ويرى البعض أننا نجد لمحات من دراسة الغرب في كتاب أسامة بن منقذ الاعتبار الذي تناول فيه جوانب من حياة الصليبيين فوصف طباعهم وأخلاقهم وتحدث عن مزاياهم وعيوبهم. ومن أطرف ما ذكره في هذا الكتاب مسألة العلاقة بين الرجل والمرأة وضعف الغَيْرة من الرجال على النساء بل لعلها تكون معدومة أحياناً. فلا يرى الرجل بأساً أن تتحدث زوجه مع رجل أجنبي وقد تختلي به بل هو الذي يتركها مع الرجل الأجنبي ويطلب إليها أن لا تتأخر مثلاً.
ونحن اليوم في حاجة إلى معرفة الغرب. ولعل بداية دراسة الغرب كانت فيما نقله رفعت رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وغيرهما عن أوروبا وكان من أبرز ما اهتم الاثنان به النظام السياسي الغربي القائم على الانتخاب والحريات السياسية. كما اهتم الاثنان بجوانب من الحياة الاجتماعية في الغرب وعلاقة الرجل بالمرأة. وكانت تلك النظرة التي ظهرت في كتابات التونسي والطهطاوي في وقت كانت قوة الغرب في عنفوانها وكان العالم الإسلامي يقاسي من ويلات التخلف فلا بد أن يصاب هؤلاء بالانبهار بالنموذج الغربي وإن كانا قد حاولا أن يربطا المحاسن الغربية (في نظرهم) بما في الإسلام.
وقد تجددت الدعوة لدراسة الغرب في منتصف هذا القرن في أحد مؤتمرات المستشرقين الدولية فقد أشار رودي بارت في كتابه المهم الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية (ص15) إلى أهمية أن يتوجه العالم الإسلامي لدراسة الغرب أسوة بما يفعله الغرب في دراساته للعالم الإسلامي. وقد تناول هذا الموضوع الدكتور السيد محمد الشاهد في خطة علمية قدمها لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1414ونشر موجزاً لها في صحيفة (مرآة الجامعة) ثم ظهر كتاب الدكتور حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب) وإنني أحب أن أقتطف منه عبارة عن أهداف دراسة الغرب جاء فيها أن من أهداف دراسة الغرب:" فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر بتحويله إلى ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس مهمته القضاء على الإحساس بالنقص أما الغرب لغة وثقافة وعلماً ومذاهب ونظريات وآراء…"
ومما يؤكد على أهمية دراسة الغرب أن الغرب قد استطاع أن يبني حضارة ومدنية هي السائدة في أرجاء العالم اليوم وقد تردد منذ كتابات طه حسين (مستقبل الثقافة في مصر) ولطفي السيد وغيرهما أن المسلمين لكي ينهضوا كما نهض الغرب أن يتخلوا عن خصوصياتهم وهويتهم ويلتحقوا بالغرب ويأخذوا بالحياة الغربية خيرها وشرها. وإن كان طه حسين قد تراجع عن مثل هذه الأفكار حيث لم يُعد طباعة كتابه (مستقبل الثقافة .. ) وقد سئل ذات مرة فقال: ذاك كتاب قديم.
كيف ندرس الغرب؟
لابد من التخطيط الفعّال في هذه القضية إن أردنا أن ننجح حقاً في التعرف إلى الغرب والإفادة من المعطيات الإيجابية للحضارة الغربية. ويحتاج هذا الأمر إلى عشرات اللجان في العديد من الجامعات العربية والإسلامية لوضع الخطط اللازمة لهذه الدراسات. ولكن حتى يتم ذلك لا بد من التفكير في الطريقة المثلى لهذه الدراسات. واذكر هنا أن الولايات المتحدة كانت قد بدأت فيها دراسة الاستشراق منذ بداية القرن التاسع عشر ولكنها بعد الحرب العالمية الثانية وجدت نفسها مضطرة لتحل محل بريطانيا في الشرق الأوسط أو في البلاد العربية الإسلامية، ووجدت نقصاً إن لم يكن عجزاً في الكوادر المؤهلة لفهم العالم العربي الإسلامي، فأصدرت الحكومة الأمريكية مرسوماً لتمويل عدد من المراكز لدراسة اللغة العربية والتركية والفارسية والأوردو ودراسات الأقاليم أو دراسة المناطق.
وبعد البدء في برامج اللغات العربية استعانت الجامعات الأمريكية بعدد من أساتذة الجامعات البريطانيين بخاصة والأوروبيين بعامة لتدريس الاستشراق في الجامعات الأمريكية كما بدأت الاستعانة ببعض أبناء المنطقة لإنشاء أقسام دراسات الشرق الأدنى كما فعلت جامعة برنستون حينما كلّفت فيليب حِتّي لإنشاء القسم في الجامعة. ثم بدأ التعاون بين أقسام دراسات الشرق الأوسط والمؤسسات العلمية الأخرى مثل مؤسسة الدراسات الاجتماعية والإنسانية وغيرها من المؤسسات العلمية والأكاديمية. وما زالت أكثر من عشرين جامعة أمريكية تحصل على دعم الحكومة الفيدرالية في مجال
(يُتْبَعُ)
(/)
الدراسات العربية الإسلامية لتمسكها ببرنامج يلبي احتياجات الحكومة الأمريكية.
وفي العالم الإسلامي يكاد لا ينقصنا دراسة اللغات الأوروبية ولكننا بحاجة إلى من يتعلم هذه اللغات ليصل إلى مستوى رفيع في التمكن من هذه اللغات وبالتالي الدراسة في الجامعات الغربية والتركيز على قضايا الغرب وليس لدراسة موضوعات تخص العالم الإسلامي. فنحن بحاجة إلى من يعرف الأدب الغربي كما يعرفه مثلاً البروفيسور إدوارد سعيد الذي استطاع التعمق في فهم العقلية الغربية من خلال دراسة آدابهم. كما أننا بحاجة إلى من يتعمق في علم الاجتماع الغربي ليتعرف على مجتمعاتهم كأنه واحد منهم. ولم تعد هذه المسألة صعبة فإن في الغرب اليوم كثير من المسلمين من أصول أوروبية وأمريكية ويستطيعون التعرف على بيئاتهم معرفة حقيقية ولا يعوقهم شيء في التوصل إلى المعلومات التي يرغبون في الحصول عليها.
ولا بد من التأكيد على أن دراستنا للغرب يجب أن تستفيد من البلاد التي سبقتنا في هذا المجال ومن ذلك أن عدداً من البلاد الأوروبية قد أنشأت معاهد للدراسات الأمريكية فهناك معهد الدراسات الأمريكية تابع لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن، كما أن جامعة مونتريال فيها معهد للدراسات الأمريكية وكذلك في ألمانيا. وقد أنشأت باكستان معهداً للدراسات الأمريكية.
ودراستنا للغرب لا شك ستختلف عن دراسة الغرب لنا: ذلك أن الغرب بدأ الاستشراق فيه منطلقاً من توجيهات وأوامر البابوات لمعرفة سر قوة المسلمين وانتشار الإسلام في البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية.
وكان القصد ليس فقط معرفة الإسلام والمسلمين ولكن كانت أيضاً لهدفين آخرين:
- أحدهما: تنفير النصارى من الإسلام،
- والثاني إعداد بعض رجال الكنيسة للقيام بالتنصير في البلاد الإسلامية.
وبعد هذه البداية ظهرت أوروبا الاستعمارية فكان لا بد أن يواكبها أو يسبقها معرفة بالبلاد التي يراد استعمارها فتكون لدى الغربيين أعداد من الخبراء بالعالم الإسلامي ساهموا في تثبيت دعائم الاستعمار. وانحسرت الموجة الاستعمارية ولكن الغرب مازال حريصاً على استمرار نفوذه في العالم الإسلامي ليسهّل عملية وصول المواد الخام للبلاد الغربية وإعادتها بضائع مصنعة لترويجها في العالم الإسلامي. فلا بد من تغيير أنماط الحياة الاجتماعية في هذه البلاد والمحافظة على أنماط معينة من السلوك لتظل بلادنا أسواقاً مفتوحة لبضائعهم ومنتجاتهم إلى ما شاء الله.
أما نحن فحين نريد دراسة الغرب ومؤسساته وهيئاته:
- فأولاً: نحن بحاجة للأخذ بأسباب القوة المادية التي وصلوا إليها أليس في كتابنا الكريم ما يؤكد هذا (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم). فكما يسعى الأمريكيون مثلاً للتعرف على الإدارة اليابانية وسر قوة الإنتاج والتقدم السريع لليابان فإننا أيضاً بحاجة إلى أن نعرف أسباب القوة لديهم. كما انهم استطاعوا تطوير آليات تطبيق الأنظمة في حياتهم في مجال الإدارة والصناعة والاقتصاد وفي التعليم وفي الثقافة.
- والأمر الآخر: أننا حين ندرس الغرب فليس لدينا تطلعات استعمارية فما كان المسلمون يوماً استعماريين وكم يعجبني رأي محمد جلال كشك في كتابه (ودخلت الخيل الأزهر) في الدفاع عن الدولة العثمانية بأنها لم تكن ولا يمكن أن توصف بأنها دولة استعمارية وأتي بالأدلة والشواهد على ذلك. ولكننا نريد أن نحمي مصالحنا ونفهم طريقة عملة الشركات المتعددة الجنسيات التي ابتدعها الغرب وأصبحت أقوى نفوذاً من كثير من الحكومات.
- والأمر الثالث وله أهميته الخاصة: وهو أن هذه الأمة هي أمة الدعوة والشهادة فإن كان الأنبياء قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يُكَلّفون بدعوة أقوامهم فإن الدعوة الإسلامية موجهة إلى العالم أجمع وقد كلّف المسلمون جميعاً بحمل هذه الأمانة {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن}، وجاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (نضّرَ الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها فربّ مُبَلّغٍ أوعى من سامع أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، وهذه الرسالة الخاتمة ليست نظاماً عقدياً فحسب بين العبد وربه كما هو الأمر في النصرانية التي يزعم أتباعها أن عيسى عليه السلام قال (دعوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)، ولكنها نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي وأخلاقي وفكري. ونحن أمة الشهادة فكيف لنا أن نشهد على الناس دون أن نعرفهم المعرفة الحقيقية.
ولن يكون علم الاستغراب لتشويه صورة الغرب في نظر العالم ذلك أننا ننطلق من قوله تعالى (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله) وقد جاء في الأمر بالعدل ولو كان أولى قربى أو الوالدين …ولنا أسوة في ذلك ما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم بقوله:" إنّ فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرّة وخيرهم لمسكين ويتيم وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك".
فمتى ينشأ علم الاستغراب؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[11 Apr 2009, 10:37 م]ـ
وهذه مقالة أخرى لم أقرأها كلها حول الموضوع:
الإسلام والآخر .... رؤية في علم الاستغراب
محمد فتحي النادي
بعد انكسار الآخر (الغرب) إثر الحروب الصليبية -التي امتدت على فترة من الزمان قاربت مائتي عام؛ حيث ابتدأت الحملة الأولى عام 1096م، والأخيرة انتهت عام 1270، وتم جلاء الصليبيين النهائي عام 1291م، وقف مع نفسه وقفة متأنية حاول من خلالها تقويم أعماله الحربية وجدواها في محاولته سحق الإسلام أو حتى إضعاف شكوته، فوجد الحقيقة التي تجلت أمامه أن الفارق كبير بينه وبين الشرق من ناحية الرقي الحضاري والتقدم العلمي، فشعر بضرورة الاستفادة من التقدم الشرقي في كافة المناحي والمجالات.
ولم يمض وقت طويل حتى عقد مؤتمر فيينا الكنسي بين عامي 1311 - 1312م، وكان "من أهم قراراته: إنشاء كرسي للغة العبرية والعربية في معظم جامعات أوروبا، فتأسس كرسي اللغة العربية في روما على نفقة الفاتيكان، وفي باريس على نفقة ملك فرنسا، وفي أكسفورد على نفقة ملك إنجلترا، ويعتبر كثير من المؤرخين لحركة الاستشراق أن هذا المؤتمر هو البداية المنظمة وشبه الرسمية للاستشراق، وما كان قبل ذلك إنما كان بمثابة الإرهاص لميلاد هذه الحركة، وتبع ذلك انتشار المدارس والمعاهد الاستشراقية المعنية بدراسة الشرق وعلومه الإسلامية بصفة خاصة".
وهذا معناه أن الآخر (الغرب) ازداد عنده الوعي ونما، واستشعر ذاته، فعمل على تغذيتها بآخِر ما توصل إليه العلم، والذي كان العرب والمسلمون أربابه.
ثم جاء السقوط الكبير المدوي للقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية في يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى 857هـ / 29مايو 1453م فزاد من فزع الآخر (الغرب)، مما جعله يُعجِّل من خطاه ليواجه الإسلام الذي بات يسكن معه في عقر داره بعد أن كانت المناوشات بينهما تدور في أراضٍ بعيدة عن موطنه، ورأى أن القوة العسكرية في هذه الظروف لا تنفع فلجأ إلى دراسة الإسلام من كل جوانبه متلمسًا جوانب القوة وكاشفًا عن مواطن الضعف.
وشاءت إرادة الله أن تدب في العالم الإسلامي إبان النهضة في الغرب أمراض الأمم والشعوب، فتخلى عن قيادته للعالم، وحدث تبادل لمواقع القيادة بين العالم الإسلامي والآخر (الغرب)، فلقد كان العالم الإسلامي هو الهادي للبشرية في حيرتها الروحية، وكان آخذًا بزمام العقل، وإمامًا للتفكير العلمي السليم، وهذا يعني أن حضارته كانت حضارة متوازنة شاملة، معنية بالروح والمادة معًا، لا تضخم جانبًا وتهمل الآخر، ولكن حدث قصور في فهم المسلمين ونظرتهم للحياة أدى بهم إلى اعتزال قيادة البشرية.
وفي هذه الأثناء هب (الآخر) الغرب من رقدته التي تطاولت على مدى قرون، نافضًا عنه غبار الجهل والتخلف حتى تحولت عجلة الحضارة من الشرق مولية وجهها نحو الغرب، وترك العالم الإسلامي عرشه الذي كان متوجًا عليه ليحل محله (الآخر) الغرب.
وقد ساعده على ذلك الدراسة العميقة للإسلام من خلال المستشرقين الذين وضعوا الإسلام وشعوبه تحت المبضع، فما تركوا حاجة أو داجة من شئونهم إلا أحصوها وحللوها؛ فدرسوا العقائد واللغات والآداب والفنون، حتى العادات والتقاليد.
لقد رسموا صورة واضحة في أذهانهم عن كيفية التعامل مع الإسلام وشعوبه، وعندئذٍ هجم الغرب علينا متسلحًا بأسلحة كثيرة ومتنوعة من علمية وعسكرية وثقافية ... إلخ، فتمكن منا واحتل أراضينا وكذلك عقولنا، وعمل على مسخ هويتنا وذاتيتنا وثقافتنا وحضارتنا، وإحلال ثقافته وحضارته محلها، وذلك من خلال أشياعه من بني جلدتنا الذين انبهروا بحضارته إجمالاً، فاستمرءوا تبعيته، وأصبحوا أبواقًا له، لا يصدرون إلا عن أوامره، ولا يفكرون إلا من خلال رؤيته، فيما سمي بعملية التغريب.
تلك العملية التي حاول الآخر (الغرب) من خلالها أن نكون ذيولاً له، فاقدين لخصائصنا الحضارية، وأن ندور في فلكه، وأن تكون له المركزية الحضارية.
ولكن الأمة الإسلامية قاومت هذا التذويب المتعمد للشخصية، وعملت على التمسك بقيمها وثوابتها.
هذه هي "عملية الوعي بالذات"، ولكن تبقى "عملية الدفع"، أي: الدفع بعجلة التقدم للنهوض الحضاري من جديد. هذا الدفع الحضاري يحتاج إلى عاملين أساسيين:
(يُتْبَعُ)
(/)
الأول: التمسك بالقيم والمبادئ والثوابت والتصورات والأطر الإسلامية العامة.
الثاني: الانفتاح على الآخر للاستفادة بمنجزاته الحضارية التي لا تخالف تصوراتنا العقدية ولا تصطدم معها، وليس معنى ذلك النقل فقط عنه، ولكن تجاوز ذلك بالبناء عليه والإبداع الخلاق.
وهذا يتم -من وجهة نظري، وقد سبقني إلى ذلك أعلام كبار- من خلال ما اصطلح عليه "علم الاستغراب"؛ فهذا العلم "هو الوجه الآخر المقابل بل والنقيض من "الاستشراق"؛ فإذا كان الاستشراق هو رؤية الأنا (الشرق) من خلال الآخر (الغرب)، يهدف "علم الاستغراب" إذن إلى فك العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر، والجدل بين مركب النقص عند الأنا ومركب العظمة عند الآخر".
وقد "نشأ علم الاستغراب occidentalism في مواجهة التغريب westernization الذي امتد أثره ليس فقط إلى الحياة الثقافية وتصوراتنا للعالم، وهدد استقلالنا الحضاري".
وقد ظهرت إرهاصاتٌ لهذا العلم، ولكن "لم تقم حتى الآن حركة نقد له إلا في أقل الحدود بمنهج الخطابة أو الجدل، دون منهج النقد ومنطق البرهان".
فنحن في حاجة ماسة لتعميق هذا العلم، وإيجاد الكوادر العلمية المتخصصة فيه في كافة التخصصات، والتي تجعل من الآخر ذاتًا مدروسة بعد أن ظلت لفترة طويلة ذاتًا دارسة لنا، فخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، بحيث نجعل علومهم في ميزان النقد والتمحيص، ولا قدسية لفكرة بشرية.
وللقيام بذلك على الوجه الأكمل ندعو لتضافر الجهود؛ حيث تضيع الجهود ويتأخر الإثمار إذا كان القائمون على ذلك فرادى، فنحن نريد مؤسسات ترعاها الدول العربية والإسلامية، وكذلك المنظمات الكبرى كمنظمة المؤتمر الإسلامي، أو جامعة الدول العربية؛ فالعمل المؤسسي يكون أجدى وأفضل، وحتى يصب العلم وتوصياته مباشرة في دائرة صنع القرار، وبذلك يتضافر العلم مع السلطة من أجل إنهاض هذه الأمة من جديد، ودفعها لقيادة ركب الأمم.
ونؤكد على أن هذا لا يتم بين عشية وضحاها، ولكنه يحتاج إلى حسن تخطيط، وطول نفس فما انهار في قرون لا يُقام في عقود، ويحتاج كذلك إلى دراسة واعية من دارسين على أعلى المستويات من التحكم في الأدوات العلمية من معرفة بلغات الآخر، وطرق تفكيره، إلى جانب إخراج هذا العلم وهذه المعطيات من بين جدران الجامعات ودور البحث العلمي ومعاهده إلى الفضاء الثقافي العام حتى يعم نفعه الجميع.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[12 Apr 2009, 01:12 ص]ـ
الأخ الكريم الدكتور عبد الرحمن الشهري
لقد أصبتَ تصوُّر السؤال فأحسنت الجواب
وكنتُ توقعتُ عدة أمور مما يعنيه صاحب السؤال، فاخترتُ ما يناسب المفسرين من المعنى المتداول بينهم، وقلتُ: إن يكنه فالحمد لله إذ هداني لبعض البيان. وإلا فالحمد لله الذي جعل في هذه الأمة مَنْ يوجه إلى الصواب.
وبالله التوفيق.
ـ[سارة الماجد]ــــــــ[12 Apr 2009, 08:56 م]ـ
جزاك الله خيرا أخ منصور لكن فعلا لم أقصد ماذكرت
إنما أقصد ماذكره الأخ عبد الرحمن الشهري
وإن كان بالإمكان أخ عبد الرحمن تزويدي ببيانات المقالات التي أوردتها لان الموضوع موضوعاً بحثياً
وإحالتي على مصادر وكتب أخرى تتكلم عن الإستغراب والإستشراق وإن كان بالإمكان وضعها هنا وأتمنى أن تكون من الكتب القديمة نسبياً والتي لاتحيل على كتب أخرى
وأردت السؤال عن كتاب مازن مطبقاتي (الإستشراق) هل يباع في الأسواق لاني لم أجده على الشبكة العنكبوتية
وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم(/)
هل ضاع شيء من القرآن بقتل القراء يوم اليمامة؟
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[12 Apr 2009, 04:16 م]ـ
هل ضاع شيء من القرآن بقتل القراء يوم اليمامة؟
بسم الله والحمد لله ..
يتناقل النصارى شبهة مفادها أن استفحال القتل بقراء القرآن يوم اليمامة كان من نتيجته ذهاب كثير من القرآن ..
ودليلهم هو ما أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف:
حدثنا عبد الله، حدثنا أبو الربيع قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال:
بلغنا أنه كان أنزل قرآن كثير، فقتل علماؤه يوم اليمامة، الذين كانوا قد وعوه، ولم يعلم بعدهم ولم يكتب، فلما جمع أبو بكر وعمر وعثمان القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم، وذلك فيما بلغنا حملهم على أن يتتبعوا القرآن، فجمعوه في الصحف في خلافة أبي بكر خشية أن يقتل رجال من المسلمين في المواطن معهم كثير من القرآن فيذهبوا بما معهم من القرآن، فلا يوجد عند أحد بعدهم، فوفق الله تعالى عثمان، فنسخ ذلك الصحف في المصاحف، فبعث بها إلى الأمصار، وبثها في المسلمين.
(أبو بكر بن أبي داود، كتاب المصاحف، حديث 81)
استشهد بهذا الأثر الكاثوليكي يوسف حداد في كتابه (الإتقان في تحريف القرآن) وعلق بقوله:
هذه هي قصة الجمع الأول للقرآن على أيام أبي بكر وبأمر من عمر وكما أوردتها كتب ومراجع القوم.
انتهى الاقتباس بعد تصحيحه لغويًا.
وكذلك البروتستانتي جون جيلكرايست في كتابه (جمع القرآن) وقال:
لا يمكن تجاهل كون هذا الحديث يستعمل أسلوب النفي بوضوح: "لم يعلم"، "لم يكتب"، "لم يوجد" تأكيد ثلاثي على أن هذه الأجزاء من القرآن التي كان يحفظها قراء اليمامة فقدت بدون رجعة.
قلتُ: هذا الأثر انفرد ابن أبي داود بتخريجه وهو باطل عقلاً ونقلاً ..
أما من جهة النقل فصاحب الأثر ابن شهاب الزهري يقول: بلغنا ..
فهذا الأثر من بلاغاته، ومعلوم أن بلاغات الزهري حكمها الضعف سندًا لأنه قد سقط من إسنادها اثنان أو أكثر ..
وبلاغات الزهري ليست بشيء كما هو الحال في مرسلاته؛ فهي شبه الريح – أي: لا أساس لها بمنزلة الريح لا تثبت ..
قال يحيى القطان:
مرسل الزهري شر من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكلما يقدر أن يسمي سمى؛ وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه
(ابن رجب، شرح علل الترمذي 1/ 284)
فإذا كان هذا حال المرسل؛ فكيف يكون حال البلاغ؟
أما من جهة العقل فهو باطل لعدة أمور:
أولها:
أن القراء الذين قتلوا إنما أخذوا القرآن عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وأمثالهما ..
وهؤلاء الأئمة كانوا باقين ..
أو أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد أقرأه وحفظه عنه عثمان وأبي وعبد الله وغيرهم من الحفاظ ..
وهؤلاء لم يقتلوا فيمن قتل باليمامة ..
الأمر الثاني:
أنه لا يجوز في مستقر العادة أن يتفق الموت والقتل بأي وجه كان لجميع من كان يحفظ الذاهب من القرآن مع بقاء الحافظين لغيره ..
كأن يتفق قتل جميع من يحفظ سورة مريم، وبقاء من يحفظ سورة الكهف ..
وهذا لا يجوز في وضع العادة .. !
كما لا يجوز هلاك كل من يحفظ شعر جرير، وبقاء من يحفظ شعر الفرزدق ..
أو خروج المسلمين للجهاد والغزو فيقتل كل الحنابلة ويبقى الشافعية ..
أو انطلاق جيوش حلف الأطلنطي للحرب فيهلك جميع الإنجليز ويبقى الأمريكان ..
كل هذا باطل ممتنع في مستقر العادة ..
كذلك لا يجوز مقتل جميع من حفظ شيئًا من كتاب الله تعالى مع بقاء الحافظين لغيره ..
الأمر الثالث:
أنه لا بد في وضع العادة ومستقرها أن يتحدث الباقون من الأمة بأنه قد ذهب قرآن كثير ..
لأن علم ذلك لا بد أن يكون مشهورًا عند باقي الأمة وإن كانوا لا يحفظون الذاهب على ترتيبه ونظامه وتعينه ..
كما يعلم أهل كل بلد ما حولهم من البلاد وإن لم يزوروها أو يعاينوها ..
فترى سكان مدينة بنها يعلمون بوجود بني سويف وإلمنيا والأقصر ..
وقاطنو حي المعادي بالقاهرة يعلمون بوجود بولاق وإمبابة والكيت كات ..
كذلك يعلم طبيب الأمراض الباطنة عن تخصصات جراحة الأوعية الدموية أو جراحة العمود الفقري وإن لم يلم بها أو يحترفها ..
كذلك يعلم جميع المسلمين أن من حفظ من الروم إلى الناس لم يحفظ القرآن كله ..
وأن من حفظ عشرين آية من سورة البقرة لم يحفظها بأكملها ..
هذا لأنهم يعلمون القرآن بجملته وإن كانوا له غير حفاظ ..
وإذا كان الأمر كذلك وجب أنه لو سقط شيء من القرآن لمقتل من يحفظه أن يعلم الباقون من الأمة بذلك ..
وأن يتحدثوا به حديثًا لا يمكن معه الجهل بما ضاع من القرآن ..
ولو وقع ذلك لوجب أن يتسع ذكره وأن ينقل عنهم ويستفيض وينتشر ..
وفي علمنا عدم وقوع ذلك دليل على بطلان هذه الدعوى ..
وإذا كان ذلك كذلك، ثبت أنه لا يجوز عقلاً ضياع شيء من القرآن وذهابه على الأمة بوجه من الوجوه التي عددناها ووصفناها ..
وبالله التوفيق.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[17 Apr 2009, 05:19 م]ـ
حياكم الله يادكتور
لقد اشتقت إليكم، فعهدي بكم بعيد.
أسأل الله أن يلهمني وإياك الحجة، وأن يجعلنا من أنصار دينه.
ردٌّ موفق بلا شكَّ، غير أن عندي ملاحظة في الردِّ الأول المعتمد على النقل، وهو من قولكم (أما من جهة النقل فصاحب الأثر ابن شهاب الزهري يقول: بلغنا .. )، وأرجو أن يسمح جنابكم الكريم بإبدائها، وهي:
أن المتكلم لا يعتقد ما نعتقده، وليست مراجعنا هي المقنعة له، ولا طريقتنا في نقد الآثار كذلك، فكوني أقول له: (هذا بلاغ، وقال فلان من علمائنا كذا)، فإني أظنُّ أن هذا لا يصلح للرد تأسيسًا، وإنما يكون تأنيسًا، ولو سرتم بالرد العقلي كما فعلتم بعد ذلك = لكان أولى ـ في نظري ـ من انصباب الردِّ على الجانب النقلي الذي نتفق عليه أنا وأنت ومن هو على ديننا.
ولو جعلتم المسألة عقلية، ثم ثنَّيتم بالجانب النقلي = لكان أقوى في الردِّ، ولك أن تقول له: أو كل قولٍ يرد على هذه الشاكلة يُقبل عندك؟ ّ
فإن كان يقبلُ عنده جئنا له بأقوال من يرى بشرية عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ من النصارى، كما هو الحار في الراهب نسطوروس وغيره، أفتراه يقبل هذا؟!
فإن كنا نعلم يقينًا أنه لن يقبل، فنقول له: إن لكل قومٍ ميزان في قبول الأخبار، وهذا الخبر لا تقوم عندنا به حجة، وقد قال علماؤنا ... ثم نسوق النظر النقلي الذي ذكرتموه.
أرجو منكم أن توجهوني بما لكم من الخبرة في هذا المجال، والله يحفظكم.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[18 Apr 2009, 01:27 ص]ـ
جزاكم الله خيراً , والرد في الأمر الثاني طريف طريف.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[18 Apr 2009, 02:23 م]ـ
الأساتذة الكرام حفظهم الله،
كلام جميل، وأستأذن في إضافة حتى لا تلتبس الإجابات السابقة على البعض:
1. علم أصول الحديث هو علم عقلي يهدف إلى التحقق من صدق الحادثة التاريخية، ومن هنا يمكن إلزام الخصم به، وعلى وجه الخصوص عند تضعيف الرواية. فإذا كان الكتابي لا يقر بعدالة الصحابة مثلاً فليس بإمكانه أن يقول بعدالة من ثبت نفي عدالته. وإذا شَككَ في ضبط الضابط فليس بإمكانه أن يُثبت صفة الضبط لمن عرف بكثرة أوهامه.
3. فعلم أصول الحديث خصوصية إسلامية من حيث النشأة، ولكنه ليس خصوصية إسلامية من حيث كونه حجة عقلية.
2. ابن شهاب لا يقول بفقدان شيء من القرآن الكريم. ولو كانت الرواية عنه صحيحة لبلغنا عنه ما يُشعر بصدق الرواية.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[18 Apr 2009, 05:32 م]ـ
جزاكم الله خيرًا على تعقيباتكم النافعة ..
وكلام فضيلة الشيخ مساعد الطيار جد وجيه ..
وكان من الممكن صوغه في صورة أخرى كأن أقول مثلاً أن الزهري لم يباشر جمع القرآن ..
وإنما هو قد نقل رواية بلغته عن أحدهم دون أن يسميه ..
فالرواية غير مضمونة حتى نعلم من نقل هذا الخبر ونعلم درجته من الصدق وضبط الأخبار ..
فلا يمكن الوثوق بمثل هذه رواية إلا بعد تحقيق وتدقيق شديد ..
وعند التحقيق والتدقيق نجدها لا تصمد .. !
أما الكلام على طريقة المحدثين فقد لا يستوعبه النصراني ولا يقدر جدواه ..
بل ربما يخرج بانطباع أن المسلمين ينكرون الروايات الموجودة في كتبهم ..
أما كون الزهري لا يقول بفقدان شيء من القرآن فهو حق لا مراء فيه ..
إنما الرواية صحيحة إليه سندًا كما ذكر الدكتور محب الدين واعظ محقق كتاب المصاحف لابن أبي داود ..
وعلى أية حال فالرواية واهية ساقطة الاعتبار حتى أن أحدًا لم يأبه لنقلها إلا ابن أبي داود فانفرد بتخريجها ..
والله أعلم.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[02 Jun 2009, 05:53 م]ـ
لي سؤال لأخي هشام عزمي: هل تطرق الباقلاني في كتابه الانتصار للقرآن لشيء من هذا فرد عليه أم لا؟
فإن كان الجواب بلا فمن من المسلمين القدماء تعلمه أجاب عن هذا الاعتراض؟
هذا سؤال مسترشد لا سؤال متعنت. علمنا الله وإياكم ما ينفعنا.
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[02 Jun 2009, 10:40 م]ـ
الدكتور هشام عزمي جزاك الله كل خير وبارك فيك ورزقك الله منزل المجاهد الذاب عن دينه
القول بنقص القرآن لم يقل اهل الاختصاص من اهل القرآن وهم اهل الشأن والتخصص
وهم اشد غيرة على الاسلام من المستشرقين من اليهود والنصارى ويهمهم هذا الامر
(يُتْبَعُ)
(/)
فسبحان الله باي وجه ياتي هؤلاء بعد قرون مضت ويقولوا هذه المقولة الشنيعة
ومن الذين نحو نحو المستشرقين من اليهود والنصارى الحداثي محمد عابد الجابري
ـ[محب]ــــــــ[04 Jun 2009, 12:59 م]ـ
أن المتكلم لا يعتقد ما نعتقده، وليست مراجعنا هي المقنعة له، ولا طريقتنا في نقد الآثار كذلك، فكوني أقول له: (هذا بلاغ، وقال فلان من علمائنا كذا)، فإني أظنُّ أن هذا لا يصلح للرد تأسيسًا، وإنما يكون تأنيسًا
الخصم لا يحتج بحديث أو خبر لأنه يعتقد صدقه ابتداءً، وإنما هو يحتج به على سبيل الإلزام لنا بما نقر بصحته في زعمه. فنقول له: إلزامك لا يتم علينا لأننا لا نقر بصحة هذا الخبر حسب أصولنا.
وبعبارة أوضح:
الخصم يقول: هذا خبر صحيح عندكم فيلزمكم كذا وكذا ..
فنقول: بل لا يصح عندنا فلا يلزمنا ما زعمت ..
ويكون ردنا في قمة الوجاهة، لأنه رضي التحاكم إلى أصولنا، فأعطيناه ما طلب.
ولا يُتوهم أن يماحك الخصم فيقول: بل علمت بصحة هذا الخبر ابتداءً لا إلزامًا .. هذه المماحكة هنا مستبعدة، بل هي نادرة جدًا، لا تقع إلا من أحمق يعطي كتفيه لخصمه!
لأنه لو قال هذا، فسيكون الجواب كما قال أستاذنا (مساعد الطيار) وفقه الله ..
فلو قال الخصم: أعتقد صحة هذا الخبر ابتداء ..
لقلنا: إليك إذن أخبارًا من نفس الطريق في نفس مسألتك تبطل قولك وخبرك، فيلزمك بطلان قولك أو الوقوع في التناقض .. واختر أحلى المرين!
والمرء لا يحتج على خصمه بخبر إلا لأحد أمرين:
1 - إما لأنه علم صحته ابتداءً ..
2 - وإما إلزامًا لخصمه ..
فعلى الأول: يلزم أن يقبل المحتج كل ما جاء من نفس الطريق، لأن حكم الشيء حكم نظيره، والتفرقة هنا محض تحكم.
والثاني: لا يقع إلا إذا كان خصمه يقر فعلاً بصحة الخبر، أو كانت أصول مذهبه تقتضي صحته.
ولذلك جرت عادة العلماء سلفًا وخلفًا على التبرؤ مما لا يصح عندنا؛ إذ لا يلزمنا كما أراد الخصم.
هناك أيضًا وجاهة أخرى في استخدام أصولنا في الرد، قد بينها (أبو عمرو البيراوي) - وفقه الله - في مشاركته .. فجزاه الله خيرًا، فما أحوج العاملين في رد الشبهات أو دعوة غير المسلمين إلى التنبه لها.
هذا .. ومقام (المقال) أو (الكتاب) يختلف عن مقام (الجدال) أو (المناظرة) .. ففي المقام الأول قد نتبرع ابتداءً بتبيين ضعف الخبر الذي احتج به الخصم .. وأما في المقام الثاني، فالأولى عدم التبرع بهذا ابتداءً ..
بل نقول للخصم: من أين علمت صحة هذا الخبر الذي تحتج به علينا؟
وكما قلنا: لا سبيل له إلا إحدى اثنتين: إما علمه ابتداء بنفسه، وإما إلزامًا لنا لا أكثر ..
فإن زعم أنه علم صحته ابتداءً - وهذا نادر - فسيضطر إلى تبيين طريق هذا العلم .. كأن يقول مثلاً: أخبر بالخبر فلان وهو صادق، عن فلان وهو صادق .. أو ما شابه ..
فنلزمه بأخبار أخرى من نفس الطريق، أو من جنسها، أو آكد منها ..
لكن هذا نادر كما قلت، ولا يفعله إلا أحمق.
والثانية هي الشائعة، فيقول الخصم: لا أعتقد بصحة شيء، ولم آتِ بشيء من عندي، إنما هي كتبكم ومصادركم وأقوال علمائكم .. لم ألزمكم إلا بما عندكم ..
فنقول له: إلزامك لا يتم لأننا لا نعتقد بصحة الخبر لمجرد ذكره في كتبنا، بل لنا قواعد يعلمها القاصي والداني في تصحيح الأخبار ..
فإن قال: صحح هذا الخبر فلان وفلان من العلماء ..
قلنا: قد خالفهم آخرون من علمائنا أيضًا، فلماذا (قلدت) فريقًا وتركت فريقًا؟!
ولا جواب عنده، لأن اختياره كان تابعًا لهواه لا أكثر .. وأسئلتنا هدفها إظهار ظلمه وحكمه بالهوى .. حتى إذا استبان هذا عنده وعند المشاهدين، قلنا: أما بعد ظهور حاله، وانعدام حجته على دعواه، وهذا يكفي في سقوطها، نتبرع ببيان بطلان خبره ... الخ
وهكذا الحال لو احتج الخصم بقول لبعض المفسرين .. فبعض المجادلين (في مقام الحوار) يسارع إلى تبيين خطأ ما احتج به الخصم، ورجحان غيره عليه .. وهذا تبرع وإحسان مرجوح في هذا المقام .. بل الراجح هنا أن نشح بما عندنا حتى يظهر حال خصمنا ..
فنقول له: ما احتججت به قول لأحد المفسرين، وقال آخرون غيره .. فلماذا اخترت هذا وتركت ذاك؟!
والجواب الحقيقي عنده هو: اخترت هذا لأنه وافق هواي في المسألة! .. ولأنه لن يستطيع التصريح به، سيظل يراوغ يمينًا ويسارًا بأجوبة متهافتة، والمسلم يردها واحدًا بعد الآخر، ويظل يحرجه بالمطالبة بسبب الاختيار، فيتثبت لدى المشاهدين والخصم قبلهم أنه ظالم يحكم بالهوى والتشهي.
هذا مكسب لا ينبغي أن نفلته، قبل أن ننتقل إلى مكسب غيره بالتبرع ببيان الباطل.
وهذا الأسلوب استفدته من كتابات ابن تيمية رحمه الله ..
وعادته رحمه الله أنه لا يكتفي أن يضع أجوبة عن المسائل، بل يبين للمسلمين ويعلمهم طريقة الحوار .. بعبارة أخرى: هو لا يكتفي بأن يعطيك السمكة، بل يعلمك كيف تصطاد. رحمه الله رحمة واسعة.
فتراه في كتبه، كمنهاج السنة، يطالب الخصم بتبيين صحة الخبر، ويجعل ذلك وجهًا مستقلاً في الرد، مع أنه يعلم بطلان الخبر، لكنه ينبه رحمه الله على المكسب الذي بيناه هنا .. ثم في الوجه الثاني يبين حال الخبر من الضعف وما شابه.
ولا أقصد أنه كان رحمه الله ينبه فقط بالطريقة العملية، كلا، بل له كلام كثير يصرح فيه بأن الجدال مع المخالف هنا ينبغي أن يكون بطريقة كذا وكذا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محب]ــــــــ[04 Jun 2009, 10:06 م]ـ
هل تطرق الباقلاني في كتابه الانتصار للقرآن لشيء من هذا فرد عليه أم لا؟
فإن كان الجواب بلا فمن من المسلمين القدماء تعلمه أجاب عن هذا الاعتراض؟
هذان رابطان، على كل رابط كتاب (الانتصار) للباقلاني:
http://www.archive.org/details/entsr
http://www.adrive.com/public/5b76da86cd185cb1fe6774a0e0398adc770c286b7556912069 8cda1bd107cf19.html
ومن المستبعد أن يتعرض الباقلاني رحمه الله لمثل هذه الشبهة في هذا الكتاب أو غيره ..
وذلك أن أمثال هذه الشبهة لا تأتي إلا من كيس الرافضة، إذ ما آذى الإسلام أحد بالشبهات مثلهم ..
وهذا الخبر انفرد بتخريجه صاحب المصاحف ..
وكانت وفاته أوائل القرن الرابع الهجري، والباقلاني آخر القرن نفسه تقريبًا ..
وهذه الفترة غير كافية كي ينتشر الكتاب ويذيع ويصير مما يُحتج به على أهل السنة، ثم تفليه الرافضة لتخرج منه هذه الشبهة، ثم تذيع الشبهة حتى تكون من أشهر شبهاتهم، لتحظى باهتمام الباقلاني رحمه الله .. الفترة غير كافية لحصول هذا كله.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[05 Jun 2009, 07:34 م]ـ
لي سؤال لأخي هشام عزمي: هل تطرق الباقلاني في كتابه الانتصار للقرآن لشيء من هذا فرد عليه أم لا؟
فإن كان الجواب بلا فمن من المسلمين القدماء تعلمه أجاب عن هذا الاعتراض؟
هذا سؤال مسترشد لا سؤال متعنت. علمنا الله وإياكم ما ينفعنا.
سؤالك على العين والرأس أخي الحبيب ..
في الواقع أن مادة هذا الرد تعتمد على كلام الباقلاني في الانتصار ..
حيث أشار في الجزء الأول صفحة 84 ومابعدها (طبعة الرسالة) إلى استحالة أن يكون قد سقط شيء من القرآن لهلاك حفاظه بالقتل أو الموت لأمرين ..
ثم ذكر الوجهين الثاني والثالث اللذين كتبتهما مع تصرف كبير ..
أما كونه قد تناول هذه الرواية على وجه التحديد فبعيد جدًا ..
والله أعلم.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[05 Jun 2009, 11:40 م]ـ
شكر الله لك صنيعك وزادك علما ونفع بك أمتنا. ليتك تتحفنا بين الفينة والأخرى بمثل هذا الدر النفيس. فللقدماء باع وأي باع في دحر المفترين.
وشارك معنا في تاريخ نقد علماء الغرب للعهد القديم بما لديكم.(/)
سؤال مهم حول قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[21 Apr 2009, 01:20 م]ـ
عندنا موضوع مسجل لرسالة ماجستير بعنوان: قصة إبراهيم عليه السلام بين القرآن الكريم والدراسات الإناسية المعاصرة ...
وكما يعلم البعض فإن هناك تياراً أركيولوجياً! ينكر وجود إبراهيم عليه السلام ويعتبره أسطورة .. وقد كان الهدف من البحث هو الرد على المنكرين سواء من الأوربيين أم العلمانيين العرب الذين هم بطبيعة الحال أذناب لأولئك ...
نرجو من الإخوة ممن لديهم اهتمام بهذا الجانب أن يمدنا ببعض المصادر، أو يفيدنا بأسمائها لنبحث عنها ..
عندنا نقص في المادة العلمية التي تناقش المنكرين ... والقائلين بالأسطورية ..
نرجو الفائدة من المهتمين ... وفقكم الله وبارك فيكم ..
ـ[محمد كالو]ــــــــ[22 Apr 2009, 01:20 م]ـ
le théologien luthérien Peter von Bohlen déclara qu’Abraham était un personnage mythique et que le récit de l’invasion menée par Kédorlaomer n’avait aucun fondement historique.
قال عالم اللاهوت اللوثري (بيتر فون بوهلين): " إن إبراهيم شخصية أسطورية، وقصة الغزو بقيادة " كيدورلاومر " ( Kédorlaomer ) لا أساس لها تاريخياً ".
De son côté, le professeur Julius Wellhausen écrivit: “Il vaudrait peut-être mieux considérer Abraham comme le fruit d’une imagination fertile”.
من جانبه قال البروفيسور (جوليوس ويلهوزن): " قد يكون من الأفضل النظر إلى إبراهيم بوصفه ثمرة الخيال ".
DE PURY Albert ; The choice of the ancestor, in Theologische Zeitschrift , IOSOT-Kongress Basel 2001 No17, Basel , ALLEMAGNE (05/08/2001)
2001, vol. 57, no 2 (192 p.) , pp. 105-114
يذهب الباحثون في التاريخ التوراتي إلى أن كلاً من إبراهيم وموسى يمثلان انعكاساً للأساطير التأسيسية، وإذا كانت التوراة تؤكد أن إبراهيم سبق كلاً من يعقوب وموسى فإن ( DE PURY Albert ) يؤكد أن طور يعقوب هو الأقدم تاريخياً ثم يليه موسى، وأن إبراهيم هو الأحدث تاريخياً.
ويذكر عبد المجيد الشرفي في كتابه باللغة الفرنسية: (الفكر الإسلامي، قطيعة ووفاء) منشورات ( albino michel) 2008 م ص 22 ـ 23
( la pensée islamique, rupture et fidelité)
أن:
علماء الإحاثة يؤكدون أن آدم هو مجرد صورة ميثية صاغتها المخيلة البشرية في فترة ما في تاريخ الشرق الأوسط لتفسير أصل الإنسان.
وفي ضوء العلم فإن آدم هو رمز الجنس الإنساني عندما تطور من مرحلة لم يكن يختلف فيها عن الجنس الحيواني ليصبح جنساً أرقى عاقل بتطوير قدراته الذهنية. اهـ
ـ[محمد كالو]ــــــــ[22 Apr 2009, 01:27 م]ـ
وهناك كتاب بعنوان (النبي إبراهيم والشرعية السياسية) تأليف جمال عبد الرزاق البدري
http://up.progs4arab.com/uploads/5826238995.jpg
ـ[أم عبدالله الجزائرية]ــــــــ[22 Apr 2009, 01:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
سمعت أحد علماء التاريخ يتكلم عن هذه القضية كما ظننت في قناة دليل (برنامج قصة الصراع)، وهو ما يسمى بالعرب البائدة، ومنهم قوم إبراهيم عليه السلام، يقولون أنهم من أساطير العرب، ربما أحد علماء التاريخ رد على هذه الافتراءات، وفي الغالب يكون أهل هذا الاتجاه من العلمانيين، لأنه وكما أظن هناك ذكر لإبراهيم عليه السلام في كتب أهل الكتاب المتواجدة الآن، والله أعلم.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[23 Apr 2009, 11:20 م]ـ
السلام عليكم،
1. ورد في الأخبار هذا العام أن القوات الأمريكية سلمت مقام إبراهيم عليه السلام في مدينة أور الأثرية للعراقيين. وهذا الخبر مفتاح مناسب للأخ الباحث.
2. الدراسات التي ناقشت طه حسين في كتابه الشعر الجاهلي تفيد في هذا الباب.
3. الأسطورة لها أساس، ولها حقيقة تبدأ منها. ومن هنا عندما يزعم البعض أن شخصية ما هي أسطورة فعليه أن يفسر لنا كيف يمكن أن تنشأ الشخصية الأسطورية من فراغ.
4. إذا كان الإثبات يحتاج إلى دليل فإن النفي أيضاً يحتاج إلى دليل.
5. بنو إسرائيل يرجعون نسبهم في كتبهم القديمة إلى إبراهيم عليه السلام. والعرب في الجزيرة العربية يتحدثون عن إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام. ومثل هذا يعتبر من الأدلة التاريخية على وجودهم عليهم السلام.
6. الكعبة صرح مادي ويُجمع العرب القدماءعلى نسبته إلى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
7. عدم وجود آثار مادية كالنقوش وغيرها لا يصلح دليلاً على النفي للآتي:
أ. لم يكن إبراهيم عليه السلام ملكاً حتى يُخلّد ذكره في صروح ونقوش.
ب. هاجر عليه السلام إلى الأرض المقدسة، وكان يجوب البلاد داعياً إلى الله تعالى، وكانت حياتهم أقرب إلى البداوة:" وجاء بكم من البدو".
ج. يقر علماء الآثار أن ما تم اكتشافه من آثار حتى الآن هو أقل القليل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[24 Apr 2009, 08:21 ص]ـ
العجيب أن يجزم بعض الأفراد بنفي وجود فلان أو علان!
ولست أدري أطلعوا الغيب فكشفوا كل تاريخ البشرية حتى يتكلموا بلهجة المتعالين المتعالمين: إبراهيم أسطورة وليس حقيقة تاريخية!
هناك رأي يقول أن سيدنا إبراهيم وأولاده وحتى سيدنا موسى كانوا في المرحلة السابقة للتاريخ الفرعوني, وأن قصة أوزوريس الأسطورية إشارة إلى عزير!
وبغض النظر عن صحة هذا الرأي الغير مشتهر من عدمه, فهل ينتظر هؤلاء العباقرة من الكافرين أن يسجلوا تاريخ المؤمنين؟!
إن التاريخ يكتبه المنتصر, وحتما انتصر سيدنا إبراهيم ومن معه وكانت لهم دولة وسجلوا ولن يكفي أن تأتي دولة كافرة بعده لتمحو وتبيد كل هذا!
فكيف ننتظر أن تبقى أثارا كبيرة للمؤمنين!
ثم يجب ألا ننسى نقطة هامة وهي أن الدول والممالك المتجبرة هي التي كانت تهتم عظيم الاهتمام بالمباني فيشيدون ويبنون رغبة منهم في تخليد ملوكهم, ويبنون المعابد الهائلة لتقديس أوثانهم!
فهل نتوقع صدور مثل هذا من دولة مؤمنة تسعى لبناء الإنسان لا الأوثان؟!!
ـ[إبراهيم المصري]ــــــــ[25 Apr 2009, 10:07 ص]ـ
الأخ عمرو جزاك الله خيرا
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 10:28 ص]ـ
دائرة المعارف الكتابية
الجزء الاول_ (أ)
صدر عن دار الثقافة_ص. ب162_11811_البانورما القاهرة
10/ 264 ط2/ 5_5.5/ 1988_2003
رقم الايداع بدار الكتب: 10360/ 2003
طبع بمطبعة سيوبريس
حرف (ا) _ابراهيم
صفحة (20 - 26)
إن المصدر الأساسي لتاريخ إبراهيم هو ما جاء في سفر التكوين (11: 26 - 25: 18) ومما يسترعي الانتباه أنه في باقي أسفار العهد القديم يذكر إبراهيم بالاسم أكثر من أربعين مرة، ومرات الإشارة إليه في العهد الجديد تزيد عن السبعين. وكثير من الاكتشافات الأثرية، وبخاصة في القرن الأخير، قد زودتنا بثروة من المعلومات لفهم الخلفيتين الثقافية والتاريخية للعصر الذي عاش فيه إبراهيم. وهناك آرء كثيرة عن أصل اسم إبراهيم واشتقاقه، ولكننا نفهم من الكتاب أن معنى الاسم هو " أب لجمهور " (تك 17: 5).
حياة إبراهيم: كانت أور الكلدانيين، والتي يرجح أن موقعها الآن هو تل المكير، على بعد تسعة أميال من الناصرية على نهر الفرات في جنوبي العراق، هي مسقط رأس إبراهيم بن تارح من نسل سام، وقد ارتحل مع تارح أبيه وعائلته مسافة 600 ميل إلى الشمال الغربي من أور، واستقروا في حاران على البلخ أحد روافدنهر الفرات (تك 11: 26 - 32). وفي سن الخامسة والسبعين ارتحل إبراهيم وزوجته ساراي وابن أخيه لوط وكل ممتلكاتهما، تلبية لدعوة الله، إلى أرض كنعان على بعد 400 ميل إلى الجنوب من حاران. وتوقفوا في طريقهم، في شكيم وبيت إيل، وأخيراً استقر إبراهيم في النقب أي في الجنوب، ولكن حدث جوع فانحدر جنوباً إلى مصر، وعندما استرعى جمال سارة فرعون، أرسل الله عليه الضربات مما جعله يطلق إبراهيم وساراي. فعاد إبراهيم ولوط بعد ذلك إلى النقب أي الجنوب (تك 12: 1 - 20). ومن ثم انتقلا إلى بيت إيل، وكانت ثروتهما قد ازدادت مما رأيا معه أنه من الأفضل أن يفترقا، وترك إبراهيم - في شهامة - الخيار للوط، فاختار لوط الإقامة في وادي الأردن في مدينة سدوم المملوءة بالشر. وعندما استقر إبراهيم في دائرة حبرون، أعطاه الله الوعد بأرض كنعان له ولنسله الذي سوف لا يعد من الكثرة (تك 13: 1 - 18). وعندما سبى غزاة الشمال لوطاً وملوك وادي الأردن معه، لحق بهم إبراهيم وحلفاؤة في دان وطاردوهم إلى شمالي دمشق واسترجعواكل الأسرى. وعند عودة إبراهيم، أبى أن يأخذ الغنائم، ولكنه أعطى العشور لملكي صادق الذي كان كاهناً لله العلي وملكاً لشاليم (تك 14: 1 - 24). ومع أن أليعازر الدمشقي كان الوارث المنتظر، إلا أن إبراهيم تلقى بالإيمان وعد الله بأن يكون له ابن، سيكون نسله كنجوم السماء في الكثرة، وأنهم سيمتلكون أرض كنعان. وبعد تقديم إبراهيم لذبيحة أمره بها الله، أنبأه الله بأن نسله سيتغربون في مصر ويستعبدون للمصريين وبعد ذلك ينقذهم الله. وكان عهد الله مع إبراهيم يؤكدله بأنه سيعطى كل أرض الموعد لذريته (15: 1 - 21).
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد عشر سنوات من إقامته في كنعان دون أن تبدو بادرة على أن يكون له ابن، أشارت عليه سارة - بعد أن نفذصبرها - بأن يدخل على جاريتها المصرية هاجر، وإذ حبلت هاجر بإسماعيل، صغرت مولاتها في عينيها، وسخرت من عقم ساراي، مما أدى إلى نفيها إلى البرية، حيث ظهر لها ملاك الرب لنجدتها. وبعد عودتها ولدت إسماعيل عندما كان إبراهيم ابن ست وثمانين سنة. ومن الأمور الهامة أن الله ظهر لإبراهيم بعد ذلك بثلاث عشرة سنة، وأيد له الوعد قائلاً له إن أمماً وملوكاً منه يخرجون ويرثون هذه المواعيد الأبدية، وغير اسم أبرام إلى إبراهيم، الذي يعني أنه سيكون أباً لجمهور من الأمم، وأعطاه الختان كعلامة العهد الأبدي، والوعد بمولد إسحق، وتغير اسم ساراي إلى سارة، ومن ذلك الوقت أصبح الختان فريضة في بيت إبراهيم (17: 1 - 27). وأقام إبراهيم في حبرون حيث ظهر له الرب مرة أخرى وأيد له الوعد بولادة إسحق. وعندما علم إبراهيم بقضاء الله على سدوم وعمورة توسل من أجل لوط فأنقذه الله مع ابنتيه، واستطاع إبراهيم من سهول ممرا أن يرى الدمار الرهيب الذي أصاب سدوم وعمورة. هرب لوط إلى صوغر حيث ولدت ابنتاه موآب وعمون، سفاحا من أبيهما، ومنهما جاء الموآبيون والعمونيون (18: 1 - 19: 38).
ومن هناك انتقل إبراهيم إلى قادش وتغرب في جرار حيث حذر الرب أبيمالك ملك جرار من أن ينجس سارة، بل أمره أن أن يطلب من إبراهيم كنبي أن يصلي من أجله، وقد أجزل أبيمالك العطاء لإبراهيم فاتسعت ثروته (تك 20: 1 - 18). ولد إسحق الوارث الموعود به من سارة عندما كان إبراهيم ابن مئة سنة، وعلى خلاف العادات السائدة، أمر الله إبراهيم أن يطرد هاجر مع ابنها إسماعيل، الذي كان يسخر من إسحق، وقد فعل إبراهيم ذلك على مضض منه، وقد أنقذ الله هاجر وإسماعيل بمعجزة منه، وسكن إسماعيل في برية فاران، وأعطاها الله الوعد بأن إسماعيل سيصير أمة عظيمة. وبعد ذلك عقد إبراهيم معاهدة مع أبيمالك لكي يضمن حقوقه في بئر سبع كمستقر له (تك 21: 1 - 34).
وكان امتحاناً قاسياً حاسماً لإبراهيم أن يطلب منه الله أن يقدم ابنه الوحيد إسحق ذبيحة. وفي طاعة كاملة شرع إبراهيم في تنفيذ ذلك الأمر على جبل المريا. وفي اللحظة الأخيرة أرشدة الله إلى الكبش الممسك بقرنية في الغابة ليقدمه فدية عن إسحق. وهناك تأيد الوعد مرة أخرى لإبراهيم. وعندما ماتت سارة اشترى إبراهيم مغارة المكفيلة في حبرون لتكون مقبرة لعائلته (22: 1 - 23: 20).
وعندما بلغ إسحق الأربعين من عمره، أرسل إبراهيم عبده أليعازر الدمشقي إلى مدينة ناحور فيما بين النهرين فأخذ رفقة بنت بتوئيل زوجة لإسحق. وقد عين إبراهيم إسحق وارثاً لكل ماله ولوعود العهد، أما باقي أولاد إبراهيم فقد أعطاهم عطايا وصرفهم شرقاً قبل موته. وعندما مات إبراهيم في الخامسة والسبعين بعد المائة دفنه ابناه إسحق وإسماعيل في مغارة المكفيلة (24: 1 - 25: 18).
البيئة الجغرافية التي عاش فيها: تنقل إبراهيم في المنطقة الممتدة من الخليج العربي إلى الهلال الخصيب إلى وادي النيل في مصر، على أن مقره الرئيسي كان في أرض كنعان، وكان من الشائع في عهده أن ينتقل التجار والمبعوثون السياسيون وغيرهم بين مصر وما بين النهرين. وواضح من كتابات الألف الثانية قبل الميلاد، أن آخرين أيضاً قد أرسلوا لاتخاذ زوجات لهم من أماكن بعيدة كما فعل إبراهيم لابنه إسحق. والاكتشافات الأثرية الحديثة تثبت أن الأماكن تثبت أن الأماكن الجغرافية الواردة أسماؤها في تاريخ إبراهيم، كانت مأهولة بالسكان في ذلك العصر. فقد كانت مدينة أور في وادي الفرات الأسفل مركزاً سكانياً كبيراً، وقد حصلنا على فيض من المعلومات من القبور الملكية التي اكتشفتها البعثات الأثرية التي قادها سير ليونارد وولي تحت إشراف المتحف البريطاني ومتحف جامعة بنسلفانيا، ومع أنه لا دليل فيها على إقامة إبراهيم هناك، إلا أن تاريخ أور يمتد إلى ما قبل إبراهيم بكثير، وكانت لديهم معرفة كبيرة بالكتابة والتعليم، والحسابات الرياضية والسجلات الخاصة بالإعمال والديانة والفن. مما يدل على أن أور كانت إحدى المدن الكبرى الغنية في وادي الدجلة والفرات عندما هاجر منها إبراهيم إلى حاران. ويبدو
(يُتْبَعُ)
(/)
أن بقعة حبرون على بعد نحو تسعة عشر ميلاً جنوبي أورشليم كانت مكاناً ملائماً لسكنى إبراهيم فيها، ويظهر أن تلك المدينة التي كانت تعرف في عهد الآباء باسم " قرية أربع " قد تأسست في زمن مبكر كما يظهر من اكتشافات البعثة الأمريكية (1964) التي اكتشفت أسواراً من اللبن على أساس من الصخر يعود إلى سنة 3000 ق. م. وكثيراً ما يطلق الكتاب المقدس على هذه اسم " ممراً". وتقع بئر سبع على بعد 48 ميلاً في الجنوب الغربي من أورشليم على منتصف المسافة من البحر المتوسط والطرف الجنوبي للبحر الميت - تقريباً - على حدود " النقب " التي معناها " جاف " أو " يابس "، وتوجد آبار كثيرة هناك مما سهل لإبراهيم ولنسله الإقامة في تلك المنطقة مع قطعانهم ومواشيهم. والطريق المسماة في الكتاب طريق شور كانت تمتد من مرتفعات اليهودية مارة ببئر سبع إلى مصر.
وتقع جرار (21: 32 و 34) في أرض الفلسطينين. ومع أن تل جامنة على بعد ثمانية أميال جنوبي غزة، إلا أن و. ج. أدامز (1922) وو. م. فلندرز بيتري (1927) كانا يعتبرانه موقع جرار القديمة، إلا أن الأبحاث الحديثة التي قام بها أهاروني ترجح أنه تل أبي هريرة الذي يقع على بعد 11 ميلاً جنوبي شرقي غزة. وتدل الآثار الفخارية التي وجدت فيه على أنه كان مأهولاً منذ العصر الحجري مع ازدهار شديد في منتصف العصر البرونزي الذي عاش فيه إبراهيم والآباء. ونرى في سفر التكوين من العلاقات بين إبراهيم وإسحق وأبيمالك ملك جرار مدى اهتمامهم المشترك بآبار بئر سبع. ومع أن الفلسطينيين لم تكن لهم السيادة المطلقة على هذه المنطقة قبل القرن الثاني عشر قبل الميلاد، لكن كانت لهم مراكز تجارية في الجنوب الغربي في فلسطين في عصر الآباء. ولسدوم وعمورة مكانة فريدة في تاريخ إبراهيم، وتسمى " مدن الدائرة "شرقي بيت إيل وحبرون في فلسطين. وفي سدوم استقر لوط بعد انفصاله عن إبراهيم. ويرجح و. ف. ألبريت أن هذه المدن كانت في المنطقة الضحلة في الطرف الجنوبي للبحر الميت. وواضح أنه كان سهلاً خصباً يذخر بالقرى حوالي 2000 ق. م. ومن المحتمل أن أطلال سدوم وعمورة قد غمرتها مياة البحر الميت.
تحديد التاريخ: إن الجمع بين المعلومات التاريخية وبين سفر التكوين يدفعنا إلى تحديد تاريخ إبراهيم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد تقريباً، والانخفاض الحاد في عدد السكان الذي حدث في تلك الفترة، يرجعه بعض العلماء إلى الحرب المدمرة المذكورة في الأصحاح الرابع عشر من التكوين. وأسماء هؤلاء الملوك هي أسماء نموذجية للعصر البابلي القديم (2000 - 1700 ق. م) وإن كان من المحتمل أن أمرافل شخص آخر غير حمورابي. كما أن التحالف بين أربعة ملوك ضد خمسة (تك 14) يطابق تماماً التحالفات السياسية والعسكرية التي كانت في ذلك العصر، إذ بعد ذلك كانت التحالفات تتم بين أعداد أكبر من الملوك.
كما أن أسماء إبراهيم وسائر الآباء تشابه الأسماء المذكورة في جداول القرون من التاسع عشر إلى السابع عشر قبل الميلاد. كما أن الإقامة الموسمية في النقب (الجنوب) التي نراها في قصة سفر التكوين نجدها أيضاً في الاكتشافات الأثرية عن الفترة من 2100 - 1800 ق. م. ولم يكن الوضع كذلك في الألف سنة السابقة أو في الثمانمائة سنة اللاحقة لهذه الفترة. يقول بعض العلماء إن إبراهيم عاش بعد ذلك بعدة قرون، ولكن هذا الافتراض الذي يستخلصونه من بعض جداول الأنساب في الكتاب هو افتراض ضعيف. إن تاريخ عصر إبراهيم يرتبط إرتباطاً مباشراً بتاريخ خروج الشعب القديم من مصر الذي ينحصر في الفترة ما بين 1450 - 1250 ق. م تقريباً. فإذا كان إبراهيم قد عاش قبل الخروج بحوالي 600 سنة، فيكون تاريخ وصوله إلى كنعان هو ما بين 2050 - 1850 ق. م.
(يُتْبَعُ)
(/)
الاكتشافات الأثرية: لقد ألقت الاكتشافات الأثرية الكثير من الضوء على تاريخ إبراهيم كما هو مذكور في التكوين (12 - 25) فالقوانين والعادات التي كانت سائدة في العالم في العصر الذي عاش فيه إبراهيم قد كشفت لنا عن أسلوب الحياة المذكورة في الكتاب. فالقوانين الكثيرة المتعلقة بالوراثة التي كشفت عنها الحفائر الأثرية في " نوزو" على نهر الدجلة تفسر لنا اهتمام إبراهيم بأن يكون له وارث، فبناء على تلك الشرائع كان يمكن للإنسان أن يتبنى خادماً أو عبداً ويجعله وارثاً شرعياً له إذا لم يكن له ابن، وفي هذه الحالة كان يجب على الابن بالتبني أن يعني بسيده، وأن يقوم بدفنه عند موته ويرث كل ممتلكاته وأن يحافظ على اسم العائلة. فإبراهيم كان يتصرف حسب قوانين عصره في اعتباره أليعازر الدمشقي وارثاً له (15: 2 - 4). وإذا ولد ابن بعد ذلك فإن الابن يلغي كل هذه الإجراءات ويصبح هو الوارث الشرعي. كما كان يمكن وجود وارث عن طريق جارية، فعندما ولدت هاجر جارية سارة إسماعيل، كان من الطبيعي أن يعتبره إبراهيم وارثاً شرعياً له (أصحاح 16) وظل إسماعيل - من وجهة النظر البشرية - مدة ثلاث عشرة سنة هو الوارث الشرعي لإبراهيم، مع أن الله قال لإبراهيم أن أليعازر الدمشقي لن يكون الوارث له بل سيكون له ابن، وعندما بلغ إسماعيل الثالثة عشرة من عمره، أعطى الله الوعد لإبراهيم محدداً بأنه سيكون له ابن من سارة (أصحاح 17) وفي ذلك الوقت أعطاه الختان علامة عهد لإبراهيم ونسله. ومع أن الختان كان يمارس عند شعوب كثيرة، ولكنه أصبح لإبراهيم وذريته علامة مميزة في علاقة عهد من الله.
تبين قوانين حمورابي أن الجارية أو السرية التي تلد ابناً لسيدها، لاتحل في البيت محل الزوجة العاقر، وفي نفس الوقت ليس للزوجة أن تطرد الجارية وابنها. وعندما سخرت هاجر من سيدتها، عاملتها بقسوة، فهربت إلى برية شور في الطريق إلى مصر، فأمرها الملاك بأن ترجع إلى مولاتها وتخضع تحت يديها، فعادت إلى بيت إبراهيم حيث ولدت إسماعيل (أصحاح 16). ولم يكن لإبراهيم الحق - حسب المألوف في ذلك العصر - في أن يطرد هاجر وابنها، ولكنه فعل ذلك بعد أن أمره الله بذلك (21: 12 - 21) ومع هذا الأمر وعد الله بأن إسماعيل سيكون أمة عظيمة.
كما أن مجموعة قوانين الحثيين تلقي الضوء على موضوع شراء إبراهيم للمقبرة من عفرون (أصحاح 23). ومع أن مجموعة القوانين الحثية التي اكتشفت في بوغازكوي عاصمة الحثيين في آسيا الصغرى ترجع إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، إلا أنه من الواضح أنها كانت سائدة عند الحثيين منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وتبين هذه القوانين الالتزامات الاقطاعية التي كانت تتبع عند بيع قطعة أرض بكاملها، فكانت تختلف عن تلك التي كانت تتبع عند بيع جزء منها. ومع أن إبراهيم كان يريد شراء المغارة فقط، إلا أن عفرون اشترط بيع الحقل كله، وبذلك نقل جميع المسئوليات والالتزامات الاقطاعية إلى إبراهيم. كما أننا نلاحظ نقل ملكية الشجر وهذا يطابق ماكان يجري في مثل هذه الحالات عند الحثيين (تك 23: 17).
إيمان إبراهيم: مع أن إبراهيم جاء من أسرة تعبد الأوثان (يش 24: 2 و 14) إلا أنه استجاب لدعوة الله له بالذهاب إلى أرض كنعان. وقد أعلن الله نفسه لإبراهيم مرات كثيرة، ولكن لا يذكر الكتاب كيفية الإعلان في كل مرة. ويذكر استفانوس ظهور الله لإبراهيم وهو في مابين النهرين، وأمره له بأن يخرج من أرضه ومن عشيرته إلى أرض كنعان (أع 7: 2).
في بعض الحالات تذكر كيفية إعلان الله نفسه لإبراهيم: " ظهر الرب لإبراهيم " ليعطيه الوعد بأرض كنعان له ولنسله (تك 12: 7)، كما ظهر الله في النار التي التهمت الذبيحة (15: 17). كما " ظهر الرب لإبراهيم " ليؤكد له الوعد كاملاً ثم " صعد الله عن إبراهيم " (17: 1 و 22). وأبلغ ظهور كان عندما استقبل إبراهيم ثلاثة رجال - كان أحدهم هو الرب نفسه - (تك 18: 1). وفي أثناء هذه الظهورات كان إبراهيم يخاطب الله وجهاً لوجه، ولذلك كثيراً ما نقرأ عن الله أنه إله إبراهيم. كما أن الرسائل كانت تعلن بواسطة " ملاك الرب "، وقد ساوت هاجر بينه وبين " الرب " (16: 1 - 14)، كما فعل إبراهيم نفس الشيئ (تك 22: 1 - 19
(يُتْبَعُ)
(/)
).
كانت نتيجة طاعة إبراهيم لله أن نشأت علاقة وثيقة بينة وبين الله , وقد بين إبراهيم إيمانه وثقته في الله بطاعته في الهجرة إلى كنعان والإنفصال عن عشيرته. ومن خلال المذبح الذي كان يقيمه في كل مكان يستقر فيه، كان يشهد بعبادته لله في وسط العالم الوثني، وكانت معرفته بالله تزداد بتتابع إعلانات الله له عن خطة الله لنسل إبراهيم مستقبلاً.
ومن مميزات إبراهيم ,أنه " آمن بالرب " فحسب له براً (تك 15: 6). ولإيمان إبراهيم وطاعته وشركته، قويت علاقته بالله حتى دعي " خليل الله " (يع 2: 23، إش 41: 8، 2 أخ 20: 7).
كانت الصلاة جزءاً هاماً في علاقة إبراهيم بالله، فقد ارتبطت الصلاة بالذبيحة (12: 8، 13: 4). التي كان يقدمها على المذابح التي أقامها في الأماكن المختلفة في كل كنعان. وبالصلاة عبر إبراهيم عن اهتمامه العملي بمواعيد الله له (15: 4). وعندما طلب إبراهيم من الله أن يكون إسماعيل هو النسل الموعود به، استجاب الله طلبته بأن أكد وعده له مرة أخرى بأن الابن الموعود به سيولد له من سارة (17: 19). ويظهر سمو إبراهيم في صلاته التوسلية عندما أخبره الله بقضائه على مدن سدوم وعمورة، فحاج إبراهيم الله على أساس أن الله ديان كل الأرض لا بد أن يكون عادلاً، ومع أن مدن الدائرة قد دمرت، إلا أن الله أنقذ الأبرياء القلائل الذين كانوا يعيشون فيها. وفعالية الصلاة تظهر بوضوح في علاقة إبراهيم بأبيمالك، فقد أكد الله لإبيمالك أن حياته تتوقف على صلاة إبراهيم من أجله (20: 7). والإرشاد الإلهي عن طريق الصلاة يتجلى في اختبار عبد إبراهيم (أصحاح 24). ولا شك أن هذ العبد يعكس موقف إبراهيم من انتظار إرشاد الرب في كل خطوة لاختيار زوجة لإسحق، فقد عبر عن اتكاله على الرب بالصلاة، كما صلى شاكراً الرب الذي أنجح طريقه. كان مفهوم إبراهيم عن الله شاملاً وعملياً، فقد كان الله هو " الإله العلي مالك السموات والأرض " (14: 22) أو " الرب إله السماء " (24: 7)، وكانت قدرة الله المطلقة حقيقة عملية أكيدة في حياة إبراهيم، كما بدت في سيادة الله على نواميس الطبيعة في إعطاء إبراهيم ابناً (18: 13 و 14). وعندما تعرضت حياته للخطر على يد فرعون مصر، ظهرت قوة الله في إنقاذ إبراهيم. كما أن علم الله المطلق تجلى في تأكيده الوعدلإبراهيم بابن من سارة قبل أن يولد إسحق بسنين عديدة، فعلى مدى خمس وعشرين سنة من إطاعة إبراهيم لله بالهجرة إلى كنعان، ظل وعد الله بمولد إسحق يزداد وضوحاً أمام إبراهيم، كما عرف الله شر سدوم وعمورة (18: 20)، كما أن دينونة تلك المدن جعلت إبراهيم ييقن فوق إيقان - أن الله البار العادل لايمكن أن يسمح بأن يستمر هذا الشر إلى ما لا نهاية. ومع أن ذنب الأموريين لم يكن قد كمل في زمن إبراهيم (15: 16) إلا أن القضاء على تلك المدن كان قد آن أوانه، ولكن حتى بالنسبة لهذه المدن، سبقت الرحمة الدينونة بالنسبة للوط البار الذي عاش بين هؤلاء الناس بعض الوقت. لا شك أن حياته كانت تعكس بر الله وقداسته، ولكن دعوته للآخرين لم تجد استجابة، وهكذا نجا هو وبيته فقط قبل وقوع دينونة الله.
ومحبة الله وعنايته وقصده وإرشاده كانت كلها أموراً واضحة في حياة إبراهيم بصورة دائمة. وفي الوعد السداسي لإبراهيم عندما دعاه الله (12: 2 و3) أدرك إبراهيم أن محبة الله ستغمره بالبركة حتى إن نسله سيكون أمة عظيمة كما ستكون سبب بركة لكل أمم الأرض. وإذ عرف إبراهيم خطة الله وقصده من نحوه، ترك إبراهيم - بكل شهامة - للوط أن يختار ما يشاء عندما كان لابد من أن ينفصلا (13: 8). وكذلك رفض قبول المكافأة من ملك سدوم وشهد له بأن إلهه هو " مالك السموات والأرض " (14: 22). ثم أن إبراهيم أعطى العشور لملكي صادق كاهن الله العلي (14: 18 - 20). كان إبراهيم يخاف الله (22: 12)، وكان حبه واحترامه وإجلاله لله أموراً واضحة في موقف الإيمان والطاعة والتسليم القلبي الكامل لله إلى حد تقديم ابنه محرقة. وكان مستوى حياة إبراهيم الأدبي والأخلاقي يعكس حقيقة أنه يعبد " الله القدير " (17: 1) وهكذا شهد الله عنه: " لأني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا براً
(يُتْبَعُ)
(/)
وعدلاً، لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به " (18: 19).
مكانته: لقد شغل إبراهيم مكانة رفيعة وفريدة في كل العالم منذ نحو أربعة آلاف سنة. فعند اليهود هو أبو أمة إسرائيل، كما يعتبره العالم الإسلامي ثاني الأنبياء ويذكر في القرآن 188 مرة، كما يعتبر عند المسيحيين من أعظم رجال الإيمان في كل العصور. وكثيراً ما يطلق على الإسرائيليين " نسل إبراهيم "، وفي كل عصور العهد القديم تأكدت حقيقة أن إبراهيم كان الأب الذي منه جاء الشعب المختار (إش 51: 2، حز 33: 24) وما أعظم أهمية تلك الحقيقة أن الله اختار إبراهيم (نح 9: 7) وفداه (إش 29: 22) وباركه بركة خاصة (ميخا 7: 22).
والإعلان السماوي الذي أعطاه الله لإبراهيم بالغ الأهمية في تاريخ إسرائيل. فقد أعلن الله نفسه لموسى ولشعب إسرائيل في مصر بأنه " إله إبراهيم " (خر 2: 24 - 6: 8). وعليه فبعد خروج إسرائيل من مصر طلب موسى الرحمة على أساس عهد الله لإبراهيم (32: 13). وفي كل سفر التثنية يذكر موسى الشعب بأن الله أحب أباءهم وقطع عهداً معهم وطلب منهم أن يطيعوا حتى يتمم الله لهم العهد الذي أعطاه لإبراهيم (تث 1: 8، 6: 10، 9: 9 و 27 و 28، 29: 13، 30: 20). كما أن كنعان التي كانوا على وشك أن يمتلكوها، هي الأرض التي وعد الله بها إبراهيم (34: 4). كما ناشد داود إله إبراهيم في صلاته من اجل سليمان (1 أخ 29: 18)، وكذلك فعل يهوشافاط وهو يدرك أن شعبه هو نسل إبراهيم (2 أخ 20: 7)، كما يخاطب إيليا في تحديه لكهنة البعل، إله إسرائيل بأنه إله إبراهيم (1 مل 18: 36). وفي أيام يهو آحاز تحنن الله على الشعب ورحمهم ونجاهم من يد حزائيل ملك آرام لأجل عهده مع إبراهيم (2 مل 13: 23). فالمرنمون في المزامير (47: 9، 105: 6 و 9و 42) وأشعياء (29: 22، 41: 8، 51: 2، 63: 16)، وإرميا (33: 26)، وحزقيال (33: 24)، ميخا (7: 20) جميعهم يذكرون مكانة إبراهيم كأبيهم الذي قطع الله معه عهداً وصنع معه الرحمة بصورة خاصة.
كما يذكر إبراهيم في أسفار الأبوكريفا وفي الكتابات المتأخرة كنبي عظيم، أعطاه الله إعلانات عظيمة وثبت معه العهد (انظر يشوع ابن سيراخ 44: 20 - 23 وكذلك يوسيفوس 1: 7 و 8). كما تذكر بعض القصص الأسطورية عن إبراهيم في سفر يهوديت، وكذلك في يوسيفوس. ويقول التلمود إن إبراهيم كان فلكياً أو منجماً من الطبقة الأولى، وقد علم الحكمة لملوك الشرق والغرب.
وفي المسيحية أيضاً يحظى إبراهيم بمكانة عالية كبطل من أبطال الإيمان، كما أن يسوع جاء من نسل إبراهيم (مت 1: 1)، كما أنه في تعاليمه وأحاديثه أقر بمكانة اليهود كنسل إبراهيم، ولكنه أكد أيضاً أنه أعظم من إبراهيم (متى 1: 1 و 2 و 17، 3: 9، 8: 11، 22: 32، مرقس 12: 26، لو 1: 55 و 73، 3: 8 و 23 - 34، 13: 16 و 28، 16: 22 - 30، 19: 9، 20: 37، يو 8: 33 - 58).
كما أن الرسل كثيراً ماذكروا إبراهيم في أقوالهم لليهود (أع 3: 13 و 25، 7: 2 - 32، 13: 26) كما ذكر بولس إبراهيم كمثال بارز للتبرير بالإيمان (رو 4: 1 - 16) وفي رسالته إلى غلاطية يؤكد بولس أن الذين للمسيح هم نسل إبراهيم الذي قبل بالإيمان كل إعلانات ومواعيد الله. كما أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يشير إلى إبراهيم كمن خرج من صلبه الكهنوت اللاوي (عب 7: 5)، ويخص إبراهيم باعتباره رجل الإيمان العظيم في علاقته بالله والمواعيد التي أعطيت له. ومن زمن العهد الجديد ما زال إبراهيم مثالاً للإيمان والطاعة في علاقته بالله.
حضن إبراهيم: هو عبارة مجازية استخدمها الرب يسوع في مثل لعازر والغني (لو 16: 22 و 23) في وصف حالة الأمن والسعادة التي أكرم بها لعازر عند موته. وهذه الصورة المجازية مأخوذة عن العادة في الشرق القديم من الاتكاء في الولائم على وسائد، الواحد إلى جانب الآخر، وكانت الصورة التي يجلس عليها المتكئون، هي أن تصل رأس الواحد إلى صدر الجالس بجانبه، وعند الحديث كان الواحد يسند رأسه على صدر الآخر، وكان من دواعي الشرف أن يجلس أحدهم إلى جانب ضيف مرموق، والأكثر أن يجلس بجوار المضيف (صاحب الوليمة)، فجلوس شخص بجوار ضيف عظيم أو
(يُتْبَعُ)
(/)
بجوار المضيف وإسناد رأسه إلى صدره، كان معناه الحظوة والصلة الوثيقة بهذا الشخص (انظر يو 13: 25، 21: 20). فلعازر - الذي كان في حياته على الأرض مريضاً يستجدى ما يسد به رمقه، بجانب هذا الرجل الغني الذي كان يعيش عيشة مترفة - نراه ينعم في عالم السعادة في مكان الكرامة العظمى إذ يتكيء في " حضن إبراهيم ".
وفي هذه القصة يذكر حضن إبراهيم بالمقابلة مع الهاوية، فما أروعه موطناً لهذا المسكين البار، بينما الهاوية هي مكان العذاب للغني الشرير.
وكلمة " هاوية " (" هادز " باليونانية)، في المفهوم اليوناني واليهودي، هي المكان الذي يذهب إليه جميع الأموات، ولكنه ينقسم إلى قسمين أحدهما مكان للسعادة والآخر مكان للعذاب. ولكن هذا غير الموجود هنا، فرغم أن المكانين يبدوان قريبيين، حتى يمكن الرؤية وسمع الكلام، إلا أننا نجد أن الهاوية هي مكان العذاب، علاوة على أن هناك هوة عظيمة قد أثبتت بين الهاوية (هادز) وحضن إبراهيم، وأنه لا يمكن عبور هذه الهوة في أي من الاتجاهين، مما يدل على أن كلا منهما قد استقر في مكانه الدائم وليس كمحطة في الطريق في انتظار الدينونة.
رؤيا إبراهيم: وهو كتاب خارج دائرة الأسفار القانونية، موجود في نسخة سلافية قديمة نقلت عن ترجمة يونانية لمؤلف عبري أو أرامي حيث يظهر ذلك في الأسماء السامية للأصنام. والكتاب نفسه موضوع، يخصص ثلثه الأول (ثمانية أصحاحات) للأساطير عن شباب إبراهيم. ولعل هذا الجزء كتب قبل سنة 50 م. أما الرؤيا فتشغل باقي الكتاب، ويبدو من محتوياتها أنها ترجع إلى 100 م. وهذه الرؤيا من قبيل التعليقات اليهودية على الأصحاح الخامس عشر من سفر التكوين، فقد رافق أحد الملائكة واسمه يهوئيل إبراهيم إلى السماء السابعة حيث شاهد الأحداث الماضية كسقوط آدم وحواء (بسبب خطية الجنس، وبناء على إغواء عزازيل)، كما شاهد مأساة قايين وهابيل، ورأى أحداثاً مستقبلية مثل خراب الهيكل ومجيئ المسيا. وقد صاحب ذلك وقوع عشر ضربات على الأمم. كما رأى اجتماع شعب إسرائيل في أرض الموعد، ودينونة الأشرار.
والكتاب مزيج من التوحيد والثنائية. وقد باحث إبراهيم الله في مشكلة الشر، ولما سأل إبراهيم الله لماذا يصبر على عزازيل، قال له الله إن الشر يأتي من إرادة الإنسان الحرة. وقد استنتج البعض من التضارب في هذا المفهوم اللاهوتي أن المؤلف قد جمع بين جملة مصادر. ويسمى الشيطان في رؤيا إبراهيم عزازيل، وأنه هو الحية في تك 3. ويظن البعض أن أجزاء من هذه الرؤيا كانت تستخدم عند الغنوسيين وكذلك عند بعض الهراطقة من اليهود في بداية العصر المسيحي.
عهد إبراهيم:
هو مؤلف يهودي ابوكريفي يبين اختبارات إبراهيم عند موته فيقول لنا إن الملاك ميخائيل قد أخبر إبراهيم الشيخ العجوز بأنه يجب أن يموت، ولكن إبراهيم يمتنع عن تسليم روحه، فيأخذه الملاك في مركبة في طبقات الجلد، وعندما يشاهد شر الناس على الأرض، يستمطر الدينونة عليهم. وعندئذ يظهر لإبراهيم - في رؤيا - الطريق الرحب الذي يؤدي إلى الهلاك، والطريق الضيق الذي يؤدي إلى الفردوس، ثم يرى وزن النفوس في الدينونة، وقد نجت نفس بشفاعة إبراهيم وأخيراً - وإبراهيم مازال ممتنعاً عن تسليم نفسه - يأخذه " ملاك الموت " ويأتي به إلى الفردوس. ومازال هذا السفر موجوداً في المخطوطات اليونانية، منها سبع مطولة وثلاث مختصرة. ولعل أقدمها يرجع إلى القرن الثالث عشر، وقد عرف أوريجانوس شيئاً عنه، مما يحتمل معه أن يكون بعضه قد كتب في القرن الأول الميلادي. وتوجد فيه بعض الإضافات ذات الصبغة المسيحية، ولكنه أساساً مؤلف يهودي. ولعل الرأي القائل بأنه كان أصلاً سفراً يهودياً ثم قام أحد المسيحيين بترجمته إلى اليونانية، أقرب إلى الحقيقة، ولو أن البعض يظنونه إسكندري الأصل. وبجانب المخطوطات اليونانية توجد منه مخطوطات بالسلافية ولغة رومانيا، والعربية والحبشية والقبطية، وهناك وجوه للشبه بيه وبين " عهد أيوب " و "رؤيا إبراهيم " ويستقي أفكاره من ينابيع يهودية. ويظهر الملاك ميخائيل كثيراً في الكتاب، ويشغل مكانة سامية تنسب إليه عادة في كتابات اليهود في ذلك العصر. " وملاك الموت " في ذلك المؤلف يحمل سمات غريبة لعلها مصرية أو بابلية
(يُتْبَعُ)
(/)
أو فارسية. وبناء على ذلك المؤلف توجد ثلاث دينونات، أولها بواسطة هابيل، والثانية بواسطة أسباط إسرائيل الإثنى عشر، والإخيرة بواسطة الله في اليوم الأخير. ولا يظهر المسيا في أي من هذه الدينونات، فالكتاب كله يدور عموماً داخل دائرة الفكر اليهودي.
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 12:58 م]ـ
قاموس الكتاب المقدس
تأليف نخبة من الاساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين
هيئة التحرير
د / بطرس عبد الملك
د / جون الكسندر طمسن
د/ابراهيم مطر
دار مكتبة العائلة
Family Book Shop
الطبعة الرابعة عشر
ص ب 2213_ القاهرة 11511
بالتعاون مع جمعية الكتاب المقدس في لبنان
وبالاتفاق مع رابطة الإنجيليين بالشرق الأوسط
طبع بمطبعة الحرية_ بيروت_ لبنان 2005
(9_13)
أبرام-إبراهيم
ومعنى أبرام ((الأب الرفيع)) أو ((الأب المكرّم)) ومعنى ابراهيم ((ابورهام)) أي ((أبو جمهور)) (تك17: 5). وتدرس تحت هذا العنوان المواضيع التالية: أولاً: تاريخ حياته. 1 - حياته وهو فيما بين النهرين، 2 - ومدتهما خمسة وسبعون عاماً. وهو ابن تارح من نسل سام بن نوح وقد عاش ابراهيم الجزء الأول من حياته مع أبيه واخوته في أور الكلدانيين وقد تزوج من ساري وكانت أخته بنت أبيه وليست بنت أمه كما نعرف ذلك من تك 20: 12. وبعد موت أخيه هاران، 3 - رحل هو وزوجته وتارح ابوه ولوط ابن أخيه من أور ليذهبوا إلى أرض كنعان (تك11: 27 - 31) بناء على أمر الرب كما اشار على ذلك استيفانوس انظر أعمال7: 2 - 4 فأتوا وأقاموا في حاران حيث مات تارح (تك 11: 31?4 - 32) ولما كان ابراهيم في الخامسة والسبعين من عمره رحل هو وزوجته ولوط من حاران إلى أرض كنعان بناء على أمر الرب (تك12: 1) ويحتمل أنهم ذهبوا عن طريق دمشق لأن أليعازر الدمشقي الموكل على بيتِه كان من هناك (تك15:2). 2 - تنقلاته في كنعان ومصر. أقام ابراهيم أولاً في شكيم (تك 12: 6) ثم ذهب إلى بيت إِيل (تك12: 8) وارتحل منها إلى أرض الجنوب (تك 12: 9) وحدث جوع في الأرض فارتحل من هناك إلى مصر (تك12: 10) وهناك، خوفاً على حياته، ذكر لفرعون أن ساراي أخته دون أن يذكر أنها زوجته (تك12: 11 - 20) ثم من هناك عاد إلى أرض الجنوب في فلسطين (تك13: 1) وذهب من هناك إلى بيت إِيل (تك13: 3) ثم افترقا هو ولوط بسبب كثرة أملاكهما. فاختار لوط أن يذهب إلى أرض دائرة الأردن (تك13: 5 - 12) أما ابراهيم فسكن في أرض كنعان ونقل خيامه وأتى وأقام عند بلوطات ممرا وبقي هناك سنوات عديدة (تك13: 12?13?18). وأثناء إقامته عند بلوطات ممرا عمل عهداً مع ملوك الأموريين (تك14:13). وشن كدرلعومر ملك عيلام وحلفاؤه حرباً على ملوك الأموريين فانتصر عليهم وسبى لوطاً وأملاكه، ولكن ابراهيم كسرهم واسترجع لوطاً والنساء وكل الأملاك (تك14: 1 - 16) وعند عودته استقبله ملكي صادق ملك شاليم، فأعطاه ابراهيم عشراً من كل شيء وبارك ملكي صادق ابراهيم (تك14: 17 - 24) وقد وعده الرب حينئذ بوارث فصدق وعد الرب وآمن به فحسبه له براً وقد وعده الرب بميراث ارض كنعان وايد له هذا الوعد بعهد (تكص15) وأخذ ابراهيم هاجر جاريته المصرية زوجة فولدت له اسماعيل (تك ? 16) ولما كان ابرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر له الرب وغير اسمه من أبرام إلى ابراهيم ووضع له الختان علامة للعهد، وغير اسم ساراي امرأته إلى سارة، وكشف له مضمون العهد أن النسل الوارث سيكون من سارة وسيدعى اسمه اسحاق ويقيم الرب معه العهد (تك ? 17). ثم أعلن الرب لإبراهيم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع ابراهيم لأجل الأبرار هناك فأنقذ الرب لوطاً بيد ملاكين (تك ? 18?19). ومن عند بلوطات ممرا انتقل ابراهيم على أرض الجنوب وهناك أرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة لأن ابراهيم قال انها أختي ولكن الرب ظهر لأبيمالك في حلم ولم يدعه يمسها ولما عاقبه الرب على أخذه سارة ردها إلى ابراهيم. وصلى ابراهيم لأجله ولأجل بيته فرفع الرب العقاب عنه (تك ? 20). وافتقد الرب سارة فحبلت وولدت لابراهيم ابناً في شيخوخته لما كان ابن مئة سنة. ودعا اسمه اسحاق، وختن ابراهيم اسحاق ابنه (تك21:1 - 8). وقد ألحت عليه سارة من جهة هاجر وابنها فسمح له الرب فأبعدهما بابعادهما (تك21: 9 - 21) وبعد ذلك عمل ابراهيم عهدا مع ابيمالك عند بئر دعيت فيما بعد بئر سبع (تك21: 22 - 34). ولما كبر اسحاق أراد الرب أن يمتحن
(يُتْبَعُ)
(/)
ابراهيم فأمره بان يذهب إلى أرض المريا ويصعد ابنه محرقة هناك. وإذ كان على وشك تقديمه ذبيحة ناداه ملاك الرب قائلاً ((لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل شيئاً)) فرفع ابراهيم عينيه ونظر ? إذا كبش وراءه ممسكاًً في الغابة بقرنيه فأخذ ابراهيم الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه وبعد ذلك ذهبا معاً إلى بئر سبع (تك22: 1 - 9). ثم رجعوا إلى حبرون وهناك ماتت سارة وكانت سنو حياتها مئة وسبعة وعشرين ودفنها ابراهيم في قبر في مغارة المكفيلة التي اشتراها من بني حث (تك ?23). وبعد ذلك أرسل ابراهيم أليعازر الدمشقي إلى ما بين النهرين لكي يحضر لابنه زوجة من عشيرته فأحضر له رفقه بنت بتوئيل. وقابلها اسحاق عند بئر لحي رئي، فاتخذها اسحاق لنفسه زوجة، وكان حينئذ ابن أربعين سنة (تك ?24?25: 20). وبعد موت سارة أخذ ابراهيم لنفسه زوجة اسمها قطورة (تك25: 1 - 5) ومات ابراهيم لما كانت أيام سني حياته مئة وخمسا وسبعين سنة ودفن في مغارة المكفيلة (تك25: 7 - 10). ثانياً: إيمان ابراهيم كان آباء ابراهيم يعبدون آلهة غير الرب (يشوع 24: 2?14) فكانوا في اور الكلدانيين يعبدون آلهة كثيرة وبنوع خاص ((نانار)) إله القمر وزوجته ((ننجال)) وكان في أور على مرتفعة عالية بناء يشبه الهرم يسمى باللغة البابلية ((زجوراة)) وفوق ((الزجوراة)) معبد للإله ((نانار)). أما ابراهيم فقد آمن بالإله الواحد مالك السماء والأرض وإلههما (تك 14: 22? 24: 3) وديان الأمم وكل الأرض (تك 15: 14?18: 25) والذي كل قوات الطبيعة طوع أمره ولا يستحيل عليه شيء (تك 18: 14?19: 24?20: 17?18) وهو الإله العلي المرتفع (تك14: 22) وهو سرمدي أبدي (تك21: 33) ولم يكن الله لإبراهيم الإله الواحد فحسب بل كانت لإبراهيم معه علاقة شخصية وشركة روحية قوية (تك24: 14) ولذلك نال ابراهيم لقب ((خليل الله)) الذي ذكر في الكتاب ثلاث مرات (2 اخبار 20: 7 واش 41: 8 ويع2: 23) أما صفات الله التي نسبها ابراهيم إليه فهي: العدل (تك 18: 25) ? البر (تك 18: 19) ? الأمانة واللطف والحق (تك 24: 27) ? الحكمة والرحمة (قارن تك 20: 6) وقد آمن ابراهيم ان الله يطلب من البشر أن يتصفوا بالصفات الخلقية التي لله (تك 18: 19) وقد أعلن الله ذاته لإبراهيم في الرؤى والأحلام (تك 15: 1?20: 3) والظهور في شكل إنسان أو في شخص ملاك الرب (تك18: 1?22: 11) وحيثما سكن ابراهيم كان يقيم مذبحاً للرب ويدعو باسمه (تك 12: 7?8) وقد قدم صلوات تشفعية لأجل الآخرين ففي تك 17: 20 صلى لأجل اسماعيل وفي تك 18: 23 - 32 تشفع لأجل لوط، قارن هذا مع تك19: 20? وفي تك 20: 17 صلى لأجل أبيمالك وذلك لأنه عرف بأنه نبي. وقد عمل ابراهيم عهوده ومواثيقه واقسامه باسم الرب (تك14: 22? 21: 23? 24: 3) وقد قدم عشوره لملكي صادق كاهن الله العلي (تك14: 20) وقد مارس الختان كعلامة للعهد مع الرب (17: 10 - 14) وكان إيمان ابراهيم عظيماً إلى الحد الذي عنده كان مستعداً أن يقدم ابنه وحيده ذبيحة للرب ولكن الرب منعه من ذلك (تك 22: 2?12). وقد كانت حياة ابراهيم مع الناس مظهراً لإيمانه بالله وقد ظهر هذا في كرمه (تك13: 9? 14: 23 الخ.) وإضافة الغرباء (تك 18: 2 - 8) ? وإخلاصه ووفائه وأمانته، وحنوه ورقة عاطفته (تك 14: 14? 24?18: 23 - 32? 23: 29 وشجاعته (تك14: 14 - 16) إلا أنه أظهر ضعفاً مرتين عندما لم يقل الحق كله في ذكر علاقة سارة زوجته به (تك12: 18?20: 11). ثالثاً: مكانته في الكتاب المقدس: 1 - في العهد القديم: فإنه من زمن اسحاق وما بعده كان الرب (يهوه) يلقب بأنه ابراهيم (خروج3: 15) ويذكر الكتاب المقدس ان الرب ظهر لإبراهيم (خروج6: 3) واختاره (نحميا9: 7) وفداه (اش29: 22) وباركه هو ونسله واسطة بركة لجميع أمم الأرض (تك12: 3? 17: 18? 22: 17?18) ودعي ابراهيم خليل الله (2 اخبار20: 7? اش 41: 8). 2 - في العهد الجديد: يدعى ابراهيم في العهد الجديد أباً لبني اسرائيل (أعمال 13: 26) والكهنوت اللاوي (عب7: 5) وأباً للمسيح (مت 1: 1) ? وغلاطية (3: 16) وأباً لكل المسيحيين كمؤمنين (غلاطية 3: 29? ورومية 4: 11) أما البركات التي بورك بها فقد وردت في العهد الجديد بأسماء متنوعة منها ((الوعد)) (رومية4: 13) ((وبركة)) (غلاطية3: 14) ((ورحمة)) (لوقا 1: 54?55) ? ((القسم)) (لوقا 1: 73) ((والعهد)) (أعمال 3: 25) وقد قال المسيح ان ابراهيم رأى
(يُتْبَعُ)
(/)
يومه وفرح (يوحنا 8: 56) ويذكر العهد الجديد ابراهيم كمثال للتبرير بالإيمان (رومية4: 3?11? 18) وكذلك ذكره كمثال للأعمال الصالحة التي بها أكمل الإيمان (يع 2: 21 - 23) وطاعة الإيمان (عب 11: 8?17) وقد أشار المسيح إلى مكانته السامية بين القديسين في السماء (مت 8: 11 ولو 13: 28? 16: 23 - 31). رابعاً: ابراهيم والكشوف التاريخية الحديثة: لا يمكن أن نعين على وجه التحديد التاريخ الذي عاش فيه ابراهيم ولكنه ولد، وفقاً للتاريخ الذي حسبه الأسقف اشر، حوالي سنة 1996?.?. وقد اكتشفت آثار ونقوش في بابل ترجع إلى ذلك العصر ووجد عليها اسم ابراهيم في هذه الصيغ ((ابرامو)). ((ابمرام)) ? ((ابمراما)). وقد أظهرت الكشوف التاريخية الحديثة الحالة التي كانت عليها مدينة أور التي خرج منها ابراهيم كما كانت حينئذ. ويمكننا الآن أن نعرف من تلك الكشوف مقدار ما كانت عليه هذه المدنية من تقدم في المدينة، وكذلك يمكننا ان نعرف نوع الوثنية التي نشأ فيها ابراهيم في أور والتي خرج منها بناء على دعوة إلهية. ويمكننا أن نعرف العلاقة التي كانت بين أور وحاران لأن المدينتين كانتا تعبدان إلهاً واحداً هو إله القمر. وكذلك أظهرت الكشوف أن بعض المدن القديمة القريبة من حاران كانت تحمل أسماء أفراد أسرة ابراهيم كما ورد ذكرها في الكتاب المقدس، فمن ضمن هذه مدن فالح وسروج وناحور وتارح (قارن هذه مع تك 11: 16 - 26) وقد أظهرت عقود الزواج التي اكتشفت في مدينة نوزي في شمال ما بين النهرين أن العلائق التي كانت بين ابراهيم وسارة وهاجر كانت وفقاً للنظم ? القوانين التي كانت سائدة في ذلك الحين في تلك البلاد. ومع أن أسماء الملوك المذكورين في تك ?14 لم تكتشف بعد إلا أن الكشوف التي وجدت دلت على أن كثيرين من ملوك بابل كانوا يقومون بحملات على كنعان في ذلك الحين. وكذلك دلت الكشوف والبحوث التاريخية على أن الأقاليم المجاورة للبحر الميت أي ((أرض دائرة الأردن)) كانت عامرة آهلة بالسكان إلى حوالي سنة 2000 قبل الميلاد وبعد ذلك وقعت كارثة مروعة وصفها بعضهم بأنها شبيهة بانقلاب بركاني أو بانفجار ذريع في جوف الأرض اندلعت منه نيران ولهب ارتفعت في الجو ثم نزلت على الناس نزول المطر ونتيجة لذلك خربت تلك البقاع وبقيت بلقعاً خالياً خاوياً مدة قرون عديدة.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[14 Sep 2009, 04:06 م]ـ
عندنا موضوع مسجل لرسالة ماجستير بعنوان: قصة إبراهيم عليه السلام بين القرآن الكريم والدراسات الإناسية المعاصرة ...
وكما يعلم البعض فإن هناك تياراً أركيولوجياً! ينكر وجود إبراهيم عليه السلام ويعتبره أسطورة .. وقد كان الهدف من البحث هو الرد على المنكرين سواء من الأوربيين أم العلمانيين العرب الذين هم بطبيعة الحال أذناب لأولئك ...
نرجو من الإخوة ممن لديهم اهتمام بهذا الجانب أن يمدنا ببعض المصادر، أو يفيدنا بأسمائها لنبحث عنها ..
عندنا نقص في المادة العلمية التي تناقش المنكرين ... والقائلين بالأسطورية ..
نرجو الفائدة من المهتمين ... وفقكم الله وبارك فيكم ..
لماذا تعطى قيمة للمجانين
الرد على المنكرين لوجود الشمس أظنه من السفه.
هل كل من قال شيئاً من الهراء يرد عليه؟
إذا كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام أسطورة فليكن محمد صلى الله عليه وسلم أسطورة!!!
إن الرد على مثل هؤلاء رفع من أقدارهم وترسيخ لمرادهم من التشكيك في الثوابت المتواترة عند البشر.
هناك مثل يقول: عالجها تبرأ بل اقطعها تبرأ
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[15 Sep 2009, 12:18 ص]ـ
الأخ حجازي:
لعل هؤلاء الذين ينكرون الشمس عميان، نريد أن نعالج لهم أبصارهم حتى يبصرونها. أو نقنعهم بوجودها بالعقل بدلاً من البصر.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[16 Sep 2009, 03:32 ص]ـ
الأخ حجازي:
لعل هؤلاء الذين ينكرون الشمس عميان، نريد أن نعالج لهم أبصارهم حتى يبصرونها. أو نقنعهم بوجودها بالعقل بدلاً من البصر.
وفقك الله وأنار بصيرتك وسدد خطاك ونفع بك
ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[16 Sep 2009, 04:15 ص]ـ
أشار الشيخ سفر إلى هذا في برنامجه تاريخ العقيدة ...
ولكنه لم يركز كثيرا على المنكرين بقدر ما ركز على (المحرفين) لسيرته ...
وهم (علماء أهل الكتاب) الذين يتجاوزون نبوته وهجرته وقصته مع الملك وقصة إحراقة التي لم تذكرها إلا الكنائس الشرقية دون الغربية ـ يتجاوزون كل هذا إلى قصته مع (ملك صادق) لأنه بارك له وأعطاه موعود الرب بالأرض (أرض الكنعانيين) له ولذريته ....
وكثيرا ما يشير الشيخ إلى كتاب العقاد (إبراهيم أبو الأنبياء) لأن العقاد كثيرا ما يستدل بكتبهم وينقل عنها نصوص نادرة ...
وخلص الشيخ:
بأن إنكار من أنكر إبراهيم جاء ردة فعل لمن (حرف قصته) عليه السلام،،، وحرف قصص الأنبياء ...
ولعل (الفوائد االعوالي من تاريخ العقيدة للشيخ الحوالي) يفيدكم شيخنا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[11 Jan 2010, 11:51 م]ـ
منكروا ما لا يرونه الآن ولا وقفوا له على أثر مذهب قوم يعرفون بمنكري الشرائع وقد وقفت على رد عليهم بليغ سطره الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في كتاب الفصل وفي رسالته في مراتب العلوم وفي كتب له أخرى ورده بديع يستفيد منه النبيه و يصلح إن شاء الله للرد على أصل الشبهة التي يقيس عليها منكروا وجود إبراهيم وموسى وغيره من أنبياء الله تعالى.
وسأوافيكم بكلامه لتنظروا فيه وتأصلوا أجوبتكم نسجا على منواله بعد حين
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[12 Jan 2010, 04:27 م]ـ
قال أبو محمد ابن حزم في الجزء الأول من كتاب الفصل:
[[ ... الأشياء لها طرق توصل إلى صحة اليقين بها عند من لم يشاهدها كصحتها عند من شاهدها ولا فرق وهي نقل الكافة التي قد استشعرت العقول ببدائهها والنفوس بأول معارفها أنه لا سبيل إلى جواز الكذب ولا الوهم عليها وأن ذلك ممتنع فيها. فمن تجاهل وأجاز ذلك عليها خرج عن كل معقول ولزمه أن لا يصدق أن من غاب عن بصره من الانس أحياء ناطقون.
ويلزم من لم يصدق خبر الكافة ويجيز فيه الكذب والوهم أن لا يصدق بأن أحداً كان قبله في الدنيا ولا أن في الدنيا أحداً إلا من شاهد بحسه. فإن جوز هذا عرف بقلبه أنه كاذب وخرج عن حدود من يتكلم معه لأن هذا الشيء لا يعرف البتة إلا من طريق الخبر لا غير.
فإن نفر عن هذا وأقر بأنه قد كان قبله ملوك وعلماء ووقائع وأمم وأيقن بذلك ولم يكن في كثير منها شك بل هي عنده في الصحة كما شاهد ولا فرق سئل من أين عرفت ذلك؟ وكيف صح عندك؟
فلا سبيل له أصلاً إلى أن يصح ذلك عنده إلا بخبر منقول نقل كافة.
فنقول له حينئذ فرق بين ما نقل إليك من كل ذلك وبين كل ما نقل إليك من علامات الأنبياء ولا سبيل له إلى الفرق بين شيء من ذلك أصلاً.
فإن قال الفرق بينها وبينها أنه لا ينكر أحد هذه الأمور وكثير من الناس ينكرون أعلام الأنبياء.
قيل له: إن كثيراً من الناس لا يعرفون كثيراً مما صح عندك من الأخبار العارضة لمن كان قبلهم في بلادك فليس جهلهم بها ودفعهم لها لو حُدِّثُوا بها مُخرجاً لها عن الصحة.
وكذلك جحد من جحد أعلام الأنبياء ليس مخرجاً لها عن الوجوب والصحة.
فإن قال: إنه ليس نجد الناس على الكذب فيما كان قبلنا من الأخبار ما نجدهم على الكذب في أعلام النبوة.
قيل له: هذا كذب بل الأمران سواء لا فرق بينهما, ومن الملوك من يشتد عليهم وصف أسلافهم بالجور والظلم والقبائح ويحمي هذا الباب بالسيف فما انتفعوا بذلك في كتمان الحق. قد نقل ذلك كله وعرف كما نقلت فضائل من يغضب ملوك الزمان من مدحه ... وقد رام المأمون والمعتصم والواثق على سعة ملكهم لأقطار الأرض قطع القول بأن القرآن غير مخلوق فما قدروا على ذلك.
وكل نبي فله عدو من الملوك والأمم يكذبونهم فما قدروا قط على طي أعلامهم ولا على تحقيق ما زادوا على ذلك ... فصح أن الأمرين سواء وأن الحق حق.]] نقلته بتصرف يسير لا يخل بالمعنى
ـ[محمد كالو]ــــــــ[02 Dec 2010, 08:17 ص]ـ
هناك أيضاً رسالة بعنوان: (إبراهيم عليه السلام في أسفار اليهود ـ عرض ونقد) تقدمت بها الباحثة فاطمة بنت خالد ردمان لنيل درجة الماجستير عام 2001م في جامعة أم القرى ـ قسم العقيدة، والرسالة متوفرة على الشبكة.(/)
هى أفضل الحسنات
ـ[أبا الوليد]ــــــــ[23 Apr 2009, 12:11 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي, قَالَ:
"إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنةً تَمْحُهَا"
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؟
قَالَ: "هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ".
أخرجه أحمد (5/ 169، رقم 21525) وحسَّنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3/ 361).
أسألكم الدعاء بظهر الغيب(/)
هل اهل السنة يقولون بان للقران ظاهر وباطن؟!!
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[27 Apr 2009, 10:28 ص]ـ
الاخوان الافاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من اكبر قوادح العقيدة لدى الباطنية قولهم بان للقرآن الكريم ظاهر وباطن
وعندما واجهت احدهم بذلك قال بان اهل السنة يقولون نفس الشيء
وذكر ان ابن كثير ذكر في مقدمة تفسيره:
فصل في علوم القرآن ذكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب قانون التأويل إن علوم القرآن خمسون علماًً وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، قال بعض السلف إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومقطع وهذا مطلق دون اعتبار تراكيبه وما بينها من روابط وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله عز وجل،
بحثت ولم اجد هذا الكلام لابن كثير ولكنه للزركشي في كتابه البرهان في علوم القران
فما هو الرد العلمي الصحيح على هذا الادعاء؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Apr 2009, 11:11 ص]ـ
مقصود المفسرين بالباطن الذي تدل عليه اللفظة أو الآية أو تحتمله هو الاستنباط الذي يمكن أن يستنبط من اللفظ أو الآية بطريقة صحيحة من طرق الاستنباط وليس المعنى المتبادر الظاهر الذي تدل عليه الاية ويفهمه غالب من يقرؤها. مثال ذلك استنباط قرب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال سورة النصر، فهو لا يدل عليه ظاهر لفظ الآية، ولكن يفهم ذلك منها فهماً كما فعل ابن عباس وعمر، ونحو ذلك من المعاني الدقيقة التي تؤخذ من الآيات، وقد أشار إلى ذلك الطحاوي رحمه الله في مقدمته لكتابه أحكام القرآن.
وأما المعنى الباطن الذي يذكره أهل الباطن فهو معنى لا تدل عليه اللفظة أو الآية ولا يعتمد في فهمه على قاعدة صحيحة، وإنما اتباعاً للتشهي والهوى، وغالبها من الفهم الخاطئ للقرآن ولا يجوز حمل آيات القرآن عليه.
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[27 Apr 2009, 11:42 ص]ـ
شيخنا الفاضل عبد الرحمن الشهري جزاك الله كل خير وبارك فيك
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[27 Apr 2009, 03:20 م]ـ
وأما المعنى الباطن الذي يذكره أهل الباطن
لعل مراد الشيخ بأهل الباطن: الباطنية , أما (أهل الباطن) بإطلاق فهو مصطلح أوسع , إذ يشمل أهل الاستنباط الصحيح في مقابل (أهل الظاهر) , واستنباطات عامة الصوفية , واستنباطات أهل الإشارات., ونحوهم.
