان قومه أولا ثم إطلاق أقدامهم لنهب أرض الخمول و الظلمات ثانياً لأداء دين " أمة الدعوة " الذي في رقبة " أمة الإجابة "!
و أرجو أن تكونوا سيدي الفاضل ممن يثري و ينقح و يصحح و يثمّر ... فالطريق أو الجهد لمن صدق لا لمن سبق.
و جزاكم الله خيراً على هذه الاقتراحات النافعة المفعّلة.
تراب أقدام العلماء: خلوصي.
ـ[خلوصي]ــــــــ[23 Jun 2010, 11:04 م]ـ
و لإيناس الجمع المبارك في هذه الأثناء إليكم قصة مدير أحد أهم المراصد الفلكية بليون الفرنسية:
مقدم الحلقة: سامي كليبضيف الحلقة: عبد الحق غيدردوني/ عالم فلك وفضاء فرنسيتاريخ الحلقة: 18/ 2/2006 - تعلم اللغة العربية والتعرف على الإسلام ( http://www.aljazeera.net/NR/exeres/07B87468-E8B4-4EB9-A38C-6111660DA58A.htm#1)
- بين الدين والعلم ( http://www.aljazeera.net/NR/exeres/07B87468-E8B4-4EB9-A38C-6111660DA58A.htm#2)
- العلم والإيمان والدعوة في الغرب ( http://www.aljazeera.net/NR/exeres/07B87468-E8B4-4EB9-A38C-6111660DA58A.htm#3)
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2006/2/19/1_598411_1_3.jpg
سامي كليب: مرحبا بكم أعزائي المشاهدين إلى حلقة جديدة من برنامج زيارة خاصة، نحن هنا في أحد أهم المراصد الفلكية لمدينة ليون الفرنسية، في الواقع يحار المرء كيف يعرِّف ضيفنا فإن عرَّفناه بالعِلم فهو أحد أبرز علماء الفلك والفضاء في فرنسا وإن عرَّفناه بالتقوى فهو الذي حاول أن يجد قواسم مشتركة بين الدين الإسلامي والعلم واعتنق الإسلام، قصة مثيرة ومهمة هي التي يعيشها ضيفنا برينوه غيدردوني وإن شئتم عبد الحق غيدردوني.
عبد الحق غيدردوني- عالم فلكي- فرنسا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وقَالُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وإلَيْكَ المَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا ولا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} صدق الله العظيم.
على هذا الرابط:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/07B87468-E8B4-4EB9-A38C-6111660DA58A.htm
و هي ذات محتوى عميق و بخاصة فيما يتعلق بالجدال المشهور حول تعارض " الوقائع " مع " النصوص "!؟! و ما يمكن الاستفادة منه في نظرته الفريدة إلى هذه المسألة الشائكة ... و بروح جميلة!!
ـ[يسري خضر]ــــــــ[24 Jun 2010, 07:18 م]ـ
جزاك الله خيرا علي هذا النقل لتلك الحلقة وقد جاء فيها أن من الشخصيات التي قرألها وتأثر بها "عبد الوحيد يحيي "هكذا والصواب "عبد الواحد يحيي" وقد ترجم له الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر في كتابه "المدرسة الشاذلية "وفي كتابه "محمد رسول الله"(/)
الغلمان في الجنة بين الحقيقة والافتراء
ـ[الخطيب]ــــــــ[17 Apr 2010, 02:52 م]ـ
قرأت لأحدهم مقالا يدعي فيه أن القرآن الكريم يغري العرب كي يعتنقوا الإسلام بأن الجنة التي تنتظرهم فيها غلمان سوف يطوفون عليهم ليمارسوا معهم الشذوذ الجنسي وحجتهم في ذلك هذه الآيات:
قوله تعالى: (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ) (الطور: 24)
وقوله تعالى- (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا) (الانسان: 19)
وقوله تعالى (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ 17 بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ 18 لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ 19 وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ 20 وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ 21) (الواقعة: 17 – 21)
كم هو أمر خبيث أن يجهد المرء نفسه في سبيل افتعال نقائص في عقائد الآخرين للنيل منهم ومما يعتقدون
كم هو خبيث أن ينسلخ المرء من ضميره ومن إنسانيته كي يتهم دين الآخرين بما هو منه براء
كم هو خبيث أن يبرر الإنسان لغاياته كل الوسائل مهما كانت دنيئة منحطة
نعرف أن كل ما يخالف الفطرة السوية هو شيء خبيث لكننا لم نر بين الخبائث شيئا أخبث من البهتان.
لكن ما أيسر ذلك عند قوم لا يؤمنون والأحرى أنهم عن فطرتهم بعيدون معاندون لأن الأخلاق في الأصل هي فطرية وما دور الأديان فيها إلا التهذيب والتنمية والعمل على تفعيلها وتقويتها كي تكون مستقرة مستمرة
يقول أحدهم معلقا على قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا 19 وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا 20 عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ .... }. (سورة الإنسان)
هل كل هذا الشذوذ يليق بقدسية الله العلي؟ ...... غلمان لهم يرتدون الحرير!!! وعليهم حلي كالنساء!!!
وفي موقع مسيحي قرأت قولهم: إن القرآن يغري بغلمان نصفهم الأعلى ذكري والأسفل أنثوي
كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا
قالوا لنا قديما: كل إناء بما فيه ينضح
وصدقوا فمن ذا الذي يطمع في أن يجني سكرا من حنظل، فالشيء يرجع في المذاق لأصله.
إن هذ الوصف {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ .... } هو وصف للأبرار المنعمين في الجنة وليس وصفا لخدمهم
الأبرار الذين تستطرد الآيات في وصف نعيمهم بدءًا من قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا}
إلى أن قال: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا 21 إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا} لاحظ التقرير بأن هذا المذكور هو جزاء لهؤلاء الأبرار
ويتضح المعنى أكثر حينما نعود إلى الآيات القرآنية التي تناولت نفس الموضوع لنرى لمن يكون هذا اللباس؟
قال تعالى في سورة الكهف: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا 30 أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}
وفي سورة الدخان: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ 51 فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ 52 يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ 53}
وفي سورة الحج: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ 23}
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي سورة فاطر: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ 32 جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ 33}
وفي سورة الإنسان نفسها قال عن الأبرار: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا 12}
وإن تعجب فعجب أمرهم حين تبحث عن هدف هذه التشويهات هل هو محاولة تشكيك المسلمين في دينهم؟
لو كان هذا هدفهم فإنهم في حال من الغباء لا يحسدون عليها لأن التجارب دلت على أن كل محاولات التشكيك في الدين الحنيف تذهب هباء فهي كسراب يحسبه الظمآن ماء. لأنها شبهات دائما شهواء ليس لها عين تبصر ولا أذن تسمع بل هي من كل مظاهر الحياة خواء.
أم تراهم يعتقدون أنهم بذلك يبنون لهم جدارا من الثقة بينهم وبين الناس احتفاء بذكائهم ورفعة تفكيرهم وأنهم وحدهم العقلانيون التنويريون التحرريون الذين حرروا أنفسهم من عبودية الحق ولكنهم سقطوا في بحر عبودية الخلق، فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير رفضوا أن يعبدوا إلها واحدا هو خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم وعبدوا آلهة متعددة من خلق الله قادهم إليها رسول العقل أو بالأحرى شيطان العقل الذي زين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا نعم عبدوا " نيتشه وآينشتاين وفولتير " وغيرهم وغيرهم
يقولون – زعما – نحن نعمل عقولنا ولا نغيِّبها ولقد خلطوا بين الهوى والعقل كما خلطوا بين الإغراض وحسن القصد
كلا فلقد غابت عقولهم وقلوبهم وأخلاقهم أيضا!!!!!
نعم غابت عقولهم يوم أن ظنوا أن طرائقهم تجدي في التشكيك فالمشكك يجب ان يكون أكثر حنكة من ذلك فأين هؤلاء من الذين كانوا يدسون السم في العسل ورغم هذا فقد رجع سمهم عليهم فكانوا هم الشاربين له فقتلهم؟
كم أنتم مساكين قليلو البضاعة لا تعرفون كيف تشتبهون ولا كيف تغرون الناس بما تعتقدون، وربما لأنكم تعرفون أن ليس لما تعتقدون من قرار، فلو أغرقتم في طرحه لكانت النتيجة: الفرار الفرار.
هنا تبدو أفضل طريقة ما بات يعرف بـ " أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم "
لكن من تهاجمون؟!!!!
تهاجمون عقيدة قوم لا أمل لهم في الحياة بدونها، قوم يعلمون أنه لا خير فيهم إن لم يكونوا مؤمنين.
كناطح صخرة يوما ليوهنها فلم يصبها وأوهى قرنه الوعل
إن مشككي اليوم المتفاخرين بعقولهم يصنفون أنفسهم في خندق الضد ومَن مِن العقلاء يقبل نصيحةً من ضده عدوه الذي يكيل له الطعنات!!!!!!!
وغابت قلوبهم يوم أن حجبوها بحجاب من الظلمة حتى أصبحت لا تفرق بين ما ينبغي وما لا ينبغي يوم أن تنكروا لخالقهم ورازقهم والمنعم عليهم حيث أسكنهم في أرضه وغطاهم بسمائه وأسبل عليهم ستره وهم مع ذلك يبارزونه بالمعاصي لا بل بالافتراء عليه {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}
نعم فقد غرهم حلمه عليهم وصبره عن معاقبتهم وتلك والله صفة الخسيس الذي يكافئ على الجميل عصيانا، وعلى الإحسان نكرانا {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ}
وغابت أخلاقهم حين رضوا لأنفسهم بالكذب والتلفيق وإن بسوء التأويل واستنطاق النصوص بسيء ما يعتقدون هم ويباشرون لا بما تحتمله هذه النصوص تصريحا أو تلميحا.
هل القرآن الكريم يغري بالشذوذ الجنسي؟
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على قوم قد شذت عقولهم كما شذت أخلاقهم فظنوا أن للقرآن شذوذا كشذوذهم
أي اجتراء وافتراء على الله ذلك الذي يتمتع به هؤلاء!!!!!
الله عز وجل يقول متحدثا عن بعض مظاهر نعيم أهل الجنة:
(يُتْبَعُ)
(/)
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} هذا حديث عن الخدم الذين يخدمون من أمضوا حياتهم طاعة للجليل اعترافا له بالجميل إنهم يقدمون لمخدوميهم ما يطلبونه منهم من مشروبات ومطعومات هذا ما تذكره الآيات فهل يفهم منها شيء غير هذا؟
يقولون: نعم فهذه الآيات تقول: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا}
يقولون: إن هذه الآيات تحكي عن نظافة هؤلاء الولدان وأناقتهم الشديدة وليس ذلك إلا للسبب الذي يعتقدونه!!!!
قولوا بالله عليكم ما ذا نقول لقوم يسيئون النية لمجرد الوصف بالنظافة والأناقة وكأنهما قد أصبحا جرما في عرف هؤلاء ولم لا والوسخ والدنس في عرف بعضهم وتقاليدهم شعيرة من الشعائر وعبادة من العبادات.
أما إسلامنا فهو دين النظافة فالنظافة عندنا من الإيمان وقول أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل منا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فهل يدخل ذلك في الكبر؟ فرد عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم قائلا: إن الله جميل يحب الجمال "
إسلامنا هو دين الوضوء والغسل وإماطة الأذى عن الطريق
إسلامنا هو الذي أمرنا بأن نلبس أحسن الثياب وأن نتطيب ولو كنا مقدمين على عبادة ربنا وخالقنا
ففي سورة الأعراف {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ 31 قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 32}
فليتهم بدل أن ينطقوا بهذا السفه من القول أن ينظفوا أفعالهم ويتأنقوا في كلامهم
إن الإسلام يعتبر الشذوذ جريمة لا تضاهيها جريمة لأنها تخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها وكل ما يخالف الفطرة هو يخالف الإسلام لأن الإسلام دين الفطرة لنستمع إلى هذه الآيات: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} وقوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} وقوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
ولقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من عَمِل عمَل قوم لوط ثلاث مرات ولعله لم يلعن على ذنب ثلاث مرات إلا عليه
وهل بعد هذا التشنيع على هذه الفعلة وفاعليها يقال إن الإسلام يغري عليها لأجل الإيمان به؟
أما كان الأوْلى أن يبيحها في الدنيا لأجل اجتذاب الشواذ في كل عصر وحين وما أوفر حظهم في هذه الأيام حيث تدافع عنهم بلاد الحريات!!
أما كان من الأوْلى بهؤلاء المفترين على الله أن يوجهوا طاقتهم لمحاربة مخالفي الفطرة الذين يرضون لأنفسهم بالدون من الأشياء أيهما أوْلى محاربة جريمة ظاهرة أم اختلاق وافتراء شيء ليس له وجود إلا في أذهان حقدة القوم وماكريهم؟
هل كان العرب وقت نزول القرآن مشتهرين باللواط؟
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد فات هؤلاء المفترين أن يدعموا كلامهم ببيان حال العرب وقت نزول القرآن وهل كانت هذه الفعلة منتشرة بينهم وأنهم كانوا يستملحونها ويميلون إليها كي يكون لهم شيء من حجة يدفعون به عن أنفسهم الخجل من سوء تدبيرهم وشذوذ تفكيرهم.
جاء في كتاب (البداية والنهاية 9/ 162)
وقال نمير بن عبد الله الشعناني عن أبيه قال قال الوليد بن عبد الملك لولا أن الله ذكر قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يفعل هذا بذكر
وقال ص 163 من نفس الجزء:
والمقصود أن مفسدة " اللواط " من أعظم المفاسد وكانت لا تعرف بين العرب قديما كما قد ذكر ذلك غير واحد منهم فلهذا قال الوليد بن عبد الملك لولا أن الله عز وجل قص علينا قصة قوم لوط في القرآن ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا أ. هـ
نعم لكننا مع ذلك لا نستبعد أن تكون هناك حالات فردية لكنها لم تكن لترقى إلى مستوى الظاهرة وإلا لما قال الوليد بن عبد الملك ما قال وكان ذلك بعد بضعة عقود من نزول القرآن.
والحاصل أن هذه الدعوى الخبيثة باطلة من عدة وجوه أهمها:
الأول – أن الآيات التي احتجوا بها ليس فيها ما يشير إلى هذا الفهم لا من قريب ولا من بعيد.
الثاني – لو كان الإسلام يغري على اتباعه بتلك الأساليب الرخيصة لأباحها في الدنيا حتى يحصل على قلوب الشواذ خالصة له لكن الواقع أن الإسلام قد حاربها بكل قوة ففي الحديث " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل و المفعول به ". ولقد فصل الفقهاء عقوبة اللواط في ضوء الأصول الشرعية وأجمعوا على أنها من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم.
الثالث: أنه لم يثبت تاريخيا أن مسألة اللواط كانت تمثل ظاهرة عند العرب حتى يغريهم القرآن بها بل إن النقل السابق عن الوليد بن عبد الملك ليؤكد أنهم ما كانوا يعرفونها، وعلى ذلك فكيف يغريهم بما لا يعرفون؟
ونحن نتفهم دوافع مثل هذه الأفكار التي تطرح علينا بين الفينة والفينة.
فلقد قرأت لأحدهم في الحث عليه قوله: ربما يكون اللواط والسحاق أفضل من الناحية العملية فعلى الأقل لن تعاني مجتمعاتنامن مشكلة الإجهاض والحمل في سن مبكرة أ. هـ
وهنا ماذا نقول لقوم قد انتكست فطرتهم وراحوا يطالبون بما تأنف عنه البهائم الرتع، إنهم ينظرون إلى أخلاقيات الغرب على أنها المثال الذي يجب أن نسعى إليه مهما تعارضت تلك الأخلاق مع أصولنا الدينية والعرفية بل مع فطرتنا السوية التي فطر الله الناس عليها
وعلى ذلك فإن عبدة الإله الغربي حين رأوا أن هذا الأمر قد شاع وذاع حتى أصبح قانونا في بعض بلاد أوربا - فالقانون البريطاني مثلا قد اعترف به كعلاقة شرعية – راحوا يحاولون إغراءنا به ولو عن طريق الادعاء بأنه متعة مستباحة لأهل الجنة.
إنها حرب ضد القيم تستخدم فيها كل السبل
من الإحصائيات الواردة عن حجم الشذوذ الذكوري في بلاد الغرب:
" يؤكد Kinsey : أن 4 % من الشعب الأمريكي شاذون جنسياً. و في بعض الدراسات الحديثة وصلت نسبة الشاذين جنسياً في بريطانيا و أمريكا و السويد ما بين 18 _ 22 % من مجموع الرجال "
وعلى ذلك فإن الإغراء بمسألة الشذوذ الجنسي يصلح في البلاد التي تشجع عليه وتسن له القوانين التي تحميه حيث يعول كثير من قادة هذه البلاد على أصوات الشواذ في الانتخابات وليس في دين يشنع من أمره ويبالغ في النهي ويرتب على ارتكابه شديد العقاب في الدنيا والآخرة(/)
هدية سيدي الحسني: بديع الزمان سعيد النورسي من برزخ التصوف إلى معراج القرآن!؟!
ـ[خلوصي]ــــــــ[20 Apr 2010, 04:04 م]ـ
بديع الزمان سعيد النورسي من برزخ التصوف إلى .... معراج القرآن!؟! ( http://www.soft44.com/vb/t19148)
http://www.islamic-sufism.com/pictures/961783070401.jpg (http://www.soft44.com/vb/t19148)
بديع الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148)
من برزخ ( http://www.soft44.com/vb/t19148) التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) إلى معراج ( http://www.soft44.com/vb/t19148) القرآن
أ. د. فريد الأنصاري
جامعة مولاي إسماعيل – مكناس المغرب
مقدمة
ككل علماء عصره انطلق بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) سعيد ( http://www.soft44.com/vb/t19148) النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148)- رحمه الله - في طلبه للعلم الرباني والمعرفة القلبية من مدارج التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) وقواعده. فقد تتلمذ بدء أمره على يد الشيخ سيد نور محمد النقشبندي ([1]) وذلك سنة: 1888م/1306هـ، أي أوائل القرن الرابع عشر الهجري. بل إن الثقافة العامة آنئذ لم تكن تنفصل عن المفاهيم الصوفية، بما في ذلك سائر العلوم الشرعية، التي تلقاها عن عدد من العلماء، من فقه، وأصول، وحديث، ولغة، وكلام ... إلخ.
فرغم استقلال هذه العلوم بعضها عن بعض؛ فقد كان التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) هو اللحمة الجامعة لأدب الطلب، وأخلاق التعلم، كما كان هو القانون المنظم للعلاقة بين الشيخ والتلميذ.
ومن هنا لم يزل رحمه الله يجل التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ويقدر مشايخه رغم ما طرأ على حياته العلمية والدعوية من تحولات. وقد سئل عن ذلك بعدما انتشرت رسائل النور وتميز منهجها القرآني، فقال:
(إن غاية "الطريقة" وهدفها هو معرفة الحقائق الإيمانية والقرآنية، ونيلها عبر السير والسلوك الروحاني في ظل المعراج الأحمدي وتحت رايته، بخطوات القلب، وصولا إلى حالة وجدانية وذوقية بما يشبه الشهود. فالطريقة والتصوف سر إنساني رفيع، وكمال بشري سام.) ([2])
فبديع الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) لم يسجل قطيعة (ابستمولوجية) مع الفكر الصوفي؛ بما يجعله وإياه على طرفي نقيض. وإنما الذي يمكن قوله: هو أنه جدد الفكر الصوفي نفسه؛ بمحاولة إعادة إنتاج الحقائق القلبية الإيمانية، لا بواسطة هياكل الطريقة وقواعدها، من مشيخة، وبيعة، وأوراد قولية وفعلية، ولكن إنتاجه الإيماني كان ينطلق بصورة مباشرة من نبع القرآن ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الفياض. حيث إنه لم يستمر انضباطه لنظام المشيخة بمفهومها الصوفي.
فبعد حصول التحولات المشهودة في حياته الإيمانية ترك الطرق وأربابها، والمشيخة وأشكالها.
فلم ينصبها أمامه بعدُ في سيره إلى الله، ولا هو انتصب لها.
ولا أنتج طريقة جديدة كما هو معهود في نظام الطرق الصوفي في العصور المتأخرة.
وإنما صار بما سلكه من منهج قرآني شأنا آخر.
ذلك أن أحواله رحمه الله سرعان ما تطورت؛ بما تطور من حوادث في عصره، وبما وجد من قوى باطنة في نفسه، توجهه توجيها وتدفعه بقوة إلى سلوك مسلك جديد؛ فوجد نفسه مطلوبا لهمة أخرى غير التربية الصوفية بمعناها التقليدي.
ومن هنا انطلق فاتحا مسلكا جديدا في مجال تجديد الدين بهذا العصر، دون أن يحدث قطيعة كاملة مع مفاهيم الصوفية ومصطلحاتهم بل حتى قواعدهم في التربية والتوجيه.
الفصل الأول
المنهج النوري بين مقولات التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ومفاهيم القرآن
لقد كانت التحولات في حياة بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) تستجيب لعدة اعتبارات منها ما هوذاتي، يرجع إلى طبيعة الرجل وخصائصه الذاتية. ومنها ما هو موضوعي يرجع إلى طبيعة التحولات العالمية والمحلية الواقعة يومئذ.
فبديع الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) له طبيعة متأبية على المقولات والمفاهيم. فليس من النوع الذي يتلقى الحقائق بلا اقتناع.
فهو ذو شخصية تفكرية وتحققية يقلب النظر فيما حوله بلا انقطاع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومعلوم أن التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) في زمانه وصل إلى حالة مزرية، فيما يتعلق بمنهج التربية وطبيعة السلوك، فأنتج مفارقات كبرى بين القول والعمل، ودعاوى عريضة؛ بما حصل من قطيعة لدى كثير من أهله بين الحقيقة والشريعة، وبما دخله ممن ليس من أهله المتحققين به من بعض الدجاجلة والكذابين، بما أساء إلى التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) وأهله، وجعل كثيرا ممن لم يتحقق من حقيقته الأصلية يرمي كافة مدارسه عن قوس واحدة.
لم يكن من السهل إذن أن يستقر بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) على طريقة معينة. وهو الذي استطاع أن يستوعب علوم عصره الدينية، واللغوية، والفلسفية، في مرحلة مبكرة جدا من عمره؛ بما بهر مشايخه وبَزَّ أقرانه! ([3])
بل ربما يمكن القول: إن شخصيته كانت أقوى من أن تخضع له هو نفسه!
لقد كان يجد نفسه يمضي إلى قدره الذي خلق من أجله بقوة لا يستطيع مقاومتها!
قال رحمه الله:
(لقد تحقق لديّ يقيناً أن أكثر أحداث حياتي، قد جرت خارجة عن طوق اقتداري وشعوري وتدبيري!
إذ أُعطي لها سَيْرٌ مُعَيَّنٌ، ووُجّهت وجهةً غريبةً؛ لتنتج هذه الأنواع من الرسائل التي تخدم القرآن ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الحكيم. بل كأن حياتي العلمية جميعها بمثابة مقدمات تمهيدية؛ لبيان إعجاز القرآن ( http://www.soft44.com/vb/t19148) بـ"الكلمات" ([4]).
وأما ما يتعلق بالجانب الموضوعي وأثره في توجهه الفكري والوجداني؛ فقد كان للتحولات العالمية والمحلية الكبرى الواقعة يومئذ؛ بما صاحبها من حركات سياسية واجتماعية وفكرية أثر كبير في رسم معالم منهجه التجديدي. ذلك أن الانهيارات الكبرى التي عرفتها الدولة العثمانية، وما نخر جسم الخلافة الإسلامية من وهن وضعف، وما أبصره النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) بنظره الثاقب من كيد الأعداء في الداخل والخارج، وما صاحب ذلك كله من انهيار كثير من القيم وزحف فلسفة الإلحاد على العالم الإسلامي، مع بداية قيام الثورة البلشفية في روسيا ونشوء الاتحاد السوفياتي، ثم قيام الدولة العلمانية وما قامت به من حملات استئصالية رهيبة لكل ما يرمز إلى الدين شكلا ومضمونا، ثم فشل المحاولات التي قادها مشايخ معاصرون لها لإعادة الأمور إلى نصابها بالقوة، أو بالدروشة. كل ذلك جعله يرفع صوته مبادرا إلى استلام زمام المبادرة، وركوب حصان الطليعة؛ لخوض غمار التحدي بالقرآن، قائلا قولته المشهورة:
(إن هذا الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ليس زمان الطريقة الصوفية بل زمان إنقاذ الإيمان!) ([5])
مقررا بكل ثقة أن: (إنقاذ الإيمان أعظم إحسان في هذا الزمان!) ([6]).
فالمشروع التجديدي لبديع الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) هو على المستوى المنهجي مقارب للتصوف ومفارق له في الآن ذاته. وبيان ذلك يتضح بالمقارنات التالية:
أ- المعرفة القرآنية ضرورية والمعرفة الصوفية فاكهة:
ذلك أن التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) في تصور النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) رحمه الله – بالنظر إلى ظروف عصره - إنما هو ضرب من الترف الروحي! ذلك أن حاجة العصر هي التي تحدد قيمة المفاهيم وأولويتها؛ ومن هنا كان نظر بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) إلى سائر المناهج الإصلاحية مبنيا على مدى نجاعتها بالنسبة لحال الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) وأهله. وقد نقل الأستاذ النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) كلاما عن الشيخ شاه نقشبند مؤسس الطريقة النقشبندية ثم علق عليه بمقارنات لطيفة، وبأدب جم رفيع،
فخرج بمعادلات تربوية ذات بعد منهجي متوازن، تدل على قبوله للفكر الصوفي من جهة، وتجاوزه له من جهة ثانية؛ بناء على معطيات العصر الموصوفة قبل، وما تفرضه من أولويات.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال رحمه الله: "لقد قال رائد السلسلة النقشبندية وشمسها الإمام الرباني - رضي الله عنه - في مؤلفه "مكتوبات": "إنني أرجّح وضوح مسألة من الحقائق الإيمانية وانكشافها على آلاف من الأذواق والمواجيد والكرامات" ([7]). وقال أيضا: "إن منتهى الطرق الصوفية كافة هو وضوح الحقائق الإيمانية وانجلاؤها ([8]) ". وقال كذلك: "إن الولاية ثلاثة أقسام: الولاية الصغرى: وهي الولاية المشهورة. وقسم ثان: هو الولاية الوسطى. وقسم ثالث: هو الولاية الكبرى. هذه الولاية الكبرى هو فتح الطريق إلى الحقيقة مباشرة، دون الدخول في برزخ ( http://www.soft44.com/vb/t19148) التصوف. وذلك بوساطة وراثة النبوة" ([9]). وقال أيضاً: "إن السلوك في الطريقة النقشبندية يسير على جناحين، أي الاعتقاد الصحيح بالحقائق الإيمانية، والعمل التام بالفرائض الدينية. فإذا ما حدث خلل وقصور في أي من هذين الجناحين يتعذر السير في ذلك الطريق" ([10]).
بمعنى أن الطريقة النقشبندية [يقول بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان] لها ثلاثة مشاهد:
أولها وأسبقها وأعظمها: هو خدمة الحقائق الإيمانية خدمة مباشرة، تلك الخدمة التي سلكها الإمام الرباني في أخريات أيامه.
الثاني: خدمة الفرائض الدينية والسنة النبوية، تحت ستار الطريقة.
الثالث: السعي لإزالة الأمراض القلبية، عن طريق التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) والسير بخطى القلب.
فالأول من هذه الطرق هو بحكم الفرض، والثاني بحكم الواجب، والثالث بحكم السنة.
فما دامت الحقيقة هكذا: فإني إخال أن لو كان الشيخ عبد القادر الكيلاني، والشاه النقشبند ([11]) والإمام الرباني ([12]) وأمثالهم من أقطاب الإيمان - رضوان الله عليهم أجمعين - في عصرنا هذا؛ لبذلوا كل ما في وسعهم لتقوية الحقائق الإيمانية والعقائد الإسلامية؛ ذلك لأنهما منشأ السعادة الأبدية، ولأن أي تقصير فيهما يعني الشقاء الأبدي!
نعم؛ لا يمكن دخول الجنة من دون إيمان، بينما يدخلها الكثيرون جداً دون تصوف.
فالإنسان لا يمكن أن يعيش دون خبز، بينما يمكنه العيش دون فاكهة. فالتصوف فاكهة، والحقائق الإسلامية خبز.) ([13])
هكذا إذن يصبح التصوف ( http://www.soft44.com/vb/t19148) بالنسبة للنورسي - في زمن الانهيارات الكبرى - مجرد فاكهة. والعمل الضروري عنده إنما هو قائم على التشمير عن ساعد الكدح؛ لاستخراج حقائق الإيمان مباشرة من القرآن ( http://www.soft44.com/vb/t19148) العظيم، والسير بها في الآفاق مربيا ومعلما.
فكانت رسائل النور هي تلك النتيجة النورية التي سلطها النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) على ظلمات العصر فانفجرت بشعاعات لا تنتهي من الأجيال القرآنية التي تتحدى فلسفات العصر، وكل ضروب العلمانية الزاحفة!
يتبع .....
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لائحة المصادر والمراجع
- القرآن ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الكريم.
- صحيح البخاري، للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. شرح وتحقيق الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي. دار القلم بيروت. ط. الأولى: 1407هـ/1987م.
- صحيح مسلم، للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. دار الحديث بالقاهرة. ط. الأولى: 1412هـ/1991م.
- صحيح الجامع الصغير وزياداته للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإسلامي بيروت/ دمشق. ط. الثالثة: 1408هـ/1988.
- كليات رسائل النور تأليف الأستاذ بديع ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) سعيد ( http://www.soft44.com/vb/t19148) النورسي، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، نشر دار (سوزلر) للنشر، فرع القاهرة ط 2 بمصر 1412 هـ/ الموافق 1992م. وتتضمن:
- الجزء الأول: الكلمات
- " الثاني: المكتوبات
- " الثالث: اللمعات.
- " الرابع: الشعاعات
- " الخامس: إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز.
- " السادس: المثنوي العربي النوري.
- " السابع: الملاحق.
- " الثامن: صيقل الإسلام.
- " التاسع: سيرة ذاتية.
(يُتْبَعُ)
(/)
- مفاتح النور: (نحو معجم شامل للمصطلحات المفتاحية لكليات رسائل النور لبديع الزمان ( http://www.soft44.com/vb/t19148) سعيد ( http://www.soft44.com/vb/t19148) النورسي) تأليف د. فريد الأنصاري. نشر معهد الدراسات المصطلحية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله بفاس، ومركز النور للدراسات والبحوث بتركيا. مطبعة نسيل إستنبول/ تركيا. ط. الأولى: 2004.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش:
([1]) قال رحمه الله: (وأستاذي في الطريقة النقشبندية: سيد نور محمد) سيرة ذاتية ص 236. والملاحق ص71.
([2]) المكتوبات ص571.
([3]) سيرة ذاتية ص 46 - 47.
(4) المكتوبات ص484، وسيرة ذاتية ص10
([5]) سيرة ذاتية ص 369
([6]) سيرة ذاتية ص 368
([7]) المكتوبات للإمام الرباني أحمد السرهندي: 1/ 182 (المكتوب: 210) نقلا عن تحقيقات إحسان قاسم الصالحي لرسائل النور. ن: مكتوبات النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ص 26
([8]) نفسه، نقلا عن تحقيقات إحسان قاسم الصالحي لرسائل النور. ن: مكتوبات النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ص 26
([9]) مكتوبات السرهندي: 1/ 240 (المكتوب 260).) نقلا عن تحقيقات إحسان قاسم الصالحي لرسائل النور. ن: مكتوبات النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ص 26
([10]) مكتوبات السرهندي: 1/ 87 (المكتوب:75)، 1/ 98 (المكتوب: 91)، 1/ 99 (المكتوب: 94).) نقلا عن تحقيقات إحسان قاسم الصالحي لرسائل النور. ن: مكتوبات النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) ص 27.
([11]) هو محمد بهاء الدين مؤسس الطريقة النقشبندية.
([12]) يعني: الإمام أحمد بن عبد الأحد السرهندي الفاروقي.
([13]) المكتوبات ص 27
([14]) المكتوبات: 2/ 428 - 429
([15]) ينظر مصطلح (التوحيد) في كتابنا مفاتح النور ص 41
([16]) المثنوي العربي: 6/ 41
([17]) المثتوي العربي: 6/ 346
([18]) الكلمات ص561
([19]) المكتوبات ص424
([20]) صيقل الإسلام: 8/ 122ـ124.
([21]) المكتوبات ص 589
([22]) المكتوبات ص 588.
([23]) المكتوبات ص 484، وسيرة ذاتية ص10.
([24]) المكتوبات ص 475، وسيرة ذاتية ص120.
([25]) مصطلح (سعيد القديم) لقبٌ يطلقه النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) على مرحلة الأربعينات الأولى من عمره، أي مرحلة ما قبل الشروع في كتابة رسائل النور، وهي مرحلة الاهتمام السياسي في حياته. وأما لقب (سعيد الجديد) فهو شخصية النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) الجديدة، التي ودعت العمل السياسي الجزئي واشتغلت بالعمل الروحي الكلي.
([26]) إشارت الإعجاز:5/ 22 والمكتوبات:2/ 267
([27]) ن. مصطلح (القرآن) في كتابنا: "مفاتح النور" ص 212.
([28]) المرجع السابق.
([29]) كلها اصطلاحات استعملها النورسي ( http://www.soft44.com/vb/t19148) في كتاب المثنوي العربي.
([30]) سيرة ذاتية ص 369
([31]) الملاحق ص 110.
([32]) صيقل الإسلام ص 518.
([33]) رواه أبو داود بسند صحيح.
([34]) ن. هذا المعنى مفصلا في دراستنا لمصطلح (الإنسان) بكتابنا: مفاتح النور ص 89.
([35]) الكلمات:1/ 418
([36]) الكلمات:1/ 204
([37]) إشارات الإعجاز:5/ 26
([38]) إشارات الإعجاز:5/ 149
([39]) المكتوبات:2/ 594.
([40]) المكتوبات ص 247
([41]) المكتوبات ص 248
([42]) الكلمات ص 734
([43]) اللمعات ص 176
ـ[خلوصي]ــــــــ[14 Aug 2010, 03:51 م]ـ
أنا زعلان منك يا سيدي!
جبتلّك بحث دقيق خلاصة دراسة و تأمّل و معايشة من شيخ أصولي محرر مصطلحاتي .. و لا إلتلّي شكراً http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif معليش! متل ما بيؤولوا الشوام: المعاملة مع الله!
و كمان أنا زعلان من الجماعة الطيبة أهل التفسير أهل القرآن ما حدا علّق و لا طلب التتمة مع إنّو الموضوع عن:
معراج القرآن!
بعد برازخ التصوف!؟!
إيه شو عليه؟ يمكن الواحد منّا صار يعجبو موضوع من أوّلو و بعدين بيروح لغووغل بيلائي الموضوع كامل!؟ بس وين؟ شو جاب لجاب ... و الله بحرمكون تنسيقاتي http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif -
إخوتي و اساتذتي المحترمين:
كل عام و أنتم بخير
أجدد لكم هذا الموضوع إتماماً له في شهر القرآن فقد أبدع الشيخ المربي الأنصاري رحمه الله في تحليل رسائل النور و إثبات أنها:
" مدوّنة الفقه القرآني الأكبر "
(يُتْبَعُ)
(/)
لهذا العصر .. و لأجيال قادمة!
بين أبناء الإسلام ..
و في رنوّهم إلى أمة الدعوة المحترقين في الأرض!
بل رنوّ أهل الأرض إلى بصيص من أنوار كتابهم!
لقد أشبهت حالة بديع الزمان النورسي – إلى حد ما - حالة متصوفة الصدر الأول، من أمثال الإمام الجنيد والحارث بن أسد المحاسبي وأضرابهما، ممن لم يشتغلوا بالألقاب والأقطاب، ولا حتى التزموا شيخا معينا على التحديد دون سواه؛ في سيرهم إلى الله، وإنما التزموا سنة الرسول صلى الله وسلم في مجمل عبادته. فتحققوا بالمعاني الكبار من حقائق القرآن، عند ولوج معارجه بين سبحات الليل والنهار.
ومن هنا فقد ألغى – رحمه الله - وسائط المشايخ، وتتلمذ على النبي صلى الله عليه وسلم في سيره إلى الله. وهي مرتبة أعلى في سلم مراتب الولاية، كما بينه في النص المذكور، نقلا عن الإمام السرهندي. أعني قوله:
(والولاية الكبرى:
هو فتح الطريق إلى الحقيقة مباشرة، دون الدخول في برزخ التصوف، وذلك بوساطة وراثة النبوة.)
ومن هنا كان العنصر الثاني في هذه المقارنة النورية هو:
ب- المعرفة القرآنية مباشِرَةٌ والمعرفة الصوفية برزخية:
والبرزخ المعرفي إنما هو فاصل نفساني، أو ممر روحاني خاص، تَعْبُرُهُ الحقائق؛ فلا بد إذن أن تتأثر المعارف بطبيعته، ولا يمكنها أن تحافظ على أصالتها، وفطرتها الأولى، كما كانت في الأصل.
فالمفاهيم عندما تُتَلَقَّى من معراج القرآن لحظةَ المشاهدة القلبية لحقائقه الإيمانية؛ تكون أوضح وأصفى،
لكنها على غير تلك الصورة من الوضوح؛ إذا ما تُلقيت عبر البرزخ الصوفي؛ لما يخالطها من الارتجاجات الإنسانية، ولما يحجبها من حُجُبِ المسافة النفسانية على حسب مقام الشخص المتلقي وحاله.
ولقد درسنا مفهوم التوحيد كما تلقاه بديع الزمان النورسي عبر المعراج القرآني، مقارَناً بما رسمه أهل الأحوال والمقامات من معان؛ فكان الأمر - كما عبر عنه هو نفسه رحمه الله - في غاية التمايز؛ لما بين المسلكين من فروق دقيقة قد لا تُرى بادئ النظر.
وذلك أنه سئل - رحمه الله - كيف (أن علماء الكلام يثبتون (التوحيد) بعد ظهورهم ذهنا على العالم كله، الذي جعلوه تحت عنوان الإمكان والحدوث؟ وإن قسما من أهل التصوف لأجل أن يغنموا بحضور القلب واطمئنانه، قالوا: (لا مشهود إلا هو)، بعد أن ألقوا ستار النسيان على الكائنات، وقسم آخر منهم قالوا: (لا موجود إلا هو) وجعلوا الكائنات في موضع الخيال، وألقوها في العدم؛ ليظفروا بعد ذلك بالاطمئنان، وسكون القلب. ولكنك تسلك مسلكا مخالفا لهذه المشارب، وتبين منهجا قويما من القرآن الكريم، وقد جعلت شعار هذا المنهج:
"لا مقصود إلا هو"، "لا معبود إلا هو"!
فالرجاء أن توضح لنا باختصار برهانا واحدا يخص (التوحيد) في هذا المنهج القرآني!
- الجواب: إن جميع ما في (الكلمات)، و (المكتوبات)، يبين ذلك المنهج القويم ( ... ) إن كل شيء في العالم يُسنِدُ جميع الأشياء إلى خالقه، وإن كل أثر في الدنيا يدل على أن جميع الآثار هي من مؤثره هو ( ... ) أي أن كل شيء هو برهان وحدانية واضح، ونافذة مطلة على المعرفة الإلهية؛ ( ... ) لأن القانون الساري في الموجودات هو سلسلة تشد جميعها، بعضها ببعض، والأفعال مرتبطة به ( ... ) ذلك لأن الأسماء المتجلية في الكون متداخل بعضها في بعض، كالدوائر المتداخلة، وألوان الضوء السبعة. كل منها يسند الآخر ويمده، كل منها يكمل أثر الآخر ويزينه!). ([14])
إن تجلي الأسماء في الموجودات هو الخاتم، أو السكة، أو الطغراء، التي تدل على المعرفة الإلهية، جوهر (التوحيد الحقيقي).
ولقد بينا ولع النورسي بتتبع هذا المعنى في تحقيق التوحيد ([15]). لا يكاد يذكر هذا إلا من خلال ذاك! قال مثلا: (إن للصانع جل جلاله على كل مصنوع من مصنوعاته (سكة)، خاصة بمن هو خالق كل شيء! وعلى كل مخلوق من مخلوقاته (خاتم)، خاص بمن هو صانع كل شيء! وعلى كل منشور من مكتوبات قدرته (طغراء) غراء لا تقلد، خاص بسلطان الأزل والأبد!) ([16]). ومثله قوله: (وأما التوحيد لأهل الحقيقة؛ فإنما يَثْبُتُ بأن يُثْبَتَ كل شيء مما يشاهد من الأشياء ويسنده إليه سبحانه، ويرى فيه سكته، ويقرأ عليه خاتمه جل جلاله. وهذا الإثبات يثبت الحضور، وينافي الغفلة!). ([17])
(يُتْبَعُ)
(/)
فالمفاهيم الروحية كما يعرضها النورسي إنما يتلقاها في حال اليقظة، لا في حال المحو والسكر، كما يعبر القوم.
فاليقظة عنده أكمل من السكر، والحضور أقوى من الغياب، على عكس ما هو موجود عند غيره. ذلك أن (طريق القرآن) عنده - رحمه الله – تسلك بالعبد إلى ربه عبر نفسه الواعية، اليَقِظَةِ؛ من خلال مسلك الوجود. وذلك كمال الابتلاء وكمال التوحيد. فالعبد الذي يستوعب الوجود حوله بتعدده وتنوعه، فلا يفقد بوصلة السير إلى الله الواحد؛ هو العبد الأكمل.
فإذا بالكائنات جميعها بين يديه مجالس ذكر تسير بسيره إلى الله.
فلا ينبغي أن يفتنه شيء في ذلك كله عن ربه، بل يجب أن يجد كل شيء منعكسا عن أنوار الأسماء الحسنى. ومن هنا لم يكن طريق القرآن يضطر إلى محو الوجود كما يفعل أهل الشطحات القائلين بوحدة الوجود. نعم! ذلك هو طريق القرآن.
قال رحمه الله في بيان عجيب، تُشد إلى مثله الرحال:
(إن هذا الطريق أسْلَمُ من غيره؛ لأن ليس للنفس فيه شطحات، أو ادعاءات فوق طاقتها؛ إذ المرء لا يجد في نفسه غير العجز، والفقر، والتقصير، حتى لا يتجاوز حده. ثم إن هذا الطريق طريق عام وجادة كبرى، لأنه لا يضطر إلى إعدام الكائنات، ولا إلى سجنها، حيث إن أهل "وحدة الوجود" توهموا الكائنات عدماً، فقالوا: "لا موجود إلا هو" لأجل الوصول إلى الاطمئنان والحضور القلبي. وكذا أهل "وحدة الشهود" حيث سجنوا الكائنات في سجن النسيان، فقالوا: "لا مشهود إلا هو" للوصول إلى الاطمئنان القلبي.
بينما القرآن الكريم يعفي الكائنات بكل وضوح عن الإعدام، ويطلق سراحها من السجن.
فهذا الطريق على نهج القرآن ينظر إلى الكائنات أنها مسخرة لفاطرها الجليل، وخادمة في سبيله، وأنها مظاهر لتجليات الأسماء الحسنى، كأنها مرايا تعكس تلك التجليات. أي أنه يستخدمها بالمعنى الحرفي، ويعزلها عن المعنى الاسمي، من أن تكون خادمة ومسخرة بنفسها.
وعندها ينجو المرء من الغفلة، ويبلغ الحضور الدائمي على نهج القرآن الكريم. فيجد إلى الحق سبحانه طريقاً من كل شيء) ([18]).
ذلك إذن؛ وجه من وجوه الفرق ما بين البرزخية الصوفية والمعراج القرآني المباشر. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن المعرفة الصوفية عند بديع الزمان - رغم ما كان يكنه لها من احترام - معرفة قائمة على منهج المغامرة، وذلك بما هي معرفة ناقصة غير كاملة، وبما يشوبها من تدخل الذات الإنسانية وأحوالها. فهي لذلك في حاجة إلى تأمين.
وإنما تأمينها هو (المعراج القرآني).
وبيان ذلك هو كما يلي:
ج- المعرفة القرآنية مضمونة مأمونة والمعرفة الصوفية مغامرة:(/)
المَرْصَدُ القُرْآنِيُّ - المناشط و المشاريع و المنشورات القرآنية في العالم؟
ـ[خلوصي]ــــــــ[22 Apr 2010, 09:19 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان ... إلى يوم الدين ..
و بعد:
فإن ما دعاني إلى طرح هذا الموضوع " المشروع " هو كثرة من العناوين التي تفاجئنا و تسعدنا بين حين و آخر .. و في كثير من البلاد ..
محورها القرآن!
فهذه مجلة في الكويت .. و تلك أخرى في الجزائر ..
و هذه حلقة بحثية في السودان .. و تلك أخرى في لبنان ..
و هذا مؤتمر عالمي ..
و ذاك ..
و ذاك ..
و لله الحمد على نعمة القرآن و كفى بها من نعمة ..
فهل ثمة مرصد أصلاً يعنى بأخبار تلك الجهود و ينشّط التواصل بينها؟
فإن لم يكن .. فهل نقوم نحن به عبر موضوع كهذا؟ قد يكون نواة لمرصد من نوع آخر؟
خادم أهل القرآن: خلوصي. http://www.tafsir.net/vb/images/icons/icon7.gif
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 Apr 2010, 11:51 م]ـ
هناك مشروع لدينا بعنوان (راصد) يهتم بمثل ذلك ويصدر تباعاً عن مركز تفسير.
ـ[خلوصي]ــــــــ[23 Apr 2010, 07:48 ص]ـ
هناك مشروع لدينا بعنوان (راصد) يهتم بمثل ذلك ويصدر تباعاً عن مركز تفسير.
بارك الله فيكم شيخنا .. و لكن العبارة توحي بأن النشر ورقي؟ فيكون غير مناسب للعصر .. و لا يكون راصداً إلا قليلاً من حيث وظيفته الإعلامية!(/)
صيد ثمين: إسلام مارونيّة واثنين من الفلبّين.
ـ[نعيمان]ــــــــ[08 May 2010, 01:07 م]ـ
القصّة الأولى:
آبي فتاة نصرانيّة فلبّينيّة لها علاقة مع إدوارد وهو كذلك شابّ نصرانيّ فلبّينيّ.
هي تعمل في مطعم بالشّارقة وهو يعمل في الفلبّين. فعلم بميلها إلى الإسلام، فحضر كي يمنعها أن تسلم، فلمّا تأبّت عليه، ورأى إصرارها؛ رغب هو الآخر في الإسلام.
وقد أنعم الله تعالى على عبده الفقير نعيمان قبل دقائق معدودات بتلقينهما الشّهادتين؛ وذلك قبيل صلاة الظّهر حسْب التّوقيت المحلّي لإمارة عجمان.
وما تذوّقت حلاوة النّطق بالشّهادتين في حياتي كما تذوٌقتهما حين نطقتُ بهما؛ لدرجة أن تهدّج صوتي وترقرق الدّمع في عيني، وارتجّ المجلس بالبكاء، واغرورقت عينا إدوارد بالدّموع وهو يردّد الشّهادتين خلفي، وأجهشت آبي بالبكاء وسيول الدّمع يتفجّر من مآقيها وهي تردّد الشّهادتين خلفي.
وعندما سألناهما عن شعورهما قالا: الشّهادتان صعبة وثقيلة جدّاً.
ثمّ تلوت على مسامعهما سورة الفاتحة، وسورة الإخلاص، وترجمنا معانيهما لهما. فلله الحمد والمنّة والفضل.
وأسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يثبّتنا وإياهما على الحقّ، وأن يحسن لنا الخواتيم، وأن يهدي كلّ ضالّ عن دين الله.
القصّة الثّانية:
خلال المجلس المبارك حدّثني مهندس فاضل؛ أنّ أحد الفرنسيّين أسلم بسبب ((دفاشة)) المسلمين.
وهذا الفرنسيّ مهندس يعمل مديراً في شركة.
وذات يومٍ خرج ليراقب حركة العمّال، فوجد الهنود (ومن الهنود ملل ونِحَلٌ؛ منهم المسلمون) يقفون بنظام وترتيب، ووجد العرب يزاحمون الآخرين، ويحاولون الدّخول قبل بعضهم بعضاً، ويثيرون ضجّة بحركاتهم وأصواتهم، .. وهكذا ممّا هو معروف عن بني يعرب في هذا العصر إلا من رحم الله.
يقول: فلمّا حان وقت الصّلاة إذا بهم يصطفّون جميعاً من غير مزاحمة خلف إمام واحد، وبحركة واحدة، وهو يقودهم من خلفه دون أن ينظر إليهم.
فعلّق قائلا –كما يقول هو عن نفسه-: دين ينظّم هؤلاء الغجر دين عظيم.
فأعلن إسلامه.
القصّة الثّالثة:
أمّا قصّة إسلام المارونيّة - إحدى طالباتي الفضليات- فسأحدّثكم عن إسلامها في مشاركة أخرى إن شاء الله تعالى؛ إن كتب الله لنا اللٌقاء والبقاء.
وصلّى الله على حبيبنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
السّبت 25 جمادى الأولى 1431هـ - 8/ 5/2010م
ـ[محب البشير]ــــــــ[08 May 2010, 03:22 م]ـ
الحمد لله
طوبى لك و مبارك عليهما
الحمد لله الذي أنقذهما من النار
و لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم
بالتوفيق
ـ[ايت عمران]ــــــــ[08 May 2010, 03:49 م]ـ
الحمد لله عل نعمة الهداية
وأسأل ربي سبحانه أن يثبتهم على الإسلام.
وهنيئا لمن كان السبب في جر ذيول هذا الخير لهم.
وأذكر الأستاذ نعيمان أن المسؤولية التي أصبحت على عاتقه الآن لا تقل عن مسؤوليه إقناعهم بالإسلام، فهم بحاجة إلى عناية كبيرة، ومتابعة مستمرة، وتعامل حسن، إلى أن يرسخ الإيمان في قلوبهم، ويلامس شغاف أفئدتهم.
ولقد حدثني بعض من يعيش في الغرب من أصدقائي أن إدخال الشباب في الإسلام هناك أمر ميسر، لكن إذا لم يعتن بهم فسرعان ما يرتدون، أو يتركون شعائر الإسلام ويكتفون من الاسلام باسمه.
وأقترح تغيير عنوان المشاركة، فليس قصدنا اصطياد الناس، إنما قصدنا الخير لهم، وعتق رقابهم من نار جهنم، وكل ذلك بتوفيق من الله، وليس بحول أحدنا وطوله.
قال أرحم الراحمين، وهو أعلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين} القصص 56.
ـ[نعيمان]ــــــــ[08 May 2010, 06:30 م]ـ
الحمد لله الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات
شكر الله لك أخي الكريم محبّ البشير وبارك فيك.
وكذلك لكم أخي الكريم آيت عمران
ولي على تعقيبكم تعليق:
ما الفرق بين قولي: صيد ثمين وبين قولك: قصد الخير لهم؟
ولم نصطادهم أصلاً؟ إنّما اصطدناهم لأجل الخير لهم.
ولم أهدهم أنا، ومعاذ الله أن أنسب إليّ شيئاً ليس لي! ضللت إذا وما أنا من المهتدين. وما بنا من نعمة فمن الله وحده.
وقد ذكرت في متن الخبر ذلك -لو أعدت قراءته- ما نصّه:
وقد أنعم الله تعالى على عبده الفقير نعيمان قبل دقائق معدودات بتلقينهما الشّهادتين؛ وذلك قبيل صلاة الظّهر حسْب التّوقيت المحلّي لإمارة عجمان.
والعنوان - فيما أرى- لا شيء فيه شرعاً ولا أدباً، وقد أكون مخطئاً، فإن عاضدك أحد فذاك، وإلا بقي العنوان على حاله.
فرأي الاثنين خير من الواحد، وما أنا من المتعصّبين لقول أو رأي.
وجزيت الخير على ما ذكرت أيضاً من تنبيهك إيّاي بتحمّل مسؤوليّتهم ومتابعتهم، فمن فضل الله تعالى علينا أنّ أحد الأحبّة سيتواصل معهم بسبب قرب المكان.
ونسأله تعالى أن يعيننا على ذلك جميعاً.
ـ[سعد الحلبوسي]ــــــــ[01 Jun 2010, 07:39 م]ـ
الحمد لله على نعمة الاسلام , ان دل هذاعلى شيء فانما يدل على عظمة هذا الدين , وانه منزل من عند الله وان الرسول لا ينطق عن الهوى
سعد الحلبوسي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إشراقة جيلي محمد]ــــــــ[01 Jun 2010, 08:08 م]ـ
ما شاء الله الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
بارك الله فيك أخ نعيمان وجزاك خيرا على الأخبار السارة ...
ـ[نعيمان]ــــــــ[01 Jun 2010, 09:43 م]ـ
جزاكما الله خيراً أخويّ الكريمين: سعد وإشراقة، وبارك في مروركما وتعليقكما ودعائكما.
ولم أستطع حتّى هذه اللحظة إتمام قصّة طالبتي الكريمة؛ بسبب الخوف من كشف أمرها.
ثبّتنا الله وإيّاها، وهدى لها والديها وأهلها والنّاس جميعاً.
وما زلت على الوعد في كتابة قصّتها حين يقضي الله أمره سبحانه؛ بما لا يعرّض أختنا في الإسلام للابتلاء بسببنا.
فآمل من جميع إخوتي في هذا الملتقى المبارك إحياء هذا الموضوع نصرة ودعاء بالتّثبيت والاستعداد للتّآخي معها. شدّاً لعضدها.
چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? چالقصص: 35
((والمؤمن كثير بإخوانه))
أو كما ثبت عنه صلوات ربّي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم.
فهل أنتم فاعلون؟
لترى بعينيها نصرة إخوانها وأخواتها ودعمهم لها؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[02 Jun 2010, 06:34 ص]ـ
وفق الله أخي العزيز نعيمان لكل خير، وإني لأغبطه على هذه النعمة بهداية هؤلاء أو بعضهم على يدك.
إِنَّ نعمة الهداية إلى الإسلام لا يعدلها نعمةٌ في هذه الدنيا، ومن فضل الله على بعض عباده أن يسخر لهم من يدلُّهم على طريق الهداية، أو يَجعل دلالة الآخرين على أيديهم. ونحن نشكو إلى الله تقصيرنا الشديد في حق أنفسنا ثم في حقوق غير المسلمين الذين يعيشون حولنا وذلك في بيان الحق لهم بالتي هي أحسن كما أمرنا، فالمطلوب أكثر من المبذول، والحاجة ماسة، والأديان المحرفة يبذل أهلها جهوداً مذهلة في الدعوة لباطلهم، وقد انحرف باتباعهم كثيرون.
وما زلتُ مذ قرأتُ عنوان موضوع أخي نعيمان أترقب خبر هذه الأخت التي هداها الله للإسلام بفضله وتوفيقه، غير أن الأستاذ نعيمان أدرى بتقدير مصلحة التفصيل في ذلك، ونسأل الله أن يثبت هذه الأخت على الحق، وأن يهيئ لها من أمرها رشداً.
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[02 Jun 2010, 06:55 ص]ـ
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
لقد حاولت فترة مكوثي في أمريكا أن يهدي الله احد على يديّ ولكن الله حرمني من ذلك رغم جهودي وماولاتي التي لم تنتهي الى الآن. لقد بلت أدمعي الكي برود وأنا أكتب بهذه الكلمات وتأثري بما قرأت من تلك القص التي مرّ علي الكثير منها. ولكن الله تعالى حرمني من أن أتذوقها بلساني وأمسكها بجوارحي. لا أدري ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. أسأل الله تعالى أن يعطيني بُغيتي قبل أن أموت ويواريني الثرى. وهنيئاً لك يا أبا مصعب.هنيئاً لك أجراً يوازي ما تطلع عليه الشمس وهنيئاً لك حمر النعم. وادع لأخيك قبل أن يُسأل.
ـ[نعيمان]ــــــــ[02 Jun 2010, 11:06 ص]ـ
وفق الله أخي العزيز نعيمان لكل خير، وإني لأغبطه على هذه النعمة بهداية هؤلاء أو بعضهم على يدك.
.
.
وما زلتُ مذ قرأتُ عنوان موضوع أخي نعيمان أترقب خبر هذه الأخت التي هداها الله للإسلام بفضله وتوفيقه، غير أن الأستاذ نعيمان أدرى بتقدير مصلحة التفصيل في ذلك، ونسأل الله أن يثبت هذه الأخت على الحق، وأن يهيئ لها من أمرها رشداً.
استجاب الله تعالى دعاءكم أخي الحبيب الدّكتور عبد الرّحمن
وبارك في مواقفكم ونصرتكم.
والأخت الكريمة تحتاج إلى أن تخطو خطوات وئيدة بعيداً عن الصّدمات المفاجئة؛ وبخاصّة أنّها تعاني الأمرّين بسبب التّعصّب الأعمى، فرأت في محيطها الجديد وتعاملات أخواتها المستقيمات-كما نحسبهنّ- ما غيّر فكرتها ممّا تربّت عليه منذ نعومة أظفارها.
وهذا هو دور المستقيمين على الحقّ أن يروا من أنفسهم سماحة الإسلام سلوكاً.
فالقدوة أساس التّأثير، وما من أحد إلا ويحتاجها في حياته.
چ ? ? ? ?? ? ?? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? چالأنعام:90
چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? چالأحزاب: 21
چ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? چالممتحنة: 6
وفّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه.
ـ[نعيمان]ــــــــ[02 Jun 2010, 12:32 م]ـ
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
لقد حاولت فترة مكوثي في أمريكا أن يهدي الله احد على يديّ ولكن الله حرمني من ذلك رغم جهودي وماولاتي التي لم تنتهي الى الآن. لقد بلت أدمعي الكي برود وأنا أكتب بهذه الكلمات وتأثري بما قرأت من تلك القص التي مرّ علي الكثير منها. ولكن الله تعالى حرمني من أن أتذوقها بلساني وأمسكها بجوارحي. لا أدري ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. أسأل الله تعالى أن يعطيني بُغيتي قبل أن أموت ويواريني الثرى. وهنيئاً لك يا أبا مصعب.هنيئاً لك أجراً يوازي ما تطلع عليه الشمس وهنيئاً لك حمر النعم. وادع لأخيك قبل أن يُسأل.
وهنيئاً للمسلمين جميعاً انضمام غيرهم إلى الدّين الحقّ، وهنيئاً لمن أسلم أيضاً، وثبّتنا وإيّاهم.
وجعلنا سبحانه هداة مهديّين لا ضالّين ولا مضلّين.
ويا أخي أبا أنس لا تحزن على ما فاتك، فإنّما هي أرزاق رزقنا الله تعالى وإيّاكم والأحبّة جميعاً.
والأجر على قدر النّيّة، وقد فعلت جهدك، فلا تأس على ما فاتك.
چ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? چ الحديد: 23
وتذكّر حديث الحبيب النّبيّ صلوات ربّي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلّم الذّي رواه الإمامان البخاريّ ومسلم رحمهما الله تعالى:" عرضت عليّ الأمم، فرأيت النّبيّ ومعه الرّهط، والنّبيّ ومعه الرّجل والرّجلان، والنّبيّ وليس معه أحد ".
ع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[نعيمان]ــــــــ[07 Nov 2010, 07:28 م]ـ
ولله الحمد والمنّة والفضل قبل دقائق معدودات من الآن لحقت بهذا الرّكب المبارك طالبة درزيّة.
نسأله تعالى لها ولنا الثّبات على الحقّ.
فالدّعاء لها ولغيرها يرحمكم الله ويبارككم.
وصلّى الله على حبيبنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
الأحد غرّة ذي الحجّة المباركة 1431هـ - 7/ 11/2010م
ـ[محمد عادل عقل]ــــــــ[07 Nov 2010, 08:02 م]ـ
الآن علمت انك من أغنى الاغنياء، وسبقت أمثالي من القاعدين عن هذا الخير
فما بالك بالغنى الذي نتنعم به صباح مساء ولا ندرك قيمته-الا من رحم ربي-"لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم"
تخيل لو سألنا انسانا سليما: كم تقدر قيمة نعمة السمع اوالنطق او البصر تلك التي حرمها الاصم او الابكم او الاعمى؟؟
فبكم ستزداد قائمة أغنى أغنياء العالم؟؟
هل نقول أن الله خلق الناس كلهم في أعلى مراتب الغنى وجلهم لا يدركه قيمته الا حين يفقدونه؟؟!!
فكيف اذا اضفنا الى هذا الغنى غنى "لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم "او "خير لك مما طلعت عليه الشمس"؟
أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يكتب الله الاجر كاملا غير منقوص وان يمتعك بأجر الصدقة الجارية حتى تلقاه وهو راض عنك
ـ[نعيمان]ــــــــ[07 Nov 2010, 08:09 م]ـ
اللهمّ آمين آمين آمين
هذا رزق في مجال العمل أبا صهيب، وهو من أساسيّاته، والفضل لله وحده يرزق من يشاء.
وقد رزقك الله رزقاً وفيراً في جانب آخر، وما أريد أن أتبادل هذا معك؛ فتكتب عنّي وأكتب عنك (ابتسامة)؛ فنصبح كما قال معاوية
-رضي الله تعالى عنه وغفر له- لرجلين مدح أحدهما الآخر في مجلسه: لشدّ ما تقارضتما الثّناء.
ويسّر الله لنا السّبل .. سبل الحق، وفتح لنا الطّرائق .. طرائق الخير.
يا ربّ.
وصلّى الله على حبيبنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
ـ[محمد عادل عقل]ــــــــ[08 Nov 2010, 07:26 ص]ـ
الحبيب د. نعيمان
حفظك الله ورفع قدرك وقدرتك على العطاء الدائم
إعلم، يرعاك الله، انما هي نفحات يختص بها الله بعضا من عباده
ومواقف تتلى علينا لنقف عندها ومعها نتدبرها ونتدارسها كي تكون كمحطات الوقود لمن فترت منه الهمّة او ضعفت منه العزيمة او تسلل يأس طارئ الى قلبه او انشغل بالادنى دون الاعلى، كما هي حال محدثك الضعيف،
وهي تذكرة لمن نسي ما قدمت يداه ان يستلهم من تلكم المواقف شيئا يطهر بها قلبه
ويثقل بها حسناته ويخلع من ربقة كيله بعضا من سيئاته
ويسمو بنفسه قليلا في ملكوت الله المنعم الرازق القدير العليم الذي يعلم السر وأخفى
حياك الله أبا مصعب الخير
وزادك الله من نعيمه
وسخرك لخدمة دينه وسنة نبيه
وجعلك من أصفيائه وأنقيائه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اؤلئك رفيقا في مقعد صدق عند مليك مقتدر
في عليين وفردوس لا يتأتى إلا للنبيين والصالحين
ونسأله أن يجمعنا بكم في مستقر رحمته
ـ[تيسير الغول]ــــــــ[08 Nov 2010, 08:41 ص]ـ
هنيئاً لك الأجر أبا مصعب. والحمد لله رب العالمين على ما أعطى وقدر فهدى.
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[08 Nov 2010, 10:18 م]ـ
لقد حاولت فترة مكوثي في أمريكا أن يهدي الله احد على يديّ ولكن الله حرمني من ذلك رغم جهودي وماولاتي التي لم تنتهي الى الآن
ولكن الله تعالى حرمني من أن أتذوقها بلساني وأمسكها بجوارحي. لا أدري
السلام عليكم
الله لا يحرم أحدا من الفضل والنعمة " والشر ليس إليك " " ولا ينسب الشر إلي الله تأدبا " .. .
قل هو من عند أنفسكم.
والأدب مع الله واجب.
أعلم أنك لا تقصد ولكم من باب " وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين ". ولأن الكلام منشور جاءت الذكري منشورة
وكنتُ أنتظر تعليق الأفاضل ولكن الفرحة قد أنستهم.
بارك الله فيك أخي نعيمان وبورك في جهودك
والسلام عليكم(/)
تصويت لحظر المآذن في اسبانيا
ـ[حسن عبد الجليل]ــــــــ[09 May 2010, 12:34 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
تصويت لحظر المآذن في اسبانيا.!!!!!! Vote No
جزاكم الله خيرا
صوتوا بـ
NO
إنهم يحترمون رأي الأخرين ساعدنا بصوتك
وجزاك الله كل خير
هناك استطلاع للرأي تقوم به جريدة ألموندو في إسبانيا، حيث يطرحون هذا السؤال: وعلى فكرة يمكنك ترجمة النص على (جوجل) وتتأكد
Es usted partidario de prohibir los minaretes de las mezquitas como se ha planteado en Suiza?
الذي يعني:
هل أنت مع حظر مآذن المساجد كما هو الحال في سويسرا؟
وذلك على الموقع التالي:
http://www.elmundo. es/elmundo/ debate/2009/ 11/2519/prevotac iones2519. html (http://www.elmundo.es/elmundo/debate/2009/11/2519/prevotaciones2519.html)
هناك خياران: ( Si) والتي تعني نعم وقد وصلت نسبتها إلى 80%، و ( No) التي تعني لا وقد وصلت نسبتها إلى 20%.
الأصدقاء في إسبانيا يناشدون جميع المسلمين أن يدخلوا إلى الموقع أعلاه ويصوتوا بـ " NO".
الرجاء نشرها .. وللجميع الأجر إن شاء الله.
ـ[خالد عبدالغني شريف]ــــــــ[09 May 2010, 07:01 م]ـ
جزاك الله خيرا(/)
فى بحث متهافت لإبراهيم أنيس: القرآن لم يعرف الإعراب إلا بعد قرن من وفاة الرسول!
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[10 May 2010, 08:11 م]ـ
فى بحث متهافت لإبراهيم أنيس:
القرآن لم يعرف الإعراب إلا بعد قرن من وفاة الرسول!
د. إبراهيم عوض
لا أستطيع أن أتذكر الآن فى أية ظروف قرأتُ كتاب د. إبراهيم أنيس: "من أسرار اللغة" وأنا طالب فى الجامعة فى النصف الثانى من ستينات القرن الماضى أيام كنت شابا صغيرا ينقل خطواته الأولى على طريق البحث العلمى، ولكنى أستطيع بسهولة أن أتذكر أننى لم أكن أنتهى من عنصر من عناصر بحث الدكتور عن أصل الإعراب فى لغتنا الشريفة، الذى يشكل فصلا من فصول ذلك الكتاب، حتى ينبثق فى عقلى للتو الرد على ذلك العنصر، إذ بدا لى الأمر كله سخيفا متهافتا، ومسيئا أيضا كما سوف يتضح فيما يلى من صفحات. صحيح أن دراستى هذه التى يطالعها القارئ العزيز الآن تحتوى على أشياء وتفصيلات لم تجر لى وقتذاك فى بال، إلا أن بعض الخطوط الرئيسية فى هذه الدراسة هى صدى لما ثار فى ذهنى أوانئذ. وحين دعانى صديقى وزميلى الأستاذ الدكتور محمد الحملاوى كعادته إلى الاشتراك فى مؤتمر تعريب العلوم هذا العام (1431هـ- 2010م) صحا منى العزم فجأة على معاودة القراءة فى بحث د. أنيس والكتابة عنه، فأنا أرى أن مثل تلك البحوث لا تكتب عادةً عفو البال، بل غالبا ما تكون لها أبعاد قد تدقّ فى أوليات أمرها فلا تلحظها العين لدى ميلادها، ثم إذا ما مرت السنون انفجرت كالقنابل الموقوتة.
والآن باسم الله الكريم نبدأ، فنعرف بالدكتور أنيس قبل الدخول فى موضوعنا، ونقول: وُلِد د. إبراهيم أنيس بالقاهرة في 1324 هـ- 1906م، والتحق بدار العلوم، وتخرَّج منها سنة 1930م ليعمل مدرّسا في المدارس الثانوية. ثم من جامعة لندن حصل على البكالوريوس سنة 1939م، فالدكتوراه سنة 1941م. وبعد عودته من أوروبا عمل مدرسا في كلية دار العلوم، وبعدها في كلية الآداب بجامعة الإسكندرية حيث أنشأ بها معمل صوتيات. ثم عاد ثانية إلى دار العلوم، وترقّى في وظائفها إلى أن أصبح أستاذا ورئيسا لقسم اللغويات. ثم تولَّى العمادة وأُعْفِيَ منها بعد مدة، ليليها مرة أخرى، إلى أن قدم استقالته. وقد اختير أنيس خبيرا بمجمع اللغة العربية عام 1958م، ثم نال عضوية المجمع بعدها بثلاث سنوات. وهو أخو د. عبد العظيم أنيس، وابن عمة الممثل فؤاد المهندس، بل إنه هو نفسه مارس التمثيل وهو طالب بالجامعة. وله فى المجلات العربية عدد من البحوث والمقالات اللغوية، أما كتبه فمنها: "الأصوات اللغوية"، و"من أسرار اللغة"، و"موسيقى الشعر"، و"في اللهجات العربية"، و"دلالة الألفاظ"، و"مستقبل اللغة العربية المشتركة"، و"اللغة بين القومية والعالمية". وقد لبى الرجل نداء خالقه فى 20 جمادى الآخرة 1397 هـ- 8 يونيو 1977م.
وللدكتور أنيس دعوى غاية فى العجب أثبتها فى كتابه: "من أسرار اللغة" تحت عنوان "قصة الإعراب" ملخصها أن العرب لم يكونوا يعرفون الإعراب قبل نهاية القرن الأول وبداية القرن الثانى للهجرة، وأنهم كانوا يسكِّنون أوخر الكلمات دائما، اللهم إلا إذا التقى ساكنان يقع أولهما فى آخر كلمة، ويقع الثانى فى بداية الكلمة التالية، وأن النحويين المسلمين هم الذين اخترعوا ذلك الإعراب اختراعا بعد أن لم يكن فكان، وأن السبب فى ذلك أنهم ربما رَأَوْا تغير أواخر الأسماء فى اللغة اليونانية فحفزهم الأمر إلى أن يكون لهم فى نحوهم شىء مشابه لما عند اليونان، فكان ذلك الإعراب (انظر "من أسرار اللغة"/ ط2/ مكتبة الأنجلو المصرية/ 182 وما بعدها على مدار بضع عشرات من الصفحات).
ومعنى ذلك أن القرآن قد تم العبث به وتحويله عن صورته الأصلية التى كان عليها إلى صورة أخرى لم يكن له بها قبل القرن الثانى الهجرى أىّ عهد. وفى هذا رَجْعُ أصداءٍ لما قاله بعض المستشرقين من أن القرآن حين نزل فى البداية لم يكن مسجوعا، ثم إن النبى بعد هذا قد غيره بحيث صار ذا فواصل (انظر ما كتبه المستشرق بوهل فى مادة "قرآن" فى " The Encyclopaedia of Islam: دائرة المعارف الإسلامية"/ ط1. وانظر تفنيدى لهذا الزعم المتساخف فى كتابى: "دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل وأباطيل"/ مكتبة البلد الأمين/ القاهرة/ 1419هـ- 1989م/ 7 - 9). كذلك ففى بحث أنيس، فيما يبدو،
(يُتْبَعُ)
(/)
رَجْعُ أصداء أخرى مما جاءت الإشارة إليه فى مقدمة ترجمة إدوار مونتيه الفرنسية للقرآن من أن ثمة بحثا كان قد كتبه ك. فولرز قبل ذلك بقليل عن "اللغة الشعبية المكتوبة فى الجزيرة العربية قديما" يقول فيه إن القرآن الكريم لم يكن مكتوبا قط على النحو الذى نقرؤه اليوم، ولكنه فى أقدم نسخة منه كان مكتوبا بلهجة مشابهة للهجات الحالية (انظر هذه العبارة فى ترجمتى للمقدمة المذكورة/ ص134 من كتابى: "المستشرقون والقرآن"/ دار القاهرة/ 1423هـ- 2003م). ولتوضيح رأى فولرز أسوق ما وجدته فى مقال كتبه Claude Gilliot بعنوان " Origins and Definitions of the Koranic Text". قال: " K. Vollers considers that the origin of the Koranic language is to be found in a dialect of western Arabia, in Mecca or Medina, reviewed in order to adapt it to the language of ancient Arab poetry". ( وهذا رابط المقال على المشباك لمن يريد الرجوع إليه لقراءته والتحقق مما فيه بنفسه:- http://www.miradaglobal.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1055&Itemid=9&lang=en). وهى لهجة غير معربة ( uninflected Volkssprachen) كما أكد فولرز، المستشرق الألمانى الذى كان مديرا لدار الكتب فى يوم من الأيام وأحد الداعين الملتهبين إلى نبذ الفصحى والركون إلى العامية (انظر " A Comparative Lexical Study of Qur'?nic Arabic" لصاحبه Martin R. Zammit ( ط. Brill, 2001, P. 40).
ولمزيد من التوضيح لفكرة فولرز أقتطف هذا النص من دراسة لـ Kees Versteegh منشورة بتاريخ 2 سبتمبر 2005م فى موقع " Islamic Network" عنوانها: " The Language of the Arabs":
"In his book Volkssprache und Schriftsprache im alten Arabien (’Vernacular and written language in Ancient Arabia’, 1906), Vollers claimed that under the surface of the official text of the Qur’an there were traces of a different language, which were preserved in the literature on the variant readings of the text. He called this underlying language Volkssprache and identified it with the colloquial language of the Prophet and the Meccans. In his view, this colloquial language was the precursor of the modern Arabic dialects. The official text of the Qur’an, however, was revealed in a language that was identical with the poetic language of the Nagd, called by Vollers Schriftsprache . The differences between the two ‘languages’ included the absence of the glottal stop in Meccan Arabic, as well as the elision of the indefinite ending n (nunation) and the vocalic endings. Vollers concluded that there had been an original text of the revelation in the colloquial language of the Prophet; during the period of the conquests, this text was transformed into the language of poetry. The motive behind this transformation was, he asserted, the wish to raise the language of the Qur’an to the level of that of the poems".
ولمزيد آخر من التوضيح لفكرة فولرز أنقل أيضا النص التالى من فصل بعنوان "اللغة العربية في الجاهلية" وجدته على موقع جامعة الملك سعود غفلا من اسم صاحبه ومن اسم الكتاب الذى اقتُطِع منه. يقول النص، الذى يبدو وكأنه ترجمة للنص الإنجليزى السابق: "في كتابه: " Volkessprache und schriftsprache im alten Arabien: اللهجات ولغة الكتابة في العربية القديمة" (1906) يَدَّعي فولرز أن تحت التركيب السطحي للقرآن هناك آثار للغة مختلفة، وهي محفوظة في كتب القراءات القرآنية، وقد سمى تلك الآثار باسم volkessprache ( الدارجة)، وقال إنها دارجة أهل مكة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يتكلمها. ويرى فولرز أيضًا أن تلك الدارجة هي السابقة الحقيقية للهجات العربية الحديثة، ومع ذلك فإن القرآن تنزل بلغة مطابقة للغة الشعر الجاهلي النجدية، وهي اللغة التي سماها فولرز: " schriftsprache"، وتتضمن الفروق بين النمطين في رأي فولرز اختفاء الهمزة والتنوين من اللهجة الحجازية، وكذلك غياب التصريف الإعرابي. وخلص فولرز إلى أنه كان هناك نص
(يُتْبَعُ)
(/)
قديم عامي للقرآن الكريم بلهجة النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا النص الدارج تم تحويله إلى لغة الشعر الجاهلي في فترة الفتوحات الإسلامية. يقول فولرز إن الدافع وراء هذا التحويل (أو قل: الترجمة) كان الرغبة في رفع لغة القرآن لمستوى لغة الشعر الجاهلي. ويستمر ليقول إن المسؤولين عن عملية الترجمة تلك كانوا حازمين فيما يخص تحقيق الهمزة والتصريف الإعرابي بالذات، وسمحوا لدون ذلك من السمات أن تظهر في نطق القرآن أو في القراءات البديلة في بعض الأحيان". فى ضوء هذا كله ألا يحق لنا أن نتساءل: من أين يا ترى أتى د. أنيس بمقالته فى عدم إعراب اللغة العربية فى البداية بما يترتب عليه من القول بأن القرآن المجيد لم يكن بالتالى معربا، ثم أُعْرِب فيما بعد؟
وإضافة إلى هذا فمن المعروف أن اللغة العربية لا تجرى فى بناء الجملة دائما على نظام ثابت أو شبه ثابت كاللغات الأوربية التى نعرفها: الفاعل أولا، فالفعل ثانيا، فالمفعول ثالثا، فشبه الجملة رابعا، بل هى لغة مرنة منذ أقدم نصوصها التى وصلتنا من الشعر والأمثال والخطب. فتارة يأتى الفاعل فى بداية الكلام (وهو ما نسميه الآن: مبتدأ)، وتارة يأتى عقب الفعل كما هو الحال فى الجمل الاعتيادية التى لا يميزها شىء ولا ترنو إلى إحداث تأثيرات خاصة لا تستطيعها إلا جمل ذات نظام مختلف قليلا أو كثيرا عن المعتاد الرتيب، فيها تقديم أو تأخير أو حذف أو اعتراض ... إلخ. وتارة يأتى الفاعل بعد المفعول به، بل بعده وبعد شبه الجملة والحال والتمييز وأى عنصر آخر يأتى سابقا عليه فى التراكيب المعتادة. وهذا مجرد مثال. فلو طبقنا هذا على القرآن فنرجو أن يقول لنا د. أنيس كيف كان على العرب فى عصر المبعث قبل أن يظهر الإعراب أن يفهموا تلك الجمل والعبارات القرآنية التى لا تجرى على النظام الوَتِيرِىّ الذى يحسنه كل أحد ولا يتميز عادة بشىء؟
هذا، وما أكثر ذلك النوع من الجمل والعبارات على عكس ما يزعم سيادته، إذ حصرها فى أمثلة معدودة كما هو الحال فى الآيات التالية: "فأوجس فى نفسه خيفة موسى"، "فلما جاء آل لوط المرسلون"، "أنَّى يحيى هذه الله بعد موتها"، "حضر يعقوب الموت"، "جاء أحدكم الموت"، "مس الإنسان ضرّ" (من أسرار اللغة/ 226 - 227)، مما يسهل على المتلقى فهم معناه دون إعراب. ومع هذا فحتى لو صدقنا دعواه وقلنا إنه لا يوجد فى القرآن سوى هذه الأمثلة وأشباهها، فهل يسهل فهم معناها كما قال؟ إنه ليمكن أن يفهم بعض الناس من المثال الأول أن هناك من أوجس فى نفسه الخيفة التى أوجسها موسى على اعتبار أن "خيفة" مضاف، و"موسى" مضاف إليه. كما أن بعضهم يمكن أن يتصور أن "آل لوط" هم الذين جاؤوا المرسلين لا العكس. لكن وجود الإعراب سوف يحل المشكلة من جذورها ولن يترك بابا للَّبْس والخلط.
على أن الأمثلة التى ضربها الأستاذ الدكتور ليست كل الأمثلة التى يمكن الاستشهاد بها فى هذا السياق، بل هناك أمثلةٌ أخرى جِدُّ كثيرة. خذ مثلا قوله عز وجل: "مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ" (البقرة/ 105)، فكيف نفهم "المشركين" لو كانت بدون إعراب؟ أنقول إنها داخلة فى "الذين كفروا"، أى معطوفة على "أهل الكتاب"؟ أم هل نقول إنها خارجة عن "الذين كفروا"، ومعطوفة عليها لا على أهل الكتاب؟ وخذ عندك كذلك: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ" (البقرة/ 127)، واسأل نفسك: ما موقع إسماعيل هنا؟ آشترك مع أبيه فى رفع البيت، أم مع البيت فى رفع أبيه له هو أيضا، إذ رَفَع البيت رفعا ماديا، ورَفَعَه هو رفعا معنويا؟ وخذ عندك ثالثا الآية التالية: "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ" (البقرة/ 132)، وقل لى: هل وصَّى إبراهيم بنيه ووصى معهم يعقوبَ أيضا، فعندنا موصٍّ واحد؟ أم هل وصى إبراهيم بنيه، ووصى يعقوبُ بنيه هو أيضا، فعندنا إذن موصِّيان؟ وخذ عندك رابعا قوله تعالى: "رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ" (آل عمران/ 192)، فما المقصود به؟ هل المقصود أنك أنت يا رب الذى تدخل الناس النار، فقد أخزيتَ فلانا؟ أم هل المقصود أن من تدخله النار يا رب فقد أخزيتَه؟ لا يفصل فى الأمر هنا إلا
(يُتْبَعُ)
(/)
ضبط آخر الفعل المضارع: ضَمًّا أو سكونًا على الترتيب. وخذ عندك قوله جل شأنه: "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا"، فكيف نفهم قوله: "ومن الأنعام حَمُولَةً وفَرْشًا" فى حالة غياب الإعراب؟ سوف يتبادر إلى الذهن أن المقصود هو أن الأنعام تُسْتَخْدَم حمولة وفرشا لا أن الله خلق لنا منها حمولة وفرشا. وخذ عندك سادسا هاتين الجملتين من الآية الأولى من سورة "الأعراف" وتخيلهما بدون إعراب: "كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ"، ثم قل: هل المعنى هو أنه "لن يكون فى صدرك حرج"، على أساس أنه نفى؟ أم هل المراد: "لا ينبغى أن يكون فى صدرك حرج"، بوصفه نهيا؟ وخذ عندك أيضا هذه الآية: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ"، فلولا أن "الإنجيل" مكسورة الآخر لظننا أن المعنى المراد هو أن الإنجيل بداية جملة جديدة، وأنه هو الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم الخبائث ويضع الإصر ... إلى آخره.
أما تهوين د. أنيس من شأن الروايات التى تتحدث عن واضعى النحو والأسباب التى حملتهم على التفكير فى ذلك، رغبة منه فى التشكيك فى وجود النحو أصلا قبل القرن الثانى للهجرة، ومنها الرواية التى تقول إن بنت أبى الأسود الدؤلى قالت له يوما: "ما أحسنُ السماءِ"، فكان جوابه: "أحسنُها نجومها"، فأفهمته أنها لا تسأل عن أجمل شىء فى السماء، بل تتعجب من جمالها، وكذلك إنكاره أن يكون أبو الأسود قد سمع قارئا يقول: "أن الله برىءٌ من المشركين ورسولِه"، فارتاع وفكر فى وضع النحو، أما تهوينه من شأن هاتين الروايتين وأمثالهما ووصْفه لها بأنها مجرد قصص مسلية طريفة (من أسرار اللغة/ 228) فلا أستطيع أن أرافئه عليه، بل أرى أنه حتى لو ثبت أنها روايات مصنوعة فمن الممكن جدا أن تقع، بل هى تقع كثيرا، إن لم يكن بنصها فعلى شاكلتها. وعلى هذا فليس ثم معنى للتهوين من شأن مثل تلك الروايات أبدا.
ومما يترتب على فكرة إبراهيم أنيس الشاذة أن الشعر العربى لم يكن موزونا قبل ذلك التاريخ، ثم لما اخْتُرِع النحو تصادف أن اتَّزَن الشعر بعدما كان مكسورا لا يعرف الإيقاع المنتظم. إن الدكتور، عند توضيح فكرته هنا، يأتى إلى بضعة أبيات اختارها عمدا فيحاول أن يقنعنا أنها عند التزام السكون فى أواخر كلماتها لن تضار كثيرا من ناحية الإيقاع الموسيقى. لكنه لم ينكر أن هناك خللا إيقاعيا قد حدث، وكلّ ما هنالك أنه أراد التهوين من شنعه. ثم إنه لم يقل لنا: ماذا عن تلك المصادفة السعيدة التى على أساسها قد استقام الشعر الجاهلى عند دخول الإعراب على لغة العرب بعدما كان بدونه ملتويا فى إيقاعه وموسيقاه؟ على كل حال سوف أورد الآن بضعة أبيات أخرى، ولتكن من معلقة امرئ القيس لنرى معا كيف يكون حالها من دون الإعراب، ثم كيف يكون حالها به. وها هى ذى الأبيات المذكورة ساكنة أواخر الكلمات عارية عن الإعراب:
فَمِثلُكْ حُبلى قَد طَرَقتْ وَمُرضِعْ * فَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمْ مُحوِلْ
وَيَومْ عَلى ظَهرِ الكَثيبِْ تَعَذَّرَتْ * عَلَيَّ وَآلَتْ حَلفَةْ لَم تُحَلَّلْ
وَبَيضَةْ خِدرْ لا يُرامْ خِباءْها * تَمَتَّعتُ مِن لَهوْ بِها غَيرْ مُعجَلْ
تَجاوَزت أَحراسْ إِلَيها وَمَعشَرْ * عَلَيَّ حِراصْ لَو يُسِرّونَ مَقتَلي
فَقالَت: يَمينَ اللَهْ ما لَكْ حيلَةْ * وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةْ تَنجَلي
خَرَجت بِها أَمشي تَجُرّْ وَراءْنا * عَلى أَثَرَينا ذَيلْ مِرْطِ مُرَحَّلْ
إِذا اِلتَفَتَت نَحوي تَضَوَّعْ ريحْها * نَسيمَ الصَبا جاءَت بِرَيّا القَرَنفُلْ
(يُتْبَعُ)
(/)
بالله عليك أهذا شعر؟ بالله عليك أهذه موسيقى؟ إننى لأشعر أننا جالسون على مِصْطَبَة فى قرية من القرى نستمع إلى كلام سخيف يظنه صاحبه العامىّ الفَدْم شعرا، وما هو من الشعر فى دِقٍّ أو جِلٍّ. ولا تنس أيضا القافية التى اضطربت اضطرابا رهيبا بسبب جرينا على تسكين أواخر كلماتها طبقا لنظرية أنيس، إذ وجدناها مرة تنتهى بالسكون، وأخرى بمدة الياء، وهو ما لا أدرى كيف يحله لنا د. أنيس بنظريته المُخَرْبَقَة. أما القصيدة على وضعها بعد الإعراب (المخترَع فى زعم د. أنيس) فهى من الإبداع الفنى فى الذروة:
فَمِثلِكِ حُبلى قَد طَرَقتُ وَمُرضِعٍ * فَأَلهَيتُها عَن ذي تَمائِمَ مُحْوِلِ
وَيَوماً عَلى ظَهرِ الكَثيبِ تَعَذَّرَت * عَلَيَّ وَآلَت حَلفَةً لَم تُخَلَّلِ
وَبَيضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُها * تَمَتَّعتُ مِن لَهوٍ بِها غَيرَ مُعجَلِ
تَجاوَزتُ أَحراساً إِلَيها وَمَعشَراً * عَلَيَّ حِراصًا لَو يُسِرّونَ مَقتَلي
فَقالَت يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةٌ * وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي
خَرَجتُ بِها أَمشي تَجُرُّ وَراءَنا * عَلى أَثَرَينا ذَيلَ مِرطٍ مُرَحَّلِ
إِذا اِلتَفَتَت نَحوي تَضَوَّعَ ريحُها * نَسيمَ الصَبا جاءَت بِرَيّا القَرَنفُلِ
فانظر، يا رعاك الله، إلى هذه المفارقة: كيف أن الشعر الجاهلى، ومثلُه فى ذلك الشعر الإسلامى والأموى، وربما بعض العباسى بناء على نظرية الدكتور أنيس، إن تركتَه على وضعه الأصلى، أى إن اتبعت الحق من وجهة نظر الدكتور، لم تجد بين يديك إلا هذه الفقاقيع السخيفة البائرة التى لا تنتمى إلى الشعر ولا تساوى شيئا فى ميدان الفن والإبداع والموسيقى، أما إن اتبعت الباطل حسبما تهرف نظرية الأستاذ الدكتور، وأجريت هذا الشعر على النظام الإعرابى (المخترع على حد زعمه) تحَصَّلَ لك فى الحال ذلك الإبداع الفاتن. فيا لها من مصادفة عجيبة عجب المنهج العلمى الذى استخدمه الأستاذ الدكتور فى بحثه العبقرى الذى لا يخر الماء: أن تستقيم أمور الشعر العربى القديم على الباطل، وتلتوى مع الحق. ومع هذا يصر إبراهيم أنيس على أن يركب دماغه ويزعم أن العربية لم تكن تعرف الإعراب إلا بعد الإسلام بقرن أو يزيد. عجايب!
وهكذا يتبين لنا أنْ لو كانت العربية ساكنةَ أواخر الكلمات دائما فلا تتحرك تلك الأواخر إلا عند التقاء ساكنين لما كان الشعر الجاهلى والإسلامى والأموى وشطرا غير قليل من الشعر العباسى موززنا، وأن تلك الأشعار، وياللعجب، قد اكتسبت بهذا التغيير الطارئ العجيب جمالا وانتظمت موسيقاه انتظاما لم تكن تعرفه من قبل؟ فأية مصادفة حسناء هذه؟ ثم جاء الخليل بن أحمد فتم الحسن على يديه وبلغ الغاية، إذ استطاع أن يستخرج من هذا النظام الإيقاعى القائم على المصادفة علمًا للعروض والقافية مستقيما غاية الاستقامة، دقيقا منتهى الدقة. على أن الأمر لا يقف هنا، بل إن الشعر الجاهلى، بدون الإعراب، ليستغلق فى كثير من الأحيان على قارئيه ومستمعيه بسبب ما فيه من تقديم وتأخير للكلمات عن مواضعها أو الإتيان بجمل وعبارات اعتراضية، مما لا يزيل غموضَه ولَبْسَه إلا الإعراب، الذى لم يكن موجودا فى ذلك الحين طبقا لفكرة الأستاذ الدكتور المتهايلة.
ومعنى ذلك ثالثا أن الأمة كلها قد تواطأت على الكذب، إذ زعم الزاعمون من علمائها النحويين أن العرب كانوا يعرفون الإعراب منذ وقت طويل قبل الإسلام، ووافقتهم الأمة كلها على هذا: وافقتهم بالإيجاب فرددت هذه المقولة معهم كذبًا منها ومَيْنًا، أو بالسلب فسكتت على هذه الكذبة البلقاء وتركتها تروج وتسود فلا يعود ثم موضع للفكرة الحقيقية بعد هذا أبدا. أما إذا لم ترد، أيها القارئ، أن تَصِم الأمةَ الإسلاميةَ كلها بالكذب والتواطؤ على الكذب فيمكنك أن تقسمها فريقين: فريق من الكذابين الوقحين، وفريق آخر من البله المعاتيه الذين ابتلعوا طعم تلك الكذبة البلقاء دون أن يفتحوا فمهم بكلمة لأنهم بله معاتيه. ومتى كان البله المعاتيه يفقهون شيئا أو يتنبهون إلى شىء؟ وهذا كله يشبه ما طلع علينا به عام 1926م المستشرق البريطانى ديفيد صمويل مرجليوث حين زعم أنه لم يكن هناك شعر جاهلى ولا إسلامى قط، وأن هذا الشعر الذى ينتمى إلى هذين العصرين إنما صنع صنعا فى العصر العباسى. وقد رددتُ على سخفه بذات الطريقة التى فندتُ بها
(يُتْبَعُ)
(/)
مزاعم إبراهيم أنيس فى الفقرة الحالية (انظر كتابى: "أصول الشعر العربى- ديفيد صمويل مرجليوث: ترجمة وتعليق ودراسة/ الفصول الخاصة بدراسة مقال مرجليوث). وبالمناسبة فإن موقف أنيس من كتاب فولرز يشبه إلى حد بعيد موقف طه حسين من بحث مرجليوث، إذ أخذه ومطه وأضاف إليه كثيرا من التفاصيل وحور فيه بعض الشىء، ثم أصدره كتابا يحمل اسمه هو كتاب "فى الشعر الجاهلى".
ومن المضحك أن يستدير د. أنيس ويأتينا من الناحية الأخرى قائلا إنه ببحثه هذا العجيب لا يهدف إلى محوٍ أو تغييرٍ فيما تواضع الناس عليه من قواعد إعرابية، بل يهدف إلى البحث العلمى البحت مستعينا بأحدث الآراء فى علم الأصوات (من أسرار اللغة/ 230). وهو كلام أعجب من نظريته المتهافتة، إذ يشبه أن يأتى إنسان إلى زوج لا يجد فى زوجته ما يريب، بل يعيش معها عيشة هانئة سعيدة، فيعكر عليه صفوه بإثارة ريبته فيها، ويملأ نفسه بالهواجس والقلق ويحيل حياته جحيما مستعرا، ثم يستدير من الناحية الأخرى فيطمئنه بكلمتين لا تقدمان ولا تؤخران قائلا إنه لا يهدف من وراء هذا الذى قاله أن يدفعه إلى تطليق زوجته، حاشا لله، ولا إلى التزوج عليها بأخرى، أعوذ بالله، بل إلى دراسة الأمر دراسة علمية، ونعم بالله!
ثم إنك بعد ذلك تقلب صفحات البحث من اليمين للشمال، ومن الشمال لليمين، ومن فوق لتحت، ومن تحت لفوق، بحثا عن المراجع الحديثة المزعومة فلا تجد منها شيئا، بل كل ما تلقاه أينما اتجهت هو الكتب العربية القديمة التى اتهم الأستاذ الدكتور أصحابها أشنع الاتهامات، فلا تملك نفسك من أن تتساءل: ترى لِمَ يعتمد الأستاذ الدكتور على تلك الكتب إذا كان مؤلفوها بهذا السوء الذى نسبهم إليه ووصمهم به؟
أخشى ما أخشاه فى ظل ما نسمعه هذه الأيام من الدعوات المريبة إلى هجر الفصحى والركون إلى العامية أن يكون بحث د. أنيس هو قنبلة موقوتة وُضِعَتْ فى مكانها الحساس الخطير بهدوء شديد بعدما ألصق صاحبها عليها وُرَيْقَة تصنّفها على أنها كرة يلعب بها أطفال الأسرة الذين سيهلّون على الدنيا يوما ويَعِنّ لهم بعد أن يكبروا قليلا أن يجروا ويتقافزوا ويصرّفوا طاقاتهم المحبوسة، حتى إذا حل الميعاد انفجرت القنبلة فقتلت من قتلت، وبترت أطراف من بترت، وشوهت وجه من شوهت. إن فى مصر الآن من يسعى لجزر رقبة الفصحى، بل لجزر رقبة العروبة ذاتها وما يرتبط بالعروبة من أدب ودين وتشريع وتاريخ وأبطال وقيم. وهل هناك ما هو أحرى بإثارة الشك فى الفصحى والركون إلى العامية من أن يقال: إنه لم يكن هناك يوما إعراب، بل الأمر كله لا يعدو أن يكون تسرعا من قبل علمائنا وسوء فهم من جانبهم ظنوا به تحريك أواخر الكلمات تخلصا من التقاء الساكنين وما أشبه: إعرابا يشير إلى وظيفة الكلمة فى الجملة؟
إن د. إبراهيم أنيس يزعم أن العرب كانوا ينهون كل كلمات لغتهم بالسكون، لكنهم حين يصلون الكلام كانوا يحركون أواخر تلك الكلمات بهذه الحركة أو تلك، إلا أن هذه ليست حركات الإعراب، بل مجرد حركات صوتية تناسب الحرف الذى تتلوه من الكلمة السابقة أو تسبقه من الكلمة التالية. ترى كيف عرف هذا؟ الحق أنه لا توجدأدنى إشارة إلى أن العرب كانوا يسكنون أواخر كل الكلمات، فمن أين أتى سيادته بهذا الافتراض؟ أوكلما ثار فى خيالاتنا وأوهامنا خيال من الخيالات أو وهم من الأوهام نندفع إلى ترديده وكأنه حقيقة قاطعة لا ريب فيها؟ أوهذا هو العلم ومقتضيات المنهج العلمى؟ أيكفى أن يقول الواحد منا: "يبدو" أو"يظهر" أو "يخيَّل إلىّ" وما أشبه، ثم ينطلق فيسرد سخافاته سردا دون أدنى ذرة من تردد أو تفكر؟ يقول د. إبراهيم أنيس: "يظهر، والله أعلم، أن تحريك أواخر الكلمات كان صفة من صفات الوصل فى الكلام شعرا أو نثرا، فإذا وقف المتكلم أو اختتم جملته لم يحتج إلى تلك الحركات، بل يقف على آخر كلمة من قوله بما يسمى: السكون. كما يظهر أن الأصل فى كل الكلمات أن تنتهى بهذا السكون وأن المتكلم لا يلجأ إلى تحريك الكلمات إلا لضرورة صوتية يتطلبها الوصل" (من أسرار اللغة/ 204).
(يُتْبَعُ)
(/)
والملاحظ أن قاسم أمين قام قبل بضعة عقود من ظهور كتاب إبراهيم أنيس بحملة على الإعراب متهما إياه بأنه مصدر كل ما يقع من لحن في قراءة العربية، ومتخذا من عدم وجود الإعراب في بعض اللغات الأوربية حجة يدعم بها رأيه. وحَسْبَ رأيه ينبغى علينا نحن أهل العربية "أن نبقى أواخر الكلمات ساكنة لا تتحرك بأي عامل من العوامل". وبهذه الطريقة، وهي طريقة جميع اللغات الإفرنجية والتركية كما قال، يمكن، فى رأيه، حذف قواعد النواصب والجوازم والحال والاشتغال دون أن تضار اللغة أى ضرر لأن مفرداتها سوف تبقى كما هى. يقول هذا وكأن اللغة مجرد مفردات فحسب (ذكر قاسم أمين هذا الرأى فى كتابه: "كلمات" المنشور ضمن الأعمال الكاملة لقاسم أمين/ تحقيق د. محمد عمارة/ ط2/ دار الشروق/ 1989م/ 143).
إذن فالدكتور أنيس، حين كتب ما كتب، لم يكن ابن بجدتها، بل قد تسلم الراية من أمثال قاسم أمين وطوَّر ما قاله هو ومن يلفون لفّه كسلامة موسى، الذى هاجم فى كتابه الركيك الفكر الفاسد الذوق الذى يسمى: "اللغة العربية والبلاغة العصرية" لغة القرآن الكريم بكل وقاحة زاعما بالإفك والبهتان أولا أنها متخلفة، وثانيا أن الإعراب هو أهم أسرار تخلفها وتخلفنا نحن أيضا (انظر كتابه المذكور/ سلامة موسى للنشر والتوزيع/ 1964م/ 9، 11، 77 وما بعدها، 84، 93، 130 وما يليها، وبالذات 124 ... ). يقول هذا وكأنها متخلفة فعلا، فى الوقت الذى كان يؤلف مقالاته وكتبه بها، وينظر إلى ما كتبه على أنه انعكاس لأرقى ما وصل إليه الفكر البشرى فى اللغات الأوربية التى كان يترجم منها ويلخص ما تشتمل عليه بغض النظر عن مدى دقته وصدقه وموضوعيته فى هذا التلخيص والعرض أو عدمه، مما يدل على أن كل ما قاله فى هذا الصدد هو كلام ماسخ سمج. نعم، إن ما كتبه أنيس لهو امتداد لما كتبه سلامة موسى وقاسم أمين وأمثالهما، وإن حاول أن تأخذ المسألة لديه مظهرا علميا رغم أن كل كلمة بل كل حرف فيما كتبه إنما يدابر العلم والمنطق والعقل مدابرة لا تفاهم فيها بتاتا.
ويورد د. أنيس نصا من قطرب النحوى العربى المعروف عن أصل الإعراب فى لغة العرب يقول فيه: "إنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم في حال الوقف يلزمه السكون، فجعلوه في الوصل محرَّكا حتى لا يبطئوا في الإدراج، وعاقبوا بين الحركة والسكون وجعلوا لكل واحد أليق الأحوال به، ولم يلتزموا حركة واحدة لأنهم أرادوا الاتساع، فلم يضيقوا على أنفسهم وعلى المتكلم بحظر الحركات إلا حركة واحدة". هذا هو النص الذى نقله إبراهيم أنيس عن كتاب "إحياء النحو" لإبراهيم مصطفى، الذى نقله بدوره عن كتاب السيوطى: "الأشباه والنظائر". إلا أن النص الوارد فى كتاب الزجاجى: "الإيضاح فى علل النحو" أطول من ذلك وأكثر تفصيلا. وقد أورد الزجاجى رأى قطرب فى سياق كلامه عن إجماع النحويين على أن وظيفة الإعراب توضيح وظائف الكلمات فى الجملة. يقول الزجاجى (الإيضاح فى علل النحو/ تحقيق د. مازن المبارك/ ط3/ دار النفائس/ 1399هـ- 1979م/ 79 - 81): "فإن قال قائل: فقد ذكرت أن الإعراب داخل فى الكلام، فما الذى دعا إليه واحتيج إله من أجله؟ الجواب ان يقال: إن الأسماء لما كانت تعتور المعانى فتكون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضافا إليها ولم تكن فى صورها وأبنيتها أدلة على المعانى، بل كانت مشتركة، جُعِلَت حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعانى، فقالوا: ضرب زيد عمرا، فدلوا بتغيير أول الفعل ورفع زيد على أن الفعل ما لم يسم فاعله وأن المفعول قد ناب منابه. وقالوا: هذا غلام زيد، فدلوا بخفض زيد على إضافة الغلام إليه، وكذلك سائر المعانى جعلوا هذه الحركات دلائل عليها وكذلك سائر المعانى جعلوا هذه الحركات دلائل عليها ليتسعوا فى كلامهم، ويقدموا الفاعل إن أرادوا ذلك أو المفعول عند الحاجة إلى تقديمه، وتكون الحركات دالة على المعانى. هذا قول جميع النحويين إلا قطربا، فإنه عاب عليهم هذا الاعتلال وقال: لم يعرب الكلام للدلالة على المعانى والفرق بين بعضها وبعض لأنا نجد فى كلامهم أسماء متفقة فى الإعراب مختلفة المعانى، وأسماء مختلفة الإعراب متفقة فى المعانى: فمما اتفق إعرابه واتفق معناه قولك: إن زيدا أخولك، ولعل زيدا أخوك، وكأن زيدا أخوك. اتفق إعرابه واختلف معناه. ومما اختلف إعرابه واتفق معناه قولك: ما زيد قائما، وما زيد
(يُتْبَعُ)
(/)
قائم. اختلف إعرابه واتفق معناه. ومثله: رأيته منذ يومين، ومنذ يومان. ولا مالَ عندك، ولا مالٌ عندك. وما فى الدار أحدا إلا زيدٌ، وما فى الدار أحدٌ إلا زيدا. ومثله: إن القوم كلَّهم ذاهبون، وإن القوم كلُّهم ذاهبون. ومثله: "إن الأمر كلَّه لله"، و"إن الأمر كلُّه لله". قرئ بالوجهين جميعا. ومثله: ليس زيد بجبانٍ ولا بخيلٍ، ولا بخيلاً. ومثل هذا كثير جدا مما اتفق إعرابه واختلف معناه، ومما اختلف إعرابه واتفق معناه. قال: فلو كان الإعراب إنما دخل الكلامَ للفرق بين المعانى لوجب أن يكون لكل معنى إعراب يدل عليه لا يزول إلا بزواله. قال قطرب: وإنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم فى حال الوقف يلزمه السكون للوقف، فلو جعلوا وصله بالسكون أيضا لكان يلزمه الإسكان فى الوقف والوصل، وكانوا يبطئون عند الإدراج. فلما وصلوا وأمكنهم التحريك جعلوا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل الكلام. ألا تراهم بَنَوْا كلامهم على متحرك وساكن، ومتحرك وساكنين، ولم يجمعوا بين ساكنين فى حشو الكلمة ولا فى حشو بيت، ولا بين أربعة أحرف متحركة لأنهم فى اجتماع الساكنين يبطئون وتذهب المهلة فى كلامهم، فجعلوا الحركة عقب السكون. قيل له: فهلاّ لزموا حركة واحدة لأنها مجزئة لهم إذ كان الغرض إنما هو حركة تعتقب سكونا؟ فقال: لو فعلوا ذلك لضيّقوا على أنفسهم فأرادوا الاتساع فى الحركات وألا يحظروا على المتكلم الكلام إلا بحركة واحدة. هذا مذهب قطرب واحتجاجه. وقال المخالفون له ردا عليه: لو كان كما زعم لجاز خَفْض الفاعل مرة، ورَفْعُه أخرى ونَصْبُه، وجاز نَصْبُ المضاف إليه، لأن القصد فى هذا إنما هو الحركة تعاقب سكونا يعتدل به الكلام. وأى حركة أتى المتكلمُ أجزأته، فهو مخير فى ذلك. وفى هذا فساد للكلام وخروج عن أوضاع العرب وحكمة نظام كلامهم. واحتجوا لما ذكره قطرب من اتفاق الإعراب بأن قالوا إنما كان أصل دخول الإعراب واتفاق المعانى فى الأسماء التى تُذْكَر بعد الأفعال لأنه يُذْكَر بعدها اسمان: أحدهما فاعل، والآخر مفعول، فمعناهما مختلف، فوجب الفرق بينهما، ثم جُعِل سائر الكلام على ذلك. وأما الحروف التى ذكرها فمحمولة على الأفعال. ولكل شىء مما ذكر علة تمر بك إن شاء الله تعالى".
وواقع الأمر أن هناك فارقا ضخما بين ما قاله د. أنيس وما يقول به قطرب: فأنيس يزعم أن الإعراب لم يكن موجودا فى لغة العرب، ثم أوجده علماء النحو بعد الإسلام: فى نهاية القرن الأول الهجرى أو بداية القرن الثانى. أما قطرب فلم ينسب الإعراب إلى النحاة، بل إلى العرب. أى أن ذلك أمر أصيل عندهم، وليس شيئا طارئا كما يزعم أنيس. ومقصوده أن ظهور الإعراب أمر يقوم على التطور الطبيعى لا على القصد والتخطيط، واشترك فيه العرب جميعا كما يقع فى أية ظاهرة لغوية لا أنه انفرد به علماء النحو وحدهم واخترعوه اختراعا. وفضلا عن ذلك لم يشر قطرب من قريب أو من بعيد فى كثير أو قليل إلى أن النحاة عندنا تأثروا على نحو أو على آخر بالنحو اليونانى أو غير اليونانى.
ومن الواضح أن فيما قاله قطرب نسفًا لما زعمه د. أنيس، الذى عزا اختلاق الإعراب إلى النحاة، على حين أن قطربا، الذى كان قريب عهد بأولئك النحاة المظلومين، إذ كان من أهل القرن الثانى الهجرى، قد أرجعه كما رأينا إلى السليقة العربية. ولو كان الأمر على ما زعم أنيس لقد كان قطرب، ورأيه فى الإعراب هو ما نعرف، أول من يذكر هذا ويحتج به ويتخذه دليلا لا يُصَدّ ولا يُرَدّ على صحة ما قاله فى موضوع الإعراب. وأيا ما يكن الحال فقد انفرد قطرب بهذا الرأى ولم يقل به من النحاة أحد سواه طبقا لما ذكره الزجاجى فى النص الذى أوردنه آنفا.
أما قول قطرب إن هناك أسماء تشترك فى الإعراب وتختلف فى المعانى، مثل الأسماء التى تعقب "إن" و"لكن" و"لعل" و"ليت"، وأسماء تتفق فى المعنى وتختلف فى الإعراب، مثل خبر "ما" النافية، الذى قد يجىء مرفوعا، وقد يجىء منصوبا، فالرد عليه هو أن المعنى الذى يقصده النحاة ليس هو التوكيد الذى فى "إن"، والرجاء الذى فى "لعل"، والتشبيه الذى فى "كأن" ... إلخ، بل تحول الاسم من مبتدإ إلى اسم لهذه الحروف، أو أن يكون الاسم فاعلا، بمعنى أنه هو الذى يأتى بعد الفعل ويحقق الفعل أو يتحقَّق الفعل من خلاله، أو أن يكون مفعولا، بمعنى أنه هو الذى وقع عليه الفعل ... إلخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما ما يقوله قطرب فيحتاج إلى عدد غير متوفر من الحركات، إذ أنى لنا بالحركات الكافية إذا ما خصصنا كل كلمة بإعراب يقتصر عليها فلا تشاركها فيه كلمة أخرى؟ وبالنسبة إلى ارتفاع الاسم الواقع بعد "ما" النافية وانتصابه فأمره غير ما فهمه قطرب، إذ الارتفاع من عمل قوم، والانتصاب من عمل قوم آخرين، والأولون هم التميميون، والآخرون هم الحجازيون. وبالمثل ليس فى ارتفاع المستثنى وانتصابه عند مجىء المستثنى منه منفيا حجة لقطرب، إذ إن سبب ارتفاعه هو أنه بدل من المستتثنى منه، وانتصابه سببه إخراجه من المستثنى منه. وهكذا ترى أن الاسم قد ارتفع لوجه، وانتصب لوجه آخر مختلف ...
أما لو كانت غاية الإعراب مجرد الاتساع فى الحركة لرأينا الفاعل يرفع مرة، وينصب أخرى، ويجر ثالثة ... وهكذا، إذ ما دامت الغاية هى الاتساع فلم اهتموا بالانضباط فى استعمال الحركات على النحو الذى نراه فى الإعراب؟ إن كلام قطرب معناه أن ما يقع الآن من جماهير المتعلمين ومن كثير من الكتاب من رفع المبتدإ والفاعل ونائب الفاعل مرة، ونصبها مرة، وجرها مرة كيفما اتفق، هو أمر لا غبار عليه، إذ به يتحقق الاتساع الذى أراده العرب من الإعراب، والسلام. ولقد وجدت إبراهيم مصطفى يقول هنا بما توصلت أنا أيضا إليه، إذ وصف قول قطرب الذى نقله عنه إبراهيم أنيس بأنه "رأىٌ يشرح ما بين الحركة والسكون، ولكنه يفضى إلى إبطال الإعراب وإلى التوسيع على القائل أن يحرك آخر الكلمة على ما يشاء فى كل موضع، وذلك ما لم يقبله أحد من النحاة. وما أظن قطربا كان وفيا لرأيه هذا إلى آخر ما يقتضيه" (إبراهيم مصطفى/ إحياء النحو/ ط2/ القاهرة/ 1413هـ- 1992م/ 51 - 52).
ولنفترض أن ما قاله قطرب فى الأمثلة التى أوردها صحيح، فما نسبة ما ذكره إلى حجم علم النحو؟ إنه لقطرة من سيل، وإلا فكيف نفرق بين "إن" الشرطية و"إن" النافية؟ أو كيف نفرق بين "لام الأمر" و"لام التعليل"؟ أو كيف نفرق بين "واو رب" و"واو الاستئناف"؟ أو كيف نفرق بين هذه و"واو العطف"؟ أو "كيف نفرق بين هذه الواو و"وواو المعية"؟ أو كيف نفرق بين "فاء العطف" و"فاء السببية"؟ وهذا كله، ولم نتجاوز الحروف إلى الأسماء والأفعال، بل لم نستقص كل الحروف، بل اجتزأنا ببعضها ليس إلا. ولنفترض ثانية أن ما قاله قطرب صحيح، أفلا يستحق الحرص على جمال النظام والتناسق والاطراد أن تكون هناك قواعد تحكم الإعراب بحيث يتوفر لكلامنا العنصر الجمالى بدلا من أن نكتفى بتأدية المعنى تأدية إجمالية أو تأدية مقاربة؟ إن بعض الناس يكتفون بتناول الطعام على قارعة الطريق مفترشين الأرض واضعين طعامهم أمامهم عليها. وهم بذلك يكونون قد أكلوا، ولم ينقصهم من ناحية الأكل شىء. بل إن الإنسان لن ينقصه أيضا من هذه الناحية شىء لو دُلِق الطعام أمامه على الأرض فانكبّ عليه يلعقه بلسانه كما يصنع الحيوان ذوو الأربع. إلا أن الشخص المتحضر لا يكتفى بهذا، بل يخلق لنفسه خَلْقًا طائفة من الشعائر لدن تناول الطعام من موسيقى وزهور وشموع وشوكة وسكين وأطباق ثمينة وخادم يلبس تاجا قماشيا أبيض فوق رأسه ويتمنطق بحزام أحمر. ثم إنه يتناول ألوان الطعام لونا بعد لون حسب ترتيب معين لا دفعة واحدة ... وهكذا. فإذا صح كلام قطرب فليكن الإعراب، فى جانب منه، مثل هذا.
والطريف أن قطربا، رغم كل هذا، كان يقول بما يقول به النحاة الآخرون من الإعراب، فكأنه لم يُؤْثَر عنه شىء مما نقلناه عن الزجاجى منسوبا إليه. وهذه أمثلة على ما نقول: ففى إعراب قوله تعالى: "وإذ أخذنا ميثاقكم لا تعبدون إلا الله" فى الآية 83 من سورة "البقرة" نقرأ فى تفسير "مفاتيح الغيب" ما يلى: "اختلفوا في موضع "يعبدون" من الإعراب على خمسة أقوال: القول الأول: قال الكسائي: رَفْعُه على "أن لا يعبدوا"، كأنه قيل: "أخذنا ميثاقهم بأن لا يعبدوا". إلا أنه لما أسقطت "أن" رفع الفعل كما قال طرفة:
ألا أيهذا اللائمي أَحْضُر الوغى * وأن أشهد اللذات، هل أنت مُخْلِدي؟
أراد: "أن أحضر"، ولذلك عطف عليه "أن". وأجاز هذا الوجه الأخفش والفَرّاء والزَّجّاج وقُطْرُب وعلي بن عيسى وأبو مسلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
القول الثاني: موضعه رَفْعٌ على أنه جواب القسم، كأنه قيل: "وإذ أقسمنا عليهم لا يعبدون". وأجاز هذا الوجه المبرد والكسائي والفراء والزَّجّاج، وهو أحد قولي الأخفش. القول الثالث قول قطرب: أنه يكون في موضع الحال فيكون موضعه نصبًا، كأنه قال: أخذنا ميثاقكم غير عابدين إلا الله".
وفى إعراب قوله تعالى: "فَرِحَ ?لْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ?للَّهِ" فى الآية 81 من سورة "التوبة" نقرأ فى نفس التفسير ما يأتى: "قوله: "خِلَـ?فَ رَسُولِ ?للَّهِ" فيه قولان: الأول، وهو قول قطرب والمؤرج والزجاج، يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا. قالوا: وهو منصوب لأنه مفعول له، والمعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفى إعراب قوله تعالى: "فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ" فى الآية 87 من سورة "الكهف" نقرأ فى تفسير الشوكانى هذا النص: "قال النحاس: اختلف في معنى "فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبّهِ" على قولين: الأوّل مذهب الخليل وسيبويه أن المعنى: أتاه الفسق لما أمر فعصى فكان سبب الفسق أمر ربه، كما تقول: أطعمه عن جوع. والقول الآخر قول قطرب إن المعنى على حذف المضاف، أي فسق عن ترك أمره".
وقطرب هذا الذى ينكر أن يكون لإعراب الكلمات أية دلالة معنوية هو نفسه الذى كان يرى مثلا أن "الواو" العاطفة تدل على الترتيب، بمعنى أن قولنا: "جاء زيد وعمرو" معناه أن زيدا جاء قبل عمرو لا أن كلا منهما جاء، والسلام، ولا يهم مَنْ جاء قبل مَنْ، أو أنهما جاءا معا (انظر السيوطى فى "همع الهوامع"). أى أن لها معنى، بغض النظر عن أنه قد خالف فى رأيه هذا ما يقوله غيره من النحويين من أنها تفيد مطلق الجمع. وبالمثل نرى قطربا (مثل الكوفيين) يجزم بـ"كيف" سواء اتصلت بها "ما" أو لم تتصل على ما يقول السيوطى فى هذا الكتاب. كذلك يروى قطرب، على ما أورده السيوطى فى كتابه السالف الذكر، أن ما بعد "بَلْهَ" (الذى ينصبه قوم على أنه مفعول لها على أساس أنها اسم فعل أمر) يُرْفَع لأن معناها: "كيف". ومنه قول الشاعر:
تَذَرُ الجماجمَ ضاحيًا هاماتُها * بَلْهَ الأَكُفُّ كأنّها لم تُخْلَقِ
ولهذا لم يكن الأمر مستغربا عندى حين قرأت أنه ألف كتابا فى النحو عنوانه "الجماهير". ولو لم يكن يرى فى الإعراب ما يراه النحاة فلماذا صنف مثل ذلك الكتاب؟ ويحكى أبو المحاسن التنوخى فى ترجمته لقطرب فى "تاريخ العلماء النحويين" ظروف تصنيفه قائلا: "كان سبب تصنيف هذا الكتاب أن الرشيد قال له يوما: كيف تُصَغِّرُ الدُنيا؟ فقال: هي مصغرة يا أمير المؤمنين. فقال له: اعمل كتابا لعبد الله ومحمد، فإنهما من أحوج الورى إليه. فعمله، وليس بالطائل". وله أيضا كتاب فى "إعراب القرآن" طبقا لما جاء خلال ترجمتة السيوطى له فى "بغية الوعاة"، وهو أمر له دلالته فيما نحن بسبيله.
والآن هل الكلام الذى حَبَّرَه د. إبراهيم أنيس يمكن أن يصمد للنظر؟ تعالوا نر. أولا: إذا كان ما يقوله الدكتور صحيحا فلماذا ظلت طائفة من الكلمات مسكنة الأواخر، مثل "هَلْ، بَلْ، قدْ، قَطْ، عَنْ، مِنْ، مَنْ، كَمْ، كَىْ، لَدُنْ، أَوْ، َلَوْ، مُذْ، صَهْ، مَهْ، وَىْ، نَعَمْ، أَجَلْ، لَمْ، إِنْ، لنْ، أَنْ، لكنْ"، وكذلك الأفعال المضارعة المجزومة وأفعال الأمر كلها تقريبا .... وثانيا: لماذا جرى العرب على تحريك نهايات كل الكلمات الساكنة الأواخر كلما وصلوها بما بعدها سواء كان أول ما بعدها ساكنا أو متحركا؟ ثم على أى أساس كانوا ينوّعون حركة أواخر الكلمات؟ يقول د. أنيس إن بعض الحروف يناسبها حركة معينة تختلف عن الحركة التى تناسب بعض الحروف الأخرى. لكن الواقع أن هذا ليس بالأمر المطرد، وإلا لتنبه إليه علماؤنا القدامى وعرفوا السر وراءه ولكانوا إذن قد استراحوا وأراحوا ولم يُقْدِموا بغشم واعتساف على ما أقدموا عليه من اختراع هذا الذى يسمونه: "إعرابا"، بكل ما يتعلق به من تفريعات وتقعيدات وتعقيدات ووجع دماغ.
(يُتْبَعُ)
(/)
خذ مثلا حركة الهاء فى "عليه" لدن الوصل بساكن بعدها. إنها كسرة عند بعض القبائل، وضمة عند بعض القبائل الأخرى. والضم موجود مثلا فى قوله تعالى فى إحدى قراءات الآية العاشرة من سورة "الفتح": "عاهَدَ عليهُ اللهَ". كما أن الحرف الأخير من فعل الأمر المضعف الآخر فى حالة الإبقاء على إدغامه ودخول هاء الغائب عليه يحرَّك لدن بعض القبائل بالكسر، ولدن غيرها بالفتح، ولدن ثالثة بالضم. وكلهم بحمد الله عرب، فيقال: مُدَّهُ يا فلان، ومُدِّهِ، ومُدُّهُ. أى أن كل الحركات جائزة هنا. وفى تنوين العلَم الموصوفِ بابنٍ مضافٍ إلى علَم، نحو: محمدٌ بن عبد الله تحرك نون التنوين الساكنة: إما بالكسر على أصل التخلص من التقاء الساكنين، وهو الأكثر، وإما بالضم. ويجوز الضم والكسر فى واو الجماعة المفتوح ما قبلها، نحو: "اخْشَوُا الله" و"اخْشَوِا اللهَ".
كذلك كيف يفسر سيادته اختلاف نوع الحركة فى أواخر الكلمات أحيانا من الفصحى إلى العامية؟ فمثلا حين تلتقى فى الفصحى سكنة نون "مِنْ" بسكنة بعدها نفتح النون، مثل: "مِنَ الباب"، على حين أننا نكسر هذه النون فى العامية فنقول: "منِ الباب". ونحن فى الحالين عرب لم يتغير فينا شىء.
وثالثا: لو كان هذا الذى يقوله الدكتور صحيحا لَكُنّا لا نرى إعرابا إلا حيث يلتقى ساكنان. أليس الإعراب هو امتداد تحريك أواخر الكلمات، وأواخر الكلمات لم تكن تتحرك إلا حين تلتقى بساكنٍ فى أوائل الكلمات التالية لها؟ لكننا ننظر فنرى أن الإعراب، الذى هو عنده امتداد لتحريك أواخر الكلمات فى الوصل، موجود فى كل حال: سواء التقى ساكنان أو لم يكن هناك مثل ذلك الالتقاء. فما قوله فى هذا؟ ورابعا: لو كان ما يقوله صحيحا، فلماذا لم يجر الإعراب على القاعدة المتهالكة التى يدعيها، قاعدة مناسبة الحركات المعينة لحروف معينة؟ إن الإعراب لا يبالى بهذا الكلام المتهافت، بل يجرى على قواعد أخرى منضبطة لا علاقة بينها وبين الحرفين المتتاليين فى آخر الكلمة السابقة وأول الكلمة اللاحقة على ما هو معروف. وخامسا: ترى كيف يعلل الدكتور تفريق العرب بين ما يسمى بـ"المعرب" وما يسمى بـ"المبنىّ" إذ يأتون إلى آخر الألفاظ التى تنتمى للمبنىّ ويبقونها على وضع واحد، على حين ينوعون حركة آخر الكلمات المنتمية إلى المعرب؟ ألا إن هذه لضربة قاصمة لنظريته الضحلة التى لا أدرى أى شيطان أوحى بها وسوَّل الكتابة فيها والدعوة إليها والمنافحة عنها والعمل على تسويقها؟ وسادسا: لماذا كان هناك تنوين؟ وما وجه الحاجة إليه بناء على نظرية الدكتور؟ إن وجود التنوين ليمثل، فى ضوء نظرية الدكتور، مفارقة عجيبة. كيف؟ أليس يقول إن الكلمات العربية كانت كلها فى الأصل ساكنة الأواخر، ثم حُرِّكَتْ تلك الأواخر عند التقاء الساكنين؟ فلماذا لم يكتف العرب فى هذه الحالة بتحريك أواخر الكلمات دون تنوين وأصروا بدلا من ذلك على الإتيان بالتنوين الذى هو إضافة سكون بعد ذلك التحريك لنعود مرة ثانية إلى المربع رقم واحد ويكون علينا تحريك هذا الساكن عند التقاء الساكنين؟
وتاسعا: إذا كان الأمر على ما يقول إبراهيم أنيس فكيف يعلل خروج بعض الكلمات من أسماء وأفعال عن القاعدة المطردة فى الإعراب، إذ تُجَرّ الأسماء الممنوعة من التنوين بالفتح، ثم يعود الكسر إليها إذا أضيفت أو دخلت عليها "أل"، وإذ تنصب جموع الألف والتاء بالكسر، وإذ نرى طوائف من الأسماء تُنَوَّن، وأخرى لا تُنَوَّن ... إلخ؟ ولماذا لم يدخل السكون فى إعراب الأسماء ولا الجر فى إعراب الأفعال إذا كان الأصل هو مجرد التحريك للتخلص من التقاء الساكنين؟
وعاشرا: كيف أعربت الأسماء الستة والمثنى وجمع المذكر السالم والأفعال المضارعة بالحروف؟ إن تفسيره لهذا الأمر يتلخص فى أن النحاة وجدوا بين أيديهم الصيغ الثلاثة فى الأسماء الستة: "أبوك، وأباك، وأبيك" فخصوا كل صيغة بإعراب، وقل مثل ذلك فى الحالتين الأخريين. ولكن كيف وجدت الصيغ الثلاث فى الأسماء الستة مثلا، وهو يقول إن العرب كانوا يقفون بالسكون على أواخر الكلمات؟ ترى لماذا لم يقفوا بالسكون هنا فيقولوا: "أبْ، أخْ، فَمْ ... " جريا على سنتهم التى نص عليها هو لا غيره فيريحوا ويستريحوا؟ يقول إنه كان لكل قبيلة صيغة خاصة بها، فجمع النحاة هذه الصيغ الثلاث وجعلوا كلا منها إعرابا خاصا (انظر "من
(يُتْبَعُ)
(/)
أسرار اللغة" / 250 فصاعدا). والسؤال هو: لماذا لم يتبع العرب رغم ذلك منهجهم فى الوقوف بالسكون على آخر تلك الأسماء؟ وكيف يا ترى تصادف أن كانت كل قبيلة تقف عليها بالمد: واوا أو ألفا أو ياء؟ وقل مثل ذلك فى الجمع السالم وفى الأفعال الخمسة. مرة أخرى يتبين القارئ بنفسه مدى الضعف والتهاوى فيما يقوله الأستاذ الدكتور، الذى يتحدث عن ناس مضوا منذ دهر طويل فيصف كل شىء كأنه يقع تحت بصره وسمعه الآن. وليس هذا من العلم بسبيل!
وحادىَ عشر: كيف توصل علماؤنا القدامى من أهل النحو إلى هذا النظام الإعرابى طبقا لما يزعمه الدكتور؟ وما الذى دفعهم إلى التفكير فى هذا النظام الذى لم يكونوا هو ولا أسلافهم يعرفونه ولا كان يعرفه أحد من أهل الأرض كما يقول هو ذاته؟ ثم أنى لهم تفريعه وتشقيقه وتبويبه وتقعيده، وهو بهذا التشابك والتداخل؟ وما الذى أكرههم على الدخول فى هذه المضايق، ولديهم لغة سهلة لا تعرف هذه الصعوبات ولا شكا أحد من عجزها عن الإبانة عن أى فكرة أو شعور؟ أهو جحود بالنعمة وبطر وأشر، والسلام؟ أهو عبث من عبث الأطفال لا يقدر أصحابه المسؤولية ولا يبالون بالعواقب ولا يفكرون إلا فى اللحظة الراهنة ولا ينظرون إلا تحت أرجلهم؟
وثانىَ عشر: كيف يا ترى تم فرض النحو الجديد فى ذلك الوقت على العرب، وكذلك على المسلمين الذين اتخذوا لغة العرب لغة لهم بطول العالم الإسلامى وعرضه فى وقت لم تكن فيه مدارس ولا صحف ولا إذاعة ولا ... ولا ... ؟ ومن هم المعلمون الذين قاموا بهذا الدور؟ وكيف أدوا عملهم؟ وما العقبات التى قابلتهم؟ وما الطرائف التى وقعت لهم أو منهم أو من الجماهير؟ ثم إذا كان هذا أمرا يخص العرب، فكيف دخل النحاة وعلماء اللغة الأعاجم فى اللعبة وانخرطوا فيها دون أن يثيروا أية مشاكل؟ نعم كيف وافق علماء النحو ذوو الأصول الأعجمية على هذا الإزعاج، وهم الذين تعلموا العربية تعلما حتى ليمكنك أن تقول إنهم، بمعنى من المعانى، قد تعمَّلوها تعمُّلاً؟ إننا مثلا نقرأ فى أخبار سيبويه الأعجمى أشهر علماء النحو العربى أن حماد بن سلمة المحدث المشهور الذى كان نحويّنا يتتلمذ على يديه قد لفته إلى أنه يلحن فى نطقه لبعض الأحاديث النبوية فصمم على التزود أكبر زاد بشؤون اللغة والنحو ولزم حلقات النحويين واللغويين وأخذ كل ما عندهم فى هذا الميدان كما يقول د. شوقى ضيف فى كتابه: "المدارس النحوية" (ط3/ دار المعارف/ 1967م/ 57). لقد كان رد الفعل الطبيعى والمنطقى أن يتململ سبيويه من هذه الملاحظة وأن يقول مثلا إن السبب فى لحنه هو ذلك الإعراب الذى ابتدعه العلماء بعد أن لم يكن ثَمَّ إعرابٌ تعرفه العرب، فجاء العلماء وعقّدوا كل شىء!
ولم يكن سيبويه هو النحوى الأعجمى الوحيد بين علماء النحو العربى، بل كان هناك فى تلك الفترة المبكرة التى يشير إليها د. أنيس ابن أبى إسحاق الحضرمى مولى آل الحضرمى، وعيسى بن عمر الثقفى مولى آل خالد بن الوليد، ويونس بن حبيب من موالى بنى ضبة، والأخفش الأوسط، وكان فارسى الأصل ... (انظر فى تراجم هؤلاء كتاب "المدارس النحوية" للدكتور شوقى ضيف/ 23، 25، 28، 94)، وبعضهم كان يعيب العرب ويسىء إليهم كابن أبى إسحاق وعيسى بن عمر مثلا كما ذكر أبو طاهر المقرئ فى كتابه: "أخبار النحويين". ثم كيف يا ترى تقبلت جماهير الناس تلك العطية المرهقة المزعجة من علماء النحو دون تذمر أو مقاومة؟ أم تراهم قد رفضوا ذلك وحرنوا؟ لكن إذا كانوا قد رفضوا وحرنوا، فكيف استطاع أولئك العلماء أن يجبروهم على تجرع تلك الغصة؟ وما الذى كان فى أيديهم من وسائل التأديب والتخويف والعقاب فأرهبوهم وأرعبوهم به؟ أم تراهم سحروهم وغَشَّوْا على أبصارهم وأسماعهم حتى أدخلوه فى أذهانهم إدخالا على غفلة منهم ثم تركوهم حتى اكتشفوا ما حصل بعد أن كان الوقت قد فات، ولم يعد من سبيل إلى استدراك ما حصل؟
(يُتْبَعُ)
(/)
أم هل كانت اللغة العربية المسكَّنة الأواخر تشكل عبئا باهظا على عرب الجاهلية وعصر المبعث والخلافة الراشدة وبنى أمية فعمل العلماء فى أواخر القرن الأول أو أوائل القرن الثانى، طبقا لما تهرف به نظرية د. أنيس، على تذليل هذا العبء بإدخال الإعراب؟ لكنْ ها هى ذى نصوص الشعر والخطابة والأمثال وغيرها فى الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموى تحت أيدينا بمقادير كبيرة، فليفلِّها د. أنيس وأشياعه وليأخذوا راحتهم فى التفلية، وأتحداهم أن يجدوا نصا واحدا يشير إلى أن اللغة المسكَّنة الأواخر، إن كانت هناك فى ذلك الحين تلك اللغة المتوهمة التى ليس لها وجود إلا فى خيالات إبراهيم أنيس، كانت تشكل أى عبء على العرب. وحتى لو افترضنا أن ذلك قد حدث، وهو مستحيل، فهل الخروج من تلك الصعوبة يكون باللجوء إلى الإعراب، شأن المستجير من الرمضاء بالنار؟ ألا يرى القارئ مدى سخف هذه النظرية وتنطعها كيفما نظرنا إليها، ومن أية زاوية أقبلنا عليها؟
يقول إبراهيم أنيس: "نحن نرجح أن تحريك أواخر كل الكلمات لم يكن فى أصل نشأته إلا صورة للتخلص من التقاء الساكنين، غير أن النحاة حين أعيتهم قواعده وشق عليهم استنباطها فصلوا بين عناصر الظاهرة الواحدة. ولعلهم تأثروا فى نهجهم هذا بما رأوه حولهم من لغات أخرى كاليونانية مثلا، ففيها يُفَرَّق بين حالات الأسماء التى تسمى: " cases"، ويُرْمَز لها فى نهاية الأسماء برموز معينة. وكأنما عز على نحاة العربية ألا يكون فى العربية مثل هذه الـ" cases". فحين وافقت الحركة ما استنبطوه من أصول إعرابية قالوا عنها إنها حركة إعراب، وفى غير ذلك سموها: حركة أُتِىَ بها للتخلص من التقاء الساكنين" (من أسرار اللغة/ 235). فهل كان علماؤنا يعرفون اليونانية ونحوها، فقارنوا بينها وبين لغتهم ووجدوا أن اليوناينة تفضلها، فشعروا بالحسد وأرادوا أن يكون للغتهم نفس النحو الذى لها واخترعوا لها هذا النظام النحوى بعد أن لم يكن لها شىء منه؟ ولكن متى تم ذلك يا ترى؟ وفى أية ظروف؟ لكننا ننظر فلا نجد أى خبر عنه فى أى كتاب أو رسالة من تراثنا؟ فلماذا؟ هل أحس هؤلاء العلماء وبقية الأمة أنهم يجترحون فاحشة عظيمة فلم يريدوا أن يأتوا لها على ذكر وآثروا الصمت على أن يعرف العالم عنهم ذلك؟
الواقع أنه من المتصور أن تخر السماء على الأرض، لكن ليس من المتصور أن يكون شىء من هذا قد وقع، وإلا كان علينا، لكى نصدق بوقوع شىء منه، أن نلغى عقولنا تمام الإلغاء. إن أمرا كهذا لا بد أن يكون قد استغرق سنين وسنين، ولا بد أن يرجّ الأمة كلها من أقصاها إلى أقصاها وأن ينقسم الناس بشأنه فرقا وأحزابا وأن تقوم بينهم منازعات وخصومات وأن يكتبوا الكتب دفاعا وهجوما وأن يتبادلوا الاتهامات ... إلى آخر ما يقع فى مثل تلك الأحوال. بيد أن د. أنيس يتصور أنه يتحدث عن شرب كوب من الشاى ساعة قيلولة يخلد بعدها الشخص إلى السرير، ليقوم فيفرك عينيه ويتمطى، وقد نسى كل شىء. كذلك يرى د. على عبد الواحد وافى أن "خلق قواعد اللغة خلقا محاولة لا يتصورها العقل، ولم يحدث له نظير فى التاريخ، ولا يمكن أن يفكر فيها عاقل أو يتصور نجاحها. فمن الواضح أن قواعد اللغة ليست من الأمور التى تخترع أو تفرض على الناس، بل تنشأ من تلقاء نفسها وتتكون بالتدريج" (د. على عبد الواحد وافى/ فقه اللغة/ لجنة البيان العربى/ 1388هـ- 1968م/ 207)
ولنفترض أننا تغاضينا عن ذلك كله، هل نسينا أنه كان عندنا فى ذلك الوقت مدرستان لغويتان متناحرتان هما مدرستا الكوفة والبصرة، ويوشك ألا تقدم أى من المدرستين على أمر من الأمور أو تتوصل إلى رأى من الآراء إلا وتقوم الأخرى فتعارضها وتخطّئها؟ فكيف تواطأت تانِكم العدوتان اللدودتان على الصمت فى مثل تلك القضية الخطيرة فلم يفتح أى من علمائهما فمه بنبسة؟ وكيف صمت العلماء والمفكرون من متكلمين ومفسرين وحُفّاظ ورجال حديث ومؤرخين وأدباء وشعراء وخطباء وقضاة وكتّاب دواوين، فضلا عن الخلفاء والولاة والقواد والمعلمين فلم يقولوا شيئا؟ لقد أقدمت تركيا فى بداية الربع الأول من القرن العشرين على مجرد التغيير فى حروف هجائها من الحروف العربية إلى اللاتينية، فارتجت أركان العالم الإسلامى من أقصاه إلى أقصاه. وكيف سكت الناس عن المعاناة التى كان عليهم أن يتجشموها فى تعلم اللغة على
(يُتْبَعُ)
(/)
وضعها الجديد، ذلك الوضع الذى لم يكن لهم عهد من قبل، فلم يتحدث عنها أحد بكلمة واحدة؟ وكيف يا ترى تم تحويل النصوص الشعرية والخطابية والأمثال عن أوضاعها القديمة إلى ذلك الوضع الطارئ الجديد؟ لقد كان العرب يفتخرون بلغتهم أيما افتخار، وكانوا يرونها لغة لا مثيل لها، فكيف تقبلوا هذا التغيير وتجرعوه بهذه البساطة، وكأنه أَخْذُ نفس وإخراجُه؟
هذا، ولم نتحدث عن القرآن المجيد. ترى أكان المسلمون يتقبلون هذا التغيير (الذى لا ضرورة له) فى طريقة نطق القرآن بهذه اللامبالاة والاستهانة؟ لقد رأيناهم يختلفون اختلافا شديدا حين نسخ عثمان من المصحف الأم عدة نسخ أخرى ليبعث بها إلى الأمصار المختلفة كيلا يكون هناك اختلاف فى قراءة القرآن، والأمر بعد لا يعدو أن يكون تسجيلا كتابيا لما كانوا يحفظونه مسجلا فى صدروهم. فما بالنا بهذا التغيير الحاد فى نطق القرآن كله وإدخال أشياء عليه لم تكن فيه بما يتعارض تمام التعارض والآيةُ التى تقول على لسان المولى عز شأنه: "إنا نحن نزّلنا الذكر، وإنا له لحافظون"؟
ولكى يعرف القارئ مدى حنق فريق من المسلمين على عثمان لمجرد نسخه المصاحف وإرسالها إلى الأمصار جمعًا للمسلمين على قراءة واحدة ووأدًا للخلافات التى كانت تقع بين الناس بسبب تعدد طرائق القراءة أُورِد النص التالى، وهو من كتاب "المصاحف" لأبى بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني (230 - 316 هـ): "حدثنا عبد الله قال: حدثنا عثمان بن هشام بن دلهم، حدثنا إسماعيل بن الخليل، عن علي بن مسهر، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: لما نزل أهل مصر الجحفة يعاتبون عثمان رضي الله عنه صعد عثمان المنبر فقال: "جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شرا. أذعتم السيئة، وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس. أيكم يأتي هؤلاء القوم: ما الذي نقموا؟ وما الذي يريدون؟ ثلاث مرات لا يجيبه أحد. فقام علي رضي الله عنه فقال: أنا. فقال عثمان: أنت أقربهم رحما وأحقهم بذلك. فأتاهم فرحبوا به وقالوا: ما كان يأتينا أحد أحب إلينا منك. فقال: ما الذي نَقِمْتم؟ قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله عز وجل، وحَمَى الحِمَى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائتي ألف، وتناول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فرد عليهم عثمان رضي الله عنه: أما القرآن فمن عند الله. إنما نهيتكم لأني خِفْتُ عليكم الاختلاف، فاقرءوا على أي حرف شئتم. وأما الحِمَى فوالله ما حميتُه لإبلي ولا غنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة لتسمن وتصلح وتكون أكثر ثمنا للمسلمين. وأما قولكم: إني أعطيت مروان مائتي ألف، فهذا بيت مالهم فلْيستعملوا عليه من أحبوا. وأما قولهم: تناول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنما أنا بشر أغضب وأرضى. فمن ادَّعَى قِبَلِي حقا أو مظلمة، فهذا أنا: فإن شاء قود، وإن شاء عفا، وإن شاء أرضي. فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة، وكتب بذلك إلى أهل البصرة وأهل الكوفة: فمن لم يستطع أن يجيء فلْيُوَكِّلْ وكيلا".
فكيف يصل الأمر ببعض المسلمين إلى السخط على عثمان إلى هذا الحد وإطلاق اللسان فيه والثورة عليه بسبب إقدامه على هذا العمل الجليل، على حين يمر أمر تغيير نطق القرآن هذا التغيير العنيف مرور الكرام فلا نسمع كلمة استنكار واحدة، وكأن شيئا من ذلك لم يحدث؟ إن هذا لهو العجب العُجَاب! ثم أين ذهب القرآن الذى كان موجودا قبل أن يغيره علماء النحو هذا التغيير الحاد؟ أوقد مُحِى من الكتب والصدور محوا؟ فمن محاه يا ترى؟ وأعجب من كل هذا أن يسكت أعداء الإسلام فى الدولة البيزنطية، وكذلك اليهود والنصارى والملاحدة والشعوبيون داخل الدولة الإسلامية، فلا يكتبوا شيئا عن هذا الذى جرى ويشنعوا به على المسلمين ويقولوا عنهم إنهم قد عبثوا بالقرآن وحرفوه. فأى تواطؤ عجيب هذا الذى التزمته جميع الأطراف، وبالمصادفة أيضا!
(يُتْبَعُ)
(/)
ويضيف د. على عبد الرحمن وافى شيئا هاما فى هذا السياق، ألا وهو أن "فى رسم المصحف العثمانى نفسه، مع تجرده من الشكل، لدليلا على فساد هذا المذهب. وذلك أن المصحف العثمانى يرمز إلى كثير من علامات الإعراب بالحروف (المؤمنون، المؤمنين ... )، وعلامة إعراب المنصوب المنوَّن (رسولا، شهيدا، بصيرا ... )، وهلم جرا. ولا شك أن المصحف العثمانى قد دُوِّن فى عصر سابق بأمد غير قصير لعهد علماء البصرة والكوفة الذين ينسب إليهم دعاة هذا المذهب اختراع قواعد الإعراب" (د. على عبد الرحمن وافى/ فقه اللغة/ 209). ويمكن، على سبيل المزيد من التوضيح، أن نشير إلى علامات إعراب الأفعال الخمسة والأسماء الخمسة والأفعال المعتلة المجزومة سواء كانت أفعالا جوفا أو مقصورة أو ناقصة، فكل هذه الكلمات يظهر إعرابها فى النص القرآنى كتابة حتى لو كان غير مشكل ولا تظهر فيه من ثم حركات الإعراب، وهذا أمر معروف للجميع، إلا أن د. أنيس لا يبالى بهذه الحقائق، بل يتجاهلها، من أجل إثبات ترهاته.
على أن المسألة لما تتم فصولها عند هذا الحد، إذ هناك الروايات التى تتحدث عن النحو والإعراب، وتدور حول الصحابة والتابعين والعلماء والبشعراء والخطباء ومن إليهم، وتعود إلى تاريخ سابق على هذا الإعراب المخترع. فماذا نصنع بها؟ أنقول إنها قد اخترعت هى أيضا للتغطية على هذا التزييف؟ إن معنى هذا أننا هنا إزاء طوائف من الكذابين القراريين الذين لا تختلج لهم خالجة من ضمير، ويقدمون على التزييف والتحريف والكذب والضلال بدم بارد وقلب لا يعرف التحرج ولا الخوف من أى شىء أو أى شخص حتى لقد اخترعوا تاريخا كاملا كذبا وزورا، وعضَّدوه بالروايات والحكايات المصنوعة الملفقة ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة تحتاجها قصة الإعراب الفاضحة إلا وارتكبوها. إن مثل أولئك لشياطين مردة لا بشر.
والآن إل القارئ النصوص التالية كى ينظر فيها، ولسوف يجدها ذات مغزى فيما نحن بصدده هنا: ففى "الفَسْر" لابن جنى نقرأ "ما كان بين عبد الله بن أبي إسحاق والفرزدق، وقد سأله عن قوله:
وعَضُّ الزمان يا ابن مروان لم يدع * من المال إلا مُسْحَتًا أو مُجَلَّفُ
فقال له: "بم رفعت مُجَلَّفا؟ " فقال له الفرزدق: "بما يسوؤك وينوؤك" ... ثم هجاه الفرزدق وقال فيه:
فلو كان عبد الله مولًى هجوتُه * ولكنّ عبد الله مولَى مَوَالِيَا
فقال له ابن أبي إسحاق: "ولقد لحنتَ أيضا في قولك: "مولى مواليا"، وكان ينبغي أن تقول: مَوْلَى مَوَالٍ".
وفى "البيان والتبيين" للجاحظ نقرأ: "ومتى سمعتَ، حفظك اللَّه، بنادرةٍ من كلام الأعراب، فإيّاك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارِجِ ألفاظها. فإنَّك إنْ غيَّرتَها بأن تلحَنَ في إعرابها وأخرجْتَها مخارجَ كلام المولّدين والبلديِّين خرجْتَ من تلك الحكايةِ وعليك فضلٌ كبير. وكذلك إذا سمِعتَ بنادرةٍ من نوادر العوامّ، ومُلْحة من مُلَح الحُشْوَة والطَّغَام، فإيَّاكَ وأن تستعمِلَ فيها الإعراب، أو تتخيَّرَ لها لفظًا حسنًا، أو تجعل لها مِن فيك مخرجًا سَرِيًّا، فإنّ ذلك يفسد الإمتاع بها، ويُخرجها من صورتها ومِن الذي أُرِيدَت له، ويُذهب استطابَتهم إياها واستملاحَهم لها". وفيه أيضا: "كتب الحُصَيْن بن أبي الحُرِّ إلى عُمرَ كتابًا، فلحن في حرفٍ منه، فكتب إليه عمر: أنْ قنِّعْ كاتبَك (أى اضربه) سَوْطًا ...
وقال الأصمعيّ: خاصمَ عيسى بن عُمر النحويّ الثقفيّ رجلاً إلى بلال بن أبي بردة، فجعل عيسى يتَتَبَّع الإعراب، وجعل الرجلُ ينظر إليه. فقال له بلال: لأن يذهب بعضُ حقِّ هذا أحبُّ إليه من تَرك الإعراب، فلا تتشاغَلْ به واقصِد لحجَّتك. وقدَّم رجلٌ من النحويّين رجلاً إلى السلطان في دَينٍ له عليه، فقال: أصلح اللَّه الأمير. لي عليه درهمانِ. فقال خصمه: لا واللّه أيُّها الأمير. إن هي إلاّ ثلاثة دراهم، ولكن لظهور الإعراب ترك من حقه درهما؟ "
وبعد، فلو أن الدكتور أنيس قال مثلا إن اللغة العربية بدأت بداية بسيطة، ثم تطورت وتعقدت مع مرور الزمن فدخلها الإعراب بعد أن لم يكن، وأن ذلك قد أخذ وقتا طويلا جدا وأن التغيير من التسكين إلى الإعراب تم منذ زمن بعيد فى الجاهلية، فربما كان لكلامه معنى، إذ ليس بين أيدينا أية نصوص تدل على أن ما يقوله صحيح، ومن ثم فمن الممكن نظريا إحالته إلى الزمن البعيد الذى لا يستطيع أن ينكر عليه ما يقول لأنه مضى وانقضى وليس له لسان يرد به على الدكتور، فضلا عما يثيره كلامه الحالى من مشكلات وبلايا ورزايا لست أردى لم لا أستطيع أن أشعر بالاطمئنان تجاهه بشأنها. أما أن يزعم مزاعمه تلك، وبين أيدينا الشعر الجاهلى والقرآن الكريم والتاريخ المكتوب، فضلا عن المنطق الذى فى عقولنا والذى يصرخ بملء قواه أن كلام الدكتور سخيف متهافت، فدون قبولنا إياه خَرْط القتاد كما كان العرب القدامى يقولون، أو ضرب القنابل الهيدروجينية كما ينبغى أن نقول الآن!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[10 May 2010, 10:17 م]ـ
[وبعد، فلو أن الدكتور أنيس قال مثلا إن اللغة العربية بدأت بداية بسيطة، ثم تطورت وتعقدت مع مرور الزمن فدخلها الإعراب بعد أن لم يكن، وأن ذلك قد أخذ وقتا طويلا جدا وأن التغيير من التسكين إلى الإعراب تم منذ زمن بعيد فى الجاهلية، فربما كان لكلامه معنى، إذ ليس بين أيدينا أية نصوص تدل على أن ما يقوله صحيح، ومن ثم فمن الممكن نظريا إحالته إلى الزمن البعيد الذى لا يستطيع أن ينكر عليه ما يقول لأنه مضى وانقضى وليس له لسان يرد به على الدكتور،]
حقاً لقد طرح الدكتور إبراهيم أنيس نظرية متهافتة، كأنه لم يكن في وعيه وهو يكتبها ...
ولله في خلقه شؤون
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 May 2010, 11:54 ص]ـ
بارك الله فيكم يا دكتور إبراهيم على هذا البحث الماتع، والتتبع المستقصي لكلام الدكتور إبراهيم أنيس رحمه الله، والردود العلمية المقنعة على هذا القول المستغرب من الدكتور إبراهيم أنيس، والذي انتقده فيه عدد من الباحثين، ويبدو التأثر بآراء المستشرقين واضحاً في قوله هذا.
مع الإشارة إلى القيمة العلمية لمؤلفاته رحمه الله لولا تهوينه أحياناً من نظريات وأقوال القدماء من علماء اللغة العربية.
بارك الله فيك وزادك علماً وتوفيقاً.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[23 May 2010, 02:13 م]ـ
جزاك الله خيرا يا دكتور على هذا البحث الجميل، وقد أفضت مشكورًا في بيان تهافت هذا القول الذي لا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا؛ لأن الذي ينكر بدائه العقول لا تنبغي مناظرته؛ إذ كل مناظرة إنما تبنى على البدائه والضروريات، فإذا أنكرها منكر فعلى أي شيء يناظَر؟!
وإني أتساءل متعجبا:
ما الفرق بين هذا القول وبين من يقول: إن القرآن نفسه لم يكن معروفا عند الصحابة والتابعين، وإنما وضعه أهل القرن الثاني ونسبوه زورا وبهتانا إلى الشريعة؟!
وما الفرق بين هذا القول وبين من يقول: إنه لا يوجد شيء اسمه السنة، وما هي إلا اختراع اخترعه الزهري وتبعه المحدثون؟!
وما الفرق بين هذا القول وبين من يقول: إنه لا يوجد شيء اسمه الخلفاء الراشدون أصلا، وإنما هذا اختراع اخترعه أهل السنة ضد أعدائهم الروافض!
لا أستطيع أن أجد فرقا بين هذه الأقوال وبين القول المحكي هنا!!
فالمقصود أن مجرد تصور هذا القول على وجهه يكفي في بيان بطلانه، ولكن العقول كثيرا ما تحتاج إلى ما ينبهها على الأمور مع وضوحها، كما فعل د. إبراهيم عوض في بحثه الجميل هذا.
ـ[حسين بن محمد]ــــــــ[23 May 2010, 04:29 م]ـ
بارك الله فيكم د. إبراهيم، وجزاكم خيرا.
ويضيف د. على عبد الرحمن وافى شيئا هاما فى هذا السياق، ألا وهو أن "فى رسم المصحف العثمانى نفسه، مع تجرده من الشكل، لدليلا على فساد هذا المذهب. وذلك أن المصحف العثمانى يرمز إلى كثير من علامات الإعراب بالحروف (المؤمنون، المؤمنين ... )، وعلامة إعراب المنصوب المنوَّن (رسولا، شهيدا، بصيرا ... )، وهلم جرا. ولا شك أن المصحف العثمانى قد دُوِّن فى عصر سابق بأمد غير قصير لعهد علماء البصرة والكوفة الذين ينسب إليهم دعاة هذا المذهب اختراع قواعد الإعراب" (د. على عبد الرحمن وافى/ فقه اللغة/ 209). ويمكن، على سبيل المزيد من التوضيح، أن نشير إلى علامات إعراب الأفعال الخمسة والأسماء الخمسة والأفعال المعتلة المجزومة سواء كانت أفعالا جوفا أو مقصورة أو ناقصة، فكل هذه الكلمات يظهر إعرابها فى النص القرآنى كتابة حتى لو كان غير مشكل ولا تظهر فيه من ثم حركات الإعراب، وهذا أمر معروف للجميع، إلا أن د. أنيس لا يبالى بهذه الحقائق، بل يتجاهلها، من أجل إثبات ترهاته.
وللدكتور غانم الحمد - وفقه الله - بحث في ذلك بعنوان (ظاهرة الإعراب في ضوء رسم المصحف)، وهو منشور في مجلة كلية الشريعة بجامعة بغداد (العدد السابع 1401 = 1981م)، ثم نشر في كتاب (أبحاث في العربية الفصحى) ط1 دار عمار بالأردن 1426 - 2005، في أكثر من 50 صفحة. وقد ناقش فيه كلام الدكتور إبراهيم أنيس - رحمه الله -، وبيّن كيف يمكن الاستدلال برسم المصحف على أصالة ظاهرة الإعراب بالحروف والحركات في اللغة العربية.
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[01 Jun 2010, 06:34 م]ـ
الأستاذ المذكور هو علي عبدالواحد وافي رحمه الله تعالى (كان مهتما بعلم اللغة وعلم الاجتماع)
واشتهر بتحقيقه وشرحه وتعليقه على مقدمة ابن خلدون. وليس علي عبدالرحمن وافي كما كررت
ذلك ذاكرة الأستاذ إبراهيم عوض التي قد أرهقها سعة اطلاعه، حفظه الله تعالى وأمتعنا بعلمه
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jun 2010, 12:48 ص]ـ
شكرا على هذا التصحيح شكرا جزيلا وتهنئتى على هذا الاهتمام بتلك الدقائق، وأنا آسف على هذا اللبس الذاكرتى إن صح هذا النسب، ولا أظنه إلا صحيحا بمشيئة الله
ـ[سليمان خاطر]ــــــــ[20 Nov 2010, 12:00 ص]ـ
غريب من الدكتور أنيس -رحمه الله - هذا القول. ولا أظن أن أحدا من أهل الإسلام والعربية تبعه في هذا.
وربما يكون من العالم الهفوة ومن الجواد الكبوة.
أنا مع شيخنا أبي مالك أن الحقائق مثل الإعراب لا ينكرها إلا من ينكر حسه ويغالط في الحقائق نفسه!
ولله في خلقه شؤون.(/)
تأملات حول قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) لشيخنا/ياسر برهامي
ـ[خالد محمد المرسي]ــــــــ[07 Jun 2010, 09:12 ص]ـ
تأملات حول قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن التوسلَ إلى الله -عز وجل- بأنه سريعُ الحساب، واستحضارَ هذا المعنى لهو من أعظم ما يداوي أمراض القلوب؛ التي تحصل بسبب الظلم الذي كثر وانتشر في المشارق والمغارب، في الشمال والجنوب، من مخالفة لأمر الله -عز وجل- بالشرك والكفر، والنفاق والعصيان، ومن مخالفةٍ لشرع الله -عز وجل- بفعل الفواحش وارتكاب المحرماتِ، وارتكاب المعاصي والمنكرات، ومن مخالفةٍ لشرع الله -عز وجل- بالبغي والإفساد في الأرض: من سفكٍ للدماء وانتهاك للأعراض، وقتلٍ للأطفال، وتهديم للبيوت، واغتصاب للأموال، وسلب للأراضي والبلاد، فما أكثرَ الظلم الواقع في هذه الأرض، وخصوصًا على عباد الله المؤمنين الموحدين.
مع أن الله -عز وجل- حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرمًا، وقال لهم: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا) (رواه مسلم)، وجعل الله -تعالى- الظلمَ سببًا لخراب الأرض وفسادِها، وشقاء أهلها، وإن كان قلب كل مؤمن ليتألم من الظلم الواقع في هذه الأرض، ويجد فيه غصة ومرضًا يحتاج إلى شفاء.
فإن لم يتدارك الإنسان هذا المرض ويعالجه يوشك أن يوقعه في اليأس والإحباط، وترك العمل الواجب في ذلك الوقت أو سوء الظن بالله -عز وجل-، أو التخلف عن رفقة الصالحين الذين ساروا في الأرض؛ ليصلحوا ما وقع فيها من ظلم وجور، وعلى رأسهم أنبياء الله -تعالى- الذين أصلح الله -تعالى- بهم الأرض.
وهذا أمر لابد أن يعلمه المسلم؛ لينتفع بفترات انتشار الظلم والظلام في نفسه، ولطائفته المؤمنة كذلك.