وقصدي من هذا أن نفرق بين القول بالباطن بإطلاق - ومنه باطنٌ صحيح - , وبين القول بباطن الباطنية ونحوهم من المؤولة , فإن باطنهم باطلٌ لأنهم يقصرون معنى الآية عليه , ولا يأخذون بالظاهر منها قبل ذلك , ويتوصلون بباطنهم إلى باطل لا تأتي الشريعة بمثله.
أما الباطن الذي يذهب إليه بعض أهل السنة فهو معنى صحيح تدل عليه الآية لا بظاهرها وإنما يستنبط منها , وله شرط وضوابط وليس بالأهواء والتشهي.
وللفائدة ينظر: معالم الاستنباط في التفسير ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=70789)
ـ[خلوصي]ــــــــ[23 May 2009, 09:19 ص]ـ
و من الباطن غير الباطل المعاني الإشارية الصحيحة التي ذكرها أمثال الأستاذ النورسي ..
و الأعجب من ذلك المعاني الإشارية لا للألفاظ المفردة بل لمجمل ورودها في الكتاب العزيز!
و هو باب ربما جاء جديدا في هذا العصر .. و منه القصة التي وقعت لعالم ياباني أسلم على إثرها و هي عن التين و الزيتون و كيف أشارت ألفاظ التين و الزيتون كلها إلى حقيقة علمية حديثة جدا!؟!
و القصة أوردتها " الإسلام اليوم " و أمهلوني قليلا آتكم بها بإذن الله.(/)
تحريف القران
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[28 Apr 2009, 08:24 ص]ـ
صدر في الشبكة العنكبوتية كتاب كبير لرجل يدعى ابو العباس الرازي واسم الكتاب "اعلام الخلف بمن قال بتحريف القران من اعلام السلف" فهل قام احد من الباحثين برد عادية الكتاب وصاحبه عن اعلام المسلمين؟
لمن يعرف ارجو ان يتكرم بافادتنا وله شكرنا
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[28 Apr 2009, 12:01 م]ـ
صدر في الشبكة العنكبوتية كتاب كبير لرجل يدعى ابو العباس الرازي واسم الكتاب "اعلام الخلف بمن قال بتحريف القران من اعلام السلف" فهل قام احد من الباحثين برد عادية الكتاب وصاحبه عن اعلام المسلمين؟
لمن يعرف ارجو ان يتكرم بافادتنا وله شكرنا
كل كلامه ساقط وأقل من أن يرد عليه.
وفي كتب المسلمين المبينة لعقائد الشيعة المنحرفة ما يغني عن الرد على مثل هذا النكرة.
ويكفي أن الشيعة اليوم تمجد الخميني الهالك ويدينون له ولثورته بالولاء المطلق مع ما في أقواله من الكفر والإلحاد، وهذه بعض أقواله قبحه الله وقبح ما قال:
"يقول: (إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب و لا نبي مرسل .. و قد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب و لا نبي مرسل). انظر الحكومة الإسلامية ص 52.
و يقول الخميني الهالك عن الغائب المنتظر: (لقد جاء الأنبياء جميعاً من أجل إرساء قواعد العدالة لكنهم لم ينجحوا حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية .. لم ينجح في ذلك و إن الشخص الذي سينجح في ذلك هو المهدي المنتظر). من خطاب ألقاه الخميني الهالك بمناسبة ذكرى مولد المهدي في 15 شعبان 1400 هـ.
ويقول أيضاً في خطاب ألقاه في ذكرى مولد الرضا الإمام السابع عند الشيعة بتاريخ 9/ 8/1984م: (إني متأسف لأمرين أحدهما أن نظام الحكم الإسلامي لم ينجح منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، وحتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستقم نظام الحكم كما ينبغي).
بل ويتهم الخميني النبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ الرسالة كما ينبغي يقول في (كتاب كشف الأسرار ص 55): (و واضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر الله به وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه).
وقال أيضاً: في كتاب كشف الأسرار صفحة 154: (و بالإمامة يكتمل الدين والتبليغ يتم).
و يصف أئمتهم بقوله (لا يتصور فيهم السهو والغفلة). الحكومات الإسلامية ص 91.
و يقول الخميني (تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن). الحكومة الإسلامية ص 113.
و ينسب لهم صفة الألوهية فيقول: (فإن للإمام مقاماً محموداً و خلافة تكوينية تخضع لولايتها و سيطرتها جميع ذرات الكون)."
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[28 Apr 2009, 03:07 م]ـ
دعوة للاهتمام بأبحاث جلغوم
إن صدور مثل هذه الكتب التي تتهم القرآن بالزيادة والنقصان، والإضافة والحذف،وما أشبه ذلك، تستدعي الاهتمام بالإعجاز العددي، والتفهم لما يكتبه عبدالله جلغوم عن إعجاز الترتيب القرآني في سور القرآن - بدل التصدي له بصورة غوغائية - ذلك أن عدد سور القرآن وترتيبها لا يقبل ادنى تدخل، وقد اودع الله في ترتيب سور القرآن ما يكفي من الأدلة على موقع كل سورة وعدد آياتها. مما يعني في النهاية أن وصول القرآن إلينا على النحو الذي هو عليه، أنه لم يتعرض لأي تحريف كما يزعم المشككون والمفترون.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[28 Apr 2009, 03:26 م]ـ
دعوة للاهتمام بأبحاث جلغوم
إن صدور مثل هذه الكتب التي تتهم القرآن بالزيادة والنقصان، والإضافة والحذف،وما أشبه ذلك، تستدعي الاهتمام بالإعجاز العددي، والتفهم لما يكتبه عبدالله جلغوم عن إعجاز الترتيب القرآني في سور القرآن - بدل التصدي له بصورة غوغائية - ذلك أن عدد سور القرآن وترتيبها لا يقبل ادنى تدخل، وقد اودع الله في ترتيب سور القرآن ما يكفي من الأدلة على موقع كل سورة وعدد آياتها. مما يعني في النهاية أن وصول القرآن إلينا على النحو الذي هو عليه، أنه لم يتعرض لأي تحريف كما يزعم المشككون والمفترون.
الأخ عبد الله جلغوم
السلام عليكم ورحمة الله
(يُتْبَعُ)
(/)
لك أن تبحث فيما تشاء بشرط عدم مخالفة الثوابت من دين الإسلام.
أما ثبوت القرآن وسلامته من الزيادة والنقص فهذا أمر مقطوع به عند الأمة وليس متوقف على أبحاث جديدة تثبت هذه القضية.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[28 Apr 2009, 04:06 م]ـ
الأخ عبد الله جلغوم
السلام عليكم ورحمة الله
لك أن تبحث فيما تشاء بشرط عدم مخالفة الثوابت من دين الإسلام.
أما ثبوت القرآن وسلامته من الزيادة والنقص فهذا أمر مقطوع به عند الأمة وليس متوقف على أبحاث جديدة تثبت هذه القضية.
الأخ الفاضل محب القرآن:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أنا وأنت نؤمن بأن القرآن محفوظ بتعهد من الله، ومن معاني الحفظ عدم حدوث النقص أو الزيادة في سوره،أو تقديم ما حقه التأخير، أو العكس.
وهذه من أكبر نعم الله علينا، أننا مسلمان.
ولكن، هناك غيرنا في هذا الكون، لا يفكر بالطريقة التي نفكر بها، إن ما قد يكون مقنعا لنا ليس بالضرورة أن يكون مقنعا لغيرنا، وإلا لتحول الكون كله إلى الإسلام. لا يكفيه أن نقول له: إن كل سورة في القرآن في مكانها المحدد لها. سيقول لنا: ما الدليل؟ كيف؟ وما دمنا نقدم القرآن له على أنه الكتاب الذي لم يتعرض لأي تحريف، فله الحق أن يطالبنا بالأدلة، والأدلة التي أعنيها يجب أن لا تكون آيات من القرآن.
كما أن من حق غيرنا أن يدعي أن الكتاب الذي يؤمن به محفوظ، ومن حقنا مطالبته بالدليل ..
فالمسألة ليست حكرا علي وعليك، هناك من هم بحاجة إلى الأدلة التي تثبت لهم أن القرآن كتاب محكم منظم في سوره وآياته، وليس كما يزعم بعضهم أنه فوضوي النظام لا يخضع لأي معيار عقلي أو منطقي.
دعني أوضح هذا الكلام بمقارنة مع النظام الكوني:
لا شك أن النظام الكوني محفوظ بقدرة الله، كل شيء فيه بحساب ونظام، ولو لم يكن كذلك ما استطعنا التنبؤ بأوقات الكسوف والخسوف، ووضع التقاويم. ما الذي أمكننا من التنبؤ بأن موعد الكسوف التالي سيكون في اليوم كذا والساعة كذا؟ لأن الكون يجري وفق قوانين منضبطة.
وسؤالي هنا: هل معرفتنا لبعض أسرار هذا النظام الكوني هي الدليل على انه محفوظ؟ طبعا لا، هو محفوظ سواء علمنا تلك الأسرار أم لم نعلمها. ولكن علمنا بها أمكننا من الهبوط على سطح القمر مثلا. أيجوز بعد أن نقول لمن يريد اكتشاف هذه القوانين، أننا لسنا بحاجة إلى ذلك، لأننا نؤمن بأن الكون منظم ومحفوظ بقدرة الله؟
وكذلك، القرآن محفوظ بتعهد من الله سبحانه، ونحن نؤمن بذلك، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هذا الحفظ وفق قوانين رياضية، كما لا يمنع عن البحث ومحاولة اكتشافها، ولا بد أن يكون لذلك العمل فوائده التي ستعرفها فيما بعد.
ـ[محمد براء]ــــــــ[28 Apr 2009, 06:52 م]ـ
والتفهم لما يكتبه عبدالله جلغوم عن إعجاز الترتيب القرآني في سور القرآن
قرأنا وتفهمنا ..
فوجدناها أبحاثاً لا تصمد أمام التحقيق العلمي.
وصاحبها لا يستطيع الدفاع عنها.
وهذا نموذج وفيه كلام أظنه جامعاً مختصراً عن حال جلغوم وأبحاثه:
http://www.tafsir.org/vb/showpost.php?p=77099&postcount=6
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[28 Apr 2009, 07:21 م]ـ
بسم الله الحمن الرحيم
يقول سبحانه في سورة الجمعة:
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ {1} هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ {2} وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {3} ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {4} مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {5}
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[29 Apr 2009, 07:32 م]ـ
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=15854(/)
مقالة قيمة عن (الجدل حول حفظ القرآن) للباحث أبي يعرب المرزوقي
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 Apr 2009, 05:23 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
عثرت على هذا المقال الرائع للدكتور أبي يعرب المرزوقي الباحث المغربي في موقع الملتقى الفكري للإبداع، وكان يتحدث حول كتاب (مدخل إلى القرآن الكريم) للدكتور محمد عابد الجابري الذي اثار الكثير من النقاشات مؤخراً. وقد حاول أبو يعرب المرزوقي إعادة النقاش إلى أصله بغض النظر عن موقفه الشخصي من الكتاب ومضمونه، وذكر إثباتات وأدلة قيمة لإثبات صحة النص القرآني من داخله وخارجه قلَّ من ينبه إليها من العلماء، وقد أحسن نقاش الجابري بنفس منقطه وأسلوبه في الحجاج والجدل، وأدعو الزملاء إلى قراءة هذه المقالة بتأني وإعادة قراءتها للاستفادة منها، مع بعض المؤاخذات العلمية الطفيفة على الباحث وفقه الله في مسائل علمية ليست بذات أثر في صلب الموضوع.
سألني الكثير من الأخوة الأفاضل رأيي في ما يدور حاليا من جدل حول كتاب الجابري في القرآن الكريم وبالذات حول قابلية القرآن للزيادة والنقصان أعني حول مسألة الحفظ. ولما كان الكلام يدور حول معتقد وليس حول معرفة فإني أرفض الدخول في النزاع الجدلي الدائر وأكتفي بالسؤال العام عن طبيعة المسألة ماهي. فلعل الإجماع حاصل حول الدافعين الأساسيين اللذين يفسر بهما السؤال عن صحة القرآن وما ينتج عنها من خلل منهجي يجعل أدوات المعرفة كاشفة أو حاجبة للممكن منها للإنسان:
1 - الدافع الأول هو الصراع العقدي بين الفرق لكونه يتحول حتما من طلب للحقيقة حول موضوع النقاش إلى الدفاع المتعصب عن خيار لأحد فهومه.
2 - الدافع الثاني هو محاولة العودة بالنقاش إلى طلب الحقيقة بشروطها وحدودها ومن ثم تحرير المسألة من الصراع العقدي بين الفرق.
لكن المشكل كله يكمن في كون الجميع يدعي الانتساب إلى الصف الثاني ويتهم خصيمه بالانتساب إلى الصف الأول. لذلك فالبداية ينبغي ألا تكون البحث في المسألة ذاتها بل في علامات الموقفين للتمييز بينهما. ومن ثم فما أورده هنا لن يتعلق بمحاولة الجابري ولا بالموقف منها في التعليقات عليها أو لها بل هي لمحاولة الجواب عن الأسئلة التالية:
هل طرح هذه القضية بهدف الحسم في مسألة إثبات الحفظ أو نفيه قضية يمكن الخوض فيها علميا بصورة يمكن للعقلاء أن يصلوا فيها إلى نتيجة مقبولة عقلا؟
وقبل ذلك هل هي قضية تستحق أن تكون موضع خلاف بين العقلاء سواء كانوا مؤمنين أو ملحدين فيسعون لعلاجها بصورة تتعالى على هذين الخيارين؟
وقبل هذا القبل أليس من الواجب أن نسأل: عن مقدار الدقة في المعرفة التاريخية الممكنة بصحة النصوص ما هو خاصة عند فقدان الحامل المادي للوثيقة القابلة لتحديد عمرها تحديدا علميا؟
وبذلك يكون السؤال الجامع: هل من المعقول أن نجعل مجرد الاستقراب والاستبعاد الجدليين حقائق علمية نناطح بها المعتقدات الإيمانية كما يفعل جل العلمانيين العرب الذين يتصورون تاريخ النصوص قابلا للفصل في مسائل الخلاف بين الموقفين الإيماني واللا إيماني؟
المنطق الزائف عقلا ونقلا أو علما وعقدا أن مسألة التصديق بأن القرآن من الله أو ليس منه وبأن ما في المصحف هو ما نزل على الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- كله أو بعضه أو هو يتضمن أو لا يتضمن منحولات كل ذلك ليس مما يعني المعرفة العلمية إثباتا ولا مما يعني العقد الديني نفيا. إنها مسألة عديمة المعنى بالنسبة إلى المؤمن بالقرآن. وهي كذلك مسألة فاقدة لكل معنى بالنسبة إلى غير المؤمن به على حد سواء. وكل ما يدندن به المتعالمون الذي يريدون أن يقيسوا القرآن بالنصوص المتقدمة عليه في الزمان من دون اعتبار الفوارق الموضوعية والتاريخية لا ينتسب إلى العلم بل إلى مجرد التقليد الإيديولوجي: والعلة هي التعميم العامي الذي وصفه أرسطو عند الطفل يعتبر كل رجل أبا وكل امرأة أما له وكذلك ما يبدو نقيضه وهو عينه عندما لا يعتبر الطفل أباه رجلا ولا أمه امرأة.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك يفعل العلماني بالتعميم العامي إذ يعتبر كل النصوص الدينية مطلقة التماثل أو مطلقة الاختلاف من دون اعتبار للمحددات الموضوعية والظرفية المميزة بينها. إن مسألة الصحة التامة لنص القرآن بمقتضى مبدأ الحفظ الإلهي إذا نظرنا إليها من وجهها المعرفي فإنها تكون وكيفما قلبناها عديمة المعنى في العقد وفي العلم على حد سواء للعلل التالية:
1. فإذا أخذنا المسألة كمسألة إيمانية كان طرحها فاقدا لكل معنى كإشكال معرفي لأن المؤمن بالمصدر الإلهي للقرآن مؤمن بحفظ الله له في آن. وكل علم يزعمه صاحبه مشروطا بمناقضة هذا الإيمان لا معنى له عند المؤمن. فالمؤمن يمكن أن يرد على صاحب هذا العلم المزعوم: ما يدريك فلعل ما حصل مما تزعمه من زيادة أو إنقاص في النص -تسليما بحصوله-جزء من مفهوم الحفظ ومقصودا فيه (والقرآن يقدم لنا حالة من مثل ذلك بنظرية النسخ والإنساء في بعض الحالات)؟
ذلك أنه بالنسبة إليه حتى إذا حصل إنقاص فقد كان ذلك لحذف ما زيد بخلاف الحفظ وإذا حصلت زيادة فللعلة المقابلة تسليما جدليا بحصول أحدهما أو كليهما وردا إياه إلى الحفظ خاصة والقرآن الكريم كما أسلفنا يشير إلى حالة من هذا الجنس حصلت للنبي نفسه هي الآيات التي نسبت إلى التمني الشيطاني ونسخت نصا ومعنى لهذه العلة.
2. وإذا أخذناها كمسألة معرفية من دون الإيمان فإن هذا البحث لن يقدم المعرفة إلا كالحال في مباحث الحديث والصحة التاريخية مع غياب الدافع الوحيد المبرر لمثل هذا السؤال إذ أي معنى للتمييز بين الصحيح وغير الصحيح لمن يعتبر الدين كله خرافة؟ بالمعنى العلمي الوضعي كل النصوص من صنع الإنسان ومن ثم فالمسألة تصبح معرفة الإنسان الصانع وليس معرفة الصحيح من غير الصحيح. ثم إن طارح المسألة المعرفية لا يعنيه إلا وجود الشيء ولا معنى عنده لما هو من أصل الرسالة والمنحول إذا هو يعتقد أن الرسالة نفسها من عمل البشر ومن ثم فهو عنده بالجوهر منحول على الله. فأي معنى عندئذ للتمييز بين النوعين عند واضع السؤال على هذا النحو وكلاهما نحل على الله سواء كان من الرسول نفسه أو ممن أضاف إلى كلام الرسول لعدم الإيمان بما يتجاوز المعطى المادي المدرك بالحس في هذه الحالة؟
3. بل أكثر من ذلك فالمسألة المعرفية إذا سلمنا بأن نعتبرها ذات معنى فإنها قد لا تكون كذلك إلا بين المؤمنين إذا أخذناها من وجهها العملي لأن المؤمن بالرسالة يمكن أن يكون قد اعتبر بعض أعدائها قد أفسدوها-وهو معنى التحريف القصدي أو غير القصدي-فيحاول تصفيتها ليصحح عقيدته من حيث ما يترتب عليها من عبادة. فلا تكون المسألة مهمة بوصفها مسألة نظرية بل بوصفها مسألة عملية: الهدف منها هو التمييز بين ما قال الرسول وما لم يقل للعمل بما قال ورفض المنحول عليه أو لتحديد مضمون التعاليم ما منها وما ليس منها.
4. وكيفما كان الأمر ففي كل هذه الحالات لا بد أن يتقدم العلم بنظام العقد القرآني قبل طرح السؤال العقدي والمعرفي والعملي. ونظام العقد في أي نص لا يتحدد إلا من منطلقين إذا أردنا للتحديد أن يكون موضوعيا وليس مقيسا بالمواقف العقدية:
1 - إما من جنس الخبر من حيث شكله أو.
2 - من المخبر عنه من حيث مضمونه.
فإذا اعتمدنا المعيار الأول وكنا من القائلين بأن النصوص الدينية تعود إلى الجنس الأسطوري كان التمييز بين الصحيح وغير الصحيح دالا على سخف صاحبه.
وإذا اعتمدنا المعيار الثاني كان السائل مناقضا لذاته: فلا يمكن أن يدعي الباحث أنه يملك نظام موضوع الخبر من خارج خطاب الخبر. وتلك هي عاهة المتكلمين على الواقع معيارا لمحاكمة النصوص: لا يفسرون لنا كيف يصلون إلى هذا الواقع من خارج النصوص؟ أليسوا هم في الحقيقة يحاكمون نصا حول ما يسمونه واقعا بنص آخر حوله وليس نصا بواقع؟
فحامد أبو زيد - مثلا- يظن نفسه قائسا النص القرآني بما يسميه واقعا وهو في الحقيقة يقيسه بصورة الماركسية عن الواقع، بل أكثر من ذلك فهو لا يقيسه بالصورة الماركسية بعد أن أثراها أصحابها بنقد شكلها البدائي بل هو يقيسه بأكثر أشكالها بدائية حيث يفسر الرمزي بالمادي بالتناقض التام مع مفهوم الجدل من أصله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن البين أن من لا يؤمن بأن القرآن من الله وأنه من أساطير الأولين لا معنى لبحثه في الصحة وجودها وعدمها إلا إذا كان القصد: هل هو مما قاله الرسول حقا أو مما انتحله عليه غيره كما يفعل عتاة الرافضة إذ يتهمون أمانة الخلفاء الأول أعني مسألة تاريخية بحتة. فترد المسألة إلى أحد وجهين:
- وجه يغلب على النقد الأدبي وفيه يكون الكلام على المطابقة للحقيقة من علامات الجهل بمعنى الأدبية: فالتعامل مع القرآن كنص أدبي لا يختلف سواء كان المؤلف واحدا أو كثيرا ومهما قل التناص أو كثر.
- ووجه يغلب على نقد الحديث والسنن هو أمر لا يعني إلا المؤمنين بها لأن غيرهم يعتبرها كلها من وضع البشر ولا معنى للتمييز بين الصحيح وغير الصحيح فيها.
إن عملية تنقية الحديث ليست ذات معنى علمي بالمعنى التاريخي إلا بين المؤمنين وهي تتعلق بمعركة بينهم في مسألة تاريخية حول أمانة المبلغين للحديث أو للقرآن رادين إياها إلى مسألة أمانة الرواية وصدقها. لكن هل ما يصح على الحديث يصح على القرآن إذا لم نهمل المعطيات التاريخية المجمع عليها حتى من المجادلين في القرآن: علميا وعقديا؟
فتاريخيا يعلم الجميع بعدم تدوين الحديث خلال حياة الرسول عدمه الثابت حتى عند المشككين في كتابة القرآن المباشرة لأن ذلك يمثل علة تشكيكهم في السنة التشكيك الذي نقلوه إلى القرآن. ويقتضي المنطق عند كل ذي عقل أن ثبوت عدم كتابة الحديث المباشرة (والنهي عنها) دليل على ثبوت كتابة القرآن المباشرة (والأمر بها). فالنهي عن كتابة الأول تفترض الأمر بكتابة الثاني حتما حتى لو كان ذلك بمجرد مبادرة المؤمنين وليس بأمر من الرسول.
5. وأخيرا فهبنا قبلنا أن المسألة يمكن أن تكون معرفيا ذات دلالة للتمييز بين ما هو من الرسالة وما ليس هو منها - بمعنى المعرفة التاريخية - فإنها مسألة لا تقدم ولا تؤخر من يريد أن يدرس الظاهرة الدينية دراسة علمية بالمعنى الوضعي للكلمة. فلا معنى للدراسة العلمية الوضعية للظاهرة الدينية –أعني الدراسة الانثروبولوجية للمعتقدات والذهنيات-لا معنى لدراستها من خارجها حكما لها أو عليها لأن كل ما فيها هو منها إذ كونه منها يعني أن أصحابها المؤمنين بها يعتقدون أنه منها ولا شيء سوى ذلك. ولا يهم أن يكون ذلك قد توالى من حيث التكوينية قبل أن يصل إلى شكله النهائي كما تتوالى طبقات أي شأن رمزي في الضمير الجمعي.
النتيجة: كل الخلافات حول بعض القرآن خلافات لم ينكرها أحد وهي ترد عند التمحيص إلى أمانة المسلمين في إخبارهم عن نصهم لأن الإبقاء عليها دليل على الأمانة فضلا عن كونها مما يقبل الرد إلى نقائص الكتابة أو اختلاف اللغات بشرط أن نستثني خرافات دعاوى الغلاة من الفرق أو مزاعم من يقيس القرآن الذي نزل على أمة سيدة على ذاتها على الكتابين المتقدمين عليه اللذين نزلا على أمة خاضعة للاستعمار الأجنبي.
وعقديا يميز المسلمون في ما جاء به الرسول بين كلام الله وكلامه. والأول فوق التاريخ ولا يقبل العلاج التاريخي والثاني تاريخي ومن ثم فهو يقبل العلاج التاريخي. وحاصل الأمر وزبدته أن معرفة ما هو من القرآن وما هو ليس منه تبقى في كل الحالات مشروطة بأمرين يحددهما القرآن نفسه:
أولهما هو نظام عقد القرآن نظامه الذي نفترضه لكي نميز بين ما ينتسب إليه وما لا ينتسب إليه سواء انطلقنا بهدف عملي عند المؤمنين أو بهدف المعرفة التاريخية عند غير المؤمن به. ومن ثم فمسألة نظام العقد القرآني متقدمة وهي عندي من جنس نظرية بنية الكائن الحي التي تمكن من الاستنتاج العلمي في حالة علم الإحاثة مثلا: فلو لم يكن لنا نظرية في بنية الكائن الحي لما أمكن أن نستنتج من بعض بقايا الهيكل العظمي مثلا بنية الكائن كلها ومراحل تطوره الممكنة أو الحاصلة. وهذا مطلوب كل بحث في القرآن قابل لأن يجمع بين العقدي والعلمي.
(يُتْبَعُ)
(/)
والثاني هو موقف القرآن نفسه من مسألة الكتابة ونظرية التحريف والتزييف التي يمكن أن يرد إليها سعي النقد التاريخي للنصوص الدينية في الفكر الديني الغربي الحديث والتي كان القرآن قد اعتمدها هو نفسه في تحديد صلته بالنصوص المتقدمة عليه ليحرر الفكر الديني منها. ومن ثم فهو قد نبه المسلمين للتحرز مما يمكن أن يساعد على التحريف والتزييف. وبهذا المعنى يمكن أن نكتشف بالتحليل العقلي لهذين الأمرين ما بمقتضاه يصبح الإشكال المبحوث في هذا الجدل مردودا إلى الدجل العلماني الذي يقيس النصوص بعضها على البعض دون اعتبار الفارق.
ويمكن لأي مؤمن بالقرآن ومدرك لشروط المعرفة التاريخية العلمية أن يثبت أن هذا القياس مبني على تعميمات بدائية هي من جنس ما وصفه أرسطو عند تمييزه بين الكلي بمعناه العلمي والكلي بالمعنى العامي.
وإليك بعض الحجج التي تلغي المشكل من أصله لأنها ترد القياس الذي تستند إليه.
الحجج التي تلغي المشكل من أصله يمكن أن نحسم قضية جوهرية ذات صلة بما يميز القرآن نفسه وبأفعال الأمة في لحظة التأسيس فيحررنا من المقارنات المتسرعة بين النصوص الدينية. وقبل ذلك كله لا بد من الإشارة إلى قولة حكيمة سبق لهيجل أن قالها في حق الشكاكين: إنهم يشكون في كل شيء عدا الشك نفسه. لذلك فشكهم ليس شكا ذا تبرير علمي لكونه أصبح موقفا مبدئيا خارج مجال البحث فضلا عن كونه لا يعين علل الشك ومن ثم فهو لا يستطيع الحسم في الأمر من الأصل ما يجعل المسألة نفسها تصبح لاغية. والشك العلمي لا يكون ذا معنى إلا إذا كان مبررا ومحددا لعين المشكوك فيه كما هو بين عند كل من يدرك معنى العلم ما هو ومعايير التمييز بين شك العلماء وشك الشكاكين كما بين بيرس. والمعلوم أن نزعة الشكاكين آلت ببعض الموتورين إلى حد جعل القرآن ابن عصر التدوين اللاحق مثله مثل الحديث بل وحتى إلى الشك في وجود النبي نفسه. ومن ثم فلا بد من أن يكون الشك منزلا في سياق معين مع تعيين المسألة التي هي موضوع بحث وفي حدود العلاج الممكن وبمعايير المعلومية التي هي دائما محدودة لكونها هي بدورها تاريخية.
فإذا كانت المسألة تاريخية وكانت الدقة في المعرفة التاريخية ذات حدود معينة أصبح الموقف الشكاكي المبدئي رافضا للمعرفة التاريخية من أصلها ومن ثم فلا كلام مع هذا النوع من الباحثين. وإذا نزلنا المسألة في سياق المعرفة التاريخية بات من الواجب أن نميز بين الحالات. فحالة القرآن تاريخيا مختلفة تمام الاختلاف عن حالة الكتابين المنزلين الآخرين وذلك خاصة بسبب موقف القرآن من نفس هذه الإشكالية المتعلقة بصحة النصوص. وتحديد السياق سيبين أن كل المشكل الذي يطرحه بعض المشككين في صحة القرآن كله أو بعضه سببه أمران كلاهما ليس لهم عليه دليل:
أولهما هو هذا القياس.
والثاني هو تصور المسلمين بعد نزول القرآن قد بقوا على الحال التي كانت عليها العرب في الجاهلية: بغير نظام أو تخطيط وتناسق بين النظر والعمل رغم أن النظر تقدم في الثورة القرآنية على العمل بنصف المدة النبوية!
فها أنت أمام نص أهم نقد يوجهه لأهل الكتاب هو التحريف وأهم أمر لتنظيم شؤون الحياة يوجهه إلى المسلمين هو كتابة أي شي في المعاملات مهما كان تافها. ومع ذلك تجد من يشكك في أن القرآن كان يكتب بالتوازي مع النزول زاعمين أنه كان موجودا في صدور الرجال فقط وذلك لخلطهم بين عملية توحيد نسخ القرآن المتأخرة لتخليصها من الخلافات الطفيفة في بعض الآيات نطقا أو كتابة (تقريبية لما نعلم من الحال التي كانت عليها وما طرأ عليها من تطوير لاحقا من أجل تدقيق كتابة القرآن وقراءته كالإعجام) أو حتى ترتيبا بمقتضى القراءة من غير الكتاب المدون الخلط بينها وبين كتابة القرآن التي هي موازية لنزوله.
والغريب أن هؤلاء المشككين يزعمون أن المسلمين حاكوا أهل الكتاب في كل شيء إلا في هذه: كان كتاب اليهود والمسيحيين مكتوبا ومحفوظا لكن المسلمين شذوا عن ذلك واكتفوا بالذاكرة دون الكتابة!
(يُتْبَعُ)
(/)
ولنا على بدائية هذا الرأي المستند إلى قياسين خاطئين (قياس ظرفيات تدوين الكتاب بظرفيات التوراة والإنجيل وقياس العرب بعد الإسلام عليهم قبله) خمسة أدلة عقلية قد تغني عن الأدلة النقلية رغم كون هذه الأدلة من جنس التواتر المطلق ورغم ما فيها من مزيد دلالة (وكل من قرأ أمتن الدراسات الغربية في تاريخ القرآن يعلم الأمرين التاليين:
1 - أهم ما فيها من معطيات علمية مستمدة من استقراء النقاش العلمي في أمهات كتب المسلمين حول القرآن وتاريخه.
2 - وجل الدراسات التي يقدمها العلمانيون العرب إن لم تكن كلها هي نسخ باهتة منها لم ترق إلى مقدار درايتها بالموضوع سواء تعلق الأمر بالمصادر والمراجع العربية القديمة أو حتى من حيث علاقتها بالقرآن ذاته شكلا ومضمونا فضلا عن الرقي إلى منهجيتها).
والدليلان الأولان من القرآن نفسه أعني:
1. دليل دعوة القرآن الأكيدة لتدوين المعاملات مهما كانت تافهة حتى إن الآية المتعلقة بأهم مقومات التحقق من المعرفة والحقوق أعني الشهادة والتي هي أطول آية اعتبرته الأساس في منع التلاعب بهما.
2. ودليل تنبيه القرآن لما وقعت فيه الأمم السابقة من تحريف لكتبها. والمعلوم أنه لا شيء يمنع مثل هذا الأمر كالكتابة والانتشار المكتوب الذي يحول دون الانتحال والتغيير. فلا يعقل أن يؤكد القرآن على كتابة كل شيء في المعاملات مهما كان تافها وأن يحذر من التحريف ثم لا يُأمر مبلغه بأن يكتبه وبأن يَأمر المسلمين بكتابته. فمهما زعم الغالي من المشككين للمبلغ من عدم الأمانة فإنه ما كان ليناقض نفسه إلى درجة أمر كل المسلمين في عصره بعدم كتابة القرآن.
والدليلان العقليان المواليان أستمدهما من سلوك الرسول والصحابة في لحظات التأسيس المفصلية. فلنفرض جدلا أن الرسول لم يأمر الصحابة بكتابة القرآن فكيف نفهم عندئذ نهيه إياهم عن كتابة الحديث؟
3. ألا يعني ذلك نهيا عن شروع بعضهم في كتابته بقصد تعميم أمر سابق هو كتابة الوحي وهذا هو الدليل العقلي الثالث؟
4. والدليل العقلي الرابع: إذا كان أبو بكر قد اضطر إلى تذكير عمر بآية:"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ... " {آل عمران144.} هل كان يمكن أن يبقى عمر (رض) بعد ذلك معتمدا على الذاكرة وقد خانته في أحرج لحظة من حياة الأمة حتى لو تصورناه لم يكن مالكا لنسخة مكتوبة من القرآن الكريم؟ كيف يكون عمر مؤسس الديوان -وذلك يعني إدخال التدوين في الشأن الدنيوي الذي هو تافه بالقياس إلى الشأن الأخروي فضلا عن كون القرآن جامعا بين الشأنين - ثم يهمل كتابة القرآن الذي كان دستور الدنيا والآخرة؟
5. أما الدليل الجامع فهو أن القرآن اسمه الكتاب وهذا الاسم يطلق على نصوص الأديان الأخرى التي لم تكن شفهية بل مكتوبة ومحفوظة ومحروسة من قبل مؤسسة وظيفتها العناية به! ثم إن "الكتاب" ليس مجرد اسم بل هو عقيدة وجودية تعتبر عين الوجود التام هو كونه مكتوبا بكل مستوياته حتى إن الله يكتب على نفسه والحساب يكون بوزن الكتب والسجلات التي تدونها الملائكة في كل آن!
وبذلك يتبين عقلا أن كل السخافات التي تقال عن صحة القرآن وكتابته المتأخرة من أوهام الموتورين الذين يقيسون أحداث تدوين القرآن بأحداث تدوين التوراة والإنجيل حتى يصح لهم دعوى أنه مثلهما قد شابه التحريف والتاريخ أي إن ما حصل لهذين الكتابين ينبغي أن يحصل مثله للقرآن حتى لو كان أول كلام القرآن هو التنبيه إلى حصول التحريف وضرورة كتابة أي شيء مهما كان تافها.
وبذلك يتبين أن بدائية هذه المواقف تثبت عقلا فضلا عن الأدلة النقلية التي يمكن الاستغناء عنها لولا عناد أصحابها بزعم التعالم الذي يكتفي بمضغ الزائف من القضايا لمجرد أن بعض المستشرقين عمموا ما حصل للتوراة والإنجيل مما يتصورونه قاعدة كلية لكأن هذه التجربة ذاتها لم تكن هي عين ما جعل المسلمين من البداية يتحرزون من علل تكرارها فضلا عن كون الكتابين الأولين مر على أهلهما أطوار تاريخية لم يكونوا فيها سادة مصيرهم لصون كتبهم وهو ما لم يحدث للمسلمين ولله الحمد على الأقل في القرون الثلاثة الأولى التي لا يختلف اثنان في أن التدوين قد تم خلالها.
(يُتْبَعُ)
(/)
اعتراض ذو وجاهة شكلية ويمكن أن يأتي اعتراض مقبول: إذا كان ذلك كذلك فلم اضطر المسلمون إلى التوحيد بين النسخ؟
لهذه المسألة عدة علل مادية مثل:
تخلف الكتابة من حيث ضبط النطق والتمييز بين الحروف وقلة النسخ وكثرة الاعتماد على الذاكرة الموروث عن الجاهلية فضلا عن العلل المادية الأخرى التي تنتج عن فروق النطق بين العرب وبين الأفراد إلخ .. لكن أهمها الجواب القرآني الذي جاء في الكلام الصريح على نسخ الآيات أو إنسائها أو حتى تبديلها. ولعل أوضح الآيات في الباب هي:"وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ" [النحل:101]. فهذا يعلل الاختلاف الطفيف بين النسخ وهو اختلاف أدى إلى ضرورة التخلص منه بالشروط التي يقتضيها العلم بالتعامل مع الوثائق لئلا يتسع بمرور الوقت: أعني بتكوين لجنة علمية من المختصين تحسم أمر الخلافات بمعيار حدده القرآن نفسه هو معيار الشهادة التي ينبغي أن تستند إلى شاهدين عدلين على الأقل.
لذلك فالتخلص من الطفائف لم يكن بحذفها بل بتحديدها ورصدها وإثباتها إذا ثبت بإجماع أنها سمعت من الرسول نفسه مع تطبيق معايير الشهادة القانونية في هذا الضبط: أن يشهد شاهدان عدلان على الأقل. فبعض المسلمين يمكن أن يكون قد اطلع على ما لم يطلع عليه البعض الآخر عند حصول النسخ أو الإنساء أو التبديل فكان حفظه أو نسخته مختلفة عن الحفظ والنسخ الأخرى. إن إبقاء المسلمين على هذه الاختلافات الطفيفة في مناقشاتهم العلمية دليل على الصحة وليس على الوضع إذ لو كان في الأمر نحل لما وقع الاعتراف بالاختلاف أصلا.
ولذلك فكل ما تجده في كتب المستشرقين حول هذه المسائل مستقى من نقاشات علماء المسلمين الأفاضل إذا كان موضوعيا ونزيها. وما عداه من أقوالهم آراء شخصية بمعايير عصرهم مصدرها الأساسي محاولة تعميم صفات التحريف التي توجد في الأناجيل والتوراة على القرآن لعدم قبولهم بأن يكون كتاب المسلمين شاذا من هذا الوجه (رغم ما ينعتونه به من شذوذ في الكثير من الوجوه خاصة ما يظنونه نقائص وهي عين الكمال عند فهم حقيقة الرسالة التي تنظر إلى الإنسان من حيث هو كائن سوي يجمع بين القانونين الطبيعي والخلقي) وبالذات لأنه تقدم على محاولاتهم العلمية المتأخرة ببيان التحريف فيها منذ نزوله وهو ما حصنه ضد التحريف. وفوق كل ذي علم عليم.
المصدر. ( http://www.almultaka.net/ShowMaqal.php?module=d0fd5287a31029e856b6554f05cd5 99f&cat=1&id=655&m=1fbd6cdde9948e4409f82606f83492e4)
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[29 Apr 2009, 11:56 م]ـ
بارك الله فيك أبا عبدالله
ـ[بلال الجزائري]ــــــــ[30 Apr 2009, 03:32 م]ـ
أشكرك للشيخ الكريم المشرف العام، وأثمن له هذه المتابعة، ولزيادة العلم، فإن المقال نشر اليوم في ملحق الدين والحياة (جرية عكاظ) الخميس 5/ 5/1430هـ، 30/ 4/2009م.(/)
دعوة ودعوة
ـ[بلال الجزائري]ــــــــ[30 Apr 2009, 03:36 م]ـ
يطرح حاليا في ملحق الدين والحياة (جريدة عكاظ) حلقات نقاش حول ما يدور حاليا حول كتاب الجابري عن القرآن الكريم، وبالذات حول موضوع قابلية القرآن للزيادة والنقصان (مسألة الحفظ)، فلعل بعض أساتذتنا الأفاضل الأكارم يشارك في الموضوع لزيادة التبصر والتفهم، وهم أهل الإختصاص الدقيق، لا سيما المشايخ مساعد وعبد الرحمن والبريدي وغيرهم حفظهم الله تعالى، وأعرف أن موضوع الإعلام (وأعنى به الصحافة مع حفظ الجهود في الملتقى وغيره مما لم أطلع عليه) حساس لدى البعض، لكن المشاركة أولى وأجدى من الترقب وانتظار ما يقع، وفق الله الجميع للدفاع عن كتابه الخالد، وحماية جنابه، بعلم وعدل، وحجة واقناع، وسلطاب مبين.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[16 May 2009, 06:46 م]ـ
بارك الله فيك , دعوة مباركة لكل من اطلع على كتاب الجابري أن يدلي بدلوه.(/)
ندوة دولية في موضوع: الإسلام وحوار الحضارات.
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[21 May 2009, 12:56 ص]ـ
تنظم مجموعة البحث: "دراسات في الاجتهاد والحوار الحضاري "، التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة المولى إسماعيل بمكناس المغرب، ندوة علمية دولية في موضوع:
الإسلام وحوار الحضارات
وذلك يومي: الأربعاء 2 والخميس 3 جمادى الثاني 1430هـ / الموافق ل:27 - 28 ماي2009م برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية مكناس - المغرب.
وفيما يلي برنامج الندوة:
الأربعاء 27 ماي 2009م
8:00 استقبال المشاركين
9:00 الكلمات الافتتاحية
الافتتاح بآيات بينات من الذكر الحكيم.
محمد زاهر بن عبد الله، رئيس جامعة مولاي إسماعيل.
عبد الله ملكي، عميد كلية الآداب، مكناس.
محمد السيسي، رئيس مجموعة البحث: ”دراسات في الاجتهاد والحوار الحضاري“.
بلقاسم اليوبي، عن اللجنة المنظمة.
استراحة شاي
الجلسة العلمية الأولى: الحوار في الإسلام: مفهومه وضوابطه
المسير: محمد بريش.
المقررة: لطيفة كريني
10:20 د. الشاهد البوشيخي (كلية الآداب، فاس)
نظرات في مفهوم الحوار في القرآن الكريم
10:40 د. حميد الوافي (كلية الآداب، مكناس)
مقاصد الحوار ومسالك الاجتهاد: رؤية منهجية
11:00 دة. فريدة زمرد (دار الحديث الحسنية)
مفهوم الحوار وقضاياه في القرآن الكريم
11:20 د. نور الدين قراط (كلية الآداب وجدة)
طبيعة الحوار في القرآن الكريم
11:40 د. عبد المجيد طريبق (مدير القنوات القرآنية، الرباط)
الأسس الكونية للحوار في الخطاب القرآني
12:00 مناقشة العروض
13:00 - 15:00 غذاء
الجلسة العلمية الثانية: الحضارة: المفهوم والتجليات
المسير: محمد الديوري
المقرر: حميد السراوي
15:00 د. عبد الله بوكارومان (كلية الآداب، عين الشق- الدار البيضاء)
Pour un dialogue inter et intraculturel sans clivage: le Maroc et l’Espagne sur le tereau andalou.
15:20 د. سعيد كفايتي (كلية الآداب، فاس ـ سايس)
الحوار في الإسلام: من التأسيس إلى التأصيل
15:40 د. عبد الناصر السباعي (كلية الآداب، فاس)
الحوار داخل علم النفس عبر الثقافي: واقعه ومشكلاته
16:00 د. إدريس نغش الجابري (أكاديمية الرباط)
التقليد العلمي في العالم الإسلامي وحوار الآخر:
رؤية ابستمولوجية
16:20 د. عبد العزيز انميرات (كلية الآداب، فاس سايس)
في شرعية الاختلاف الحضاري والتعددية الثقافية
16:40 مناقشة العروض
17:00 صلاة العصر
الجلسة العلمية الثالثة: مجالات الحوار الحضاري وحدوده
المسير: عبد العزيز العماري.
المقررة: نادية العشيري
17:20 د. رابح المغراوي (كلية الآداب، وجدة)
التاريخ القروسطوي: المغرب والأندلس
17:40 د. إدريس اجويلل (كلية الحقوق، مكناس)
الحوار الحضاري وقضايا حقوق الإنسان: مقربة منهجية.
18:00 د. عبد المجيد معلومي (كلية الآداب، مراكش)
أثر المدارس الكلامية في تطور علم الحوار
18:20 د مليكة الزاهيدي (كلية الآداب، المحمدية)
حدود المقبول من الحضارة الأوروبية في الخطاب الرحلي عند السفير بن عثمان المكناسي
18:40 مناقشة العروض
الخميس 28 ماي 2009م
الجلسة العلمية الرابعة: شروط الحوار الحضاري وضوابطه
المسير:.أحمد المحمودي
المقررة: مونية الطراز
9:00 د. محمد بريش (الإمارات العربية المتحدة)
قراءة في أول مؤتمر دولي حول الحضارات 1936
9:20 د. عز الدين البوشيخي (كلية الآداب، مكناس)
في حوار الحضارات: من يحاور من؟ ولماذا؟
9:40 د. محمد عزب (المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية، باريس)
الحضارات والعلوم، حوار اللغات: رحلة في تراث الإسلام
10:00 د. إبراهيم القادري بوتشيش (كلية الآداب، مكناس)
شروط الحوار الحضاري وآلياته
10:20 د. أحمد عبادي (الرابطة المحمدية للعلماء، الرباط)
الحوار الحضاري: مقاربة تصنيفية، ومقترحات منطقية
10:40 مناقشة العروض
استراحة شاي
الجلسة العلمية الخامسة: شروط الحوار الحضاري وضوابطه
المسير: عز الدين البوشيخي.
المقررة: نجوى حيلوت.
11:00 د. عبد السلام بلاجي
(باحث في العلوم الإسلامية والسياسية)
موقع الإسلام في حوار الحضارات وصراعها
11:20 د. أحمد البوكيلي (كلية الآداب، القنيطرة)
الأصول العقدية والضوابط الأخلاقية للحوار بين الحضارات
11:40 د. محمد البركة (الكلية المتعددة الاختصاصات، تازة)
ترسيخ الوسطية وتدبيرالاختلاف (بين التعارف والتدافع)
12:00 مناقشة العروض
12:30ـ13:00 الجلسة الختامية: تقديم الخلاصات والتوصيات
المسير بلقاسم اليوبي.
المقرران: كمال أقا - المحجوب العياط
13:30 غذاء(/)
كرامة لرجل من أهل القرآن
ـ[أبو محمد الظاهرى]ــــــــ[23 May 2009, 08:01 ص]ـ
قال العلامة ابن عقيل الظاهري حفظه الله في كتابه الماتع (الحباء من العيبة غب زيارتي لطيبة) ص 58:
((وحدثنى أخى الشيخ محفوظ الشنقيطي -مدير عام العلاقات بمجمع الملك فهد للمصحف الشريف - عن شيخ القراء بالمجمع الشيخ عامر السيد عثمان-رحمه الله تعالى- أنه فقد حباله الصوتية في السنوات السبع الأخيرة من حياته وكان يدرس تلاميذه القراءة فلا يفصح لهم إلا بشهيق وإيماء.
ثم مرض مرض الوفاة وكان طريح السرير الأبيض بالمستشفى ففوجئ أهل المستشفى بالرجل المريض فاقد الحبال الصوتية يقعد ويدندن بكلام الله بصوت جهورى جذاب مدة ثلاثة أيام ختم فيهن القراءة من سورة الفاتحة إلى سورة الناس ثم أسلم الروح إلى بارئها.)) أ. هـ
سبحان الله.
هذا رجل أكرمه الله بقراءة وتدريس القرآن وتوفاه بعد قراءته وختمه رغم فقد الصوت وأحسب هذا من حسن الخاتمة ولا نزكى على الله أحداً والله حسيبه.
نسأل الله أن يشغلنا بالقرآن والسنة ويجنبنا الرأى والظن والجدل والخوض فيما لا يفيد وأن يحسن خاتمتنا.
اللهم آ مين.
ـ[أبو محمد الظاهرى]ــــــــ[24 May 2009, 05:52 م]ـ
ترجمة شيخ القرّاء عامر السيد عثمان
-------------------------------------------------------------
هو عامر بن السيد بن عثمان ولد بقرية ملامس مركز منيا القمح من أعمال محافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية في 16 مايو سنة 1900م عالم مصري مبرز في علم التجويد والقراءات والرسم والضبط والفواصل حفظ القرآن الكريم على معلم القرية الشيخ عطية سلامة ثم في سنة 1911م ذهب إلى بلدة التَّلين مركز منيا القمح بالقرب من قرية ملامس فأخذ علم التجويد وطبقه برواية حفص عن عاصم على الأستاذ الجليل الشيخ إبراهيم موسى بكر البناسي كبير المقرئين في وقته ثم عرض عليه بعد ذلك القرآن الكريم بالقراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة وأجازه بها وبرواية حفص من الشاطبية من قبل.
ثم رحل إلى القاهرة بعد ذلك وقرأ على العلامة المحقق الشيخ علي بن عبدالرحمن سبيع المقرئ الكبير بالقاهرة المحروسة فقرأ عليه القراءات العشر من طريق طيبة النشر إلى قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها} ثم انتقل الشيخ سُبيع إلى رحمة الله تعالى.
فاستأنف من جديد القراءة على تلميذ شيخه المذكور الأستاذ الجليل صاحب الفضيلة الشيخ همَّام قطب عبدالهادي فقرأ عليه القرآن كله بالقراءات العشر من طريق طيبة النشر وأجازه بها وذلك في عام 1927م.
ثم التحق بالأزهر الشريف طالباً فحصَّل كثيراً من العلوم العربية والشرعية وجلس للإقراء في منزله بالقاهرة ليقريء الناس التجويد والقراءات إلى أن اختبر مدرساً في قسم تخصص القراءات بكلية اللغة العربية بالأزهر سنة 1945م وظل هكذا إلى أن أحيل إلى التقاعد سنة 1968م.
ثم عُين مفتشاً بمشيخة عموم المقاريء المصرية. ثم وكيلاً لتلك المشيخة، ثم عين شيخاً لعموم المقاريء بالديار المصرية سنة 1980م ولا يزال للآن شيخاً لعموم المقارئ أمدَّ الله في عمره نفعاً للمسلمين وذخراً لكتاب رب العالمين.
نشاط المترجم له العلمي في غير ما تقدم:
1 - أشرف على تسجيل المصاحف القرآنية المرتلة لمشاهير القراء في مصر مع آخرين في إذاعة جمهورية مصر العربية.
2 - عين عضواً لاختيار القراء الذين يقرؤون القرآن الكريم في الإذاعتين المرئية والمسموعة بجمهورية مصر العربية.
اشتغل بإلقاء المحاضرات في علم التجويد والقراءات في مختلف المدن المصرية مما كان له الأثر الطيب في نشر القراءات والتجويد وحسن الأداء.
تلامذة المترجم:
أما تلامذته فكثيرون يخطئهم العد ولا يأتي عليهم الحصر منهم:
1 - الأستاذ إبراهيم سالم مُحمَّدين وزير الصناعة بمصر.
2 - المهندس سليمان عبدالحي وزير النقل والمواصلات بمصر.
3 - الأستاذ حسن حسان مدير شركة الأهرامات بقطاع الجمعيات الاستهلاكية بمصر.
4 - فضيلة الشيخ سليمان إمام الصغير من خيرة علماء الأزهر ومدرسيه قرأ عليه القراءات الثلاث المتممة للقراءات العشر من طريق الدرة، وهذا الشيخ الجليل حضرت عليه في قسم القراءات مادة النحو والصرف وكذلك فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه، وعمل أستاذاً مساعداً بجامعة أم القرى بمكة المشرفة إلى عهد قريب جدًّا.
(يُتْبَعُ)
(/)
5 - الشيخ محمود خليل الحصري القاريء المشهور بالقاهرة.
6 - الشيخ مصطفى إسماعيل القاريء المشهور بالقاهرة.
7 - الشيخ كامل يوسف البهتيمي القاريء المشهور بالقاهرة.
8 - الشيخ عبدالباسط عبدالصمد القاريء المشهور بالقاهرة.
9 - الشيخ محمد تميم الزعبي قرأ عليه القراءات العشر الكبرى من طريق الطيبة.
10 - الشيخ أيمن سويد من دمشق قرأ عليه طيبة النشر.
11 - الشيخ محمد صلاح الدين كبَّارة المقرئ المشهور بطرابلس لبنان قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة.
12 - الشيخ كرامة الله البخاري من المدينة المنورة قرأ عليه القراءات العشر من طريقي الشاطبية والدرة.
13 - الدكتور عوض عبدالمطلب أستاذ الجراحة بجامعة الأزهر كلية الطب قرأ القراءات السبع من الشاطبية.
14 - الدكتور محمد يوسف طبيب الأمراض النفسية بكلية الطب بطنطا.
وهذا ما دار بخلد الشيخ وأملاه علينا وفي الحقيقة قرأ عليه خلق كثير لا يحصون.
"ذِكر من قرأ على المترجم له في قسم تخصص القراءات بالأزهر". قرأ عليه في هذا القسم طلاب كثيرون نقتصر منهم على ما يلي:
1 - الشيخ عبدالرؤوف محمد مرعي.
2 - الشيخ عبدالرؤوف محمد سالم.
3 - الشيخ صادق قمحاوي رحمه الله تعالى.
4 - الشيخ رزق حبَّة.
5 - الشيخ محمود عمر سكَّر وغيرهم.
مؤلفات المترجم له:
من مؤلفاته في علم القراءات:
1 - فتح القدير شرح تنقيح التحرير مطبوع.
2 - نظم تنقيح فتح الكريم في أوجه القرآن العظيم من طريق الطيبة بالاشتراك مع شيخنا فضيلة الشيخ أحمد عبدالعزيز الزيات، والأستاذ الجليل الشيخ إبراهيم علي شحاته السمنُّودي.
3 - رسالة في رواية رويس عن يعقوب البصري من غاية ابن مهران.
4 - تحقيق لطائف الإشارات للعلامة القسطلاني شارح البخاري الجزء الأول والثاني.
ولا يزال المترجم له يُقريء القرآن الكريم بالقراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة ولا يزال الناس يرحلون إليها لينهلوا من علمه الفياض بارك الله فيه وألبسه رداء الصحة والعافية وأحسن له الحال والمآل.
أفدناه من المترجم له في يوم الاثنين 12 من شهر ربيع الأنور سنة 1403هـ بالمدينة المنورة حيث كان الشيخ في زيارة للمسجد النبوي الشريف وللسلام على سيد المرسلين سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وآلهم والحمد لله رب العالمين.
انظر هداية القاري للمرصفي
ومن تلاميذ الشيخ ايضا
الشيخ الدكتور على محمد النحاس قرا غليه الصغرى
الشيخ عرفان محمد ضبش الحامولى قرا عليه السبع الى مريم
وللشيخ النحاس قصيده شعر فى مدح الشيخ عامر
المصدر http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=102765
ـ[إيمان يحيى]ــــــــ[25 May 2009, 05:43 ص]ـ
ترجمة شيخ القرّاء عامر السيد عثمان
-------------------------------------------------------------
وللشيخ النحاس قصيده شعر فى مدح الشيخ عامر
المصدر http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=102765
هذه هي القصيدة المذكورة
رثاء الشيخ عامر السيد عثمان " شيخ المقارئ المصرية
مات رحمه الله عام 1408هـ ودفن بالبقيع
(عامر القلب)
راودتك المنى فآوتك طيبه ... يا محبا لم يرض إلا حبيبه
بات ينعاك كل قاص ودان ... أسمع الأرض والسماء نحيبه
فقد علامة أشد على الناس ... بلاء من شر أقوى مصيبة
عامر القلب بالقرآن تجلت ... فيك آيات لسامعيك عجيبة
ما لغير القرآن صوتك يرضى ... قد تخلى عن كل لغو وغيبه
قل لمن يقرئ القرآن بأجر ... وتغالي مع ازدياد وريبه
ما ابتغى شيخنا عن العلم أجراً ... وارتضى الله حسبه و حسيبه
دأبه الزهد والتواضع يحكى ... سمت شيخ من العصور الرغيبه
وتراه فى مجلس العلم بدراً ... قد أحاطت به النجوم القريبة
يستوي عنده أجاء فقير ... أم وزير كل يحوز نصيبه
كم سقيم في قلبه شهوات ... جاء يشكو فكنت أنت طبيبه
وكأين من طالب جاء يدعوك ... فعلمته و كنت مجيبه
بيته في جوار أخت الحسنين ... منار هدى شبابا وشيبه
لم يكن فيه من أثاث وريش ... غير كتب كانت له كالربيبة
وأخيراً تراه فى مجمع الفهد ... إماما يرجى لكل عصيبة
كنت للعلم في الكنانة نجماً ... قدر الله في الحجاز مغيبه
نظم الشيخ
د. على بن محمد توفيق النحاس
المجاز بالعشر من الشيخ المذكور
ـ[حادي العيس]ــــــــ[25 May 2009, 08:26 ص]ـ
أثابكم الله وهداكم وأفرحكم وأسعدكم كما أسعدتمونا بهذا الأبيات وهذه الترجمة وبهذا الوفاء!
ـ[يسري خضر]ــــــــ[25 May 2009, 11:08 ص]ـ
رحمه الله رحمة واسعة
ـ[منى العبادى]ــــــــ[25 May 2009, 03:28 م]ـ
رحمه الله رحمة واسعة
اللهم امين(/)
الرسالة الهادية في الرد على اليهود
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[27 May 2009, 02:50 ص]ـ
لقد تم تحقيق ودراسة الرسالة الهادية في الرد على اليهود للحبر عبد السلام المهتدي المحمدي 902هـ التي ألفها بعد إسلامه وستظهر قريبا في مجلة JSAI / سنة 2009 وهي رسالة على صغر جرمها بالغة الأهمية حققتها الباحثة الألمانية الأستاذة Sabine Scmidtke
من جامعة برلين الحرة.
وقد نفس الباحثة حققت وقدمت لرسالة أحمد مصطفى طاش كبرى زاده 968هـ في الرد على اليهود بمشاركة من الأستاذة الهولندية كاميلا أدان ونشرتاها بالعدد 1 من المجلد 29 من مجلة القنطرة, بمدريد, ص 79 - 113.
وهما بصدد طبع كتاب عن الردود العثمانية على اليهود سيصدر فيها رسالة للحبر المهتدي عبد السلام ابن عبد الديان.
وقد وقفت على الرسالتين الأولتين وأنا أنتظر الوقوف على الثالثة إن شاء الله تعالى.
كما حققت سابين شميدكت رسالة البهبهاني من الشيعة في الرد على اليهود وقد عول فيها على كتاب إفحام اليهود للسمؤال المغربي ت571هـ
ورسالة أخرى لبعض الأتراك العثمانيين.
وأعادت تحقيق كتاب إفحام اليهود للسمؤال المغربي ت571هـ ووجدت منه رواية ثانية تخالف المطبوعة المعروفة.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[28 May 2009, 01:00 ص]ـ
جزاك الله خيراً وبارك فيك على هذه المعلومات المهمة.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[28 May 2009, 03:42 م]ـ
وأنتم من أهل الجزاء.
وللدكتورة سابين شميدك مقال أيضا عن ردود أبي الحسين البصرى المعتزلي على الكتاب المقدس ونقله من كتاب الدين والدولة لعلي بن ربن الطبري.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[29 May 2009, 11:21 م]ـ
الأخ سمير: شكر الله لك هذه المعلومات القيمة وننتظر جديدك , بشر هل انتهيت من رسالتك الدكتوراه.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[29 May 2009, 11:40 م]ـ
وعليكم السلام يا دكتور أحمد البريدي. لا زال أمام أخيك شوط أو شوطان, وما بقي أقل مما فات. فأبشر بما يسرك ولكن بعد حين. متعكم الله برضاه وبالعلم النافع والعمل الصالح. ومن الجديد الجيد الذي وقفت عليه رسالة لأخينا الباحث النبيه الدكتور يوسف الكَلَّام بشأن حركة التاريخ النقدي للكتاب المقدس في الغرب المسيحي بين إشكالية التقنين والتقديس رسالته للدكتوراه بجامعة محمد الخامس بالرباط نوقشت سنة 2006م وطبعت في 2008 في 400 صفحة, في بلاد الشام. وقد أجاد فيها وأفاد ولم يقصر زاده الله فضلا, ولي عليها استدراكات جليلة الفائدة تجبر نقصانها وتشد أزرها استمددتها من مراجع خطيرة لم يقف عليها في حين تحريره لرسالته لظروفه الصعبة في العمل فأنا أهنيه على أنه لم يستسلم للعمل وتابر على البحث وأصر إلا أن يتم رسالته رغم عوائق الدرهر التي حالت دون زملائه وإتمام عملهم. ولو رحت أطلق عنان القلم لأخبرتكم عن مقال للدكتور محمد الطبراني سماه دليل ما ألفه المسلمون في مجادلة اليهود والنصارى ونشر عندنا بالمغرب بمجلة المجالس العدد الرابع, والدكتور الفاضل زميل حافظ للقرآن ومهتم بالتفسير وما إليه لكن باعه في تاريخ الجدل مع أهل الكتاب قصير فقد ارتقى في مقاله ذاك مرتقى صعبا جعله يخطئ أكثر مما يصيب وقد استدركت عليه كراستين من حجم مقاله أو تزيدان, ولكن أخشى أن يقود مقاله من لا علم له بهذا الشأن إلى نقل أوهام شنيعة فينبز المعول عليه بحاطب ليل أو حميل سيل. نعم الحق أحق أن يتبع ولامصانعة فيه.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[30 May 2009, 12:38 ص]ـ
ها هو العنوان الكامل لرسالة الأخ الفاضل الدكتور يوسف الكلام
"تاريخ وعقائد الكتاب المقدس بين إشكالية التقنين والتقديس: دراسة في التاريخ النقدي للكتاب المقدس في الغرب المسيحي".(/)
المسائل على الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[01 Jun 2009, 03:58 م]ـ
الحمد الله تعالى والصلاة والسلام على نبينا محمد.
وبعد فهذه إن شاء الله حلقات أسأل الله أن يعينني على إتمامها استقصيت فيها خبر نقاد الأسفار الخمسة للتوراة الحالية, ممن هم من غير المسلمين.
إذ قد ألف في هذا الموضوع كثير من علماء الغرب فجمعوا وأوعوا, ولكن ما كتب بالعربية من جهة باحثينا لا زال بعيدا من شفاء غليل الباحث النهم.
وقد بلغت دراسات الغرب عن الكتاب المقدس أوجها في السنوات الأخيرة ولكننا بمعزل عن انجازاتهم القديمة التي تجاوزوها وعن إنجازاتهم الجديدة التي يعكفون الآن عليها. ولم أجد مناصا من الخوض في هذا الأمر لأن الكيل قد طفح والسكوت عن هذا الفراغ لا يحتمل. قتلنا الاجترار وقله الاطلاع والاضطلاع وغياب النقد لما يكتب ومتابعة ما ينشر.
فترقبوا تلك الحلقات إن شاء الله تعالى لأني سأضمنها دررا مما تحصل لدي من خلال مطالعات تعود لعشرات السنين ولا زالت تتنمى وتتراكم وهي مع ذلك جهد المقل نظرا للكم الهائل مما ألف في الغرب باللغات الآتية: الألمانية والأنجليزية والفرنسية.
أما المسالئل الثلات التي تتعلق بالتوراة الموجودة اليوم فهي:
1 - مسألة صحة نسبتها لموسى [حسب قول الغرب].
2 - مسألة مصادرها.
3 - مسألة تاريخ تدوينها.
4 - مسألة صلتها بالتاريخ.
ولكل مسألة رجال وبحوث وجدل ووطيس من الفكر حامي.
فأين نحن من كل هذا؟
لكن مما يستدرك على علماء الغرب ممن أرخ لحركة النقد تلك أنهم لا علم لهم بما قدمه النقد الإسلامي حين كان الحضر ضاربا على اليهود والنصارى بسياج من حديد فلا ينبز واحد منهم ببنت شفة في حق أسفارهم إلا رمزا خفيا تلميحا بدون تصريح. والحق أن العهدة في سد هذا النقص علينا نحن لا عليهم فهم قد وفوا وكفوا حق نقادهم وإنما الشأن فينا نحن الذين أهملنا تراث علمائنا وهو كثير.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[02 Jun 2009, 03:53 م]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم وجزاك خيرًا ..
أرجو عند استشهادك بكلام علماء الغرب أن تذكر لنا الهوية الأيديولوجية لكل ناقد حيث أن كلام علماء الكاثوليك لا يلزم البروتستانت، وكلام البروتستانت لا يلزم الكاثوليك ..
وكل طائفة لا يلزمها إلا كلام علمائها المحققين النقاد ..
حتى بين علماء الطائفة الواحدة تجد بينهم علماء متحررين liberal وآخرين محافظين conservative ..
فليتك تضع هذا أيضًا في الاعتبار حتى يصح احتجاجنا على كل طائقة بأقوال علمائها النقاد ..
وفقك الله لكل خير وبارك في علمك وجهدك وأثابك عنه خيرًا جزيلاً.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[02 Jun 2009, 03:55 م]ـ
أيها الأخ الفاضل هشام عزمي اعلم أنني في هذا البحث قد سلكت فيه مسلكا تاريخيا للأفكار ولست في منصب لا السائل ولا منصب المجيب كما هو في عرف أهل الجدل والمناظرة, لكن قد يجد فيه الباحث بغيته ولعله أبلغ في قطع الشغب من بعض تلكم المساجلات الضعيفة التي نراها على البالتوك. أما مراجعي في تحريره فسأرجيها إلي وقت لاحق تأمينا لحق السبق في تحريره كما تراه الآن.
ثم نرجع لما نحن بصدده فأقول مستعينا بالله تعالى:
دأب التقليد اليهودي وتبعة التقليد النصراني على نسبة الخُماس (الأسفار الخمسة) لموسى كما نجده مسطرا في تآليف فيلون اليهودي الإسكندري, ويوسف فلافيوس اليهودي المؤرخ, والتلمود البابلي (بابا بثرا 14ب) والعهد الجديد (انجيل مرقس 12:26). كل ذلك جرهم إلى تسمية تلك الأسفار بما يعرف بأسفار موسى الخمسة, ثم نسب اليهود بعد ذلك كل الشروح على المشنا له وأطلقوا عليها اسم (التوراة الشفوية).
لكن أسفار العهد القديم نفسها لم تنسب لموسى إلا نتفا يسيرة هي:
- ميثاق العهد (سفر الخروج 24: 4).
- والوصايا العشر (الخروج 34: 27).
- والخطبة التاريخية والتشريعية الطويلة الواردة في سفر التثنية (1: 1 - 5؛ 4: 45؛ 31: 9 - 24 إلخ ... )
- وبنودا يسيرة قصيرة في (الخروج 17: 14؛ العدد33:2؛ التثنية31: 30 إلخ ... ).
فمن هذا لاحظوا أن ما ينسب في العهد القديم لموسى رأسا هو الشريعة (سفر ملاخي 3:22؛ سفر عزرا3: 2؛ 7: 6؛ السفر الثاني من أخبار الأيام 25: 4؛ 35: 12 إلخ ... ).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم تنسب لموسى الأسفار الخمسة بجملتها إلا في ما بعد تدوين الكتاب المقدس بدهر طويل ثم بقيت ذلك الاعتقاد سائدا على العموم لدى أهل الكتاب ّإلى القرن 18الميلادي.
لكن لم يخل تاريخ القوم من ظهور شكوك من بعضهم على تلك النسبة التقليدية.
- من تلك الشكوك القديمة قول التلمود بأن خاتمة سفر التثنية (34: 5 - 12) زيدت من جهة يوشع بن نون بعد وفاة موسى. فهذا أول استثناء لفقرات من الأسفار الخمسة اعترفوا بأنها زيدت بعده.
- ثم قويت تلك الشكوك بما ألمح إليه مفسرهم أبراهام بن عزرا الأندلسي (ق12م) في تفسيره بأن مما زيد بعد موسى النصوص الآتي ذكرها:
التكوين 12: 6.
التكوين 13: 7.
التكوين 50: 10.
العدد 22: 1 ...
التكوين 40: 15.
التثنية 3:14.
التثنية34: 46.
- ثم تلاه كارشتاد [ A. B. Karlstad 1486-1541] وهو أو متكلم بروتستانتي فيما بلغنا قال بأن موسى لم يكن مؤلف الخُماس, واستند في قوله هذا على قرائن أسوبية, ثم قال بأن عزرا الوراق هو المؤلف الحقيقي لتلك الأسفار.
- ثم تلاه أندرياس ماسيوس [ Andreas Masius1516-1573] فقال بأن عزرا ورفقاؤه ألفوا تلك التوراة وجمعوها من وثائق كانت في الأصل يوميات وحوليات, وألفوا كذلك تلك الأسفار التريخية الملحقة بالتوراة.
- ثم تلاه الإنجليزي الملحد توماس هوبز [ Thomas Hobbes ] الذي قطع وبث كل صلة لموسى بتلك الأسفر الخمسة لأنها ظهرت بعد موسى بدهر اللهم إن استثنينا بدا أو بندين هنا وهناك وسامحنا في نسبتهما لموسى (مثل النص التثنية 11 - 22).
- ثم دق الفيلسوف اليهودي نزيل هولندا المعروف بـ: باروخ سبينوزا المسمار الأخطر المسامير في نعش تلك الأسفار, إذ صور لنا عزرا الوراق كمحرر حقيقي لها مضيفا ملحوظة مهمة مفادها أن تلك الخماس تؤلف وحدة عضوية والكتب التاريخة الملحقة بها وهذا من شأنه أن يبرهن على أن جميعها لم ير النور إلا بعد آخر أحداث رويت فيها. فمن حينئذ سينظر لعزرا نظرة الناشر الحقيقي للكتب التي أولها سفر التكوين ومنتهاها سفر الملوك الثاني.
- ثم تلاه ريتشارد سيمون [ Richard Simon 1638-1712] قال بنفس قول من سبقه فموسى لا يمكن أن يكون هو مؤلف جميع الأسفار الخمسة المنسوبة إليه.
- ثم دقق العالم الهولندي يوحنا لوكلير [1685 Jean le Clerc ] في مقالات ريتشارد سيمون بشأن تصنيف عزرا الوراق للخماس فقال بأن عزرا ليس بمؤلفها لأن السامريين (وظهورهم وانشقاقهم عن العبرانيين سابق لعزرا فحسب لوكلير كان ذلك في القرن 8 قبل الميلاد) لهم نفس تلك الأسفار باختلاف غير مؤثر.
ثم استمر الجدل بين النقاد بشأن تأليف موسى للخماس حتى فجر القرن 19 الميلادي ومدار جدلهم على مسألتين:
المسألة الأولى هي صحة نسبة الخماس لموسى وهي مسألة لها أثر على مصداقية التوراة.
المسألة الثانية هي التحرير الأخير لها على يدي عزرا ويِدي القول بهموجبها إلى القول بزيف التوراة ورفع صفة القداسة عنها ورفع الثقة بأخبارها.
فإلى حين سنة 1781م لا زال إيكهارن [ J. G. eCHHORN 1752-1825] ينافح عن صحة نسبة الخماس لموسى متعلقا بمقولة مفاده: (وحده رجل من مقام وجلال قدره موسى بإمكانه أن يؤلف كتابا له جلالة الأسفار الخمسة.
لكنه حقا كان يضرب في حديد بارد وعبثا يريد إنقاد السفينة التي تبين للناظرين غرقها. إذ مع مطلع القرن 19 بات موت القول بصحة تلك النسبة محققا:
فقد قال دي ويت [ W. M. L. de Wette 1780-1849] بأن موسى ليس إلا صورة أسطورية واسم جامع الغرض منه جمع شتات مؤلفات متفرقة ومغير متوافقة.
فتمخض عن هذا الجدل مسألة جليلة الخطر وهي مسألة المصادر. وستكون إن شاء الله محط نظرنا في الحلقة التالية إن شاء الله تعالى. وبالله التوفيق.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[06 Jun 2009, 02:59 م]ـ
حرك التفاوت الزمني الكائن بين الأحداث المروية في أسفار الخماس وبين من نسبت, إليه شكوك وحذر بعض قارئيها من الإقدام على نسبتها لموسى خلافا لما جرت عليه تقاليد اليهود والنصارى.
فلاحظوا ثلاثة أمور في متون تلك الروايات:
1 - وجود مناقضات داخل تلك الأسفار.
2 - ولاحظو التكرار الثنائي لخبر الحادثة الواحدة مع تضارب بينها في الموضعين.
3 - ولاحظوا الاختلاف في الأسلوب وفي الألفاظ مثل لفظ إلوهيم تارة ولفظ يهوه تارة أخرى في تسمية الرب.
(يُتْبَعُ)
(/)
في عام 1655م لا حظ اللاهوتي من طائفة حركة الإصلاح المسيحي: إسحاق لا بيرير Isaac La Payrére اشتمال الخماس على وثائق زعم بأن موسى حررها (الخروج, الصحراء, وسيناء) واشتماله كذلك على اقتباسات من مؤلفين سالفين (هم الآباء مثلا إبراهيم واسحاق ويعقوب ... ) ومؤلفين لاحقين.
ثم في عام 1685م ظن يوحنا لوكلير Jean le Clerc أنه ربما وقعت بأيدي المؤلف أو المؤلفين لتلك الأسفار الخمسة وثائق قديمة كانت في ملكية الخواص (العدد21:14) تناقلتها الأجيال جيلا عن جيل.
ثم في عام 1711م يسلم ويتر H. B. Witter بمسلمة مفادها وجود مصدرين مختلفين في حكاية الخلق. برهان ذلك عنده هو رود اسمين للرب متباينين في كلتي الحكايتين: (التكوين 1: 1 - 2:3,والتكوين 2:4 - 3: 24) وأن المصدرين نقلا بالرواية الشفهية إلى موسى.
فبهذا أصبحت السبل ممهدة ليوحنا أستروك Jean Astruc (1684-1766) إذ لا يصح القول بأنه أول من فكر في المصادر التي أسست عليها تلك الأسفار كما قد يتبادر لقارئ كتاب الدكتور يوسف الكلام, فغفلته عن أسلاف أستروك جعل رصده لحركة نقد الكتاب المقدس مبتورا وناقصا لهذا عرضت عليكم تاريخ المسألة هنا بتفصيل دقيق استقيته من تآليف أهل هذا الشأن ولم أعول فيه كما فعل الدكتور الفاضل على مقدمة ويلفريد هارينتون.
قلت إن أستروك هو الذي استثمر ثنائية اسم الرب في سفر التكوين وفصل في الكلام على ذلك عام 1753م في كتابه (باللسان الفرنسي) المسمى: خواطر بشأن المذكرات الأصلية التي يبدو أن موسى استند إليها في تأليفه لنص سفر التكوين.
فصل أستروك من التكوين نصا للمذكرة (أ) ونصا للمذكرة (ب) هما الأساسيان ثم فصل نصوصا جزئيةعدتها ثمانية.
لقد كان غرضه من هذا كله إسناد حصة الأسد لموسى في تأليف أسفار الخماس ليتفادى الشكوك التي راجت وتروج حول على نسبتها إليه.
ثم بدا فيما بعد لمن خلفه أن المسألة الكبرى لا تكمن في تفتيت النص إلى مكوناته الأصلية وإنما تكمن في تقصي وتتببع السبيل أوالسبل التي سلكتها تلك المكونات والمصادر الأولى لتجد نفسها مرصوصة في صعيد نص واحد متصل.
إنها مسألة مصير الأسفار وستكون موضوع مسألتنا الثالثةإن شاء الله تعالى.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[09 Jun 2009, 05:33 م]ـ
لم يدرك يوحنا أستروك و لا ويتر ولا إيكهارن الإشكالات التي ترد على أصل وتطور الخماس لأنهم قصروا همهم على حل المناقضات والخلافات الظاهرة في نصوص الخماس. لكن مذ أن قال سبينوزا وريتشارد سميون بتأخر زمان تحرير الخماس إلى وقت عزرا الوراق, فلا مفر من بيان ماضي الأسفار الخمسة قبل عزرا وإيجاد جسر العبور الرابط بين البداية والنهاية. فالبداية تمثلها الأحداث الرئيسة. والنهاية يمثلها التحرير الأخير على يدي عزرا.
زعم ريتشارد سيمون [نقلا عن المؤرخ يوسف فلافيوس اليهودي بدون تصريح باسمه] أن سند تلك الأسفار متصل من لدن موسى إلى عزرا. وأن في زمن موسى ظهرت مدارس للكتبة ربما سجلوا الأحداث والعقائد لتاريخ بني إسرائيل. وبعد الجلاء إلى بابل [587 ق. م] جمعت تلك الوثائق وضم بعضها لبعض وكونت الخماس والأسفار التاريخية.
فهنا نشهد علما وفنا جديدا هو تاريخ الرواية. لكن كيف تم نقل الرواية؟ وكيف كانت الوثائق التي حملت الرواية؟ وما محتواها؟ وكيف جمعت في المجموع المسمى بالخماس؟
فعلى امتداد القرنين التاليين للقرن 17م ظهرت ثلاثة أجوبة [نماذج نظرية] غرضها تفسير الكيفية التي تم بها لصق تلك القطع الأدبية المختلفة الأصول لتعطي نصا واحدا متصلا.
[1] الجواب الذي قدمه أصحاب الفرضية الوثائقية العتيقة. وزعيمهم هو كارل دافيد إلخين [1798م] Karl David Ilgen 1763-1834
[2] الجواب الذي قدمه القائلون بفرضية الشذرات. وشيخاها هما الإنجليزي ألكسندر جديس Alexander Geddes1737-1802 و الجرماني يوحنا سيفرين فاتر Johann Sevrin Vater 1771-1826
[3] الجواب الذي قدمه القائلون بفرضية المكملات. وشيخها هو هانريخ إيفالد [1831م]
Heinrich Ewald 1803-1875.
وللحديث على كل جواب بقية إن شاء الله تعالى.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[10 Jun 2009, 11:19 م]ـ
أستدرك على ما ذكرته في المسألة الأولى نقاداقبل توماس هوبز لهم نظرات نقدية بشأن نسبة الأسفار الخمسة لموسى.
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - ألفونسو توستادو Alfonso Tostado =Tostatus أسقف مدينة آبلة بإسبانيا (1400 - 1455م) ويعرف بتوستاتوس وكان لاهوتيا له دراية باللسان العبراني شديد الذكاء ذا حافظة عجيبة وكان تام الوقوف على تفسير التوراة لإبراهيم ابن عزرا اليهودي الغرناطي. وقد وجدت لدى توستاتوس القول الصريح بوجود إلحاقات نصوص كثيرة على التوراة بعد موسى من طرف الكاهن عزرا الوراق منها خاتمة سفر التثنية التي تصف وفاة ودفن موسى وحزن بني إسرائيل عليه. وأن الفقرة: "إلى هذا اليوم" تعتبر زيادة متأخرة أينما وردت في التوراة زادها عزرا الوراق. وهذا عين ما قاله ابن حزم قبله ب400 سنة.
2 - نويل جورني Noël Journet الذي أعدم شنقا بفرنسا عام 1582 بعد محاكمته بتهمة الإلحاد وكانت سنه 28 عاما وكان معلما في المدرسة. فقد قال بأن موسى لم يكتب أسفار الخماس لأن فيها:
-وصف موته ودفنه.
- وفيها عبارة: "هناك عبر الأردن". مما يدل أن المؤلف يكتب في الأرض المقدسة وموسى لم يدخلها قط بل مات في الصحراء في نهاية 40 عاما من التيه.
- وفيها تسمية بعض المواضع بأسماء لم تحملها إلا بعد زمن موسى بدهر, مثل تسميتها لموضع ب"حبرون".
- ومن اعتراضاته قوله: "إذا كان موسى قد قلب جميع مياه مصر دما فأي ماء بقي بمصر حتى تقلبه السحرة دما كما تزعم تلك الأسفار".
3 - Bento Pereria , واسمه اللاتيني Benidictus Pererius وهو إسباني يسوعي (ت.1610م) مناصر لآراء ماسيوس Masius كان قارءا في الكوليجيوم رومانوم (الجامعة الرومانية).
4 - كورنيلي فان دين ستين Cornelis van den Steen وهو فلاماني يعرف باسمه اللاتيني كورنيليوس أ لابيدي Cornelius à Lapide درس في الكوليجيوم رومنوم عام 1616 ثم ألف شرحا على الخماس وقال: "لعل موسى قد سجل الخماس بصورة بسيطة أولية له شكل اليوميات والحوليات لكن يوشع ابن نون أو من يماثله رتب تلك "الحوليات الموسوية" وقسمها للأسفار ثم أضاف جملا يسيرة".
فبهذا الرأي يكون كورنيليوس من محركي الرأي القائل بأن ناشر الخماس ومخرجه لم يكن هو عزرا الوراق الذي جاء بعد موسى بدهر طويل ولكنه يوشع بن نون خليفة موسى المباشر, ولكن كورنيليوس في شرحه لسفر عزرا تمسك بالرأي القائل بأن عزرا أمر بإصلاح وتصحيح العهد القديم العبراني.
وبعد ريشارد سيمون ويوحنا لوكلير نستدرك اسم ناقد كاثوليكي المذهب له دراية بالعبرانية اسمه إيتيان فورمونت Etienne Fourmont الذي قال بأن أسفار الخماس دونت زمن ملك داوود النبي.
وقبل سيمون لا مناص من إفراد مبحث خاص ولكن بعد حين للكاثوليكي النبيه يوحنا موران Jean Morin, ولمؤازره اللبناني الماروني إبراهيم الهكلاني الذي قدم لباريز عام 1640م.
ولا بد أيضا من الكلام على لويس كابيل Louis Cappel والجميع في مبحث خاص نظرا لطبيعة آرائهم المثيرة بشأن نقط وتشكيل التوراة وغيرها وزمن ظهور مدرسة المأثور اليهودية وما أدخلته على النص وملاحظاتهم الجريئة بشأن نزول درجة القراءة الواردة في النص العبراني المتداول مقارنة بتلك التي تعطيها الترجمة اللاتينية للقديس يرونيموس والترجمة السبعينية والتوراة السامرية.(/)
عثمان ابن ابي شيبة هل كان يصحف القرآن؟
ـ[عبد العزيز حامد]ــــــــ[02 Jun 2009, 05:41 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أورد لي أحد الرافضة شبهة
حيث قال لي أن عثمان ابن ابي شيبة
كان يحرف القرآن وأنه كان يقرأ الآية
(بطشتم جبارين) يقرأها بطشتم خبازين
والآية (فضرب بينهم بسور له باب)
يقرأها (بسنور له باب)
وأن الذهبي قال عن ذلك::أنه صاحب دعابة ولعله تاب وأناب
فهل هذا يعتبر من التحريف المحرم الذي يكفر صاحبه؟
و هل هذا من الاستهزاء بالقرآن؟(/)
مؤلفات المهتدين من اليهود والنصارى في الرد على أهل الكتاب:
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[04 Jun 2009, 02:04 ص]ـ
مؤلفات المهتدين من اليهود والنصارى في الرد على أهل الكتاب:
كان الأستاذ الدكتور عبد الله السحيم قد ألف سفرين جليلي المنفعة بشأن مؤلفات المهتدين وجهودهم في الدفاع عن القضايا القرآنية خص فيه مؤلفات المهتدين من اليهود بدراسة وأردفها بأخرى للمهتدين النصارى وقد لاحظت أن لديه نماذج قليلة (عددها 2مؤلفين فقط للمهتدين اليهود) في القسم الأول وتضخما في نماذج القسم الثاني للمهتدين النصارى (عددها 11) ومن شأن هذا أن يجعل نتائج القسم الأول غير دقيقة لأن استقراء المؤلفات التي سأسميها, فيه من الفوائد ما لم نجد له أثرا في كتاب الدكتور السحيم على كثرة فوائده ونفعه للباحث. وحتى القسم الثاني ترك فيه ذكر نماذج لا يمكن تجاوزها نظرا لتأثيرها الخطير على من بعدها كما سأبين ذلك في بحث قادم. فرأيت البدأ بذكر كتب اليهود المهتدين التي ردت على اليهود ثم أشفعها بالردود التي ألفها المهتدون من أصل نصراني لتتضح سعة اللائحة وحاجتنا لدراسة أوفى وأشفى:
1 - قصيدة في الرد على اليهود والنصارى, لأبي الفضل سعيد بن سوسف بن الحسن بن سمرة الأواني الكاتب, وكان يهوديا وأسلم, وكان كاتبا جليلا حسن العبارة بليغا, كان حيا سنة561هـ.
2 - إفحام اليهود للسموأل بن عباس بن يحيى المغربي (571هـ). ألفه حوالي 558هـ. وهو مطبوع ومنه روايتان قديمة وحديثة.
3 - مسالك النظر في نبوة سيد البشر للمهتدي الحبر سعيد بن حسن الإسكندراني (698هـ). طبع مرتين.
وعلىيه وعلى إفحام اليهود عول الدكتور السحيم ولكنه معذور حينها لأن ما سأذكره هنا من كتب لم يكن في متناوله وإلا مأظنه كان سيقصر في بحثها ودراستها.
4 - تأييد الملة في الرد على اليهود لبعض الأندلسيين المسلمين المُدَجَّنِين من مدينة وشقة بشمال اسبانيا (القرن 8هـ) قيل بأنه كان يهوديا وأسلم لمعرفته الجيدة بالعبرانية. الكتاب حقق و ترجم للإنجليزية في الولايات المتحدة اعتمادا على مخطوطين فقط. لكن منه ثلاث مخطوطات عربية ومخطوطة رابعة مختصرة. ومنه نسخ كثيرة بالأعجمية (الألخميادو) وهي أسبانية بحروف عربية كان يكتب بها الموريسكيون والمدجنون.
5 - الحسام المحدود في الرد على أحبار اليهود, لأبي محمد عبد الحق الإسلامي السبتي (كان يهوديا وأسلم خفية سنة 780هـ ثم أعلن إسلامه سنة 796هـ وفيها ألف كتابه هذا).
وهو كتاب مطبوع عدة طبعات كلها سقيمة.
6 - الرسالة الهادية في الرد على الموسوية لعبد السلام المهتدي كتبها ردا على اليهود بعدما أسلم. أولها:" الحمد لله الذي من على عباده في آخر الزمان برسالة حبيبه المبعوث من بني عدنان. وتوجد منه مخطوطة بخزانة أحمد الثالث رقم 1735 (في 37 ورقة كتبها المؤلف في جمادى الأولى سنة 902هـ). (كشف الظنون 1/ 900) وهي على ثلاثة أقسام: الأول في إبطال أدلة اليهود. الثاني: في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من عبارة التوراة بعدما غيره اليهود. والثالث: في تغييرهم بعض كلمات التوراة. طبعت بتحقيق الدكتورة سابين شميدك.
-.7رسالة في الرد على السهود ليوسف بن عبد السلام بن عبد الديان المهتدي قيد الطبع بتحقيق سابين شميدك.
8 - الرسالة السبيعية الحاوية للضوابط الإرشادية, للحبر الأعظم إسرائيل بن شموئيل الأورشليمي. طبعت بدار القلم – دمشق 1989م.
9 - النور الباهر في نصرة الدين الطاهر ليوسف بن عبد الله الإسلامي المغربي انتقل إلى الإسلام بعد 1020هـ. مخطوط.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[05 Jun 2009, 09:22 م]ـ
10 - رد على اليهود لعلها قصيدة في ذم اليهود للطبيب ابن قوسين اليهودي المهتدي. ورد ذكر ذلك في كتاب طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[13 Jun 2009, 03:04 ص]ـ
موضوع لطيف للغاية، وهو مهم، لأنهم كانوا داخل الصف اليهودي أو النصراني، وهم أعلم بقومهم من غيرهم، وقد أشار إلى ذلك ابن ربَّن الطبري في كتابه الدين والدولة، وهو في نقد العهدين القديم والجديد، وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكم أتمنى لو وجدت هذه الكتب على الشبكة ليستفيد منها المسلمون.
وهناك كتب غير ما ذكرتم يادكتور سمير، منها:
1 ـ الدين والدولة في إثبات نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لعلي بن ربَّن الطبري (ت: بعد 260).
2 ـ تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب، للقس أنسلم تورميدا الشهير بعبد الله الترجمان الأندلسي من أعلام القرن التاسع، فقد ألف كتابه عام (823).
3 ـ كتاب معاصر بعنوان: دعوة الحق أو الحقيقة بين المسيحية والإسلام، لمؤلفه منصور.
ولم يذكر أكثر من هذا، ويظهر أنه كان نصرانيًا مصريًّا، وذلك من خلال معلوماته عن نفسه في هذا الكتاب.
وهو كتاب نفيس ومهم، ويشرح شيئًا كثيرًا من نظرات النصارى لكتبهم، وهو يفيد في معرفة كيف يفهمون كتبهم، وكيف يموِّهون على الناس الحقائق، وكيف يهربون إلى المجاز إذا أعيتهم الحقيقة، فلا يكادون يستسلمون للمجادِل لهم، بل يراوغون مراوغات كثيرة هربًا من الهزيمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[13 Jun 2009, 07:30 ص]ـ
وفقكم الله ونفع بكما.
ويضاف لذلك كتاب: في طريقي إلى الإسلام، للدكتور أحمد سوسة، وهو عراقي كان يهودياً فأسلم، وكتابه مطبوع بالعربية.
ـ[يسري خضر]ــــــــ[13 Jun 2009, 11:07 ص]ـ
وقد نوقشت رساله في الجامعة الاسلامية بعنوان " جهود من أسلم من النصارى في كشف فضائح الديانة النصرانية " للطالب: مامادوكارامبيري بوركينابي
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[13 Jun 2009, 01:01 م]ـ
بار ك الله فيكم جميعا.
ويرجى ربط كلامي هنا بكلامي هناك:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=16282
وعلي بن ربن الطبري مهتدي نصراني كما بين ذلك في رده على النصارى وفي الدين والدولة وليس هو يهوديا كما ورد في بعض المصادر القديمة أحسبها طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة. والرجل لوحده مدرسة مميزة من مدارس المهتدين وفضله على من أسلم بعده من قومه جلي جدا لمن أمعن النظر ودقق.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[14 Jun 2009, 02:54 م]ـ
3 ـ كتاب معاصر بعنوان: دعوة الحق أو الحقيقة بين المسيحية والإسلام، لمؤلفه منصور.
ولم يذكر أكثر من هذا، ويظهر أنه كان نصرانيًا مصريًّا، وذلك من خلال معلوماته عن نفسه في هذا الكتاب.
وهو كتاب نفيس ومهم، ويشرح شيئًا كثيرًا من نظرات النصارى لكتبهم، وهو يفيد في معرفة كيف يفهمون كتبهم، وكيف يموِّهون على الناس الحقائق، وكيف يهربون إلى المجاز إذا أعيتهم الحقيقة، فلا يكادون يستسلمون للمجادِل لهم، بل يراوغون مراوغات كثيرة هربًا من الهزيمة.
كتاب (دعوة الحق أو الحقيقة بين المسيحية والإسلام) صاحبه مسلم ..
وهو المستشار منصور حسين عبد العزيز نائب رئيس محكمة النقض بالأسكندرية سابقًا ..
والكتاب كما ذكر فضيلة الدكتور مساعد الطيار يتناول عقيدتين مركزيتين للنصارى من كتبهم ..
وهما عقيدة صلب المسيح، وعقيدة تأليه المسيح ..
وسيادة المستشار صاحب الكتاب ليس من أهل العلم الشرعي كما قال في المقدمة ..
ويبدو في كلامه عدم استعانته أو تأثره بأي من المراجع الإسلامية في الرد على النصارى وتفنيد عقائدهم ..
إذ لا أبالغ إن قلت إنه غالبًا لم يطالع أي منها قبل كتابته كتابه هذا ..
إنما هو يرد على النصارى من كتبهم المقدسة ومراجعهم المعتمدة فقط ..
ولا يعني هذا أنه قد خالفه التوفيق أو جانبه الصواب ..
بل كتابه رائع جدًا ونفيس جدًا لاتباعه منهجًا عقليًا خالصًا في تفنيد عقائد النصارى من كتبهم ومراجعهم ..
وفي نهاية الطبعة الثالثة من الكتاب تجد ردود المؤلف على كتابات منتقديه النصارى، وكيف أنهم قد أعوزتهم الحجة وجانبهم التوفيق فاستعانوا بالغش والتدليس ..
والكتاب في كل هذا يتميز بالتهذيب الشديد والحجة الواضحة الناصعة ..
والله من وراء القصد.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[14 Jun 2009, 05:38 م]ـ
عنوانكم يادكتور سمير في الرد على اليهود والنصارى، وليتنكم جعلتم الموضوعين في مكان واحد.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[15 Jun 2009, 12:13 ص]ـ
ملاحظة الدكتور مساعد الطيار وجيهة ولو تكرم المشرفون مشكورين غير مأمورين بدمج الموضوعين معا في موضوع واحد لكان جيدا.
ـ[بوحامد سميرة]ــــــــ[17 Jun 2009, 11:55 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ...
الف شكر لما عرضتم في هذا الموضوع المهم جدا ...
استفدنا كثيرا ..
بارك الله فيكم ...
ـ[خلوصي]ــــــــ[24 Jun 2009, 09:11 ص]ـ
بارك الله فيكم .. و حبذا لو دللتم على روابط في الشبكة ... و حبذا لو نهض أحد بموسوعة في الأمر.(/)
مؤلفات قدماء المهتدين من النصارى في الرد على النصارى
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[05 Jun 2009, 09:25 م]ـ
1 - رد على أصناف النصارى لعلي بن ربن الطبري. قطعة وحيدة منه منشورة في بيروت سنة 1959م بجامعة القديس يوسف. وحفظت نصوص منه في رد ابن العسال النصراني, وترجمه كوديل إلى الفرنسية عام 1996م. وطبع سنة 2005 بمكتبة النافذة.
2 - الدين و الدولة لعلي بن ربن الطبري. مطبوع بتحقيق منيانا, وأعاد نشره عادل نويهض.
3 - رد على النصارى للحسن بن أيوب, وهو كتاب إلى أخيه علي بن أيوب يبين فيه فساد مقالات النصارى و تثبيت النبوة. محفوظ جله في الجواب الصحيح لابن تيمية, وقد حقق مستقلا في هولندة كرسالة دكتوراه. وطبعته مكتبة النافذة تحت عنوان مزور: لماذا أسلمت. وهذا الكتاب غائب في دراسة الدكتور عبد الله السحيم مع أنه كتاب له أثر في مؤلف النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية.
4 - إفحام النصارى لابن جزلة أبو علي يحيى بن عيسى المتطبب (ت.493هـ). مفقود.
5 - رسالة ابن جزلة (أبو علي يحيى بن عيسى) كتبها إلى إليا القس. مفقودة. ولعلهما كتاب واحد.
6 - تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب لعبد الله الترجمان الميورقي نزيل تونس (823هـ). طبع مرتين.
7 - البحث الصريح في الدين الصحيح لزيادة النصب رأسي العين زربي. ق 11هـ. أسلم بسبب قراءته للرسالة الهادية في الرد على اليهود لعبد السلام المهتدي 968هـ. والكتاب مطبوع.
8 - الأجوبة الجلية في ضحد الدعوات النصرانية للعين زربي أيضا. ويوجد ملخصه للعلامة الطيبي. وهو مطبوع.
واللائحة تطول بذكر كتب المهتدين النصارى المعاصرين. وإنما اقتصرت هنا على القدماء منهم.
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[06 Jun 2009, 07:29 م]ـ
جزاك الله خيرًا يا أخي ..
كتاب (الدين والدولة) لعلي بن ربن الطبري، كيف أحصل عليه؟
وهل هو متاح للتحميل من الشبكة بأي صورة؟
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[06 Jun 2009, 10:45 م]ـ
أخي هشام عزمي لعلك تتصل بموقع متبة المهتدين لمقارنة الأديان فينزلون لك الكتاب بعد حين وهذا بريدهم:
admin01@al-maktabeh.com
ولو كنت بالمغرب لزودتك بنسخة منه زائدة عندي.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[09 Jun 2009, 05:43 م]ـ
9 - كتاب النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصراني لنصر بن يحيى المتطبب. مطبوع مرارا.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[01 Dec 2009, 12:10 م]ـ
2 - الدين و الدولة لعلي بن ربن الطبري. مطبوع بتحقيق منيانا, وأعاد نشره عادل نويهض.
كتاب الدين والدولة، نشر ألفونس منغانا Mingana ترجمته الإنكليزية فقط.
وأما عمل عادل نويهض، فهو تحقيق مستقلّ، والكتاب المطبوع يبيعه موقع نيل وفرات، على هذا الرابط:
http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb30060-28384&search=books
وجاء في الصفحة:
الدين والدولة في إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف: علي بن ربن الطبري
ترجمة، تحقيق: عادل نويهض
سعر السوق: 5.00$
سعرنا: 4.75$
التوفير: 0.25$ (5%)
النوع: غلاف عادي، 24×17، 240 صفحة الطبعة: 4 مجلدات: 1
الناشر: دار الآفاق الجديدة تاريخ النشر: 01/ 01/1982
ـ[خلوصي]ــــــــ[15 Apr 2010, 08:09 ص]ـ
موضوع قيّم فريد ... لم أنتبه إليه إلا الآن .. فيا حبذا لو تزورنا هنا سيدي:
موسوعة آخر الزمان .... لأنباء المنتصرين للقرآن!؟! ( http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=19228)
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[15 Apr 2010, 10:56 م]ـ
كتاب "الدين والدولة" لابن ربن الطبرى بتحقيق عادل نويهض موجود على الرابط التالى:
http://www.al-maktabeh.com/ar/open.php?cat=&book=1399
مع تحياتى ومودتى للصديق هشام عزمى(/)
هل أسس النبى محمد دينه على الوثنية؟ (تفنيد سخافات المدعوّ: سام شمعون)
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[12 Jun 2009, 01:46 ص]ـ
"رَمَتْنى بدائها وانْسَلَّتِ"
هل أسس النبى محمد دينه على الوثنية؟
(تفنيد سخافات المدعوّ: سام شمعون)
د. إبراهيم عوض
الوثنية، كما جاء فى تعريفها فى "الموسوعة العربية الميسرة"، هى "معتقَدٌ يقوم على عبادة غيرِ الله عز وجل أو صورٍ لآلهة أو روحٍ. وهذا التعبير يعني أيضًا عبادة الآلهة المزيفة". وفى " Encyclopædia Britannica: الموسوعة البريطانية" (إصدار 2008م) يعدد كاتب مادة " idolatry" بعضا من ألوان الوثنية قائلا إنها قد تتبدى فى تمجيد أى شخص أو أى شىء: مَلِكًا كان أو شمسًا أو حيوانًا أو صنمًا حتى لو صاحَبَ ذلك الإيمان بالله وعبادته كما حدث حين عبد بنو إسرائيل العجل الذهبى أثناء ذهاب موسى عليه السلام للقاء ربه فوق الجبل:
“ Several forms of idolatry have been distinguished. Gross، or overt، idolatry consists of explicit acts of reverence addressed to a person or an object—the sun، the king، an animal، a statue. This may exist alongside the acknowledgment of a supreme being; e.g.، Israel worshiped the golden calf at the foot of Mount Sinai، where it had encamped to receive the Law and the covenant of the one true God”
وفى موسوعة الـ" Encarta " فى نسختها الفرنسية أن الوثنية هى
“ culte voué à une image figurant un être surnaturel، dont la représentation matérielle est vénérée comme la demeure de celui-ci”.
ونطالع فى موسوعة " Laousse" الضوئية أنها " Culte rendu à des idoles ou à des créatures adorées comme la divinité même".
وثم لون آخر من الوثنية، وهو النزول بالإله من علياء مجده إلى مرتبة المخلوقات حيث يتجسد ويتعدد ويظهر للبشر عيانا بيانا، وإن كان هذا الضرب من الاعتقاد يسير فى خط معاكس لخط الوثنية السالفة الذكر، مع انتهائه فى نفس الوقت إلى ذات النقطة التى تنتهى عندها، إذ الوثنية فى أصلها هى الارتفاع بالمخلوق إلى مرتبة الخالق، بينما الاعتقاد الذى نحن بصدده ينزل بالخالق إلى مرتبة المخلوق. أما النقطة التى يلتقى عندها الخطّان فهى التسوية بين الخالق ومخلوقاته.
وقد وقع لى فى الأيام الأخيرة كتاب بعنوان "محمد والوثنية" من تأليف شخص يُسَمَّى: سام شمعون ادعى فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يمارس طقوس الوثنية قبل أن يَطْلُع على العالم بدينه، الذى كونه من تلك الطقوس بعدما أعطاه مضمونا توحيديا. ومن هذه الطقوس التى كان يمارسها الرسول الكريم حسبما ورد فى ذلك الكتاب أَكْلُه من ذبائح الأوثان وطوافه بالكعبة وسعيه بين الصفا والمروة ... إلخ. والحق أن الكتاب وصاحبه قد أضحكانى كما لم أضحك منذ وقت طويل، إذ وجدتهما ينطبق عليهما المثل العربى المعروف: "رَمَتْنى بدائها وانْسَلَّتِ". أَوَدِينُ محمد دين وثنى؟ ومن يصفه بذلك؟ إنه سام شمعون وأشباهه، الذين يفيض دينهم بالوثنيات بعد أن حرفوه وعبثوا به. أليس ذلك أمرا يبعث على القهقهة؟
ولنفترض أن الأمر كما قال سام شمعون، فهل فيه ما ينال من النبى عليه الصلاة والسلام؟ كلا وألف كلا، إذ إنه عليه السلام لم يكن فى ذلك الوقت قد أصبح نبيا يُوحَى إليه بعد، ولم يكن فى بلاد العرب دين سماوى صحيح يتبعه الناس، بل كانوا فى معظمهم وثنيين، ومن المعتاد أن يكون الإنسان على دين قومه. لقد كان من العرب من يدين باليهودية والنصرانية، إلا أن أيا من هاتين الديانتين لم تكن ديانة قوم النبى عليه السلام، ودَعْنا من أن كلتا الديانتين كانت قد تم تحريفها والعبث بها. كذلك من المعروف أن الإسلام يَجُبّ ما قبله، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولم يكن فى ذلك الوقت رسول ولا نبى يدعو الناس إلى الإيمان بما أتى به من دين مثلما وقع حين بُعِث رسول الله بعد ذلك رحمةً للعالمين. لهذا كله لا نرى، ولا يمكن أن يرى أى عاقل، فى اتباع محمد قبل البعثة ديانة قومه شيئا من الغرابة، بل العبرة كل العبرة بما بعد البعثة.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا من الناحية النظرية المبدئية، أما من الناحية التاريخية الواقعية فأول ما نتريث إزاءه هو ما نقله شمعون من "صحيح البخارى"، ونَصُّه أنه عليه الصلاة والسلام "لقي زيد بن عمرو بن نُفَيْل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها. ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكِر اسم الله عليه"، إذ هناك رواية أخرى للحديث تقول إنه صلى الله عليه وسلم قد "لقي زيدَ بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه". والفرق بين الروايتين كبير كما ترى. وقد يُفْهَم من الروايتين، إذا ضممناهما معا، أن القوم كانوا قد قدموا إلى رسول الله ذلك الطعام فرفضه، ثم بدا له أن يعرضه على زيد، فرفض زيد كذلك، فاتفقت إرادتاهما على عدم الأكل منه.
وفى "فتح البارى" أن العلماء قد فسروا الأمر "بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا السفرة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقدمها لزيد، فقال زيد مخاطبا لأولئك القوم ما قال". ويؤكد هذا ما ورد فى حديث ثالث، إذ رُوِىَ "أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله، إنكارا لذلك وإعظاما له".
كما أن الرواية الأولى تخلو مما يدل على أن اللحم كان من أضحية قدمها النبى إلى وثن من الأوثان، بل كل ما هنالك أنه عليه السلام كان معه لحم فقدمه إلى زيد، فرفض زيد أن يأكل منه، وهذا كل شىء. وفضلا عن ذلك قد يكون معنى كلام زيد أنه لا يرفض بالذات الأكل من السفرة التى قدمها النبى وزيد بن حارثة له، بل يعرض شروطه فى الأكل حتى إذا كان الطعام المقدم له متحققة فيه هذه الشروط أكل منه، وإلا فلا. وأتصور أن الأخير هو أقوى الاحتمالات لأنه لا يوجد ما يدل على ما ذهب إليه سام شمعون لا من قريب ولا من بعيد.
فكما هو واضح قد أورد شمعون ما يظن أنه موصِّله إلى ما يريد من تشويه صورة النبى عليه السلام، وتجنَّب عن عمد وسبق إصرارٍ الأحاديثَ الأخرى النافية أكله صلى الله عليه وسلم من لحوم الأنصاب. ولكن فلنسايره ونقول معه إنه صلى الله عليه وسلم قد كان يأكل منها، فماذا فى ذلك؟ لقد قلنا إن العرب لم يكونوا يحرّمون هذا النوع من الطعام، إذ لم يكن لهم دين ينهاهم عن ذلك، فكيف ننكر على محمد ما كان سائر قومه يأكلونه؟ ثم هل أكله صلى الله عليه وسلم من هذا اللحم معناه بالضرورة أنه كان يعبد الأوثان؟ الواقع أن من الصعب امتناعه هو أو أى إنسان آخر من بنى قومه بسهولة ودون وقوع باعث له على النظر فى ذلك عن أكل هذا اللحم. وفى "فتح البارى" عن الخطابى: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل مما يذبحون عليها للأصنام، ويأكل ما عدا ذلك وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه لأن الشرع لم يكن نزل بعد، بل لم ينزل الشرع بمنع أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلا بعد المبعث بمدة طويلة".
وحتى لو أخذنا بحديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما، وقد أورده ابن حجر فى "فتح البارى، ونصه: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من مكة وهو مُرْدِفِي، فذبحنا شاة على بعض الأنصاب فأنضجناها، فلقينا زيد بن عمرو ... فقال زيد: إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه"، فليس معناه بالضرورة أنهما قد ذبحا الشاة باسم وثن من الأوثان، بل كل ما يدل عليه هو أنهما ذبحاها على نُصُبٍ من الأنصاب، والأنصاب هى الحجارة التى كانت قريش تذبح عليها عند الأوثان، فهى مواضع مهيأة لذبح الذبائح عليها. إنها فى هذا كالمسالخ هذه الأيام. والمسلمون فى البلاد الأوربية مثلا يمكنهم دون أى حرج أن يذبحوا حيواناتهم فى نفس
(يُتْبَعُ)
(/)
المجازر التى يذبح فيها الأوربيون غير المسلمين حيواناتهم. وكذلك لو افترضنا أن مسلما هنديا ذبح ذبيحته بجوار معبد هندى وثنى أو حتى بداخل المعبد ذاته، فهل يقال إنه قد ذبح ما ذبح باسم البُدّ الموجود فى ذلك المعبد؟
وأنا وأمثالى كثيرا ما نصلى فى مساجد ذات أضرحة، ولا يعنى هذا أبدا أننا نشارك من يؤمنون بـ"الأولياء" فى إيمانهم ذاك المغبَّش، بل يعنى أننا نصلى فى تلك الجوامع فقط رغم أن هناك فريقا ممن يصلى معنا يعتقد فى الشيخ المدفون بضريح المسجد اعتقادات لا يستريح إليها دين محمد عليه الصلاة والسلام. فرغم أن الفريقين يصليان جنبا إلى جنب فإن قلوبهما فى هذه النقطة غير متفقة. والعبرة بالنية والتوجه، وإلا فصلاة طوائف كبيرة من المصريين باطلة وفيها شرك بالله، أستغفر الله، لأن كثيرا من مساجد مصر يحتوى على أضرحة ومزارات. ومن يقول بهذا إلا أحمق ضيق العطن؟ ولقد سمح الرسول للنصارى أن يؤدوا شعائر صلواتهم فى مسجد المدينة، فهل صاروا بذلك موحدين؟ لقد كانوا قبل ذلك، وظلوا أثناء ذلك وبعد ذلك، من المثلثين رغم كل هذا. ويقال، حسب رواية أوربية، إن فرانسيس الأسيزى، وهو راهب إيطالى عاش فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين ووفد إلى مصر لمقابلة الملك الكامل الأيوبى أثناء الحروب الصليبية، قد صلى، بناء على اقتراح الملك الكامل، فى أحد المساجد المصرية قائلا إن دعاء الله مقبول فى أى مكان. فهل جعلته صلاته فى المسجد مسلما؟ كلا وألف كلا. بل لقد جاء إلى الملك وحاشيته كى يعرض بضاعته النصرانية على المسلمين لا ليدخل دين محمد عليه الصلاة والسلام. كما أن بطرك القدس، عند فتح المسلمين لها وحضور الفاروق مراسم تسليمها إليهم، قد عرض عليه أن يقيم صلاته داخل الكنيسة. ولولا أن عمر رضى الله عنه وأرضاه خشى أن يطالب المسلمون بتحويل الكنيسة مسجدا لصلاته فيها لاستجاب للبطرك، وعندذاك ما كانت صلاته لتنقص عن مثيلتها فى أى مسجد بسبب ذلك، إذ العبرة بالنية والتوجه كما ذكرنا مرارا.