وإن مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: ما أعده الله -تعالى- للكافرين والظالمين من عذاب في الدنيا من: ضنك وشقاء، وألم وحسرة؛ قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه:124)، وقال -تعالى-: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:104).
وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: ما أعده الله -تعالى- للكافرين والظالمين من حساب في الآخرة، وما ينتظرهم يوم القيامة من عذاب أليم، قال الله -تعالى-: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المطففين:34 - 36).
وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: أن يتدبر كتاب الله -تعالى- فإن فيه الشفاء؛ قال الله -تعالى-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الإسراء:82)، فيشهد ما فيه من أخبار هلاك الظالمين، قال -تعالى-: (فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت:40).
وكذلك مما يداوي قلب المؤمن ويشفي صدره: أن يشهد أسماء الله -تعالى- وصفاته، وأن يتعبد لله -عز وجل- بمقتضاها، فيشهد إهلاك الله -تعالى- للظالمين بيقين قلبه قبل أن يرى بعينه؛ فيدعو الله -تعالى- بها، كما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللَّهُمَّ مُنَزِّلَ الْكِتَابِ، مُجْرِيَ السَّحَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، هَازِمَ الأَحْزَابِ ... ) (متفق عليه)، فيشفي الله -تعالى- بذلك ما في الصدور ما لا يعلمه إلا الله، فيشهد عدله وسرعة حسابه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإن شهود عدل الله -عز وجل- وسرعة حسابه؛ لهو من أعظم الأمور التي تجعل العبد -وإن كان مظلومًا في أشد درجات الظلم وهو يرى أهله وإخوانه والمسلمين من حوله يتعرضون لأنواع الظلم- يرى أن الله -تعالى- لا يظلم الناس شيئًا، وأنه سريع الحساب، وأنه -عز وجل- هو العليم الحكيم.
فعند ذلك؛ ينزِلُ البَردُ على قلبه، ويحصل له من أنواع الخيرات ما يستمد بها طاقة يسير بها على الطريق، مع بقاء كراهيته للظلم والظالمين، ومع استمرار دعائه وتضرعه وانكساره لله -عز وجل-.
وقد يملي الله -عز وجل- للظالمين ويؤخرهم فترة -مدة من الزمن- حتى يظنَّ أكثر الناس أنهم لن يُعاقبوا، مع أن الله -تعالى- سريعُ الحساب، فكيف ذلك وقد تمر على الناس قرون يزداد فيها الظلم والعدوان؟! هذا لنعلم أن الله -عز وجل- قد قسَّم الأخلاق والأعمال، والأحوال بين الناس قسمة عدل، وهو -عز وجل- حكم قسط، سريع الحساب.
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ). قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (رواه البخاري ومسلم).
ومن سرعة حسابه -عز وجل- بالظالمين:
ما يلقيه الله في قلوبهم من الرعب، والقلق والاضطراب والخوف وعدم السكون؛ جزاء لهم على ظلمهم، وهذا لا يراه كثير من الناس! وإنما يعلمه المؤمنون من أحوال الظالمين، كما أنهم يرون قطرة منه إذا عرَّضوا أنفسهم للظلم، فيجدون انقباضًا وضيقًا في الصدور، ويجدون ألمًا وهمًا وغمًا وكربًا بما قصروا في الواجب وبما ظلموا أنفسهم فضلاً عن أن يظلموا غيرهم، ويعرفون ذلك بهذه القرينة، وبمقارنة حال الظالمين الأشد ظلمًا كيف أن الله -عز وجل- يجمع على الظالمين الآلام والشقاء والتعب!
وهم وإن كانوا يملكون الدنيا بمالها، وسلطانها، وشهواتها المختلفة ويملكون الأمر والنهي، ويظنون أن الأمور بأيديهم، فمع ذلك تجد في قلوبهم فزعًا عجيبًا، واضطرابًا وقلقًا شديدًا، كما قال -تعالى-: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151)، وكما قال الله -تعالى- عن إبراهيم -عليه السلام-: (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:81 - 82).
ويبقى على الكافر والظالم من الألم ما لا تذهبه حلاوة الشهوات، ولا لذاتها، التي هي من جنس اللذة التي يجدها الخنزيرُ في أكل الروث! والتي هي من جنس حَكَّة الجربان إذا حك جلده ومزقه؛ ليحصل على شيء من اللذة أثناء الحك، وهو يؤذي نفسه ويدميها ويضرها أعظم الضرر! ولا يجد شيئًا يسكِّن الألم والمرارة والضيق الذي يجده في صدره -وإن كان يضحك كثيرًا فإنه يضحك وقلبه يتمزق- فأكثر الناس مغرورون بالشهوات غارقون في بحارها، وهم في سكرتهم يعمهون، وهم لا يدرون أنهم يزدادون ألمًا فوق ألم، كما قال الله -تعالى-: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:104).
ومن سرعة حسابه -عز وجل- لعبده المؤمن:
أنه إذا ظُلم وتعبد لله -عز وجل- بالعبوديات الواجبة -حال تعرضه للظلم- يجد من الأمن والطمأنينة والسكينة، والهدوء والراحة والسعادة ما لا يجده غيره، حتى ولو كان في أشد لحظات البأساء والألم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن ألمه قد زال بالصبر واليقين، واستحضار معية الله -عز وجل- للصابرين كما قال الله -تعالى-: (وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:249)، فهذه المعية التي تجعل المؤمن في حال آخر، في حلاوة تذوب معها مرارة الألم، فلو أذن للمؤمن -حينئذ- أن يتمنى مزيدًا من البلاء لفعل، لكنه يسأل الله العافية، فإنه يجد اطمئنانًا وسكينة، قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).
فهذه الحلاوة تذهب مرارة الألم؛ فمرُّكُم أيها المؤمنون معه عسلٌ تُذْهِبُ مرارتَه، وأما مرُّهم فلا حلاوة معه، بل تبقى معه المرارة دائمًا.
فرجاء الله -عز وجل- يبدد ظلمات اليأس، والله -عز وجل- يجعل في قلب عبده المؤمن من محبته وتعظيمه واستحضار معيته، ورجاء فضله ويقينه بوعده وثقته بما أعده الله -تعالى- له في الدنيا والآخرة ما يذهب معه كل مرارة وألم، ويستعذب في سبيل الله كل ما يصيبه ويرى أنه -بفضل الله- في أحسن حال.
كما كانت أيام إبراهيم -عليه السلام- عندما ألقي في النار خير أيامه، قال -تعالى-: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (إبراهيم:69)، وأعلى الله -تعالى- بذلك منزلته، وأظهر الله -تعالى- فضله بتلك المحنة، وجعله إمامًا للناس، قال الله -تعالى-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120).
وكذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- حين اجتمعَ المشركون على قتله في يوم الهجرة، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)، ولكن مع صبره واحتسابه -صلى الله عليه وسلم- أنزل الله -تعالى- عليه السكينة والطمأنينة، قال -تعالى-: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).
وكذا يوم بدر لما أراد المشركون إهلاك هذه العصابة المؤمنة أنزل الله -تعالى- عليه -صلى الله عليه وسلم- السكينةَ والرحمة والنصرَ، قال الله -تعالى-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ. إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال:9 - 12)، وروى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ). فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى
(يُتْبَعُ)
(/)
مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ... ".
وكذا يوم أحد، يوم قتل سبعون من أصحابه -صلى الله عليه وسلم- وكسرت رباعيتُهُ -صلى الله عليه وسلم-، وهشمت البيضة على رأسه -صلى الله عليه وسلم-، وسال الدم على وجهه -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه صبر واحتسب؛ فكان النصرُ في الدنيا والثوابُ في الآخرة، قال الله -تعالى-: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ. وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:146 - 148).
وكذا يوم الأحزاب، حين اجتمع الأحزاب لاستئصال دعوته -صلى الله عليه وسلم-، فصبرَ وثبتَ واحتسبَ -صلى الله عليه وسلم-؛ فجعله الله -تعالى- قدوة وأسوة للعالمين، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا. وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب:21 - 22).
فبهذه المواقفِ وغيرِها أظهر الله -تعالى- قدرَ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم-، وأعلى شأنهُ وجعله إمامًا للمرسلين، وجعله خيْرَ خلقِ الله أجمعين.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
أنه يجعل الكافرين والمنافقين والظالمين يعذبون بلذاتهم، قال الله -تعالى-: (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (التوبة:55)، فالأموال والأولادُ من أسبابِ السعادةِ للإنسانِ، ولكن يجعلها الله -تعالى- سببًا لعذاب الظالمين: فأما الأموالُ؛ فيعذبون بها في الدنيا وعند الموتِ، وفي القبرِ وفي القيامة.
ففي الدنيا: من يجمع المالَ من حرامٍ فإنه يشقى به؛ يشقى بطلبهِ، ثم بعد ذلك يشقى بحبسهِ والحرص عليه، والقلقِ على نفاده -فالبخلٌ داءٌ يجعل الإنسان شقيًا في حياته متألمًا في جميع لحظاته-، ويشقى بإنفاقِ ما ينفق بلا سماحةٍ، ولا رضا، ولا رغبةٍ فيما عند الله -عز وجل-، ويتألم في المصائبِ التي تصيبه حين يفقد ما يتمنى تحقيقَهُ؛ فيزداد ألمًا بعد ألم.
حتى إذا جاء الموتُ كان ذلك أعظمَ الألم الذي يلقاه في دنياه، ويشتد عليه عندما يعاين السكرات، فهذه شدة عظيمةٌ إلا أنها لا تزال بدايةَ الشدائد.
فإذا مات كان كنزه وماله ضجيعًا له في قبره كثعبانٍ يلدغهُ ويقضم يده، يلتف حول رقبته، ولا يجد منه مهربًا، ويقول له في القيامة: "أنا مالُكَ، أنا كنزُكَ"، ثم يطوقه الشجاعُ الأسود ذو الزبيبتين -النقطتين-.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ). ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (آل عمران:180)، (رواه البخاري).
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا جاءت القيامة: فإنهم يعذبون بما اكتنزوه من أموالهم ولم يؤدوا حقها، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34 - 35)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ) (رواه مسلم).
وأما الأولادُ؛ فإنهم يعذبون بهم في الدنيا وفي القيامة:
في الدنيا: بمنازعتهم لهم دائمًا، وبمخالفتهم إياهم، فيحرمون برَّهم، وبشقائهم بهم عند فقدهم، حتى ربما تهلكُ نفسُ أحدِهم بسبب ابنه إذا فقِد، أو مَرِِضَ أو أصابه ما أصابه، فيعذَّب به، ثم بعد ذلك بالفراق الذي لا التقاء بعده إلا في النار، والذي يزيد الشقاء شقاءً.
وفي القيامة: يفر أحدُهم من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه، قال الله -تعالى-: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ) (المعارج:11 - 14)، فعندما يَصلَى النارَ يعرف الألم والعذابَ بالأولاد والأموالِ -نعوذ بالله من ذلك-.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
أنه يحيي المؤمنَ الحياة الطيبةَ: فالله -عز وجل- يعدُّ للمؤمنين من الخيرات ما تطمئن به نفوسهم ما يدركون به مآلهم عند الله -تعالى-؛ قال الله -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، فالمؤمن يسعدُ بالمالِ والولدِ في الدنيا والآخرة.
فأما سعادتُه بالمال:
ففي الدنيا: عندما يعمل ويكتسب الرزقَ الحلال فإنه يحتسب ذلك لله -عز وجل-، وعندما ينفق على نفسه وأهله وعياله؛ فإنه يحتسبه عند الله -تعالى-، فيجد في ذلك من السعادة والراحة أضعافًا مضاعفة، فإن سعادة المعطي بالعطاء أعظمُ من سعادةِ الآخذ بالأخذ -سعادة الآخذ إن لم تكن ضرورة فهي عذاب على صاحبها-.
وفي الآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ: أَي فُلُ هَلُمَّ) (رواه البخاري). أَي فُلُ: يعني يا فلان، هَلُمَّ: يعني تعال.
وأما سعادته بالولد:
ففي الدنيا: هم قرةُ العينِ كما قال الله -تعالى- عنهم: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74).
فقرةُ العينِ بالأهل والذريةِ إنما بكونهم على طاعة الله -عز وجل-، وبكونهم على طريق العبودية لله -عز وجل-.
وبعد موته: يدعو له كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) (رواه مسلم).
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الآخرة: يشفع له إن مات صغيرًا؛ فعن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة -رضي الله عنه-: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ لِيَ ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ بِهِ أَنْفُسَنَا عَنْ مَوْتَانَا؟ قَالَ: قَالَ نَعَمْ. (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ -أَوْ قَالَ أَبَوَيْهِ- فَيَأْخُذُ بِثَوْبِهِ -أَوْ قَالَ بِيَدِهِ- كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوْبِكَ هَذَا فَلاَ يَتَنَاهَى -أَوْ قَالَ فَلاَ يَنْتَهِي- حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم) -دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ: أي صغار أهلها، وأصل الدعاميص: جمع دعموص وهو دويبة صغيرة تكون في الماء لا تفارقه، أي أن هذا الصغير في لجة لا يفارقها. صَنِفَة الثوب: أي طرفه-.
وإن مات كبيرًا؛ فقد قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (الطور:21)، قال ابن كثير -رحمه الله-: "يخبر -تعالى- عن فضله وكرمه، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه: أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان يُلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل، بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته، للتساوي بينه وبين ذاك؛ ولهذا قال: (أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ... هذا فضله -تعالى- على الأبناء ببركة عمل الآباء، وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني) " اهـ بتصرف يسير. ثم عمل الولد الصالح من كسب أبيه وحسناته.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
ما يقدِّره على الكافرين والظالمين وأهل العدوان من: مصائبَ تصيبهم عاجلاً بلا تخفيف لآلامهم، ولا رجاءٍ لثواب الله -عز وجل-؛ ولذا تجدهم يجزعون أشدَّ الجزعِ، ويخافون أشدَّ الخوف؛ فالله -سبحانه- يبتلي عباده جميعًا بالمصائب، وهو -عز وجل- قدَّر وجود الشقاء على كل من على ظهر الأرض كما قال لآدم: (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) (طه:117)، فلا يزال -سبحانه- يبتلي عباده بأعظم المحن، فأما الكفرة والظلمة فلا يخفف عنهم من تلك المصائب، بل مصيبة واحدة تكاد تذهب نفوسهم بالكلية، وتتضاعف آلامها، ولا يجدون أبدًا سكينة ولا طمأنينة، وأما المؤمنون بصبرهم واحتسابهم يتحول البلاء إلى نعمة، وسعادة وسكينة وطمأنينة.
وتأمل في حالهم عند خروج أرواحهم وهي من أعظم مصائبهم فإنهم ينازعون أعظمَ النزع، وتضرب الملائكةُ وجوههم وأدبارَهم، كما قال الله -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (الأنفال:50).
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
لعبادِه المؤمنين أنهم عندما تصيبهم المصائبُ يصبرون ويسترجعون؛ فتتنزل عليهم الرحمةُ والهداية، قال الله -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة:155 - 157)، فنعم العَدْلانِِ ونِعمَت العلاوةُ.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة. ولهذا أخبر -تعالى- عما أعطاهم على ذلك فقال: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال سعيد بن جبير: أي أَمَنَةٌ من العذاب (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدْلان ونعمت العلاوة (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فهذان العدلان، (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل، وكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا".
فالعَدلانِ: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)، ماذا لو تخيلت أن الصالحين يُثنون عليك في مجالسهم؟ وكيف لو كان الأنبياء يُثنون عليك؟! وكيف لو كانت الملائكة المقربون يثنون عليك عند الله -عز وجل-؟ وكيف بصلوات الربِّ -عز وجل-؟! أبعد ذلك تكره المصائب أن تقع عليك؟!
أنت تتألم منها لكن ترى بالصبر آثار فضل الله عليك، فإن من أثنى الله -عز وجل- عليه، وصلى عليه في الملأ الأعلى، ثم أعطاه رحمةً، فلابد أن يجد أثرها في الدنيا قبل الآخرة.
فربُّ العالمين يثني على الصابرين الذين شهدوا أنهم ملكٌ لله -عز وجل- (إِنَّا لِلَّهِ)، والذين حققوا الإيمان باليوم الآخر (وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وذلك مما يخفف عنهم ألم المصائب.
فسرعان ما تمر الدنيا كلها بلذاتها وآلامها، فكم من أناسٍ قَبلَنا قد تألموا أضعافًا مضاعفة ومات المتألم ومات من يؤلمه، ولم يبقَ إلا خبرٌ، ثم بعد ذلك يزول الخبرُ ولا يبقى إلا الحسابُ عند سريع الحساب -عز وجل-، زالت لذاتُ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، وزال ألمُ المؤمنين والمؤمنات، وبقيت تبعةُ الفتنة التي فتن بها الكفرةُ والظلمة عبادَ الله المؤمنين؛ فالله -عز وجل- قال عن المؤمنين: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)، فهذان عدلان.
وأما العلاوةُ: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، فهذا فضل الله -عز وجل- على الصابرين، مع زوال الألم في الدنيا، وعند لقائه -عز وجل-.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
بالظالمين الذين ظلموا وأشركوا، وأفسدوا في الأرض أن يضعَ لهم البغضاء في الأرض، وأن ينزع من قلوبهم الرحمةَ، وأن يجعل قلوبَهم قاسية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ) (رواه مسلم)، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا) (رواه مسلم).
أتظنون أن قاسيَ القلب الذي يعذب الناسَ ويظلمهم يؤلم الناسَ أكثر مما يتألم هو؟!
لا والله. بل إن ألمه أشدُّ، يكفي أن السماء تبغضه، وأهل السماء يبغضونه والأرض تبغضه، وأهلَ الأرض يبغضونه، ومن حوله من أهل الأرض جميعًا يلعنونه، والدواب تلعنه، حتى النملة في جحرها تلعنه، والجعلان، وما تبكي عليه السموات والأرض حين موته، كما قال الله -تعالى-: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) (الدخان:29)، بل نفوسهم تبغضهم، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ) (غافر:10).
تأمل في (إِذْ)؛ أي: حين، فإنما أبغضتهم أنفسهم من حين دُعوا إلى الإيمان فكفروا (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ) ليس فقط تبغضهم نفوسُهم في الآخرة حين يرون العذابَ، وحين يرون ما قدموا لأنفسهم من هلاكٍ أبديّ، وعذاب سرمدي، إنما تبغضهم أنفسُهم حين دُعوا إلى الإيمان فكفروا، ومقتُ الله -عز وجل- أشد من ذلك، وإن كان الناس قد لا يعرفون ما سبب هذه البغضاءِ، وما سبب هذه القسوة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن إذا أردتَ أن تعلم أن قسوة القلب عقوبةٌ للعبد يتألم بها أكثرَ من ألم المُعذَّب المُتألم؛ فتدبر قول الله -تعالى- عن اليهود الملاعين: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ) (المائدة:13)، فالله -عز وجل- بيَّن أنه لعنهم؛ أي: أبعدهم، والبعدُ عن الله -عز وجل- سببُ كل ألم، وسببٌ كل شقاءٍ وتعاسةٍ.
فإذا تعجبت كيف تصل القلوبُ إلى هذه الدرجة من القسوة؟! فاعلم أن ذلك بسبب؛ لعن الله -تعالى-، وبغضه ومقته -تعالى- لهذا العبد، وإلا فالراحمون يرحمهم الرحمن، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
ولو قدِّر لك أن ترى حياة الظالمين من داخلها وممن يعاملونهم من المقربين منهم من: خدامهم وأعوانهم، وجنودهم؛ لرأيت عجبًا من الشقاءِ المحيط بهم من كل جانب، ولو رأيتهم مع أهليهم وأولادهم وأزواجهم؛ لوجدتَّ من ذلك عجبًا؛ ولذا تجدهم يحاولون الهروب دائمًا بالمسكراتِ، والمخدراتِ والخمر، وأنواع اللذات التي يريدون أن يغيبوا بها عن الوعي؛ لكي لا يدركوا قدرَ الألم الذي هم فيه؛ بسبب بغض الله -عز وجل- لهم، وهذا من سرعة حسابه -عز وجل-.
ومن سرعة حسابه -سبحانه وتعالى-:
للمؤمنين ما يقبضونه من الثمن العاجل -فضلاً عن الآجل- من الحبِّ الذي يجدونه ممن حولهم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ. فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ) (متفق عليه)، فتجده يشعر بالأنس بينه وبين الأرض، وبينه وبين السماء، وبينه وبين الكائنات المختلفة.
ما ظنك بعبدٍ يعلم أن الملائكة تستغفر له، وأن حملةّ العرشِ مع تسبيحهم يدعون له ويستغفرون له؟! قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (غافر:7 - 9).
فانظر وتأمل في حال المؤمن: كم يجد من أثر استغفار الملائكة، ومن أثر دعائهم، وكم يجد أُلفًا وسكينة بينه وبين كل الكائنات، حتى الجمادات؟! قال الله -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء:44).
فهو يستشعر أن الله -عز وجل- يسبح له من في السموات ومن في الأرض، وأن الله -عز وجل- هو العزيزُ الحكيم؛ فعند ذلك يشعر بأنه ليس غريبًا في هذا الكون، بل مع كونٍ أليفٍ حبيب إليه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وأعظمُ من ذلك أنه يعلم ما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-: (وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري).
(يُتْبَعُ)
(/)
فهو يشعر أن الله -عز وجل- يكره مساءتَه، ويعلم ذلك ويوقن به؛ لأن المؤمن يكره الموتَ، فكيف بكراهية المؤمن لأشياء أشدَّ من الموت: كالفتنة في الدين، ومخالفة ربِّ العالمين، وظلم الظالمين؟! فالله -عز وجل- يكره هذا أعظم كراهية، ويكره أن يسوءَ المؤمن.
ولولا أن الله -عز وجل- جعل في هذه المساءات من الخيرات ما فيها لما قدَّرها -عز وجل-.
ولولا أن الله -عز وجل- جعلَ من سعادة المؤمنين ما يصيبهم من المساءات المكروهة؛ لعصمهم الله -تعالى- من كل ما يسوؤهم.
ولولا أن المؤمنَ لا يَقْدُمُ على الله -تعالى- إلا بالموت؛ لما قبضه الله -عز وجل-، لكنه يحبه -عز وجل- فيدنيه ويقربه ويعدُّ له من أنواعِ الخيرات ما لا يعلمه إلا هو -عز وجل-؛ لأجل ذلك لابد له من الموت.
فضلاً عما ينال المؤمن من إجابة لدعائه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول هذا الحديث: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ) (رواه البخاري)، وكلُّ واحدةٍ من هذه تدل على سرعة حسابه -عز وجل-، فالله -عز وجل- يعطي المؤمنين عاجلاً، فضلاً عما يدخره آجلاً.
ويكفي من ذلك معيته -عز وجل-، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه -عز وجل-: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِى بِهَا)، فهذه معيةُ الحبِّ والتقريب والتكريم؛ حتى يوفقَ العبد في سمعه وبصره، ويده ورجله ما لا يقدر عليه غيره من الناس، فيوفقه الله -تعالى- لاستعمال هذه الجوارحِ في عبوديته، والتي تجلب له كلَّ أنواع السعادة، وبها يزول كل شقاء وألم.
ومن سرعة حسابه -عز وجل-:
أنه إذا أخذ الظالمين لم يفلتهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ). قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (رواه البخاري ومسلم).
تأمل كيف أهلك الله قومَ نوحٍ -عليه السلام- في أيام معدودات .. !! بعد تسعمائة وخمسين عامًا من الطغيان والجبروت والعدوان على المؤمنين، والاستهزاء بنبي الله نوح -عليه السلام-؛ إذا بالتنور يفور، وإذا بالسماء تمطر، وإذا بالأرض تفور بالماء، وإذا بالموج يكون كالجبال، وإذا بالكفرة الظلمة ينتهون في لحظات، وإن كانت هذه اللحظاتُ تَبقى آلامًا مستمرة عليهم أبد الآبدين كما قال الله -تعالى-: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا) (نوح:25)، وقال الله -تعالى-: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ. وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر:11 - 12)، ثم بعد ذلك: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (هود: 44).
سبحان الله! بقي نوح -عليه السلام- يدعو إلى الله -تعالى- ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عامًا، وهم يصدون عن سبيل الله -عز وجل-، ويكفرون به طوال هذه المدة، ثم في أيام معدودة تغيَّر الأمرُ.
وتأمل كيف أهلكَ الله -تعالى- قوم ثمود بصيحةٍ واحدةٍ .. ! بعد طول مُلكٍ، وسلطانٍ، بعد ما كانوا ينحتون من الجبال قصورًا، ويبنون في الأودية والسهول، ولكن في لحظة ينتهي كل شيء، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت:17).
(يُتْبَعُ)
(/)
وتأمل فيما أصاب قوم عاد .. وكيف سلَّط الله -عز وجل- عليهم الريح الباردة في سبع ليالٍ وثمانية أيام حسومًا، قال الله -تعالى-: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ. فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ) (الحاقة:6 - 8).
وتأمل فيما أصاب قوم لوط .. في صبيحةِ يوم عذابِهم أخذتهم الصيحةُ، وجعلَ الله -تعالى- عاليها سافلَها، كما قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ)؛ أي: مُعَدَّةٌ، وما زالت موجودة (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (هود:82 - 83).
سبحانَ الله وبحمده، إذا نفذ الأمرُ، قال -تعالى-: (وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:50 - 51).
وتأمل المدة التي ظلمَ فيها فرعون وتجبَّر، وقتلَ من قتل من الرجال، والنساء، والأطفال، وبقي الفراعنةُ ينحتون انتصاراتهم على المخالفين لهم على جدران معابدهم الزائفة، وما زالت تشهدُ على ظلمهم وجورهم، وتقطيعهم للأعضاء وتمزيقهم للأجسام، وظلَّ فرعونُ يظلم ويتجبر على لحظاته الأخيرة، حتى قبل الوفاة يقول كما حكى الله -عز وجل- عنه: (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) (الشعراء:54 - 56).
ويدخلُ البحرَ بغروره وطغيانه، وفي لحظة تأتي سرعة الحساب من سريع الحساب -عز وجل-: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ. آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس:90 - 92).
فلنوقن إذن أن الله -تعالى- سريعُ الحساب يغيِّر موازين الأرض في لحظات، ويمكِّن لعباده المؤمنين، ويفتح لهم من أنواع الخير ما يثبِّت به أفئدتهم، وما يقوي قلوبهم؛ فلا نستعجل: (خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (الأنبياء:37).
www.salafvoice.com (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف ( http://www.salafvoice.com/)
ـ[هاني درغام]ــــــــ[08 Jun 2010, 12:14 ص]ـ
بارك الله لكم علي هذه التأملات الرائعة
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[08 Jun 2010, 07:12 م]ـ
تأملات طيبة بارك الله فيك أخي الكريم وزادك علماً وتدبراً بآيات القرآن العظيم(/)
توجيهات قرآنية في مفترق طرق. لشيخنا ياسر برهامي
ـ[خالد محمد المرسي]ــــــــ[07 Jun 2010, 09:22 ص]ـ
توجيهات قرآنية في مفترق طرقكتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد؛
فقد أَظْهَرَتْ أَزْمة الأقصى الأخيرةُ وبِناءُ اليهود لـ"كَنِيسِ الخَرَابِ" على بُعْدِ أَمتَََََََََارٍ مِنَ المسجد الأقصى، بَعْدَ ضَمِّ إسرائيلَ للمسجد الإبراهيمي ومسجدِ بلال بن رباح للآثار اليهودية، وعزمِهم على هَدْم مسجد سلمانَ الفارسيِّ -وربما قد فعلوه-، واحتفالِ حاخاماتِهم الصَّاخِبِ المَاجِنِ الشَّامِتِ بالمسلمين بافتتاح مَعبَد موسى بن مَيْمُون بالقاهرة، واستمرارِ حصار غزة وبِنَاءِ الجِدَار الفُولاذي -لتعميق الحصار وإكمال الخَنْق-؛ أظهر كُلُّ ذلك -وغَيْرُهُ كَثِير- مدى عَجْز الأمَّة وتَفَرُّقِها واستضعافِها، وفَقَدَ صَانِعُو القرار فيها قُدرتَهم على مُجرَّد اتخاذ مَوقِف يُعبِّر عن هُوُيَّة الأمَّة، بل فَقَدُوا إرادتَهم في تغيير الواقع الأليم أو الأخذِ بالأسباب التي تُخرِج الأمَّةَ مِنَ النَّفَق المُظْلِم الذي يُراد لها أن تَسِيرَ فيه.
وأصبح صَبْغُ المجتمعات بمَبادئ النظام العالمي الجديد -القديم في حقيقته- أمْرًا واقعًا يُفرَض على الأمَّة، بل على عُلمائها ودُعاتها، فمَن قَبِل أن يَسِيرَ في الرَّكْب ويَدُورَ في الفَلَك ويُرَدِّدَ ما يَهْدِمُ وَلاءَ المسلمين لدينهم وتَمَسُّكَهم بشَريعتهم وأخلاقِهم؛ فهو المُقَدَّمُ المَفْتُوحُ له الأبواب! ومَن أَبَى؛ فَلَهُ الطَّرْدُ والإبعادُ والإيقافُ والمَنْعُ! فلن تَعود -عند القوم- عَجَلةُ التاريخ إلى الوَرَاء! ولن يَسمحوا -لو كان الأمر لهم- بمَن يَرجِع إلى التَّخَلُّف! الذي هو عندَهم صُورةُ المُجتمَع المسلم إبَّان الحياة الإسلامية؛ وذلك فيما يَتعلق بقضايا الوَلاء والبَرَاء -خُصُوصًا- ومَوْقِفِ الأمَّة مِن أعدائها المُحتلِّينَ لبلادها المُسيطِرينَ على اقتصادِها وسياستِها ونُظُمِ تَعليمِها وإعلامِها وقوانينِها، وكذا قَضيةِ الشَّرِيعة والتزامِها، وقَضيةِ وَضْعِ المَرْأة في المُجتمَع، وما يَتعلق بمُقرَّرات مؤتمراتهم الرَّامِيةِ إلى تخريب ما تَبقَّى من عِفَّة أو طهارة، وقَضيةِ المَرجعية في مَصَادر التشريع، وقَضيةِ المَوقِفِ مِنَ المِلَلِ الأخرى، وغَيرِ ذلك مِمَّا يُمَيِّزُ الحضارةَ الإسلاميةَ عن الغرب وأذنابِه مَنَ المنافقين.
ويَقف العلماء والدعاة حيارى أمامَ أسئلة الشباب: ماذا نصنع؟ وماذا نُقدِّم لديننا وأمتنا؟! وهم يَرَوْنَ الآلامَ والمِحَنَ تتضاعف، ويعلمون أنهم لا يملكون إلا أنفسَهم وإخوانَهم الذين لا يملكون شيئًا ماديًّا يَصنعونه! والأمَّةُ في مُفْتَرَقِ طُرُقٍ، بل حَافَّةٍ هَاوِيَةٍ وفَوْضًى وخَطَرِ تَقسيمٍ بَعْدَ التَّقسيمِ والتَّقطيعِ وفِتَنٍ ومَلاحِمَ -نسأل الله أن يُسَلِّمَنا مِنها-، ونحن على يقين مِن أن نتيجةَ الصراع محسومةٌ لصالح الإسلام وأهلِه المتمسِّكين به؛ طالَ الزَّمَنُ أو قَصُر، ومَهْمَا حاولَ الأعداءُ؛ وهم يُحاولون بمَكر الليل والنهار بلا تَوَقُّف أن يُطفئوا نُورَ الله بأفواههم: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:32 - 33).
واللهُ يُدَاوِلُ هذه الأيامَ بين الناس؛ لِيَستخرجَ مِنَ المؤمنين ما يُحِبُّ؛ مِن عِبادة الاستعانةِ والصبرِ، ولِيَعلمَ الذين آمنوا وَسْطَ أمواجِ الكفر والنِّفاق عِلْمًا يُحاسِبُهم عليه، ولِيَمتحنَ منهم الشهداءَ، ويُمحِّصَ الذين آمنوا، ويَمحقَ الكافرين -بعَدْله وحِكمته- على عُدْوَانهم وظلمِهم وبَغْيِهِم. "
فمَن قَبِل أن يَسِيرَ في رَّكْب النظام العالمي الجديد ويُرَدِّدَ ما يَهْدِمُ وَلاءَ المسلمين لدينهم وتَمَسُّكَهم بشَريعتهم وأخلاقِهم؛ فهو المُقَدَّمُ المَفْتُوحُ له الأبواب! ومَن أَبَى؛ فَلَهُ الطَّرْدُ والإبعادُ والإيقافُ والمَنْعُ
"
(يُتْبَعُ)
(/)
في آياتٍ مِن سورة يونس تأتي جُمْلَةٌ مِنَ التوجيهات القرآنية للأمَّة مِن خلال قصة موسى -عليه السلام- في مَرحلة مُشابهةٍ لِمَا فيه أمَّتُنا مِنَ البَلاء والمِحْنة؛ تَحْمِلُ الجوابَ عن السؤال المُحَيِّر: ماذا نصنع؟!
قال الله -تعالى-: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ. فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ. قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (يونس:84 - 89).
إنَّ موازينَ القُوَى ليست بأيدي البشر؛ فإنَّ الله -تعالى- هو القَوِيُّ العَزيز، وفي لحظةٍ تتبدل الأحوالُ؛ فيَمُوتُ هذا ويَمرَضُ هذا، ويُعَزُّ هذا ويُذَلُّ هذا، ويُقَوَّى هذا ويُضَعَّفُ هذا، ويُسْعَدُ هذا ويُشْقَى هذا، وكُلُّ ذلك بأوامرَ إِلَهِيَّةٍ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن:29)؛ فيَغفِرُ ذنبًا، ويُفَرِّجُ كربًا، ويَنْصُرُ مَظلومًا، ويَكْسِرُ جَبَّارًا، ويُؤْتِي المُلْكَ مَن يَشاء، ويَنزِعُهُ مِمَّن يَشاء، ويَجْمَعُ قلوبَ قَوْمٍ يُؤَلِّف بينهم بَعْدَ عَداوتِهم، ويُفَرِّقُ جُمُوعًا بَعْدَ اتفاق كَلِمَتِهِم.
وشُهودُ آثارِ أسماءِ اللهِ وصفاتِه وأفعالِه وتوحيدُه بها -الذي هو الإيمان- يَدفع العبدَ دفعًا إلى التوكل عليه وَحدَه، والاستنصارِ به وَحدَه، والاستعانةِ به وَحدَه، والتسليمِ لأمْرِه، والامتثالِ لطاعته -الذي هو الإسلام-؛ فالإسلامُ والإيمانُ يَستلزمانِ كمالَ التوكل على الله -تعالى-، ورُبَّمَا قدَّرَ اللهُ -تعالى- انقطاعَ الأسباب عن المؤمنين واجتماعَ الكفار على رَمْيهم بقوس واحدة مع قِلَّتِهم وضَعفهم؛ لِيَتمحَّصَ توكلُهم على الله -تعالى- وَحدَه مع تمسُّكِهم بمقتضيات الإيمان والإسلام؛ فهذا هو التوجيه الأول في قول موسى -عليه السلام- لقومه: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)، وتأمَّلْ تقديمَ الجارِّ والمَجرور على الفِعل والفاعل في (فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا)؛ الذي يُفيد الاختصاصَ والاهتمامَ، أي: عليه وَحدَه توكلوا؛ فهذا مِن أعظم واجباتكم. "
ونحن على يقين مِن أن نتيجةَ الصراع محسومةٌ لصالح الإسلام وأهلِه المتمسِّكين به؛ طالَ الزَّمَنُ أو قَصُر، ومَهْمَا حاولَ الأعداءُ؛ وهم يُحاولون بمَكر الليل والنهار بلا تَوَقُّف
"
ثم تأتي الأوامر الربانية للقيادة المؤمنة باتخاذ البيوت للأتباع: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا)، وتَبَوَّءَا؛ أي: اتَّخِذَا، وهذا يَحصل مِن توثيق الروابط بين أفراد الأمة وقيادتِها المؤمنة -ولو كانت تحت سُلطان الكفار في الظاهر-، وقد ظهرت ثمرة هذه الرابطة القوية عندما صَدَرَ الأمْرُ الإلهي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (الشعراء:52)؛ فتحرَّك بنو إسرائيلَ -وهم يومَئذ يُقدَّرون بمئات الألوف أو عَشَرَاتِها على أدنى تقدير- معهم أُسَرُهم وزوجاتُهم وأبناؤهم وبناتُهم وعجائزُهم، بل ورُفَاتُ بعض مَوْتاهم! ولولا هذا الترابط لما أمكن هذا التحرك.
ولو تأملتَ نجاحَ طالبان في المُقاومة الرائعة المشرِّفة للاحتلال؛ لوَجدتَ مِن وراء ذلك وَحْدَةَ القِيادة، نسأل الله أن يَجمع كلمتَهم على الحق، وأن يُنزل عليهم نصرَه وتأييدَه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولو تأملتَ حال الأمة أيامَ تحرير المسجد الأقصى مِنَ الصليبيين؛ لوَجدتَ أنَّ وَحْدَةَ القِيادة والروابطَ الوَثيقةَ بين الأمَّة وقيادتِها -مُتمثلةً في نور الدين محمود ثم صلاح الدين -رحمهما الله- مِن أعظم أسباب النصر. أما إذا كُنَّا لا نزال في مَرحلة (أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ) (البقرة:247)؛ فما يَزال أمامنا طريقٌ طويل قبل التحرُّك المطلوب! فهل نَعِي هذا الدرسَ العظيمَ؟!
ثم يأتي التوجيه الثاني: (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً)؛ وفيه تفسيرانِ كلاهما حَقٌّ:
الأول: صَلُّوا في بُيوتكم؛ حيث عَجَزُوا عن المساجد.
الثاني: اجعلوها يُقابِل بَعضُها بَعضًا.
فالأول: إقامة الصلاة، وقد أتى بعد ذلك صَرِيحًا في قوله -تعالى-: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)؛ فيكون توكيدًا لهذا المعنى أو تأسيسًا له لو حُمِلَتْ الآيةُ على المعنى الثاني، فالصلاة أعظم واجبات الإسلام بعد الشهادة بالتوحيد والرِّسالة، وهي مَفزَعُ النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَهُ أمْرٌ، وهي مِفتاحُ أنواع الخير، ومَحَلُّ الدعاء والاستغاثة بالله -تعالى-، ومَحَلُّ تدبُّرِ آياتِ القرآن وفَهمِ أوامرِه وتوجيهاتِه، ومَحَلُّ الاستنصارِ ونُزولِ المِنَنِ والهِبَاتِ الإلهيةِ على عِباده، ولقد وَقَفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طِيلةَ ليلةِ بدر تحتَ شجرة يُصلِّي حتى وُهِبَ النصرَ، ووَقَفَ يُصلِّي ليلةَ الأحزاب طَوَالَ الليل حتى نَزَلَ النصرُ، ووُهِبَ زكريا -عليه السلام- يحيى وهو قائمٌ يصلي في المحراب، فالصلاة قُرَّةُ عين المؤمن، بها يَتغيَّر وَجه العالم، فهل قُمنا بذلك وغيَّرنا مَوازينَ الحياة؟! هل وَعَيْنا الدرسَ؟!
والمعنى الثاني: واجعلوا بيوتكم يُقابِل بَعضُها بَعضًا؛ فهذا فيه تَرَابطُ أفراد الأمَّة بَعضُهم ببعض؛ فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بَعضُه بَعضًا، والمؤمنون كالجسد الواحد، والتَّجاورُ في المَساكن والتَّزاورُ وتفقُّدُ الأحوال إنما يَرمِي إلى تحقيق هذا الهدف وإزالةِ ما يُمكِن أن يوجد مِن اختلافات وتفرُّقات ومُنازعات.
إنَّ قوةَ الترابط بين أفراد الأمة وقِلَّةَ التنازع لهو سِمِةٌ ضروريةٌ للطائفة المؤمنة المُهَيَّأَةِ للتمكين، أفتَرَونَ أمَّةً تتنازع وهي في مرحلة الاستضعاف؛ ماذا يصنع بعضُها ببعض إذا مُكِّنَ لها وعند وجود السلطان والمال والسلاح؟! إذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يَخشى على أصحابه الذين رباهم على عَيْنه أن تُفتَح عليهم الدنيا، فيتنافسوها كما تنافسها مَن قبلَهم؛ فتهلكهم كما أهلكتهم؛ فما تَرَوْنَ فيمن بَعدَهم ممَّن لم يَتَرَبَّ مِثلهم، ولا أَخلَصَ مِثلهم، ولا صَدَقَ مِثلهم؟!
إنَّ ضَعفَ الروابط بين الأفراد وكثرةَ المنازعات مِن علامات إرادة الدنيا وضعفِ الإخلاص والصدق؛ ممَّا تكون مصلحة الأمَّة فيه أن تبقى في فترة الإحراق ولا تتحول إلى فترة الإشراق؛ لأن فترةَ المِحنة تؤدي إلى خُمود الأمراض، وفترةَ التمكين تؤدي إلى ظهور الأعراض لهذه الأمراض.
فهل نعي الدرس ويُحِبُّ بعضُنا بعضًا، ويَحتمل بعضُنا بعضًا، ويَرحَم بعضُنا بعضًا، ويُشفِق بعضُنا على بعض، ويَنصَح بعضُنا بعضًا، ويَقبَل كلٌّ منا نصيحةَ الآخَر، ونُحقِّق الأخُوةَ التي يَزول معها البُؤس بما يَفعل الأعداءُ (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (يوسف:69)، أم ما زال بعضُنا يُوالي أعداءَ أمته على حساب إخوَتِه؟!
ثم يأتي التوجيه الثالث: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ): للتوكيد على المعنى الأول، أو لتأسيس هذه الضرورة للطائفة المؤمنة في كل أوقاتها، وقد سَبَق بيانُه وأهميتُه. "
إنَّ ضَعفَ الروابط بين الأفراد وكثرةَ المنازعات مِن علامات إرادة الدنيا وضعفِ الإخلاص والصدق
"
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم يأتي التوجيه الرابع: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ): وهذا الأمر من أعظم الأمور أهمية، خُصُوصًا في فترات الشدة والضيق التي قد يَتسلل اليأسُ فيها إلى القلوب؛ لِيَقطعَ على السائرين إلى الله طريقَهم، والبِّشَارةُ مُهمَّة الرسل الكرام -صلوات الله وسلامه عليهم-؛ قال -تعالى-: (رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (النساء:165)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) (الأحزاب:45 - 46)، وهي مُهِمَّةٌ وَرِثَهَا أهلُ العلم عنهم؛ ليقوموا بها في الأمة حتى تستمر مسيرتُها مُوقنةً بوَعد الله.
وإذا كان الأعداء يَخترعون التكهُّنات ليحافظوا على مسيرتهم رغم ثبوت كذبِها وخُلْفِها، وما تكهُّنُ أَحَدِ حاخاماتهم بأن يكون يومُ 16 - 3 - 2010م يومَ بناء الهيكل الثالث إلا واحدًا مِن هذه التكهنات الكاذبة الباطلة التي لم تقع، وحاولوا أن يجعلوها رمزًا يَستنهِضون به عزائمَ اليهود في العالم نحو هدم الأقصى؛ فالمسلمون هم أصحاب الحق في بشارات الخير والنصر التي يمتلئ بها القرآنُ، وتمتلئ بها سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وعلى الدعاة إلى الله أن يُكثروا مِن ذِكرها في خُطبهم ودروسهم؛ لأن اليأس يَدفع الكثيرين للاستسلام للواقع وقَبول التبعية للأعداء والرِّضا بموالاتهم؛ وهذا يُفسِّر كيف صار مناضلو الأمس الذين كانوا يريدون إلقاء إسرائيلَ في البحر حلفاءَها اليومَ في قَمْع ذويهم وإخمادِ ثورتِهم، بل تعذيبِهم وانتهاكِ حُرُماتِهم، بل سَفْكِ دمائهم مِن أجل الأعداء!
ومِن هذه المُبَشِّرَات: قولُه -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (الأنفال:36 - 37).
وقوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (الفتح:28)،.
وقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171 - 173).
وقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ. إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ) (الأنبياء:105 - 106).
وقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:20 - 21).
وقوله -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (النور:55).
وقوله -تعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49).
وقوله -تعالى-: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:128 - 129).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومِنَ السُّنَّة المُطَهَّرَة: قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ) (رواه مسلم). "
هل عَلِمتم لماذا نحن مُتَحَيِّرُونَ فيما نصنعه؟ وهل أدركتم أنَّ عَدَمَ قيامنا بواجب وقتنا كأمَّة سَبَبٌ لغَلْق أبوابٍ مِنَ القُدْرَة والبَصِيرة؛ لن تُفتَح إلا إذا بدأنا الصُّعودَ وسِرْنَا على الطريق؟
"
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) (رواه مسلم).
وفي الحديث الآخَر: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ) (متفق عليه)، وفي رواية: (لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ) (رواه مسلم)، وكُلُّهَا في الصحيح، وفي رواية: (لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
وسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ "، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً)؛ يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وغَيْرُ ذلك كِثِير.
ومِنَ المُبَشِّرَاتِ: النَّظَرُ في سُنَنِ الأنبياء والمُرسَلين؛ فسُنَّةُ الله في كَسْر الجَبَّارِينَ ونَصْرِ المُستضعَفينَ مَعلومةٌ ... لا تبديلَ لسُنَّة الله؛ (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) (فاطر:43)، وازديادُ الظلم والبَغي والعُدْوانِ مُؤْذِنٌ بِقُرْبِ هَلاك المُجرِمين الظالمين.
ثم ذَكَرَتْ الآياتُ توجيهًا ضِمنيًّا في دعاء موسى وهارون -عليهما السلام- وقَبْلَ ذلك دعاء المؤمنين: (عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)؛ فالدعاءُ مِن أعظم الواجبات، ومِن أهم أسباب النصر والفَرَج، ولرُبَّمَا بدعوة صادقة في وقت إجابة تتغير الحياةُ على وَجه الأرض!
وفي قول موسى -عليه السلام-: (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) استحضارُ مُلْكِ الله -سبحانه-، وأنه هو الذي يُؤتي مَن يَشاء ما يَشاء؛ ففِرعونُ ومَلَؤُه لم يَأتوا بالزينة والمال والسلطان مِن عِندِ أنفسِهم؛ بل هو إيتاءُ اللهِ لهم ابتلاءً وامتحانًا لعباده، واللامُ في قوله: (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) هي لامُ العاقبة، أو لامُ التعليل لفِعل الله -سبحانه- بعلمه وحكمته، وهذا أقرب؛ فليست لامَ التعليل لبيان الحكمة الشرعية، بل لامُ التعليل للأمْر القَدَريِّ الكَوْنِيِّ؛ فالله هو الذي قَدَّرَ وجودَ مَن يُضِلُّ عن سبيله، ولو أراد أن يَمنعهم عما يُضِلُّونَ به الناس لَمَنَعَهُمْ؛ ولكنْ هو الذي يَجْعَلُ، وهو الذي يَخلُقُ أفعالَ العِباد؛ كما في دعاء المؤمنين: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)؛ فالفتنة مِن قَدَرِ الله على الوَجهين؛ فعلى التفسير الأول؛ أي: لا تجعلهم يَفتوننا عن ديننا، وعلى الثاني؛ أي: لا تجعلنا فتنةً لهم بأن يَظنُّوا أنهم على الحق إذا هزمونا. واستحضارُ هذه المعاني يُصَغِّرُ الخلقَ في قلب
(يُتْبَعُ)
(/)
العبد، ويُعَظِّمُ أمرَ ربه، ويُكبِّرُه تكبيرًا، فيَتحقق له ما أمر به مِن كمال التوكل والتفويض إلى المَلِك الحَقِّ -سبحانه-.
ثم الدعاء على الكافرين مِن أعظم أسباب هلاكهم ومَحْقِ مَكرِهم وأن يَرتدَّ كَيدُهم عليهم؛ (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) (فاطر:43)؛ فتصبح الأموالُ المُنفَقةُ في الصَدِّ عن سبيل الله هَبَاءً مَنثورًا، ومَن عَلِمَ اللهُ مُوافاتَه إياه على الكفر يكون الدعاء عليه بالهلاك سَبَبًا في نَيْلِ جزائه وعقابه.
واليقين بإجابة الدعاء مِن أسباب إجابته؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال الله -تعالى- لموسى وهارون -عليهما السلام-: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا)، وَوَرَدَ بصيغة الماضي رغم أنه لم يتحقق بَعْدُ على أرض الواقع؛ إلا أنَّ أمْرَ الله نافذٌ يَقينًا؛ فكأنه في حِسِّ المؤمن قد كان بِلا فَرْقٍ: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (النحل:1).
ثم يأتي توجيهان عظيمان يَحتاج إليهما المؤمنون دائمًا في فترات المحن، بل في كل حين:
الأول منهما: الاستقامة؛ ففترات الشدة تحصل فيها أنواعٌ مِنَ الانحراف عن الجادة، خُصُوصًا إذا طالت؛ فلابد مِنَ الثبات والصبر والاستمرار على نفس الطريق الذي أَيْقَنَ المؤمنون بأنه صراطُ الله؛ بما بَيَّنه اللهُ لهم مِن وَحْيه، دون نَظَر إلى النتائج، ولو لم يَلُحْ في الأُفُقِ شيءٌ مِنَ النور؛ فالنهارُ طالعٌ لا مَحَالةَ، والنورُ آتٍ بلا شك، والليلُ سوف يَضمحِلُّ قطعًا؛ فعَلامَ التَّلَوُّنُ؟! وعَلامَ الرجوعُ إلى الجاهلية؟! وعَلامَ الانحرافُ بَعْدَ الاستقامةِ؟!
الثاني: تَرْكُ اتباع سبيل الذين لا يَعلمون؛ لأن الانحراف عن الصراط المستقيم يَستلزم قَبولَ أهواء أهل الباطل وجهالاتِهم وآرائِهم؛ قال الله -تعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) (الجاثية:18 - 19).
فاتِّبَاعُ أهواء أهل الجاهلية -ولو كان طلبًا لنفعهم أو دفعًا لضَرَرِهم- لا يُغني عن العبد مِنَ الله شيئًا؛ إذ هو وَحْدَه مالكُ النَّفع والضَّرِّ، واتباعُهم هو مُوالاةٌ لهم تُلحِق العبدَ بالظالمينَ وتَجعلُه منهم، وتُفقِدُه وَلايةَ اللهِ؛ إذ هو -سبحانه وتعالى- وَلِيُّ المُتَّقِين. وإذا كان المؤمنُ مَنْهِيًّا عن اتباع سبيل الذين لا يعلمون؛ فإنَّ كَوْنَه مِن الذين لا يَعلمون مَنْهِيٌّ عنه بالأَوْلَى والأَحْرَى؛ فلابُد مِنَ العلم بالوَحي المُنَزَّل؛ حتى يَتخلَّصَ الإنسانُ مِن الجهل، ويُميِّزَ بين سبيل أهل الجهل وسبيلِ أهل الحق، والعِلْمُ النافعُ هو العلم الذي في القلب، لا مُجَرَّدَ الذي على اللسان -والله المستعان-.
إخوةَ الإسلام:
هل عَلِمتم لماذا نحن مُتَحَيِّرُونَ فيما نصنعه؟ وهل أدركتم أنَّ عَدَمَ قيامنا بواجب وقتنا كأمَّة سَبَبٌ لغَلْق أبوابٍ مِنَ القُدْرَة والبَصِيرة؛ لن تُفتَح إلا إذا بدأنا الصُّعودَ وسِرْنَا على الطريق؟
اللهُمَّ مُنْزِلَ الكتاب، ومُجْرِيَ السحاب، وهازمَ الأحزاب، سريعَ الحساب؛ اهزمِ اليهودَ والنصارى والمنافقين وسائرَ الكَفَرَة والظالمين، وزَلْزِلْهُمْ، وانصرنا عليهم، وهَيِّئْ لأمتنا أمْرَ رُشْدٍ، وَوَلِّ أُمُورَنا خِيَارَنا، ولا تُوَلِّ أُمُورَنا شِرَارَنا.
ربَّنا اغفرْ لنا ذنوبَنا، وإسرافَنا في أمْرِنا، وثَبِّتْ أقدامَنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
www.salafvoice.com (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف ( http://www.salafvoice.com/)
المصدر:صوت السلف ( http://http://www.salafvoice.com/moshrefarticles.php?a=4140&back=aHR0cDovL3d3dy5zYWxhZnZvaWNlLmNvbS9tb3NocmVmL nBocA==)
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[07 Jun 2010, 10:34 ص]ـ
ما شاء الله كلام جميل وموفق
وقدرة على توظيف الآيات والربط بين المعاني المختلفة في موضوع واحد
شكر الله لك أخي خالد ولشيخك
ـ[هاني درغام]ــــــــ[08 Jun 2010, 12:10 ص]ـ
جزاكم الله خيرا كثيرا(/)
الأيدي الخفية والمفسدون في الأرض
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[07 Jun 2010, 04:28 م]ـ
يقول الحق تبارك وتعالى:
(وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) سورة الأنعام (55)
من يدفع لهولاء:
سبق- القاهرة- متابعة: ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على مجموعة من أتباع الطريقة "الأحمدية القاديانية"، ونسبت إليهم التحقيقات اتخاذ مكان في منطقة المقطم لإقامة شعائر الحج، مما يعد مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية والسنة، في القضية التى تحمل رقم 357 حصر أمن دولة عليا لسنة 2010.
وذكرت صحيفة "المصري اليوم" أن المجموعة تم القبض عليها أوائل أبريل الماضى بقيادة خالد عزت عبد السميع ومحمد حاتم محمد حلمى الشافعى.
وحسب التحقيقات فإن المجموعة تهدف للترويج لأفكار الطريقة المخالفة لصحيح الدين الإسلامى في أوساط مخالطيها، بقصد إثارة الفتن وازدراء الدين الإسلامى وتكليفها عدداً كبيراً من العناصر التى تم القبض عليها بنشر أفكار هذه الطريقة.
وأفادت مذكرة الاتهام أن المجموعة نشرت أفكاراً متطرفة، منها الادعاء بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس خاتم الأنبياء، وأن الوحى ينزل على مؤسس الجماعة ومن يخلفه ومؤسس الجماعة هو غلام أحمد القاديانى، وتعتبره الطريقة المهدى المنتظر والمسيح الموعود، الذى سيبعث في نهاية الزمان من قبره بمدينة قاديان الهندية، كما تروج المجموعة إلى أن فريضة الحج تكون لقبر القاديانى بالهند وليس إلى الكعبة المشرفة بمكة.
كما أنها تنكر الأحاديث النبوية لكونها تخالف معتقدات الجماعة، وعدم جواز الصلاة خلف المسلمين، واقتصار صلواتهم على مساكن عناصر الجماعة بالمقطم، وتكفير كل من لا يؤمن بأفكار الطريقة القاديانية الأحمدية.
وتابعت المذكرة أن فكر المجموعة يعتمد على مؤلفات مؤسس الجماعة واستخدام قناة MTA الفضائية في نشر هذا الفكر المغلوط.
وأضافت أن المجموعة تعتمد في تمويلها على جمع التبرعات والاشتراكات الشهرية وتحصيل نسبة 1/ 16 من دخل عناصرها، وتعقد اللقاءات الأسبوعية في حى المقطم لأداء صلاة الجمعة داخل إحدى الشقق والاستماع إلى خطب أمير الجماعة الحالى عن طريق شبكة الإنترنت.
وأشارت التحقيقات إلى أن أجهزة الأمن ألقت القبض على المجموعة، التى قسمت نفسها على مستوى الجمهورية.
كانت نيابة أمن الدولة العليا بدأت تحقيقات سرية مع المجموعة الأيام الماضية، وأفرجت عن بعض المتهمين، فيما أفرجت محكمة جنوب القاهرة عن 3، إلا أن أجهزة الأمن لم تفرج عنهم حتى هذه اللحظة.
http://www.sabq.org/sabq/user/news?section=5&id=11027
ـ[يسري خضر]ــــــــ[22 Jun 2010, 09:13 م]ـ
لقد قال علماء الإسلام في المشارق والمغارب كلمتهم في طائفة القاديانية منذ نشأتها وفي عهد مؤسسها المدعو غلام أحمد القادياني، ويبقي دور ولاة الامر -وفقهم الله وأعانهم - لحراسة الدين وسياسة الدنيا به،فإن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن. ونسأل الله يحفظ بلادنا من الفتن والبدع.(/)
إعجاز القرآن عند أبي العلاء المعري:
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[26 Jun 2010, 06:37 م]ـ
يحكي بعض المترجمين لأبي العلاء المعري أنه حاول معارضة القرآن!! وهي حكاية غريبة جدا، ومستبعدة جدا؛ فكيف لشخص عارف بدقائق اللغة ومتعمق في أسرار العربية كأبي العلاء أن يبلغ به الحمق أو الجنون أن يحاول معارضة القرآن الذي تحدى الله به الإنس والجن فعجزوا عن الإتيان بمثله، بل بعشر سور، بل بسورة واحدة، بل بآية مثله؟! "قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن ياتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا".
على أني لم أقف لسند صحيح يثبت هذا الخبر عن المعري، بل الذي وقفت عليه للمعري هو كلامه هو نفسه في كتابه: "رسالة الغفران" عن إعجاز القرآن، وهو كلام يوضح فيه بما لا يقبل مجالا للشك رأيه في إعجاز القرآن، ويؤكد الحقيقة المجمع عليها، وهي أن القرآن كتاب معجز يستحيل الإتيان بمثله، وأنه قد وصل من الفصاحة والبلاغة وقوة التأثير إلى درجة معجزة للبشر ومتفوقة على كل الأصناف الأدبية، ويتضح الفرق جليا بين كلام الخالق وكلام المخلوق حينما نجمع في سياق واحد بين آية من كلام الخالق وجملة أو جمل من كلام المخلوق، يقول المعري (رسالة الغفران: 472 - 473):
"وأجمع ملحد ومهتد، وناكب عن المحجة ومقتد، أن هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم كتاب بهر بالإعجاز، ولَقِيَ عدوَّه بالإرجاز، ما حُذِيَ على مثال، ولا أشبه غريب الأمثال، ما هو من القصيد الموزون، ولا الرجز من سهل وحزون، ولا شاكل خطابة العرب، ولا سجع الكهنة ذوي الأرب، وجاء كالشمس اللائحة، نورا لِلمُسِرَّة والبائحة، لو فهمه الهضب الراكد لتصدع، أو الوعول المُعْصِمَة لَرَاقَ الفادرة والصَّدَع: "وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون". وإن الآية منه أو بعض الآية لتعترض في أفصح كَلِم يقدر عليه المخلوقون فتكون فيه كالشهاب المتلألئ في جنح غسق، والزهرة البادية في جدوب ذات نسق. "فتبارك الله أحسن الخالقين".
شرح الغريب:
الإرجاز: من "الرجز" وهو: ارتعاد يصيب البعير أو الناقة فيعجزها عن القيام.
الفادر: الوعل العاقل في الجبل، وهو المسن أو الشاب التام من الوعول، والفادرة أيضا: الصخرة الصماء العظيمة في رأس الجبل.
الصَّدَع: من الظباء والوعول: الفتى القوي، وقيل: هو الوسط من الوعول ليس بالصغير ولا بالكبير.
المصدر:
رسالة الغفران – تأليف: أبي العلاء المعري – تحقيق: د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) – دار المعارف – مصر – ط 7 – 1397هـ/1977م.
ـ[الجشتمي]ــــــــ[26 Jun 2010, 08:17 م]ـ
الأظهر أن كل ذلك كان منه ... فأبو العلاء و امثاله من المتذبذبين - خلاف من خرجوا الى الكفر الصريح و اعلان الحرب و المحادة كابن الراوندي و غيره- ما كانوا يثبتون على قدم واحدة ... فمرة ينخر الشك و الألم عظامه فيحط على كل ما يظنه سببا له ... ثم لا يلبث ان يأخذ الحق بخناقه فيعود للاعتراف به و التسليم بالحاجة الى ظله ... و الله أعلم على ما مات و بعض الروايات مشعرة بأنه فاء
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[26 Jun 2010, 11:19 م]ـ
أبو العلاء رحمه الله تعالى مفكر مسلم عميق ليس من السهل تحديد معالم اعتقاده، وهكذا شأن كبار الفلاسفة والمفكرين حتى قال برتراند راسل عن ديكارت سنظل إلى قيام الساعة لا نتيقّن هل كان مؤمنا أم كان يجاري الوضع العام للتفكير في عصره.
ومن أحسن من وصفه الباخرزي (ضرير ليس له في الأدب ضريب، مكفوف في قميص الفضل ملفوف، طال في دوحة الإسلام آناؤه ولكن ربما رشح بالإلحاد إناؤه. وعندنا خبر بصره والله اعلم ببصيرته)
وقوله الأخير يشبه قول راسل في ديكارت. أما قوله ولكن ربما رشح بالإلحاد إناؤه فيعني ما يصدر من المعري أحيانا من تشكيك في النبوات، وإن كان لا يشك في الله تعالى.
ومن أقواله
قالت معاشرُ كلّ عاجز ضرعُ =ما للخلائق لا بطء ولا سِرعُ
مدبرون فلا عتب إذا خطئوا =على المسيء ولا حمد إذا برعوا
وقد وجدت لهذا القول في زمني =شواهدا ونهاني دونه الورع
وقال مستنكرا للقرامطة
إذا وفتْ لتجار الهند طائفةٌ =فاجعل مع الله في دنياك مُتّجرا
ودينُ مكةَ طاوعنا أئمته =دهرا فما بال دين جاء من هجرا
والسعدُ يدرك أقواما فيرفعهم =وقد ينال -إلى أن يُعبد -الحجرا
(يُتْبَعُ)
(/)
وشرفت ذات أنواط قبائلها =ولم تباين على علاتها الشجرا
وهو محق من الناحية الفلسفية في بيانه عدم تساوي أدلة وجود الله مع أدلة النبوة، رغم أنه كان مؤمنا بالنبوة في معظم أحيانه. لأن دليل وجود الله دليل استقرائي موجود في طبيعة العقل البشري أن يستقري من كون كل شيء له أصل أن يعزو الوجود إلى موجد لا يمكن تكراره لأنه يؤدي إلى الدور. ولا تعدده لأنه يؤدي إلى تصادم الإرادات والفساد وهذه أدلة عرضها القرآن الكريم وحث الناس على إعطائها الأولوية التي تستحقها. لكن أدلة النبوة تحتاج معجزة تخرق قوانين العقل نفسه، وهي تصبح تاريخا إذا لم يشهدها الإنسان بنفسه، باستثناء المعجزة الوحيدة الباقية وهي القرآن الكريم، التي أحسّ النبي صل1 بتميزها عن سائر المعجزات فقال وإنما كان الذي أعطيتُه وحيا فأرجو أن أكون أكثرهم تبيعاً
وأبو العلاء من المنفعلين بالقرآن ولكنّه ذا عقلية علمية تُشبه عقلية فلاسفة الإغريق وعقلية ابن حزم والمعتزلة وبعض فلاسفة الإسلام لكنّ له ميزة على غيره بانفعاله بمعنى الوجود وجدية الحياة أن صام أربعين سنة وامتنع عن كل ما يؤذي الحيوان بحثا عن العدالة القصوى.
ويصدق كريمر حين قال إنه من أعاظم الأخلاقيين على مدار التاريخـ وأنه كان سابقا لعصره بمراحل.
ومن وجهة نظري المتواضعة أنه أكثر من أديب بمعنى أن فلسفته تصلح لبناء دولة على أرقى مستوى من الإنسانية والقيم العليا. ويؤسفني أنه رغم أن العصر الحديث قد أعاد له الاعتبار بعد التشويه الذي قام به علماء الإسلام لأنهم نقلوا آراء ابن الجوزي فيه وكرروها كما أثبت ذلك الكتاب القيم الذي جمعه جماعة من الفضلاء بإشراف طه حسين وسموه (تعريف القدماء بأبي العلاء)، إلا أن الأمة ما تزال بعيدة عن فلسفة أديبها الكبير والمعلم الحقيقي شاعر الإنسانية في جميع العصور.
ومن جيد ما قيل فيه من الشعر قول العراقيين الجواهري والرصافي
قف بالمعرة وامسح خدّها التربا = واستوح من طيّب الدنيا بما وهبا
واستوح من ملأ الدنيا بحكمته= ومن على جرحها من روحه سكبا
وللحوادث حالات وأفجعُها =أن تبصر الفيلسوف الحر مكتئبا
لدولة الفكر تاريخ يحدثنا =بأنّ ألفَ "مسيحٍ "دونَها صلبا
رغم أن المسيح صل1نفسه لم يقتل ولم يصلب ولكن شبه لهم بل رفعه الله إليه.
وقال الرصافي
حيهل أيها الملا =نحي ذكرى أبي العلا
شاعر شعره اجتلى= صورا كلها غرر
هو بالفكر مذ سما =كان من نوره العمى
شاعر الأرض والسما =شارف الشمس والقمر
حل في ذروة الأب =آتيا منه بالعجب
لا تقل شاعر العرب= إنه شاعر البشر
جعل الحق ذوقه= باذلا فيه طوقه
شاعر ليس فوقه= شاعر من بني البشر
كوكب قد توقدا =في سماء من الهدى
عندما غمه الردى= اظلم الجو واعتكر
وأهم كتبه على الإطلاق ديوانه الفلسفي لزوم ما لا يلزم الذي اختصره الناس باسم اللزوميات، وقد دافع عن بعض ما قاله فيه في كتاب أسماه - حاشى القارئ- بـ"ـــزجر النابح"، وهو وإن لم يصل إلينا إلا أن قسطاً كبيرا منه قد وجده الدكتور أمجد الطرابلسي رحمه الله على هامش مخطوط للزوميات قديم في مكتبة لندن. وهذا السفر هو الذي عناه الرصافي مادحاً
خطّ سفراً به ابتغى = غنيةَ الروح بالرغى
جامعا أفصح اللغى = حاويا أكبر العبر
شعره شفّ عن دها= ماله فيه منتهى
بمعانٍ هي النهى= ومبان هي الدرر
ولا شك عندي أنه من أولياء الله الصالحين رغم ما كان يعتري نفسه المتفكرة من شكوك في جدوى الوجود.
عفا الله عنه وتغمده في الصالحين.
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[27 Jun 2010, 01:45 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الهدف من كتابة هذا الموضوع هو إثبات شهادة المعري واعترافه بإعجاز القرآن، وهي شهادة لها وزنها من رجل متخصص في الدراسات اللغوية والأدب العربي، وحتى لو كان ملحدا – والعياذ بالله - فهذا لا ينقص من قيمة هذه الشهادة، بل ربما يزيد في قيمتها؛ فشهادته هنا هي كشهادة الوليد بن المغيرة في قوله في وصف القرآن الكريم: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر".
(يُتْبَعُ)
(/)
وما زال الناس مختلفين في المعري؛ وسبب اختلافهم هو أن شعره حافل بالتناقض ولا يكاد المرء يخرج منه بنتيجة محددة، والروايات عنه مختلفة كذلك؛ لأنه كان في ما يظهر يستعمل التقية ويجمجم ولا يصرح باعتقاده، وليس غموضها هذا منقبة له، وإنما يدل على جبن وخور وتذبذب ونفاق، وليس كل ذلك من أخلاق العقلاء في شيء، ولا يصح اعتبار من هذا شأنه نموذجا أخلاقيا. وإذا راجعنا تراجمه في مؤلفات علماء الإسلام (كابن الجوزي والسلفي والذهبي والصفدي وياقوت) نجد أنهم قد أنصفوه إنصافا بالغا، وحكوا كل ما قيل فيه، ولم يقولوا عنه إلا ما يشهد به شعره. (انظر كتاب: أبو العلاء وما إليه – تأليف: عبد العزيز الميمني الراجكوتي – دار الكتب العلمية – بيروت – ط 1 – 1403هـ/1983م). ولا عبرة بتعديل الزهاوي للمعري، لأن الزهاوي كان ملحدا متناقضا.
والمعري لم تكن له فلسفة خاصة، ولم يؤلف كتبا فلسفية، وإنما بث بعض آرائه وتأملاته في أثناء "اللزوميات" و"سقط الزند"، وقد كان نباتيا وله خواطر عن الحياة والناس، وكل هذا لا يعبر عن فلسفة خاصة ولا يجعل منه فيلسوفا، كما يقول د. يحيى شامي بعد أن عرف الفلسفة عدة تعريفات: "أقول إن كانت الفلسفة هذا كله أو بعضه فإن أبا العلاء بعيد من نسبة الفلسفة إليه، وذلك لأن الرجل وبصفته شاعرا في الأصل بطبعه وإحساسه ومزاجه، أوغل في العاطفة والانفعال، وأطلق لخياله ولحسه المستوفز العنان، فلم يتوفر على الأفكار وصوغها وتمحيصها وتحليلها تحليلا منطقيا بحيث تجري في نسق محكم النظام، مبوب البناء ثابت الأساس". (أبو العلاء المعري: 170 – ط دار الفكر العربي بيروت – ط1 – 2002م). ولا يستحق المعري أيضا مكانة متقدمة بين الأدباء؛ فأدبه متكلف مثقل بأنواع البديع وحوشي الكلام.
والدولة المثالية لا يمكن أن تبنى إلا على مبادئ كتاب الله (وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهي المبينة للقرآن الكريم)، "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". أما أقوال المعري فهي قسمان: قسم هو حكم صحيحة موافقة للكتاب والسنة وهذا القسم لا نحتاج إليه في بناء الدولة؛ لأن الكتاب والسنة يغنيان عنه، وقسم مخالف للكتاب والسنة، فهو كفر وباطل يجب نبذه، وهذا القسم كذلك مخالف للمبادئ العقلية الصحيحة؛ فهو يقوم على الإلحاد والتشاؤم وكره الحياة ومعاداة البشرية والانقطاع عن النسل.
ووجود الله سبحانه وتعالى ثابت بالأدلة القطعية، وصدق الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – كذلك ثابت بالأدلة القطعية، وهما في مستوى واحد من حيث الثبوت وقوة الأدلة، كما تشهد بذلك قواطع العقول وسواطع النقول.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Jun 2010, 05:54 ص]ـ
حوارٌ مُمتعٌ أشكرُ كلَّ مَن شارك فيه.
وقد نُشر من قبلُ في ملتقى أهل التفسير بعضُ الموضوعات التي تناولت شيئاً من هذه القضية تجدونها هنا:
- تبْرئة أبي العلاء من معارضة القرآن لنايف الزهراني ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=3434).
- الفصول والغايات ليس في محاذاة السوروالآيات لابن الشجري ( http://tafsir.net/vb/showthread.php?p=19646#post19646).
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[27 Jun 2010, 06:02 ص]ـ
الأخ أحمد كوري مرحباً
تعمدت أن أضرب صفحا عن لب الموضوع ولا أعرج على كتاب الدلالات الذي طبع على أنه في الحكم والمواعظ وقيل إنه في معارضة السور والآيات، وكنت أنوي أن أضيف ملحقا للمقال الذي كتبته فيالإشادة بأبي العلاء رحمه الله.
وما إخالك تغفل أن آراء الرجال التي أوردتها فيه لا تلزمني بشيء ولاسيما أني قد قرأت شعره بنفسي وكونت رأيي الخاص عنه في سنين عديدة. وما يغفل مثلكم عن أن كونه فيلسوفا أو لا أمر نسبي فقد قالت الموسوعة الفلسفية عن هايدغر وبهذا النوع من المنطق أو بالأحرى انعدام المنطق بإمكان هايدكر أن يثبت أي شيء. ونحن نعد في الفلاسفة من لم يصلنا منه إلا شذرات شعرية فلسفية من فلاسفة اليونان فهذا أمر مرتبط بعصره. وعندي أن المعري فيلسوف حقيقي ومعلم كبير وما أفرض رأيي على أحد.
ولكن ما يستوجب ردا عليكم بوصفكم أستاذا لا قارئا عاديا هو قولكم
.
ووجود الله سبحانه وتعالى ثابت بالأدلة القطعية، وصدق الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – كذلك ثابت بالأدلة القطعية، وهما في مستوى واحد من حيث الثبوت وقوة الأدلة، كما تشهد بذلك قواطع العقول وسواطع النقول.
فهذا إن كنت تعني أننا مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله فنعم نحن والحمد لله مؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولكن قولك إنهما سواء من حيث الأدلة مصادرة غير فلسفية وقد بينت سبب كونهما غير سواء من حيث القوة حتى إن القرآن الكريم قال إنهما ليسا سواء من حيث القطع فقال تعالى (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد) فكونه من عند الله هو رسالة الإسلام أن يؤمن البشر بها، وليس كونه من عند الله بقطعية كون الله حق في العقل بل في قلب المؤمن. وهذا مما لا أحسب عالما أو منطقيا أو مدركا لمبادئ العقل يكابر فيه، وقد تكون انفعلتَ بسبب ما رأيته مبالغة في الإشادة برجل لا تكن له ما أكنّ فقادك امتعاضك إلى أن تساوي بين قضيتين ليستا متساويتين بنص القرآن. وأنا هنا ضيفك ولا أماريك ولكني أحاورك فيما حاورتني فيه
والله من وراء القصد
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ام الزين]ــــــــ[28 Jun 2010, 01:38 م]ـ
http://img405.imageshack.us/img405/6632/1004ks.gif
http://www.el7yaah.com/vb/avatars/u205.html?dateline=1258146220 (http://www.el7yaah.com/vb/member205.html)
http://slaw.unblog.fr/files/2008/06/salam.gif الإعجاز
الإعجاز: إثبات العجز، والعجز: ضد القدرة، وهو القصور عن فعل الشيء.
ب-تعريف المعجزة: هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة. يظهر على يد مدعي النبوة موافقاً لدعواه.
ج-شروط المعجزة.
1 - أن تكون المعجزة خارقة للعادة غير ما اعتاد عليه الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية.
2 - أن تكون المعجزة مقرونة بالتحدي للمكذبين أو الشاكين.
3 - أن تكون المعجزة سالمة عن المعارضة، فمتى أمكن أن يعارض هذا الأمر ويأتي بمثله، بطل أن تكون معجزة.
د-الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر
قد يكرم الله تعالى بعض أوليائه من المتقين الأبرار بأمر خارق يجريه له، ويسمى ذلك: الكرامة.
وثمة فرق شاسع بين المعجزة والكرامة، لأن الكرامة لا يدعي صاحبها النبوة، وإنما تظهر على يده لصدقه في إتباع النبي. لأن هؤلاء الأبرار ما كانت تقع لهم هذه الخوارق لولا اعتصامهم بالاتباع الحق للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا يبين لنا أن شرط الكرامة للولي صدق الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس من شرطه العصمة، فان الولي قد يقع في المعصية، أما الأنبياء فقد عصمهم الله تعالى.
أما السحر فهو أبعد شيء عن المعجزة أو الكرامة، وان كان قد يقع فيه غرابة وعجائب، لكنه يفترق عن المعجزة والكرامة من أوجه كثيرة تظهر في شخص الساحر وفي عمل السحر.
فمما يفترق به الساحر عن الولي:
1 - ركوب متن الفسق والعصيان.
2 - الطاعة للشيطان.
3 - التقرب إلى الشياطين بالكفر والجناية والمعاصي.
4 - الساحر أكذب الناس وأشدهم شراً.
وأما عمل السحر فقد يكون مستغربا طريفا، لكنه لا يخرج عن طاقة الإنس والجن والحيوان، كالطيران في الهواء مثلا، بل هو أمر مقدور عليه لأنه يترتب على أسباب إذا عرفها أحد وتعاطاها صنع مثلها أو أقوى منها.
لذلك ما أن نواجه السحر بالحقيقة حتى يذهب سدى، {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69].
ومن هنا خضع السحرة لسيدنا موسى عليه السلام، لأنهم وهم أعرف الناس بالسحر، كانوا أكثر الناس يقينا بحقية معجزته، وصدق نبوته، فما وسعهم أمام جلال المعجزة الإلهية إلا أن خروا سجدا وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه 70
ـ[الجشتمي]ــــــــ[31 Oct 2010, 08:54 ص]ـ
بالنسبة لكتاب الفصول والغايات , فان ابن العديم و ان كان في نظري مبالغا يحب بحب ابي العلاء و يبغض ببغضه ,الا ان حجته قوبة في نفي الروايات المتعلقة بنية ابي العلاء من وراء هذا الكتاب, و اقواها عنوان الكتاب نفسه:الفصول والغايات في تمجيد الله تعالى والعظات. خاصة و انه وقف على نسخ كثيرة من اعمال ابي العلاء بخطه ...
و ما أحسن ما ذكره الدكتور في تشبيهه بديكارت. فالمشابهة قوية من هذه الجهة اذ يبدو منهما الحرص على خصوصية اعتقادهما و كأن لسان حالهما عند الفناء ينشد الناس: مالكم و معاملتي لخالقي؟؟
مع فارق ظاهر بين الاثنين فابو العلاء مع كل هذا الذكاء الذي اوتي حتى ان الرجل كان مكتبة متنقلة في شتى انواع العلوم, ففضلا عن الروايات المتكاثرة في حدة ذكائه و دقة ملاحظاته حتى لا يكاد يفلت منه شيء ,وقدرته على لعب الشطرنج و تمييز الماء من الماء ومعالجة انواع الحسابات و غبرها من لطائف الأمور. فبالاطلاع على كتبه تجد مادتها متسعة في معرفة المذاهب و الفرق و علوم عصره و اقوال الناس و المعرفة المتعمقة بطبائع الاجتماع و نفسيات الخلق , مع اتساع مهول في الخيال و الذاكرة حتى ان كتابه في الايك و الغصون تجاوز الستين مجلدا, مع كل هذا ما استطاع التفلت من هيمنة الوحي و آل به الأمر الى الخضوع له ,بعكس ديكارت و كانط و اضرابهما كلما ازدادوا ذكاءا و صدقا ازدادوا تفلتا مما لبس عليهم من الوحي. و هذا تراه سمة عامة في فلاسفة المسلمين و فلاسفة النصارى ..
ولا يستحق المعري أيضا مكانة متقدمة بين الأدباء؛ فأدبه متكلف مثقل بأنواع البديع وحوشي الكلام.
و لكن هذه ما رضيتها منك بنوب.ابتسامة ..
(يُتْبَعُ)
(/)
و عن كتاب زجر النابح و كتاب الشيخ الميمني عن المعري و كتاب الشيخ ابن العديم فهي اعز من الكبريت الأحمر .. و لم اطلع عليها الا في مكتبات خاصة .. فهل من سبيل لايجادها على الشبكة مصورة؟؟؟
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[15 Nov 2010, 03:07 ص]ـ
د. طه حسين، أكبر وأشهر مريدي أبي العلاء المعري في العصر الحديث، وربما في كل العصور، وكثيرا ما يعبر عن إعجابه بأحمد بن سليمان أديب معرة النعمان. لكن ذلك لم يمنعه من الحديث عن العيوب الكبرى التي تطبع أدب وفكر المعري، كما يقول (تجديد ذكرى أبي العلاء: 233): "وإن عز علينا أن ننال كلام أبي العلاء بهذه المقالة، إلا أننا لا نغض منه، وإنما نصف حاله". وقد عبر طه حسين عن رأيه هذا في عدة مواضع من الجزء العاشر من المجموعة الكاملة لأعماله، (وهو خاص بكتبه المتعلقة بأبي العلاء)؛ فلا داعي لاستقصاء كل هذه النصوص، بل يكفي مثالاً نقلُ نص عن تقويم طه حسين لأدب أبي العلاء في فترة الشباب، وثان عن تقويمه لأدبه في فترة الشيخوخة، وثالث عن رأيه في فكر أبي العلاء.
1 - أدب أبي العلاء في فترة الشباب:
يقول عنه طه حسين: (تجديد ذكرى أبي العلاء: 232 - 233):
"نثره في طور الشباب: إذا كان شعر أبي العلاء في طور الشباب كثير التكلف، قليل المتانة، فإن نثره كذلك في هذا الطور، وإنما كثر في كلامه التكلف حين حرص على إظهار التفوق والظفر بالإجادة، فكأنه يملي عن ميله إلى النبوغ. لذلك لم تخل رسائله من السجع، بل قد تقرأ الرسالة كلها فلا تظفر بجملتين غير مسجوعتين، وكذلك لم تخل رسائله من الغريب، بل لا تكاد تمر فيها بجملة خلت من لفظ غريب. وحظ المبالغة في نثر هذا الطور كحظها في شعره، وكما أن أوائل "سقط الزند" قد عبث بها التكلف، فحال بينها وبين تمثيل عواطف الشاعر، فقد عبث التكلف برسائله أيضا، حتى ما تستطيع أن تدرس أخلاقه وميوله الفطرية في ما كتب إلى أبي القاسم المغربي، وإنما هي ألفاظ مرصوفة، وكلمات قد قرن بعضها إلى بعض يزينها السجع، وتختلف متانة وضعفا من حين إلى حين، وتظهر فيها المبالغة التي لا تأتلفها العادة، ولا يطمئن إليها العقل، انظر ما كتبه في "رسالة المنيح": "إن كان للآداب – أطال الله بقاء سيدنا – نسيم تضوع، وللذكاء نار تشرق وتلمع، فقد فغمنا على بعد الدار أرج أدبه، ومحا الليل عنا ذكاؤه بتلهبه، وخول الأسماع شنوفا غير ذاهبة، وأطلع في سويداوات القلوب كواكب ليست بغاربة، وذلك أنا معشر أهل هذه البلدة وهب لنا شرف عظيم، وألقي إلينا كتاب كريم، صدر عن حضرة السيد الحبر، ومالك أعنة النظم والنثر، قراءته نسك، وختامه بل سائره مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". فهل ترى في هذا الكلام لفظا قيما، أو أسلوبا عذبا، أو صناعة جيدة؟ وهل تجد إلا كلفا بالسجع ممقوتا، وحرصا على المبالغة مرذولا، وتكلفا هو أشبه بتعمل الأطفال؟ وإن لا فما قوله: "وللذكاء نار تشرق وتلمع"؟ أليس لفظ "تلمع" قد أكره على مكانه ليؤدي حق السجع؟ ثم انظر إلى قوله: "فقد فغمنا على بعد الدار أرج أدبه، ومحا الليل عنا ذكاؤه بتلهبه" فإن الفطرة تقتضي أن يقول: "تلهب ذكائه"، ولكن حب السجع اضطره إلى أن يعدل عن الفطرة إلى التكلف، وكذلك قوله: "وذلك أنا معشر أهل هذه البلدة وهب لنا شرف عظيم، وألقي إلينا كتاب كريم" ليس إلا من بارد اللفظ، وفاتر السجع، وإن عز علينا أن ننال كلام أبي العلاء بهذه المقالة، إلا أننا لا نغض منه، وإنما نصف حاله، وليس قوله: "السيد الحبر، ومالك أعنة النظم والنثر" بأقل بردا وفتورا من سابقه".
2 - أدب أبي العلاء في فترة الشيخوخة:
يرى طه حسين أن أبا العلاء لم يكتب "اللزوميات" أصلا ليعبر عن عاطفة أو فكر، وإنما كتبها من باب التسلية وتزجية الوقت؛ فقد حبس نفسه في بيته نحو أربعين سنة، وحيدا بلا أنيس، محروما من الزوج والولد، فكان أكثر حياته فراغا متصلا، كان من الضروري أن يشغله بشيء، فشغله بهذه "اللزوميات" التي ألزم نفسه فيها ما لا يلزمه؛ ووضع لنفسه فيها قيودا صارمة متكلفة من باب اللعب والعبث.
يقول طه حسين: (مع أبي العلاء في سجنه: 386):
(يُتْبَعُ)
(/)
"وأول ما أواجهك به من ذلك وأنا أقدر أنك ستلقاه منكرا له ثائرا عليه، هو أن "اللزوميات" ليست نتيجة العمل وإنما هي نتيجة الفراغ، وليست نتيجة الجد والكد، وإنما هي نتيجة العبث واللعب، وإن شئت فقل إنها نتيجة عمل دعا إليه الفراغ، ونتيجة جد جر إليه اللعب".
ويقول عن اللزوميات (مع أبي العلاء في سجنه: 404 - 405):
"على أن التكرار ليس هو العيب الوحيد أو الظاهر الذي اضطر إليه أبو العلاء، حين أخذ نفسه بهذه القيود الفنية، وإنما هناك عيب آخر ربما كان أشد منه خطرا ( .. )، فقد يمكن الاعتذار من تكرار أبي العلاء، ولكن هناك عيبا لا يمكن الاعتذار منه، وهو الاستسلام للفظ إلى هذا الحد، وتحكيم اللفظ وحده في المعنى والفن إلى الحد الذي انتهى إليه أبو العلاء. أن يفرض الشاعر على نفسه اصطناع الجناس أو غيره من ألوان البديع في كل ما يقول من الشعر أو في بعضه دون بعضه الآخر، هذا شيء مألوف قد نقبله وقد نرفضه، وقد نرتاح إليه وقد نزور عنه، ولكن أن يتخذ الشاعر الخضوع للقافية، وللقافية وحدها، قانونا فنيا صارما يذعن له الإذعان المطلق لا في قصيدة ولا في قصيدتين ولا في قصائد بل في ديوان ضخم، وأن يشترط في هذه القافية هذا الشرط القاسي الذي اشترطه أبو العلاء، وأن يلتزم هذا الشرط ويجريه في جميع حروف المعجم مهما تكن هذه الحروف ومهما تكن المعاني التي يريد الشاعر أن يقول فيها، هذا هو الشيء الذي لا يطاق ولا يمكن أن ينتهي بصاحبه إلى الخير" ... إلخ
ويقول: (مع أبي العلاء في سجنه: 403):
"قد نسرف على أنفسنا وعلى الفن الأدبي إن ظننا أن شعر "اللزوميات" جيد كله من الناحية الفنية الخالصة، بل نسرف على أنفسنا وعلى الفن الأدبي إن ظننا أن كثرة هذا الشعر جيدة، وإنما المحقق أن الجيد من شعر "اللزوميات" قليل، يمكن أن يستخلص في مجلد نحيف، يجمع إلى الجمال الفني خلاصة الفلسفة العلائية كلها".
3 – رأي طه حسين في فكر أبي العلاء:
كان طه حسين معجبا جدا بفكر أبي العلاء، فأخذ في مستهل حياته بذلك الفكر المتشائم المعادي للبشرية وللحياة، لكنه بعد أن لقي زوجه بدأ يغير رأيه ويستكشف زيف الفكر العلائي. يقول طه حسين (الأيام: 3/ 85):
"يرحم الله أبا العلاء، لقد ملأ نفس الفتى ضيقا بالحياة وبغضا لها، وأيأسه من الخير وألقى في روعه أن الحياة جهد كلها ومشقة كلها، وإذا هذا الصوت يذود عن نفس الفتى كل ما ألقى فيها أبو العلاء من ظلمة التشاؤم واليأس والقنوط، كأنه تلك الشمس التي أقبلت في ذلك اليوم من أيام الربيع، فجلت عن المدينة ما كان قد أطبق عليها من ذلك السحاب الذي كان بعضه يركب بعضا، والذي كان يقصف ويعصف حتى ملأ المدينة أو كاد يملؤها إشفاقا وروعا. وإذا المدينة تصبح كلها إشراقا ونورا".
المصادر:
- الأيام – تأليف: طه حسين. دار المعارف - مصر.
- تجديد ذكرى أبي العلاء – تأليف: طه حسين – ضمن: المجموعة الكاملة لأعمال طه حسين – المجلد العاشر – الشركة العالمية للكتاب/ مكتبة المدينة/ الدار الإفريقية العربية – ط 2 – بيروت / لبنان – 1403ه/1983م.
- مع أبي العلاء في سجنه – تأليف: طه حسين – ضمن: المجموعة السابقة.(/)
فصل المقال فيما بين فلسفة البشر وحكمة القرآن من الانفصال عند الحكيم بديع الزمان (2)
ـ[خلوصي]ــــــــ[28 Jun 2010, 11:57 ص]ـ
فصل المقال فيما بين فلسفة البشر وحكمة القرآن من الانفصال عند الحكيم بديع الزمان (2)
العدد: 4 (يوليو - سبتمبر) 2006
http://www.hiramagazine.com/images/noktacizgi.jpg
أ. د. طه عبد الرحمن http://www.hiramagazine.com/images/yildiz.gif (http://www.hiramagazine.com/archives_show.php?ID=72&ISSUE=3#alt)/ الفلسفة الإسلامية
http://www.hiramagazine.com/images/yazarhakkinda.gif (http://www.hiramagazine.com/author_show.php?Y_ID=47)http://www.hiramagazine.com/images/mail_write.png (http://javascript<b></b>:popUpArkadas('sendtofrend.php?id=archives_show.ph p?ID=72&ISSUE=3');)http://www.hiramagazine.com/images/print.png (http://www.hiramagazine.com/print.php?ID=72) تمت قراءة هذه المقالة 4259 مرة
ولننعطف الآن على الضرب الثاني من الوصل بين الفلسفة والحكمة، وهو الضرب التصاحبي، فنبين كيف مارس عليه بديع الزمان هذا النقد المثلَّث، مع العلم بأن هذا الضرب يقوم على مبادئ ثلاثة هي: "مبدأ الاندهاش" و"مبدأ الاستشكال" و"مبدأ الاستدلال".
2.1.2. نقد التصاحب بين الفلسفة والحكمة
أ- النقد المنطقي:
فبالنسبة لمبدإ الاندهاش الفلسفي، الصواب أن الفلسفة لا تصدر عن الشعور بالعجيب الخارق، وإنما عن الشعور بالغريب الشاذ؛ (1) وشتان بين الشعورين، فالأول مداره على كمال الخلقة الذي في الأشياء، بينما مدار الثاني على نقص الخلقة الذي فيها؛ والدليل على ذلك أن الفلسفة لا تتأمل المألوفات، بل تحسب كل مألوف معلوما، بل إن أكثر معلوماتها مبنية على المألوف والعادي، وليس على المعجز والخارق. (2)
وأما عن مبدإ الاستشكال الفلسفي، فالصواب أنه غير مضبوط في مقاصده المتعلقة بالكائنات، فيقع في الخبط والانتشار في كل اتجاه؛ كما أنه غير مشفوع بالجواب المطلوب، فيقع صاحبه في الحيرة البالغة، بل في العذاب الشديد. (3)
وأما عن مبدإ الاستدلال الفلسفي، فالصواب أنه سلسلة من القضايا التي يتهددها الوهم على الدوام؛ فلو فرضنا أننا نريد أن ندفع عنها هذا التهديد، فحينئذ يلزم أن نستدل على كل قضية من هذه القضايا بسلسلة أخرى من القضايا يتهددها بدورها الوهم، وهكذا دواليك؛ فلا نكاد ندفع الوهم عن سلسلة حتى نجلبه إلى سلاسل من دونها بلا انقطاع. (4)
ب - النقد الأخلاقي:
لما كان الاندهاش الفلسفي في أصله استغرابا، ولم يكن أبدا استعجابا، أوقع المتفلسف في محذورَين:
أحدهما، سد طريق الاعتبار: إذا كانت الفلسفة لا تتعجب من العاديات والمألوفات، فإنها لا تمكِّن صاحبها من استخراج العِبر والعظات منها.
والثاني، فتح طريق النكران: إذا كانت الفلسفة تُلقي بغطاء الإلفة على الأشياء، فإنها تحول دون معرفة القدرة الإلهية والإقرار بأفضالها غير المتناهية.
ولما كان الاستشكال الفلسفي تساؤلا غير منضبط، أفضى إلى أمرين كلاهما حرمان هالك:
أحدهما، فقدان سر التوحيد: إن كثرة الأسئلة بدون مقاصد موجِّهة ولا أجوبة مُرْضية تدل على أن صاحبها محروم من سر التوحيد، إذ إنه لو كان متحققا بهذا السر، لدارت أسئلته على مقاصد محددة، وظفر بالأجوبة عليها ضمن هذه المقاصد التوحيدية. (5)
والثاني، فقدان الشعور بالسعادة: إذا لم يجد المتفلسف أجوبة على أسئلته المتفرقة ولا استجابة لمطالبه المتباينة، فلا بد من أن يشقى شقاء عظيما. (6)
ثم لما كان الاستدلال الفلسفي سلسلة مهددة بالوهم، أفضى إلى أمرين كلاهما شر بالغ:
أحدهما، التعلق بالأسباب دون المسبِّب: تقتصر الفلسفة في استدلالاتها على الكائنات دون المكوِّن سبحانه، أي باصطلاح بديع الزمان تأخذ بالنظر الاسميّ، لا الحرفي؛ (7) يلزم على ذلك أنها تُوقِع المشتغل بها في عبادة الأسباب. (8)
والثاني، التعلق بالذات دون غيرها: كما ينظر المتفلسف من الكائنات إلى أسبابها الطبيعية، فكذلك ينظر إلى نفسه نفس النظر الاسمي؛ (9) يلزم من ذلك أنه يقع في عبادة النفس. (10)
ج- النقد الإشاري:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن مَثَل الفيلسوف القائل بالتصاحب بين الفلسفة والحكمة عند بديع الزمان كمَثَل من يسلك طريقا على وجه الأرض في صحراء شاسعة، فتأتيه الأهوال من كل جانب بين غضب البحر وتهديد العاصفة وظلمة السماء، فتصيِّره أشلاء مبعثرة على حافة الطريق، وتكون منزلته في القرآن الحكيم منزلة "المغضوب عليهم". (11)
وإذا قارنا بين هذا النقد الإشاري للتصاحب والنقد الإشاري السابق للتداخل، تبيَّن أن القائل بالتصاحب أسوأ حالا من القائل بالتداخل، ذلك أن في سلوك الأول لطريق فوق الأرض، أي طريق تحت السماء -التي هي رمز الوحي- وتحت الشمس -التي هي رمز النور-، إشارةً إلى أن تحديه لربوبية الحكيم يزيد درجات عن غرور الثاني؛ فهذا لا يسلك إلا طريقا تحت الأرض، لا يرى فيه شمسا ولا سماء؛ كما أن في إلقاء البحر أشلاء الأول على جانب الطريق إشارةً إلى أن عمله أشبه بعمل فرعون، فاستحق أن يلقى نفس المصير موتا واعتبارا، (12) بينما لا نظفر من الثاني إلا بشبح، فلا يكون عبرة للناس ببدنه، وإنما بآثاره وحدها.
من ثمَّ، يصبح الفيلسوف المشائي الكبير الذي لم يرد اسمه على لسان بديع الزمان إلا قليلا، وهو: ابن رشد، معدودا عنده في زمرة المغضوب عليهم، (13) إذ كان يقول بالتصاحب بين الفلسفة والحكمة ويعمل على مقتضاه، وهو عمَلٌ فَسق به فسوقا أشبه بتمرد اليهود؛ (14) ولما كان بديع الزمان قد انخدع بدهائه هو الآخر -على حد تعبيره- واعتقد الصحة في رأيه، كاد أن يتعرض هو نفسه لغضب الله لولا أن الله تجلى عليه باسمه "الرحيم"، فهداه الصراط المستقيم.
وعلى هذا، فإن العمل بمبدإ تصاحب الفلسفة والحكمة يُنتج إنسانا غير بصير ولا معتبِر ولا معترف ولا سعيد ولا ناج.
وبعد أن أنهينا الكلام عن الجانب النقدي في الموقف الانقلابي الذي اتخذه بديع الزمان من العلاقة بين الفلسفة والحكمة، نمضي إلى بيان عناصر الجانب البنائي في هذا الموقف الجديد.
2.2. انقلاب بديع الزمان والقول بالفصل بين الفلسفة والحكمة؛
يتمثل الجانب البنائي من هذا الانقلاب الفكري في كون بديع الزمان يستبعد كلا الجمعين المذكورين بين الفلسفة والحكمة -أي جمع التداخل وجمع التصاحب- ويأخذ بضده، أي يأخذ بفصل أو تفريق مخصوص بينهما، متوسلا في ذلك بآلية خطابية محددة.
1.2.2. الفصل الاستتباعي بين الفلسفة والحكمة:
يستبعد بديع الزمان جمع التداخل الذي يُنزل الفلسفة والحكمة رتبةً واحدة ما لم تتعارضا، ويأخذ بتفريق -أو فصل- في الرتبة بينهما ولو لم تتعارضا، ممارسا آلية القلب على المبدأين اللذين يتقوَّم بهما هذا الجمع، أي "مبدإ التأسيس العقلي للنقل" و"مبدأ التوسل بالعقل في النقل"؛ ومقتضى القلب، كما هو معروف، تغيير الرتبة، فإن كان الشيء مقدَّما، صيَّره مؤخَّرا، وإن كان مؤخرا، صيّره مقدما؛ وحينئذ، يصبح المبدآن اللذان ينبني عليهما هذا الفصل هما بالذات: "مبدأ التأسيس النقلي للعقل" و "مبدأ التوسل بالنقل في العقل"؛ وبيان ذلك كما يلي:
أ- مبدأ تأسيس العقل على النقل:
يذهب بديع الزمان إلى أن العقل -أي العقل الدائر بين الناس- والنقلَ -أي النقل في معناه الأعم- كليهما يحتاج إلى التأسيس، ولا يمكن أن يأتي التأسيس من هذا العقل الناقص كما لا يمكن أن يأتي من النقل العام، بل لا بد من طريق ثالث لا يكون فيه نقصان العقل ولا عموم النقل، بل يجمع إلى العقل الأكمل النقل الأخص؛ وليس هذا الطريق الثالث إلا القرآن الحكيم، ففيه من أسباب كمال العقل ما يؤهله لتأسيس العقل الدائر بين الناس، وفيه من أسباب خصوصية النقل ما يؤهله لتأسيس النقل عامة. (15)
ب- مبدأ التوسل بالنقل في العقل:
يذهب بديع الزمان إلى أن العقل -وتمثله الفلسفة البشرية خير تمثيل- لا يقدر على أن ينفع الناس وأن يحقق لهم السعادة حتى يتوسط بالنقل -ويمثله الوحي الإلهي أفضل تمثيل-؛ وبدون هذا التوسط، لا يخلو العقل من أسباب النفع والإسعاد فحسب، بل ينقلب بالضرر على الإنسان ويبلغ فيه هذا الضرر أقصاه، (16) لأنه لا مفر من أن يضل الطريق ويتعرض لغضب الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبهذا، يصير النقل -ممثَّلا بحكمة القرآن- هو الأصلَ، والعقلُ -ممثَّلا بفلسفة البشر- هو الفرع متى ثبتت موافقته لما جاء به النقل؛ لذا، جاز أن نسمي التفريق -أو الفصل- في الدرجة بين الحكمة والفلسفة الذي قابل به بديع الزمان الوصل التداخلي بينهما باسم "التفريق - أو الفصل – الاستتباعي"، حيث إن الفلسفة تصبح تابعة للحكمة وخادمة لها؛ (17) وهذا بالذات ما يستفاد من تمييز بديع الزمان بين الفلسفة النافعة والفلسفة الضارة في رسالة موجهة إلى طلاب الفلسفة الحديثة (18) الذين أقبلوا على رسائل النور؛ فبصرف النظر عن الاعتبارات الظرفية التي قد تدعوه إلى مثل هذا التمييز كرغبته في استمالة هؤلاء الطلاب المتفلسفة وتشجيعهم على المضي في قراءة هذه الرسائل واتقاءِ شر الخصوم، فإنه يجعل الفلسفة النافعة خادمة لحكمة القرآن كما لو كانت متفرعة عليها، نظرا لأنها "تخدم الحياة الاجتماعية البشرية، وتعين الأخلاق والمثل الإنسانية، وتمهد السبل للرقي الصناعي". (19)
ومن شأن العمل بهذا الفصل الاستتباعي أن يُخرج لنا إنسانا راسخ الإيمان قوي الحجة ناكرا لذاته غير متعلق بالظاهر ولا تائها عن الطريق، أو قل بإيجاز إنسانا مَهديا.
2.2.2. الفصل الاستبدالي بين الفلسفة والحكمة:
يستبعد بديع الزمان أيضا جمع التصاحب بين الفلسفة والحكمة، ويأخذ بتفريق -أو فصل- في النوع (أو الطبيعة) بينهما، ممارسا لآلية الاستبدال عليهما؛ ومقتضى الاستبدال هنا هو جعل الشيء بدلا من غيره، بحيث يصير البدل قائما بوظائف المُبدَل منه على أحسن وجه؛ وحينئذ، تصبح الحكمة عند بديع الزمان بديلا عن الفلسفة، ناهضة على أفضل وجه بالمبادئ الثلاثة التي تدعي الفلسفة الاختصاص بها، أي "مبدأ الاندهاش" و"مبدأ الاستشكال" و"مبدأ الاستدلال"؛ وتوضيح ذلك كما يلي:
أ- مبدأ الاندهاش:
يرى بديع الزمان أن الصورة الأبلغ والأكمل لمبدإ الاندهاش تتحقق في حكمة القرآن المبين، وذلك من وجهين:
• أن القرآن يخرق ستار العادة المسدول على الأشياء في أنفسنا وفي الآفاق من حولنا، فيجعلنا نتعجب من الأسرار المودعة فيها ونكتشف ما تنطوي عليه من خوارق القدرة الإلهية وعجائبها العظيمة.
• أن القرآن كلام معجز، ومعلوم أنه لا صفة أبلغ من "الإعجاز" في إثارة الاندهاش، فما بالك إذا كان إعجازا من قبيل الإعجاز القرآني! فعندئذ، لا بد أن يبلغ اندهاش المرء نهايته.
وعلى هذا، فإذا كان التفلسف، كما قيل، يبدأ بالاندهاش، فإن الاندهاش الذي هو بداية الحكمة ليس فوقه اندهاش، حيث إنها تحظى به في تأمل إعجاز القرآن الداعي إلى منتهى الاندهاش، بما أنه هو مَجْلى اسم الحكيم من أسماء الله الحسنى؛ ومن هنا، ندرك لِمَ بدأ بديع الزمان مساره في الحكمة بالاشتعال ببيان إعجاز القرآن، عملا بالرؤية الصادقة التي رآها، وهي رؤية انفلاق الجبل المذكورة أعلاه، إذ جاءه فيها شخص عظيم بِأمر مخصوص، قائلا: "بيِّن إعجاز القرآن". (20)
ب- مبدأ الاستشكال:
يرى بديع الزمان أن الصورة الأصح والأتم لمبدإ الاستشكال تتحقق هي الأخرى في حكمة القرآن، وذلك من وجهين هما:
• أن القرآن يحدد أفضل نطاق يمكن أن توضع فيه الأسئلة، ذلك أن السؤال لا يستقيم إلا إذا دار على مقصد مخصوص، والقرآن له مقاصد أصلية هي: "التوحيد" و"الوحي" و"الآخرة" و"الاستقامة" أو بتعبير بديع الزمان، "إثبات الصانع" و"النبوة" و"الحشر" و"العدالة"؛ (21) فما من آية من آياته البينات إلا وتتعلق بمقصد واحد أو أكثر من هذه المقاصد الأربعة، بل إن الآية الواحدة، على قِصَرها، قد تشتمل عليها جميعها، نازلة بذلك منزلة القرآن كله؛ وأما ما جاء فيه من مقاصد أخرى تتصل بالكائنات وخصائصها، فهو تابع لهذه المقاصد الأربعة وخادم لها؛ وعلى هذا، ينبغي أن تدور أسئلة الحكيم على هذه المقاصد وحدها، ولا تخرج إلى التساؤل عن الخواص الطبيعية للموجودات إلا أن يكون ذلك بغرض تبيُّن هذه المقاصد الأصلية من ورائها.
(يُتْبَعُ)
(/)
• أن القرآن يجيب على أفضل وجه عن الأسئلة الموضوعة، فقد تقدم أن هذه الأسئلة ينبغي أن تتعلق بالمقاصد الأربعة المذكورة، أي أن تكون كالتالي: "من أين؟ وبأمر من تأتون؟ مَن سلطانكم ودليلكم وخطيبكم؟ وما تصنعون؟ وإلى أين تصيرون؟ "؛ (22) والقرآن هو وحده القادر على إيراد الأجوبة الصحيحة على مثل هذه الأسئلة والتي تكون شفاء لما في الصدور.
ج- مبدأ الاستدلال:
يرى بديع الزمان أن الصورة الأشمل والأيقن لمبدإ الاستدلال تتحقق هي الأخرى في القياس التمثيلي الذي تأخذ به حكمة القرآن، وذلك من الوجوه الآتية:
• أن هذا القياس يفيد في إقناع كافة الناس ولا يقتصر على فئة معدودة منهم، كما أنه يتسع لفنون مختلفة ولا ينحصر في فن واحد منها، (23) نظرا لأنه يُلْبس الحقائق المخبَر بها لباس مألوفات الجمهور ومتخيلاته، ولا يكلفه إدراكَها على صورتها المجردة. (24)
• أنه يُمكِّن من تحصيل منظور تقريبيّ لِما يجاوز طور العقل المجرد من الحقائق الإلهية وشؤون الربوبية، (25) فيكون أقدر من هذا العقل.
• أنه يؤمِّن طاعة الخيال للعقل، فيحُدُّ من تشكيكاته وتهويماته التي تتهدد عادة استدلالاته غير التمثيلية، (26) فيكون أقوى من هذه الاستدلالات.
• أنه يجمع بين الطريقين الإدراكيين المتقابلين للإنسان، وهما: طريق العقل وطريق الوجدان، (27) فيكون استدلالا متكاملا.
• أنه يُثبِت قانونا كليا بإظهار حالة خاصة منه في صورة مثال جزئي؛ (28) ومعنى هذا أن المثال عند بديع الزمان ليس مجرد شيء مشابه للشيء المُمَثَّل، بل يحكمه نفس القانون الذي يحكم هذا الشيء، بحيث يكون التمثيل عنده أقرب إلى الاستقراء منه إلى الاستنباط (أو القياس الجامع). (29)
ومما تقدم، يتبين أن الحكمة لا يمكن أن تجتمع مع الفلسفة، لأن الخير والحق يصيران كلَّهما في جانب الحكمة والشرَّ والباطلَ يصيران كلَّهما في جانب الفلسفة، فتكونان متباينتين تباين النوعين؛ لذا، صح أن نسمي هذا الفصل النوعي بينهما باسم "الفصل الاستبدالي"، (30) إذ تصبح الحكمة البديل الذي لا غنى عنه.
ومن شأن العمل بهذا الفصل الثاني أن يُخرج لنا إنسانا متبصرا ومعتبرا ومعترفا وسعيدا وناجيا، أو قل إنسانا مَرْضيا عليه.
وإذا اجتمعت للإنسان الهداية والرضى، كان إنسانا منعَما عليه؛ فإذن الحكيم الذي يختص بكونه يجعل الحكمة تسود الفلسفة، بل يجعلها تستغني كليا عن خدمة الفلسفة يكون حقّا من أولئك الذين أنعم الله عليهم.
وخلاصة القول من هذا التحليل لموقف بديع الزمان من العلاقة بين الفلسفة والحكمة هي أن بديع الزمان انقلب من حال الفيلسوف الذي يوافق فلاسفة الإسلام في القول بالوصل بين الفلسفة والحكمة، إما وصْل تداخل يجلب الضلالة أو وصْل تصاحب يجلب غضب الله، إلى حال الحكيم الذي يقول بضرورة الفصل بينهما، إما فصلا استتباعيا يجلب الهداية، فتكون الفلسفة في خدمة الحكمة، أو فصلا استبداليا يجلب رضى الله، فتكون الحكمة بديلا عن الفلسفة.
وواضح أن هذا الانقلاب انقلاب "كوبيرنيكي" بحق؛ فبعد أن كانت الفلسفة تُعَدّ موصولة بالحكمة، صارت تُعَدّ مفصولة عنها؛ وبعد أن كانت الفلسفة تستتبع الحكمة في حالة الاختلاف بينهما، أصبحت الحكمة هي التي تستتبع الفلسفة في حالة الاتفاق بينهما؛ وبعد أن كانت الفلسفة تضاهي الحكمة وجودا، أضحت لا تضاهيها في هذا الوجود، بل أضحت تفقده بوجود الحكمة.
وحينئذ، لا نستغرب أن يلح بديع الزمان أيما إلحاح على وجود طورين متضادين في حياته: سعيد القديم وسعيد الجديد؛ ولذا، نعتقد أن العناصر التي تفرِّق بين هذين الطورين ينبغي البحث عنها في الموقفين المتعارضين اللذين وقفهما من العلاقة بين الفلسفة والحكمة، بحيث يكون الوصل بينهما هو المعيارَ الذي نحدد به فكر سعيد القديم ويكون الفصل بينهما هو المعيار الذي نحدد به فكر سعيد الجديد.
لكن هذا الانقلاب "الكوبيرنيكي" هو نقيض للانقلاب "الكوبيرنيكي" الذي قام به "كانط"؛
فإذا كان "كانط" قد جعل الحكمة تابعة للفلسفة في حال اتفاقهما، فإن بديع الزمان، على العكس من ذلك، يجعل الفلسفة تابعة للحكمة في الحال ذاته؛ وإذا كان "كانط" قد جعل الفلسفة بديلا عن الحكمة في حال تعارضهما، فإن بديع الزمان، على العكس من ذلك، يجعل الحكمة بديلا عن الفلسفة في الحال ذاته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن هنا، يظهر جليّا أن البعد الذي يكتسبه إنتاج بديع الزمان لا ينحصر في تركيا حيث آثار الفلسفة "الكانطية" قد فعلت فعلها وبدَّلت قِيَم أهلها تبديلا،
ولا هو ينحصر في الأمة الإسلامية التي تفككت أوصالها وفقدت وِجهتها،
وإنما يتعدى ذلك إلى العالم بأسْره لِيُنقذ الإنسان، خاصِيَّه وعامِيَّه،
من سلطان فكر فلسفي أضرَّ بوجوده في هذا العالم؛
ومن كان هذا عمله،
فما أجدر به أن يُعدَّ في
حكماء العالم
الذين رفعوا همة الإنسان إلى الاضطلاع بأمور روحه كاضطلاعه بأمور جسمه، ومهّدوا الطريق إلى تجديده،
فاستوى إنسانا آخر في عالم آخر.
________________
الهوامش:
(1) "إن الفلسفة التي توصَّل إليها الإنسان تحجب معجزات القدرة الإلهية وخوارق رحمته تعالى بستار العادات، فلا ترى دلائل الوحدانية المضمرة تحت تلك العاديات وتلك النعم الجليلة، ولا تبينها ولا تدل عليها، بينما إذا ما رأت ما هو خارج عن العادة من جزئيات خاصة، تتوجه إليه وتهتمّ به"، الملاحق، ص 358.
(2) يقول: "أما حكمة الفلسفة، فهي تخفي جميع معجزات القدرة الإلهية وتسترها تحت غطاء الإلفة والعادة"، الكلمات، ص 150.
(3) يقول: "إذا تخبط ذلك العقل في وحل الضلالة والكفر، فإنه يصبح آلة تعذيب ووسيلة إزعاج، بما يجمع من آلام الماضي الحزينة ومخاوف المستقبل الرهيبة"، الشعاعات، ص 19.
(4) يقول: "إن الفرق بين طريقِي في "قطرة" المستفادة من القرآن وطريق أهل النظر والفلاسفة هو أني أحفر أينما كنت، فيخرج الماء؛ وهم تشبثوا بوضع ميازيب وأنابيب لمجيء الماء من طرف العالم ويُسلسلون سلاسل وسلالم إلى ما فوق العرش لجلب ماء الحياة، فيلزم عليهم بسبب قبول السبب وضع ملايين من حفظة البراهين في تلك الطريق الطويلة لحفظها من تخريب شياطين الأوهام"، المثنوي العربي النوري، ص 170.
(5) يقول: "وبسر التوحيد [ ... ]، ينكشف السر المغلق للأسئلة المحيرة: من أين يأتي سيل الموجودات وقافلة المخلوقات؟ وإلى أين المصير؟ ولم جاء؟ وماذا يعمل؟ …"، الشعاعات، ص 14.
(6) "فلولا التوحيد لأصبح الإنسان أشقى المخلوقات وأدنى الموجودات وأضعف الحيوانات وأشد ذوي المشاعر حزنا وأكثرهم عذابا وألما."، الشعاعات، ص 18.
(7) يقول: "فالنظرة القرآنية إلى الموجودات تجعل الموجودات حروفا، أي إنها تعبر عن معنى في غيرها، بمعنى أنها تعبر عن تجليات الأسماء الحسنى والصفات الجليلة للخالق العظيم المتجلية في الموجودات؛ أما نظرة الفلسفة -المادية- الميّتة فتنظر في الأغلب بالنظر الاسمي إلى الموجودات، فتزل قدمها إلى مستنقع الطبيعة."، الملاحق، ص 90.
(8) "أما الفلسفة، فإنما تنظر من الموجودات إلى وجوهها الناظرة إلى أنفسها وأسبابها"، المثنوي العربي النوري، ص 77.
(9) الكلمات، ص 646.
(10) "إن أهل الضلالة في هذا العصر قد امتطوا "أنا"، فهو يجوب بهم في وديان الضلالة؛ فأهل الحق لا يستطيعون خدمة الحق إلا بترك "أنا"، وحتى لو كانوا على حق وصواب في استعمالهم "أنا"، فعليهم تركه، لئلا يشبهوا أولئك، إذ يكونون موضع ظنهم أنهم مثلهم يعبدون النفس"، المكتوبات، ص 549.
(11) "والطريق الثاني المشار إليه بـ ?الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ?، فهو مسلك عبدة الأسباب والذين يحيلون الخلق والإيجاد إلى الوسائط ويسندون إليها التأثير، ويريدون بلوغ حقيقة الحقائق ومعرفة واجب الوجود جل جلاله عن طريق العقل والفكر وحده كالحكماء المشائين"، الكلمات، ص 650.
(12) وذلك مصداقا للآية الكريمة: ?فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ? (يونس: 92).
(13) تحاشى بديع الزمان أن يذكر ابن رشد باسمه -على خلاف ما فعل مع الفارابي وابن سينا- ولكنه نبه عليه بالصفة التي اشتهر بها، وهي "المشائي"، إذ هو شارح "أرسطو" الأكبر؛ ولا نريد أن نخوض هنا في الأسباب التي تكون قد دعته إلى هذا التكتم، وإنما يكفي أن نقول بأنه يجوز أن يفعل ذلك، إشفاقا عليه ورفقا بأتباعه المعاصرين.
(14) إشارات الإعجاز، ص 36.
(15) يقول: "القرآن المبين أسمى وأغنى من أن يفتقر إلى تزكية العقل والنقل اللذين ألقيا إليه المقاليد، لأنه إن لم يزكهما، فشهادتهما لا تُسمَع"، صيقل الإسلام، ص 36.
(يُتْبَعُ)
(/)
(16) يقول: "فمتى استجارت الفلسفة بالدين وانقادت إليه وأصبحت في طاعته، انتعشت الإنسانية بالسعادة وعاشت حياة اجتماعية هنيئة؛ ومتى انفرجت الشقة بينهما وافترقتا، احتشد النور والخير كله حول سلسلة النبوة والدين وتجمعت الشرور والضلالات كلها حول سلسلة الفلسفة"، الكلمات، ص 639.
(17) لِتلاحظ أن الفصل الاستتباعي بين الحكمة والفلسفة، لما كان فصلا في الدرجة فحسب، جاز أن تجتمع فيه الحكمة والفلسفة اجتماع التابع مع المتبوع، بحيث يكون وضعه المنطقي أشبه بوضع ما يُسمى بـ"رابط الفصل الجامع"، وهو الفصل الذي يمكن أن يصدق فيه الطرفان المفصولان معا؛ ولا ينفع الاعتراض بأنه نوع من الوصل التداخلي، ذلك لأنه لا يشارك هذا الوصل إلا في هذه الحال من حالات الصدق، ويختلف عنه في إمكان أن يصدق بصدق أحد المفصولين دون الآخر، أو قل بإيجاز إن الجمع الذي يكون مع تخيير ليس كالجمع الذي لا تخيير معه.
(18) يرى بديع الزمان أن الفلسفة الحديثة أقل ضررا من الفلسفة القديمة، لأنها أكثر منها أخذا بأسباب العقل والنقد والعلم؛ انظر صيقل الإسلام، ص 41، وأيضا ص 35 - 36.
(19) الملاحق، ص 286 - 287.
(20) المكتوبات، ص 475؛ الملاحق، ص 183.
(21) إشارات الإعجاز، ص 24؛ صيقل الإسلام، ص 120.
(22) صيقل الإسلام، ص 29؛ وأيضا، إشارات الإعجاز، ص 23.
(23) صيقل الإسلام، ص 320.
(24) صيقل الإسلام، ص 59.
(25) المكتوبات، ص 376.
(26) يقول: "ولقد أكثر القرآن الكريم من التمثيلات إلى أن بلغت الألف، لأن في التمثيل سرا لطيفا وحكمة عالية، إذ به يصير الوهم مغلوبا للعقل والخيال مجبورا للانقياد للفكر ... "، إشارات الإعجاز، ص 113.
(27) إشارات الإعجاز، ص 126.
(28) الكلمات، ص 735 - 736.
(29) معلوم أن فقهاء العلم اختلفوا كثيرا في تحديد البنية المنطقية لقياس التمثيل، فبعضهم جعلها بنية مستقلة وبعضهم جعلها أشبه ببنية الاستقراء في حين جعلها غيرهم أشبه ببنية الاستنباط، ورأينا أنها بنية كبرى مركبة من بنيتين فرعيتين: بنية استقرائية وبنية استنباطية، انظر التفاصيل في كتابنا: تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، بيروت، ص 65 - 66.
(30) لِتلاحظ أن الوضع المنطقي للفصل الاستبدالي أشبه بوضع ما يُسمى بـ "رابط الفصل المانع" (أو "الفصل الاستبعادي")، ومعلوم أن هذا الرابط لا يصدق إلا بصدق أحد المفصولين دون الآخر.
ــــــــــــــــــــــ
(*) كلية الآداب، جامعة محمد الخامس - المغرب.
المصدر:مجلّة حراء ( http://http://www.hiramagazine.com/archives_show.php?ID=72&ISSUE=3)(/)
فيديو: المستشرقون وكتابتهم في القرآن، للشيخ أحمد منصور آل سبالك
ـ[المستصفى]ــــــــ[03 Jul 2010, 06:58 م]ـ
1/ 2
http://www.youtube.com/watch?v=dp5Qi6dPmyI
ـ[المستصفى]ــــــــ[03 Jul 2010, 06:58 م]ـ
2/ 2
http://www.youtube.com/watch?v=esgJ8fzw4bo(/)
حقائق الإسلام فى مواجهة شبهات المشككين
ـ[عطاء الله الأزهري]ــــــــ[03 Jul 2010, 07:56 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين
إشراف وتقديم أ. د. محمود حمدي زقزوق
وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
المؤلفون:
أ. د. عبد الصبور مرزوق
أ. د. عبد العظيم المطعني
أ. د. على جمعة محمد
أ. د. محمد عمارة
أ. د. محمود حمدي مرزوق
هذا الكتاب يُفَنِّد مائة وسبعة وأربعين شبهة حول الإسلام العظيم
الكتاب بصيغة. pdf (http://www.archive.org/download/waq61180/61180.pdf)
والكتاب مرفق إليكترونيا
جزاكم الله خيرا(/)
الكيل بمكيالين
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[05 Jul 2010, 12:36 م]ـ
الحمد لله وحده،
من المرصد الإسلامى للتنصير: " قال وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتّيني، إن "عشر دول أوروبية أخرى قررت الانضمام إلى الطعن الإيطالي في قرار محكمة ستراسبورغ الذي يفرض رفع الصلبان من الفصول الدراسية"، معربا عن "التفاؤل بشأن نتائج" هذه القضية
وأشار رئيس الدبلوماسية الايطالية إلى أنه "في هذا السياق، وللمرة الأولى في تاريخ محكمة حقوق الإنسان، قررت عشر دول أوروبية فضلا عن منظمات غير حكومية وأعضاء في البرلمان الأوروبي، الوقوف إلى جانبنا"، وهو "ما يعطيني دافعا آخر للتفاؤل". وأردف أن "الأمر يتعلق ببلدان مهمة لا تهمها القضية بشكل مباشر"، لكنها "أدركت مدى تعلق الأمر بالحق في الحرية، والحرية الدينية، وضرورة أعلاء صوت اعتراضها" على القضية على حد وصفه "
على هذا الرابط http://www.tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=8082............ .....
ولم نر تلك الهمة العالية من دعاة حرية الرأى والعقيدة فى أوربا حينما نبح كلابهم بمنع النقاب والحجاب وغطاء الرأس للمسلمة بحجة أن ذلك يتعارض مع الاندماج فى المجتمع وكونه نسيج واحد، فإن فى حجاب المسلمة ما يمنعها من أن تشارك فى جاهليات المجتمع الغربى والاختلاط المحرم بين الرجال والنساء.
يقولون هذا فى حين أصبحت دعوة المسلمين فى الغرب أشد من دعوة المسلمين فى بلاد الإسلام أنفسها، فلم يقف الحجاب ولا اللحية ولا شرائع الإسلام الظاهرة البادية على الملبس والمأكل والمعاملات، لم يقف ذلك كله حاجزا من انخراط المسلمين فى المجتمع الانخراط الذى يهدف لنشر الصورة الصحيحة عن الإسلام والمسلمين دون الوقوع فى مزالق الغربيات المنحلة.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[05 Jul 2010, 12:47 م]ـ
لا غرابة أخانا الفاضل بأن يكيلوا بمكيالين وثلاثة وعشرة .... وإلى ما لا نهاية من المكاييل
وذلك لأن هؤلاء ينطلقون في تفكيرهم وسلوكهم بناء على أهوائهم واتباع الهواء كفيل بأن يفسد كل شيء فلا يبقى هناك منطق أو عقل يحتكم إليه ولا حق يتمسك به.
قال الحق تبارك وتعالى:
(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) سورة المؤمنون من الآية (71)(/)
حمِّل الأفكار المتفككة للمستشرق الألماني نولدكة
ـ[مثنى الزيدي]ــــــــ[05 Jul 2010, 01:11 م]ـ
حمِّل الافكار المتفككة للمستشرق الالماني نولدكة في صفحات من كتابه تاريخ القران
وهو بحث مختصر اشرف عليه فضيلة الشيخ العلامة أ. د نور الدين عتر حفظه الله
هدية الى الاحبة في ملتقى الانتصار للقرآن الكريم
الأفكار المتفككة للمستشرق الألماني نولدكة ( http://saaid.net/book/13/5299.rar)
ـ[عمر جاكيتي]ــــــــ[05 Jul 2010, 02:07 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي مثنى ...
ونفع الله بما قدمته، وجعله في ميزان حسناتك ...
ـ[أحمد بوعود]ــــــــ[05 Jul 2010, 05:00 م]ـ
بارك الله فيكم أخي الفاضل مثنى وبارك في جهدكم وقلمكم. وننتظر منكم المزيد، وحبذا لو استكملتم بحثكم هذا برد الأفكار المطروحة من قبل نولدكه إلى أصولها؛ ذلكم أن نولدكه (وهو أب الاستشراق في الدراسات القرآنية) لا شك أنه ينطلق من منهج واضح محدد المعالم، ننتظر منكم إسهاما بشأنه.
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[16 Jul 2010, 10:02 م]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم مثنى على هذا الجهد المبارك، واسأل الله أن ينفع بعلمك وأن يبارك فيه.(/)
كتاب: فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الارباب - عرض ونقد / pdf
ـ[عطاء الله الأزهري]ــــــــ[06 Jul 2010, 11:48 ص]ـ
كتاب
فصل الخطاب
في إثبات تحريف كتاب رب الارباب
عرض ونقد
تاليف
محمد حبيب
تحميل الكتاب
http://www.dd-sunnah.net/records/view/action/view/id/1575/(/)
رسول الله يتلو كتابه: القرآن الكريم في الشعر العربي
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[06 Jul 2010, 05:42 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
تهدف هذه السلسلة إلى جمع ما وقفت عليه من النصوص الشعرية التي تتحدث عن القرآن الكريم في الشعر العربي، عبر عصوره المختلفة.
وأبدؤها بأبيات الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه، وهي التي استوحي منها العنوان:
وفينا رسول الله يتلو كتابه = إذا انشق معروف من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا = به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه = إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[07 Jul 2010, 12:41 ص]ـ
قال كعب بن زهير بن أبي سلمى، رضي الله عنه:
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة الـ = ـقرآن فيها مواعيظ وتفصيل
وهذا البيت من قصيدته المشهورة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول = متيم إثرها لم يفد مكبول
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[07 Jul 2010, 02:45 ص]ـ
قال النابغة الجعدي رضي الله عنه:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى=ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[07 Jul 2010, 05:59 م]ـ
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
بطيبة رسم للرسول ومعهد = منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
( ... )
بها حجرات كان ينزل وسطها = من الله نور يستضاء ويوقد
( ... )
وهل عدلت يوما رزية هالك = رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم = وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به = وينقذ من هول الخزايا ويرشد
( ... )
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها = لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[07 Jul 2010, 11:35 م]ـ
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله=ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب=فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[08 Jul 2010, 11:11 ص]ـ
قال حسان بن ثابت رضي الله عنه، يرثي أمير المؤمنين عثمان بن عفان ذا النورين رضي الله عنه:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به=يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[09 Jul 2010, 02:35 ص]ـ
قال حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه:
حمدت الله حين هدى فؤادي=إلى الإسلام والدين الحنيف
لدين جاء من رب عزيز=خبير بالعباد بهم لطيف
إذا تليت رسائله علينا=تحدر دمع ذي اللب الحصيف
رسائل جاء أحمد من هداها=بآيات مبينة الحروف
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[10 Jul 2010, 02:22 ص]ـ
قال العباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه:
رأيتك يا خير البرية كلها=نشرت كتابا جاء بالحق معلما
ونورت بالبرهان أمرا مدمسا=وأطفأت بالبرهان جمرا مضرما
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[10 Jul 2010, 05:39 م]ـ
قال العباس بن مرداس السلمي رضي الله عنه:
نبي أتانا بعد عيسى بناطق=من الحق فيه الفصل منه كذلكا
أمينا على الفرقان أول شافع=وآخر مبعوث يجيب الملائكا
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[21 Jul 2010, 01:43 ص]ـ
قال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، رضي الله عنه:
فقد عظمت مصيبتنا وجلت=عشية قيل: قد قبض الرسول
( .. )
فقدنا الوحي والتنزيل فينا=يروح به ويغدو جبرئيل
وذاك أحق ما سالت عليه=نفوس الناس أو كادت تسيل
أصبنا بالنبي وقد رزانا=مصيبتنا فمحملها ثقيل
نبي كان يجلو الشك عنا=بما يوحى إليه وما يقول
ويهدينا فلا نخشى ضلالا=علينا والرسول لنا دليل
يخبرنا بظهر الغيب عن ما=يكون فلا يخون ولا يحول
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[29 Jul 2010, 11:54 م]ـ
ما شاء الله، فكرة لطيفة جدًا، ورائعة.
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[30 Jul 2010, 03:10 ص]ـ
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على المشاركة والاهتمام، وشكرا جزيلا لكم.
قال قيس بن بحر الأشجعي، رضي الله عنه:
معانا بروح القدس ينكي عدوه=رسولا من الرحمن حقا بمعلم
رسولا من الرحمن يتلو كتابه=فلما أنار الحق لم يتلعثم
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[11 Aug 2010, 02:34 ص]ـ
قال العجاج:
الحمد لله العشي والضحى=والحمد لله فما شاء أتى
أسأل رب الناس هديا بالهدى=هو الذي أنزل آيات التقى
ـ[أحمد كوري]ــــــــ[14 Sep 2010, 02:11 م]ـ
قال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
وما هو إلا الوحي أو حد مرهف=تميل ظباه أخدعي كل مائل
فهذا دواء الداء من كل عالم=وهذا دواء الداء من كل جاهل(/)
وقفات مع وفاة الدكتور نصر حامد أبو زيد
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Jul 2010, 05:44 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ارتبط في ذهني اسم الدكتور نصر حامد أبو زيد بالشبهات التي تُثار ضد القرآن وفهمه، وبَرز اسْمهُ ضمنَ عددٍ من الباحثين الذين خرجوا من المدارس في البلاد الإسلامية فأصبحوا حرباً على مناهجها، وعضداً للأعداء المناوئين للإسلام وأهله.
وقد كتب الدكتور نصر حامد أبو زيد كتباً كثيرةً ملأها بالطعن في القرآن وفي علومه وفي منهج الاستدلال المستنبط منه، وشنَّ حملة شعواء على المفسرين والعلماء الذين كانوا معالمَ في تاريخ الفهم الصحيح للقرآن الكريم من أمثال ابن جرير الطبري والإمام الشافعي من قبله وغيرهم من علماء الأمة الراسخين. وقد ابتغى من وراء ذلك الفتنةَ، وتشويهَ التاريخ الإسلامي، وسعى في هذا المضمارِ أشواطاً بعيدةً، ولم يَدَعْ في قوس المناهضةِ للحق مَنزعاً، حتى أصبح نقمةً على الأمة أنْ كان أحد أبناءها العَقَقة، وخرج من مصر - وهو المصري - مُيمِّماً وجههُ شطرَ أوروبا طالباً للحريَّة الفكرية والسياسية على حد قوله بعد أن ضاقت عليه أرضُ الإسلام لما نشره من الكفر والمنكر، فاحتفى به أعداء الإسلام أَيَّما احتفاء، وصدروه في وسائل إعلامهم، ومكَّنوه من مواطن التوجيه في الجامعات، وأصبح يُصدَّرُ للناس على أَنَّه المفكر الإسلامي الكبير المُجدِّد. واستقر به المقام في هولندا منذ عام 1995م، حيث اتخذها منبراً للهجوم على الإسلام والقرآن الكريم.
وقد ألَّف الدكتور نصر حامد أبو زيد كتباً مليئةً بالشبهات ضد القرآن وعلومه ومنهج الاستدلال المستمد منه ومنها:
- الاتجاه العقلي في التفسير: دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة (1982م).
- مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن (1993م).
- فلسفة التأويل.
- نقد الخطاب الديني (1992م).
- الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية (1992م) ".
- التفكير في زمن التكفير (1995م).
وعندما قدم أبو زيد أبحاثه للحصول على درجة أستاذ تكوّنت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة بينهم د. عبد الصبور شاهين الذي اتّهم في تقريره أبو زيد بالكفر، وقد ثارت قضيةُ الحكم على الدكتور نصر حامد أبو زيد بالرِّدَّةِ، والمطالبة بالتفريق بينه وبين زوجته المسلمة من عدد من العلماء في مصر، وكان للدكتور عبدالصبور شاهين الحظ الأوفر من تلك القصة فقد تصدَّى للدكتور نصر حامد أبو زيد، والقصة مشهورة، ولذلك فقد أصدرت محكمة النقض بالقاهرة عام 1416هـ حكمها النهائي بالتفريق بين الدكتور نصر حامد أبو زيد وزوجته بناءً على دعوى الحسبة التي رفعها المستشار صميدة عبد الصمد بسبب ما تضمنته كتبه وأبحاثه من قضايا تُثبتُ ردته عن الإسلام ولم يتراجع عنها.
ويوم الإثنين القريب الموافق 23/ 7/1431هـ (5/ 7/2010م) توفي الدكتور نصر حامد أبو زيد، بعد عمرٍ طويلٍ (67 عاماً) قضاه في المنافحة عن الماركسية ومنهجها، والطعن في القرآن وعلومه، وها هي مؤلفاته تنتشر بين أيدي كثير من شباب المسلمين يقرؤنها ويقبلون عليها.
وكان أبو زيد قد عاد إلى مصر منذ أسبوعين من الخارج بعد إصابته بفيروس غريب اصابه أثناء زيارته لأندونيسا مؤخراً وفشل الأطباء في تحديد طريقة علاجه، حيث دخل في غيبوبة استمرت عدة أيام حتى وافته المنية صباح الإثنين الماضي (23/ 7/1431).
ونصر أبو زيد ولد في إحدى قرى طنطا في 10 يوليو 1943، ونشأ في أسرة ريفية بسيطة، في البداية لم يحصل على شهادة الثانوية العامة التوجيهية ليستطيع استكمال دراسته الجامعية؛ لأنّ أسرته لم تكن لتستطيع أن تنفق عليه في الجامعة، لهذا اكتفى في البداية بالحصول على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960م.
ثُمّ حصل عام 1972 على الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة بتقدير ممتاز، ثم ماجستير من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1976م، ثم دكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1979م بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى.
(يُتْبَعُ)
(/)
وآخر المواقف التي أُثِيرت فيها مجددًا قضية "ارتداد" نصر حامد أبو زيد كانت في الكويت، حيث منع من دخوله البلاد، التي كان مدعوًا لإلقاء محاضرة فيها، بعد احتجاجات من عدد كبير من علماء المسلمين بالكويت على دخوله البلاد.
قد كثرت مقابلات الراحل مع وسائل الإعلام التي تتصيد أمثاله لمناوئة الإسلام والمسلمين، وخاصة مع الهجمات على الإسلام ورسوله وكتابه وشعائره في الغرب اليوم، فتجده يتنقل من قناة إلى قناة ينشر الشبهات، ويعين على المنكر، ويستحل الكذب على الله ودينه، ويطأ مواطئاً تغيظ المؤمنين الصادقين.
إنَّ في وفاته لعبرةً لأولي الإلباب، ويظلُّ تساقطُ رموز العلمانية والماركسية وأضرابهم واحداً تلو الآخر مذكراً للمؤمنين الصادقين الثابتين على المنهج الصحيح بضرورة المحافظة على ثوابتهم، وحراستها بالدفاع عنها والانتصار للقرآن الكريم والمنهج الصحيح بكل وسيلة مشروعة.
ويظلُّ تساقطُ فِكرِ هؤلاء المنظِّرين للمُنكرِ الفكريِّ والعلميِّ والعَقَديِّ دليلاً على رُسوخِ هذا الحق، ثُمَّ يأتي تساقطُ أرواحهم بِمثابة مناسبةٍ لتذكير الأجيال المسلمة بهذه النماذج التي باعت الحق واشترت الباطل، وأعرضت عن الحق إعراض العارف له المبغض له ولأهله، وهي مرحلةٌ من مراحلِ الصِّراعِ بين الحق والباطل، (وقُلْ جاءَ الحقُّ وَزَهَقَ الباطلُ إِنَّ الباطلَ كان زَهُوقاً).
وقفات:
1 - ضرورة الانتصار للقرآن والدفاع عنه فإن العاقبة للحق، ولكن بالدليل والعدل لا بالتعدي والجور، وبالأدب والمنطق لا باتابع أساليب الطاعنين في الشتم والسباب.
2 - ضرورة استغلال مثل هذه المناسبات للتذكير بمعالم المنهج الصحيح فإن الأجيال الجديدة ربما لا تعرف الحقيقة، وكثير من الصحفيين اليوم يتحدثون عن د. نصر حامد أبو زيد على أنه من المجددين في الفكر الإسلامي، فلا بد من التوضيح للحقيقة والاحتساب في هذا السبيل فإنه من الانتصار للحق وللحقيقة.
3 - دعوة للباحثين المتخصصين في الدراسات القرآنية إلى الاطلاع على كتبه والكتب التي ناقشت أفكاره وردَّتْ عليها، حتى يكونوا على بينة وعلم بحقيقته.
4 - دعوة لعدد كبير من المعجبين والمروجين لفكر نصر حامد أبو زيد من أبناء المسلمين المنخدعين أن يتوبوا إلى الله ويعودوا إلى رشدهم ويعتبروا بهذا الرجل وأمثاله ممن سبقه في هذا الميدان.
الرياض في 25/ 7/1431هـ
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[07 Jul 2010, 06:04 ص]ـ
لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم أحسن عاقبتنا وتوفنا مسلمين.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية)
أسأل الله تعالى أن لا يجعلنا ممن يَضلون ولا ممن يُضِلون وجعل ما علّمنا حجة لنا لا حجة علينا.
ـ[أحمد صالح أحمد غازي]ــــــــ[07 Jul 2010, 07:48 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على حامل راية الشفاعة يوم لا يغني خليل عن خليل، وعلى آله وصحبه أجمعين وعلينا معهم في التابعين، ثم أما بعد:
فلقد والله ساءني وسرني ما رأيت في الشريط من خبر أخي عبد الرحمن عن وفاة نصر حامد أبي زيد، أما أنه ساءني فلأن الرجل مات دون أن يحدث توبة، لما تحدثه توبته من نفع شخصي له أولا، ومن إرجاع المنخدعين به وبطروحاته إلى جادة الصواب، فلقد والله وددت من كثرة مناقشاتي لبواطله في كثير من الأبحاث والمواقف والمحاضرات لو أنه يسر الله لمثل هذا العودة عما وقع فيه من الضلال، والبعد عن المنهج القويم في التفسير لكتاب الله، ولقد كان آخر موطن من مواطن إنكاري عليه وأمثاله البحثان المذكوران في التعريف واللذان مثل أحدهما أولى مشاركاتي في هذا المنتدى وأرجو أن ييسر الله لي تنزيل الثاني في أقرب فرصة في هذا المنتدى المبارك.
وأما أنه سرني فلزوال إحدى بوابات الزيغ والضلال، فوالله لقد ناقشت بعض الباحثين المعجبين أو المغترين بفكر مثل هذا الضال في مرحلة الماجستير، فلم أصل معهم إلى كثير أو قليل لما غزا به من مقدمات منطقية عقولهم التي وجدها فكره خلوا من المعارف الأساس في جانب العقيدة والمنهجية الإسلامية في تناول النصوص، ولهذا يحب الحرص على أن يبدأ الطالب المبتدئ بالأساس المتين قبل أن يخوض معمعة البحث والمناقشات الفكرية، لأن هؤلاء وأمثالهم كثير في المبتدئين يتم تزيين البواطل لهم بأشكال منطقية من المقدمات الخاطئة والتي لا توصل معتنقها إلا إلى الزيغ والانحراف، وممن تبهرهم العبارات البراقة، التي يبثها أصحاب الدعوات الهدامة، فالحمد لله الذي جرت سنته بأن يموت ويفنى كل ما سواه سبحانه، فهو الحق لا إله إلا هو.
أما ما كتبه هذا وأمثاله فهو أحد أمرين فإما أن يدخل في عداد ما لا يلتفت إليه من الكلام، فيرمى في مزبلة الأيام، أو أن يقيض الله الرجال لما غرسه من شبهات فينفونها نفي الكير خبث الحديد، وأين سيكون هو وأمثاله مما فعل المصلوب ثم قال قد وضعت فيكم أربعة آلاف، فقيل له قد قيض الله لها الرجال من أمثال أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله، ومن هنا يدخل تحت هو وما كتبه تحت دائرة الزبد الذي جرت سنة الله بزواله: فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
وفي الأخير أدعو كل من سلك مسلك هذا الضال، وكل من اغتر بما زيفوه من بواطل حول كتاب الله وسنة نبيه، التي كان هذا الضال لا يقيم لها بالا ولا يعتبرها وحيا، أن يعتبروا وأن يعلموا أنهم إلى الفناء فليتصلوا اتصالا صحيحا بكتاب الله يكتب لهم به ومن خلاله البقاء بذكر حسن وجهد مشكور، وإلا فلن يضروا الله شيئا، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
جعلنا الله ممن كتب لهم الثبات في الحياة الدنيا والآخرة، وعصمنا بالإيمان به، ووفقنا للاعتصام بكتابه، وسنة نبيه، وجماعة المسلمين، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[امجد الراوي]ــــــــ[07 Jul 2010, 07:56 ص]ـ
للاسف يا سيدي الدكتور عبد الرحمن، وقعت في نفس الخطأ الذي كان يريد الراحل لفت الانتباه اليه، وهو عدم الخلط بين القرءان والمفهوم البشري للقرءان والذي احد اوجهه ما يسمى تفسيرا او تاويلا او فقها او حديثا مرويا، فلا تجمع في القرءان وعلوم القرءان بين الجانب النصي منه وهو كتاب الله الحفيظ المبين، وبين الحصيلة البشرية المنسوبة والمزعومة الى جنب القرءان، ولعل الراحل كان ينتقد هذا الجانب وليس الاخر مع اني لم اطلع على كتبه ولست من مؤيديه وانما قرأت ءاراء عنه لعلها كانت معتدلة اكثر من رأيك، ولعله كان يريد تنزيه القرءان وتبرئته مما أُلحق به من المعلوم من العلوم بالضرورة، وليس هو يصوب سهامه تجاه القرءان، لذلك قد تلتقي بالقصد انت واياه وان اختلفت الرؤيا والظنون،
اللافت الاخر، اني حسبتك اكثرا اعتدالا مما ارى منك، وحكمك هذا الحكم الجارف بحيث لاتدع مجالا لمحاولة تفهم للرأي البشري من أمثال الراحل رحمه الله، فكان يكفيك ان تشير اليه بالخطأ مع استدلالك عليه وايراد الشواهد،
والامر الاخر اراك يا اخي العزيز تصدر احكاما، لايصدرها الا الله فلم اظنك هكذا،
واظن انك قد جنيت عليه باتهامك له بالماركسية وبانه باع الحق واشترى الباطل،
تقول:
ملأها بالطعن في القرآن وفي علومه وفي منهج الاستدلال المستنبط منه،
......
فكان ينبغي ان تفصل بين هذين المقررين؛ الطعن بالقرءان وعلمه الحق، والطعن في علومه المستنبطة بشريا ومنهج الاستنباط منه، فهل هو طَعَنَ في الاول الذي هو لاياتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه؟ ام طعن بالثاني وهو البشري وهو منهج الاستدلال والاستنباط من القرءان الذي هو بشري وهو الذي لايمتنع ان ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟، حقيقة اني لست من المطلعين وارجو منك ان تقدم لنا الشواهد على ما وصفت به الراحل،
فحبذا لوتقوم بايراد مقولاته ونقدها لنرى مقدار مفارقته من عدمها لكتاب الله ونكون على بينة من الامر،
واخيرا اذكرك بما سبق ان ذكرتنا به قبل يوم او يومين؛
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} المائدة8
ارجو ان تتقبل رؤيتي وان خالفت رؤيتك للمسألة برحابة صدر واعتبارها محاولة لتفهم الاخر،
والسلام عليكم ورحمة الله،
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Jul 2010, 08:16 ص]ـ
وفقك الله أخي أمجد على هذه النصيحة الغالية والثمينة، وأنا أقدرها لك كثيراً، واستغفر الله أن أكون ظلمته في قولي هذا، ولكن الحقيقة المكتوبة في كتبه أشدُّ مما ذكرته لك أخي أمجد، فلم يكن قصدي إلا التنبيه على الموضوع لعلمي بأن هناك كتباً وأبحاثاً ناقشته نقاشاً مفصلاً، وقد قرأتها ولله الحمد وقرأتُ كتبه كلها، فلم أكتب ما كتبتهُ هنا إلا بعد قراءتي لكتبه في وقتها. ولعلي أضع لك بعض ما أجده متاحاً بشكل إلكتروني من النقاشات لما كتبه تقديراً لنصيحتك، وتلبية لرغبتك، وثق أخي العزيز أنني أرحب بك وبتوجيهاتك وتوجيهات جميع الزملاء بكل رحابة صدر، وأن هذا الأصل في خلقي ولله الحمد، وما تراه مني غير ذلك فإنما هي حالات تعتريني أحياناً أعوذ بالله منها ومن أسبابها، ونعوذ بالله من الظلم والزلل.
ولعل الزملاء كأخي أحمد غازي يعينونني في تلبية رغبة أخي أمجد في وضع الأبحاث التي ناقشته في شبهاته بالتفصيل لتكتمل الصورة إن شاء الله.
ـ[امجد الراوي]ــــــــ[07 Jul 2010, 08:17 ص]ـ
انقل اليكم ما كتبه زميل لنصر حامد ابي زيد على تماس شديد معه، وهو استاذ كريم يشهد له بالفضل هو الدكتور سيد ادم؛
..............
(في عام 1995 بدأت معاناة وشهرة المفكر والكاتب المصري الراحل نصر حامد أبو زيد برفضه النطق بالشهادتين أمام المحكمة , مبررا ذلك بقوله إنه رفض "حتى لا يؤسس لوجود سلطة تفتش فى قلوب الناس" فأصدرت المحكمة حكماً بردته عن الإسلام والتفريق بينه وبين زوجته. وبعد لجوئه الإختياري لهولندا كان أول ما بدأ به أبو زيد محاضراته في جامعة ليدن البسملة والنطق بالشهادتين.
(يُتْبَعُ)
(/)
كان الرفض هو بداية ظهور وانتشار اسم نصر حامد أبوزيد على ألسنة الناس، لكنه لم يكن أبداً بداية القصة.
ولد الراحل فى العاشر من يوليو عام 1943، وأرسله والده إلى "الكتّاب" مع أقرانه لتعلم القرآن الكريم تمهيداً لإكمال تعليمه فى الأزهر الشريف، لكن مرض الوالد
واضطرار "نصر" إلى إعالة الأسرة منعه من الالتحاق بالأزهر، فتحول إلى التعليم المدني وحصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكى عام 1960.
قرّر بعد ذلك العمل ومواصلة دراسته الثانوية فى المدارس الليلية حتى حصل على الثانوية العامة، ثم ليسانس الآداب من قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة
عام 1972 بتقدير ممتاز، وكان الأول على دفعته.
ورغم حلمه بأن يكون "ناقداً أدبياً"، أقنعه أساتذته بأن يلتحق بقسم "الدراسات الإسلامية"، وهناك واصل دراسته حتى نال درجتي الماجستير والدكتوراه فى الدراسات الإسلامية، وفى الكلية نفسها طرح بحثاً للترقية للأستاذية عن "نقد الخطاب الدينى"، واجه على إثره اتهامات بالكفر و"العلمانية"، ليصل الأمر به إلى المحكمة، ثم الهجرة إلى هولندا مع زوجته التى أصدر القضاء حكماً بتفريقه عنها.
وفى هولندا، فاجأ "نصر" الجميع واستهلّ أولى محاضراته فى جامعة ليدن بالبسملة، ونطق الشهادتين، معلناً أنه رفض نطقهما أمام المحكمة حتى لا يؤسس لوجود
"سلطة تبحث فى قلوب الناس"، وبدأ بهما محاضرته الأولى حتى يقول لمن استضافوه "إذا كنتم تحتفون بى لاعتقادكم بأننى ضد الإسلام فذلك خطأ لأننى باحث من داخل دائرة الحضارة العربية الإسلامية".
وبناءً على هذا المبدأ أقام فى هولندا 15 سنة ألف خلالها قرابة الـ20 كتابا، وكَتَب، بالعربية، والإنجليزية، عشرات المقالات، وحصل على العديد من الجوائز، وخاض العديد من المعارك الفكرية دفاعاً عن الإسلام فى وقت كان الهجوم فيه على الإسلام من قبل مسلمين "موضة" فى الغرب، على حد تعبيره.
وصف حامد وجوده فى هولندا بأنه "مجرد وجود مكانى، بمعنى أنه يظل شاغلى الأساسى هو قارئى فى العالم العربى وفى العالم الإسلامى"، وبعد 15 عاما انتهى
هذا الوجود المكانى ليعود إلى القاهرة ويستقر فى مدينة السادس من أكتوبر.
وتوفى أبو زيد الاثنين 5 - 7 - 2010 متأثرا بإصابته بمرض "غامض" حار فيه الأطباء , أصيب به قبل عدة أسابيع, وانتهت المعاناة مع المرض بوفاته، التي لن تكون نهاية قصته أو اسهاماته كمفكر أثار الكثير من الجدل الديني والثقافي.)
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[07 Jul 2010, 09:21 ص]ـ
احتفاء الغرب به وبفكره دليل على أنهم وجدوا في فكره ما يتمنونه ويسعون إليه
فالغرب دائما يتبنى أولئك الذين يجدون في فكرهم طعنا في الإسلام وثوابته
أمثال سلمان رشدي وتسليمة نسرين وحامد أبو زيد
ـ[السراج]ــــــــ[07 Jul 2010, 12:23 م]ـ
الحمد لله الذي أراح المسلمين منه ومن شره ومكره ودجله وتلفيقه.
وكما ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِى قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِىٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟.
فَقَالَ «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ».
ـ[أحمد صالح أحمد غازي]ــــــــ[07 Jul 2010, 12:42 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله العلي القدير، والصلاة والسلام على الشفيع النذير، وعلى أهله وصحبه أجمعين، جعلنا الله من التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
أخي العزيز الشيخ الدكتور/ عبد الرحمن، أشكر لك ثقتك، لكنني كنت في الجامعة، ومع عودتي وجدت عبارتك التي استجابةً لها أكتب على عجالة بعض ما أستخلصه الآن من كتابات نصر حامد أبو زيد في كتابه (مفهوم النص دراسة في علوم القرآن)، الطبعة السادسة، سنة:2005م، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب، وذلك كما يلي:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - تتعامل الثقافة الغربية مع نصوصها المقدسة باستهانة فتجعلها نصوصا أدبية كأي نص من إنتاج البشر، وهذا وإن كان ديدنهم من قديم الزمان إلا أنه ليس من دأب أمة الإسلام في كافة الفرق السابقة حتى الضالة منها، إلا أن ناشئة منهم أبو زيد عاملوا النص بهذا المستوى كما جاء في كتابه المذكور ص10، حيث يقول:"إن البحث عن مفهوم النص ليس في حقيقته إلا بحثا عن ماهية القرآن وطبيعته بوصفه نصا لغويا، وهو بحث يتناول القرآن من حيث هو كتاب العربية الأكبر، وأثره الأبي الخالد، فالقرآن كتاب الفن العربي الأقدس، سواء نظر إليه الناظر على أنه كذلك في الدين أم لا، وهذا الدرس الأدبي للقرآن في ذلك المستوى الفني دون نظر إلى اعتبار ديني هو ما نعتده وتعتده معنا الأمم العربية أصلا، العربية اختلاطا، مقصدا أول وغرضا أبعد، يجب أن يسبق كل غرض ويتقدم كل مقصد، ثم لكل ذي غرض أو صاحب مقصد بعد الوفاء بهذا الدرس الأدبي أن يعمد إلى ذلك الكتاب فيأخذ منه ما يشاء ويقتبس منه ما يريد"، وهو ينقل بعض كلامه هذا عن أمين الخولي، دائرة المعارف الإسلامية مادة تفسير.
2 - يستهين أبو زيد بمسألة الحدود الشرعية، ويرى أنها لا تتطابق مع الواقع المعاصر، وهو ما يشير إلى مذهبه في مسألة عدم صلاحية قواعد الإسلام وفق فهم النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح لكل زمان ومكان كما سيأتي في الملحظ الثالث، حيث يقول في نفس الكتاب ص14:"إن المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية واعتبارها مطلبا أوليا في الفكر الديني المعاصر مع التسليم بصحة منطلقاتها النظرية وَثْبٌ على الواقع وتجاهل له، خاصة إذا تم اختزاله في مسألة تطبيق أحكام الحدود كما هو الأمر عند كثير من الجماعات التي تطلق على نفسها اسم الإسلامية"، وله نصوص غير هذا اطلعت عليها يصرح فيها بأن الحدود لا تليق بعصرنا وواقعنا، لا تحضرني الآن، وأن علينا أن نعيد فهم الشريعة وفق ما يتناسب مع واقعنا لا وفق واقع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويسترشد في ذلك بواقع تطور التشريع بين مكي ومدني، ويشير إلى استمرارية التطور بتغير المجتمعات.
3 - أن أهل السنة حينما اعتبروا السلف الصالح ابتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم مصدرا لتفسير النص القرآني فارقوا الصواب في جانب التأويل الصحيح للقرآن الكريم لأنهم ربطوه بذلك الزمن، حيث يقول ص 220:"إن معيار التفسير الصحيح عند من يطلقون على أنفسهم أهل السنة سواء في التراث أم في الفكر الديني الرسمي المعاصر هو ما ورد عن الرسول أو عن الصحابة الذين شهدوا نزول الوحي وكانوا أقرب من ثم إلى فهم دلالته، فالتفسير عندهم لا بد أن يستند إلى النقل لأن الاستدلال يؤدي دائما إلى الخطإ في زعمهم"، ثم يقول ص222:"والتمسك بهذا التفسير بوصفه التفسير الوحيد الصحيح استنادا إلى سلطة القدماء يؤدي إلى ربط دلالة النص بالأفق العقلي والإطار الثقافي لعصر الجيل الأول من المسلمين، وهذا الربط يتعارض تعارضا جذريا مع المفهوم المستقر في الثقافة من أن دلالة النص تتجاوز حدود الزمان والمكان"، ثم يقول ص223: "إن الخطأ الجوهري في موقف أهل السنة قديما وحديثا هو النظر إلى حركة التاريخ وتطور الزمن بوصفها حركة نحو الأسوإ على جميع المستويات، ولذلك يحاولون ربط معنى النص ودلالته بالعصر الذهبي عصر النبوة والرسالة ونزول الوحي، متناسين أنهم في ذلك يؤكدون زمانية الوحي لا من حيث تكون النص وتشكله بل من حيث دلالته ومغزاه كذلك"، والتعليق على هذا الكلام طويل لكن يمكن الوقوف على نقطة تكون النص وتشكله، فإن النص القرآني بالذات قد تشكل وانتهى الأمر فيه بانقطاع الوحي، من حيث التكون والتشكل مع أن إطلاق مثل هذه الألفاظ على القرآن يقف بنا على مستوى عال من الخطورة، لأنه لم يتشكل ولم يتكون في حدود ما تدركه عقولنا، ولا يجوز لنا إطلاق الأوصاف عليه على هذا المستوى وكأنه قصيدة أو قصة أو كتابة أدبية تتشكل وتتكون بنظر وسمع البشر وإدراكهم ومساهمتهم في تشكلها وتكونها، مع أنه قد صرح في بداية الكتاب هذا بأن القرآن لأنه نص لغوي فإنه يتكون من مكونات الثقافة التي نزل في لغتها وهو بهذا يومئ إلى ما ذهب إليه بعض المستشرقين من أن القرآن نتيجة ثقافية للمجتمع العربي، وتابعهم على ذلك بعض أبناء الإسلام كطه حسين وغيره، ولن أقف على بقية الملاحظ التي تظهر جلية في النص.
وهذا الكتاب فيه مواطن كثيرة زل فيها المؤلف زلات كبيرة، لا مجال في هذا المقام لتتبعها، والمؤلف يعتبره خطوة ثالثة في خطوات التأويل الصحيح للقرآن الكريم، إذ يرى أن القرآن حظي فقط بثلاث خطوات أولاها للمعتزلة والثانية للصوفية والثالثة هذا الكتاب، متجاهلا بداية تأويله عمليا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه الكرام وكل الجهود بعدهم، حيث قال ص5:"ومن المنظور الأكاديمي بالمعنى السالف تعد هذه الدراسة خطوة ثالثة على طريق دراسة تراثنا الفكري من منظور علاقة المفسر بالنص وجدله معه، وكانت الخطوتان السابقتان دراسة تأويل النص القرآني سواء كان هذا التأويل يتم على أسس عقلية كما هو الأمر عند المعتزلة، أم كان يتم على أسس ذوقية حدسية كما هو الأمر عند المتصوفة، ولقد كان التركيز في الدراستين السابقتين ينصب على الآفاق الفكرية والمعرفية التي تبدأ منها عمليات التفسير والتأويل، ولذلك كان من الضروري أن يكون التركيز في هذه الدراسة على جانب النص".