وبناءً على هذه القاعدة أذكر أننى فى صيف 1982م قد صليت الظهر والعصر أنا وزوجتى فى مسجد القاديانيين بلندن. ولم يكن هناك أحد يصلى غيرنا. فهل من متنطع من شاكلة السيد شمعون يزعم أن صلاتنا تلك ليست صلاة إسلامية؟ لقد ناقشت من كان موجودا هناك فى اعتقاداتهم واختلفتُ معهم فى الرأى، وحمّلونى بعض كتبهم هديةً بالإضافة إلى ما اشتريته منها بالفلوس، وكانت هذه وتلك معتمدى فى كتابتى عنهم وانتقادى لهم فى الفصل الذى خصصته لعرض تفسيرهم للقرآن المجيد فى كتابى: "من الطبرى إلى سيد قطب- دراسة فى مناهج التفسير ومذاهبه". ولماذا نذهب بعيدا، ولدينا الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تقيم كل عام إفطارا لكبار رجال الدولة وعلماء الإسلام داخل الكاتدرائية، فضلا عن صلاتهم المغرب هنالك، ويقوم بالخدمة أثناء ذلك رجال الكنيسة؟ فهل يصح الزعم بأن الصيام والصلاة غير مقبولين لأنهما تما داخل البطركية؟
(وهنا أستأذن القارئ فى استطرادة أود أن أقوم بها لأنفس قليلا عن ضيق صدرى من عجز المسلمين الذين يبلغون نحو المليارين عن معاقبة أولئك الذين تجرأوا فى عصرنا هذا من علوج الكفر على النبى محمد عليه الصلاة والسلام فى الكتب والصحف والمنتديات والبرلمانات والفضائيات فى كل مكان يرون فيه لأنفسهم منعة مستغلين حالة الذلة والخزى التى عليها المسلمون بعامة حكاما وشعوبا على السواء، فأُورِد هذه السطور التى سجلها ابن خلكان فى كتابه: "وفيات الأعيان" عن الملك الكامل الأيوبى المتقدم ذكره تحت عنوان "منقبة للملك الكامل جرت في هذه النوبة"، أى فى مواجهة المسلمين للصليبيين آنذاك فى دمياط وانتصارهم الساحق عليهم: "لما وقع الحصار على مدينة دمياط اتفق أن عِلْجًا منهم، لعنه الله، قد ألهج لسانه بسبب النبي صلى الله عليه وسلم، معلنًا به على خنادقهم، ومُنْكِيًا لمن يليهم من حرس الإسلام ورجالهم. وكان أمره قد استفحل، وداء اشتهاره بهذه العظيمة قد أَعْضَل. وقد جعل هذا الأمرَ دَيْدَن جهاده، وذهب عنه أن الله تعالى ينتقم لنفسه من عُتُوّ هذا اللعين وعناده.
(يُتْبَعُ)
(/)
فلما كانت الوقعة المشهورة في شعبان من سنة عشرة التي أُسِر فيها أعلاج الكفر وكنودهم، وأفاء الله على أهل دينه عدوهم وعديدهم، واستولى منهم على ما يناهز ألفي فارس، عُرِف هذا العلج في جملة من اشتمل عليه الاستيلاء منهم حصرًا وعدًّا، وعوجل بعقوبة كفره الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هَدًّا. فلما صُفِّد في وَثَاقه، وخَرِسَتْ شقاشق شِقَاقه، أُشْعِر السلطان الملك الكامل بموضعه، فتنوعت المشورات بصورة قتل هذا الكافر واللحاق بروحه إلى الجحيم التي هي مأوى الفاجر. فصمم الملك الكامل على إرسال هذا العلج مع من يوصله إلى والي المدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وإشعاره بأمره، وأن يباشر بذلك المحل الشريف تطهير الأرض من كفره. فلما وصل أقيم بين يدي الضريح المطهر، ونوجي ذلك المحل الأطهر، وذلك في عيد الفطر من السنة المذكورة، وقيل: يا رسول الله، هذا عدو لله وعدوك، والمصرِّح في ملة كفره بسبك وسب صاحبك، قد أرسله محمد سلطان مصر ليقتل بين يديك، ويشكر الله لما وفقه من مجاهدة الشرك الذين كفروا بما أُنْزِل إليك، ورام أن يجعله عبرة لمن انتهك حرمتك واجترأ عليك. فتهادته أيدي المنايا ضربًا بالسيوف، وفرح المؤمنون بنصر الله لدينه على طوائف الشرك وأن رغمت منها الأنوف، والحمد لله رب العالمين.
لا جرم أنه (أى الملك الكامل عليه رحمة الله) بعد وفاته أثيب على هذا المقصد السديد، والتوفيق الذي ما على النعمة به من مزيد، أن الإنبرور (أى الإمبراطور) ملك صقلية وغيرها من بلاد الفرنج، وهو اليوم أكبر ملوكهم خطرًا، وكانت بينه وبين الملك الكامل صداقة ومهاداة يألف بها إلى أن تأكدت له محبته وصار ذبه عن بلاده من طوائف الكفر ديدنه وعادته، كان عنده من الأسرى المأخوذين من مدينة ميرقة من الغرب عند استيلائه عليها جماعة، فأحضرهم الانبرور بين يديه، وقال لهم: يا حُجّاج، قد أعتقتكم عن الملك الكامل. وسيَّرهم مع قصاد تقودهم إلى عكا، وأمرهم بحل قيودهم عند قبره، وإطلاق سبيلهم. وكانت وفاته (أى الملك الكامل) بدمشق يوم الأربعاء آخر النهار، ودفن يوم الخميس في الساعة الثانية منه، وذلك لتسع بقين من شهر رجب سنة خمس وثلاثين وستمائة بالكلاسة رحمه الله تعالى".
ألا ما أشبه الليلة بالبارحة! فهؤلاء العلوج يُقِلّون أدبهم دائما ويتسافهون على رسول الله كلما شموا من أنفسهم قوة، ومن المسلمين ضعفا وتخاذلا وجبنا، ثم يزعمون أن دينهم هو دين السلام والتسامح وأن الإسلام هو دين الإرهاب والعدوان. إلا أنهم فى ذلك الزمان كانوا يجدون حكاما مسلمين أعزَّة كراما يغارون لرسولهم ويُنْزِلون بكل خنزيرٍ كفورٍ لئيم الطبع سفيه اللسان التأديبَ الذى يستحقه فيقطفون رأسه. أما حكام المسلمين اليوم فهم مثال على الرخاوة والطراوة مع هؤلاء، وأسود هصورة باطشة مع أهل الإسلام. ماذا نفعل؟ إنها محنة الشعوب المنتسبة إلى الإسلام، إذ ترضى بالهوان والعجز والمذلة وتستكين لما تُوقِعه بها حكامها وتستنيم إلى هذا العار غير واجدة فيه ما يشين، بل إنها لتستزيد منه! فهنيئا لها ما هى فيه، ولْيَزِدْها الله مما تريد حتى تشبع، ولن تشبع!).
أما قول ابن الكلبى: "وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها يوما فقال: لقد أهديت للعزى شاة عفراء، وأنا على دين قومي. وكانت قريش تطوف بالكعبة وتقول: واللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى! فإنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لتُرْتَجَى! كانوا يقولون: بنات الله عز وجل عن ذلك، وهن يشفعن إليه " فثم طائفة من الأسئلة تنبثق فى الذهن على التو وتريد جوابا، وهى: بَلَغَه عَمَّنْ؟ ومن روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف قاله رسول الله بهذه البساطة؟ وكيف لم يثر ذلك الكلام استغراب أحد من الصحابة؟ ثم متى قدّم رسول الله الشاة؟ وفى أية ظروف كان ذلك؟ ومن كان معه؟ ولماذا لم يَرْوِها إذن صاحبه الذى كان معه؟ ولم سكتت قريش فلم تعيّره بهذا حين نزل القرآن يهاجمهم ويهاجم اللات والعزى ومناة وغيرها من الأوثان، ويحمل حملة شعواء على الأكل مما ذُبِح لتك الأوثان على النُّصُب؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وأرجو من القارئ أن يتمعن النص التالى، والكلام فى أوله وفى آخره لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: "قد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وعثمان بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وعبد الله بن جحش بن رئاب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حليف بني أمية، حضروا قريشا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم. فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، قالوا: تصادقوا، وليكتم بعضكم على بعض. فقال قائلهم: تعلمون والله ما قومكم على شيء. لقد أخطأوا دين إبراهيم عليه السلام وخالفوه. ما وثنٌ يُعْبَد لا يضر ولا ينفع؟ فابتغوا لأنفسكم. فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها. فأما ورقة بن نوفل فتنصر، فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها حتى علم علما كثيرا من أهل الكتاب. فلم يكن فيهم أعدل أمرا ولا أعدل شأنا من زيد بن عمرو بن نفيل: اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين إبراهيم. يوحد الله عز وجل ويخلع مَنْ دونه، ولا يأكل ذبائح قومه. باداهم بالفراق لما هم فيه.
... عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه. ثم يسجد على راحته.
... عن ابن اسحق قال: حدثني بعض آل زيد بن عمرو بن نفيل أن زيدا كان إذا دخل الكعبة قال: لبيك حقا حقا، تعبُّدًا ورِقًّا. عذت بما عاذ به إبراهيم وهو قائم، إذ قال: أنفي لك عانٍ راغم. مهما تجشمني فإني جاشم. البِرَّ أبغي لا الخال (يقول: لا الفخر). ليس مُهَجِّرٌ كمن قال.
... عن ابن اسحق قال: حدثني هشام بن عروة قال: رواني عروة بن الزبير أن زيد بن عمرو بن نفيل قال:
أربًّا واحدا أم ألفَ ربٍّ أدينُ إذا تقسمت الأمورُ؟
عزلت اللات والعزى جميعا كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها ولا صنمَيْ بني عمرو أزور
ولا غنما أدين وكان ربًّا لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت، وفي الليالي معجبات وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا كثيرًا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم فيربك منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يومًا كما يتروّح الغصن المطير
... عن ابن اسحق قال: وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا:
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له الأرض تحمل صخرًا ثقالا
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له المزن تحمل عذبا زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ له الريح تُصْرَف حالا فحالا
... عن ابن اسحق قال: وكان الخطاب بن نفيل قد آذى زيد بن عمرو بن نفيل حتى خرج عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، مقابل مكة، ووكل به الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفائهم، فقال: لا تتركوه يدخل مكة. فكان لا يدخلها إلا سرا منهم. فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب، فأخرجوه وآذَوْه كراهية أن يفسد عليهم دينهم وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم. وكان الخطاب عم زيد وأخاه لأمه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه. فقال زيد بن عمرو وهو يعظم حرمته على من استحل من قومه ما استحل:
اللهم إنى محرم لا أحله * وإن بيتى أوسط المحلة
عند الصفا ليس بذى مظلة
... عن ابن اسحق قال: فحُدِّثْتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدِّث عن زيد بن عمرو بن نفيل: إنْ كان لأول من عاب علي الأوثان، ونهاني عنها. أقبلت من الطائف ومعي زيد بن حارثة حتى مررت بزيد بن عمرو وهو بأعلى مكة، وكانت قريش قد شهرته بفراق دينها حتى خرج من بين أظهرهم، وكان بأعلى مكة، فجلست إليه ومعي سفرة لي فيها لحم يحملها زيد بن حارثة من ذبائحنا على أصنامنا، فقربتها له، وأنا إلام شاب، فقلت: كل من هذا الطعام أَيْ عَمِّ. قال: فلعلها، أي ابن أخي، من ذبائحكم هذه التي تذبحون لأوثانكم؟ فقلت: نعم. فقال: أما إنك يا ابن أخي لو سألت بنات عبد المطلب أخبرنك أني لا آكل هذه الذبائح، فلا حاجة لي بها. ثم عاب على الأوثان ومن يعبدها ويذبح لها، وقال: إنما هي باطل لا تضر ولا تنفع، أو كما قال. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تحسستُ بوثن منها
(يُتْبَعُ)
(/)
بعد ذلك على معرفة بها، ولا ذبحتُ لها حتى أكرمني الله عز وجل برسالته صلى الله عليه وسلم.
... عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه قال: مر زيد بن نفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى زيد بن حارثة، فدعواه إلى سفرة لهما، فقال زيد: يا ابن أخي، إني لا آكل ما ذُبِح على النُّصُب. قال: فما رُئِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم يأكل شيئا ذبح على النصب.
... عن ابن اسحق قال: وقد كان زيد أجمع على الخروج من مكة يضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم، فكانت امرأته صفية ابنة الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل. فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم ويسأل عنه. فلم يزل في ذلك حتى أتى الموصل أو الجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام فجال فيها حتى أتى الموصل أو الجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى راهيا انتهى إليه علم النصرانية فيما يزعمون، فسأله عن الحيفية دين إبراهيم، فقال الراهب: إنك لتسأل عن دينٍ لستَ بواجد من يحملك عليه اليوم. لقد درس علمه، وذهب من يعرفه، ولكنه قد أظلك خروج نبي يُبْعَث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث الآن. هذا زمانه. وقد كان شامَ اليهوديةَ والنصرانيةَ، فلم يرض شيئا منهما، فخرج سريعا حين قال له الراهب ما قال، يريد مكة. حتى إذا كان بأرض لخم عَدَوْا عليه فقتلوه ...
عن ابن أسحق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن عمر بن الخطاب وسعيد ابن زيد قالا: يا رسول الله، نستغفر لزيد؟ فقال: نعم، فاستغفروا له، فإنه يُبْعَث أمة وحده ... عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه أن جده سعيد بن زيد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه وزيد بن عمرو فقال: يا رسول الله، إن أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت وكما بلغك. فلو أدركك آمن بك. أفأستغفر له؟ قال: نعم، فاستغفرْ له، فإنه يجيء يوم القيامة أمة وحده. وكان، فيما ذكروا، يطلب الدين فمات وهو في طلبه". وليس فى كلام سعيد بن زيد ما يشى، ولو على سبيل التوهم، بأنه كان فى ذهنه أىّ شىء عن تناول رسول الله قبل البعثة طعاما من لحوم الأنصاب، بل بالعكس نرى سعيدا وهو يحاول نيل رضا الرسول على أبيه لأنه تُوُفِّىَ قبل بعثة النبى عليه السلام فلم يكتب له الدخول فى دين الله. ولو كان الأمر كما فهم سام شمعون من أكل النبى من ذبيحة الأنصاب ورفْض زيد لها لما كانت بسعيد بن زيد حاجة إلى طلب الاستغفار من النبى لأبيه، إذ إن أباه فى هذه الحالة قد عرف طريقه إلى الهدى لا يُعْوِزه دعاءٌ ولا ترضٍّ من أحد، بل لما دخل سعيد فى الإسلام أصلا ويعرض نفسه للأذى والإهانة والخوف والتخفى بدينه الجديد وهو يرى أباه قد سبق النبى فى هذه الأمور!
ونفس الشىء قل فى طواف النبى حول الكعبة وسعيه بين الصفا والمروة قبل مبعثه، فإنه لم يكن يعتقد فى الأصنام والأوثان، بل كان يتقرب إلى الله. ولم يكن ثم معبد آنذاك فى مكة يخلو من الاصنام والأوثان حتى يستغنى به الرسول عن البيت الحرام. ولو ترك الطواف حول الكعبة والسعى بين الصفاوالمروة لهذا الاعتبار لما كان مستطيعا أن يؤدى شعيرة. والعبرة بالنية والتوجه كما قلنا ونقول. ولم يكن محمد وحده من بين من لا يؤمنون بالأصنام والأوثان يصنع ذلك، بل كان يصنعه كذلك على سبيل المثال زيد بن عمرو بن نفيل، الذى يظن شمعون أنه قادر على النيل من رسول الله بمقارنته به. فعن أسماء بنت أبى بكر: "لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش، والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري. ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه. ثم يسجد على راحته". وعن بعض آل زيد بن عمرو بن نفيل أن "زيدا كان إذا دخل الكعبة قال: لبيك حقا حقا، تعبُّدا ورِقًّا. عذت بما عاذ به إبراهيم وهو قائم، إذ قال: أنفي لك عانٍ راغم. مهما تجشِّمني فإني جاشم. البِرَّ أبغي لا الخال (أى لا الفخر). ليس مهجِّرٌ كمن قال".
(يُتْبَعُ)
(/)
كما كان يصنعه ورقة أيضا. وقد أورد سام شمعون ذاته خبرا من سيرة ابن إسحاق، وهو مجرد مثال، يقول إن ورقة قد لقى النبى وهو يطوف حول الكعبة، أى أن ورقة كان يطوف بها هو أيضا، فدار بينهما ما دار من حوار. فهل كان ورقة وثنيا؟ بالطبع كلا ثم كلا ألف مرة! لقد بُنِيَت الكعبة لعبادة الله الواحد الأحد، وكان الطواف حولها والسعى بين الصفا والمروة جزءا من العبادة التوحيدية منذ أقام بنايتها إبراهيم وإسماعيل. ثم جاء الوثنيون فنصبوا بها الأوثان والأصنام، فهى إذن بريئة من هذه وتلك، ولا تثريب على من يعبد الله فيها مخلصا له الدين. إنما التثريب والملامة على من يشرك بالله شيئا من تلك الأصنام والأوثان حتى لو لم يطف بالكعبة أو يَسْعَ بين الصفا والمروة. المشكلة إذن فى الأصنام والأوثان والاعتقاد فيها وإشراكها بالله سبحانه عز شأنه، وما عدا هذا فهو من الشعائر التوحيدية القديمة كما وضحنا، فلا داعى للتنطع والنفاق الثقيل الظل.
وبالمناسبة لقد كان المسيح عليه السلام يتردد على هيكل بيت المقدس ويؤدى فيه شعائر العبادة بوصفه واحدا من بنى إسرائيل رغم أن اليهود كانوا يدنسونه بتجارتهم ورباهم ومؤامراتهم ونفاقهم ويبيعون فيه الحمام، فضلا عن تحويلهم إياه مغارة لصوص كما أكد عيسى بن مريم عليه السلام حسب رواية الإنجيل المنسوب إلى مرقس فى الإصحاح الحادى عشر ... إلى أن نهرهم عيسى عليه السلام وطردهم خارجه، وإن عادت الأمور بعد قليل إلى ما كانت عليه سابقا: "15وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ. 16وَلَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَجْتَازُ الْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. 17وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلا لَهُمْ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا: بَيْتِي بَيْتَ صَلاَةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ الأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ». 18وَسَمِعَ الْكَتَبَةُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ الْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ". كما أن الشيطان قد اعتلى الهيكل مرة على الأقل، وذلك حين أراد تجربة المسيح لمعرفة مدى إيمانه بربه سبحانه وتعالى طبقا لما كتبه متى فى الإصحاح الرابع من إنجيله: "5ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، 6وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ» ".
وكان تلاميذالمسيح قد رَأَوْا بعد تركه الدنيا أن الهيكل لا يليق بأن يجتمعوا فيه، فكيف ينبغى، بناء على طريقة سام شمعون، أن نحكم على تردده هو عليه، وهو السيد، وهم التلاميذ؟ ولنقرأ هذه الفقرة القصيرة من مادة "هيكل" فى "دائرة المعارف الكتابية": "بعد صعود الرب يسوع المسيح بدأ الرسل والتلاميذ يجتمعون فى الهيكل فى أورشليم (أع 2: 46، 3: 1 - 10، 5: 12، 20 و24 و42). ولكن يتضح من حديث إستفانوس أنهم أدركوا أن الإيمان بالمسيح لا يتفق مع النظام الذي يعبر عنه الهيكل اليهودي (أع 6: 11 - 15، 7: 48 - 50). فنجد التلاميذ بعد ذلك مجتمعين فى بيت مريم أم يوحنا الملقب: مرقس، للصلاة من أجل بطرس (أع 12: 13) ". والآن هل يلام المسيح على تردده على الهيكل للعبادة؟ أم هل يُنْظَر إلى عمله حسب نيته ومقصده؟
وقبل هذا جاءت على الهيكل أوقات نُصِبَ فيه كثير من الأصنام والأوثان كما تبين النصوص التالية من الإصحاحين الحادى والعشرين والثالث والعشرين من سفر "الملوك الثانى"، والثالث والثلاثين من سفر "الأيام الثانى"، والثامن من سفر "حزقيال"، وهى مجرد أمثلة ليس إلا. فهل صيرت هذه الأصنام الهيكل معبدا وثنيا؟ كلا، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى، بل الذى يبوء بالإثم هو من أدخل الوثنية إلى هيكل الرب، ذلك الهيكل الذى أوجب الله سبحانه على عباده المؤمنين أن يبعدوا عنه كل صنم ووثن، وأن يبقوه معبدا توحيديا خاصا به جل وعز، تماما مثلما الأمر بالنسبة إلى البيت الحرام، وكذلك يبوء بالإثم من
(يُتْبَعُ)
(/)
كان يعبد تلك الأوثان. وهذه هى النصوص على التوالى: "1كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَفْصِيبَةُ. 2وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 3وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي أَبَادَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ سَارِيَةً كَمَا عَمِلَ أَخْآبُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. 4وَبَنَى مَذَابحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ: «فِي أُورُشَلِيمَ أَضَعُ اسْمِي». 5وَبَنَى مَذَابحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. 6وَعَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ، وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَوَابعَ، وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. 7وَوَضَعَ تِمْثَالَ السَّارِيَةِ الَّتِي عَمِلَ، فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: «فِي هذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ، الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، أَضَعُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. 8وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ لآبَائِهِمْ، وَذلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ، وَكُلَّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا عَبْدِي مُوسَى». 9فَلَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ أَضَلَّهُمْ مَنَسَّى لِيَعْمَلُوا مَا هُوَ أَقْبَحُ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ".
"4وَأَمَرَ الْمَلِكُ (يُوشِيَّا) حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ، وَكَهَنَةَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ جَمِيعَ الآنِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِلْبَعْلِ وَلِلسَّارِيَةِ وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ، وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ أُورُشَلِيمَ فِي حُقُولِ قَدْرُونَ، وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتِ إِيلَ. 5وَلاَشَى كَهَنَةَ الأَصْنَامِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا لِيُوقِدُوا عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمَا يُحِيطُ بِأُورُشَلِيمَ، وَالَّذِينَ يُوقِدُونَ: لِلْبَعْلِ، لِلشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالْمَنَازِلِ، وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ. 6وَأَخْرَجَ السَّارِيَةَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ وَأَحْرَقَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَدَقَّهَا إِلَى أَنْ صَارَتْ غُبَارًا، وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. 7وَهَدَمَ بُيُوتَ الْمَأْبُونِينَ الَّتِي عِنْدَ بَيْتِ الرَّبِّ حَيْثُ كَانَتِ النِّسَاءُ يَنْسِجْنَ بُيُوتًا لِلسَّارِيَةِ".
"1كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ. 2وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 3وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هَدَمَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِيمِ، وَعَمِلَ سَوَارِيَ وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. 4وَبَنَى مَذَابحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الرَّبُّ: «فِي أُورُشَلِيمَ يَكُونُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ». 5وَبَنَى مَذَابحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. 6وَعَبَّرَ بَنِيهِ فِي النَّارِ فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ، وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَسَحَرَ، وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَابِعَةً، وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. 7وَوَضَعَ تِمْثَالَ الشَّكْلِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي بَيْتِ اللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَلِسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: «فِي هذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ أَضَعُ اسْمِي
(يُتْبَعُ)
(/)
إِلَى الأَبَدِ. 8وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي عَيَّنْتُ لآبَائِهِمْ، وَذلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ، كُلَّ الشَّرِيعَةِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ عَنْ يَدِ مُوسَى». 9وَلكِنْ مَنَسَّى أَضَلَّ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ لِيَعْمَلُوا أَشَرَّ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 10وَكَلَّمَ الرَّبُّ مَنَسَّى وَشَعْبَهُ فَلَمْ يُصْغُوا. 11فَجَلَبَ الرَّبُّ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ الجُنْدِ الَّذِينَ لِمَلِكِ أَشُّورَ، فَأَخَذُوا مَنَسَّى بِخِزَامَةٍ وَقَيَّدُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى بَابِلَ. 12وَلَمَّا تَضَايَقَ طَلَبَ وَجْهَ الرَّبِّ إِلهِهِ، وَتَوَاضَعَ جِدًّا أَمَامَ إِلهِ آبَائِهِ، 13وَصَلَّى إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَسَمِعَ تَضَرُّعَهُ، وَرَدَّهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى مَمْلَكَتِهِ. فَعَلِمَ مَنَسَّى أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. 14وَبَعْدَ ذلِكَ بَنَى سُورًا خَارِجَ مَدِينَةِ دَاوُدَ غَرْبًا إِلَى جِيحُونَ فِي الْوَادِي، وَإِلَى مَدْخَلِ بَابِ السَّمَكِ، وَحَوَّطَ الأَكَمَةَ بِسُورٍ وَعَلاَّهُ جِدًّا. وَوَضَعَ رُؤَسَاءَ جُيُوشٍ فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ فِي يَهُوذَا. 15وَأَزَالَ الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ وَالأَشْبَاهَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ، وَجَمِيعَ الْمَذَابِحِ الَّتِي بَنَاهَا فِي جَبَلِ بَيْتِ الرَّبِّ وَفِي أُورُشَلِيمَ، وَطَرَحَهَا خَارِجَ الْمَدِينَةِ. 16وَرَمَّمَ مَذْبَحَ الرَّبِّ وَذَبَحَ عَلَيْهِ ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ وَشُكْرٍ، وَأَمَرَ يَهُوذَا أَنْ يَعْبُدُوا الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ. 17إِلاَّ أَنَّ الشَّعْبَ كَانُوا بَعْدُ يَذْبَحُونَ عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ، إِنَّمَا لِلرَّبِّ إِلهِهِمْ. 18وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَصَلاَتُهُ إِلَى إِلهِهِ، وَكَلاَمُ الرَّائِينَ الَّذِينَ كَلَّمُوهُ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ، هَا هِيَ فِي أَخْبَارِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ. 19وَصَلاَتُهُ وَالاسْتِجَابَةُ لَهُ، وَكُلُّ خَطَايَاهُ وَخِيَانَتُهُ وَالأَمَاكِنُ الَّتِي بَنَى فِيهَا مُرْتَفَعَاتٍ وَأَقَامَ سَوَارِيَ وَتَمَاثِيلَ قَبْلَ تَوَاضُعِهِ، هَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي أَخْبَارِ الرَّائِينَ. 20ثُمَّ اضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ فَدَفَنُوهُ فِي بَيْتِهِ، وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ".
21كَانَ آمُونُ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ. 22وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ، وَذَبَحَ آمُونُ لِجَمِيعِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ وَعَبَدَهَا. 23وَلَمْ يَتَوَاضَعْ أَمَامَ الرَّبِّ كَمَا تَوَاضَعَ مَنَسَّى أَبُوهُ، بَلِ ازْدَادَ آمُونُ إِثْمًا. 24وَفَتَنَ عَلَيْهِ عَبِيدُهُ وَقَتَلُوهُ فِي بَيْتِهِ. 25وَقَتَلَ شَعْبُ الأَرْضِ جَمِيعَ الْفَاتِنِينَ عَلَى الْمَلِكِ آمُونَ، وَمَلَّكَ شَعْبُ الأَرْضِ يُوشِيَّا ابْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ".
"1وَكَانَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا جَالِسٌ فِي بَيْتِي، وَمَشَايِخُ يَهُوذَا جَالِسُونَ أَمَامِي، أَنَّ يَدَ السَّيِّدِ الرَّبِّ وَقَعَتْ عَلَيَّ هُنَاكَ. 2فَنَظَرْتُ وَإِذَا شِبْهٌ كَمَنْظَرِ نَارٍ، مِنْ مَنْظَرِ حَقْوَيْهِ إِلَى تَحْتُ نَارٌ، وَمِنْ حَقْوَيْهِ إِلَى فَوْقُ كَمَنْظَرِ لَمَعَانٍ كَشِبْهِ النُّحَاسِ اللاَّمِعِ. 3وَمَدَّ شِبْهَ يَدٍ وَأَخَذَنِي بِنَاصِيَةِ رَأْسِي، وَرَفَعَنِي رُوحٌ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَأَتَى بِي فِي رُؤَى اللهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ الدَّاخِلِيِّ الْمُتَّجِهِ نَحْوَ الشِّمَالِ، حَيْثُ مَجْلِسُ تِمْثَالِ الْغَيْرَةِ، الْمُهَيِّجِ الْغَيْرَةِ. 4وَإِذَا مَجْدُ إِلهِ إِسْرَائِيلَ هُنَاكَ مِثْلُ الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُهَا فِي الْبُقْعَةِ. 5ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، ارْفَعْ عَيْنَيْكَ نَحْوَ طَرِيقِ الشِّمَالِ».
(يُتْبَعُ)
(/)
فَرَفَعْتُ عَيْنَيَّ نَحْوَ طَرِيقِ الشِّمَالِ، وَإِذَا مِنْ شِمَالِيِّ بَابِ الْمَذْبَحِ تِمْثَالُ الْغَيْرَةِ هذَا فِي الْمَدْخَلِ. 6وَقَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ مَا هُمْ عَامِلُونَ؟ الرَّجَاسَاتِ الْعَظِيمَةَ الَّتِي بَيْتُ إِسْرَائِيلَ عَامِلُهَا هُنَا لإِبْعَادِي عَنْ مَقْدِسِي. وَبَعْدُ تَعُودُ تَنْظُرُ رَجَاسَاتٍ أَعْظَمَ». 7ثُمَّ جَاءَ بِي إِلَى بَابِ الدَّارِ، فَنَظَرْتُ وَإِذَا ثَقْبٌ فِي الْحَائِطِ. 8ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا ابْنَ آدَمَ، انْقُبْ فِي الْحَائِطِ». فَنَقَبْتُ فِي الْحَائِطِ، فَإِذَا بَابٌ. 9وَقَالَ لِي: «ادْخُلْ وَانْظُرِ الرَّجَاسَاتِ الشِّرِّيرَةَ الَّتِي هُمْ عَامِلُوهَا هُنَا». 10فَدَخَلْتُ وَنَظَرْتُ وَإِذَا كُلُّ شَكْلِ دَبَّابَاتٍ وَحَيَوَانٍ نَجِسٍ، وَكُلُّ أَصْنَامٍ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، مَرْسُومَةٌ عَلَى الْحَائِطِ عَلَى دَائِرِهِ. 11وَوَاقِفٌ قُدَّامَهَا سَبْعُونَ رَجُلا مِنْ شُيُوخِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَيَازَنْيَا بْنُ شَافَانَ قَائِمٌ فِي وَسْطِهِمْ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتُهُ فِي يَدِهِ، وَعِطْرُ عَنَانِ الْبَخُورِ صَاعِدٌ. 12ثُمَّ قَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا تَفْعَلُهُ شُيُوخُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ فِي الظَّلاَمِ، كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَخَادِعِ تَصَاوِيرِهِ؟ لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الرَّبُّ لاَ يَرَانَا! الرَّبُّ قَدْ تَرَكَ الأَرْضَ!». 13وَقَالَ لِي: «بَعْدُ تَعُودُ تَنْظُرُ رَجَاسَاتٍ أَعْظَمَ هُمْ عَامِلُوهَا». 14فَجَاءَ بِي إِلَى مَدْخَلِ بَابِ بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ، وَإِذَا هُنَاكَ نِسْوَةٌ جَالِسَاتٌ يَبْكِينَ عَلَى تَمُّوزَ. 15فَقَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ هذَا يَا ابْنَ آدَمَ؟ بَعْدُ تَعُودُ تَنْظُرُ رَجَاسَاتٍ أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ».16فَجَاءَ بِي إِلَى دَارِ بَيْتِ الرَّبِّ الدَّاخِلِيَّةِ، وَإِذَا عِنْدَ بَابِ هَيْكَلِ الرَّبِّ، بَيْنَ الرِّوَاقِ وَالْمَذْبَحِ، نَحْوُ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلا ظُهُورُهُمْ نَحْوَ هَيْكَلِ الرَّبِّ وَوُجُوهُهُمْ نَحْوَ الشَّرْقِ، وَهُمْ سَاجِدُونَ لِلشَّمْسِ نَحْوَ الشَّرْقِ. 17وَقَالَ لِي: «أَرَأَيْتَ يَا ابْنَ آدَمَ؟ أَقَلِيلٌ لِبَيْتِ يَهُوذَا عَمَلُ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي عَمِلُوهَا هُنَا؟ لأَنَّهُمْ قَدْ مَلأُوا الأَرْضَ ظُلْمًا وَيَعُودُونَ لإِغَاظَتِي، وَهَا هُمْ يُقَرِّبُونَ الْغُصْنَ إِلَى أَنْفِهِمْ. 18فَأَنَا أَيْضًا أُعَامِلُ بِالْغَضَبِ، لاَ تُشْفُقُ عَيْنِي وَلاَ أَعْفُو. وَإِنْ صَرَخُوا فِي أُذُنَيَّ بِصَوْتٍ عَال لاَ أَسْمَعُهُمْ» ".
ترى هل كان الهيكل مهجورا طوال ذلك من قبل المؤمنين فلا يؤمّه إلا الوثنيون؟ هذا ما لا يمكن أن يكون، وإلا كان معنى ذلك أنه لم يعد ثم مؤمنون أو كان ثم مؤمنون لكنهم لم يكونوا يؤدون لله حق العبادة. الواقع أن المؤمنين كانوا يؤمونه هم أيضا لتأدية شعائر العبادة لربهم رغم وجود الأوثان بداخله كما شاهدنا. فهل نقول إن عبادة المؤمنين فى هذه الحالة وثنية؟ بالطبع كلا. إذن إلام يرمى سام شمعون بسخافاته تلك؟
ومما يدل على أن العبرة بالنية والتوجه هذه السطور التى ننقلها من الإنجيل الذى ألفه متى، إذ نقرأ فى مفتتح الإصحاح السادس: "1 «اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 2فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! 3وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، 4لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. 5 «وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ.
(يُتْبَعُ)
(/)
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! 6وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. 7وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلا كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. 8فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ ... 16 «وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. 17وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، 18لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً". فها هو ذا السيد المسيح يؤكد أن صلاة اليهود وصيامهم غير مقبولين رغم أنهما لم يكونا يؤدَّيان لصنم ولا لوثن، إذ النية فيهما غير خالصة لوجه الله سبحانه.
كذلك كان بنو إسرائيل يأخذون على السيد المسيح امتزاجه بالعَشّارين والخطاة، لكنه لم يكن يرى بهذا بأسا، إذ كانت نيته طيبة، وهى العمل على هدايتهم، فلهذا كان رأيه مختلفا تماما عما يَرَوْن: ": «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الْعَشَّارِينَ وَالزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ، 32لأَنَّ يُوحَنَّا جَاءَكُمْ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ فَلَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ، وَأَمَّا الْعَشَّارُونَ وَالزَّوَاني فَآمَنُوا بِهِ. وَأَنْتُمْ إِذْ رَأَيْتُمْ لَمْ تَنْدَمُوا أَخِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِهِ". كما انتقدوه هو وتلاميذه لعدم مراعاتهم شعيرة السبت، فأفحمهم بأن السبت إنما شُرِع للإنسان لا الإنسان للسبت، طبقا لما سجله متى فى الإصحاح الثانى عشر من الإنجيل الذى وضعه: "1فِي دلِكَ الْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي السَّبْتِ بَيْنَ الزُّرُوعِ، فَجَاعَ تَلاَمِيذُهُ وَابْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ. 2فَالْفَرِّيسِيُّونَ لَمَّا نَظَرُوا قَالُوا لَهُ: «هُوَذَا تَلاَمِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السَّبْتِ!» 3فَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ؟ 4كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَكَلَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ الَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلاَ لِلَّذِينَ مَعَهُ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ. 5أَوَ مَا قَرَأْتُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ؟ 6وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ههُنَا أَعْظَمَ مِنَ الْهَيْكَلِ! 7فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى الأَبْرِيَاءِ! 8فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا».9ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى مَجْمَعِهِمْ، 10وَإِذَا إِنْسَانٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ، فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السُّبُوتِ؟» لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. 11فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هذَا فِي السَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟ 12فَالإِنْسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْخَرُوفِ! إِذًا يَحِلُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي السُّبُوتِ!» 13ثُمَّ قَالَ لِلإِنْسَانِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى". وهذا ما نقوله، إذ المهم النية. قال رسولنا الكريم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". ومن هنا باء المنافقون فى عهده بغضب المولى عز شأنه رغم أنهم كانوا يصلون ويصومون ويشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصنعون كل شىء كما يصنع المؤمنون، ويتحدثون بذات الكلام الذى يتحدث به المؤمنون. وفى ذات الوقت بشر الله سبحانه وتعالى بالنجاة من اضْطُرَّ إلى إعلان الكفر
(يُتْبَعُ)
(/)
به جل شأنه تحت ضغط معذبيه من الكفار ما دام قلبه منطويا على الإيمان به جل جلاله.
أما الأشهر الحرم، التى يقول سام شمعون إنها من أوضاع الجاهلية، فلا أدرى ما المشكلة فيها؟ أكان على الإسلام أن يعارض كل ما كان قائما فى المجتمع العربى آنذاك حتى لو كان أمرا نافعا طيبا كالأشهر الحرم؟ لقد كانت تلك الأشهر فرصة يلتقط فيها العرب أنفاسهم من الاقتتال المدمر الذى كان يحتدم بينهم لأتفه الأسباب. أفإن جاء الإسلام ووجد هذا النظام الجميل (الذى من الممكن أن يكون مرجعه إلى ديانة إبراهيم وإسماعيل أو دين أحد آخر من أنبياء العرب) أيقول لذلك النظام: كلا لا نريدك، وليبق العرب يحتربون دون هوادة ودون أن تكون هناك نسمة ملطفة تخفف من حر هذا الجحيم الحربى؟ وسواء كانت الأشهر الحرم اختراعا عربيا صرفا أو كانت جزءا من تشريعات ديانة من الديانات إنها لعبقرية من عبقريات الإسلام أن يحافظ على هذا التقليد العظيم و لا يرفسه كما يصنع الأغبياء الذين لا يريدون أن يبقى شىء من النظام القديم مهما بانت صحته وجدواه. لقد كان العرب يأكلون ويشربون ويتزاوجون ويعبدون الله ويسافرون ويتاجرون ويَرْعَوْن ويزرعون ويتضايفون ويتعاونون ويتحالفون ويكرم بعضهم بعضا، فهل كان واجبا على الإسلام أن يرفض كل ذلك لا لشىء إلا لأن العرب كانوا يفعلونه؟ هنا تظهر العبقرية الإسلامية: فما كان صالحا بوضعه القائم أبقاه الإسلام كما هو، وما كان بحاجة إلى مراجعةٍ راجعه الإسلام، وما كان يمترج فيه الصواب والخطأ، والهدى والضلال، نقاه الإسلام من الخطإ ونفى عنه الضلالة واستغله بعد هذا على خير وجه. وعلى كل حال أريد أن أسأل العقلاء: ما وجه الوثنية فى الأشهر الحرم؟ أويريد الله لعباده أن يظلوا يتحاربون حتى يفنى بعضهم بعضا دون أدنى هوادة أو استراحة؟ افإن وجد الرب عباده وقد فاؤوا إلى السلام أربعة أشهر فى العام غضب عليهم وسخط واغتاظ منهم وكرههم؟ لكن لماذا؟ أهو إله حرب وعدوان لا يرتوى من الدماء؟ إن مثل هذا الإله لا يمكن أن يكون هو إله الإسلام الرحمن الرحيم.
أما الطواف حول الكعبة والسعى بين الصفا والمروة سبع مرات فهذا مأخوذ من شريعة إبراهيم، وهو من الأمور التى احتفظ بها العرب لم يغيروها رغم تطاول الزمان. ومن التنطع الفاسد الذى لا معنى له ولا طعم ولا لون ولا رائحة أن يتساءل سام شمعون: ولماذا سَبْعٌ؟ وهو سؤال لن ننتهى منه إلى الأبد مهما غيرنا العدد فجعلناه ستا أو ثمانى أو أربعا أو عشرا أو ثلاثا أو عشرين أو مائة، إذ يمكن أى متساخف تافه أن يطرح ذات السؤال: ولماذا ثلاث؟ أو لماذا أربع؟ أو لماذا عشرون؟ أو لماذا تسعون؟ أما قول يوسف على، طبقا لما أورده سام شمعون، إن السبعة رقم صوفى، فهو كلام ليوسف على لا يلزمنا فى قليل أو كثير. وأنا لا أشاركه هذا التفسير بتاتا، وأراه تكلفا لا يستند إلى أى أساس. وكل ما أفهمه هو أنه هكذا كان الطواف والسعى منذ إبراهيم عليه السلام، وسيظل هكذا إلى يوم الدين. وثم رواية تشير إلى أن هاجر حين عطش رضيعها فى تلك البرية العربية المهلكة جعلت تذهب وتجىء سبع مرات إلى أن وجدت قدم ابنها الذى كان يدقها فى الأرض من بُرَحاء العطش قد فجرت عين ماء فعنئذ توقفت وسقته واستقت، فمن هنا كان العدد سبعة فى السعى بين الصفا والمروة.
أما تفسير السماوات السبع بأنها الكواكب فهو تفسير خاطئ لم يقل به القرآن ولا قالت به الأحاديث، لأن الكواكب ليست سبعة فقط، كما أن معنى السماوات يختلف عن معنى الكواكب كما يعلم كل من لديه ذرة من عقل، إذ السماء تشمل الكواكب والنجوم والمجرات والشموس والأقمار. إن أى عامى يرفع رأسه وينظر إلى فوق يقول ببساطة متناهية: هذه هى السماء. وذلك صحيح تماما. فهل السماء بهذا المعنى تقتصر على الكواكب السبعة، إن صح أنها سبعة فقط؟ وأين تذهب الشمس والقمر والنجوم التى تتناثر هنا وهناك فى صفحة السماء؟ إن الذى أفهمه من السماوات السبع أنها سبع سماوات كسمائنا هذه، مثلما هناك أرضون سبعٌ كأرضنا هذه، ومع كل سماء أرضها. أما كيف؟ فلا أدرى. إن علم الفلك، رغم تقدمه الهائل، لا يزال فى الواقع يحبو بالقياس إلى ما تحتويه السماء من أسرار وأجرام. وقد أكون مخطئا رغم ذلك كله فى فهمى. أقول هذا حتى لا يأتى متعلل فيعتل على القرآن بتفسيرى هذا الذى لا يزيد عن
(يُتْبَعُ)
(/)
كونه مجرد اجتهاد بشرى.
وبالنسبة إلى الفارق الزمنى بين بناء الكعبة والمسجد الأقصى وأنه أربعون سنة كما جاء فى بعض الروايات فى البخارى، على حين أن الفارق بينهما هو مئات السنين كما علّق شمعون، فلا أرى أى موجب للقلق، إذ البخارى ليس قرآنا، ونحن غير مأمورين بتصديق كل ما جاء فيه عميانيًّا، بل علينا أن نعرضه على القرآن والمعارف اليقينية كى نتبين أنه لا يصادم أيا منهما. والبخارى وإخوانه أصحاب المجاميع الحديثية عباقرة بكل يقين، ولا يوجد لهم نظير فى أية ثقافة بشرية، إلا أنهم رغم عبقريتهم السامقة يَبْقَوْن بشرا فى نهاية المطاف يصيبون ويخطئون. ولا موجب من ثم للقلق، فالإسلام أكبر من البخارى ومسلم والنسائى والترمذى وابن داود وابن حنيل ومالك وسائر جامعى الحديث الشريف، رضى الله عنهم أجمعين.
وهذا لو كان المسجد الحرام قد وضعه إبراهيم أول واحد، وكان المسجد الأقصى هو هيكل بيت المقدس وأن سليمان هو أول من بناه، فهل هناك من يقطع أن المسجد الأقصى فى الحديث هو هيكل بيت المقدس الذى بناه سليمان عليه السلام وأن إبراهيم هو أول من بنى البيت الحرام؟ لقد سكت الحديث عن هذا وذاك، ومن ثم لا يجوز أن نخطِّئ الحديث بناء على ما نتصوره نحن. فلربما قصد النبى بالمسجد الأقصى شيئا آخر غير ما نظن. كما أن من الممكن جدا ألا يكون إبراهيم هو واضع المسجد الحرام أول واحد، أو لا يكون سليمان هو أو ل بناة الأقصى.
هذا ما خطر لى، ثم بدا لى أن اراجع ما قاله علماؤنا فى هذا الموضوع فوجدت على سبيل المثال هذا التوجيه فى "فتح البارى بشرح صحيح البخارى": " قال ابن الجوزي: فيه إشكال، لأن إبراهيم بنى الكعبة، وسليمان بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من ألف سنة ... ومستنده في أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بإسناد صحيح "أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله تعالى خلالا ثلاثا" ... الحديث. وفي الطبراني من حديث رافع بن عميرة "أن داود عليه السلام ابتدأ ببناء بيت المقدس، ثم أوحى الله إليه: إني لأقضي بناءه على يد سليمان". وفي الحديث قصة، قال: وجوابه أن الإشارة إلى أول البناء ووضْع أساس المسجد، وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض. فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن. وكذا قال القرطبي إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما كان أسسه غيرهما. قلت: وقد مشى ابن حبان في "صحيحه" على ظاهر هذا الحديث فقال: في هذا الخبر رَدٌّ على من زعم أن بين إسماعيل وداود ألف سنة. ولو كان كما قال لكان بينهما أربعون سنة، وهذا عين المحال لطول الزمان بالاتفاق بين بناء إبراهيم عليه السلام البيت وبين موسى عليه السلام. ثم إن في نص القرآن أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة. وقد تعقب الحافظُ الضياءَ بنحو ما أجاب به ابن الجوزي. وقال الخطابي: يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم داود وسليمان فزادا فيه ووسعاه فأضيف إليهما بناؤه ... وقد رأيت لغيره أن أول من أسس المسجد الأقصى آدم عليه السلام. وقيل: الملائكة وقيل: سام بن نوح عليه السلام. وقيل: يعقوب عليه السلام. فعلى الأولين يكون ما وقع ممن بعدهما تجديدا كما وقع في الكعبة، وعلى الأخيرين يكون الواقع من إبراهيم أو يعقوب أصلا وتأسيسا، ومن داود تجديدًا لذلك وابتداءَ بناءٍ، فلم يكمل على يده حتى أكمله سليمان عليه السلام. لكن الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي أوجه. وقد وجدت ما يشهد له ويؤيد قول من قال إن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين، فذكر ابن هشام في "كتاب التيجان" أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه. وبناء آدم للبيت مشهور. وقد تقدم قريبا حديث عبد الله بن عمرو أن البيت رُفِع زمنَ الطوفان حتى بوّأه الله لإبراهيم. وروى ابن أبي حاتم من طريق معمر عن قتادة قال: وضع الله البيت مع آدم لما هبط، ففقد أصوات الملائكة وتسبيحهم، فقال الله له: يا آدم، إني قد أهبطت بيتا يطاف به كما يطاف حول
(يُتْبَعُ)
(/)
عرشي، فانطلقْ إليه. فخرج آدم إلى مكة، وكان قد هبط بالهند، ومد له في خطوه فأتى البيت فطاف به". وقيل: إنه لما صلى إلى الكعبة أُمِر بالتوجه إلى بيت المقدس فاتخذ فيه مسجدا وصلى فيه ليكون قبلة لبعض ذريته ... والله أعلم".
وفى "البداية والنهاية" لابن كثير "عن أبى ذر قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركت الصلاة فصل، فكلها مسجد. وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى، وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرَّفه الله. وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب، وهو إسرائيل عليه السلام، بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء. وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود إسحاق لأن إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ،* رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ* الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ* رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ"، وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا كما ذكرناه عند قوله: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي" وكما سنورده في قصته، فالمراد من ذلك، والله أعلم، أنه جدَّد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة".
ولعل ابن كثير يشير هنا إلى ما جاء فى الإصحاحين الثامن والعشرين والخامس والثلاثين من العهد القديم عن بناء يعقوب نصبا للعبادة سماه: "بيت إيل"، ووعد ربه أنه متى سلّمه فى طريقه ورزقه ما يحفظ عليه حياته أن يكمل بناء ذلك المعبد: "10فَخَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ. 11وَصَادَفَ مَكَانًا وَبَاتَ هُنَاكَ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَاضْطَجَعَ فِي ذلِكَ الْمَكَانِ. 12وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. 13وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. 14وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالاً وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. 15وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ».16فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!». 17وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ». 18وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ. 19وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ
(يُتْبَعُ)
(/)
إِيلَ»، وَلكِنِ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلاً كَانَ لُوزَ. 20وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي هذَا الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لآكُلَ وَثِيَابًا لأَلْبَسَ، 21وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ الرَّبُّ لِي ِلهًا، 22وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ» ... _ قَالَ اللهُ لِيَعْقُوبَ: «قُمِ اصْعَدْ إِلَى بَيْتَِ إِيلَ وَأَقِمْ هُنَاكَ، وَاصْنَعْ هُنَاكَ مَذْبَحًا ِللهِ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ حِينَ هَرَبْتَ مِنْ وَجْهِ عِيسُو أَخِيكَ». 2فَقَالَ يَعْقُوبُ لِبَيْتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ كَانَ مَعَهُ: «اعْزِلُوا الآلِهَةَ الْغَرِيبَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَتَطَهَّرُوا وَأَبْدِلُوا ثِيَابَكُمْ. 3وَلْنَقُمْ وَنَصْعَدْ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، فَأَصْنَعَ هُنَاكَ مَذْبَحًا ِللهِ الَّذِي اسْتَجَابَ لِي فِي يَوْمِ ضِيقَتِي، وَكَانَ مَعِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي ذَهَبْتُ فِيهِ». 4فَأَعْطَوْا يَعْقُوبَ كُلَّ الآلِهَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ وَالأَقْرَاطَِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ، فَطَمَرَهَا يَعْقُوبُ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي عِنْدَ شَكِيمَ. 5ثُمَّ رَحَلُوا، وَكَانَ خَوْفُ اللهِ عَلَى الْمُدُنِ الَّتِي حَوْلَهُمْ، فَلَمْ يَسْعَوْا وَرَاءَ بَنِي يَعْقُوبَ. 6فَأَتَى يَعْقُوبُ إِلَى لُوزَ الَّتِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَهِيَ بَيْتُ إِيلَ. هُوَ وَجَمِيعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَعَهُ. 7وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا، وَدَعَا الْمَكَانَ «إِيلَ بَيْتِ إِيلَ» لأَنَّهُ هُنَاكَ ظَهَرَ لَهُ اللهُ حِينَ هَرَبَ مِنْ وَجْهِ أَخِيهِ".
ولكى تكتمل الصورة يحسن أن أورد ما جاء فى "دائرة المعارف الكتابية" مما يتعلق بموضوعنا تحت عنوان "بيت إيل"، ونصه: "كان اسم المدينة قبلا "لوز" (تك 28: 19 ... إلخ). وعندما جاءها يعقوب، وهو في الطريق إلى فدان أرام، صادف مكانا وبات هناك (تك 28: 11) وكلمة "مكان" هنا، هي في العبرية "مقوم"، وهي شبيهة باللفظة العربية "مقام" لفظا ومعنى، أي أنها تعني "مكانا مقدسا". ولا شك أنه كان "المكان" الذي بنى فيه إبراهيم مذبحا للرب ودعا باسم الرب (تك 12: 8). وفي الصباح أخذ يعقوب الحجر الذي وضعه تحت رأسه (وسادة له)، وأقامه عمودا وصب زيتا على رأسه ودعا اسم ذلك المكان "بيت إيل"، أي "بيت الله" (تك 28: 18 و19)، أي "الله" الذي ارتبط ظهوره له بذلك العمود. وأضحت تلك البقعة مركزا بالغ الأهمية، فتزايدت عظمة المدينة. وبمرور الزمن اندثر اسم "لوز" وحل محله اسم "المقام المقدس". وأصبحت المدينة و"المقام" شيئا واحدا".
لقد استشهدت بهذه النصوص كى يرى القارئ أن للأمر جوانب أخرى ينبغى له أن يلم بها ولو إلماما سريعا. وكما قلت من قبل إنه حتى لو أخطأت الرواية التى نحن بصددها فلا يُعَدّ هذا طعنا فى الإسلام لأن تلك الروايات والأحاديث شىء، والقرآن المجيد شىء آخر. أما نحن فحين نحتكم هنا إلى نصوص القوم فإنما نحصر أنفسنا فى كتابهم المقدس ولا نحاجُّهم بسواه. على أنه لا بد من طرح بعض الأسئلة التى أرى أنها مما لا يستغنى عنه فى سياقنا: هل المقصود بالمسجد الأقصى هو ما نعرفه اليوم من هذه الكلمة؟ يقينا لم يكن للمسجد الأقصى بذلك المعنى وجود فى عصر الرسول حين سئل هذا السؤال الذى نحن بصدده رغم أن القرآن قد استعمل ذلك اللفظ. لكن هل يقصد القرآن بكلمة "المسجد" ما نقصده الآن بتلك الكلمة؟ لا أظن، إذ لم تكن هناك مساجد فى ذلك الوقت. ومن المحتمل جدا أن يكون المراد مكان السجود بإطلاق حتى لو تم ذلك فى الهواء الطلق بعيدا عن العمران. وهل هناك تطابق فى المكان بين المسجد الأقصى بهذا المعنى وهيكل بنى إسرائيل؟ لا أحد يستطيع أن يجيب على ذلك السؤال جوابا يقينيا. ثم لدينا حكاية بانى كل من المسجدين: من هو؟ ومتى كان ذلك؟ وأخيرا وليس آخرا: إلى أى مدى نستطيع الاعتماد على نصوص الكتاب المقدس كوثائق تاريخية مقطوع بصحتها؟ ليس هناك عالم حقيقى يولى تلك النصوص كبير أهمية. وأنا لا أقصد علماء المسلمين فقط، بل علماء الغرب أولا، وكثير منهم من رجال الدين، بل من كبارهم على
(يُتْبَعُ)
(/)
ما هو معلوم للجميع ... إلخ. وأيا ما يكن الأمر فمن الواضح أنه لا علاقة لهذا الحديث بأية وثنية، فضلا عن أن المسألة التى يتناولها ليست مسألة أساسية فى موضوعنا، بل مسألة جانبية لا تقدم ولا تؤخر.
وفى الختام ينتهى سام شمعون إلى إصدار حكمه على الرسول العظيم بأنه بدأ وانتهى بدين وثنى، مع فارق وحيد: أنه أعاد تغليفه بمضمون توحيدى. وهو كلام مضحك لأن المضمون لا يغلَّف به، بل الذى يغلَّف به هو الشكل، أما المضمون فيغلَّف، والشكل هو الذى يغلفه. كما أن قوله إن الدين الذى غلفه محمد بمضمون توحيدى ظل دينا وثنيا هو كلام لا يصدر إلا عن الحمقى، إذ كيف يكون الدين توحيديا ووثنيا فى ذات الوقت؟ ومع هذا فرغم كل ما فندنا به ترهاته ومزاعمه فسوف نسلِّم كعادتنا بحاصل ما قال، وهو أن محمدا، الذى كان وثنيا، قد صير الوثنية توحيدا. فماذا نجد؟ لسوف نجد معا أن ما حدث من قوم شمعون هو العكس تماما من هذا، إذ انقلب على أيديهم دين التوحيد إلى ديانة وثنية. وإليك، يا قارئى العزيز، بيان ذلك. ولن نعتمد فى بياننا إلا على الكتاب المقدس ذاته، على عكس ما صنع هو، إذ استند إلى الأحاديث، وهى نصوص لا ترقى أبدا إلى مرتبة النص القرآنى من حيث الوثاقة، مع احترامنا للجهود العبقرية التى نهض بها علماء الحديث عندنا على نحو ليس له نظير. ونود أن ننبه إلى أننا لن نورد كل ما فى كتابهم المقدس، فهو يفيض بالبراهين النصية القاطعة على ما نقول، بل سوف نكتفى بأمثلة منها فحسب.
نحن نعلم أن من العرب فى الجاهلية من كانوا يزعمون ان لله سبحانه وتعالى بنات كالملائكة واللات والعزى ومناة، وقد أنكر القرآن عليهم هذا الاعتقاد الوثنى فى آيات متعددة يعرفها كل من له صلة بالكتاب الكريم. فماذا نجد على الضفة الأخرى فى الكتاب المقدس لدى شمعون وقومه؟ لن نذهب بعيدا، ففى سادس إصحاح من سفر "التكوين" نجد أن البنات هذه المرة من نصيب الناس، أما الله عز وجل فنصيبه الذكور، الذين يقول عنهم مؤلف السفر إنهم "أبناء الله" و"بنو الله"، هكذا نصا دون أى تدخل من جانبنا: "لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ". فانظر كيف يكرر الكتاب المقدس التفرقة بين الذكور والإناث تفرقة قاطعة لا لبس فيها ناسبا الذكور فى كل مرة إلى الله سبحانه وتعالى. فهذا أول القصيدة!
وكأن ذلك غير كاف، إذ نجد لوقا، فى نسب يسوع الموجود فى نهاية الإصحاح الثالث من إنجيله، يؤكد أن آدم هو "ابن الله": "23وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي، 24بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لاَوِي، بْنِ مَلْكِي، بْنِ يَنَّا، بْنِ يُوسُفَ، 25بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ عَامُوصَ، بْنِ نَاحُومَ، بْنِ حَسْلِي، بْنِ نَجَّايِ، 26بْنِ مَآثَ، بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ شِمْعِي، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يَهُوذَا، 27بْنِ يُوحَنَّا، بْنِ رِيسَا، بْنِ زَرُبَّابِلَ، بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ، بْنِ نِيرِي، 28بْنِ مَلْكِي، بْنِ أَدِّي، بْنِ قُصَمَ، بْنِ أَلْمُودَامَ، بْنِ عِيرِ، 29بْنِ يُوسِي، بْنِ أَلِيعَازَرَ، بْنِ يُورِيمَ، بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لاَوِي، 30بْنِ شِمْعُونَ، بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يُونَانَ، بْنِ أَلِيَاقِيمَ، 31بْنِ مَلَيَا، بْنِ مَيْنَانَ، بْنِ مَتَّاثَا، بْنِ نَاثَانَ، بْنِ دَاوُدَ، 32بْنِ يَسَّى، بْنِ عُوبِيدَ، بْنِ بُوعَزَ، بْنِ سَلْمُونَ، بْنِ نَحْشُونَ، 33بْنِ عَمِّينَادَابَ، بْنِ أَرَامَ، بْنِ حَصْرُونَ، بْنِ فَارِصَ، بْنِ يَهُوذَا، 34بْنِ يَعْقُوبَ، بْنِ إِسْحَاقَ، بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ تَارَحَ،
(يُتْبَعُ)
(/)
بْنِ نَاحُورَ، 35بْنِ سَرُوجَ، بْنِ رَعُو، بْنِ فَالَجَ، بْنِ عَابِرَ، بْنِ شَالَحَ، 36بْنِ قِينَانَ، بْنِ أَرْفَكْشَادَ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ، بْنِ لاَمَكَ، 37بْنِ مَتُوشَالَحَ، بْنِ أَخْنُوخَ، بْنِ يَارِدَ، بْنِ مَهْلَلْئِيلَ، بْنِ قِينَانَ، 38بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ".
وعقب نص سفر "التكوين" مباشرة نقرأ النص التالى، وفيه أن الله سبحانه وتعالى يتأسف ويحزن ويحس أنه كان قد اتخذ قرارا خاطئا فيقرر أن يهدم كل ما كان قد بناه عاطلا مع باطل ثم يستبدل به شيئا آخر: "5وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ» ".
وقبل ذلك، وتحديدا فى ثالث إصحاح من سفر "التكوين" أيضا، نقرأ الآتى: "8وَسَمِعَا (أى آدم وحواء) صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟» ". فالله يتمشى فى الجنة عند هبوب ريح النهار. أى أنه بعد أن مضت القيلولة وانفثأت زمتة الحر بدا له أن يتمشى تمشية العصارى فى الجنة، فلما شعر به آدم وحواء اختبآ خشية أن يعاقبهما على أكلهما من ثمرة الشجرة التى نهاهما عن الأكل من ثمارها، فلم يستطع سبحانه وتعالى أن يعرف مكان اختفائهما، فجعل يناديهما إلى أن أجابا نداءه، فعندئذ فقط عرف أين يختبئان.
وفى الإصحاح السابع عشر من سفر "التكوين" كذلك يظهر الله لإبراهيم عليه السلام ويكلمه فيسجد له إبراهيم وهو يرى شخصه بعينيه ويسمع صوته بأذنيه، ويدور بينهما أخذٌ ورَدٌّ: "وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلا، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا». 3فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ ... ". وبعدما انتهى الحوار بينهما تركه الله ومضى لحال سبيله: "22فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ". على أنْ ليست هذه هى المرة الوحيدة التى ظهر فيها الرب لإبراهيم، فها هو ذا مؤلف السفر فى إصحاحه التالى يكتب أنه جل جلاله قد ظهر له مرة أخرى فغسل إبراهيم له رجليه من تراب الطريق وأطعمه لحما وزبدا وسقاه لبنا: "1وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، 2فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، 3وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. 4لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، 5فَآخُذَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، فَتُسْنِدُونَ قُلُوبَكُمْ ثُمَّ تَجْتَازُونَ، لأَنَّكُمْ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَى عَبْدِكُمْ». فَقَالُوا: «هكَذَا تَفْعَلُ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 6فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَيْمَةِ إِلَى سَارَةَ، وَقَالَ: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ كَيْلاَتٍ دَقِيقًا سَمِيذًا. اعْجِنِي وَاصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ». 7ثُمَّ رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلا رَخْصًا وَجَيِّدًا وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ. 8ثُمَّ أَخَذَ زُبْدًا وَلَبَنًا، وَالْعِجْلَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَوَضَعَهَا قُدَّامَهُمْ. وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفًا لَدَيْهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَكَلُوا". وكالعادة لا ينسى مؤلف السفر أن ينهى حكايته قائلا:"33َوذَهَبَ الرَّبُّ عِنْدَمَا فَرَغَ
(يُتْبَعُ)
(/)
مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ".
وكما ظهر الله لإبراهيم ظهر كذلك لابنه إسحاق حسبما كتب مؤلف السفر فى الإصحاح السادس والعشرين: "وَكَانَ فِي الأَرْضِ جُوعٌ غَيْرُ الْجُوعِ الأَوَّلِ الَّذِي كَانَ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ، فَذَهَبَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِيمَالِكَ مَلِكِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، إِلَى جَرَارَ. 2وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ وَقَالَ: «لاَ تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. اسْكُنْ فِي الأَرْضِ الَّتِي أَقُولُ لَكَ. 3تَغَرَّبْ فِي هذِهِ الأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ، لأَنِّي لَكَ وَلِنَسْلِكَ أُعْطِي جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَفِي بِالْقَسَمِ الَّذِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ. 4وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ جَمِيعَ هذِهِ الْبِلاَدِ، وَتَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، 5مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي». 6فَأَقَامَ إِسْحَاقُ فِي جَرَارَ".
وبالمثل ظهر الله ليعقوب بن إسحاق، يعقوب المزوِّر المدلِّس من أجل الحصول على البركة التى كانت حقا لأخيه عيسو طبقا لما كتبه عنه مؤلف السفر، وإن كان قد زوّدها هذه المرة حبتين، إذ أدار مصارعة بين يعقوب وربه قبض عليه يعقوب فيها قبضة حديدية لم يستطع أن يفلفص منها إلا بعد أن ضربه على حُقّ فخذه ضربة آلمته وجعلته يخمع: "22ثُمَّ قَامَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ الْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ. 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. 30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلا: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». 31وَأَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى فَخْذِهِ. 32لِذلِكَ لاَ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخِْذِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا".
ثم تكرر ظهوره له حسبما جاء فى الإصحاح الخامس والثلاثين: "9وَظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانَِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ. 10وَقَالَ لَهُ اللهُ: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ». 11وَقَالَ لَهُ اللهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. أَثْمِرْ وَاكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَمُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ. 12وَالأَرْضُ الَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أُعْطِي الأَرْضَ». 13ثُمَّ صَعِدَ اللهُ عَنْهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ. 14فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ، عَمُودًا مِنْ حَجَرٍ، وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبًا، وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتًا. 15وَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ «بَيْتَ إِيلَ» ". ثم فى الإصحاح السادس من سفر "الخروج" يعود مؤلف السفر فيلخص، على لسان الله، حكايات الظهور لإبراهيم وإسحاق ويعقوب: "2ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ.
(يُتْبَعُ)
(/)
3وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ".
ولدينا كذلك موسى عليه السلام، الذى كنت متحرجا أن أورد اسمه بين من ذكر الكتاب المقدس رؤيتهم لله سبحانه وتعالى، إلا أن حرجى زال حين وجدت د. إسرائيل ولفنسون (أبا ذؤيب) يقول ذلك فى كتابه عن "كعب الأحبار"، الذى حصل به على درجة الدكتورية من ألمانيا سنة 1933م، فقد أشار إلى الآيات 18 - 23 فى الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر "الخروج" بوصفها دالة على رؤيته عليه السلام لربه. والآيات فعلا واضحة فى الدلالة على ذلك، وإن نفت إمكان رؤية وجهه جل جلاله، بل ظهره فقط، وكأن لله ظهرا وبطنا، ووجها وقفا. وهذا هو نص الآيات الأربع: " فَقَالَ: «أَرِنِي مَجْدَكَ». 19فَقَالَ: «أُجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأُنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ، وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ». 20وَقَالَ: «لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ». 21وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا عِنْدِي مَكَانٌ، فَتَقِفُ عَلَى الصَّخْرَةِ. 22وَيَكُونُ مَتَى اجْتَازَ مَجْدِي، أَنِّي أَضَعُكَ فِي نُقْرَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ، وَأَسْتُرُكَ بِيَدِي حَتَّى أَجْتَازَ. 23ثُمَّ أَرْفَعُ يَدِي فَتَنْظُرُ وَرَائِي، وَأَمَّا وَجْهِي فَلاَ يُرَى» ". وسبب تحرجى السابق هو أن النص لم يقل إنه رأى وجهه بل ظهره فقط، إذ قلت لنفسى: خلنا فى الرؤية الكاملة التى أثبتها الكتاب المقدس لغير موسى، وهو ما تكرر وقوعه فى ذلك الكتاب (يراجع كتاب أبى ذؤيب المذكور/ مطبعة الشرق التعاونية/ شعفاط- القدس/ 1976م/ 32 - 33).
ولكى يتبين الفرق الهائل بين دين محمد وما صنعه قوم شمعون وأمثاله بدينهم نورد هنا ما عقبت به السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين، رضى الله عنه وأرضاها، على ما بلغها من كلام كعب الأحبار شرحا لقوله تعالى فى الآيتين 13 - 14 من سورة "النجم" عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولقد رآه نزلةً أخرى* عند سِدْرة المنتهى"، وهو أن الله تبارك وتعالى قسم رؤيته بين موسى ومحمد: فكلمه موسى مرتين، ورآه محمد مرتين. لقد سألها بعضهم عند سماعه هذا الكلام من كعب: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد ربه؟ فقالت: سبحان الله. لقد وقف شعر رأسى لما قلت، فقد كذب من أخبرك أن محمدا رأى ربه. وقد علق أبو ذؤيب على ذلك قائلا: وليس من شك أن نظرية كعب فى مسألة رؤية النبى لربه هى بعينها المذكورة فى التوراة عن موسى، الذى رأى ربه" (المرجع السابق/ 33). ومن هنا يتضح الفارق العظيم بين دين التوحيدية النقية الصافية تمام الصفاء والنقاء وبين دين عبثت به أيدى من ينتسبون إليه فأفسدوه. ومع هذا يتهم بعض أولئك المنتسبين سيدنا رسول الله بممارسة الوثنية وتأسيس دينه عليها!
وكان أبو ذؤيب قد نقل من تفسير الطبرى كلام عائشة وكعب والشخص الذى سألها بالمعنى لا بالنص، وهأنذا أورد كل ما وجدته فى تفسير سيد المفسرين فى هذا الموضوع بما فيه الخبر الخاص بكعب الأحبار: "حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، أن عائشة قالت: يا أبا عائشة، من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله. قال: وكنت متكئا فجلست فقلت: يا أمّ المؤمنين، أنظريني ولا تعجليني. أرأيت قول الله: "وَلَقَدْ رآه نَزْلَةً أُخْرَى"، "وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ المُبِينِ"؟ قالت: إنما هو جبريل، رآه مرّة على خلقه وصورته التي خلق عليها، ورآه مرّة أخرى حين هبط من السماء إلى الأرض سادًّا عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض. قالت: أنا أوّل من سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الاَية، قال: هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ ... حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت له: يا أبا عائشة، من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، والله يقول: "لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ إلاّ وَحيْا أوْمِنْ وَرَاء حِجاب". قال: وكنت متكئا فجلست وقلت: يا أمّ المؤمنين، انتظري ولا تعجلي. ألم يقل الله: "وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى"، "وَلَقَدْ رآهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
بالأُفُق المُبِين"؟ فقالت إن أوّل هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لَمْ أَرَ جِبْرِيلَ عَلى صُورَتِهِ إلاّ هاتَيْن المَرّتَيْن مُنْهَبِطا مِنَ السّماء سادًّا عِظَم خَلْقِهِ ما بَينَ السّماءِ والأرْض ... حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: حدثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر، قال: ثني عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن كعب أنه أخبره أن الله تبارك وتعالى قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد، فكلّمه موسى مرّتين، ورآه محمد مرّتين، قال: فأتى مسروق عائشة، فقال: يا أمّ المؤمنين، هل رأى محمد ربه، فقالت: سبحان الله لقد قفّ شعري لما قلت: أين أنت من ثلاثة من حدّثك بهنّ فقد كذب؟ من أخبرك أن محمدا رأى ربه فقد كذب. ثم قرأت: "لا تُدْرِكُه الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارُ وَهُوَ اللّطِيفُ الخَبِير"، "وَما كانَ لِبَشَر أنْ يُكَلّمَهُ اللّهُ إلاّ وَحْيا أوْ مِنْ وَرَاءِ حِجاب". ومن أخبرك ما في غد فقد كذب. ثم تلت آخر سورة لقمان: "إنّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنْزّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما في الأرْحام وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَمُوتُ". ومن أخبرك أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب. ثم قرأت: "يا أيّها الرّسُولُ بَلّغْ ما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبّكَ". قالت: ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرّتين. حدثنا موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو أُسامة، قال: ثني إسماعيل، عن عامر، قال: حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: سمعت كعبا، ثم ذكر نحو حديث عبد الحميد بن بيان، غير أنه قال في حديثه: فرآه محمد مرّة، وكلّمه موسى مرّتين. ذِكْر من قال فيه: رأى ربه عزّ وجلّ. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن سماك بن عكرِمة، عن ابن عباس أنه قال: "وَلَقَدْ رآهُ نَزْلَةً أُخْرَى"، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه، فقال له رجل عند ذلك: أليس لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأبْصَارَ؟ قال له عكرِمة: أليس ترى السماء؟ قال: بلى. قال: أفكلها ترى؟ ". نعم هناك من يقول إن محمدا رأى ربه فى تلك الليلة، لكنها مجرد أخبار لم يرد منها شىء فى القرآن الكريم، بل هى اجتهادات من أصحابها لا تنسجم مع ما قاله الكتاب المجيد فى هذا الموضوع مما وضحته الصديقة بنت الصديق أتم توضيح وأبلغه وأوفاه بالإقناع.
وقد حكى القرآن الكريم هذه القصة، ولكن على نحو مغاير، إذ لم ير موسى ربه لا من أمامه ولا من ورائه لأنه سبحانه ليس كائنا ماديا حتى تمكن رؤيته ولو من الخلف كما يقول مؤلف سفر "الخروج" فى العهد القديم، وكأنه سبحانه وتعالى له بطنٌ وظهرٌ ووجهٌ وقفًا وأمامٌ ووراءٌ، بل خَرَّ عليه السلام صَعِقًا بمجرد أن تجلى ربه للجبل، ثم لما أفاق أقر بتجاوزه حدوده. جاء فى الآية الثالثة والأربعين بعد المائة من سورة "الأعراف": "وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ".
أما مع هارون عليه السلام فنحن أمام مصيبة متلتلة، إذ صنع، وهو النبى وأخو النبى، عجلا من الذهب كى يعبده بنو إسرائيل ويرقصوا حوله عرايا بلابيص. وإلى القارئ نص ذلك بالحرف من الإصحاح الثانى والثلاثين من سفر "الخروج": "1وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ». 2فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: «انْزِعُوا أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَاتُونِي بِهَا». 3فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ. 4فَأَخَذَ ذلِكَ
(يُتْبَعُ)
(/)
مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالإِزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلا مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». 5فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: «غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ». 6فَبَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ ... "، و"25 ... رَأَى مُوسَى الشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ". ولنلاحظ أن هارون قد مارس الوثنية وصنع العجل وهو نبى وأخو نبى، وليس إنسانا عاديا يعيش فى الجاهلية. ولم يقتصر الأمر، كما نرى، على متابعة قومه على عبادة عجل كان موجودا من قبل، بل هو الذى صنعه بيديه. كما أن المسألة ليست مجرد أكل من لحم مذبوح للأوثان، بل صنعا للأوثان ذاتها لتسهيل عبادتها لمن يعبدها ويرقص عريانا حولها.
وفى الإصحاح الأول من "أخبار الملوك" الثانى نقرأ أيضا أن الله قد تراءى لسليمان: "7فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ تَرَاءَى اللهُ لِسُلَيْمَانَ وَقَالَ لَهُ: «اسْأَلْ مَاذَا أُعْطِيكَ». 8فَقَالَ سُلَيْمَانُ ِللهِ: «إِنَّكَ قَدْ فَعَلْتَ مَعَ دَاوُدَ أَبِي رَحْمَةً عَظِيمَةً وَمَلَّكْتَنِي مَكَانَهُ. 9فَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ لِيَثْبُتْ كَلاَمُكَ مَعَ دَاوُدَ أَبِي، لأَنَّكَ قَدْ مَلَّكْتَنِي عَلَى شَعْبٍ كَثِيرٍ كَتُرَابِ الأَرْضِ. 10فَأَعْطِنِي الآنَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً لأَخْرُجَ أَمَامَ هذَا الشَّعْبِ وَأَدْخُلَ، لأَنَّهُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى شَعْبِكَ هذَا الْعَظِيمِ» 11فَقَالَ اللهُ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ هذَا كَانَ فِي قَلْبِكَ، وَلَمْ تَسْأَلْ غِنًى وَلاَ أَمْوَالا وَلاَ كَرَامَةً وَلاَ أَنْفُسَ مُبْغِضِيكَ، وَلاَ سَأَلْتَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، بَلْ إِنَّمَا سَأَلْتَ لِنَفْسِكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً تَحْكُمُ بِهِمَا عَلَى شَعْبِي الَّذِي مَلَّكْتُكَ عَلَيْهِ، 12قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً، وَأُعْطِيكَ غِنًى وَأَمْوَالا وَكَرَامَةً لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا لِلْمُلُوكِ الَّذِينَ قَبْلَكَ، وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهَا لِمَنْ بَعْدَكَ» ".
إلا أن سليمان، الذى آتاه الله الحكمة والمعرفة، يرسب رغم ذلك فى الامتحان وبجدارة، ففى الإصحاح الثالث والعشرين من سفر "الملوك" الثانى تقابلنا "13َالْمُرْتَفَعَاتُ الَّتِي قُبَالَةَ أُورُشَلِيمَ، الَّتِي عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاَكِ، الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتُورَثَ رَجَاسَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَلِكَمُوشَ رَجَاسَةِ الْمُوآبِيِّينَ، وَلِمَلْكُومَ كَرَاهَةِ بَنِي عَمُّونَ، نَجَّسَهَا الْمَلِكُ". وسليمان نبى من أنبياء الله وملك كبير من ملوك بنى إسرائيل بل أعظم ملوكهم، وليس شخصا وثنيا من قوم وثنيين لم يأتهم رسول من عند الله بدعوة التوحيد حتى نقول إنه معذور، ولو إلى حد ما، فى متابعة قومه. وفى الإصحاح الحادى عشر سفر "الملوك" الأول نجد شيئا من التفصيل لهذا الانحراف الوثنى: "1وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ 2مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «لاَ تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. 3وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ. 4وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلا مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. 5فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. 6وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي
(يُتْبَعُ)
(/)
عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ. 7حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. 8وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ. 9فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، 10وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ". أرأيت كيف يصور العهد القديم نبى الله سليمان شيخا بريالة تلعب نساؤه بقلبه وعقله فيتحول من دين التوحيد إلى دين الوثنية، هكذا بكل بساطة، ورغم إيتاء الله إياه العلم والحكمة ورغم مشاهدته له سبحانه مرتين؟
وفى الإصحاح الثانى من سفر "إرميا": "8اَلْكَهَنَةُ لَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ هُوَ الرَّبُّ؟ وَأَهْلُ الشَّرِيعَةِ لَمْ يَعْرِفُونِي، وَالرُّعَاةُ عَصَوْا عَلَيَّ، وَالأَنْبِيَاءُ تَنَبَّأُوا بِبَعْل، وَذَهَبُوا وَرَاءَ مَا لاَ يَنْفَعُ". وفى الإصحاح الثالث والعشرين من نفس السفر نجده عز وجل يقول إن "َ11الأَنْبِيَاءَ وَالْكَهَنَةَ تَنَجَّسُوا جَمِيعًا، بَلْ فِي بَيْتِي وَجَدْتُ شَرَّهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 12لِذلِكَ يَكُونُ طَرِيقُهُمْ لَهُمْ كَمَزَالِقَ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ، فَيُطْرَدُونَ وَيَسْقُطُونَ فِيهَا، لأَنِّي أَجْلِبُ عَلَيْهِمْ شَرًّا سَنَةَ عِقَابِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 13وَقَدْ رَأَيْتُ فِي أَنْبِيَاءِ السَّامِرَةِ حَمَاقَةً. تَنَبَّأُوا بِالْبَعْلِ وَأَضَلُّوا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 14وَفِي أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ رَأَيْتُ مَا يُقْشَعَرُّ مِنْهُ. يَفْسِقُونَ وَيَسْلُكُونَ بِالْكَذِبِ، وَيُشَدِّدُونَ أَيَادِيَ فَاعِلِي الشَّرِّ حَتَّى لاَ يَرْجِعُوا الْوَاحِدُ عَنْ شَرِّهِ. صَارُوا لِي كُلُّهُمْ كَسَدُومَ، وَسُكَّانُهَا كَعَمُورَةَ" ... ترى هل يكفى هذا؟ أم هل ينبغى أن أمضى فى تعداد هذه الوثنيات التى يعج بها العهد القديم فلا أنتهى لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد؟ إننا لا نتكلم هنا عن أشخاص عاديين يعيشون فى مجتمعات وثنية، بل عن أنبياء آتاهم الله الحكمة والمعرفة وكلفهم تبليغ رسالة التوحيد فى أمة لم تتوقف يوما عن إنجاب الأنبياء!
هذا عن العهد القديم، أما فى النصرانية المثلِّثة (وهى غير النصرانية الموحِّدة) فنجد الله يتجسد وينزل إلى الأرض ويصبح إنسانا يجوع ويعطش ويتبول ويتبرز وينام ويتعب ويمرض ويضعف وينسى ويتعرض للإهانات وألوان الأذى ويُصْلَب ويُشْتَم ويُضْرَب ويُتَهَكَّم عليه ويُطْعَن فى خاصرته وتُكْسَر ركبتاه ويموت ويُدْفَن، وذلك كله بعد أن حملت به أمه وولدته وأرضعته حتى نما وكبر وشَبَّ وبلغ مبلغ الرجال ... إلخ. كما أنه سبحانه وتعالى لم يَعُدْ واحدا، بل صار ثلاثة: أب وابن وروح قدس ... وهكذا. لقد أصبح الله، الذى كان خالقا ومطلقا لا حدود له وجودًا وقدرةً وإرادةً وعلمًا، بشرا مخلوقا ضعيفا محدودا فى كل شىء. وحين كان يموت على الصليب كان يصرخ من بُرَحاء الألم وينادى الله فى عليائه كى يهب فينقذه ويجيز عنه تلك الكأس المرة، ولكنْ ما من مجيب. كما أضحى النصارى يلقبونه بـ"الخروف" (انظر مادة " Lamb" فى " EncyclopediaWebBible" حيث نقرأ:
“ The lamb was a symbol of Christ (Gen. 4:4; Ex. 12:3; 29:38; Isa. 16:1; 53:7; John 1:36; Rev. 13:8). Christ is called the Lamb of God (John 1:29، 36)، as the great sacrifice of which the former sacrifices were only types (Num. 6:12; Lev. 14:12-17; Isa. 53:7; 1 Cor. 5:7)”
(يُتْبَعُ)
(/)
وانظر كذلك مادة "الخروف" فى "دائرة المعارف الكتابية" حيث جاء فيها أنه "يُكَنَّى عن المسيح بـ"حَمَل الله" (إش 53: 7، يو 1: 29 و35، رؤ 5: 6) ". وقد تكرر الكلام عن الخروف فى "رؤيا يوحنا اللاهوتى" مرارا كثيرة مقصودا به المسيح (الربّ بطبيعة الحال)، ومنها هذه النصوص الثلاثة الموجودة فى الإصحاحات: الخامس والسابع عشر والحادى والعشرين على التوالى: "وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ"، "14هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ» "، "10وَذَهَبَ بِي بِالرُّوحِ إِلَى جَبَل عَظِيمٍ عَال، وَأَرَانِي الْمَدِينَةَ الْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، 11لَهَا مَجْدُ اللهِ، وَلَمَعَانُهَا شِبْهُ أَكْرَمِ حَجَرٍ كَحَجَرِ يَشْبٍ بَلُّورِيٍّ. 12وَكَانَ لَهَا سُورٌ عَظِيمٌ وَعَال، وَكَانَ لَهَا اثْنَا عَشَرَ بَابًا، وَعَلَى الأَبْوَابِ اثْنَا عَشَرَ مَلاَكًا، وَأَسْمَاءٌ مَكْتُوبَةٌ هِيَ أَسْمَاءُ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 13مِنَ الشَّرْقِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الشِّمَالِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْجَنُوبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ، وَمِنَ الْغَرْبِ ثَلاَثَةُ أَبْوَابٍ. 14وَسُورُ الْمَدِينَةِ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَسَاسًا، وَعَلَيْهَا أَسْمَاءُ رُسُلِ الْخَرُوفِ الاثْنَيْ عَشَرَ".
وقد علق ناشد حنا فى تفسيره للكتاب المقدس الصادر عن مكتبة الأخوة على النص الأول بما يلى: "وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَالْحَيَوَانَاتِ الأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ الشُّيُوخِ خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ": وجَّه أحد الشيوخ نظر يوحنا إلى الأسد الغالب صاحب الحقوق الشخصية والاكتسابية لإعلان مشورة الله وتنفيذها، ولكن لما التفت يوحنا لم ير أسدا بل رأى خروفا وديعا. وهذا الخروف هو في وسط العرش كالدّيان، وفي وسط الحيوانات كسيد الخليقة، وفي وسط الشيوخ كالفادي، فهو مركز الدائرة والمحور الذي يدور عليه كل شيء. كان لا بد أن يظهر فشل الجميع لكي يبرز هو بكمال استحقاقه. والمقصود بمنظر الخروف الذي كأنه مذبوح هو جسد قيامته الممجَّد الذي فيه آثار الجراح، نفس الجسد الذي رآه التلاميذ بعد قيامته حين "أراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب" (يو 20: 20). وهو نفس الجسد الذي رآه توما حين قال له الرب: "هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا". وهو نفس الجسد الذي به صعد إلى السماء، والذي به سيأتي في مجده وتنظره كل عين والذين طعنوه. لقد تكلم إشعياء عن احتقار المسيح وآلامه وتقديم نفسه ذبيحة حين قال: "كشاةٍ تساق إلى المذبح، وكنعجة صامتة أمام جازّيها" (إش 53: 7). وتكلم عنه المعمدان قائلا: "هو ذا حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو 1: 29). نفس هذا الحَمَل نراه هنا ولكن في مشهد مختلف، لا محتقرا ومخذولا فيما بعد، بل نراه وإذا هو مركز الدائرة في مجد السماء. ومع ذلك فهو يحمل في جسده آثار الصليب، تلك الآثار الخالدة. فالذي رُفِض في الأرض نراه مركز المجد في السماء. والصليب الذي كان موضوع تعييره في الأرض هو أساس استحقاقه ومجده في السماء كابن الإنسان. "خروف قائم": لقد قال له الآب عند صعوده إلى السماء بعد إتمام عمل الفداء: "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك" (مز 110: 1). وهو يقول لملاك كنيسة لاودكية: "كما غَلَبْتُ أنا أيضا وجلستُ مع أبي في عرشه" (ص 3: 21). ولكننا نراه هنا "قائما" فكأن وقت صبره وانتظاره قد انتهى، فيقوم مستعدا للعمل لكي يخضع أعداءه ويضعهم تحت قدميه. "لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ الْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ الأَرْضِ": نحن نعرف أن عدد سبعة هو رمز الكمال، وهو يتكرر ثلاث مرات في هذه الآية: فهو كمال
(يُتْبَعُ)
(/)
إلهي مطلق، كمال القوة لأن القرون رمز القوة، وكمال الحكمة والبصيرة المشار إليها بالأعين، وله الروح القدس في كمال أعماله. من هذا الذي له سبعة أرواح الله؟ أليس هذا دليلا أيضا على لاهوته؟ (انظر أس 11: 2) ".
ويعلق البابا شنودة الثالث على ذات النص فى الحلقة الرابعة والعشرين من "تأملات فى سفر الرؤيا" المنشورة فى موقعه الخاص قائلا: "إننا لا ننسى ذبيحة المسيح حتى فى السماء، فهو الذبيحة التى تشفع فينا فوق السماء". ثم يمضى فيقول إن المسيح قد شُبِّه فى هذه الرؤيا بخروف قائم كأنه مذبوح: فالذبح إشارة إلى أنه مات عن البشر، والقيام إشارة إلى قيامه بعد ذلك وانتصاره على الموت.
ونفس الشىء تقوله مادة " Lamb" فى " Easton's Bible Dictionary: قاموس إيستون للكتاب المقدس"، إذ نطالع ما يلى:
" The lamb was a symbol of Christ (Genesis 4:4; Exodus 12:3; 29:38; Isaiah 16:1; 53:7; John 1:36; Revelation 13:8). Christ is called the Lamb of God (John 1:29،36)، as the great sacrifice of which the former sacrifices were only types (Numbers 6:12; Leviticus 14:12-17; Isaiah 53:7; 1 Corinthians 5:7)".
ويعدّد كاتب مادة "ِِ Agneau: الخروف" فى طبعة 2009م من " Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية" المعانى التى يرمز إليها الخروف فيقول إنها الطاعة والوداعة والتضحية والفداء والتطهير والغذاء، مشيرا إلى العبارة التى قالها يحيى المعمّد فى حق المسيح حسب رواية الأناجيل الحالية من أنه "حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ! "، وإلى لفظة "الخروف" التى استعملها له يوحنا مرارا فى رؤياه، وكذلك إلى التهكمات التى صبها الوثنيون فى القرون الأولى على رؤوس النصارى بسبب إطلاقهم هذا اللقب على المسيح. يقول الكاتب:
" La représentation du Christ sous forme d'un agneau se justifiait scripturairement par le texte de Jean (i، 29) : Ecce agnus Dei. Elle a été très courante jusqu'au ixe siècle، mais elle a été interdite par le canon 82 du concile in Trullo de 692 ; il semble que les païens aient vu volontairement dans la dévotion à l'Agneau un culte animalier idolâtrique. Il semble également que le jeu de mots entre AGNUS et AS(i)NUS ait donné lieu à des plaisanteries. Le Christ، Agneau de Dieu، symbolise، dans l'iconographie chrétienne primitive، toutes les réalités évoquées par l'Écriture; il est modèle d'obéissance et de douceur، victime، rédempteur، purificateur، aliment. On peut même، dans certains dessins des catacombes، retrouver l'image du Christ à la fois brebis et pasteur، sous la forme d'une brebis qui porte le sceau et la houlette. Le rôle de victime est signalé par la position couchée de l'agneau et par l'association du symbole de la croix. La brebis sans croix représente fréquemment l'Église، et assez souvent les apôtres.
Une autre source essentielle du symbolisme de l'Agneau est le texte dit de l'Agneau mystique، dans l'Apocalypse de saint Jean. Justifiées elles-mêmes par l'apostrophe du Baptiste، dont elles sont des développements littéraires (Jean، I، 29 : «Voici l'Agneau de Dieu qui ôte le péché du monde»)، les formules de l'Apocalypse ont fait naître une abondante iconographie: elles expliquent notamment la représentation de l'Agneau sur la montagne d'où s'échappent quatre ruisseaux purificateurs (Apoc.، xiv، 1). Plutôt que des images symboliques، il y a là des illustrations et comme des rappels de passages scripturaires".
ويستطيع من يبغى من القراء تفصيلا أكبر أن يرجع مثلا إلى الطبعة الثانية من " The New Catholic Encyclopedia: الموسوعة الكاثوليكية الجديدة" تحت عنوان " Lamb of God".
(يُتْبَعُ)
(/)
على أن عقيدة الثالوث معروفة فى كثير من الديانات الوثنية القديمة، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم فى الآية الثلاثين من سورة "التوبة": "وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ". ومن هذه الثواليث ثالوث ميترا وفارونا وأريامان فى الهند، وثالوث أهورامزدا وميترا وأناهيا فى فارس، وثالوث سين وشمش وعشتار فى بابل، وثالوث جوبيتر وجونون ومنيرفا لدى الرومان. كما اختيرت للأعياد النصرانية نفس مواقيت الأعياد الوثنية القديمة المناظِرة مع تبنِّى تقاليدها وشعائرها، مثلما هو الحال فى ميلاد المسيح، فقد جُعِل فى يوم الخامس والعشرين من ديسمبر، وهو ذات اليوم الذى درج الوثنيون على الاحتفال فيه بالعيد الشمسى حيث يتم الانقلاب الشمسى الشتائى فى التقويم الرومانى القديم، وكذلك اليوم الذى كان الوثنيون يحيون فيه ذكرى مولد ميترا أيضا. وبالمثل وقَّت النصارى موت المسيح وصعوده إلى السماء بالفترة الزمنية التى يحتفلون فيها بموت الإله أتيس.
وهناك قُدّاس التناول الذى يأكل فيه النصارى الخبز من يد الكاهن على أنه جسد المسيح، ويحتسون الخمر معتقدين أنهم يشربون دمه، ذلك القداس الذى يحاكى ما عند الوثنيين القدماء كما لاحظ العالم النفسانى السويسرى الشهير كارل يونج. أما عيد الغطاس فمرجعه أن الكنيسة أرادت أن تستبدله بعيد الماء الوثنى الذى كان يحتفَل به فى ذلك اليوم سواء فى عبادة ديونيزوس أو فى عبادة زُحَل أو فى عبادة إيزيس. كذلك تكثر فى الوثنيات القديمة قصص الملوك والزعماء ذوى الأصل الإلهى كما هو الحال مع كثير من أباطرة الصين وملوك سومر وملوك الحيثيين والفراعنة والإسكندر الأكبر، وبعض الحكماء والأبطال كابن بتاح وابن رع وابن توت فى مصر، وهرقل فى اليونان. وقد توقف العلماء لدن رؤيا يوحنا اللاهوتى ورأوا فيها انعكاسا لكير من الأفكار الوثنية ... وهكذا. ويؤكد الفيلسوف الفرنسى إرنست رينان أن الدراسات التاريخية للمسيحية وأصولها تثبت أن كل ما ليس له أصل فى الإنجيل مقتبس من أسرار الوثنية.
ويجد القراء الكرام تفصيلات كثيرة عن هذه المشابهات والاستعارات فى كتاب "الأصول الوثنية للمسيحية" لمؤلفيه أندريه نايتون وإدجار ويند وكارل جوستاف يونج، وهو من ترجمة سميرة عزمى الزين، ومنشورات المعهدالدولى للدراسات الإنسانية. وهذا كتاب واحد من كتب لا حصر لها تناولت هذاالموضوع الذى لم يَعُدْ ثَمَّ أى خلاف بشأنه بين أهل العلم والتحقيق.
ولنتريث قليلا مع التثليث بصفة خاصة لأنه هو الأساس الذى تقوم عليه النصرانية الحالية بوجه عام وتنفرد به رغم خلوّ الأديان السماوية منه جميعها خلوا تاما، فى حين أنه موجود فى كثير من الأديان الوثنية كما سوف نرى. وقد تناولت "الموسوعة العربية العالمية" مثلا مفهوم "التثليث"، فكتب محرر المادة المخصصة لذلك أن "التثليث عند النصارى يُقصد به الاعتقاد بوجود ثلاثة أقانيم (شخوص مقدسة، مفردها "أقنوم") في اللاهوت، ويسمى ذلك: الثالوث الأقدس، ويُعَدّ ذلك معتقدًا نصرانيًّا مركزيًّا يزعم بأن الرب هو في الجوهر واحد لكنه ذو أقانيم (أشخاص) ثلاثة، تعالى الله عن ذلك ـ وهذه الأقانيم هي الأب والابن والروح القدس. وهذا المفهوم ليس مقبولا من وجهة نظر المسلمين وقطاعات كبيرة من النصارى أيضًا.
والمعروف أنه لم يرد تعبير التثليث أو الثالوث في الأناجيل، إلا أن أتباع الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانت يتمسكون بهذه التعاليم ويذهبون إلى أنها مطابقة لنصوص الإنجيل. وكان هذا المفهوم مثار جدل قبل انعقاد مجمعيْ نيقية والقسطنطينية. واحتدم هذا الجدال في الشرق على وجه الخصوص، وكان جزاء الذين رفضوا هذه الفكرة أن حكمت عليهم الكنيسة بالهرطقة (الابتداع)، وكان من جملة المعارضين الأبيونيون، الذين تمسكوا بشدةٍ بالقول إن المسيح إنسان كسائر البشر، وكذلك السابيليون الذين كانوا يعتقدون أن الأب والابن والروح القدس إنما هي صور مختلفة أعلن بها الله نفسه للناس، والأيوسيون الذين كانوا يعتقدون أن الابن ليس أزليًّا كالأب بل هو مخلوق منه قبل العالم، ولذلك هو دون الأب وخاضع له، والمكدونيون الذين أنكروا كون الروح القدس أقنومًا.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما مفهوم الثالوث كما يعتقده النصارى اليوم فقد تبلور تدريجيًّا إثر مناظرات ومناقشات ونزاع طويل، ولم يتخذ صورته النهائية إلا عقب انعقاد مَجْمَع نيقية عام 325م ومَجْمَع القسطنطينية عام 381م. ولما انعقد مجمع طليطلة عام 589م حكم بأن الروح القدس منبثق من الابن أيضًا، ومن ثمَّ قبلت الكنيسة اللاتينية هذه الإضافة، إلا أن الكنيسة اليونانية رفضت هذه الإضافة واعتبرتها بدعة. وكانت هذه العبارة ولا تزال من جملة الموانع الكبرى للاتحاد بين الكنيستين: الكاثوليكية واليونانية.
كان من المتوقع أن يصلح اللوثريون والكنائس الإصلاحية هذا الخلط، إلا أنهم أَبْقَوْا على ما قررته الكنيسة الكاثوليكية. وقد وجدت فكرة الثالوث معارضة شديدة بدءًا من القرن الثالث عشر الميلادي حيث قاد هذه المعارضة جمهور كبير من اللاهوتيين وعدة طوائف جديدة كالسوسينيانيين والجرمانيين والموحدين والعموميين وغيرهم، قائلين إن فكرة التثليث مخالفة للكتاب المقدس والعقل".
وفى "دائرة المعارف الكتابية" نقرأ أنه "لم ترد كلمة "الثالوث" في الكتاب المقدس، حيث لا يذكر الكتاب المقدس هذا اللفظ بالذات تعبيرا عن مفهوم أنه ليس هناك سوى الله الواحد الحقيقي، وأن في وحدانية الله ثلاثة أقانيم هم واحد في الجوهر ومتساوون في الأزلية والقدرة والمجد، لكنهم متمايزون في الشخصية. وعقيدة الثالوث عقيدة كتابية، ليس باعتبار ورودها نصا في الكتاب المقدس، لكن باعتبارها روح الكتاب المقدس. والتعبير عن عقيدة كتابية بعبارات كتابية أفضل لحفظ الحق الكتابي ... قد ظهرت بلا شك "ثلاثيات" من الآلهة في كل الديانات الوثنية تقريبا، وإن كانت الدوافع لظهور تلك الثلاثيات مختلفة: ففي الثلاثي أوزوريس وإيزيس وحورس صورة لعائلة بشرية مكونة من أب وأم وابن. وقد يُظْهِر ثلاثي الديانة الهندوسية المكون من براهما وفشنو وشيفا أن هذا ثلاثي آلهة كمجرد محاولة للتوفيق بين ثلاثة آلهة تعبد في أماكن مختلفة لتصبح موضوع عبادة الجميع. بينما يبدو من يمثل الحركة الدورية لتطور وحدة الوجود، ويرمز إلى المراحل الثلاثة من الكيان والصيرورة والانحلال. وفي بعض الأحيان يكون ثلاثي الآلهة نتيجة لميل طبيعي في الإنسان إلى التفكير في "ثلاثيات" مما أضفى على الرقم "ثلاثة" صبغة مقدسة.
وليس من غير المتوقع أن تعتبر إحدى هذه الثلاثيات بين الحين والآخر أساسا لعقيدة الثالوث الأقدس في المسيحية: فجلادستون يرى هذا الثلاثي في أساطير هوميروس، في رمح بوسيدون ذي الشعب الثلاث. أما هيجل فقد رأي ذلك في الثلاثي الهندوسي، وهو ما يتفق مع عقيدته في وحدة الوجود. وقد رأي البعض الآخر ذلك في الثلاثي البوذي، أو في بعض مفاهيم ديانة زرادشت، أو الأصناف الأغلب في الثلاثي العقلاني عند الفلسفة الأفلاطونية. بينما يؤكد جولز مارتن وجوده في المفهوم الرواقي الجديد عند فيلو عن "القوي"، وبخاصة عند تفسيره لزيارة الثلاثة الرجال لإبراهيم".
والخلاصة أن محمدا، الذى زعم سام شمعون أنه كان وثنيا وأنه أسس دينه على الوثنية، أستغفر الله من هذا الرجس النجس، قد نجح نجاحا باهرا فى تصيير الوثنية توحيدا صافيا وصارما، فى الوقت الذى فشل فيه قوم شمعون وأنبياؤهم (حسبما يقول كتابهم المقدس ذاته لا كما نقول نحن) فى الحفاط، مجرد الحفاظ، على التوحيد وتَدَهْدَوْا إلى حمأة الوثنية وحضيضها! فماذا بقى فى جَعْبَة سام شمعون وبقية العصابة الكذابة المفترية على الحق والشرف بعد هذا يا ترى من أكاذيب ومفتريات؟(/)
ندوة المرتابين في كتاب الله!!
ـ[محمد كالو]ــــــــ[13 Jun 2009, 05:59 ص]ـ
جاء في اختتام ندوة فكرية دولية (صبيحة الجمعة 13 مارس) نظمتها وحدة البحث «في قراءة الخطاب الديني» التي يشرف عليها وحيد السعفي وذلك بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 9 أفريل وتحديدا بقاعة محمود المسعدي على امتداد يومي الخميس والجمعة 12 و13 مارس 2009 م.
حيث اجتمع في هذه الندوة رؤوس الإلحاد والمشككين والمرتابين في كتاب الله: (محمد أركون، عبد المجيد الشرفي، ووحيد السعفي، الصادق بلعيد، ألفة يوسف، زهية جويرو) وتعذر مجيئ المصري نصر حامد أبوزيد.
ذكر أستاذهم أركون:
" أن القراءة الانتروبولوجية المقارنة تقوم على أساس القراءة اللسانية التي تنطلق من حقيقة ان الوحي في مختلف الديانات التوحيدية كتب في لغات بشرية في سياقات تاريخية محددة ولدينا في هذا السياق حقل بحث في تواصل اللغات وتداخلها وتأثرها بعضها ببعض (أي بين اللغات اللاتينية والسامية والهندية ... ).بعد ذلك ركز المحاضر على ثنائيتين بارزتين في قراءة الخطاب الديني وهما ثنائية كلام الله (الوحي) والخطاب النبوي وثنائية اللوغوس، والميتوس، ويمكن ترجمتهما العقلي والميثي (الأسطوري) .....
في مداخلة أركون عديد الاستطرادات الهامة، وقد ركزنا في تقديرنا على ما جاء فيها من أفكار ومنها " أن الخطاب القرآني خطاب ميثي ".
المصدر:
http://www.essahafa.info.tn/archives/090317/thakafa/article2.html
ـ[خلوصي]ــــــــ[24 Jun 2009, 09:03 ص]ـ
سبحان الله!؟!
استنتاجاتهم ظلمات بعضها فوق بعض!
تذكرنا باستنتاجات الداروينيين .. و كيف لعب بهم الشيطان باسم العلم!؟!
فلذا كان الإستاذ النورسي يقول لطلاب الثانوية الذي اشتكوا إليه إلحاد المعلمين:
أصغوا إلى تلك العلوم .. و لا تصغوا إلى المدرسين!؟!(/)
طبع كتاب الأقوال القديمة للبقاعي
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[19 Jun 2009, 01:34 ص]ـ
خبر عاجل: وقفت منذ أيام على كتاب الأقوال القويمة في حكم النقل من الكتب القديمة للعلامة المفسر البقاعي. طبعته مطابع بريل بهولندة. منذ عام (2008) به دراسة باللسان الأنجليزي مشفوعة بالنص العربي كاملا محققا على أربعة أصول مخطوطة.
وسأوافيكم بالتفاصيل إن شاء الله تعالى.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[21 Jun 2009, 08:30 م]ـ
جزاك الله خيراً , وننتظر عرضاً وافياً للكتاب كما عهدناك يا دكتور سمير.(/)
استشارة فكرية
ـ[أبو المظفر الشافعي]ــــــــ[23 Jun 2009, 01:11 ص]ـ
أخواني أعضاء هذا المنتدى المبارك.
لدي نية بالبدء في الرد على كتاب:
{الفكر الأصولي واستحالة التأصيل}
للحداثي المشهور محمد أركون.
فما رأيكم؟
وما تنصحوني به؟
وفقكم الله لكل خير.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[02 Jul 2009, 11:44 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي أبا المظفر المعذرة لتأخر الرد والحقيقة أنك تصنع خيراً لو قمت بذلك ولكن لا تبدأ بذلك حتى تكتمل الآليات لديك وتتخذ الوسائل اللازمة إقرأ أكثر كتب أركون حتى تفهم منهجيته والمسائل لالكبرى التي يكررها دائماً .. ثم إقرأ لأمثاله مثل أبي زيد والجابري واقرأ لطه عبد الرحمن المغربي .. ولكن الرد والمناقشة يجب أن تعتمد بالدرجة الأولى برأيي على الكتب الأصولية الكبرى بعد قراءة متأنية وفهم لها مثل: تأسس النظر لأبي زيد الدبوسي - الرسالة للشافعي - المعتمد لأبي الحسين البصري - البرهان للجويني - المستصفى للغزاللي - المحصول للرازي - وإحكام الأحكام للآمدي ومثيله لابن حزم ثم: الفروق للقرافي واستعن بالكتب الأصولية المعاصرة مثل: كتاب الخضري بك ومؤلفات الدكتور البوطي
ووفقك الله والمعذرة فأنا أكتب مكن مقهى بشكل عاجل ... وفقكم الله
ـ[خلوصي]ــــــــ[27 Dec 2009, 08:58 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي أبا المظفر المعذرة لتأخر الرد والحقيقة أنك تصنع خيراً لو قمت بذلك ولكن لا تبدأ بذلك حتى تكتمل الآليات لديك وتتخذ الوسائل اللازمة إقرأ أكثر كتب أركون حتى تفهم منهجيته والمسائل لالكبرى التي يكررها دائماً .. ثم إقرأ لأمثاله مثل أبي زيد والجابري واقرأ لطه عبد الرحمن المغربي .. ولكن الرد والمناقشة يجب أن تعتمد بالدرجة الأولى برأيي على الكتب الأصولية الكبرى بعد قراءة متأنية وفهم لها مثل: تأسس النظر لأبي زيد الدبوسي - الرسالة للشافعي - المعتمد لأبي الحسين البصري - البرهان للجويني - المستصفى للغزاللي - المحصول للرازي - وإحكام الأحكام للآمدي ومثيله لابن حزم ثم: الفروق للقرافي واستعن بالكتب الأصولية المعاصرة مثل: كتاب الخضري بك ومؤلفات الدكتور البوطي
ووفقك الله والمعذرة فأنا أكتب مكن مقهى بشكل عاجل ... وفقكم الله
هذا عند طلاب رسائل النور يسمى توافقا من النوع الخفيف .. !؟
ذلك أنني للتوّ قد نسخت مقالاً ل د. طه عبدالرحمن المغربي و هو لا زال في ذاكرة الفأرة .. جئت به لأضعه في هذا القسم فإذا بي ألمح هذا الموضوع و تشدني نفسي للدخول فيه قبل وضع موضوعي أي لصقه .. !؟!
أرجو ألا يستعجل الأفاضل في رد أفراد الأمثلة من التوافقات فإن شأنها عجيب عند من جرّب!؟!
و إن أذن المولى جل جلاله جئتكم بقصص منها تقشعر لبعضها الأبدان!؟!
ـ[خلوصي]ــــــــ[28 Dec 2009, 12:25 ص]ـ
و أرجو أن تلاحظوا ما لم ألاحظه إلا الآن و هو موضوع مقال د. طه و علاقته بمنهج الرد على أصحاب الشبهات!؟ و هو المنهج الأصيل الجديد في رسائل النور!؟(/)
السجن والغرامة لشاعر أردني اقتبس عبارات مسيئة الى القرآن
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[23 Jun 2009, 02:30 م]ـ
(سبق) عمان: أصدرت محكمة في عمان حكما بالسجن لمدة عام على الشاعر والصحافي الأردني إسلام سمحان لإدانته بتهمة الإساءة إلى الإسلام، وذلك بعد نشره ديوانا شعريا يحتوي قصائد تضمنت عبارات واقتباسات من القرآن.
ونقلت تقارير أردنية اليوم عن مصدر قضائي قوله ان المحكمة حكمت على إسلام سمحان بالسجن عام واحد وغرامة مالية قدرها عشرة آلاف دينار (حوالي 15 ألف دولار) بعد إدانته بالإساءة الى "الأديان واهانة الشعور الديني".
واضافت: وكانت دائرة المطبوعات والنشر أقامت في أكتوبر الماضي دعوى ضد سمحان بعد صدور ديوانه "برشاقة الظل" التي اعتبرت أنه احتوى عبارات واقتباسات "مسيئة للإسلام والقرآن" والذي تم سحبه من الأسواق.
من جانبه قال سمحان (27 عاما): "سأستأنف قرار الحكم حتى أنال البراءة كما سأرد على كل من أساء إلي بمزيد من الشعر وكتابة القصائد والأغاني التي تحب الحياة"
المصدر ( http://www.sabq.org/?action=shownews&news=8429)
ـ[شاكر]ــــــــ[24 Jun 2009, 10:05 م]ـ
جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل على نقل الخبر والذي أراه يحتاج إلى كثير من التعقيب من أساتذتنا ومشايخنا الأكارم وذلك من باب البيان والانتصار لله ولكتابه ولدينه ولرسوله.
فالرجل واضح من اسمه أنه كان مسلما وارتد. وواضخ أيضا أنه لم يتب بعد الحكم عليه، بل هو مُصّر على فعله ويُعلن أنه سيعود إليه. وهذه ردة سافرة وزندقة ما بعدها زندقة.
ومن هنا كان من الواجب بيان حكم الله فيه.
وكذلك بيان خطأ حكم المحكمة حيث اكتفت بتحكيم القانون الوضعي دون الحكم الشرعي ..
فأين حكم الله في بلد دستوره يُصرح بأن دين الدولة: الإسلام .. ؟!!
ـ[حسن عبد الجليل]ــــــــ[12 Oct 2009, 05:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أخي الحبيب شاكر أليس واجب علينا أن نتأنى ونسمع ما قاله سمحان، وما الذي أخذ عليه، ونتقصّى الأمر فنتبيّن ونتثبّت من القول الذي قاله قبل أن نحكم عليه بحكم خطير جدا نحو الذي تفضلت به
فالرجل واضح من اسمه أنه كان مسلما وارتد
حتى لو كان الرجل يستحق العقاب، فأرى أن لا يتم ذكر هذه المواضيع لأنها تُشهر أصحاب هذا القول وتنشره، وحب الفضول لدى الناس يدفع الكثيرين لشراء ديوانه فيحقق أرباحا لم يكن لها أن تتحقق لولا هذه الشهرة.
على نحو ما حصل مع سلمان رشدي فلو أنهم حاكموه دون الضجّة الإعلامية ما حقق كتابه بيعا لملايين النسخ.