أرجو أن يكون في هذه الومضات ما يسد الرمق إلى أن نقف عليه وقفة متأنية إن شاء الله لاحقا، وأرجو من الله أن يكون أبو زيد قد راجع نفسه وتاب عن زلاته أثناء مرضه أو ما قبلها، فإننا نحب الخير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما كان لذلك الحب والخير سبيل، ونسأل الله الهداية إلى الحق والثبات عليه حتى نلقاه وهو راض عنا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عسجد]ــــــــ[07 Jul 2010, 03:10 م]ـ
أشكر لك أستاذي الفاضل عبدالرحمن الشهري طرحك لهذا الموضوع.
وأحببت هنا أن أنقل نصاً لنصر أبو زيد لعله يكون كافياً لتأييد ما تقوله أستاذي الفاضل.
يقول نصر في كتابه مفهوم النص ص14: (الفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية الإسلامية هو الذي يُحوِّل النص (أي القرآن) إلى شيء له قداسته, بالقول: إِنَّه نص خاص, وخصوصيته نابعةٌ من قداسته وألوهية مصدره, بينما حقيقة النص وجوهره أنَّه مُنتجٌ ثقافيٌّ تشكلَّ في الواقع والثقافة خلال فترةٍ تزيد على العشرين عاماً)
فنصر أبو زيد هنا ينزع عن القرآن قداسته وينسبه للعقلية الرجعية، ثُمَّ إِنَّه يُشكِّكُ في مصدريَّةِ القرآنِ، ويَجعلُ مصدره هو البيئة العربية ذات الثقافة الشفاهية، يقول في ذلك أيضاً: (إِنَّ القرآن تشكَّلَ من خلال ثقافة شفاهية, والوقائع هي التي أنتجت هذه النصوص).
وقد تطرَّق الدكتور عادل الشدي - حفظه الله - في كتابه (الاتجاهات المنحرفة في التفسير في العصر الحديث) لانحرافات نصر أبو زيد وأمثاله، وتولَّى الردَّ العلميَّ على أبرز الشبهات التي أثاروها, وقد ناقشهم من خلال كتب التاريخ والأخبار من باب الإلزام بالحجة، والتنزُّلِ مع المخالف، فهم جَميعاً يؤكِّدون على أهمية المصادر التاريخية.
ـ[امجد الراوي]ــــــــ[07 Jul 2010, 04:50 م]ـ
وفقك الله أخي أمجد على هذه النصيحة الغالية والثمينة، وأنا أقدرها لك كثيراً، واستغفر الله أن أكون ظلمته في قولي هذا، ولكن الحقيقة المكتوبة في كتبه أشدُّ مما ذكرته لك أخي أمجد، فلم يكن قصدي إلا التنبيه على الموضوع لعلمي بأن هناك كتباً وأبحاثاً ناقشته نقاشاً مفصلاً، وقد قرأتها ولله الحمد وقرأتُ كتبه كلها، فلم أكتب ما كتبتهُ هنا إلا بعد قراءتي لكتبه في وقتها. ولعلي أضع لك بعض ما أجده متاحاً بشكل إلكتروني من النقاشات لما كتبه تقديراً لنصيحتك، وتلبية لرغبتك، وثق أخي العزيز أنني أرحب بك وبتوجيهاتك وتوجيهات جميع الزملاء بكل رحابة صدر، وأن هذا الأصل في خلقي ولله الحمد، وما تراه مني غير ذلك فإنما هي حالات تعتريني أحياناً أعوذ بالله منها ومن أسبابها، ونعوذ بالله من الظلم والزلل.
ولعل الزملاء كأخي أحمد غازي يعينونني في تلبية رغبة أخي أمجد في وضع الأبحاث التي ناقشته في شبهاته بالتفصيل لتكتمل الصورة إن شاء الله.
بارك الله فيك أستاذنا الفاضل، وهذا هو ظننا فيك، سباقٌ إلى الفضيلة والحق، ومبتغياً للصراط المستقيم.
ـ[امجد الراوي]ــــــــ[07 Jul 2010, 05:40 م]ـ
رايت انه من الخير نقل شهادة احد زملاء الراحل، الاستاذ الدكتور سيد ءادم، ثم بعد ذلك نحاول قراءة فكر الرحل بصورة محايدة وغير متعسفة:
يقول د. سيد ءادم:
قرأت خبر وفاته في كتابة للأستاذ محسن على شاشة المنتدى، وعلّقت بما أسعفني به الفكر، وقلت في نفسي: لأتابع الفضائيات علها تزودني بالمزيد، وجلست أشاهد قناة " العربية " فأطلّتْ علينا مذيعة آه لو كانت ثقافتها بمستوى جمالها!!!!!!، وقدمت الراحل وعرّفت به فقالت، ما معناه، إنه أثار جدلاً كبيراً في الشارع المصري والعربي والإسلامي بكتاباته التي طالب فيها بالتحرر من سلطة النصوص خاصة النصوص القرآنية!!!!!!!!!. هنا قفّ شعر رأسي من كم " الجهل " الذي تم تناول ميراث الرجل العلمي به، ولو كلفت المذيعة نفسها قراءة بعض ما كتبه نصر لما قالت الذي قالت، والذي سيسهم في قتل الرجل، حتى بعد موته، بنظر كثير من المشاهدين الذين لا يعرفون نصراً ولا كتاباته إلا من خلال قول هذه المذيعة.
لم يطالب نصر بالتحرر من نصوص " القرآن " بل ميّز، رحمه الله تعالى، بين نصين: نص أساس، وهو القرآن الكريم، ونص ثانوي، وهو شروح، وفهم، القرآن، وما طالب به الرجل هو التحرر من " نصوص " الآخرين الفاهمين للقرآن.
(يُتْبَعُ)
(/)
أبان نصر أن أحد معوّقات تقدمنا " تقديس " الأئمة!!! و اعتبار اجتهاداتهم نهائية وصائبة. وأيضاً محاولة إلغاء " العصر " و " التاريخ " و " العلم " و " المعرفة " عبر طرح مفاهيم تدغدغ العواطف، عواطف العامة تحديداً، من قبيل " أسلمة العلوم " التي لا تعني أكثر من أن " كل " منجز علمي حصّله الإنسان إنما هو موجود " حصرياً " في النصوص " الأساس "!!! وهذه النصوص لم تقل ذلك، بل الذي قاله النصوص " الثانوية " (= الشروح وشروح الشروح) تلك التي طالب نصر بالتحرر منها، لا، كما قالت المذيعة، من النصوص الأساس ,
إن النصوص التي طالب بالتحرر منها نصرٌ إنما هي شروح السلف، وهي، قطعاً، نصوص " تراثية " ثانوية، إنما فعل أصحابها ذلك ترويعاً للعامة حيث وحّدوا بين ما هو ثانوي / تراثي، وبين ما هو أساس / ديني!!! تماماً كما نوحد الآن، وكلنا على درب الغيببة سائرون، بين الدين وبين الفكر الديني!!!.
ويقول ايضا:
?
قال أحدهم، أظنه الشافعي،: لو جادلني ألف عالم لغلبتهم، ولو جادلني جاهلٌ واحد لغلبني.
وهاك تعليقاً على موت نصر حامد أبو زيد، كتبه أحد منتسبي " خير أمة "!!! لكن البون كبير بين " النص " و " الواقع!!!!!!.
التعليق (الحمد لله على كل حال
اراح ولن يستريح ان شاء الله
وعفبال القمنى والعوا و .. وكل اعداء الله ورسوله
فهو كان مرتد وقد حكم القضاء بتطليقه من زوجنه فهرب
ولا اعتقد انه مات على التوحيد ان الله لا يهدى الظالمين)
هكذا حكم صاحب هذا التعليق على نصر بأمور لا يعلمها إلا الله تعالى، مثل
: لن يستريح!!!. و " لن " تفيد التأبيد المستقبلي، فهل أخونا هذا اطّلع الغيب؟؟؟.
و:لا اعتقد أنه مات على التوحيد!!!. وهكذا " اعتقد " صاحب التعليق بكفر رجل كل ذنبه أنه استخدم " أعدل الأشياء قسمة بين الناس " ما يعني الحكم بكفره، والرسول، صلى الله عليه وسلم، يقول: من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما.
ويقول ايضا:
?
كان الزميل الراحل واحداً ممن تم توظيف الدين ضدهم بذكاء و " لف ودوران " لم يكن يتوقعه الراحل الكريم، قام بذلك الدكتور شاهين وراحلٌ آخر كان الواجهة التي سترت شاهين بحجمه وغروره!!!.
كان نصر حسنَ النية، وظن أن " لا حياء في العلم " فكتب مؤلفات جيدة، وشاء حظه أن تقع تحت تحكيم شاهين، وهو المذكور ضمن المنقودين بقلم نصر نقسِه!!! فقامت الدنيا ولم تقعد، وحول " الأستاذ الجامعي الأكاديمي " " المعركة " إلى ساحة " الدهماء " فحدّثهم، وهو يخطب فيهم في جامع عمرو بن العاص (= الفسطاط)، بما صوره لهم، وهم ذوو ثقافة غاية في التواضع، اعتداء على ثوابت الدين!! لكنه الزمن غير الجيد الذي يعطي شاهين الحق أن يخلط بين " ذاته " وبين " الدين ... لكن خطيئة نصر أنه " دخل " عش الدبابير حين تناول رموز " توظيف " الأموال كما توظيف الدين فكان الضرب " تحت الحزام " لدرجة أن واحدة " داعية " غمزت علاقته بزوجته الفاضلة، فردت عليها بما يفحم ... لكن لا حمرةَ خجل لدى هؤلاء.
المضحك في الأمر، أن زوجته، قبيل خروجهما من مصر، كانت مشكلة المشاكل لديها: ما العمل لو تهور أحدهم واعتدى على نصر وهم في طريقهم من أكتوبر، حيث يسكنان، إلى الجامعة، والرجل " تخين " وسيارتهما " سيات 133!!!!!! (صدق أو لا تصدق)!!! لا يمكن أن تسع " جسم " نصر في الأرضية!!! قالت لنا هذا وهي تضحك، وهو يضحك فيهتز " بطنه " في طفولة بريئة غاية البراءة، ثم نحن ننظر إلى الزوجة الوفية، وهي غاية في النحافة، وننظر إلى الراحل الطيب وهو غاية في البدانة فنعاود الضحك، كلنا: نحن وهو وهي!!!.
رحل نصر، وبقي شاهين!!!.
أرى أن أجمل ما كتب نصر كتابه الأخير " التفكير في زمن التكفير "!!!.
ـ[محمود البعداني]ــــــــ[07 Jul 2010, 08:40 م]ـ
شكر الله لكم شيخنا الشهري على إثارة هذا الموضوع
وقد لحظت أمراً يتنازع الناظرين إلى الأشخاص كثيراً، وهو ظن بعض الأخوة أن تبيين ما عليه كتب الرجل، ونقد آرائه المتصلة بالعلوم الشرعية هو وصف له بالجهل مطلقاً، وهذا الفهم غير صحيح، وليس مرادا للناقد، وإنما يكتب كل أحد من منطلق تخصصه.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا جانب، وجانب آخر مهم، وهو أن بعض الأخوة يتعجل الدفاع عن أشخاص لم يقرأ لهم قط كما يذكر، وهنا ينبغي أن يتأنى المرء والأمور العلمية والشرعية ليست بالعاطفة، وإنما مردها العلم.
وقد أحببت أن أشارك في هذه المدارسة بوقفات متنوعة علمية ودعوية وتربوية أقتصر فيها على كتاب مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، وهي كالتالي:
الوقفة الأولى: أمضى الدكتور في كتابة هذا الكتاب وجمع مادته خمس سنوات! كما في ص 6، وشغلته شواغل ومع ذلك كان يعاود الكتابه، وأنا أتعجب من جلد هؤلاء على ما عندهم وعجز الثقة!
الوقفة الثانية: مع ما في هذا الكتاب من مآخذ إلا أن الدكتور نصر فيما لحقه كان أكثر جرأة، وما نقد الأزهر له لكتابه/ الامام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية إلا مثال على ما كتبه بعد هذا الكتاب.
الوقفة الثالثة: مجمل الكتاب يهدف إلى إثبات تاريخية النص (وهو يعني بالنص القرآن)، وهذا أمر أكبر من أن يدلل عليه بنقل، فهو ظاهر في بحثه عن أسباب النزول، والنسخ، والمناسبات، والإعجاز، وغيرها من مباحث الكتاب.
الوقفة الرابعة: هناك وجه شبه في مباحث الوحي وارتباطه بظاهرة الكهانة، وكلامه عما يتصل بنقص القرآن مع ما قرره الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه مدخل إلى التعريف بالقرآن!!
كما أن كتاب الامام الشافعي وتأسيس الأيديلوجية الوسطية للدكتور نصر، وتركيزه على الشافعي يمكن أن يكون مفهوماً إذا ربطناه بكلام الدكتور الجابري في كتابيه تكوين العقل وبنية العقل.
الوقفة الخامسة: الانطلاق في الكتابة عن القرآن من أن القرآن نص هو ما سلكه الدكتور نصر في كتابه مفهوم النص، ولكنه في آخر كتاباته غير من منهجه في التعامل مع القرآن من كونه نصاً إلى مفهوم آخر هو (مفهوم الخطاب)، وهو يقول: " أنا الآن أكثر اقتناعا بأن التعامل مع القرآن من منظور أنه نص أفضى إلى مجموعة من النتائج السلبية في تاريخ التفسير قديما وحديثاً لا أستثني نفسي من هذا لأنني جزء من الخطاب الثقافي! " منقول من محاضرة له بعنوان إعادة تعريف القرآن.
ولعل أهم ما يفرق بينهما في ظني أن رأيه الأول كان نابعا من أن هذا النص يحاجة إلى أمر خارجي - وهو وصفه بالتاريخية عند الدكتور نصر - للتخلص من أحكامه، أما مع مفهوم الخطاب فلا حاجة إلى ذلك بل النص يهدم نفسه!.
الوقفة السادسة: نصوص منقولة من كتاب مفهوم النص، ومنها ما سبق أن أشار إليه الدكتور الفاضل أحمد صالح، وقد عنونت لها بما يبرز أهم ما فيها:
الأساس الثقافي لظاهرة الوحي هو معرفة العرب بظاهرتي الكهانة والشعر!
"لقد كان ارتباط ظاهرتى "الشعر والكهانة" بالجن فى العقل العربى، وما ارتبط بهما من اعتقادى العربى بامكانية الاتصال بين البشر والجن هو الأساس الثقافى لظاهرة الوحى الدينى ذاتها. ولو تصورنا خلو الثقافة العربية قبل الاسلام من هذه التصورات لكان استيعاب ظاهرة الوحى أمرا مستحيلا من الوجهة الثقافية، فكيف كان يمكن للعربى أن يتقبل فكرة نزول ملك من السماء على بشر مثلة ما لم يكن لهذا التصور جذور فى تكوينه العقلى والفكرى. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحى – القرآن – لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع أو تمثل وثبا عليه وتجاوزا لقوانينة، بل كانت جزءا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها وتصوراتها. ص (34)
إن العلاقة النبوة والكهانة – فى التصور العربى – أن كليهما "روحى"، اتصال بين إنسان وبين كائن آخر ينتمى إلى مرتبة وجودية أخرى، ملك فى حالة النبى، وشيطان فى حالة الكاهن. وفى هذا الاتصال/ الوحى ثمة رسالة عبر شفرة خاصة لا يتاح لطرف ثالث أن يفهمها على الأقل لحظة الاتصال، وذلك لأن النبى "يبلغ" للناس بعد ذلك الرسالة، والكاهن "ينبئ" عن محتوى مل تلقاه. وفى هذا كله تصبح ظاهرة "الوحى" ظاهرة غير طارئة على الثقافة ولا مفروضة عليها من خارج كما سبقت الاشارة ويكاد ابن خلدون يصر على أن النبوة لم تلغ الكهانة ولم تقض عليها كما يتوهم بعض الناس: ص (38/ 39).
النبي صلى الله عليه وسلم بعد تجربة الاتصال الأولى كان يتشوف إلى ما يطمئنه على صحة قواه العقلية:
(يُتْبَعُ)
(/)
كان محمد إذن حائرا بعد تجربة الاتصال الأولى لا يدرى ماذا أصابه. كان يريد أن يقر له قرارا، ويتشوف إلى ما يطمئنه على صحة قواه العقلية ربما. ولعله كان شاكا في أن ما أتاه فى المرة الأولى كان وحيا من ربه الذى طال تشوقه إلى معرفته. ص (70)
موقف نصر حامد أبو زيد من القول بوجود نقص في القرآن!
"هل يمكن أن نفترض من هذه الروايات سقوط بعض نصوص من القرآن من ذاكرة الجماعة رغم كثرة الروايات التى تدل على حرص النبى والمسلمين على التدوين والحفظ معا؟ أم هل نفترض أن جمع عثمان للناس على مصحف واحد بعد اختلافهم فى القراءة – وما أدى اليه من تدوين القرآن على حرف واحد من الحرف السبعة – كان بمثابة توحيد لقراءة النص على لهجة قريش؟ وهو افتراض يمكن أن نجد له سندا فى قول عثمان للجنة جمع القرآن وتدوينه
.... أم هل نفترض أن هذه الروايات كلها مكذوبة مدسوسة وأنه لم يسقط شئ من القرآن؟ ونستند فى ذلك إلى أن كثيرا منها ورد على لسان أبى كعب وهو من أحبار اليهود لكن أيا كان الافتراض الذى يمكن أن نفترضه، فالذى لا شك فيه أن هذه النماذج كلها لا تدخل فى باب "النسخ" بالمعنى الذى حددناه من قريب أو من بعيد لا من حيث المفهوم ولا من حيث الوظيفة. والذى لا شك فيه أيضا أن فهم قضية النسخ عند القدماء لا يؤدى فقط إلى معارضة تصورهم الأسطورى للوجود الخطى الأزلى للنص، بل يؤدى أيضا إلى القضاء على مفهوم النص ذاته. ص (133/ 134)
القول بوجود إعجاز في لغة القرآن يحوله إلى نص مغلق مستعص على الفهم!
"ولقد حاول المعتزلة جاهدين ربط النص بالفهم الانسانى وتقريب الوحى من قدرة الانسان على الشرح والتحليل. ويبدو أن فكرة "الاعجاز" بما تتضمنه من معنى المعجزة الذى أشرنا اليه فيما سبق كان يمكن لو سلموا بوجودها فى بناء النص اللغوى أن تؤدى إلى مفارقة الوحى – من حيث هو نص لغوى – لقدرة الانسان، وتؤدى من ثم إلى تحويل الوحى الى نص "مغلق" مستعص على الفهم والتحليل. لقد كان التسليم بقدرتة الانسان على الفعل وعلى فهم الوحى معا هو الدافع وراء محاولة تفسير "الاعجاز" من خلال مفهوم "التوحيد" ومن خلال صفتى "القدرة" و "العلم" بصفة خاصة. إن "عجز" البشر عن الاتيان بمثل الوحى نابع من تدخل الهى سلبهم القدرة، ونابع من "علم" بالماضى والمستقبل لا يتاح للإنسان". ص147.
تفسير أهل السنة يعتمد على سلطة القدماء!
إن التفسير الصحيح – عند من يطلقون علي انفسهم اسم "أهل السنة" – قديماً وحديثاً – هو التفسير الذي يعتمد علي سلطة القدماء ...... "والتمسك بهذا التفسير بوصفه التفسير الوحيد الصحيح استناداً إلى سلطة القدماء يؤدي الي ربط دلالة النص بالافق العقلي والاطار الثقافي لعصر الجيل الاول من المسلمين. وهذا الربط يتعارض تعارضاً جذرياً مع المفهوم المستقر في الثقافة من ان دلالة النص تتجاوز حدود الزمان والمكان. ص 221 - 222
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[08 Jul 2010, 06:13 ص]ـ
مقال: الراحل نصر حامد أبو زيد للدكتور خالد المزيني ( http://tafsir.net/vb/t20563.html)
ـ[مرهف]ــــــــ[08 Jul 2010, 12:57 م]ـ
إن نصر أبو زيد وأضرابه هم صناع مرحلة تهدف لتهيئة أرضية ذات إباحية فكرية تنتفض من قيود القواعد والقوانين الناظمة لفهم الكتاب والسنة كما كان هناك أناس يروجون لإباحية سلوكية تنتفض من قيود القوانين الناظمة لسلوك ونظام حياة المجتمع المسلم.
وإلى من يريد أن يبين لنا مقصد أبو زيد من كلامه أقول: لقد ألف هذا الرجل مئات الصفحات ألم يكن قادراً على بيان مقصده فكلامه مكتوب ومراده منه واضح فلم هذا التلبيس على الناس في بيان مقصده، فقد كان الرجل فصيحاً في كلامه ولم يكن بحاجة إلى وكلاء عن قلبه ونيته ومقصده ليقول لنا: كان قصده ... ولم يكن قصده ... ، وقد نقل الأخوة جزاهم الله خيراً من لفظ كلامه ما يقطع البينة في مراده وقد أفضى الرجل إلى ربه بما كتبت يده ونطق لسانه وقصد قلبه فنسأل الله أن يحسن ختامنا على ما يرضيه
ـ[حمود العمري]ــــــــ[08 Jul 2010, 01:26 م]ـ
عجبتُ - وحُقَّ لي العجبُ - مِن كتابة الشيخ عبدالرحمن وتلطفهِ وتَحرِّيهِ للحقِّ والرجوع إليه، مع إنه قرأ جَميع كتب الرجل في حينها.
وفي المقابل كتابة الأخ أمجد الراوي وإقدامه ونقدهِ وتَحليلهِ وأخذه وردِّه في الموضوع مع إنه لم يقرأ له شيئاًَ كما قال، وإنَّما أخذ معلوماته من المقالاتِ والردودِ مع إن كتب أبي زيد موجودة، والرجلُ مات قبل أيام وليس في القرن الرابع الهجري.
فلمَّا أراد الأخ أمْجد تدعيم معلوماته وتحريرها هَرعَ إلى غانيةٍ في القناة العِبْريَّةِ - عفواً العربيَّة - فليتهُ استراحَ
وهذا يصلحُ مثالاً لِمَن يتناول أمراً ولَم يُعِدَّ لَه عُدَّتَهُ، وإلا فما فَرقُ أهلِ العلمِ عن العامة إذن؟!
ـ[أحمد بوعود]ــــــــ[08 Jul 2010, 03:05 م]ـ
أحبابي الكرام، سادتي العلماء
السلام عليكم
ترددت طويلا في إبداء رأيي في الموضوع المثار، وجلست أرقب ما يكتب على صفحات الملتقى، فكثيرا ما أهرب من الجدل لنفور منه في طبعي. لكن بدا لي أن أقول بضع كلمات في الموضوع:
ما أريد من سادتي العلماء هو أن يميزوا بين الفكرة والشخص، ذلك أننا دائما ما نخلط بينهما فتجدنا نناقش الشخص في حد ذاته ونعرض عن الفكرة، وهذا يؤدي بنا إلى تكفيره. وأذكر أنني لما أجريت حوارا مع إحدى الصحف منذ سنوات وقلت بعدم تكفير نصر حامد وأمثاله ثارت ثائرة كثيرين ووصلت بريدي الإلكتروني رسائل تلومني على عدم القول بتكفيره. سبحان الله. وبدأت أتساءل "هل مهمتي أن أدخل الناس في دين الله أم أخرجهم منه؟ " ليس من حقنا أن أيها الأحباب أن نكفر أحدا يقول إنه مسلم، رغم ما يثير من أفكار تناقض معتقدات عموم المسلمين ... والقضية نفسها أثيرت لما توفي الجابري رحمه الله.
لذا ألتمس منكم أن نتوجه إلى دراسة الافكار، ولا يهمنا الأشخاص ولا حيثياتهم، يموت الشخص وتبقى الفكرة قائمة، صالحة كانت أم طالحة.
وأشدد على ما يلي: لولا الفراغ المهول في الفكر الإسلامي، وبخاصة في علوم القرآن، ولولا الانصراف إلى الاشتغال بقضايا جزئية أو فرعية بحتة، لما كان لفكر نصر حامد ولا لفكر غيره وجود.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[09 Jul 2010, 09:18 م]ـ
لا رحم الله فيه مغرز إبرة.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[09 Jul 2010, 10:03 م]ـ
ليس من حقنا أن أيها الأحباب أن نكفر أحدا يقول إنه مسلم، رغم ما يثير من أفكار تناقض معتقدات عموم المسلمين ... والقضية نفسها أثيرت لما توفي الجابري رحمه الله.
لذا ألتمس منكم أن نتوجه إلى دراسة الافكار، ولا يهمنا الأشخاص ولا حيثياتهم، يموت الشخص وتبقى الفكرة قائمة، صالحة كانت أم طالحة.
وأشدد على ما يلي: لولا الفراغ المهول في الفكر الإسلامي، وبخاصة في علوم القرآن، ولولا الانصراف إلى الاشتغال بقضايا جزئية أو فرعية بحتة، لما كان لفكر نصر حامد ولا لفكر غيره وجود.
لا يا اخانا الفاضل
من يقول إن القرآن نص بشري فمن حقنا أن نقول له أنت كفرت بالله الذي أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم
إن الذي قال إن القرآن قول بشر قال الله له:
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
وأبو زيد لم يتناول المسلمون إلا فكره لا شخصه ولولا فكره لم يلتفت إليه أحد.
أما تعليق انحراف أبي زيد على الفراغ في الفكر الإسلامي فهذا غير صحيح على الإطلاق
انحراف أبي زيد نتيجة هوى شخصي وجد من يشتريه ويوظفه
وكل ساقطة لها لاقطة.
ـ[حمود العمري]ــــــــ[09 Jul 2010, 11:01 م]ـ
أحسنت أخي أبا سعد الغامدي
ثم إن الكفر والإسلام والحق والباطل وعموم الأفكار ليست معلقةً في السماء إنما هي تُمثِّل أصحابها
ولولا ذلك ما كان حبٌ في الله ولا بغضٌ فيه.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[14 Jul 2010, 08:25 ص]ـ
شكراً لكل الزملاء الذين عقبوا على الموضوع.
بعث لي أحد الأصدقاء الذين يعرفون الدكتور نصر حامد أبو زيد شخصياً وجالسه في عدة مجالس يؤيدني فيما كتبته هنا، ويؤكد على ماركسية د. نصر حامد أبو زيد وتفاخره بذلك في مجالسه، وسخريته المتعمدة من آيات القرآن الكريم.
وأحببتُ إضافة بعض الكتب التي ناقش مؤلفوها ما كرره د. نصر حامد أبو زيد من شبهات حول القرآن الكريم لِمَن أراد الاستفادة منها ومطالعتها، فهدايةُ القراء هو الغرض من إثارة الموضوع ابتداءً، وإلا فالشخص قد أفضى إلى ما قَدَّم، وأصبح الآن في موقفٍ بين يدي ربه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز لنا نحن الدخول فيه.
فمن هذه الكتب:
1 - هجمة علمانية جديدة ومحاكمة النص القرآني للدكتور كامل سعفان، دار الفضيلة. من ص 111 حتى نهاية الكتاب.
2 - الحداثيون العرب في العقود الثلاثة الأخيرة والقرآن الكريم: دراسة نقدية، للدكتور الجيلاني مفتاح، دار النهضة، 1427هـ. وقد ناقشه في كثير من مباحث الكتاب.
3 - التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم: عرض ونقد، ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?p=110829#post110829) للأستاذة منى محمد بهي الدين الشافعي، دار اليسر. وقد ناقشته الباحثة في عدد من المباحث.
4 - الاتجاه العلماني المعاصر في علوم القرآن الكريم: دراسة ونقد، للدكتور أحمد محمد الفاضل، ط. مركز الناقد الثقافي بدمشق، 2008م. وقد ناقش د. نصر حامد أبو زيد في كثير من مباحث الكتاب.
وهناك كتب وبحوث أفردت لمناقشة أفكاره، لعلي أذكر بعضها في تعقيب قادم إن شاء الله.
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[14 Jul 2010, 02:55 م]ـ
السلام عليكم
غريب ما أسمعه اليوم من التبرير لنصر حامد أبو زيد!!
يا إخواني: إن الذي قال بكفره هيئة المحكمة، وهي آخر هيئة يمكن أن تكفّر شخصا، ولا أعتقد ان أحدا يستطيع أن يخالف المحكمة لأنها جهة متأنية لأبعد الحدود، فكونها تكفره إذا لم يبق للرجل مثقال خردل من إيمان.
وعدم نطقه للشهادة لأدل دليل علي هذا، أما الذي نقله الأخ من مقال يشهد له بنطقه للشهادتين لعبة تدخل علي الدهماء من الناس ـ هذا إن أحسنا به الظن ـ، ولا يبعد أيضا أن يكون كذبا ممن يتبنون مثل هذه الأفكار.
والسؤال: هل لعاقل أن يمتنع بالنطق بالشهادتين أمام المحكمة وأمام جهة رسمية ثم يدعي له الآخرون بأنه مسلم؟!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ووجدت مقالة لكاتب في جريدة الأهرام يدافع عن نصر حامد، وفي نفس الوقت يهاجم المتطرفين ـ علي حد زعمه ـ ويكيل الكيل للجماعات الإسلامية، وتغافل أن الذي قال بتكفره المحكمة العليا وليسوا متطرفين فقط.
وأعجب ممن يميز بين الشخص وفكرته، وهل الإنسان يدين بفكرة لا يعتقدها؟
للأسف اتباع طريق الإرجاء سبب من أسباب نشر مثل هذه الأفكار التي يدين بها نصر حامد ومن علي شاكلته.
والسلام عليكم
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Jul 2010, 06:17 ص]ـ
عجبتُ - وحُقَّ لي العجبُ - مِن كتابة الشيخ عبدالرحمن وتلطفهِ وتَحرِّيهِ للحقِّ والرجوع إليه، مع إنه قرأ جَميع كتب الرجل في حينها.
وفي المقابل كتابة الأخ أمجد الراوي وإقدامه ونقدهِ وتَحليلهِ وأخذه وردِّه في الموضوع مع إنه لم يقرأ له شيئاًَ كما قال، وإنَّما أخذ معلوماته من المقالاتِ والردودِ مع إن كتب أبي زيد موجودة، والرجلُ مات قبل أيام وليس في القرن الرابع الهجري.
فلمَّا أراد الأخ أمْجد تدعيم معلوماته وتحريرها هَرعَ إلى غانيةٍ في القناة العِبْريَّةِ - عفواً العربيَّة - فليتهُ استراحَ
وهذا يصلحُ مثالاً لِمَن يتناول أمراً ولَم يُعِدَّ لَه عُدَّتَهُ، وإلا فما فَرقُ أهلِ العلمِ عن العامة إذن؟!
لا بأس يا أبا مالك، فهذا شأن الكتابة في الانترنت، يقدر عليها كل من ملك حاسوباً متصلاً بالشبكة، وغايتنا في الملتقى تحري الحق بقدر استطاعتنا، وبيان الحقيقة بما تصل إليه إيدينا من حججها، ويبقى القارئ العاقل المنصف حَكَماً يميز الصواب من الخطأ، وهذا نوعٌ من التعليمِ نسلكه في الملتقى، ولا نريد أن نصادر آراء الآخرين لِمُجرد مخالفتهم لرأينا.
وفي الحق إننا في زمانٍ عجيبٍ، تصدر فيه للكتابة في المنتديات والصحف من لا يستحق أن يُمكَّنَ من الكتابة، لعدم إحاطتهم بما يكتبون فيه، وتكرر وقوعهم في الأخطاء الفادحة، وإصرارهم على الخطأ ولو كان أظهر من الشمس، ويشفع لهم في استمرارهم في الكتابة أنهم يملكون اتصالاً بالانترنت فحسبُ، أو لهم صلة بإدارة تحرير الصحيفة. دون أن يكون لهم من المعرفة ما يشفع لهم بالاستمرار. ثم إنك في زمانٍ كثر تكرار مصطلحات حرية إبداء الرأي، وضرورة احترام الرأي الآخر، وعدم الحجر على الآخرين، وعدم مصادرة آراء الآخرين، ونحو هذه العبارات الرنانة الحلوة، ولكنها عند التحقيق أتاحت لكل جاهلٍ وسارقٍ ومنافقٍ وملحدٍ أن يقول ما يريدُ دون خوفٍ ولا وجلٍ، وأصبحنا نتناقش في المسلَّماتِ بِحجةِ الرأي والرأي الآخر، وفتح من أجل ذلك مراكز الحوار ومنتديات وبرامج تلفزيونية للحوار من أجل الحوار، حول كل شيء تقريباً، ولا تستغرب أن يفتح حوار غداً في بعض القنوات المُحترمة حولَ وجود الله وتلقي الاتصالات من الملحدين واستضافتهم. ويدفعنا إلى ذلك أننا نعيش في مجتمعات مكبوتة محرومة من إبداء الرأي، فلما فتح المَجال لنا للحوار زودناها، ودخلنا فيما لا ينبغي الدخول فيه، ولا الحوار حوله، وها هي الانترنت تموج موجاً بالحوارات والنقاشات حول كل شيء يخطر على البال، وهي تزيد بشكل مفزع، ولا بُدَّ أن يكون لذلك عواقب وخيمة على عقل القارئ وذوقه من النشء ومن غيرهم ولو بعد حين.
ـ[خالد محمد المرسي]ــــــــ[15 Jul 2010, 07:02 ص]ـ
فيروس "أبي زيد" كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيروس غامض أصاب "نصر حامد أبو زيد" ظل بعدها طريح الفراش إلى أن جاءته سكرة الحق بالحق، ومن عجائب التدبير الإلهي أن يصيب هذا الفيروس مِن هذا الرجل دماغه الذي عارض به الوحي، وظل هذا الفيروس الغامض يأكل خلايا المخ حتى دمرها جميعًا في سابقة طبية عجيبة.
وكان من الطبيعي في المشاهير أمثاله أن تشيع جنازته في القاهرة، إلا أنه يبدو أن المحيطين به علموا أن أحدًا من رموز المجتمع لن يحضر، لا سيما ونحن على أعتاب انتخابات برلمانية لا يوجد مَنْ يريد أن يعادي "دين" الأمة بحضور جنازة واحد من أحد أبرز الطاعنين في دين الله في العصر الحديث، حتى الليبراليون المتأمركون -المحليون منهم والعالميون- استعملوا التقية السياسية، وعزفوا عن تشييع جنازته!
(يُتْبَعُ)
(/)
ذهبت الجنازة إلى البسطاء أملاً في أن يخرجوا إليها فرحة أن مِنْ قريتهم رجلاً مشهورًا، ولكن هل يمكن أن يحزن الناس على رجل نال شهرته من البول في ماء زمزم كحال الأعرابي الأحمق؟!
قاطع الناس جنازته، مع أن هؤلاء الناس قد يخرج بعضهم في جنازة عصاة من مغنيين وممثلين، مما يدل على أن الزنادقة أحقر عند الله وعند الناس من الفساق.
وكنا نود أن نكتفي بهذه العظة التي تتحدث عن نفسها دون أن نعيد النكت في كنيف أفكار الرجل؛ إلا أن بعض "سدنة البيت العالماني" أفزعهم هذا المصير المذل لصاحب لهم، فدبَّجوا المقالات في مدحه والثناء عليه، ونعي الرجل الذي أراد أن يحررنا من سلطان النص؛ فحاربه الإرهابيون واختطفه الموت، وكأنهم يريدون أن يردوا إليه بعض الاعتبار!
ونحن نقول لهم:
إذا استطعتم أن تنبشوا عليه قبره، فتخرجوه منه، وتصنعوا له جنازة عسكرية، وتدعوا إليها أهل الأرض جميعًا؛ فهل ترون ذلك ينفعه؟!
ألن تردوه إلى القبر ثانية؟!
ألن تتركوه وحيدًا ليس معه إلا ما قدَّم؟!
بل إن استطعتم أن تقيموا له حفلات تأبين، وأن تعيدوا نشر أعماله، وأن تحركوا الجهات الغربية المشبوهة التي منحته جوائزها في حياته أن يمنحوه كل جوائز الدنيا -"نوبل" فما دونها-؛ فلن يزيده ذلك إلا مضاعفة لسيئاته؛ فإن (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) (رواه مسلم).
عفوًا معشر العالمانيين ..
انقطع عمل الرجل، وانقطعت علائقه بالدنيا، فلم يعد يصله منها إلا ثواب دعوة إلى الخير تجري، أو وزر دعوة شر تجري.
لو كانوا يحبون صاحبهم؛ لكفوا عن نشر سيئاته، وأمسكوا عنه حتى لا يُضاعفوا عليه العذاب، ولكنهم لا يهمهم صاحبهم بقدر ما تهمهم أنفسهم؛ فإنه ما من شيء يثير الرعب في نفس العالماني والمادي مثل: الموت، ولِمَ لا يخاف من الموت وهو لا يدري ماذا سيكون بعده؟! إذ أن عقله المريض قد منعه من الاستفادة بنور النص، فبقي حائرًا تائهًا "ليس يدري" كما قالها كبير لهم في قصيدة "لست أدري"، كلمات يمكن أن تصور لنا حيرته واضطرابه وعدم درايته بشيء!
ولكن المؤمنين المسلِّمين لنصوص الكتاب والسنة يدرون -بفضل الله- أن أرواحهم بيد الله؛ إن شاء قبضها، وإن شاء بسطها، بل يدركون أنهم يعاينون الوفاة الصغرى في كل يوم؛ (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42).
ومن ثمَّ يقولون عند النوم -كما سنَّ لهم نبيهم-: (بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) (متفق عليه).
ويقولون عند الاستيقاظ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (متفق عليه).
والمؤمن يعرف أن لحظة النهاية لا بد وأن تأتى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران:185).
أهل المؤمنين لا يستعملون عبارات من جنس: "اختطفه الموت" ونحوها مما يقولها من لا يعرفون أن الأرواح يقبضها "مللك الموت" بأمر مالك الملك، ورب الأملاك -عز وجل-.
المؤمن يعرف أنِ القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
المؤمن يعرف أن السبيل بعد إما إلى جنة وإما إلى نار: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ) (الشعراء:90 - 91).
هذه حقائق يعرفها عوام المسلمين منذ نعومة أظفارهم -بفضل الله تعالى-؛ فمنهم من يعمل لها فيُرجى له النجاة التامة، وتراه لا يخاف الموت إذا أتاه على فراش المرض، وجدته يواسي أهله بدلاً من أن يواسوه، ويعظهم بدلاً من أن يعظوه، ويوصيهم بآخرتهم وينهاهم عن أن يبكوا على دنياه!
(يُتْبَعُ)
(/)
وكم من مسلم من عامة المسلمين فضلاً عن عوامهم ألمَّ به داء عضال، حتى إذا أتاه أجله وجد المحيطون به نشاطًا، فقام وتوضأ وصلى وشهد الشهادتين وأوصى بأهله خيرًا، ثم أسلم الروح إلى بارئها!
فإذا سمع إخوانه جاءوه مشيعين مستغفرين؛ لأنهم يعرفون إلى أين يذهب، فيصلون عليه، ويقفون عند قبره، ويسألون الله له التثبيت، وأما هؤلاء الذين يشيعهم المتشككون فبماذا ينفعونهم؛ وهم لا يدرون، وربما ينكرون ما هم فيه، ولا يعرفون أن استغفار العبد لأخيه ينفعه -بفضل الله-؟!
بل إن عصاة المسلمين ممن علم هذه الحقائق وقصَّر في طاعة ربه كثيرًا ما يرزق توبة قبل الموت -بفضل الله تعالى-، وكثيرًا ما يتمكن من نطق الشهادتين في فراش الموت مرات مما يُرجى له معه المغفرة.
يا هؤلاء .. أنتم لا تخافون على صاحبكم؛ وإنما تفزعون حينما تدركون حجمكم الحقيقي عند الناس، عندما يتخلى عنكم من ورَّطكم في معاداة دينكم، كحال الشيطان تمامًا: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر:16).
يا هؤلاء .. فلتنفخوا في ذكر صاحبكم ما شئتم؛ فلن يزيده ذلك إلا خسارًا، ولن يزيدكم ذلك إلا قلقًا واضطرابًا!
ذهب "أبو زيد" ولم يسترشد بالنص الديني الذي عاداه؛ فلم يَعرف ما هو مقدم عليه، ولو كنا عند قبره لسألناه: "يا نصر أبا زيد، هل وجدت ما وعدك الله حقًا فإنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا؟! ".
نعم وجدنا ما وعدنا ربنا -عز وجل- حقًا حين قال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون:8).
ووجدنا ما وعدنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- حقًا حين قال: (وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ووجدنا ما وعدنا ربنا حقًا حين قال: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ) (المدثر:31).
ألم يرسل الله عليك فيروسًا غامضًا -أسأل الله أن يسموه إذا علموه بفيروس أبي زيد-؟!
يا نصر أبو زيد .. "الجزاء من جنس العمل"؛ لقد كنتَ فيروسًا ينهش في قلب الأمة، ويسعى إلى تشكيك أبنائها في مصدر غذائهم ودوائهم، وهو: "القرآن الكريم"؛ إذ زعمتَ أنه بشري الصياغة والتأويل، ودعوت إلى نقده وتفنيده!
ولو أنك كنتَ متسميًا "بيتر" أو "بيريز" أو "مايكل" أو غيرها؛ لكنتَ في حس الأمة من الفيروسات المعروفة التي يعرفها جهاز المناعة، ويقاومها في منتهى السهولة، ولكنكَ تسللت في أسماء المسلمين، واعتليت كرسي التدريس لأبناء المسلمين في الجامعة.
ويعلم الله كم من طالب حديث السن غض الإهاب قد ناظرك وأفحمك على الملأ، ونافح عن دين الله؛ فما وجد منكَ غير الشتم والسب، والطرد من المحاضرة، ثم التربص في امتحان آخر العام، وهي وقائع معروفة لمن عاصر هذا الرجل مدرسًا في الجامعة.
حتى حاولت الترقي إلى درجة أستاذ؛ فسلط الله عليك من فضح عورك، وبيَّن عداوتك لدين الله -تعالى- وطعنك في كتابه، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
يا نصر أبو زيد .. أردت أن تكون فيروسًا فتاكًا لدين الأمة؛ فأرسل الله عليك "فيروسًا" من خلقه؛ ففتك بك، والعالم ينظر، (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) (الأحزاب:62).
وأما معشر العالمانيين .. إذا كان مصيركم إلى القبر كما هو مصير كل الخلق، وربما كان الموت قبلها بفيروس، أو بانتحار، أو حتى بالسكتة القلبية، ونحن نقول لكم: إننا ندري -بحمد الله تعالى- ما يكون بعد هذا الموت، وأنتم لا تدرون، ولا أمل لكم أن تدروا؛ فلا ندري أي الفريقين أحق بالأمن؟! (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنعام:81)، ولا ندري مَنْ يتبع مَنْ: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) (مريم:43)؟!
قد تقولون: وما أدرانا أن الذي تدعون إليه هو الحق؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
قلنا: إن كنتم مسلمين قلبًا وقالبًا فيلزمكم التصديق بالكتاب والسنة، وفيهما الإجابة على كل ما تهيمون في كل الأودية بحثًا عن إجابة له، وإن كنتم غير ذلك؛ دعوناكم إلى تدبر القرآن: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء:82).
من كان منكم من أهل الأدب والبلاغة؛ فلينظر إلى نظمه وبلاغته، وحسنه وطلاوته؛ يسري فيه إيقاع آخذ كالشعر مع أنه غير محصور الأغراض مثله، فهو يناظر وينافح، ويقرر ويجادل، ويجيب عن موضوعات حار الفلاسفة في جوابها، ويقرر أحكامًا حار العقلاء في تقريرها!
ومَنْ كان منكم من أهل الفلسفة؛ فليتدبر في أنه المصدر الوحيد الذي فيه ادعاء الإجابة عن يقين -لا عن ظن وتخمين- فيما كان قبل وجودنا وفيما يكون بعدها.
ومَنْ كان مشغولاً بإصلاح أحوال العباد؛ فلينظر في تشريعاته التي تزداد الأهمية إليها كلما تقدم بها الزمان: كتحريم الربا، والمقامرة، وبيع الغرر، الذي لو طبق؛ لعصم الدنيا من الأزمات العالمية، على خلاف المذاهب الوضعية التي يذهب بهاؤها ويظهر عورها كلما بعدنا عن الظروف التي وضعت فيها.
فيا معشر العالمانيين .. توبوا إلى ربكم، وأنيبوا إليه من قبل أن يأتي أحدكم الموت، فيقول: ربِّ ارجعون.
وإذا قال قائل: بأي مستند حكمتم على الرجل بالزندقة؟!
قلنا: من أقواله المثبتة المدونة، والتي ثَبَتَ عليها حتى حكمت المحكمة بِردته؛ لما تضمنته كتبه مِن الطعن الصريح في القرآن، وادعاء أنه بشري الصياغة والتأويل، وإن تجمل وزعم أنه إلهي التنزيل؛ فجعل القرآن من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم نفى عصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في البلاغ؛ مما تترتب عليه ادعاؤه أن القرآن كلام بشري! -وهذا كفر بإجماع المسلمين-، وأن قائله ومفسره هو النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو عنده بشر يخطئ ويصيب حتى في إبلاغ الدين -وهذا كفر بإجماع المسلمين-.
وإننا لنعجب ممن يصر على أن خصوم الرجل هم الإرهابيون الظلاميون، مع أن التقرير الذي أدانه كتبه أساتذة في جامعة الأزهر؛ ألا تزعمون دائمًا أنكم تريدون رد المتطرفين إلى الفكر الوسطى الأزهري، أم أن حقيقة الأمر أنكم تريدون ردهم إلى الشك والحيرة والطعن في القرآن والسنة؟!
ثم إن الذي أصدر الحكم بكفره قضاءً يزعمون ليل نهار احترام أحكامه، ثم اتضح أنه لا يُطبق إلا على البسطاء، وعلى الإسلاميين، وأما العالمانيين؛ فيسخرون ويتهكمون على أحكام القضاء صراحة، حتى إن أحدهم أصر على عدم دفع غرامة موقعة عليه في قضية تشهير بداعية إسلامي احتجاجًا على هذا الحكم، وأما الكنيسة فتغيِّر القانون؛ ليوافق المتغيرات التي تطرأ على مواقف قادتها، ولا يبقى إلا الإسلاميون تُطبق عليهم القوانين الطبيعية والاستثنائية، ومع هذا فهم الموسومون عند العالمانيين بالظلاميين!
وقد يقول قائل: وهل ناظره أحد أو ناقشه؟!
نقول: إن العالمانيين يتسترون بأسوارهم العالية، يلقون زبالتهم من ورائها، ومهما ناديت عليهم أن كفوا عنا زبالتكم؛ امتنعوا عن الإجابة، أو زعموا أنك ظلامي لا تستطيع التمييز بين الغث والسمين، وأن الذي يلقون إليك هو الشهد بعينه الوارد مباشرة من الفلسفة اليونانية والرومانية، وأن إيمانك بالنص هو الذي صوَّر لك هذا الشهد زبلاً!
ومع هذا .. فالشخص المذكور خاصة ناظره من هم دونه في السن والتمرس في البحث العلمي من طلابه في الجامعة مرات وأفحموه؛ فما كان من هذا المستنير إلا طردهم وترسيبهم في امتحانات أخر العام.
ثم أتته الفرصة في أثناء محاكمته أن يبين كيف يجمع بين انتسابه المزعوم للإسلام والطعن في القرآن، بل امتنع في ساحة المحكمة حتى من النطق بالشهادتين مع أن النطق بها في حالة مَن يطعن في القرآن أو النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينفعه إلا بالتوبة من هذا الطعن.
وأما إذا أصر على طعنه فالمناقشة معه ومع كل كافر بالإسلام مثله حول القرآن وإعجازه تعج بها كتب ودراسات قديمة وحديثة؛ أعمى الله قلبه عن تدبرها!
وربما قال قائل: لعله قد تاب قبل الممات!
(يُتْبَعُ)
(/)
والجواب: إننا لم نؤمر أن نفتش عن قلوب الخلق، وهذا الرجل وأمثاله كثيرًا ما ينهون عن وجود محاكم تفتيش تفتش عن الاعتقادات المضمرة لمن يَمثل أمامها، وهذا في الجانبين وليس في جانب واحد، ومن ثمَّ فنحن لا ننسب مسلمًا لم يظهر منه طعن في الدين إلى النفاق، ولا ننسب طاعنًا في الدين لم تظهر منه توبة إلى أنه ربما يكون قد تاب؛ لا سيما إذا لم يبدُ عليه شيء من أمارات التوبة، ومع هذا فلو وجدنا أن المدافعين عنه باحتمال توبته قد نصحوا للأمة بأن كتبه فيها من الباطل والزور والمنكر ما فيها، وأنهم يرجون أن يكون قد تاب منها؛ لربما تركنا لهم الفرصة لكي ينصحوا للأمة ويحاولوا التقليل من جرم صاحبهم، وأما إذا كان المطلوب هو نشر هذه الزندقة؛ فلابد من التصدي لها.
وعلى أيٍّ؛ إذا مات الشخص ووري التراب لم يعد في محاكمته كشخصٍ كبيرُ فائدة، وصارت المحاكمة لفكره، حتى الذين تبين رجوعهم عن باطل قالوه ولكنه بقي بعدهم وجب على الأمة إنكار هذا الباطل مع ذكر توبة صاحبه منه.
ومما يُستشكل في حالة هذا المرض الغامض الذي أصاب هذا الرجل أن يقال: إنه المرض يصيب الصالح والطالح!
قلنا: نعم، ولكنه لا يكون إلا لذنب: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)، بيد أنه يُرجى للمؤمن أن يكون تخليصًا لذنوبه، حتى يلقى الله وليس عليه ذنب كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-.
وبالنسبة للمنافقين والزنادقة بل والفساق يكون من قبيل قوله -تعالى-: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة:21)، والعذاب الأدنى في الدنيا والقبر، ولذلك صار عذاب الدنيا جزءً منه لا كله، والعذاب الأكبر هو عذاب الآخرة.
ثم إن علامات حسن الخاتمة وسوئها لا تخفى على متأمل؛ فالمؤمن الذي يُبتلى بمرض عند موته يلهمه الله وأهله الصبر والشكر واليقين ونطق الشهادتين.
وأما الزنادقة؛ فيكون منهم وممن حولهم: الضجر والضيق والجزع والشكوى من تيار الموت الذي جرف صاحبهم واختطفه من أيديهم.
نسأل الله أن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، وأن يرزقنا توبة نصوحًا قبل لقاء رب العالمين.
www.salafvoice.com (http://www.salafvoice.com/)
موقع صوت السلف ( http://www.salafvoice.com/)
ـ[نوال عبداللطيف الخياط]ــــــــ[24 Jul 2010, 12:32 م]ـ
الموضوع ثري جزى الله خيرا كل من ساهم فيه
وبدوري اسهم بهذا الرابط
http://www.alukah.net/Sharia/0/23894/
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[24 Jul 2010, 03:06 م]ـ
جزاك الله خيراً يا دكتور عبد الرحمن على هذا المقال المبين عن حال الدكتور نصر أبو زيد، وأحب أن أوضح قضية بخصوص الإعلام واغترار كثير من الكتُّاب به، فالعجب لا ينقضي من عدد من مثيري الشغب العلمي، أو متتبعي الشواذ، حين يتصدرون في قنوات فاسدة في منهجها وفكرها وبرامجها وزيها، والحقيقة أن من معيار معرفة الباطل احتفاء أهل الكفر والفساد به فتجدهم يروجون له، وينشرونه في وسائل الإعلام، فإذا أفتى طالب علم بفتوى شاذة، صدَّروه وعملوا له المقابلات، وربما كانت المقابلة له فتاة في كامل حسنها وجمالها، ويظنُّ المسكينُ أن الله نصره بهذا الإعلام، فيرغي ويزبد وينافح عن هذه الفتوى، ولو نظر يميناً وشمالاً، أين يجلس ومع مَنْ، فهذا مقدم لبرنامج منحل، وهذه مقدمة متبرجة، وأجواء تزكم أنوف صغار طلاب العلم فضلاً عن كبارهم، ولا أجد أفضل من وصف أنهم نسوا أنفسهم، ونصيحتي لإخواني أن ينتبهوا من الإعلام، ولا يكونوا ضحيته، وسبحان الله الذي يهب الحكمة من يشاء، نسأل الله أن ينور بصائرنا بالإيمان، وأن لا يجعلنا فتنة للذين كفروا ...
ـ[عبدالعزيز الجهني]ــــــــ[25 Jul 2010, 02:17 ص]ـ
ونصيحتي لإخواني أن ينتبهوا من الإعلام، ولا يكونوا ضحيته، وسبحان الله الذي يهب الحكمة من يشاء، نسأل الله أن ينور بصائرنا بالإيمان، وأن لا يجعلنا فتنة للذين كفروا ...
كلام جميل ونصيحة موفقة، أسأل الله أن يفتح لها الآذان والقلوب. فقد أُصيب البعض مع الأسف بفيروس الشاشة فلا يهنأ له بال إلا تحت أضواء الكاميرات ولو كان الموضوع على شاكلة (أي كلام يا عبدالسلام)
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[25 Jul 2010, 06:21 م]ـ
السلام عليكم
(يُتْبَعُ)
(/)
يعجبني تقبل البعض الكلام بصدر رحب، أو حتى ضيق، لكنه على الأقل يسمح لك بقول رأيك، ولا يصادره
ولن يكون لي موقف مع أو ضد هكذا دون دليل؛ وكلما تحدثنا عن المنهج العلمي والأكاديمي في قضية برز لنا العلم العظيم (علم الأصول) الذي منه " من عرف حجة على من لم يعرف، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ "
وإضافة إلى المنهجية العلمية الأكاديمية، ثمة وازع ديني ندعيه نحن الذين ندعي أننا متدينون
وكل من قرأ وفهم قوله تعالى {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء36
يدرك أنه لا يجوز له الكلام سلبا أو إيجابا إلا بعلم أولا وبدليل ثانيا
غير أن ثمة مسألة خبرتها خلال إقامتي في مصر، فأزعم أني فهمت قليلا طريقة تفكير كتابها، وهي:
أنه بسبب وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني - زمنا طويلا - فقد تم رميها في غياهب الفكر الغربي زمنا طويلا. وكان أستاذي العلامة الدكتور إبراهيم السامرائي - رحمه الله - كثير القول: إن الإنجليز باردون، وجهلة .. ولو أن مصر وقعت تحت الاحتلال الفرنسي، لكانت الوضع أفضل، والنهضة أسرع. ومن عرف كيف كانت مصر قبل الثورة؛ فإنه يحمد الله على الحال الذي وصلت إليه. وإن كنت ترى النساء بالبنطلونات الضيقة، وهذا حال جميع الدول العربية - باستثناء اليمن والسعودية، وليس كل اليمن وليس كل السعودية. فأي مسلم يقرأ قول حسن البنا في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية) الذي فحواه: أنه كان يأتي إلى الشباب في الخمارات فيقول لهم: تعالو نزور السيد البدوي، أي مسلم على المنهج الصحيح ينكر عليه هذا القول، لكن إذا وضعته في نصابه الصحيح عرفت قصده، فهو يتصور - وهذا رأيه هو - أن الشاب إذا تصوف، فهو خير له من ارتياد بيوت الدعارة ومعاقرة الخمور، وفي هذا بعض المنطق. لقد عاشت مصر قبل الثورة زمنا كان فيه إنكار وجود الله ينشر على الجرائد، والطعن في القرآن وزعم بشريته، والدعوة للعامية في الكتابة الصحفية والعلمية، وتفسخا خلقيا مرعبا بحيث لو رؤيت امرأة محجبة لرجمت بالحجارة، أما اليوم فالخير عظيم قياسا بتلك الأيام، ومن دخل جامعة القاهرة - مثلا - فإن أول ما يلاحظه: أن عدد المنقبات - فضلا عن المحجبات - هو الغالب.
فإذا ظهر كاتب في تلك الفترة، يدعو للإسلام أي إسلام كان، لاعتبر شيخ الإسلام في زمانه؛ نظرا لغيبة التدين، أما اليوم فمن قال كلمة، وجد منتقديها بالعشرات إن لم يكن بالمئات. وأوضح مثال الشيخان القرضاوي والشعراوي. لأنك تقيسهما بالألباني وابن باز
ولم يكن العراق قبل عام 1990، أحسن حالا، فعل امتدادا شارع الرشيد وحده كنت تستطيع أن تعد كباريهات تفوق شاعر الهرم، وقد شاهدت بعيني وسمعت بأذني برنامج فتاوى، وكان السؤال: زوجي يشرب كل يوم قارورتي عرق - والعرق هو خمر العراق محلي يعني - فكان الجواب: هذا سرف وتبذير، ربع قارورة يكفي.
وكنت إذا دخلت مسجدا جامعا ضخما، وجدت فيه أربعة: يمنيا - وسودانيا - وخليجيا - وعراقيا واحدا .. وقد يكون الإمام غير عراقي. أما اليوم، فما لم تنطلق قبل ثلاث ساعات من أذان الجمعة في جامع عمرو بن العاص، فلن تجد لك مكانا إلا في الشارع، هناك حيث خطيب الشيخ العلامة الأستاذ الدكتور/ عبدالصبور شاهين مد الله في عمره.
لقد دخلت الجامعة الأرردنية فوجدت إعلانا: محاضرة للشيخة الدكتورة .. فقعدت استمع، وكان كلامها دررا، فلما قامت إذا هي تلبس كاجوال، بنطلون جينز ضيق، وقميصا لا يغطي فخذيها، ولا أقول ركبتيها.
عموما في هذه البيئة - بيئة ما قبل الثورة - نشأ أساتذة نصر أبوزيد، وحسن حنفي وسيد القمني، وغيرهم .. ولذا فالعقاد كاتب إسلامي عظيم، لكن اقرأ كتاب أعلام وأقزام، سترى أنه حاكمه محاكمة شرعية فقط. فلا يجوز محاكمة أي إنسان محاكمة شرعية فقط ..
وإلا سقط من الشعراء نزار قباني؛ فكيرون لا يعرفون من نزار إلا جانبه المتخنث، ولا يعرف أنه مدرسة في الشعر السياسي، تخرج منها محمود درويش، وأحمد مطر، ومظفر النواب، وغيرهم .. لأنه لا يعرف عنه إلا شعر المرأة، ولا يعرف أنه صاحب شعر اختزل مأساة الأمة في أبيات: أوقفوني وأنا أضحك كالمجنون وحدي من خطاب كان ألقاه أمير المؤمنين
كلفتني ضحكتي عشر سنين
(يُتْبَعُ)
(/)
قارن بين سلامة موسى ولويس عوض، وبين الثلاثة آنفي الذكر، على الأقل لا يقولون بأن القرآن كلام محمد
وأضرب لكم مثلا بسيطا: الكاتبة الأردنية توجان الفيصل قالت في صحيفة: "لا أدري من الأحمق الذي قال: المرأة ناقصة عقل ودين" فقامت عليها القيامة، وأهدر دمها، وأقسم بعض الشباب ليتقربن إلى الله بدمها. ثم لما تكشف غبار المعركة، قالت: لم أكن أدري أنه حديث شريف. وسواء كذبت أم صدقت، فليس لنا إلا الظاهر.
ليس من فارق عندي بين رفض نصرأبوزيد أن يتلفظ بالشهادتين، ورفض سيد قطب أن يوقع ما طلبه عبدالناصر
كلاهما تمسك برأيه وهو صاحب مبدأ، وكل صاحب مبدأ - بغض النظر عن سلبيته من إيجابيته - فينبغي أن يكون موضع احترام، أما ذاك الذي يشرى بالدرهم والدينار، فيتقلب حسب المبلغ، فلا يستحق إلا أن يعدم رميا بالنعال. فنصر رأى أنه ليس من حق أحد أن يتدخل في طريقة تدينك، فنصر و قطب لجآ إلى أسلوب سعيد بن جبير وكان بإمكانهما أن يتخذا طريقة عامر الشعبي. وهكذا فصاحب المبدأ محترم عندي؛ ولذا فإني أحترم غاندي، وجيفارا .. ولو كانوا كفرة، وقد وقفت احتراما لمشنقة صدام حسين.
لكن في هذه الأيام تغير الحال، لقد اتهم الألباني بالإرجاء تخيل، وابن باز بالعمالة لأمريكا. ولما قال القرضاوي: أنا من المعجبين بأم كلثوم، قامت عليه القيامة، وحتى داعية بحجم عمرو خالد لما وصف تجربة الرسول بالفشل، انبرى له الشيخ محمد حسان بمرأى الملايين، ووبخه أشد التوبيخ، لما نشركتاب بسنت وشتم الصحابة على صفحات الجرائد لم يمر الأمر بسلام، وأصبح مع الحويني مئة، لكن قبل ذلك لم يكن إلا حويني واحد، وهو نصف عالم، وقديما قيل "نصف العلم شر من الجهل" .. ولذا أيضا لما ظهر كتاب (أبي آدم) لحامل راية قطع رأس نصر أبي زيد - وهو الدكتور عبدالصبور طيب الذكر - قامت عليه القيامة، وأظن أن بعض علماء الأزهر كفروه، ودعوا لاستتابته، وقد سمعت الدكتور/ محمد المسير - رحمه الله - يسخر منه سخرية مريرة في برنامج محمود سعد. فهلا بينتم لنا الفارق بين الرجلين؟
طبعا مقام أستاذنا - وأنا أقولها تجوزا - فهو أستاذ أستاذي - الدكتور عبدالصبور رفيع في عنان السماء، وقد حصل على الدكتوراة قبل أن أولد، وكتب عن القرآن والعربية، قبل أن أحفظ الفاتحة، وأقيم لساني بكلمة.
كلاهما أعمل دماغه في كلمات القرآن، وقبل أن أتورط في الدفاع أطلب من أخي أحمد وشيخنا عبدالرحمن: أن يضعوا هنا أعظم الأقاويل التي قالها الراحل، ثم نناقشها نقاشا موضوعيا في إطار المقارنة بين مصر المتبرجة قبل الثورة ومصر المنقبة بعدها، ولن ألزم أحدا به طبعا .. وأنا داعية الديمقراطية الفكرية.
وهل يعلم الغاضبون أنه وصف القرآن بأنه نص أدبي - وهو كذلك - أن سيد قطب، هو صاحب نظرية موسقة ومسرحة القرآن
طبعا هذا الكلام شرعا مرفوض
لكنه عند لغوي مثلي، وأديب بلاغي كأحمد غازي يقع موقعا آخر.
وبالمناسبة من شروط مناقشة الدكتوراة في جامعتي: نشر بحثين، وقد كتبتهما، وأحدهما في التفسير؛ لكن من منظور لغوي بحت. لكني أخشى إن وضعته هنا أو في الألوكة أو أهل الحديث أو غيرها أن ... فإني فسرت بعض كلمات التنزيل، بما لم أسبق إليه
ولا شك سيأتي من يقول: من أنت لتخطئ الطبري وابن كثير و و و.
ولذا ففي التأني السلامة، ويقول المثل السوري:
من أراد ألا يرى أحلاما مزعجة، فلا ينم بين القبور
وتعليقا على نصيحة شيخنا الدكتور فهد،
لقد شاهدت برنامجا في قناة مصرية، وكان لقاء مع وزير، فطلبت منه المذيعة: كلمة أخيرة:
فقال: أنا مثلي الأعلى، قوله تعالى "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"
فأطرقت ثم تمتمت - وقد خشع صوتها - صدق الله العظيم.
ألست معي يا شيخ: أن الجهل والفساد الفكري - اللذين يقدمهما التلفزيون - أخطر بكثير من الفساد الأخلاقي.؟
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[25 Jul 2010, 08:02 م]ـ
السلام عليكم
يعجبني تقبل البعض الكلام بصدر رحب، أو حتى ضيق، لكنه على الأقل يسمح لك بقول رأيك، ولا يصادره
ولن يكون لي موقف مع أو ضد هكذا دون دليل؛ ............
ليس من فارق عندي بين رفض نصرأبوزيد أن يتلفظ بالشهادتين، ورفض سيد قطب أن يوقع ما طلبه عبدالناصر
سبحان الله
لماذا يا أخانا رصين ليس من فارق عندك ... ؟
هل نطمع في الدليل لا سيما وأنت قد ألزمت نفسك؟
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[25 Jul 2010, 08:32 م]ـ
سبحان الله
لماذا يا أخانا رصين ليس من فارق عندك ... ؟
هل نطمع في الدليل لا سيما وأنت قد ألزمت نفسك؟
الدليل على ماذا يا شيخ؟
أسألك: أكان يسعهما ما وسع عمار بن ياسر رض1، لما نال من رسول الله صل1 فنزل فيه
{مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل106
وقال له رسول الله صل1: وإن عادوا فعد، أم لا؟
لكنها مسألة اعتزاز، إصرار، تكبير راس، عناد سمها ما شئت، طريقة سعيد بن جبير رح1
ونعال عمار بن ياسر رض1خير ممن ذكرنا جميعا
وأنا من رأي الشيخ الحويني - حفظه الله - إذ يقول:
سب النبي أعظم عندي من احتلال فلسطين والعراق، وكل أرض الإسلام
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[25 Jul 2010, 09:47 م]ـ
أخي الكريم رصين هناك فرق كبير بين الموقفين كالفرق بين الحق والباطل.
ما تسميه بالمبدأ ليس له معنى إذا لم يكن يستند إلى شرعية، بعبارة أخرى الموقف أو "المبدأ" إذا لم يكن موقف حق وإلا فهو باطل والتمسك بالباطل ليس من " المبدأ" في شيء وإنما يمكن أن نسميه التهور أو الحمق أو العناد ألا عقلاني.
ومن هنا نرى الفرق بين ثبات الرجلين:
فسيد رحمه الله تعالى كان صاحب حق ودفع روحه ثمنا للتمسك بذلك الحق ولا أحد يلومه على موقفه وقد أخذ نفسه بالعزيمة وهذا هو الأصل.
بينما أبو زيد أخذته العزة بالإثم فتمسك بموقفه وما أظنه كان يفعل ذلك لو كان يعيش في وضع مختلف عن الوضع الذي دفعه إلى حماقاته حيث إن حساباته كانت على أساس أن نجاته ومكانته لن تكون إلا من خلال التمسك بباطله وإذا تراجع فسوف يفقد كل شيء.
واعتقد أن الذين دفعوه قد أخذوا عليه ما يقطع عليه خط الرجعة وقد تيقن من هذا فما كان أمامه إلا أن يسير في نفس الطريق الذي رسموه له.
أما بخصوص احترامك لمن ذكرت فأقول:
إن الاحترام يكون لأولئك الذين يتمسكون بالخصال الجميلة التي تقرها الفطرة الإنسانية والشرائع السماوية ولا أدري هل كان في غاندي وجيفارا شيء يستحق الاحترام؟
أما صدام حسين فكان مثالا لمعاني الرجولة ـ أثناء محاكمته وعند شنقه ـ في زمن فقدت فيه.
ـ[رصين الرصين]ــــــــ[26 Jul 2010, 08:57 م]ـ
أخي الكريم رصين هناك فرق كبير بين الموقفين كالفرق بين الحق والباطل. فسيد رحمه الله تعالى كان صاحب حق ودفع روحه ثمنا للتمسك بذلك الحق ولا أحد يلومه على موقفه وقد أخذ نفسه بالعزيمة وهذا هو الأصل.
ما تسميه بالمبدأ ليس له معنى إذا لم يكن يستند إلى شرعية، بعبارة أخرى الموقف أو "المبدأ" إذا لم يكن موقف حق وإلا فهو باطل والتمسك بالباطل ليس من " المبدأ" في شيء وإنما يمكن أن نسميه التهور أو الحمق أو العناد ألا عقلاني
ستعيدنا إلى الموضوع المغلق؛ ولم أكن أريد
فهل في شتم الأنبياء والصحابة وتكفير الشعوب والقول بخلق القرآن رائحة الحق؟
وهل سيد قطب عندك أفضل من عمار بن ياسر. الذي لم يثبت، وأعطاهم ما أرادوا؟ وهل هو عندك ملوم؟ ومثله عامر الشعبي بين يدي الطاغية الحجاج؟ وهل كان في سعيد بن جبير تهور وحمق وعناد لاعقلاني
على أني أحترم الاثنين: سعيد بن جبير، وسيد قطب
والمسألة يا شيخ تتعلق بالقدرة على احتمال الأذى والألم بنوعيه الجسدي، والنفسي
هذا أحمد بن حنبل تحمل من الطاغية المأمون وبعد أخوه الطاغية المعتصم ما لايطيقه بشر
رجل في التسعين يحتمل مئات السياط؟ هذي معجزة وكرامة
لكن غيره ربما لايحتمل سوطا واحدا، والعمدة في هذا قوله تعالى
{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} البقرة286
بينما أبو زيد أخذته العزة بالإثم فتمسك بموقفه وما أظنه كان يفعل ذلك لو كان يعيش في وضع مختلف عن الوضع الذي دفعه إلى حماقاته حيث إن حساباته كانت على أساس أن نجاته ومكانته لن تكون إلا من خلال التمسك بباطله وإذا تراجع فسوف يفقد كل شيء ما أدراك: أشققت عن قلبه؟
على أني لا أدافع عنه، وليس يهمني شخصه في شيء، لكن ما قاله عن القرآن لا يختلف عما قاله طه حسين
أو سيد قطب، فمن جعل باءه لا تجر؟
إلا إن قال ببشرية القرآن، فحينئذ هو كافر لا محالة، وليحترق في قعر الجحيم
واعتقد أن الذين دفعوه قد أخذوا عليه ما يقطع عليه خط الرجعة وقد تيقن من هذا فما كان أمامه إلا أن يسير في نفس الطريق الذي رسموه له. هذا رجم بالغيب، لا يجوز في دين الله.
أما بخصوص احترامك لمن ذكرت فأقول: إن الاحترام يكون لأولئك الذين يتمسكون بالخصال الجميلة التي تقرها الفطرة الإنسانية والشرائع السماوية ولا أدري هل كان في غاندي وجيفارا شيء يستحق الاحترام؟
ألا تحترم من وقف ضد الاحتلال؛ في سبيل تحرير بلاده، ولو كان عابدا للفئران، لا البقر؟
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[09 Aug 2010, 04:35 ص]ـ
نصر أبو زيد
أغلاط ومغالطات
(1)
د. إبراهيم عوض
(يُتْبَعُ)
(/)
حين طلب منى أحد الأصدقاء، عقب وفاة د. نصر حامد أبو زيد بقليل، أن أكتب شيئا عنه كنت فى البداية خامل النفس لا أجد لدىَّ نشاطا لهذا الموضوع. ثم لما ألح علىّ أن أفعل وشرع صدرى ينشرح للأمر بدأت بالبحث على المشباك عن مادة أستند إليها بالإضافة إلى بعض كتب الرجل التى أثارت فى وقتها العواصف والزوابع، فهالنى أمر بشع لم أحب أن أؤجل الحديث عنه إلى أن أدخل قلب هذه الدراسة، بل أردت أن أتناوله أول شىء. وهو أن عشرات المواقع تردِّد دون تلجلج أو تريث أن د. عبد الصبور شاهين، عضو لجنة ترقية د. نصر حامد أبو زيد فى تسعينات القرن المنصرم إلى رتبة الأستاذية، قد كفّر فى تقريره الخاص بذلك الموضوع الدكتور نصر، الذى يوصَف فى عشرات المواقع بشهيد الفكر وما إلى ذلك من هذه الألقاب المعجرمة التى يبرع فى صياغتها إخواننا البعداء من التنويريين والحداثيين ومن يرددون ما يقول التنويريون والحداثيون ترديد الببغاوات لما تسمع دون فهم أو عقل. والذى أعلمه أن الدكتور عبد الصبور شاهين لم يكفّر أبو زيد فى التقرير الذى كتبه عن أبحاثه قط، بل اقتصر فى كلامه على الجانب العلمى ناصًّا على وجوه الضعف والتهافت التى اتسمت بها تلك الأبحاث. ومن كان عنده رأى آخر فليرنا من تقرير الرجل خلاف ما نقول.
ولقد كنت قرأت هذا التقرير منذ سنوات وراعنى، بعد كل الضجة التى أحدثها إخواننا البعداء والتى ظننت فى البداية قبل أن أتحقق الأمر بنفسى أنها ضجة ذات أساس، راعنى أن الأستاذ الدكتور لم يتطرق فى أبحاث أبو زيد إلى إيمان أو كفر، بل كان رفيقا به إلى حد بعيد ولم يصنع ما يصنعه "التنويريون! " الجبناء حين يضعون أحدا من المتدينين فى أدمغتهم الخربة فيقصدونه بحرب غير متكافئة، إذ يغرزون الخناجر فى ظهره غلس الظلام ويسوّدون تقارير لا يرعَوْن الله فيها ولا الشرف أبدا، ثم إذا ما عومل واحد ممن ينتسب إلى ثلتهم بما يستحق لضعف أبحاثه صرخوا وتصايحوا وتباكَوْا بدموع كدموع العاهرات عندما يُضْبَطْن متلبسات بالفاحشة فيبكين وينهنهن مدعيات أنه "وعد ومكتوب". إن الجماعة لم يَرُقْ لهم أن ينكشف واحد منهم على حقيقته العلمية فانْبَرَوْا يسبّون الأستاذ الدكتور ويتهمونه الاتهامات الكاذبة غير مراعين سنه ولا مكانته العلمية. ولا أظن أحدا يمكنه أن ينسى مثلا ما ترجمه الرجل من مؤلفات مالك بن نبى، التى قرأناها واستمتعنا بها وتغذينا عليها وتفتحت بها عقولنا واستنارت منها بصائرنا ونحن لا نزال طلابا فى الجامعة.
وقد يحسب بعض الطيبين من الناس أن ما قيل عن تكفير الأستاذ الدكتور لنصر أبو زيد إنما هو خطأ غير مقصود، إلا أننى من معرفتى بألاعيب التيار الذى أخذ على عاتقه الدفاع عن د. نصر أبو زيد بالحنجل والمنجل أعلم تمام العلم أنها فرية مقصودة غايتها تشويه صورة الدكتور عبد الصبور حتى يظن السذج من القراء، وما أكثرهم، أنه ظلوم غشوم، وأن أبو زيد مسكين وقع ضحية لظلمه وغشمه، وأنه من ثم شهيد من شهداء الفكر ينبغى أن تُنْصَب له التماثيل وأن يُعْبَد فى الأرض من دون الواحد الأحد. الحق أن الدكتور عبد الصبور شاهين لم يكفّر نصر أبو زيد، كما أنه لم يرسّبه ترسيبا مطلقا بل ترك الباب مفتوحا لتعضيد أبحاثه بحيث يمكن أن ينجح فى المرة القادمة. وليراجع القراء التقرير المشار إليه للتحقق من هذه النقطة بأنفسهم، وهو متاح فى كتاب د. عبد الصبور شاهين: "قضية أبو زيد وانحسار العلمانية فى جامعة القاهرة".
وقد أُجْرِيتْ مع الأستاذ الدكتور حوارات مختلفة سئل فيها حول هذه النقطة، وكانت إجابته دائما أنه لا يمكنه تكفير أبو زيد ولا غير أبو زيد لأن الإسلام ينهى نهيا شديدا عن أن يكفر الواحد منا الآخر. وآخر هذه الحوارات فيما اطلعتُ عليه منها هو حوار جريدة "الدستور" بتاريخ الأحد 3/ 1/ 2010م، الذى أجراه معه الصحفى مجد خلف ( http://dostor.org/taxonomy/term/280) تحت عنوان "عبد الصبور شاهين: لم أكفِّر نصر أبو زيد مطلقا. والشيوعيون والعلمانيون أقاموا "مناحة" لإثارة الشارع". ومن بين الأسئلة التى طُرِحَتْ عليه السؤال التالى: "لماذا يعتبر كثيرون أنك المتهم الأول فيما حدث للدكتور نصر أبو زيد؟ "، وكان الجواب هو: "الموضوع ببساطة أن نصر أبو زيد تقدم آنذاك بإنتاجه العلمي للترقية إلي درجة أستاذ. والطبيعي أن يقوم أعضاء
(يُتْبَعُ)
(/)
اللجنة العلمية بفحص إنتاج الباحث وتقييمه، ويقرأ الأساتذة الفاحصون الإنتاج ثم يحكمون عليه كما يحكم القضاة بكل نزاهةِ وضميرِ القاضي دون اعتبار لأي شيء إلا تحقيق العدالة وأن يصل الحق إلى مستحقيه. وقد قدمت تقريري عندما اجتمعت اللجنة، ثم أرسل هذا التقرير إلي الكلية ثم إلي مجلس الجامعة الذي اعتمد التقرير الجماعي. وكان ملخص التقرير أن الأعمال التي تقدم بها الدكتور نصر حامد أبو زيد تحتاج إلي إعادة نظر، والإنتاج المقدم لا يرقّي إلي درجة أستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة. إلي هنا والمسألة في غاية البساطة، فسقوط طالبِ ترقيةٍ شيءٌ طبيعيٌّ يحدث في كل زمان ومكان. وإذا جانبه التوفيق في جولة فقد يحالفه في جولة أخري حين يجتهد ويتلافى أخطاءه التي أخطأها في المرة الأولى".
ثم سأل الصحفى الأستاذ الدكتور: "هل اتهمتم في تقرير اللجنة العلمية الباحث الدكتور نصر أبو زيد بالكفر؟ "، فكان الرد: "إطلاقا. فلا يمكن أن أورط نفسي في هذا الاتهام البشع، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وكلنا سنحاسب بين يدي الله تبارك وتعالى، وما كتبته في التقرير الذي أقرته اللجنة العلمية وأقره مجلس الجامعة كان تقييما علميا موضوعيا لأعمال الباحث، فنحن نفحص بحثا لا باحثا. ولم أتعرض في تقريري لعقيدة الباحث أو دينه، فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ولا شأن لي به". ومع هذا كله لا تكف المواقع المشباكية المختلفة عن ترديد هذه الفرية كأنها الحق الذى لا مرية فيه، فهم من أنصار "عنزة ولو طارت". بل إن موسوعة "الويكيبيديا" ذاتها فى مقالها عن د. نصر أبو زيد ردّدت للأسف الشديد هذا الاتهام الغريب.
والعجيب أن يشترك فى هذا الزعم د. جابر عصفور، الذى كتب ينوح على شهيد الفكر مقالا نُشِر على مرتين فى جريدة "الحياة" بعنوان "محنة نصر حامد أبو?زيد بدلالاتها" أكد فيه هو أيضا أن الدكتور عبد الصبور شاهين قد كفّر فى تقريره نصر حامد أبو زيد. وهذه بعض فقرات مقتطفة من المقال ترينا كيف تناول عصفور هذا الموضوع: "الدلالة الأولى التي خطرت على بالي الآن، وأناأكتب هذا المقال، هي الجامعة التي بدأت منها المحنة. فقد انحدرت هذه الجامعة انحدارا عظيما بعد أن تدخلت في شؤونها الداخلية الدولة التسلطية التي شاع نموذجهافي العالم العربي. وقد سبق أن نقلت عن خلدون النقيب، عالم الاجتماع الكويتي المرموق، أن الدولة التسلطية هي الدولة التي تسعى إلى الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع لمصلحة الطبقة أو النخبة الحاكمة التي تنتسب إليها. وهي تتميز بخصائص دالة: أولاها أنها تحقق احتكارها للسلطة من طريق اختراق مؤسسات المجتمع المدني، وتحويل منظماته التضامنية كي تعمل بصفتها امتدادا لأجهزة الدولة. وثانيتها أن هذه الدولة تخترق النظام الاقتصادي وتلحقه بها، سواء من طريق التأميمأو توسيع القطاع العام، أو الزواج غير العنيف غالبا بين رجال الدولة ورجال الثروة. وثالثة هذه الخصائص أن شرعية نظام الحكم في الدولة التسلطية تقوم على العنف أكثر من الاعتماد على الشرعية التقليدية. ولذلك يقترن وجودها من حيث هي دولةبعدم وجود انتخابات لها معنى حقيقي، أو تنظيمات مستقلة عن الدولة، أو دساتير فاعلةأو مشوهة لمصلحة السلطة الحاكمة، أو إلغاء الدساتير أو تعليقها، في موازاة تجميدالحقوق المدنية، وتحويل نسبة كبيرة من الدخل القومي إلى الإنفاق على الأجهزةالقمعية لهذه الدولة. والرابعة هي توجيه الأجهزة الأيديولوجية للدولة إلى أن ترسّخ في وعي المواطنين، الرعايا، أهمية الإجماع على ما تراه النخبة الحاكمةبصفته اليقين الوحيد الذي هو قرين الإلحاح على مركزية القيادة التي يختزلها الحاكم الأوحد، الزعيم الملهم، رب العائلة، أو المهيب الركن، أو القائد الأوحد، واستبدالقواعد الوحدة ورفض الاختلاف بمبادئ الحرية وحق الاختلاف، وتأسيس التراتب الهرمي الصارم بين القيادات بصفته الوجه الملازم للتراتب العسكري، ومن ثم إلزام المرؤوسبالطاعة العمياء للرئيس في كل مجال، تأصيلا لحضور البطريركية في المجتمع. وآخرهذه الخصائص التحالف مع القوى الدينية إذا لزم الأمر. فالدين بالملك يبقى، والملك بالدين يقوى. ولذلك إما أن تغض هذه الدولة النظر عن قمع
(يُتْبَعُ)
(/)
السلطة الدينية أوتجاريها، أو تسمح لها بالعبث بالدستور أو الإسراف في تديين المواطنين ما ظل الأمر في مصلحة الدولة التسلطية، وإلا فإعلان القطيعة والحرب".
وهذا، كما يرى القارئ المطلع على حقائق الأمور، كلام لا رأس له ولا ذيل، إذ إن جابر عصفور هو واحد من أعمدة الدولة التسلطية المستبدة، كما أن دولتنا، التى هى دولة تسلطية مستبدة ولله الحمد، لا تنكل بأحد قدر ما تنكل بالمتدينين (المسلمين طبعا)، ولا تضع فى سجونها ولا معتقلاتها أحدا تقريبا من أهل الاعتقاد إلا المتدينين (المسلمين طبعا). ومع ذلك كله يجد الرجل فى وجهه الجرأة كى يقول هذا الكلام الخديج الذى لا يقنع قطة. وما الذى سيخسره؟ لا شىء طبعا. فليقل ما يشاء دون حسيب أو رقيب. ومتى كان أحد من الرعايا الذين لا قيمة لهم يحاسب أحدا من أهل الحكم أو ممن يلوذون بهم وينفذون سياساتهم الإقصائية؟ ولنستمر مع المقال وكاتبه:
"في هذا المناخ الجامعي، تقدم نصر أبو زيد بإنتاجهالعلمي إلى اللجنة الدائمة لترقية الأساتذة في الجامعات المصرية في التاسع عشر منأيار (مايو) عام 1992، وتم توزيع الإنتاج في الثامن والعشرين من الشهر نفسه. وتشكلت لجنة لقراءة الإنتاج العلمي من شوقي ضيف ومحمود علي مكي وعوني عبدالرؤوف. أماالدكتور شوقي ضيف، رحمه الله، فقد كنت أعرف مدى محافظته، ورفضه تيار التجديد الذيكان يراني ممثلا له في الأدب والنقد، ونصر ممثلا له في درس الخطاب والتفكير الديني على السواء. وكنت أعرف من أستاذي شكري عياد، رحمه الله، رفضه الشخصي الحاسم لمواقف شوقي ضيف المتعصبة التي كان يقرنها برجعية الفكر وانغلاقه. وقد أخبرني ذات مرة أن شوقي ضيف كان أحد الذين تسببوا في محنة أحمد محمد خلف الله عندما كتب أطروحته الإشكالية: "الفن القصصي في القرآن الكريم" ورفض قبولها للمناقشة لخروجهاعلى المأثور من القواعد المألوفة في معالجة النصوص القرآنية. وقد تم إلغاء أطروحة خلف الله، زميل شكري عياد في التتلمذ على يدي أمين الخولي، فاضطر شكري عياد إلى تغيير مساره في مدى البحث البلاغي، والاكتفاء بأطروحة الماجستير التي كانت تحليلاأسلوبيا لمشاهد القيامة في القرآن الكريم، وانتقل إلى دراسة "تأثير كتاب الشعر لأرسطو في البلاغة العربية". أما خلف الله فاضطر، بعد نقله من الجامعة عقاباله، إلى كتابة أطروحة جديدة عن صاحب "الأغاني" الأصفهاني. وكان كلاهما، شكري عياد وأحمد محمد خلف الله، يحاولان تطبيق ما نادى به أستاذهما أمين الخولي باسم "المنهجالأدبي في درس النص القرآني" وما يترتب عليه من تغييراتمنهجية. وللأسف لم يكن نصر ولا أنا نعرف هذا التاريخالقديم لمواقف شوقي ضيف، التي كتمها شكري عياد في نفسه، وكان كتوما جدا، ولم يبح لي بها إلا بعد أن شكوت إليه من بعض ما كان يعاملني به أستاذي شوقي ضيف، الذي لاأزال أجلّه كل الإجلال، فانفجر شكري عياد في وجهي بما كتمه طويلا، وبما كتمته أناعن نصر، ولم أخبره به إلى أن غادر الدنيا، عملا بوصية المرحوم شكري عياد، حفاظا على شكل العلاقات الإنسانية. وأجد نفسي في حلّ من هذه الوصية بعد رحيل الجميع، وبقائي وحدي منتظرا اللحاق بهم. وما لم أخبر به نصر كذلك ولا يعرفه أحد إلا أنا والدكتور محمود مكي وأحمد مرسي، مدّ الله في عمريهما، أن شوقي ضيف قرأ الإنتاج، فإذا به أمام منهج جديد لم يألفه من قبل، فضلا عن أنه ما كان راضيا عن منهجالخولي ولا المتابعين له، فاتخذ موقفا سلبيا من الإنتاج، وكتب تقريرا سلبيا. ولكنه، تحسبا للأمور، ومعرفة منه بأنني رئيس القسم الذي ينتسب إليه، بعدما انتقلتالرئاسة إليّ في تعاقب الأجيال، طلب لقاء محمود مكي، الذي كان يعرف قربه مني وقرأعليه التقرير، وطلب رأيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
والحق أن محمود مكي صارحه برأيه السلبي في تقريرهالذي انتهى إلى رفض ترقية نصر، وأبلغه أن عوني عبدالرؤوف وهو، مد الله في عمريهما، انتهيا إلى الترقية في تقريرهما. وشعر المرحوم شوقي ضيف أنه سيكون في وضع محرج، فطلب من محمود مكي أن يناقش تقريره معي سرا بصفتي رئيسا للقسم الذي هو حريص علىصورته فيه، ولا تزال هذه الصورة قائمة يجللها الاحترام، مهما كان الاختلاف الفكري. وجاءني محمود مكي بالتقرير في بيتي جوار بيت شوقي ضيف، وقرأت التقرير، وانتهيت إلى أن الرفض قائم على أساس اختلاف المنهج والفكر. وبعد أن انتهيت من القراءة والتفكير، وانتهى مكي من سؤال سهير ابنتي، رحمها الله، عن أحوالها في الدراساتالإسبانية، التي أسهم في إغرائها بها، سألت محمود مكي عن تقريره، فقال إنه يرى ترقيةنصر لأن إنتاجه يستحق،. وإذا كانت هناك هفوة هنا أو هفوة هناك، فهي لا تقلل من قيمةالإنتاج العلمي على الإطلاق، فما أكثر الذين تولت اللجنة ترقيتهم، وهم أقل شأنا وقيمة. وحاولت أن أوضح للعزيز محمود مكي أن الترقية العلمية تتم على أساس من قيمةالجهد والاجتهاد في المجال المنهجي، وأن الإنتاجالعلمي يرقى لا إلى اتفاقه مع آراء لجنة التحكيم أو منهجهم، فالأصح أن يرقى بسبب اجتهاده ومغايرة منهجه، وإلا ما تقدمالبحث العلمي. وأخبرني مكي أنه مقتنع بذلك، وأنه حاول إقناع شوقي ضيف، ولكنه لم يفلح بسبب رفضه الجذري لمناهجنا الجديدة التي تستعين بالهرمنيوطيقا والسيميوطيقا والبنيوية والتفكيكية. فقلت: إذًا هو الخلاف الحتمي، وسأرفض تقريره في مجلس القسم، واثقا بأن هناك من سيقف معي، فنحن ورثنا احترام تقاليد الاختلاف منكم، ولن نقبل أنتصرفونا أو نصرفكم عنها.
وهنا قال محمود مكي: لا داعي لذلك كله، فلولا حرصشوقي ضيف على معرفة رأيك ما أرسلني إليك. وأنا سأجد حلا معه أو أقنعه بتغييرالتقرير. وبعد أيام قابلت محمود مكي، فقال لي إن شوقي ضيف سينسحب من اللجنةالثلاثية، وأنه سيترك مكانه لعبدالصبور شاهين. وانتابني الوجوم، فأنا أعرف فكر عبدالصبور شاهين ومواقفه المعلنة، وانحيازه إلى جماعات الإسلام السياسي والتيارات السلفية. ولكنني قلت لنفسي: لا تتعجل الحكم، ودع الأمور تجري في أعنتها، وليرعَالله إنتاج نصر في مواجهة أنياب الفكر السلفيالمتزمت.
اجتمعت لجنة ترقية نصر أبو زيد بتشكيلها الجديد لقراءة التقارير الثلاثة، واختيار التقرير الذي يعبر عن رأي اللجنة النهائي، وكنت أعرف أن تقرير محمود مكي إيجابي، وكذا تقرير عوني عبدالرؤوف، ولم أكن أثق بعبدالصبور شاهين ولا حياد موقفه. فقد سبق له مهاجمةنصر علانية، وظل غاضبا لما أخذه عليه من علاقته بشركات توظيف الأموال ومهادنته الدولة وجماعات إرهاب التأسلم السياسي على السواء. ولكني كنت أمنّي النفس بانتصار العقل والتقاليد الجامعية الأصيلة. وظللت صامتا الى أن أخذت اللجنة قرارها الفاجع، حيث انحاز أحمد هيكل لزميله عبدالصبور شاهين بحكم عصبية الانتماء إلى دار العلوم، وخوفا من لغة التكفير التي استخدمها زميله والتي لا تليق بتقرير علمي، ولكنها تبعث الخوف في النفوس الضعيفة. واعترض سيد النساج بشدة على رفض تقريرين لعالمين جليلين بالترقية، هما محمود مكي وعوني عبدالرؤوف، وانقسمت اللجنة على نفسها بعد انسحاب سيد النساج احتجاجا، وقبلت تقرير عبد الصبور بفارق صوت واحد، هو صوت شوقي ضيف فيماأظن، وبعض الظن إثم في كل الأحوال. لكن المهم هو الدلالة العامة التي ظلت قائمة، وهي أن اللجنة التي رأسها شوقي ضيف، تلميذ طه حسين، الذي أشرف عليه في أطروحاتهالجامعية، خانت منهج طه حسين في التوجه العقلي، وبدل أن تواصل طريق المحدثين الذيانطلق منه عميد الأدب العربي انقلبت على هذا المنهج واختارت طريق القدماء الذين يرفضون إعمال العقل، ويغلقون أبواب التجديد. والمؤسف أن شوقي ضيف، الذي صاغ تاريخالشعر العربي فنيا في التحول ما بين أربع صيغ هي الطبع والصنعة ثم التصنيعوالتصنع، وقد كان ذلك تصنيفا جديدا في زمنه، أخذ موقفا سلبيا من مصطلحات العصر، ورفض أن يكون موقف الإمام الشافعي الفقهي تعبيرا، في التحليل الأخير، عن الأيديولوجيا الوسطية، فضلا عن المصطلحات الجديدة التي استخدمها نصر، مثل الهرمنيوطيقا والسيميوطيقا والخطاب وغيرها من بدع الدراسات الإنسانية الحديثة
(يُتْبَعُ)
(/)
التي لا ينبغي استخدامها في مجال قديم لا سبيل الى مثل هذا التجديد فيه. وكانت اللجنة بهذا القرار تنحاز الى أهل النقل لا العقل، وإلى المعادين للاجتهاد من أهل التقليد الذين ناصبوا طه حسين العداء الذي نسيه تلميذ طه حسين رئيس اللجنة.
وكانت ملاحظتي الثانية على تقرير عبدالصبور شاهين الذي تبنته اللجنة للأسف أنهتقرير لا علاقة له بالعلم الرصين، وإنما هو تقرير انفعالي خطابي تكفيري يستخدم عبارات لا يليق استخدامها في مجال العلم والخطاب الجامعي بوجه عام. ومن ذلك إشارةالتقرير الى أن نصر وضع نفسه مرصادا لكلمقولات الخطاب الديني حتى لو كلفه ذلكإنكار البديهيات، أو إنكار ما علم من الدين بالضرورة. وأضيف الى ذلك صفات مثل كلامأشبه بالإلحاد. وقسْ على ذلك من الكلام الذي يعف قلمي عن ذكره. فالأهم هو أن لغةالتكفير المستخدمة في هذا التقرير سرعان ما شاعت على الألسنة المعادية للدولةالمدنية، وظلت ملازمة لخطاب التكفير الذي كان يرتفع صوته في موازاة ارتفاع حدةخطاب التأسلم السياسي الذي كان يشيع خارج الجامعة. وكان معنى ذلك أن رئيس لجنةالترقية، تلميذ طه حسين، سمح لخطاب التكفير الذي كان لا يزال خارج الجامعة أن يدخلها ولا يفارقها الى اليوم للأسف. فما أكثر ما حدث بعد ذلك من اتهامات اعتقاديةدينية لباحثين اجترأوا على الاجتهاد في مجالات العلوم الإنسانية، خصوصا في مجال نقد الخطابات الاجتماعية السائدة، ومنها خطاب تحرير المرأة، ومواجهة النظرة الدونيةإليها. والخطورة أن شيوع هذا الخطاب التكفيري وانتقاله من خارج أسوار الجامعة الى داخلها أحدثا كارثة كبرى في الفكر الجامعي. فقد سجن هذا الفكر في مدار مغلق، وجعلالأساتذة يؤثرون السلامة، ويخافون الاجتهاد، ويصنعون لأنفسهم من أنفسهم رقباء على ما يفكرون فيه أو يكتبون عنه. وكانت النتيجة الكارثة أن ذبلت روح الاجتهاد في الجامعة، ولم تخرج الجامعة المصرية وحدها من دائرة الجامعات ذات القيمة، بل خرجت كلالجامعات العربية تماما من مقياس أفضل خمسمائة جامعة في العالم.
وهناك ملاحظة أخرى على تقرير عبدالصبور شاهين الذي قبلته لجنة برئاسة تلميذ طه حسين، وهي ملاحظة تسجل انحراف اللجان العلمية، وانحراف التقييم الجامعي بوجهعام. فالأصل في التقييم الجامعي السليم هو الاجتهاد، والجدة، والاختلاف المقترنبأصالة المنهج بعيدا عن الموافقة على النتائج أو الاختلاف معها. فلا اجتهاد من دوناختلاف، وإلا فقد الاجتهاد معناه، ولا جدة إلا بالخروج على السائد، وإلا ما كانت جدة ولا اختلاف. ومن ثم لا اجتهاد إلا مع إقرار مبدأ حق الخطأ. فالمعرفة الإنسانية لا تتقدم بالإصابة في الاجتهادات وحدها، وإنما تتقدم بالقدر نفسه بالأخطاء. ولذلك حرصت الحضارة الإسلامية في عصور ازدهارها على ما أطلق عليه طه حسين، في مقال شهيرنشره عام 1955، حق الخطأ الذي يعني إصابة المجتهد في كل الأحوال، حتى في الخطأ الذي يستحق عليه أجرا يضاعف في حالة الإصابة. وأصل الإثابة ومبررها تشجيع إعمال العقل، والمخالفة في الاجتهاد، وإلا ما تراكم العلم ولا تقدّمت المعرفة العلمية. ويترتب على ذلك أن التقييم العلمي الصحيح ليس الأصل فيه هو الاتفاق بين من يقوم بالتحكيم ومن يتم تحكيم إنتاجه، وإنما مراعاة قيم المنهجية والاجتهاد والإضافة بعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف. وقد ترتب على قبول تقرير عبدالصبور شاهين، الذي لاأزال أراه وصمة عار في تاريخ الجامعة، وهو منشور مع تقرير قسم اللغة العربية في تفنيده علميا في كتاب نصر: "التفكير في زمن التكفير"، الذي طبع أكثر من مرة. وأضيف إلى ذلك ما هو متضمن في السياق من جانب ثأر شخصي ينطوي عليه التقرير الذي استغله كاتبه للثأر من نصر، الذي أشار إليه في أحد الكتب بوصفه مستشارا لإحدى شركات توظيف الأموال التي نهبت ثروات المسلمين المخدوعين فيها".
(يُتْبَعُ)
(/)
وقارئ هذا الكلام يخرج منه بصورة مقيتة لكل من د. شكرى عياد ود. شوقى ضيف: فالأول، كما يصوره المقال، غِلاّوىّ جبان منافق لا يعلن عن رأيه إلا فى الظلام ولا يستطيع المواجهة. فهل كان د. شكرى عياد بهذه الصورة؟ أما د. شوقى ضيف، الذى صوره جابر عصفور بصورة المتخلف الرجعى الذى لا يفهم فى البنيوية ولا التفكيكية ولا الهرمنيوطيقية ولا المهلبية ولا الملوخية، وهو كلام لا يليق فى حق ذلك الأستاذ الكبير الذى لا يعرف الهلس والهجص ويحرص على أن يقول كلاما مفهوما ومفيدا، ويزداد خروجا على اللياقة من د. جابر عصفور، الذى لا أنسى منظره فى احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بالدكتور محمد حسين هيكل فى أواسط التسعينات من القرن المنصرم، وهو ممسك بورقة كان قد أعد فيها مسبقا سؤالا بالإنجليزية موجها لأحد المستشرقين الموجودين بالاحتفالية، ويقرأ السؤال ببطء قاتل ممايدل على ضعفه فى لغة جون بول، التى تحدى فيها مع ذلك أ. د. عبد العزيز حمودة فى معركة "المرايا المحدبة"، حيث وجه حمودة فى ذلك الكتاب إلى الحداثيين العرب لطمات عنيفة أفقدتهم صوابهم وتركتهم أباديد لا يدرون ماذا يصنعون، واتهمه بأنه لا يحسن النقل عنها رغم أن الرجل أستاذ كبير فى اللغة الإنجليزية وآدابها، وهو بالنسبة إليه لا يعد فى العيرولا فى النفير، أقول: أما الدكتور شوقى ضيف فإنى أكتفى بشأنه بإحالة القارئ إلى ما كتبه فى حقه قبل ذلك جابر عصفور، الذى كان يمجده دائما ولا يجرؤ أن يقول فيه أثناء حياته ولا واحدا على المليون مما كتبه هنا بعد مماته. ثم كيف بالله نستطيع أن نتحقق من هذا الكلام، وكل الذين يدور حولهم قد انتقلوا إلى جوار ربهم؟ ثم هل يصح أن ينتظر جابر عصفور حتى يموت الجميع ليقول بعد ذلك، وبعد ذلك فقط، إنه الآن فى حِلٍّ من قول ما قال؟
خلا لك الجو فبيضى واصفرى * ونقّرى ما شئت أن تنقّرى
ومع ذلك فقد أبى الله أن يمر هذا الكلام دون معقب، وهو معقب قريب جدا من الأحداث، إذ هو الأستاذ الدكتور عاصم شوقى ضيف، ولا أحد سواه. فقد ألفيته يعلق فى أحد المواقع المنشور فيها هذا المقال على ما كتبه جابر عصفور بالسطور التالية التى ترينا وجها آخر لسير الأحداث يختلف تماما عما حكاه جابر عصفور وهو آمن مطمئن يظن أن أحدا من عباد الله لن يعلق على هذا الذى كتب. قال د. عاصم ضيف بأدب وهدوء يذكراننا بأدب أبيه وهدوئه ودماثة طبعه واحترامه الشديد لنفسه وللآخرين وعدم تزيده فى الكلام وحرصه على وزن ما يقول رحمه الله على عكس قوم ابتُلِينا بهم فى العقود الأخيرة يذكروننا بالحوذية والبلطجية:
"هناك مغالطتان: أما خلف اللهفقد اعترض عليه أساسا عبد الوهاب عزام، وشوقي ضيف فقط قال رأيه. ولو كان فكرهسليما فلماذا لم يقف القسم مع أمين الخولي مشرفه ضد شوقي ضيف، وكان بعد مدرساصغيرا؟ لأن "الفن القصصي في القرآن" يجعل من الأخير نص أدبي. وهي فكرة خطيرة. أما شكري عياد فقد كان يكن لشوقي ضيف احتراما كبيرا، وكان يزوره كثيرا. وأذكر أن قال ليمرة إن كتب والدك مصادر معتمدة. والمغالطة الأخرى هو أن شوقي ضيف لم يكتب تقريرا بلأبلغ محمود مكي أته يعتذر لما وجده في فكر نصر. فلما بلغ ذلك المساندين له، ومنهم كاتب المقال، وجدتهم يزورون والدي في منزله بالدقي، واجتمع عنده غير قليل منهم. فلماانصرفوا سألته: لماذا هذا الحشد عندك؟ فقال لي: يرجونني أن أوافق علي ترقية أحدالمتقدمين للترقية بالقسم. ولم أكن أعرف اسمه بعد، فقلت له: إذا كان بقسمكم فلماذا لا تساعده؟ قال: اعتذرت لأن أعماله بها مخالفات واضحة (ولم يبين لي ما هي)، وعقيدتي لا تسمح لي بالموافقة عليها. لذلك أعتذر عن الحكم عليها. إذن فشوقي ضيف لم يقف ضده، واكتفيبالاعتذار مجاملة لبعض أعضاء مجلس قسمه مع أنه لا يوافقهم الرأي. وكان هذا شأنهدائما، لا يتعرض لأحد بالإساءة. والحقيقة أن السبب في عدم ترقية نصر هو قسم اللغة العربية لأنك إذا تأملت كيف تلاحقت الأحداث فهذان محكَّمان من القسم نفسه، وثالث منالخارج. إذن يبدو الأمر أمام اللجنة الكلية محسوما مقدما، وبالأخص أن رئيس اللجنةطلب أن يكون أحد المحكمين. ولقدره العلمي ستجعل الجميع موافقين بالضرورة. لكن ما أن اطّلع شوقي ضيف على الأعمال حتى تبين الخطورة فيها. إذن ليس كما يدعي كاتب المقال أنمنهجها يستعين
(يُتْبَعُ)
(/)
بالتفكيكية أوالبنيوية أو أنه أمام منهج جديد لم يألفه من قبل، بل لايعدو الأمر أن يكون بسبب ما وجده عند المتقدم ما معناه أن القرآن الذي شب عليهالمسلمون واعتقدوا أنه إلهي ما هو إلا منتج ثقافي ونص لغوي يمكن تطبيق عليه أساليب النقد. وهل يمكن لشوقي ضيف مفسر القرآن ومحقق القراءات العشر والمدافع عن السيدةعائشة على أنها لم تتزوج صغيرة ضد كلام المستشرقين أن يوافق على كلام يشبه كلامهم؟ إذن فقد أخفى القسم الحقيقة عن شوقي ضيف. ولو كان طلب منه أن يكون المحكَّم الثالث أحدالموافقين علي هذه الآراء، وكان منهم في اللجنة الكثير، لكان الموضوع "خلص علي خير".إذن فالخطأ أصلا هو خطأ القسم".
ويبقى قول جابر عصفور إن أ. د. عبد الصبور شاهين قد كفّر نصر حامد أبو زيد فى تقريره الذى كتبه عن إنتاجه العلمى حين تقدم للترقية لرتبة الأستاذية، وهو زعم غير صحيح بالمرة، وإلا فلينقل لنا نص ما كتبه الأستاذ الدكتور الذى يقول إنه كفر فيه نصر أبو زيد. ثم أليست مصيبة بل كارثة أن يتدخل ناس من خارج لجنة الفحص فى أعمال الترقية على هذا النحو المفضوح من أجل ترقية واحد بعينه، وقبل ظهور النتيجة؟ ألا إن هذا كلام خطير فى غاية الخطورة. ولقد شاء الله السميع العليم أن ينجر د. جابر عصفور فيذكر هذا الموضوع متصورا أن من حقه التدخل لإنجاح من يريد، مما كان من نتيجته تنحى الأستاذ الدكتور شوقى ضيف عن النظر فى أعمال نصر أبو زيد. وهو تصرف حضارى راق، ولكن كانت ثمرته أن أبو زيد رغم كل التدخلات والتوسلات والتربيطات لم ينجح، فقامت الدنيا من يومها وانتقل الخبر إلى وكالات الأنباء العالمية مع أن مثل هذا الأمر يحدث كل مرة تجتمع فيها لجان الترقية، إذ ينجح ناس ويرسب ناس، ولا من شاف ولا من درى. اللهم إلا أن يكون الراسب واحدا كالدكتور نصر أبو زيد، فعندئذ، وعندئذ فحسب، تبدأ القصائد الهجائية فى السباب، وتشرع المارشات العسكرية فى الدق والنفخ فى محاولة مفضوحة للترهيب والترويع، وتتنادى وكالات الأنباء المحلية والعالمية شأن من هم على ميعاد. ثم يتباكى بعض القوم على المنهجية العلمية والحيادية والتنويرية والحمصية والسمسمية والحلاوة الطحينية. والله إنه، لكما قال أحدهم تعليقا على ما جرى، شىء يفقع المرارة!
وأذكر هنا عَرَضًا ما سمعته مرارا من عضو فى لجنة منح الجوائز فى بعض الساحات الثقافية بإحدى البلاد العربية من أنه هو وزملاءه فى اللجنة يقضون الأيام والليالى ذوات العدد يفحصون أوراق المرشحين ويفاضلون بينهم. حتى إذا استقر الرأى على منحها لفلان أو لعلان هلّ عليهم "أبو وش كالح" وقال لهم: دعوكم من هذا كله، وخذوا فلانا الفلانى. فلا يملكون إلا أن يأخذوا فلانا الفلانى لأن "أبو وش كالح"، ربنا يأخذه، قد قال، ولا رجعة لما قال. وكان، أخزاه الله فى الأرض والسماء والدنيا والآخرة، لا يكف عن التشدق بالحرية ولا عن مهاجمة الدولة التى يخدم أهدافها كأى عبد ذليل ينتفش على عباد الله ممن ليسوا أذلاء مثله ويتظاهر أن بمستطاعه إعطاءهم محاضرة فى مكافحة الاستبداد والعسف والطغيان. إى والله الاستبداد والعسف والطغيان الذى يسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار، وإلا ضربوه بما فى أرجلهم ورَمَوْه رمية الكلاب! ويقول الذين يعرفون خبايا "أبو وش كالح" إنه لم يصل إلى منصبه الجامعى إلا باستعطاف حاكم دولته بعد أن رسب فى إحدى المواد ولم يعيَّن معيدا فى البداية بسبب ذلك، زاعما فى استعطافه الكاذب أن الأساتذة يضطهدونه لفقره وانتمائه إلى الطبقات الكادحة. قال ذلك وهو يتطلع إلى أن يكون أحد المنتمين إلى الطبقات المادحة. وقد أصبح المنافق منهم، لعنه الله لعنا كبيرا وصغيرا ومتوسطا وبكل الأحجام والمقاييس.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا بأس أن أقتطف بضع فقرات من مقال كتبه وائل عزيز فى مدونته عن ذات القضية بعنوان "حكاية ( http://waelaziz.maktoobblog.com/1618013/%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d8%b5%d8%b1-%d8%ad%d8%a7%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%b2%d9%8a%d8%af-26/) نصر ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) حامدأبو ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) زيد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search)" أشار فيه إلى التقرير الذى كتبه الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين عن أعمال د. نصر. وهذا نص الفقرات المذكورة: "نشر الدكتور أبو ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) زيد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) نص التقرير كاملا في كتابه: "التفكير في زمن التكفير"، كما نشره في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه "نقد الخطاب الديني". ولم يكن في التقرير كلمة واحدة تشير إلى كفر أو تكفير أبو ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) زيد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) كما شاع بعد ذلك وكرره نصر ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) حامد نفسه. وإنما خلاصة ما جاء به أن أبحاثه بها "الكثير من الأخطاء التاريخية
(يُتْبَعُ)
(/)
والعلمية، وأنه يجعل العقل الغيبي غارقا في الخرافة والأسطورة مع أن الغيب أساس الإيمان، وأنه ينعي على الخطاب الديني أن يرد كل شيء في العالم إلى علة أولى هي "الله"، ويرى أن ذلك إحلال لـ"الله" في الواقع ونفي لـ"الإنسان". كما أنه إلغاء للقوانين الطبيعية والاجتماعية. وهو يدافع بحرارة عن الماركسية الفكر الغارب ويبرئها من تهمة الإلحاد، بل ويقول بخطأ تأويل الماركسية بالإلحاد والمادية. ولعله يتصور أن ماركس كان مؤمنا روحاني النزعة". وختم الدكتور شاهين ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) تقريره بقوله: "إن أبحاثه جدلية تضرب في جدلية لتخرج بجدلية تلد جدلية تحمل في أحشائها جنينا جدليا متجادلا بذاته مع ذاته، إن صح التصور أو التعبير. وليست هذه سخرية، ولكنها كانت النتيجة التي يخرج بها قارئ الكتاب غير المنشور حتى الآن".
وقد كان الرجل محقا في هذا الوصف، فالدكتور أبو ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) زيد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) كمفكر مجتهد يفكر أسرع مما يكتب، ولا يستقر به الحال عند فكرة إلا لحقها بما يناقضها. وما أودعه في كتابه: "مفهوم النص" كان يحتاج منه إلى كثير من المراجعة قبل أن يخرج بالصورة التي خرج عليها، والتي أمكن بسهولة للمتربصين به (أو "الباحثين عن العفريت" بتعبيره) أن يقتطعوا منها العديد من الفقرات ليحاكموه بشأنها، فقد بحثوا عن العفريت (التجاوزات) فطلع لهم، فأخذوها إلى المحكمة، فحكمت لصالحهم في الاستئناف والنقض. ورغم أنه حاول الدفاع بعد ذلك عن آرائه وتوضيح ما قصده بكتابته عبر الندوات الخاصة واللقاءات التليفزيونية، ولكن ذلك كان بعد فوات الأوان.
لا يفوتني هنا أن أشير إلى الصراع المستمر وغير المعلن بين كلية دار العلوم وكلية الآداب، وهو صراع يعود إلى أيام طه حسين. أو قل: هو صراع بين ممثلي الفكر الإسلامي والعلمانيين في الجامعات المصرية خاصة في أقسام الفلسفة واللغة العربية والتاريخ. وقوانين الترقية لدرجة أستاذ تستلزم أن يكون هناك مقيّم خارجي، أي من خارج الكلية التي تقدم منها المرشح بأبحاثه. ومثل هذا القانون كان يستهدف الموضوعية في التقييم والبعد عن المجاملة، لكنه انتهى إلى سيف مسلط في أيدي الأساتذة الكبار من الفريقين يستخدمونه في تصفية الحسابات والمقايضة وتحقيق الانتصارات. وأعرف عددا من الأساتذة من المحسوبين على التيار الإسلامي الذين دفعوا ثمن هذا الصراع عبر تعنت أسماء مثل جابر ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) عصفور ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9%
(يُتْبَعُ)
(/)
88+% D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) وعاطف العراقي ومراد وهبة وحسن حنفي وغيرهم من الكبار، فتأخرت ترقياتهم شهورا وسنوات، ولم تُجْدِ معهم الشكاوى ولا الاعتراضات. ولا زال الصراع مستمرا، ولم يستطع حله وزراء التعليم العالي المتعاقبون ولا المجلس الأعلى للجامعات، وظل أحد الأدوات التي تستخدمها السلطة من أجل إبقاء التوتر قائما، وهو ما يحتفظ لها بدور الحكم دائما والحكيم أحيانا.
كان من الممكن رأب الصدع بسهولة، وتكرر هذا في عشرات الحالات السابقة. ولم يكن للدكتور عبد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) الصبور ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) شاهين ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) أن يقبل أن يضع اسمه على تقرير يجيز ترقية أستاذ يختلف معه فكريا إلى حد النقيض، خاصة مع ما ترشح من اتهامات من أبو ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) زيد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) لشاهين ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) في مسألة توظيف الأموال وعلاقته بالريان. واقترح الدكتور مأمون سلامة رئيس جامعة القاهرة حينذاك، وهو رجل منصف وحكيم، أن يتم اختيار مقيّم آخر غير الدكتور شاهين ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) والقبول بتقريره، وهو ما يعني عمليا اختيار مقيّم من الجناح الآخر من الأساتذة الذي سينتهي
(يُتْبَعُ)
(/)
بتقرير إيجابي وتحل المشكلة. وكاد الدكتور أبو ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) زيد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) يقبل، غير أن أصدقاءه نصحوه بالرفض والتصعيد، وأوهموه أن الحق معه. ولعلهم أرادوا بهذا التصعيد أن يبعدوا الدكتور شاهين ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) من الجامعة، فانقلب السحر على الساحر.
تولى الصحفي اليساري لطفي الخولي مهمة التصعيد في صفحة "الحوار القومي"، التي كان يشرف عليها في "الأهرام"، وأتاح الفرصة لعدد من المدافعين عن موقف أبو ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) زيد ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) للتعبير عن رأيهم والتباكي على ما انتهى إليه حال حرية البحث العلمي في الجامعات المصرية. وفي المقابل انبرى فهمي هويدي في صفحته بـ"الأهرام" ومحمد عمارة في جريدة "الشعب" وآخرون للدفاع عن موقف شاهين ( http://www.maktoobblog.com/search?s=%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%B1+%D8%B9%D8%B5%D9% 81%D9%88%D8%B1+%D9%86%D8%B5%D8%B1+%D8%A3%D8%A8%D9% 88+%D8%B2%D9%8A%D8%AF+%D8%B9%D8%A8%D8%AF+%D8%A7%D9 %84%D8%B5%D8%A8%D9%88%D8%B1+%D8%B4%D8%A7%D9%87%D9% 8A%D9%86+&button=&gsearch=2&utm_source=related-search-blog-2010-07-31&utm_medium=body-click&utm_campaign=related-search) رفض التطاول على المقدسات باسم البحث العلمي النزيه. وخرجت المعركة عن حدود السيطرة".
بهذا ننتهى سريعا من إحدى المغالطات فى موضوع ترقية نصر أبو زيد بعدما كشفنا عن وجه الحق واتضح أن عبد الصبور شاهين لم يكفر فى تقريره أبو زيد على أى وجه من الوجوه وأن المسألة كلها مختلقة من الأساس. بيد أن للمسألة وجها آخر، وهو: هل يفهم من هذا أنه ليس فى الإسلام تأمين أو تكفير؟ الواقع أن فى الإسلام تأمينا وتكفيرا، وإلا انماعت المفاهيم وغامت الرؤى واختلطت المصطلحات واضطربت التصنيفات، وهو ما يربك الأمور ويشيع الحيرة والبلبلة فى النفوس والعقول والضمائر. ما معنى ذلك؟ معناه أنه كما يستخدم نصر أبو زيد وغيره مصطلحات التنويريين والظلاميين والرجعيين والمتخلفين ... إلخ كذلك يستخدم المتدينون مصطلحات "الإيمان والكفر والنفاق والطاعة والمعصية والحلال والحرام والفرض والسنّة" جريا على أسلوب القرآن الكريم والسنة النبوية والتراث الإسلامى، كقوله تعالى فى سورة
(يُتْبَعُ)
(/)
"النساء": "إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) "، وقوله تعالى فى سورة "المائدة": "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) "، وقوله عز شأنه فى سورة"الأعراف": "وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) "، "قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) "، وقوله جل جلاله فى سورة "التوبة": الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) "، وقوله تبارك اسمه فى سورة "فُصِّلَتْ": "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) "، وقوله تعالى جَدُّه فى سورة"المنافقون": "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) "، وقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"، "من أتى ساحرا أو كاهنا أو عرافا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أُنْزِل على محمد"، "إذا قال للآخر: كافر، فقد كفر أحدهما: إن كان الذى قال له كافرا فقد صدق، وإن لم يكن كما قال له فقد باء الذى قال له بالكفر"، "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، إن هذه الأمة تبتلى في قبورها. فإذا الإنسان دُفِن فتفرق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده، قال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فيقول له: صدقت. ثم يفتح له باب إلى النار، فيقول: هذا كان منزلك لو كفرت بربك. فأما إذ آمنت بربك فهذا منزلك. فيفتح له باب إلى الجنة، فيريد أن ينهض إليه، فيقول له: اسكن، ويفسح له في قبره. وإن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئا. فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت. ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك لو آمنت بربك. فأما إذ كفرت بربك فإن الله عز وجل أبدلك هذا. ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه مقمعة بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين. فقال بعض القوم: يا رسول الله، ما أحد يقوم عليه مَلَكٌ في يده مطراق إلا هِيلَ عند ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت"، "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق. فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله"، "من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورةٍ طُبِع على قلبه: منافق"، "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خَلَّةٌ منهن كانت فيه خَلّةٌ من نفاق حتى يَدَعها: إذا حدَّث كذَب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فَجَر"، اللهم إلا إذا قيل بإلغاء هذا من القرآن والسنة كما ينادى المهاويس المهلوسون هذه الأيام بكل وقاحة، فى الوقت الذى لا يجرؤون أن يفكروا مجرد تفكير فيما عند غير المسلمين، إذ هم يعرفون أن ألسنتهم تُقْطَع فى الحال ويُنَكَّل بهم أيما نَكَال.
ذلك أن مثل هذه النصوص شىء لا ينفرد به الإسلام، بل يوجد فى كل دين ومذهب وعقيدة نصوص ترسم الحدود وتَسِم كل من يتمرد عليها بأنه لا يؤمن بها وتخطّئه وتخرجه عن العقيدة، سياسية كانت تلك العقيدة أو دينية أو فلسفية. ولقد تعدت الأمور أحيانا فى أوربا فى العصر الحديث حدود الخلاف الفكرى ووصلت عند الشيوعيين وغير الشيوعيين إلى "التصفية الجسدية". وهذا مصطلح أوربى لم يسمع به المسلمون إلا فى هذا العصر. فنرجو من المتحذلقين البكاشين أن ينقّطونا بسُكاتهم ويكفأوا على الخبر ماجورا ولا يقيموا من أنفسهم معلمين لنا، فى الوقت الذى يجب عليهم فيه أن يتبوأوا مجلس المتعلمين لا مقام العالمين. إن الحياة قائمة على التصنيفات
(يُتْبَعُ)
(/)
والتقسيمات، وهذه النصنيفات والتقسيمات تستلزم مصلطحات معينة لا بد من استخدامها، وإلا فماذا نسمى من يقول إن محمدا هو مؤلف القرآن، أو إنه لا يوجد إله أصلا، أو إن الجنة والنار والثواب والعقاب هى أساطير ليس لها أية حقيقة فى خارج أذهان من يعتقدون بها؟ ببساطة: من يقول بهذا فهو كافر. إلا أن الأمر ليس بهذا التحديد الصارم دائما، إذ هناك مسائل حدودية يمكن أن يكون فيها أكثر من رأى، وتقبل أكثر من تفسير. وهذه المسائل الحدودية يصعب إصدار حكم بشأنها، وبخاصة إذا ما استعمل المتكلم أوالكاتب أسلوبا مراوغا فى التعبير عما فى نفسه، فتراه لا يحسم الكلام بل يصوغه صياغة لفافة دوارة حتى إذا ما آخذتَه على هذه النقطة أو تلك انبرى لك مؤكدا أنه لا يقصد ما فهمتَه. ولكن الصبر على التحليل والتفكيك والتركيب وما إلى ذلك من أدوات البحث ومناهجه يمكن أن تفيد فى الخروج من متاهة المراوغة التى يصطنعها بعض الكتاب، وإن ظل الأمر دائما غير حاسم تمام الحسم. وفى هذا السياق نذكّر بما قاله بعض علماء السلف من أننا إذا قرأنا أو سمعنا مقالة تحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، والإيمان من وجه واحد فينبغى حملها على محمل الإيمان. وهو ما يجب أن يأخذ به المسلمون، أو على الأقل: يجب أن يكونوا على ذكر منه فلا يندفعوا مع التكفير، وبالذات إذا أكد الشخص المعنىّ أنه مسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله مما يحفظه المراوغون أيضا ويرددونه فى مثل تلك الظروف للخروج من المأزق. ومع هذا نقول كما قال النبى عليه الصلاة والسلام لصحابى اتهم رجلا بعدم الإيمان: هلاّ شققتَ عن قلبه؟ يقصد، صلى الله عليه وسلم، أنه ليس من صلاحيتنا محاولة التدسس إلى أفئدة الآخرين والتلصص على ضمائرهم ما داموا يعلنون الإسلام حتى لو لم يكونوا مسلمين فى أعماق قلوبهم، إذ إن الكشف عما تكنه تلك القلوب ليس من وظيفتنا. لكن هذا يختلف عن تصدينا لأفكار الآخرين وكلامهم المكتوب وتحليلنا له واجتهادنا فى فهمه والحكم عليه دون الحكم على صاحبه ما دام لم يقل شيئا واضحا قاطعا من الكفر. وحتى هنا ليس من صلاحيتنا إكراهه على غير ما يؤمن به. إنما هو فكر إزاء فكر، والسلام.
ننتهى من هذا إلى أن التكفير مفهوم من المفاهيم لا يمكن أن يخلو منه أى دين، إذ معناه أن فلانا أو علانا لا يؤمن بهذا الدين. وهل هناك شك فى أنه ما من دين إلا ويرفضه الملايين بل عشرات الملايين بل مئاتها؟ فكيف نصنف هؤلاء الرافضين؟ إنهم كفرة بهذا الدين، مثلما يقول الماركسيون عن المتدينين: الظلاميون والرجعيون والمتخلفون، ويصفون أنفسهم بالتنويريين والتقدميين، وكما تقول أمريكا والدول الاستعمارية عمن يدافعون عن بلادهم: إرهابيون، وتصف نفسها بقوى التقدم والتحرر ... إلخ. وفى داخل المذهب الشيوعى كانت هناك اتهامات متبادلة بين شيوعيى الصين والاتحاد السوفييتى ويوغوسلافيا وألبانيا. وهذه الأخيرة لم يكن يعجبها أحد، فكانت ترمى الجميع بالانحراف وترى نفسها الدولة الشيوعية الحقيقية الوحيدة. ومنذ سنوات صدر كتاب فى أمريكا يقول بنهاية التاريخ وأن الحضارة الغربية ستبقى هى الحضارة الصحيحة الوحيدة إلى الأبد.
وهنا نسمع بعض القوم يقولون لمن ينبرى للرد على ما يراه مسيئا للدين أو مخالفا له: وهل خَوَّلك أحد للحديث باسم الله؟ وطبعا لم يخَوِّل أحد أحدا، بل دفعه ضميره واستفزته غيرته على دينه مثلما تستفز الغيرةُ كلَّ مؤمن بعقيدة أو مذهب إلى وقوف هذا الموقف حين يستدعى الأمر ذلك، فلا يجد من يقول له: ومن الذى خَوّلك الحديث باسم الشيوعية أو اللينينية أو التروتسكية أو النازية أو الوجودية أو اللاأدرية أو الوضعية المنطقية أو الرأسمالية أو الليبرالية أو الناصرية أو التكعيبية أو التبقيعية أو البنيوية أو التفكيكية ... إلخ؟ ولا يوجد عاقل يزعم أو يعتقد أنه عند قيامه بالدفاع عن الإسلام إنما يتحدث باسم الله، إذ لا يعدو الأمر أن يكون اجتهادا من المدافع يعبر فيه عن رأيه هو وفكره هو وفهمه هو، ويتحدث فيه عن نفسه هو لا عن الله ولا عن الرسول. وقد يكون اجتهاده مصيبا، وقد يكون مخطئا. ويستطيع الآخرون أن يناقشونا فيما نقول، فنقوم نحن بتوضيح رأينا ونرد عليهم، فيردون هم بدورهم، ونستطيع نحن بدورنا أن نرد على رد الرد ... وهكذا دواليك إلى أن نصل إلى شىء نتفق عليه أو
(يُتْبَعُ)
(/)
نصل إلى طريق مسدود فيتمترس كل منا وراء فكرته لا يريد عنها حِوَلا، وهذا حقه. ولا أحد منا معصوم، بل كل ما يمكننا قوله هو أننا نبغى إصابة الحقيقة. وقد نكون كذابين فى هذا الادعاء، وقد نكون صادقين. بل نحن لا ندرى ماذا يفعل الله بنا مهما كثرت صلاتنا وصيامنا وزكاتنا وحجنا وحرصنا على التقوى وعمل الصالحات. أما الإجلاب وإحداث الصخب والضجيج بعبارات من مثل: "من خَوّلك التحدث باسم الله؟ " فهو الخبث بعينه، إذ معناه أنك تحرّم على المسلم الدفاع عن دينه أو توضيحه أو مناقشة أحد فيما يقول بشأنه، ومن ثم يترك الساحة لكل من هب ودب ليقولوا ما عندهم من سخف دون تعقيب أو تصويب. وأين العاقل المنصف الذى يقول بهذا؟
وكان د. نصر أيضا يلجأ إلى هذا الأسلوب الترهيبى الذى يراد به إخراس المخالفين وزرع الرعب فى قلوبهم، إذ كان يتهم من ينتقدونه هو وأمثاله بأنهم يتجاوزون صلاحياتهم وحدودهم ويجعلون من أنفسهم ناطقين باسم الله (انطر ص30 مثلا من "مفهوم النص"). ترى هل النصوص القرآنية تنطق بما تريد أن تقول بحيث يمكن أن نترك لها مهمة التعبير عن نفسها ونسكت نحن؟ أم هل لا بد أن يُنْطِقها البشر، أى يَنْطِقوا بما يعتقدون أنها تتضمنه؟ وإذا كان عمر قد قال إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة فإن النصوص هى أيضا لا تنطق من تلقاء نفسها، بل نحن الذين نُنْطِقها. والمهم هو الإخلاص فى هذا الإنطاق، والتدقيق فيه ومراجعته والاستماع إلى ما عند الآخرين واستيعابه وتقليبه على كل الوجوه حتى يصل المُنْطِق إلى ما يطمئن إليه ضميره فى نهاية المطاف. صحيح أن هؤلاء المنطقين للنصوص قد يخطئون كما قلنا، لكننا لو جرينا على المبدإ القائل بأن كل من هو معرَّض للخطإ فعليه أن يسكت، فعندئذ لن يُقْدِم البشر على قول أى شىء أو فعله، إذ الخطأ متربص بهم فى كل خطوة على الطريق لا عند النواصى والمنعطفات فقط. وبالمناسبة فنصر أبو زيد يزعم أنه وأمثاله هم الوحيدون الذين يفهمون الحقيقة الدينية (انظر ص63 من "نقد الخطاب الدينى"). أليس هذا هو بعينه ما يأخذه على خصومه؟ ألا يضع نفسه بهذه الطريقة موضع المتحدث باسم الله؟ من الواضح الذى لا يمكن أن تخطئه العين أنه يحلل لنفسه ما يحرّمه على الآخرين. والسبب مفهوم طبعا، إذ هو لا يريد أن يرد عليه أحد حتى لا ينكشف عواره ويفتضح مستواه فى التفكير والتعبير. وبهذا يتبين لنا أن مزاعمه حول العلمية الصارمة التى ينتهجها، والأسطورية التخريفية التى يرمى بها خصومه، هى كلام فى الهواء لا قيمة له.
وفى كتاب "التفكير فى زمن التكفير" (بدءا من ص21) يعمم الكاتب تعميما خطيرا إذ يحمل على الخطاب الدينى كله فى كل العصور وفى كل البيئات حملة شعواء متهما إياه بأنه خطاب تكفيرى. وهو لون من الإرهاب يخوف به المتدينين حتى لا يفتحوا فمهم ويتركوا الساحة له كى يفعل ما يحلو له دون رقيب أو حسيب، فتراه يصورهم وكأنهم ليس لهم شغلة ولا مشغلة إلا القول بأن فلانا أو علانا أو ترتانا كافر ابن ستة وستين، وهو أمر غير صحيح ولا معقول. ثم إننا نراه بعد قليل يتراجع شيئا ما فيقول إن المقصود بذلك هو الخطاب الدينى المعاصر وحسب. ثم بعد ذلك يتراجع مرة أخرى فيستثنى بعض الأشخاص ممن يقول عنهم إنهم يعيشون رغم ذلك فى الظل لا يظهرون للعيان، وليس لهم من ثم أى تأثير. وهو فى هذا وذاك لا يحلل ولا يمحص ولا يتحقق مما يقول بل يلقى الكلام على عواهنه بعبارات إنشائية رنانة طنانة لا تسمن ولا تغنى من جوع حتى ليظن من يقرأ كلامه ولا معرفة له بالواقع أن كل من يكتب أو يتحدث فى الدين ينهال تكفيرا على الناس عَمّالاً على بَطّال من الصباح للمساء، ومن ظلام الليل إلى نور النهار ... وهكذا إلى أن تقوم الساعة، وفى فم أحدهم تكفيرة، فلْيلفظها حتى يبرئ ذمته أمام الله ويُعْذِر إليه سبحانه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما أَجْلَبَ به د. نصر أبو زيد فى وجه المتدينين وهجومه على الخطاب الدينى قوله إن هذا الخطاب يقوم، فيما يقوم، على تغيير المنكر باليد (انظر ص69 من كتاب "نقد الخطاب الدينى"/ ط2/ سينا للنشر/ 1994م). لكن هل أصحاب الخطاب الدينى (والمقصود الخطاب الإسلامى وحده طبعا) هم دون غيرهم الذين ينادون بالتغيير عن طريق اليد؟ ترى كيف غيرت الثورة الفرنسية والإنجليزية والروسية والرومانية والإيرانية الأوضاع التعيسة البائسة التى كانت تنوء بها الشعوب؟ أليس عن طريق التغيير باليد؟ لكن المشكلة هى أن بعض الناس الطيبين يظنون أن التغيير باليد يمكن أن يتم وينجح ويحدث التغيير على يد فئة صغيرة من المخلصين تنتمى عادة إلى الجيش فيما يسمى بالانقلاب العسكرى. وهناك الجماعات الشبابية المتحمسة دون تبصر والتى تظن أن تغيير الأوضاع السياسية يمكن أن يتم بمعزل عن وعى العشب بحقوقه ومشاركته فى هذا التغيير بناء على هذا الوعى. وفاتهم أن مثل ذلك التغيير الذى لا ينبع من نفوس الشعوب ولا يتم بأيديها إنما هو تغيير سطحى، فضلا عن أنه لا يدوم. وقد يكون الأمر مجرد مؤامرة من جانب إحدى القوى الكبرى لإيهام الناس أن التغيير قد تم، والحمد لله، فلا داعى لاتخاذ أى تصرف آخر، ومن ثم يتم إجهاض الرغبة فى التغيير. أما فى الثورات المذكورة فلم يتم التغيير إلا على يد طوائف الشعب بعدما استجابت لدعوات مصلحيها ولم تبق جالسة على المساطب تلعب السيجة والكوتشينة أو تكتفى بالغناء والرقص وهز الأرداف مدحا للتغيير دون أية مشاركة فيه. أما الانقلابات العسكرية وما شابهها فتنتهى دائما إلى الاستبداد والهزائم والتقهقر والفساد الذى يعصف بكل شىء. المهم أن د. نصر أبو زيد يدين الخطاب الدينى مع أن أعظم التغييرات فى التاريخ إنما تمت باليد، يد الشعوب صاحبة المصلحة.
وقد كنت قديما أستغرب الحديث النبوى الكريم الذى يقول: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية" ولا أحقق معناه، وبخاصة حين أرى بعض الناس يستشهدون به لإسكات كل نقد يمكن أن يوجَّه للحاكم، الذى هو فى كثير من بلاد المسلمين حاكم غشوم فاسد ظالم، إلى أن استنارت بصيرتى وفهمت عبقرية الرسول العظيم. ذلك أن الحديث يخلو تماما من أية مساندة للاستبداد أو تثبيط لهمم المصلحين والمنتقدين، بل المقصود به التنبيه إلى أن الأقلية التى لا يعجبها شىء فى سياسة الحكومة لا ينبغى أن تهب للتو ثائرة على الأوضاع متصورة أنها هى كل الشعب، ومن ثم فمن حقها أن تقوم فى الحال فتغيّر ما ترى أنه فساد وانحراف، إذ إن عواقب مثل هذا التصرف وخيمةٌ بشعة الوخامة. أما التصرف السياسى الحكيم الناجع فهو توعية المصلحين للناس من حولهم والمجاهدة بالكلمة. وعندئذ، وعندئذ فحسب، يستطيعون أن يحققوا ما يريدون من تغيير، وإلا فلا. وهذه هى فلسفة الحكم الشورِىّ والديمقراطىّ. أما الانقلابات العسكرية فإنها سبيل أكيد إلى الضياع والطغيان والفساد، الذى نشاهده عيانا بيانا فى كثير من بلاد المسلمين حيث يتحكم العسكر الجهلاء الخبثاء الأغبياء فى مقدرات البلاد والعباد، وتنتهى الأمور دائما على أيديهم إلى البوار والخسار.
وفى الصفحة الخامسة والعشرين من كتاب "التفكير فى زمن التكفير" يمضى اتهام أبو زيد للمتدينين خطوة أخرى، إذ يقول إن منهج النقل الذى يسير عليه المتدينون (يقصد منهج الحفظ دون فهم أو تعقل) يقوم على الاتباع، ويناقض الإبداع ويعاديه، ويؤدى إلى التكفير العقلى الذى يؤدى بدوره إلى التصفية البدنية. ثم يقفز قفزة بهلوانية فى الهواء قائلا إن اللغة لم تكن عابثة حين جعلت التفكير والتكفير متقاربين لفظا، إذ الفرق بينهما تقديم حرف على حرف فقط بحيث إن الشخص إذا لم يُحْكِم تفكيره فإنه يلجأ إلى تكفير الآخرين الذين يختلف معهم. والواقع أن هذا تلاعب بالألفاظ يستند إلى مقولة "الاشتقاق الأكبر" التى قال بها ابن جنى، رغم أن هذا الاشتقاق الأكبر عند ذلك العالم اللغوى الكبير لا يعتمد إلا على أمثلة جد قليلة مع اعتساف فى التطبيق، مما وضحته فى كتابى: "من ذخائر المكتبة العربية" فى الفصل الذى خصصته لكتاب ابن جنى: "الخصائص". وبناء على هذا الأساس أستطيع أن أقول أنا أيضا بنفس الطريقة إن الفكر والكفر قريب من قريب بحيث إن
(يُتْبَعُ)
(/)
الشخص إذا لم يحسن الفكر فإنه يقع فى الكفر. فما رأى القراء فى هذا؟
ثم لقد فات نصر أبو زيد أن النقل مطلوب مثلما النقد مطلوب، وكما أن النقل قد يكون معيبا إذا تم على نحو عميانى، فإن النقد قد يكون معيبا إذا تم دون استكمال أدواته من القراءة الواسعة والعقل القوى والتمحيص الدقيق والأناة فى استخلاص النتائج والاستعداد الدائم لمراجعتها وتصحيحها والرجوع عنها إذا تبين له أنه كان مخطئا أو غير دقيق ... وهكذا. ولنكن على ذكر من أن الإبداع والنقد لا يمكن أن يتمّا إلا إذا كانت هناك مادة من المعلومات يستندان إليها. وهذه المادة تأتى من النقل، حتى إذا استحصد عقل الشخص استطاع أن يمارس النقد والإبداع. أما أن يبدأ نقده وإبداعه وليس فى عقله شىء، فكيف يستطيع ذلك؟ ترى هل يمكن أن يبدأ الطفل بالاستقلال فى التفكير وليس فى ذهنه أية معلومات قد لُقِّنها فى المدرسة والبيت مثلا؟ ترى هل يمكن أن تدور الرحى على الفاضى دون أن يكون هناك حب تدشّشه؟ إنها فى هذه الحالة سوف تتآكل بالاحتكاك دون حَبٍّ وتظل تطحن نفسها حتى تتفتت وتنتهى.
وإنى لأسأل: ومن أين أتى نصر أبو زيد بما كتبَه فى أبحاثه؟ أليس من النقل من كتب الآخرين؟ إن هذا ليس اتهاما، فنحن أيضا ننقل عن الآخرين، وإلا ما استطعنا أن نؤلف ما ألفناه. إذن فالنقل ليس مسبة حتى ينصب المشانق للمتدينين ظنا منه أنه يستطيع تشويه صورتهم. إنما العيب كل العيب فى أن يكون الكاتب فقيرا فى النقل إلى الحد الذى يخلط عنده ذلك الخلط الشنيع الذى خلطه أبو زيد بين العصر الأموى والعصر العباسى حتى ليجعل الشافعى يتعاون مع الأمويين ويتولى لهم عملا إداريا فى اليمن. ولسوف نأتى إلى هذه النقطة بعد قليل. لكن ذلك لا يعنى أبدا أن يتوقف الشخص عند النقل مثلما يفعل الدكتور نصر مع المفاهيم والمصطلحات الحداثية، التى ينقلها عن النقاد الغربيين أو بالأحرى: عن مترجميها عن النقاد الغربيين، ثم يضطرب فى تطبيقها على الفكر العربى كما سوف يتضح من هذه الدراسة التى فى يد القارئ الكريم لأنه لم يقرإ التراث العربى الإسلامى كما ينبغى. أى كان حظه من النقل عن هذا التراث ضئيلا. لقد صور المرحوم إبراهيم المازنى هذه العملية تصويرا فكاهيا، وإن كان مع هذا صادقا وبديعا أيضا، إذ قال إنه يشبه عربة الرش التى يذهب بها السائق إلى محطة الماء ليملأها ثم يدور بها فى الشوارع فاتحا صنابيرها يرش الأسفلت الملتهب إلى أن تفرغ مما فيها من ماء فيعود بها إلى المحطة كرة أخرى لملئها من جديد ... وهكذا. ووجه الشبه أنه يحتاج دائما إلى الرجوع إلى الكتب ليستقى مادته التى يستند إليها فى التأليف، وأنه كلما انتهى من مقال له أو كتاب شعر أنه عربة رش فرغت من الماء، مما يستلزم منه أن يعود فيملأ عقله بقراءات جديدة يستند إليها فى تأليف شىء جديد ... إلخ. فهذا كاتب من كبار كتاب الأب العربى فى كل العصور يرينا فى هذه الصورة الفكاهية الجميلة الساحرة كيف أن النقل شىء أساسى لا يمكن أن يستغنى عنه الكاتب مهما كان عبقريا مثله رحمه الله.
وقد كتب أحد طلاب الدكتور نصر تعليقا فى بعض المنتديات يتبين منه أن حظ الدكتور من المعلومات التى تحتاجها موضوعات أبحاثه قليل، وهو ما كان يوقعه فى المآزق. قال الطالب المذكور، واسمه نور أبو مدين: "الدكتور نصر ليس متخصصًا في الدراسات القرآنية، بل في علم اللغة، ولكنه أقحم نفسه في تخصص غير تخصصه. لذلك أتى بالأعاجيب شأن كل من يتحدث في غير فنه. وسأحدثك عن واقعة جرت لي شخصيًا معه في ذلك، إذ أنني كنت ضمن أول دفعة يدرس لها الدكتور نصر كتابه: "مفهوم النص" بعد عودته من اليابان. ولم يكن الكتاب قد طبع بعد، وإنما كان مجرد مذكرات مكتوبة على الآلة الكاتبة (نعم الآلة الكاتبة وليس الكمبيوتر، فقد كان ذلك منذ 16 عاما). ودرسه لنا ضمن مادة "علوم القرآن"، التي أُسْنِد إليه تدريسها بقسم اللغة العربية بكلية الآداب. كما درس لنا مادة "علوم الحديث" والتي لم يكن هو نفسه دَرَسَها من قبل. ولا أقول ذلك على سبيل التخرُّص، بل كلي يقين من ذلك للحادثة التي ساقصها عليك: كان الدكتور قد قرر علينا كتاب "الباعث الحثيث" وبعض أجزاء من كتابَيْ "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" لأحمد أمين ... وكان الدكتور يشرح كلام أحمد أمين ويتجنب شرح كتاب "الباعث الحثيث"،
(يُتْبَعُ)
(/)
حتى قام إليه أحد الإخوة وسأله أن يشرح له عبارة في الباعث وهي: "الرواية تخالف الشهادة في شرط الحرية والذكورة وتعدد الراوي". وهذه العبارة وردت في الهامش. أقصد أنها من كلام الشيخ شاكر رحمه الله. ولأن الدكتور كان يرى العبارة للمرة الأولى في حياته، ولأنه لا يدري أصلاً ما هي الرواية وما هي الشهادة، فقد قام بشرح العبارة على أن الشروط الثلاثة المذكورة هي من شروط الرواية، وليست من شروط الشهادة. وكنت جالسًا فما تحملت الجلوس، فقمت لأصحح له هذا الفهم السقيم. وأشهد أن الدكتور كان واسع الصدر لأقصى درجة في مناقشة تلاميذه. أصر على قوله، فأردت أن أفصّلها له واحدة فواحدة، فقلت له: شرط الحرية غير موجود في الرواية، وموجود في الشهادة،. فأصر على أنه موجود في الرواية أيضًا. والطريف أنه لم يخطر ببالي وقتها إلا موالي عبد الله بن عباس فاحتج بأنهم "موالي"، أي تحرروا. ولو بَقُوا عبيدًا لما قُبِلَتْ روايتهم! فلم أُطِل الجدال معه وانتقلت إلى الشرط الثاني: الذكورة، وذكرت له أن المحدِّثات من النساء يملأن بتراجمهن المجلدات، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فراح يلقي عليّ محاضرة عن العصور الوسطى وقرون الظلام وحقوق المرأة إلى آخر تلك الطنطنة التي لا علاقة لها بما كنا نتحدث عنه. وفي أثناء محاضرته تلك لمعت في ذهني نصيحة من شيخي: أنه قال لي ألا أنصح أحدًا أبدًا على الملأ، وسيّما إن كان أكبر مني سنًا أو قَدْرًا، فبادرت بالجلوس وعزمت على أن أذهب إليه في مكتبه بعد المحاضرة. وبالفعل كان، ودخلت مباشرة في الشرط الثالث وسلكت سلوك المستفهم الجاهل، وليس سلوك الند المتحدي، فقلت له: لا أفهم هذا الشرط. فبادر إلى القول إن كثير من العلماء (هكذا!) يرفضون أحاديث الآحاد ولا يأخذون بها. ولم أرد أن أخوض في جدل أعلم أنه لن ينتهي لشيء، فسألت ببراءة: وهل الشيخ شاكر الذي كتب هذا الكلام منهم؟ وهنا تغير لون وجهه وفهم عبارة الشيخ أخيرًا، فقام بعكس الكلام وادعى أن ظاهر لفظ الشيخ كان غامضًا، فشكرته وانصرفت. هذه الحادثة أوجدت عندي يقينًا أن الدكتور مبتوت الصلة بكتب التراث وأنه لم يقرأ كتب علم الحديث بل قرأ عنها، وقرأ عنها في أسوأ المصادر التي يمكن أن يتعلم منها مسلم. أعني كتابات المستشرقين والمستغربين. وهذا ما أثبتته الأيام لي بعد ذلك، فقد راح يدرس لنا من كتب "مشبوهة" مثل كتاب "الثابت والمتحول" للشيعي المتنصر أدونيس وغيره ... " ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-88177.html (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/archive/index.php/t-88177.html)).
وأذكر، بمناسبة الحديث عن النقل والإبداع وأهمية كل منهما فى الكتابة والتأليف، ما كتبته إحدى الناقدات الغربيات فى تعريف التناص وتصورها أنه يتلخص فى تركيب الفسيفساءات النصية المأخوذة من هنا وههنا بعضها بجوار بعض، وكان الله يحب المحسنين، فنبهت فى الفصل الذى عقدته للتناصيّة فى كتابى: "مناهج النقد العربى الحديث" إلى أن هناك شيئا جوهريا فات الناقدة المذكورة، وهو شخصية الكاتب نفسه وروحه وإبداعه الذى يركب تلك الفسيفساءات بطريقة معينة فيخلق منها خلقا جديدا ويجعل منها شيئا مدهشا للعقل، وممتعا للذوق معا.
والآن إلى بند آخر من الأغلاط والمغالطات. لقد قدم د. نصر حامد أبو زيد، ضمن ما قدم من أعمال بقصد الترقى لمرتبة الأستاذية، كتابه المسمى: "نقد الخطاب الدينى". والمقصود بـ"الخطاب"، فى لغة بسيطة يستطيع أن يفهمها شخص رجعى منغلق لا يفهم فى البنيوية والتفكيكية والسميوطيقية والمهلبية والعسلية ونبوت الغفير كالدكتور شوقى ضيف ثم العبد لله إذا كان لى أن أن ألتحق بشرف مصاحبة الأستاذ الدكتور حتى فى المعيب والمثالب، هو الكتابات أو الأحاديث التى تتناول القضايا الدينية، سواء فى التفسير أو الحديث أو السيرة أو الفقه أو الخطابة أو علم الكلام أو مقارنة الأديان أو الوعظ والإرشاد ... وهلم جرا. وفى هذا الكتاب ينتقد أبو زيد الخطاب الدينى كله انتقادا مطلقا يشمل كل ألوان ذلك الخطاب فى جميع العصور والبلاد، ومن كل الألوان والأطياف والاتجاهات، ودون اعتبار للكاتب سواء كان هو الطبرى أو ابن هشام أو الشافعى أو مالك أو ابن حزم أو الغزالى أو ابن العربى أو الشوكانى أو العقاد أو مالك بن نبى أو
(يُتْبَعُ)
(/)
خالد محمد خالد ... إلى آخر هؤلاء الكتاب، وهم بالآلاف، وإلا لحدده مثلا بالخطاب الدينى الشعبى أو الخطاب الدينى فى العصر العباسى أو الخطاب الدينى المعاصر أو الخطاب الدينى السعودى أو الخطاب الدينى عند خطباء المساجد أو الخطاب الدينى عند فلان أو علان أو ترتان من الكتاب أو الخطباء أو المحاضرين. كما أن انفراد الخطاب الدينى بالنقد قد يوحى، بل المراد عند أبو زيد هو أن يوحى، بأن الخطابات (أو بلغة الرجعيين المنغلقين من أمثال د. شوقى ضيف القامع الظالم المفترى: "الكتابات") الأخرى بريئة من هذا العيب. أى أنه عيب ذاتى فيه لصيق به لا يفارقه. لماذا؟ ليس هناك تفسير أمامى إلا فى أن العيب فى الدين نفسه، ثم انجر إلى الخطاب الخاص به. وفى الصفحة الحادية والعشرين وما بعدها من الكتاب يؤكد الكاتب بكل وضوح أن الخطاب الدينى بجميع أنواعه معيب، وأنه خطاب متطرف إرهابى تكفيرى تحريضى (على القتل طبعا) منغلق رجعى لا عقل فيه ولا فكر بل نقل وترديد للنصوص ترديدا آليا دون فهم أو نقد أو تمحيص كما تفعل الببغاوات التى لا عقل لها، وأنه إذا كان هناك فرق بين خطاب وآخر منه فهو فى الدرجة لا فى النوع. فهل فى هذا التعميم المطلق الذى لا يستثنى أحدا ولا عصرا ولا بلدا فى مجال الكتابات الدينية ("الإسلامية" طبعا من فضلك) شىء من المنهجية العلمية والانضباط الفكرى الذى يصدعنا بعض القوم بالجعجعة فيه؟ أترك الحكم للقارئ.
ثم مغالطة أخرى. ففى الصفحة الثانية والثلاثين من "نقد الخطاب الدينى" نرى الكاتب ينكر إنكارا مطلقا أن يكون أبو زيد قد اتهم العقل الغيبى بشىء. وهذا نص ما قال، والإشارة فيه إلى تقرير الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين الخاص بترقية د. نصر: "ينتزع عبد الصبور شاهين العبارات من سياقها ليقرر فى يقين عجيب وحسم قاطع غريب: "فى المقدمة يهجم الباحث على الغيب بأسلوب غريب فيجعل العقل الغيبى غارقا فى الخرافة والأسطورة مع أن الغيب أساس الإيمان". وحديثنا الذى يشير إليه مولانا الشيخ هو ما يتعلق بالخطاب الدينى الذى ساند شركات توظيف الأموال بالإسلام. ومسألة "العقل الغيبى" لا وجود لها فى النص المشار إليه من حديثنا تصريحا ولا تلميحا حيث قلنا: "إن عملية النصب الكبرى تلك لم يكن لها أن تحقق ما حقتته دون تمهيد الأرض بخطاب يكرّس الأسطورة والخرافة ويقتل العقل". فالحديث عن خطاب، وليس عن العقل الغيبى. لكن الشيخ أراد أن ينسب لنا إنكار الغيب لكى يدلل بعد ذلك على أن الباحث ينكر "ما هو معلوم من الدين بالضرورة" فيلقى به وبخطابه فى غيابة "الكفر" و"الردة" ... إلخ. وفى تعليقه على تفرقتنا بين فصل سلطة الدولة وفصل الدين عن الحياة والمجتمع، وعن خلط الخطاب، بينما يهدف تشويه العلمانية وربطها بالإلحاد ... يقول كاذبا فض الله فاه: "ولا أدرى إن كان ذلك عن جهل بمفهوم العلمانية أو هو يضاعف من خطورة هذا الاتجاه بتزييف المفاهيم". وهذا ينقلنا إلى تزييف عبد الصبور شاهين وأتباعه للمفاهيم، خاصة العلمانية والماركسية، بل وتزييفه للأقوال التى لم نقلها ونسبتها لنا، وهو ما يكشف عن دلالات خطيرة نناقشها فى الفقرة التالية".
هذا ما يقوله نصر حامد أبو زيد منكرا أن يكون قد هاجم العقل الغيبى على أى نحو من الأنحاء، بل ينفى نفيا قاطعا أن يكون قد ذكره أى ذكر فى كلامه، مع أن تقرير قسم اللغة العربية بآداب القاهرة الذى أخذ على عاتقه الدفاع عنه قد أتى بنص كلام أبو زيد فى هذا المجال، وفيه إدانة واضح صريحة للعقل الغيبى. والكلام موجود فى الصفحة السادسة عشرة من الكتاب الذى بين أيدينا، وهذا نصه: "يقول تقرير اللجنة إن الكاتب فى مقدمة بحثه "يهجم على الغيب بأسلوب غريب فيجعل العقل الغيبى غارقا فى الخرافة والأسطورة مع أن الغيب أساس الإيمان". والواقع أن الكاتب لم يتعرض للغيب الوارد فى قوله تعالى: "يؤمنون بالغيب"، أى ما غاب عنهم مما أخبرهم به النبى صلى الله عليه وسلم من أمر البعث والجنة والنار، وإنما كلامه بالنص (ص10): "لم تكن المعركة (يقصد المعركة التى دارت حول كتاب "الشعر الجاهلى" لطه حسين) معركة الشعر، بل كانت معركة قراءة النصوص الدينية طبقا لآليات العقل الإنسانى التاريخى لا العقل الغيبى الخارق فى الخرافة والأسطورة". ثم يقول فى تفسير ما يقصده بالعقل الغيبى: "قوى
(يُتْبَعُ)
(/)
الخرافة والأسطورة (المتحدثة) باسم الدين والتمسك بالمعانى الحرفية للنصوص الدينية" ... ".
إذن فأبو زيد قد ذكر أولا "العقل الغيبى" على عكس ما أكده من أنه لم يأت له على أى ذكر وأن كلامه هو عن الخطاب الدينى ليس إلا. ثم إنه ثانيا لم يكتف بالحديث عن العقل الغيبى، بل هاجمه وحط من قدره كما رأينا. وثالثا سوف نرى من خلال كلامه هو نفسه ما الذى يقصده بذلك العقل الغيبى. فلن نورد شيئا من لدنّا، بل سيكون معتمدنا على ما قال هو ذاته. لقد أشار إلى كتاب "فى الشعر الجاهلى" للدكتور طه حسين قائلا إن المشكلة كانت فى "قراءة النصوص الدينية طبقا لآليات العقل الإنسانى التاريخى لا العقل الغيبى الخارق فى الخرافة والأسطورة". ومن ثم فعلينا أن نعود إلى ما كتبه طه حسين فى هذا الصدد. والنصوص الدينية التى يشير إليها نصر أبو زيد بالمناسبة هى القرآن، ولا شىء سوى القرآن، إلا أنه بطريقة لحن القول لا يريد أن يضع النقاط على الحروف، بل يوارى ويوارب ظنا منه أن جمهور القراء لن يتنبه إلى تلك اللعبة.