ثم أخي الحبيب لا تخشى على هذا الدين، فإن للبيت ربّ يحميه، ومن لم يقم عليه أهل الدنيا ما يستحق من عقوبة فلا ملجأ له من الله إلا إليه، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة
، وقدرة الله نافذة.(/)
ريهام عبد العزيز: حالة تنصر تافهة يطنطن بها القساوسة
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[16 Jul 2009, 04:36 م]ـ
ريهام عبد العزيز
حالة تنصر تافهة يطنطن بها القساوسة
د. إبراهيم عوض
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
بينما كنت أبحث عن شىء فى المشباك (الإنترنت) منذ عدة أيام إذا بى، ولا أدرى كيف، آتِى على تسجيلٍ تلفازىٍّ لفتاة مصرية اسمها ريهام عبد العزيز كانت مسلمة ثم تنصرت منذ فترة، وأظهرتها فضائية "الحياة" النصرانية فى حلقة "سؤال جرىء" فى محاولة لتبرئة القَسّ المتهم بتزوير أوراق رسمية من أجل تسهيل زواجها من شاب نصرانى ومساعدتها فى الخروج من مصر. وكان مصادر قضائية مصرية فى أكتوبر 2008م قد قالت "إن محكمة مصرية حكمت امس الأحد على قس وثلاثة مسيحيين مصريين آخرين ومسلمة تنصرت بالسجن لمدة خمس سنوات لإدانتهم بالتزوير. وقال مصدر إن محكمة جنايات الجيزة أثبتت أن القس متاوس عباس زور شهادة ميلاد المتنصرة ريهام عبد العزيز مستخدما بيانات شهادة ميلاد أخته لإصدار بطاقة هوية استعملت في تزويج المتنصرة من المحكوم عليه الثالث أيمن فوزي زخاري. وأضاف أن عباس عقد زواج المتنصرة وزخاري. وتابع أن الزوجين هاربان وقال المصدر إن الحكم صدر على المحكوم عليهما الآخرين اللذين شهدا على عقد الزواج المزور غيابيا. وأضاف أن المحكمة أثبتت أن الشاهدين كانا على علم بالتزوير".
وبالبحث والتحرى وجدتُ التغطية التالية للموضوع فى موقع "ساحة الحوار العربى" بتاريخ الأحد 26 أكتوبر 2008م: "قبل أن تبدأ المرافعات وجدنا كاهنا مسيحيا حائرا وتائها، فور أن دخل القاضي المستشار محمود سامي كامل وبدأ الجلسة نادي عليه وقال له: "معاك محامي يا أبونا؟ المرة خلاص مفيش تأجيل". أجلسه في ركن خاص في المحكمة وطلب من المصورين ألا يقتربوا منه وألا يصوروه. التزم المصورون بما قاله القاضي، لكن الكاميرات الصحفية لم تصمد فسارعت بالتقاط بعض الصور السريعة له. كان بالنسبة لي غامضا للغاية، فما الذي جاء به إلي هنا؟ ماذا يفعل؟ وما هي الجريمة التي ارتكبها ليقف أمام محكمة الجنايات؟ كنت قد اصطدت الحكم الذي صدر ضده، فقد قضت محكمة جنايات الجيزة بالسجن المشدد علي القس متاؤوس عباس وهبة القس بكنيسة كرداسة و4 آخرين هم ريهام عبد العزيز (مسلمة) وأيمن فوزي وروماني نبيل فارس ووائل عزيز شفيق. كانت النيابة العامة قد وجهت لهم تهمة تزوير أوراق رسمية تتمثل في شهادة ميلاد وبطاقة شخصية لتزويج ريهام من أيمن (القبطي). واشترك روماني ووائل في الشهادة علي توثيق العقد، ثم توجها إلي القس متاؤوس الذي قام بتوثيق عقد الزواج. التزوير، كما قالت النيابة، تم بمعرفة روماني نبيل، الذي نزع صورة البطاقة الشخصية لأخته المتوفاة مريم ووضع بدلا منها صورة ريهام المسلمة، وقام بتزويجها للمتهم أيمن فوزي.
كان الحكم صدمة لمتاؤوس. الذين استمعوا إلي كلماته وهو في المحكمة قالوا إنه لا يجيد الحديث ولا يعرف شيئا، إلا أنه تم توريطه في القضية، فقد قام بتزويج فتاة من واقع الأوراق الرسمية التي قدمت له، وليس من شأنه أن يعرف ما إذا كانت الأوراق سليمة أم مزورة، فهو في النهاية ليس جهة رسمية. لم يلتقط متاؤوس أنفاسه فور النطق بالحكم عليه تم اصطحابه إلي غرفة حرس المحكمة تمهيدا لترحيله، لم يضعه القاضي في قفص الاتهام احتراما للزي الذي يرتديه وهو ما فعله معنا إحتراما للمهنة العظيمة والدور الذي نؤديه في المحكمة. وبعد صدور الحكم تحفظت سلطات الأمن علي القس متاؤوس الحاضر الوحيد من المتهمين في القضية، وتم اصطحابه إلي غرفة حرس المحكمة، قبل ترحيله إلي السجن.
قامت قيامة الكنيسة. إنها أمام اتهام واضح لرجلها الذي، كما أشارت المحكمة، زور شهادة ريهام عبد العزيز وزوجها من شاب مسيحي ثم ساعدهما علي الهروب خارج مصر وتحديدا إلي الأردن. وقد تم التعامل مع الاتهام بمنتهي الحزم. لم تتخل الكنيسة عن رجلها. من أمريكا أصدر البابا شنودة تعليماته بألا تتخلي الكنيسة عن رجلها، ربما قناعة ببراءته وربما قناعة بأن ما فعله ليس فيه شيء خطأ. طلبت الكنيسة من النائب العام وقف تنفيذ العقوبة حتي يتم الفصل في النقض الذي تقدمت به إلي المحكمة. هذا هو ما يعرفه الجميع حتي الآن عن كاهن
(يُتْبَعُ)
(/)
الجيزة الذي زور في أوراق رسمية حتي ينصر فتاة ويزوجها من شاب مسيحي.
لكن ملف القضية نفسه فيه تفاصيل مذهلة: القضية تبدأ من عند يحيي سيد أحمد، وهو أمين سجل مدني كرداسة الذي تم استغلاله من قبل الكاهن متاؤوس ورفاقه ليزور لهم بطاقة برقم قومي 28104282400125. طلب متاؤوس من وائل عزيز شفيق أن يكلف روماني نبيل فارس بأن يستخدم شهادة ميلاد شقيقته المتوفاة مريم لاستخراج بطاقة تحقيق شخصية بالرقم القومي لريهام عبد العزيز باسم شقيقته مريم لتتمكن من الزواج من أيمن فوزي زخاري. ذهبت ريهام إلي موظف السجل المدني وقدمت له طلبا لاستخراج بطاقة تحقيق شخصية باسم مريم نبيل فارس رغم أن مريم توفيت في 30 يونيو 1981. أرفقت ريهام بطلبها مستخرجا لقيد ميلاد مريم، فأثبت موظف السجل البيانات في السجل الخاص، ووقعت عليه ريهام لكن باسم مريم الذي أصبح اسمها الجديد. وقام روماني شقيق مريم بالتوقيع علي صحة البيانات الموجودة في الطلب الذي حرره وائل عزيز شفيق.
وهنا يظهر اسم آخر لموظف تم استغلاله، وهو فيليب ميلاد جورجي الموظف المعتمد بكنيسة الملاك ميخائيل، حيث حرر لريهام وأيمن عقد زواج متحدي الملة والطائفة. قدمت ريهام بطاقتها المزورة للموظف في الكنيسة. شهد روماني علي العقد الذي حرره متاؤوس وهبة وأثبت فيه كل البيانات المزورة رغم أنه يعلم أنها جميعا مزورة. وفي التحقيقات الرسمية قال موظف الكنيسة فيليب ميلاد إن متاؤوس هو الذي تولي تحرير بيانات عقد الزواج وقام بتقديمه له لتوثيقه. الجريمة وقعت، والمحرض والمحرك الرئيسي لها هو الكاهن متاؤوس وهبة. استفادت ريهام من التزوير الذي حدث وذهبت لتكمل باقي خطتها. قدمت بطاقة الرقم القومي إلي مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية وكنيسة كرداسة، وقدمت كذلك وثيقة زواجها، وذلك لتحصل علي جواز سفر. وبالفعل حصلت عليه برقم 1398382. ومن خلال جواز السفر الذي حمل اسمها الجديد مريم نبيل فارس استطاعت أن تغادر مصر نهائيا لتستقر في الأردن. التهمة التي وجهتها النيابة لمتاؤوس كانت واضحة. جاء فيها: المتهم الخامس بصفته موظف عمومي كاهن بكنيسة الملاك ميخائيل بكرداسة ارتكب تزويرا في محرر رسمي هو عقد زواج متحدي الملة والطائفة بين أيمن فوزي فايق ومريم نبيل فارس، حال تحريره المختص بوظيفته بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها بأن أثبت به بيانات مزورة علي خلاف الحقيقة هي زواج أيمن ومريم رغم علمه بوفاة صاحبة هذا الاسم وتسمي المتهمة الأولي بهذا الاسم علي خلاف الحقيقة، وناول هذا العقد للموثق المختص، وهو فيليب ميلاد جورجي، فأجري التصديق عليه بناء علي ذلك.
والدة ريهام كانت موجودة في المحكمة. اسمها شادية محمد سعيد، عمرها 48 سنة، وتعمل إخصائية في معمل بمدرسة إخناوي الإعدادية المشتركة، وتسكن في 11 شارع عنتر بن شداد آخر علي بك الكبير قسم طنطا ثان بمحافظة الغربية. آثار القضية كلها كانت بادية عليها. لم تكن مشغولة أن يحكم علي الكاهن ورفاقه أم لا. كان يهمها شيء واحد، وهو أن تعود ابنتها إليها. في تحقيقات النيابة اتهمت متاؤوس بشكل واضح وصريح أنه كان وراء تنصير ابنتها وتزوير كل أوراقها حتي تغادر مصر نهائيا.
تركت ريهام بيت أسرتها في 9 مارس 2003، ظلت والدتها ووالدها يبحثان عنها حتي عرفا أنها تزوجت من شخص اسمه أيمن فوزي فايق، وأنها أخذت اسم واحدة تانية ماتت في 1981. قالت الأم إنه كان قسيس أردني اسمه يعقوب فريد موسي يراسلها علي الإنترنت ويرسل لها كتبا علي البيت، وقدمتُ شكوي إلي أمن الدولة، لكن سرعان ما اختفت البنت. وبعد ذلك عرفتُ أن متاؤوس وروماني ووائل زوَّروا لها بطاقة وساعدوها علي الزواج من أيمن. وعرفتُ ذلك من خلال تليفون جاءني من مجهول. وقال لى من تحدث معي إنه قابل ابنتي في القاهرة وعرف منها أنها تزوجت من أيمن فوزي فايق. ولما كشفنا عن اسمه وجدناه متزوجا من واحدة اسمها مريم نبيل فارس، ولما "شفت" صورتها لقيتها ابنتي ريهام.
(يُتْبَعُ)
(/)
متاؤوس عباس وهبة عمره 42 سنة، وبالميلاد اسمه جمال عباس وهبه باسيلوس، يعمل راعي كنيسة مارجرجس الواقعة في صفط ميدوم ويقيم في شارع سيد أبو الغيط بأبو قتادة ببولاق الدكرور. سألوه في النيابة عن المسئول عن اتخاذ إجراءات عقد الزواج في الواقعة المتهم فيها؟ فقال: أنا اللي بأعمل العقد وبأكتب بياناته وبأعمل كل إجراءات الزواج وبعدها يتم عرض العقد علي الموثق لاتخاذ إجراءات التوثيق. سألوه عن المسئول بشكل مباشر عن تحرير عقد الزواج؟ فقال: أنا اللي كنت "مختص" بتحريره بصفتي كاهن كنيسة الملاك ميخائيل بكرداسة، ثم روي تفاصيل ما حدث، قال: اللي حصل إنه بتاريخ 8 يوليو 2005 حضر أيمن فوزي فايق ومريم نبيل فارس لعمل محضر خطوبة، وقمت بعمل الخطوبة بكنيسة الملاك ميخائيل بكرداسة، وبعدها تم إرسال محضر الخطوبة إلي مطرانية الجيزة لعمل تصريح الزواج الذي حصلوا عليه في 12 يوليو 2005. وقد تم الزواج في 22 يناير 2006 بكنيسة السيدة العذراء بالدقي، وشهد علي عقد الزواج فوزي فايق زخاري و الشاهد الثاني كان شقيقها روماني.
يبدو من كلام متاؤوس أنه لم يكن يعرف ما فعلته ريهام. لكن لماذا نتعجل الأحداث؟ سألته النيابة: ما هي البيانات التي أثبتها في هذا المحضر؟ فقال: أنا أثبتّ خطوبة أيمن فوزي فايق ومريم نبيل فارس بتاريخ 8 مايو 2005، وقد تحققت من خلوهما من الموانع الشرعية لأني كنت أعرف أيمن من قبل، وهو أقر لي بخلوه هو والخطيبة من الموانع الشرعية. سألت النيابة بوضوح، قالت له: كيف تحققت من خلوهما من الموانع الشرعية؟ فقال متاؤوس: نظرا لمعرفتي السابقة بأيمن، وهو أقر لي بخلو مريم نبيل فارس من الموانع الشرعية. من هنا تبدأ الثغرات إذن. ولذلك واجهت النيابة متاؤوس وهبة مباشرة، قالت له: ما تعليقك علي ما قرره روماني نبيل فارس لدي استجوابه بالتحقيقات من أنك كنت تعلم يقينا بواقعة تسمي المتهمة ريهام عبد العزيز علي خلاف الحقيقة باسم مريم نبيل فارس حال قيامك بتحرير عقد زواجها من أيمن فوزي فايق؟ رد متاؤوس: أنا معرفش هو بيقول كده ليه، وأنا معرفش حاجة عن الموضوع ده.
الحكم القضائي يؤكد تورط متاؤوس، لكن قراءة ما بين السطور تشير إلي أننا أمام عصابة تنصير كاملة يعمل فيها شباب قبطي بمساعدة مسئولين في الكنيسة، وهو الأمر الذي لم يعد ينكره أحد من الكنيسة،. صحيح أنهم يفعلون ذلك علي استحياء، لكنهم يقولونه. ولذلك كان غريبا أن يقول الأنبا مرقص في حوار أجري معه الأسبوع الماضي علي أحد المواقع الإليكترونية. كان السؤال: هل تقبل الكنيسة حالات تنصير؟ فأجاب مرقص: نعم الكنيسة تقبل حالات تنصير، ولكن في سرية تامة جدا لأن المتنصر لا يقدر أن يغير اسمه. وهي أمور تعرض علينا وندرسها. هذا اعتراف خطير ويمكن، ربما عن عدم قصد، فسر لنا الأنبا مرقص ما حدث في قضية متاؤوس. قد تكون ريهام تنصرت وهي حرة تماما فيما تريده لنفسها، لكن ليس معني أن الدولة تتعنت في استخراج بطاقات للمتنصرين أن يقوم الكهنة بالتزوير في أوراق رسمية حتي يزوجوا المتنصرين. فما دام الباب القانوني والشرعي مغلقا فليست هناك مشكلة لديهم أن يسلكوا الطريق غير الشرعي ويدخلوا من الباب غير القانوني. وهذه هي المشكلة الحقيقية التي لا يمكن أن ننكرها أو نتنكر لها. وقد يكون لهذا حديث آخر نعود إليه فيما بعد".
وفى التسجيل التلفازى المذكور روت البنت وقائع تحولها من الإسلام إلى النصرانية، ذاكرة الشبهات التى دفعتها إلى هذا التحول حسبما لقنها من أظهروها فى الحلقة المذكورة. ولسوف أقوم هنا بعرض تلك الشبهات واحدة تلو الأخرى ثم أنظر فيها لأرى هل لتلك الفتاة أو غيرها عذر فى اتخاذها تكأة فى تسويغ مثل ذلك العمل الشيطانى. والملاحظ أن المتحولين من الإسلام إلى النصرانية على قلتهم البالغة هم من أمثال ريهام ممن لا يستعملون عقولهم ويتّسِمون بضحالة الفكر وتشوّش الذهن رغم أنهم قد يكونون طلابا جامعيين، ومن ثم يمثلون مرعى صالحا يرتع فيه القساوسة البكاشون بأكاذيبهم وافتراءاتهم وينجحون أحيانا فى ختل عقولهم، وإن كانوا يعودون إلى الإسلام مع أول فرصة يتيح الله لهم فيها من يبصرهم بخطئهم ويوضح لهم تفاهة تلك الشهبات. أما المتحولون من النصرانية إلى الإسلام فأعدادهم لا تحصى ولا تعد، وكثير منهم من أصحاب الوزن الثقيل كالكتاب
(يُتْبَعُ)
(/)
والمفكرين والصحفيين والسفراء والساسة والأدباء والقساوسة والأساقفة وأساتذة الجامعات والفنانين ومن إليهم. والمسلمون لا يطنطنون بذلك على عكس ما يفعله قساوسة النصارى، الذين يرقصون ويتصايحون كلما وقع فى أيديهم بين الحين والحين البعيد صيد هزيل لا يساوى ثمنه، فهم فى هذا كالفقير الذى لا يشتمل جيبه إلا على عدة ملاليم، ومع هذا تراه يصلصل بها طول النهار رغبة منه فى إيهام الناس أن معه مالا، على حين تجد الغنى المتخم بالأموال لا يصنع شيئا من ذلك، وبخاصة أن أمواله من ورق البنكنوت الذى لا يصدر صوتا، وليست من الملاليم التى يشخشخ بها الأطفال!
تقول ريهام إنها، بينما كانت تصلى ذات مرة، رفعت بصرها إلى السماء، فرآها أبوها وأنكر ذلك عليها إنكارا شديدا وحذَّرها مَغَبَّةَ ذلك التصرف. ولما حاولت أن تعرف السبب فى حكمة النهى عن هذا أجابها قائلا: لا تناقشى، بل عليك أن تنفّذى فقط. فكان ذلك، كما تقول، أول حاجز ينبنى بينها وبين ربنا، الذى شعرت أن هناك مسافة كبيرة تفصله عنها. ولا أدرى كيف يشكّل مثل هذا الأمر حاجزا بيننا وبين ربنا، وهو الذى يقول: "وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ"، و"نحن أقرب إليه من حبل الوريد"؟ وإذا كان البشر يتركون دينهم من أجل مثل ذلك الأمر فالثمرة الطبيعية لهذا هى أن يغير الناس أديانهم كل يوم بل كل دقيقة.
وثم فعلا حديث للنبى يحذر فيه عليه السلام من خطف البصر بعض أقوام كانوا يرفعون وجوههم نحو السماء فى صلاتهم، بَيْدَ أنى لا أحسب هذا التهديد قاعدة عامة. ولننظر أولا فى نص الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟ " وأنه "اشتد قوله في ذلك فقال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم". وقد قرأته البنت المتنصرة من ورقة أعدوها لها فى يدها، ولم تستطع أن تقرأه قراءة صحيحة رغم بساطته التامة، وهو ما يعطينا فكرة عن محدودية ثقافتها وضحالة شخصيتها رغم ما كانوا قد شحنوها به ضد الإسلام ورددته فى الحلقة بسذاجة عجيبة.
والواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء فى حديث آخر، كان "إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول؟ ولكن يقول: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ "، وهو من أدبه العالى صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط"، "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلقِينا المشركين (أى وقعت بين المسلمين وبينهم حرب)، فأسرع الناس (أى المسلمون) في القتل حتى قتلوا الذرية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى قتلوا الذرية؟ ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية. فقال رجل: يا رسول الله، أو ليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال: أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نَسَمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها"، "ما بال أقوام يتنزهون عن أشياء أترخَّص فيها؟ والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده"، "ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته؟ طلقتُكِ! راجعتُكِ! طلقتُكِ! راجعتُكِ! ". ومنه أيضا "أن أم هانئ بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها (لاحظ معنى التبرج هنا وأنه يعنى ظهور قرطيها لا غير)، فقال لها عمر بن الخطاب: اعملي، فإن محمدا لا يغني عنك شيئا. فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي، وإن شفاعتي تنال حاء وحَكَم؟ وحاء وحَكَم قبيلتان".
والملاحظ فى حديثنا الذى نحن بصدده أن رسول الله لم يصدر حكما عاما، بل قَصَر التحذير على قوم بعينهم كانوا يرفعون أبصارهم فى ذلك الوقت إلى السماء فى صلاتهم. ولو كان يقصد التعميم لقال مثلا: "ألا من رفع بصره إلى الصلاة وهو يصلى خطف الله بصره"، مثلما فعل فى الحديث التالى: "ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط"، إذ بعد أن ذكر ما يصنعه بعض الناس تركهم وعمم الحكم مستخدما اسم الموصول: "مَنْ" الدال على ذلك. ومثله الحديث الآخر الذى استعمل فيه ضمير المخاطبين
(يُتْبَعُ)
(/)
للإشارة إلى أن الحكم لا يقتصر على من يفعل الأمر الذى حذر منه صلى الله عليه وسلم، بل يشمل جميع المسلمين، ومن ثم نراه يتحول عمن يقتل ذرارى الكافرين دون سبب ويوجه كلامه نهيا إلى كل مسلم مستخدما ضمير المخاطبين الشامل لأتباعه جميعا: "ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى قتلوا الذرية؟ ألا لا تقتلوا الذرية! ألا لا تقتلوا الذرية! ". والذى أفهمه من الحديث أنه ربما كان هناك قوم من المنافقين يصنعون ذلك استهزاء بالصلاة مثلا أو انصرافا عنها وإظهارا لاحتقارهم لها ونشرا للفتنة والاضطراب بين المسلمين، فقال النبى فى حقهم ما قال، وإلا فما أكثر ما قد ينظر المصلون نحو السماء ويكررون ذلك ثم لا يقع لهم شىء مما حذر منه الرسول، ومنهم تلك البنت المتنصرة التى من الواضح أنه لم يخطف الله بصرها، اللهم إلا إذا كانوا قد لقنوها هذا الكلام لتقوله فى المقابلة المرنائية كى تحدث بلبلة وفتنة بين عوامّ المسلمين الذين لا يستطيعون تمحيص مثل تلك الأمور دون أن يكون قد سبق منها رَفْع لبصرها إلى السماء فى صلاتها أيام كانت مسلمة تصلى. ومن هنا نراه صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث الذات يستمر فى استخدام ضمير الغائبين للدلالة على أن الموضوع محصور فى ذات الأقوام الذين وردت الإشارة إليهم فى ذلك الحديث: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم؟ فاشتد قوله في ذلك فقال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك أو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم". وليس معنى ذلك أنه لا بأس على الإطلاق على من يرفع نظره نحو السماء فى صلاته، إذ من شأن ذلك التصرف أن ينصرف ذهنه عن التركيز فى العبادة، وهو ما لا يليق بمن يقف بين يدى ربه سبحانه وتعالى. فهى مسألة أدب ولياقة أكثر منها أى شىء آخر.
وسبب آخر يجعلنى أستبعد أن يكون ذلك حكما عاما فى كل من يرفع عينيه نحو السماء خلال صلاته أنه لا يوجد تناسب بين الخطإ والعقوبة إذا ما أخذنا الأمور على ظاهرها. وإذا كان الإسلام قد ترك من لا يصلى أصلا بل من لا يصلى ولا يزكى ولا يصوم ولا يحج دون أن يحذره تلك العقوبة الدنيوية ولا ما هو أقل منها، بل ترك الكافر ذاته، والكُفْر هو ما هو؟، من غير أن يتهدده بشىء من هذا فى الدنيا بتة، فكيف يمكن أن يكون هذا العقاب الشنيع هو العقاب الإلهى الدنيوى الخاص بكل من يرفع بصره فى الصلاة مجرد رفع نحو السماء؟
صحيح أن هناك نصا فى القرآن يتحدث عن العمى العقابى بالمعنى المادى فيما هو واضح، إلا أنه خاص بالكفار المعاندين لا بالنظر إلى السماء ولا بأى شىء آخر دون الكفر، كما أنه لا يقع هنا على الأرض مثل التهديد المذكور فى الحديث الشريف الذى بين أيدينا، بل عند الحشر. يقول سبحانه وتعالى فى سورة "الأسراء": وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) ". أما سائر ما قيل عن العمى فى القرآن ضمن سياق الزِّرَاية فخاصٌّ بالعمى المعنوى: عمى القلب واستغلاق العقل عن دعوة الحق وتصلب الرقبة والمعاندة الغبية، والتمرد والكفر لوجه التمرد والكفر، ومن ذلك: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) " (البقرة)، "وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) " (الإسراء)، "وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) " (الشورى). والنص التالى واضح الدلالة تماما على أن العمى فى القرآن حين يُذْكَر ضمن سياق الزراية إنما هو العمى المعنوى: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور (46) " (الحج). وكل هذا يؤكد أن التهديد الشديد فى الحديث السابق هو تهديد خاص بقوم بأعيانهم يستحقون تلك العقوبة لا لمجرد رفع أبصاهم نحو السماء فى صلواتهم، بل لسبب آخر يكافئ العقوبة حاولتُ أن أتعرف إليه فى السطور السابقة، ولعلى لم أُبْعِد الرَّمْيَة.
إن الفتاة المسكينة، من فرط سذاجتها أو سذاجة من لقنوها هذا الكلام، تظن أن الله يكون موجودا تلقاء أبصارنا حين نرفعها إلى السماء، وأنه سبحانه وتعالى حين ينهانا عن ذلك إنما يريد أن يسدل بيننا وبينه ستارا يحجبه عنا كيلا تكون بيننا وبينه صلة مباشرة. وهى، بظنها ذاك، تحدد وجوده عز وجل بمكان واحد، غافلة عن أن الله أكبر من الأمكنة والأزمنة لأنه خالق الأمكنة والأزمنة فلا تحتويه أبدا. وثم حديث قدسى رواه ابن تيمية فى "مجموع الفتاوى" يقول: "ما وسعني أرضي ولا سمائي، ووسعني قلب عبدي المؤمن النقي التقي الوادع اللين"، والعلماء لا يرتاحون إلى ذلك الحديث، وأقصى ما حكم به بعضهم عليه أنه "مأثور". ومع هذا فهو مفهوم ومقبول، ومعناه أن المؤمن يستطيع أن يسع الله فى قلبه وعقله وضميره إيمانا به وحبا له واشتغالا بتمجيده وعبادته وخشية منه وفرحة بشعوره بالقرب منه، فى الوقت الذى لا تسعه سبحانه لا الأرض ولا السماء لأنه سبحانه أكبر من الأرضين والسماوات والكون كله، فهو خالق الأرض والسماء والدنيا جميعا. وقد طلب النبى موسى، وهو من هو؟، أن يراه سبحانه، فقال له ربه: "لن ترانى، ولكن انظر إلى الجبل. فإن استقر مكانه فسوف ترانى. فلما تجلى ربُّه للجبل جعله دَكًّا، وخَرَّ موسى صَعِقًا". ومع هذا فقد بلغت الوثنية فى الكتاب المقدس إلى المدى الذى زَعَم فيه مؤلفوه أن عددا من الأنبياء قد رأوه سبحانه عيانا بيانا، وكأنه جل جلاله مخلوق من المخلوقات يمكن أن يتجسد ويحتويه المكان! فماذا تريد تلك الرعناء؟
وإذا كانت المسكينة ترى فى النهى عن رفع البصر إلى السماء أثناء الصلاة ما يحقر من شأن المصلى لقد كان ينبغى أن يكون نفورها من السجود مثلا أشد وأفدح، إذ هو، بكلّ يقينٍ، أبعد مدى فى صرف البصر عن السماء. أليس كذلك؟ ومع هذا فهى لم تشغب على السجود، وشغبت على النهى عن رفع البصر نحو السماء. فكيف ذلك؟ ألا يرى القراء مدى السطحية فى تفكير المسكينة؟ ولا يظنن القراء الكرام أن السجود هو من سمات الصلاة فى الإسلام وحده، فهو من سمات الصلاة فى دين الأنبياء كلهم من إبراهيم إلى عيسى، عليهم جميعا السلام. وهذه شواهد من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد معا: "فَخَرَّ الرَّجُلُ وَسَجَدَ لِلرَّبِّ" (تكوين/ 24/ 26)، "وَكَانَ عِنْدَمَا سَمِعَ عَبْدُ إِبْرَاهِيمَ كَلاَمَهُمْ أَنَّهُ سَجَدَ لِلرَّبِّ إِلَى الأَرْضِ" (تكوين/ 24/ 52)، "فَآمَنَ الشَّعْبُ. وَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّ الرَّبَّ افْتَقَدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّهُ نَظَرَ مَذَلَّتَهُمْ، خَرُّوا وَسَجَدُوا" (خروج/ 4/ 31)، "وَقَالَ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلَى الرَّبِّ أَنْتَ وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو، وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، وَاسْجُدُوا مِنْ بَعِيدٍ" (خروج/ 24/ 1)، "وَبَكَّرُوا فِي الصَّبَاحِ وَسَجَدُوا أَمَامَ الرَّبِّ" (صمويل الأول/ 1/ 19)، "وَصَلَ دَاوُدُ إِلَى الْقِمَّةِ حَيْثُ سَجَدَ ِللهِ" (صمويل الثانى/ 15/ 32)، "وَكَانَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَنْظُرُونَ عِنْدَ نُزُولِ النَّارِ وَمَجْدِ الرَّبِّ عَلَى الْبَيْتِ، وَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ عَلَى الْبَلاَطِ الْمُجَزَّعِ، وَسَجَدُوا وَحَمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ وَإِلَى الأَبَدِ رَحْمَتُهُ" (أخبار الأيام الثانى/ 7/ 2)، "وَبَارَكَ عَزْرَا الرَّبَّ الإِلهَ الْعَظِيمَ. وَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: «آمِينَ، آمِينَ!» رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ، وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ" (نحميا/ 8/ 6)، "هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبِّ خَالِقِنَا" (مزامير/ 95/ 6)، "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ» " (متى/ 4/ 10).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقالت البنت المتنصرة أيضا إنها، منذ وقت طويل، كانت تشفق على النصارى. لماذا؟ هكذا سألها مقدم البرنامج، فكان جوابها أن فى القرآن آية تقول عن المسيح واليهود: "وما قتلوه وما صلبوه، ولكنْ شُبِّه لهم"، فكيف يترك الله البشر طوال كل تلك القرون فى عماية من حقيقة الأمر يظنون أن المصلوب المقتول هو عيسى، على حين أنه كان شخصا آخر؟ ثم ما ذنب هذا الشخص الآخر حتى يُصْلَب ويُقْتَل دون ذنب جناه؟ وكما هو واضح هنا أيضا فليست هناك أية علاقة بين الأمرين، إذ إن أقصى ما يمكن أن يقال هو أن ثمة خطأ تاريخيا فى الآية. أما أن يقال إنها تبعث على الشفقة فى النصارى فهو ما لا يستطيع أى عاقل أن يفهمه أو يقبله.
وفضلا عن هذا فمن الواضح أنها تظن أن النصارى المثلثين هم النصارى الوحيدون فلا نصارى سواهم، وهو جهل سخيف، إذ النصارى الحقيقيون الأصلاء هم الذين يعتقدون أن عيسى هو عبد الله ورسوله ليس غير، إلا أنه سرعان ما ظهرت، بعد توفى الله نبيه عليه السلام إليه، فرقة وثنية زعيمها بولس اليهودى الأصل تدعى أنه عليه السلام ابن الرب، ووقعت بسبب ذلك اختلافات حادة بين الفريقين، وعُقِدت بعد ذلك بزمن طويل عدة مجامع مقدسة لمناقشة تلك القضية كانت الكفة فيها فى مبدإ الأمر لصالح المؤمنين الصادقين، لكن المؤامرات وتدخلات بعض الملوك الذين تلطخت عقولهم وقلوبهم بحمأة الوثنية قد حولت الدفة لصالح المثلِّثِين. ومع هذا فلا يزال هناك نصارى كثيرون جدا حتى يوم الناس هذا لا يؤمنون بعيسى إلا بوصفه نبيا لا يزيد عن ذلك شعرة واحدة. على أن الغالبية الساحقة من الغربيين النصارى اسما، وكثيرا جدا من أمثالهم من غير الغربيين، لا يعتقدون فى صحة النصرانية أصلا. ولقد كان ينبغى أن يساعد هذا تلك المسكينة على فهم الأمور فهما أوضح وأحجى، إلا أن الرعونة والسذاجة والجهل من ناحية، والخبث والدهاء والكذب من الناحية الأخرى، قد فعلت فعلها فى عقل تلك البنت التى من الواضح أن فى مسألتها شيئا خفيًّا لم يتضح بعد يمكن أن يفسر الأمر على حقيقته.
هذه واحدة، والثانية هى أن الكتاب المقدس وما فيه من قصص ليس معصوما من الخطإ. ولقد بلغ الأمر المدى الذى عدّل أصحابه اعتقادهم فيه فجعلوا يقولون إنه من حيث العقائد والتشريعات وما إلى ذلك لا يعرف سوى الصواب، بخلاف ما يتضمنه من مسائل التاريخ والجغرافية والحساب وغيرها من مكتسبات المعرفة البشرية، فهذه قابلة للخطإ لأنها تعكس المعارف المحدودة لمؤلفى ذلك الكتاب. والحق أن الكتاب المقدس يعجّ بالأخطاء من كل لون وصنف حتى فيما يتصل بالعقيدة والأخلاق والتشريعات: فمثلا هل يمكن أن يكون آدم ابن الله، أو أن يندم الله أو يحقد على الإنسان أو يكون بحاجة إلى أن يستريح؟ ومع هذا فالكتاب المقدس ينسب إليه سبحانه هذا كله. ترى هل يصح أن يقول كاتب سفر الخروج فى موضع إن ابنة فرعون انتشلت تابوت موسى الرضيع من الماء وإنها سمته بهذا الاسم لهذا السبب، وفى موضع آخر إن أخت موسى ظلت تحمل تابوته إلى أن وصلت قبالة قصر فرعون فوضعته على الشط بين الحلفاء، ومن ثم لم يوضع فى النهر بتاتا لا فى البداية ولا فى النهاية؟ ومع هذا فقد وقع الكاتب فى ذلك التناقض المضحك. ترى هل من الممكن عقلا أو واقعا أن يكون أصغر أبناء الرجل أكبر من أبيه بعامين؟ ومع هذا يقول مؤلفو الكتاب المقدس ذلك الكلام الأبله عن أحد الملوك وابنه! هل تعرف المسكينة أن مؤلفى الكتاب المقدس لم يتركوا تقريبا نبيا ولا رسولا إلا لوثوا سمعته وشوهوا سيرته: فنسبوا إلى سيدنا إبراهيم الدياثة، وإلى لوط الزنا بالمحارم، وإلى يعقوب الكذب والحسد والغش، وإلى موسى القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وإلى هارون صُنْع العجل ليعبده بنو إسرائيل ويرقصوا حوله عرايا، وإلى داود الزنا بامرأة قائد جيشه وجاره ثم اغتياله، وإلى سليمان مساعدة زوجاته على ممارسة الوثنية وعبادة الأصنام ... إلخ؟ هل قرأت البنت الرعناء نسب السيد المسيح فى الأناجيل ورأت التناقضات العجيبة بين ما قاله متى وما قاله لوقا؟ هل اطلعت على قصة الصلب ذاتها فى الأناجيل وقارنت بعضها ببعض وتنبهت إلى ما تنبه له كل الدارسين من نصارى وغيرهم من أنها قصة مضطربة لا تستقيم أمام العقل أبدا جَرّاء الاختلافات الحادة بين كل تفصيلة ونظيرتها بين تلك الأناجيل؟ هذا،
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم نتطرق من بعيد أو من قريب إلى الأناجيل الأخرى التى تُعَدّ بالمئات، بل اقتصرنا على الأناجيل التى اعتمدتها الكنيسة. فهل يصح أن تتخذ البنت المسكينة ذلك الكتاب مقياسا للصواب والخطإ تحاكم القرآن إليه فى قضية الصَّلْب أو سواها؟
ولقد ظلت الكنيسة تحمّل اليهود على مدار القرون جريمة صلب عيسى عليه السلام، ثم رأيناها فى ستينات القرن الماضى تنسى هذا كله كأن لم يكن، وتبرئ جميع اليهود ما عدا الذين صلبوا المسيح فى زعمهم. فكيف أساغ ضمير البنت الرعناء هذا، وهى التى تستغرب كيف أن القرآن قد صحح الخطأ الذى وقع فيه الناس طوال أزمان بخصوص حقيقة الشخص المصلوب؟ الواقع أنه ليس هناك فرق بين الحالتين، إذ الكنيسة تدعى لنفسها العصمة، مَثَلُها مَثَلُ الإله سواء بسواء! كذلك هل صَلْب المسيح هو وحده الأمر الذى ظل فريق من البشر يعتقد صحته خطأ لمدة متطاولة؟ ترى ماذا تقول فى عُبّاد البقرة؟ هل توافقهم على أنها إله؟ إنهم يؤمنون بهذا لا منذ قرون فقط، بل منذ آلاف السنين. فلماذا تركهم الله طيلة هذا الزمن السحيق دون أن يرسل إليهم من يقول لهم صراحة إنكم مخطئون ثم لا يدعهم إلا وهم موحِّدون؟ بل ماذا تقول فيما قرره القرآن فى مسألة الصلب وأن عيسى عليه السلام لم يُصْلَب ولم يُقْتَل؟ ترى لماذا ترك الله سبحانه المسلمين فى عمايتهم (من وجهة نظر النصارى حسبما يزعمون) فلم يرسل من يصحح لهم الخطأ الذى ضللهم به نبيهم؟ بل لماذا ترك الله اليهود يقتلون المسيح ظلما وعدوانا إذ لم يجترح ما يستحق الصلب بسببه؟ هل يعرف أحد على وجه اليقين علاقة ثورة يوليه بالمخابرات الأمريكية؟ إن هناك من يتهم رجالها بأنهم ضالعون معها، وهناك من يؤكد أنها ثورة تحررية كانت على عداء طوال الوقت مع الأمريكان. فأين الحقيقة؟ لا أحد يدرى، وما زال الناس منقسمين بهذا الشأن. ترى هل هناك من هو موقن يقينا جازما بسر مقتل عبد الحكيم عامر؟ ذلك أن ثمة من يقول إنه انتحر، وفى ذات الوقت ثمة من يتهمون عبد الناصر باغتياله. وما زال الاختلاف فى هذه القضية مستمرا. وبالمثل من قتل كيندى الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية؟ ومن قتل مارلين مونرو؟ ومن نفذ أحداث سبتمبر 2001م فى الولايات المتحدة الأمريكية؟ الآراء والنظريات مختلفة إلى حد التناقض. والأمثلة لا تنتهى كما هو معروف، فالتاريخ معظمه تخمينات. بل لماذا يترك الله البشر يعانون الويلات من هذا المرض أو ذاك دهورا متطاولة دون أن يهديهم من البداية إلى علاجه كالبلهارسيا مثلا التى كانت معروفة منذ قدماء المصريين على الأقل؟ بل لماذا كان هناك ظلم واستبداد وسرقة وقتل ومؤامرات وحروب ودمار واغتيالات ... دون أن يلوح فى الأفق أن شيئا من ذلك إلى زوال؟ بل لماذا خلق الله الكَبَد والتعب والشقاء فى الدنيا، ولم يجعلها سعادة نقية لا تشوبها شائبة؟
ولسوف ننظر معا فى النصوص الخاصة بالموضوع الذى نحن بإزائه، وهو موضوع محاكمة للمسيح عليه السلام وصلبه ودفنه وقيامته من الموت طبقا لروايات مؤلفى الأناجيل. ولسوف نورد النصوص أولا ثم نثنِّى بتحليلها ومقارنة بعضها ببعض لنرى مدى اتساقها أو اختلافها أو تناقضها، ومن ثم مدى جواز الاستناد إليها فى كتابة التاريخ. ونبدأ بنصوص المحاكمة:
متى (ف 27): "11فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قَائِلاً: أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُول. 12وَبَيْنَمَا كَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِشَيْءٍ. 13فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَمَا تَسْمَعُ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ؟ 14فَلَمْ يُجِبْهُ وَلاَ عَنْ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى تَعَجَّبَ الْوَالِي جِدًّا.15وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَادًا فِي الْعِيدِ أَنْ يُطْلِقَ لِلْجَمْعِ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ أَرَادُوهُ. 16وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسَ. 17فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُس: مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟ 18لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. 19وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً:
(يُتْبَعُ)
(/)
إِيَّاكَ وَذَلِكَ الْبَارَّ، لأَنِّي تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِي حُلْمٍ مِنْ أَجْلِه. 20وَلَكِنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخَ حَرَّضُوا الْجُمُوعَ عَلَى أَنْ يَطْلُبُوا بَارَابَاسَ وَيُهْلِكُوا يَسُوعَ. 21فَأَجَابَ الْوَالِي وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ مِنْ الاِثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: بَارَابَاسَ! 22قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟ قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: لِيُصْلَبْ! 23فَقَالَ الْوَالِي: وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخًا قَائِلِينَ: لِيُصْلَبْ! 24فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ! 25فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وَقَالوُا: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا. 26حِينَئِذٍ أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَمَّا يَسُوعُ فَجَلَدَهُ وَأَسْلَمَهُ لِيُصْلَبَ. 27فَأَخَذَ عَسْكَرُ الْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْكَتِيبَةِ، 28فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًَّا، 29وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ! 30وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ. 31وَبَعْدَ مَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ".
مرقس (ف 15) "1وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. 2فَسَألَه بِيلاَطُسُ: أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَقُول. 3وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. 4فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضًا قائِلاً: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ انْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ! 5فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ. 6وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. 7وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. 9فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟ 10لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. 11فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. 12فَأَجابَ بيِلاطُس ُأيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟ 13فَصَرَخُوا أَيْضًا: اصْلِبْهُ! 14فقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا: اصْلِبْهُ! 15فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ َنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ. 16فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ.17وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، 18وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ! 19وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. 20وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. 21فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازًا كَانَ
(يُتْبَعُ)
(/)
آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ".
لوقا (ف 15 - 16): "1وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. 2فَسَألَه بِيلاَطُسُ: أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَقُول. 3وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. 4فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضًا قائِلاً: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ انْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ. 5فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ. 6وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ. 7وَكَانَ الْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقًا مَعَ رُفَقَائِهِ فِي الْفِتْنَةِ الَّذِينَ فِي الْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8فَصَرَخَ الْجَمْعُ وَابْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِمًا يَفْعَلُ لَهُمْ. 9فَأَجَابَهُمْ بِيلاَطُسُ: أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟ 10لأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. 11فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِالْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. 12فَأَجابَ بيِلاطُس ُأيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟ 13فَصَرَخُوا أَيْضًا: اصْلِبْهُ! 14فقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟ فَازْدَادُوا جِدًّا صُرَاخًا: اصْلِبْهُ! 15فَبِيلاَطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ َنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ، بَعْدَمَا جَلَدَهُ، لِيُصْلَبَ. 16فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ، الَّتِي هِيَ دَارُ الْوِلاَيَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ.17وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُوانًا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، 18وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ! 19وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. 20وَبَعْدَمَا اسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ. 21فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازًا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ".
يوحنا (ف 18 - 19): "28ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. 29فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ؟ 30أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ! 31فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُم. فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدا. 32لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ.33ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ 34أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟ 35أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟ 36أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا. 37فَقَالَ لَهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي. 38قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: مَا هُوَ الْحَقُّ؟ وَلَمَّا قَالَ هَذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. 39وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟ 40فَصَرَخُوا أَيْضًا جَمِيعُهُمْ قَائِليِنَ: لَيْسَ هَذَا بَلْ بَارَابَاسَ! وَكَانَ بَارَابَاسُ لِصًّا. 19 - 1فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. 2وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوانٍ، 3وَكَانُوا يَقُولُونَ: السّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ! وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. 4فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا خَارِجًا وَقَالَ لَهُمْ: هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَة. 5فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجًا وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: هُوَذَا الإِنْسَانُ!. 6فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِليِنَ: اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ! قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّة. 7أَجَابَهُ الْيَهُودُ: لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللَّه. 8فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفًا. 9فَدَخَلَ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا. 10فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟ 11أَجَابَ يَسُوعُ: لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذَلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَم. 12مِنْ هَذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلَكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِليِنَ: إِنْ أَطْلَقْتَ هَذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!.13فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هَذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْبَلاَط وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ جَبَّاثَا. 14وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: هُوَذَا مَلِكُكُمْ! 15فَصَرَخُوا: خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ! قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟ أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ! 16فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ".
ومن خلال القراءة لنصوص الأناجيل فى هذه الواقعة يتبين لنا الآتى: أن ثمة تناقضا بين رواية يوحنا من جهة وروايات المؤلفين الثلاثة الآخرين من جهة أخرى، فعلى حين يتفق هؤلاء الثلاثة فى أن عيسى بن مريم لم يجب الوالى بأى شىء، اللهم سوى رده بكلمة "أنت قلت" على سؤاله: "أنت ملك اليهود؟ "، نراه عليه السلام فى إنجيل يوحنا يناقش الوالى ويجادله ويشرح له موقفه وعقيدته وكيف أنه أتى إلى العالم من أجل مهمة محددة لولا هى لسارع إلى إنقاذه من سماهم: "خُدَّامِى". وها هما ذان النصان، وهما يدلان على أننا أمام روايتين لا يمكن التوفيق بينهما بحال مهما كان الموفِّق بهلوانيا عريقا فى البهلوانية. وسوف أكتفى، من الروايات الثلاث المتفقة، برواية مرقس لأنها، فيما يخص كلام السيد المسيح فى رده على الوالى بيلاطس وصَمْته التام فيما عدا عبارة "أنت قلت"، لا تختلف عن الروايتين الأُخْرَيَيْن فى شىء، وهذه هى أولا: "15 1وَلِلْوَقْتِ فِي الصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَالْكَتَبَةُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. 2فَسَألَه بِيلاَطُسُ: أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ تَقُول. 3وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيرًا. 4فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ أَيْضًا قائِلاً: أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ انْظُرْ كَمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ! 5فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاَطُسُ. 6وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ طَلَبُوهُ"، ثم ها هى ذى رواية يوحنا: "28ثُمَّ جَاءُوا بِيَسُوعَ مِنْ عِنْدِ قَيَافَا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ، وَكَانَ صُبْحٌ. وَلَمْ يَدْخُلُوا هُمْ إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ لِكَيْ لاَ يَتَنَجَّسُوا، فَيَأْكُلُونَ الْفِصْحَ. 29فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَيَّةَ شِكَايَةٍ تُقَدِّمُونَ عَلَى هَذَا الإِنْسَانِ؟ 30أَجَابُوا وَقَالُوا لَهُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلَ شَرٍّ لَمَا كُنَّا قَدْ سَلَّمْنَاهُ إِلَيْكَ! 31فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاحْكُمُوا عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِكُم. فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْتُلَ أَحَدا. 32لِيَتِمَّ قَوْلُ يَسُوعَ الَّذِي قَالَهُ مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ.33ثُمَّ دَخَلَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَدَعَا يَسُوعَ، وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ 34أَجَابَهُ يَسُوعُ: أَمِنْ ذَاتِكَ تَقُولُ هَذَا، أَمْ آخَرُونَ قَالُوا لَكَ عَنِّي؟ 35أَجَابَهُ بِيلاَطُسُ: أَلَعَلِّي أَنَا يَهُودِيٌّ؟ أُمَّتُكَ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ أَسْلَمُوكَ إِلَيَّ. مَاذَا فَعَلْتَ؟ 36أَجَابَ يَسُوعُ: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا. 37فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: أَفَأَنْتَ إِذًا مَلِكٌ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: أَنْتَ تَقُولُ: إِنِّي مَلِكٌ. لِهَذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي. 38قَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: مَا هُوَ الْحَقُّ؟ وَلَمَّا قَالَ هَذَا خَرَجَ أَيْضًا إِلَى الْيَهُودِ وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. 39وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِدًا فِي الْفِصْحِ. أَفَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ الْيَهُودِ؟ ".
ولست أحسب الأمر الآن إلا قد اتضح تماما بحيث لا يمكن أن يخطر فى ذهن عاقل، أو حتى مجنون، أن هناك شبهةَ إمكانيةٍ للتوفيق بين الحكايتين. لو أن الأمر اقتصر على أن بعض الروايات قد أَوْجَزَتْ، وبعضها الآخر قد فَصَّل لما كانت هناك مشكلة لأن هذا لا يكون بالضرورة تناقضا، أما أن تقول بعض الروايات إنه لم يردّ على أى سؤال وجهه له بيلاطس، وتقول رواية أخرى إنه أجاب على كل أسئلة الوالى، فمن المؤكد أن ثمة خللا كبيرا وشيئا فاسدا يحتاج إلى الشعور بالخجل من الزعم بأن هذه اللخبطات هى وحى إلهى.
كذلك هناك مشكلة باراباس: فهل كان لصا كما تقول بعض الروايات؟ أم هل كان أحد المشاركين فى الفتنة وأعمال القتل طبقا لما ورد فى رواية أخرى؟ هذه أيضا مشكلة! وفوق ذلك لدينا فى رواية لوقا أن بيلاطس لم يحكم على السيد المسيح ابتداءً، بل انتهز معرفته، أثناء مداولاته مع اليهود، بأنه من الجليل فحوّله إلى هيرودس، الذى يقول لوقا إنه كان متشوقا لرؤية المسيح لعله يستطيع أن يصنع أمامه آية. أما فى الروايات الأخرى فقد حكم عليه بيلاطس منذ البداية دون الرجوع لهيرودس. فكيف نحل هذه أيضا؟ الواقع أَنْ ليس هناك ما يمكن الاستناد إليه فى التوفيق بين الروايات فى هذه النقطة بأى حال أو على أى وضع!
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى روايات الصَّلْب نجد ذات العجب: ففى بعض الروايات أن الذى حمل الصليب الخاص بصلب المسيح رجل من القيروان (القيروان التى لم تُبْنَ إلا بعد ذلك بنحو ألف عام!) اسمه سمعان، أما عند يوحنا فالذى حمل صليب المسيح هو المسيح ذاته وليس شخصا آخر لا من القيروان ولا من الظهران ولا من أم درمان. ثم عندنا الرجلان اللذان صُلِبا معه: واحد عن يمينه، والآخر عن يساره، واللذان تقول بعض الروايات إنهما كانا يعيّرانه ويتهكمان عليه مع المتهكمين، على حين يقول يوحنا إن مصلوبا واحدا هو فقط الذى كان يسخر به، أما الآخر فكان يقرِّع زميله الساخر ويدافع عن عيسى عليه السلام، بل ويناديه: "يا ربى"، طالبًا منه أن يتذكره فى ملكوت السماوات، فيرد عليه المسيح مؤكدا له أنه سوف يكون معه فى الفردوس! والآن: أنت أيها القارئ من أى الشيعتين؟ عليك أن تضرب الودع كى تعرف الحقيقة وسط هذا الركام من الخيوط المتشابكة المعقدة، ثم تعال قابلنى!
أتعرف، أيها القارئ الكريم، أن كثيرا من الباحثين والعلماء الغربيين ينكرون وجود شخص اسمه عيسى، ويؤكدون أنه ليس سوى خرافة؟ وكل هذا بسبب تلك الروايات المضطربة التى تحير العقل وتستعصى على المنطق وتتناقض كذلك فيما بينها تناقضا لا يمكن القفز فوقه بأى حال! فإذا قلنا لهم إن كتابكم قد حُرِّف وأصابه عبث شديد شتموا سيد الأنبياء والمرسلين، ولا أدرى لماذا، مع أنه هو الوحيد الذى دافع عن المسيح وأمه، فضلا عن أن القرآن الذى نزل عليه من عند الله الواحد الأحد قد أسبغ على المسيح صفات البركة والحنان والبر والرحمة واحترام الأم وتبجيلها، نافيا عنه بذلك عار ما جاء فى الأناجيل مما يشينه شينا كبيرا، إذ يصوره كتبة تلك الأناجيل، كما قلنا، عصبيا جافيا خشنا شتاما عيابا متكبرا على المسحوقين ناظرا إليهم من عَلٍ متهما جميع الناس حتى حوارييه أنفسهم بقلة الإيمان لامزًا أمه عليها السلام هى وإخوته حين قال عنهم إنهم ليسوا أمه وإخوته، إذ أمه وإخوته هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها، بما يعنى أنهم لم يكونوا كذلك! كما ذكر القرآن أنه عليه السلام سوف ينكر يوم القيامة أشد الإنكار ما نُسِب إليه من أنه كان يدعو إلى الثالوث ويطلب من الناس اتخاذه إلها!
ثم مَنْ أولئك النسوة اللاتى كن واقفات على مقربة منه وشاهدنه يُصْلَب؟ هنا تختلف الروايات: فإحداها (وهى الرواية الموجودة فى الإنجيل الذى يحمل اسم يوحنا) تذكر مريمين معينتين هما أمه وخالته، أما الروايات الباقيات فلا تذكر أيا من هاتين المريمين، بل تذكر مريمين أخريين! وعجيب غريب غاية العجب والغرابة ألا يأتى ذكر الأم والخالة فى الروايات التى تدور فى هذا السياق تحت أى اعتبار! واضح أن هناك تخليطا بسبب اسم مريم. وثَمّ اختلاف آخر فى الأسماء يستطيع القارئ أن يدركه بنفسه دون مساعدة من أحد. وبالمثل فإن رواية يوحنا هى الرواية الوحيدة التى تتحدث عن توصية المسيح أحد تلاميذه أن يأخذ باله من أمه، على حين لم تقل أية رواية أخرى شيئا من هذا. ذلك أن مريم ليس لها وجود فى تلك الروايات كما لاحظنا. وبالمناسبة فقد كان المسيح لا يزال، حتى وهو على الصليب، جافا جافيا مع أمه لا يترك شكاسته معها، إذ بدلا من مناداته لها بـ"يا أمى الحبيبة" مثلا نجده يقول لها: "يا امرأة"! أيمكن أن يكون هذا هو عيسى الذى أثنى القرآن عليه وعلى بِرّه بأمه؟ كذلك تختلف الروايات حول الكلمات التى قالها الضابط ومن معه حين شاهدوا هبوط الظلمة على الأرض وانشقاق حجاب الهيكل ساعة صلب المسيح، فهل قال ذلك الضابط: "حقا كان هذا ابن الله"؟ أم هل كان ما قاله هو: "بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًّا"؟ لاحظ أنه لا سبيل للتوفيق بين العبارتين، فبينهما من التباعد فى المعنى والمغزى والاعتقاد مسافة تقدَّر بملايين السنين الضوئية!
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك هل قال عيسى بن مريم حسبما تقول الأناجيل المؤلفة بأيدى البشر: "إِيلِي، إِيلِي، لَمَا شَبَقْتَنِي؟ "؟ أم هل كانت صيحته: "إِلُوِي، إِلُوِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟ (أى "يا إلهى، لماذا تركتنى؟ ")؟ أم هل قال: "يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي"؟ أم هل كل ما قاله هو: "أنا عطشان"، وبعدما بَلَّ ريقه من إسفنجة الخل التى قُدِّمَتْ له قال: "قد أُكْمِِل"، ثم فارق الحياة؟ إن معنا هاهنا أربع روايات بأربع عبارات مختلفة، وليس من أمل فى التوفيق بينها، فى أمرٍ هو أهم الأحداث فى حياة المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى سيد النبيين والمرسلين أصدق الصلوات وأحسن التساليم، فهل يليق بل هل يصح هذا؟
ثم خذ عندك أيضا حكاية الدفن: فهل الذى قام بالدفن هو يوسف الرامىّ وحده، أم هل كان معه نيقوديموس؟ هنا روايتان لا رواية واحدة. فهيا شمر عن ساعد التفكير والحيرة وحاول أن تحل ذلك اللغز أيضا بالمرة! ثم هل قام يوسف الرامىّ هذا بتطييب جسد المسيح قبل دفنه بمائة مَنٍّ من مزيج المر والعود، وكأنه كان سيطيب أجساد الموتى كلهم؟ أم هل اكتفى يا ترى بلفّه فى كتان، ثم ذهبت أمه فأعدت الأطياب، وإن لم تمكنها الفرصة لتطييبه بسبب قيامه قبل ذلك من الأموات حسبما كتب مؤلفو الأناجيل؟ وقبل ذلك كله هل الإله يحتاج إلى طيب، وهو خالق الطيب والعطور التى فى الدنيا كلها؟ بل لماذا يُطَيَّب أصلا؟ أترى الآلهة تُنْتِن؟
ولو تركنا وراء ظهورنا هذه المشكلة إلى أن يجد أحد لها حلا، وهذا مستحيل، وانتقلنا إلى موضوع آخر هو موضوع الحَجَر الذى زُحْزِح من فوق فوهة القبر المدفون فيه المسيح لوجدنا مشكلة أعقد، وكل ما فى تلك الديانة معقد تعقيدا لم تتعقده أية قضية أخرى: فهل كانت مريم أمه وخالته هما اللتين ذهبتا إلى القبر؟ أم هل كانت مريم المجدلية ومريم الأخرى؟ أم هل كانت المجدلية وحدها؟ وهل كان ذلك فى غلس الظلام؟ أم هل كان عند الفجر؟ أم هل كان بعد بزوغ الشمس؟ وهل دخلت مَنْ ذهبتْ هناك إلى القبر أو لم تدخله وانصرفت كما جاءت؟ وهل كان هناك ملاك واحد أو اثنان أو شابّ أو لم يكن هناك ملائكة ولا ناس بالمرة؟ وهل كل الذى قيل هو أن يسوع قام من الأموات وينتظر تلاميذه فى الجليل؟ أم هل قيل كلام أكثر من ذلك؟ وهل أتى بعض التلاميذ للقبر ليتأكدوا مما حدث أَوْ لا؟ وهل لمست مريم المسيح كما جاء فى الرواية التى تقول إنها ورفيقتها أمسكتا بقدميه وسجدتا له؟ أم هل منعها عليه السلام من لمسه بذريعة أنه لم يصعد بعد إلى السماء، وكأنها بعد صعوده للسماء ستراه مرة أخرى وتلمسه كما تحب؟ والمضحك أنه بعد كل ما قاله لها عن "أبيه وأبيهم وإلهه وإلههم" نسمعها تقول إنها قد رأت "ربّها"! وها هى ذى النصوص أضعها أمام القارئ ليقارن بينها ويتحقق من الأمر بنفسه:
متى (ف 27 - 28): "62وَفِي الْغَدِ الَّذِي بَعْدَ الاِسْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ 63قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. 64فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلا يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى! 65فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُون. 66فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ. 28 - 1وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ. 2وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. 3وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَالْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَالثَّلْجِ. 4فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ. 5فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لِلْمَرْأَتَيْنِ: لاَ تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. 6لَيْسَ هُوَ هَهُنَا، لأَنَّهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
قَامَ كَمَا قَالَ! هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعًا فِيهِ. 7وَاذْهَبَا سَرِيعًا قُولاَ لِتَلاَمِيذِهِ: إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا. 8فَخَرَجَتَا سَرِيعًا مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ، رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ. 9وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: سَلاَمٌ لَكُمَا. فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. 10فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: لاَ تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولاَ لإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي".
مرقس (ف 16): "1وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطًا لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. 2وَبَاكِرًا جِدًّا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ. 3وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟ 4فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا. 5وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابًّا جَالِسًا عَنِ الْيَمِينِ لاَبِسًا حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَانْدَهَشْنَ. 6فَقَالَ لَهُنَّ: لاَ تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! لَيْسَ هُوَ هَهُنَا. هُوَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. 7لَكِنِ اذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلاَمِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ: إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُم. 8فَخَرَجْنَ سَرِيعًا وَهَرَبْنَ مِنَ الْقَبْرِ، لأَنَّ الرِّعْدَةَ وَالْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئًا لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ. 9وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. 10فَذَهَبَتْ هَذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. 11فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا".
لوقا (ف 24): "1ثُمَّ فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ، أَوَّلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاَتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ. 2فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ مُدَحْرَجًا عَنِ الْقَبْرِ، 3فَدَخَلْنَ وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ الرَّبِّ يَسُوعَ. 4وَفِيمَا هُنَّ مُحْتَارَاتٌ فِي ذَلِكَ، إِذَا رَجُلاَنِ وَقَفَا بِهِنَّ بِثِيَابٍ بَرَّاقَةٍ. 5وَإِذْ كُنَّ خَائِفَاتٍ وَمُنَكِّسَاتٍ وُجُوهَهُنَّ إِلَى الأَرْضِ، قَالاَ لَهُنَّ: لِمَاذَا تَطْلُبْنَ الْحَيَّ بَيْنَ الأَمْوَاتِ؟ 6لَيْسَ هُوَ هَهُنَا، لَكِنَّهُ قَامَ! اُذْكُرْنَ كَيْفَ كَلَّمَكُنَّ وَهُوَ بَعْدُ فِي الْجَلِيلِ 7قَائِلاً: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُوم. 8فَتَذَكَّرْنَ كَلاَمَهُ، 9وَرَجَعْنَ مِنَ الْقَبْرِ، وَأَخْبَرْنَ الأَحَدَ عَشَرَ وَجَمِيعَ الْبَاقِينَ بِهَذَا كُلِّهِ. 10وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَيُوَنَّا وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَالْبَاقِيَاتُ مَعَهُنَّ، اللَّوَاتِي قُلْنَ هَذَا لِلرُّسُلِ. 11فَتَرَاءَى كَلاَمُهُنَّ لَهُمْ كَالْهَذَيَانِ وَلَمْ يُصَدِّقُوهُنَّ. 12فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، فَانْحَنَى وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّبًا فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ".
(يُتْبَعُ)
(/)
يوحنا (ف 20): "1وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظّلاَمُ بَاقٍ. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ. 2فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَإِلَى التِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ! 3فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. 4وَكَانَ الاِثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ، 5 وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. 6ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، 7وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. 8فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضًا التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي جَاءَ أَوَّلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ، 9لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الأَمْوَاتِ. 10فَمَضَى التِّلْمِيذَانِ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِهِمَا. 11أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ الْقَبْرِ خَارِجًا تَبْكِي. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ، 12فَنَظَرَتْ مَلاَكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ جَالِسَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ، حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوْضُوعًا. 13فَقَالاَ لَهَا: يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ قَالَتْ لَهُمَا: إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ! 14وَلَمَّا قَالَتْ هَذَا الْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ. 15قَالَ لَهَا يَسُوعُ: يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟ فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا سَيِّدُ إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُه. 16قَالَ لَهَا يَسُوعُ: يَا مَرْيَم فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: رَبُّونِي! الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ. 17قَالَ لَهَا يَسُوعُ: لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُم. 18فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ التَّلاَمِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هَذَا".
ويتبقى لنا المشهد الأخير من قصة المسيح، وهو الخاص بظهوره لحوارييه بعد قيامه من الأموات على ما يقول القوم لا على ما نقول نحن. وسوف أورد أولا ما قاله كل من مؤلفى الأناجيل ثم أعقب عليه بملاحظاتى تاركا كل قارئ يكوّن رأيه فيما بينه وبين نفسه:
متى (ف 28): "16وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ. 17وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا. 18فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، 19فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ.20وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْر. آمِينَ". وهنا نلاحظ أن عيسى بن مريم عليه السلام قد قابل أحد عشر حواريا فقط لا غير، فعدد الحواريين قد نقص واحدا بعد سقوط يهوذا، الذى لا أدرى لماذا استُبْعِد، مع أنه كان ينبغى أن يكون أقربهم الآن إلى معلمه وأحظاهم لديه لو كانت الأمور هنا تسير على منطق العقل، إذ لولا أنه ساعد اليهود على القبض عليه وصلبه فكيف كانت الخطة الإلهية لغفران الذنوب البشرية المتلتلة تتم؟ ما علينا! المهم أنه قابل تلاميذه وأنهم سجدوا له، وإن كان بعضهم شك
(يُتْبَعُ)
(/)
فيه، وأن عيسى أخبرهم أنه قد أخذ كل سلطان فى السماء والأرض، بما يعنى أن الآب قد تنازل له عن صلاحياته جميعا لأن المثل يقول: "إنْ كَبِرَ ابنُك خاوِه"، مع أن الأمر الآن ليس مخاواة، بل سلبا لجميع السطات من بابا وشطبه بأستيكة! فلننتقل الآن إلى مرقس لنرى ماذا قال هو أيضا:
مرقس (ف 16): "9وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. 10فَذَهَبَتْ هَذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. 11فَلَمَّا سَمِعَ أُولَئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا. 12وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. 13وَذَهَبَ هَذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هَذَيْنِ. 14أَخِيرًا ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا الَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ. 15وَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. 16مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ. 17وَهَذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. 18يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُون. 19ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. 20وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ".
ومن الواضح أن الكلام هنا غيره هناك، فالحواريون هنا لم يسجدوا ولا صدّقوا، بل شكّوا كلهم، على عكس ما سمعناه من السيد متّى، الذى قال إن الشك كان من بعضهم فقط. كما أن المسيح هنا قد وبخهم للمرة اللاأدرى كم، وكأنه كان يتلذذ بتسفيههم وتحقير إيمانهم فى كل فرصة تسنح، وهو ما يدفعنا للقول بأنه إذا كان الحواريون أنفسهم قليلى الإيمان وقساة القلوب إلى هذا الحد، فكيف يكون حال المؤمنين العاديين؟ لا شك أن رأيه عليه الصلاة والسلام فيهم لا يسر عدوا ولا صديقا. لكننا لن نقف أمام هذه النقطة طويلا رغم خطورتها. وبالمثل فنحن هنا نسمع شيئا جديدا لم نسمعه هناك، فعيسى بن مريم يبشرهم أن كل مؤمن سيكون عنده المقدرة على شفاء جميع الأمراض، والتعرض للحيّات دون خوف عليه، وكذلك شرب السم دون أن يؤثر فيهم. حواةٌ هم إذن ورفاعية، وهذا النوع من البشر متوفر فى مصر، والواحد منهم (فيما أسمع) على استعداد لإخراج ما شئت من ثعابين من شقوق جدران بيتك! وكان منهم عم شاهين بياع الجاز (على العربية أم حصان) بالقرية فى طفولتنا، وكان يحمل معه دائما مخلاة فيها عدد من الثعابين يفتحها كلما خَفَّتْ أرجل الزبائن ويخرجها ويلعب بهاأمامنا، وكنا ننظر له مبهورين، وكنت أنا بالذات أحسده، وأتمنى أن أكون مثله، ولم أكن أعلم وقتها أنه يصنع ما يصنعه تلاميذ المعلم دون كرازةٍ ولا أَخْذِ سلطانٍ من الرب ولا دياولو، بل حاجة ع الماشى كده! وكلما تذكرت عم شاهين ومخلاته تلذعنى الحسرة على أننى لم أصبح مثله رغم أننى ألاعب الآن حيات البشر الذين يلدغون الضمائر ويقتلون العقول لو استطاعوا، وأثرّم لهم أسنانهم وأفرّج عليهم الأطفال والكبار على السواء وأجعل الذى لا يشترى يتفرج، وكله ببلاش لوجه الله!
(يُتْبَعُ)
(/)
وهنا نتوقف وننتقل إلى ما كتب السيد لوقا (ف 24):"13وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا عِمْوَاس. 14وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ. 15وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. 16وَلَكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ. 17فَقَالَ لَهُمَا: مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟ 18فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الَّذِي اسْمُهُ كَِلْيُوبَاسُ: هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟ 19فَقَالَ لَهُمَا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالاَ: الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. 20كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ. 21وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ، مَعَ هَذَا كُلِّهِ، الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذَلِكَ. 22بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِرًا عِنْدَ الْقَبْرِ، 23وَلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلاَتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. 24وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلَى الْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هَكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضًا النِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْه. 25فَقَالَ لَهُمَا: أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ 26أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟ 27ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ.28ثُمَّ اقْتَرَبُوا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ. 29فَأَلْزَمَاهُ قَائِلَيْنِ: امْكُثْ مَعَنَا، لأَنَّهُ نَحْوُ الْمَسَاءِ وَقَدْ مَالَ النَّهَار. فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. 30فَلَمَّا اتَّكَأَ مَعَهُمَا أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، 31فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا، 32فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟ 33فَقَامَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَرَجَعَا إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ مُجْتَمِعِينَ، هُمْ وَالَّذِينَ مَعَهُمْ 34وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الرَّبَّ قَامَ بِالْحَقِيقَةِ وَظَهَرَ لِسِمْعَانَ! 35وَأَمَّا هُمَا فَكَانَا يُخْبِرَانِ بِمَا حَدَثَ فِي الطَّرِيقِ، وَكَيْفَ عَرَفَاهُ عِنْدَ كَسْرِ الْخُبْزِ. 36وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسَطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: سَلاَمٌ لَكُمْ! 37فَجَزِعُوا وَخَافُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحًا. 38فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ، وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ 39اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي. 40وَحِينَ قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. 41وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ، قَالَ لَهُمْ: أَعِنْدَكُمْ هَهُنَا طَعَامٌ؟ 42فَنَاوَلُوهُ جُزْءًا مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئًا مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. 43فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ.44وَقَالَ لَهُمْ: هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِير. 45حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. 46وَقَالَ لَهُمْ: هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، 47وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدًَا مِنْ أُورُشَلِيمَ. 48وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذَلِكَ. 49وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي. 50وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. 51وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. 52فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، 53وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ. آمِين"َ.
وفى هذا النص نقرأ أن من قابله أولا وأخبر التلاميذ بقيامه من الأموات هو هذان الرجلان لا مريم. هذه واحدة، والثانية أن هذين الرجلين وصفا عيسى، وعلى مسمع منه، بأنه "إنسان نبى"! يسلم فمك يا رجل أنت وهو! إن هذا ما نقوله من الصبح، لكن القوم يشتموننا نحن ورسولنا. والثالثة أن المسيح يطلب منهما أن يجسّاه حتى يطمئنا إلى أنه هو المسيح، مع أنه سبق أنْ نهى أمه عن لمسه مجرد لمس بذريعة أنه لم يصعد بعد إلى أبيه الذى فى السماوات. طيب، فهو حتى الآن لم يصعد أيضا إلى أبيه الذى فى السماوات، فلماذا هذه التفرقة؟ والرابعة أنه رغم قوله لهم إنه لم يعد من لحم ودم نراه لا يجد طريقة يؤكد لهما من خلالها أنه هو المسيح إلا أن يناولاه بعض الطعام فيأكله، مع أن هذا الدليل هو فى نظرى آخر دليل يمكن أن يصلح هنا، إذ الروح لا تستطيع أن تأكل أكلنا ولا أن تشرب شرابنا. وهذا هو ما يعترضون به على جنة الإسلام رغم أن الإسلام لم يقل قط إن طعام الجنة أو شرابها أو نساءها ستكون كمثيلاتها فى الدنيا، بل ستكون شيئا آخر لا عين رأته من قبل ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر. والخامسة أن السجود للمسيح إنما تم بعد صعوده للسماء وليس أول ما رأوه عند خروجه من القبر. ودعنا من مسألة التناقض، وإلا فلن ننتهى إلى الأبد! والسادسة أننا هنا أمام حدوتة مختلفة تماما، وهى حدوتة تليق بعشاق "ألف ليلة وليلة" وما فيها من خيال عجائبى خِصْب من النوع الذى يسمى هذه الأيام بـ"الواقعية السحرية"! والسابعة أنه أمرهم أن يَبْقَوْا فى أورشليم حتى يفيض الله عليهم نعمته ويعطيهم القدرة على التحكم فى الشياطين والمقدرة على شفاء الأمراض، وهذا عكس ما فعل مع التلاميذ فى رواية متى ومرقس. وبالمناسبة فمن الواضح أنه نسى أنه كان أعطاهم هذا السلطان من قبل فى حياته. ولكن معلهش، فزيادة الخير خيران!
وهنا يأتى دور يوحنا (ف 20 - 21)، فلنسع روايته هو أيضا: "19وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: سلاَمٌ لَكُمْ! 20وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ. 21فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: سلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا. 22وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. 23مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَت. 24أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاِثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. 25فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ! فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِن.26وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ
(يُتْبَعُ)
(/)
كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: سلاَمٌ لَكُمْ! 27ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنا. 28أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُمْ: رَبِّي وَإِلَهِي! 29قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا.30وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هَذَا الْكِتَابِ. 31وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ. 21 - 1بَعْدَ هَذَا أَظْهَرَ أَيْضًا يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلاَمِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هَكَذَا: 2كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ الَّذِي مِنْ قَانَا الْجَلِيلِ، وَابْنَا زَبْدِي، وَاثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلاَمِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ. 3قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّد. قَالُوا لَهُ: نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضًا مَعَك. فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا السَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئًا. 4وَلَمَّا كَانَ الصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى الشَّاطِئِ. وَلَكِنَّ التَّلاَمِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. 5فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَامًا؟ أَجَابُوهُ: لاَ! 6فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا. فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. 7فَقَالَ ذَلِكَ التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: هُوَ الرَّبُّ! فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ، اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ. 8وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا بِالسَّفِينَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الأَرْضِ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ السَّمَكِ. 9فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْرًا مَوْضُوعًا وَسَمَكًا مَوْضُوعًا عَلَيْهِ وَخُبْزًا 10قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الَّذِي أَمْسَكْتُمُ الآن. 11فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلَى الأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكًا كَبِيرًا، مِئَةً وَثلاَثًا وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هَذِهِ الْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ. 12قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلُمُّوا تَغَدَّوْا!. وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التَّلاَمِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ. 13ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذَلِكَ السَّمَكَ. 14هَذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ. 15فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّك. قَالَ لَهُ: ارْعَ خِرَافِي. 16قَالَ لَهُ أَيْضًا ثَانِيَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّك. قَالَ لَهُ: ارْعَ غَنَمِي. 17قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّك. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ارْعَ غَنَمِي. 18اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلَكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لاَ تَشَاء. 19قَالَ هَذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يُمَجِّدَ اللَّهَ بِهَا. وَلَمَّا قَالَ هَذَا قَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي. 20فَالْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي اتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ الْعَشَاءِ، وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ الَّذِي يُسَلِّمُكَ؟ 21فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هَذَا قَالَ لِيَسُوعَ: يَا رَبُّ، وَهَذَا مَا لَهُ؟ 22قَالَ لَهُ يَسُوعُ: إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْتَ!. 23فَذَاعَ هَذَا الْقَوْلُ بَيْنَ الإِخْوَةِ: إِنَّ ذَلِكَ التِّلْمِيذَ لاَ يَمُوتُ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لاَ يَمُوتُ، بَلْ: إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ 24هَذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ.25وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ".
ونحن هنا مع حكاية أخرى. ولم لا، والتسلية لا تضر، وبخاصة هذه الأيام النحسات، فها هو ذا المسيح يأتى بنفسه دون سابق إنذار فيقف بين التلاميذ ويعرّفهم بنفسه. والثالثة أن المسيح قد أخذ يد توما وجعله يَجُسّ يده وجنبه حتى يطمئن ويؤمن، ثم لم يتركه دون أن يغمزه غمزة من إياها فينعته بضعف الإيمان كالعادة!
ومن ضمن ما قالته تلك المسكينة أن الإسلام يسمى البشر: عباد الله، أما فى النصرانية فهم أبناؤه وبناته كما أفهمها القساوسة. وهى ترفض أن تكون أَمَة لله، وتريد أن تكون ابنة له حرة تتمتع بشخصية مستقلة. وتعليقا على هذا نقول إن هناك فرقا بين لفظ "العبد" حين يضاف إلى الله، ولفظ "العبد" هو ذاته لدن إضافته إلى أحد من البشر: الأول يُجْمَع على "عِبَاد"، أما الثانى فعلى "عبيد" أو عُبْدَان". وهذا الفرق فى الصيغة الجمعية يعكس فرقا فى المعنى، إذ عبد البشر يعنى أنهم قد اشتروه وأنهم من ثم يملكونه، وعليه أن يصدع بالأمر الذى يصدرونه إليه دون مناقشة فيخدمهم ويلبى لهم مطالبهم دون تذمر، ووقته ملك لهم فى المقام الأول لا له، وهو أدنى منهم فى الدرجة الاجتماعية، وربما الإنسانية أيضا. وإذا كانت أنثى فيحق لسيدها أن يعاشرها ... إلى آخر ما نعرف عن العبد والعبدة (أو الأَمَة) بهذا المعنى. أما عبد الله فإن الله لا يشتريه ولا يملكه كما يملك البشر شخصا أو شيئا، بل هو خالقه ورازقه الذى ينبغى للبشر أن يؤدوا له واجب العبادة. أم ترى النصرانية ليس فيها عبادة؟ أرأى القراء كيف يتلاعب الأباليس بالألفاظ ويلبّسون على السذّج دينهم؟ كما أنه سبحانه لا يعاشر أحدا من خلقه. ومن ثم فإن "عبد الله" أقرب إلى أن يكون معناه خلق الله الذى ينبغى له أن يعبده سبحانه تأدية لواجب الحمد والتمجيد. ثم إنه سبحانه حين يأمرنا بشىء أو ينهانا عن شىء فإنه عز شأنه لا يريد منا أن نفعل ذلك عن إجبار وكراهية ودون فهم، بل عن تعقل وتدبر واقتناع وحب. لقد وهبنا سبحانه العقل والإرادة الحرة، وعلينا الاستعانة بهما فى التدبر والقبول أو الرفض، وعلينا كذلك تحمل مسؤولية الطاعة والمعصية، والإيمان والكفر.
وعلى أية حال فإن الإسلام لا ينفرد باستخدام هذا اللفظ للبشر، ففى العبرية نجد كلمة "عابد"، ومعناها حسبما نجد فى "دائرة المعارف الكتابية" هو "عبد"، وهذا نص ما جاء فى الموسوعة المذكورة تحت عنوان "عابد": "عابد: اسم عبري معناه "عبد"، ولعله اختصار لاسم "عبد إيل"، أي عبد الله". وفى كثير من أسفار العهد القديم يتكرر وصف الله سبحانه لإبراهيم ويعقوب وموسى وداود وأيوب ونبوخذنصر وزربّابل بـ"عَبْدِى"، أو "عَبْده". وفى "أخبار الأيام الأول" و"دانيال" و"رؤيا يوحنا اللاهوتى" وُصِف موسى عليه السلام بأنه "عبد الله"، وهو ذات اللقب الذى وُصِف به النبى دانيال فى السفر الأخير. أما فى أسفار "التثنية" و"يشوع" و"أخبار الأيام الثانى" فقد تكرر وصف موسى مرات بأنه "عَبْد الرب"، وكذلك وُصِف يشوع فى السفر الأخير بنفس اللقب
(يُتْبَعُ)
(/)
أكثر من مرة. ومن أسماء النصارى: "عبد الله" و"عبد الأحد" و"عبد المسيح" و"عبد الفادى"، بل كذلك "عبد الصليب" و"عبد الشهيد". أى أن النصارى يستعملون هم أيضا كلمة "عبد" مضافة إلى الرب، وإلى المسيح، بل وإلى الصليب والشهيد. وفى "رسالة بولس إلى أهل رومية" نراه يلقب نفسه بأنه "بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ". وفى "رسالته إلى أهل كورنثس" يقول: "الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ"، وهو نفس ما قاله فى "رسالته إلى أهل كولوسى" عن إنفراس. وفى "رسالته إلى تيطس" يسمى نفسه بأنه "عَبْدُ اللهِ". وفى الرسالة المنسوبة إلى يعقوب نجد كاتبها يلقبه بأنه "عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". وفى كل من الرسالتين المنسوبتين إلى بطرس ويهوذا يلقَّب كل منهما على التوالى بأنه "عبد يسوع المسيح". وفى إنجيل لوقا تسمى مريم نفسَها بـ"أَمَة الله": "46فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، 47وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، 48لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي". وقبل ذلك كله هناك عيسى، وقد تحدث عن نفسه فقال إنه يعبد الله، والله وحده. وهو ما يعنى أنه "عبد الله" لأن العبودية هنا معناها كما وضحنا آنفا أن الإنسان يمجد الله ويعبده. ذلك أنه، حين حاول الشيطان إغراءه بالسجود وتقديم واجب العبادة له أجابه قائلا حسبما قص علينا متى ولوقافى إنجيليهما: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ، وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ». ويوصف المسيح فى مواضع متعددة من العهد الجديد بأنه "عبد الله"، وهذه بعض تلك المواضع فى الترجمة الكاثوليكية واليسوعية: ففى الفقرة الثامنة عشرة من الإصحاح الثانى عشر فى الإنجيل الذى ألفه متى يقول الله عن المسيح إنه "عبدى": "هو ذا عبدي الذي اخترته، حبيبي الذي عنه رضيت. سأجعل روحي عليه فيبشر الأمم بالحق". وفى "أعمال الرسل (3/ 13): "إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا، قد مجد عبده يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام بيلاطس، وكان قد عزم على تخلية سبيله". وفى "أعمال الرسل" أيضا (3/ 26): "فمن أجلكم أولا أقام الله عبده وأرسله ليبارككم، فيتوب كل منكم عن سيئاته". وفى أعمال الرسل كذلك (4/ 27): "تحالف حقا في هذه المدينة هيرودس وبنطيوس بيلاطس والوثنيون وشعوب إسرائيل على عبدك القدوس يسوع الذي مسحته". وفى أعمال الرسل للمرة الرابعة (4/ 30): "باسطا يدك ليجري الشفاء والآيات والأعاجيب باسم عبدك القدوس يسوع" (واللفظ بالإنجليزية: " servant"، وبالفرنسية: " serviteur"). فمن تكون ريهام عبد العزيز بالنسبة إلى هؤلاء الرسل والأنبياء، بل بالنسبة إلى عيسى الإله ومريم أم الإله لدى النصارى المثلِّثين الذين ضحكوا على المسكينة وأوهموها أن وصف المسلم بأنه "عبد الله" والمسلمة بأنها "أمة الله" هو مما يشينهما ويحقرهما؟
إن القساوسة الشياطين يخدعون الساذجين والساذجات من المسلمين بإنكارهم أن يكون الواحد منا عبدا لله، إذ قالوا للبنت المسكينة إنها فى الإسلام عبدة لله، أما فى النصرانية فهى "بنت الله" على اعتبار أن الله أبونا نحن البشر. ولكن هل تغير وضعها فى الحياة بانتقالها، على سبيل الوهم طبعا، من عبودية الله إلى بنوته؟ ترى هل ازداد حظها من السعادة؟ هل ارتفع نصيبها من المال والجمال والصحة والرشاقة والسكينة والأمن والنجاح والحب، وأُعْفِيَتْ من المرض والفقر والتعب والعجز والضعف والقلق والتوتر والشقاء والفشل الذى يخضع الناس جميعا له من مسلمين وغير مسلمين؟ بطبيعة الحال لا. ففيم إذن كل تلك الطنطة حول العبودية الإسلامية والبنوة النصرانية؟ ومن ناحية أخرى ألم يقل الرسول عليه الصلاة والسلام إن البشر عيال الله؟ ألم يقل عليه السلام إن الله أرحم بعباده من الأم بولدها؟ ألا يقول القرآن إن الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد؟ ترى هل يمكن أن يكون الأب أو الأم بهذا القرب من ابنهما أو بنتهما؟ وهل الله يريد من عباده أن يسمعوا وينفّذوا دون فهم أو مناقشة؟ أليس القرآن يمتلئ بالآيات التى تحض على التأمل والتفكير وتقليب الذهن واستعمال العقل فى كل ما يعرض للإنسان حتى لو كانت دعوة الإسلام ذاتها؟ ألم
(يُتْبَعُ)
(/)
يؤكد القرآن أنه "لا إكراه فى الدين"؟ ألا نقرأ فى القرآن أنه "من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر"؟ أيوجد شىء من هذا فى النصرانية التى يقول قساوستها إن واجب الإنسان أن يؤمن دون تفكير أو مناقشة، وإن أسرار النصرانية هى أمور فوق العقل لا يمكن فهمهما، فضلا عن الجدال فيها، فضلا عن إنكارها ورفضها؟ أليس عندهم أن الدين شىء، والعقل شىء آخر، وأن مجاليهما مختلفان بل متناقضان؟ ألم يبين لنا رسول الإسلام أن المجتهد الذى بذل ما فى وسعه تفكيرا وتنفيذا ثم أخطأ ولم يصب الغاية مأجور؟ فأَنَّى يجد الواحد منا شيئا من هذا خارج نطاق الإسلام؟
على أن المسألة لمّا تتم فصولا، فلدينا ما حدث ليهوذا بعد صلب المسيح حسبما كتب مؤلفو الأناجيل. ذلك أننا، بعد صلب المسيح طبقا لما يقول القوم وندم يهوذا على ما ارتكب من غدر وخيانة، نجد هاتين الروايتبن: الأولى، وهى موجودة لدى كتاب الأناجيل، تقول إنه ذهب فردَّ الثلاثين فضة التى كان قد أخذها من الكهنة لقاء خيانته وغدره بمعلمه، ثم ثنّى بشنق نفسه: "27 - 1وَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ تَشَاوَرَ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخُ الشَّعْبِ عَلَى يَسُوعَ حَتَّى يَقْتُلُوهُ، 2فَأَوْثَقُوهُ وَمَضَوْا بِهِ وَدَفَعُوهُ إِلَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ الْوَالِي. 3حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى يَهُوذَا الَّذِي أَسْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ دِينَ،نَدِمَ وَرَدَّ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ 4قَائِلاً: قَدْ أَخْطَأْتُ إِذْ سَلَّمْتُ دَمًا بَرِيئا. فَقَالُوا: مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ! 5فَطَرَحَ الْفِضَّةَ فِي الْهَيْكَلِ وَانْصَرَفَ،ثُمَّ مَضَى وَخَنَقَ نَفْسَهُ. 6فَأَخَذَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ الْفِضَّةَ وَقَالُوا: لاَ يَحِلُّ أَنْ نُلْقِيَهَا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّهَا ثَمَنُ دَم. 7فَتَشَاوَرُوا وَاشْتَرَوْا بِهَا حَقْلَ الْفَخَّارِيِّ مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. 8لِهَذَا سُمِّيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ حَقْلَ الدَّم إِلَى هَذَا الْيَوْمِ" (متى/ 27، وبقية الأناجيل تنحو نفس المنحى)، أما الرواية الثانية فنعثر عليها فى "أعمال الرسل"، وفيها أنه قد انشق بطنه فى الحقل ولم ينتحر: "18فَإِنَّ هَذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. 19وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقْلَ دَمَا» (أَيْ حَقْلَ دَمٍ). 20لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْمَزَامِيرِ: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آَخَرُ" (أعمال الرسل/ 1). والآن أترك القارئ يحاول أن يزيل هذا التناقض براحته! المهم أنى قلت ما عندى، والسلام!
ومما تناولته البنت المضلَّلة التى تردد كالببغاء ما تسمعه من القساوسة دون فهم رغم ظهور عوراته لكل ذى عينين، وإن كانت العينان لا تصنعان شيئا لمن عَمِىَ قلبه وانطمس عقله وزاغت بصيرته كما يبين لنا القرآن الكريم، موضوع العلاقة بين البشر والله سبحانه وتعالى، إذ زعمت أنها فى الإسلام تقوم على الخوف، أما فى النصرانية فعلى المحبة، إذ هو يحبهم ولا يعاقبهم. وهى تقصد ما زرعوه فى ذهنها الضيق المتهافت من أن عيسى عليه الصلاة والسلام نزل من علياء ربوبيته وقدم نفسه ضحية على الصليب فداء للبشرية من خطيئتها الأولى كما يقولون. فلنتأمل إذن هذا الأمر بهدوء لنرى أبعاده وإلام تأخذنا: لن أقف طويلا أمام ما أكده القرآن بصدد عصيان آدم وحواء فى الجنة الأولى وكيف تابا فتاب الله عليهما فى الحال وكأن شيئا لم يكن، وأصبحنا أولاد اليوم لا الأمس، على عكس النصرانية التى تبدئ وتعيد فى هذه المسألة لا تكل ولا تمل مع أنها قد حُسِمَت من يومهما وانتهى الأمر، وكان الله يحب المحسنين.
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول سبحانه وتعالى: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) " (البقرة)، "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) " (طه).
فبالله أي الأمرين يدل على حب الله للبشر؟ وما الذى دفع الرب إلى هذا التصرف المستحيل لا المجنون فقط؟ ومن أجبره على هذا يا ترى؟ وكيف يقتل الرب نفسه؟ ومن كان يصرّف أمور الكون طوال موته؟ وهل الرب يموت يا إلهى؟ إنها أشياء تبعث على الجنون! ثم هل رأيتم محبا من الناس يتصرف على هذا النحو الذى ينسبه النصارى المثلِّثون للرب إلا إذا كان بعقله خلل؟ لن أسوق هنا إلا شاهدين اثنين لا غير، وهما كُثَيِّر عَزَّة الشاعر الأموى المعروف، وفان جوخ الرسام الهولندى الشهير: فأما كثير فقد تمنى، من فرط حبه لعَزَّة، التى تزوجت من غيره، أن يذهب إلى مضارب قبيلتها وينزل ضيفا عليها، ثم تضيع ناقته وتشل رجله حتى لا يستطيع العودة إلى دياره فيظل بجوار حبيبة الفؤاد. يقول فى تائيته الرائعة التى يجد القارئ تحليلا مفصلا لها فى كتابى: "فى الشعر الإسلامى والأموى- تحليل وتذوق":
خليليّ، هذا رَسْمُ عَزَّةَ، فاعقلا * قَلُوصَيْكما ثم انظرا حيث حَلَّتِ
وما كنت أدري قبل عزةَ ما الهوى * ولا مُوجِعات الحزن حتى تَوَلَّتِ
فقد حَلَفَتْ جَهْدًا بما نحرتْ له * قريشٌ غداة المأزِمَيْن وصَلَّتِ
أناديك ما حجّ الحجيج وكبّرت * بفَيْفا غزالٍ رُفْقَةٌ وأَهَلَّتِ
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها * كناذرةٍ نَذْرًا فأَوْفَتْ وحُلَّتِ
فقلت لها: يا عزّ، كل مصيبةٍ * إذا وُطِّنَتْ يومًا لها النفس ذَلَّتِ
ولم يلق إنسانٌ من الحب مَيْعَةًً * تَعُمّ ولا غَمّاءَ إلا تجلَّتِ
كأني أنادي صخرة حين أعرضت* من الصُّمِّ لو تمشي بها العُصْمُ زَلَّتِ
صَفُوحًا فما تلقاك إلا بخيلةً * فمَنْ مَلَّ منها ذلك الوصلَ مَلَّتِ
أباحت حِمًى لم يَرْعَه الناس قبلها * وحَلّت تِلاعًا لم تكن قبل حُلَّتِ
فليت قَلُوصي عند عزة قُيِّدَتْ * بحبلٍ ضعيفٍ عزّ منها فضَلَّتِ
وغودر في الحي المقيمين رَحْلُها * وكان لها باغٍ سواي فبلّتِ
وكنت كذي رجلين رجلٍ صحيحةٍ* ورجلٍ رمى فيها الزمان فشَلَّتِ
وكنت كذات الظّلع لما تحاملت * على ظلعها عند العِثار استقلَّتِ
أريد الثَّواء عندها وأظنها * إذا ما أطلنا عندها المكث مَلَّتِ
فما أنصفت: أما النساءَ فبغّضَتْ * إليّ، وأمّا بالنوال فضَنَّتِ
يكلِّفها الغيرانُ شتمي، وما بها * هواني، ولكن للمَلِيك استذلّتِ
هنيئاً مريئاً غير داءٍ مخامِرٍ * لعَزَّةَ من أعراضنا ما اسْتَحَلَّتِ
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان كُثَيِّر يوصف بالحماقة، فلا غرابة إذا ما سمعنا منه هذا الكلام إذن. أما فان جوخ فكان العيار فى حالته ثقيلا حَبَّتَيْن، فلهذا أقدم على قطع أذنه ولَفِّها وإرسالها هدية لحبيبته كى يثبت لها شدة تعلقه بها. كما وضع يده، لنفس السبب المجنون، على فتيلة المصباح المشتعل حتى احترقت وفاحت رائحة الشواء. فإذا كان هذا هو رأى الناس فى تصرفات بشر مثلهم، فما بالنا إذا ما أقدم الرب على تصرف مثل هذا بل أشنع وأبشع؟ ثم ما الذى أسكته سبحانه طوال تلك الدهور المتطاولة وجعله يؤجل هذه التضحية المجنونة منذ عصيان آدم وحواء بأكلهما من الشجرة المحرمة إلى ما بعد ميلاد المسيح بنحو ثلاثة عقود؟ بل ما الذى جعله ينتظر كل تلك المدة الممتدة منذ ولادة مريم للمسيح إلى أن بلغ عليه السلام ثلاثين سنة ونيفا؟ لماذا، حين تذكر أن هناك خطيئة أصلية قديمة قِدَمَ البشرية كانت منسية وتحتاج إلى تصفية، لم يأخذها من قصيره فينزل من السماء وينصب من فوره فى أى ميدان عام صليبا ثم يصيح فى المتجمهرين حوله كالعادة: "من يحب النبى يصفق! "، ويطلب من واحد منهم قوىٍّ عَفِىٍّ أن يعكمه ويعلقه على الصليب ويمسمره ويشتمه ويبصق عليه ويضربه بالرمح فى جنبه حتى يصرخ ويسمعه الناس ويشعروا بألمه من أجلهم، ثم يقتله وتنتهى المسألة فى دقائق بدلا من كل تلك اللفة الطويلة العريضة التى نقرؤها فى الأناجيل؟
ولكن ماذا عن الناس الذين مَضَوْا قبل ذلك دون أن تكون التضحية قد تمت بعد؟ وماذا عن الناس بعد هذا؟ هل سيدخلون كلهم الجنة ما دام الله قد ضحى من أجلهم محبةً لهم ورغبةً فى أن يعفيهم من العذاب؟ لكن النصارى لا يقولون هذا، بل يؤكدون أن من لا يرافئهم على عقديتهم هذه الغريبة فى السيد المسيح ذاهب إلى الجحيم لا مُشَاحَّة فى ذلك. فما جدوى الصلب إذن؟ وماذا عن يهوذا، الذى دل عليه اليهود فقبضوا عليه وصلبوه؟ أسيدخل الجنة، وبخاصة أنه كان العامل الأساسى فى تنفيذ المشيئة الإلهية المجنونة فى الموت فداء للمحبوب؟ لكنهم يقولون إنه ملعون، ولن يريح رائحة ملكوت السماوات أبدا. وبغض النظر عن أن النصارى يقولون إن المسيح الرب قد باء باللعنة جراء صَلْبه طبقا لما يقوله العهد القديم فى المصلوبين، وتحمَّلها نيابة عن البشرية، فمعنى حكمهم على يهوذا أن تضيحة الرب بنفسه لا تشمل ذلك الرجل! فما جدوى هذا الذى أقدم عليه المسيح إذن؟ أنقول إن تضحيته بنفسه قد طلعت فاشوشا؟ إن هذا يهدم الأمر كله من القواعد دون هوادة، فهل يقبلون ذلك؟ وحين مات المسيح، الذى هو الرب، فمن أعاده إلى الحياة يا ترى، ولم يكن هناك فى ذلك الوقت رب لأنه كان قد مات؟ بل من جعله ربا مرة أخرى، والرب قد انتهى أمره بنزوله إلى الأرض وتحوله إلى إنسان، والإنسان لا يصنع الأرباب ولا يعيدهم مرة أخرى إلى ربوبيتهم؟ إن الأسئلة الحيرى كثيرة ولا تنتهى، ولكن لا داعى للمُضِىّ قُدُمًا أكثر من هذا، فالضرب فى الميت حرام!
لقد أفهموا المسكينة أن النصرانية هى حب فى حب، وكأننا فى فلم "سنجام" الهندى، الذى عُرِضَ فى مصر فى منتصف ستينات القرن البائد، وكان كله غراما فى غرام ورقصا متواصلا وأغانى تخرّ رومانسية لم نكن نفهم منها كلمة واحدة مكتفين بحلاوة موسيقى القرب الهندية المصاحبة لها، والسلام. والواقع أن كل تصرفات المسيح حسب ما هو مقيد فى الأناجيل تدل على عكس هذا الادعاء، إذ صوروه عصبيا نافد الصبر دائما جافيا شتاما هجاما لا يوقر كبيرا ولا صغيرا ويكره الجميع ولا يطيق أحدا. ولنبدأ بما قاله فى حق اليهود، والمفروض أنه أتى الدنيا ليفدى البشرية من خطيئتها، واليهود جزء من تلك البشرية، فكان ينبغى أن يكف لسانه عنهم، وإلا فلماذا عَنَّى نفسه بمبارحة عرشه فى السماء ومخالطة أولاد البُلَغ الذى اسمهم "بَشَرٌ" والموت فى سبيلهم إذا كان يكره فريقا منهم كل تلك الكراهية؟
(يُتْبَعُ)
(/)
صحيح أنه قال لمستمعيه فى موعظة الجبل هذا الكلام العظيم الذى أورده متى فى الإصحاح الخامس من إنجيله: "43"سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. 46لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ 47وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ 48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". ولكن فلننتظر حتى نرى إلى أى مدى طبَّق هو تلك النصائح الذهبية. لقد لعن سنسفيل اليهود وسنسفيل آبائهم، وتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وهددهم بمصير أسود من قرن الخروب فى الدنيا والآخرة، داعيا إياهم بـ"الحيات أولاد الأفاعى"، ورفض كل ما كانوا يفعلونه حتى غسل أيديهم قبل الطعام مفضلا الأكل دون أن يطهر يديه لا لشىء إلا العناد ونشوفة الدماغ، وتوعَّدهم بمصائب الدنيا والدين قبل انصرام وقت طويل.
ولا يظنن أحد أن نفاد صبره وطول لسانه إنما كانا مقصورين على اليهود، إذ لم يسلم أقرب المقربين إليه من بركات لسانه الذى كان يشبه الكرباج، فقد نادى أمه قائلا لها بكل غلظة وجلافة: "ما لى وما لك يا امرأة؟ "، كما نفى أن تكون هى وإخوته هم أمه وإخوته فعلا، مؤكدا أن أمه وإخوته الحقيقيين هم الذين يلتفون حوله ويسمعون كلامه، بما يفيد أنها وأنهم لم يكونوا من هؤلاء. وقال لأخلص حوارييه: يا منافق! يا شيطان! ونهر الفقراء الذين كانوا يريدون أن يصنع لهم المعجزات قائلا: جيل فاسق وشرير يطلب آية! أما المرأة الكنعانية المسكينة التى أرادت أن تستفيد بقدرته على الشفاء فقد قهرها وأذلها ولم يقبل رجاءها إلا بعدما رضيت أن تكون كالكلاب التى تلتقط فتات الطعام من تحت المائدة، قائلةً هذا بصريح العبارة فى انكسار ومسكنة تقطع القلوب. فحينئذ، وحينئذ فقط، رضى أن تنضم إلى زمرة المستفيدين من قدرته على الشفاء: "21ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». 25فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». 27فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». 28حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ" (متى/ 15). فما معنى أنه نزل لفداء البشرية جميعا إذن؟ لقد رأينا أنه لم يكن راضيا لا عن اليهود ولا عن غير اليهود، فمن هم الذين نزل ليُصْلَب ويُقْتَل فى سبيلهم إذن؟ وإذا كان هذا هو الحب، فكيف تكون الكراهية يا ترى؟
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا عن النصرانية، فماذا عن الإسلام؟ إن من صفات المؤمنين أنهم يبادلون ربهم الحب والرضا، فهو يحبهم وهم يحبونه، وهو راضٍ عنهم وهم راضون عنه. ويلح القرآن الكريم والحديث الشريف على غفران الله ورحمته ويلفتاننا إلى أن باب التوبة مفتوح دائما أبدا لا يغلق ليل نهار، ويؤكدان أنه سبحانه يعفو عن كثير، بل يغفر الذنوب جميعا مهما تكررت من الإنسان الذنوب ما دام يفىء إلى ربه ويستغفره وينوى ألا يعود إلى المعصية، إذ الإنسان بطبيعته خَطّاء، والمهم عدم الإصرار على الخطإ. كما يقرر الإسلام أنه سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومن ثم إذا ما اجتهد الشخص واستفرغ وسعه ثم أخطأ فليس عليه من بأس، بل له أجر بمشيئة الله، وهو ما لا وجود له فى أى دين أو مذهب: سياسيا كان هذا المذهب أو فلسفيا أو تربويا. وهذا كله دون وثنيات تجعل من الله خروفًا يُضَحَّى به فداء لعباده.
ولنطالع هذه الدرر العبقرية التى ليس لها نظير فى أى دين. ونيدأ بالآيات القرآنية: "يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) " (النساء)، "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) " (البقرة)، "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) " (آل عمران)، "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) " (النساء)، " ... وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) " (آل عمران)، "وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) " (الأعراف)، "إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) " (الفرقان)، "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) " (العنكبوت)، "وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) " (الشورى)، "إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) " (الحجرات)، "إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (32) " (النجم)، "وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) " (الشورى)، "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (156) " (الأعراف)، "إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) " (فاطر)، "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) " (الزُّمَر)، "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) " (الفاتحة)، "مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) " (الأنعام).
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم نثنّى بالأحاديث المحمدية: "كل بني آدم خَطّاء، وخير الخطّائين التوابون"، "أَذْنَبَ عبدٌ ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أَيْ رَبِّ، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أَيْ رَبِّ، اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئتَ، فقد غفرتُ لك"، "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، "ينزل الله في كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر"، "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقول: عملتَ كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم"، "بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغني. فنزل البئر فملأ خفه فأمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال في كل ذات كبدٍ رطبةٍ أجر"، "بينما كلب يطيف برَكِيَّةٍ قد كاد يقتله العطش إذ رأته بَغِيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مزقها فاستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به"، "قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي فأخذته وألصقته ببطنها وأرضعته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتَرَوْنَ هذه طارحةً ولدها في النار؟ قلنا: لا والله وهي تقدر ألا تطرحه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أرحم بعباده من المرأة بولدها"، "قال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب الرجل على العمل من الخير يعمل به، ولا يعمل بمثله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أَحَبّ"، "قال الله عز وجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها. وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها. فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالت الملائكة: ربّ، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة (وهو أبصر به)، فقال: ارقبوه. فإن عملها فاكتبوها له بمثلها. وإن تركها فاكتبوها له حسنة. إنما تركها من جَرَّاي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تُكْتَب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وكل سيئة تُكْتَب بمثلها حتى يلقى الله "، "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي"، "رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكْرِهوا عليه"، "لَلّهُ أرحم بعباده من الوالدة بولدها. وفي الصحيحين عنه أنه قال: إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة: أنزل منها رحمة واحدة، فبها يتراحم الخلق حتى إن الدابة لترفع حافرها عن ولدها من تلك الرحمة، واحتبس عنده تسعا وتسعين رحمة، فإذا كان يوم القيامة جمع هذه إلى تلك فرَحِم بها عباده".
ومن بين ما تطرقت إليه البنت المسكينة الحديث الذى يقول: "ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه" والذى قالت إنه جعلها أوّلاً تشعر بالغيرة لأن الله يفضّل المسيح على محمد، ثم كانت ثمرته بعد ذلك مع غيره من العوامل ترك الإسلام والتحول إلى النصرانية. وكان زكريا بطرس قد كتب فى موقعه المشباكى كلمة بعنوان "بين السيد المسيح والنبى محمد فى القرآن والإنجيل" فى المقارنة بين عيسى بن مريم والرسول الكريم بغية الوصول إلى أن ثمة فرقا شاسعا لا يمكن اجتيازه بين المسيح (الله أو ابن الله حسبما يزعم) وبين محمد، قال فيها إن عيسى عليه السلام هو وحده الذى مُسِح من الأوزار، ثم تساءل قائلا: "وماذا عن محمد؟ "، وهذا ما قاله نَصًّا: "ممسوح من الأوزار: (انظر حتمية الفداء ص 24): (1) [سورة مريم]. (2) [سورة آل عمران]. (3) الإمام الرازى ج3 ص6764. (4) أبى هريرة. (5) صحيح البخارى.
(يُتْبَعُ)
(/)
وماذا عن محمد؟ ".
وهو بإشارته إلى سُورَة "آل عمران" إنما يقصد قوله تعالى عن امرأة عمران (أم مريم عليها السلام) حين وضعتْ مريم وإعاذتها إياها هى وذريتها من الشيطان الرجيم: "فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (آل عمران/ 36)، أما سورة "مريم" فلم أجد فيها شيئا يتعلق بالموضوع الذى نحن بإزائه. وبالنسبة لما جاء فى "آل عمران" فليس فيه سوى أن زوجة عمران قد استعاذت لابنتها وذريتها بالله من الشيطان الرجيم، وهو ما يفعله كل مؤمن لنفسه ولأولاده. وفى تفسير الرازى: "روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من استعاذ في اليوم عشر مرات وَكّل الله تعالى به مَلَكًا يَذُود عنه الشيطان". وفى "سنن أبى داود" عن ابن عمر أن رسول الله قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطُوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه. فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تَرَوْا أنكم قد كافأتموه". فليس فى الآية فى حد ذاتها إذن ما يدل على أن عيسى عليه السلام كان ممسوحا وحده من الأوزار دون الأنبياء والمرسلين، وإن كنا نؤمن أنهم جميعا، عليهم الصلاة السلام، كانوا من خيرة صفوة البشر، وكانت أخلاقهم من السمو والرفعة بحيث تتلاءم والمهمة الجليلة التى انتدبهم الله لها من بين سائر البشر.
ومع هذا فهناك مثلا، فى مسند ابن حنبل، حديث عن النبى عليه السلام رواه أبو هريرة يقول فيه: "ما من مولود يُولَد إلا نخسه الشيطان فيستهلُّ صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه. ثم قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: وإنى أُعِيذُها بك وذريتها من الشيطان الرجيم". وفى "سنن الدارمى" عن ابن عباس أنه قال: " ليس من مولود إلا يستهلّ، واستهلاله يعصر الشيطان بطنه، فيصيح إلا عيسى ابن مريم". وليس فيه، كما هو واضح، أية إشارة إلى مسحه عليه السلام من الأوزار والخطايا، بل الكلام فيه عن نخسة الشيطان التى يبكى الطفل بسببها عند الولادة أول ما يستقبل الحياة والتى يقول الأطباء إن سببها هو استنشاقه لأول مرة الهواء استنشاقا مباشرا، فهو رد فعل بيولوجى لا مَعْدَى عنه لأى طفل. لكنْ لأن ولادة عيسى كانت ولادة غير طبيعية فلربما كان ذلك هو السبب فى أنه لم يصرخ عند نزوله من بطن أمه كما يصنع سائر الأطفال.
وأغلب الظن أن النبى عليه الصلاة والسلام قد أراد بذلك الحديث أن يدفع عن أخيه الصغير عيسى وأمه من طَرْفٍ خَفِىٍّ قالةَ السوء والشُّنْع التى بهتهما بها اليهود الأرجاس. إذن فليس فى القرآن ولا فى الحديث أن سيدنا عيسى عليه السلام كان ممسوحا من الأوزار والخطايا وحده دون النبيين والمرسلين أجمعين، وإن لم يَعْنِ هذا أنه كان ذا أوزار وخطايا، إذ الأنبياء والرسل كلهم هم من ذؤابة البشر خُلُقًا وفضلاً وسلوكًا لا عيسى وحده. ومع ذلك فقد قرأنا فى حديث الشفاعة العظمى كلام الرسول الأعظم عن غفران الله له هو كل ذنوبه: ما تقدم منها وما تأخر، وهو ما استحق به وبغيره تلك المرتبة العالية، وإن لم يعن هذا أيضا أنه، صلى الله عليه وسلم، كانت له ذنوب تُذْكَر، وإلا ما قال الله فيه: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيمٍ" أو "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتّم، حريصٌ عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم" أو "إن الله وملائكته يصلّون على النبى. يا أيها الذين آمنوا، صَلُّوا عليه وسلِّموا تسليما". وقد أورد الرازى الذى يستشهد به زكريا بطرس الحديثَ التالى: "ما منكم أحد إلا وله شيطان. قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأَسْلَم". وأظن أن هذا الحديث يضع حدا للجدال السخيف الذى فتح بابَه ذلك الكذاب!
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم إن للأناجيل فى هذه القضية قولا آخر، إذ تذكر أن الشيطان تعرَّض لعيسى عليه السلام وقاده من قمة الجبل إلى سطح الهيكل يحاول إغواءه وإضلاله ودَفْعه إلى الشرك بالله، والعياذ بالله، حين أمره أن يسجد له. ولو كان الأمر كما يَدَّعِى الحمقى لما حدث شىء من هذا. إذن فالشيطان يتعرض له عليه السلام كما يتعرض لسواه من البشر. هذه واحدة، أما الثانية فإن عبارة "الشيطان الرجيم" تعنى: اللعين المطرود من رحمة الله. فماذا يقول النصارى فى أن كتاب العهد الجديد يقول بحلول اللعنة عليه؟ ألا يقولون بصَلْبه؟ ألا يقول العهد القديم بأن من عُلِّقَ على خشبة، أى على صليب، فهو ملعون؟ ألا يقول بولس بصريح العبارة إن عيسى قد تحمل اللعن نيابة عن البشرية؟ إذن فعيسى، حسب اعتقادات القوم، لم يتعرض لمحاولة الشيطان إغواءه واستفزازه إلى الشرك فقط، بل لقد تحمل اللعنات التى فى الأرض جميعا؟ وفوق ذلك ألم يُسْمِع عيسى أمه قارص القول فى أكثر من مناسبة؟ أهذا يليق بإنسان لديه ذرة من الشعور بحق الأم على ابنها حتى ولو كانت كافرة؟ ألم يأمر عيسى أحد أتباعه أن يذهب إلى إحدى الحظائر ويسرق الحمار الموجود هناك كى يركبه عند دخوله أورشليم؟ فكيف يصنف القوم مثل ذلك التصرف؟ وفى أية خانة يضعونه؟ ألم يلعن شجرة التين لأنها لم تكن مثمرة، وكان هو جائعا يريد شيئا يُسْكِت عنه صراخ الجوع وقرصاته؟ فما ذنب التينة المسكينة إذا كنا فى غير موسم التين؟ هل كان عليها أن تضرب الأرض فتُطْلِع تينا؟ ألم يَسُبَّ بعض حوارييه المقربين ناعتا إياه بـ"الشيطان" مرة، وبـ"المنافق" مرة أخرى؟ ألم يستذل الكنعانية المسكينة المسحوقة حتى قبلت تشبيهه إياها بالكلاب، فعندئذ، وعندئذ فقط، رضى أن يمد لها يد العون، تلك اليد التى لم تكن لتكلفه شيئا؟ ألم يضعف حين اقترب موعد الصلب معبرا عن النكسار روحه وانهيار معنوياته؟ ألم ينس المهمة التى يقول النصارى إنه أتى إلى العالم من أجل أدائها، ألا وهى قبول الصلب والقتل، فأخذ يجأر إلى السماء أن تسرع لمعونته وإعفائه من شرب تلك الكأس المرة؟ أَوَكُلُّ هذا، ويزعم الزاعمون أنه كان ممسوحا من الأوزار؟ وبالمناسبة فلسنا نحن الذين نقول هذا بل هم. وعلى الناحية الأخرى ينبغى ألا ننسى الحديثَ الذى مر آنفا، ويقول فيه الرسول الكريم عليه السلام: "ما منكم أحد إلا وله شيطان. قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأَسْلَم".
كذلك ذكر إنجيل متى ولوقا أن عيسى بن مريم عليه السلام مولود من صُلْب يهوذا الزانى الوقح، وداود القاتل الزانى، وسليمان صاحب نشيد الإنشاد الذى بلغ فى العُهْر والفُحْش والعُرْى مبلغا غير متصَوَّر فى "أدب الفِرَاش"، ومن رَحِم ثامار التى خططت واجترحت عن عمد وسبق إصرارٍ زنا المحارم، والتى قالت عنها "دائرة المعارف الكتابية": "ثامار زوجة عِير بكر يهوذا بن يعقوب (تك 38: 6ــ 30)، وكان عِير شريرا في عيني الرب فأماته الرب، فتزوجت حسب العادة المتبعة من أخيه أُونان، الذي لم يشأ أن ينجب منها نسلا لأخيه، فقَبُحَ ذلك في عيني الرب فأماته أيضا. فقال لها يهوذا أن تقعد أرملة في بيت أبيها حتى يكبر شِيلة ابنه الثالث. لكن يهوذا لم يبرّ بوعده، فقد كبر شيلة، ولكنه لم يزوجها منه. فخلعت ثياب ترملها وتغطت ببرقع وجلست في طريق يهوذا في مدخل عينايم التي على طريق تمنة، فرآها يهوذا وحسبها زانية لأنها كانت متنكرة في ثياب زانية من زواني العبادات الوثنية، ودخل عليها فحبلت منه. ولما نما الخبر إلى يهوذا بأن كنته حبلى حكم عليها بالموت حرقا، ولكن ثامار دفعت عن نفسها التهمة وأثبتت أنها حبلى من يهوذا نفسه. وهكذا برّأت نفسها ونجت من الموت. وقد ولدت ليهوذا توأمين هما فارص وزارح، ومن نسل فارص جاء داود الملك، ومنه جاء يسوع المسيح (مت 1: 3 و 6، لو 3: 31ــ 33) ". وعندنا فى سلسلة نسب المسيح أيضا راحاب العاهرة. وإلى جانب هذا وذاك هناك نسبته فى الأناجيل إلى يوسف النجار أكثر من مرة، لا على لسان الآخرين فحسب، بل على لسان أمه نفسها أيضا. فما معنى هذا؟ ولست محتاجا بطبيعة الحال إلى أن أقول إننا نحن المسلمين لا نعتقد شيئا من هذه الضلالات، إذ هو لدينا نبى كريم نبيل طاهر، لكننا إنما نحاجّ القوم بما يعتقدونه ويتساخفون معنا به!
(يُتْبَعُ)
(/)
أما ما قاله الرازى فى هذا الموضوع فها هو ذا: "ذكر المفسرون في تفسير ذلك القبول الحسن (يقصد القبول المذكور فى سورة "آل عمران" حين ابتهلت أم مريم إلى الله أن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم) وجوهًا: الوجه الأول: أنه تعالى عصمها وعصم ولدها عيسى عليه السلام من مس الشيطان. روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولود يُولَد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهلّ صارخًا من مس الشيطان إلا مريم وابنها"، ثم قال أبو هريرة: اقرؤا إن شئتم: وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ ?لشَّيْطَـ?نِ الرَّجِيمِ". طعن القاضي في هذا الخبر وقال: "إنه خَبَرُ واحدٍ على خلاف الدليل، فوجَب ردُّه، وإنما قلنا إنه على خلاف الدليل لوجوهٍ أحدُها: أن الشيطان إنما يدعو إلى الشر من يعرف الخير والشر، والصبي ليس كذلك. والثاني: أن الشيطان لو تمكن من هذا النخس لفعل أكثر من ذلك من إهلاك الصالحين وإفساد أحوالهم. والثالث: لِمَ خُصَّ بهذا الاستثناء مريمُ وعيسى عليهما السلام دون سائر الأنبياء عليهم السلام؟ الرابع: أن ذلك النخس لو وُجِد بَقِيَ أثره، ولو بقي أثره لدام الصراخ والبكاء، فلما لم يكن كذلك علمنا بطلانه". واعلم أن هذه الوجوه محتملة، وبأمثالها لا يجوز دفع الخبر، والله أعلم". ومن هذا يتبين لنا بأجلى بيان أن الكذاب لم يقطع عادته فى الكذب والتدليس، إذ لم يقل الرازى إن عيسى عليه السلام قد مُسِح من الأوزار والخطايا، بل ساق كلام المفسرين القائلين بذلك، لكن بإيجاز شديد، أما من نَفَوْا هذا فقد فصَّل كلامهم تفصيلا. ثم اكتفى بالقول بأن وجوه الاعتراض التى اعترض بها هؤلاء ليست قاطعة فى النفى، وإن كان من الممكن رغم ذلك أن تكون صحيحة. أى أنه لم يَنْفِ ولم يُثْبِتْ، بل اكتفى بإيراد الرأيين. وأقصى ما يمكن نسبته له من الرأى فى هذه القضية أن الأدلة التى احتج بها القاضى (عبد الجبار المعتزلى) لا تحسم الأمر. وهذا كل ما هنالك.
ثم إنى أتساءل: وهل الله يولد أصلا حتى تظن البنت المسكينة أن عيسى إله؟ إنه لأمر لا يقبله العقل. ثم ما داموا يستشهدون بالقرآن فليقرأوه ويفهموه كيما ينبغى أن ُيقْرَأ ويُفْهَم. إن مريم، فى سورة "آل عمران"، تبتهل إلى الله أن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم. ومعنى هذا أن مريم وذريتها، وذريتها هى المسيح عليه السلام، بحاجة إلى الحماية من الشيطان. فهل يقال عن الله إنه محتاج إلى من يحميه من الشيطان الرجيم؟ ومن يحميه؟ إنه هو الله! أى أن الله سيحمى الله من الشيطان الذى خلقه الله! فتأمل واعجب من هذا المنطق الظريف!
كذلك بَدَرَ من البنت الرعناء، لَدُنْ كلامها عن تجربتها الأثيمة الكافرة فى الانتقال من دين التوحيد إلى دين الوثنية والتثليث، كلام تعيب به الإسلام لتفرقته بين الذكر والأنثى لصالح الذكر بطبيعة الحال كما يقولون. فكيف نسيت أن النبى فضَّل الأم على الأب، وهو ذكر، وهى أنثى؟ وذلك حين سأله أحدهم أربع مراتٍ دِرَاكًا: مَنْ أَحَقُّ الناس بصُحْبَتى يا رسول الله؟ فقال له: أمك، ثم أمك، ثم أمك: ثلاث مرات، ثم فى الرابعة فقط قال: أبوك. وكيف فاتها أنه فى الوقت الذى جعل النبى فيه تربية البنت وتزويجها طريقا مشرعا إلى الجنة أكيدا لا نجده يقول شيئا مثل هذا بخصوص الأولاد؟ وكيف لم تتنبه إلى مغزى توريث الإناث كما يُوَرَّث الذكور مع أن الإناث مُعْفَيَات من واجب الإنفاق فى البيت، سواء كان بيت الأب أو الزوج أو الابن أو الأخ؟ وكيف تجاهلت ما هو معروف للقاصى والدانى من أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفض تماما أن تتزوج الفتاة أو المرأة ممن لا تحبّ؟ ومن أقواله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكم خَيْرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". وكان "آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم أنْ قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم".
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن الناحية الأخرى سوف نرى بعد قليل ما تقوله، فى موضوع النساء، النصرانية التثليثية التى يأخذ قساوستها على عاتقهم شتم النبى محمد والدين الذى أتى به وكأن التطاول السفيه عليه فرض دينى أمرهم به السيد المسيح، الذى لا يكفون عن الإشادة بما أتى به من سلام ورحمة وتسامح، وهم لا يعرفون شيئا عن السلام ولا الرحمة ولا التسامح، بل يتباذؤون ليل نهار فى حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم رغم كل الاحترام الذى يبديه الإسلام لعيسى بن مريم وأمه عليهما السلام. ولسوف يتبين لنا أن موقف النصرانية من النساء أبعد ما يكون عما أوهموا به البنت المسكينة من أنها تَنْصُرها على الرجل وتدفعها إلى مناطحته، بَلْهَ التغلبَ عليه وكسر أنفه وإرغامه فى التراب طبقا لما تتنادى به الببغاوات من الفارغين والفارغات الفاشلين فى الحياة حقدًا منهم ورغبةً فى هدم البيوت تحت المسميات واللافتات البراقة الكاذبة.
والآن إلى ما كتبه فى هذا الموضوع بولس فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس فى الإصحاح الحادى عَشَر ما يلى، وهو مجرد مثال: "1كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ. 2فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ. 3وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلِّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمَّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرَّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ. 4كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. 5وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. 6إِذِ الْمَرْأَةُ، إِنْ كَانَتْ لاَ تَتَغَطَّى، فَلْيُقَصَّ شَعَرُهَا. وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُقَصَّ أَوْ تُحْلَقَ، فَلْتَتَغَطَّ. 7فَإِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ لِكَوْنِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. 8لأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ. 9وَلأَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُخْلَقْ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَجْلِ الرَّجُلِ. 10لِهذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سُلْطَانٌ عَلَى رَأْسِهَا، مِنْ أَجْلِ الْمَلاَئِكَةِ. 11غَيْرَ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ. 12لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ، هكَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا هُوَ بِالْمَرْأَةِ. وَلكِنَّ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ هِيَ مِنَ اللهِ. 13احْكُمُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: هَلْ يَلِيقُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ إِلَى اللهِ وَهِيَ غَيْرُ مُغَطَّاةٍ؟ 14أَمْ لَيْسَتِ الطَّبِيعَةُ نَفْسُهَا تُعَلِّمُكُمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِنْ كَانَ يُرْخِي شَعْرَهُ فَهُوَ عَيْبٌ لَهُ؟ 15وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إِنْ كَانَتْ تُرْخِي شَعْرَهَا فَهُوَ مَجْدٌ لَهَا، لأَنَّ الشَّعْرَ قَدْ أُعْطِيَ لَهَا عِوَضَ بُرْقُعٍ. 16وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُحِبُّ الْخِصَامَ، فَلَيْسَ لَنَا نَحْنُ عَادَةٌ مِثْلُ هذِهِ، وَلاَ لِكَنَائِسِ اللهِ".
ثم ما كتبه بولس أيضا فى الإصحاح الخامس من رسالته إلى أهل أفسس: "22أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، 23لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. 24وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ"، وكذلك ما كتبه فى الإصحاح الرابع من رسالته إلى أهل كولوسِّى: "18أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا يَلِيقُ فِي الرَّبِّ"، وفى الإصحاح الثانى من رسالته إلى تيموثاوس: "8فَأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً، بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ جِدَال. 9وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ
(يُتْبَعُ)
(/)
يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، 10بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ. 11لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. 12وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ، 13لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلاً ثُمَّ حَوَّاءُ، 14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي. 15وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ".
ثم ما جاء فى الإصحاح الثالث من الرسالة الأولى المنسوبة لبطرس: "1كَذلِكُنَّ أَيَّتُهَا النِّسَاءُ، كُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِكُنَّ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ لاَ يُطِيعُونَ الْكَلِمَةَ، يُرْبَحُونَ بِسِيرَةِ النِّسَاءِ بِدُونِ كَلِمَةٍ، 2مُلاَحِظِينَ سِيرَتَكُنَّ الطَّاهِرَةَ بِخَوْفٍ. 3وَلاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، 4بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. 5فَإِنَّهُ هكَذَا كَانَتْ قَدِيمًا النِّسَاءُ الْقِدِّيسَاتُ أَيْضًا الْمُتَوَكِّلاَتُ عَلَى اللهِ، يُزَيِّنَّ أَنْفُسَهُنَّ خَاضِعَاتٍ لِرِجَالِهِنَّ، 6كَمَا كَانَتْ سَارَةُ تُطِيعُ إِبْرَاهِيمَ دَاعِيَةً إِيَّاهُ «سَيِّدَهَا»، الَّتِي صِرْتُنَّ أَوْلاَدَهَا، صَانِعَاتٍ خَيْرًا، وَغَيْرَ خَائِفَاتٍ خَوْفًا الْبَتَّةَ".
وفى الختام أهدى للبنت المسكينة الحكاية التالية، وهى منقولة عن كتاب ابن عبد ربه: "العقد الفريد": "حدثني أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن الأجدع الكوفي بهيت، قال: حدثني إبراهيم بن علي مولى بني هاشم، قال: حدثنا ثقات شيوخنا: أن جَبَلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني لما أراد أن يُسْلِم كتب إلى عمر بن الخطاب من الشام يعلمه بذلك يستأذنه في القدوم عليه، فسُرَّ بذلك عمر والمسلمون، فكتب إليه أن: اقْدَمْ، ولك ما لنا، وعليك ما علينا. فخرج جبلة في خمسمائة فارس من عَكّ وجَفْنَة، فلما دنا من المدينة ألبسهم ثياب الوَشْي المنسوج بالذهب والفضة، ولبس يومئذ جبلةُ تاجَه، وفيه قرط مارية، وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان، وفرح المسلمون بقدومه وإسلامه، حتى حضر الموسم من عامه ذلك مع عمر بن الخطاب. فبينما هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة فحَلَّه. فالتفت إليه جبلة مغضبًا، فلطمه فهشم أنفه. فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب، فبعث إليه فقال: ما دعاك يا جبلة إلى أن لطمت أخاك هذا الفزاري فهشمت أنفه؟ فقال: إنه وطئ إزاري فحَلَّه. ولولا حرمة هذا البيت لأخذت الذي في عيناه. فقال له عمر: أما أنت فقد أقررتَ. فإما أن ترضيه، وإلا أَقَدْتُه منك. قال: أتُقِيده مني، وأنا ملك، وهو سُوقَة؟ قال: يا جبلة، إنه قد جمعك وإياه الإسلام، فما تَفْضُله بشيء إلا بالعافية. قال: والله لقد رجوتُ أن أكون في الإسلام أعزَّ مني في الجاهلية. قال عمر: دع عنك ذلك. قال: إذن أتنصَّر. قال: إن تنصَّرْتَ ضربتُ عنقك. قال: واجتمع قوم جبلة وبنو فزارة فكادت تكون فتنة. فقال جبلة: أخِّرْني إلى غد يا أمير المؤمنين. قال: ذلك لك. فلما كان جِنْح الليل خرج هو وأصحابه، فلم يَئِنْ حتى دخل القسطنطينية على هرقل فتنصَّر، وأقام عنده. وأعظمَ هرقلُ قدومَ جبلة وسُرَّ بذلك، وأقطعه الأموال والأراضي والرِّبَاع.
فلما بعث عمر بن الخطاب رسولاً إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام أجابه إلى المصالحة على غير الإسلام. فلما أراد أن يكتب جواب عمر قال للرسول: ألَقِيتَ ابن عمك هذا الذي ببلدنا (يعني جبلة) الذي أتانا راغبًا في ديننا؟
قال: ما لقِيتُه.
قال: الْقَهُ، ثم ائتني أُعْطِك جواب كتابك.
(يُتْبَعُ)
(/)
وذهب الرسول إلى باب جبلة، فإذا عليه من القهارمة والحجّاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب هرقل. قال الرسول: فلم أزل أتلطف في الإذن حتى أذن لي، فدخلت عليه فرأيت رجلاً أصهب اللحية ذا سبال، وكان عهدي به أسمر أسود اللحية والرأس. فنظرت إليه فأنكرته، فإذا هو قد دعا بسُحَالة الذهب فذَرَّها في لحيته حتى عاد أصهب، وهو قاعد على سرير من قوارير، قوائمه أربعة أُسُود من ذهب. فلما عرفني رفعني معه في السرير، فجعل يسائلني عن المسلمين، فذكرت خيرًا وقلت: قد أضعفوا أضعافًا على ما تعرف.
فقال: كيف تركت عمر بن الخطاب؟
قلت: بخير.
فرأيت الغم قد تبين فيه لما ذكرت له من سلامة عمر. قال: فانحدرت عن السرير، فقال: لم تأبى الكرامة التي أكرمناك بها؟ قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا. قال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نَقِّ قلبك من الدنس، ولا تُبَالِ علامَ قعدت. فلما سمعته يقول: "صلى الله عليه وسلم" طمعتُ فيه. فقلت له: ويحك يا جَبَلة! ألا تُسْلِم، وقد عرفتَ الإسلام وفضله؟
قال: أبعد ما كان مني؟
قلت: نعم، قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت. ارتد عن الإسلام وضرب وجوه المسلمين بالسيف، ثم رجع إلى الإسلام، وقُبِل ذلك منه، وخَلَّفْتُه بالمدينة مسلما.
قال: ذَرْني من هذا. إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته ويوليني الأمر من بعده رجعت إلى الإسلام.
قلت: ضمنت لك التزوج، ولم أضمن لك الإمرة.
قال: فأومأ إلى خادم بين يديه، فذهب مسرعًا، فإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام، فوُضِعَتْ ونُصِبَتْ موائد الذهب وصحاف الفضة، وقال لي: كل.
فقبضت يدي وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة.
فقال: نعم، صلى الله عليه وسلم، ولكن نَقِّ قلبك، وكُلْ فيما أحببت.
قال: فأكل في الذهب والفضة، وأكلتُ في الخليج. فلما رُفِع الطعام جيء بطِسَاس الفضة وأباريق الذهب، وأومأ إلى خادم بين يديه، فمر مسرعًا، فسمعت حِسًّا فالتفتُّ، فإذا خدم معهن الكراسي مرصعة بالجواهر، فوُضِعَتْ عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره. ثم سمعت حِسًّا، فإذا عشر جَوَارٍ قد أقبلن مطمومات الشعر متكسرات في الحَلْي عليهن ثياب الديباج، فلم أر وجوها قط أحسن منهن، فأقعدهن على الكراسي عن يمينه. ثم سمعت حِسًّا، فإذا عشر جوارٍ أخرى، فأجلسهن على الكراسي عن يساره. ثم سمعت حِسًّا، فإذا جارية كأنها الشمس حُسْنًا، وعلى رأسها تاج، وعلى ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه، وفي يدها اليمنى جامٌ فيه مسك وعنبر، وفي يدها اليسرى جامٌ فيه ماء ورد. فأومأتْ إلى الطائر، أو قال: فصفرت بالطائر، فوقع في جامِ ماء الورد فاضطرب فيه. ثم أومأت إليه، أو قال: فصفرت به، فطار حتى نزل على صليب في تاج جبلة، فلم يزل يرفرف حتى نفض ماء ريشه عليه، وضحك جَبَلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري اللواتي عن يمينه، فقال: بالله أطربنني. فاندفعن يتغنَّيْنَ، يخفقن بعيدانهن ويقلن:
لله دَرُّ عصابة نادمتُهم * يومًا بجِلَّقَ في الزمان الأوّلِ
يُسْقَوْن من ورد البريص، عليهمو * بَرَدَى يصفّق بالرحيق السَّلْسَلِ
أولاد جفنة حول قبر أبيهمو * قبر ابن ماريةَ الكريم المُفْضِلِ
يُغْشَوْن حتى ما تهرُّ كلابهم * لا يسألون عن السواد المقبلِ
بيض الوجوه كريمة أحسابهم * شُمّ الأنوف من الطراز الأولِ
قال: فضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟
قلت: لا.
قال: قائله حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم التفت إلى الجواري اللاتي عن يساره، فقال: بالله أَبْكِينَنَا.
فاندفعن يتغنَّيْنَ، يخفقن بعيدانهن ويقلن:
لمن الديارُ أقفرتْ بمعانِ * بين أعلى اليرموك فالخمّانِ؟
ذاك مَغْنًى لآل جفنةَ في الدهر محلاًّ لحادث الأزمانِ
قد أراني هناك دهرًا مكينًا * عند ذلك التاج مقعدي ومكاني
ودنا الفِصْحُ فالولائد يَنْظِمْن سراعًا أَكِلّة المرجانِ
لم يُعَلَّلْن بالمغافير والصمغ ولا نَقْف حنظل الشريانِ
قال: فبكى حتى جعلت الدموع تسيل على لحيته، ثم قال: أتدري من قائل هذا؟
قلت: لا أدري.
قال: حسان بن ثابت.
ثم أنشأ يقول:
تنصَّرَتِ الأشراف من عار لطمةٍٍ * ما كاان فيها، لو صبرتُ لها، ضررْ
تكنَّفني منها لجاجٌ ونخوةٌ * وبعتُ لها العين الصحيحة بالعَوَرْ
(يُتْبَعُ)
(/)
فيا ليت أمي لم تلدني، وليتني * رجعتُ إلى الأمر الذي قال لي عمرْ
ويا ليتني أرعى المِخَاض بقفرة * وكنتُ أسيرًا في ربيعةَ أو مُضَرْ
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ * أجالس قومي ذاهبَ السمعِ والبصرْ
ثم سألني عن حسان: أحيٌّ هو؟
قلت: نعم، تركتُه حيًّا.
فأمر لي بكُسْوَةٍ ومالٍ ونُوقٍ مُوقَرَةٍ بُرًّا، ثم قال لي: إن وجدتَه حيًّا فادفع إليه الهدية وأقرئه سلامي. وإن وجدته ميتًا فادفعها إلى أهله، وانحر الجمال على قبره.
فلما قدمتُ على عمر أخبرته خبر جبلة وما دعوته إليه من الإسلام، والشرط الذي شرطه، وأني ضمنت له التزوج، ولم أضمن له الإمرة. فقال: هلا ضَمِنْتَ له الإِمْرَة؟ فإذا أفاء الله به الإسلام قضى عليه بحكمه عز وجل. ثم ذكرتُ له الهدية التي أهداها إلى حسان بن ثابت. فبعث إليه وقد كُفَّ بصره، فأُتِيَ به وقائدٌ يقوده. فلما دخل قال: يا أمير المؤمنين، إني لأجد رياح آل جفنة عندك.
قال: نعم، هذا رجل أقبل من عنده.
قال: هات يا ابن أخي. إنه كريم من كرامٍ مدحتُهم في الجاهلية، فحلف أن لا يَلْقَى أحدًا يعرفني إلا أهدى إليَّ معه شيئًا. فدفعتُ إليه الهدية: المال والثياب، وأخبرته بما كان أَمَرَ به في الإبل إن وُجِد ميتًا. فقال: وددت أني كنت ميتًا فنُحِرَتْ على قبري. وانصرف حسان وهو يقول:
إن ابن جفنة من بقية معشرٍ * لم يَغْذُهم آباؤهم باللُّومِ
لم ينسني بالشام إذ هو ربُّها * مَلِكًا ولا متنصِّرًا بالرومِ
يعطى الجزيل، ولا يراه عنده * إلا كبعض عطيّة المذمومِ
فقال له رجل كان في مجلس عمر: أتذكر ملوكًا كفرةً أبادهم الله وأفناهم؟ قال: ممن الرجل؟ قال: مُزَنِيّ. قال: أمَا والله لولا سوابق قومك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لطوَّقْتُك طَوْقَ الحمامة.
قال: ثم جهَّزني عمر إلى قيصر وأمرني أن أضمن لجبلة ما اشترط به، فلما قدمتُ القسطنطينية وجدتُ الناس منصرفين من جنازته، فعلمتُ أن الشقاء غَلَبَ عليه في أُمّ الكتاب".
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9(/)
جوائز التفوق في الإلحاد!!
ـ[عمر الخير]ــــــــ[17 Jul 2009, 12:49 ص]ـ
يكاد المرء يصاب بصدمة شديدة من ظاهرة التطاول علي الذات الإلهية والاعتداء علي الأنبياء والرسل وامتهان القرآن الكريم في الآونة الأخيرة .. يكاد المرء يصاب بالغثيان من أولئك الذين سخروا حياتهم في الهجوم علي الدين الإسلامي الحنيف .. يكاد المرء يصاب بالجنون عندما تمنح الدولة الجوائز الرفيعة والأموال الطائلة لبعض الكتاب الذين أثارت أعمالهم الرأي العام لما تتضمنه تلك الأعمال من إساءة للإسلام والتطاول علي الذات الإلهية بزعم حرية التعبير.
في تحدي صارخ لمشاعر الشعب المصري تم منح سيد القمني جائزة الدولة التقديرية في علم الاجتماع وحصل علي مائتي ألف جنيه مكافأة له علي سب الرسول - صلي الله عليه وسلم - ووصفه ب "المزور" واعتبار الإسلام مؤامرة هاشمية لانتزاع الملك من بني أمية وتأكيده أن ماحدث في بداية بزوغ الإسلام لم يكن وحيًا وإنما مجرد تحرك سياسي وطموح وصراعات علي السلطة وتنافس علي الزعامة بين القبائل .. !!
ويمكن القول ان منح الجائزة التقديرية للكاتب سيد القمني جريمة ضد هوية مصر الإسلامية نظراً لأفكاره الغريبة والشاذة ضد الإسلام والرسول - صلي الله عليه وسلم - هذا الموضوع خطير ويجب ألا يمر مرور الكرام فلا يعقل أن نكرم كاتبًا سخر حياته في الهجوم علي الإسلام .. لايعقل أن يحصل كاتب ينكر نبوة الرسول - صلي الله عليه وسلم - علي مائتي ألف جنيه من أموال الشعب المصري.
وفي تحدي صارخ جديد من وزارة الثقافة أقامت مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع المركز القومي للترجمة في اليومين الماضيين ندوة تحت عنوان .. آليات الرقابة وحرية التعبير في الوطن العربي كان علي رأس المتحدثين الشاعر حلمي سالم صاحب قصيدة "شرفة ليلي مراد" .. والروائي السوري حيدر حيدر صاحب رواية .. "وليمة لأعشاب البحر" التي أثارت الرأي العام في شهر مايو عام 2000 لما تتضمنه من تطاولات غريبة علي المولي عز وجل ورسوله - صلي الله عليه وسلم -.
كعادته واصل الشاعر حلمي سالم هجومه علي الإسلام وطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص علي أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر .. وطالب سالم كذلك - في الندوة - بإلغاء تلاوة القرآن الكريم في طابور الصباح .. بل وصف سيادته مجمع البحوث الإسلامية والأزهر الشريف وجبهة علماء الأزهر ولجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب ب "الكهنوت الأعظم".
ليس غريبا علي حلمي سالم الهجوم علي الإسلام والتطاول علي الذات الإلهية فقد سبق له تأليف قصيدة تحمل اسم "شرفة ليلي مراد" تعرضت بعض مقاطع فيها للذات الإلهية بالإساءة الشديدة وتتضمن جرأة غريبة علي المولي عز وجل ويصوره بأنه يمسك الجناة من قفاهم كأنه شرطي!! ويصفه بعسكري المرور الذي ينظم حركة السير في الشارع ويشبهه بالقروي الذي يزغط البط في الريف.
ورغم أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف أكد أن هذا الكلام لايصدر إلا عن مخمور وأن كاتبه ملحد ينشر الإلحاد ويسميه إبداعًا إلا أن حلمي سالم حصل علي جائزة الدولة التقديرية في الآداب بعد شهرين فقط من نشر القصيدة بمجلة إبداع وكان ذلك في شهر يونيو عام 2007 وهذا يؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الطريق السهل للحصول علي الجوائز الرفيعة والأموال الطائلة هو التطاول علي الذات الإلهية وسب الرسول - صلي اله عليه وسلم -!!
صدمة شديدة تعرضت لها بصفة شخصية عندما علمت أن مكتبة الإسكندرية استضافت الروائي السوري حيدر حيدر مؤلف رواية "وليمة لأعشاب البحر" فهذا الروائي تسبب في إثارة الرأي العام في مصر عام 2000 عندما أعادت هيئة قصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة طبع وتوزيع روايته التي تتضمن تطاولات واعتداءات علي المولي عز وجل وتصف الرسول - صلي الله عليه وسلم - ب "المزواج".
والروائي السوري حيدر حيدر الذي استضافته مكتبة الإسكندرية في اليومين الماضيين وصفه فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في شهر مايو عام 2000 بأنه منحرف عقلياً ووجدانياً وحاقد علي الأديان ووصف مجمع البحوث الإسلامية الرواية بأنها مليئة بالمغالطات والعبارات والألفاظ التي تهين المقدسات والقيم الدينية وتفتري علي الرسول - صلي الله عليه وسلم - وتحرف آيات القرآن الكريم وأنها خرجت علي الآداب العامة خروجا فاضحاً بالدعوة إلي الجنس غير المشروع وأنها حرضت صراحة علي إهانة جميع الحكام العرب ووصفتهم بأقبح وأقذع الأوصاف.
ويمكن القول أن رواية "وليمة لأعشاب البحر" ماهي إلا رواية فاسقة وساقطة وسخيفة ومعدومة القيمة .. بها ألفاظ جارحة وعبارات فاحشة هابطة .. بها تطاول علي الذات الإلهية .. بها اعتداء علي الأديان والمقدسات والرسل والأنبياء .. تسب الله وتهين القرآن .. تشوه الخالق وتصف القرآن ب "الخراء" .. تصف الله سبحانه وتعالي بالفنان الفاشل .. تصف الرسول - صلي الله عليه وسلم - ب "المزواج".
الغريب أن المعسكر العلماني يري أن الرواية لاتخرج عن حرية الرأي والتعبير!! ..
لا أعرف هل وصف الأنبياء بالشذوذ هو حرية رأي؟! وهل وصف الخالق عز وجل بالفنان الفاشل هو حرية تعبير؟!
والمعسكر العلماني يصف تلك الرواية الهابطة بالإبداع!! وأقول لهم: أي إبداع الذي يصف الرسول - صلي الله عليه وسلم - ب "المزواج"؟! أي إبداع الذي يكتب عبارات جنسية تثير الغرائز؟ أي إبداع الذي يسب الله عز وجل؟ أي إبداع الذي يهين القرآن؟ سبحان الله علي الإبداع الذي يتحدثون عنه.
وفي النهاية يمكن القول أن منح سيد القمني جائزة الدولة التقديرية ومن قبله حلمي سالم واستضافة وتكريم الروائي السوري حيد حيدر هو بمثابة تشجيع وتحفيز لأعداء الإسلام علي التمادي في التطاول علي الذات الإلهية والهجوم علي الإسلام وتحدي سافر لمشاعر المسلمين واستهانة بعقائدهم السمحة واستخفاف بالرأي العام.
بقلم أ. جمال عبدالرحيم - جريده الجمهوريه
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[حَنان]ــــــــ[17 Jul 2009, 11:52 م]ـ
لا حول ولا قوة الا بالله
اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك
ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[18 Jul 2009, 06:24 ص]ـ
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[18 Jul 2009, 02:08 م]ـ
إخوتي الكرام:
قضية الجوائز للإبداع في الإلحاد، وتعزيزا لمواقف وآراء الملحدين أمر طبيعي ممن يشاكلونهم، ويشابهونهم، بل ويماثلونهم ..
ولقد استوقفني ما نقلت من دعوة واحد منهم إلى شطب المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر القانون المصري ..
إن هذا لمن السخرية بالمسلمين، ومن ذر الرماد في العيون، ومن الضحك على الذقون، ولا أعرف كيف أصفه ..
إن الشعب المصري والإسلامي بشكل عام لا تنطلي عليه هذه الألاعيب الصبيانية؛ فكل دساتير دول العالم الإسلامي يكتبون فيها هذه المادة - وراجع مثلا الدستور المغربي التونسي الباكستاني الموريتاني ... إلخ - ومع ذلك تجد آلاف القوانين المضادة للشريعة بشكل فاضح ودع عنك ما يخالف القول الراجح فهو بالمليارات ..
إن أكبر سخرية من الشعب الإسلامي هو ما يروج له الإعلام والعلمانيون القائمون عليه وليس غريبا أن يجدوا الدعم من المتهوكين المتهفكين من الوزراء والمشرعين من دون الله تعالى ..
ولكن الغرابة أن يجدوا مشجعين أو ساكتين أو منخدعين ممن يدعي العلم الشرعي ويضع تحت ذقنه أحمر شفاه يخفي به تجعدات وتقرحات وجهه الشرعي ..
اسمحوا لي - أيها الإخوة - إن نبت عبارتي أو استعملت عبارات جارحة، فالمؤمن الحق هو الذي إذا انتهكت حرمات الله تعالى زال عقله وتفوه بما لا يعرف لا لغة ولا شرعا، فهنا يذوب التعريف اللغوي والإصطلاحي ..(/)
موت الإله فى فكر الحداثيين العرب
ـ[احمد الفار]ــــــــ[22 Jul 2009, 12:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد
فقد انتهكت أوربا القداسة وتطاولت على الذات الإلهية , فكان الحصاد إلها ناقصا بل إلها ميتا
يقول فويرباخ (إن الإنسان هو الذى خلق الله على صورته ومثاله , فهو إنما يتعبد لنفسه حين يتعبد لله دون أن يدور بخلده أنه قد انتزع من نفسه خير ما فيها لكى يزيد من خصب تلك الصورة المثالية التى ابتدعها لنفسه) (1)
ومعنى هذا أن الدين فى رأى فويرباخ , إن هو إلا مجرد وهم ينسب الإنسان بمقتضاه كمالاته الخاصة إلى موجود أسمى , يظن أنه متمايز عنه عن وعيه الخاص , وتبعا لذلك فإن الله ليس إلا الإنسان المثالى , الإنسان على نحو ما ينبغى أن يكون الإنسان كما يكون (2)
ولم يقف فلاسفة التنوير عند هذا الحد بل إن الله تعالى عما يقولون علوا كبيرا , قد مات وتعفن كما أعلن نيتشة (إلى أين مضى الله؟ سأقول لكم إلى أين مضى , لقد قتلناه , أنتم وأنا أجل نحن الذين قتلناه , نحن جميعا قاتلوه ألا تشمون رائحة العفن الإلهى؟
إن الآلهة أيضا تتعفن! لقد مات الله وسيظل ميتا) (3)
هذا العفن الفكرى نقله الحداثيون العرب بحذافيره
يقول نزار قبانى:
من بعد موت الله مشنوقا
على باب المدينة
لم تبق للصلوات قيمة
لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة
ويقول:
من أين يأتي الشعر يا قرطاجة
والله مات وعادت الأنصاب
ويقول:
حين رأيت الله
في عمّان مذبوحاً
على أيدي رجال البادية غطيت وجهي بيدي
وصحت: يا تاريخ!
هذي كربلاء الثانية
ويقول الشاعر الفلسطينى توفيق صايغ:
قلبى بحر لم يعد يمشى عليه الألم
طارد الإله من بعد, وإما قضى
احتوى جثمانه ثلاث ليال
قلبى قبر أفلت منه جثمان الإله
ويقول بدر شاكر السياب:
فنحن جميعاً أموات
أنا ومحمد والله وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة
عليها يكتب اسم محمد والله
ويقول عبد الوهاب البياتى من العراق:
رأيت الإله على المقصلة
رأيت الديوك على المزبلة
ويقول أدونيس فى قصيدة الإله الميت:
اليوم صرفت سراب السبت سراب الجمعة
اليوم طرحت قناع البيت
وبدلت إله الحجر الأعمى وإله الأيام السبعة بإله ميت
ويقول أيضا فى قصيدة موت:
نموت إن لم نخلق الآلهة
نموت إن لم نقتل الآلهة
يا ملكوت الصخرة التائهة
ويقول فى قصيدة الصخرة العاشقة:
وغدا نقتل الإله الهزيل بدم الصاعقة
ويقول فى قصيدة هذا هو اسمى:
طفل يشب وللأرض إله أعمى يموت
ورأيت الله كالشحاذ فى أرض على
ويقول فى نفس القصيدة:
سقط الخالق فى تابوته
سقط المخلوق فى تابوته
وكما أمات شعراء الحداثة الله سبحانه وتعالى , أمات فلاسفتهم أيضا الله سبحانه وتعالى , ويطول المقام لو ذكرنا موت الله عند فلاسفة الحداثة كلهم. ولنأخذ مثالا على ذلك بالجزائرى محمد أركون , ولا يخفى أن هذا الأركون له قيمة كبيرة عند الحداثيين العرب
يؤشكل أركون مفهوم الألوهية فيجعل الله تعالى مشكلة أو عائقا ضد الوصول إلى الحداثة المرجوة فيقول: ( ... فكيف نعبر عنه باللغة العربية؟ هل نقول: مشكل الله أو مشكلة الله ... ) (4) وهكذا أصبح الله مشكلة يجب حلها والتعامل معها , فكيف يتعامل معها أركون؟ لم يجد سوى نيتشه هو الذى يريحه من الله ومن مشكلته يقول أركون: (يجب علينا أن نفعل ما فعله نيتشه فى منهجية الجينيالوجيا عندما كشف عن أصل الأخلاق المسيحية) (5)
ويقرر أركون منهجية نيتشه بقوله: (إن التصور القروسطى (أى تصورنا نحن المسلمين) المظلم والقمعى عن الله والتأله قد مات , أو ينبغى أن يموت , لماذا؟ لكى يفسح المجال لتصور أكثر رحابة ومحبة وغفرانا وهكذا , محل التصور الذى يقمعنا ويسحقنا , يحل التصور الآخر الذى الذى يسامحنا ويحررنا
ويمكن القول بأن التصور الحديث لله يتجلى فى الأمل فى الإنفتاح على أفق الأمل , الأمل بالخلود الأمل بالحرية , الأمل بالعدالة , الأمل بتصالح الإنسان مع ذاته , هذا هو الله بالنسبة للعالم الحديث والتصور الحديث) (6)
وهكذا أبدلت الحداثة الله تعالى بإله جديد هو الأمل, وتخلصت من الإله القديم الذى يقمعنا
سبحانك هذا بهتان عظيم
(1) مشكلة الإنسان د. زكريا إبراهيم ص 182
(2) السابق نفس الصفحة
(3) السابق ص 187
(4) الإسلام والحداثة ص343
(5) قضايا فى نقد العقل الدينى ص 278
(6) السابق 282
ـ[الجكني]ــــــــ[22 Jul 2009, 03:35 م]ـ
لست ممن ينكر " المجاز " في لغة العرب، لكن هذا المجاز الذي في عنوان هذا المقال - موت الله، تعالى الله - أنكره أشد الإنكار، فياليت الاسم الشريف والأعظم " الله " يغيّر من عنوان المقال، مع ما في النفس من ضيق حول نشر هذه الخزعبلات في ملتقى للتفسير.
والله من وراء القصد.(/)
القرآن و كروية الأرض
ـ[محمد الحريص]ــــــــ[24 Jul 2009, 11:02 م]ـ
بسم اللهِ الرحمن الرحيم
أقولُ مستعيناً باللهِ وحده،
الأرضُ في ديننا كرويةٌ وهذا ثابتٌ بالكِتابِ والسنةِ و إجماعِ أهلِ العلم. و سأذكرُ أولاً أدلتنا من الكتابِ والسنة ثم أنقلُ إجماعات أهل العلم ثم أذكر مبحثاً أختمُ بهِ سيكونُ عن علماء المسلمين وكرويةُ الأرض.
أولاً الأدلةُ من الكَتابِ العزيز:
1 - قَالَ اللهُ سُبحانهُ وتَعالى {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} الانشقاق3
قالَ الإمامُ الطاهر ابنُ العاشور - رَحِمَهُ الله -: "مدها بسطها .... ومن معاني المد أن يزال تكويرها بتمدد جسمها حتى تصير إلى الاستطالة بعد التكوير" اهـ
المصدر: من كتابِ التحرير والتنوير (30/ 195).
قالَ الشيخُ سيد قطب - رَحِمَهُ اللهُ -: " {وإذا الأرض مدت}. . وقد يعني هذا مط رقعتها وشكلها، مما ينشأ عن انقلاب النواميس التي كانت تحكمها، وتحفظها في هذا الشكل الذي انتهت إليه والمقول إنه كري أو بيضاوي ... " اهـ
المصدر: من كِتابِ في ظلالِ القرآن (7/ 495)
قلتُ: قولهُ (والمقولُ إنهُ - أي شكلُ الأرض - كريٌ أو بيضاوي) فيهِ دِلالةٌ بأنَّ القولَ بنفي الكرويةِ عن الأرض = قولٌ شاذٌ عندَ علماءِ المسلمين .. لذا لم يذكرهُ هنا ولم يلتفت له.
قالَ الإمامُ القرطبيُ - رحمهُ اللهُ -: " قوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أي بسطت ودكت جبالها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تمد مد الأديم" لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه وامتد واستوى." اهـ
المصدر: الجامعُ في أحكامِ القرآن (19/ 270)
قالَ الإمامُ ابنُ كثير - رحِمهُ الله - " (وَإِذَا الأرْضُ مُدَّتْ} أي: بُسطت وفرشت.
المصدر: تفسير القرآن العظيم (8/ 356)
قلتُ: فإذا كانت الأرضُ ستبسطُ وتفرشُ وتكونُ ممدودةً يومَ القيامة، فهذا دليلٌ على أنها ليست كذلكَ الآن .. بل كروية
قالَ الإمامُ الشوكانيُ - رحمهُ الله - " {وإذا الأرض مدت} أي بسطت كما تبسط الأدم ... " ثم ذكرَ أثراً عن أميرِ المؤمنينَ علي - رضيَ اللهُ عنهُ - قالَ فيهِ: " {وإذا الأرض مدت} قال: يوم القيامة.
المصدر: فتحُ القدير الجامع بين فني الدرايةِ والروايةِ من علمِ التفسير (5/ 578)
قلتُ: فإذا كانت الأرضُ ستبيطُ يومَ القيامةِ كما تبسطُ الأدم .. فهذا دليلٌ على أنها ليست كذلكَ الآن بل كرويةُ الشكل.
قالَ الإمامُ الضحاك - رحمهُ الله -: "مدت أي بسطت"
المصدر: روح المعاني (30/ 79)
قالَ الإمامُ الرازي - رحمهُ الله -: " ... وعن ابن عباس أنها تمدُ مدَ الأديم ... (وألقت مافيها وتخلت) والمعنى أنها لما مدت رمت بما في جوفها"
المصدرُ: تفسير الرازي (16/ 416)
قالَ الإمامُ الفَراء - رحمهُ الله -: "وقوله عز وَجل: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ ... }.بسطت ومُدِّدت كما يمدّد الأديم"
المصدر: معاني القران (5/ 197)
قالَ الشيخُ العلامةُ محمد ابن عثيمين - رحمهُ الله - {وإذا الأرض مدت} هذه الأرض التي نحن عليها الان هي غير ممدودة، أولاً: أنها كرة مدورة، وإن كانت جوانبها الشمالية والجنوبية منفتحة قليلاً ـ أي ممتدة قليلاً ـ فهي مدورة الآن، ثانياً: ثم هي أيضاً معرجة فيها المرتفع جداً، وفيها المنخفض، فيها الأودية، فيها السهول، فيها الرمال، فهي غير مستوية لكن يوم القيامة {وإذا الأرض مدت} أي تمد مدًّا واحداً كمد الأديم يعني كمد الجلد، كأنما تفرش جلداً أو سماطاً، تُمد حتى إن الذين عليها ـ وهم الخلائق ـ يُسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، لكن الآن لا ينفذهم البصر، لو امتد الناس على الأرض لوجدت البعيدين منخفضين لا تراهم لكن يوم القيامة إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم كما جاء في الحديث: «يجمع الله تعالى يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفُذُهُم البصر»)
المصدر: تفسير جزء عم للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
2 - قال اللهُ سبحانهُ وتعالى (وألقت مافيها وتخلت)
قالَ الإمامُ الطاهرُ ابن عاشور - رحمهُ الله -: " {تَخَلَّتْ} أي أخرجت ما في باطنها." اهـ
المصدر: التحرير والتنوير (30/ 196)
(يُتْبَعُ)
(/)
قالَ الإمامُ ابنُ جبير - رحمهُ الله -: "ألقت ما في بطنها من الموتى، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء. وقيل: ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها، وتخلت منها. أي خلا جوفها، فليس في بطنها شيء، وذلك يؤذن بعظم الأمر، كما تلقى الحامل ما في بطنها عند الشدة .. " اهـ
المصدر: الجامع للأحكام القرآن (19/ 270)
قلتُ: تأملوا قولَ الإمام (بطنها، جوفها) هذا يدلُ دليلاً قاطعاً على أنّ كرويةَ الأرض أمرٌ مسلمٌ بهِ عندَ علماء المسلمين، وسأذكر ما تقرُ بهِ أعينكم قريباً.
قالَ الإمامُ ابنُ كثير - رحمهُ الله - " {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} أي: ألقت ما في بطنها" اهـ.
المصدر: تفسير القرآن العظيم (8/ 356)
قالَ الإمامُ أبو السعود - رحمهُ الله - " أي رمت ما في جوفها " اهـ
المصدر: تفسيرُ أبي السعود (9/ 131)
قالَ الإمامُ القرطبي - رحمهُ اللهُ - " أي خلا جوفها" اهـ.
المصدر: أحكامُ القرآن (19/ 270)
قالَ الإمامُ الطبري - رحمهُ الله -: " (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) يقول جلّ ثناؤه: وألقت الأرض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلَّتْ منهم إلى الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"
المصدر: جامعُ البيان عن تأويل آي القرآن (24/ 311)
قالَ الإمامُ الرازي - رحمهُ الله - " {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} فالمعنى أنها لما مدت رمت بما في جوفها من الموتى والكنوز. اهـ
المصدر: تفسير الرازي (16/ 416)
3 - قالَ سبحانهُ وتعالى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) الزمر5
جاءَ في تفسيرِ المنار " قوله تعالى: (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) (39: 5) تقول العرب: كار العمامة على رأسه إذا أدارها ولفها، وكورها بالتشديد صيغة مبالغة وتكثير، فالتكوير في اللغة: إدارة الشيء على الجسم المستدير كالرأس، فتكوير الليل على النهار نص صريح في كروية الأرض" اهـ
وفيهِ أيضاً " وهاتان الآيتان تدلان على استدارة الأرض ودورانها حول الشمس كما بيناه في مواضع من ((المنار))
وفيهِ أيضاً " وقد اتفق المحققون من علماء المسلمين كالغزالي والرازي من أئمة المعقول، وابن تيمية وابن القيم من أئمة المنقول على كروية الأرض وظواهر النصوص أدل على هذا"
المصدر: تفسير المنار (1/ 177) و (2/ 48) و (8/ 404)
قالَ الإمامُ الطاهرُ ابنُ العاشور - رحمهُ الله- " والتكوير حقيقته: اللف والليُّ، يقال: كور العمامة على رأسه إذا لواها ولفها، ومثلت به هنا هيئة غشيان الليل على النهار في جزء من سطح الأرض وعكس ذلك على
التعاقب بهيئة كور العمامة إذ تغشى اللية اللية التي قبلها. وهو تمثيل بديع قابل للتجزئة بأن تشبه الأرض بالرأس، ويشبه تعاور الليل والنهار عليها بلف طيات العمامة، ومما يزيده إبداعا إيثار مادة التكوير الذي هو معجزة علمية من معجزات القرآن المشار إليها في المقدمة الرابعة والموضحة في المقدمة العاشرة فإن مادة التكوير جائية من اسم الكرة، وهي الجسم المستدير من جميع جهاته على التساوي، والأرض كروية الشكل في الواقع وذلك كان يجهله العرب وجمهور البشر يومئذ فأومأ القرآن إليه بوصف العرضين اللذين يعتريان الأرض على التعاقب وهما النور والظلمة، أو الليل والنهار، إذ جعل تعاورهما تكويرا لأن عرض الكرة يكون كرويا تبعا لذاتها، فلما كان سياق هذه الآية للاستدلال على الإلهية الحق بإنشاء السماوات والأرض اختير للاستدلال على ما يتبع ذلك الإنشاء من خلق العرضين العظيمين للأرض مادة التكوير دون غيرها من نحو الغشيان الذي عبر به في قوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} في سورة الأعراف [54]،لأن تلك الآية مسوقة للدلالة على سعة التصرف في المخلوقات لأن أولها: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54] فكان تصوير ذلك بإغشاء الليل والنهار خاصة لأنه دل على قوة التمكن من تغييره أعراض مخلوقاته، ولذلك اقتصر على تغيير أعظم عرض وهو النور بتسليط الظلمة عليه، لتكون هاته الآية لمن يأتي من
(يُتْبَعُ)
(/)
المسلمين الذين يطلعون على علم الهيئة فتكون معجزة عندهم. اهـ
المصدر: التحرير والتنوير (24/ 20)
قالَ الإمامُ سيد قطب - رحمهُ الله - عن قولهِ تعالى (يكورُ الليل على النهار ويكورُ النهار على الليل): "
وهو تعبير عجيب يقسر الناظر فيه قسراً على الالتفات إلى ما كشف حديثاً عن كروية الأرض ومع أنني في هذه الظلال حريص على ألا أحمل القرآن على النظريات التي يكشفها الإنسان، لأنها نظريات تخطئ وتصيب، وتثبت اليوم وتبطل غداً. والقرآن حق ثابت يحمل آية صدقه في ذاته، ولا يستمدها من موافقة أو مخالفة لما يكشفه البشر الضعاف المهازيل!
مع هذا الحرص فإن هذا التعبير يقسرني قسراً على النظر في موضوع كروية الأرض. فهو يصور حقيقة مادية ملحوظة على وجه الأرض. فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس؛ فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهاراً. ولكن هذا الجزء لا يثبت لأن الأرض تدور. وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار. وهذا السطح مكور فالنهار كان عليه مكوراً والليل يتبعه مكوراً كذلك. وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخرى يتكور على الليل. وهكذا في حركة دائبة: {يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل}. . واللفظ يرسم الشكل، ويحدد الوضع، ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها.وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير تفسيراً أدق من أي تفسير آخر لا يستصحب هذه النظرية.
المصدر: في ظلال القرآن (6/ 225)
قالَ الإمامُ القرطبي - رحمهُ الله -: " أي يلقي هذا على هذا وهذا على هذا. وهذا على معنى التكوير في اللغة وهو طرح الشيء بعضه على بعض؛ يقال كور المتاع أي ألقى بعضه على بعض؛ ومنه كور العمامة. وقد روي عن ابن عباس هذا في معنى الآية." اهـ
المصدر: الجامع للأحكام القرآن (15/ 235)
قَالَ ابنُ قتيبة: " وأصلُ التكوير اللف" اهـ
المصدر: زاد المسير (7/ 163)
قالَ الإمامُ الألوسي - رحمهُ الله-:"ا لتكوير في الأصل هو اللف واللي من كان العمامة على رأسه وكورها "اهـ
المصدر: روح المعاني (17/ 421)
قالَ الفراء - رحمهُ الله-: " اصل التكوير في اللغة اللف والجمع ومنه كور العمامة ومنه إذا الشمس كورت "
المصدر: معاني القرآن (6/ 152)
3 - قال تعالى: (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)
قالَ الإمامُ الطاهرُ ابن عاشورٍ - رحمهُ الله-: " وتنوين {كُلٌّ} تنوين عوض عن المضاف إليه المحذوف، فالتقدير: وكل الكواكب. وزيدة قرينة السياق تأكيدا بضمير الجمع في قوله: {يَسْبَحُونَ} مع أن المذكور من قبل شيئان لا أشياء، وبهذا التعميم صارت الجملة في معنى التذييل. والفلك: الدائرة المفروضة في الخلاء الجوي لسير أحد الكواكب سيرا مطردا لا يحيد عنه" اهـ
المصدر: التحرير والتنوير (22/ 253)
قالَ الإمام سيد قطب - رحمهُ الله -: " والتعبير القرآني عن هذه الظاهرة في هذا الموضع تعبير فريد. فهو يصور النهار متلبساً بالليل؛ ثم ينزع الله النهار من الليل فإذا هم مظلمون. ولعلنا ندرك شيئاً من سر هذا التعبير الفريد حين نتصور الأمر على حقيقته. فالأرض الكروية في دورتها حول نفسها في مواجهة الشمس تمر كل نقطة منها بالشمس؛ فإذا هذه النقطة نهار؛ حتى إذا دارت الأرض وانزوت تلك النقطة عن الشمس، انسلخ منها النهار ولفها الظلام وهكذا تتوالى هذه الظاهرة على كل نقطة بانتظام وكأنما نور النهار ينزع أو يسلخ فيحل محله الظلام. فهو تعبير مصور للحقيقة الكونية أدق تصوير." اهـ
المصدر: في ظلال القرآن (6/ 176)
قَالَ الإمامُ القرطبي عن الفلك: " واحده فلك، مثل أسد وأسد، وخشب وخشب، وأصله من الدوران، ومنه: فلك السماء التي تدور عليه النجوم. وفلكت الجارية استدار ثديها، ومنه فلكة المغزل. وسميت السفينة فلكا لأنها تدور بالماء أسهل دور.
وفي حديث ابن مسعود: تركت فرسي كأنه يدور في فلك. كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم
" اهـ
المصدر: الجامع في أحكام القرآن (2/ 194)
وقالَ: {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ... أي: يدورون اهـ.
المصدر السابق
قالَ الإمام ابنُ كثير - رحمهُ اللهُ -: " {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:40]، أي: يدورون. قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة. وكذا قال مجاهد" اهـ.
(يُتْبَعُ)
(/)
المصدر: تفسير القرآن العظيم (5/ 341)
قالِ شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمهُ الله -: " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِالاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ; لاسْتِدَارَتِهَا.
فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " هُوَ الْمُسْتَدِيرُ وَالْمَعْرِفَةُ لِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنْ السَّلَفِ وَمِنْ اللُّغَةِ: الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ.
المصدر: مجموع الفتاوى (6/ 587)
4 - قولهُ تعالى (يغشي الليل النهار)
جاءَ في تفسير المنار " (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) (39: 5) وقوله: (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا) (7: 54) وهاتان الآيتان تدلان على استدارة الأرض ودورانها حول الشمس كما بيناه في مواضع من ((المنار)) بالتفصيل وفي ((التفسير)) بالإجمال.
وفيهِ أيضاً " وإن دلالة القرآن على كروية الأرض ودورانها واضحة كآية الأعراف التي أشرنا إليها آنفا: (يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا)
المصدر: تفسير المنار (2/ 48) و (12/ 20)
المبحث الثاني
يارب يسر وأعن يا كريم
الأدلةُ المتفقُ عليها عندَ أهل السنةِ والجماعة ثلاثُ أنواع:
1 - القرآن الكريم.
2 - الأحاديث الشريفة.
3 - الإجماع. قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلم " لا تَجتَمِعُ أمتي عَلَى ضلالة".
قالَ الإمامُ ابنُ الصلاحِ رحمهُ الله: " قالَ الإِمامُ ابنُ الصَلاَحِ - رحمهُ الله -:وَمَن خَالَفَ إِجمَاعَهُم، فَعَليهِ مَافي قَولهِ تَعَالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)
المصدر: انظر فتاوى ابن الصلاح (300 - ) بتحقيق الددكتورقلعجي.
و الآن نسعينُ باللهِ ونشرعُ في ذكر ما نحنُ بصددهِ.
إجماعُ أهل العلم على كرويةِ الأرض
الإجماع الأول:
التعريفُ بناقله: هو شيخ الإسلام الإمام أبو العباس: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي.
و هو من أكبر علماء الإسلام على مر التاريخ و أشهرهم على الإطلاق لهُ مؤلفاتٌ كثيرة جداً منها (مجموع الفتاوى، التدمرية، الحموية، درء تعارض العقل والنقل، العرشية، منهاج السنة، الواسطية، العبودية،وغيرها من المؤلفات المنتشرة)
رحمهُ اللهُ و أسكنهُ فسيحَ جناتهِ.
قالَ شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ - رَحِمَهُ الله -: " اعلم أنّ الأرض قد اتفقوا على أنها كرية الشكل" اهـ
المصدر: الأسماء والصفات للشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 114)
و في مجموعِ الفتاوى:
"سئل:عن رجلين تنازعا في " كيفية السماء والأرض " هل هما " جسمان كريان "؟ فقال أحدهما كريان؛ وأنكر الآخر هذه المقالة وقال: ليس لها أصل وردها فما الصواب؟.
فأجاب:
السموات مستديرة عند علماء المسلمين وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام: مثل
1 - أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف.
2 - وحكى الإجماع على ذلك الإمام أبو محمد بن حزم
3 - وأبو الفرج بن الجوزي وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية" اهـ
المصدر: مجموع الفتاوى (6/ 586)
قلتُ: شيخُ الإسلام رحمهُ اللهُ ينقلُ الإجماع على كروية السماء والأرض و يذكرُ أنّ ثلاثةَ من أكابر العلماء نقلوا الإجماع على ذلك أيضاً، فهل كلهم على خطأ والأخ هنقري على الصواب؟!
الإجماع الثاني
(يُتْبَعُ)
(/)
التعريفُ بناقله: هو الأمام البحر , ذو الفنون والمعارف , أبو محمد , علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الأندلسي القرطبي.
يعتبرُ من أكابر العلماء ولهُ تنسبُ الفرقةُ الظاهرية،
قالوا عنه: قالَ عنهُ ابن خلكان في وفياتِ الأعيان: "كان حافظا عالما بعلوم الحديث مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد ان كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبي الملك متواضعا ذا فضائل وتآليف كثيرة " اهـ
لهُ مؤلفاتٌ كثيرةٌ جداً منها (المحلى، الفصل في الملل والنحل، طوق الحمامة، الإحكام في أصول الأحكام،الخ) و غيرها من الكتب التي عم نفعها وذاعَ صيتها
قالَ - رحمهُ الله - في كتابِ الفصل في الملل والنحل و في بابِ (بيان كروية الأرض):
مطلب بيان كروية الأرض
نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به وذلك أنهم قالوا أن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول غير ذلك وجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن أحد من أئمة المسلمين المستحقين لإسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها" اهـ
المصدر: الفصل في الملل والنحل (2/ 78)
الإجماع الثالث
التعريفُ بناقله: هو هو أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري يعرفُ بإبن الجوزي.
قالوا عنه:
قال عنه ابن كثير: "أحد أفراد العلماء، برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوًا من ثلاثمائة مصنف".
وقال عنه الذهبي: "ما علمت أن أحدًا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل".
مؤلفاته:
لهُ مؤلفاتٌ كثر منها (صيد الخاطر، زاد المسير، لفتةُ الكبد، المنتظم، ذم الهوى
، تلبيس إبليس .. وغيرها من المؤلفات)
قَالَ - رحمهُ اللهُ -: "لا اختلاف بين العلماء في أن السماء مثال الكرة، وأنها تدور بجميع ما فيها من الكواكب كدور الكرة على قطبين ثابتين غير متحركين، أحدهما في ناحية الشمال، والآخر في ناحية الجنوب.
وكذلك أجمعوا على أن الأرض مثل الكرة، "
المصدر: مقدمةٌ كتابِ المنتظم في تأريخ الملوكِ والأمم.
تم و لله الحمد(/)
القمنى بلبوصا! فضح مخازى القمنى فى كتاب: الحزب الهاشمى
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[13 Aug 2009, 12:10 ص]ـ
القمنى بلبوصًا!
(فضح مخازى القمنى فى كتاب "الحزب الهاشمى")
د. إبراهيم عوض
كنت قد كتبت مقالا منذ عدة سنوات بعنوان "اعتزال سيد القمنى" تعرضت فيه، ضمن موضوعات أخرى، إلى موضوع الدكتورية التى ينتحلها القمنى، ويشكك ناس كثيرون فى حصوله عليها من الأساس، وقلت آنذاك: "إن الكرة الآن فى ملعب سيد القمنى، ومن ثم فبيده إذا أراد أن يضع حدا لهذا اللغط وذلك الاختلاف، إن لم يكن من أجل تبرئة ساحته والنَّأْى بسمعته عن أن تكون محلا للتشكيك من قِبَل المخالفين أو للمزايدة من جانب المشايعين، فعلى الأقل من أجل تجلية الحقيقة، تلك الحقيقة التى يعلن دائما أنه إنما يتجشم ما يتجشم فى الكتب التى تحمل اسمه من أجل إظهارها! فهل تراه يفعل وينهى هذا الخلاف الذى أذكر أنه قد ثار من قبل منذ وقت غير قريب، ولم يحاول من يومها فى حدود علمى أن يحسمه، مع أن حسمه فى منتهى السهولة، إذ كل ما هو مطلوب منه أن يحدد القسم والكلية والجامعة التى درس فيها وحصل منها على درجة الدكتوراه، والموضوع الذى كتب فيه رسالته، والمشرف الذى كان يدرس على يديه طوال تلك الفترة، والمكتبة الجامعية التى يمكن المتشككين أن يراجعوها ليَرَوْا نسخ الرسالة التى حصل بها على الدرجة المذكورة، والتاريخ الذى تم فيه ذلك، والزملاء الذين كانوا يدرسون معه تحت توجيه المشرف ذاته، ومدى أهلية الجامعة التى حصل منها على الدكتوراه لإعطاء مثل تلك الشهادة إن كان حقًّا وصدقًا قد حصل عليها، ولماذا لم يطبع رسالته حتى الآن يا ترى؟ بل لماذا لا نرى له مؤلَّفا واحدا فى تخصصه، وهو الفلسفة، فى الوقت الذى نرى عدة مؤلفات (لا عشرات كما يزعمون) تحمل اسمه، كلُّها فى الإسلاميات، وهى ليست من تخصصه ولا هو منها فى شىء؟ ... مما يستطيع أن يجُبّ به عن نفسه الغِيبَة ويُلْقِم المتَّهِمين له حجرا يُسْكِتهم بل يُخْرِسهم، وفى نفس الوقت يريح ضمائر الباحثين عن الحق والحقيقة، ولا شىء غير الحق والحقيقة؟
إن الأمر، كما نرى، فى منتهى السهولة واليسر، ولا يحتاج لوقت أو جهد أو بحث أو مال أو أى شىء آخر سوى أن يجيب سيد القمنى على الأسئلة السالفة، وكان الله يحب المحسنين! وبغير ذلك فللقارئ الحق فى تصديق اتهام المتَّهِمين للقمنى بأنه لم يحصل على الدكتوراه على الأقل، وبخاصة أنه من غير المفهوم أن يبقى عبقرى مثله خارج الجامعة دون أن يحاول على أهون تقدير أن يتقدم لشَغْل وظيفة مدرس فى إحدى الجامعات المصرية مادام حاصلا على جواز المرور الذى يخوِّل له العبور من بوابة الجامعة إلى حيث يكون دكتورا فيها بدل بقائه دون شغل ثابت فيما أفهم طوال هذا الوقت، أو على الأقل: فى وظيفة أقل مستوى من شهادته وخبرته! والطريف أن سيد القمنى يكتب تحت اسمه فى بعض المواقع أنه "باحث أنثروبولوجى وأستاذ جامعى من مصر". فأما "باحث أنثروبولوجى" فنفوّتها له، لكن متى كان سيادته أستاذا فى الجامعة؟ ليس الأستاذ الجامعى بالتمنى، ولكن ما وقر فى كشوف أعضاء هيئة التدريس، وصدّقه دخول المحاضرات وقبض المرتبات".
وبعدها بعدة سنوات تناول د. قاسم عبده قاسم، فى خبر منشور فى 25/ 7/ 2009م بجريدة "المصريون" الضوئية عنوانه: "قاسم عبده قاسم: على مسؤوليتي الشخصية القمني لا يحمل الدكتوراة"، ذات النقاط التى لمستها فى مقالى فقال إن حالة سيد القمني حالة مزورة بالكامل. مؤكدا في شهادته لـ"المصريون" أن القمني لا يحمل شهادة الدكتوراة. وأضاف بلهجة حاسمة قوله: هذا الكلام على مسؤوليتي الشخصية: القمني ليس حاصلا على الدكتوراة. ثم استمر يقول: أتحدى القمني ومن رشحوه ومن منحوه الجائزة أن يظهروا للناس شهادة الدكتوراة التي يزعمون أنه يحملها. هذا نموذج للتزوير في أفحش صوره، وما يدعيه من حصوله على الدكتوراة محض كذب وانتحال. هذا نموذج للتزوير في أفحش صوره وما يدعيه من حصوله على الدكتوراة محض كذب وانتحال. وقال قاسم الذي يحظى باحترام واسع في أوساط النخبة المصرية إنه التقى قبل سنوات بالقمني وسأله عن حكاية الدكتوراة التي يحملها، وعن أساتذته ومن الذي أشرف على رسالته ومن الذين ناقشوه فيها وما هو موضوعها، فهرب منه. ثم ظهر بعدها بسنوات يروج أنه حصل عليها من
(يُتْبَعُ)
(/)
جامعة أجنبية. وأضاف قاسم بأن ما ينشره القمني عن التاريخ الإسلامي أو التاريخ القديم لا يمت بصلة للعلم ولا للمنهج ولا للأمانة، مجرد زيف وتهريج حسب قوله.
وبعدها ببضعة أيام ليس غير (فى 1/ 8/ 2009م على وجه التحديد) نشرت "المصريون" خبرا يحسم المسألة ويؤكد أن شهادة الدكتورية التى مع القمنى يمكنه أن يبلها ويشرب ماءها: قبل تغيير الريق أو بعده، لا يهم! وهذا نص الخبر، وهو بعنوان "القمني اشترى دكتوراه بمائتي دولار من مكتب محترف تزوير شهادات": "في تتابع مخيف لفضيحة التزوير الذي تتستر عليه وزارة الثقافة المصرية والمجلس الأعلى للثقافة فيما يخص الجائزة التي منحوها لسيد محمود القمني مدرس الثانوي، وادعاء القمني والوزير والمجلس بأنه حاصل على دكتوراة في فلسفة الأديان، تم الكشف عن أن القمني متورط في جريمة تزوير خطيرة تمثلت في إقدامه على شراء شهادة دكتوراة مزورة من مكتب أمريكي محترف في تجارة الشهادات المزورة بجميع صورها ودرجاتها مقابل مائتي دولار.
وكانت السلطات الأمريكية قد ألقت القبض على أصحاب هذا المكتب الذي أطلقوا عليه اسم "جامعة كاليفورنيا الجنوبية" وتم تقديمهم للعدالة حيث قضت محكمة نورث كارولينا بسجن أصحابه خمس سنوات في واقعة اعتبرتها المصادر الجامعية أكبر جريمة تزوير في تاريخ الجامعات الأمريكية. وبناء عليه قررت السلطات الأمريكية طرد أي موظف أمريكي تم تعيينه بموجب شهادات مستخرجه من هذا المكتب مكتفية بهذه العقوبة له على مشاركته في جريمة التزوير، وهو ما نتمنى أن تحذو حذوه الحكومة المصرية بسحب الجائزة التي منحها فاروق حسني وزير الثقافة لسيد القمني بوصفها تأسست على معلومات مضللة وأوراق مزورة، كأقل عقوبة يمكن أن يواجهها بنفس التهمة.
وكان بداية الخيط في الفضيحة الجديدة حوار اكتشفناه صدفة نشره القمني في صحيفة "القبس" الكويتية ذكر فيه أنه حصل على درجة الدكتوراة بالمراسلة من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عام 1983 عن كتاب اسمه: "رب الثورة أوزوريس". وكان هذا الادعاء شديد الفجاجة والغرابة وبعيدا عن المنطق، لأنه في ذلك التاريخ لم يكن هناك خدمات الإنترنت التي تتيح إنجاز رسائل علمية بالمراسلة مع أمريكا، حيث تكون الرسالة البريدية العادية تحتاج أسابيع لكي تصل، وأشهرا لكي يتم الرد عليها، فكيف برسالة دكتوراة يتم النقاش فيها والأخذ والرد والتعديل وخلافه؟
هذه هي الملاحظة الأولى التي كشفت الكذب والتزوير. ثم إن رسالة الدكتوراة المقدمة لجامعة أمريكية كيف يمكن أن تقدم هناك وتتم مناقشتها ودراستها، وهي باللغة العربية من غير نص إنجليزي؟ هذه هي الثانية. وكان ذلك دافعنا إلى تقصي الحقيقة من خلال المؤسسات الأمريكية المعنية بالأمر. وعندما بدأنا البحث عن تاريخ التعليم بالمراسلة في الولايات المتحدة وجدنا أن المرجع رقم واحد في العالم في هذا الموضوع هو كتاب يتضمن قائمة بالجامعات المزورة في الولايات المتحدة منذ نهاية السبعينات. لم تكن مفاجأة لنا أن نجد اسم الجامعة العريقة التي تخرج منها هذا القمني في هذه القائمة وتحت اسم الجامعة مكتوب بالنص أن أصحاب الجامعة تم محاكتمهم و سجنهم خمس سنوات لبيعهم شهادات جامعية من كل الأنواع مقابل 200 دولار فأكثر.
ولم تكن هذه مجرد جريمة تزوير كما في أي جامعة، بل كانت طبقا للكتاب أكبر جريمة تزوير في تاريخ الجامعات الأمريكية. وتمت المحاكمة في محكمة نورث كارولينا في أكتوبر 1987. وطبقا لوزارة التعليم الأمريكية فإن كل الدرجات الممنوحة من أي جامعة مزوره تعتبر لاغية لكون الحاصلين على هذه الشهادات لم يقوموا بالدراسة بالإضافه لمشاركتهم في عملية التزوير ويتم الاكتفاء بطردهم من وظائفهم".
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يكتف القمنى بهذا، بل دلس مرة أخرى زاعما أنه قد عادل شهادته المزيفة من المجلس الأعلى للجامعات فى مصر، فما كان من المسؤولين فى المجلس إلا أن كذبوه فى أصل وجهه الذى لا يعرف الحياء. وهذا ما ذكرته جريدة "المصريون" الضوئية فى عددها الصادر فى 5/ 8/ 2009م فى هذا الصدد: "صرح مصدر رفيع في وزارة التعليم العالي للمصريون بأن ادعاءات سيد القمني بأنه حصل على معادلة لشهادته المزورة من المجلس الأعلى للجامعات محض خيال فاسد، كما أن المعلومات والوثيقة المنشورة في مقاله بصحيفة المصري اليوم مغلوطة تماما، ولا تتصل بشهادته العلمية، وإنما هي إفادة عامة من المجلس الأعلى للجامعات تقدَّم لأي مواطن ولا تصدر باسم طالب الإفادة توضح لوائح أو قرارات كأصول عامة للتعامل، والوثيقة المنشورة توضح قرار المجلس الأعلى للجامعات المصرية في العام 1965 بقبول معادلة الشهادات من الجامعات الأمريكية، وأن جامعة جنوب كاليفورنيا من الجامعات المعترف بها، وهي غير الجامعة التي قال أنه حصل على شهادته منها. ولا تصدر الإفادة بأسماء، ويمكن لأي مواطن عادي أن يطلب توضيحا مماثلا عن أي جامعة في العالم بعد سداد الرسوم المقررة. وأضاف المصدر أنه من المحال عقلا أن يتقدم طالب لمعادلة شهادته ودفع الرسوم المطلوبة في يوم 11/ 5/1987 ويتم صدور شهادة المعادلة بعد ثلاثة أيام فقط في 14/ 5/1987، فهذا كلام شديد الغرابة والخيال، لأن إجراءات المعادلة دقيقة وتستغرق من شهرين كحد أدنى إلى ستة أشهر، حيث يتم دفع الرسوم المقررة، ثم تقديم نسخة من الرسالة الأصلية وبيان بالمقررات الدراسية التي درسها الطالب، وتقدم إلى لجنة المعادلات بالمجلس الأعلى التي تضم ممثلا لكل جامعة من الجامعات المصرية وتقوم لجنة المعادلات بإرسال هذه الوثائق شاملة الرسالة إلى إحدى الكليات المناظرة، وتحيل الكلية هذا الملف إلى أستاذ من الأساتذة في مادة تخصصه ويكتب تقريرا يرد إلى اللجنة وتأخذ به اللجنة، ويسبق ذلك التأكد من صدقية الوثائق المقدمة. وفي حالة كهذه لا بد من وجود ختم السفارة المصرية في واشنطن على الشهادة المقدمة، وكذلك ختم للجامعة الأمريكية والمستشار الثقافي المصري في واشنطن. وأكد المصدر أن تقارير لجان المعادلات لا تزال وتظل "محفوظة"، ويمكن الاطلاع عليها في كل وقت. ولكل حالة رقم وتاريخ في دفاتر معروفة. ويصدر القرار باسم وزير التعليم سابقا أو التعليم العالي حاليا بوصفه رئيس المجلس الأعلى للجامعات، وينشر في الوقائع المصرية، وهذا كله ما لم يحدث مطلقا مع حالة سيد القمني".
لكن المسألة لما تتم فصولا بهذا التطور، إذ اعترف القمنى، بعدما ضاقت فى وجهه السبل وسدت الأبواب والنوافذ بأن شهادته مزورة، إلا أنه ككل مزور فاسد الضمير أراد أن يتبرأ من الجريمة فقال إنه هو نفسه قد غُرِّر به، إذ كان لا يعلم أن الجامعة التى أعطته الدكتورية هى جامعة مزورة. فما كان من جمال سلطان إلا أن كتب ساخرا فى جريدة "المصريون" الضوئية يوم الخامس من أغسطس 2009م ساخرا من هذا الكلام الأبله الذى يظن صاحبه المدلس أنه يجوز فى العقول:
"قُضِيَ الأمر، واعترف المزور بجريمته علنا وعلى رؤوس الأشهاد، ولم يعد هناك مجال للمماحكة أو الجدال بعد الاعترافات الخطيرة التي قدمها سيد القمني بخط يده ونشرتها صحيفة "المصري اليوم" أمس، والتي أقر فيها بأن شهادة الدكتوراة التي ادعى أنه حصل عليها من الولايات المتحدة بالمراسلة هي شهادة مزورة، وأنه "غُرِّر به" (يا عيني!) ولم يكن يدرك الفارق بين الجامعة الحقيقية والجامعة الوهمية نظرا لأن وسائل الاتصال وقتها لم تكن متقدمة بشكل كاف. وأحنى "المزور" رأسه للمرة الأولى أمام صحيفة "المصريون"، واعترف بفضلها في تتبع خيوط جريمة التزوير، وادعى أنه لم يكن يعلم بالتزوير حتى قامت صحيفة "المصريون" بالبحث والتقصي واكتشفت الجريمة. والحمد لله ذي المنة والجلال والعظمة والجبروت، الذي جعل من اتهمنا بالكذب ورمانا بالباطل أن يعترف علنا وعلى رؤوس الأشهاد بفضلنا، ويأتي بهذا المغرور المتعجرف بذيء اللسان صاغرا محني الرأس ذليل الموقف أمام الصحيفة التي ضبطته متلبسا بالجريمة. وأصبح الرأي العام المصري أمام مشهد هزلي مهين لمصر الدولة والثقافة والأخلاق. فقد ورط فاروق حسني الدولة المصرية في منح
(يُتْبَعُ)
(/)
جائزتها الرفيعة إلى مجرم مزور محترف باع ضميره واشترى شهادة مزيفة للدكتوراة تسلل بها إلى الحياة العلمية وإلى مؤسسات الدولة لكي ينال أرفع جوائزها.
والطريف أن القمني، في اعترافاته التي انتظر عشرة أيام كاملة لكي يدبجها بتمهيد طويل عريض لتشتيت ذهن القارئ عن صلب اعترافاته، أراد أن يمهد لاعترافه بتحقيره للجامعات المصرية حيث ادعى أنه أراد أن يحصل على الدكتوراة من جامعة عالمية كبيرة تتيح له العمل في جامعات أوربا، وأنه وجد أن الجامعات المصرية غير معترف بها دوليا، بينما هذا الأفاق المزور كان أول شيء فعله بعد أن اشترى الشهادة المزيفة أن جاء إلى القاهرة وقدمها للمجلس الأعلى للجامعات من أجل أن يعادلها له بشهادة مصرية. فإذا كانت الجامعات المصرية تافهة وغير معترف بها لماذا هرولت بشهادتك المضروبة لكي تعادلها بشهادة مصرية أيها الأفاق؟ وهي كلها تناقضات مثيرة تعتري اللصوص والمجرمين عندما يتم ضبطهم متلبسين بجرائمهم فيحاولون الهرب من وقع الفضيحة فيتورطون في المزيد من الفضائح كالذي يتخبطه الشيطان من المس.
والقمني أضاف إلى سجل جرائمه جريمة تزوير جديدة، حيث ادعى في مقاله المنشور أنه استصدر شهادة من المجلس الأعلى للجامعات المصرية بالدكتوراة ونشر وثيقة مزعومة مع مقاله على أنها شهادة المعادلة. وهي تزوير جديد، ماكينة تزوير لا تتوقف، لأن الورقة المنشورة ليست شهادة أبدا، وإنما إفادة عامة يستخرجها أي مواطن عادي بعد دفع الرسوم المقررة عند استفساره عن جامعة من الجامعات الأجنبية ومدى قبول الشهادات التي تصدرها، فيتم إفادته بأن هناك قرار وزاري رقم كذا وكذا. فدلس القمني على القارئ وزعم أنه حصل على معادلة. وهو الآن في كل خطوة يحاول فيها الهرب من الفضيحة يرتكب جريمة جديدة. وأعتقد أن السادة المحامين أصبحوا أمام مهمة سهلة الآن بجريمة مزدوجة، جريمة تزوير شهادة علمية وجريمة تزوير واتهام لمؤسسة وطنية، وهي المجلس الأعلى للجامعات. ولا بد من تقديم هذا المزور إلى العدالة. وأناشد كل الشرفاء في هذا الوطن من كتاب ومثقفين وصحفيين أن يعلنوا أصواتهم بوضوح ضد عصابة الفساد في وزارة الثقافة، وأن يطالبوا فاروق حسني راعي المزورين باتخاذ القرار الأخلاقي الملزم له بسحب الجائزة من سيد القمني والاعتذار للشعب المصري عن تسرع الوزارة بمنحه الجائزة. المسألة لم تعد قضية رأي ولا وجهة نظر ولا حرية فكر، وإنما المسألة بوضوح أننا أمام اعتراف صريح بجريمة تزوير مزدوجة بطلها منحته الدولة جائزتها التقديرية بوصفه رمزا من رموز مصر ... عار! ". وكان القمنى قد أعلن منذ عدة سنوات توبته وتبرؤه من كل ما كان قد صدر من كتب ومقالات حاملا اسمه وتراجعه عن آرائه ومواقفه، ذلك التراجع الذى شكك فيه كثيرون وقتها، ثم اتضح لكل إنسان فى العالم أن المسألة كلها مفبركة فبركة رخيصة كأى شىء يصدر عن القمنى.
هذا عن التزوير والتلفيق فى حياة القمنى. أماعن مستواه العلمى فأقول: كان لدىّ منذ عقد من الزمان تقريبا طالب دراسات عليا يحضّر معى أطروحة عن أحد شعراء بنى أمية، ولاحظت أنه ينقل كلاما عن بعض الكتب دون أن يكون للكلام معنى أو منطق. وعبثا حاولت أن أَثْنِيَه عن هذه الخطة الغبية فكنت أخفق فى كل مرة، إذ كلما صححت له شيئا من هذا القبيل عاد فاقترف شيئا شبيها له فى موضوع آخر. والسبب هو حماقته وقلة عقله وتصوره أن كل مهمته هى النقل عن الكتب التى تصادفه دون قانون أو أساس يرتكن إليه. وكان سهلا على أى ملاحظ أن يربط بين ذلك وبين حجم دماغه، إذ كان أَصْعَل كرأس النعامة. واعتمادا على المؤلفات الخاصة بما يسمى بـ"النقد الأسطورى"، الذى كان رائجا منذ عدة عقود رواجا أحمق كأية صرعة سخيفة يقلدها المماسيخ عندنا ممن لا شخصية لهم ولا مقدرة على تمييز الخبيث من الطيب ولا اللغو من القصد والذى كان يزعم منتهجوه أن العرب قبل الإسلام كانوا يقدسون الملوك والكواهن والنساء والثور الوحشى ولا أدرى ماذا أيضا، كتب اللوذعى الأصعل أن العرب كانوا يقدسون الناقة ويعبدونها، وكرر ذلك مرات حتى باخ الأمر وضاق صدرى من جرائه، فسألته: وأين يا بنىّ الدليل على أنهم كانوا يعبدون الناقة؟ فجاءت إجابته صاعقة، إذ قال: الدليل هو أنهم كانوا يركبونها. فقلت له ضاحكا: الله أكبر على هذا العلم اللدنى الذى لم
(يُتْبَعُ)
(/)
يؤتَه أحد فى الأولين، ولا أظن أحدا سيؤتاه أيضا فى الآخِرين!
تذكرت هذا وأنا أقرأ بعض ما كتب القمنى (الدكتور المزيف الذى يذكرنا بحلاق الصحة أيام زمان حين كان يتصدى لمحاولة علاج الناس من كل الأمراض ويزعم أنه "دكتور"، والذى حصل على درجة الليسانس بتقدير "مقبول"!)، إذ وجدته ينقل كصاحبنا الأصعل من الكتب دون فهم ولا عقل، وهذا إن كان هو صاحب تلك الأفكار ولم يلقَّنْها تلقينا ليرددها على الورق كما حفّظوها له، فأنا كثير الشك فى أن يكون هو صاحب تلك الأفكار كما شككت من قبل فى الهالك خليل عبد الكريم، الذى كان "يُوَنِّج" معه فيكتبان الكلام الماسخ ذاته ويرددان الأفكار السخيفة المسيئة للإسلام ذاتها كأنهما الصوت والصدى، مع اختلاف الأسلوب فقط، ذلك الأسلوب المفعم بالأخطاء الفاحشة فى الحالتين حين لا يكون هناك مراجع لغوى، وأرى أن هناك جهة واحدة تمدهما بالأفكار والأطروحات التى تخدم هدفا بعينه فى حلبة الصراع الثقافى المراد منه طعن الإسلام فى مقتل، فضلا عن تقارضهما الثناء أيضا، وبطريقة ممجوجة بل مُقَيّئة.
وللقمنى هذا كتاب بعنوان "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية"، وهو لا يختلف فى شىء ذى بال عما قاله خليل عبد الكريم فى الكتاب الذى يحمل اسم "قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية". فهما يزعمان أن أجداد الرسول، وبالذات جده المباشر عبد المطلب بن هاشم، كانوا يعملون على إشاء دولة تحمل اسمهم، وأنهم توسلوا إلى ذلك باستغلال وسيلة الدين وأن تحقق هذا المطمح قد تم على يد محمد، الذى لم يكن نبيا ولا خلافه، بل مجرد رجل من بنى هاشم تنبه إلى مطامع عشيرته فى السلطان والحكومة فاستخدم كل وسيلة ممكنة لتحقيقها، ونجح أخيرا فيما كانوا يضعون الخطط من أجله طوال تلك الأجيال. ومن الواضح أنه هو والقمنى ينزعان عن قوس واحدة ويرددان كلام جهة واحدة، ولهذا نراهما يتقارضان الثناء ويصف كلاهما الآخر بأنه كذا وكذا فى عالم البحث والتأليف مما أفضتُ فيه القول فى كتابى عن عبد الكريم: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة"، وهو الكتاب الذى بينت فيه بالأدلة الموثقة تهافت الكلام المنسوب لعبد الكريم فى الكتب التى تحمل اسمه وسخفه وزيفه وبطلانه، وأحيل القارئ عليه إذا أراد أن يعرف وزن ما يقوله القمنى فى كتابه الذى معنا الآن.
وظاهرة أخذ أفكار الآخرين سرقةً أو عن طريق التراضى بين الآخذ والمأخوذ منه، بل أحيانا بأمر المأخوذ منه للآخذ أن يأخذ ما يكتبه وينشره باسمه، هى ظاهرة معروفة. وخليل عبد الكريم قد أخذ كتاب أبى موسى الحريرى: "قَسّ ونبىّ" ولفق منه كتابه هو: "فترة التكوين" حسبما وضحت بالأدلة القاطعة التى لا تقبل نقضا ولا إبراما فى كتابى: "لكن محمدا لا بواكى له". كما أمدته بعض الجهات بمضمون كتابَىِ كلير تسدال ( C. Tisdall): وجون بلير ( J. C. Blair) المسمى كل منهما بـ" The Sources of Islam: مصادر الإسلام" كى يصنع كتابه: "جذور الشريعة الإسلامية". وبالمناسبة فثم صفحات لصمويل زويمر المبشر الأمريكى المعروف حول الموضوع ذاته يجدها القارئ فى كتابه: " Arabia- The Cradle of Islam". كما تناول إدوار مونتيه المستشرق السويسرى هذه المسألة فى مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن المجيد التى صدرت فى أواخر العقد الثالث من القرن المنصرم. ولمن يود من القراء الاطلاع على تلك المقدمة أن يعود إلى الفصل الثانى من الباب الثانى من كتابى: "المستشرقون والقرآن"، ففيه ترجمة لها. كذلك لابن وراق كتاب فى نفس الموضوع ويتغيا نفس الغاية عنوانه: " The Origins of Islam: أصول الإسلام"، وإن كان قد ظهر لاحقا.
وقد ظل عبد الكريم، إلى أن بلغ مبلغ الشيوخ، شخصا خاملا لم يكتب كلمة واحدة فى العلم ولم يسمع به إنسان، ثم فجأة أصبح مؤلفا لعدد من الكتب كلها مضروبة، أى مسروقة، وكلها فى التطاول على الله والرسول والصحابة والتشكيك فى الإسلام والسخرية منه ومن المسلمين وتاريخهم وحضارتهم، مثل القمنى سواء بسواء، بالإضافة إلى أنهما قد ظهرا فى نفس التاريخ. والقمنى لا صلة بينه وبين كتب التراث، وبخاصة فى مجال الإسلاميات. وكثير من الكتب التى يشير إليها فى المؤلفات التى تحمل اسمه لا يعرفها إلا "المدعبسون" من المستشرقين ذوى الأنياب الزرقاء، علاوة على أنه يسوق لنا فى
(يُتْبَعُ)
(/)
كثير من الأحيان عددا من المصادر والمراجع الإنجليزية والفرنسية والألمانية يريد أن يوهمنا أنه "ولد مقطّع السمكة وذيلها" فى معرفة اللغات الأوربية، على حين أنه فى هذا الميدان مسكين مسكين مسكين. فمن أين للقمنى بهذا النوع من الكتب أو ذاك، وهو المحدود الثقافة؟ ثم إنه قد اتضح تماما أن الدكتورية التى يطنطن بها ويزعم على أساسها أنه أستاذ بالجامعات المصرية، وكأن الجامعات المصرية تلمّ، هى شهادة مزورة ملفقة مشتراة بمائتى دولار. يا بلاش! فهل يجوز أن نصدق شيئا يقوله هذا الشخص؟
ومن هذا الضرب من الكتب التى يغض صاحبها الأصلى الطرف عن الآخذ، إن لم يشجعه ويبتهج بما فعل، مقال ديفيد صمويل مرجليوث المستشرق البريطانى المضرَّس: " The Origins of Arabic Poetry"، الذى سطا عليه طه حسين وعمل منه كتابه: "فى الشعر الجاهلى"، فقام مرجليوث يدافع عن سيادة "عميد الأدب العربى"، الذى كان لا يزال حِصْرِمًا لم يتزبَّب بعد أو يحصل على لقب العمادة الميمون، قائلا إن البحثين قد ظهرا فى وقت واحد تقريبا، فكيف يسطو طه على كتابى، ولم يكن قد رآه؟ وهو ما استفزنى لما يتضمنه من كذب قارح فألفت كتابى: "معركة الشعر الجاهلى بين الرافعى وطه حسين" وأهويت على جلده السميك بالسياط العلمية، مسميا إيا بـ"الكَيْذُبان"، ومستغربا أن يتنازل بكل هذه البساطة صاحبُ نظريةٍ مثل نظريته عن ملكيتها، وعَهْدُنا بكل باحث أن يحرص على نسبة الريادة لنفسه فى كل شىء يتوصل قبل غيره له حتى لو كانت عطسة، فما بالنا بنظرية كهذه تريد أن تقلب أمر الشعر الجاهلى كله رأسا على عقب، إذ تزعم أنه لم يكن لذلك الشعر وجود بالمرة، بل لم يعرف العرب الشعر أصلا إلا فى العصر الأموى، إلى جانب أن المدة الزمنية التى تفصل بين ظهور البحثين هى عشرة أشهر، وأن مقال مرجليوث قد وصل مصر قبل صدور كتاب طه حسين بشهور طوال قرأته الدوائر العلمية فى مصر أثناءها وعرفت جيدا بما فيه، ومنهم تلميذ طه حسين فى كلية الآداب فى ذلك الوقت: محمود شاكر، وأحمد تيمور باشا ويعقوب صروف ومصطفى صادق الرافعى على سبيل المثال، وأن طه حسين كان صديقا للمستشرقين وكان الذين يحاضرون منهم فى الجامعة المصرية آنئذ يجتمعون فى منزله كل أسبوع على الأقل؟
ومن تلك الكتب أيضا ذلك الكتاب المَعْزُوّ إلى الشيخ على عبد الرازق بعنوان "الإسلام وأصول الحكم"، إذ يشكك علماءُ أجلاءُ فى تلك النسبة ويؤكدون أنه من صنع يد المستشرقين. ويمكن الرجوع مثلا إلى كتاب د. ضياء الدين الريس رحمه الله فى هذا الموضوع: "الإسلام والخلافة في العصر الحديث" حيث يشك الأستاذ الدكتور فى أن يكون عبد الرازق هو مؤلف الكتاب الفعلى، ويؤكد أنه لم يُعْرَف عن الشيخ قط أنه كان باحثا أو مفكرا أو سياسيّا أو مشتغلا بالسياسة، لأنه إنما تلقى ثقافته بالأزهر، ولم ينتج غير مذكرة أو كتيب في علم البيان، ثم لم يضع مؤلفا آخر أو بحثا في السياسة بعد صدور الكتاب الذي كان شيئا شاذّا بالنسبة لسيرة حياته.
وحتى لا أشتت ذهن القارئ أكتفى بشاهد آخر من هذه الشواهد المنتنة، فنحن المتخصصين فى الدراسات العربية والإسلامية نعرف جيدا اسم المستشرق الإيطالى الأمير كايتانى صاحب كتاب "حوليات الإسلام"، إذ لاسمه شنة ورنة لا يتمتع بهما سوى قلة بين المستشرقين. إلا أن هذا الأمير المستشرق صاحب الشنة والرنة قد اتُّهِم بأنه ليس مؤلف ذلك الكتاب، بل مجموعة من المستعربين الإيطاليين على رأسهم ليفى دى لا فيدا. وقد كتب د. عبدالرحمن بدوى فى هذه المسألة ذاكرا أنه كانت هناك قضية فى هذا الشأن نُظِرَتْ أمام المحاكم الإيطالية وحضرها الكتاب الأصليون بوصفهم شهودا حيث اعترف دى لافيدا ببعض مشاركاته فى الكتاب المذكور، ولم يصرح بكل شىء إبقاء على سمعة أستاذه (انظر د. عبدالرحمن بدوى/ دفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم ضد المنتقصين من قدره/ ترجمة كمال جاد الله/ الدار العالمية للكتب والنشر/ 96).
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى كتاب صمويل زويمر: " Arabia- The Cradle of Islam" شىء يذكرنا بما قاله القمنى فى الكتاب الذى بين أيدينا، وإن لم يذهب بعيدا كما ذهب القمنى، إذ عزا زويمر نجاح محمد فى أمره لا إلى أنه نبى، بل إلى عبقريته، التى استفادت مما قدمه الحنفاء فكريا، ومن وضع أسرته الأرستقراطى ومكانة جده عبد المطلب من الناحية السياسية. وها هو ذا نص ما كتبه الرجل فى أصله الإنجليزى:
" Mohammed was a prophet without miracles but not without genius. Whatever we may deny him we can never deny that
he was a great man with great talents. But he was not a self made man. His environment accounts in a large measure for his might and for his method in becoming a religious leader.
There was first of all the political factor. "The year of the elephant" had seen the defeat of the Christian hosts of Yemen who came to attack the Kaaba. This victory was to the young and ardent mind of Mohammed prophetic of the political future of Mecca and no doubt his ambition assigned himself the chief place in the coming conflict of Arabia against the Roman and Persian oppressors.
Next came the religious factor. The times were ripe for re ligious leadership and Mecca was already the centre of a new movement. The Hanifs had rejected the old idolatry and entertained the hope that a prophet would arise from among them.1 There was material of all sorts at hand to furnish the platform of a new faith; it only required the builder's eye to
call cosmos out of chaos. To succeed in doing this it would be necessary to reject material also; a comprehensive religion and a compromising religion, so as to suit Jew and Christian and idolater alike.
Then there was the family factor, or, in other words, the aristocratic standing of Mohammed. He was not a mere "camel-driver." The Koreish were the ruling clan of Mecca; Mecca was even then the centre for all Arabia; and Moham med's grandfather, Abd el Muttalib, was the most influential
and powerful man of that aristocratic city. The pet-child of Abd el Muttalib was the orphan boy Mohammed. Until his eighth year he was under the shelter and favor of this chief man of the Koreish. He learned what it was to be lordly and to exercise power, and never forgot it. The man, his wife and his training were the determinative factors in the character of Mohammed. The ruling factor was the mind and genius of the man himself".
وأيا ما يكن الأمر فأساس هذه الدعوى المنكرة التى لا يسندها العلم ولا التاريخ ولا المنطق ولا العقل ما كان يقوله بعض المشركين فى مكة كأبى جهل وأبى سفيان وغيرهما حسبما تخبرنا النصوص التالية المأخوذة من "سيرة ابن هشام" والتى يردد فيها المشركون أن محمدا طالبُ مُلْكٍ أو مَلِكٌ فعلا، على حين يؤكد هو وصحابته أنه رسول لا مَلِك. ومع هذا يصر القمنى وخليل عبد الكريم، لأن هناك من كلفهما بذلك الإصرار، على أنه عليه السلام كان طالب ملك له ولعشيرته بنى هاشم. فانظر أيها القارئ أين يضع القمنى وعبد الكريم نفسيهما. إنهما يتخذان موقف المشركين ويرددان ما كانوا يزعمونه فى حقه صلى الله عليه وسلم.
ولنقرأ: "قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه. فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا. فجمعهم الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: "لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا"، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا
(يُتْبَعُ)
(/)
أول مرة، ثم انصرفوا. حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود. فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا. فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا، والذي حلفتَ به. قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا. حتى إذا تحاذينا على الرُّكَب وكنا كفرسَيْ رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه. قال فقام عنه الأخنس وتركه".
"اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب والنضر بن الحارث (بن كلدة) أخو بني عبد الدار وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب بن أسد وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان وأمية بن خلف أو من اجتمع منهم، قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، ثم قال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلِّموه وخاصِموه حتى تُعْذِروا فيه. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فَأْتِهم. فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا، وهو يظن أنْ قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بَدَاءٌ، وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم. فقالوا له: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك: لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك (أو كما قالوا له). فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسوِّدك علينا، وإن كنت تريد به ملكا ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه قد غلب عليك (وكانوا يسمون التابع من الجن: رئيا) بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون. ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم. فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم. أو كما قال صلى الله عليه وسلم".
"دخلتُ (المتحدث هنا هو العباس عم الرسول ليلة الفتح) على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عليه عمر فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه. قال: قلت: يا رسول الله، إني قد أَجَرْتُه. ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت: والله لا يناجيه الليلة دوني رجل. فلما أكثر عمر في شأنه قال: قلت: مهلا يا عمر، فوالله أنْ لو كان من بني عَدِيٍّ بن كعب ما قلتَ هذا. ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف. فقال: مهلا يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إلي من إسلام الخطاب لو أسلم. وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به. قال: فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي. فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يَأْنِ لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي! ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننتُ أنْ لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئا بعد. قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي
(يُتْبَعُ)
(/)
أنت وأمي! ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا. فقال له العباس: ويحك! أسلم واشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك. قال: فشهد شهادة الحق فأسلم. قال العباس قلت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئا. قال: نعم. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها. قال: فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه. قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس، من هذه؟ فأقول: سليم. فيقول: مالي ولسليم؟ ثم تمر القبيلة فيقول: يا عباس، من هؤلاء؟ فأقول: مُزَيْنَة. فيقول: مالي ولمزينة؟ حتى نَفِدَت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها. فإذا أخبرته بهم قال: مالي ولبني فلان؟ حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء ... قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم، لا يُرَى منهم إلا الحََدَق من الحديد فقال: سبحان الله يا عباس! من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة. والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلْك ابن أخيك الغداة عظيما. قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة. قال: فنعم إذن".
والآن ندخل فى كتاب القمنى المذكور، ولكن فى شىء من العجلة يضطرنى إليه ارتباطى مع إحدى المؤسسات العلمية بعقد لمدة أشهر، ذلك الارتباط الذى منعنى فى الأسابيع الماضية من كتابة أى شىء يتعلق بقضية القمنى المعقدة والمتشعبة رغم إلحاح بعض الأصدقاء الكرام ممن يحسنون بهذا القلم أن أنزل إلى الساحة مشاركا فى تلك القضية، وأنا أتعلل لهم بظروفى الخاصة التى تقيدنى عن أخذ راحتى كما يحبون وكما كنت حريا أن أفعل لولاها. فأرجو من هؤلاء الأصدقاء أن يتقبلوا ما سأكتبه هنا على أنه جهد المقل للظروف التى شرحتها لهم ولظروف أخرى لم أذكرها ساعتها، ومنها الكدمة التى أصابتنى فى باطن قدمى منذ أيام وتؤلمنى ألما صعبا، وغير ذلك من الظروف التى لا أريد أن أخوض فيها هنا. وهذا المقال هو ثمرة بضعة أيام استطعت أن أختلسها من وقتى الضيق، وأرجو أن يكون الله قد بارك فيها رغم كل شىء. وقد أكد أحد الملحدين العرب فى منتداهم الحشّاشى على المشباك أن كتاب "الحزب الهاشمى وتأسيس الدولة الهاشمية"، الذى نحن بصدده هنا، سبب من أسباب تضامنه بقوة مع الدكتور سيد القمني، مؤكدا أنه مما يشرّف جائزة الدولة أن ينالها كاتب مثله، وأن الكتب التى ألفها، وبخاصة كتاباه: "رب الزمان" و"الحزب الهاشمى"، كانت كافية لضعضعة بل وزلزلة إيمانه "بالثوابت التاريخية" التي كان يؤمن بها بقوة بحكم نشأته الدينية، وأنه لهذا يقدم جزيل شكره وتضامنه مع شخص القمنى الكريم في مواجهة الظلاميين من كل فكر ودين.
ويدور محور الكتاب المذكور، حسبما وضحنا، على أن أجداد الرسول كانوا يعملون على إحكام تسلطهم على مكة وقريش، وأن عبد المطلب قد استشف بثاقب نظره أن باستطاعة واحد من ذريته إنشاء دولة تضم قبائل العرب المتناحرة تحمل اسم الهاشميين، وأن حفيده محمدا، الذى كان أيامها ولدا صغيرا لا راح ولا جاء ولا يفهم فى السياسة ولا دياولو قد التقط العبارة التى ينسبها القمنى زورا وبهتانا وجهلا وسخفا إلى عبد المطلب، الذى زعم سيد المدلسين والمزورين أنه قالها على مسمع من أولاده وأحفاده، ومنهم محمد الصغير اليتيم الأبوين المكسور الجناح، فالتقطتها ذاكرته فى الحال وخزنتها لليوم الموعود، مع أن عبد المطلب منها بَرَاءٌ براءة الذئب من دم ابن يعقوب. أى أن المسألة هى مسألة مطامع سياسية هاشمية، ولا دين هناك ولا وحى، بل الأمر كله من صنع محمد. ويكفى أن يطالع القارئ عنوان الفصل المسمى: "بنو هاشم من التكتيك إلى الأيديولوجيا" حتى يتبين له ما يريد مؤلف الكتاب فى التو واللحظة، إذ المعنى ظاهر بين لا يحتاج إلى شرح، وهو أن بنى هاشم قد خططوا (أو بتعبير الشيوعيين الحقراء: قد "تكتكوا") لإنشاء دولة يترأسونها، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى استغلال الدين (أو "الأيديولوجيا" بتعبير
(يُتْبَعُ)
(/)
الشيوعيين أيضا) فى سبيل الوصول إلى هذا الغرض. ولسوف يلمس القارئ ذلك كله الآن بيده لمسا، ويراه بأم عينيه رؤية، ويشمه بأنفه شما، ويتيقن منه بعقله وقلبه وضميره تيقنا.
ولكن قبل أن أدخل فى هذا الخبايا العطنة العفنة التى أرجو من القراء تحمل عطنها وعفنها إيمانا واحتسابا أود أن أشير إلى أن هذه الفكرة بعينها موجودة لدى خليل عبد الكريم "وِنْج" القمنى الشمال الذى ردد فى كتابه: "قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية" ما قاله القمنى عن أجداد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأكد كما أكد القمنى، حَذْوَك النَّعْل بالنَّعْل، أن عبد المطلب كان شخصية باهرة استطاعت أن تستوعب النظريات السياسية فى زمنه وتعرف أن السياسة كثيرا ما استعانت بالدين لتثبيت أركانها، فاستثمر من ثم الدين بكل وظائفه من رؤى وأحلام وأساطير وادعى أن شابا سيخرج من صلبه يبنى دولة قريش ويقوم بأمرها ويملك المشرق والمغرب، ثم لم يكتف بذلك بل حرص على ربط رؤاه وتعبيرها بالكهان والعالم العلوى حتى يصبح التشكيك فيها نوعا من التجديف والإلحاد، فضلا عن اجتهاده فى توثيق علاقته بمن حوله من الملوك بغية تسهيل تلك المهمة ووضعها موضع التنفيذ دون مشاكل أو عقبات. ثم مضى أبعد من هذا فقدم ابنه أضحية للالهة من خلال الزعم بأنه رأى ذلك فى المنام. ولم ينس عبد الكريم أن يتحفنا، وهو يتكلم عن شيخ قريش المسكين، بطائفة من المصطلحات الماركسية الفاشلة من مثل "الملكية الجماعية" و"الجماهير المحرومة" و"تسارُع المجتمع المكى فى التفكيك" و"عرق الكادحين" و"أصحاب الفبارك" و"التمايز الطبقى" و"عمل الشغيلة" و"فائض القيمة" مما تجد بعض صداه فى كتاب القمنى، وكأننا فى خلية من خلايا الشيوعيين. والحمد لله أن لم يقل الذى كتب هذا الكلام ووضعه فى فم عبد الكريم ليردده بصوته (على طريقة "الدوبلاج" فى الأفلام الأجنبية) إن عبد المطلب كان عضوا فى حزب "حدتو" أيضا. وقد سمى عبد الكريم رؤيا عبد المطلب بـ"المسطورة"، أى الأسطورة، على طريقته فى الحذلقة الماسخة التى اشتهر بها رغم جهله الشنيع فى اللغة حسبما بينت فى الفصل الأول من كتابى: "لكن محمدا لا بواكى له"، ولم يستطع أن يفتح فمه بكلمة واحدة لا هو ولا أى واحد ممن يرافئونه على هذا السخف الساخف الذى انهال به الإلهام عليه بغتة بعد أن تخطى الستين بزمن!
وزاد خليل عبد الكريم فصور الأمر كله على أنه خطة رسمها عبد المطلب بإحكام وخبث بغية الوصول إلى أهدافه السياسية، مؤكدا بلغة الحوذية أن أمل عبد المطلب فى أن يكون هو أو أى واحد من صلبه نبيا قد "شعشع فى دماغه" (بنص تعبيره العربجى) حتى بشره بذلك أحد العرافين، فعمل على نشر هذه البشرى بين الناس (ص37 - 44 من الكتاب المذكور/ ط. سينا للنشر/ 1993م. ويجد القراء الأعزاء ردى المفصل على هذه التحشيشات والانسطالات فى كتابى: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة"/ مكتبة زهراء الشرق/ 1420هـ- 2000م/ الفصل الثالث بدءا من ص127. وهو موجود فى مواقع مشباكية كثيرة لمن يريد تحميله).
وثم عبارة محورية يدور حولها كتاب "الحزب الهاشمى"، وهى ما نسبه القمنى إلى عبد المطلب جد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام من قوله: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء". وهذا هو النص الذى وردت فيه هذه العبارة كاملا، وهو أول شىء فى الكتاب مما سماه على سبيل الحذلقة المتنطعة: "تأسيسا": "إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء: قالها عبد المطلب بن هاشم، وهو يشير إلى أبنائه وحَفَدته، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة، التي عاشتها جزيرة العرب، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة: هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون نواتها ومركزها مكة تحديدا برغم واقع الجزيرة آنذاك. وكان هناك من هو لرأى عبد المطلب من ذوى النظر الثاقب والفكر المنهجي المخطط الذين استطاعوا أن يصلوا إلى النتيجة نفسها بعد قراءة واعية للخريطة السياسية والظروف الاجتماعية والاقتصادية، لكن الكثرة الغالبة لم تكن مع هذه الرؤى. حتى اليهود الذين كانوا يعيشون بين ظَهْرَانَيِ العرب كعرب ما خطر لهم هذا التوقيع قط، وإنما كانوا يترفعون على سائر العرب، ويفاخرون بأن
(يُتْبَعُ)
(/)
لهم من الأنبياء عددا وعدة، ومن الأسفار المقدسة كتاب سماوي المصدر. ومن ثم أجاز الأستاذ العقاد لنفسه، وهو رجل متزن ومتوزان، أن يجزم قاطعا بأن "شأن اليهودية في توضيح هذه الحقائق كان أعظم من كل شأن لها في جزيرة العرب".
وهذه الحقائق التي يعنيها الأستاذ العقاد هي أنه، برغم عدم قراءتهم الصحيحة لإفرازات الواقع على الأقل بالنسبة لمكة، فإن حكاياتهم عن مغامرات أنبيائهم القدامى، وعن دولتهم الغابرة التي أنشأها الملك النبي داودوما لحقها من تهويلات ومبالغات، كانت وراء الحلم الذي داعب خيال سراة العرب وأشرافهم حتى بدا لكل منهم طيف زعامته للدولة الموحدة، مشرقا في الخيال تدعمه ما بدأت تشهده الجزيرة في مناطق متعددة من محاولات لتوحيد القبائل سياسيا: سواء عن طريق التحالفات الجانبية التي شكلت نُوَيّاتٍ مرجوّةً لوحدة أكبر، أو عن طريق إخضاع قبيلة لأخرى، أو التحالفات التي تتفق ومنطق البداوة، والتي كانت تتم بين القبائل المنتمية إلى سلف واحد، مما يجعل انتظامها تحت إمرة زعيم واحد أمرا أيسر، خاصة عند حدوث جلل طارئ أو خطر مشترك. ولا ننسى المحاولات الأخرى المباشرة التي اتخذت صيغة المُلْك وصِبْغته، كمحاولة زهير الجنابي زعيم قضاعة تمليك نفسه على بكر وتغلب أو الممالك التي قامت فعلا من زمن سابق، لكن في ظروف مختلفة، على حدود الإمبراطوريات الكبرى، مثل مملكة الحيرة ومملكة الغساسنة. لكن بقية الناس حتى داخل مكة ممن كانوا يعتبرون أنفسهم عقلاء لم يكونوا مع هذا التفاؤل ولا مع هذا الجموح في الآمال، فهذا الأسود بن عبد العزي يقدم الاعتراض البدهي والواضح والمباشر قائلا: ألا إن مكة لقاح لا تدين لملك. وهو اعتراض يستند إلى قراءة أخرى. فالعرب، أيا كان الظرف الاجتماعي، لا تقبل بفرد يملك عليهم ويسود، لأن معنى ذلك سيادة عشيرة على بقية العشائر، وقبيلة على بقية القبائل، وهو ما تأباه أنفة الكبرياء القبلي وتنفر منه. ولعل هذه القراءة تجد حجتها البالغة في تجربة رجل مثل النعمان بن المنذر، الذي ورث المُلْك أبا عن جد في مملكة الحيرة، ومع ذلك وقف يلقى خطابه أمام كسري الفرس، وفي حضرة وفود دول عدة، مدافعا عن عروبته بقوله: "فليست أمة من الأمم إلا وجهلت آباءها وأصولها وكثيرا من أوائلها، حتى إن أحدهم ليسأل عمن وراء أبيه دينا، فلا ينسبه ولا يعرفه. وليس أحد من العرب إلا يسمى آباءه أبا فأبا. حاطوا بذلك أحسابهم، وحفظوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا يُنْسَب إلى غير نسبه، ولا يُدْعَى لغير أبيه. وأما تحاربهم وأكل بعضهم بعضا وتركهم الانقياد إلى رجل يسوسهم ويجمعهم، فإنما يفعل ذلك من يفعله من الأمم إذا أنست من نفسها ضعفا، وتخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف. وإنما يكون في المملكة العظيمة أهل بيت واحد يُعْرَف فضلهم على سائر غيرهم، فيلقون إليهم أمورهم، وينقادون لهم بأَزِمّتهم، وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حالوا أن يكونوا ملوكا أجمعين".