قال طه حسين بشأن ذهاب إبراهيم إلى بلاد العرب وبنائه الكعبة فى مكة هو وابنه إسماعيل عليهما السلام كما ذكر القرآن (أو "النصوص الدينية" بالتعبير المراوغ من نصر أبو زيد): "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا. ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلي مكة ونشأة العرب المستعربة فيها. ونحن مضطرون إلي أن نرى في هذهالقصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية من جهة، والقرآن والتوراة من جهة أخرى. وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية وينشئون المستعمرات. فنحن نعلم أن حروبا عنيفة شبت بين هؤلاء اليهود المستعمرين وبين العرب الذين كانوا يقيمون في هذه البلاد، وانتهت بشيء من المسالمة والملاينة ونوع من المخالفة والمهادنة. فليس يبعد أن يكون هذا الصلح الذي استقر بين المغيرين وأصحاب البلاد منشأ هذه القصة التي تجعل العرب واليهودأبناء أعمام، ولا سيما قد رأي أولئك وهؤلاء أن بين الفريقين شيئا من التشابه غير قليل، فأولئك وهؤلاء ساميون. ولكن الشيء الذي لا شك فيه هو أن ظهور الإسلام وما كان من الخصومة العنيفة بينه وبين وثنية العرب من غير أهل الكتاب قد اقتضى أنتثبت الصلة الوثيقة المتينة بين الدين الجديد وبين الديانتين القديمتين: ديانة النصارى واليهود. فأما الصلة الدينية فثابتة وواضحة، فبين القرآن والتوراة والأناجيل اشتراك في الموضوع والصورة والغرض، فكلها ترمي إلي التوحيد، وتعتمد علي أساس واحد هو هذا الذي تشترك فيه الديانات السماوية السامية. ولكن هذه الصلة الدينية معنوية عقلية يحسن أن تؤيدها صلة أخرى مادية ملموسة أو كالملموسة بين العرب وأهل الكتاب. فما الذي يمنع أن تُسْتَغَلّ هذه القصة، قصة القرابة المادية بين العرب العدنانية واليهود؟ وقد كانت قريش مستعدة كل الاستعداد لقبول مثل هذه الأسطورة في القرن السابع للمسيح، فقد كانت في أول هذا القرن قد انتهت إلي حظ من النهضة السياسية والاقتصادية ضَمِنَ لها السيادة في مكة وما حولها وبسط سلطانها المعنوي عليجزء غير قليل من البلاد العربية الوثنية. وكان مصدر هذه النهضة وهذا السلطان أمرين: التجارة من جهة، والدين من جهة أخري. فأما التجارة فنحن نعلم أن قريشاكانت تصطنعها في الشام ومصر وبلاد الفرس واليمن وبلاد الحبشة. وأما الدين فهذه الكعبة التي كانت تجتمع حولها قريش ويحج إليها العرب المشركون في كل عام، والتيأخذت تبسط علي نفوس هؤلاء العرب المشركين نوعا من السلطان قويا، والتي أخذ هؤلاء العرب المشركون يجعلون منها رمزا لدين قوي كأنه كان يريد أن يقف في سبيل انتشار اليهودية من ناحية، والمسيحية من ناحية أخري. فنحن نلمح في الأساطير أن شيئا منالمنافسة الدينية كان قائما بين مكة ونجران. ونحن نلمح في الأساطير أيضاأن هذه المنافسة الدينية بين مكة وبين الكنيسة التي أنشأها الحبشة في صنعاء هي التيدعت إلي حرب الفيل التي ذكرت في القرآن. فقريش إذن كانت في هذا العصر
(يُتْبَعُ)
(/)
ناهضة نهضة مادية تجارية ونهضة دينية وثنية. وهي بحكم هاتين النهضتين كانت تحاول أنتوجد في البلاد العربية وحدة سياسية وثنية مستقلة تقاوم تدخل الفرس والروم والحبشة وديانتهم في البلاد العربية. وإذا كان هذا حقا، ونحن نعتقد أنه حق، فمنالمعقول جدا أن تبحث هذه المدنية الجديدة لنفسها عن أصل تاريخي قديم يتصل بالأصول التاريخية الماجدة التي تتحدث عنها الأساطير. وإذن فليس ما يمنع قريشا من أنتقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من تأسيس إسماعيل وإبراهيم كما قبلت روما قبل ذلك ولأسباب مشابهة أسطورة أخري صنعها لها اليونان تثبت أن روما متصلة بإنياس بن بريام صاحب طروادة. أمر هذه القصة إذن واضح، فهي حديثة العهد ظهرت قبيلالإسلام لسبب ديني، وقبلتها مكة لسبب ديني وسياسي أيضا".
إذن فهذا النص الدينى القرآنى ليست سوى أسطورة وجدها محمد جاهزة فاستغلها. وهذا التصرف من جانبه لا يعنى إلا شيئا من شيئين: أنه كان على علم بأسطوريتها، لكنه قبلها بغرض نفعى لا علاقة له كما نرى بحق أو باطل، فهو إذن رجل براجماتى مكيافيلى، الغاية عنده تبرر الوسيلة، أو أنه كان رجلا جاهلا فصدق هذه الأسطورة ورددها فى قرآنه ظنا منه أنها حق لا ريب فيه. ومن كان عنده تفسير ثالث فليوافنى به، وله المثوبة والأجر من الله! والعقل الغيبى الخرافى الأسطورى هو الذى يصدق ما جاء فى القرآن ويأخذه على أنه حقيقة تاريخية، أما العقل العلمى فيرى فيه أسطورة ملفقة زيفها العرب فى الجاهلية، ثم جاء الإسلام فاستغلها لأسباب سياسية. ومن كان لديه تفسير مختلف لما قاله كل من طه حسين ونصر أبو زيد فله كل الشكر إذا أمدنا به. أما الرد على ذلك الكلام الفارغ الذى تقيأه طه حسين فليس هنا موضعه، إذ تولى كتابى: "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين" وبحثى المنشور فى المشباك: "نظرية طه حسين فى الشعر الجاهلى: سرقة أم ملكية صحيحة؟ " هذه المهمة. وكانت نتيجة نشرى لكتابى عن "معركة الشعر الجاهلى" أن انقضت على صاحب الكتاب قوى الظلام والبطش الإجرامى التى لا تطيق أن يخالفها أحد، وبخاصة إذا كشفت المخالفة زيف كلام طه حسين وبينت بالأدلة المنهجية الصارمة سخفه وتهافته، نعم انقضت قوى البطش الإجرامى التى تضرب ضربتها فى ظلام الليل البهيم دائما ولا تظهر فى نور النهار أبدا وانهالت بالمطارق الحديدية الثقيلة على دماغه تريد تحطيمه، وهيهات. وقد احتسبنا نحن ما وقع علينا من أَذَى المجرمين التافهين عند الله، الذى لا يضيع عنده ما يحتسبه عبده الراجى رحمته وثوابه.
وبهذه المناسبة فقد قال طه حسين أيامئذ فى بعض الصحف إن "العالِم ينظر إلى الدين كما ينظر إلى اللغة، وكما ينظر إلى الفقه، وكما ينظر إلى اللباس، من حيث إن هذه الأشياء كلها ظواهر اجتماعية يحدثها وجود الجماعة وتتبع الجماعة فى تطورها. وإذن فالدين فى نظر العلم الحديث ظاهرة كغيره من الظواهر الاجتماعية، لم ينزل من السماء ولم يهبط به الوحى، وإنما خرج من الأرض كما خرجت الجماعة نفسها، وإن رأى دوركايم أن الجماعة تعبد نفسها، أو بعبارة أدق: أنها تؤله نفسها" (مصطفى صادق الرافعى/ تحت راية القرآن/ المكتبة العصرية/ بيروت/ 1423هـ- 2002م/ 267). وبهذه المناسبة أيضا هناك بحث لإسماعيل أدهم بعنوان "طه حسين- دراسة وتحليل" نشرته سامى الكيالى صاحب مجلة "الحديث" الحلبية عام 1938م، يمدح فيه أدهم الدكتور طه واصفا إياه بالإلحاد والثورة على الدين، ومشيرا إلى رأيه فى الأديان الذى نقلناه لتونا. فيمكن القارئ أن يرجع إليه ليتأكد مما نقول.
ومما يتصل بهذا الأمر تأكيد أبو زيد أن الدين الذى يدعو إليه هو الدين بعد تصفيته من الأساطير (انظر "نقد الخطاب الدينى"/ 30). ولنلاحظ أنه يقول: "الدين"، وليس "التدين"، وإن عاد بعد قليل قائلا إنه قد اتضح الآن الفرق بين الدين والتدين. يقصد أنه لا يهاجم الدين بل التدين كما يمارسه بعض المسلمين. إلا أن كلامه الأصلى لا يتحدث إلا عن الدين. نعم الدين نفسه لا فَهْم الناس له. فهل فى الإسلام أساطير؟ وما هى يا ترى؟ ثم كيف ننقيه منها؟ لقد وضعنا أيدينا، عند تحليلنا لكلام الدكتور نصر عن طه حسين فى سياق هجومه على ما سماه: "العقل الغيبى الخرافى الأسطورى"، على مثال مما يُعَدّ عند القوم من الأساطير، وهو زيارة إبراهيم لبلاد
(يُتْبَعُ)
(/)
العرب وبناؤه هو وابنه إسماعيل الكعبة. فيا ترى ماذا يراد منا أن نصنع بالآيات التى تتحدث فى هذا الموضوع على أنه حقيقة تاريخية ويرى القوم أنها مجرد خرافات وأساطير؟ هل نلغيها من القرآن؟ أنا أكره الكلام المداور، وأحب أن تكون العبارة مُبِينة، وإن كنت أثق بقدرتى على كشف ما وراء اللف والدوران فى كتابات بعض الناس. ولا بد أن نوضح هنا أن سلامة موسى كان دائم الهجوم على "الغيبيات" فى الفاضية والملآنة، ومعروف أن الغيبيات موضوع من موضوعات علم الكلام الإسلامى، وتسمى أيضا بـ"السمعيات"، أى الموضوعات غير القابلة لأن نراها أو نسمعها أو نلمسها أو نشمها، بل نسمع بها من الوحى ليس إلا، مثل الملائكة والجن والجنة والنار والحساب ... وما إلى ذلك. وأكتفى بهذا.
وثم نقطة أخرى، إذ يقول نصر أبو زيد: "لقد كان ارتباط ظاهرتَىِ الشعر والكهانة بالجن فى العقل العربى وما ارتبط بهما من اعتقاد العربى بإمكانية الاتصال بين البشر والجن هو الأساس الثقافى لظاهرة الوحى الدينى ذاتها. ولو تصورنا خلو الثقافة العربية قبل الإسلام من هذه التصورات لكان استيعاب ظاهرة الوحى أمرا مستحيلا من الوجهة الثقافية. فكيف يمكن للعربى أن يتقبل فكرة نزول ملك من السماء على بشر مثله ما لم يكن لهذا التصور جذور فى تكوينه العقلى والفكرى؟ وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحى (القرآن) لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع أو تمثل وثبا عليه وتجاوزا لقوانينه، بل كانت جزءا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها وتصوراتها. إن العربى الذى يدرك أن الجنِّىّ يخاطب الشاعر ويلهمه شعره، ويدرك أن العراف والكاهن يستمدان نبوءاتهما من الجن، لا يستحيل عليه أن يصدق بملك ينزل بكلام على بشر. لذلك لا نجد من العرب المعاصرين لنزول القرآن اعتراضا على ظاهرة الوحى ذاتها، وإنما انصب الاعتراض إما على مضمون كلام الوحى أو على شخص الموحَى إليه. ولذلك أيضا يمكن أن نفهم حرص أهل مكة على رد النص الجديد (القرآن) إلى آفاق النصوص المألوفة فى الثقافة، سواء كانت شعرا أم كهانة ... إن العلاقة بين النبوة والكهانة فى التصور العربى أن كليهما "وحى"، اتصال بين إنسان وبين كائن آخر ينتمى إلى مرتبة وجودية أخرى: ملَكٌ فى حالة النبى، وشيطانٌ فى حالة الكاهن. وفى هذا الاتصال/ الوحى ثمة رسالة عبر شفرة خاصة لا يتاح لطرف ثالث أن يفهمها على الأقل لحظة الاتصال، وذلك لأن النبى "يبلِّغ" للناس بعد ذلك الرسالة، والكاهن "ينبئ" عن محتوى ما تلقاه. وفى هذا كله تصبح ظاهرة "الوحى" ظاهرة غير طارئة على الثقافة ولا مفروضة عليه من خارج" (ص38 - 39، 44 من كتاب مفهوم النص- دراسة فى علوم القرآن/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ 1993م).
وقبل أن ندخل فى مناقشة تفاصيل هذا الكلام نتساءل: هل كان الجاهليون يسمون وسوسة الشياطين للكهان: "وحيا"، ومن ثم يصح أن يقول نصر أبو زيد إن هناك علاقة بين مفهوم الوحى الجاهلى ومفهوم الوحى فى الإسلام؟ كل ما أورده د. نصر فى هذا الصدد نصان شعريان جاهليان ليس فيهما أدنى إشارة إلى أى وحى (ص39). وهذان هما النصان، ولا أدرى لم أوردهما ما داما لا يحتويان على الشاهد المراد. فأما النص الأول فهو للأعشى، ويتحدث فيه عن قرينه مِسْحَل، أى الشيطان الذى كان يعتقد أنه يساعده فى نظم الأشعار:
وَما كُنتُ شاحِردا وَلَكِن حَسِبتُني * إِذا مِسْحَلٌ سَدَّى لِيَ القَولَ أَنطِقُ
شَريكانِ فيما بَيْنَنا مِن هَوادَةٍ * صَفِيّانِ: جِنِّيٌّ وَإِنسٌ مُوَفَّقُ
يَقولُ فَلا أَعْيَا لِشَيءٍ أَقولُهُ * كَفانِيَ لا عَيٌّ وَلا هُوَ أَخرَقُ
وأما النص الثانى فلبدر بن عامر:
ولقد نطقتُ قوافيًا إنسيةً * ولقد نطقتُ قوافىَ التجنينِ
وهناك شاهد آخر أورده نصر أبو زيد لعلقمة الفحل، لا بمعنى اتصال الجن بالإنس، بل بمعنى حديث الثور الوحشى إلى أبقاره، وشتان الأمران. وهذا هو الشاهد:
يوحي إِلَيها بِإِنقاضٍ وَنَقنَقَةٍ * كَما تَراطَنُ في أَفدانِها الرومُ
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد بحثت بنفسى فى الموسوعة الشعرية الإماراتية لعلى أجد شيئا يعضد ما زعمه د. أبو زيد عن تسمية الجاهليين لاتصال الكهان والشعراء بالجن: "وحيا" فلم أجد فى الشعر الجاهلى إلا نصا واحدا لزهير بن جناب الكلبى أتت فيه فعلا كلمة "وحى"، ولكن بمعنى "حديث" الأطلال إلى الشاعر الحزين على فراق حبيبته لا بمعنى وسوسة الجن إلى الإنس كما يقول أبو زيد:
فَكادَت تُبينُ الوَحيَ لَمّا سَأَلتُها * فَتُخبِرُنا لَو كانَتِ الدارُ تَنطِقُ
هذا فى مجال الأسماء، أما فى مجال الأفعال فلم أعثر إلا على البيت الذى ساقه د. نصر لعلقمة الفحل ليس غير. ونخرج من هذا كله أن الأساس الذى أقام عليه نصر حامد أبو زيد دعواه بمشابهة الوحى القرآنى للوحى الكهانى والوحى الشعرى هو أساس منهار لم يكن يصح أن يتخذه مستندا فى مثل هذه القضية الحساسة التى يمكن أن يُزِيغ الأبصارَ فيها كلامُه المندفع غير المسؤول.
ولقد لاحظ القارئ كيف يكرر د. نصر أبو زيد عبارة "ظاهرة الوحى القرآنى"، مع أن القرآن حالة فردية لا تمثل ظاهرة، إذ هو لم ينزل على غير محمد صلى الله عليه وسلم، ولو كان ظاهرة لرأينا كثيرا من العرب أنبياء يتنزل القرآن عليهم. هذا هو معنى الظاهرة، أما إذا كانت الحالة فردية أو محصورة فى نطاق ضيق فلا تسمَّى: ظاهرة. ترى هل إذا اكتشف السكان مثلا فى مدينة من المدن أن بينهم لصا، هل يقال إن اللصوصية أصبحت تمثل ظاهرة فى مدينتهم؟ هل إذا اكتشف الأطباء فى بلد من البلاد حالةَ فشلٍ كٌلْوِىّ، هل يقال إن هذا المرض صار يشكل ظاهرة؟ واضح أن نصر أبو زيد لا يراعى معانى المصطلحات التى يستعملها، ويترك لنفسه العنان فى استخدامها كما يعنّ له دون تدقيق أو تبصر أو مراعاة لما استقر عليه العُرْف اللغوى والاصطلاحى. لو كان نصر أبو زيد قال إن "الوحى" (الوحى بإطلاق) يمثل ظاهرة لكان كلامه معقولا، فالوحى فعلا يمثل ظاهرة لتكرره وشيوعه فى التاريخ البشرى، إذ ما من أمة إلا وقد ظهر فيها نذير أو أكثر حسبما ينبئنا القرآن المجيد، أما الوحى القرآنى بالذات فهو حالة من الحالات التى تتمثل فيها تلك الظاهرة، لكنه لا يشكل وحده ظاهرة.
أيا ما يكن الأمر فإن كلام أبو زيد يفيد أن مفهوم الوحى فى الإسلام هو انعكاس للفكر الجاهلى. لكن هل جاء الإسلام للعرب وحدهم فاستغل مفهوم الكهانة عندهم ورتب عليه مفهوم النبوة؟ أم كيف يا ترى يفسر انتشار الإسلام فى كل بلاد العالم قديما وحديثا، وهم ليسوا عربا، ومنهم اليهودى والنصرانى والوثنى والمادى، والموحد والمثلث والثنوى والمتشكك، والفارسى والمصرى والتركى والإسبانى والأمريكى والهندى والصينى واليابانى والمكسيكى والأسترالى ... ؟ وبالمثل كيف يفسر تكذيب العرب بالكهانة بعد مجىء الإسلام بل تَرْك كثير من الكهان لكهانتهم إذا كان مفهوم النبوة امتدادا لمفهوم الكهانة؟ كذلك لو كان ما يحاوله أبو زيد من الربط بين الكهانة والنبوة صحيحا لكان الجاهليون قد سارعوا إلى الإيمان بالنبى من أول وهلة ما دام الأمران واحدا. لكنهم، فى واقع الأمر، كانوا بوجه عام يصدقون الكهان ولا يصدقون النبى إلا بعد أخذ ورد ومجادلات وحروب على ما هو معروف للجميع. وقد قال أبو جهل إن قبيلته وقبيلة النبى كانتا كفرسى رهان، أى متساويتين فى الشرف والكرامة، إلى أن قال محمد إنه نبى، وهو ما أكد أبو جهل أن قبيلته لا يمكنها شىء من ذلك. ترى لماذا؟ الواقع أنه لو كانت النبوة امتدادا للكهانة كما يزعم نصر أبو زيد ما قال أبو جهل ما قال. ولقد كان بعض الجاهليين، حسبما حكى القرآن فى مواضع عدة منه، يقولون عن النبى إنه كاهن، ومع هذا كذبوه. فلماذا إذن لم يؤمنوا به كما كانوا يؤمنون بصدق ما يقوله الكاهن لهم؟ وفوق هذا فإن وظيفة النبى ووظيفة الكاهن مختلفتان بل متناقضتان، إذ الكاهن إنما يزعم مقدرته على علم الغيب، وكان العرب لا يقصدونه إلا لمعرفة ما خفى عليهم، أما النبى فقد فاجأهم منذ البداية بالقول بأنه لا يعلم الغيب، إذ لا يعلم الغيب إلا الله، فضلا عن أن رسالته هى تتميم مكارم الأخلاق والدعوة إلى الإيمان بالله الواحد الأحد وإلى العبادة والعمل الصالح، وهو ما زادهم منه نفورا. كما أن الكاهن كان يحرص على لفلفة أقاويله فى ثياب الغموض حتى تحتمل عدة معان بحيث تصدُق على أى وضع، أما القرآن والحديث
(يُتْبَعُ)
(/)
فمعانيهما واضحة لا لفلفة فيها ولا غموض. ثم إن كلام الكاهن قصير جدا لا يتجاوز عدة جمل، أما القرآن فقد يطول النص منه حتى ليبلغ صفحات وصفحات وصفحات، كما فى "البقرة" و"آل عمران" مثلا. ليس ذلك فقط، بل كان الكهان يأخذون جُعْلاً على ما يقولون، أما النبى فقد كرر القرآن منذ وقت جد مبكر أنه لا يسألهم على ما يقوله لهم أى أجر. واضح أن الأمرين مختلفان تماما حتى فى عقول الجاهليين.
وفى الصفحة السابعة والخمسين بعد المائة من كتاب "مفهوم النص" يزعم نصر أبو زيد أن العرب لم تستطع التمييز بين القرآن وبين الشعر وسجع الكهان، فلذلك قالوا عنه إنه شعر أو إنه من اسجاع الكاهنين. وهذا كلام غير صحيح، وإلا فإذا كان القرآن فى نظرهم شعرا وكهانة، فلماذا لم يؤمنوا به كما كانوا يؤمنون بصحة كلام الكهان مثلا؟ إن الفروق بين القرآن والشعر والسجع الكهانى واضحة تمام الوضوح، لكن عنادهم هو الذى أملى لهم فى الغى والكفر. وإذا كان القرآن قد اختلط عندهم بالشعر، وتحداهم بأن يأتوا ولو بسورة منه، فلماذا لم يقف من بينهم أحد ويقول: "هأنذا آتى بسورة من مثله"، ثم ينشد قصيدة من قصائده؟ كذلك قد رموا الرسول بالكذب، فهل كان القرآن فى ثقافتهم يشبه كذب الكذابين؟ وقالوا عنه إنه سحر، فهل كان السحر هكذا؟ وعلى كل حال هأنذا أسوق وصف عتبة بن ربيعة للقرآن، ومنه يتبين أن العرب كانوا واعين بالفروق التى تميز بين القرآن والكهانة والشعر تمام الوعى.
ففى سيرة ابن هشام أن "عتبة بن ربيعة، وكان سيدا حليما، قال ذات يوم وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى هذا فأكلمه أمورا لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكفّ عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة بن عبد المطلب، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبا الوليد، فقم فكلمه. فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت من مضى من آبائهم. فاسمع مني أَعْرِض عليك أمورا تنظر فيها لعلك أن تقبل منها بعضها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع. فقال يا بن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت من هذا القول مالا جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تريد شرفا شرّفناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد مُلْكا ملَّكناك، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوَى منه. ولعل هذا الذي تأتي به شعر جاش به صدرك، فإنكم، لَعَمْرِي يا بني عبد المطلب، تقدرون منه على ما لا يقدر عليه أحد. حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرغتَ يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاستمع مني. قال: أفعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم* حم* تنزيلٌ من الرحمن الرحيم* كتابٌ فُصِّلَتْ آياته قرآنا عربيا". فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها عليه. فلما سمعها عتبة أنصت له، وألقى بيده خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد فيها، ثم قال: قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعتَ، فأنت وذاك. فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: ورائي أني والله قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط. والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا الكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي. خَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه. فو الله ليكونن لقوله الذي سمعتُ نبأ. فإن تُصِبْه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكه مُلْككم، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سَحَرك والله يا أبا الوليد بلسانه. فقال: هذا رأيي، فاصنعوا ما بدا لكم".
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم إن نصر أبو زيد لا يكتفى بهذا، بل يمضى على غُلَوائه فيرمى القرآن بالبراجماتية، إذ يزعم أن القرآن قد تقبل الكهانة فى البداية لأنها سبق أن بشرت بمجىء النبى، ثم لما تمت له الاستفادة من تبشير الكهان بمجىء النبى عليه السلام عاد فأنكرها وولاها ظهره بعدما أخذ منها ما يريد. كيف؟ يقول نصر أبو زيد إن القرآن فى السور المكية، أى فى المرحلة التى كان بحاجة إلى من يشهد له بالصدق (يقصد الكهان، الذين يقال إنهم قد بشروا بالنبى قبل مجيئه فمهدوا له الطريق)، قد حرص على ممائلة سجعهم فكانت الفاصلة فى سور المرحلة المكية، ولكنه بعدما أخذ من الكهان ما يريد واستقرت دعائمه ولم يعد فى حاجة إلى شهادتهم، حرص على أن يخالف سجعهم، فخلت السور المدنية أو كادت من الفاصلة (انظر "مفهوم النص"/ 161 - 164).
هذا ما زعمه أبو زيد، أما حقائق التاريخ والواقع فشىء آخر غير هذه التخريفات: فأولا لقد نفى القرآن منذ وقت مبكر فى مكة أن يكون الرسول كاهنا، وهو ما يبرهن بكل قوة وحسم أنه يدين الكهانة والكهان ويتبرأ منهم منذ البداية، فكيف يقال إنه كان حريصا على مماثلتهم؟ يقول جل شأنه: "فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ" (الطور/ 29)، "وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ" (الحاقة/ 41 - 42). وثانيا لم يكن السجع خصيصة مقصورة على كلام الكهان، بل كان الجاهليون يراعونه فى الخطب والأمثال. كل ما هنالك أنه عند الكهان كان متكلفا ثقيلا وغامضا يحتمل معانى متعددة كبيت الثعلب له عدة أبواب بحيث إذا أطبق عليه الصائد من بابٍ تسلل هو من بابٍ غيره دون أن يشعر الصائد به، أما فى الخطب والأمثال فكان السجع طبيعيا سلسا. وثالثا من قال إن الفاصلة قد اختفت أو ندرت فى القرآن المدنى؟ إنها موجودة فى كل سور القرآن: مكيها ومدنيها، وإلا فليشرح لنا د. نصر ماذا يعنيه بمصطلح "الفاصلة" حتى نفهم مرمى كلامه ذاك العجيب.
وهذه بعض الأمثلة من سجع الخطب والأمثال. فمن ذلك خطبة عبد المطب بن هاشم جد الرسول عليه السلام حين ذهب مع وفد من قريش لتهنئة سيف بن ذى يزن ملك اليمن على تخلص بلاده من الاحتلال الحبشى: "إن الله تعالى أيها الملك أَحَلَّك محلاًّ رفيعًا، صعبًا منيعًا، باذخًا شامخًا، وأنبتك منبتًا طابت أَرُومَتُه، وعزَّتْ جرثومتُه، وثبَتَ أصله، وبَسَقَ فرعه، في أكرم معدن، وأطيب موطن. فأنت، أَبَيْتَ اللعن، رأْسُ العرب وربيعُها الذي به تُخْصِب، ومَلِكها الذي به تنقاد، وعمودها الذي عليه العِمَاد، ومعقلها الذي إليه يلجأ العباد. سَلَفُك خير سلف، وأنت لنا بعدهم خير خَلَف. ولن يَهْلِك من أنت خَلَفُه، ولن يَخْمُل من أنت سَلَفُه. نحن، أيها الملك، أهل حَرَم الله وذمّته وسَدَنة بيته. أَشْخَصَنا إليك الذي أبهجك بكشف الكَرْب الذي فدحنا، فنحن وفد التهنئة لا وفد الَمْرِزَئة". ومنها خطبة قس بن ساعدة الإيادى فى سوق عكاظ: "أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وعوا. إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، أقسم قس قسما لا كذب فيه ولا إثم إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعِبَرا. سقف مرفوعٌ، ومهادٌ موضوعٌ، وبحرٌ مسجورٌ، ونجومٌ تسير ولا تغور. ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرَضُوا بالمقام فأقاموا أم تُرِكوا فناموا؟ أقسم بالله قسمًا إن لله دينا هو أرضى من دينٍ نحن عليه. وأراكم قدتفرقتم بآلهةٍ شتى. وإن كان الله رب هذه الآلهة، إنه ليجب أن يعبد وحده". ومن الأمثال: "اختلط الحابل بالنابل"، "إذا أردتَ المحاجزة فقَبْلَ المناجزة، "إذا لم تَغْلِبْ فاخْلُبْ"، "إذا جاء الحَيْن، حارَ العَيْن"، "اِرْقَ على ظَلْعك، واقْدِرْ بذَرْعك"، "أَرِنِيها نَمِرَة أُرِكَها مَطَرَة"، "أَعْذَرَ من أَنْذَر"، "إننى لن أَضِيرَه. إنما أطوى مَصِيرَه"، "استغنت التُّفَّة عن الرُّفَّة"، "بِعْتُ جارى، ولم أَبِعْ دارى"، "جاء بالطِّمّ والرِّمّ"، "جَدَّك لا كَدَّك"، "حال الجَرِيض دون القَرِيض"، "الخَلاء بَلاء"، "دُهْدُرَّيْن سَعْد القَيْن"، "رُبَّ قَوْل أشد من صَوْل"، "الطريفُ خفيف، والتَّليدُ بليد"، "قُرْبُ الوِسَاد، وطُولُ السَّوَاد"، "لولا اللئام لهَلَكَ الأَنَام"، "ليس من العَدْل سرعة العَذْل"، "مَنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
لى بالسانِح بعد البارِح؟ "، "المنايا على البلايا"، "اليومَ خَمْر، وغدًا أَمْر".
وهذا كله لو كان الكهان قد بشروا فعلا بالنبى عليه السلام قبل مجيئه فمهدوا له الطريق. بيد أن هذا غير صحيح، فهم لم يبشروا به. وكيف يبشرون به وهم بشر من البشر لا يعلمون الغيب؟ ثم لو كانوا بشروا به حقا فكيف لم يتخذ القرآن ولا الرسول ذلك حجة على الوثنيين فينبههم إلى ما كان الكهان يقولونه فى حقه قبل مجيئه، والكهان فى نظر العرب مصدَّقون؟ إن كل ما ذكره القرآن هو أن أهل الكتاب كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لإتيان البشارة به فى كتبهم، ولم يقل شيئا من ذلك عن الكهان. ومع هذا فإنه لم يداهن أهل الكتاب، بل أعلن منذ وقتٍ جِدّ مبكرٍ رأيه فى مواقفهم وعقائدهم، وذَمَّهم بل كفّرهم ودعاهم إلى نبذ ما هم عليه والدخول فى الدين الجديد إذا أرادوا النجاة يوم القيامة. فإذا كان هذا حاله مع من ذكر أن كتابهم قد بشر بمحمد عليه الصلاة والسلام، فكيف يقال إنه قد حرص على مجاملة الكهان باحتذاء أسجاعهم حتى تم له ما أراد من اعتراف العرب به، وعندئذ انقلب عليهم وقلب لهم ظهر المجنّ؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يا ترى لم يحرص أيضا على مراعاة خاطر الوثنيين فيثنى على آلهتهم فى البداية حتى يجد لنفسه فى مجتمعهم موطئ قدم، ثم يلعن أبا خاشهم بعدئذ ولا يبالى؟
ولسوف آخذ نصا من نصوص الكهان التى يقال إنها فى التبشير بنبوة النبى عليه السلام قبل مجيئه بالرسالة، وهو حديث خنافر بن التوأم الحِمْيَرِيّ مع رَئِيّه شَصَار، وذلك كى أُرِىَ القارئ على الطبيعة تهافُت ما يقال عن تبشير الكهان الوثنيين به صلى الله عليه وسلم. ولسوف نقرأ النص أولا ثم نرى فيه رأينا بعد ذلك: "كان خُنَافر بن التوأم الحميري كاهنا، وكان قد أُوتِيَ بسطة في الجسم وسَعة في المال، وكان عاتيا. فلما وفدتْ وفود اليمن على النبي وظَهَر الإسلام أغار على إبلٍ لِمُرَاد فاكتسحها، وخرج بأهله وماله ولحق بالشِّحْر، فخالف جَوْدان بن يحيى الفِرْضِمي، وكان سيدا منيعا، ونزل بواد من أودية الشِّحْر مُخْصِبًا كثير الشجر من الأيك والعَرِين. قال خنافر: وكان رَئِيِّي في الجاهلية لا يكاد يتغيب عني، فلما شاع الإسلام فقدتُه مدة طويلة، وساءني ذلك. فبينا أنا ليلةً بذلك الوادي نائما إذ هَوَى (انحدر فى الجَوّ) هُوِىَّ العُقَاب، فقال: خنافر؟ فقلت: شصار؟ فقال: اسْمَعْ أَقُلْ. قلت: قُلْ أَسْمَعْ. فقال: عِهْ تَغْنَمْ. لكل مدةٍ نهاية، وكلُّ ذي أمدٍ إلى غاية. قلت: أجل. فقال: كل دولةٍ إلى أجل، ثم يتاح لها حِوَل. انتُسِخت النِّحَل، ورجعت إلى حقائقها المِلَل. إنك سَجِيرٌ (أى صديق) موصول، والنصح لك مبذول، وإني آنَسْتُ بأرض الشأم نَفَرًا من آل العُذَّام (يقصد قبيلة من الجن)، حكّاما على الحكّام، يَذْبُرون (يقرأون) ذا رونق من الكلام، ليس بالشِّعر المؤلَّف، ولا السجع المتكلَّف، فأصغيتُ فزُجِرْتُ، فعاودتُ فظُلِفْتُ (أى مُنِعْتُ)، فقلت: بم تُهَيْنِمون؟ وإلام تَعْتَزُون؟ قالوا: خِطَابٌ كُبَّار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شَصَار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تَنْجُ من أُوَار النار. فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقانٌ بين الكفر والإيمان. رسول من مُضَر، من أهل المَدَر، ابتُعِث فظهر، فجاء بقَوْلٍ قد بَهَر، وأَوْضَحَ نَهْجًا قد دَثَر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومَعَاذٌ لمن ازدجر، أُلِّف بالآىِ الكُبَر. قلت: ومن هذا المبعوث من مُضَر؟ قال: أحمد خير البشر. فإن آمنتَ أُعْطِيتَ الشَّبَر (أى الخير)، وإن خالفت أُصْلِيتَ سَقَر. فآمنتُ يا خُنَافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانِبْ كل كافر، وشايِعْ كل مؤمن طاهر، وإلا فهو الفراق، لا عن تلاق. قلت: من أين أبغي هذا الدين؟ قال: من ذات الإِحَرِّين، والنَّفَر اليمانين، أهل الماء والطين. قلت: أَوْضِحْ. قال: اِلْحَقْ بيثربَ ذات النخل، والحَرّة ذات النعل، فهناك أهل الطَّوْل والفضل، والمواساة والبذل. ثم امَّلَسَ عنى، فبِتُّ مذعورا أراعي الصباح. فلما برق لي النور امتطيتُ راحلتي وآذنتُ أَعْبُدِي واحتملتُ بأهلي حتى وردتُ الجوف، فرددتُ الإبل على أربابها بحَوْلها وسِقَابها (أى بجِمَالها ونُوقها. جَمْع: "حائل" و"سَقْب") وأقبلتُ أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل أميرا لرسول
(يُتْبَعُ)
(/)
الله فبايعته على الإسلام، وعلَّمني سورا من القرآن، فمنّ الله علي بالهدى بعد الضلالة والعلم بعد الجهالة".
وفى هذا الحديث نلاحظ ما يلى: أن رَئِىّ خنافر قد تركه فى عمايته فلم يُعْلِمه بأن نبيا جديدا ظهر بدعوته فى بلاد العرب، إلى أن أصبح الناس فى تلك البلاد كلهم يعلمون ذلك، اللهم إلا خنافرا. فعندئذ، وعندئذ فقط، تذكر شَصَارُ صاحبَه الكاهن المسكين النائم على أذنه لا يدرى خبر الإسلام رغم أن نوره كان قد دخل اليمن وأضحى لدولته فيها رسولٌ من لدن النبى الكريم هو معاذ بن جبل رضى الله عنه. ترى ما دور شصار إذن إذا لم يكن ما أنبأ به خنافرًا إلا خبرا يعرفه القاصى والدانى؟ إن معنى هذا أن شيطان خنافر قد هجره هجرا غير جميل طَوَال ما يقرب من عشرين سنة، أى منذ بدء النبوة إلى وقت دخول الإسلام اليمن فى أواخر حياته صلى الله عليه وسلم، فكيف كان خنافر يمارس كهانته إذن دون رَئِىٍّ من الجن؟ أم تراه توقف عن ممارستها كل تلك الفترة؟ لكن هل يمكن أن يكون ذلك؟ وهل يمكن أن يستعيض كاهن عن كهانته بالسرقة والإغارة على إبل الآخرين، وبخاصةٍ أن خنافرا لم يكن، كما هو بَيِّنٌ من القصة، ذا عزوة تمنعه من طلب القبائل المعتدَى عليها وعملها على الثأر منه؟ كذلك ليس هناك سبب مفهوم لهجر شَصَار لصاحبه كل تلك المدة، وهذه ثُغْرَة فى القصة تحتاج إلى ما يملؤها. كما أن تهديده له بأنه إذا لم يعتنق الإسلام مثله فلن يراه مرة أخرى هو تهديد لا معنى له، لأن معنى هذا التهديد أن شَصَار لن يساعد خُنَافِرًا فى كهانته، مع أننا نعرف جيدا أن الإسلام يكفِّر الكهان ويحاربهم دون هوادة، وهو ما يعنى بكل وضوح أن اللقاء بينهما من الآن فصاعدا سيكون لقاء مجرَّما ومحرَّما أشد التجريم والتحريم، وهذا إن قَبِلَ الجنى أن يقوم بدوره القديم المناقض لعقيدته الجديدة التى يدعو إليها خنافرا! فكما ترى هذه ثُغْرَة أخرى فى القصة يصعب بل يستحيل سَدّها. ثم أليست القصة تريد أن تقول إن شصار قد أتاه بخبر الغيب، فأى غيب هذا الذى كان يعرفه الجميع فى أرجاء الجزيرة الأربعة؟ بل لماذا لم يعرف شصار بدوره بنبإ الإسلام إلا من إخوان له من الجن كانوا قد آمنوا قبله؟ ولماذا يا ترى كانوا يزجرونه عن سماع القرآن الذى كانوا يتلونه؟ ألم يأت القرآن لهداية الجن والإنس؟ فهل مما يتناسب مع هذه الغاية أن يُزْجَر عنه من يريد سماعه؟ فكيف يعرف إذن ما جاء فيه من هدى ونور؟ إن سورة "الجن" والآيات 29 - 32 من سورة "الأحقاف" تحدثاننا عن سماع نفر من الجن للقرآن من الرسول عليه السلام دون أن يزجرهم زاجر، فلماذا جرى الأمر فى قصتنا هذه على خلاف ذلك؟ ولماذا كان هؤلاء النفر من الجن من أهل الشام لا من أهل اليمن؟ أترى القصة تريد أن تقول إن "الشيخ البعيد سره باتع"؟ أم تريد أن تجرى على سُنّة المثل القائل: "من أين أذنك يا جحا؟ "؟ كذلك ألم ينصح شَصَارُ لخنافر بأن يأتى النبىَّ فى المدينة؟ فلماذا اكتفى خُنَافِرُنا بلقاء مُعَاذ بن جبل بعد كل هذا الكلام المشوِّق لرؤية النبى الكريم؟ يا له من كاهن كسول! بل لماذا أراد صنعاءَ من الأصل، ولم يأت لها ذكر فى الحوار بينه وبين رَئِيّه؟
ثم إذا كان الأمر على ما ترويه القصة، فهل كان خبر خنافر لِيغيب عن كُتُب الحديث؟ إنه لا وجود له فيها. كذلك لو كان ما قرأناه هنا صحيحا لقد كان خبر ذلك الكاهن اليمنى سلاحا بتارا فى الدعاية لهذا الدين، فلماذا لم يستغله المسلمون؟ صحيح أنه إنما أسلم، كما رأينا، بأُخَرة، لكن لا شك أن خبره كان يمكن أن يكون ذا نفع جزيل فى معركة الدعاية بحيث يسهِّل إنجاز المهمة الباقية، وهى القضاء على فلول الوثنية فى بلاد العرب، تلك الوثنية التى لم تكن قد خمدت تماما حتى بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وانفجرت متخذةً شكل رِدَّةٍ مستطيرة. ثم مصطلح "السجع المتكلَّف"، هذا المصطلح البلاغى الذى لم يعرفه العرب قبل عصر الازدهار الثقافى فى العصر العباسى، من أين يا ترى للعرب الجاهليين بمعرفته؟ بل إن فى النص سجعا متكلَّفا لا قِبَل للجاهليين به كما هو واضح فى المثال التالى: "خِطَابٌ كُبَّار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شَصَار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تَنْجُ من أُوَار النار"، علاوة على هذه البهلوانية البلاغية الجميلة المتمثلة فى
(يُتْبَعُ)
(/)
هاتين الجملتين اللتين تبادلهما الكاهن والجنى: "قال: اسْمَعْ أَقُلْ. قلت: قُلْ أَسْمَعْ" والتى يصعب علىّ أن أتصورها من شِيَم الأدب الجاهلى. ليس ذلك فحسب، فهذا الكلام المنسوب للجن، هل يمكن أن نصدقه؟ إن الجن عالم خفىٌّ لا نعرف نحن البشر عنه شيئا سوى ما جاء فى الوحى كما هو الحال فيما أنبأنا به رب العزة من كلامهم عندما استمعت طائفة منهم إلى القرآن الكريم لأول مرة، أما ما عدا هذا فأنا لا أستطيع أن أهضم شيئا منه كما هو الحال هنا، وبخاصة أنه كلام عربى، فهل الجن يتحدثون العربية، ويصطنعون السَّجْع والجِنَاس وسائر المحسِّنات البديعية أيضا؟ وبطبيعة الحال لا يمكن القول بأنهم فى سُورَتَىِ "الأحقاف" و"الجن" قد استخدموا كذلك لسان بنى يعرب، إذ الواقع أن ما نقرؤه هناك من كلامهم إنما هو ترجمة لما قالوه بلغتهم التى لا ندرى نحن البشر عنها شيئا.
على أن القضية لمّا تنته عند هذا الحد، إذ نقرأ قوله: "كان رَئِيِّي في الجاهلية لا يكاد يتغيب عنى، فلما شاع الإسلام فقدتُه مدة طويلة، وساءني ذلك. فبينا أنا ليلةً بذلك الوادي نائما إذ هَوَى هُوِىَّ العُقَاب، فقال: خنافر؟ فقلت: شصار؟ فقال: اسْمَعْ أَقُلْ. قلت: قُلْ أَسْمَعْ. فقال: عِهْ تَغْنَمْ. لكل مدة نهاية، وكل ذي أمد إلى غاية. قلت: أجل. فقال: كل دولة إلى أَجَل، ثم يتاح لها حِوَل. انتُسِخت النِّحَل، ورجعت إلى حقائقها المِلَل. إنك سَجِيرٌ (أى صديقٌ) موصول، والنصح لك مبذول، وإني آنَسْتُ بأرض الشأم نَفَرًا من آل العُذَّام (يقصد أنه قابل قبيلة من الجن)، حُكّامًا على الحُكّام، يَذْبُرون ذا رونقٍ من الكلام، ليس بالشِّعر المؤلَّف، ولا السجع المتكلَّف، فأصغيتُ فزُجِرْتُ، فعاودتُ فظُلِفْتُ (أى مُنِعْتُ)، فقلت: بم تُهَيْنِمون؟ وإلام تَعْتَزُون؟ قالوا: خِطَابٌ كُبَّار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شَصَار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تَنْجُ من أُوَار النار. فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقانٌ بين الكفر والإيمان. رسول من مُضَر، من أهل المَدَر، ابتُعِث فظهر، فجاء بقَوْلٍ قد بَهَر، وأوضحَ نهجًا قد دَثَر، فيه مواعظُ لمن اعتبر، ومعاذٌ لمن ازدجر، أُلِّف بالآى الكُبَر. قلت: ومن هذا المبعوث من مُضَر؟ قال: أحمد خير البشر. فإن آمنتَ أُعْطِيتَ الشَّبَر (أى الخير)، وإن خالفت أُصْلِيتَ سَقَر. فآمنتُ يا خُنَافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانِبْ كل كافر، وشايِعْ كل مؤمن طاهر، وإلا فهو الفراق، لا عن تلاق. قلت: من أين أبغي هذا الدين؟ قال: من ذات الإِحَرِّين (أى الحجارة السُّود)، والنَّفَر اليمانين، أهل الماء والطين". ومعنى هذا الكلام أن خنافرا، كما هو واضح من مفتتح حديثه، كان يعرف بمجىء الإسلام منذ البداية، لكننا نفاجأ، من خلال أسئلته عن الدين الجديد والرسول الذى جاء به والكتاب الذى نزل عليه، بأنه لم يكن يعرف شيئا من ذلك بالمرة. فكيف يسوغ فى العقل هذا؟ وبعد هذه الجولة هل بقى فى ضمير القارئ شك فى تهافت ما قاله نصر أبو زيد عن استغلال القرآن لسجع الكهان فى توطيد دعائمه فى نفوس العرب ثم انقلابه عليهم بعد أن استقرت له الأوضاع؟
ومما تعرض له د. أبو زيد فى كتابه: "نقد الخطاب الدينى" رواية سلمان رشدى المسماة بـ"الآيات الشيطانية". ففى الطبعة الأولى للكتاب نراه يؤكد أنه لن يقوم بالحكم على القيمة الأدبية لتلك الرواية لأن هذا أمر له متخصصوه، بما يعنى أنه ليس منهم (انظر ص74 من الطبعة الثانية، وهى الطبعة المتاحة لى)، مع أنه فى مقدمة الطبعة الثانية من ذات الكتاب نجده ينسى هذا ويصدر حكما على الرواية مؤكدا أنها تافهة ليست ذات قيمة أدبية (انظر ص57 - 58). ثم زاد فأخرج علماء الدين من نطاق القدرة على تقييمها، واتهم د. عبد الصبور شاهين بالعجز عن ذلك مع أنه أستاذ جامعى مثله بل بمثابة أستاذه، وأقرب إلى التعامل مع النصوص الأدبية منه، إذ هو متخصص فى اللغة، أما أبو زيد ففى الدراسات الدينية. وعلى كل حال فمعروف أن سبب غضب علماء الدين والمسلمين عموما من الرواية ليس قيمتها الأدبية، بل ما فيها من فحش ضد الإسلام والله والرسول وأمهات المؤمنين. ويكفى ما قيل فيها بتفصيل شنيع عن بيت الدعارة المسمى بـ"الحجاب" بمومساته التى يتسمين: عائشة وحفصة وزينب ... ، أى بأسماء أمهات المؤمنين
(يُتْبَعُ)
(/)
وصفاتهن المعروفة وما يصنعه طالبو الدعارة معهن أثناء الجماع غير معف من ذلك زينب بنت خزيمة، التى توفيت فى حياة الرسول فجاء سلمان رشدى بعاهرة على اسمها وملامحها وجعلها تمارس الزنا وهى متخشبة الجسد كأنها ميتة حتى تكون صورة دقيقة لأم المؤمنين التى انتقلت إلى رحمة ربها، وذلك إرضاء لزبائنها الشواذّ المبتلَيْنَ برغبة ممارسة الزنا مع الموتى، فضلا عن اتهام النبى عليه الصلاة والسلام بمساومة قريش على حساب مبدإ التوحيد، وإن كان قد عاد عما كان بدأه من مساومة، لا لأن ضميره استيقظ بل لأن أتباعه قد اعترضوا عليه ورفضوا أن يتخلى عن مبادئه فتراجع، فضلا عن تصويره للرسول صلى الله عليه وسلم فى الفراش مع امرأة شبقة تداعبه فى صدره وتطعمه قطع البطيخ فى فمه هى هند زوجة أبو سمبل، أى زوجة أبى سفيا، حسب نظام الهلوسة التى تقوم عليها الرواية. ومعنى هذا أن د. نصر قد جرد علماء الدين من كل قدرة وذوق، وأسند إلى نفسه صلاحية الحكم على الرواية من ناحية الفن الأدبى والمضمون العقيدى والأخلاقى، مع أنه ليس ناقدا أدبيا ولا عالما من علماء الدين مهمته التصدى لمثل تلك الرواية. وأنا حين اقول هذا إنما أنطلق من منطلقه هو، وإلا فالأمر ليس بهذا الإعضال.
وهو يرجع غضب المسلمين من رواية سلمان رشدى إلى أخطار من صنع أوهامهم وخيالاتهم (انظر ص74)، وكأن الرواية بريئة مما نسبه إليها الغاضبون، وليست ممتلئة بل تفيض فيضانا بالهجوم على الله والتطاول عليه وعلى الإسلام والرسول وسيدنا إبراهيم والقرآن والصحابة، حتى إن شخصياتها لتشتم الله وتجدف فى حقه، وتسمى إبراهيم عليه السلام بـ"ابن الحرام"، وتسخر من كتاب الله بزعم أنه يتدخل حتى فى تنظيم عملية الفُسَاء وتحديد الجهة التى ينبغى أن يستقبلها المسلمون حين يريدون أن يخرجوا ريحا. والملاحظ أن نصر أبو زيد يأخذ دفاع سلمان رشدى عن روايته الشنعاء على أنه كلام صحيح، ويحاول أن يقنعنا أن الرواية ليس فيها ما يناقض الدين، مع أنها كلها من أولها إلى آخرها تناقض الدين بل تشوهه وتسخر منه وترسم له صورة فى منتهى القبح والشنع والتوحش والإجرام والميكافيلية. يقول سلمان رشدى حسبما نقل عنه نصر أبو زيد نقل المصدق لما يقول: "ليس فى الرواية هجوم على الإسلام ولا تتضمن أى استهزاء بالعقيدة. كما أنها لا تعنى توجيه إهانة لأحد. وأنا أشك أن يكون الإمام الخومينى أو أحد من المعترضين فى إيران قد قرأ الرواية، بل هم فى الغالب يستندون فى أحكامهم على الرواية إلى العبارات أو الجمل المنتزعة من سياقها ... وإنه لأمر مخيف أن يكون رد الناس بهذه الدرجة من العنف ضد رواية، مجرد رواية، يتصورون أنها تهدد العقيدة وتقف ضد التاريخ الإسلامى كله" (نفس الصفحة الماضية).
وأستطيع أن أؤكد تأكيد من قرأ الرواية لدن صدورها ووَضَع عنها كتابا من مائتين وخمسين صفحة لم يكد يترك فيها شيئا لا فى اللغة ولا فى البناء الفنى ولا فى الموضوعات التى تناولتها ولا فى النزعة الأدبية التى اعتمدها صاحبها فى كتابتها، وهى النزعة الخُرْئِيّة المغرمة بالبذاءات ولحس الوساخات وتشمم الفضلات ... إلخ، إلا وفصل القول فيه تفصيلا، أستطيع أن أؤكد أن رشدى كاذب كاذب كاذب فى كل ما يقوله عن خلو الرواية من الإساءة إلى الدين أو إلى أحد من المسلمين. وما دام قد تطرق لسيرة الخومينى فلا بد من القول بأنه قد صوره تصويرا بشعا يبعث على النفور والقهقهة، ومسخه على نحو شنيع أخرجه من الإنسانية تماما جاعلا منه كائنا عجيبا لا ندرى إلى أى جنس من المخلوقات الوحشية ينتمى. بل ليغلو رشدى فى الهجوم على الإسلام والمسلمين فيدعى أنهم فى قرية من قرى الهند قتلوا بعد صلاة الجمعة طفلا رضيعا تقربا إلى الله لأنه لقيط، مع أن شيئا من هذا لم يحدث فى أى بلد من بلاد الإسلام ولا فى أية فترة من تاريخه، إذ ما ذنب هذا الكائن البرىء فيما صنعه والداه؟ ومعروف أن الإسلام، حتى عند مشاهدة أحدنا لامرأة ورجل يزنيان، يؤثر أن نغلق أفواهنا فلا نتكلم بما رأينا، بل نستر على الزانيين ولا نفضحهما، فضلا عن أن نشنّع بهما، طبقا لما قاله الرسول الكريم الرحيم لبعض صحابته حين حدثه عن زانيين رآهما: لو سترتهما بثوبك كان خيرا لك! فأين هذا مما يفتريه ذلك الكَيْذُبَان على ديننا العظيم؟ ثم يأتى د. نصر فيورد كلامه على أنه
(يُتْبَعُ)
(/)
حجة مفحمة! ألا إنه لأمر عجيب!
كذلك يأخذ نصر أبو زيد على الخطاب الدينى تمسكه بعنصرين هما النص والقول بالحاكمية الإلهية (انظر ص67 من "نقد الخطاب الدينى"). والنص طبعا هو النص القرآنى كما هو واضح من عنونته لكتابه الذى يتناول دراسة علوم القرآن باسم "مفهوم النص". وإذا عبنا الخطاب الدينى بأنه يتمسك بالنص، أى النص القرآنى، فما الذى يبقى من الإسلام؟ وبأى نص يا ترى ينبغى أن يتمسك المسلم؟ برأس المال مثلا؟ أم بـ"مفهوم النص"؟ إن القرآن هو دستور المسلمين ومدوَّنة شريعتهم وكتاب عقيدتهم. فإذا نبذوه وراء ظهورهم واشتروا به مشورة أبو زيد حتى يرضى عنهم فهل يظلون حينئذ مسلمين؟ وهل القرآن معيب حتى نتبرأ منه؟ قد يراه بعض الناس كذلك، ويَرَوْن أن الرسول هو مؤلفه، وأنه حتى لو كان مفيدا فى وقته فقد تجاوزه الزمن. فليكن، فكل إنسان حر فيما يعتقد. والمسلمون بنفس المبدإ أحرار فيما يؤمنون به، ومن واجبهم، لا من حقهم فقط، أن يتمسكوا بالنص القرآنى، وإلا ما كانوا مسلمين. ترى لم جاء الإسلام ونزل القرآن على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام إذا لم نتمسك بتشريعاته وأحكامه وننزل على مبادئه الأخلاقية والفكرية والذوقية؟ أم ترى القرآن نزل من السماء لنلفه فى ورق سيلوفان ونضعه فى الدواليب ثم نخرجه من مكمنه لنستمتع بمرآه ولمسه فى المناسبات؟ الأمر فى حقيقته لا يخرج عن الاحتمالات التالية: إما أننا نؤمن بأن هذا الكتاب هو من عند الله فنعض عليه بالنواجذ ونجتهد بكل طاقاتنا فى تطبيقه، وإما أننا لا نصدق بإلهية مصدره، بل نعتقد بأن محمدا هو مؤلفه، لكنه كذب علينا قائلا إنه من عند الله أو توهَّم مخدوعا بحسن نية أنه فعلا من عند الله، وإن لم يكن فى الواقع من عند الله، وإما أننا نعتقد بأنه نزل من السماء، لكنه لا يناسب ظروفنا وأوضاعنا الآن لأنه ليس صالحا لكل زمان ومكان، بل للعرب وحدهم فى القرون الهجرية الأولى. فأما الاحتمال الأخير فأرجو ممن يقول به أو يتظاهر أنه يقول به، حتى لو لم يؤمن حقا بأنه من عند الله لا على سبيل التأبيد ولا على سبيل التوقيت، أن يدلنا على نص فيه أو فى الأحاديث النبوية يقول هذا. وأما الاحتمال الثانى فنحن بطبيعة الحال، بوصفنا مسلمين نؤمن بالله وبالرسول محمد عليه الصلاة والسلام لا نبيا فحسب بل سيدا للأنبياء أجمعين، نرفضه رفضا باتا قاطعا. وهو ما لا ينبغى أن يلومنا عليه أحد حتى لو رأى أن فى عقولنا مسا شيطانيا أو فى سلوكنا وتصرفاتنا وتفكيرنا تخلفا حضاريا. ومع هذا فلصاحب الاحتمال الثانى الحق كل الحق فى أن يعتقد به، ولا دخل لنا فى اعتقاده، وكل ما نستطيعه ويحق لنا فى ذات الوقت هو أن نرد على ما يقول بكلام مثله. وعلى القراء أن يوازنوا بين ما نقول وما يقوله هو ويختاروا ما يرونه مقنعا للعقل ومتسقا مع المنطق والحضارة والتقدم والسعادة.
ويتصل بهذه الدعوة السخيفة ما قاله أبو زيد فى كتابه: "مفهوم النص" من أن الحضارة الإسلامية هى حضارة النص، أما اليونانية فهى حضارة العقل، على حين كانت الحضارة المصرية هى حضارة ما بعد الموت (ص11). ومعنى هذا أن الحضارة الإسلامية لا علاقة لها بالعقل ولا صلة بينها وبين الحياة الآخرة، مع أن هذا وذاك غير صحيح. فالقرآن دعوة إلى استخدام العقل حتى فى قبول الإيمان أو رفضه، وفى تقييم شخصية النبى ذاته، ودعوة إلى طلب المعرفة، ولا شىء فيه يعدل السعى وراء العلم، والعلماء فيه ورثة الأنبياء ... كما يدعو إلى الاستعداد لما بعد الموت، ويحذر من الركون المطلق للدنيا ويؤكد لأتباعه أن ثم ثوابا وعقابا وجنة ونارا وسعادة وشقاء خلف هذا العالم. ثم هل الحضارة الإسلامية وحدها هى التى لها نص تتمسك به وتحترمه وتقدسه؟ أليس لدى الماركسيين البيان الشيوعى؟ أليس لدى النازيين كتاب هتلر المسمى: "كفاحى"؟ أليس لدى النصارى مجموعة الأناجيل؟ أليس لدى اليهود التوراة؟ أليس لدى الزرادشتيين الأفستا؟ أليس لدى الهندوس الفيدا؟ أليس لدى الطاويين الطاو تى تشينج؟ بل أليس لدى النحويين كتاب سيبويه؟ ألم يكن لدى التغلبيين معلقة عمرو بن كلثوم، الذى سخر منهم بسببها بعض الشعراء زاعما أنها ألْهتهم عن كل مكرمة لكثرة اشتغالهم بها وحفظهم لها وترديدهم إياها واستشهادهم فى كل صغيرة وكبيرة بأبياتها؟ ألم تكن مقدمة "كرومويل" لهيجو هى
(يُتْبَعُ)
(/)
النص الذى يتمسك به كتاب المسرح الرومانتيكيون فى فرنسا وأوربا؟ ألم يكن كتاب "الديوان" هو النص الذى قلب دنيا الشعر والنقد فى وقته، ولا يزال الشغل الشاغل للشعراء والنقاد والباحثين؟ ثم إن حضارة النص معناها أن المسلم لا ينبغى أن يعمل شيئا سوى الالتزام بالنص عميانيا. فهل هذا هو الإسلام؟ وهل هكذا كان المسلمون؟
ترى ألو كان المسلمون يلتزمون بالنصوص (أى بآيات القرآن) عميانيا، أكانوا يسودون الدنيا فى عدد ضئيل من السنين ليس بشىء فى تاريخ العالم، فيقودونها سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا، ويعتنق الناس دينهم ويتبنَّوْن أدبهم ويتحدثون ويكتبون بلسانهم على اختلاف مللهم ولغاتهم وثقافاتهم، ويحبون نبيهم ويفدّونه بالنفس والنفيس؟ وها نحن أولاء اليوم لنا عشرات الرؤساء، ونُعَدّ بمئات الملايين، ونعيش على رقعة ضخمة من البسيطة، ولدينا نفط غزير وأنهار كثيرة، وميزانيات بعض دولنا هائلة بشكل لا يخطر على البال، ومع هذا فنحن فى مؤخرة الأمم، ولا يحترمنا أحد، بل الكل ينظر إلينا على أننا ممسحة لأحذيتهم، وكثير من مثقفينا (المثقفين اسما فحسب) ليسوا سوى عملاءَ رِخَاصٍ لهذه الدولة أو تلك، ولا يتصدر المسرح منهم إلا زبالة الزبالة، على عكس ما كان الحال أيام عز الإسلام، الذى ينغص على بعض الناس عيشتهم فى اليقظة والمنام، ويمررها ويصيرها نكدا وغما. ترى ماذا يريد هؤلاء؟ ألا إنهم هم المفسدون، وهم بما يعملون يشعرون.
كذلك من المضحك أن يحاول أبو زيد إيهامنا أن كتابه هذا هو الكتاب الوحيد الذى يبحث عن "البعد" المفقود في التراث الإسلامى، ذلك البعد الذي يمكن أن يساعدنا على الاقتراب من صياغة "الوعي العلمي" بهذا التراث. ولا يتأتى ذلك للباحث في القرآن إلا حين يعتمد أساسا على دراسة أدبية صحيحة لكتاب العربية الأوحد تُفَهِّمه للآخرين. فهذه الدراسة، فى زعمه، هي الكفيلة بتحقيق "وعي علمي" نتجاوز به موقف "التوجيه الأيديولوجي" السائد في ثقافتنا وفكرنا. إلاّ أن البحث عن هذا المفهوم وبلورته وصياغته لا يمكن أن تتم بمعزل عن إعادة قراءة "علوم القرآن" قراءة جديدة باحثة منقبةحسبما يقول (ص12 - 13 من الكتاب السابق). ومعنى هذا أنه يجعل من نفسه مهدىّ آخر الزمان، ذلك الذى طال انتظار المسلمين له على مدى القرون، ثم آن الأوان أخيرا بعد طلوع الروح أن يهل علينا بطلعته البهية. والله سلامات! فقد تعبنا من طول الانتظار لسيادة السلام فى الأرض حيث يصطحب الذئب الشاة فى يده ( engagé)، فيتنزهان ويتغازلان، ثم فى الليل يأخذها فى أحضانه ويأكلان أرزا باللبن، ثم بعد تسعة شهور ينجبان ذؤبانا وذئبات، وخرفانا ونعجات. أبوك السقا مات! لكنْ أىُّ غرور هذا، وأىُّ انحراف فى تقدير الذات؟ ألم يكن ثم مرآة يطالع فيها صورته ويرى نفسه على حقيقتها؟ أم إن المرايا التى حوله كانت "مرايا محدَّبة" تعكس الأشياء بصورة أضخم من حقيقتها؟ رحمك الله يا د. عبد العزيز حمودة، وبارك فى كتابك الذى أثار الزوابع وأقض مضاجع الجاهلين الحشاشين، ولا بارك الله فيمن تطاول عليك من كل عتل ذميم زنيم لا ترتفع رأسه إلى موطئ قدميك، على الأقل فى اللغة الإنجليزية وفى تراثها الأدبى والنقدى!
وفى كل من الصفحة الثلاثين والصفحة الثامنة والسبعين من "نقد الخطاب الدينى" نسمع كاتبنا يقول إن هناك مجالات فى الحياة لا تتعلق بها فعاليات النصوص القرآنية، زاعما أن الصحابة قد فطنوا إلى هذا منذ وقت مبكر. وهذا ما قاله بالحرف: "منذ اللحظات الأولى فى التاريخ الإسلامى، وخلال فترة نزول الوحى وتشكُّل النصوص، كان ثمة إدراك مستقر أن للنصوص الدينية مجال فعاليتها الخاصة، وأن ثمة مجالات أخرى تخضع لفاعلية العقل البشرى والخبرة الإنسانية ولا تتعلق بها فعالية النصوص. وكان المسلمون الأوائل كثيرا ما يسألون إزاء موقف بعينه ما إذا كان تصرف النبى محكوما بالوحى أم محكوما بالخبرة والعقل. وكثيرا ما كانوا يختلفون معه ويقترحون تصرفا آخر إذا كان المجال من مجالات العقل والخبرة. الأمثلة على ذلك كثيرة، وتمتلئ بها كل وسائل الخطاب الدينى وأدواته من كتب ومقالات وخطب ومواعظ وبرامج وأحاديث. ورغم ذلك يمضى الخطاب الدينى فى مد فعالية النصوص الدينية إلى كل المجالات (أى يحاول تكريس شموليتها كما سبق القول) متجاهلا تلك الفروق التى صيغت فى
(يُتْبَعُ)
(/)
مبدإ "أنتم أعلم بشؤون دنياكم".
والحق أن هذا كلام غريب يرفضه التاريخ والعقل والإيمان، إذ ما دام هناك نص فلا بد من قبوله والعمل به. ففعاليته إذن مستمرة. والصحابة لم يحدث أن سألوا قط: هل نحن فى حل من تطبيق النصوص القرآنية؟ بل كان سؤالهم: هل هناك وحى بكذا أو لا؟ بما يعنى أنهم، حين يكون هناك وحى، فإنهم يعرفون تماما أنه لا مناص من تطبيقه. أما إذا لم يكن هناك نص فى الموضوع المطروح فكيف تكون هناك فعالية تعلَّق؟ هل يمكن أن تعلَّق فعالية لا وجود لها أصلا؟ ومع هذا فإن النصوص لا تترك شيئا دون أن تكون لها فعالية فيه. كل ما هنالك أن هذا قد يتم على نحو مباشر بحيث يقول النص فى موضوع من الموضوعات كلاما عاما دون تفصيل، مثل: "إن بعض الظن إثم"، و"قل: هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ "، "وأمرهم شورى بينهم"، ويقول الرسول عليه السلام: أنتم أعلم بشؤون دنياكم، والمجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر، وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ولا ينبغى للمؤمن أن يذل نفسه بأن يتعرض من البلاء لما لا يطيق، وما خاب من استشار ... إلخ. فهنا نجد أن فاعلية النصوص هى فاعلية غير مباشرة، بمعنى أنها لا ترسم لنا تفصيلات الطريق، بل تكتفى بالإشارة إلى الاتجاه حتى لا نتخذ طريقا أخرى لا توصلنا إلى ما نريد، مع إمدادنا بالتوجيهات التى تكفل لنا عدم الخروج عن الطريق.
فأما بالنسبة إلى الأمثلة التى لا توجد فيها نصوص بحيث يكون للصحابة مندوحة عن قبول رأى الرسول، فمنها ما كتبه ابن هشام فى "السيرة النبوية" عما حدث قبل معركة بدر، إذ استجاد النبى عليه السلام موضعا فنزل عنده متصورا أنه هو الموضع الإستراتيجى الناجع، بيد أنه كان لبعض الصحابة رؤية أخرى على ما يخبرنا النص التالى: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم (أى يبادر قريشا) إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به. قال بن إسحاق: فحُدِّثْتُ عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل: أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل. فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم تغوّر ما وراءه من القُلُب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فغُوِّرَتْ، وبني حوضا على القليب الذي نزل فَمُلِئَ ماء، ثم قذفوا فيه الآنية". فمراجعة الحباب للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه لم تتم، كما رأينا، إلا بعد أن تيقن من خلال سؤاله للرسول نفسه أن اختياره صلى الله عليه وسلم لذلك الموضع لم يكن مبنيا على وحى نزل بشأنه، بل هو اجتهاد منه عليه الصلاة والسلام. ولأنه يعرف من القرآن أن الشورى قيمة كبيرة من قيم الإسلام لم يتردد لحظة واحدة عن إبداء رأيه فى ذلك الاختيار، ونزل النبى على مشورته، وكانت مشورة مباركة.
أما على الضفة الأخرى فها هو ذا نص يرينا أنه حين يكون هناك وحى من السماء فإن النبى والصحابة لا يملكون إلا النزول على هذا الوحى. ومرة أخرى نفتح "السيرة النبوية" لابن هشام، ولكنْ هذه المرة على غزوة الحديبية وما وقع عقب وثيقة الصلح، التى رأى عمر بن الخطاب أن فيها إجحافا بالمسلمين: "فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال أبو بكر: يا عمر، الزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله. قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله. ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألست برسول الله؟ قال: بلى. قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى. قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: أنا عبد الله ورسوله. لن أخالف أمره، ولن يضيعني! قال: فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق
(يُتْبَعُ)
(/)
من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمتُ به، حتى رجوت أن يكون خيرا". فانظر كيف ظن عمر فى البداية أن الأمر ما هو إلا اجتهاد من النبى عليه السلام لم ينزل فيه وحى. لكنه حين عرف أن النبى لم يفعل شيئا من تلقاء نفسه، بل كان الأمر وحيا من الله له، تراجع على الفور وشعر بالذنب وظل فترة طويلة يصوم ويصلى رجاء أن يغفر الله له هذا الموقف، الذى لم يقصد به مع ذلك إلا وجه الخير.
ولا يكتفى نصر أبو زيد بهذا، بل يزيد فيزعم أن تدشين الشافعى للسنة المحمدية مصدرا من مصادر التشريع يحولها من لانص إلى نص. وهو حين يقول هذا يقوله على سبيل الاستنكار، إذ لا يرى للسنة النبوية المطهرة مدخلا فى عملية التشريع (انظر ص31 - 32 من كتاب "الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية"/ سينا للنشر/ 1992م). فكيف بالله يصح هذا، والسنة فى الجانب الأكبر منها هى نصوص قالها النبى عليه السلام؟ بل لقد تحولت أفعاله أيضا إلى روايات يتناقلها المسلمون، فأصبحت هى أيضا بذلك نصا. فكيف يصفها بأنها لانص؟ وهل الشافعى هو الذى جعل من السنة مصدرا من مصادر التشريع؟ أم هل النبى هو الذى فعل ذلك؟ تعالوا نقرأ هذين الحديثين مثلا: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ (حين أرسله إلى اليمن ليقضى يين المسلمين هناك): بم تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله"، "لا أُلْفِيَنَّ أحدَكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن. فما وجدنا فيه من حلال أحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرّمناه. ألا وإني أُوتِيتُ الكتابَ ومِثْلَه معه".
وحتى لو يكن النبى هو الذى جعلها كذلك فهل كان الشافعى وحده من بين الفقهاء وعلماء الدين هو الذى جعلها كذلك؟ لقد كان علماء المسلمين قبل الشافعى يتخذون من السنة مصدرا للتشريع، اللهم إلا ناسا قليلين جدا أشار إليهم الشافعى، لكنه لم يسمّهم لأنهم ليسوا بذوى خطر ولا أهمية، ولم يكونوا يعترضون على السنة كلها بل على ما ليس له حكم فى القرآن المجيد. فلم يكن الشافعى ابن بجدتها إذن رغم الخدمة العلمية الجليلة التى أداها لذلك المصدر التشريعى الكريم. وحتى لو لم يكن هناك مثل هذين الحديثين، أليس ينبغى أن يأتى النبى بعد القرآن فى ترتيب مصادر التشريع بوصفه المتلقى الأول لكتاب الله والمطبق الأول له والمتصل مباشرة بالسماء، فهو يعرف كيف يطبقه تطبيقا صحيحا؟ أم ماذا؟ ثم إن فى السنة تشريعات وأحكاما لم ينزل بها القرآن، وشروحا لما أجمله القرآن. ومن ذلك قوله عليه السلام: "إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، وحَثُّه على الاجتهاد فى العلم والدين وتبشيرُه المجتهدين بأنهم مأجورون فى كل الأحوال: أصابوا أم أخطأوا، واشتراطُه رضا الفتاة فى الخِطْبة، وإلا فالزواج غير صحيح، وتأكيدُه أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وحِرْصُه على النظام والسكينة فى الصلاة، وتوصيته الرجال بالرفق مع نسائهم وتوسعة الصدر لنزق النزقات منهن، وتنبيهُه إلى أن الجنة جزاء من يحسن تربية ابنته ويزوجها، ونهيُه عن التبول فى الماء الراكد وفى ظل الأشجار، وأَمْرُه بترجيل الشعر وتسويك الأسنان وعدم تجاوز الوصية الثلث، وتحليلُ ما دون الجماع بالنسبة للحائض، وشَرْعُه الخلع وجمع العصرين والعشاءين والمسح على الخفين والصلاة فى النعلين وصلوات النوافل وصلاة الاستسقاء وصيام عاشوراء وستة أيام شوال والثلاثة البيض من كل شهر، وتحريمه الجمع بين الزوجة وعمتها أو خالتها، وتجويزُه الكذب فى الصلح بين الناس وفى مجاملة الزوجة ولخداع العدو فى الحرب، وتحريمه الصدقة على الأنبياء أو وراثة أقاربهم لهم، وحثه على الأكل باليمين، وتوضيحه لأحكام طهارة الماء ونجاسته والشفعة والإجارة والسَّلَم والمصرَّاة والزواج ... إلخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك لا دخل لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" فيما يريد نصر أبو زيد تقريره من أن الرسول لا يشرّع بسنته شيئا. ذلك أن المقصود بشؤون الدنيا هو ما لا علاقة له منها بعقيدة أو تشريع أو أخلاق، مثل الاختراعات العلمية، وكيفية بناء المساكن وخياطة الملابس وسقى الأرض وزراعة المحاصيل، وحفر الترع وإنشاء شبكات الرى، وصناعة الأدوية، ومعالجة المرض ووصف الدواء، وتنظيم العلمية التعليمية، ووضع الترتيبات الإدارية، وممارسة شؤون الحرب، وطرق تطبيق الشورى والنيابة عن الأمة. أما الحلال والحرام والأخلاق الفاضلة والمنحطة فتدخل فى التشريع. وإلا فمن الممكن لأى ممارٍ مزعجٍ الادعاء بأن القرآن لا يشرّع هو أيضا لأننا نعلم شؤون دنيانا. ثم من هؤلاء الذين رفضوا السنة مطلقا واتخذ منهم نصر أبو زيد تكأة لرد الأحاديث النبوية أن تكون مصدرا من مصادر التشريع فى الإسلام؟ هلا ذكر لنا أسماءهم ومواقفهم وردود من يأخذون بالسنة عليهم. هل نفهم من هذا أن القرآنيين كانوا موجودين منذ ذلك الوقت المبكر؟ إن صح الأمر لقد كانوا، فيما هو واضح، جماعة ضئيلة محدودة شديدة الضآلة والمحدودية حتى إن الشافعى حين ناقش منطلقاتهم لم يُسَمِّ أحدا منهم، بل كل ما ذكره هو أن أحدهم قد راجعه فى موقفه من الأحاديث وأنه قد فهّمه الأمر ففهم، كما أن البغدادى، حسبما يخبرنا فى كتابه: "أصول الدين" على ما جاء فى "فجر الإسلام"، قد عد الخوارج من المنكرين للعمل بالأحاديث (انظر أحمد أمين/ فجر الإسلام/ ط10/ دار الكتاب العربى/ بيروت/ 1969م/ 232 فصاعدا، وبخاصة 242، و"الأم" للشافعى/ تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب/دارالوفاء/ المنصورة/3001م/ 9/ 5 وما بعدها). فهل كان على الشافعى أن يترك علمه وفهمه ويشذ عن سائر علماء الإسلام، الذين كانوا يأخذون بالسنة مصدرا للتشريع، ويتبع هذه الجماعة من النكرات المجهولى الحال حتى يرضى عنه نصر حامد أبو زيد؟ وهل الخوارج المندفعون للصدام مع الدولة والمجتمع الضيقو العطن المسارعون للتكفير رغم تحمسهم للدين قد أصبحوا الآن يمثلون الفكر العقلانى الذى ينبغى اتباعه عند أبو زيد وأمثاله؟ غريبة!
يقول د. أحمد أمين عن السنة ومكانتها فى التشريع: "وهناك نوع آخر من التشريع كان فى عهد رسول الله، وهو التشريع بالسنة. ويختلف عن الكتاب فى أن القرآن ألفاظه ومعانيه بوحى من الله، وأما السنة فألفاظها من عند الرسول. فالسنة أو أحاديث الرسول بينت كثيرا من آيات القرآن كالذى رأيتَ فى آيات الصلاة والزكاة. فالقرآن لم يبين هيئات الصلاة ولا أوقاتها، ولم يبين المقادير الواجبة فى الزكاة ولا شروطها. إنما بين ذلك النبىُّ بقوله أو فعله. كذلك حدثت حوادث وخصومات قضى فيها النبى بالحديث لا بالقرآن، فكان قضاؤه فى ذلك تشريعا. فكل ما قاله النبى أو فعله أو حدث أمامه واستحسنه كان تشريعا. ومتى ثبت ذلك عن رسول الله كان فى القوة بمنزلة القرآن. ولكن قل أن يثبت ثبوتا لا يحتمل الشك لما بينا فى كلامنا على الحديث ... وأحاديث الأحكام كثيرة وردت فى كل الأنواع التى ورد فيها القرآن قبينت مجمله، وقيدت مفصّله، وزادت أشياء كثيرة لم يذكرها القرآن. وقد عُنِىَ العلماء قديما بجمعها ورتبوها حسب الترتيب الفقهى.
هذا الأصلان: الكتاب والسنة هما مصدر التشريع فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك يتبين أن أساس القانون الإسلامى إلهىّ مصدره الله فيما نص عليه من كتاب أو حديث ليس لأية سلطةٍ حقٌّ فى مخالفتها ولا الخروج على ما ورد فى نصوصها. إنما يجتهدون فيما لم يرد فيه نص مسترشدين بما ورد فى الكتاب والسنة من قواعد كلية. وبذلك تخالف القوانين الوضعية، ففيها تكون السلطة التشريعية فى منتهى الحرية فى تفسير قانون أو تعديله أو إلغائه. وليس الشأن كذلك فى القوانين الإلهية، فحرية الفقهاء والخلفاء محدودة فى دائرة فهم نصوص القرآن، ومقدار الثقة بالحديث وعدمها لم يرد فيه كتاب ولا سنة صحيحة".
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد أن تناول د. أحمد أمين مدرسة الرأى وبين أنها هى أيضا تأخذ بالحديث، ولكن ليس على النطاق الواسع الذى تأخذ به المدرسة المقابلة، انتقل إلى طائفة من المسلمين كانت تغالى فى هذا الأمر فلا تأخذ بها بتاتا متحججين بأنهم يشكون شكا مطلقا فى الرواة لكثرة من جرّحهم رجال الجرح والتعديل حتى ليكادون ألا يتفقوا على أمانة محدّث أو صدقه كما قالوا. ويتلخص موقفهم فى أنهم لا ينبغى أن يتركوا كتاب الله المقطوع به لمثل هذه الأحاديث المشكوك فيها (فجر الإسلام/ 233 وما بعدها). ود. أحمد أمين يعتمد فى هذا على ما جاء فى كتاب "الأم" للشافعى حين ناقش آراء هذه الطائفة. إلا أنه لم يذكر لنا اسما واحدا من أسماء أعضائها، مما يشير فى رأيى إلى أنها كانت جِدّ محدودة، ولم يكن لها خطر يذكر. والواقع أن حجة هؤلاء المتشككين فى السنة النبوية داحضة، إذ ليس من المعقول أن يكون الناس جميعا محل ريبة وتشكك: هكذا لله فى لله. كما أن الذين يأخذون بالأحاديث فى مجال التشريعات لا يتركون القرآن كما زعموا، بل يستعينون بالحديث حين لا يكون هناك نص قرآنى فى المسألة التى يبحثون لها عن حكم شرعى. وعلى أية حال فإن العمل بالحديث ليس معناه أن نقبله عشوائيا دون تمحيص ودون أن يكون سائرا مع روح الإسلام واتجاهه العام.