والخطاب هنا، سواء صحت نسبته للنعمان بن المنذر أو لم تصح، لصاحب رؤية سياسية فذة حاول أن يوضح بإيجازٍ الظرف الاجتماعي العربي الذي حال حتى هذا الوقت دون قيام وحدة سياسية كبرى لعرب الجزيرة، ذلك الظرف المتمثل في نظام قبلي و عصبية عشائرية كانت من لزوم ما يلزم عن شكل المجتمع البدوي غير المستقر للإبقاء على دوام وجود القبيلة باعتبارها وحدة عسكرية مقاتلة يلزمها التماسك اللزج دوما، والذي كانت مادته اللاصقة رابطة الدم التي اكتسبت قدسية مفرطة، وهو ما يفسر الشكل الديموقراطي البدائي التي تمتعت به القبيلة بحيث وقف جميع الأفراد داخلها على قدم وساق بمساواة تامة، وبمعيار الانتساب لأب واحد، وذلك وحده كان كفيلا بإلغاء أي تمايز، إضافة لظرف آخر دعم هذه المساواة، وهو مواجهتهم جميعا لذات المصير دوما كمقاتلين.
(يُتْبَعُ)
(/)
والخطاب يوضح أيضا بشكل وضاء الأسباب التي لم تؤد بالنظام البدوي إلى إفراز مؤسسات سياسية ملكية متوارثة، لأن القبيلة وحدة عسكرية طارئة، وزعامتها بدورها أمر طارئ متغير لمقتضيات الصراع الناشئ وظروفه، تلك المقتضيات التي تحدد سمات الزعيم المطلوب آنيا. وعليه فالزعامة كانت تمنح منحا لصاحب القدرات التي تناسب الظرف ومقتضياته، وهي صفات مكتسبة لا تنتقل بالوراثة، على حين ينضوي الجميع في الظروف الاعتيادية تحت لواء الأحكم، الأكبر، الأكثر دراية والأكثر قدرة على المنح والعطاء. وفي كلتا الحالين تظل المساواة حاضرة، مما جعل البدوي واعيا تماما لفرديته، مصرا على الاعتداد بنفسه بإسرافٍ تمثله دواوين العرب في الحماسة والفخر والاعتزاز بالفرد أو بالقبيلة أو بالنسب.
وفي خطاب النعمان دعم آخر لوجهة نظر الأسود بن عبد العزي، فهو يؤكد أن الأمم إنما تقبل الخضوع لملك فرد في وحدة سياسية إذا "تخوفت نهوض عدوها إليها بالزحف". وقد أثبت الحجاز، ومكة بالذات، أنه بعيد المنال، ولا يتخوف نهوض عدوه إليه. فبينما كانت الممالك العربية قد وقعت تحت الاحتلال أو النفوذ الأجنبي، ففقدت اليمنُ استقلالها منذ الربع الأول من القرن السادس الميلادي وسقطت تحت حكم الأحباش ثم الفرس، وفقدت مملكة الحيرة استقلالها وتحولت إلى إمارة يحكمها أمير فارسي، واضطربت أحوال المملكة الغسانية بعد أن قلب لها الرومان ظهر المجن، فإن منطقة الحجاز بمدينتيها الرائدتين: مكة ويثرب كانت تتمتع باستقلال نقي هيأها له وضعها الجغرافي، ووعورة الطريق إليها، فكانت هي البيئة العربية الخالصة البعيدة عن مجال الصراع الدولي، وعن التأثر بالحضارات الأجنبية بدون أن تفقد التواصل معها، ولم تخضع لحاكم أجنبي. ومع ذلك فلم تكن فيها ممالك بالمعنى الحقيقي، ولا وحدة سياسية كبيرة تنتظم أمر قبائل الحجاز جميعا، وهذا كله إنما هو دعم حقيقي لرأي الأسود بن عبد العزى!
وإزاء كل هذه العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيا مثل داود. وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة، وآمن هؤلاء بذلك، وأخذوا يَسْعَوْن للتوطئة للعظيم الآتي، وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة، وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم، مثل أمية بن عبد الله الثقفي، الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك فقام ينادي:
ألا نبي منا فيخبرنا * ما بعد غايتنا في رأس مَحْيَانا؟
لكن العجيب فعلا ألا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية و مقتدرة تطوي تحت جناحيها، وفي زمن قياسي، ممالك الروم و العجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه النبي المنتظر! ".
والحق أن العبارة التى يدور عليها الكتاب لا يمكن أن تكون صحيحة، على الأقل بالمعنى الذى يقصده القمنى وأمثاله من العباقرة كخليل عبد الكريم الفلحاس الأعظم الذى كان كالقمنى يزج بنفسه أو يزج به من يدفعونه من الخلف فى المآزق والكُرَب العظام التى لا يستطيع السداد فيها. ولكن علينا أولا أن نحاول معرفة المصدر الذى استقى منه القمنى هذه العبارة. ولقد ألفيته نقلها من كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" لأبكار السقاف الكاتبة اليمنية التى وجدتُ بعضا من ذوى التوجهات الفكرية المعينة يشيدون بها ويطنطنون لما تركته وراءها من كتب تحمل اسمها وتتسم بالركاكة والعسلطة والمعاظلة حتى إنها لتكاد تتوخى دائما تأخير ما حَقُّه التقديم وتقديم ما حَقُّه التأخير من عناصر الجملة دونما أدنى داع. إنما هى حذلقة، والسلام. وبالمناسبة فكثير من الأفكار فى الكتاب الذى يحمل اسم القمنى وذلك الذى يحمل اسم أبكار السقاف واحدة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذه سمة الكتابات القمناوية أو بالأحرى: الكتابات التى تحمل اسمه، إذ هى انعكاس مباشر لما عند الآخرين، وبالذات من المستشرقين والمبشرين. خذ مثلا انتقاده لـ"طريقة جمع المصحف العثماني التي لم تراعَ في تصنيفها وتبويبها قواعد التصنيف والتبويب المعروفة: كأن تجمع آيات التعبد معا، والتشريعات معا، وعلى الترتيب الزمني والقصص الوعظي معا، وقوانين الأخلاق معا. بل أنها لم تراع الترتيب الزمني للآيات وارتباطها بأحداث الواقع وجدلها معه وتأثرها به وتأثيرها فيه وتغيُّرها وتبدُّلها حسب متغيرات هذا الواقع. وهى سمة فارقة تميز الإسلام عن بقية الأديان. الحكمة الوحيدة في الترتيب العثماني، إذا كانت حكمة، هي السير في ترتيب النصوص من السور الأطول إلي السور الأقصر دون أي رابط موضوعي ولا زمني. هذا بينما السور الأقصر كانت هي الأُولَى زمنا بحيث لو أردت قراءة القرآن قراءة شبه مرتبة فعليك البدء بآخر المصحف رجوعا إلى أوله ... ولا عبرة هنا بقول من يصرون على أن هذا الترتيب توقيفي، أي كان وقفا على النبي وجبريل، وأنهما من رتباه على هيئته الحالية، لأنه لو كان الأمر كذلك ما ظلت مصاحف الصحابة الكبار على اختلافها بعد موت نبيهم وحتى زمن عثمان بن عفان، ولأنه حتى لو كان الأمر كذلك فإنه يظل بحاجة إلى إعادة نظر".
وهذه الفكرة ذاتها قد أثارها منذ سنوات كاتب تونسى اسمه يوسف صديق لا يستطيع أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة بل يخطئ منه فى الأَوَّلِيّات. وقد رددت وقتها على سخافاته فى مقال لى منشور على عدد من المواقع المشباكية المختلفة بعنوان "يوسف صديق وأباطيله حول القرآن". وكلام صديق هو بدوره انعكاس لما يردده المستشرقون والمبشرون دائما. وكانت صحيفة "القاهرة" المصرية قد نشرت في الصفحة الخامسة (العدد 144) حوارًا مع يوسف صديق بجامعة السوربون بعنوان "المفكر التونسي يوسف صديق: نحن لم نقرأ القرآن بعد" أدلى فيه الأستاذ المذكور ببعض الآراء التي استوقفتني ورأيت أنها تحتاج إلى مراجعة لأنها تثير قضايا على قدر عظيم من الأهمية لا يمكن أن يمر كلامه فيها دون تمحيص وتعقيب.
ولتكن بداءتنا عنوان الحوار نفسه: "نحن لم نقرأ القرآن بعد"، وهو عنوان الكتاب الذي جاء في حديثِ صِدّيق إلى الصحيفة أنه بسبيل إعداده. وقد أدلى الرجل بكلامين في هذه المسألة: الأول في بداية الحوار، وهو أننا "كلما تقدمنا وتعمقنا في الفكر و الفلسفة استطعنا أن نفهم القرآن بشكل يتواءم مع التقدم في معرفتنا". وهذا كلام لا نستطيع إلا أن نتفق معه فيه، فالقرآن أوسع وأعمق وأبعد غورًا من أن يفهم حق الفهم دفعة واحدة، بل تظل هناك دائمًا، مهما طال الزمان، أبعاد تحتاج إلى من يحاول ارتيادها واكتشاف ما فيها من أسرار. وسبب ذلك أنه من عند الله، فهو يمثل المعرفة المطلقة، أما معارف البشر فهي محدودة ونسبية. لكن الأستاذ صديق قد عدّل كلامه هذا قرب خاتمة الحوار (والعبرة، كما يقولون، بالخواتيم) فقال إننا لم نقرأ القرآن بعد، بما يعني بوضوح أن كل ما قمنا به طوال الأربعة عشر قرنًا من تلاوة القرآن وتفسيره ودراسته في كتب تعد بالآلاف، فضلا عما وُضِع حوله من معاجم واسْتُخْلِص منه من علوم ... إلخ ... إلخ، هو عبث في عبث، وأنه سيكون أول من يقرأ القرآن من عباد الله. أي أن علينا أن نضرب صفحًا عن كل هذا التراث القرآني الذي شاركت في صنعه عشرات الأجيال ونشتغل فقط بما سيجود علينا به قلمه في هذا الصدد، فهل من يوافق على هذا الكلام الغريب الذي أظن (وبعض الظن عين العقل بكل يقين) أنه هو مقصد المؤلف الحقيقي، وإن لم يشأ أن يجابهنا به في بداية الحوار بل مهّد له بأن القرآن "لا يكشف عن دلالاته مرة واحدة"؟ وهو أسلوب من التدرج يلجأ إليه بعض الكتاب بغية تحذير القارئ المسكين!
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي السؤال الثاني و الثالث تتساءل مُجْرِية الحوار عما طرحه د. يوسف صديق في كتابه الذي صدر فى ذلك الوقت باسم "القرآن كتاب مفتوح" (وإن كان العنوان الفرنسي كما يظهر في صورة الغلاف المنشورة مع الحوار هو "القرآن: قراءة جديدة وترجمة جديدة") من فكرة تدعو إلى تفسير آيات القرآن حسب تواريخ نزولها لا حسب ترتيبها في المصحف، وكان جوابه أنه لا يمس سوى عمل بشري لا صلة له بالقدسية. يقصد أن ترتيب الآيات داخل كل سورة هو من عمل الصحابة. وهذا غير صحيح، ولم يقل به أحد إلا هو، إذ ادعى أن الرسول قد ترك القرآن قِطَعًا متفرقة لا تنتظم في سورة، وهو ادعاء باطل ألقى به الأستاذ صديق باستخفاف لا يليق بأستاذ جامعي أو غير جامعي.
لو كان الكلام اقتصر على "تفسير" القرآن حسب ترتيب النزول لآياته فلربما لم يجد د. صديق من يختلف معه اختلافًا شديدًا، فهذا لون آخر من ألوان الدراسات القرآنية الكثيرة رغم الصعوبة البالغة بل رغم الاستحالة التي تكتنف مثل هذه الدراسة القرآنية لأن كثيرًا جدًّا من آيات القرآن لا نعرف لها سبب نزول، ولأن قسمًا من الآيات الأخرى قد اخْتُلِف حول سبب نزوله. ومن قبلُ قام العالم الفلسطيني محمد عِزّة دَرْوَزة بتفسير القرآن حسب الترتيب النزولي للسور مع الصعوبة الشديدة في ذَلك لأنه لا إجماع هنالك على مثل هذا الترتيب، علاوة على أن عددًا كبيرًا من سور القرآن لم تنزل منه السورة دفقة واحدة ولا دفقات متتالية، قلت: لو كان الكلام اقتصر على "تفسير" القرآن حسب الترتيب الزمني لآياته فلربما لم يجد المؤلف من يختلف معه اختلافًا شديدًا، بيد أن كلامه في الجواب عن السؤال المذكور يشير بوضوح إلى أن المسألة تتجاوز هذا إلى الدعوة لـ"ترتيب" آيات القرآن كله حسب تاريخ نزولها لا إلى "تفسيرها". ومعنى هذا أن تنفرط آيات القرآن كما تنفرط حبات المسبحة و ينهار بناؤه إلى أن يهلّ علينا العبقري الذي يقدر على صنع "المستحيل" فيعيد ترتيبه حسب التاريخ الخاص بنزول كل آية، وهو ما لن يتحقق دهر الداهرين، اللهم إلا إذا قال د. صديق إنه هو ذلك " العبقري المنتظر"! وهيهات أن نصدقه! ومرة أخرى نقول إن الكلام في هذا الحوار يبدأ بفكرة بريئة ثم يفاجَأ القارئ بأن الأرض الصُّلْبة التي كانت تحت قدميه قد استحالت بقدرة قادر إلى رمال متحركة تريد أن تبتلعه ابتلاعًا.
ولا يقف الإرباك الذي يسببه الحوار للقارئ عند هذا الحد، إذ نجده ينتقل بغتة إلى الحديث عن دعوة الأستاذ التونسي لسور القرآن حسب ترتيب نزولها. وهذا شئ غير ترتيب آياته الكريمة حسب تاريخ وحيها كما أشرنا من قبل وقلنا إنه أمر من الصعوبة جدًّا بمكان، وهي دعوة يجري فيها الرجل على درب المستشرقين، وليس هو ابن بجدتها كما يريد أن يوحي للقارئ. وأمامي الآن ترجمتان إنجليزيتان للقرآن الكريم حاولتا هذه المحاولة: إحداهما للقسيس البريطاني رودويل، والثانية للمدعوّ: داود، وهما تختلفان في ذلك الترتيب اختلافًا بعيدًا، كما أن بعض مترجمي القرآن ممن التزموا ترتيب السور حسبما ورد في المصحف يصدّرون ترجمتهم بدراسة عن القرآن يتناولون فيها، ضمن ما يتناولون، مسألة ترتيب الوحي ترتيبًا زمنيا محاولين استخلاص السمات المضمونية والأسلوبية التي تميز كل مرحلة في تاريخ نزوله، وإن اقتصر الأمر في ذلك على الخطوط العامة. وممن فعل ذلك "إدوار مونتيه" السويسري و"بلاشير" الفرنسي في ترجمتيهما للقرآن إلى الفرنسية. ويجد القارئ تفصيلا لهذا الأمر في الباب الثاني من كتابي "المستشرقون و القرآن"، وهاتان الترجمتان أمامي الآن أيضا وأنا أكتب هذا الكلام.
على أن د. صديق، في جوابه عن قلق الأستاذة التي أجرت الحوار معه مما تمثله دعوته تلك من مساس بقدسية النص القرآني، ينبري مؤكدًا أننا نحن الذين قد ابتدعنا هذه القدسية. وهذا كلام خطير جدا، فالقرآن مقدس لأنه من عند الله لا لأننا الذين خلعنا عليه هذه القداسة. صحيح أن من لا يؤمن بأن القرآن وحي إلهي لا يرى فيه نصًّا مقدسًا، لكننا نحن المسلمين نؤمن بقدسيته، وإلا فلسنا مسلمين. هذا أمر بديهي، أليس كذلك؟ والكاتب يؤكد إيمانه بالقرآن، فكيف لا يراه كتابًا مقدسًا؟ أما دعواه بأننا قد "ألَّهنا" الرسول عليه الصلاة و السلام فهي دعوى غريبة بل منكَرة، إذ لا يوجد مسلم واحد على وجه الأرض يقول
(يُتْبَعُ)
(/)
بـ"تأليه" الرسول. صحيح أنه عليه السلام "رجل يمشي في الأسواق مثلنا ويأكل، وله كل المواصفات البشرية" كما جاء في كلام الدكتور لكنه في ذات الوقت ليس بشرًا عاديًّا، بل هو نبي يوحَى إليه، وأخلاقه من السمو بحيث لا يدانيه غيره من البشر، وهو ما كنت أحب أن يضيفه د. صديق إلى كلامِه السابق حتى يكتمل المعنى. وفي القرآن الكريم أَمْرٌ للنبي بأن يقول: "إنما أناَ بَشرٌ مثلكم يُوحَى إلىّ"، وفيه أيضا: "وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم" ... إلخ، فكان ينبغي ألا يغفل الأستاذ الدكتور في كلامه ذلك البعد الذي يميز الرسول، رغم بشريته، عن سائر الخلق.
كذلك ترددت في حديث د. صديق الإشارة إلى "مصادر" القرآن ومراجعه"، فما الذي يقصده الدكتور بهذا؟ إن للقرآن مصدرًا واحدًا ليس غير هو الوحي الإلهي، أما الحديث عن "مصادر" و"مراجع" كما لو كنا بصدد دراسة تقدم بها أحد الباحثين ويتذرع لها بما يستطيع أن يضع يده عليه من الكتب السابقة فهو كلام لا يليق بمسلم أن يقوله. ولصاحب هذه السطور كتاب في هذا الموضوع عنوانه "مصدر القرآن" رددت فيه بتفصيل شديد على النظريات الاستشراقية و التبشيرية السخيفة التي تحاول إرجاع القرآن إلى مصادر بشرية. فالقول بأن للقرآن "مصادر ومراجع" هو فرية استشراقية معروفة أساسها قول مشركي مكة عن الرسول عليه السلام: "إنما يعلمه بشر"، وإن القرآن الكريم هو"أساطير الأولين اكتتبها، فهي تُمْلَى عليه بكرة وأصيلا". وها هي ذى تطالعنا بوجهها القبيح في كلام لأحد المنتسبين للإسلام. ولخليل عبد الكريم كتاب كامل فى هذاالموضوع هو "جذور الشريعة الإسلامية" نقل فكرته وكثيرا من تفاصيله من بعض الكتب التبشيرية التى تعزف نفس النغمة المسئمة، مما أشرت إليه من قبل فى هذه الدراسة.
ويمكن لمن أراد من القراء أن يعود إلى كتابى: "المستشرقون والقرآن"، الذى صدر للمرة الأولى سنة 1984م، والذى كنت كتبته قبل ذلك بسنتين أو أكثر قبل أن أعود من بريطانيا، ليجد إشارت متكررة فى مواضع متفرقة منه إلى هذا الرأى الاستشراقى وردى عليه. بل إن بعضهم، حسبما سبق القول، قد أعاد ترتيب سور القرآن لدن ترجمته لكتاب الله كريتشارد بل وم. رودويل ون. ج. داود. كما جرى على هذه الخطة المستشرق ريجى بلاشير عند إصداره ترجمته الفرنسية للقرآن للمرة الأولى، وإن كان قد عاد فالتزم الترتيب المصحفى فى الطبعات التالية. لكننا للأسف نراه فى بعض الأحيان يعبث بالنص القرآنى الكريم فيقدّم، إلى جانب الترتيب الموجود فى مصاحفنا، ترتيبا لبعض الايات يختلف عن الترتيب الذى تتبعه تلك المصاحف. ومن يرجع إلى طبعة هذا العام من " Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية" يجد كاتب المادة الخاصة بالرسول عليه الصلاة والسلام، وهو المستشرق الفرنسى اليهودى الماركسى مكسيم رودنسون، يردد هذا القول المتهافت زاعما أن القرآن نص مضطرب النظام لا يصح الاعتماد عليه فى التوصل إلى ترجمة موثوق بها للرسول عليه السلام، وهذا نص ما قاله، والضمير فيه عائد على القرآن: " Mais son texte est en grand désordre. On ne peut y rétablir qu'avec peine et avec bien des incertitudes l'ordre chronologique. Les événements de la biographie du Prophète n'y sont évoqués que de façon allusive. C'est donc une source difficile à utiliser".
ولنعد إلى فكرة القمنى المحورية فى كتاب "الحزب الهاشمى"، وهى أن نبوة محمد إنما هى تحقيق لمطامح عشيرته من قديم الأجيال، وبالذات منذ أيام هاشم وعبد المطلب. يقول كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية"، الذى يحمل على غلافه اسم أبكار السقاف، عن الصراع بين قريش ومحمد فى العهد المكى وشكاواهم المتكررة إلى أبى طالب من ابن أخيه: "وقدح عمل الوجدان شرر الذاكرة فعملت من أبى طالب المخيلة وراحت تستعرض الماضى والحاضر، وفى امتداد راحت تطوى الحاضر وترتاد آفاق المستقبل الذى قد التمعت منه البوارق خلال تلك الخلوة التى خلا فيها إلى محمد وأصغى إلى حديث أدرك من ورائه أن التاريخ السياسى للعرب يتجه اتجاهًا لا فحسب جديدًا بل مغايرًا، وأن أمره إنما أمرٌ هو فى بيت هاشم وبيت عبد المطلب محصور! ومن ثم هب أبو طالب يجمع بيت هاشم وبني المطلب ويفضى إليهم بأمر ابن أخيه وابن أخيهم طالبًا إليهم، وهم فرع عبد مناف،
(يُتْبَعُ)
(/)
أن يمنعوا محمدًا من فرع عبد الدار، ثم، وهم بيت هاشم، أن يمنعوه من بيت عبد شمس. فاستجابوا له جميعًا باستثناء عبد العزى بن عبد المطلب استجابةً هم فيها ولا ريب كانوا متأثرين بالعصبية القومية وبالخصومة القديمة بين فرعي عبد الدار وعبد مناف وبالمنافسة الجديدة بين بيت هاشم وبيت عبد شمس، مما جعلهم يرون حقا لابن أخيهم أن يعلن الناس برأيه. وهكذا اعتصم محمد ببيته من هاشم وبعمومته من أبناء عبد المطلب، لا فحسب من فرع عبد الدار وبيت عبد شمس، وإنما من سائر قريش!
ولكن كانت هذه "المنعة" الهاشمية لمحمد إلهابًا لجذوة الخصومة بين بنى العمومة، فمن حول نفسها أخذت سائر الفروع والبيوت القريشية تستدير حلقات ليتعقد منها الرأى عند القول بأن فى انتصار هذا الفرد من عبد مناف انتصارا لفرع عبد مناف على عبد الدار، وبالتالى انتصارًا لبيت هاشم على بيت عبد شمس. وفى هذا ما فيه من الخطورة على ما لهذه الفروع والبيوت من قريش من مكانة اجتماعية وسياسية، ومن ثم بدأت للقضاء على ما فى هذه الدعوة من المبادئ السياسية والاجتماعية ألوان من الاضطهاد تنزلها قريش بمن لديها من الإماء والعبيد ممن كَلِفُوا بالوعد المحمدى كَلَفًا أخرجهم من طاعة قريش إلى طاعة محمد. وازداد بنو هاشم والمطلب، وإن كانوا لمحمد فى دعوته الدينية لا يؤازرون، منعا لمحمد وللأذى عن الموالى والعبيد من أتباعه دفعًا دفع حمزة بن عبد المطلب إلى أن يعلن اتّباعه محمدًا ومعاهدته على نصرته والتضحية فى سبيل أمره". إنها نفس الفكرة المحورية فى "الحزب الهاشمى"، وإن كان لا بد من أن نأخذ فى الاعتبار المدى الزمنى بين كتابة الكتابين، والفرق بين شخصية أبكار السقاف وشخصية القمنى، فضلا عن تغير الظروف الدولية فى وقتنا الحاضر عما كانت عليه فى الوقت الذى تم فيه تحبير كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية".
ولنقرأ فى ذات الكتاب، ولكن فى موضع آخر: "بمنعة أبي طالب لمحمد وبانتصاره له وإيمانه بدعوته السياسية رغم عدم إيمانه بدعوته الدينية بدأ مظهر النزاع القديم بين هذين الفرعين من قُصَيّ يتخذ دوره الإيجابى مسفرًا عن اشتداد إخلاد قريش إلى عقيدتها بأنّ هذه الدعوة التى يطلع بها عليها محمد ليست فى مداها الحقيقي إلا دعوة سياسية لجأت فى تدعيم كلمتها إلى "الوحي"، واتخذت الدين الحنيف وسيلة إلى غاية تنحصر فى إحراز سلطة مطلقة عن طريق وحدة سياسية تأتي للعرب بإمبراطورية كتلك التى للفرس وكتلك التى للرومان، بل تهدف إلى أن تقيم القوائم من سلطانها على أنقاض هاتين الإمبراطوريتين كما كان قد أعلن هذا الهدف لمحمد نداء ما زال يتردد مجلجلا: اتبعونى. والذى نفس بيده لتملكنّ كنوز كسرى وقيصر!
لا جدل فى أنه مذ ثوى قُصَيٍّ، والتطاحن على سيادة العرب سِجَالٌ بين فرعي قريش وعَوَانٌ، ولكنه ما اشتد قَطُّ اشتداده فى هذا العهد. كلا وما عمل كلا الفرعين إلى الإمارة وإليها جَدَّ جِدُّهما مثل هذا العهد. ولذلك فإن قريشًا، إذ تقف مقتنعة بأنّ محمدًا إنما سياسي اتخذ "الوحي" طريقًا للاعتراف بما يضمن له كامل السلطة ومطلق السلطان وأنه ليس إلا مفتريًا اتخذ اللَّه إلى هدفه وسيلة واتخذ الدين الحينفى مسندًا إليه فى دعوته يستند ليكفل لكلمته إصغاء، فليس إلا بوحي من أحداث العصر كانت قريش قد كونت عن محمد هذه الفكرة التى تحولت فى صدرها إلى يقين غداة استجابت لمحمدٍ هاشمٌ، مما كان السبب فى شد أزر الدعوة المحمدية وتثبيتها والخروج بها من الدور الإعدادى إلى الدور العملي الذى اتخذ مظهر النزاع السافر بين الفريقين، والذى ما لبث بدوره أن تطور إلى مظهر التحدي حتى كاد يندلع شرر الحرب بين الفرعين".
ولمزيد من المعلومات حول أبكار السقاف أسوق للقارئ العزيز ما قرأته فى بعض المواقع المشباكية لمحمد جلال القصاص من أن كتابها: "نحو آفاق أوسع" (وهو الكتاب الذى يعد كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" أحد أجزائه) قد "صدر عام 1945م، وحدثت "دوشة" كبيرة حول الكتاب انتهت بمصادرته عام 1946م. لا حظ أنّ الكتاب تم مصادرته في فترة لم يكن ظهرت فيها ما يسمونه بـ"الأصولية الإسلامية" ... وأبكار السقاف من المعاصرين ومن المعمَّرين (1913م- 1989م)، ولا يعرف عنها التاريخ سوى أنها إحدى الحسناوات ربيبة القصور وزوجة الأمراء والأثرياء. وقد أجهد نفسه
(يُتْبَعُ)
(/)
من يترجم لكتب شىء عنها فلم يجد سوى التعجب من أن تهمل هذه الحسناء بنت الأثرياء. أقول: وهذا حالها، فقد صدر كتابها: "نحو آفاق أوسع" في عام 1945م، وكان عمرها اثنين وثلاثين عاما، والكتاب موسوعة ضخمة في أربعة مجلدات، ويشبه التحقيق الكبير. كيف أخرجته هذه الصبية الجميلة، وكانت قد تزوجت (أو خُطِبَتْ) وطُلِّقَتْ (أو انفصلت) من أمير برقة، ثم تزوجت ومات زوجها، ثم لم تخرج بعده عملا في نفس قيمته مع أنّها عُمِّرَتْ وتفرغت بعد ذلك؟ وإذا وضعنا في الحسبان أنّ هذه الفترة كان النصارى مشغولون فيها بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي من جديد، وإخراج كوادر "إسلامية متنورة"، وهي ذات الفترة التي خرجت فيها "دائرة المعارف الإسلامية"، ألا يدل كل ذلك على أنّ هذه الفتاة كُتِب لها أو أُعِدَّتْ لها الأفكار والمفاهيم، وهي صاغتها؟ مجرد تساؤل لا أجد صعوبة في الإجابة عليه بالإثبات. وإنْ حَلَفَ غيري لا أظن أنّه يحنث".
قلنا إن عددا من الأفكار فى الكتاب الذى يحمل اسم القمنى وذلك الذى يحمل اسم أبكار السقاف واحدة، كما أن القمنى يباهى بأنه تلميذ لتلك الكاتبة، التى رأينا أن كتبها المطروحة هذه الأيام بوفرة واهتمام قد صودرت حين نشرت لأول مرة، وهو كلام له مغزاه، وبخاصة حين يقرأ الإنسان كتابها عن الدين فى بلاد العرب فيلفيها تتكلم عن الإسلام والقرآن ومحمد فى الغالب بكلام يحتمل معنيين: المعنى الأول أن يكون القرآن من عند محمد، استقى ما فيه من لقاءاته بالرهبان وأهل الكتاب الذين قابلهم هنا وهناك فى رحلاته التجارية إلى اليمن والشام، تلك اللقاءات التى تقرر أنها أثرت فى شخصية محمد، فهى كثيرا ما تقول مثلا: "وانطلق لسان محمد يقول كذا وكذا"، أو "استرسل من محمد الكَلِم يقول كذا"، أو "راح الصوت المحمدي يتجه نغما هادئا ينادي بكذا"، أو "أتت الإجابة من شفتي محمد بأنّ اللَّه له يقول كذا"، أو "جاءت الوعود من شفتى محمد بكذا"، أو "ارتفع الصوت من محمد ينادى بكذا"، أو "جاوب الجانبُ المحمديّ مرددًا كذا"، أو "يقول محمد بأنّ اللَّه عن الأمر الفلانى يقول كذا"، بدلا من أن تقول إن الوحى قد نزل عليه بالآية الفلانية أو السورة العلانية. وهو أسلوب من القول درج على شىء شبيه به عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه: "محمد رسول الحرية". وأما المعنى الثانى لكلام السقاف أو من كتب مستخدما اسمها، وإن لم يكن بنفس قوة المعنى الأول، فهو أن القرآن وحى من السماء. ويساعد على هذه الحيرة بين المعنيين أن الأسلوب الذى صيغ به الكتاب أسلوب متكلف عَسِر لا تتضوع فيه أنفاس البيان العربى، وفيه من العجمة شىء ليس بالقليل.
ومما يحيرنى كذلك فى أمر السقاف أن بعض كتبها الأخرى ككتابها: "إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة" وكتابها: "الحلاج أو صوت الضمير" مثلا قد صيغت بأسلوب مباشر يختلف تماما عن هذا الأسلوب: فلا تكلف ولا عجمة ولا تقديم لما حقه التقديم ولا تأخير لما حقه التقديم، ولا عبارة مثل: "لا ثمة شك" المتحذلقة التى لم أجد لها نظيرا فيما يكتب الكتّاب والكاتبات. هل هناك أكثر من يد وراء تلك الكتب السقّافية؟ مجرد سؤال. هل تلك الكتب قد صاغتها فعلا يد أبكار السقاف، التى تمسك وهى فى مجالس الرجال بالسيجارة بدلال ولا دلال فاتنات السينما، وقد ارتدت ملابس تكشف عن صدرها وكتفيها وزنديها وذراعيها وساقيها وتركت شعرها الوَحْف دون أن تستره ولو بإيشارب حسبما تخبرنا صورتها المنتشرة على المشباك؟
ويؤكد أيضا التشابه الكبير فى الأفكار الرئيسية بين الكتاب الذى يحمل اسم السقاف ونظيره الذى يحمل اسم القمنى ما نقرؤه عند السقاف مثلا عن عبد المطلب: "ليس بالجديد أن نقول إنّ عبد المطلب كان من حكام قريش وأشرافها وساداتها، لكن الجديد أن نكتشف ما قد كان لعبد المطلب من سجايا مطمورة فى تربة التاريخ وأن نراه يقف فى العصر القريشي مثلا رائعا للتوحيد الصافى والخالص النقي من وصمة اتخاذ الوسطاء على الله والتشفع بهم إليه ليسجل تنبُّه الوعى تماما فى هذه الفترة إلى ما إليه كان قد انصرف القلب قديما من دينٍ صاحَبَه الاعتقاد بأن به قد هبط إبراهيم الوادى وأورثه لإسماعيل غداة تَرَكَه بين جُرْهُم يصحر معهم فى الصحراء. يقينا إنّ من الجديد أنْ نعلم أنّ عبد المطلب هو أوّل داعية رفض التوجه فى العبادة على "الوسطاء"
(يُتْبَعُ)
(/)
والتمسح بأصنامهم أو تماثيلهم بغية التشفع بهم إلى الله! ومن الجديد أن نعلم أنّ عبد المطلب وحّد الله توحيدًا خالصًا رفض به إلاّ التوجّه إليه بالسؤال. فهو بينما يقوم صورة بارزة للقيم الأخلاقية محرمًا الخمر والفسق وآمرًا بترك البغى والظلم وموصيًا بالوفاء بالعهد وناهيًا عن نكاح المحارم وعن الوأد ومتبعًا التقاليد العربية فى قطع السارق وحاثًّا على مكارم الأخلاق ومحذرًا من يوم حساب عنه يطلق القول مقسمًا: "والله إن وراء هذه الدار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسىء بسيئاته" فإنما يقوم معلنًا أنه يعبد الله على شريعة الحنيفية ويتبع دين إبراهيم وإسماعيل، وأنه يتخذ مكانًا لهذا التعبد "حراء". فقد كان عبد المطلب إذا أهل شهر رمضان صعد إلى حراء يتحنّث ويتعبّد ليعود فيُودِع التبشير بهذا الدين فى مسمع من حوله من أبنائه من بهم كان قد اشتد ساعده، ومن عنهم كان يتحدث قائلا: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء! ". للحظة أخرى يتمهل الفكر هنا ويسبح مستوعبًا المعنى من هذا الصوت الذى لا بد أن يكون قد رنَّ فى وعى محمد صبيًّا وهو فى حجر عبد المطلب نشأ، وفى كنفه تربى، ليعود الفكر من هذا السبح مُوقِنًا بأن فى نفس محمد كان حتمًا أن يترك رنينُ هذا الصوت انطباعاته التى بوضوح بعد قد تجلت غداة أنشأ محمد "بالنبوة" دولة! ".
فهذا الكلام يماثل قول القمنى فى "الحزب الهاشمى": "إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء: قالها عبد المطلب بن هاشم، وهو يشير إلى أبنائه وحفدته، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة التي عاشتها جزيرة العرب، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون نواتها ومركزها مكة تحديدا برغم واقع الجزيرة آنذاك ... وإزاء كل هذه العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيا مثل داود. وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة،. وآمن هؤلاء بذلك، وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي، وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة، وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم، مثل أمية بن عبد الله الثقفي الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك، فقام ينادي:
ألا نبي منا فيخبرنا * ما بعد غايتنا في رأس مَحْيانا؟
لكن العجيب فعلا ألا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية ومقتدرة تطوي تحت جناحيها، وفي زمن قياسي، ممالك الروم و العجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه النبي المنتظر ... ويبدو أن أخطر شأن في هذه الملة وفي أمر عبد المطلب جميعه هو إدراكه للنسب وخطورته بين الأعراب بحسبانه العامل الجوهري في تفككهم السياسي لاعتزاز كل قبيلة بنسبها القبلي والذي ظل مستبطنا في بطن التحول الجديد للبنية الاجتماعية المكية. ومن هنا كان إعلانه أن العرب جميعا، وقريش خصوصا، يعودون بجذورهم إلى نسب واحد. فهم، برغم تحزبهم و تفرقهم، أبناء لإسماعيل بن إبراهيم. لذلك، ولأنه ينتمي إلى هذه السلالة الشريفة، فقد أعلن في الناس تبرؤه من أرجاس الجاهلية وعودته إلى دين جده إبراهيم. ودين إبراهيم هو الفطرة الحنيفية التي ترفض أي توسط بين العبد والرب. فإذ أهل رمضان صعد إلى غار حراء متحنفا، ثم عاد ينادي قومه أنه قد حرم على نفسه الخمر وكل ضروب الفسق، حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود، هاتفا: "والله إن وراء هذه الدار دارا يجزي فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بسيئاته"، ثم لا يلبث أن يبشر قومه بقرب قيام الوحدة السياسية، فيشير إلى أبنائه وحفدته الذين أصبحوا له عزوة وشد أزر ويقول: "إذا أحب الله إنشاء دولة، خلق لها أمثال هؤلاء"، أولئك الأبناء الذين كاد يقدم أحدهم ذبيحا ابنه عبد الله أب النبي عليه السلام كما كاد يفعل جده البعيد إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام. وفي أمر عبد المطلب يقول المسعودي: "تنازع الناس في عبد المطلب، فمنهم من رأى أنه
(يُتْبَعُ)
(/)
كان مؤمنا موحدا، وأنه لم يشرك بالله عز وجل. وكان عبد المطلب يوصي بصلة الأرحام وإطعام الطعام ويرغبهم ويرهبهم، فِعْل من يراعي في المتعقب معادا وبعثا ونشورا".
كذلك وقفت السقاف عند عبد المطلب وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بوصفهم حنفاء، وعلى هذا الترتيب الذى تناولهم به القمنى أيضا، وإن كان القمنى قد تناول حنفاء آخرين، إلا أنه أبقى الكلام عن هؤلاء الثلاثة إلى النهاية وساقهم بهذا الترتيب، وأرود لهم كثيرا من النصوص التى أوردها كتاب السقاف، وأبرز أهيمتهم بنفس الطريقة التى نجدها عندها، أو بالأحرى: فى الكتاب الذى يحمل اسمها. والملاحظ أيضا أن احتفاء الاثنين بأمية بن أبى الصلت وتمجيده كبير حتى إنهما ليركزان كثيرا على "طهره" و"تطهره"، فضلا عن إيرادهما أشعاره المشبهة لما فى القرآن بوصفها أشعارا صحيحة مع ما هو مشهور بين العلماء من أنها منحولة عليه. وقد زاد القمنى فعزا، عن طريق التدليس، القول بصحتها إلى د. جواد على، الذى قال عكس هذا تماما. إلا أن القمنى حذف من كلام الباحث العراقى سطورا كثيرة ثم لحم النص بطريقة توحى بأن جواد على يقول ما قاله هو من أن شعر أمية المشابه للقرآن هو شعر صحيح، وأن الرسول والقرآن من ثم مدينان له. وقد فصلنا القول فى ذلك تفصيلا فى المقال المسمى: "اعتزال سيد القمنى".
ولكن هل كتاب أبكار السقاف هو مصدر العبارة المنسوبة إلى عبد المطلب، تلك التى يباهى فيها ذلك الشيخُ الجليلُ بأبنائه وأحفاده ويؤكد أن أمثالهم أحرياء أن ينشئوا الدول؟ كلا ثم كلا ثم كلا. إنما هو فى أحسن أوضاعه مرجع وسيط. ولكن صاحبته للأسف لم تذكر المصدر الذى أُخِذَتْ منه هذه المعلومة، بل أوردت اسم مرجع وسيط آخر، ثم زادت الطين بلة فلم تحدد مكان الطبع ولا تاريخ الطبعة أو رقم الصفحة، مكتفيةً بالقول بأنه كتاب "قصة الأدب فى الحجاز فى العصر الجاهلى" من تأليف خفاجى والجيار. وهو أمر يبعث على القهقهة، إذ الصواب أنه من تأليف د. محمد عبد المنعم خفاجى وعبد الله عبد الجبار، فانظر الفرق بين الأمرين كى تدرك مدى الاضطراب الذى أحاط بالكاتبة حتى إنها لا تعرف الفرق بن عبد الجبار والجيار ولا تفكر فى تحديد الطبعة ورقم الصفحة فى كتاب يبلغ عدد صفحاته زهاء السبعمائة.
وقد أرهقنى الأمر قبل أن أنجح فى الوصول إلى موضع الاقتباس، وهو الصفحة رقم 306 من طبعة مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة عام 1400هـ- 1980م لأفاجأ بأن السقاف قد أفسدت النقل، إذ ذكرت أن عبد المطلب هو الذى قال هذه العبارة وهو ينظر إلى أولاده وأحفاده مباهيا بهم، على حين أن قائلها، كما ورد فى كتاب خفاجى وعبد الجبار وكما ورد فى كتاب "أعلام النبوة" للماوردى، إنما هو أعرابى كان قد مر بعبد المطلب جالسا وحوله أولاده وأحفاده. على أن المؤلفَيْن المذكورَيْن بدورهما لم يذكرا المصدر الذى استقيا منه هذه العبارة وتركانا فى عماية معماة من الأمر. فانظر، أيها القارئ العزيز، إلى كل هذا الاضطراب، وتعجب ما حلا لك التعجب! ثم يقال بعد هذا كله لذلك المزور القرارى إنه باحث لم تلده ولادة! ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إلهى يحرسك من العين يا قمنى!
بالله أهذا الهلس يصلح فى ميدان البحث العلمى؟ أمن المعقول أن يأتى أحدهم إلى عبارة طائرة لا يدرى من أين أُخِذَتْ ولا من قالها ولا ماذا تعنى، بل لا يدرى أصلا أهى صحيحة أم لا، ثم يرتب عليها أطروحته كلها، وهى أطروحة فى منتهى الخطورة، إذ تتهم محمدا عليه السلام بأنه ليس نبيا بل رجلا سياسيا أراد تحقيق مطامح جده فى توحيد العرب وإقامة دولة تحمل اسم الهاشميين، ثم لا دين بعد ذلك ولا يحزنون؟ وقد نفضتُ كثيرا جدا جدا من كتب التراث التى يغلب على الظن أن مثل تلك العبارة يمكن أن يعثر الباحث عليها فيها فلم أوفق. وبعد رحلة بحثية أخرى لم أعثر عليها إلا فى كتاب واحد هو كتاب "أعلام النبوة" للماوردى المولود فى أول الثلث الأخير من القرن الرابع الهجرى تقريبا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والملاحظ أن هذه العبارة لا وجود لها فى تاريخ الطبرى ولا فى سيرة ابن هشام ولا فى "المغازى" للواقدى ولا فى غيرها من كتب التاريخ الموجودة فى موقع "الوراق"، وهى بالعشرات. فكيف انفرد الماوردى بها؟ وأين كانت قبل أن يوردها فى كتابه؟ وحتى لو صدقنا بها، فمن ذلك الأعرابى الذى قالها؟ وفى أية ظروف نطق بها؟ بل من هو الراوى الذى رواها للماوردى؟ والواقع أن العبارة لا يمكن أن تكون صحيحة. لماذا؟ أولا لأن كلمة "دولة" بالمعنى الذى يقصده القمنى ومن يتابعهم عميانيا دون فهم أو عقل أو منطق أو تدقيق ليست من معجم الجاهليين. ودونك، يا قارئى العزيز، الشعر الجاهلى كله ففَلِّه براحتك. فإن وجدت هذه الكلمة فى أى شاهد منه غير الشاهد التالى، وهو بمعنى مختلف تماما عما نحن فيه، فتعال قل لى، ولك منى الشكر الجزيل. يقول سليمة بن مالك الأزدى: "وَالقَومُ لا يغنيهمُ رَيْبُ الدُّوَلْ"، أى تداول النصر والهزيمة.
كذلك دونك القرآن الكريم، ويقينا لن تعثر على هذه الكلمة بين مفرداته، بل هناك فقط كلمة "دُولَة" فى قوله تعالى عن الحكمة وراء توزيع الأنفال على فئات بعينها من المهاجرين غِبَّ انتصار المسلمين فى خيبر: "كيلا يكون دُولَةً بين الأغنياء منكم"، أى كيلا ينحصر تداول المال فى يد الأغنياء منكم. فـ"الدُّولَة" هنا من التداول، ولا علاقة لها بمفهوم الدولة ( state) إطلاقا. كذلك تخلو أحاديث الرسول الكريم من تلك الكلمة أيضا، اللهم إلا حديثين أو نحو ذلك من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة استعملا الكلمة بمعنى "السيادة" أو "الدَّوْر" أو "الحصّة"، إذ نُسِب إلى الرسول قوله: "إن للمساكين دولة. قيل: يا رسول الله، وما دولتهم؟ قال: إذا كان يوم القيامة قيل لهم: انظروا من أطعمكم في الله لقمة وكساكم ثوبا أو سقاكم شربة ماء، فأدخلوه الجنة"، "حدثني جبريل عليه السلام، قال: يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبأي بنان تعاطيه؟ لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر. ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها. فبينا هو متكئ معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فيظن أن الله عز وجل قد أشرف على خلقه، فإذا حوراء تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله تبارك وتعالى: "ولَدَيْنا مَزِيد"، فيتحول عندها، فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى. فبينا هو متكئ معها على أريكته، وإذا حوراء أخرى تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله عز وجل: "فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون". فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة".
ويؤكد هذا كلَّه ما أثبته الخليل بن أحمد فى معجم "العين"، وهو أقرب المعاجم العربية إلى الجاهلية، وهو: "الدُّولةُ والدَّوْلةُ لغتان، ومنه الإدالة. قال الحَجّاج: إِنّ الأرضَ ستُدَالُ مِنّا كما أَدَلْنا منها. أي نكون في بَطْنها كما كُنّا على ظَهْرها. وبنو الدِّول: حَيٌّ من بني حنيفة". وكما يرى القارئ لا وجود لكلمة "دولة" بالمعنى العصرى فى هذا المعجم. وقد جرت العادة حينذاك أن يقال: "الفرس والروم والأحباش" مثلا بدلا من "دولة الفرس ودولة الروم ودولة الأحباش" كما فى قوله عز شأنه: "ألم غُلِبَتِ الرُّوم فى أدنى الأرض، وهم من بعد غَلَبهم سيَغْلِبون* فى بِضْع سنين".
ولقد بدا لى قبل هذا أن أراجع الشعر الجاهلى كله فى الإصدار الثالث من "الموسوعة الشعرية" لأرى الأبيات التى تتضمن تركيب "إذا أحب الله ... "، فلم أجد فيه ولو شاهدا واحدا، بل لم أجد أى شاهدا أتى فيه اسم الجلالة فاعلا لفعل "إذا" الشرطية قط رغم أننى استعرضت فى ذلك مئات الأبيات التى استعمل فيها أصحابها هذه الأداة ما بين شعراء مشهورين وآخرين مغمورين، وشعراءَ رجالٍ وشاعراتٍ نساءٍ، وما بين "إذا" التى فعل شرطها ماض و"إذا" التى فعل شرطها مضارع، وما بين "إذا" المجردة من "ما" وإذا" التى يعقبها هذا الحرف، وكذلك ما بين "إذا" التى تليها جملة فعلية و"إذا" التى تليها جملة اسمية، وما بين "إذا" الابتدائية و"إذا" التى تتصدر جملة الخبر، وما بين "إذا" التى ترد
(يُتْبَعُ)
(/)
فى صدر البيت و"إذا" التى تأتى فى دَرْجِه ... إلخ. ثم إننى لم أكتف بهذا، بل زدت فاستعرضت فى الموسوعة المذكورة كل الأبيات التى ورد فيها الفعل: "أَحَبَّ" فلم أجده قط فى شعر الجاهليين مسندا إلى الله ولا واقعا عليه أيضا.
وثالثا كيف يمكن أن تخطر لأعرابى فكرة إنشاء الدول، ولم يعرف الأعراب أوانذاك إقامة الدول، إذ كانوا قبائل متناحرة لم يعرفوا الدول ولا الأوطان كما نعرفها نحن الآن؟ وبحقٍّ يؤكد مكسيم رودنسون المستشرق الفرنسى المعروف، فى مادة "محمد" فى طبعة هذا العام من " Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية"، أن العرب "كانوا يجهلون فكرة الدولة: la notion d'État était inconnue". بل إنهم لم يكونوا ينسبون مثل هذه الأمور إلى الله سبحانه ولا كان يدور فى أذهانهم فى ذلك الوقت من الجاهلية مفهوم المشيئة والإرادة الإلهية على النحو الذى عرفوه بعد الإسلام. لقد كانوا يقولون مثلا: "نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر". ولدينا الشعر الجاهلى، وليس فيه شىء يدل على أنهم كانوا يربطون بين مثل ذلك الأمر وبين إرادة الله. ولنفترض بعد هذا كله أن ما قلناه غير صحيح، وهو لا يمكن إلا أن يكون صحيحا، فكيف لم يحاول واحد من منشئى الدول هؤلاء حسب قولة الأعرابى المزعومة كالعباس وحمزة وأبى لهب وأبى طالب مثلا أن يفكر فى إقامة دولة، اللهم إلا صغيرهم وابن أخيهم محمدا؟ لقد وقفوا منه أول ما بدأ دعوته إلى الإسلام موقف العداء والعناد، بل لقد انضم بعضهم إلى معسكر المؤذين له المتآمرين عليه كأبى لهب. كما أن الذين آمنوا من كبارهم إنما آمنوا بأُخَرَةٍ ولم يسارعوا إلى الانضمام إلى صفوف أتباع منشئ الدول هذا. أما أبو طالب، الذى بسط حمايته على ابن أخيه وكان له فى كثير من المواقف ردء صدق، فلم يؤمن به قط رغم كل الحنان الذى كان يكنه له فى قلبه.
بل لقد كان أبو طالب يطلب منه صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان أن يكف عن الدعوة إلى ما جاء به إبقاء على العلاقات التى تربط الهاشميين بسائر المكيين على ما تصوره لنا الرواية التالية من السيرة النبوية لابن هشام والتى أوردها الكاتب نفسه فى كتابه موجزة: "ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه. ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه. ثم إنهم مَشَوْا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استَنْهَيْناك من ابن أخيك فلم تَنْهَه عنا. وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفّه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه.
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدّث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا (الذي كانوا قالوا له)، فأَبْقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق. قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بَدَاءٌ أنه خاذله ومُسْلِمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته. قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام. فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا بن أخي. قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أُسْلِمك لشيء أبدا". أفلو كان هناك تلك التخطيطات التى يزعمها أصحاب التخليطات الحشاشية، أكان هذا يكون موقف أبى طالب من ابن أخيه الساعى لإنشاء دولة العشيرة؟ أُفٍّ لكل مُهْتَلَسٍ مَأُوف!
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم إن الكاتب نفسه يقول بعد ذلك ما نصه: "وكانت النتيجة التي سجلتها كتب التاريخ الإسلامي أنْ حَقِبَ الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادأ بعضهم بعضا، وقام حزب عبد الدار يستجمع حلفاءه لمواجهة ما بدأت نذره في الأفق برغم نداء بعض العقلاء مثل عتبة بن ربيعة، الذي التقى النبي، وأدرك الأهداف الكبرى للدعوة، فقام يقول لقريش: يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه فاعتزلوه. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ منه نبأ عظيم. فإن تُصِبْه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. وعلى الطرف الآخر أعلن الهاشميون أنهم قد منعوا فتاهم برغم عدم متابعة دعوته دينيا، اللهم إلا أفرادا فرادي. فكانت عصبيتهم القبلية درعا قويا لدعوة حفيد عبد المطلب، التي استنفرت الحزب المناوئ الذي أصر على زعمه أنها دعوة لو كتب لها النجاح لصار الأمر كله إلى البيت الهاشمي". وإن العاقل ليتساءل: لماذا يا ترى يَنْكِل الهاشميون عن متابعة محمد فى دعوته ما دامت تؤدى إلى إنشاء الدولة التى لا تكلّ عشيرتهم عن التخطيط لها والعمل على تحقيقها بكل وسيلة منذ أجيال؟ وماذا يضيرهم فى أن يتابعوه على دعوته؟ أو فلنقل: وماذا كان يضيره لو ترك دعوته الدينية وركز على تنفيذ خطته السياسية ما دام الدين الذى جاء به قد فرق قومه، وفرق معهم عشيرته أيضا، بدلا من توحيدهم؟ ثم كيف يفسر كاتبنا البلبوصىّ هذه الحكمة التى بدت على عُتْبة بن ربيعة فأراد من أهل مكة أن يكفّوا عن مناوأة الرسول، وابنُ ربيعة لم يكن هاشميا؟
وبالمناسبة فالكاتب لا يرتاح هنا إلا بعد أن يكذّب ما يقوله الرسول والصحابة عن عمرو بن هشام، الذى سَمَّوْه: "أبا جهل"، إذ يقول لوذعيُّنا الكارهُ لكل شىء فى الإسلام: "ومن الجدير بالذكر أن عمرو بن هشام لم يكن رجلا أحمق أو أبله بدلالة تحاكم العرب إليه في النفورة والمشاورة والمخايرة منذ حداثته حتى إنهم أدخلوه دار الندوة صبيا". وهذا يعنى أن ما قاله المسلمون والرسول عن جهله وحمقه هو كذب فى كذب وغيظ وحقد لا حقيقة له، وكأن كل صاحب منصب لا بد أن يكون أهلا لذلك المنصب. أفلا يكفى أن يعادى دعوة الإسلام وأن يظل طوال عمره مفعم القلب بالحقد على الرسول الكريم عاميا عن القيم النبيلة المضيئة التى يحتوى عليهادينه، مؤثرا عليها قيم الجاهلية الجهلاء؟ أفلا يكفى أن يكون هو مُورِد قومه مَوْرِد التهلكة فى بدر حين أصر فى عنادٍ غبىٍّ وكِبْرٍ مقيتٍ على متابعة جيش قريش تقدمه إلى بدر رغم توارد الأنباء بنجاة القافلة القرشية التى خرج الجيش لحمايتها، فكانت ثمرة ذلك العناد الجهول الأحمق أن جُنْدِل العشرات من صناديد قريش وقوادها ورؤسائها، ومنهم أبو الجهل هذا؟
وتخبرنا السيرة أن كفار قريش قد عرضوا على النبى، ضمن ما عرضوه، المُلْك والسلطان، إلا أنه رفض. فلم يا ترى، وقد كان حريًّا به أن يَعَضّ على تلك السانحة بالنواجذ فلا يفلتها أبدا؟ جاء فى كتب السيرة والأحاديث النبوية "أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، ورجلا من عبد الدار، وأبا البختري أخا بني أسد، والأسود بن المطلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا فقالوا: يا محمد، والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك. لقد شتمت الآباء، وعِبْتَ الدين، وسفَّهْتَ الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك. فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا. وإن كنت تطلب الشرف فينا سَوَّدْناك علينا. وإن كنت تريد مُلْكا مَلَّكْناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتي رَئِيًّا تراه قد غلب بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه ونُعْذِر فيك.
(يُتْبَعُ)
(/)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا. قالوا: فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا، فَسَلْ لنا ربك الذي بعثك به فَلْيُسَيِّرْ عنا هذه الجبال التي ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليجحر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا. فإن لم تفعل فَسَلْ ربك مَلَكًا يصدّقك بما تقول، وأن يجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك على ما نراك تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش. فإن لم تفعل فأسقط السماء علينا كِسَفًا كما زعمتَ أن ربك إن شاء فعل، فإنا لا نؤمن لك إلا أن تفعل. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية، فقال: يا محمد، عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله، ثم سألوك أن تعجّل ما تخوفهم به من العذاب، فوالله لا أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ترقى فيه، وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة، ومعك أربعة من الملائكة، فيشهدوا لك أنك كما تقول. فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزينا، فأنزل عليه ما قاله عبد الله بن أبي أمية: "وقالوا لن نؤمن لك" إلى قوله: "بشرا رسولا" ... ".
وهَبِ الرسول عليه السلام قد أخطأ خطأ الدهر الذى لا يُجْبَر، فكيف تركه بنو هاشم فلم يدفعوه إلى قبول مثل ذلك العرض الذى كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر وخلع الضرس، بل بفقء العين، وكانوا على استعداد لأن يبذلوا فى سبيله الغالى والنفيس؟ ألم يكن هذا هو حلم آبائهم وأجدادهم منذ أجيال على ما يقول القمنى وعبد الكريم تبعا لما لُقِّنَاه؟ فيكف يفلتون كلهم جميعا مثل تلك الفرصة؟ ثم كيف نفسر أنه صلى الله عليه وسلم لم يعهد برئاسة الدولة من بعده لأحد من بنى هاشم وترك الأمر شورى بين المسلمين؟ إن ما يقوله عبد الكريم والقمنى إنما هو ترديد لما ظنه الكفار هدفا لمحمد فعرضوا عليه الملك كما رأينا. إلا أن محمدا قد رفض هذا العرض رفضا باتا، مكذبا بذلك كل الكفار فى كل الأدهار. أليس ذلك أمرا مخزيا؟ ألا إن فى ذلك لذِكْرَى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد! لكنْ على من تتلو مزاميرك يا داود؟
وأخيرا فها هو ذا القمنى بعظمة لسانه بعد كل هذه التهويشات الحلمنتيشية عن "الدولة" التى وضع محمد إنشاءها نصب عينيه منذ كان طفلا صغيرا جالسا مع جده وسائر أعمامه وأطفالهم واستمع إلى عبارة جده الخطيرة عن الرجال الذين إذا أحب الله إنشاء دولة خلق أمثالهم لها، ها هو ذا القمنى يلحس كل ما قاله فى هذا الشأن ويؤكد أن النبى حتى بيعة العقبة الأولى لم يكن يضع فى ذهنه بتاتا إقامة أية دولة. يقول سيد المزورين الأولين والآخرين إلى يوم الدين فى الجزء الثانى من مقال له منشور فى موقع "الحوار المتمدن" بعنوان "البيعة ليست هى التصويت": "كانت بيعة العقبة الأولى تحديد هدف الدين بالسعي في الدنيا للحصول على رضا الله لدخول جنته، وليس لإنشاء دولة ذات سلطة وسلطان، ومُلْك يتناصر حوله الناس أو يتصارعون". ونفس الشىء فيما يتعلق ببيعة العقبة الثانية حسبما نقرأ بعد ذلك بسطور قليلة: "بيعة اتفاق على الدم والهدم والحرب وألا يتخلى الأنصار عن نبيهم ويمنعوه كما يمنعون نساءهم وأطفالهم حتى يشتد أمره وتقوى شوكته. وعليه أيضا عندما يقوى شأنه ألا يرتد عنهم ويتخلى عنهم ويعود إلى بلده. هذه هي العقبة الثانية بتفاصيلها ليس فيها شئ عن دولة أو انتخابات ... إلخ".
ثم لا يتركنا القمنى فى ضلال من الأمر، بل يعود فيؤكد ما قاله مرة أخرى: "أين هنا الدولة؟ العقبة الأولى كانت تمهيدا للهجرة، وكانت اتفاقا سريا غير علني، والدول غير سرية. العقبة الثانية سرية لتنفيذ الإتفاق". ثم لا يكتفى بهذا، بل يعاود بعد قليلٍ التأكيد قائلا: "مرة أخرى: أين هي الدولة؟ العقبة الأولى كانت تمهيدا للهجرة، وكانت اتفاقا سريا غير معلن، والدول غير سرية. العقبة الثانية سرية بدورها لتنفيذ الاتفاق السري". ثم سوف يعود مرة ثالثة فى الجزء الثالث من المقال مؤكدا ما سبق أن أكده من أنه لم يكن ثم وجود لفكرة الدولة فى ذهن النبى أو الأنصار فى بيعتى العقبة: الأولى والثانية. ليس ذلك فقط، بل هو يصرح بكل ما
(يُتْبَعُ)
(/)
عنده من صوت عال مجلجل أن "الإسلام لم يقصد إقامة نظام دولة، بل قصد الدين وحده، ولذلك كان لكل خليفة من الراشدين رأيا يختلف عن الآخرين في طريقة استلام الحكم وفي علاقته بالمحكومين. كل شيخ وطريقته في الشغل".
ثم ها هو ذا للمرة الخامسة فى مقال له آخر اسمه: "دولة الحداثة الدينية" ومنشور أيضا فى موقع "الحوار المتمدن أن "اسم الدولة أو الحكومة، بما نفهمه منه اليوم، غاب بالمرة وبالمطلق عن كل التاريخ الإسلامي منذ جاء جبريل بـ"إقرأ" وحتى اليوم، لأن رب الإسلام لو كان يريد دولة لدينه لخلق لها الجماعة التي تضع ذلك وتدرسه وتطبقه وتضع له مواصفاته وشروطه ومؤسساته التي تشرف على تنفيذه وتحميه، وهو كله الكلام الذي لم يكن معلوما زمن الصحابة ولزمن بعيد بعده حتى ظهور ابن تيمية وسياسته الشرعية، وإبن القيم و"أعلام الموقعين"، وحسن البنا و"الإسلام هو الحل". لوأرادها الله دولة إسلامية لخلق هؤلاء زمن الدعوة ليجلسوا حول الرسول ويشيرون عليه بما يقولونه لنا اليوم، ويعظونه به كما يعظوننا، ولقامت الدولة مواكبة لقيام الدين". ثم مرة سادسة فى ذات المقال أن الإسلام "لم تكن الدولة ضمن أهدافه بالمرة ". ومرة سابعة، وفى نفس المقال أيضا: "الدين الإسلامى طلب منا الإسلام، ولم يطلب منا الدولة".
إذن فالقمنى قد انقلب على نفسه وقال ما قلناه من الصبح، ولكن بعدأن طلَّع روحَنا معه. ولنستمع إليه أيضا، فى الجزء الثالث من مقاله: "الوطن والمواطنة عند الإسلاميين" المنشور فى موقع "الحوار المتمدن"، يقرر بصريح العبارة دون أى لبس أن "الإسلام لم يأت لينشئ دولة ولا ليقيم إميراطوريات، ولا علاقة له بالوحدة والتعدد الاجتماعي، ولم يعرف أصلا معنى كلمة "دولة". وكانت "الدولة" عنده هى تداول الأزمان والأشياء، أى تحرُّكها وتبدُّلها: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" ليس أكثر". أرأيت أيها القارئ مدى التخبط عند القمنى، أو فلنقل: فى الكتابات التى تحمل اسم ذلك البلبوص؟
والمضحك أن القمنى ذاته ينصحنا فى مقال آخر له عنوانه: "مشايحنا يصلحون" منشور أيضا بموقع "الحوار المتمدن" بأن نراعى السياق التاريخى والاجتماعى للفظ الذى نسمع أو نقرؤه فلا نفسره بالمعنى الذى يستخدمه عصرنا فيه. يقول: "وطالما أن الإسلام قد ظهر في جزيرة العرب وبلغتهم في القرن السابع الميلادي، وحتى نفهم مقاصده الحقيقية، فلا بد أن نتعامل مع الألفاظ بدلالات زمنها، كما كان يفهمها أهل مكانها البيئي وظرفهم الإجتماعي والاقتصادي، وليس كما يشرحها لنا وعاظ أيامنا ليحمّلوها بدلالات لم يقصدها السلف و لا أرادته اللغة، بل ولم تعرفه اللفظة أصلا". وهو ما كرره فى الجزء الثالث من مقاله: "الوطن والمواطنة عند الإسلاميين" المنشور فى الموقع المذكور حيث يؤكد أن "اللفظ هو ابن التاريخ و ابن الواقع الذي يعطيه المعنى و الدلالة". ألم يكن أحرى به أن يقول هذا الكلام لنفسه؟ اللهم إلا أن يكون قد نقل كلامه الحالىّ وكلامه السابق عن جهة من الجهات طلبت منه أن يتبناه ويؤديه كما هو لتحقيق غرض بعينه فى كل مرة دون مبالاة بالصواب والخطإ، فصدع بالأمر فى الحالتين دون إدراك لأبعاده أو فهم لمضامينه، وهو ما أرجّحه!
ثم ها نحن أولاء كذلك، فى الجزء الثانى من مقال له بعنوان "الوطن والمواطنة عند الإسلاميين" منشور فى هذا الموقع ذاته، نقرأ أنه "عندما جاء الإسلام لم ينشغل بالمرة بشئ اسمه الدولة والوطن لأنه لم يكن في مجتمع يعرف بعد معنى كلمة دولة"، وأن "الدولة لم تكن إطلاقا من صلب الدين الإسلامي". إذن فمحمد، فى رأى سيدنا البلبوصى لا رضى الله عنه، كان يدعو إلى دين ولا يريد إنشاء دولة: لا هاشمية ولا قمنية ولا باذنجانية ولا بلبوصية! كذلك لم يكن من الممكن أن يخطر للأعرابى الموهوم أو لعبد المطلب نفسه مفهوم "الدولة". فبأى رأى من الرأيين المتناقضين نأخذ؟ أفتونى ايها الناس! أنا أقول لكم: إنه يرفض الآن أن يكون فى الإسلام دولة، نكايةً فيمن ينادون بإقامة الدولة على أساس إسلامى، على حين يقول فى "الحزب الهاشمى" بأن محمدا إنما قصد إقامة دولة هاشمية من أجل أن ينفى نبوته. وهذا هو السر فى الموقف المتناقض الذى يقفه فى هذه القضية!
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا أظن القارئ إلا تنبه إلى أن القمنى (حلاق الصحة الذى ظن أنه يستطيع أن يلحق بطبقة الدكاترة بمائتى دولار) قد فتح همزة كلمة "إعلام" فى اسم كتاب ابن القيم: "إعلام الموقعين" والصواب كسرها، إلى جانب بعض الغلطات الأخرى، وإن لم نكن هنا فى مقام مؤاخذته بأخطائه اللغوية والإملائية، وما أكثرها رغم أن مثل هذه المقالات تخصع للمراجعات اللغوية. فما بالنا لو لم تخضع؟ لقد أحصيت له مئات الأغلاط اللغوية والإملائية فى بعض المقالات المنشورة له بموقع "الحوار المتمدن"، فهو لا يستطيع أبدا التمييز بين همزة القطع وهمزة الوصل أو بين التاء المربوطة والهاء المقفولة، شأنه فى ذلك شأن أى تلميذ ابتدائى فى سنواته الأولى، ودائما ما يفتح همزة "إن" بعد القول، كما أنه كثيرا ما ينصب المبتدأ واسم "كان"، ويرفع المفعول به أو المضاف إليه، ويرتبك فى استعمال الضمائر وأسماء الإشارة، ويحذف نون الأفعال الخمسة فى حالة الرفع أو يثبتها فى حالة النصب، ويثبت الياء فى الاسم الناقص النكرة فى حالتى الرفع والجر، ولا يستطيع استعمال تركيب "بعضهم بعضا" أبدا، فضلا عن الركاكة المخزية التى تدل على أنه عديم الذوق فى اللغة والأدب والأسلوب وأنه يجرى على طريقة "كله عند العرب صابون"! مع ملاحظة أننا إنما نتحدث هنا عن الكتابة. والكتابة، كما نعرف جميعا، تخفى كثيرا من الفضائح والمخازى بسبب خلوها من التشكيل.
ويكفى أن يسمعه الإنسان منا على التلفاز مرة واحدة بلغته الفظة ولسانه الطويل وعباراته الشوارعية التى يوجهها إلى العلماء وحركاته السوقية وشتائمه المنهمرة من فمه كالسيل لا يستطيع أن يتحكم فيها حتى يدرك أنه لا علاقة لهذا الشخص بالفكر والأدب واللغة الراقية على الإطلاق. ولعل من المناسب أن ننقل هنا ما قاله القمنى (فى مقال له يرد به فى موقع "الحوار المتمدن" على نادر قريط المدوّن العراقى) عما نصحته به والدته إذا أراد أن يهين شخصا محترما: "تذكرت المرحومة أمى الحاجة صفية، وهى تحذرنى: خد بالك يا سيد يا ابنى. إذا عايز تبهدل راجل محترم سلّطْ عليه مَرَه شَرْشُوحه". ويا لها من نصيحة غالية! ويا له هو من ابنٍ بارٍّ مطيعٍ ينفذ نصائح والدته بنفسه بمنتهى الإخلاص دون الحاجة إلى امرأة شرشوحة! وآخر هذه الفظاظات ما ذكره الصحفى بسيونى الحلوانى فى جريدة "المصريون" الضوئية بتاريخ 5/ 8/ 2009م من أن "المفكر المبدع الحاصل على جائزة الدولة التقديرية من وزارة فاروق حسنى قال لصحيفة "نيوزويك" العربية إنه سيقف "بلبوصا" أي عاريا أمام كل الذين انتقدوه وهاجموه"، وهو ما علق عليه الحلوانى قائلا إننا "يجب أن نأخذ الشطر الأخير من التهديد على محمل الجد، فليس بغريب على كاتب عَرَّى نفسه فكريا وثقافيا وارتكب كل الحماقات ضد شريعته وهويته الإسلامية أن يعري نفسه جسديا ويكشف عوراته وسوءاته الجسدية للناس". وهذه ثمرة الدكتوراهات المزيفة أم مائتى دولار!
ولم يقف أخذ سيد القمنى فى "الحزب الهاشمى" من الكتب الأخرى دون نَصٍّ عليها عند هذا الحد، بل هناك أشياء أخرى وأشياء، منها زعمه أن من بين ما لجأ عبد المطلب إلى استغلاله بغية إقامة الدولة الهاشمية دون أن يكون له أصل فى الواقع التاريخى دعواه أنه هو والعرب أبناء لإبراهيم وإسماعيل. وهذا كلامه نصا: "ويبدو أن أخطر شأن في هذه الملة وفي أمر عبد المطلب جميعه هو إدراكه للنسب وخطورته بين الأعراب بحسبانه العامل الجوهري في تفككهم السياسي لاعتزاز كل قبيلة بنسبها القبلي، والذي ظل مستبطنا في بطن التحول الجديد للبنية الاجتماعية المكية. ومن هنا كان إعلانه أن العرب جميعا، وقريش خصوصا، يعودون بجذورهم إلى نسب واحد. فهم، برغم تحزبهم وتفرقهم، أبناء لإسماعيل بن إبراهيم. لذلك، ولأنه ينتمي إلى هذه السلالة الشريفة، فقد أعلن في الناس تبرؤه من أرجاس الجاهلية، وعودته إلى دين جده إبراهيم. ودين إبراهيم هو الفطرة الحنيفية التي ترفض أي توسط بين العبد والرب. فإذ أهل رمضان صعد إلى غار حراء متحنفا، ثم عاد ينادي قومه أنه قد حرم على نفسه الخمر وكل ضروب الفسق، حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود، هاتفا: والله إن وراء هذه الدار دارا يُجْزَي فيها المحسن بإحسانه، ويُعَاقَب فيها المسيء بسيئاته. ثم لا يلبث أن يبشر
(يُتْبَعُ)
(/)
قومه بقرب قيام الوحدة السياسية، فيشير إلى أبنائه وحفدته الذين أصبحوا له عزوة وشدّ أزر، ويقول: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء"، أولئك الأبناء الذين كاد يقدم أحدهم ذبيحا: ابنه عبد الله أب النبي عليه السلام كما كاد يفعل جده البعيد إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام".
فهذه التهمة المفزعة إنما سطا عليها ونتشها من طه حسين وفلهلم رودلف، اللذين أشار، فى كتابه عن إبراهيم الخليل، إليهما وإلى كتابيهما: "فى الشعر الجاهلى" و"صلة القرآن باليهودية والمسيحية" وما ورد فيهما حول هذه النقطة إشارة تامة الوضوح بما يدل على أنه مدرك لما فى الكتابين وأبعاد ما فى الكتابين وبحيث لا يستطيع هو أو أى من أبواقه المنافحين عنه بالباطل على طول الخط أن يعطسوا فيها مجرد عطسة، إذ نراه يتحدث بأنه ليست هناك دلائل تاريخية على وجود إبراهيم عليه السلام أصلا، وأن عدم وجود هذه الدلائل دفع باحثا مثل فلهلم رودلف إلى إنكار وجوده تماما وإلى القول بأن محمدا قد زعم أنه هو جَدّه البعيد وجَدّ جميع العرب، والمسلمين على وجه الخصوص، وذلك بعد هجرته إلى يثرب تألفا لقلوب اليهود هناك. كما رصد أيضا التشابه بين كلام رودلف وما قاله طه حسين فى كتابه المشار إليه آنفا من أن ما ذكره القرآن عن إبراهيم وإسماعيل إنما هو نوع من الحيلة لإثبات صلة بين اليهود والعرب، وكذلك بين اليهودية والإسلام (سيد القمنى/ النبى إبراهيم والتاريخ المجهول/ مدبولى الصغير/ 17).
وهذا الزعم يلقاه القارئ أيضا لدى مكسيم رودنسون المستشرق الفرنسى اليهودى الذى كتب فى مادة "محمد" فى طبعة 2009م من " Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية" أن فكر محمد قد تطور فى المدينة جَرّاء ما نشب بينه وبين اليهود من خلاف بحيث تعرَّب الدين الذى يدعو إليه، فاكشتف أن إبراهيم هو أبو العرب عن طريق ابنه إسماعيل مثلما هو أبو اليهود من خلال ابنه الآخر إسحاق، وأنه لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، بل كان مثله حنيفا مسلما. وبالمثل نُسِب إلى إبراهيم وابنه إسماعيل أنهماهما اللذان أسسا الكعبة: " Pendant ce temps, ses idées avaient évolué, et la religion qu'il prêchait s'était nettement arabisée. Il se rattache directement à Abraham (Ibr?h?m), dont il a découvert qu'il était l'ancêtre des Arabes par Ismaël (Ism?،?l) aussi bien que des juifs, qu'il n'était ni juif ni chrétien, mais comme lui un monothéiste pur. Il s'agit pour les Arabes de retrouver cette foi, non de s'aligner sur les religions étrangères. À Ismaël et à son père se trouve attribuée la fondation de la Ka،ba, l'énigmatique maison située au centre du sanctuaire mekkois".
هذا، ولا أحب أن يفوتنى إدخال شىء من الترويح على قلب القارئ العزيز فأقول له إن سيد القمنى قد لحس أيضا، فيما لحس، ما كان قد قاله عن الحيلة التى ادعى أن عبد المطلب جد النبى لجأ إليها فى سبيل إقامة الدولة الهاشمية، ألا وهى الزعم بأن إبراهيم هو جد العرب عموما، وقريش على وجه خاص، إذ نجده فى كتابه: "النبى إبراهيم والتاريخ المجهول" يهاجم كتبة العهد القديم، الذين عبثوا بكتابهم المقدس وأَخْفَوْا ذهاب إبراهيم إلى بلاد العرب وإصهار ابنه إسماعيل إليهم. وهذا الموقف الجديد المناقض للموقف القمناوى القديم متاح لمن يود الاطلاع عليه بنفسه فى الفصل المسمى: "الرحيل جنوبا" من كتابه المذكور بدءًا من ص71، وكذلك فى بعض صفحات الفصل التالى. ومع هذا فقد عاد البلبوص الأعظم إلى تشكيكاته، إذ تساءل: كيف يقول القرآن فى موضع إن إبراهيم قد ترك ابنه إسماعيل عند بيته المحرم بما يدل على أن البيت كان موجودا أوانئذ، ثم يذكر فى موضع آخر أنه هو وإسماعيل قد قاما ببنائه بعد ذلك، وهو ما يعنى أنه لم يكن هناك بيت فى ذلك الوقت؟ ومع أنه قد تولى بنفسه سَوْق الرد الذى قدمه العلماء، وهو أن البيت كان موجودا قبل ذلك، إلا أنه احتاج من إبراهيم وابنه عليهماالسلام إلى أن يرفعا قواعده مرة أخرى، نراه يبدى حيرته وتشككه فى جدوى هذا التفسير رغم وجاهته الشديدة. إن المسافة الزمنية بين عمر إسماعيل الرضيع حين تركه أبوه مع أمه فى بَرِّيّة الحجاز وبين السن التى
(يُتْبَعُ)
(/)
يستطيع فيها معاونة والده فى رفع قواعد البيت ليست بالقليلة، فيمكن أن يحدث للبيت خلالها تصدُّعٌ لسبب أو لآخر يستلزم رفع قواعده. أو ربما كان البيت منذ البداية محتاجا إلى إعادة بناء، إلا أن إبراهيم لم يكن يستطيع القيام وحده بتلك المهمة، فانتظر إلى أن كبر إسماعيل وأضحى قادرا على معاونته. فالمسألة، كما يلمس القارئ الأمر بيده لمسا، هى لدى أبى البلابيص: سمك، لبن، تمر هندى!
وهذا "السمك اللبن التمر هندى" موجود أيضا فى موقفه من إسرائيل والصهاينة. وذلك واضح من المقارنة بين ما كتبه فى كتاب "رب الزمان" عن خطاب إسحاق شامير رئيس وزراء إسرائيل فى ذلك الوقت، إذ يمطر ذلك الصهيونى العريق فى الإجرام ويمطر معه دولة إسرائيل وقادتها وشعبها كله بما يستحقونه من تهم الإرهاب والغش والتضليل وسفك الدماء واغتصاب الأرض وتدمير البيوت وتقتيل البشر، مستشهدا فى كل ما يقول بنصوص من العهد القديم، لا يتحرج فى ذلك ولا يتردد، وبين ما أصبح يكتبه بعد ذلك من تمجيد لإسرائيل ولشعبها ولأمريكا والغرب كله المناصر لإسرائيل على طول الخط، فى الوقت الذى لا يجد فى العرب والمسلمين أى شىء طيب على الإطلاق. ومع هذا يقولون عنه إنه مفكر (مفكر فقط؟ لا بل مفكر كبير)، وإنه وإنه!
والطريف أن سيد يفرد عضلاته على الباحثين جاعلا من نفسه أستاذا يعطيهم دروسا فى المنهج العلمى وما يستلزمه من انضباط صارم. فهو مثلا فى مقال "رب الزمان"، الذى يناقش فيه ما كتبه د. سيد كريم فى مجلة "الهلال" فى فبراير 1982م من القرن البائد عن قدماء المصريين وبناء الكعبة "ينجعص" إلى الوراء ثم يتفلحس مخاطبا الدكتور بقوله: "واضح من البداية أني لن أكون مجاملا، وفق حسابات بسيطة تماما: أولها أن ميدان البحث العلمي ميدان لا يصح فيه لفارس تجاوُز شروط الفروسية وقواعد اللعبة لتحقيق قصب السبق. وأعتذر عن استخدام تعبير "اللعبة" في حديثي عن العلم وشروطه، لأن الموضوع برمته كان عند د. كريم مجرد لعبة. وثاني هذه الحسابات هو أن القارئ أمانة، والكلمة أمانة، وأول شروط البحث العلمي هي الأمانة. ورغم بساطة الحسابات، فإنها لم تترك لنا بصرامة حقوقها (وهي لوجه الحق حق، وأحق أن تتبع) أيّ فرصة للمحابات أو المجاملة". يا بجاستك يا أخى! فكيف بالله عليك زوَّرت الشهادة إياها أم 200 دولار؟
وهناك فكرة أخرى قد لحسها أيضا أبو البلابيص، فكرة أخذها هو و"وِنْجُه" الشمال خليل عبد الكريم من طه حسين، الذى سبق إلى لحسها والانقلاب بزاوية 160 درجة ليقول كلاما ينقضها تماما، ألا وهى تأكيده أن العرب الجاهليين لم يكونوا جاهلين، بل كانوا مثقفين ثقافة عالية. وهو يزعم أن المسلمين هم الذين أشاعوا عنهم سمة الجهل حتى يثبتوا أن الإسلام هو صاحب الفضل عليهم فى انتقالهم من حال التخلف إلى حال التقدم. فهو يريد أن يقول، من طَرْفٍ خفى، إن الإسلام ليس له فضل على العرب، أىّ فضل. وقالا هما وراءه نفس الكلام. قاله خليل عبد الكريم فى كتابه: "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية"، الذى يسخر فيه من تسمية العصر السابق على الإسلام بـ"الجاهلية" (ط. سينا للنشر/ 1990م/ 7)، مع أن الذى سماها كذلك هو القرآن قبل غيره.
وقاله القمنى فى كتابه: "العرب قبل الإسلام"، وهذه عبارته نصا: "دأب بعض مفكرينا في شؤون الدين، عافاهم الله، على الحط من شأن عرب الجزيرة قبل الاسلام وتصويرهم في صورة منكرة، وسار على دربهم أصحاب الفنون الحديثة في القصة والسيناريو والأعمال الفنية السينمائية، بحيث قدموا ذلك العربي عاريا من أية ثقافة أو حتى فهم أو حتى انسانية، حتى باتت صورته في ذهن شبيبتنا، إن لم تكن في أذهان بعض المثقفين بل والكتاب أيضا، اقرب الى الحيوانية منها الى البشرية. وقد بدا لهؤلاء أن القدح في شأن عرب قبل الإسلام وابرازهم بتلك الصورة المزرية هو فرش أرضية الصورة بالسواد لابراز نور الدعوة الاسلامية بعد ذلك، وكلما زادوا في تبشيع عرب الجاهلية كلما كان الاسلام اكثر استضاءة وثقافة وعلما وخلقا وتطورا على كل المستويات. وان الامر بهذا الشكل يبعث اولا على الشعور بالفجاجة والسخف، ثم هو يجافي ابسط القواعد المنطقية للايمان، فالإيمان يستدعي بدايةً قيمته من دعوته ومن نصه القدسي وسيرة نبيه، فقيمته في ذاته قيمة داخلية، وليست من مقارنته بآخر. اما
(يُتْبَعُ)
(/)
الأنكي في الأمر فهو ان تتم مقارنة الالهي بالانساني لابراز قيمة الالهي ازاء نقص الانساني. في تلك الحال ستكون ظالمة لكليهما: الإلهي والإنساني. فالإلهي لا يقارن بغيره، كما ان مقارنة الإنساني به فداحة في التجني على الانساني بما لا يقارن مع الالهي. وقد فطن الدكتور طه حسين الى ذلك الامر وعمد الى ايضاحه في كتابه: "الادب الجاهلي" مبينا مدى تهافت الفكرة الشائعة حول جاهلية العرب قبل الاسلام، وكيف أن تلك الفكرة أرادت تصوير العرب كالحيوانات المتوحشة لإبراز دور الاسلام في نقله الاعجازي هؤلاء الاقوام المتوحشين، فجأة ودن مقدمات موضوعية، الى مشارف الحضارة فجمعهم في أمة واحدة فتحوا الدنيا وكونوا امبراطورية كبرى. هذا بينما القراءة النزيهة لتاريخ عرب الجزيرة في المرحلة قبل الإسلامية تشير بوضوح إلى أن العرب لم يكونوا كذلك في تطورها الانساني. اما الركون الى عقائدهم لتسفيههم فهو الامر الاشد فجاجة في الرؤية، فيكفينا ان نلقى نظرة حولنا، على الانسان وهو في مشارف قرنه الحادي والعشرين، لنجده لم يزل بعد يعتقد في أمور هي من أشد الأمور سخفا. والمطالع لاخبار ذلك العصر المنعوت بالجاهلي، في كتب الاخبار الاسلامية ذاتها، سيجد في الاخلاق مستوى رفيعا هو النبالة ذاتها، وسيجد المستوى المعرفي يتساوق تماما مع المستوى المعرفي للامم من حولهم، وان معارفهم كانت تجمع الى معارف تلك الامم معارفهم الخاصة. فقط كان تشتتهم القبلى وعدم توحدهم في دولة مركزية عائقا حقيقيا دون الوصول الى المستوى الحضاري لما جاورهم من حضارات مركزية مستقرة. وهو الامر الذي اخذ في التطور المتسارع في العصر الجاهلي الاخير نحو التوحد في احلاف كبرى تهيئة للامر العظيم الآتي في توحد مركزي ودولة واحدة كبرى".
ومن أمور طه حسين المفرطة الغرابة أنه يعود، كما قلنا، فيمسح بممحاةٍ ما كان قد تغزل به فى ثقافة العرب وعقل العرب وتحضر العرب حين كان يريد، من وراء هذا الغزل، إنكار الشعر الجاهلى كما أنكره أستاذه مرجليوث، إذ أراد من وراء هذا التراجع أن يؤكد أن العرب قبل الإسلام لم يتركوا لنا أية آثار أدبية نثرية البتّة. ذلك أن النثر، فى رأيه، يحتاج إلى بيئة ثقافية متقدمة لم تكن متوفرة فى جزيرة العرب قبل الإسلام (طه حسين/ فى الأدب الجاهلى/ دار المعارف/ 1964م/ 329 - 332). وقد قَفَشه د. محمد عبد العزيز الموافى قفشةً بارعةً حين لفت الانتباه إلى أن طه حسين فى إنكاره لوجود الخطابة الجاهلية إنما كان اعتماده فى ذلك الإنكار على خُلُوّ العصر الجاهلى من الحضارة والحياة المدنية الراقية، مع أنه سبق أن أقام إنكاره لصحة الشعر الجاهلى على القول بأن ذلك الشعر لا يمثل الحياة العقلية الراقية لدى الجاهليين (د. محمد عبد العزيز الموافى/ قراءة فى الأدب الجاهلى/ ط7/ دار الثقافة العربية/ 1424هـ- 2003م/ 286 - 287).
ونفس الشىء لدى القمنى، ففى مواضع أخرى من كتاباته ينهال على العرب فى ماضيهم وحاضرهم هجاءً وتلويثًا وتشويهًا وتجريدًا من كل فضيلة وقيمة. والسبب؟ السبب أنه يريد أن يزرع فى رُوع القراء أن الإسلام كان وبالا على مصر والمصريين وعلى كل البلاد التى فتحها وكل الشعوب التى اعتنقته. أليس الإسلام قد جاء عن طريق العرب؟ بل أليس الإسلام نتاجا عربيا؟ وبما أن القمنى يدعو بدعاية الأمريكان ويعمل بكل قواه وجهوده لتعبيد الطريق أمام دباباتهم التى أقبلت من بعيد لتهرسنا وتسوِّىَ بنا وببيوتنا وثقافتنا الأرض، وبما أن هذا يستلزم التقليل بل التحقير لما فى أيدينا مما أتانا به العرب، فلا بد إذن أن يكون العرب فى الدَّرْك الأسفل من الحضارة، بل فى الدَّرْك الأسفل من البشرية ذاتها. وهذا هو مفتاح تفسير الأمر كله! ومرة أخرى نجد خليل عبد الكريم هو أيضا، فى كتابات له أخرى، يقول فى العرب الفاتحين ما قاله مالك فى الخمر، فهم جماعة من المتوحشين المتخلفين ما دخلوا بلدا إلا دهسوه وقَضَوْا على عوامل الحضارة فيه، وهو ما فعله عمرو بن العاص بجحافله التى قضت على كل ما هو جميل وعظيم فى مصر. قال هذا رغم ما أنبأنى به بعض من يعرفونه، إذ أكدوا لى أنه هو وأسرته ذوو أصول عربية، فهم ينتسبون إلى بعض القبائل اليثربية التى أتت بعد الإسلام إلى مصر.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك من تدليسات سيد القمنى، سيد المزورين والمدلسين، قوله عن زيد بن عمرو بن نُفَيْل: "وفي "السيرة النبوية" لابن هشام نجد زيدا دخل الكعبة قال: "اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك لعَبَدْتُك به، ولكنني لا أعلمه"، ثم يسجد على الأرض. ويؤكد ابن هشام أنه حرم على نفسه أمورا نقلها الناس عنه من بعد كتشريعات لانبهارهم بشدة ورعه وعلمه وتقواه، مثل تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله من ذبائح تُذْبَح على النُّصُب. نعم، لقد أصبحت هذه التشريعات لمجرد امتناع زيد عنها، وربما كان امتناعه عن بعضها لا لعيب فيها، وإنما لأنه كان لا يسيغها، ومع ذلك كان لإعجاب الناس به دور كبير في تحولها إلى قوانين متعالية. وتروي لنا الأخبار أن زيدا قد عاصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه إلتقاه. عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيدا بأسفل بلدح، فدعاه إلى تناول طعام مما يذبح للأرباب، فقال زيد للنبي: إني لست أكل ما تذبحون على أنصابكم. ويعلل ابن هشام أكل النبي قبل بعثه نبيا لأضحيات أو قرابين الأصنام بقوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يأكل مما ذبح على النصب، فإنما فعل أمرا مباحا، وإن كان لا يأكل فلا إشكال! ".
وهذا معناه أن تحريم الإسلام ما ذُبِحَ لغير الله هو من عنديات زيد بن عمرو بن نفيل، وليس وحيا سماويا، وأن الأمر قد يكون راجعا إلى أنه ذوق شخصى له، ولا موضع فيه لحرام أو حلال. لكننا نقرأ فى "صحيح البخارى" أنه عليه الصلاة والسلام "لقي زيد بن عمرو بن نُفَيْل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها. ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذُكِر اسم الله عليه". وهناك رواية أخرى للحديث تقول إنه صلى الله عليه وسلم قد "لقي زيدَ بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم، فأبى أن يأكل منها، ثم قال: إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه". والفرق بين الروايتين كبير كما ترى. وقد يُفْهَم من الروايتين، إذا ضممناهما معا، أن القوم كانوا قد قدموا إلى رسول الله ذلك الطعام فرفضه، ثم بدا له أن يعرضه على زيد، فرفض زيد كذلك، فاتفقت إرادتاهما على عدم الأكل منه.
وفى "فتح البارى" أن العلماء قد فسروا الأمر "بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا السفرة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقدمها لزيد، فقال زيد مخاطبا لأولئك القوم ما قال". ويؤكد هذا ما ورد فى حديث ثالث، إذ رُوِىَ "أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمَتْ إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذُكِر اسم الله عليه، وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله؟ إنكارا لذلك وإعظاما له".
كذك فالرواية الأولى تخلو مما يدل على أن اللحم كان من أضحية قدمها النبى إلى وثن من الأوثان، بل كل ما هنالك أنه عليه السلام كان معه لحم فقدمه إلى زيد، فرفض زيد أن يأكل منه، وهذا كل شىء. وفضلا عن ذلك قد يكون معنى كلام زيد أنه لا يرفض بالذات الأكل من السفرة التى قدمها النبى وزيد بن حارثة له، بل يعرض شروطه فى الأكل حتى إذا كان الطعام المقدم له متحققة فيه هذه الشروط أكل منه، وإلا فلا. وأتصور أن الأخير هو أقوى الاحتمالات لأنه لا يوجد ما يدل على ما ذهب إليه أبو البلابيص لا من قريب ولا من بعيد. فكما هو واضح قد أورد القمنى ما يظن أنه موصِّله إلى ما يريد من تشويه صورة النبى عليه السلام، وتجنَّب عن عمد وسبق إصرارٍ الأحاديثَ الأخرى التى تنفى أكله صلى الله عليه وسلم من لحوم الأنصاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وحتى لو أخذنا بحديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما، وقد أورده ابن حجر فى "فتح البارى، ونصه: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من مكة وهو مُرْدِفِي، فذبحنا شاة على بعض الأنصاب فأنضجناها، فلقينا زيد بن عمرو ... فقال زيد: إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه"، فليس معناه بالضرورة أنهما قد ذبحا الشاة باسم وثن من الأوثان، بل كل ما يدل عليه هو أنهما ذبحاها على نُصُبٍ من الأنصاب، والأنصاب هى الحجارة التى كانت قريش تذبح عليها عند الأوثان، فهى مواضع مهيأة لذبح الذبائح عليها. إنها فى هذا كالمسالخ هذه الأيام.
وأنا وأمثالى كثيرا ما نصلى فى مساجد ذات أضرحة، ولا يعنى هذا أبدا أننا نشارك من يؤمنون بـ"الأولياء" فى إيمانهم ذاك المغبَّش، بل يعنى أننا نصلى فى تلك الجوامع فقط رغم أن هناك فريقا ممن يصلى معنا يعتقد فى الشيخ المدفون بضريح المسجد اعتقادات لا يستريح إليها دين محمد عليه الصلاة والسلام. فرغم أن الفريقين يصليان جنبا إلى جنب فإن قلوبهما فى هذه النقطة غير متفقة. والعبرة بالنية والتوجه، وإلا فصلاة طوائف كبيرة من المصريين باطلة وفيها شرك بالله، أستغفر الله، لأن كثيرا من مساجد مصر يحتوى على أضرحة ومزارات. ومن يقول بهذا إلا أحمق ضيق العطن؟ ولقد سمح الرسول للنصارى أن يؤدوا شعائر صلواتهم فى مسجد المدينة، فهل صاروا بذلك موحدين؟ لقد كانوا قبل ذلك، وظلوا أثناء ذلك وبعد ذلك، من المثلثين رغم كل هذا. ويقال، حسب رواية أوربية، إن فرانسيس الأسيزى، وهو راهب إيطالى عاش فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر الميلاديين ووفد إلى مصر لمقابلة الملك الكامل الأيوبى أثناء الحروب الصليبية، قد صلى، بناء على اقتراح الملك الكامل، فى أحد المساجد المصرية قائلا إن دعاء الله مقبول فى أى مكان. فهل جعلته صلاته فى المسجد مسلما؟ كلا وألف كلا. بل لقد جاء إلى الملك وحاشيته كى يعرض بضاعته النصرانية على المسلمين لا ليدخل دين محمد عليه الصلاة والسلام. كما أن بطرك القدس، عند فتح المسلمين لها وحضور الفاروق مراسم تسليمها إليهم، قد عرض عليه أن يقيم صلاته داخل الكنيسة. ولولا أن عمر رضى الله عنه وأرضاه خشى أن يطالب المسلمون بتحويل الكنيسة مسجدا جَرّاء صلاته فيها لاستجاب للبطرك. وعندذاك ما كانت صلاته لتنقص عن مثيلتها فى أى مسجد بسبب ذلك، إذ العبرة بالنية والتوجه كما ذكرنا مرارا. ولماذا نذهب بعيدا، ولدينا الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تقيم كل عام إفطارا لكبار رجال الدولة وعلماء الإسلام داخل الكاتدرائية، فضلا عن صلاتهم المغرب هنالك، ويقوم بالخدمة أثناء ذلك رجال الكنيسة؟ فهل يصح الزعم بأن الصيام والصلاة غير مقبولين لأنهما تما داخل البطركية؟
أما قول ابن الكلبى: "وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها يوما فقال: لقد أهديت للعزى شاة عفراء، وأنا على دين قومي " فثم طائفة من الأسئلة تنبثق فى الذهن تو قراءتنا له وتريد جوابا، وهى: بَلَغَه عَمَّنْ؟ ومن روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف قاله رسول الله بهذه البساطة؟ وكيف لم يثر ذلك الكلام استغراب أحد من الصحابة؟ ثم متى قدّم رسول الله الشاة؟ وفى أية ظروف كان ذلك؟ ومن كان معه؟ ولماذا لم يَرْوِها إذن صاحبه الذى كان بصحبته؟ ولم سكتت قريش فلم تعيّره بهذا حين نزل القرآن يهاجمهم ويهاجم اللات والعزى ومناة وغيرها من الأوثان، ويحمل حملة شعواء على الأكل مما ذُبِح لتلك الأوثان على النُّصُب؟
وأرجو من القارئ أن يتمعن النص التالى: "عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي، أن عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد قالا: يا رسول الله، نستغفر لزيد؟ فقال: نعم، فاستغفرا له، فإنه يُبْعَث أمة وحده ... عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه أن جده سعيد بن زيد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه وزيد بن عمرو فقال: يا رسول الله، إن أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت وكما بلغك. فلو أدركك آمن بك. أفأستغفر له؟ قال: نعم، فاستغفرْ له، فإنه يجيء يوم القيامة أمة وحده. وكان، فيما ذكروا، يطلب الدين فمات وهو في طلبه". وليس فى كلام سعيد بن زيد ما يشى، ولو على سبيل التوهم، بأنه كان فى ذهنه أىّ شىء عن تناول رسول الله قبل
(يُتْبَعُ)
(/)
البعثة طعاما من لحوم الأنصاب، بل بالعكس نرى سعيدا وهو يحاول نيل رضا الرسول على أبيه لأنه تُوُفِّىَ قبل بعثة النبى عليه السلام فلم يكتب له الدخول فى دين الله. ولو كان الأمر كما زعم سيد المدلسين والمزورين من أكل النبى من ذبيحة الأنصاب ورَفْض زيد لها لما كانت بسعيد بن زيد حاجة إلى طلب الاستغفار من النبى لأبيه، إذ إن أباه فى هذه الحالة قد عرف طريقه إلى الهدى لا يُعْوِزه دعاءٌ ولا ترضٍّ من أحد، بل لما دخل سعيد فى الإسلام أصلا ويعرض نفسه للأذى والإهانة والخوف والتخفى بدينه الجديد وهو يرى أباه قد سبق النبى فى هذه الأشياء!
ترى هل انتهى الأمر؟ كلا، فما زالت هناك بعض المسائل التى لا بد من مناقشتها: ذلك أن أبو السِّيد يقول: "لقد أصبحت هذه التشريعات لمجرد امتناع زيد عنها، وربما كان امتناعه عن بعضها لا لعيب فيها، وإنما لأنه كان لا يسيغها، ومع ذلك كان لإعجاب الناس به دور كبير في تحولها إلى قوانين متعالية". أى أن تحريم ما ذبح للأصنام فى الإسلام إنما يرجع إلى أن زيد بن عمرو بن نفيل كان يرفض الأكل منها، فضلا عن أن هذا الرفض قد يكون مسألة ذوق شخصى لا أكثر. وهذا معناه أن أفيقوا يا مسلمون من السَّطْلة التى أنتم فيها، فليس هناك وحى سماوى ولا يحزنون. لكننى أُرْجِع الأمر ببساطة إلى أن الرجل كان، مثلما هو الحال مع سائر الحنفاء، يتبع دين إبراهيم، وهو دين توحيدى نقى غاية النقاء، وإن كان علماؤنا القدامى يقولون إن ما كان محرما فى دين إبراهيم هو أكل الميتة فحسب لا الذبح للأوثان رغم أن العهد القديم يحرم ذبح أى شىء لها على ما هو معروف. ولقد ذكر ابن هشام عن زيد نفسه قوله إنه يعبد الله على دين إبراهيم. ولم يقل الإسلام يوما إنه مبتوت الصلة بشرائع الأنبياء الخالين، بل هو امتداد للأديان السماوية السابقة. وهذا مذكور فى القرآن والحديث النبوى ويدركه الجميع. وعلى هذا فتحريم الإسلام ذبح أى شىء للأوثان هو أمر طبيعى تماما، وإلا فما معنى دعوته إلى الوحدانية والحملة على الشرك والوثنية؟ أم تراه يغلق الباب فى وجه الوثنية لتدخل من النافذة براحتها دون أى تثريب؟
المسألة الثانية هى تدليس القمنى على ابن هشام، إذ زعم أنه قد علل "أكل النبى، قبل بعثه نبيا، من قرابين الأصنام بقوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل مما ذبح على النصب، فإنما فعل أمرا مباحا". فابن هشام، طبقا لشهادة ابن القمنى المزورة كشهادة الدكتورية أم 200 دولار، يقر بأن النبى كان يأكل فعلا مما ذُبِح على الأنصاب، مع أن ابن هشام لم يتطرق إلى هذه المسألة قط، بل الذى تطرق إليها هو السهيلى صاحب "الروض الأُنُُف"، والسهيلى لم يقل هذا الكلام، بل الذى فى كتابه هو قوله تعليقا على حديث للبخارى فى الموضوع: "وفيه سؤال يقال: كيف وفق الله زيدا إلى ترك أكل ما ذُبِح على النُّصُب وما لم يُذْكَر اسم الله عليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية لما ثبت الله؟ فالجواب من وجهين أحدهما: أنه ليس في الحديث حين لقيه ببلدح فقُدِّمَتْ إليه السُّفْرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل منها، وإنما في الحديث أن زيدا قال حين قدمت السفرة: لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه. الجواب الثاني: أن زيدا إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع متقدم. وإنما تقدم شرع إبراهيم بتحريم الميتة لا بتحريم ما ذبح لغير الله، وإنما نزل تحريم ذلك في الإسلام. وبعض الأصوليين يقولون: الأشياء قبل ورود الشرع على الإباحة. فإن قلنا بهذا، وقلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل مما ذبح على النصب فإنما فعل أمرا مباحا. وإن كان لا يأكل منها فلا إشكال". فانظر الفارق بين الصدق والتدليس!
(يُتْبَعُ)
(/)
ويطنطن القمنى حين يقرأ أن هاشما جدَّ الرسول الثانى قد أصهر إلى بعض سكان يثرب فيتصايح مهللا، وكأنه وضع قدمه على كوكب المريخ ولا يستطيع أن ينازعه ملكيته أحد، بأن "هاشما أعطى الوضع المتأزم أبعادا جديدة عندما دعم قوي حزبه العسكرية برجال الحرب والدم والحلقة من بني النجار والخزرج في يثرب فشد الوثاق بهم بأنْ تزوَّج سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج ليكون ذلك لحزب عبد الدار وعبد شمس إعلانا صريحا عن قيام التحالف بين الحزب الهاشمي وأهل الحرب اليثاربة، وترك ولده شَيْبَة المعروف بعبد المطلب ينمو ويربو ويرضع الفروسية بين أخواله، وحيث كان كل التاريخ الديني يتواتر هناك في مقدسات اليهود". يريد أن يقول إن هاشما جرى هنا أيضا على اصطناع كل ما من شأنه أن يبلّغه أمله فى إنشاء دولة يكون هو وذريته ملوكا عليها، فأصهر إلى أهل يثرب كى ينجدوه ساعة اللزوم، وهو ما نجح فيه فى نهاية المطاف حفيده محمد، الذى تحيَّل بحيلة النبوة من أجل ذات الغرض. وهذا، كما يرى القارئ، تفكير الحمقى، إذ أين يثرب من مكة إذا قامت حرب بين هاشم وأية قبيلة من أهل بلده؟ يقينا لسوف تكون بصرة قد خربت قبل أن يتحرك اليثاربة من مدينتهم. ولقد قرأت فى المجلد الثالث من "الطبقات الكبرى" لابن سعد أن بعض الأوسيين فى الجاهلية كانوا قد قصدوا مكة للتحالف مع بعض القبائل القرشية ضد بنى الخزرج، فما كان من القرشيين إلا أن أجابوهم: بَعُدَتْ داركم منا. متى يجيب داعينا صَرِيخَكم؟ ومتى يجيب داعيكم صَرِيخَنا؟
وعلى أية حال لم يكن هاشم هو وحده الذى أصهر إلى اليثربيين، بل صنع ذلك أيضا ناس من بنى عبد شمس الذين كانوا خصوما له ولعشيرته منهم سفيان بن أمية وأبو عزة الجمحى الشاعر وحبيب بن الحكم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة بن ربيعة. وبالمثل جرى على هذه الخطة رجال من بنى عبد الدار ومن البطون القرشية الأخرى من الظواهر والبطاح جميعا، ومنهم على سبيل التمثيل أبو بكر الصديق، وكذلك رجال لا ينتسبون إلى قريش بل من حلفائهم ليس إلا. وبعضهم تزوج من يهوديات، كما تزوج بعضٌ آخَرُ نساءً يثربياتٍ كن متزوجاتٍ من رجالٍ هاشميين. وعلى الناحيةالمقابلة نجد أن رجالا من يثرب قد تزوجوا هم أيضا بنساء من قريش (انظر بحثا بعنوان "العلاقات الاجتماعية بين مكة والمدينة منذ ما قبل الإسلام حتى فتح مكة" لإلهام أحمد عبد العزيز البابطين منشورا فى مجلة جامعة الملك سعود/ م 18/ الآداب (2) / 1426 ه/ 2006 م/ 281 فما بعدها)، فما قول عبقرينا فى ذلك؟
ومما ألفيته مضحكا فى كتاب "الحزب الهاشمى" أيضا ما فى النص القصير الذى أسوقه الآن من تناقضٍ أبلقَ وخَلْطٍ سخيفٍ بين المراحل التاريخية المختلفة ولَىٍّ لحقائق الأوضاع عن وجهتها المستقيمة، وهو يجرى على النحو التالى: "تقول سيرة ابن هشام إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما بادأ قومه بالإسلام لم يجدوا في دعوته غضاضة، ولربما لم يكترثوا لها. ولعل مرجع ذلك إلى حرية الاعتقاد التي كانت عرفا مسنونا، عرفا حتمته المصالح التجارية في مكة، فكان المسيحي فيها يعيش إلى جوار الحنفي إلى جانب اليهودي مع الصابئ والزرادشتي وعبدة النجوم وعبدة الجن وعبدة الملائكة وعبدة الأسلاف وتماثيل الشفعاء دونما قهر أو فرض أو إجبار حتى أن العبد كان يظل على دين يخالف دين سيده دون أن يخشى في ذلك مساءلة أو ملامة.
وبرغم أن محمدا صلى الله عليه وسلم من الفرع الهاشمي فإن حزب عبد الدار، عبد شمس، نوفل لم يهتم كثيرا في البداية للدعوة الجديدة، خاصة أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يخرج آنذاك عن اطُر عُرْفهم المسنون في حرية الاعتقاد، فلم يجبر أحدا لاعتناق دعوته، كما لم يحاول فرضها أو اعتبارها الديانة الوحيدة الواجب اعتناقها. وتشهد بذلك الآيات الكريمة: "أفأنت تُكْرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين" (99 يونس)، "إِنْ أنت إلا نذير" (23 فاطر)، "وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل" (107 الأنعام)، "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا" (10 المزمل).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومع أن المناوشات الكلامية التي دارت بين المكيين ومحمد صلى الله عليه وسلم لم تصل بالقوم إلى حافة شفير الحرب مرة أخرى، فإنها نبشت الجمر الثاوي في القلوب بعدما أعلن محمد صلى الله عليه وسلم دعوته مطالبا أهل مكة باتباعه، فكان حتما أن يتساءل الناس. لكن تساؤل الوليد بن المغيرة (الملقب بـ"الوحيد" لمكانته بين سادات مكة)، والأخنس بن شريق (كبير رؤوس ثقيف) كان تساؤلا مهينا لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قالا: أمفتون محمد أم مجنون؟ فكان أن ردت لهما الآيات الكريمة الصاع صاعين: "بأيكم المفتون"، "همَّاز مشَّاء بنميم. منَّاع للخير معتدٍ أثيم. عُتُلٍّ بعد ذلك زنيم" (6 - 13 القلم). و"الزنيم" هو ابن الزانية. ثم يخاطب الله نبيه في شأن الوحيد قائلا له: "ذرني ومن خلقتُ وحيدا. وجعلتُ له مالا ممدودا. وبنين شهودا. ومهدت له تمهيدا. ثم يطمع أن أزيد. كلا إنه كان لآياتنا عنيدا. سأرهقه صَعُودا. إنه فكر وقدَّر. فقُتِل كيف قَدَّر. ثم قُتِل كيف قدَّر" (11 - 20 المدثر). وفعلا مات الوليد قتيلا بسهم مسموم، قتله الله. ثم قامت الآيات تشبّه رؤوس القوم الذين لم يدركوا أبعاد الدعوة العظمى ومراميها الكبرى بالحمير، فتقول: "فمالهم عن التذكرة معرضين. كأنهم حُمُرٌ مستنفِرَة. فَرَّتْ من قَسْوَرَة" (49 - 51 المدثر).
حتى ذلك الحين كانت قريش لا تزال في هدوء وترقب، لكن محمدا صلى الله عليه وسلم، الذي صمم على إتمام الأمر مهما تكلف من مشقة، قام يؤلب العبيد على أسيادهم يناديهم: "اتبعوني أجعلكم أنسابا. والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسري وقيصر". وهنا بدأ القوم يشعرون بحجم الخطر الآتي، فالأرستقراطية القرشية حتمت مصالحُها وجودَ العبيد، بل أن يتكون جيشهم الذي يحمي التجارة من هؤلاء العبيد في أغلبه، وبات الأمر أمر حياتهم ومعاشهم. ثم إن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى جعلهم أنسابا التي تمثلت في عتقه لعبده زيد بن حارثة ثم إعطائه أفضل النسب وأشرفه بتبنيه إياه كان يعني لبقية الدهماء من الأعراب أملا عظيما لما كان للنسب من خطورة وأهمية تعطي صاحبها حماية عشائرية وقبلية. ثم إنه يعدهم بأموال أعظم، بأموال كسري وقيصر إن هم تبعوه. وعندما وصلت قريش إلى ذلك الفهم أصبح النبي صلى الله عليه وسلم في نظرهم، وحسب منطقهم المصلحي، مجرد مغامر طموح يهدف لغرض سياسي يبدأ بضرب قريش في مقتل في مصالحها. حتى إذا تهيأ له الأمر امتلك أمر الحجاز، وزحف على ممالك الروم والعجم، وما يتبع ذلك بالضرورة في منطق العشائر من رفع شأن بيت هاشم، وخفض شأن بيت عبد الدار وعبد شمس ونوفل. هكذا تصوروا الأمر العظيم!
ثم ها هو ينزع عنهم صفة أخرى ترتبط تماما بمصالحهم التجارية، تلك الصفة التي أكسبها لهم انكسار حملة الفيل على حدود مكة، صفة أنهم "أهل الله "، وينادي أهل مكة: "قل يا أيها الكافرون ... لكم دينكم ولي ديني" (سورة الكافرون). نعم، ما زالت الآيات تبرز التسامح الديني: "لكم دينكم ولي ديني"، لكنها نعتت أهل مكة بأنهم الكافرون برغم تأكيدها من قبل أنهم قوم يؤمنون بالله رب العرش خالق السماوات والأرض: "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأني يؤفكون" (61 العنكبوت)، "قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. سيقولون لله قل أفلا تتقون. قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجبر ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون. سيقولون لله قل فأني تُسْحَرون" (86 - 89 المؤمنون)، "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم" (9 الزخرف). وسعيا وراء تعليل اكتشفت قريش أن إيمانها بالشفعاء هو الكفر، خاصة عندما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيب أربابهم، فاستنتجوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد جعل شرط الإيمان به كرسول لإله واحد انطلاقا من قرن الشهادة له مع الشهادة لله في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فهو في فهمهم العنيد إنما يطلب منهم الاعتراف بسيادته عليهم بهذه الشهادة، ويطلب توحدهم جميعا تحت راية قيادته وحده بسلخ كل الشفاعات إلا شفاعته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويذكر لنا الطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعا قومه لما بعثه الله لم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له حتى ذكر طواغيتهم. وهو ذات ما أوضحته رواية عن لقاء وفد قريش، وفيه أبو الحكم، بأبي طالب وابن أخيه صلى الله عليه وسلم ليطلب من محمد صلى الله عليه وسلم (أن يكفّ عن آلهتهم، فَرَدَّ) عليهم: "أي عم، أو أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها؟ قال: وإلام تدعوهم؟ قال: أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين بها لهم العرب، ويملكون بها العجم! فقال أبو جهل (التسمية الإسلامية لأبي الحكم) من بين القوم: ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعَشْر أمثالها". وكانت الكلمة هي الشهادة الإسلامية، فنفروا منه وتفرقوا. وهنا تحول أرق الحزب المناوئ وترقبه إلى تحفز واستنفار، خاصة عندما أخذت الآيات الكريمة في فواصل قصيرة مؤثرة تؤجج الحمية القتالية، وما يحمله ذلك من احتمال وقوع المجابهة العسكرية، وتقول هذا مع التحول الذي بدأ يطرأ في سلوك النبي تجاههم، وتحوله عن الصبر الجميل إلى الهجوم، وما جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص عندما غمز أشراف قريش من قناة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالكعبة، فكان أن التفت إليهم هاتفا: "أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح". وبَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقسمه في بدر الكبرى! ".
ومن الواضح الذى لا يمكن أن تخطئه عين كل ذى عين أن كاتب هذا الكلام يريد إدانة النبى عليه السلام وإسناد البدء بالعدوان إليه، إذ يؤكد أن الكفار كانوا يتسامحون مع مخالفيهم فى الدين تمام التسامح لولا أن النبى قد ألجأهم إلى تغيير خطة التسامح المشهورة عنهم إلجاءً. إلا أن كاتب هذا الكلام قد وقع مع هذا فى تناقض مضحك حين عاد فقال إنه ما إن بدأ محمد دعوته حتى انقلبت عليه قريش يؤذونه. فأين الحقيقة هنا؟ ثم إن كاتب هذا الكلام يعزو انقلاب قريش على الرسول إلى أنه قد هددهم فى مصالحهم مع أنهم قد انقلبوا عليه منذ البداية بمجرد أن أعلن دعوته. ثم لو كان الأمر كما يزعم كاتب هذا الكلام فلماذا يا ترى كان النبى عليه السلام يستخفى بتلك الدعوة قبل ذلك، ولم يكن فيها شىء مما يزعم الكاتب أنه يهدد مصالح الأرستقراطية القرشية من عتق للعبيد وما إلى هذا؟ ومن الواضح كذلك أن كاتب هذا الكلام قد سرق أيضا من الكتاب الذى يُنْسَب لأبكار السقاف، ففى ذلك الكتاب نقرأ عن القرآن المكى الذى كان يأمر المسلمين بالصبر أنه "من نفس هذا "الكَلِم" الذى انطلق ينفث فى الأتباع روح الصبر تأتينا، فى هذه الفترة الزمنية، صورة خاطفة للغزو وخيل الغزاة ونار الحباحب التى تنقدح من حوافرها والإغارة على العدو صباحًا. ففى هذه الفترة جاء هذا النغم الحار الملتهب يقسم قائلا: "وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا، فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا" العاديات) "، وأن "قريشًا إنما بطبيعتها، كما تذكر سجلات التاريخ الإسلامى، محبة للسلام لا تبدأ بالعدوان أحدًا، ومن ثم ليس إلا بدافع هذه الطبيعة راحت تفكر فى إيجاد طريقة لمهادنة هذه الدعوة لتهديها مطارق التفكير إلى فكرة ما تحددت فى جبينها بوضوحٍ منها المعالم إلا وهبت تتساءل: ماذا لو هادنت محمدًا وحاولت له استرضاءً ومنحته ما إليه يتوثب من وراء هذه الدعوة فتكف بذلك هذه العداوات المتأججة فى الصدور، وهو بعد إنما منها، وله فى النسب ما لها من المكانة؟ ".
ثم تقول أبكار السقاف: "من ثم كان حتمًا أن تبدأ يد الزمن تحريك الجمر الثاوى تحت رماد الأيام بين فرعي عبد الدار وعبد مناف من جهة وبيتي هاشم وعبد شمس من جهة أخرى، وأن يبدأ اللهب من هذا الجمر فى الاندلاع فيرتفع اللسان القريشى يرمى هذه الدعوة بأنها قد فرقت القوم فِرَقًا كما كان حتمًا أن يلتمع فى أفق المخيلة القريشية أمل حاكته شفتا العاص بن وائل، سيد بنى سهم، وتسجله تلك اللحظة التى تحول فيها إلى قريش لها مهدئا يقول: "دعوه! إنما محمد رجل أبتر. لو قد مات لقد انقطع ذِكْرُه واسترحتم منه". ومن الواضح مرة أخرى أن هذا الكلام هو هو ذاته الكلام الذى نقلناه آنفا من كتاب "الحزب الهاشمى" والذى يقول: "ومع أن المناوشات الكلامية التي دارت بين المكيين ومحمد صلى الله عليه وسلم لم تصل بالقوم إلى حافة شفير الحرب مرة أخرى، فإنها نبشت الجمر الثاوي في
(يُتْبَعُ)
(/)
القلوب بعدما أعلن محمد صلى الله عليه وسلم دعوته مطالبا أهل مكة باتباعه، فكان حتما أن يتساءل الناس. لكن تساؤل الوليد بن المغيرة (الملقب بـ"الوحيد" لمكانته بين سادات مكة)، والأخنس بن شريق (كبير رؤوس ثقيف) كان تساؤلا مهينا لشخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قالا: أمفتون محمد أم مجنون؟ فكان أن ردت لهما الآيات الكريمة الصاع صاعين: "بأيكم المفتون"، "همَّازٍ مشَّاءٍ بنميم. منَّاعٍ للخير معتدٍ أثيم. عُتُلٍّ بعد ذلك زنيم" (6 - 13 القلم). و"الزنيم" هو ابن الزانية. ثم يخاطب الله نبيه في شأن الوحيد قائلا له: "ذرني ومن خلقت وحيدا. وجعلت له مالا ممدودا. وبنين شهودا. ومهدت له تمهيدا. ثم يطمع أن أزيد. كلا إنه كان لآياتنا عنيدا. سأرهقه صَعُودا. إنه فكر وقدَّر. فقُتِل كيف قَدَّر. ثم قُتِل كيف قدَّر" 11 - 20 المدثر). وفعلا مات الوليد قتيلا بسهم مسموم، قتله الله. ثم قامت الآيات تشبه رؤوس القوم الذين لم يدركوا أبعاد الدعوة العظمى ومراميها الكبرى بالحمير فتقول: "فمالهم عن التذكرة معرضين. كأنهم حُمُرٌ مستنفِرَة. فَرَّتْ من قَسْوَرَة" (49 - 51 المدثر) ".
الواقع أنه ما إن دعا النبى إلى الله الواحد الأحد حتى هب المشركون يعاندون ويؤلبون عليه ويشتمونه ويؤذونه. وما حكاية أبى لهب معه حين صعد الصفا أول الدعوة العلنية ودعا عشيرته الأقربين إلى الوحدانية، مجرد الوحدانية، بالتى يجهلها أى مسلم. فلماذا اللف والدروان وتشويه الحقائق؟ وهذه هى الآيات القرآنية بين أيدينا مكيها ومدنيها، فليدلنا كاتب هذا الكلام على شىء أزعج المشركين غير الدعوة إلى الوحدانية والزراية على الأصنام. وإن قوله تعالى فى أول نص قرآنى تقريبا بعد عودة الرسول من غار حراء حيث شاهد جبريلَ للمرة الأولى: "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا" لدليل على أنه عليه الصلاة والسلام قد وُوجِه منذ اللحظة الأولى بالتكذيب والأذى دون أى استفزاز من جانبه لهم، حقيقيًّا هذا الاستفزاز أو مدَّعًى. ومثله قوله تعالى فى تلك الفترة الشديدة التبكير من العهد المكى: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) " (سورة العَلَق)، مما يدل على أن الأذى القرشى لم ينتظر أى شىء يمكن أن يُتَّخَذ بوصفه استفزازا من جانب الرسول، بل بدأ مع بدء الدعوة، فكان الكفار يمنعونه صلى الله عليه وسلم من الصلاة، مجرد الصلاة!
ومن المضحك أن يقول الكاتب المسكين الذى لا يحترم علما ولا منطقا ولا تاريخا إن الآيات المكية المبكرة كانت تؤجج الحمية القتالية بما يحمله ذلك من احتمال وقوع المجابهة العسكرية. إى والله: المواجهة العسكرية حتة واحدة! وإذا كان الرسول حتى بعدما أصبح للإسلام دولة وجيش كان ينصح المسلمين ألا يتمنوا لقاء العدو، إلا إذا اضطروا إلى ذلك اضطرارا، فعندئذ فليثبتوا ثبات الرجال، فما بالنا والمسلمون يومئذ بمكة أفراد قليل مستضعفون لو فكروا مجرد تفكير فى قتال ومواجهة لافترستهم قريش افتراسا لا تبقى منهم بعده باقية؟ لا بل إن الكاتب العجيب يريد منا أن نصدق أن الكفار قد ارتعبوا منذ تلك البدايات المبكرة للإسلام، واستطاعوا أن يتوصلوا إلى ما سوف تبلغه الدعوة المحمدية آجلا من انتصار ساحق على الدول المحيطة بالجزيرة العربية وتكوين دولة هاشمية تنتشر فى آفاق الأرض، فمن ثم وقفوا فى وجهه صلى الله عليه وسلم حتى لا يفوز الهاشميون بهذا المجد دونهم، مع أن معظم الهاشميين هم، حسبما نعرف، أول من تصدى لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم، ولم يؤمن من آمن منهم إلا بعد اللتى واللتيا، اللهم إلا على بن ابى طالب، الذى لم يك فى ذلك الوقت سوى صبى صغير لا يؤبه له.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذه الفكرة مسروقة سرقة مباشرة من الكتاب الذى يحمل اسم أبكار السقاف، ولكن دون أن يشير السارق إليه، إذ نقرأ فى كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" أن قريشا "آمنت أن هذا الفرد من بيت هاشم والذى احترف التجارة احترافها، وفى قوافلها التجارية سار، إنما يريد سيادة على العرب، وللعرب امتلاكا بملك لا تحده حدود الحيرة وغسان، بل إلى ما وراءهما سيمتد فيطوى الروم والعجم. فإنما العين من محمد تمتد إلى خارج أرضها. وعلى ذلك يأتي اللسان منه دليل، وهو ينطلق فى ترديد مناديا: "اتبعوني! والذى نفسي بيده لتملكن كنوز كسرى وقيصر! ". ومن الجلى أن الكاتب قد أغار على فكرة الكتاب المذكور وأخذها كما هى. حتى العبارة التى أوردها للنبى عن كنوز كسرى وقيصر موجودة فى الكتاب الذى يُنْسَب لأبكار السقاف. كذلك فإن كلامه عن خوف قريش من ثورة الصعاليك المسلمين هو هو نفسه الكلام الوارد فى كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية": "وهكذا راحت الأيام تنفرط، وقريش عن عقيدة لها لا تتخلى، ففى المخيلة منها قد رسخت عن محمد هذه الفكرة ليزيدها بمنطقها إيمانًا استشعارها من أنفاس السور الأولى المكية النغمة الاجتماعية التى رأت أن فيها يمكن الخطر من أمر هذه "الدعوة"، التى راحت لها تؤيد طوائف ممن وُعِدوا بامتلاك كنوز كسرى وقيصر وبأن يكون لهم نسبًا. وهؤلاء إنما هم من تنعتهم قريش "بالسفهاء". فإنه إلى جانب تلك الطبقة من السادة الذين إلى المرامى السياسية من هذه الدعوة كان قد هفا منهم الفكر كانت تقوم هذه الطبقة المؤلفة من الموالى والعبيد ممن إلى المرامى الاجتماعية من أمر هذه الدعوة كانت قد استجابت منهم الأفئدة. بهذا الاتباع الذى تجلى بالاتباع من كلا الطبقتين بدأت الدعوة المحمدية تتخذ مظهرها العملى، فإن محمدًا قد بدأ، وهو الذى كان قد اعتنق الدين الحنيف، يبادئهم بذكر شفعائهم. وكان من قبل لا يذكرها ويعيبها، وكان من قبل لا يعيبها. وهنا عظم الأمر على قريش وبدأ بهم جدى التفكير فى أمر محمد، لقد كان من قبل لا يهمهم حين قال إنه نبى بقدر ما يهمهم الآن، ومن ثم فلم يبق الأمر موضع سخرية واستخفاف وإنما موضع تفكير واهتمام. فالأمر إنما منذر بثورة سياسية قد تهب بهؤلاء السادة، وثورة اجتماعية قد يندلع لظاها بهؤلاء الموالى والعبيد. وهذا إنما أمر لَشَدَّ ما منه تفزع قريش، ولَشَدَّ ما منه تجزع".
ومما قاله مؤلف الكتاب فى التدليل على أن الأمر فى الإسلام إنما هو أمر تخطيط سياسى دنيوى لا صلة بينه وبين وحى السماء زَعْمُه أن عبدالمطلب "تمهيدا لما أزمع (من العمل على بلوغ مأربه السياسى من إقامة الدولة الهاشمية) أعلن في الناس أنه بينما كان نائما في الحِجْر بالكعبة أتاه رَئِيٌّ وغَتَّه ثلاث مرات، وأوحى إليه الأمر بحفر البئر المعروفة باسم "زمزم". وتقول كتب الأخبار الإسلامية إنه لجرهم بين صنمَيْ إساف ونائلة، دفنتها حين تركت مكة. نعم لقد تمثل تنافس بني العمومة من قبل في احتفار الآبار جذبا للقبائل وقوافل التجارة، فقديما حفر عبد الدار أم جراد، ولما حفر عبد شمس الطوي رد عليه هاشم بحفر بدر، فزاد أمية في الكرم وحفر الحضر، فرد عليه عبد المطلب بحفر زمزم". فهو، كما نرى، إنما يعزو الأمر كله فى حفر زمزم إلى كذب عبد المطلب من أجل الوصول إلى الغرض السياسى الذى صممت على بلوغه أسرته منذ قديم الأيام. ثم شىء آخر أخطر من ذلك وأَطَمّ وأدهى، ألا وهو الإحالة على ابن هشام فى مسألة التنافس بين الهاشميين وخصومهم من أقاربهم على حفر الآبار، وكأنه قد نقل ذلك فعلا من كتاب الرجل فى السيرة، مع أن ابن هشام لم يقل شيئا من ذلك البتة. وهذا هو التدليس بعينه الذى مَرَدَ عليه أمثاله!
على أن عبد المطلب لم يقف بكذبه فى رأى صاحب هذا الكلام الأخرق عند ذلك الحد، بل شفع كذبته عن زمزم بكذبة أخرى تتعلق بالأنساب مؤداها أن قريشا تعود بنسبها إلى إبراهيم عليه السلام رغم عُرْىِ ذلك الكلام عن الصحة جملة وتفصيلا. وكأن اليهود كان من الممكن أن يسكتوا على تلك الكذبة لو كان ما يقوله المؤلف البكاش النتاش صحيحا فلا يفضحوا النبى ويكذبوه فيما يقوله القرآن ويقوله هو صلى الله عليه وسلم عن بنوّة العرب لإبراهيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وثم شىء آخر تساخف فيه الكاتب وقلب فيه الحقائق على رؤوسها وساق من "الهجايص" ما باخ الأمر معه جدا. قال: "لكن الخزرج سرعان ما تراجعت عن تنصيب ابن سلول زعيما على يثرب إزاء التطورات الجديدة في مكة، وأرسلوا وفودهم إلى ابن أختهم محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، وقاموا بمحاولة إقناع الأوس بالأمر لما له من وجاهة من عدة نواح: الأولى أنه نبي مؤيد من الله، وفي ذلك كفالة النصرة. والثانية أنه طرف محايد، فلا هو أوسي ولا هو خزرجي. أما الناحية الثالثة والأهم سياسيا واقتصاديا فهي أنه، بخروجه من مكة إليهم، يمكنهم بقيادته شن الحرب على أهل مكة بل قطع خطوطها التجارية مع الشام التي تمر على المدينة. وفي ذلك لا لوم ولا تثريب، فهم إنما يتبعون أمر السماء. ثم إن قائدهم إنما هو فرد مكي ومن أهل مكة أنفسهم. ثم إن اليهود كانوا في تمام الرضا عن هذا التوجه حيث الآيات الكريمة تكرّم أنبياء بني إسرائيل وتفضّل النسل الإسرائيلي على العالمين".
وتعقيبا على هذا التساخف نقول إنه لم يكن ثم عداوة بين المكيين واليثربيين فى ذلك الوقت، وإلا لما جرؤ أهل يثرب على الذهاب إلى مكة فى مواسم الحج، ومنها ذانك الموسمان اللذان توافقا فيهما على هجرة النبى إلى بلادهم وحمايتهم له. أليس هذا هو ما يقوله المنطق والعقل؟ بلى، ولكن بعض الناس لا منطق لديهم ولا عقل. كذلك لم يكن ضمن بنود الاتفاقية بينهم وبين النبى أن يشنوا حربا على قوافل قريش، بل على حمايته صلى الله عليه وسلم فحسب. ولهذا توجس النبى ألا يوافقوا على الخروج إلى بدر باعتبار أن ذلك لا يدخل فى بنود الاتفاقية المذكورة. وعلى عادة كاتبنا الهماز اللماز لا يرضى أن يترك الموضوع دون وخزة سامة يظن أنه مستطيعٌ وخزها للرسول ودينه، إذ يقول إن الأنصار كانوا متأكدين أن القرآن سوف يسهل لهم الهجوم على قوافل قريش فينزِّل آيات تبارك لهم هذا، وكأنهم كانوا يشمون على ظهر أيديهم قبل الهنا بسنة!
أما قوله: "إن اليهود كانوا في تمام الرضا عن هذا التوجه حيث الآيات الكريمة تكرّم أنبياء بني إسرائيل وتفضّل النسل الإسرائيلي على العالمين" فهو كلامٌ متنطعٌ أشد التنطع، إذ كان الوحى المكى ينزل قبل ذلك كالصواعق على رؤوس بنى إسرائيل رغم ثنائه العظيم على رسلهم وأنبيائهم، لأن هذه نقرة، وتلك نقرة أخرى! ألم يرجمهم براجماته حين ارتدوا على أعقابهم وعبدوا العجل فى غياب موسى فوق الجبل؟ ألم يلعن منتهكى حرمة السبت منهم؟ ألم يسلق جلود من طلبوا من موسى غِبَّ عبور البحر أن يجعل لهم إلها كما للقوم الوثنيين الذين مروا بهم فى سيناء آلهة؟
وينتهى الكتاب بالفقرة التالية: "وهكذا قامت الدولة الإسلامية بجهود البيت الهاشمي، وفضل لا ينكر لأهل الحرب والحلقة اليثاربة وخئولتهم (ملاحظة سريعة: كلمة "اليثاربة" هى أيضا من الكلمات المشتركة التى يستخدمها كل من سيد القمنى وخليل عبد الكريم). لكن ذلك كله لم يَفُتّ في عضد الحزب الأموي، فظل هؤلاء يترقبون الفرص حتى ما بعد اتساع الدولة بالفتوحات، وعندما سنحت الفرصة اقتنصوها، واستولوا على الحكم استيلاء صريحا بعد أن كان ضمنيا باستبعاد عليٍّ بعد وفاة الرسول. وساعتها تجلت مشاعرهم تجاه بني عمومتهم في المجازر الدموية التي راح ضحيتها كل من أيد البيت الهاشمي، حتى امتدت يد الانتقام الحمقاء إلى حَفَدة المصطفى صلى الله عليه وسلم استئصالا لهذا البيت وأهله، ووصل بهم حد الهوس إلى ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق. مشاعر عبر عنها لسان يزيد بن معاوية الأموي منسوبا إليه عن قصيدة طويلة لابن الزِّبَعْرَي:
لعبتْ هاشمُ بالملك فلا * خبرٌ جاء، ولا وحي نَزَلْ
أو كما أورده ابن كثير:
لعبت هاشمُ بالملك فلا * مَلَكٌ جاء، ولا وحي نَزَلْ".
(يُتْبَعُ)
(/)
وهى فقرة لا تَسُوق لنا ما حدث من وقائع التاريخ، بل تعكس ما يزعمه مؤلف الكتاب بشأن الإسلام وما يريد ترويجه من أنه ليس دينا سماويا، بل سياسة ودهاء ومكرا وكيدا خبيثا فَتَشَه الأمويون فتصرفوا تجاهه بما يناسبه، فكان كفرهم بدين محمد، إذ كانوا يعرفون الفُولَة وقِشْرتها، فلذلك لم ينخدعوا كما ينخدع أمثالنا من الجهال والعوام الذين بلعوا طعم الهاشميين متمثلا فى الدين الذى اخترعه ابنهم محمد وزيف له قرآنا يضحك به على السُّذَّج الأغرار الذين لا يستطيعون تصور الدين من غير كتاب مقدس. وهى خاتمة منتنة تليق بالكتاب الدنس دَنَسَ من أوحى به وحرص على إفشائه بين المسلمين!
ذلك أنه لا ابن الزبعرى قال ذلك البيت ولا يزيد ردده. ولو كان يزيد قاله لكان هذا كفرا صُرَاحًا لا يمكن أن يسكت المسلمون عليه مهما كانت شدة وطأة الأمويين وقتئذ. ولقد حاولتُ أن أجده فى شعر ابن الزبعرى فلم أُوَفَّق، وما كان يمكن أن أوفق، إذ من المعروف أن ابن الزبعرى لم يقل ذلك البيت البتة، بل هو من وضع الشيعة ليسيئوا إلى يزيد ويخلصوا من هذا إلى اتهامه بالكفر. والكاتب الخبيث إنما نقله عن مرجع شيعى لا يصلح للنقل عنه، وهو "فاجعة الطف" لمحمد القزوينى، الذى لا يتنبه إليه وإلى أمثاله عادة إلا مستشرق أو مبشر يبحث عن إثارة الشغب. وإنما حاولت أن أحقق البيت رغم معرفتى تلك لا لشىء إلا لكيلا أكون قد أَلَوْتُ جهدا. ولقد وجدت فى بعض المواقع الشيعية البيت وبيتا آخر مختلقا على يزيد مع بيتين لابن الزبعرى، وواضح أنه قد وُضِع وضعًا فى هذا المكان لكى تَعْلَق تهمة الكفر، كماقلت، بيزيد والأمويين.
والحق أن ابن الزبعرى لا يمكن أن يكون قد قال هذا البيت: أولا لأنه غير موجود فى ديوانه ولا فى أى مرجع محترم نعرفه. ولقد درسنا هذه القصيدة حين كنا طلابا بقسم اللغة العربية بآداب القاهرة، ولم يكن هذا البيت منها. وثانيا فإن الشاعر يتهكم بالخزرج، والمقصود بالخزرج هنا حسان بن ثابت، الذى كان قد نظم قصيدة يهجو فيها قريشا عقب هزيمتها فى بدر ويفتخر بالخزرجيين قومه وما أَدَّوْه من خدمات للإسلام، فلما انتكس المسلمون بسبب عصيان الرماة لأوامر الرسول فى أُحُدٍ عَمِلَ ابن الزبعرى هذه القصيدة ردا على قصيدة حسان من العام الفائت، فليس للسخرية من الهاشميين إذن موضع فى هذه القصيدة. ثم إنه لم يكن فى المدينة آنذاك حكم هاشمى حتى يقال إن الهاشميين قد لعبوا بالحكم، بل كانت هناك حكومة يرأسها النبى ويعاونه فى تدبير شؤونها أصحاب له من قبائل مختلفة مكية ويثربية. ولنفترض أنه كانت هناك حكومة هاشمية، أفيظن أى عاقل أن ابن الزبعرى او غيره يمكن أن يقول عن الرسول إنه يلعب بالحكم، وقد كان الأمر جدا كل الجد، بل مرا كل المرارة فى تلك الفترة التى تقعقع فيها السيوف وتتطاير الرقاب وتسيل الدماء؟ ومن هذا نرى أن مؤلف الكتاب الجاهل إنما يخبط خبط عشواء. ذلك أنه لا يفهم أصول المنهج العلمى فى التأليف، وكل همه أن يسىء إلى الإسلام بجميع الوسائل الممكنة بغض النظر عن سخفها وتفاهتها وحمقها وضلالها.
وإلى القارئ ما وجدته فى واحد من تلك المواقع الشيعية المذكورة: "من جملة الكلمات الدالة على الكفر الباطني ليزيد وبغضه للرسول صلى الله عليه وآله، إذ أنّه تغنّى بهذه الأشعار وهو في غاية الفرح والنشوة عندما أدخل عليه سبايا أهل البيت بعد مقتل الحسين قائلا:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأَسَلْ
لأهلُّوا واستهلُّوا فرحًا * ثم قالوا: يا يزيدُ، لا تَشَلّ
قد قتلنا القِرْم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدلْ
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل
حياة الإمام الحسين 187:2 و377:3)
أصل هذه القصيدة لعبدالله بن الزبعري، إلا أنّ إنشادها من قبل يزيد في ذلك الموقف ينم عن اعتقاده بمضمونها. وفي أعقاب الترنّم بهذه الأشعار نهضت العقيلة زينب عليها السلام وألقت خطبتها التي ابتدأتها بالآية الشريفة: "ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون" (الروم: 10)، وتلت أيضا ضمن حديثها: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ
(يُتْبَعُ)
(/)
مُهِينٌ" (آل عمران: 178). ويستدل من خطبتها خروج يزيد من حريم الإسلام وعدم اعتقاده بالدين، ويثبت كفره وفسقه أمام الملأ. لقد كشفت واقعة كربلاء عن الكفر الخفي للأمويين، وأزالت الستار عن حقيقتهم وأظهرتها للأمة وللتاريخ، وهذا من ثمار واقعة الطف الخالدة".
ثم خطر لى بعد هذا أن أراجع "البداية والنهاية" لابن كثير، وهو المرجع الذى يشير إليه الكاتب فى هذا السياق على أساس أنه أورد رواية أخرى للبيت الأخير منها، وأوعز فى نفس الوقت للقارئ أن ابن كثير يوافق على أن هذا البيت جزء من قصيدة ابن الزبعرى وأن يزيد بن معاوية قد قاله تشفيا وكفرا، وهو ما استبعدته تمام الاستبعاد. وهنا انكشف تدليس آخر حقير من تدليسات مؤلف الكتاب، فابن كثير لم يقل إن يزيد قد قال ذلك البيت، بل نفى أن يكون لابن الزبعرى أصلا، وكل ما كتبه هو ما توصلت أنا إليه قبل قليل حين قلت إنه من إضافات الشيعة، فالحمد لله أن جمعنى وهذا المؤرخ الكبير على ذات الرأى والحكم.
وإلى القارئ ما كتبه ابن كثير المفترَى عليه، لعن الله من يفترى على الصالحين الكرام كى يشفى حقده الأسود. قال ابن كثير تعليقا على حديث يحرّم فيه النبى ترويع أهل المدينة ويلعن من يقدم على ذلك: "وقد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية ... وانتصر لذلك أبو الفرج بن الجوزي في مصنف مفرد، وجوز لعنه. ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضا لئلا يجعل لعنه وسيلة إلى لعن أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على أنه تأوَّل وأخطأ. وقالوا: إنه كان مع ذلك إماما فاسقا، والإمام إذا فسق لا يُعْزَل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج، وسفك الدماء الحرام، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن، وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا. وأما ما يذكره بعض الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحا شديدا، فإنه كان يرى أنه الإمام وقد خرجوا عن طاعته، وأمّروا عليهم غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة. كما أنذرهم بذلك على لسان النعمان بن بشير ومسلم بن عقبة كما تقدم. وقد جاء في "الصحيح": "من جاءكم وأَمْرُكم جميعٌ يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان". وأما ما يوردونه عنه من الشعر في ذلك واستشهاده بشعر ابن الزبعري في وقعة أحد، التي يقول فيها:
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأَسَلْ
حين حلت بفناهم بَََرْكها * واستحرَّ القتل في عبد الأشلّّ
قد قتلنا الضعف من أشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدلْ
وقد زاد بعض الروافض فيها فقال:
لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء، ولا وحي نزل
فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين، وإن لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه ليشنّع به عليه".
على أن المسرحية لما تنته فصولا، إذ دلس القمنى تدليسا شنيعا فى الاستشهاد بنص نقله عن د. جواد على من كتابه "المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام"، لكنه لم يؤده كما هو، بل أسقط منه بضعة عشر سطرا عامدا متعمدا دون أن يترك مكانها نقاطا كى يعرف القارئ أن هاهنا كلاما محذوفا (بغض النظر الآن عن أن هذا المحذوف لا يصح حذفه البتة لأنه يفسد المعنى ويقلبه رأسا على عقب)، ثم زاد على ذلك فلَحَمَ الكلامين بطريقة خبيثة لا يتنبه معها القارئ إلى عملية التلاعب الدنيئة التى تمت بلَيْل! والنص المذكور خاص بالكلام عن أمية بن أبى الصلت، وهل استعان بالقرآن فى نظم الأشعار المنسوبة إليه والتى تشبه آى الذكر الحكيم؟ أم هل النبى هو الذى استعان بشعره؟ أم ترى الأمر كله لا يخرج عن استقاء الاثنين من مصدر مشترك؟ وقد انتهى جواد على إلى أن أشعار أمية ذات الصبغة القرآنية الواضحة منحولة عليه بعد الإسلام، ومن ثم فلا تشابه بين شعره وبين كتاب الله على الإطلاق مما لا يعود معه مجال للحديث عن أثر شعره فى القرآن المجيد. لكن تدليس سيد القمنى يقلب القضية رأسا على عقب، إذ يُظْهِر جواد على فى صورة المشايع لما يردده ملاحدة عصرنا من أن الرسول قد استعان بشعر أمية، وهو عكس ما انتهى إليه الرجل فى كتابه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويمكن القارئ الرجوع إلى دراسة مطولة لى فى هذا الموضوع منشورة فى بعض المواقع المشباكية عنوانها: "القرآن وأُمَيّة بن أبى الصلت: أيهما أخذ من الآخر؟ "، بيَّنْتُ فيها بالدليل الصارم القائم على وقائع التاريخ وتحليل النصوص واستشفاف الجو النفسى والاجتماعى فى ذلك العصر أن من المستحيل القول باقتباس القرآن من شعر أمية، وإلا لكان قد فضح النبىَّ عليه السلام هو ومن يشايعه على موقفه من مشركين ويهود، وبخاصة قومُه بنو ثقيف الذين دخلوا جميعا الإسلام ولم نسمع من أى منهم ولا حتى من أقرب المقربين إليه كأخته أو أبنائه أن هناك تشابها (مجرد تشابه!) بين شعره وبين القرآن الكريم، وأنه إذا كان لا بد أن نقول بالتشابه بين شعره وبين كتاب الله فلا بد أن يكون هو المقتبس من القرآن لا العكس. لكن القمنى قد تلاعب بالنص الذى نقله من كتاب "المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام" بحيث يبدو وكأن جواد على يقول بتأثر القرآن بشعر الشاعر الثقفى كما ذكرنا، وهو ما يجده القارئ مفصَّلا فى كتابى: "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة" (مكتبة زهراء الشرق/1420هـ- 2000م/ 72 وما بعدها).
وهناك تدليس آخر يتعلق بدين عبدالمطلب، ذلك الذى جعله الكتاب الذى يحمل اسم القمنى حنيفا من الحنفاء بل زعيمهم وأستاذهم جميعا، كما يتعلق فى نفس الوقت بالدين الذى مات عليه ابنه أبو طالب عم الرسول وحاميه. ولسوف نعرض الأمر بتمامه حتى تتضح الصورة اتضاحا كاملا. لقد أكد القمنى أن عبد المطلب كان يتمتع ببصيرة سياسية عميقة لا تبارَى، وأنه استطاع أن يقرأ الواقع القراءة التى تبلّغه مطمحه فى إنشاء دولة لبنى هاشم، فتوسل بالدين إلى درك هذا الهدف، وشرع يتخذ من الخطوات الميكافيلية ما يوصله إليه، فادعى أن هاتفا أتاه فى المنام وأمره أن يحفر زمزم. كما أسس حركة الحنفاء حتى يعيش الدور كما ينبغى. ثم نقل البلبوص عن ابن كثير بعض النصوص.
يقول القمنى: "ويتضح لنا وعي عبد المطلب بن هاشم السياسي وبعد نظره وحسه القومي في قيادته وفدا إلى اليمن برفقة ابن أخيه أمية ... وحلفائه: أبو زمعة جد أمية بن عبد الله بن أبي الصلت ... وخويلد الأسدي بن أسد بن عبد العزي. ومن الواجب ملاحظة امتداد ذلك التحالف في زواج حفيد عبد المطلب، النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من السيدة خديجة بنت خويلد الأسدي رضي الله عنها، في الوقت الذي استمر فيه على التكتيك الهاشمي بأن سار على السنة الكريمة المعطاء بالجود حتى لقبه الناس: شَيْبَة الحمد. لكن الجديد في أمره هو عمله على وضع أيديولوجيا متكاملة لتحقيق أهداف حزبه، فكان إدراكه النفّاذ لسُنّة جَدّه قُصَيٍّ الدينية والسياسية مساعدا على تحديد الداء ووصف الدواء. والداء فُرْقَةٌ قبلية عشائرية، والأسباب تعدد الأرباب وتماثيل الشفعاء. ومن هنا انطلق عبد المطلب يضع أسس فَهْمٍ جديد للاعتقاد، فَهْمٍ يجمع القلوب عند إله واحد، ويتميز بأنه يلغي التماثيل والأصنام وغيرها من الوساطات والشفاعات لأنه لا يقبل من أحد وساطة ولا شفاعة إلا العمل الصالح. وتمهيدا لما أزمع أعلن في الناس أنه بينما كان نائما في الحجر بالكعبة أتاه رَئِيٌّ وغَتَّهُ ثلاث مرات، وأوحى إليه الأمر بحفر البئر المعروفة باسم "زمزم". وتقول كتب الأخبار الإسلامية إنه لجرهم بين صنمي إساف ونائلة دفنتها حين تركت مكة. نعم لقد تمثل تنافس بني العمومة من قبل في احتفار الآبار جذبا للقبائل وقوافل التجارة: فقديما حفر عبد الدار أم جراد. ولما حفر عبد شمس الطويّ رد عليه هاشم بحفر بدر، فزاد أمية في الكرم وحفر الحضر، فرد عليه عبد المطلب بحفر زمزم. لكن زمزم ليست ككل الآبار، فهي البئر الوحيدة التي قيل فيها إنها حفرت بأمر غيبي في حلم عبد المطلب، إضافة إلى ما شاع يتردد حول أمرها. فهي فعل إلهي لا إنساني فجرها الله قديما تحت خد إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ليشرب وأمه منها. وفي ذلك يقول ابن هشام في السيرة: "فَضْل زمزم على سائر المياه: فعفت زمزم على المياه التي كانت قبلها يسقي عليها الحجاج، وانصرف الناس إليها عليهما السلام". ويقدم لنا ابن كثير نص هذا الأمر أو الوحي بحفر زمزم، و هو "احفر زمزم. إنك إن حفرتها لن تندم. هي تراث من أبيك الأعظم. لا تنزف أبدا ولا تزم. تسقى الحجيج الأعظم. مثل
(يُتْبَعُ)
(/)
نعام جافل لم يقسم. ينذر فيها ناذر بمنعم. تكون ميراثا وعقدا محكم. ليست لبعض ما قد تعلم. وهي بين الفرث والدم". ثم يعقب بالقول: إن عبد المطلب ساد في قريش سيادة عظيمة، وذهب بشرفهم ورئاستهم، فكان جماع أمرهم عليه، وكانت إليه السقاية والرفادة بعد المطلب، وهو الذي جدد حفر زمزم بعدما كانت مطمومة من زمن جرهم، وهو أول من طلى الكعبة بذهب في أبوابها من تَيْنِكَ الغزالتين اللتين من ذهب، وجدهما في زمزم مع تلك الأسياف القليعة. ثم يؤكد أن عبد المطلب كان مؤسسا لملة واعتقاد، فيروي عن ابن عباس وابن عمرو ومجاهد والشعبي وقتادة عن ديانة أبي طالب بن عبد المطلب: هو على ملة الأشياخ. هو على ملة عبد المطلب".
ومعنى ذلك أن عبد المطلب هو مؤسس الحنيفية، وأن أبا طالب حين مات إنما مات على هذا الدين. وقد أحال القمنى أو من كتب له الكتاب إلى كتاب "البداية والنهاية" لابن كثير للتدليل على ذلك. فماذا عند ابن كثير فى هذا الموضوع؟ لنقرأ ما كتبه ابن كثير فى كتابه كى نرى مدى أمانة القمنى فى النقل والاقتباس. ولسوف يذهل القارئ من جرأته فى التدليس على ابن كثير. ولكن إذا وضع القارئ العزيز فى ذهنه أن القمنى قد دلس على واحد من المعاصرين دون خجل أو حياء أو تردد، فهل سيكون ابن كثير، الذى مات منذ قرون ولا يستطيع الرد على من يكذب عليه، بمنجاة من شيطانية القمنى ومن يوسوسون له فى أذنه وعقله وقلبه وضميره؟
يقول ابن كثير: "قال ابن إسحاق: ولما اشتكى أبو طالب وبلغ قريشا ثقله قالت قريش بعضها لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا، فإنا والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا. قال ابن إسحاق: وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس، عن بعض أهله، عن ابن عباس قال: لما مشوا إلى أبي طالب وكلموه، وهم أشراف قومه: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب في رجال من أشرافهم. فقالوا: يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه فخذ لنا منه، وخذ له منا ليكف عنا ولنكف عنه، وليدعنا وديننا ولندعه ودينه.
فبعث إليه أبو طالب، فجاءه، فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليعطوك وليأخذوا منك. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم. فقال أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر كلمات. قال: تقولون لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه. فصفقوا بأيديهم ثم قالوا: يا محمد، أتريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن أمرك لعجب. قال: ثم قال بعضهم لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا. قال: فقال أبو طالب: والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شططا. قال: فطمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فجعل يقول له: أي عم، فأنت قُلْها أستحلّ لك بها الشفاعة يوم القيامة. فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن أخي، والله لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها. لا أقولها إلا لأَسُرّك بها. قال: فلما تقارب من أبي طالب الموتُ نظر العباس إليه يحرك شفتيه، فأصغى إليه بإذنه. قال: فقال: يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرتَه أن يقولها. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أسمع.
قال: وأنزل الله تعالى في أولئك الرهط: "ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ... الآيات". وقد تكلمنا على ذلك في التفسير، ولله الحمد والمنة. وقد استدل بعض من ذهب من الشيعة وغيرهم من الغلاة إلى أن أبا طالب مات مسلما بقول العباس في هذا الحديث: يا ابن أخي، لقد قال الكلمة التي أمرتََه أن يقولها. يعني: لا إله إلا الله. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن في السند مبهما لا يُعْرَف حاله، وهو قوله: "عن بعض أهله". وهذا إبهام في الاسم والحال، ومثله يُتَوَقَّف فيه لو انفرد. وقد روى الإمام أحمد والنسائي وابن جرير نحوا من هذا السياق من طريق أبي أسامة، عن
(يُتْبَعُ)
(/)
الأعمش، حدثنا عباد، عن سعيد بن جبير، فذكره، ولم يذكر قول العباس. ورواه الثوري أيضا عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة الكوفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره بغير زيادة قول العباس. ورواه الترمذي وحسَّنه، والنسائي وابن جرير أيضا. ولفظ الحديث من سياق البيهقي فيما رواه من طريق الثوري، عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب، فجاءت قريش، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم عند رأس أبي طالب، فجلس رجل، فقام أبو جهل كي يمنعه ذاك، وشَكَوْهُ إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ فقال: يا عم، إنما أريد منهم كلمة تذلّ لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها الجزية العجم. كلمة واحدة. قال: ما هي؟ قال: لا إله إلا الله. قال: فقالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب! قال: ونزل فيهم: "ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ" ... الآيات إلى قوله: "إِلا اخْتِلاقٌ".
ثم قد عارضه، أعني سياق ابن إسحاق، ما هو أصح منه، وهو ما رواه البخاري قائلا: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبيه رضي الله عنه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل، فقال: أي عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجّ بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر ما كلمهم به: على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفر لك مالم أُنْهَ عنك. فنزلت: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا اولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ". ونزلت: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ". ورواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم، وعبد الله، عن عبد الرزاق. وأخرجاه أيضا من حديث الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه بنحوه، وقال فيه: فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى قال آخر ما قال: "على ملة عبد المطلب"، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما لأستغفرن لك مالم أُنْهَ عنك. فأنزل الله، يعني بعد ذلك: "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى"، ونزل في أبي طالب: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين".
وهكذا روى الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي من حديث يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: لما حضرت وفاة أبي طالب أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عماه، قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة. فقال: لولا أن تعيرني قريش، يقولون: ما حمله عليه إلا فزع الموت لأقررت بها عينك، ولا أقولها إلا لأُقِِرّ بها عينك. فأنزل الله عز وجل: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". وهكذا قال عبد الله بن عباس وابن عمر ومجاهد والشعبي وقتادة إنها نزلت في أبي طالب حين عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: "لا إله إلا الله"، فأبى أن يقولها وقال: هو على ملة الأشياخ. وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. ويؤكد هذا كله ما قال البخاري: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، حدثني عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: حدثنا العباس بن عبد المطلب أنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيتَ عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. ورواه مسلم في "صحيحه" من طرق عن عبد الملك بن عمير به.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأخرجاه في "الصحيحين" من حديث الليث: حدثني يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذُكِر عنده عمه فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيُجْعَل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه. لفظ البخاري. وفي رواية: تغلي منه أم دماغه. وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهون أهل النار عذابا أبو طالب. منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه. وفي "مغازي" يونس بن بكير: يغلي منهما دماغه حتى يسيل على قدميه. ذكره السهيلي. وقال الحافظ أبو بكر البزار في "مسنده": حدثنا عمرو، هو ابن إسماعيل بن مجالد، حدثنا أبي، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قيل له: هل نفعتَ أبا طالب؟ قال: أخرجتُه من النار إلى ضحضاح منها. تفرد به البزار. قال السهيلي: وإنما لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة العباس أخيه أنه قال الكلمة وقال: لم أسمع، لأن العباس كان إذ ذاك كافرا غير مقبول الشهادة. قلت: وعندي أن الخبر بذلك ما صح لضعف سنده كما تقدم. ومما يدل على ذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن أبي طالب فذكر له ما تقدم. وبتعليل صحته لعله قال ذلك عند معاينة الملك بعد الغرغرة حين لا ينفع نفسا إيمانها. والله أعلم. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق: سمعت ناجية بن كعب يقول: سمعت عليا يقول: لما توفي أبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن عمك قد توفي. فقال: اذهب فوَارِهِ. فقلت: إنه مات مشركا. فقال: اذهب فواره، ولا تحدثن شيئا حتى تأتي. ففعلت فأتيته، فأمرني أن أغتسل.
ورواه النسائي: عن محمد بن المثنى، عن غندر، عن شعبة.
ورواه أبو داود، والنسائي من حديث سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية، عن علي: لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله، إن عمك الشيخ الضال قد مات، فمن يواريه؟ قال: اذهب فَوَارِ أباك، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني. فأتيته فأمرني فاغتسلت، ثم دعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء. وقال الحافظ البيهقي: أخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا محمد بن هارون بن حميد، حدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، حدثنا الفضل، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد من جنازة أبي طالب فقال: وصلتْكَ رَحِمٌ، وجُزِيتَ خيرا يا عم. قال: وروي عن أبي اليمان الهوزني، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وزاد: ولم يقم على قبره. قال: وإبراهيم بن عبد الرحمن هذا هو الخوارزمي، تكلموا فيه. قلت: قد روى عنه غير واحد: منهم الفضل بن موسى السيناني، ومحمد بن سلام البيكندي. ومع هذا قال ابن عدي: ليس بمعروف، وأحاديثه عن كل من روى عنه ليست بمستقيمة.
وقد قدمنا ما كان يتعاطاه أبو طالب من المحاماة والمحاجة والممانعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدفع عنه وعن أصحابه، وما قاله فيه من الممادح والثناء، وما أظهره له ولأصحابه من المودة والمحبة والشفقة في أشعاره التي أسلفناها، وما تضمنته من العيب والتنقيص لمن خالفه وكذبه بتلك العبارة الفصيحة البليغة الهاشمية المطلبية التي لا تُدَانَى ولا تُسَامَى، ولا يمكن عربيا مقاربتها ولا معارضتها. وهو في ذلك كله يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق بار راشد، ولكن مع هذا لم يؤمن قلبه. وفَرْقٌ بين علم القلب وتصديقه كما قرّرنا ذلك في شرح كتاب "الإيمان" من "صحيح البخاري". وشاهد ذلك قوله تعالى: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون". وقال تعالى في قوم فرعون: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم". وقال موسى لفرعون: "لقد علمتَ ما أنزل هؤلاء إلا ربُّ السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا". وقول بعض السلف في قوله تعالى: "وهم يَنْهَوْن عنه ويَنْأَوْن عنه" أنها نزلت في أبي طالب حيث كان يَنْهَى الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينأى هو عما جاء به الرسول من الهدى ودين الحق.
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد روي عن ابن عباس والقاسم بن مخيمرة وحبيب بن أبي ثابت وعطاء بن دينار ومحمد بن كعب وغيرهم، ففيه نظر والله أعلم.
والأظهر، والله أعلم، الرواية الأخرى عن ابن عباس: وهم ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به. وبهذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وغير واحد، وهو اختيار ابن جرير. وتوجيهه أن هذا الكلام سيق لتمام ذم المشركين حيث كانوا يصدون الناس عن اتباعه ولا ينتفعون هم أيضا به. ولهذا قال: "وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ* وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ". وهذا اللفظ، وهو قوله: "وَهُمْ"، يدل على أن المراد بهذا جماعة، وهم المذكورون في سياق الكلام. وقوله: "وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون" يدل على تمام الذم، وأبو طالب لم يكن بهذه المثابة، بل كان يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكل ما يقدر عليه من فعال ومقال، ونفس ومال. ولكن مع هذا لم يقدِّر الله له الإيمان لما له تعالى في ذلك من الحكمة العظيمة، والحجة القاطعة البالغة الدامغة التي يجب الإيمان بها والتسليم لها. ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه".
ومن الواضح أن ابن كثير لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى أن عبد المطلب كان صاحب دين توحيدى أو أن ابنه أبا طالب قد مات على ذلك الدين، بل قال إن عم النبى قد مات على عبادة الأوثان دين أبيه خشية من انتقاد قريش له بأنه ترك دين آبائه، ومن ثم كان قول الرسول عليه الصلاة والسلام إنه سوف يعذب يوم القيامة، وإن كان عذابه سيخفف إلى أقل حد ممكن، وهو وقوفه فى ضحضاح من نار لا يبلغ سوى كعبيه ويغلي منه دماغه، نظرا لحمايته للرسول رغم كراهيته إعلان الإيمان به. ليس ذلك فقط، بل رد ابن كثير على الشيعة فى ادعائهم أن أبا طالب قد نطق بالشهادتين، اعتمادا على ما قاله العباس للرسول بعدما فاضت روح أخيه، إذ شكك ابن كثير فى تلك الرواية وأورد روايات أخرى واضحة الدلالة تماما فى أن أبا طالب لم يعلن إسلامه على فراش الموت. بل لقد ختم ابن كثير حديثه فى ذلك الموضوع قائلا إن أبا طالب، رغم أنه "كان يصد الناس عن أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بكل ما يقدر عليه من فعال ومقال، ونفس ومال"، "لم يقدِّر الله له الإيمان لما له تعالى في ذلك من الحكمة العظيمة، والحجة القاطعة البالغة الدامغة التي يجب الإيمان بها والتسليم لها"، ثم عقب قائلا: "ولولا ما نهانا الله عنه من الاستغفار للمشركين لاستغفرنا لأبي طالب وترحمنا عليه". وهو كلام حاسم فى إفحام كل بكاش نتاش. ومع هذا كله يدلس القمنى ويكذب على عالمنا الجليل زاعما أنه قال إن عبد المطلب كان صاحب دين توحيدى أنشأه، وأن ابنه أبا طالب قد مات على ذلك الدين. لكن لو أن أبا طالب كان موحدا فلم طلب منه ابن أخيه أن ينطق بالشهادتين؟ ثم لم رفض العم؟ بل لم كان العذاب فى نار جهنم أصلا؟ أرأيتم مثل ذلك التدليس القمناوى الذى على أصوله؟
وتدليس آخر نجده فى إحالة صاحب الدكتوراه الملفقة إلى "السيرة الحلبية" عقب كتابته السطور التالية التى يقول فيها: "وعن اليقين بعلم عبد المطلب بأمر حفيده (يقصد أنه سوف يكون نبيا) يتحدث كتبة التراث مسلّمين بالأمر، ثم يقصون أقاصيص تعبر عن هذا التسليم وذاك اليقين، فيذكرون عن ولده العباس رضي الله عنه قوله: قال عبد المطلب: قدمت من اليمن في رحلة الشتاء، فنزلنا على حبر من اليهود يقرأ الزبور، فقال: من الرجل؟ قلت: من قريش. قال: من أيهم؟ قلت: من بني هاشم. قال: أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك؟ قلت: نعم ما لم يكن عورة. قال: ففتح إحدى منخريَّ فنظر فيها ثم نظر في الأخرى، فقال: أنا أشهد أن في إحدى يديك مُلْكًا، وفي الأخرى نبوّة. وإنما نجد ذلك، أي كلا الملك والنبوة، في بني زهرة. فكيف ذاك؟ قلت: لا أدري ... فقال: إذا تزوجتَ فتزوج منهم. فلما رجع عبد المطلب إلى مكة تزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف، فولدت له حمزة
(يُتْبَعُ)
(/)
وصفية، وزوَّج ابنه عبد الله آمنة بنت وهب أخي وهيب فولدت له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكانت قريش تقول: فلح عبد الله على أبيه. أي فاز وظفر. ثم رأيت في"أُسْد الغابة" أن عبد المطلب تزوج هو وعبد الله في مجلس واحد. وجاز أن يكون الملك والنبوة اللذان تكلم عنهما الحبر هما نبوته وملكه صلى الله عليه وسلم لأنه أُعْطِيَهما".
هذا ما قاله القمنى، ومعناه أن عبد المطلب كان يعرف سلفا أنْ سيكون له حفيد ذو شأن وأنه سوف يعلن النبوة، على حين أن صاحب "السيرة الحلبية" لم يقل شيئا من هذا بتاتا. وإلى القارئ نص ما قال: "والسبب الذي دعا عبد المطلب لاختيار بني زهرة ما حدّث به ولدُه العباس رضي الله تعالى عنه، قال: قال عبد المطلب: قدمنا اليمن في رحلة الشتاء، فنزلنا على حبر من اليهود يقرأ الزبور، أي الكتاب، ولعل المراد به التوراة، فقال: ممن الرجل؟ قلت: من قريش. قال من أيهم؟ قلت: من بني هاشم. قال: أتأذن لي أن أنظر بعضك؟ قلت: نعم ما لم يكن عورة. قال: ففتح إحدى منخريّ فنظر فيه، ثم نظر في الأخرى فقال: أنا أشهد أن في إحدى يديك، وهو مراد الأصل بقوله: في منخريك، مُلْكًا، وفي الأخرى نبوّة. وإنما نجد ذلك، أي كُلاًّ من الملك والنبوة في بني زهرة، فكيف ذاك؟ قلت: لا أدري. قال: هل لك من شاعة؟ قلت: وما الشاعة؟ قال: الزوجة، أي لأنها تشايع، أي تتابع وتناصر زوجها. قلت: أما اليوم فلا. أي ليست لي زوجة (من بني زهرة إن كان معه غيرها، أو مطلقا إن لم يكن معه غيرها). فقال: إذا تزوجت فتزوج منهم. أي وهذا الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه، فيحكم على صاحبها بطريق الفراسة يقال له: "حَزّاءٌ" بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منونة. وقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني عن شيخه سيدي علي الخواص، نفعنا الله تعالى ببركاتهما، أنه كان إذا نظر لأنف إنسان يعرف جميع زلاته السابقة واللاحقة إلى أن يموت على التعيين من صحة فراسته. هذا كلامه". واضح أن الحبر اليمنى، إن صحت هذه الرواية، هو الذى خبّره بأن حفيده سوف يكون له شأن، وبناء عليه نصحه أن يصهر إلى بنى زهرة. وهذا غير ما قاله القمنى أو من أَوْحَوْا إليه بوضع اسمه على الكتاب. على أننى لا أعطى مثل تلك الرواية أذنى أبدا ولو لثانية واحدة، إذ تقوم على أن هناك من البشر من يمكنه معرفة الغيب، وهذ مستحيل، فلا يعلم الغيب إلا الله، أما البشر جميعا فالغيب مستور عنهم تماما حتى لو كانوا رسلا وأنبياء. ومن المضحك أن يحرص الحبر على مصلحة رجل لا يعرفه ولا يهمه أمره ولم يقصده فى شىء فينصحه ويشدد النصح أن يتخذ زوجة من بنى زهرة. وهل كان عنده خريطة بقبائل العرب وأبنائها وبناتها يعرف منها مصير كل زواج يتم بين فلان وعلانة. ومن أين له بمثل تلك الخريطة يا ترى؟ ثم كيف يعرف ذلك الحبر الغيب، وقد كان يجهل مَنْ عبد المطلب، وإلى أية قبيلة ينتسب. ألم يسأله: من هو؟ ومن أية قبيلة؟
والقمنى حريص فى أى كتاب أو مقال يكتبه على الإساءة للرسول فى كل سانحة. ومما قصد به الإساءة له صلى الله عليه وسلم فى الكتاب الذى نحن بصدده اختياره من بين الروايات التى تقص خِطْبَته لخديجة بنت خويلد رضى الله عنها الرواية التى تقول إن أبا خديجة قد سُقِىَ خمرا كى يغيب عن الوعى فيوافق على زواج محمد من ابنته حسبما يقول المبشرون الموتورون، ولولا ذلك ما وافق. أى أن الزواج تم بخديعة خبيثة لأن محمدا لم يكن أهلا لمصاهرة خويلد. وإلى القارئ عينة مما يقوله المبشرون وأتباعهم من السذج والدهماء فى هذا الموضوع، إذ وجدت فى أحد المواقع النصرانية المغربية كلمة بعنوان "خديجة تُسْكِر أباها ليزوجها من محمد! " كتب صاحبها ما يلى: "من المعلوم في حياة محمد أن أول زيجاته كانت من شريفة الحسب والنسب وأغنى أمراة في قريش، وهي خديجة بنت خويلد ابنة عم قس مكة ورقة بن نوفل! وكانت إحدى المشاكل المعيقة لهذا الزواج هو والد خديجة، الذي كان لا يريد محمدا زوجا لابنته رغم أنها تزوجت مرتين قبل محمد، الذي كان اسمه قُثَم. ربما بسبب فارق السن الذي تفوق به خديجة على محمد أو لأنه رأى "طمعا" من محمد في أموال خديجة، وهو الشاب العامل اليتيم راعي الغنم و المشكوك في قواه العقلية! وما كان لهذا الزواج أن يتم دون "كيد" النسوان! فدبرت خديجة الحيلة والمكيدة وقررت أن تضع أباها
(يُتْبَعُ)
(/)
أمام الأمر الواقع فلجأت الى خدعة! ". هذا، وقد صححتُ الأخطاء اللغوية والإملائية الكثيرة فى النص.
قال القمنى مزوّر الشهادات العلمية: "وعندما تزوج المصطفى صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها أكثر الناس من الكلام في هذه الزيجة. وهنا يروي لنا ابن كثير أن "عمار بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله صلى الله عيه وسلم خديجة وما يكثرون فيه يقول: أنا أعلم الناس بتزويجه إياها. إني كنت له تِرْبًا، وكنت له إِلْفًا وخِدْنًا، وإني خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، حتى إذا كنا بالحَزَوَّرة أَجَزْنا على أخت خديجة، وهي جالسة على أدم تبيعها، فنادتني، فانصرفت إليها، ووقف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أمَا بصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة؟ قال عمار: فرجعت إليه فأخبرته، فقال: بلى لَعَمْرِي. فذكرت لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: اغْدُوَا علينا إذا أصبحنا. فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرة وألبسوا أبا خديجة حُلّة، وصُفِّرَتْ لحيته، أي صبغت بالحنّاء، وكلمت أخاها، فكلم أباه وقد سُقِيَ خمرا، فذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه، وسأله أن يزوجه، فزوجه خديجة، وصنعوا من البقرة طعاما فأكلنا منه. ونام أبوها ثم استيقظ صاحيا فقال: ما هذه الحلة؟ وما هذه الصفرة وهذا الطعام؟ فقالت له ابنته التي كانت قد كلمت عمار بن ياسر: هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله خَتَنُك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوّجته خديجة. فأنكر أن يكون زوَّجَه، وخرج يصبح حتى جاء الحِجْر. وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم فكلموه، فقال: أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة؟ فبرز له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما نظر إليه قال: إن كنت زوجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوجته. أما عمه أبو طالب فألقى في العرس خطبة منها قوله: فنحن سادة العرب وقادتها، وأنتم أهل ذلك كله، لا ينكر العرب فضلكم. ورغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم. وأمرت خديجة جواريها أن يرقصن ويضربن الدفوف، وفرح أبو طالب فرحا شديدا".
هذا ما كتبه القمنى أو من يتستر وراء اسم القمنى، أما ما كتبه ابن كثير فى "البداية والنهاية" فهذا هو: "قال ابن هشام: وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم منهم أبو عمرو المدني. وقال يعقوب بن سفيان: كتبت عن إبراهيم بن المنذر: حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، حدثني غير واحد أن عمرو بن أسد زوَّج خديجة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عمره خمسا وعشرين سنة، وقريش تبني الكعبة. وهكذا نقل البيهقي عن الحاكم: أنه كان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة، وكان عمرها إذ ذاك خمسا وثلاثين، وقيل: خمسا وعشرين سنة ... وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس أن أبا خديجة زوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو، أظنه قال، سكران. ثم قال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين ابن الفضل القطان، أنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، حدثني عبد الله بن أبي عبيد بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، عن مقسم بن أبي القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل أن عبد الله بن الحارث حدثه أن عمار بن ياسر كان إذا سمع ما يتحدث به الناس عن تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وما يكثرون فيه يقول: أنا أعلم الناس بتزويجه إياها، إني كنت له تربا، وكنت له إِلْفًا وخِدْنًا. وإني خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، حتى إذا كنا بالحزوَّرة أجزنا على أخت خديجة، وهي جالسة على أُدُمٍ تبيعها، فنادتني، فانصرفت إليها، ووقف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أمَا بصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة؟ قال عمار: فرجعت إليه فأخبرته، فقال: بَلَى لَعَمْرِي. فذكرت لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: اُغْدُوَا علينا إذا أصبحنا،. فغدونا عليهم فوجدناهم قد ذبحوا بقرة، وألبسوا أبا خديجة حلة وصفرت لحيته، وكلمت أخاها، فكلم أباه، وقد سُقِيَ خمرا، فذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه، وسألته
(يُتْبَعُ)
(/)
أن يزوجه فزوجه خديجة، وصنعوا من البقرة طعاما فأكلنا منه. ونام أبوها ثم استيقظ صاحيا فقال: ما هذه الحلة؟ وما هذه الصفرة وهذا الطعام؟ فقالت له ابنته التي كانت قد كلمت عمارا: هذه حلة كساكها محمد بن عبد الله ختنك، وبقرة أهداها لك فذبحناها حين زوجته خديجة. فأنكر أن يكون زوَّجه، وخرج يصيح حتى جاء الحجر. وخرج بنو هاشم برسول الله صلى الله عليه وسلم فجاؤه فكلموه. فقال: أين صاحبكم الذي تزعمون أني زوجته خديجة؟ فبرز له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما نظر إليه قال: إن كنتُ زوَّجته فسبيل ذاك، وإن لم أكن فعلت فقد زوّجته. وقد ذكر الزهري في سيره أن أباها زوجها منه وهو سكران، وذكر نحو ما تقدم. حكاه السهيلي. قال المؤملي: المجتمع عليه أن عمها عمرو بن أسد هو الذي زوجها منه، وهذا هو الذي رجحه السهيلي، وحكاه عن ابن عباس وعائشة. قالت: وكان خويلد مات قبل الفِجَار، وهو الذي نازع تُبَّعًا حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك خويلد وقام معه جماعة من قريش. ثم رأى تبع في منامه ما روَّعه، فنزع عن ذلك وترك الحجر الأسود مكانه. وذكر ابن إسحاق في آخر السيرة أن أخاها عمرو بن خويلد هو الذي زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالله أعلم".
وواضح من الرواية التى أوردها القمنى، وهناك روايات أكثر منها شهرة وذيوعا وأقرب إلى المنطق، أنها رواية لا تقنع العقل. ذلك أنه لا يعقل أن يكون والد خديجة رجلا هزؤا بهذا الشكل الذى تصوره الحكاية، فيجرى فى الشوارع ويصيح وكأنه رجل لا حول له ولا قوة وأن عصابة من المجرمين قد اختطفوا ابنته الصغيرة منه وهربوا، فهو يريد من الناس أن يسرعوا وراءهم ويقبضوا عليهم ويستعيدوا له الابنة المختطفة. وتزداد عبثية الحكاية حين نرى خويلدا بعد كل تلك الضجة التى فضح فيها الدنيا يتراجع عما صنع ويقبل محمدا فى الحال. الحق أن هذا لبسلوك المخابيل أشبه، وما كان خويلد الأسدى الذى وقف لتُبَّع تلك الوقفة الرجولية يوما من المخبولين. ثم هل يمكن أن نقبل مثل تلك الرواية التى تريد أن تقول إن محمدا لم يكن أهلا لخديجة ونحن نسمع أبا طالب يذهب فى الفخر بعشيرته وبابن أخيه المذاهب فلا ينكر عليه أحد من أهل الخطيبة شيئا مما قال؟ بل هل من الممكن، لو كان الأمر على ما تقول الرواية، أن يخطر فى بال أبى طالب أن يفتخر بعشيرته وابن أخيه فى خطبة النكاح على هذا النحو؟
أقول هذا مع علمى أنه حتى لو حدث هذا فلن ينال من محمد بشىء. لماذا؟ إن تقديم الخمر لخويلد، لو كان قد وقع وافترضنا أنه تم من أجل تغيبب عقل خويلد، لهو مع إيعاز خديجة لأختها أن تعرض على محمد الزواج منها دليل على أن خديجة كانت واقعة فى هوى محمد وتريد أن تتزوجه، ولسوف تتزوجه حتى لو عارضها سكان الأرض جميعا. ومعنى ذلك أن محمدا مطلوب، ومطلوب بقوة لا يقف فى طريقها شىء أو شخص. وهذا مما يشرّف أى رجل. وعلى كل حال فإن محمدا لا علاقة له بإسكار الرجل ولا علم. ولقد كان شرب الخمر من المفاخر فى عرف الجاهليين، وكان العرب آنذاك يرون فيها باعثا قويا على الكرم والأريحية. فلو كان خويلد قد شرب فى تلك الليلة ما نال هذا محمدا ولا خويلدا بأى سوء. ولو افترضنا أن أبناء الرجل قد أسكروه إسكارا على غير علم منه ولا هوى، ولم يقدموا له الخمر فقط على عادتهم فى مثل تلك المناسبات وسكر هو لإفراطه فى الشراب على غير احتراس، وهو ما يُفْهَم من الحكاية لا ما يروجه المبشرون السفهاء ويتابعهم عليه بعض من المنتسبين إلى الإسلام، أفيعقل أن يكون هذا هو رد فعله عند اكتشافه الخدعة؟ ما كان أسهل عليه أن يرفض إتمام الزواج لو أراد دون أن يجرى فى الطرقات كالمجانين. والحمد لله أن راوى القصة لم يقل إن صبيان مكة قد هُرِعُوا وراءه يزفونه بعبارات السخرية ويرمونه بالحجارة كشأنهم مع المجانين الذين يَعْدُون فى الطرقات وهم يصيحون! ثم لقد كانت خديجة تاجرة شديدة الثراء مستقلة بنفسها وبشؤونها، وكانت تمارس أمور مالها وتجارتها وتستأجر محمدا وغيره مباشرة دون أن تستعين بأحد من أهلها لمفاوضتهم على العمل عندها. وهى، حين فكرت فى الزواج بمحمد، قد تولت بنفسها ترتيب ذلك. فلماذا كان عليها أن تخشى اعتراض والدها فتستعين بأخيها على ذلك النحو الهزلى لإقناعه بالموافقة على زواجها من محمد؟ وفوق ذلك أين كان
(يُتْبَعُ)
(/)
أبوها من قبل فلم نسمع به قط فى أى شأن من شؤون أمورها مع محمد، الذى كان يشتغل لها بالتجارة؟ وهذا كله لو لم يكن قد مات قبل هذا كما تقول الروايات الأخرى، وهى الروايات التى يقبلها العقل ويراها أحرى بالتصديق من الرواية المضحكة التى نناقشها الآن.
وقد تناول ماكسيم رودنسون هذه القضية قائلا: ثمة رواية تقول إن خديجة قد سقت أباها خمرا كى يمر الزواج دون اعتراض، إلا أن أغلب الروايات تتفق على أن الوالد كان قد مات قبل ذلك بزمن طويل وأن عمها هو الذى كان يمثل الأسرة فى هذه المناسبة. وهذا نص ما قاله طبقا لما جاء فى الترجمة الإنجليزية لكتابه عن رسول الله بقلم آن كارتر ( Pelican Books, 1971, P.50): "Some accounts added that this was not easy and that Khadija had to get her father drunk in order to obtain his consent; but most traditions say that by this time her father was long dead and it was her uncle who represented her family in the marriage". وبالمثل ذكرت د. سلوى بالحاج صالح- العايب فى كتابها: "دثرينى يا خديجة- دراسة تحليلية لشخصية خديجة بنت خويلد" (دار الطليعة/ بيروت/ 1999م/ 63) أن "أغلب الروايات تشير إلى كونها (أى خديجة) أحضرت عمها عمرو بن أسد". والمهم بعد هذا كله أن محمدا وخديجة كانا أسعد زوجين بما كان بينهما من حب واحترام متبادل أيها المزور المدلس ذا اللسان السفيه والبذاءات المنحطة التى تصيب جسمك بالحُكَاك وتظل تهرشك وتعذبك ولا تدعك تهدأ أبدا.
وأيا ما يكن الأمر فقد ساق ابن كثير عددا من الروايات، ووقف ضد هذه الرواية بالذات التى لم يجد القمنى فيما كتبه ذلك العالم الجليل إلا إياها فأوردها على أنها هى رأيه وأنه لا يوجد روايات أخرى عنده سواها، وهذا تدليس. ومن المضحك، وكل ما يقوله القمنى مضحك، أنه كلما انتقد أحدهم ما يكتبه تحجج بأنه ليس إلا ناقلا لما فى كتب التراث. ومن ذلك أن الصحفى حسن عبد الله قد سأله فى حوار "النيوزويك" العربية الذى سبق أن أشرنا إليه قائلا: "لو قلت لك إنني قرأت عددا من كتبك، ومنها "الحزب الهاشمي" و"حروب دولة الرسول"، وأعتقد بأنها تحول الاسلام كله إلى مجرد لعبة أو حركة سياسية لا مكان فيها لوحي أو نبوة، فما ردك؟ "، فكان جوابه ما يلى، ولاحظ عامية الذوق فى رده: "ياعمي، انا ماحولتش حاجة. قل هذا للمصادر التي أخذت منها في كتبي. أنا لم أقل شيئا من عندي. وإذا كانوا يريدون أن يلوموا أحدا فليلوموا الكتّاب والمؤرخين المسلمين الكبار مثل ابن كثير والنسفي وغيرهما، أو يقوموا بحذف هذه النصوص من الكتب كيلا نقتبسها ونضعها بين علامات تنصيص ونقول ابن كثير: قال كذا. لماذا يتشطرون علينا ياعمي؟ فالقاعدة الاسلامية تقول إن ناقل الكفر ليس بكافر، وأنا ناقل من كتب التراث الاسلامي وكتب الأمهات". فعاد الصحفى يكشف ألاعيبه قائلا: "أتحدث عن عملية الانتقاء وفصل النصوص عن سياقها العام"، فكان أن عاجله مقاطعا: "هذه تهمة في الامانة العلمية. أنا لا أنتقي تماما بل أحشد لكل جملة أكثر من ثلاثة مصادر تتفق عليها. والفهم والاستنباط يختلف من شخص إلى آخر. ارجع الى أمهات الكتب التراثية، وسترى ماذا تقول".
وهو رد أشبه بكلام المصاطب، وليس ميدانه المناقشات العلمية، إذ إن كثيرا من كتب التراث تسوق الروايات المختلفة لا رواية واحدة حتى لو كان صاحب الكتاب لا يؤمن من تلك الروايات إلا بشىء واحد. هذه طريقة الكثير من علمائنا القدامى، ومنهم ابن كثير، ومن ثم لا يصح علميا التحجج بما تحجج به القمنى. وفى موضوعنا هذا كان عليه أن يسوق جميع الروايات التى ساقها القمنى كما صنعت أنا ثم يختار منها ما يراه مقنعا، أو على الأقل: ما يراه أكثر إقناعا من سواه، ويقدم الحيثيات التى استند إليها فى هذا الإيثار. أليس هذا هو المنهج العلمى الذى يعرفه العلماء جميعا؟ أما أن يخدع القراء ويوهمهم أن الرواية التى أوردها إنما هى الرواية الوحيدة عند ابن كثير، فضلا عن أنها هى الرواية التى يتبناها هذا العالم الجليل، فهذا كذب وتدليس وخداع آثم. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد ورد فى كتاب ابن كثير، كما رأينا، أن خديجة حين تزوجها النبى كانت بنت خمس وثلاثين أو خمس وعشرين سنة، فلماذا أهمل القمنى هذه المعلومة التى لم يشكك فيها ابن كثير
(يُتْبَعُ)
(/)
كما شكك فى حكاية سُكْر خويلد الأسدى، وبخاصة أن عالمنا الكبير لم يورد إطلاقا شيئا من الرواية التى تقول بأن عمر عميدة أمهات المؤمنين كان فى ذلك الوقت أربعين عاما؟ ألا يرى القارئ أن القمنى يداور ويناور طوال الوقت، وإن كانت مداوراته ومناوراته عبثية لا تؤدى إلى طائل؟ وما دمنا قد فتحنا هذا الموضوع فقد قرأت لماكسيم رودنسون رأيا وجيها مُفَاده أنه من المشكوك فيه أن يكون عمر خديجة عند زواجها من محمد قد بلغ الأربعين، وإلا كان معنى هذا أنها ظلت تنجب أطفالا حتى بعد تجاوزها الخمسين، وهو ما لا يمكن أن يكون، إذ من المعروف أنها أنجبت للرسول ستة أطفال. يقول رودنسون فى دراسة له بعنوان " Mahomet" أوجز من الكتاب الذى يحمل نفس العنوان:
" on dit qu’elle avait alors 40 ans, en 595 – mais, comme elle lui donna au moins six enfants, il est permis de douter de ce chiffre".
وعلى نفس الشاكلة يرتاب ديفيد صمويل مرجليوث المستشرق البريطانى فى كتابه: " Mohammed and the Rise of Islam" أن تكون خديجة تكبر الرسول بخمسة عشر عاما كما تقول كتب السيرة بوجه عام، مقررا أنها لا يمكن أن تكبره إلا ببضع سنوات فقط:
" She was some years older than Mohammed, but assuredly not forty, as Mohammed’s biographers assert" (J. P. Putnam’s sons, New York & London, 1905, P. 67).
أما موريس جودفروا ديمومبين المستشرق الفرنسى فإنه، فى كتابه: " Mahomet"، يسخر من الرواية التى تتحدث عن إسكار خويلد، واصفا إياها بأنها حكاية فلكلورية، مضيفا أن خويلدا كان قد مات قبل ذلك، وأن خديجة كانت فى ذلك الوقت سيدة أمرها ( Albin Michel, Paris, P. 68):
"Khadîdja a une quarantaine d’années, un grand âge, pour une Mekkoise… Khuwaïlid refuse son consentement au mariage de sa fille avec un homme pauvre et on en est réduit à l’enivrer pour qu’il le donne; belle histoire, mais thème de folklore, et intervention inutile, car il semble que Khuwaïlid était mort à l’époque du mariage de Khadîdja et que celle-ci, qui avait été mariée antérieurement, était libre de sa personne ."
وبعد، فهذا كتاب "الحزب الهاشمى" كما هو فى حقيقته دون جعجعات أو تحشيشات. إنه كتاب سخيف تافه لا وشيجة بينه وبين أوليات البحث العلمى. وفوق هذا فهو قائم على التدليس "عينى عينك" دون حياء أو تردد كما هو الحال مع اللصوص المحترفين الذين يسرقون الكحل من العين دون أن يطرف لهم جفن ودون أن يبالوا بنظرات الناس المصوبة إليهم وهم يسرقون. وفوق هذا فقد رأينا كيف أن الكِتَاب هو هو ذاته كتاب خليل عبد الكريم، مما يدفعنا دفعا إلى ترجيح أن تكون هناك يد خفية تضع الكلام فى فم الاثنين آمرة إياهما أمرا واجب التنفيذ أن ينطقا به على أنه كلامهما هما حتى يكون القضاء على الإسلام بيد واحد ممن ينتسبون إليه لا بيد شخص غريب، تحقيقا لنصيحة ذلك المبشر الخبيث القائلة بأن الشجرة إنما ينبغى قطعها بفأس مصنوعة من أحد غصونها. وهو ما تنبه إليه د. عبد الرحمن بدوى، الذى روى بعض الصحفيين المصريين أنه قرأ مقالا في "اللوموند" عن الصنيعة الغربية سلمان رشدي فانفجر يسبه ويقول: هذا الفاجر الذي جنده الغرب للطعن في الإسلام حتى يقال: "وشهد شاهد من أهلها"، مضيفا أن سلمان رشدي ليس مسلما، ولم يكن يوما مسلما، بل التقط السم المدسوس له في الغرب. وإنى لأرجح ما قلته عن القمنى ترجيحا لأن ما يصدر عن القمنى فى مقابلاته التلفازية من ألفاظ وتصرفات وتطاولات على الضيوف والمذيعين، كل ذلك لا يوحى أبدا أننا بإزاء شخص يمت للفكر بأية صلة. وليس هذا هو رأيى وحدى، بل رأى كل المعلقين تقريبا الذين سجلوا حكمهم عليه فى المواقع المشباكية والمداخلات المرنائية المختلفة. ويزيد الطين بلة أن القمنى يتصور أنه يمكن أن يلبِّسنا العمة فنظن، ولو للحظة، أنه يقرأ باللغات الثلاث: الإنجليزية والفرنسية والألمانية، إذ يشير دائما إلى كتب مؤلفة بتلك اللغات بوصفها مراجع قد قرأها، مع أنه لا يحسن حتى الإنجليزية، تلك اللغة التى أضحى يدرسها الآن تلاميذ المرحلة الابتدائية أنفسهم.
* * *
(يُتْبَعُ)
(/)
حاشية أولى: أود أن أورد هنا رأى سيد المزورين والمدلسين فى وفاء سلطان المرأة المسترجلة التى تتكلم فتذكّرك، حين تنطق بصوتها القبيح الغليظ الخشن بما حفّظوه لها تحفيظا، بالجَمَل الذى يضرب بالقُلَّة، والتى تشتم دائما الله والرسول والقرآن والإسلام، وتقول إنه دين الإرهاب والعدوان والتخلف والرجعية والكراهية والقتل والدموية، وتلعن سنسفيل المسلمين: القدامى والمعاصرين والذين لم يُخْلَقوا بعد، مؤكدة أنهم يستحقون ما ينزله بهم الغرب من دمار وتقتيل وتهجير وأكثر، وأنهم لا ينتمون إلى العالم المتحضر، فهم أمة بدائية تجرى على سنة رسولها الذى كان يمارس القتل والنهب والاغتصاب وكل الموبقات، وتاريخهم ينحصر فى الغزو والغنائم وما طاب من النساء والنكاح وتقطيع الأيدي والأرجل وشرب بول الإبل، وإلههم يثرثر فى القرآن.
وهذا نص ما قاله القمنى فى تلك المرأة الذَّكَر، وقد ورد فى سياق رده على انتقاد نادر قريط المدوّن العراقى لها لطول لسانها وسفاهتها وقلة أدبها وتعصبها البغيض المريض ضد الإسلام والمسلمين لا لأن قريط ذو اتجاه إسلامى، فهو ليبرالى أيضا، بل لأن كلامها فى هذا الصدد قد تجاوز الحدود، فضلا عن أن المسلمين ليسوا وحدهم المعيبين، كما أنهم ليسوا كلهم عيوبا. ويجد القارئ كلام قريط فى موقعه المسمى: "كتابات نادر قريط". قال القمنى: "أعترف أن هذه السيدة ترهبنى شجاعتها ويبهرنى منطقها، وتلسعنى لسعا سرعة بديهتها وحضورها. وهى، اختلفنا معها فى الوسائل أم اتفقنا، السيدة الأولى لـ"بَنِى لِيبْرَال". هذا رغم علمى اليقينى أنه فى البيت العلمانى سيدات يبرزنها (الصواب: "يبززنها"، ودعنا من الأخطاء الإملائية الشنيعة، وهى سمة قمناوية بامتياز) علما ومعرفة بالتراث الإسلامى وتمكنا منة. لكن لهذه السيدة طريقتها، وهى التى تضيف إلى رصيدها نقاط تعلو بها الدرجات. فهى تؤدى دورا نعجز عنه جميعا ربما خوفا من المجتمع (مثلى)، أو ترفعا وتكبرا على تلك السجالات (مثل أخى قريط). وفى رأيى أنها كلها طرق محترمة ما دامت تقوم على عمد من معرفة سليمة ومنطق محجوج، وتهدف إلى مبادئ وقيم المجتمع المدنى الحر فى النهاية".
وموقفه من تلك المرأة ورأيه فيها ينسجمان تمام الانسجام مع ما يقوله عن الحضارة الإسلامية، التى لا يعترف لها بشىء البتة، بل ينسب إليها كل الموبقات ولا يرى فيها شيئا طيبا بالمرة، مؤكدا أن كل ما فيها سواد فى سواد وتخلف ما بعده تخلف، وإرهاب وقتل ودمار وتجريف لكل شىء جميل وجهل وقبح وتسلط واستعباد وسرقة واغتصاب وتداوٍ ببول الإبل، ساخرا من كل شىء يتعلق بتلك الحضارة، ناسبا كل فضل إلى اليونان قديما، والغرب الأوربى حديثا، ومكررا ما تقوله المرأة الذَّكَر من أنه لا أمل للمسلمين إلا بالالتحاق بالغرب ونبذ ما عندهم كله، وهو ما كان طه حسين قد دعا إليه قديما، فهى عصبة بعضها من بعض. وقد مدح القمنى المرأة الذَّكَر، كما رأينا، بأنها شجاعة تقول ما لا يستطيع هو وغيره أن يقولوه. أنعم وأكرم!
حاشية ثانية- من كتابات سيد القمنى:
* الدولة عبر تاريخها القديم الابتدائي الأول كانت دولة دينية فعلا، لأن ذلك كان يناسب ظرفها الابتدائي الأول، لأنها كانت وثنية، والوثنية كانت تعني توافق المجتمع على آلهة بعينها تتفق مع بيئاتهم وظروفهم، فتجد مصر مثلا تقدس سوبك التمساح لوجوده في نيلهم بوفرة، بينما بدوالجزيرة يقدسون الخروف، ومصر تقدس من ظواهر الطبيعة أعظمها الشمس لدورها الهام في نضوج المحصول ودورتها الفصلية في البذار والحصاد، بينما بدو الجزيرة كانوا يقدسون القمر لدوره في إضاءة ليل الصحراء المقفر الموحش، كانت الأمم تصنع أربابها بنفسها لنفسها بما يوافق جغرافيتها ومصالحها وطريقة تفكيرها ومتطلبات عيشها، كذلك لم يحدث أن وقع صراع اجتماعي في المجتمعات الوثنية بسبب الدين، لأن الدين كان من إبداعهم على التوافق بينهم، أما الأديان الكبرى كاليهودية والمسيحية والإسلام المنسوبة إلى رب كوني فإنها ذات طابع صراعى لأنها لا تجيز اعتراف بعضها ببعض، فلا يمكن وصف الدولة ذات الأديان الكبرى المتعددة بأحد هذة الأديان وإلا وقع الصراع بين اطراف هذا المجتمع، صراعا لا زال يطل برأسه كل يوم حتى اليوم في بلادنا. لأن تلك الأديان لم يتم التوافق الإجتماعي والتواضع الشعبي عليها، وليست
(يُتْبَعُ)
(/)
بنت بيئته الوطن التى يتشارك فيها جميع المواطنبن، إنما هي جاءت جميعا من خارج الحدود وتم فرضها فرضا على مختلف الأمم المفتوحة.
* دولنا القومية الوطنية عادت إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال العربي، لأنها كانت أسبق في الوجود من هذا الاحتلال بألوف السنين وكانت أعلى تحضرا و أعمق قيمة، وأن جمعها تحت ظل الخلافة كان مآساة تاريخية لشعوب متحضرة عظيمة، كان كارثة إنسانية انتكست بالحضارة فى البلاد المفتوحة إلى البداوة، كارثة صحبها تطهير عرقي و دينى و جرائم في حق الإنسانية، ستظل لطحة عار فى الجبين الإنسانى حتى يعترف عرب الجزيرة و يعتذروا اعتذارا تاريخيا يسمعة العالم كلة، بعد أن آلت معهم مصرنا وكل أمصار حضارات حوض المتوسط الشرقى إلى ما هي عليه الآن، وبين تلك الحضارات القديمة وبين وضعها الآن … شتان!
* الإسلام بحالته الراهنة، وبما يحمله من قواعد فقهية بل واعتقادية، هو عامل تخلف عظيم، بل إنه القاطرة التى تحملنا إلى الخروج ليس من التاريخ فقط، بل ربما من الوجود ذاته.
* الشريعة تفرق طبقيا وطائفيا وعنصريا ومن قال غير ذلك إما جاهل جهلا مركبا وأما هو كذاب أشر نحلم بالماضى السعيد عندما كنا سادة الأمم نفتح ونغزو ونسبى وننهب ونستعبد الآخرين فى زماننا الذهبى، فهل كان زماننا ذاك ذهبيا حقا؟ كل زمن وله ممارساته، فكان الرقص وسكب بعض الماء على الأرض فى زمن السحر تحفيزا للطبيعة لتجود بمطرها على أساس أن الشبيه ينتج الشبيه.
* كانت صلاة الاستسقاء فى زمن الدين كممارسة شبه سحرية لكنها ارتقت من طلب الأرواح إلى طلب إله واحد، وقد تجاوز العالم المرحلتين. المبدأ الإسلامى الجهادى يقوم على تبرير العدوان الغازى لاحتلال البلاد المحيطة بالجزيرة بأنه أمر إلهى وليس بشريا لا يملك المسلم معه إلا الطاعة والامتثال للقرار الإلهى، فتصبح جريمة العدوان على الآمنين ليست بجريمة لأن من أمر بها هو الله. ويكون المدافع عن عرضه ووطنه وممتلكاته هو المجرم، لأنه يقف فى طريق نشر دعوة السماء. لذلك كان العدوان على غير المسلمين وحتى اليوم من وجهة النظر الإسلامية هو شرع مشروع. ونموذجا لذلك سفاح تاريخى لا مثيل له هو خالد بن الوليد الفاتح الدموى لبلاد العراق؛ الذى كان يتسلى ويتلذذ بلذة القتل للقتل. أعلى درجات التعبد هى الجهاد لاحتلال بلاد الآخرين، ونزح خيراتها إلى بلاد المسلمين.
* ردد الصحابة الأوائل الفاتحون شعارات جميلة من قبيل أن الناس يتساوون كأسنان المشط، وأنه لا فضل لعربى على أعجمى، ولم يطبق أى من هذه الشعارات فى حروب الفتوح بل الذبح والسلخ والنهب والأسر والسبى. باختصار الإسلام أو الجزية أو القتل. نعم لدرس تاريخ الإسلام، ليس بقصد الفخر برجال ليسوا منا بل كانوا لبلادنا فاتحين، ولعرضنا منتهكين ولأموالنا ناهبين ولأوطاننا محتلين.
* كان مفهوما أن يصاحب شعار الجهاد المسلمين الأوائل طوال عصر الفتوحات، وكان مفهوما وإن لم يكن مقبولا قيام الفقه الإسلامي بتنظيم قواعد الجهاد وتقنينها من حيث نسب توزيع الغنائم والفيء والمملتكات الخاصة بالمهزوم المفتوح، مع وضع قواعد لتنظيم الجباية وطرقها من زكاة إلى جزية إلى فدية لتوضع في بيت المال تحت سلطة الخليفة الذي يقوم بالتوزيع طبقا للشريعة على العرب وحدهم، لأن أبناء الأمم المغلوبة كانوا هم الغنيمة بشرا ومالا ومتاعا، كانوا هم من يدفعون. لذلك كان العدوان علي غير المسلمين وحتي اليوم من وجهة النظر الاسلامية هو شرع مشروع، وهو الخير نفسه، بل انه أفضل عبادة يتقرب بها المسلم الى ربه، لانها تصل الي قتل المسلم نفسه في حروب ذلك الزمان بالسلاح الابيض، الذي كان لابد فيه من افتراض موت المحارب، وفي حال موته فان موته يسمي استشهادا في سبيل الله يدخل بموجبه جنات الله السماوية عريسا تزفه الملائكة للحور العين.
* واقع الاسلام الاول الذي يريدون استعادته، لا يعرف شيئا عن المساواة ولا الحريات ولا حقوق الانسان فكلها مفاهيم معاصرة بنت زماننا اليوم. ناهيك عن كون تطبيقات المسلمين الاوائل لم تعرف لا المساواة ولا الحرية ولا الحقوق، حتي بمفاهيم زمانها و ماقبل زمانها كما في دساتير روما أو كمافى ديمقراطية أثينا مثلا.
(يُتْبَعُ)
(/)
* لقد كان النظام الإسلامي السياسي "الخلافة" حكما عربيا قرشيا أضفى عليه رجال الدين في حلفهم مع الخلفاء الصفة الدينية للاحتماء بمظلة الشرعية الدينية للدفاع عن نظام سياسي بشري لا علاقة له بما يريد الله ولا بالشريعة وأن الدولة الإسلامية عبر تاريخ الخلافة لم تعرف تطبيق الشريعة إلا بما يخدم السلطان وسيطرة رجال الدين.
* نعود للخلفاء الراشدين قدوة المسلمين والذين تحولت فعالهم في المذهب السني إلى سُنة كسنة الرسول مكملة له بالضرورة، بحسبانها النموذج الذي يدعو له المتأسلمون على كافة ضروبهم لنجد الواقع ينطق بغير أقوالنا المأثورة، فالخليفة الذي قبل من الإعرابي قوله: أن يقومه بسيفه، هو من قوّم الجزيرة كلها بسيفه، فقتل أهلها شر قتلة، قتل من اعترضوا على خلافته وشكوا في شرعية حكمه وصحة بيعته، وقتل من قرر ترك الإسلام إلى دين قومه، فأمر برمي الجميع من شواهق الجبال وتنكيسهم في الآبار وحرقهم بالنار، وأخذ الأطفال والنساء والثروات غنيمة للمسلمين المحالفين لحكم أبي بكر، وهو ما دونته كتب السير والأخبار الإسلامية على اتفاق والخليفة الثاني العادل، هو من استعبد شعوبا بكاملها ومات مقتولا بيد واحد ممن تعرضوا للقهر والإستعباد في خلافته، أما الخليفة الثالث فكان واضحا من البداية في التمييز وعدم العدل خاصة في العطاء فكان أن قتله أقاربه وصحابته الذين هم صحابة النبي قتلا أقرب إلى المثلة، فكسروا أضلاعه بعد موته عندما نزوا عليه بأقدامهم، ورفض المسلمون دفنه في مقابرهم فدفن في حش كوكب مدفن اليهود.
* في دولة الراشدين كان الحكم يقوم كما قال أبو بكر على الكتاب والسُنة، رغم أن الكتاب كان مفرقا بين الصحابة في الأكتاف والعظم والعسيب ولم يتم جمعه بعد في مصحف واحد، ورغم أن الحديث لم يكن بدوره حتى مسموحا بتدوينه، وكانت نصوصه غير معلومة لجميع أفراد الأمة وكذلك القرآن، فكيف كان يتم حكم تلك الدولة بالكتاب والسنة وهما غير مدونين وغير معلومين من الأمة محل تطبيق هذه القوانين؟ ناهيك عن واضعي الأحاديث المحترفين وأصحاب الفتاوى وكلها كانت تصب لصالح حلف الفقيه والسلطان. والملحوظ أن المواطن لم يطالب بحقوقه من حرية ومساواة وعدل وأمن بقانون وآليات لتنفيذه وحمايته، ولم تسع الدولة من جانبها لتوضيح تلك الحقوق له كما فعل الرومان. لأن المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم أمر لا تعرفه الشريعة الإسلامية، إنما تعرف المراتب والمنازل حفظا لقيم المجتمع، ففيها السيد العربي وفيها المسلم المولي، ولا يجوز شرعا المساواة بينهما، وفيها السيد المسلم وفيها الذمي، ولا يجوز شرعا المساواة بينهما، وفيها السيد الرجل وتابعته محل متعته المرأة، ولا يجوز شرعا المساواة بينهما، وفيها السيد والعبد والسيد والأمة ولا يجوز شرعا المساواة بينهما، ولكل من أطراف هذه المعادلة حقوق غير الآخر وواجبات غير الآخر، بل أن السيد دوما كان هو صاحب الحقوق وغيره لا حقوق له. إن دولة الشريعة لا تساوي أبدا بين المواطنين ومن يقول بغير ذلك فقد أنكر معلوما من الدين بالضرورة ... ها قد جاء الزمان وتقلبت بالإخوان انتهازيتهم لنقول لهم ما كانوا يقولونه لنا. بل أن المسلم العادي الحر في دولة الشريعة ليس له أيه حقوق إزاء السادة، هي دولة من له كل الحقوق وليس عليه أي واجبات، ومن عليه كل الواجبات وليس له أي حقوق، لأنها دولة جباية ريعية، وهذا هو طبعها التاريخي في كل دول العالم القديم.
* كانت دولة المدينة اتحادا فيدرالي للقبائل حرفتها جميعا الكر والفر ومهاجمة القوافل والدول الغنية المجاورة بالفتوحات. ولغياب آليات الدولة لإدارة هذه الرقعة الشاسعة تفككت الدولة وانتهت بمقتل جميع من حكمها. وكذلك من المعلوم أن نظام العبودية قد لازم الدولة العربية الاسلامية منذ ظهورها، فقوانين الجهاد الاسلامية نشطت عمليات الاستعباد، وأمدت أسواق الرقيق بالبضاعة طوال الوقت بتحويل أبناء الشعوب الحرة المفتوحة الي سلع بعد أن أباحت لهم قواعد الجهاد الشرعية استباحة شعوب بكاملها والاستيلاء علي الارض بمن عليها ملكا للعرب وورثتهم وقفا عليهم وعلي نسلهم من بعدهم حسبما انتهي اليه الخليفة عمر بن الخطاب بدلا من توزيع الاراضي بما عليها من بشر علي الفاتحين وتمزيقها فوقفها
(يُتْبَعُ)
(/)
بمن عليها لصالح عرب الحجاز.
حاشية ثالثة: لفت أحد الأصدقاء انتباهى إلى مقال كتبه أسامة غريب فى "المصرى اليوم" بتاريخ 6/ 8/ 2009م بعنوان "الدكتور سيد القمنى والدكتور عصام شمورت"، فقرأته فلم أتمالك نفسى من عقد العزيمة على نشره هنا حتى يضحك القراء كما ضحكت فى هذه الأيام الغبراء التى أصبح الضحك فيها أندر من الكبريت الأحمر. وهذا هو المقال: "أثارت جائزة الدولة التقديرية التى منحتها وزارة الثقافة للأستاذ سيد القمنى لغطا كثيرا بين أوساط المثقفين وغيرهم فى المجتمع المصرى. فمن قائل إن القمنى هو إله التنوير عند المصريين الجالسين فى قهوة البستان وبين قائل إنه يستحق الرجم فى مِنًى والمزدلفة.
والحقيقة أن سيد القمنى هو حالة بذاتها تستحق التفكير والتأمل. والحقيقة أيضا أننى لست ذلك الشخص الذى يفكر فى سيد القمنى أو يتأمل فى سيرته، لكن هناك شخصا آخر هو الذى لا يكف عن تدوير أسطوانة القمنى كلما قابلته. ذلك الشخص هو طيب الذكر الدكتور عصام شمورت بياع البرشام وصاحب كشك السجاير المجاور لقهوة كوكو بالهضبة الوسطى.
ولعصام شمورت دقات جدعنة حفرت اسمه وسط مشجعى أبو صليبة (اسم صنف من المخدرات) بحروف من نور، منها أنه أول تاجر برشام (مخدر) يطهّر ماله ويزكيه بإذابة عشرين قرصا كل طلعة شمس فى الزير الذى يضعه سبيلا بجوار الكشك ويتركه للعابرين يروون ظمأهم منه، الأمر الذى جعل شعبيته ترتفع فى أوساط السواقين الذين كسروا الزير أكثر من مرة أثناء تدافعهم للشرب منه.
ولا يستغربن أحد من أن يسبق اسم شمورت اللومانجى لقب دكتور، ذلك أنه حاز اللقب عن استحقاق ومن حر ماله ولم يتكرم به أحد عليه. ولئن كان سيد القمنى قد حصل على الدكتوراه بمائتى دولار من جامعة كاليفورنيا الجنوبية، فإن الدكتور عصام شمورت قد حصل عليها من جامعة جنوب مقديشيو مقابل حلة محشى كاملة حصل عليها القراصنة الصوماليون الذين منحوه الدكتوراه!
والحكاية أن شمورت كان ذات يوم على مركب تهريب يتسلم شحنة مخدرات من المياه الدولية عندما اعترضهم زورق مسلح عليه جنود صوماليون قاموا بسحب المركب وأخذوهم رهائن. والثابت أن شمورت ورفاقه لم ينتظروا أن يتدخل الدكتور نظيف ويفاوض الخاطفين أو أن يتدخل أهل الخير ويجمعوا مبلغ الفدية بعد صلاة الجمعة، وإنما قاموا بافتداء أنفسهم بحمولة الكيف التى تخلَّوْا عنها كاملة للقراصنة مقابل حريتهم، وعند الرحيل ترك عصام لهم حلة المحشى التى طبختها له أخته عواطف شمورت وزودته بها قبل السفر.
وإزاء حركة الكرم هذه لم يجد زعيم القراصنة سوى أن يكافئه بمنحه الدكتوراه من جامعة جنوب مقديشيو التى يَشْرُف شخصيا بعمادتها. ومن يومها وعصام شمورت يعلق الشهادة فى الصالون. لكن الذى كهرب دماغ الدكتور شمورت وجعل نافوخه يشتعل هو أنه سمع أن صاحب دكتوراه مثل التى معه قد فاز بأرفع جائزة مصرية فى العلوم الاجتماعية، ومعها مائتا ألف ذهوب صاحى.
كذلك عرف أن الجهة التى رشحته للجائزة هى كوفى شوب فى وسط البلد يقدم أحلى سحلب بالبندق، وهو ما أثار أطماع شمورت فى أن تقوم قهوة كوكو بترشيحه فى العام القادم للحصول على جائزة مماثلة، خاصة وقد أخبروه بأن السادة الذين يمنحون أصواتهم للمرشحين أغلبهم موظفون إداريون، وبعضهم لم يقرأ كتابا فى حياته. وحتى المثقفين منهم لا يطلعون على الإنتاج العلمى للمرشح. والأهم أن أفقهم رحب للغاية، ولذلك لا يعنيهم إذا كان حاصلا على شهادة مضروبة من عدمه، ولا يَرَوْن فى شراء الشهادات المزورة ما يجرح نزاهة المرشح!
كل هذا كوم، والفرحة الأكبر التى عاشها شمورت عندما عرف أن الرجل قد فاز بالجائزة لأنه تطاول على دين المسلمين وتهكم على رسولهم، كذلك تطاول على دين المسيحيين ووصف السيدة العذراء البتول بأوصاف مشينة! كانت فرحة شمورت طبيعية لأن سب الدين كان جزءا أساسيا من مفرداته فى التعبير والإقناع وتبادل الحوار ووجهات النظر مع أخته السيدة عواطف شمورت وزوجها قدّورة.
هذا، وقد أعرب عصام عن ضيقه من السادة الذين هاجموا الرجل ويريدون سحب الجائزة منه، ولم يكتفوا بذلك وإنما حصلوا على فتوى من دار الإفتاء تدين الرجل وتستنكر حصوله على الجائزة. وأدرك، بفطرته الملوثة، أنهم بالضرورة من أنصار الظلام أعداء الإضاءة والكهارب والزينات، ولكن أعجبه موقف بعض المفكرين الأقباط الذين يحبون القمنى ويحتفون به وبآرائه العلمية عن وحشية الإسلام وبربرية أصحابه.
أعجبه موقفهم عندما ووجهوا بأن القمنى كتب عن السيدة العذراء مريم الطاهرة البتول أنها منذورة للعهر المقدس، وأسعده أنهم ترفعوا عن الغوغائية واتخذوا موقفا استناريا كلوباتيا يحفظ للدولة المدنية كيانها وقالوا: لا نستطيع التعليق على هذا الكلام لأننا لم نقرأه!
ورفض عصام شمورت الكلام الفارغ القائل إنهم كانوا سيغفرون ليوسف زيدان رواية "عزازيل" التى أغضبتهم لو أنه كتب إلى جانبها بضعة أشياء لطيفة عن تزوير الإسلام ووحشية نبى الإسلام كما فعل القمنى.
والآن هل هناك من يساند الدكتور عصام شمورت فى سعيه المشروع لنيل جائزة الدولة التقديرية للعام القادم؟ وهل إذا تخلت عنه قهوة كوكو نتيجة حزازيات قديمة ولم تقم بترشيحه، هل يستطيع الاعتماد على كيانات ثقافية أخرى فى وسط البلد مثل قهوة ريش والجريون والنادى اليونانى وأستوريل وأفتر إيت؟ ".
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[15 Aug 2009, 01:05 ص]ـ
وظاهرة أخذ أفكار الآخرين سرقةً أو عن طريق التراضى بين الآخذ والمأخوذ منه، بل أحيانا بأمر المأخوذ منه للآخذ أن يأخذ ما يكتبه وينشره باسمه، هى ظاهرة معروفة. وخليل عبد الكريم قد أخذ كتاب أبى موسى الحريرى: "قَسّ ونبىّ" ولفق منه كتابه هو: "فترة التكوين" حسبما وضحت بالأدلة القاطعة التى لا تقبل نقضا ولا إبراما فى كتابى: "لكن محمدا لا بواكى له". وأضيف هنا شيئا جديدا وعلى درجة هائلة من الأهمية والخطورة، إذ كان الجميع يظن أن أبا موسى الحريرى هو ابن بجدتها فى القول بأن الإسلام هو دعوة نصرانية إبيونية، على أساس أنه يقول بما يقول به الإبيونيون، ألا وهو أن عيسى مجرد نبى لا إلهٌ ولا ابنٌ للإله. لكن اتضح أن هذه الفكرة قد سبقه بها حنا زكرياس (وهو الراهب الفرنسى جبرييل تيرى: Gabriel Théry) صاحب مشروع الملفات المذهبية والأدبية للقرون الوسطى ومؤسس معهد سانت سابين فى روما ... إلخ والمتوفى عام 1959م، فقد توصل بعد ثلاثين عاما من الدراسة الدقيقة، كما قيل، إلى الزعم بأن محمدا ليس هو مؤلف القرآن، بل مؤلفه راهب نصرانى- يهودى من طائفة الإبيونيين، تلك الطائفة التى تعتمد على عدد من الأناجيل غير المعترف بها، مثل إنجيل توماس وإنجيل الطفولة وإنجيل متى المزيف، والتى تعتقد أن عيسى ليس إلا نبيا ليس فيه من الألوهية شىء. وهذه الفكرة موجودة فى كتاب له عنوانه: " De Moïse A Mohammed; L'Islam, Entreprise Juive". ومن قبله قال أدولف فون هارناك الألمانى فى بحث الليسانس الذى قدمه عام 1874م إن "الدين المحمدى" ليس دينا جديدا بل مأخوذا من العرفانية النصرانية- اليهودية. وإلى القارئ النص الذى يقول هذا الكلام، وهو جزء من مقال منشور فى موقع " L'Église Baptiste Évangélique de Rosemont" بعنوان " Le Coran". وهذا رابطه:: ( http://eglisederosemont.ca/plan_site/index.html)
"Dans sa thèse de licence, en 1874, Adolph von Harnack, après un travail systématique, en vint à conclure que "le mahométisme n'est qu'une lointaine dérivation de la gnose judéo-chrétienne, et non une religion nouvelle". Les récents travaux de Hanna Zakarias (décédé en 1959), fin critique, fondateur des Archives doctrinales et littéraires du Moyen Age, fondateur de l'Institut Sainte-Sabine à Rome, membre de la section historique de la Sacrée Congrégation des Rites, à la suite de trente années de travail minutieux, nous révèle que MAHMET (Mohamed) ne peut être l'auteur du Livre sacré de l'lslam : L'auteur est un religieux, moine judéo-chrétien, appartenant à une communauté ébionite.
Saint IRÉNÉE nous avait déjà expliqué au 2ème siècle que les juifs ébionites niaient la Divinité de JÉSUS, reprochant aux chrétiens de la gentilité (Rome) leur abandon de la Loi (Torah) de Moïse. Ce rabbin ébionite se réfère, fréquemment, dans les sourates (de l'hébreu " SIRAH " : ensemble de versets bibliques) au livre sacré de l'Islam (appelé plus tard le coran), et à l'Ancien Testament duquel il s'inspire tout le temps, ainsi qu'aux littératures rabbiniques et gnostiques, mais il cite peu le Nouveau Testament. Le CHRIST, dans la vision ébionite, n'est guère plus qu'un successeur de Moïse. Il croit à JÉSUS, comme prophète et messie, mais non pas en sa Divinité.
Comme tout scribe ébionite, il puise ses proclamations dans "les ouvrages ... apocryphes" rejetés par les apôtres et leurs successeurs ("apo" signifie "de côté" et "crypto" signifie "pour les cacher" : ce sont des livres mis à l'index). Ce sont des pseudépigraphes, ouvrages non signés, et mis sous le compte d'un personnage célèbre pour lui donner du poids, du prestige, selon une méthode efficacement utilisée par les néoplatoniciens gnostiques.
Il s'agit de : l'Évangile de l'Enfance (écrit en syriaque), le Protévangile de Jacques le mineur, l'Évangile du pseudo Matthieu (rédigé d'abord en hébreu), l'Évangile de Thomas, L'Apocryphe du Livre des Jubilés (dont le rabbin tire l'histoire de Satan, le lapidé et les remontrances d'Abraham à son père : cf. Siderski : Légendes musulmanes du coran). Environ 25 % des sourates du livre coranique sont des recopiages littéraux des textes de ces livres. Leur but ? Ruiner la foi dans la Divinité de JÉSUS. Le CHRIST y est rattaché directement à Moïse. Malgré les 1500 ans qui les séparent, le coran en fait un neveu de Moïse, la Vierge MARIE (appelé MYRIAM dans le coran) étant soeur d'Aaron et de Moïse!!!" .
كما أمدت خليل عبد الكريم بعض الجهات أيضا بمضمون كتابَىِ كلير تسدال ( C. Tisdall) وجون بلير ( J. C. Blair) المسمى كل منهما بـ" The Sources of Islam: مصادر الإسلام" كى يصنع كتابه: "جذور الشريعة الإسلامية". وبالمناسبة فثم صفحات لصمويل زويمر المبشر الأمريكى المعروف حول الموضوع ذاته يجدها القارئ فى كتابه: " Arabia- The Cradle of Islam". كذلك تناول إدوار مونتيه المستشرق السويسرى هذه المسألة فى مقدمة ترجمته الفرنسية للقرآن المجيد التى صدرت فى أواخر العقد الثالث من القرن المنصرم. ولمن يود من القراء الاطلاع على تلك المقدمة أن يعود إلى الفصل الثانى من الباب الثانى من كتابى: "المستشرقون والقرآن"، ففيه ترجمة لها. كذلك لابن وراق كتاب فى نفس الموضوع ويتغيا نفس الغاية عنوانه: " The Origins of Islam: أصول الإسلام"، وإن كان قد ظهر لاحقا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[16 Aug 2009, 12:36 ص]ـ
الشيخ ابراهيم عوض اسأل الله الذي لا إله إلا هو
ان يرزقك درجة المجاهد في سبيله وان يرزقك الشهادة ولو مت على فراشك
ـ[عبد العزيز المصري]ــــــــ[19 Aug 2009, 12:50 ص]ـ
أستاذنا الفاضل الدكتور إبراهيم عوض
نطمع في الحصول على هذا البحث الهام في صيغة وورد .. نطمع في كرمك ..
ونرجو ذلك أيضا في أبحاثك السابقة.
ـ[عبد العزيز المصري]ــــــــ[21 Aug 2009, 03:48 م]ـ
الشكر الجزيل للدكتور إبراهيم عوض على أفضاله.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[21 Aug 2009, 04:23 م]ـ
ما شاء الله، تبارك الله وفقك الله د. إبراهيم وجعل ذلك في ميزان حسناتك ومواطئ درجاتك ... مقال قيم يعرف صاحبه من أين تؤكل الكتف .. !
ـ[هشام محمد جبر]ــــــــ[22 Aug 2009, 12:02 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد فقد كنت من السباقين في نقد هذا الرجل _ ومن على المنبر _ فور خروجي من المستشفى بعد أن حجزت فيها أسبوعا، من مسجد الكوثر الكائن بشارع عبد العزيز فهمي منطقة بولكلي بالإسكندرية وكان ذلك في الجمعة الثانية من شعبان 1430 هـ
وتناولت معظم هذه الافتراءات بالنقد والتحليل، وبينت للناس أن هذا لم يكتب شيئا ولا يعرف أي شيء؛ هو مدرس ثانوي _ في أغلب الظن تلقفته أيدي المستشرقين _ كما تلقفوا الطالب الأزهري الفاشل _ فشل في الحصول على الثانوية الأزهرية _ وأعطوه ورقا فيه افتراءات على أبي هريرة وأموالا طائلة لينشر الكتاب، وها هي الأيام تدور ويتلقفوا دعيا آخر _ القمني _ الجاهل الذي لا يعرف أي شيء _ إنما هو كلام المستشرقين أظنهم ألمان وألبسوه عباءة الأحمق القمني.
المشكلة في الهيئة المانحة .. كيف منحت؟!