والواقع أن هجوم نصر أبو زيد على الشافعى لاتخاذه السنة مصدرا للتشريع مع القرآن لا يبعث على الاطمئنان. وأحسن ما يمكن تأويل كلامه به إن أغمضنا أعيننا عن الغاية الواضحة من هذا الكلام هو أن السنة المحمدية ليست تشريعا مستقلا بل مجرد شارحة للقرآن ومفسرة له (انظر ص38 من كتابه عن الإمام الشافعى). لكن حتى لو كانت السنة مجرد شارحة للقرآن، أفلا تعد المذكرةُ التفسيرية مصدرا من مصادر التشريع؟ ذلك أننا لا نستطيع أن نطبق التشريعات القرآنية فى كثير من الحالات إلا من خلال شرح السنة لها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فإذا عرفنا أن ثم أحكاما تشريعية وتوجيهات أخلاقية ونفسية كثيرة جاءت بها السنة ولم يتعرض لها القرآن قط أو تعرض لها من بعيد تبين لنا أن مكانة السنة فى التشريع الإسلامى مكانة عظيمة الخطر. قلت إن هذا هو أحسن ما يمكن تأويل كلامه به إن أغمضنا أعيننا عن الغاية الواضحة من هذا الكلام، أما إن أردنا أن نعرف ماذا يريد قوله، ومن صريح عبارته هو، فعلينا أن نقرأ ما كتبه بنفسه فى آخر فقرة من كتابه الذى بين أيدينا الآن، والإشارة فيها إلى ما يقول إن الشافعى رضى الله عنه قد صنعه بالسنة النبوية من تحويلها من لانص إلى نص مثل القرآن الكريم. يقول: "هذه الشمولية التى حرص الشافعى على منحها للنصوص الدينية بعد أن وسّع مجالها فحوّل النص الثانوى الشارح إلى الأصلى وأضفى عليه نفس درجة المشروعية، ثم وسّع مفهوم السنّة بأن ألحق به الإجماع كما ألحق به العبادات، وقام بربط الاجتهاد/ القياس بكل ما سبق رباطا محكما، تعنى فى التحليل الأخير تكبيل الإنسان بإلغاء فعاليته وإهدار خبرته. فإذا أضفنا إلى ذلك أن مواقف الشافعى الاجتهادية تدور فى أغلبها فى دائرة المحافظة على المستقر الثابت، وتسعى إلى تكريس الماضى بإضفاء طابع دينى أزلى كما رأينا فى اجتهاداته فى ميراث العبد وفى ميراث الأخت الوحيدة وفى مسألة زكاة الغراس، أدركنا السياق الأيديولوجى الذى يدور فيه خطابه كله. إنه السياق الذى صاغه الأشعرى من بعد فى نسق متكامل، ثم جاء الغزالى بعد ذلك فأضفى عليه أبعادا فلسفية أخلاقية كُتِب لها الاستمرار والشيوع والهيمنة على مجمل الخطاب الدينى حتى عصرنا هذا. وهكذا ظل العقل الإسلامى يعتمد على سلطة النصوص بعد أن تمت صياغة الذاكرة فى عصر التدوين، عصر الشافعى، طبقا لآليات الاسترجاع والترديد. وتحولت الاتجاهات الأخرى فى بنية الثقافة والتى أرادت صياغة الذاكرة طبقا لآليات الاستنتاج الحر من الطبيعة والواقع الحى كالاعتزال والفلسفة العقلية إلى اتجاهات هامشية. وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان فى عالمنا. علينا أن نقوم بهذا الآن، وفورا قبل أن يجرفنا الطوفان" (ص110). ولا أحسب مقصد الدكتور إلا واضحا أشد الوضوح، وإن كنت ألاحظ أنه يخلط خلطا مزريا بين ميدان الفقه وميدان العلوم الطبيعية، فالفقه إنما يختص
(يُتْبَعُ)
(/)
بالعبادات والتشريعات، بينما العلوم الطبيعية تختص باكتشاف قوانين الكون وصناعة المخترعات المختلفة، فلا تعارض من ثم بين المجالين كما يتوهم أبو زيد أو يريد أن يوهمنا. وعلى هذا فكل ما قاله فى ذلك الموضوع هو ضجيج فارغ لا جدوى منه، ودعك من الإزعاج الذى يسببه لنا ذلك الضجيج.
ولقد كتب أحد المتحمسين لنصر أبو زيد، وهو غسان أبو حمد، مقالا ركيك الأسلوب سقيم الفكر فى جريدة "البناء" الفلسطينية فى 7 تموز 2010م بعنوان "نصر حامد أبو زيد ابن رشد المرحلة! دفع ثمن استخدامه العقل أداة لفهم الموروثالديني" جاء فى بدايته ما نصه: "نصر حامد أبو زيد، حياته كما وفاته إستمرت عرضة للجدل بين رجال دين متمسكين بأصولية النصّالديني وبين مفكّرين عرب: أساتذة أو قل: فلاسفة في العلوم الدينية، شاؤوا الإبحار بعيدا عن النصّ في محاولة منهم للإنطلاق نحو رحاب الشمولية"، وهو ما يؤكد ما قلناه عن اتجاه الرجل. وفى هذا المقال، مثلما لاحظنا فى مقالات كثيرة، يشبَّه د. نصر بابن رشد. فهل كان ابن رشد ثائرا على النصوص الدينية من قرآن وحديث يدعو إلى التحرر منها ونبذها خلف الظهر؟ لقد كان رحمه الله فقيها قاضيا يحكم بالشريعة، أى بالنصوص الدينية التى يظن كاتب المقال عن جهل ونزق أن الفيلسوف الأندلسى كان متمردا عليها. وله كتاب مشهور فى الفقه كان يستعين به فى إصدار الأحكام القضائية اسمه: "بداية المجتهد ونهاية المقتصد". وهو ما يعطى القارئ فكرة عن نوعية المدافعين عن نصر أبو زيد، فهم يشقشقون بما لا يعقلون. وكان ابن رشد يؤكد أنه لا تعارض بين الدين والفلسفة، بما يدل على أنه كان ينطلق من النصوص الدينية ولا يدعو إلى الثورة عليها. وكتاباه: "مناهج الأدلة" و"فصل المقال" ينمان عن إيمان بالله سبحانه وباليوم الآخر وبالقرآن الكريم وبالرسول الذى أتى به. أقول هذا لأن الببغاوات يظنون أنه، رحمه الله، كان متمردا على الإسلام، ولذلك يمجدونه. وهم فى هذا إنما يرددون ما كان بعض الأوربيين فى عصر النهضة يقولونه عنه، وما أكثر من فى الحبس من مظاليم! وكان هناك مدرس يحاضرنا فى الجامعة فى مادة "الفلسفة الإسلامية"، ويلح فى محاضراته على هذا المعنى، فكنت أذهب إلى المكتبة وأرجع إلى ابن رشد فألفيه رجلا مسلما صيحح الإسلام، فأسأله فى المحاضرة: كيف تقول هذا عنه يا دكتور، وكتابا "مناهج الأدلة" و"فصل المقال" يقولان عكس ما تدعى عليه؟ فيجيبنى بأن آراءه الحقيقية موجودة فى شرحه لأرسطو. وكان هذا الموقف ولا يزال مبعث استغراب عندى، إذ المعروف أن ناقل الكفر ليس بكافر، فمن باب الأولى أن نقول إن شارح الكفر ليس بكافر أيضا، بغض النظر عن عقيدة أرسطو فى حد ذاتها، فهذه مسألة أخرى. ولكيلا يرى القراء كيف يخلط بعض الناس الأمور خلطا ويقلبونهاعن حقيقتها ألفت انتباههم إلى أنه فى الوقت الذى كتب فيه محرر مادة "" فى النسخة الإنجليزية من موسوعة "الويكبيديا" المشباكية أن من مبادئ الرشدية فى أوربا عصر النهضة " resurrection of the dead (http://en.wikipedia.org/wiki/Resurrection)"، أى البعث وإعادة الموتى إلى الحياة من جديد، نرى محرر المادة فى النسخة العربية من ذات الموسوعة، رغم أنه لم يفعل شيئا سوى ترجمة هذه المبادئ من النسخة الإنجليزية إلى العربية، يحول هذا المبدأ إلى عكسه تماما فيورد، بين الأفكار الرئيسية لمذهب الرشدية، أن "إحياء الموتى غير ممكن". فانظر وتأمل.
وفى الصفحة الثالثة والستين من كتاب "نقد الخطاب الدينى" يزعم نصر أبو زيد بجرأةٍ متغشمرةٍ أن جوهر العلمانية ليس شيئا آخر سوى التأويل الحقيقى والفهم العلمى للدين. والواقع أن هذا كلام ما أنزل الله به من سلطان، فالعلمانية حسب التعريفات المخلتفة لها فى الغرب هى، طبقا لما جاء فى المادة المخصصة لها فى "الويكيبيديا"، كالآتى: "العَلْمَانِيَّة: ترجمة غير دقيقة بل غير صحيحة لكلمة " Secularism" في الإنجليزية، أو " Sécularité" أو " laïque" بالفرنسية. وهي كلمة لا علاقة لها بلفظ "العِلْم" ومشتقاته على الإطلاق، فالعِلْم في الإنجليزية والفرنسية يعبَّر عنه بكلمة " Science"، والمذهب العِلْمِي نُطلق عليه كلمة " Scientism"، والنسبة إلى العِلْم هي " Scientific" أو " Scientifique" في الفرنسية، والترجمة الصحيحة للكلمة هي "الدنيوية"، لا بمعنى
(يُتْبَعُ)
(/)
ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص، وهو ما لا صلة له بالدِّين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد. وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة:
تقول دائرة المعارف البريطانية، مادة " Secularism": " هي حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر. وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ" Secularism" تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة.
ويقول قاموس "العالم الجديد" لوُبِسْتَر، شارحا المادة نفسها: الروح الدنيوية أو الاتجاهات الدنيوية ونحو ذلك على الخصوص: نظام من المبادئ والتطبيقات " Practices" يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة. الاعتقاد بأن الدين والشئون الكنسية لا دخل لها في شئون الدولة، وخاصة التربية العامة.
ويقول "معجم أكسفورد" شارحا كلمة ": Secular": دنيوي، أو مادي، ليس دينيا ولا روحيا، مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة. الرأي الذي يقول إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساسا للأخلاق والتربية.
ويقول "المعجم الدولي الثالث الجديد"، مادة " Secularism": اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب ألا تتدخل في الحكومة، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعادا مقصودا، فهي تعني مثلا السياسة اللادينية البحتة في الحكومة. وهي نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين.
على المستوي السياسي تطالب العلمانية بحرية الاعتقاد وتحرير المعتقدات الدينية من تدخل الحكومات والأنظمة، وذلك بفصل الدولة عن أية معتقدات دينية أو غيبية، وحصر دور الدولة في الأمور المادية فقط. لقد استخدم مصطلح " Secular" ( سيكولار) لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%84%D8%AD_%D9%88%D8%B3%D8%AA%D9%81%D8%A7% D9%84%D9%8A%D8%A7)، الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوروبا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7) عام 1648م ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1648)، وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية)، مشيرًا إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A9) بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية، أي لسلطة الدولة المدنية. والعلمانية هي عموما التأكيد على أن ممارسات معينة أو مؤسسات الدولة ينبغي أن توجد بمعزل عن الدين أو المعتقد الديني. وكبديل لذلك، مبدأ العلمانية تعزيز الأفكار أو القيم إما في أماكن عامة أو خاصة. كما قد يكون مرادفا للـ"الحركة العلمانية". في الحالات القصوى من أيديولوجيا العلمانية تذهب إلى أن الدين ليس له مكان في الحياة العامة.
في أحد معانيها، العلمانية قد تؤكد حرية الدين والتحرر من فرض الحكومة الدينية على الناس، أن تتخذ الدولة موقفا محايدا فيما يخص مسائل العقيدة، ولا تعطي الدولة امتيازات أو إعانات إلى الأديان. بمعنى آخر تشير العلمانية إلى الاعتقاد بأن الانشطة البشرية والقرارات، ولا سيما السياسية منها، ينبغي أن تستند إلى الأدلة والحقيقة بدلا من التأثير الديني.
العلمانية هي أيديولوجيا تشجع المدنية والمواطنة وترفض الدين كمرجع رئيسي للحياة السياسية، ويمكن أيضا اعتبارها مذهبا يتجه إلى أنّ الأمور الحياتية للبشر، وخصوصا السياسية منها، يجب أن تكون مرتكزة على ما هو مادي ملموس وليس على ما هو غيبي، وترى أنّ الأمور الحياتية يجب أن تتحرر من النفوذ الديني، ولا تعطي ميزات لدين معين على غيره، على العكس من المرجعيات الدينية تعتمد على ما تعتقده حقائق مطلقة أو قوانين إلهية لا يجوز التشكيك في صحتها أو مخالفتها مهما كان الأمر. وتُفسّر العلمانية من الناحية الفلسفية
(يُتْبَعُ)
(/)
( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9) أن الحياة تستمر بشكل أفضل ومن الممكن الاستمتاع بها بإيجابية عندما نستثني الدين". ولا أحسب بعد كل هذه التعريفات المأخوذة من عدد من أهم المعاجم والموسوعات الأجنبية إلا أن يكون باب المِرَاء فى هذا الموضوع قد أُغْلِق بالضبة والمفتاح إلى الأبد.
ومن مزاعم أبو زيد المضحكة إنكاره القاطع أن يكون كارل ماركس ملحدا أو دعا يوما إلى الإلحاد، وادعاؤه أن كل ما فعله ماركس هو حملته على التأويل الرجعى للدين. ترى هل هذا الذى يقوله أبو زيد صحيح؟ لم يبق إلا أن يقول إنه كان يصلى التراويح فى مسجد السيدة زينب، ويعلق فى رقبته مسبحه ويمشى فى الشوارع يتطوح وهو يقول: صل على النبى فى قلبك يا مؤمن! لنسمع ماركس يتحدث بنفسه فى هذا الموضوع. ولسوف أنقل هنا حرفيا نص ما وجدته فى " Encyclopedia of Marxism (http://www.marxists.org/glossary/index.htm)" تحت عنوان " Religion"، وهو منقول عن كتاب " Contribution to the Critique of Hegel's Philosophy of Law (http://www.marxists.org/archive/marx/works/1843/critique-hpr/intro.htm)" لماركس ذاته:" The basis of religious criticism is: Man makes religion, religion does not make man. Religion is the self-consciousness and self-esteem of man who has either not yet found himself or has already lost himself again. But man is no abstract being encamped outside the world. Man is the world of man, the state, society. This state, this society, produce religion, an inverted world-consciousness, because they are an inverted world. Religion is the general theory of that world, its encyclopaedic compendium, its logic in a popular form, its spiritualistic point d'honneur, its enthusiasm, its moral sanction, its solemn complement, its universal source of consolation and justification. It is the fantastic realisation of the human essence because the human essence has no true reality. The struggle against religion is therefore indirectly a fight against the world of which religion is the spiritual aroma. Religious distress is at the same time the expression of real distress and also the protest against real distress. Religion is the sigh of the oppressed creature, the heart of a heartless world, just as it is the spirit of spiritless conditions. It is the opium of the people. To abolish religion as the illusory happiness of the people is to demand their real happiness. The demand to give up illusions about the existing state of affairs is the demand to give up a state of affairs which needs illusions. The criticism of religion is therefore in embryo the criticism of the vale of tears, the halo of which is religion".
وكانت العقيدة الرسمية للاتحاد السوفييتى والدول الشيوعية هى الإلحاد حتى لقد كانوا يدرّسونه فى المدارس كما ندرّس نحن مادة التربية الدينية فى بلادنا، ويحاربون الأديان حربا شعواء، وبخاصة الإسلام. فكيف ينكر الدكتور نصر ما هو معلوم من التاريخ بالضرورة؟ أم إنه العناد والمماراة رغبة فى العناد والمماراة، والسلام؟ أذكر أننى سمعت منذ سنوات طويلة بعض زملائى ممن كانوا يعرفون أبو زيد عن قرب يصفونه بأنه مغرم بالجدال غراما عجيبا، وأنه على استعداد لقضاء الليل كله يجادلك فى أى شىء تحدثه فيه، لا يلين ولا يلتقط أنفاسه، حبا فى الجدال لوجه الجدال. ولكى تكتمل الصورة هأنذا أنقل ما كتبته "الويكيبيديا" عن وضع الإسلام تحت حكم السوفييت، وعنوانه: "الإسلام في الاتحاد السوفيتي"، حتى يتضح الأمر على حقيقته. وقس على ذلك ما كان يلقاه المسلمون فى الدول الشيوعية الأخرى:
(يُتْبَعُ)
(/)
"يتكون الاتحاد السوفيتي ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF_%D8%A7% D9%84%D8%B3%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%AA%D9%8A) من 15 جمهورية، منها ست جمهوريات يشكل المسلمون أغلب سكانها، ولقد استولي السوفيات على مساحة 4,538,600 كيلومتر من البلاد الإسلامية، والوحدات السياسية التي استولى عليها السوفيات من الأراضي الإسلامية في قارة آسيا هي: أذربيجان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D9%86)- أوزبكستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B2%D8%A8%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D 9%86)- طاجيكستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D8%A7%D8%AC%D9%8A%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D 9%86)- تركمانستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D 8%A7%D9%86)- كازاخستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AE%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D 9%86)- جورجيا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A7)- أرمينيا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B1%D9%85%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A7)- والست الأولى ذات أغلبية مسلمة، والأخيرتان كانتا تابعتين لحكم إسلامي خلال فترات مختلفة، وفي قارة أوروبا-داغستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D8%A7%D8%BA%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86)- الشيشان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D8%A7%D9%86)- كبارديا بلغاريا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%88_-_%D8%A8%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A7)- القرم ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%B1%D9%85)- ماري ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%8A) وأودمورتيا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%AF%D9%85%D9%88%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D 8%A7)- تشوفاشيا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B4%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%B4%D9%8A%D8%A7)- تتارية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9)- أورنبرج ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%86%D8%A8%D8%B1%D8%AC)- بشكيريا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B4%D9%83%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A7)- واستينا الشمالية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D8%A7_%D8%A7% D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9_-_%D8%A3%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7). وقد انخفض عدد المسلمين لعدة أسباب منها، كثرة عدد من أعدموا في الثورة الشيوعية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9)، وطريقة الإحصاء التي أجراها الشيوعيون على أساس القوميات لأعلى أساس الدين، وتهجير المسلمين بصورة إجبارية مما أدي إلى خفض نسبة المسلمين خصوصاً في الجمهوربات الإسلامية بآسيا الوسطى ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3% D8%B7%D9%89). ولقد مرت على المسلمبن مراحل قاسية في الفترة المحصورة بين سنتي (1336هـ- 1917م) إلى سنة (1350هـ- 1931م)، أثر في حالة المسلمين الديموغرافية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%88%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D 9%8A%D8%A9)، فقتل الروس مئات الألوف من المسلمين الباشكير ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D9%82%D9%88%D8%B1%D8%AA%D9%88%D 8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86) والقرغيز ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%B1%D8%BA%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7) على أثر ثورتهم بعد عام (1336هـ- 1917م) ومات مليون من المسلمين الكراخ والقرغيز في مجاعات (1340هـ- 1921م)، واستشهد حوالي المليون من مسلمي قزاخستان عندما طبق الشيوعيون مبادئهم على ثروات هذه الجماعات الرعوية، وجاء الروس بمهاجرين جدد إلى المناطق الإسلامية، ويقدر بحوالي 12,792,000 روسي، وسياسة التهجير تهذف إلى استغلال ثروات المناطق الإسلامية بوسط آسيا وخفض نسبة المسلمين، ويقدر عدد المسلمين بحوالي 70 مليون نسمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
القوميات الإسلامية: ينتمي المسلمون إلى العديد من القوميات التركية وأبرز هذه الجماعات: الأوزبك ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B2%D8%A8%D9%83)- التتار ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%B1)- الكازاخ ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AE)- التركمان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%86)- الباشكير ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B4%D9%83%D9%8A%D8%B1)- القيرغيز ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D9%8A%D8%B1%D8%BA%D9%8A%D8%B2)– الكراكلياك ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9% 83%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%83&action=edit&redlink=1)– الويغور ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D9%8A%D8%BA%D9%88%D8%B1)– البلغار ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B1). ومن أبرز الجماعات التي تنتمي إلى القومية الإيرانية: الطاجيك ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D8%A7%D8%AC%D9%8A%D9%83)– الأوسيت ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A3%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%AA&action=edit&redlink=1)– الآكراد ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AF)– الفرس ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%B1%D8%B3)– البلوخ ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A8%D9%84%D9%88%D8%AE&action=edit&redlink=1)– الطوط ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%B7%D9%88%D8%B7&action=edit&redlink=1) والأنغوش ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A3%D9%86%D8%BA%D9%88%D8%B4&action=edit&redlink=1). ومن الجماعات القوقازية: التشيش- الشركس ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%B3)- الكبرديون ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D9%83%D8%A8%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D9% 88%D9%86&action=edit&redlink=1)– الأباظ ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%A7%D8% B8&action=edit&redlink=1)– الأديجا ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D9%8A%D8% AC%D8%A7&action=edit&redlink=1)– الشيشان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D9%8A%D8%B4%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%86) والأبخاز ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B2). ويتحدث المسلمون في الاتحاد السوفياتي 13 لغة تركية و8 لغات إيرانية، و15 لغة قوقازية وصينية ومنغولية. ولقد اتبع الروس سياسة تطعيم هذه القوميات بمهاجرين جدد للحد من أغلبيتها الإسلامية، ونجحت في خفض النسبة عن ذي قبل مثلما حدث في جمهورية قراخستان.
سياسة الاستيلاء على الأراضي الإسلامية: بدأت محاولات روسيا في عهد بطرس الأول ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83% D8%A8%D8%B1) لضم الأراضي الإسلامية، بدأت كمرحلة أولى منذ (1188 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1188) هـ- 1714 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1714) م) حتي سنة (1852 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1852) م)، ثم حركة الضم الثانية وكانت ضد الخانات وانتهت إمبراطورية بوغز ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A5%D9%85%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8% B7%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A8%D9%88%D8%BA%D8%B 2&action=edit&redlink=1) في سنة (1315هـ- 1897م)، وفي أثناء هذه المراحل استولي الروس على القرم سنة (1189هـ- 1783م) واستولوا على قرغيزيا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وعلى جبال القوقاز ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D9%88%D9%82%D8%A7%D8%B2) في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي وتم الاستيلاء على منطقة تركستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86) في أواخر سنة (1292هـ- 1881م). واستولت روسيا القبصرية على المنطقة القوقازية سنة (1280هـ- 1862م) وقد أمضي الروس 182 سنة في إخضاع منطقة التركستان الإسلامية.
(يُتْبَعُ)
(/)
في عهد الشيوعين: أخد السوفيات في ابتلاع المناطق الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، ففي سنة (1339 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1339) هـ- 1920 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1920) م) امتد نفودهم إلى أذربيجان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D9%86) وأصبحت جمهورية اتحادية سنة (1355 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1355) هـ- 1936 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1936) م)، وتحولت أوزبكستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B2%D8%A8%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D 9%86) إلى جمهورية اتحادية قي سنة (1341 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1341) هـ- 1924 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1924) م) وأصبحت طاجيكستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D8%A7%D8%AC%D9%8A%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D 9%86) جمهورية اتحادية في سنة (1348 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1348) هـ- 1929 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1929) م)، واتحدت تركمانستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AA%D 8%A7%D9%86) في سنة (1343 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1343) هـ-1924 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1924) م)، واتحدت كازاخستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%83%D8%A7%D8%B2%D8%A7%D8%AE%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D 9%86) في سنة (1339 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1339) هـ- 1920 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1920) م)، واتحدت قرغيزيا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%B1%D8%BA%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7) في سنة (1355 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1355) هـ- 1936 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1936) م)، واستولى السوفيات على بشكيريا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%B4%D9%83%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A7) وتتاريا ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%AA%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8% A7&action=edit&redlink=1) في سنة (1339 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1339) هـ- 1920 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1920) م)، وألغوا جمهورية القرم بعد الحرب العالمية الثانية ونقلوا معظم سكانها إلى سيبيريا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A7)، وضموا داغستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D8%A7%D8%BA%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86) في سنة (1340 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1340) هـ- 1921 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1921) م) تم ذلك في فترة تقدر بحوالي ستة عشرة سنة، بينما استغرق القياصرة 182 سنة ليبسطوا نفودهم على المناطق الإسلامية بوسط آسيا، وقد ثار المسلمون ضد حكم القيصر، ولقد ضم السوفيات مساحة واسعة من الأراضي الإسلامية في وسط آسيا وفي شرقي أوروبا، وبلغت جملتها 4,684,980 كيلومتراً يضاف إلى هذه المساحة مثلها تقريباً في شرقي سيبريا.
سياسة السوفيات في إدارة المناطق الإسلامية: اتبع السوفيات سياسة تجزئة وحدة المسلمين وتفتيتهم إلى قوميات، ودعموا قيام الشعوبية وقضوا على كتابة لغتهم بحروف عربية حتى تقضي على صلتهم بالثرات الإسلامي، ثم اتبعوا نظام التهجير من المناطق الإسلامية حتى يضعفوا من شأن الأغلبية المسلمة ويحولونهم إلى أقلية في عقر دارهم، ولقد شكلت من مناطق الأغلبية المسلمة ست جمهوريات ذات حكم فيدرالى، وفي المناطق الأخرى جمعت المناطق الإسلامية في 11 جمهورية ذات حكم ذاتي 9 منها ملحقة لجمهورية روسيا، واثنتان مع جمهورية جورجيا (أبخازيا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%A7) وأجاريا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A7))، ثم أعطت للمناطق الأقل أهمية حكما ذاتيا (أديجا والشركس) وألحقتهما بحمهورية روسيا والأوسيت الجنوبية ألحقتها بجمهورية جورجيا، وكل القادة العسكرين، ورؤساء الشرطة والأمن، ومديرو السكك الحديد والبريد والبرق والهاتف ورؤساء المؤسسات الصناعية في آسيا الوسطي روس، ولكل رئيس جمهورية ورئيس وزارة مساعدان من الروس.
(يُتْبَعُ)
(/)
الإسلام علي طريقة السوفيات: لايؤمن الشيوعيون بدين، ومن أجل هذا يحاربون الأديان. وفي سنة (1345 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1345) هـ- 1926 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1926) م) ألغيت المحاكم الشرعية في المناطق الإسلامية، وفي سنة 1946 منعت جميع الأنشطة الدينية وقبض على مليون ونصف عضو من الحركة الإسلامية، وفي سنة (1347هـ-1351هـ) وسنة (1928م – 1932م) بدأ الروس ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D9%88%D8%B3) حملة إغلاق المساجد ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF) فأغلقوا وهدموا 10,000 مسجد، وأغلقوا 14,000 مدرسة ابتدائية إسلامية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85)، وبدأت حركة مقاومة من سنة 1936 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1936) م إلى 1980 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1980) م وهدفها استعادة الهوية الإسلامية وخصوصاً القومية التركستانية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86).
التعليم: رسم السوفيات سياسة تعليمية هدفها ثتقيف جيل يدين بالولاء للنظام حتي تتحقق سيادة السوفيات على البلاد الإسلامية، كما يهدف التعليم إلى تبسيط الأيدويولوجية الماركسية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3%D9%8A%D8%A9) حتي يفهمها جميع الناس، وكذلك نشر الثقافة السوفياتية، وكان في روسيا قبل استيلاء الشيوعيين على الحكم 24,321 مدرسة إسلامية ومنذ عام (1347هـ- 1928م) استخدمت الحروف اللاتينية بدلا من الحروف العربية في التعليم داخل المناطق الإسلامية، وبعد أن ساد استخدام الحروف اللاتينية استبدلت بالحروف الروسية منذ سنة (1359هـ- 1938م) وألغيت الكتب الإسلامية التي ترجمتها الشعوب إلى لغاتها وكتبتها بالحروف العربية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D8%BA%D8%A9_%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9) ، وفي سنة (1357) قررت القيادة السوفياتية جعل اللغة الروسية ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%84%D8%BA%D8%A9_%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9) اللغة الرسمية لجميع الشعوب التي تخضع لحكمهم، وسعي السوفيات لتقويتها لتفتيت القومية الواحدة فأصبح بالاتحاد السوفياتي 70 لغة محلية، وأغلق الروس الآف المدارس الابتدائية الإسلامية و500 مدرسة عالية، ولم يبقي إلا مدرسة مي عرب ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9_%D9 %85%D9%8A_%D8%B9%D8%B1%D8%A8&action=edit&redlink=1) في بخارى ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D9%89) ومدرسة مبارك خان ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9_%D9 %85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83_%D8%AE%D8%A7%D9%86&action=edit&redlink=1) في طشقند ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D8%B4%D9%82%D9%86%D8%AF)، وكان في الأراضي الإسلامية قبل سيطرة السوفيات جامعة إسلامية، ومطبعة إسلامية طبعت مليوني كتاب، ومكاتب إسلامية، 23 دارًا للنشر والطباعة، و518 صحيفة إسلامية دورية، و196 مكتبة متخصصة في الإسلاميات، ولاتعترف السلطات السوفياتية بشهادات المعهديين الإسلاميين الموجدين الآن، هذا إلى تحريم تعليم الدين بالمدارس الحكومية واختفاء المدارس الدينية وأصبح المصدر الوحيد لتلقي قواعد الدين الإسلامي ينحصر بالوالدين.
صحوة تعليمية إسلامية: نتيجة للتغير الذي حدث في الاتحاد السوفياتي أخيرا والتسامح مع الأديان تم فتح معهدان إسلاميان في كل من مدينتي ألوفا ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D8%A3%D9%84%D9%88%D9%81%D8%A7&action=edit&redlink=1) – في بشكيريا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D9%82%D9%88%D8%B1%D8%AA%D9%88%D 8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86) وفي باكو ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%A7%D9%83%D9%88) عاصمة أذربيجان، كذلك عقدت دورة لإعداد الأئمة في القوقاز سنة 1989 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1989) م، وظهرت الدعوة إلى إعادة الكتابة بالحروف العربية في المناطق الإسلامية، كما نشط المسلمون في بناء المدارس الإسلامية في الجمهوريات الإسلامية بوسط آسيا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7)، وبدأت
(يُتْبَعُ)
(/)
محاولات جلب مطابع بالحروف العربية.
المساجد: كان عدد رجال الدين الإسلامي من أئمة ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%85%D8%A7%D9%85) ووعاظ ومقيمي الشعائر في روسيا قبل استيلاء السوفيات على السلطة في سنة (1336 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1336) هـ-1917 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1917) م) 45,339. وكان عدد المسلمين 17 مليونا. وقد تم هدم وإغلاق الآف من المساجد خلال حكم الإمبراطورية الروسية أولا ثم خلال حكم الشيوعيين ثانيا.
الإدارة الدينية: يعتبر تشكيل الإدارة الدينية الإسلامية بالاتحاد السوفياتي (سابقاً) تنظيما حكوميا، وهذا التنظيم مرتبط بوزارة الأديان ( http://ar.wikipedia.org/w/index.php?title=%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8 %A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D9%86&action=edit&redlink=1) ومقرها موسكو ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88)، ويرأس إدارة شؤون المسلمين مفتي ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%81%D8%AA%D9%8A)، ويمثل باقي المفتين مفوض من مجلس السوفيات في كل جمهورية وممثل عن وزارة الأديان، ويوجد ممثل مقيم في موسكو، ويوجد أربع إدارات للمسلمين بالاتحاد السوفياتي، إدارة مسلمي آسيا الوسطى ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3% D8%B7%D9%89) وقازاخستان ومركزها في طشقند ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D8%B4%D9%82%D9%86%D8%AF) وتتبعها جمهوريات أوزبكستان، وطاجيكستان وقرغيزيا وجمهورية التركمان، وجمهورية قازاخستان، ويتولى الشؤون الدينية في كل جمهورية من الجمهوريات السابقة قاض ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A) وهو مسؤول أمام المفتي، وذكر مفتي آسيا الوسطي أن المسلمين قد عادوا لتدوين لغلتهم بالحروف العربية، والإدارة الدينية الإسلامية الثانية هي إدارة مسلمي شمال القوقاز ومركزها في داغستان ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D8%A7%D8%BA%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86) وتشمل مناطق تشاشن وأوسيني الشمالية، والبلكار وداغستان ومناطق الأوديجا وكارتشاي والشركسى. والإدارة الدينية الثالثة هي إدارة مسلمي القسم الأوروبي وسيبريا ومركزها أوفا ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D9%81%D8%A7) في بشكيريا، والإدارة الرابعة لمسلمي ما وراء القوقاز ومقرها باكو ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D8%A7%D9%83%D9%88) عاصمة أذربيجان، وبها الإدارة الخاصة بالمسلمين الشيعة ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D8%A9).
كيف يؤدى المسلمون السوفيات شعائر دينهم؟ لقد تعامل السوفيات مع الإسلام في الجمهوريات الإسلامية السوفياتية بعنف منذ أن بسطوا نفوذهم على تلك الأراضي، فلقد بسطت الشرطة يدها على جميع نسخ القرآن الكريم وأحرقتها في الفترة من سنة (1348هـ ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1348)- 1929 (http://ar.wikipedia.org/wiki/1929) م) إلى (1355هـ ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1355)- 1936 (http://ar.wikipedia.org/wiki/1936) م)، ولقد عاون في هذا الجمعيات الإلحادية بالدعاية ضد الإسلام، واستخدمت الحكومة جميع وسائل الإعلام ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A7% D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85) لتحقيق هدفها، ففي عام (1382 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1382) هـ- 1962 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1962) م) ألقيت 23 ألف محاضرة في جمهورية أوزبكستان ضد الدين، واستخدمت دور السينما ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7) والإذاعات لمحاربة الدين وتشويه صورة المسلمين الذين يذهبون للمساجد أو يصومون رمضان أو يحتفلون بالأعياد الإسلامية وأسس الشيوعيون اتحاد الملحدين منذ سنة 1342 ( http://ar.wikipedia.org/wiki/1342) هـ، ومنع الحجاج من الذهاب إلى بيت الله الحرام ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF_%D8%A7%D9%84% D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85)، وكان عدد الحجاج قبل السوفيات حوالي 35 ألفا، ووصل عددهم في حكم السوفيات 15 أو 20 حاجا. وفي سنوات كثيرة لايصل حجاج من السوفيت. ومنع السوفيات الصلاة
(يُتْبَعُ)
(/)
( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A9) والصوم ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%88%D9%85) والحج ( http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%AC) بحجة أن هذا يؤثر على اقتصاد المجتمع السوفياتي، فأصدر رجال الدين فتاوي تنسجم مع أهداف السوفيات ولا يؤثر على الاقتصاد السوفياتي، فقد أباحت للمسلم أن يجمع الصلاة مرة واحدة في اليوم، ويصوم يوما واحدا في رمضان، وقد أصدرت السلطات أمراً بمنع ذبح الأضاحي ولو كانت ملكا خاصا بحجة الأضرار الاقتصادية، اما الحج فقد وضعت معوقات عديدة لعدم تمكين المسلمين من الحج".
ويفهم بكل وضوح مما كتبه أبو زيد فى الفصل الثانى من كتابه: "مفهوم النص" أن الإسلام فى نظره لم ينزل من السماء، بل خلقته الظروف والحاجات الأرضية، وأن محمدا إنما هو امتداد للحنفاء ليس إلا، وأن الدين الذى جاء به ما هو إلا استجابة لحاجات المجتمع العربى مثلما كانت حركة الحنفاء دون زيادة أو نقصان. ولنقرأ نص كلام أبو زيد فى ذلك الفصل، مع ملاحظة أنه لم يخطئ هنا أو فى أى كتاب آخر وقع فى يدى من كتبه فيصلى على النبى عليه السلام، بل نادر جدا أن يقول عنه غير "محمد"، هكذا مجردةً: "لقد كان محمد، المستقبِل الأول للنص ومبلّغه، جزءا من الواقع والمجتمع. كان ابن المجتمع ونتاجه: نشأ فى مكة يتيما، وتربى فى بنى سعد كما كان يتربى أترابه فى البادية. تاجر كما يتاجر أهل مكة. سافر معه وشاركهم حياتهم وهمومهم. وحين أراد بعض الأعراب أن يعاملوه معاملة الملوك بعد البعثة رفض. وحين رأى أعرابيا ترتعد فرائصه وهو يستعد للقائه هدّأ روعه وقال قولته المشهورة: إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة. هذا ما يحكيه التاريخ عن الرجل والإنسان الذى شاء الفكر الدينى السائد قديما وحديثا أن يحوله إلى حقيقة مثالية ذهنية مفارقة للواقع والتاريخ، حقيقة لها وجود سابق على وجودها الإنسانى العيانى المادى. وشاء هذا الفكر فى أشد مزاعمه إنسانية أن يجعل منه إنسانا مغمض العينين معزولا عن المجتمع والواقع، يعيش هموما مفارقة مثالية ذهنية حتى حوله هذا الفكر إلى إنسان خال من كل شروط الإنسانية ...
إن الواقع الذى ينتمى إليه محمد ليس بالضرورة هو الواقع السائد المسيطر. فالواقع، أىّ واقع كان، يحتوى فى داخله وفى بنائه الثقافى نمطين من القيم: النمط السائد المسيطر، ونمط القيم النقيض الذى يكون ضعيفا خافت الصوت، لكنه يسعى لمناهضة نمط القيم السائد. وليس هذان النمطان من القيم إلا تعبيرا عن قوى اجتماعية وعن صراعات اقتصادية واجتماعية. لم يكن محمد ينتمى فى هذا الواقع إلى الواقع المسيطر بنمط القيم السائد فيه. لذلك يصدق عليه وصف السيدة خديجة حين كانت تهدئ من روعه بعد التجربة الأولى لعملية الاتصال/ الوحى وما تلاها من خشيته على نفسه أن يكون به مرض أو مس من الشيطان: "كلا. أبشر. والله ما يخزيك الله أبدا. إنك لتصل الرحم، وتَصْدُق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتَقْرِى الضيف، وتعين على نوائب الحق". إن هذه الأوصاف كلها أوصاف للأخلاق المتعدية للغير، أى أخلاق التعامل مع البشر فى الواقع اليومى. إن حب الخلاء والتحنث فى غار حراء لم يكن انعزالا عن حركة الناس فى الواقع، وإنما كان طقسا يمارسه آخرون إلى جانب محمد وقبله. هؤلاء الآخرون هم الأحناف ...
لم يكن محمد معزولا عن هذه الحركة الفكرية التى لا يمكن أن تقوم على مجرد اللقاء العارض بين مجموعة من الأفراد. (وبعد أن يورد أبو زيد رواية عن لقاء زيد بن عمرو بن نفيل والنبى تظهر تشدده فى النفور من ذبائح الأوثان، فى الوقت الذى لم يكن النبى، حسبما فهم أبو زيد، متشددا كل هذا التشدد، وهو ما أخالفه فيه أشد المخالفة، إذ ليس فى الرواية أن اللحم الذى قُدِّم لزيد كان قد ذبح للأصنام فعلا أو أن النبى هو صاحب الطعام أو أنه أكل منه، يقول:) إن المشكلة (أىْ مشكلة البحث عن السبب فى أن زيدا رفض تناول الطعام، ولم يرفضه النبى عليه السلام) لا تحلها هذه الافتراضات الكثيرة لأنه ليست هناك مشكلة اصلا. لقد كان زيد بن عمرو مبالغا فى مفارقة قومه والبحث عن دين إبراهيم. ومحمد، وإن كان باحثا ايضا عن دين إبراهيم، دين الحنيفية، لم يكن على مثل تشدد زيد وإدانته لواقعه ومجتمعه. (ثم مرة أخرى بعد أن يورد أبو زيد كلاما لزيد بن عمرو
(يُتْبَعُ)
(/)
يعلن فيه تمسكه دون قومه بدين إبراهيم يقول:) هل كان هذا الشيخ الصارخ فى البرية داعيا إلى دين إبراهيم صوتا فى فلاة أم كان تجسيدا لنزوع ما لاتجاه جديد فى رؤية العالم فى هذه الثقافة؟ وهل كان محمدٌ الإنسانُ ابنُ واقعه ومجتمعه إلا جزءًا من هذا الاتجاه الجديد النقيض للاتجاه السائد فى المجتمع والفكر على السواء؟
لكن لماذا العودة إلى دين إبراهيم؟ ولماذا لم يكن فى اليهودية والمسيحية ما يكفى للإجابة عن هذه الأسئلة الحائرة التى كانت تعذب هؤلاء الأفراد من العرب؟ الحقيقة أن هذه الأسئلة لم تكن مجرد صرخات فى فلاة، بل كانت تجسيدا لنزوع ما لاتجاه جديد فى رؤية العالم وضرورة تغييره. وكانت هذه الأسئلة بمثابة البحث عن "أيديولوجية" للتغيير، ولم يكن لهذا البحث أن يتجاوز الآفاق المعرفية للجماعة التاريخية، وهى آفاق تحكمها طبيعة البنى الاقتصادية والاجتماعية لهذه الجماعة. لقد كان البحث عن دين إبراهيم فى حقيقته بحثا عن الهوية الخاصة للعرب، وهى هوية كانت تهددها مخاطر عدة. أهم هذه المخاطر هو الخطر الاقتصادى النابع من ضيق الموارد الاقتصادية التى تعتمد على المطر والعشب من جهة، وعلى التجارة من جهة أخرى. وقد أوشكت حياة الصراع والتناحر والحروب بين القبائل، وكلها حروب وصراعات ذات جذور اقتصادية، أن تؤدى إلى القضاء على الحياة ذاتها. وزاد من حدة هذه الأزمة واستعار خطرها أن الجزيرة العربية كانت محاصرة بالقوى الأجنبية من كل جانب ...
وسط هذه المخاطر كان ثمة إحساس بضرورة التوحد: التوحد على المستوى الداخلى لضمان بقاء الحياة فى هذه الظروف الاقتصادية الخطرة، والتوحد لمواجهة الخطر الخارجى الذى أوشك على القضاء على الهوية. وقد عبر هذا الإحساس الغامض عن نفسه فى مجموعة من التطورات أهمها بالنسبة لتحقيق الهدف الأول تحديد مجموعة من الشهور يحرم فيها القتال. وقد كان ذلك أقرب إلى الاتفاق للحفاظ على وسائل الإنتاج من الدمار الكامل. فكانت التجارة تزدهر فى هذه الشهور، وتقام الأسواق والاحتفالات الدينية. وكثيرا ما كانوا يغيّرون هذه الشهور أو يؤجّلون بعضها بالنسىء، الذى نهى عنه القرآن بعد ذلك، طبقا لمصالح القبيلة ذات السطوة والسيطرة. ولمواجهة الخطر الثانى، خطر العدو الخارجى، فمما له دلالته فى هذا الصدد أن القبائل العربية استطاعت لأول مرة أن تتوحد لمحاربة الفرس وحققت انتصارا عليها فى واقعة ذى قار. وهو انتصار تجاوبت أصداؤه فى أركان الجزيرة العربية كلها، واحتفظ لنا الشعر حتى الآن بهذه الأصداء. وهذه الواقعة تؤكد ذلك الإحساس الغامض بضرورة الوحدة لمواجهة خطر العدو الخارجى.
إذا كانت هذه هى الأخطار فلا بد أن تكون "الأيديولوجية" التى كان يبحث عنها هؤلاء الأفراد من العرب أيديولوجية تحقق الهدفين: مواجهة الصراعات الداخلية وعوامل التفتيت بكل ما يؤدى إليه ذلك من سيطرة الأقوى، ومواجهة الخطر الخارجى المتمثل فى أعداء العرب من الفرس والروم. ومن الطبيعى ألا تحقق المسيحية، وهى أيديولوجية مطروحة، أحد هذين الهدفين، فقد كانت دينا غازيا معتديا، ولم يكن لليهودية أن تجتذب العرب، وقد كان أحبارها يتَعَالَوْن عليهم وينظرون إليهم بوصفهم بدوا رعاة. هذا بالإضافة إلى أن اليهودية دين مغلق عنصرى لا يتقبل الوافدين الجدد. كانت الأيديولوجيتان الدينيتان المطروحتان غير ملائمتين لتحقيق أهداف ذلك الوعى أو الإحساس الغامض الذى كانت تحكمه صرخات هؤلاء المتحنفين أو المتحنثين ...
كان البحث عن "دين إبراهيم" إذن بحثا عن دين يحقق للعرب هويتهم من جهة، ويعيد نظيم حياتهم على أسس جديدة من جهة أخرى. وكان الإسلام هو الدين الذى جاء يحقق هذه الأهداف. وليس من قبيل التأويل الأيديولوجى أن نقول إن الإسلام بهذه المثابة، ومن حيث هو دين يرد نفسه للحنيفية ملة إبراهيم، كان تجاوبا مع حاجة الواقع، وهى الحاجة التى عبر عنها الأحناف، وكان محمد واحدا منهم. وليس الحديث إذن عن محمد بوصفه المتلقى الأول للنص حديثا عن متلقٍّ سلبىّ، بل حديث عن إنسان تجسدت فى داخله أحلام الجماعة البشرية التى ينتمى إليها، إنسان لا يمثل ذاتا مستقلة منفصلة عن حركة الواقع، بل إنسان تجسدت فى أعماقه أشواق الواقع وأحلام المستقبل" (ص67 - 74).
(يُتْبَعُ)
(/)
إن التحليل الماركسى بمفاهيمه ومقولاته ومصطلحاته واضح أشد الوضوح، فالدكتور يعزو كل شىء إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية، ولسانه يلهج بمصطلحات "البنية التحتية" و"وسائل الإنتاج" و"الأيديولوجية" ... ولا أظن القارئ محتاجا من هذه الناحية إلى أن أضيف شيئا إلى ما قرأ، فهو مستغن بنفسه عن الشرح والتوضيح. ولكن يمكننا مع ذلك أن نلاحظ خلو كلام الحنفاء من الحديث عن العرب والأخطار التى تتهددهم من الداخل ومن الخارج على السواء، فقد كان كلامهم محصورا فى الوعظ العام وتوجيه الأنظار إلى الدلائل الكونية والدعوة إلى التوحيد، ثم لا شىء آخر، فلا حديث عن صراعات قبلية ولا احتلال حبشى ولا تهديد فارسى أو رومى قط. كما أن القرآن يخلو من هذه الموضوعات. بل إنه لا وجود فيه من أوله إلى آخره للعرب أو حتى لاسمهم، فضلا عن أن يكون لهم على صفحاته أى وضع متميز على الإطلاق. والكلام فيه إنما هو عن البشرية كلها، على عكس العهد القديم مثلا، الذى يدور كله على بنى إسرائيل وكأنهم هم الدنيا بأسرها فلا توجد أمة سواهم. كما تكرر فيه النص على أنه عليه الصلاة والسلام مبعوث إلى العالمين أجمعين فى كل زمان ومكان: "قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ" (الأنعام/ 90)، "وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ" (يوسف/ 104)، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء/ 107)، "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا" (الفرقان/ 1)، "قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ* إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ" (ص/ 86 - 87)، "وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ* وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ" (القلم/ 51 - 52)، "إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ" (التكوير/ 27)، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (سبأ/ 28).
وبالمثل نجد فى الحديث هذه النصوص التى تدل بأجلى بيان على أن رسالته صلى الله عليه وسلم هى للناس كافة، وليست للعرب وحدهم كما يزعم الملتاثون الذين فى قلوبهم مرض ويحسبون أنهم قادرون على التخفى بمرضهم، وهيهات: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم عز وجل واحد. ألا وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربي على عجمي. ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى. ألا قد بلغت؟ قالوا: نعم. قال: ليبلِّغ الشاهدُ الغائب"، "أُعْطِيتُ خمسا لم يُعْطَهُنّ أحد من الأنبياء قبلي: نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلَتْ لي الأرض مسجدا وطَهُورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغنائم، وكان النبي يُبْعَث إلى قومه خاصة، وبُعِثْتُ إلى الناس كافة، وأُعْطِيتُ الشفاعة"، "كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى أبرويز ملك فارس يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس. سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. أدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حَيًّا ويحقَّ القول على الكافرين. أسلم تَسْلَم، فإن أَبَيْتَ فعليك إثم المجوس"، ومن رواية أبى سفيان: "انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فينا أنا بالشأم إذ جيء بكتاب من النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل. قال: وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيمُ بُصْرَى، فدفعه عظيمُ بُصْرَى إلى هرقل. قال هرقل: هل هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقالوا: نعم. قال: فدُعِيتُ في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا. فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه فقال: قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كَذَبني فكذِّبوه. قال أبو سفيان: وايم الله لولا أن يُؤْثِروا
(يُتْبَعُ)
(/)
عليّ الكذب لكذبت. ثم قال لترجمانه: سَلْهُ كيف حَسَبُه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه مَلِكٌ؟ قال: قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم. قال: يزيدون أو ينقصون؟ قال: قلت: لا بل يزيدون. قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال: قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قال: قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت: تكون الحرب بينا وبينه سجالا، يصيب منا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها. قال: والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه. قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قلت: لا. ثم قال لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه فيكم، فزعمت أنه فيكم ذو حسب. وكذلك الرسل تُبْعَث في أحساب قومها. وسألتك: هل كان في آبائه ملك، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلتُ: رجل يطلب ملك آبائه. وسألتك عن أتباعه: أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم. وهم أتباع الرسل. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمتَ أنْ لا، فعرفتُ أنه لم يكن ليَدَعَ الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله. وسألتك: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ فزعمت أنْ لا. وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب. وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون. وكذلك الإيمان حتى يتم. وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالا، ينال منكم وتنالون منه. وكذلك الرسل تُبْتَلَى، ثم تكون لهم العاقبة. وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنه لا يغدر. وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك: هل قال أحد هذا القول قبله؟ فزعمت أنْ لا. فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله، قلت: رجل ائتم بقول قيل قبله. قال: ثم قال: بم يأمركم؟ قال: قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف. قال: إن يَكُ ما تقول فيه حقا فإنه نبي. وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أَكُ أظنه منكم. ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه. ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه. وليبلغن مُلْكُه ما تحت قدمي. قال: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، فإذا فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم. سلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فاني أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك اثم الأريسيين. و"يا أهل الكتاب تعالَوْا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ... إلى قوله: اشهدوا بأنا مسلمون". فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط، وأمر بنا فأُخْرِجْنا. قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر ابن أبي كبشة. إنه ليخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الاسلام ... "، "ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يُعِزّ الله به الإسلام، وذلا يُذِلّ الله به الكفر".
أما تفسير أبو زيد لحركة الحنفاء التى كانت تدعو إلى الرجوع لدين إبراهيم تفسيرا ماركسيا اقتصاديا وقوله إنهم كانوا يعملون على التوحد لمواجهة الأخطار الاقتصادية المبيرة للعرب وما يتصل بهذا من تحديد العرب مجموعة من الشهور يمتنعون فيها عن القتال للحفاظ على وسائل الإنتاج الاقتصادى من الدمار الكامل، مما كان من نتيجته ازدهار التجارة فى هذه الشهور (مفهوم النص/ 73، 74، 79)، فأقل ما يوصف به أنه كلام فارغ. ذلك أن الحنفاء، كما رأينا، لم يكونوا يبحثون عن وحدة عربية، بل كانوا مجرد منكرين للوثنية. وهذه الوثنية، على العكس مما يقوله أبو زيد، كانت توحد العرب على دين واحد. ولم نسمع أن أيا من الحنفاء قد دعا إلى تلك الوحدة الموعومة، بل كان كل ما يصنعونه هو وعظ الناس وعظا عاما ثم لا شىء بعد ذلك. كما أن رحلتى اليمن والشام إنما كانتا تتمان فى الشتاء والصيف (على الترتيب)، ومعروف أن الفصول الأربعة من شتاء وصيف وربيع وخريف إنما تتبع التقويم الشمسى لا القمرى، الذى كانت تجرى عليه العرب فى تنظيم الأشهر الحرم كما هو
(يُتْبَعُ)
(/)
معلوم. ولا أظننا بحاجة إلى التدليل على أن الشتاء والصيف يستغرقان ستة أشهر باعتبارهما نصف العام، على حين أن الشهور الحرم تستغرق أربعة فقط، علاوة على أن الأشهر الحرام الأربعة ليست متصلة، ومن ثم لم تكن كافية لتأمين الرحلتين على أى وضع حتى لو توافقت وشهور الرحلتين: توافقا دائما (بأن يكون التقويمان واحدا: شمسيا أو قمريا) أو كل عدة عقود. وهو ما يدل على أن كلام الباحث هو كلام منهار بطبيعته. أما الكلأ والماء فلا علاقة لتوفرهما أو لشحهما بحرب أو سلم، أو أشهر حرام أو أشهر حلال، فالأمطار لن تتوقف أو تهطل طبقا للحرب أو السلم وغير ذلك من الأسباب الاجتماعية أو السياسية، بل لأسباب مناخية طبيعية. ولكيلا أترك بابا لعُشّاق المراء أقول إن نصر أبو زيد قد أكد مرارا وتكرارا أن الحنفاء، بما فيهم النبى طبعا، كانوا يبحثون عن دين إبراهيم. فهل كان على "أجندة" إبراهيم (وأرجو أن يتسامح معى القارئ فى استخدام تلك الكلمة الأجنبية هذه المرة من نفسى)،هل كان من "أجندته" توحيد العرب؟ بس خلاص!
ويدعى د. نصر أبو زيد أيضا (ص77 من "مفهوم النص") أن كلمتى "رَبٌّ" (أى الإله) وخَلَق (بمعنى الإيجاد من العدم) كلمتان قرآنيتان جديدتان، إذ كان معنى "الرب" قبلا هو صاحب الشىء، ومعنى "خَََلََق" هو صمم الشىء وقدّره قبل تنفيذه لا أوجده من عدم بعد أن لم يكن موجودا. وهذا غير صحيح، فكلمة "رب" فى الشعر الجاهلى موجودة بهذا المعنى، كقول الأسود بن يعفر النهشلى:
أقول لما أتاني هُلْكُ سيدنا * لا يبعد الله رب الناس مسروقا
وقول الفِنْد الزّمّانى:
فَاخْسَأَوا لَيسَ لَكُم بَيتٌ عَلى * مِثلِنا اللَهُ لَهُ رَبٌّ وَجارُ
وقول حاتم الطائى:
سَقى اللَهُ رَبُّ الناسِ سَحّا وَديمَةً * جَنوبَ السَراةِ مِن مَآبٍ إِلى زُغَر
وزيد بن عمرو بن نُفَيْل:
أَرَبّا واحِدا أَم أَلفَ رَبٍّ * أَدينُ إِذا تَقَسَّمَتِ الأُمورُ
وقول شتيم بن خويلد الفزارى:
لا يُبْعِدِ اللَهُ رَبُّ العِبا دِ وَالمِلحِ ما وَلَدَت خالِدَه
وقول عبد بن مالك النعمان:
يا رَبُّ أنتَ على الأنام مُسَلِّطٌ * لو شئْتَ أضحَوْا هامِدينَ جُمودا
وقول عروة بن الورد:
قَليلٌ ذَنبُهُ وَالذَنبُ جَمٌّ * وَلَكِن لِلغِنى رَبٌّ غَفورُ
وقول لقيط بن شيبان:
إِذا ما اِمرؤٌ أَهَدى لِمَيتٍ تَحِيَّةً * فَحَيّاكَ رَبُّ الناسِ عَنّي أَدهَمُ
وقول ميثاء المجاشعية:
يا ربّ ربَّ البيت والحُجّاجِ
وفى القرآن الكريم: "ولئن سالتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله"، وقد تكررت مرات، مما يدل على أنهم كانوا يعرفون أن "خلق" تعنى أوجد من العدم وأنها، بهذا المعنى، خاصة بالله سبحانه: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" (العنكبوت/ 61)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (لقمان/ 25)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ" (الزمر/ 28)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ" (الزخرف/ 9). وكان زيد بن عمرو يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل من السماء ماءً وأنبت لها من الأرض نباتا ثم تذبحونها على غير اسم الله! إنكارا لذلك وإعظاما له".
وفى شعر الجاهلية ورد هذا الفعل بهذا المعنى كقول حذيفة الهذلى:
أَلا يا فَتىً ما نازَلَ القَومَ واحِدا * بِنَعمانَ لَم يُخلَق ضَعيفا مُثَبَّرا
وقول عدى بن زيد:
أَلا مَن مُبلِغُ النُعمانِ عَنّي * عَلانِيَةً فَقَد ذَهَبَ السِرارُ
بِأَنَّ المَرءَ لَم يُخلَق حَديدًا * وَلا هَضبا تَرَقّاهُ الوَبارُ
وقول قس بن ساعدة الإيادى:
الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي * لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثْ
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى ذات الكتاب نراه ينفى أن يكون للقرآن وجود فى اللوح المحفوظ طبقا لما جاء فى سورة "البروج": "بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22) ". صحيح أن بعض علمائنا القدامى قد تجاوزوا حدود العقل البشرى حين قالوا إن كل حرف من القرآن فى ذلك اللوح يمائل فى الضخامة جبل قاف، مما أعطى د. نصر الفرصة كى يسخر من الفكرة كلها، وكان عليه أن يميز بين ما قاله القرآن فى هذا الموضوع وما قاله أولئك العلماء، الذين هم فى نهاية المطاف بشر، فكلامهم مجرد اجتهاد لا يلزمنا أن نخر عليه موافقين بالضرورة. وما داموا لم يَرَوْا ذلك اللوح المحفوظ، وما دام القرآن قد سكت عن هذا التفصيل، وسكت عنه الرسول، فلماذا يقحمون أنفسهم فى أمر من أمور الغيب الذى لا نعلمه نحن ولا هم؟ يقول الدكتور: "ولا شك أن هذه الزيادات والإضافات قد ساهمت مع ما سبقت الإشارة إليه من تصورِ وجودٍ خطىٍّ سابقٍ للنص فى اللوح المحفوظ، كل حرف بقدر جبل قاف، فى تكريس تصور للنص يتباعد به عن الواقع الذى أنتجه، والثقافة التى تشكل من خلالها إلى هذا التصور الذى يجعل النص معطًى سابقًًا كاملاً مكتملا فُرِض على الواقع بقوة إلهية لا قِبَل للبشر بها. وكان من شأن هذا التصور أن يؤدى إلى عزل النص عن حركة الواقع تدريجيا، وذلك بتحويله من نص لغوى دالّ إلى مجرد شىء مقدس، إلى مصحف يستمد قداسته من مجرد وجوده تمثيلا لأصله القديم الماثل فى عالم الأرواح والمثل" (ص76).
وهذا الكلام يتعارض تعارضا مع القرآن وحديثه عن اللوح المحفوظ. والواقع أن د. نصر قد تورط بهذه الطريقة فيما أخذه على بعض العلماء القدامى، إذ أقحم نفسه هو أيضا فيما لا قِبَل له ولا لنا به، وإلا فهل اطلع سيادته على الغيب وتحقق من أن القرآن لا يقول الحق وأنه لا وجود لذلك اللوح المحفوظ فى الواقع؟ وعلى أية حال فلا مشكلة بتاتا فى هذا اللوح المحفوظ، إذ هو سبحانه فوق الزمان والمكان، بل هو خالقهما، فكيف يقيدانه عز وجل؟ وإذا كنا نحن نعيش داخل هذين القفصين فإن الله سبحانه متعالٍ عليهما لأنه خالقهما، فليس هناك بالنسبة له قبلٌ ولا بَعْدٌ. والقول بأن القرآن منتج ثقافى كلام غير مقبول، فنحن لسنا فى مصنع ينتج النصوص الدينية، بل هو كلامه عز وجل. فالقرآن، وإن ظهر لنا فى التاريخ تدريجيا، ليس كذلك بالنسبة إلى الله، وإلا كنا قد حولناه سبحانه وتعالى بهذه الطريقة إلى بشر محصور فى الزمان والمكان لا يظهر أى شىء من الأشياء له إلا قليلا قليلا مع مرور الوقت، إلى أن يتم تشكيله فيراه كاملا لأول مرة مثلنا بالضبط. فهل هذا مما يليق به سبحانه، وهو الأزلى الأبدى الذى لا تحد وجوده ولا علمه ولا قدرته ولا إرادته أية حدود، زمانية كانت هذه الحدود أو مكانية أو ... أو ... ؟ ولقد كان القدماء، ولا نزال نحن أيضا كلنا، اللهم إلا نصر أبو زيد وأمثاله، نؤمن باللوح المحفوظ ولا نرى القرآن منتجا ثقافيا، بل نؤمن بأنه كلام الله، نزل من السماء على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ومع هذا فلم يحوله القدماء إلى شىء يتبركون به، وكفى، بل وضعوه موضع التنفيذ من أول وهلة، فكانت تلك الانبعاثة الحضارية التى ليس لها مثيل فى التاريخ، مما يكذّب كل ما قاله د. نصر تكذيبا. ثم فلنفترض أن العرب قد رفضوا القرآن الكريم ولم يؤمن به أحد منهم البتة، أيتصور الكاتب أنه ما كان ليكون للقرآن وجود؟ ألن تنزل الآيات حينئذ على النبى عليه السلام رغم ذلك فتكون حجة على الكافرين؟ وهل سيكون القرآن عندئذ قد فُرِض على الواقع بقوة إلهية؟ إن هذا إنما يكون لو أن الله عز فى علاه أكره الناس على الإيمان بكتابه دون أن يقتنعوا بصحته وبصدق النبى الذى أتاهم به، وهو ما لم يقع، وما كان ليقع، إذ ليس من مبادئ الإسلام فرض الإيمان على أحد، بل من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[09 Aug 2010, 04:37 ص]ـ
نصر أبو زيد
أغلاط ومغالطات
(2)
د. إبراهيم عوض
(يُتْبَعُ)
(/)
أما فيما يتعلق بما قاله د. نصر أبو زيد عن الإمام الشافعى فى الطبعة الأولى من كتابه عن ذلك الإمام الجليل من أنه كان يتعاون مع الأمويين وأنه قد تولى عملا لهم فى اليمن، مما جعله أضحوكة الكتاب والنقاد المحققين ووضعه عن حق فى مرمى سهامهم، فقد عاد إلى تناول هذا الموضوع فى كتابه: "التفكير فى زمن التكفير" (ط2/ مكتبة مدبولى/ 1995م/ ص171) قائلا بمداورته المعهودة: "ولعل هذا يضطرنا للرد على الضجة الإعلامية الزائفة التى وجدت فى خطإ طباعى فى الكتاب نكتة تقيم الدنيا ولا تقعدها حيث تحولت كلمة "العلويين" إلى "الأمويين" فى صفحة كاملة. ورغم أن هذا خطأ لا يقع فيه تلميذ بليد كما أقر الجميع ورغم أن الصفحة التالية لصفحة الأخطاء تلك تتحدث عن نفور الشافعى من النظام العباسى، خاصة من المأمون، فإن ذلك لم يلفت النظر لأن العين الناظرة لا تقرأ ولا تفهم بل تتصيد. ولم يتنبه المهاجمون إلى أن هذا الخطأ الطباعى المصوَّب فى ثبت التصويبات فى آخر الكتاب لم يتوقف عند إمامهم الأعظم عبد الصبور شاهين لأن النسخة التى كانت بين يديه كانت مصححة باليد علاوة على ثبت التصويبات فى آخر الكتاب.
تنبه بلتاجى وأشار إليه لا على أنه خطأ طباعى بل على أنه "جهل" من الباحث. وقامت جريدة "الشعب" بدور "الطبال" فى الزفة، وعنها نقل مصطفى محمود وعنه نقل محمد الغزالى ... وهلم جرا. ثم كانت ثالثة الأثافى "محمد جلال كشك"، الذى راح على مدى خمس مقالات فى "أكتوبر" يعيد ويزيد، ويرغى ويزبد، ويؤلب العامة والخاصة رحمه الله وغفر له. وكان ذلك كله دليلا على إفلاس المتهجمين ودلالة على قدر عقولهم وقدراتهم. هكذا صار هذا الخطأ الطباعى دليلا على تدنى المستوى العلمى للباحث وهبوطه بحيث صار قرار الجامعة بعدم الترقية قرارا صائبا حكيما فى نظر الحكماء من المتاجرين بالإسلام.
ليست ميول الشافعى للعلويين سرا من الأسرار، وليس انحيازه للقرشية والعروبة مما يقدح فى شخص الإمام، لكن المؤكد أن ذلك كله يمثل عناصر "أيديولوجية" فى الخطاب تحتاج للتحليل كشفًا عن بنية هذا الخطاب لإعادة زرعه فى التاريخ بعد أن انفصل عنه، واكتسب بعض الملامح الإطلاقية والقداسة. والدلائل التى يقدمها الكتاب من داخل خطاب الشافعى تتجاوز مسألة قبوله للعمل، بل وسعيه إليه، مع بعض الولاة ممن لهم توجهات قويبة من توجهات الإمام. والمعروف أن الدولة العباسية تقاربت مع العلويين فى مرحلة نشأتها وتثبيت أركانها، وذلك على أساس الانتساب المشترك إلى "البيت النبوى"، فلم يكن الأمر يحتاج لقيام دولة "علوية" لكى يقبل الإمام العمل فيها كما توهم المرحوم جلال كشك. والدلائل التى يقدمها الكتاب على انحيازه الشافعى للقرشية والعروبة عموما عديدة ... " (ص171 - 172).
هذا ما قاله نصر أبو زيد. وقبل أن أبدأ التعليق على هذا الكلام أود أن ألفت النظر إلى أن الطبعة الأولى من كتابه عن الإمام الشافعى، وهى أمامى الآن، تخلو تماما من أية تصويبات على عكس ما يقول د. نصر. والآن علينا أن نرجع إلى ما كان قد كتبه فى الكتاب المذكور فى طبعته الأولى. فماذا قال؟ لنقرأ معا: "لكن أهم صور التعبير عن انحياز الشافعى للقرشية أنه الفقيه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع الأمويين مختارا راضيا، خاصة بعد وفاة استاذه الإمام مالك بن أنس (179هـ)، الذى كان له من الأمويين موقف مشهود بسبب فتواه بفساد بيعة المكره وطلاقه. وموقف الإمام أبى حنيفة (150هـ) الرافض لأدنى صور التعاون معهم رغم سجنه وتعذيبه يكشف إلى أى حد بلغ رفض الفقهاء لعصبية ذلك النظام ولممارساته القمعية ضد جماهير المسلمين إلا أن يكونوا من مؤيديه وأنصاره بشكل مباشر. سعى الشافعى، على عكس سلفه أبو حنيفة وأستاذه مالك، إلى العمل مع الأمويين، فانتهز فرصة قدوم والى اليمن إلى الحجاز وجعل بعض القرشيين يتوسطون له عنده ليلحقه بعمل، فأخذه الوالى معه وولاه عملا بنجران. وإذا كان موقف مالك وأبى حنيفة من النظام العباسى لم يختلف كثيرا عن موقفهم من الأمويين فإن الشافعى كره منهم تخليهم عن "العروبة"، التى كانت سمة بارزة للنظام الأموى، واستنادهم إلى "الفارسية"، الأمر الذى يبرز لنا النزوع العصبى عند الإمام ويفسر لنا الدفاع السابق عن نقاء النص، ونقاء اللسان العربى من ثم، من آفة الدخيل الوافد من
(يُتْبَعُ)
(/)
الألفاظ. ومما له دلالة فى هذا الصدد أن رحيل الشافعى إلى مصر تلا استيلاء المأمون على السلطة بعد صراعه الدامى مع أخيه الأمين، وهو الصراع الذى وجدت فيه الشعوبية الثقافية والفكرية تعبيرها العسكرى. تولى المأمون السلطة سنة 198هـ، ورحل الشافعى إلى مصر سنة 199هـ، وكان اختيار مصر بالذات لأن واليها فى ذلك الوقت كان قرشيا هاشميا" (الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية/ ط1/ دار سينا للنشر/ 1992م/ 16 - 17).
ولسوف نأخذ بعذر نصر أبو زيد ونستبدل كلمة "العلويين" بـ"الأمويين" لنرى كيف تستقيم الأمور: "لكن أهم صور التعبير عن انحياز الشافعى للقرشية أنه الفقيه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع العلويين مختارا راضيا، خاصة بعد وفاة استاذه الإمام مالك بن أنس (179هـ)، الذى كان له من العلويين موقف مشهود بسبب فتواه بفساد بيعة المكره وطلاقه. وموقف الإمام أبى حنيفة (150هـ) الرافض لأدنى صور التعاون معهم رغم سجنه وتعذيبه يكشف إلى أى حد بلغ رفض الفقهاء لعصبية ذلك النظام ولممارساته القمعية ضد جماهير المسلمين إلا أن يكونوا من مؤيديه وأنصاره بشكل مباشر. سعى الشافعى، على عكس سلفه أبى حنيفة وأستاذه مالك، إلى العمل مع العلويين، فانتهز فرصة قدوم والى اليمن إلى الحجاز وجعل بعض القرشيين يتوسطون له عنده ليلحقه بعمل، فأخذه الوالى معه وولاه عملا بنجران. وإذا كان موقف مالك وأبى حنيفة من النظام العباسى لم يختلف كثيرا عن موقفهم من العلويين فإن الشافعى كره منهم تخليهم عن "العروبة"، التى كانت سمة بارزة للنظام العلوى، واستنادهم إلى "الفارسية"، الأمر الذى يبرز لنا النزوع العصبى عند الإمام ويفسر لنا الدفاع السابق عن نقاء النص، ونقاء اللسان العربى من ثم، من آفة الدخيل الوافد من الألفاظ. ومما له دلالة فى هذا الصدد أن رحيل الشافعى إلى مصر تلا استيلاء المأمون على السلطة بعد صراعه الدامى مع أخيه الأمين، وهو الصراع الذى وجدت فيه الشعوبية الثقافية والفكرية تعبيرها العسكرى. تولى المأمون السلطة سنة 198هـ، ورحل الشافعى إلى مصر سنة 199هـ، وكان اختيار مصر بالذات لأن واليها فى ذلك الوقت كان قرشيا هاشميا".
وهذه هى ملاحظاتنا على النص بعد تغييره على النحو الذى يريده نصر أبو زيد ليخرج من الورطة العلمية المخزية: ترى متى كان لمالك بن أنس فتوى ضد العلويين تتعلق بفساد بيعة المكره وطلاقه؟ فليدلنا عليها أحد. ثم كيف يغضب العلويون من مثل هذه الفتوى، وهى لا تضرهم فى شىء، إذ لم يكن لهم سلطان البتة: لا سلطان قائم على الإكراه ولا سلطان مستند إلى الشورى؟ بالعكس لقد كانت مثل هذه الفتوى فى مصلحتهم لأن كثيرا من المسلمين كانوا يتعلقون بالعلويين، لكنهم يخشون من إبداء مشاعرهم ومواقفهم تجاههم كما هو معروف. كذلك هل كان للعلويين سلطان فى اليمن جعل الشافعى يوسط أحدهم كى يعينوه فى منصب فى دولتهم هناك؟ طبعا لا. إذن فلا يمكن أن يكون الأمر سهوا كما يزعم الدكتور نصر. ويقول النص أيضا بعد تغييره إلى الوضع الذى يريده نصر أبو زيد: "وإذا كان موقف مالك وأبى حنيفة من النظام العباسى لم يختلف كثيرا عن موقفهم من العلويين فإن الشافعى كره منهم تخليهم عن "العروبة"، التى كانت سمة بارزة للنظام العلوى". ومعنى هذا أن العلويين كان لهم نظام كما يقول النص بكل وضوح. أى أنهم كانوا فى عصر الشافعى ذوى سلطان ودولة، وهو كلام متهافت لا يمكن أن يستقيم ولو لفيمتو ثانية. وفوق ذلك فالذين كانوا يتجهون اتجاها عروبيا ثم جاء العباسيون بعدهم فقربوا الفرس منهم وتوارت العروبة فى عهدهم تدريجيا إنما هم الأمويون، وهذا معروف لا نكران له ولا مراء فيه.
على أننا لن نكتفى بذلك فحسب، بل سوف نضيف إلى ذلك إيراد النص كما أصلحه الدكتور نصر أبو زيد فى الطبعة الثانية لنرى كيف أصلحه، وهل أصلحه طبقا لما ادعى أنه كان عليه فى الأصل أو لا. وهذا كلامه فى هذا الموضوع فى الطبعة الثانية التى صدرت سنة 1996م: "لكن أهم صور التعبير عن انحياز الشافعى للقرشية أنه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع السلطة السياسية مختارا راضيا، خاصة بعد وفاة أستاذه الإمام مالك بن أنس (179هـ)، الذى كان له من الأمويين موقف مشهود بسبب فتواه بفساد بيعة المكره وطلاقه. وموقف الإمام أبى حنيفة (150هـ) الرافض لأدنى صور
(يُتْبَعُ)
(/)
التعاون معهم رغم سجنه وتعذيبه يكشف إلى أى حد بلغ رفض الفقهاء لعصبية ذلك النظام ولممارساته القمعية ضد جماهير المسلمين إلا أن يكونوا من مؤيديه وأنصاره بشكل مباشر. سعى الشافعى، على عكس سلفه أبى حنيفة واستاذه مالك إلى العمل مع الحكام، فانتهز فرصة قدوم والى اليمن إلى الحجاز وجعل بعض القرشيين يتوسطون له عنده ليلحقه بعمل، فأخذه الوالى معه وولاه عملا بنجران. وإذا كان موقف مالك وأبى حنيفة من النظام العباسى لم يختلف كثيرا عن موقفهم من الأمويين فإن الشافعى تعاون معهم، وإن كره منهم تخليهم عن "العروبة"، التى كانت سمة بارزة للنظام الأموى، واستنادهم إلى الفارسية، الأمر الذى يبرز لنا النزوع العصبى عند الإمام ويفسر لنا الدفاع السابق عن نقاء النص، ونقاء اللسان من ثم، من آفة الدخيل الوافد من الألفاظ. ومما له دلالة فى هذا الصدد أن رحيل الشافعى إلى مصر تلا استيلاء المأمون على السلطة بعد صراعه الدامى مع أخيه الأمين، وهو الصراع الذى وجدت فيه الشعوبية الثقافية والفكرية تعبيرها العسكرى. تولى المأمون السلطة سنة 198هـ، ورحل الشافعى إلى مصر سنة 199هـ، وكان اختيار مصر بالذات لأن واليها فى ذلك الوقت كان قرشيا هاشميا".
وهنا نلاحظ ما يقوله نصر أبو زيد من أن "أهم صور التعبير عن انحياز الشافعى للقرشية أنه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع السلطة السياسية مختارا راضيا، خاصة بعد وفاة أستاذه الإمام مالك بن أنس"، مستبدلا "السلطة السياسية" بـ"الأمويين". ومعنى هذا أن زعمه أنه فى كل مرة يستعمل فيها كلمة "الأمويين" إنما كان يقصد "العلويين" هو زعم كاذب، وإلا فلماذا لم يقل إنه الوحيد من فقهاء عصره الذى تعاون مع العلويين؟ لقد قال بدلا من ذلك إنه الوحيد الذى تعاون مع السلطة السياسية، ومعروف أن العلويين فى ذلك الوقت لم يكن لهم سلطة سياسية بتاتا. فما معنى ذلك سوى أن الرجل يقول أى كلام، والسلام؟ كما نراه يضع العباسيين فى بعض مواضع النص إزاء الأمويين لا إزاء العلويين طبقا لما كان ينبغى أن يفعل حسب كلامه. وفوق هذا فما زال نصر أبو زيد يقول إن لمالك بن أنس من الأمويين موقفا مشهودا بسبب فتواه بفساد بيعة المكره وطلاقه، علاوة على تأكيده أن الإمام أبى حنيفة كان رافضا لأدنى صور التعاون معهم رغم سجنه وتعذيبه. وهذا وذاك غير صحيحين، إذ إن هذين الأمرين قد تما فى عصر العباسيين لا الأمويين، وهو ما لا يجهله أحد ممن له أدنى صلة بالتاريخ الإسلامى. فأما فتوى مالك فمتعلقة بخروج محمد بن عبد الله المعروف بـ"النفس الزكية" على أبي جعفر المنصور، وأما سجن أبى حنيفة وتعذيبه فلأنه رفض تولى منصب القضاء لذلك الخليفة. والسبب فى وقوع كل هذه الأخطاء من نصر أبو زيد ابتداء وبعد التصحيح هو أن الأمر مضطرب لديه أشد الاضطراب، ومن ثم لم يتمكن من إحكام التصحيح الذى اقترحه هو لا سواه، فعدل كلمة أو كلمتين، ولم يستطع أن يبصر الاضطراب فى فكرته كلها فترك كثيرا من الآثار التى تدل على هذا الاضطراب. ثم إن ربط أبو زيد بين ذلك وبين أموية الشافعى المزعومة، إذ كان الأمويون ينزعون منزعا عروبيا على عكس العباسيين، الذين اعتمدوا فى نجاح ثورتهم ضد الأمويين على الفرس، إنما يدل على أن أبوزيد يقصد فعلا الأمويين، ولم يكن الأمر سهوا منه أو غلطة مطبعية من الناسخ كما زعم، وبخاصة أن كلمتى "الأمويين" و"العلويين" متباعدتان لا يمكن أن يخلط الناسخ بينهما أبدا.
ولكى تكتمل الصورة سوف أنقل هنا ما قاله محمد جلال كشك رحمه الله عن هذا الموضوع فى المناظرة التى تمت بينه وبين الدكتور نصر أبو زيد فى إحدى الفضائيات الأمريكية والتى توفى بأزمة قلبية أثناءها. قال كشك موجها كلامه للمذيع، وأنا أنقل هذا الكلام عن موقع كشك نفسه الذى أنشأه باسمه المهندس محمد إلهامى: "الدكتور أبو زيد تقدم للترقية لدرجة أستاذ بكتابين وعدة أبحاث. من هذين الكتابين كتاب صغير عن الإمام الشافعي ودوره في إثبات الوسطية. وهذا الكتاب قائم على فكرة أن الإمام الشافعي متعصب للعروبة وللقرشيين، وقال: إن أهم ما يؤكد تعصب الشافعي للعروبة أنه تعاون مع الأمويين وألح حتى عينهالأمويون واليا على نجران. عُرِض الكتاب على لجنة الترقية: البعض وافق، والبعض اعترض علي ترقيته. عُرِض الأمر على مجلس الجامعة، وهناك
(يُتْبَعُ)
(/)