فتوى دار الإفتاء المصرية ألزمتهم برد الأموال من أموالهم الخاصة، وها هي الفتوى
ـ[هشام محمد جبر]ــــــــ[22 Aug 2009, 12:07 م]ـ
فتوى دار الإفتاء المصرية بتجريم المجرم القمني الكذاب الدعي ... ملحوظة لا أستطيع طبعها، حبذا لو دلنا أحد الإخوة على كيفية الطباعة من الموقع، وهي بعنوان: حكم تكريم من طعن في الإسلام والنبوة والوحي
http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=806
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[22 Jul 2010, 03:11 ص]ـ
لم أقرأ إلا الآن فقط ما كتبه بعض الزملاء الكرام من المطالبة بنسخة وورد من دراساتى هنا فى هذا المنتدى. والأمر أسهل شىء يتصور، إذ يكفى أن يظللوا الدراسة كلها بالفارة وينسخوها ويلصقوها فى ملف وورد فيكون عندهم نسخة وورد منها. ولهم خالص تحياتى ومودتى.
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[22 Jul 2010, 06:45 ص]ـ
شكر الله لكم يا دكتور إبراهيم هذا الجهد. والمقال قد أرفقته في ملف وورد لمن أراده.
ـ[عطاء الله الأزهري]ــــــــ[01 Aug 2010, 10:30 ص]ـ
المشكلة في الهيئة المانحة .. كيف منحت؟!
الهيئة المانحة أكثر إجراما منه فالطيور على أشكالها تقع
الحمد لله الذي حفظ علينا ديننا.(/)
هذه بضاعتهم
ـ[عمر الخير]ــــــــ[13 Aug 2009, 10:45 ص]ـ
الثدي في الكتاب المقدس
المتأمل للكتاب المقدس "التوراة والإنجيل المحرفين" يجد أن لفظة الثدي قد ذكرت فيه ما يقرب من عشرين مرة {20} كلهن للنساء وذكر مرة واحدة للرجال وهذه للأمانة العلمية – ونحن إذ نعرض هذا البحث بالتدقيق العلمي فإننا نقول لهؤلاء الذين يهاجمون القرآن الكريم بكل السبل مستغلين حالة الجهل بين العوام المثل الشائع " إن الذي بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة " وها نحن نرد عليهم بعضا من حربهم ضد كتاب الله ونقول لهم هذه بضاعتكم.
أولا: {رؤيا يوحنا الاصحاح الأول 14 - 12}
" فالتفت لأنظر الصوت الذي تكلم معي ولما التفت رأيت سبع منابر من ذهب وفي وسط السبع المنابر شبه ابن انسان متسر بلا بثوب إلى الرجلين ومتمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب
تعليق
1 - رؤيا يوحنا " هذه الرؤية عبارة عن فلم سينمائي إذ استغرقت خمس وعشرين صفحة في العهد الجديد "
2 - ما معنى ابن إنسان
3 - لاحظ إنه متمنطق أي إنه يلبس حزام عند ثدييه
ثانيا: لوقا الإصحاح 23 - 26
" ولما مضوا به أمسكوا سمعان رجلا قيروانيا كان آتيا من الحقل ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع. وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كن يلطمن أيضا وينحن عليه فالتفت إليهن يسوع وقال. يا بنات أورشليم لا تبكين علي بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن. لأنه هوذا أيام تأتي يقولون فيها للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع "
التعليق على النص:
أ- سمعان هذا رجل جاء ليشاهد الرب يسوع وهم يحملون عليه الصليب فما كان من الحرس إلا أنهم أمسكوا به وقالوا أحمل أنت عنه الصليب ثم سار أمامه "الرب يسوع" كما يقولون.
ب- الرب يسوع هو الذي ذهب بإرادته لكي يصلب حتى يطهر المسيحيين من الذنوب بل كل أهل الأرض فلماذا تلطم النساء وينحن عليه ولماذا لم يضع فيهن الطمأنينة والأمان وهو ألآله الرحيم كما يزعمون. تعالى الله عما يقولون.
ج- يدعو الرب يسوع إلى عدم الزواج وعدم الخلفة وعدم الرضاع لأن ما سيأتي بعده كله شر وبالتالي فهي دعوة لقطع نسل البشرية.
د- وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء ألبست النساء من الشعب فلماذا عطف النساء على الشعب.
ثالثا: لوقا {الإصحاح 11 - 27}
" وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما. أما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه "
التعليق:
- هذه امرأة فرحانة بيسوع فجأت واثنت ومدحت حمل مريم وثدييها ولكن المسيح ينفي المكرمة عن أمه ويصر على كلامه في النص السابق ويقول " بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه ".
- في قول يسوع " بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه " نسأل هل هناك نصراني يحفظ الإنجيل والتوراة ".
رابعا: يؤيل {الإصحاح 2 - 16}
" اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها "
التعليق:
هل هناك اعتكاف عند النصارى {قد يقولون إنه عمل الرهبان}
خامسا: هوشع {الأصحاح 9 - 14}
"اعطهم يا رب ماذا تعطي. اعطهم رحما مسقطا وثديين يبسين"
سادسا: هوشع {الأصحاح 2 - 2}
"حاكموا أمكم حاكموا لأنها ليست امرأتي وأنا لست رجلها لكي تعزل زناها عن وجهها وفسقها من بين ثدييها. لئلا أجردها عريانة وأوقفها كيوم ولادتها واجعلها تقفز وأصيرها كأرض يابسة وأميتها بالعطش
ولا أرحم أولادها لأنهم أولاد زنى "
التعليق:
من الواضح أن هوشع له نظرة سلبية ضد الثدي، فهناك جريمة شنعاء حصلت فلقد زنت الزوجة فقام بتطليقها وقال لأولاده حاكموا أمكم لإنها ليست امرأتي وأنتم لستم أولادي فأنت أولاد زنى.
سابعا: {حزقيال 23 - 24}
" وكان إلي كلام الرب قائلا. يا ابن آدم كان امرأتان ابنتا أم واحدة وزنتا بمصر. في صباهما زنتا. هناك دغدغت ثديهما وهناك تزغزغت ثرائب عذرتهما "
ثامنا: حزقيال {الاصحاح 16 - 7}
" جعلتك ربوة كبنات الحقل فربوت وكبرت وبلغت زينة الأزيان. نهدثدياك ونبت شعرك وقد كنت عريانة وعارية. فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب "
التعليق:
انظر هل هذه هي الفضيلة التي تدرس في الكنائس.
تاسعا: الأمثال {الإصحاح الخامس-17}
" لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك. ليكن ينبوعك مباركا وافرح بامرأة شبابك. الظبية المحبوبة والوعلة الزهية. ليرويك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائما "
عاشرا: نشيد الأنشاء {الاصحاح الأول –13}
يقال على لسان سيدنا سليمان كما يزعمون تعالى الله عما يقولون
" ما دام الملك في مجلسه أفاح نارديني "نوع من العطور" رائحته. صر المر حبيبي لي. بين ثديي يبيت. طاقة فاغية حبيبي لي في كروم عين جدي "
أحد عشر: نشيد الأنشاد {الاصحاح السابع-7}
أرجو أن تترقبوا المفاجأة وهي بنصها منقولة من نشيد الأنشاد.
"ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياك بالعناقيد. قلت إلي أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها. وتكون ثدياك كعناقيد الكرم ورائحة أنفك كالتفاح وحنكك كأجود الخمر ... لحبيبي السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين.
التعليق:
1 - أنعم وأكرم الكتاب المقدس يغذيكم باللذة
2 - قد يقولون أن هذه يقولوها المؤمن للكنيسة
- ورائحة أنفك كالتفاح ولا أجمل من شعر نزار قباني
-وقد محيت هذه العبارة من النسخة اليسوعية ووضعتا مكانها هاتان العلامتان {--} معناها أن هناك نص محذوف أين ذهب أبحث مع الشرطة؟ من يجده يتصل بنا وانظر إليه في النسخة اليسيوعية
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم المصري]ــــــــ[14 Aug 2009, 09:54 ص]ـ
السلام عليكم
انظر- تكرما ولطفا- إلى سفر نشيد الإنشاد على هذا الرابط
http://st-takla.org/pub_oldtest/22_song.html
وأيضا http://www.elkalima.com/gna/ot/song_of_songs/chapter1.htm
وبالأخص من الإصحاح السابع
واحمد الله تعالى على الطهر والعفاف
والسلام عليكم(/)
من فضائح زكريا بطرس
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[17 Aug 2009, 04:13 ص]ـ
في رسالة موجهة إلى الأنبا بيشوي .. الأنبا دانيل: زكريا بطرس استضاف "فتاة ليل" بالكنيسة قام بتشغيلها في الدعارة للحصول على المال
كتب فتحي مجدي (المصريون):: بتاريخ 17 - 8 - 2009
استغاث الأنبا دانيل أسقف سيدني بأستراليا بالأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس من ممارسات القس زكريا بطرس، وذلك في رسالة طالب فيها بترحيله إلى خارج أستراليا، بعد أن كشف عن تورطه في سلسلة فضائح لا تليق برجل كهنوت، أثارت حالة من الضيق الشديد لدى الأقباط "الذين تحملوا منه ما لا يطاق".
وفي رسالته التي حصلت "المصريون" على نسخة منها، أورد الأنبا دانيل العديد من الفضائح المشينة قال أنه تورط فيها القس بطرس الذي اشتهر بسب الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم، داعيًا إلى اتخاذ قرار بـ "إزاحته" من أستراليا، بعد أن ألحقت ممارساته العار بالأقباط المصريين في أستراليا، وجعلتهم يشعرون بالخزي تجاه ممارساته اللاأخلاقية وتصرفات أولاده المقيمين هناك.
ومن ذلك، تلقي الأنبا دانيل شكوى في 10/ 5/1999 من فاتن عدلي خيري من شعب كنيسة القديس الأنبا إبرام بـ "برايتون" تشكو فيها من اعتداء القمص زكريا بطرس على ابنها جورج يوسف اسكندر "بأن وضع يديه بطريقه غير لائقة على أعضاء الطفل الحساسة والضغط عليها".
وقال إن والدة الطفل هددت آنذاك بالتقدم ببلاغ ضده إلى الشرطة الأسترالية، إلا أنه قام بتهدئتها، حتى لا يتسبب الأمر في فضيحة للكنيسة المصرية تتناقلها الصحف ووسائل الإعلام الأسترالية، مُذكّرًا الأنبا بيشوي بأنه سبق أن كشف عن تلك الواقعة له في رسالة سابقة بتاريخ 14/ 5/1999.
وفي فضيحة ثانية ترجع إلى فبراير 2001م، يتهم الأنبا دانيل، زكريا بطرس بالدياثة، حينما قام باستضافة فتاة ليل داخل غرفة الملحقة بكنيسة القديس الأنبا إبرام، مدعيًا أنها فتاة مسلمة من إندونيسيا ليس لها مأوى بعد أن قام أهلها بطردها بسبب رغبتها في اعتناق المسيحية، وأن الكنيسة ستقوم بضيافتها إلى حين تدبير مسكن خاص لها.
وكانت المفاجأة، عندما اُكتشف أن تلك الفتاة ليست مسلمة ولا تحمل الجنسية الإندونيسية كما ادعى، بل هي فلبينية تعمل بالبغاء، تقوم باصطحاب عشاقها إلى المسكن داخل الكنيسة بعلم القمص زكريا بطرس، وكان يأخذ مقابل منها، نظير ما تفعله غير مبال بحرمه بيت الله ولا أي شيء، كما جاء في رسالة أسقف سيدني.
الفضائح المشينة لا تقتصر على القس المشلوح- المقيم في أستراليا منذ عام 1992 - كما تكشف الرسالة، بل أن أولاده كان لهم نصيب منها، فابنته وتدعى جوليت أقامت ناديًا للعري بأستراليا، بينما أصبح ابنه بنيامين ملاحقًا من قبل الشرطة الأسترالية بسبب تورطه في تجارة المواد المخدرة، فيما يقوم ابنه بيتر بالدعوة إلى معتقدات غير أرثوذكسية.
وفي ختام رسالته، ذكّر الأنبا دانيل، الأنبا بيشوي بأنه سبق وأن أخبره بالعديد من المشاكل الأخرى المتورط فيها القس المشلوح، وطلب منه والأنبا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس التصرف واتخاذ القرار حيال تصرفاته المسيئة للأقباط والكنيسة الأرثوذكسية، وختم قائلاً: "أنا لا أرغب في وجوده ولا حتى أي من شعب كنيسته".
وتبرأت الكنيسة مرارًا من زكريا بطرس ونأت بنفسها عن إساءاته المتكررة إلى الإسلام، علمًا بأنه سبق أن تعرض لعقوبة من الكنيسة المصرية في عهد البابا كيرلس، كما تعرض للتوقيف مرة ثانية لمدة ثماني سنوات ونصف خلال الفترة ما بين عامي 1978 و1987 بعد خضوعه لمحاكمة كنسية لم يكشف عن تفاصيلها، ويتردد أن سبب ذلك هو وردود معلومات فيها تمس عائلات كنسية.
يذكر أن هناك ملفا صوتيا تتداوله العديد من الموقع على شبكة الإنترنت منسوبًا إلى الأنبا بيشوي يتحدث فيه عن زكريا بطرس، قائلا عنه، إنه "طول عمره صاحب مشاكل واتوقف سنة في عهد البابا كيرلس وتسع سنين في عهد البابا شنودة، واتنقل كذا مرة من كنايس لكنايس لكنايس وآخرها اتوقف لإنو ضرب واحد بالشلوت جابله عاهة مستديمة، في برايتون في إنجلترا".
ويقول تعليق مصاحب لهذا الملف الصوتي منسوب إلى أحد الأقباط المقيمين ببريطانيا، إن هذه الواقعة حدثت عندما انفعل زكريا بطرس بشدة على أحد الأقباط، بعد رفضه الرضوخ لطلبه بمواقعته جنسيًا داخل مكتبه بالكنيسة، بعد انتهائه من العظة التي كان يلقيها، فما كان منه إلا أن قام بركل ضحيته- الذي أصيب بحالة من الذهول الشديد- بكل قوته أسفل بطنه متسببًا في إصابته بعاهة مستديمة.
ـ[ Amara] ــــــــ[18 Aug 2009, 10:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب
المسلمون دعاة إلى الله ..
يبحثون عن الحق .. و لا يبحثون عن فضائح الناس ..
إن كنت تريد بذلك إهانة الرجل و استصغاره فهو أصغر من أن يستصغر شأنه ..
و إن كنت تريد دفاعا عن النبي محمد صلى الله عليه و سلم فيكفيه أنه محمد و أحمد و محمود ..
فإن كان هو يجيد الكذب فلنجد نحن المسلمون لغة الصدق ..
و إن كان يعتمد التمويه فلنعتمد نحن طريق الحق ..
و لكم الرأي السديد
يغفر الله لي و لكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 07:37 م]ـ
بارك الله فيك دكتور ابراهيم عوض/
تعريف كل مسلم بحقيقة هذا القمص فيه من الفوائد الكثير
ويكفي ان هدمه يجعل المستمعين له يزهدون في سماعه وينفرون منه
فمن يثق في شخص بمثل هذه الاخلاق؟
رعاكم الله عز وجل
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 07:49 م]ـ
رابط التسجيل
http://www.barsoomyat.com/Files/Audios/zakaria-wc.zip
تفريع التسجيل
سؤال:_ لدى اطفال لا يحلوا لهم الجلوس على الارجل واللعب وعمل هيصه إلا عندما أضع أمامي الكتاب المقدس لكي أقرأ لذلك أصبحت أقرا الكتاب المقدس وأعمل خلوتى فى الحمام فهو المكان الوحيد الذى اتمكن فيه من القراءة بهدوء ولكن أحيانا أحس اننى اقلل من قيمة اللؤلؤة التى بين يدى وأنا فى الحمام نرجوا الافادة؟ فى مرة جوبت على سؤال بالشكل ده وسمعوه جماعه أخونا الاحباء بتوع لندن من الكروكدشن بس ماشى ويانا فى الخط يعنى وخدوها نكته كل ام يقابلو الشخص يقلولو انته بقى من ال بيتصلى فى الحمام وهات يا ضحك وعملوها نكته وفكاهه واستمرت سنين يعنى قال احنا هرطقنا وقولنا الناس ايه ممكن انها تصلى فى الحمام اد خدو بقى خد يا خويا ادى الناس بتوع الحمام الوسخين يقولك تصلى قال فى الحمام وتقرأ الانجيل فى الحمام شوف الوساخه واعتبروها نكته. ده فكرنى بالظبط لما كنا فى المعتقل سنة 81 و82 وكنا فى الزنازين وكان عندنا ناس سجانا يعنى السجان يعنى ايه الحارس فكان منهم راجل نكته اسمه عبد الغنى منساش يعنى عم عبد الغنى فا فى مرة من المرات كان عندنا كانوا بيطلعونا من الزنزانه بالدور يعنى كده كل حين ومين علشان خاطر نروح الحمام والحمام عبارة عن زنزانتين جمب بعض شيلين الحيطه الى فى نص وعاملينها كتف صغيره كده زى بتاع التوليتات العامه كتف صغنتوت كده بين الاتنين والاتنين يخشوا يستحموا سوا مع بعض وشرط الحما الاتنين ده الواحد مايخدش أكتر من خمس دقايق يستحمه ويسميه كده الراجل عم عبد الغنى ده هو بيدخل واحد يقول تخش تستحمه نقط غزال نقط غزال نقط غزال يعنى ايه؟؟ يعنى الغزال وهو بيجرى رجليه ماتلحقش الارض يعنى بيطير كده فانته بتستحمه طيران يعنى نقط غزال فاتت على الحاجات دى كام سنه 18 سنه والواحد لسه فاكرها طيب وبعدين كان ويانا كاهان الله ينح نفسه دلوقتى انتقل بعد أم طلع من المعتقل فكان يخش يستحمه وعلشان يطول جوه يبتدى قداس هو صوت حلو قوى جميل كان صوته جميل روعه يعنى ويعد أول مايخش الحمام يبتدى بقى ايه يالله العظيم الابدى علشان خاطرايه مايسمعش عم عبد الغنى وهومن بره عمال يخبط ويقله نقط غزال وباله بسرعه وبتاع
فهو يعليلى الصوت قوى و صوته حلو فعم عبد الغنى يعنى ايه يتبسط من الصوت فيسيبه يعنى فاول ما يبتدى فى القداس عم عبد الغنى يصوت يصوت ويجرى بين الزنازين ويصوت الحقونا يا خلق هوو الحقونى الراجل بيصلى فى الحمام وهو عريان الى تعبه قوى ان ازاى بيكلم ربنا وهو عريان ازاى بيصلى فى الحمام وهو عريان فهى العمليه بالشكل ده برده يعنى بس انا عايز اسال سؤال هل يوجد مكان يخلو من وجود الله فى مكان فى الدنيا يخلو من وجود ربنا الله موجود فى كل مكان والا لو الحمامات مفيهاش ربنا أصبح ربنا محدود مبقاش غير محدود بقى غير محدود يعنى موجود فى كل حته لكن نقدر نقول ايه الكبنيهات دى مفهاش ربنا مين قال الله موجود فى كل مكان الله وجوده فى أى مكان يقدسه ولا يتاثر به سلبا لكن هو الى يقدسه مش كده واحد داخل الحمام ربنا موجود فى الحمام ولا مش موجود 100% موجود موجود فى الحمام بيعمل ايه فى الحمام.؟ بيقدسه بقى مكان مقدسه صح طاب ينفع بقى الواحد يصلى وياخد خلوته فى الحمام ولا ده ما يصحش اضربلك سؤال تانى هديلك تشبيه تانى ربنا فى قلوبنا ولا مش فى قلوبنا وفى أجسادنا ولا مش فى اجسادنا لان جسدكم هو هيكل الله أم تعملون انكم هيكل الله واجسادكم هيكل وروح الله سكان فيكم مش كده طيب ايه رايكم فى المصران الغليظ؟؟ فى الانسان مش ربنا موجود فى جسد الانسان المصران الغليظ ده محشى ايه؟؟ فضلات ولا مفهش فضلات الاكل مش فيه المادة الى بتروح الكبانيه يعنى بصراحة كده الواحد ماشى وشايل كبينه فى بطنه يعنى كبينه فى بطنه صح طيب وربنا موجود فى وسط الهلمه دى كلها أيوه طبعا لاما يبقى نصنا مفهش ربنا بقى الحته القذره دى مفهاش ربنا يبقى ده مش اسمه كلام الناس دى مخها ضيق لكن الكتاب محتاج لواحد برود مايندد واحد مستنير اسمها الاستنارة الروحيه الله موجود فى كل مكان ويقدس هذا المكان ولا يتلوث به اضربك تشبيه تانى تشبيه مش هنا مش من انجلترا لان ما أعتقدش ان فى اماكن بالشكل ده فى انجلترا لكن يمكن فى بلدنا فيه ساعات فى بلدنا فيه تلاقى ايه مجرور بتاع مجارى مكشوف حته بينزلوا بيرموا فيها المجارى صح علشان ينشفهوا وبعد كده يخدوها ايه السماد فحته مكشوفه الحته المكشوفه دى بتزل فيها اشعة الشمس ولا ما بتنزلش مش بتضربها اشعة الشمس طول النهارطاب أشعة الشمس بتتوسخ لما تخش هناك وبعدين انا لما بتوقع عليه شوية أشعه شمس؟ اقول لحس اتكون أتوسخت من المجرور ده لما أمسح اشعة الشمس دى اشعه الشمس تطهر المكان من الجراثيم من الوساخه تنشفه ولكنها لا تتاثر اذا كان دى الشمس العاديه امال شمس البر يبقى ايه؟؟ اى مكان اى مكان الانسان يلاقيه هادى وحلو وكويس يعد فيه .. طاب انا هقولك حاجه لما احنا كنا فى الزنازين كل زنزانه كان فيها كبنيه من غير باب يعنى كبنيه كده فى وسط الزنانه طيب يبقى ربنا مش فى الزنزانه دى ولا ايه علشان فيه كبينه ربنا يقولك لا مش دخلك دول انته عندك كبينه انا ما بحبش الكبينهات مقدرش اخش فيها ينفع؟؟ لا طبعا طبعا الاخت دى ولا الاخ ده انا مش عارف هو لازم اخت طبعا علشان خاطر العيال مايعملوش هيصه غير مع الام لكن مع الرجال يعنى يخاف شويه من ابوه اذا كان ابوه حمش المهم المكان السليم الى فيه هدوء والانسان يقعد ممكن قوى قوى اذا كان ده مكان مريح ماهو اسمه بيه الراحه طبا فا بيبقى مريح فيقدر ميفش دوشه فيقدر ياخد خلوته وثق ان ربنا هيكون وياه ويباركه الله لا يتاثر بالمكان الوحش ناخد سؤال تانى ...(/)
قصة الغرانيق وفك الارتباطات
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:03 ص]ـ
ملخص البحث:
يتناول هذا البحث قصة الغرانيق، وهي أكبر أكذوبة في الطعن في القرآن والنبوة، وتذهب هذه الأكذوبة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مدح الأصنام وعظّمها وأجرى الشيطان على لسانه ذلك، وخطورة هذه القصة القديمة المتجددة ليست في مضمونها فقد قيل في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ما هو مثلها وما هو أكبر منها من الأكاذيب المتهافتة؛ فرد الله قائليها على أعقابهم خائبين، وهذه القصة كثيرة الأبعاد متشابكة الجوانب؛ إذ رُبطت بآيات من سورة الحج والنجم والإسراء والزمر والقصص وطه ربطاً شديدا كما ربطت برجوع المهاجرين من الحبشة، وليس ذلك فحسب بل ذهب بعضهم إلى أنها كانت آيات منسوخة التلاوة. وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن الروايات التي تحمل قصة الغرانيق هذه روايات واهية ومرسلة لا أصل لها، وذهب ابن حجر إلى أن لها أصلاً؛ فكثرة الطرق – عنده - تقويها، ولكنها حسب رأيه تحتاج إلى تأويل مختلف، وقد ذهب الألباني - في الرد عليه - إلى أن قاعدة تقوية المراسيل بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وليست مضطردة. وهذا البحث يسعى للرد على هذه القصة ويحاول فك الارتباط بينها وبين الآيات والأحداث الثابتة التي رُبطت بها. وتنقسم آراء العلماء في هذه القصة على قسمين:
-قسم يرى أنه لا أصل لهذه القصة ولا دليل عليها؛ وبهذا الرأي قال أبو بكر بن العربي والقاضي عياض وفخر الدين الرازي والقرطبي والبدر العيني والألوسي والإمام محمد عبده والألباني.
- قسم يرى أن هذه القصة لها أصل، وقد وقعت بصورة أخرى غير التي جاءت بها الروايات؛ وبهذا الرأي يقول ابن حجر.
ورغم أن الباحث يميل ميلا شديدا للرأي الأول؛ إلا أنه يرى أن القصة لو وقعت فرضا؛ فهي متممة لما جاء في الروايات الصحيحة التي تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سجد في سورة النجم وسجد معه المشركون؛ حتى إذا خرج هولاء المشركون من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقعت بينهم وبين "شيطانهم" عبارة الغرانيق هذه لتبرير سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وهذه العبارة لا علاقة لها بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بمجلسه ولا بآية من آيات القرآن إطلاقا
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:04 ص]ـ
توطئة:-
ما من أكذوبة من الأكاذيب ولا أسطورة من الأساطير في الطعن في القرآن والنبوة – قد بلغت من الإحكام والإتقان ما بلغت أكذوبة الغرانيق هذه، إذ كانت أكذوبة ذات جوانب متعددة وأبعاد مختلفة؛ حيث استخدم فيها صانعوها بعض الأحاديث الصحيحة فزادوا فيها، وبعض الآيات القرآنية ففسروها بها، وبعض الأقوال الجاهلية فأخذوا منها ما يمكن أن يحقق غرضهم في ذلك، فلما استوت الفرية على سوقها وانتصب قوامها وقوي عودها جعلوا لها من الروايات المصنوعة ما يشيعها؛ فجاءت هذه الروايات ضعيفة هزيلة ومرسلة منقطعة، والرواية المرسلة يخفى حالها؛ لأن الساقط منها مجهول، فالتقط هذه الروايات من المفسرين والمؤرخين والقصّاص من لا يبالون بما أخذوا صحيحاً كان أو سقيماً ضعيفاً كان أو قوياً.
وممن التقط روايات هذه القصة الإمام ابن جرير الطبري، والطبري على سعة علمه وعلو مكانته كان لا يبالى في الأخذ بالروايات أيا كان حالها في كتبه؛ وكأنما أراد جمع العلم لا نقده وفحصه وتمحيصه؛ يقول: (فما يكون في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة؛ فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا)
وقد أخذ هذه الروايات بعض المؤرخين وكتاب السير والمغازي كابن سعد في الطبقات الكبرى وابن الأثير في الكامل والطبري في تاريخه، وقد رفض ابن كثير رفضاً صريحاً إيراد هذه القصة في سيرته
وقصة الغرانيق الشوهاء هذه قد كانت مثار لغط طويل عند الملحدين والمستشرقين وغيرهم. والغرانيق نوع من الطير، وهي الكلمة التي وردت في تلك العبارة التي قيل إن الشيطان تكلم بها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا سميت تلك العبارة عند المستشرقين وغيرهم بـ (الآيات الشيطانية) وقد سمى بها سلمان رشدي روايته التي أثارت المسلمون، ولم يعتن المستشرقون بشبهة من الشبه ولا بمطعن من المطاعن اعتناءهم بهذه الشبهة، إذ أن الهدف المركزي والغاية العليا عندهم هي إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم قد افترى هذا القرآن من تلقاء نفسه؛ فغيّره وبدّله حسب ما يشتهي وحسب ما يواجه من ظروف وملابسات.
وقد ذهب بركلمان إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعترف في أول رسالته بآلهة الكعبة الثلاثة ثم تراجع، وذهب مونتجمري وات إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رتّل تلك العبارات باعتبارها جزءاً من القرآن ثم أعلن أنها ليست جزءاً منه، وذهب هذا المذهب كثير من المستشرقين نحو الفريد هيوم ووليم مويير وماكسيم رودنسون وشاخت وبوهل وغيرهم.
ولم تقل فرقة من فرقة الإسلام ولا طائفة من طوائفه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ تلك العبارات مادحاً بها الأصنام إلا الكرامية الذين ذهبوا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطأ في تبليغ هذه العبارة ولم يكن له أن يبلغها، أما طوائف الإسلام الأخرى فلم تقبلها على تلك الشاكلة إطلاقاً؛ وإن استغلتها بعض الفرق في الهجوم على بعضها؛ إذ زعم الشيعة الروافض أن ذلك من خزعبلات أهل السنة وقد رواها البخاري حسب زعمهم، وهذا كذب محض وافتراء خالص.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:05 ص]ـ
روايات القصة:-
لم تأت رواية صحيحة عند أهل السنة وفيها قصة الغرانيق إطلاقاً؛ وإن كانت بعض الروايات الصحيحة قد أشارت إلى سجود النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم وسجود المشركين معه، إذ روى البخاري والحاكم وأبو داود وابن حبان والبيهقي وأحمد بن حنبل وابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم فسجد بها؛ فما بقي أحد من المشركين إلا سجد؛ إلا رجل واحد أخذ حصى أو تراباً فرفعه إلى وجهه ثم قُتل هذا الرجل كافرا فيما بعد، وهذه الروايات الصحيحة لم تتعرض لعبارات الغرانيق ولم تشر إليها على الإطلاق، ولهذا فإنه لا ارتباط ولا علاقة بين هذه الروايات الصحيحة وقصة الغرانيق.
ولكن هنالك روايات ضعيفة ومنقطعة ومرسلة قد رواها ابن جرير وابن المنذر والبزار والطبراني وابن مردويه وابن سعد في الطبقات، وهذه الروايات تذكر أن سبب سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم هو أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قرأ: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) ألقى الشيطان على لسانه: (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى).
وملاحظ أن لا علاقة البتة بين الروايات الصحيحة والضعيفة إلا سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءة سورة النجم، إلا أن الروافض قد أدخلوا هذه في تلك فهاجموا أهل السنة والبخاري.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:06 ص]ـ
أعجوبة النسخ في عبارة الغرانيق:-
ذهب بعض العلماء نحو سعد الدين التفتازاني والإيجي ونظام الدين القمي والكشميري مذهباً عجيباً غريباً؛ إذ ذهبوا إلى أن المقصود بالغرانيق هي الملائكة؛ إذ أن للملائكة أجنحة كما لهذه الطيور والأصنام ما لها من أجنحة؛ ومن ثم ذهبوا إلى أن تلك العبارات كانت قرآناً؛ فلما توهّم المشركون أن المقصود بذلك أصنامهم ووجد الشيطان طريقاً للتلبيس عليهم رُفع هذا القرآن ونُسخت تلاوته، وليس ذلك فحسب بل ذهب الكشميري إلى أن ما يؤيد كونها قرآناً نُسخ - أن ابن حجر والبدر العيني قد أوردا في ذلك روايتين صحيحتين، وقد رد عليه المباركفوري رداً شديداً؛ وذهب إلى أن ذلك: (خطأ فاحش ووهم قبيح) ويبدو أن الكلبي هو أول من قال بأنها كانت من القرآن فنُسخت، وقد رد عليه القشيري بأن هذا غير سديد
ولا يرى الباحث فرقاً كبيراً بين هذا الاتجاه وبين اتجاه المستشرقين إلا من حيث أن هولاء قد ذهبوا إلى أن العبارة لم تقصد الأصنام، والمستشرقون ذهبوا إلى أن العبارة تقصد الأصنام وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم تقرباً لقومه، وهولاء العلماء ذهبوا إلى أنها كانت من كلام الله فنُسخت، والمستشرقون ذهبوا إلى أنها كانت من كلام محمد صلى الله عليه وسلم فغيّر رأيه فيها، وقد ذهب أولئك العلماء هذا المذهب لقوة الربط في أذهانهم بين القصة آية الحج: (فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ)، ولكن يبدو واضحاً أن النسخ قد وقع على ما يلقى الشيطان لا على ما ينزله الله،سواء كان ما يلقيه الشيطان كلاماً أو وسوسة أو أوهاماً أو شبهات كما سيأتي.
ولا شك أن ضعف الروايات وتهافتها مغن عن كل تأويل فيها، ولهذا كان لابد من نقد هذه الروايات أولاً وبيان أحوالها وفك الارتباط بينها وبين ما ألصقت بها من آيات وأحاديث.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:07 ص]ـ
نقد روايات القصة:
سبق أن قصة الغرانيق هذه قد رواها الطبري وابن المنذر وابن مردويه وابن سعد والبزار والطبراني، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذه الروايات الواهية ضعيفة ومرسلة ومنقطعة، ولم ترد عن أحد من الصحابة إلا ابن عباس، وإذا كانت القصة قد وقعت في السنة الخامسة من البعثة لارتباطها بهجرة الحبشة - فإن ابن عباس قد وُلد بعد وقوع القصة بخمس سنوات؛ مما يدل على أنه لم يشهدها، هذا وإن كانت مراسيل الصحابة في حكم الموصول، لكن هذه القصة لو وقعت ورواها ابن عباس لرويت عن غيره من الصحابة أيضاً، وحادثة بهذه الخطورة لا يمكن إغفالها، ورغم كل ذلك إلا أن الرواية عن ابن عباس ليست موصولة؛ ولهذا ذهب القاضي عياض إلى أن القصة لا أصل لها وإنما أولع بها المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب،
(يُتْبَعُ)
(/)
وهي رواية لم يخرجها أحد من أهل الصحة ولا رواها ثقة بسند سليم.
والحق أن روايات هذه القصة مضطربة جداً وهي مختلفة الأشكال والتعابير والكلمات والأحوال؛ فمرة قال النبي صلى الله عليه وسلم تلك العبارة في الصلاة، ومرة في نادي قومه، ومرة حين أصابه النعاس، ومرة حين سها، ومرة حدّث بها نفسه، ومرة قالها الشيطان، ومرة قرأها النبي صلى الله عليه وسلم، والعبارة التي فيها الغرانيق أيضاً مختلفة متنوعة؛ فمرة (تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى)، ومرة (الغرانقة العلا إن شفاعتهم لترتجى) ومرة (أنها لهي الغرانيق العلا) ومرة (تلك الغرانيق العلا منها الشفاعة ترتجى) ولهذا قال ابن خزيمة عن هذه القصة: (إنها من وضع الزنادقة).
ولكن ابن حجر قد ردّ رداً شديداً على من ذهبوا إلى أن القصة لا أصل لها؛ فذهب إلى أن لها أصلاً وفيها من الأحاديث المراسيل ما يقوي بعضها بعضاً، وقد قال البزار بعد أن ذكر حديثاً في الغرانيق هذه: (لا نعلمه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل يجوز ذكره إلا بهذا الإسناد) وهو: عن يوسف بن حماد عن أمية بن خالد عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ولهذا قال ابن حجر (وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإما منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا).
إلا أن رواية البزار هذه قد تفرّد بنقلها مسندة أمية ابن خالد، أما غيره فيرويها عن سعيد بن جبير عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر ابن عباس؛ إلا أن رواية البزار نفسها قد ضعفها القاضي عياض لأنه قد وقع الشك فيها وما وقع فيه الشك فلا يوثق به ولا حقيقة معه.
إلا أن ابن حجر قد ذهب إلى أنه لا ضعف فيها أصلاً وأوهم السيوطي كذلك بصحتها؛ إذ ذهب إلى أنها رويت (بسند رجاله ثقات) فأوهم أنها غير معلولة
ولكن عند النظر بدقة في كلام ابن حجر يتبين أنها عنده أيضاً غير موصولة، إذ لو كانت موصولة لجعلها عمدته فردّ بها على القاضي عياض، ولكنه ذكر أن كل الروايات في هذه القصة (مراسيل)؛ ولهذا ذكر عند رده على القاضي عياض في هذا الحديث أن غايته أن يصير مرسلاً وهو حجة عند عياض وغيره ممن يقبل مرسل الثقة وهو حجة إذا اعتضد عند من يرد المرسل وهو إنما يعتضد بكثرة المتابعات؛ وبهذا فقد سلّم ابن حجر بأن الحديث مرسل ولكن ذهب إلى تقويته بكثرة الطرق، ولهذا يقول الألباني عن ذلك الحديث (وبالجملة فالحديث مرسل ولا يصح موصولاً عن سعيد بن جبير موصولا بوجه من الوجوه)، والحق أن الحديث المرسل ليس حجة عند المحدثين، إذ لا تقوم الحجة إلا بالأسانيد المتصلة؛ ولهذا فإن اتصال الإسناد من شروط صحة الحديث؛ يقول الإمام الترمذي: (والحديث إذا كان مرسلاً فإنه لا يصح عند أكثر أهل الحديث) وقال الحاكم: (المراسيل واهية عند جماعة أهل الحديث)
ورغم أن ابن حجر قد اشتد على القاضي عياض وابن العربي وغيرهم وشنّع القول عليهم إلا أنه وافقهم فقال بما قالوا به في قصة الغرانيق هذه، إذ ذهب أولا إلى أن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلت على أن للقصة أصلا، ويبدو واضحاً تأثير الصنعة الحديثة في هذا القول؛ إلا أن الألباني قد رد عليه من داخل الصنعة نفسها فذهب إلى أن القاعدة التي أشار إليها ليست على إطلاقها وقد نبه على ذلك غير واحد من العلماء المحققين، وتلك الطرق كلها ضعيفة فلا يقوى بها هذا الحديث أصلا
وبعد الخلاف الطويل العريض ذهب ابن حجر إلى ضرورة عدم حمل الحديث على ظاهره؛ لأن هذا الكلام الذي فيه الغرانيق لا يمكن إطلاقاً أن يقع من النبي صلى الله عليه وسلم لا عمداً ولا سهواً؛ ثم مال إلى قول مخالفيه وهو أن الشيطان قد تكلم في سكتة من سكنات النبي صلى الله عليه وسلم بين الآيات والفرق بين ابن حجر ومخالفيه أن المخالفين قد أنكروا القصة من حيث أصلها وهو قد أنكرها بتأويلها، ولهذا كان موقفه ضعيفاً في الرد عليهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبهذا فقد انهار أقوى دليل من أدلة الغرانيق هذه، أما الروايات الأخرى فضعفها وما فيها من إرسال ووهن مغن عن تفصيل الحديث عنها، فروايات الطبري فيها من الضعفاء والمدلسين أبو معشر وابن إسحاق وأبو معاذ سليمان بن أرقم ورواية الطبراني فيها ابن لهيعة ورواية ابن مردويه عن طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وهو طريق ضعيف جداً، وهو ما سماه بعض العلماء بسلسلة الكذب، ورواية ابن سعد فيها محمد بن عمر الواقدي ولهذا قال النحاس فيها: (هذا حديث منقطع لا سيما من حديث الواقدي)
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:08 ص]ـ
نقد القصة:-
إن تلك الروايات التي تذهب إلى أن الشيطان قد أجرى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم عبارات الغرانيق تلك قد رفضها العلماء ورد عليها جماعة منهم؛ نحو أبي بكر بن العربي والقاضي عياض وفخر الدين الرازي والقرطبي والبدر العيني والألوسي والإمام محمد عبده، وقد أفرد الألباني لهذه المسألة رسالة مهمة خاصة سماها: (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق) والحق أن هذه القصة الواهية تكذبها أمور كثيرة؛ منها الآتي:-
- لو تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبارات وفيها من مدح الأصنام ما فيها لانفصمت عرى الدين ولانفض الناس من حوله ولانتصرت قريش واليهود الذين كانوا يتربصون به وبدينه الدوائر.
- ذكر ابن عطية أن سبب نزول سورة النجم أن المشركين قالوا أن محمداً يتقوّل القرآن ويختلق أقواله، فمن المستحيل جداً والأمر كذلك أن تنزل السورة لتنزهه عن ذلك فيقع فيها ما نزهه الله عنه.
- سورة النجم هذه نزلت بعد سورة الإخلاص التي تدعو إلى التوحيد الخالص، وسورة النجم قد جاءت معضدة لذلك، وسورة الكافرون كانت قبل الإخلاص بسورتين – إذ بينهما المعوذتان - وقد أنزل الله الكافرون بسبب أن قريشاً قالت للنبي نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة فجاءت السورة مؤكدة الرفض القاطع، فكيف ينزل بعدها ما يوحي بمدح الأصنام، وهذه السورة المكية سلسلة من تأكيد التوحيد وتثبيته.
- ليس هنالك من دليل أن سورة النجم قد نزلت جملة واحدة؛ فهي قد نزلت مفرقة منجمة كغيرها من السور الكثيرة، وفي حديث البخاري وغيره أنه قرأ النجم حتى بلغ موضع السجود فيها - وهو آخرها - فلا يُتصور والحال كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ عبارة الغرانيق وحسبها جزءاً من السورة؛ خاصة وأنه حفظ السور بتمامها قبل تلك الواقعة فلا يمكن أن يلتبس ذلك عليه إطلاقاً.
- النبي صلى الله عليه وسلم له من العلم ما يتحقق به من الوحي، ولو صح أن ذلك قد تشابه عليه لارتفعت الثقة من الشرع كله ولما عرفنا حقاً من باطل.
- ذكر الله تعالى في أول سورة النجم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ وحيه؛ وأنه لا يخرج كلامه عن الحق؛ وأكد ذلك بالقسم؛ قال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وقصة الغرانيق لا تناسب هذا السياق الذي حاولوا إدراجها فيه، ثم إن ما جاء في نفس السورة - بعد الموضع الذي زعموا أنه ذكرت فيه هذه الفرية – هو ذم أصنام المشركين "مناة، واللات، والعزى" والإنكار على عابديها، وجعلها أسماء لا مسمى لها: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ)، وكل ذلك يكذّب هذه القصة من أساسها، ولو كانت هذه القصة صحيحة لارتبطت بما قبلها وما بعدها، ولو دخلت في هذا السياق لكان التركيب مفككاً، والكلام بعيد الالتئام، متناقض الأقسام متخاذل التأليف والنظم ممتزج فيه المدح بالذم.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:09 ص]ـ
فك الارتباط بين قصة الغرانيق وآية الحج:-
(يُتْبَعُ)
(/)
ذهب كثير من العلماء إلى الربط بين هذه القصة وبين قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) وقد جاءت روايات كثيرة بهذا الربط أيضا كما في رواية البزار والطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، وقد ذهب هولاء العلماء إلى أن الآية شديدة الارتباط بهذه القصة؛ إذ تبيّن هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ثم يرفع الله ما يلقى الشيطان ويبطله ويحكم الآيات (القرآنية) كما أنزلها الله، وقد فسروا (الأمنية) في الآية بالتلاوة، وتمنى: أي قرأ وتلا، وكلمة (في) في قوله تعالى: (في أمنيته) أي: عند؛ كقوله تعالى: (وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) أي عندنا، واستدلوا على أن معنى الأمنية هي التلاوة والقراءة - بقوله تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) أي إلا قراءة دون فهم، كما استدلوا أيضا بقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لا في حمام المقادر
ولكن ذلك فيه نظر:-
- قصة الغرانيق لارتباطها بهجرة الحبشة قد وقعت - عند من يقول بها - في السنة الخامسة من البعثة، وسورة النجم تتناول حادثة المعراج التي وقعت في السنة العاشرة من البعثة، وسورة الحج التي فيها الآية السابقة مدنية نزلت بعد الهجرة؛ ولهذا كان ربط هذه الأمور ببعضها زمانياً أمراً متعذراً جداً.
- واضح جداً أن آية الحج لا تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة؛ وإنما تتناول أحوال الأنبياء والمرسلين عامة في مدافعة الباطل.
- استغرب ابن عاشور من أن يكون التمني بمعنى القراءة والتلاوة؛ فذهب إلى أن ذلك شاذ مخالف لظاهر اللغة فهو عنده ادعاء لا يوثق به وفي صحته شك عظيم
- إن بيت الشعر المستدل به ينسبه أكثر العلماء لحسان بن ثابت رضي الله عنه، ولم يجده الباحث في ديوان حسان، ولكن بعض العلماء كالقرطبي والسيوطي وابن عطية الماوردي والشوكاني قد نسبوه لكعب بن مالك ونسبه ابن عادل مرة لحسان ومرة لكعب
- ذهب ابن تيمية والنيسابوري إلى أن هذا البيت قد استدل به أبو عبيدة معمر بن المثنى على هذا المعنى، ولكن الباحث لم يجد أحداً من أهل المعاجم قد نسب هذا الاستشهاد إلى أبي عبيدة، وقد طالع الباحث كتاب (مجاز القرآن) لأبي عبيدة ولم يجده تعرض لكلمة (تمنى) في سورة الحج ولا (أماني) في سورة البقرة.
- يروى البيت باختلاف كبير في المصراع الثاني؛ إذ يروى هكذا (تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لا في حمام المقادر)، ويروى (تمنى كتاب الله أول ليلة تمني داود الزبور على رسل)
- فسر بعض العلماء آية الحج تفسيراً يبعدها جداً عن قصة الغرانيق؛ وذلك نحو أبي حيان والشوكاني وابن العربي وابن عاشور، فذهب ابن عاشور إلى أن معنى الآية: أن النبي من الأنبياء إذا تمنى هداية قومه ووجد العناد منهم – ألقى الشيطان في خاطره اليأس من هداهم عسى أن يقصر في دعوتهم؛ فلا يلبث النبي أن ينقشع عن خاطره اليأس الذي ألقاه الشيطان، وذهب أبو حيان إلى أن الآية لما وردت في سياق قوله تعالى: (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وهي الآية التي قبلها - فإنها تدل على أن الأنبياء والمرسلين كانوا يتمنون هداية أقوامهم فيلقى الشيطان بالشبهة للناس ويزيّن لهم الكفر؛ فإذا أراد الله هداية الناس نسخ هذه الشبهة وأزالها شيئاً فشيئاً ثم يحكم آياته أي يظهر معجزاته ويحكمها في القلوب. وهو تفسير معقول مقبول إلى حد كبير، ولكن ذهب ابن حزم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى هداية عمه أبي طالب، وهذا عند الباحث بعيد جداً؛ لأن الآية مدنية بعد الهجرة وأبو طالب مات بمكة قبل الهجرة
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:10 ص]ـ
فك الارتباط بين قصة الغرانيق وآية الإسراء:-
(يُتْبَعُ)
(/)
ربط السيوطي وأبو الليث السمرقندي وابن أبي حاتم بين هذه القصة وبين قوله تعالى: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) و جاء هذا الربط كذلك في رواية ابن جرير وابن سعد الضعيفتين، وهذا فيه نظر للآتي:-
- هذه الآيات ترد القصة من أساسها فلا يمكن أن تربط بها إطلاقاً وهي تناقضها؛ إذ إن الآيات تتناول تثبيت الله تعالى لنبييه: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً) وأمر الله لا راد له ولا معقّب عليه، ثم قال تعالى بعدها: (إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) وهي كقوله تعالى: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ) وما ذكره الله من جزاء على الركون والتقوّل لم يحدث مما يدل على أن الركون والتقوّل لم يقعا، والآية في تصور الباحث دالة على الاستحالة أكثر من دلالتها على التهديد أو الجزاء، ومعنى الآية الثانية موجه للكافرين أي لو كنتم تقولون: إن محمدا تقوّل القرآن على الله - فالله أولى منكم بأن يغار على انتهاك حرمة رسالته وأن يدافع عن جلاله، أما آية الإسراء فالغرض منها تيئيس الكفار من استجابة النبي صلى الله عليه وسلم ولو في أمر يسير، وقد ذكر الله هنا الركون، والركون دون الاستجابة ثم قلل هذا الركون بقوله (شيئا يسيرا) ثم نفاه بـ (كدت) ثم جعله مستحيلا بالعصمة والتثبيت،والمعنى: لو هم النبي صلى الله عليه وسلم هما يسيرا جدا في هذا الركون – وحاشاه – فلينظر ماذا يفعل الله به؛ فلا تنتظروا منه شيئا من الاستجابة.
- هذه الآية تشبه في معناها آيات كثيرة فلا مبرر لربطها بالقصة دون سواها، فهي كقوله تعالى: (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ) والآية تتناول استحالة إضلال النبي صلى الله عليه وسلم فالإضلال يقع على أصحاب الإضلال أنفسهم لا على النبي صلى الله عليه وسلم
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:11 ص]ـ
فك الارتباط بين القصة وآية الزمر:-
ربط كثير من المفسرين بين هذه القصة وبين قوله تعالى: (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) وذلك لأنهم فسروا الآية بأنه: إذا ذكرت الغرانيق والآلهة مع الله استبشر الكفار وفرحوا وإذا ذكر التوحيد كرهوا ذلك، وهذا فيه نظر للآتي:-
- الآية ليست فيها للغرانيق ذكر ولا إشارة؛ وإنما تتحدث عن قوم من المشركين كرهوا التوحيد واشمأزوا من ذكر الله وحده وإذا ذكر غيره استبشروا وفرحوا، والملاحظ أن كلمة "ذُكر" مبنية للمجهول، وليس هنالك من دليل على أن الذاكر لله والذاكر لمن دون الله هو النبي صلى الله عليه وسلم، بل من الواضح جدا أن المقصود أن هولاء المشركين يكرهون التوحيد إذا سمعوه من الموحدين ويستبشرون للشرك إذا سمعوه من المشركين أمثالهم، والتوحيد له أناس والشرك له أناس آخرون غيرهم.
- هذه الآية كآيات كثيرة من القرآن تدل على ذلك المعنى كقوله تعالى: (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا) وقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ)
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:12 ص]ـ
فك الارتباط بين القصة وبين آية القصص:-
- ذهب نيازي عز الدين إلى ربط قصة الغرانيق بقوله تعالى: (وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِين) وقد أراد نيازي بهذا الربط معنى خبيثاً جداً، وهو وقوع الشرك من النبي وحاشاه، وهذا قول ظاهر البطلان ومردود متهافت؛ وتفصيل ذلك كالآتي:
(يُتْبَعُ)
(/)
- قول نيازي هذا هو قول من لا يعرف البلاغة القرآنية ولا يفهم تنوع أساليب التنزيل وطرائقه في التعبير؛ إذ قد يتوجه النهي في القرآن إلى من يستحيل أن يقع منه، والغرض من ذلك التنديد بمن وقع منه الفعل والتحذير من منهجه، ولهذا نظائر أخرى في القرآن كقوله تعالى: (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) وقوله: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ)، ومن المستحيل جدا أن يكون الشك أو الامتراء جائزا على الرسول صلى الله عليه وسلم أو واقعا منه، وهذه الأمور الفرضية المستحيلة قد تنسب إلى الله أيضا في القرآن والمراد نفيها؛ نحو قوله: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) وهذا لا يلزم منه أن يكون الولد جائزا على الله تعالى.
- التفسير الذي يميل إليه الباحث في تلك الآية هو ما يقوله سياق الآية نفسها؛ إذ نزلت هذه السورة المكية لتحكي للنبي صلى الله عليه وسلم قصة فرعون وقارون اللذين طغيا بالسلطان والمال فأهلكهما الله؛ ليبين أن متاع الدنيا قليل والآخرة هي المبتغى الأسمى، وقد بيّن لنبييه صلى الله عليه وسلم أنه إن أُخرج من أرضه فسوف يعيده الله إليها منتصرا، وهذا المعنى الذي في آخر السورة شديد الارتباط بأولها (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ثم بين للنبي صلى الله عليه وسلم نعمته الكبرى عليه؛ حيث لم يكن يأمل في إنزال القرآن عليه ولكن فضل ربه العظيم ورحمة الكبرى قد اقتضت ذلك، ولهذا كله ينبغي له أن يتقوى على الدعوة ولا يأبه للمشركين الذين يحاولون صده عنها ثم قال: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي لا تكن من هولاء المشركين في شيء، أي لا تطعهم في شيء صغر أو كبر قل أو كثر؛ ويفسر ذلك: (فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ) أي لا تكن لهم معاونا فلا ارتباط لك معهم في شيء.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:13 ص]ـ
فك الارتباط بين هذه القصة وآية طه:-
ذهب هبة الله ابن سلامة إلى أن قصة الغرانيق هذه قد كانت سبب نزول قوله تعالى: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك الغرانيق العلا) فاغتتم فأنزل الله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) ثم نزل: (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ثم نزل: (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى) فنسخ كل ذلك وهذا قول ظاهر البطلان؛ وذلك للآتي:-
- غرام هبة الله بالنسخ جعله يقول في كتابه ما ليس مقبولاً؛ ولهذا قال ابن الجوزي: (ومن قرأ كتاب هبة الله المفسر رأى العظائم)
- ليس لهبة الله دليل على ما ذكر إطلاقا.
- سورة الحج مدنية؛ فجعلها ابن سلامة نازلة قبل طه والأعلى المكيتين، والحق أن الأعلى قد نزلت قبل النجم، والنجم قبل طه، لكن ابن سلامة قد خلط ذلك خلطاً عجيباً ليخرج بقصة غير معقولة ولا مقبولة ولا دليل عليها.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:15 ص]ـ
فك الارتباط بين قصة الغرانيق ورجوع المهاجرين من الحبشة:-
ربطت بعض الروايات بين قصة الغرانيق ورجوع المهاجرين من الحبشة وإلى هذا أيضا ذهب كثير من كتّاب السير والمفسرين، إلا أن بعض الكتّاب المعاصرين قد اعترض على ذلك وذكر أن سبب عودة المهاجرين إنما كانت لإسلام عمر بن الخطاب أو بسبب الفتنة التي وقعت في الحبشة وخوف زوال ملك النجاشي الذي كان يحمي المسلمين، وهذه الآراء تحتاج لمناقشة، وتفصيل ذلك كالآتي:
أولا: رجوع المسلمين بسبب إسلام عمر ابن الخطاب فيه نظر؛ وذلك للآتي:-
- أسلم عمر بن الخطاب في ذي الحجة من السنة السادسة من البعثة وقد رجع المسلمون من الحبشة في شوال في السنة الخامسة من البعثة؛ فبين رجوع المسلمين وإسلام عمر نحو سنة وشهر أو شهرين، ومعلوم أن إسلام عمر كان بعد نزول سورة طه، وسورة النجم نزلت قبل طه.
(يُتْبَعُ)
(/)
- شذ ابن الجوزي وذكر أن إسلام عمر كان في السنة الخامسة وإذا صح ذلك جدلاً لم يكن من المقبول رجوع المسلمين لأجل إسلام عمر رضي الله عنه؛ فإذا صح ذلك فإن عمر وقد أسلم فما المبرر لرجوعهم إلى الحبشة مرة أخرى.
- ما يحكى عن قوة عمر الخارقة وشدته التي تفوق التصوّر حتى يشكل حماية لكل المسلمين أمر لا يتقبله العقل؛ وقد كان في المسلمين من هم في قوته وشجاعته، إذ أن منهم من كان يتصدى له، وقد هدّد حمزة بن عبد المطلب أن يقتله بسيفه "أي بسيف عمر نفسه "إن أراد شراً بالمسلمين، وكذلك أخذه رجلان من المسلمين عندما جاء ليسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم أرسلوه، كل ذلك فضلاً عن وجود النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بين المسلمين، فليس بمعقول عند الباحث اختزال قوة المسلمين في عمر رضي الله عنه أو اختزال فضل عمر رضي الله عنه في قوته
- أعز الله تعالى الإسلام بعمر رضي الله عنه ليس لقوته البدنية فحسب؛ بل لما فيه من صفات الخير الكثيرة والأخلاق، وقد اعترضت عائشة رضي الله عنها على ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب) فقالت لقد أعز عمر بالإسلام (5) وقال عكرمة معاذ الله دين الإسلام أعز من ذلك، ولكنه قال: أعز عمر بالدين
- لا يتصور أن رجلاً واحداً مهما بلغ من القوة أن يرجع له القوم من ناحية، ثم إن بطش عمر وقوته وشدته وشجاعته لم يكن المسلمون في حاجة إليها في حمايتهم آنذاك؛ لأن الجهاد لم يشرع بعد من جهة أخرى.
ثانيا: رجوع المسلمين بسبب الفتنة التي وقعت بالحبشة فيه أيضاً نظر؛ لأن الله تعالى قد ثبّت ملك النجاشي والمسلمون في الحبشة، وقد شهد الواقعة ابن الزبير وأتى بخبر انتصار جيش النجاشي من الشاطئ الآخر للنيل كما ذكر البيهقي في الدلائل وأحمد في مسنده، وهذا يدل على أن المسلمين كانوا آمنين بأرض الحبشة ولم يكن هنالك من شيء يقلقهم حتى يرجعوا.
ثالثاً: رجوع المسلمين بسبب شائعة إسلام أهل مكة:
رغم أن الباحث يرفض رفضاً قاطعاً قصة الغرانيق إلا أن هناك أدلة صحيحة تدل على سجود المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البخاري والحاكم وأبو داود وابن حبان والبيهقي وأحمد بن حنبل وابن خزيمة، وهذه الحادثة العظيمة يمكن أن تشكل تلك الشائعة فتبلغ المسلمين فيرجعون، إلا أن هنالك أمورا تضعف ذلك أيضا؛ وذلك كالآتي:
- إن حادثة السجود هذه – عندما من يربطها بهجرة الحبشة الأولى - قد وقعت قي رمضان من السنة الخامسة وكان رجوع المسلمين في شوال من السنة نفسها و هذه فترة قصيرة جداً لا يتيسر فيها وصول الخبر إليهم ثم مجيئهم، ولكن إذا كانت مكة قريبة من الحبشة (السودان) كما زعم العلامة عبد الله الطيب والبرفيسور حسن الفاتح قريب الله أو أرتريا كما زعم غيرهما - فإن تجاوز البحر عرضا يستغرق يومين أو ثلاثة بالريح المعتدلة آنذاك ولكن المسافة وإن كانت قريبة – فرضا – فإن شيوع الخبر حتى وصوله الحبشة وعزمهم على الرجوع وتشاورهم ثم الشروع في الرجوع يستغرق زمنا.
- الهجرة إلى الحبشة كانت في السنة الخامسة من البعثة، وسورة النجم – التي وقع السجود عند تلاوتها كما في الروايات الصحيحة - نزلت بعد السنة العاشرة من البعثة أو خلالها؛ لأنها تحكى ما شاهده النبي صلى الله عليه وسلم في معراجه.
ولا شك أنه لا يمكن إطلاقا تفسير رجوع المسلمين دون معرفة أثر هذا الدين العظيم في نفوسهم ومعرفة أحوالهم آنذاك، والحق أن المسلمين كانوا يحبون هذا الدين العظيم - الذي لم تكتمل شرائعه بعد - حباً شديداً، ولم يكن يصلهم - وهم في الحبشة - ما ينزله الله من قرآن وما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم من أحكام وإرشادات وتوجيهات طوال هذه الأشهر الثلاثة؛ فتشاوروا فرجعوا؛ خاصة وأنه كان لهم إخوان يعذّبون في مكة فآثروا العذاب؛ بل إن بعض المسلمين بعد الرجوع دخلوا في جوار بعض المشركين فلما رأوا إخوانهم يعذّبون ردوا جوارهم وآثروا العذاب؛ كعثمان بن مظعون الذي رد جوار الوليد بن المغيرة، ومما يدل على أنهم لم تكن تصلهم أحكام هذا الدين أن عبد الله بن مسعود في الهجرة الثانية عندما جاء من الحبشة سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، ولم يكن يعلم أن الكلام في الصلاة قد منع كما روى البخاري والبيهقي؛ فحب هذا
(يُتْبَعُ)
(/)
الدين والرغبة في تعلمه وحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كان أقوى عند المسلمين من حبهم لأنفسهم فآثروا العذاب فرجعوا حتى أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعودوا إلى الحبشة تارة أخرى لما ازداد البطش وفاق التصوّر، ولهذا المواقف نظائر أخرى عند الصحابة رضوان الله عليهم.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:16 ص]ـ
استحالة تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بالغرانيق:-
رغم عدم ارتباط آية الحج بهذه القصة كما سبق؛ إلا أن كثيراً من العلماء والمفسرين قد ربطوهما ببعضهما، وقد ذهبت جل روايات الغرانيق إلى أن الشيطان قد تكلم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم حتى روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – وحاشاه-: (افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل وشركني الشيطان في أمر الله) وذهب الإمام الزمخشري إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سها وغلط وقال آخرون كان ناعساً وكل هذه الفظائع فيها نظر كبير؛ وذلك للآتي:-
- الشيطان لا يستولى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يقظة ولا مناماً ولا نعاساً، إذ أن النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم هو الذي له سلطان على الشيطان لا العكس، وقد قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ) وإذا لم يكن للشيطان سلطان على الذين آمنوا فمن باب أولى أن لا يكون له سلطان على النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سُلّط على الشيطان لا الشيطان قد سُلّط عليه، إذ أعانه الله على قرينه فأسلم كما روى مسلم وأحمد، وهو قد كاد يخنق الشيطان ويربطه بسارية في المسجد كما روى البخاري ومسلم
-رفض القرطبي وابن عادل رفضا قاطعا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ناعسا أو ساهيا فيتكلم بالغرانيق؛ وقد ذهب القرطبي إلى أن ضعف الحديث مغن عن كل تأويل، وذهب ابن عادل أنه إذا جاز عليه السهو في هذا الموضع لجاز عليه في مواضع أخرى وحينئذ تزول الثقة عن الشرع، وهو لو سها فرضاً – وهذا محال – فإنه كان سوف يصحح ذلك
- ذهب ابن حزم إلى أن تلك الروايات التي تذكر أن الشيطان تكلم بلسان النبي صلى الله عليه وسلم كذب محض، والكذب لا يعجز عنه أحد
- كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يدر أن ذلك من الشيطان حتى عرّفه جبريل فأمر في غاية البعد والاستحالة والشذوذ، وقد رفض ابن العربي ذلك وذهب إلى أن حثالة أمة النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون أن ذلك ليس بقرآن فلا يمكن بحال أن يخفى ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم نفسه
- كون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك عمداً ليتقرب إلى قومه ويجذبهم إلى الدين هو أبعد الأقوال وأشنعها وأكثرها بطلاناً، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أفنى عمره في الدعوة إلى التوحيد وهو لا يجامل في ذلك أحدا ولا يخاف لومة لائم ولا عداوة عدو، وكسب رضا الله عنده كان أكثر أهمية بكثير من رضا أعدائه.
ولما كان الأمر كذلك فإن هنالك طريقين لهذه القصة – إن فرضنا وقوعها - هما:-
- الأول أن يكون الشيطان هو الذي تكلم بين الآيات وحاكى نغمة النبي صلى الله عليه وسلم بين السكتات بعد الفواصل كما قال أكثر العلماء، وقد ضعف الرازي ذلك
- الثاني أن يكون الشيطان قد ألقى للمشركين بتلك العبارات دون أن يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون في تلك اللحظة، فالأمر بين الشيطان والمشركين ولا علاقة له البتة بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من المسلمين وقد وردت روايات تؤيد هذا الاتجاه
ورغم أن القائلين بالرأي الأول هم أكثر العلماء إلا أن الباحث يرجح الرأي الثاني كما سيأتي.
الأمر كان بين الشيطان والمشركين ولا علاقة له بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بآية النجم:-
ذكر ابن الكلبي في كتاب الأصنام وياقوت الحموي وابن حجة الحموي أن قريشاً كان تطوف بالبيت وتقول:
واللات والعزى
ومناة الثالثة الأخرى
تلك الغرانيق العلا
منها الشفاعة ترتجى
فنزلت آية النجم تذم الأصنام
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن الممكن أن يكون الله تعالى قد ذم الأصنام بأول تلك العبارات نفسها التي كانوا يمدحون بها أصنامهم؛ خاصة وأنه أشهدهم في أول الآية بقوله (أفرأيتم) وهو استفهام معناه التقرير والتهكم التوبيخ؛ فألقى الشيطان في قلوبهم بقية العبارة؛ فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غيّر موقفه من آلهتهم المزعومة أو قد يكونون قد اختلقوا ذلك وأسمعوه بعضهم، لكن المهم إذا صح ذلك هو في أي وقت جاءت هذه العبارة على لسان الشيطان؟ وما هو هذا الشيطان؟ وكيف قالها هذا الشيطان؟.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:18 ص]ـ
سبب سجود المشركين:-
بمعزل عن روايات الغرانيق فقد جاء في الروايات الصحيحة أن المشركين قد سجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم، وذهب الالوسي إلى أنهم سجدوا خوفاً، إذ أن في سياق السورة تهديد شديد وذكر سيد قطب أنهم سجدوا إعجابا ببلاغة القرآن وسحر البيان الذي سلب ألبابهم وأخذ بأفئدتهم، وذكر سليمان بن عبد الله أنهم سجدوا لظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم وافقهم في ما يقولون، ومن الممكن أن يجتمع لدى المشركين الخوف والإعجاب والوهم فيقوى الإحساس بذلك ثم يقودهم إلى تقليد النبي صلى الله عليه وسلم في السجود، ولهذه الاستجابة من المشركين تجاه القرآن نظائر أخرى، وبذلك يمكن أن تحمل الروايات الضعيفة إلى تلك الصحيحة فيستقيم معناها؛ خلافاً لمن حاول حمل الصحيح على الضعيف ابتغاء للفتنة وابتغاء تأويل الصحيح.
ولهذا يتصور الباحث القصة كالآتي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى)، أي: ما تعرفونه من أصنامكم نحو اللات والعزى ومناة فشابه صدر الآية ما يقولون في الجاهلية ألقى الشيطان بقية ما كان يقولون من كلام، وهذا الشيطان إما أن يكون إنساناً كالنضر ابن الحارث أو ابن الزبعري أو جاناً، والشيطان يكون من الإنس والجن كما ذكر القرآن: (شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) وبهذا يكون هنالك طريقان:-
1 - إذا كان الشيطان إنساناً فمعلوم أنه كان للمشركين لغط وصياح وضجيج عند تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن لإخفاء هذا القرآن باللغو؛ فلما سمع أحدهم (شيطانهم) صاح ببقية قول الجاهلية، وقد ضعف الرازي هذا الوجه، إذ لو وقع ذلك لصححه النبي صلى الله عليه وسلم في الحال ولنقل إلينا تصحيحه، وهذا وجه معقول مقبول إذا كان في غير وجود النبي صلى الله عليه وسلم.
2 - إذا كان الشيطان المقصود من الجن فإنه يوسوس للمشركين ببقية ما كانوا يقولون ففي رواية موسى بن عقبة أن الكفار قد سمعوا ذلك ولم يسمعه المسلمون؛ مما يدل على أن الوسوسة كانت في صدور الكافرين فحسب، وقد ضعف الرازي هذا الوجه أيضا
والحق أن عبارة الغرانيق لم تكن سبباً لسجود المشركين؛ بل كان السجود هو سبب العبارة؛ إذ يرى الباحث أن أولى التصورات بالقبول وأقربها إلى الحقيقة؛ هي: أن شيطان المشركين"أحدهم" الذي قال عبارة الغرانيق لم يقلها في لحظة تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما اختلقها فيما بعد فركّب عبارة الجاهلية في القرآن حتى يبرر موقفا معينا، والنفس البشرية المعاندة المغلوبة على أمرها تميل إلى كل ما يبرر فعلها كما هو شائع؛ ولهذا ذهب ابن عاشور والمباركفوري إلى أن ابن الزبعري أو غيره من السفهاء قد حاول إيجاد معذرة لهم عند قومهم في سجودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فعمدوا إلى تلك الآية التي ذكر فيها اللات والعزى ومناة فركّبوا عليها تلك الكلمات لتبرير موقفهم من جهة ولإلقاء الفتنة بين الناس من جهة أخرى، هذا طبعا إذا صحت القصة كلها ابتداء.
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:19 ص]ـ
خاتمة:-
ذهب كثير من العلماء إلى أن الروايات التي تحمل قصة الغرانيق روايات واهية ومرسلة لا أصل لها، وذهب ابن حجر إلى أن لها أصلا، ولكنها تحتاج إلى تأويل مختلف، وقد ذهب الألباني في الرد عليه إلى أن قاعدة تقوية المراسيل بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وليست مضطردة.
وقد ذهب كثير من العلماء إلى بيان كيفية وقوعها – لو كانت قد وقعت فرضا – وذهب الباحث إلى أن هذه القصة لا علاقة لها بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بآية سورة الحج ولا بآيات سورة النجم ولا بآية سورة الإسراء ولا بآية سورة الزمر ولا بآية سورة القصص ولا بآية سورة طه ولا برجوع المهاجرين من الحبشة ولا هي آيات منسوخة التلاوة ولا هي بالصحيحة في نفسها.
وإذا كانت هذه الحادثة قد وقعت فرضا فينبغي أن تحمل على الروايات الصحيحة في ذلك؛ نحو رواية البخاري والحاكم وأبي داود وابن حبان والبيهقي وأحمد بن حنبل وابن خزيمة؛ حيث روى هولاء الأئمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قرأ سورة النجم وسجد في آخرها "سجدة تلاوة" فسجد معه المشركون، وبذلك يبدو واضحا للباحث أن المشركين قد حاولوا تبرير سجودهم لقومهم بعد خروجهم من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فركّبوا في الآيات ما كانوا يقولونه في الجاهلية في أصنامهم، ولهولاء المشركين كثير من الافتراءات والأكاذيب والحيل في محاولة إطفاء نور الله تعالى، ولا يكاد الباحث يتصور شكلا آخر للقصة لو وقعت، رغم أقوال العلماء الكثيرة في ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:21 ص]ـ
المصادر والمراجع:-
1 - الألباني: محمد ناصر الدين، نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ط/3 المكتب الإسلامي، بيروت سنة 1996م.
2 - الألوسي محمود أبو الفضل، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت (د. ت)
3 - الإيجي: عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد، المواقف تحقيق عبد الرحمن عميرة، ط/ 1دار الجيل، بيروت، سنة 1997م،
4 - البخاري: محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري "الجامع الصحيح المختصر"، تحقيق مصطفى ديب البغا، ط/ ط/3 دار ابن كثير، بيروت، سنة 1407هـ - 1987م.
5 - البغدادي:عبد القاهر، الفرق بين الفرق، ط/2 دار الآفاق الجديدة، بيروت، سنة 1977م
6 - البغوي: الحسين بن مسعود: معالم التنزيل، تحقيق محمد عبد الله النمر وآخرون، ط/4 دار طيبة للنشر والتوزيع، سنة 1997 م
7 - البيهقي: أحمد بن الحسين: سنن البيهقي الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، ط/ مكتبة دار الباز، مكة المكرمة،سنة 1414 هـ - 1994م
8 - الترمذي: محمد بن عيسى، العلل الصغير، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرون، ط/ دار إحياء التراث العربي بيروت
9 - التفتازاني: سعد الدين مسعود بن عمر، شرح المقاصد في علم الكلام، ط/دار المعارف النعمانية باكستان، سنة 1981م
10 - الثعالبي: عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف، الجواهر الحسان في تفسير القرآن "تفسير الثعالبي" ط/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت (د. ت)
11 - الثعلبي: أحمد بن محمد بن إبراهيم: الكشف والبيان، تحقيق محمد بن عاشور، ط/1 دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1422 هـ، 2002 م
12 - ابن الجوزي: عبد الرحمن بن علي نواسخ القرآن، تحقيق محمد أشرف علي المليباري، ط/ الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة 1404هـ، 1984م
13 - الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1990م
14 - الحاكم محمد بن عبد الله المدخل إلى كتاب الإكليل تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد ط/ دار الدعوة الإسكندرية
15 - ابن حبان: محمد بن حبان بن أحمد: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط/ 2 مؤسسة الرسالة، بيروت، سنة 1414 – 1993م
16 - ابن حجر: أحمد بن علي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ط/دار المعرفة - بيروت، سنة 1379
17 - ابن حزم الظاهري: علي بن أحمد بن سعيد الفصل في الملل والأهواء والنحل،ط/ مكتبة الخانجي، القاهرة، (د. ت)
18 - الحلبي:علي بن برهان الدين السيرة الحلبية، ط/ دار المعرفة، بيروت، سنة 1400هـ
19 - ابن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ط/ مؤسسة قرطبة، القاهرة، (د. ت)
20 - الحموي، ابن حجة، خزانة الأدب، تحقيق عصام شعيتو،ط/ دار ومكتبة الهلال، بيروت 1987م
21 - الحموي، ياقوت، معجم البلدان،ط/ دار الفكر، بيروت (د. ت).
22 - أبو حيان الأندلسي: محمد بن يوسف: تفسير البحر المحيط، تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوض، ط/دار الكتب العلمية،بيروت، سنة2001م
23 - الخازن:علي بن محمد بن إبراهيم، التأويل في معاني التنزيل،ط/ دار الفكر، بيروت، سنة 1399 هـ - 1979 م
24 - ابن خزيمة: محمد بن إسحاق: صحيح ابن خزيمة، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، ط/ المكتب الإسلامي، بيروت،سنة 1390 هـ - 1970م
25 - أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني: سنن أبي داود، ط/ دار الكتاب العربي (د. ت).
26 - الرازي، فخر الدين: محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، ط/1 دار الكتب العلمية - بيروت، 1421هـ - 2000 م
27 - الزَّبيدي: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق تاج العروس من جواهر القاموس ط/ دار الهداية (د. ت)
28 - الزمخشري: محمود بن عمر، تحقيق عبد الرزاق المهدي، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت
29 - أبو السعود: محمد بن محمد العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، ط/ دار إحياء التراث العربي، بيروت
30 - ابن سلامة: هبة الله، الناسخ والمنسوخ، تحقيق زهير الشاويش و محمد كنعان، ط/1المكتب الإسلامي، بيروت، سنة 1404هـ
31 - السمرقندي: نصر بن محمد بن إبراهيم: بحر العلوم، تحقيق محمود مطرجي، ط / دار الفكر، بيروت (د. ت)
(يُتْبَعُ)
(/)
32 - السمعاني؛ أبو المظفر: منصور بن محمد بن عبد الجبار تحقيق ياسر بن إبراهيم و غنيم بن عباس بن غنيم، ط/دار الوطن - الرياض، سنة 1418هـ- 1997م
33 - ابن سيده: علي بن إسماعيل، المخصص، تحقيق خليل إبراهم جفال، ط/1 دار إحياء التراث العربي - بيروت 1996م
34 - السيوطي، جلال الدين: عبد الرحمن بن أبي بكر الدر المنثور، ط/ دار الفكر، بيروت،سنة 1993م
35 - الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد بن المختار: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ط/ دار الفكر، بيروت، سنة 1415 هـ- 1995م
36 - الصالحي: محمد بن يوسف سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط/1دار الكتب العلمية بيروت، سنة 1993 م
37 - الطبراني: سليمان بن أحمد المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي، ط/2 مكتبة العلوم والحكم، الموصل، سنة 1404هـ - 1983م
38 - الطبري: ابن جرير:
أ- تاريخ الأمم والملوك، ط/1 دار الكتب العلمية، بيروت سنة 1407هـ
ب- جامع البيان، تحقيق أحمد محمد شاكر ط/ 1 مؤسسة الرسالة،سنة 2000 م
39 - ابن عادل الدمشقي: عمر بن علي، اللباب في علوم الكتاب، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط/1 دار الكتب العلمية سنة 1419 هـ -1998م
40 - ابن عاشور: محمد الطاهر: التحرير والتنوير، ط/ دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس، سنة 1997 م
41 - ابن عطية الأندلسي: عبد الحق بن غالب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد، ط/1دار الكتب العلمية بيروت، سنة 1413هـ ـ 1993م
42 - العمري، أبو مايلة: بريك بن محمد، السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة تحقيق أكرم ضياء العمري ط/1دار ابن الجوزي سنة 1996 م
43 - عياض اليحصبي الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء للشمنى ط/ دار الفكر للطباعة والنشر بيروت 1988 م
44 - القرطبي: محمد بن أحمد بن أبي بكر: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق هشام سمير البخاري، ط/ دار عالم الكتب، الرياض، سنة 1423 هـ/ 2003 م
45 - القمي، نظام الدين: الحسن بن محمد بن حسين، غرائب القرآن ورغائب الفرقان، تحقيق الشيخ زكريا عميران، ط/1 دار الكتب العلمية - بيروت،سنة 1996 م
46 - ابن كثير، سيرة ابن كثير، تحقيق مصطفى عبد الواحد ط/دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت سنة 1971 م
47 - الكشميري، ابن معظم شاه العرف الشذي شرح سنن الترمذي تحقيق محمود أحمد شاكر، ط/1 مؤسسة ضحى للنشر والتوزيع
48 - ابن الكلبى، الأصنام، تحقيق أحمد زكى ط/ الدار القومية للطباعة والنشر
49 - الماوردي: علي بن محمد: النكت والعيون (تفسير الماوردى)، تحقيق السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم، ط دار الكتب العلمية، بيروت، (د. ت)
50 - المباركفوري:عبد الرحمن بن عبد الرحيم: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ط/ دار الكتب العلمية – بيروت (د. ت)
51 - المباركفوري: عبيد الله بن محمد عبد السلام، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ط/ الجامعة السلفية، بنارس الهند، سنة 1984م
52 - مقاتل بن سليمان: تفسير مقاتل، ط/ دار الكتب العلمية، بيروت، سنة 1424 هـ - 2003 م
53 - النعيم: عبد الله محمد الأمين، الاستشراق في السيرة النبوية ط/ المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينيا 1997م
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[31 Aug 2009, 12:45 ص]ـ
جزاك الله خيراً وبارك في جهودك، بحث ممتاز جعله الله في ميزان حسناتك.
ـ[سُدف فكر]ــــــــ[01 Sep 2009, 08:52 ص]ـ
جزاك الله خيراً وبارك في جهودك، بحث ممتاز جعله الله في ميزان حسناتك.
حقا بحث ممتاز رغم أني لم أكمل قراءته
وهو مهم جدا ولابد لطلبة العلم وخصوصا في مجال التفسير أن يطلعوا عليه حتى لا يوردوا عليهم المستشرقين هذه الشبه
جزاك الله خيرا د. جمال وبارك في علمك وعملك
ـ[عبد العزيز المصري]ــــــــ[06 Oct 2009, 11:34 ص]ـ
الكاتب الكريم، البحث ممتاز، فهل تتكرم برفعه في صيغة وورد؟(/)
حوار مفتوح حول عصمة الكتاب المقدس والتحليل اليوناني العبري للمخطوطات
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[11 Sep 2009, 02:58 ص]ـ
هذا حوار مفتوح تم بيني وبين أخي الحبيب شيخ عرب حول تحريف الكتاب المقدس وضعت فيه بعض الاصول لنقاش قضية العصمة بالشواهد الموثقة من المراجع النصرانية وذكرنا فيه كلام علماء النقد الكتابي والمفسرين حول تحريف الكثير من النصوص وبعدها تم التحليل لهذه النصوص من المخطوطات من ناحية اللغة سواء المتعلقة بالعهد الجديد أو القديم.
http://www.sheekh-3arb.net/library/almo7adth_shekh-3arb1.rm
http://www.sheekh-3arb.net/library/almo7adth_shekh-3arb2.rm
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[11 Sep 2009, 04:41 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الكرام هذه صور لمخطوط قديم أرسله لي بعضهم يطلب المساعدة في الترجمة إذا كان ذلك ممكناً فتكرموا مشكورين
وفقكم الله
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[12 Sep 2009, 11:58 ص]ـ
لم أتمكن من رفع الصور عن طريق مركز رفع الصور كلما حاولت الدخول يقال حسابك لا يسمح لك بدخول هذه الصفحة ... !
أرجو ممن يتمكن من ذلك أن يرفع الصور المرفقة مشكوراً ومأجوراً إن شاء الله عز وجل.
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[13 Sep 2009, 04:04 ص]ـ
لو تتمكن شيخنا من ضغط هذه الصور في ملف ورفعها يكون خيراً ومنتظر رايكم حول هذه المحاضرة
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[13 Sep 2009, 10:42 م]ـ
هذا حوار مفتوح تم بيني وبين أخي الحبيب شيخ عرب حول تحريف الكتاب المقدس وضعت فيه بعض الاصول لنقاش قضية العصمة بالشواهد الموثقة من المراجع النصرانية وذكرنا فيه كلام علماء النقد الكتابي والمفسرين حول تحريف الكثير من النصوص وبعدها تم التحليل لهذه النصوص من المخطوطات من ناحية اللغة سواء المتعلقة بالعهد الجديد أو القديم.
أولاً: من منظور إسلامي لا يصح أن نتابع النصارى على تسميتهم، بل نقول كتاب النصارى.
ثانياً: نقاش التحريف فرع عن إثبات الأصل،وأصل هذا الكتاب غير معروف.
ثالثاً: يمكن مناقشة هذا الكتاب من حيث نسبته إلى الله هل تصح أم لا.
رابعاً: يمكن استخدام هذا الكتاب لبيان بطلان عقيدة النصارى، وفي الحقيقة الاحتكام إلى هذا الكتاب في هذا الموضوع جدير بنسف عقيدة النصارى من جذورها.
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 02:07 ص]ـ
الاولي لك ان تسمع هذه المحاضرة أفضل من هذه التعليقات النظرية التي تثبت انك لم تسمعها لذا لن اعلق علي ما ذكرت فكما أكره المشاركة في مقال لمجرد المشاركة اكره الرد لمجرد الرد خاصة انه لن يفيد علي الارجح.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[14 Sep 2009, 03:52 ص]ـ
الاولي لك ان تسمع هذه المحاضرة أفضل من هذه التعليقات النظرية التي تثبت انك لم تسمعها لذا لن اعلق علي ما ذكرت فكما أكره المشاركة في مقال لمجرد المشاركة اكره الرد لمجرد الرد خاصة انه لن يفيد علي الارجح.
هذا وجهة نظرك أخي الكريم
والأولى لي أنا أدرى به، ولست بملزم أن أسمع المحاضرة، وأنا فقط علقت على موضوع طرح أمامي.
أما تعليقك من عدمه فهذا أمر يرجع إليك ولن تضرب على يدك!
وما تحبه وتكرهه فهو شأنك الخاص.
أما أنا فقد كتبت ما أعتقده ولست بلزم بالرد عليه حتى ولا قراءته.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[14 Sep 2009, 08:28 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم صهيب وفقك الله وبارك في جهودك لكن اعذرني فلا أستطيع سماع المحاضرة لأن الإنترنت عندنا في سوريا بطيء جداً جداً .... فـ 19 ميغا تحتاج إلى يوم كامل حتى يتم التحميل ...
لكن ساتواصل معكم إن شاء الله عز وجل بشأن موضوع المراجع والمصادر في الأديان والنصرانية على وجه الخصوص كما أفدتم برغبتكم في المساعدة في هذا الشأن في رابط آخر ...
وفقكم الله وبارك فيكم
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 08:32 ص]ـ
الاخ حجازي الهاوي/
الموضوع الذي طرح هو عين المحاضرة لا التنويه عنها!! وكتابة ما تعتقده في هيئة استدراك من غير سماع المحاضرة لا يصح!! خصوصاً لو ان المحاضرة تظهر ما غاب في المقدمة التي كتبتها وتبينه .... والله المستعان
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 08:41 ص]ـ
الدكتور الغالي أحمد الطعان انا في خدمتكم وفي خدمة طلبة العلم في أي وقت ....
هل الصور المرفوعه هي فقط ما تريد ترجمته؟ وهل هي من العهد الجديد؟ ام متعلقه بكتابات آخري ..... اريد ان اعرف حتي اجتهد فى محاولة الحصول علي ترجمة لهذه المخطوطات ..... جزاكم الله خيراً
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[15 Sep 2009, 12:24 ص]ـ
الأخ المكرم صهيب: الصور هي لمخطوط لا نعرف مضمونه ونبحث عمن يترجم لنا هذه الصفحات واللغة المكتوب بها هي لغة حبشية قديمة. وفقك الله.
وحين تحتاج إلى صفحات أخرى سأزيدك ...
أريد تقييما علمياً وتاريخياً للمخطوط.
بارك الله فيكم وأيدكم(/)
النظرة العقلية في الاوهام البابوية
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[14 Sep 2009, 06:38 م]ـ
بسم الله والحمد لله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك علي الحبيب المصطفي المشرف بالشفاعه المخصوص ببقاء شريعته الي قيام الساعة صلاة باقية ما تعاقب الليل والنهار.
الرد على مقولة الخطية موجهة ضد الله
هذا ما أورده البابا شنودة في الكثير من كتبه، منها كتاب بدع حديثة في اللاهوت المقارن ((الطبعة الأولى ديسمبر 2006)) الناشرالكلية الإكليريكية بالعباسية_القاهرة صفحة 46
قال ((هذه القاعدة لازمة لعقيدة الفداء، لأنه مادامت الخطيئة موجهة ضد الله والله غير محدود تكون الخطية غير محدودة ولا تنقذ من هذه العقوبة إلا كفارة غير محدودة ومن هنا جاء التجسد والفداء))
قبل أن أبدأ في التعليق على تلك النظرية أشير إلى:_
أولا: ما قاله البابا شنودة بخصوص أنها لازمة لعقيدةالفداء يترتب عليه أنه بعد إبطال تلك النظرية وإثبات عدم صحتها لا مجال لذكر عقيدة الفداء وبالتالي لا صلب ولا اتحاد بين الناسوت واللاهوت ولاا لوهيه للمسيح عليه السلام كما يزعمون.
ثانيا: أن العقيدة تثبت بالنقل لا بالعقل لانها خبرعن الله ولا يصح لنا ان نثبت لله صفة الا ان اثبتها لذاته او اخبرنا نبي من انبياء الله بتلك الصفة لانا لكي نصف شئ اما ان نكون احطنا به علما او له نظائر يقاس عليها وهذان الامران منتفيان في حق الله عز وجل بنص كتبهم اما الاحاطة بالله فاذا كان الله لم يره احد قط - انجيل يوحنا الاصحاح الاولالعدد 18 ـ فكيف يحاط به علما اما النظائر فقد جاء النفي في اكثر من موضعفي كتابهم منها علي سبيل المثال ما ورد في اشعياء الاصحاح 40 العدد 25 (فبمن تشبهونني فاساويه يقول القدوس)
اذن لا سبيل الا النص لنثبت صفة لله لانه غيب ولايوجد له شبيه لنقيس عليه وكذلك كل غيب من احداث وعقائد وهذا ما يفتقر اليه النصاري فيدعون ويجعلون ادعائهم هو الحجة بعدها بلا بينة وكان يجب عليهم ان ياتونا بنص ونتاكد ان هذا النص قاله نبي من انبياء الله بهذه الخطة العبقرية وهذا الوصف العبقري للخطيئة بكونها ضد الله وانها لامحدودة ومادام لا يوجد أدلة نقلية على هذه المسالة من الكتاب المقدس فلسنا في حاجة لاثبات تحريفه وانه لا يعتمد عليه في الاعتقاد لان ما به اما كذب يقينا اومشكوك في صحته لذا سارد عليه ولكن بالدليل العقلي وليس بمنظوره الفلسفي الذي ليس له اي مستند من العقل او الشرع.
نقض النظرية:_
أولا: لا نفهم لماذا البابا وغيره من الآباء قال أن الخطيئة ضد الله، هل معنى ذلك أن ادم وجه اهانة الي الله_وهذا سؤال يوجه للمسيحي_ لا اظن احد يفهم هذا من الكتاب المقدس ولكن الصحيح ان نقول انها كانت امام الله وليست ضد الله لان ادم ما قصد بها اهانة الله هو كما قال اعطته المراة واكل والمرأة ما ارادت ايضا اهانة الله ولكنها ارادت الحياة علي ما جاء بكتابكم وما اظن البابا سيقول انها ما دامت امام الله تكون لا محدودة لانا كلنا امام الله وافعالنا امام الله ومحدودة.
ثانيا: قال البابا أن الخطيئة لا محدودة لأنها ضد اللا محدود، وبينا ان هذا غير صحيح لانها كانت أمام الله وليست ضد الله لكن لوسلمنا بانها ضد الله فكيف يقول ما دامت ضد الله والله لا محدود اذن هيلا محدودة بأي مقياس وباي عقل حكم بهذا؟ من قال أن الفعل يقاس بمن فعل في حقه الفعل.؟ ((القاعدة الصحيحة العقلية التي يقبلها أي منطق أن الفعل يقاس على فاعله)) آدم محدود تكون خطيئته محدودة)) (فمثلا لو لكمني طفل صغير وانا بطلٌٌٌ في كمال الاجسام لن اقول ان الضربة قوية لاني قوي ولكن ساقول الضربة ضعيفة لان من قام بها ضعيف ولا اظن ان لهذا معارض))
أي استطاعة الفعل تقاس علي قدرة الفاعل لا علي قدرة المفعول له فأدم لأن قدرته محدوده لا يستطيع أن يفعل الا المحدود وعلي خلاف هذا فلأن الله قدرته لا محدوده فيستطيع ان يفعل المحدود واللا محدود.
*ويضربون مثلا هنا ليشكلوا به علي هذا الامر البديهي وهو أن الفعل يقاس علي فاعله وليس المفعول له اليك هذا المثال وبيان انهذا المثال يؤكد تلك القاعدة ولا ينفيها:
يقولون أنه لا يستوي سب الملك مع سب شحاذ فهنا اختلف الفعل علي حسب المفعول له
ونرد عليهم قائلين:
ان هذه التفرقة هي للعقوبة المنتظرة من كلا الشخصين فسببت الشحاذ ولم أأبه به لأني أمنت جانبه أم الملك فتورعت عن سبه خوفا من عظم عقوبته فهنا قست العقوبة علي المعاقب وهذا هو الفارق الحقيقي بين سبي للشحاذ وسبي للملك لأن ان كان كلاهما غير مستحق للسباب فالفعل مذموم سواءكان الملك او الشحاذ المسبوب ولكن تفرقي بين سب الملك والشحاذ خشيت العقوبة التي ستقع علي من صاحب السلطان اذا الفعل هنا قيس علي فاعله وهو المعاقب لأن في هذا المثال الفارق في العقوبة وليس في السب فقست العقوبة علي قدرة كل من الملك والشحاذ.ولا اشكال عندنا في قضية تفاوت وصف الفعل بدرجات العظمه والقبح فيقال هذا عظيم وهذا اقل عظمه الخ لكن الاشكال ان مصطلح لا محدود له لوازم غير متوافره في البشر واي فعل يفعله البشر لا يخرج عن كونه محدوداً لان قدرة البشر محدوده وكذا جميع المخلوقات.
ثالثا:-لا نستطيع ان نقيس في ظل هذه القاعده لا الشر ولا الخير لأنهم في حق اللا محدود فالذنب الصغير ((كالنظر إلى النساء مثلا)) لا محدود لأنه في حق الله والذنب الكبير ((كإلقاء قنبلة على مدينه)) لا محدود لأنه في حق الله والخير الصغير ((كالكلمة الطيبة)) لا محدود لأنه فى حق الله والخير الكبير ((كالجهاد)) لا محدود لانه فى حق الله.
رابعاً: ولبيان فساد مقاله اكثر وأكثر، لو سلمنا بهذا وان خطية ادم لا محدودة لانها كانت امام الله واعتبارها البابا ضد الله اذن توبة ادم لا محدودة لانها موجهة لله وتكون كفارة للخطية اللا محدودة التي فعلها آدم وتنتهي المسالة طالما أن كل فعل في حق الله لا محدود. وهنا نسال المسيحي لما لم يفعل ادم فعل خير فى حق اللا محدود ويكون فعل خير لا محدود تغفر به الخطية اللا محدودة التي فعلها ادم عليه السلام؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[07 Oct 2009, 06:56 م]ـ
جزاك الله خيرًا ..
لكن عظم الخطيئة أو المعصية أو الجريمة وعقوبتها لا يعتمد على عامل واحد فقط:
بل هو يعتمد على فاعلها والمفعولة ضده ونوع الجريمة نفسه ..
ومن أمثلة ذلك في الشرع الحنيف أن عقوبة الزاني المحصن ليست كغير المحصن ..
ولا الزانية الحرة كالأمة ..
وهذا فيما يتعلق بالفاعل ..
أما فيما يتعلق بالفعل، فإن عقوبة الزنى ليست كعقوبة السرقة ..
وحد قذف المحصنات ليس كحد الحرابة مثلاً ..
أما فيما يتعلق بالموجهة ضده المعصية فإن سب شخص ما أو قذفه ليس كسب الذات الإلهية أو سب الدين ..
وهكذا ..
وهذا التفاوت في العقوبة والمقدار مما ركز في الفطر واطمئنت إليه العقول ..
لهذا نجد أن القوانين الوضعية تتفاوت عقوباتها حسب هذه العوامل ..
فليس إفشاء أسرار الدولة العليا مثلاً كسرقة بنك ..
رغم أنها كلها جرائم ضد القانون وضد النظام وضد الحكومة ..
إلا أن عظم الجريمة يختلف باختلاف الفاعل والفعل والمفعول في كل مرة ..
لهذا عندما يستند بطريرك القبط في كون أي خطيئة ضد الله غير محدودة إلى كونه تعالى غير محدود فإنه في هذا لا يستند على دليل عقلي حقيقي أو فطرة بشرية راكزة ..
إنما إلى تأويل أكروباتي بعيد وتكلف وتحذلق في غير موضعهما ..
والله المستعان على ما يصفون.(/)
تأثير الثقافة الهلينية علي تأسيس العقائد النصرانية_ لعميد كلية اللاهوت الانجيلية
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[15 Sep 2009, 10:30 ص]ـ
المدخل الي العهد الجديد
الدكتور القس فهيم عزيز
عميد كلية اللاهوت الانجيلية
طبعة دار الثقافة المسيحية
العلاقة التي تربط العهد الجديد بالهلينية
((66_75))
معنى الهلينية: إذا كان الأمر كذلك فما هو المعنى للهلينية؟ وماذا يقصد بها؟ يفرق العلماء بين اصطلاحيين: Hellenistic Hellenic ويقصدون بالاصطلاح الأول Hellenic الثقافة اليونانية الكلاسيكية من القرون التي سبقت مجيء الاسكندر الأكبر أي أنها الثقافة التي انتشرت في " المدن والدول" كمدينة أثينا وغيرها، وتشمل هذه الثقافة التفكير اليوناني في كل أوجهه إلى جانب العوائد والتقاليد وطرق المعيشة والسياسة، وبمعنى أدق كل نشاط برز في الحياة اليونانية سواء أكان فكرياً أم عملياً. ولقد امتازت هذه الثقافة بامتيازات سامية، فقد بدأت ترفع قيمة الفرد وحولت نظرة من السماء إلى نفسه كما ظهر في فلسفة سقراط بشعارها الخالد " اعرف نفسك" وبهذا العمل حولت الفلسفة من فلسفة إلهية تدرس ما وراء الطبيعة إلى فلسفة إنسانية تبحث في مشاكل الإنسان والمدينة. ثم هذبت الديانة فتحول الآلهة من قوى عمياء متصارعة مخيفة إلى كائنات أو آلهة أبطال يمثلون كثيراً من الصفات النبيلة بحسب التفكير اليوناني من أمثال زيوس وهرقل وغيرهما.
1 - العلاقة التي تربط العهد الجديد بالهلينية:
لا يستطيع أي دارس أن ينكر أن هناك علاقة ما بين العهد الجديد وبين تيار الثقافة الهلينية الذي ساد ذلك العصر. ولا يعقل أن الكنيسة المسيحية التي نبتت في وسط ذلك التيار الجارف ظلت بمنأى عنه غير متأثر به. ومن يفتح العهد الجديد ويقرأه لأول مرة وهو يعرف بيئة ذلك العصر، لا يخفى عليه ذلك الأثر الذي تركته تلك البيئة عليه. إن الاختلاف بين دارسي الكتاب لا ينصب على الارتباط بين العهد الجديد والمسيحية من جانب والهلينية من جانب والهلينية من جانب أخر، فغالبيتهم تقريبا متفق في ذلك، ولكن الاختلاف يكمن في تحديد نوع ذلك التأثير ومداه. ولا يسعنا هنا أن نضع تحديد لذلك قبل أن نورد بعض النقط التي عندها يتلاقى العهد الجديد بالهلينية، لنرى مقدار تأثر أحدهما بالأخر. ويمكن القول بأن أشهر المراكز الهلينية التي تهمنا في هذا المضمار هي
1. الديانات السرية.
2. الغنوسية.
(1) الديانات السرية: الديانات السرية هي أقوى محاولة قام بها الإنسان لكي يتخلص من سجن التعاسة، والإحساس بالخطبة، والخوف من الموت، ثم لضمان الخلود لنفسه. ولقد بدأت في بلاد اليونان قبل العصر الهليني في ديانتين سريتين: الأولى هي الديانة الأوروفية Orphism نسبة لذلك المعن اليوناني الأسطوري أورفوس وقد انتشرت في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد اليونان. ثم الديانة الأسوسينية، وقد كانت الديانة الرسمية، وترتبط بالإله ديمترويوس Demeter الذي كان يمثل قيامه الحياة النباتية في الربيع بعد موتها في الشتاء"
ولكن يعد فتوحات الاسكندر بدأت الديانات تختلط بما حولها ونظراً لما كان عليه الرومانيون من تساهل وتسامح بالنسبة للديانات الأخرى فقد بدأت عناصر جديدة غريبة تدخل إلى الثقافة الهلينية وخصوصاً .. تلك الديانات والطقوس الكثيرة التي انتشرت في شرق حوض البحر البيض المتوسط. فظهرت بذلك مجموعة كبيرة من الديانات السرية ذات الطقوس الغريبة التي كان يمارسها المتمسكون بها.
ولكن ما هي الديانة السرية؟ رغم كل الاختلافات الكثيرة في التفاصيل ورغم السرية الكاملة التي كانت تفرض على طقوس الديانة وعدم البوح بها لدى إنسان خارجي، رغم ذلك فالديانات السرية كلها تشترك في عناصر أساسية لا تختلف فيها ديانتان: هذه العناصر تتلخص في أن الإنسان عنصراً إلهيا جاء من الإله من السماء، ولكن هذا العنصر السامي سجن في سجن المادة في جسد الإنسان، سجن ليتعذب ويتألم، ولابد له من التحرر من هذا السجن ليصعد إلى مصدره الذي جاء منه. ولا توجد طريقة لذلك سوى الاجتياز في اختبار الإله العميق. ذلك الاختبار هو الموت والقيامة. ولكن قبل ذلك الاختبار عليه أن يقوم ببعض الطقوس، فهناك طقس للتطهير من الخطايا، كالمعمودية، ثم هناك فريضة أخرى هي الأكل مع الإله والاشتراك معه في مائدة مقدسة واحدة هي
(يُتْبَعُ)
(/)
مائدة الإله. ثم بعد ذلك الدخول في ذلك الاختبار السري اختبار الموت مع الإله. فآلهة الديانات السرية هي آلهة تشترك مع البشر في الألم. وهي تموت ثم تحيا من الموت مرة أخرى. ويجوز المؤمن بها، ذك الاختيار " الموت والقيامة" وبذلك يقال عنه بأنه ولد من جديد، أو أنه جاز اختيار الولادة الجديدة، وهكذا يضمن لنفسه الحياة الخالدة. وبهذه الطقوس يحاول الإنسان أن يتلخص من الشعور بالخطية والتعاسة، ثم يضمن لنفسه الخلود والحياة اللانهائية.
ويقابل هذا كله ذلك المستقبل المظلم الصعب الذي يقابله الإنسان الخارجي الذي لا يقوم بهذه المراسم.
ومع ذلك فلم يحاول أي مؤمن بديانة من هذه الديانات أن يشجب الديانات الأخرى على أنها لا نفع منها أو فيها، ولكنه كان يعتقد أن كل الديانات السرية نافعة، وكثيراً ما كان يشترك في ديانتين أو أكثر ضماناً منه للفائدة ولراحة النفس من العذاب.
وكان يمر في مراحل متعددة تبقى كلها سرية مطلقة لا يعرفها إنسان أخر ممن لم يدخلوا ضمن الأتباع.
هذه هي الخطوط العريضة للديانات السرية. ويستحسن هنا أن ندرس تفاصيل إحدى هذه الديانات كمثل من الأمثال المشهورة التي يقابلها من يدرس ذلك العصر. هذه الديانة اسمها Mithraism.
وكانت ديانة المثرية ديانة شعبية انتشرت بشكل خطير في الإمبراطورية الرومانية في القرن الثاني والثالث الميلاديين، وكانت أكبر منافس للمسيحية، حتى أن رينان الفليلسوف الفرنسي كان يتخيل أنه لو لصارت المسيحية عطب ما يمنعها من الانتشار لصارت ديانة مثرا هي الديانة البديلة لها التي تستولى على عقول الناس، ولكن هذه الديانة أوقفت بقوة القانون في أوائل القرن الرابع عندما أعلن قسطنطين أن الديانة المسيحية أن الديانة المسيحية هي ديانة الدولة الرسمية. ولما حالو بوليانس المرتد إرجاعها فشل زعم ما استخدمه من عنف وقسوة وتنسب هذه الديانة إلى الإله مثرا وهو أحد الآلهة الهندية وقد ظهر اسمه في القرن السادس عشر قبل الميلاد كشاهد قوي على معاهدة ابرمن بين ملكين. وقد كشفت النقوش القديمة على أن آلهة تلك الشعوب كانت تنقسم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى هي ألهة الطبيعة، أما المجموعة الثانية هي آلهة المجتمع البشري، وكان مثرا من آلهة المجموعة الثانية وكانت وظيفته هي مراقبة المعاهدات التي يعقدها الأفراد أو الدول بعضها مع بعض، ومراقبة تنفيذ تلك المعاهدات.
ولما ظهرت الديانة الزرادشتية انتقل مثرا من غرب آسيا إلى بلاد فارس، وارتفع في أعين الزرادشين حتى صار الإله الثاني بعد أهوراما زادا إله الخير، وكانوا يطلقون عليه لقب إله النور. ثم ارتفع حتى صار حارس البشرية، الموجود في كل مكان، مراقب كل المعاهدات، والمنتقم من كاسري العهود، والمنتصر في كل الحروب، واخيراً أضحى الوسيط بين الناس وبين أهورا ازادا.
وأخيراً دخل مثرا إلى الإمبراطورية الرومانية وبدأت ديانته تنتشر بين شعوب الإمبراطورية من بدء حكم قيصر تراجان، واتسعت إلى أن فاقت كل الديانات، ويعزي انتشارها هكذا بهذه السرعة وهذا العمق إلى عساكر الجيوش الرومانية الذين اعتنقوها وحملوها إلى أي مكان ذهبوا غليه، ثم إلى أسرى الحروب، الذين حملوها معهم إلى روما قلب الدولة الرومانية.
هذا هو تاريخ مثرا كإله عندما انتشرت في الدولة الرومانية، ولكن هناك أسطورة Myth تحكي قصة حياة مثرا لنفسه، تقول الأسطورة إن مثرا ولد من الصخرة العظمى. وعندما خلق أهورا مازادا الثور العظيم هرب منه، فما كان من مثرا إلا أن تعقبه ثد قدم ذلك الثور ذبيحة حتى يمكن للأرض أن تخصب من دمائه المنبثقة منه. لكن أهوراما إله الشر أراد أنه يمنع تلك الدماء من أن تنسكب على الأرض فتخصبها فأرسل العقارب حتى يمنع مثرا من ذبح الثور. ولكن مثرا انتصر على العقارب وانسكبت الدماء. وكان مع مثرا كلبه الأمين وحية تمتص دماء الثور وهي تعبير عن الخصب والنماء.
هذه هي الأسطورة وهذا هو تاريخ الديانة. ولكن هناك ما هو أهم لنا من تاريخ الديانة وأسطورة الإله. إن المهم لدراستنا هو تلك الطقوس الدينية التي كان يقوم بها معتنقو هذه الديانة.
(يُتْبَعُ)
(/)
يؤخذ من دراسة كتابات الآباء (جيروم، رسالة 107) أن من كان ينضم إلى جماعة مثرا لا يستطيع أن يدخل دفعة واحدة، بل عليه أن يمر في سبع درجات متتالية، هي سبع أبراج الكواكب، تمر فيها الروح حتى تصل إلى نهاية الرؤيا والمجد الأعظم. وهذه الدرجات حسب ترتيبها هي: الغراب – العريس – الجندي – الأسد – الفارس – مخدع الشمس – الآب. وعلى المؤمن، عندما يصل إلى درجة معينة، أن يلبس لباساً خاصاً بها، فمثلاً عندما يصل إلى برج الجندي فإنه يلبس لباس الجندية ثم يدخل إلى كهف عسكري ويمسك بسيف يضعه على رأسه، ثم يرفعه ويضعه على كتفه ليظهر أن مثرا هو تاجه ومجده، وأنه هو جنديه وشهيده إذا لزم الأمر، ثم يسام على جبهته بعلامة بقضيب محمي بالنار، وبعد ذلك يسمى بالخادم. وعندما يصل إلى برج الشمس فإنه يسمى شريكا، وعندما يصل إلى نهاية يدخل في عهد السرية التام.
وإلى جانب هذه الرحلة الدينية عليه أن يقوم بطقوس أخرى. فهناك المعمودية بالتغطيس لإزالة ثقل الخطية والتطهير من الشر، وبعد المعمودية يولد الإنسان ولادة ثانية.
وهناك مائدة مثرا وهي مائدة مقدسة يأكل منها مع الإله مثرا ليشترك في خبرة الإله .... موته وقيامته.
وعندما يصل إلى برج الأسد فإنه يتناول الخبز والخمر المقدس. وعيد مثرا هو يوم 25 ديسمبر وهو عيد قيامة الشمس، فإن الناس قديماُ كانت تظن أن الشمس تسير في طريها إلى الموت حتى تصل إلى أقصى الضعف يوم 21 ديسمبر ثم تبدأ بعد ذلك في الحياة.
هذه هي ديانة مثرا وفيها نجد التشابه الكبير بينها وبين المسيحية في الطقوس: المعمودية والولادة الثانية والأكل مع الإله واختبار الموت والقيامه مع الإله. ولكن ماذا يميز المسيحية عن المثرائية؟ إن الفرق العظيم الذي يكون فجوة لا تعبر بين الإثنين هي أن المسيحية ديانة بنيت على حقيقة تاريخية ملموسة .. ومركزها هو شخص عاش في التاريخ مات وقام ... عرفوه ورأوه ولمسوه وشهدوا له بحياتهم. أما ديانة مثرا وغيرها فهي ديانة طقسية بنيت على أسطورة لا أساس تاريخي لها .. هي من خيال الإنسان الذي يريد الخلاص.
(2) الغنوسية: هي حركو دينية اختلطت فيها مجموعة من الظواهر والمعتقدات، ظهرت بوضوح في القرن الثاني الميلادي، واستمرت إلى القرن الرابع بل والخامس ولكن هذا لا يعني أنها ظهرت فجأة، بل كانت لها جذورها التي بدأت تنمو وتتكون قبل هذا الوقت بكثير.
والمصدر الأساسي الذي نعرف منه الغنوسية هي كتابات جماعات من الناس متفرقة وغير مرتبطة، حرمتها الكنيسة باعتبارها جماعات هرطوقية.
وقد فقدت كتابات كثيرة منها ولم نعرف عنها شيئا سوى من كتابات الآباء الذين كانوا يردون عليهم ويفندون آرائهم. ولكن العصر الحديث كشف عن كنز ثمين من أوراق البردي في منظمة نجح حمادي هي عبارة عن كتابات كثيرة غنوسية. منها مثلا "إنجيل الحق" وغيره، فألقى نوراً واضحاً على عقائدهم وآرائهم.
ونظراً للأفكار الكثيرة الغير مترابطة، والاختلافات المتعددة التي تصل إلى حد التناقض في كتاباتهم، فلا يمكننا أن نعمل دراسة منظمة عن أسلوب التفكير والحياة فيها، ولكننا مروراً عابراً على بعض أوجهها المختلفة التي ظهرت. هناك مجموعة من النظم والمظاهر فيها منها:
1. الغنوسية السريانية:
وتنسب إلى سيمون ماجوس. ولقد اعتبر سيمون نفسه الثالوث القدس وأنه هو الذي يخلص أتباعه بنعمته وليس بأعمال الناموس. واستشهد بما جاء في (أفسس 2:8 9). ويظن أتباعه أنه نزل من السماء. وقد تطرف تلاميذه فظهر واحد منهم اسمه ميناندر Menandor قال أيضاً إنه نزل من السماء وأوجد نظام المعمودية السحرية التي توجد الشباب الدائم.
وقد ظهرت نسخة أخرى من هذه العقيدة في أنطاكية صاحبها رجل اسمه ستورنيس Saturenius الذي قال إن الإله الأعلى مجهول، وقد خلق كائنات روحية التي خلقت العالم. وقد رأت هذه الكائنات صورة مضيئة آتية من السماء فأرادوا تقليدها ولكنهم لم ينجحوا في ذلك إلا بعد أن انطلقت شرارة سماوية فأعطت الحياة لما عملوه. هذه الشرارة هي العنصر السماوي الذي يجب أن يخلص من شر المادة. وقد جاء المسيح لكي يخلص هذا العنصر السماوي. ولم يكن هذا المسيح إلا جسداً ظاهراً فقط. وقال ميناندر إن الناموس قد أعطى بواسطة الملائكة الذين ألهموا الأنبياء.
(يُتْبَعُ)
(/)
جمع الغنوسية السريانية كانت تحتوي على عنصر أنثوي يسمى "فكر الله" وقد بنى الغنوسيون حياتهم على هذا الأساس، فكانت حياتهم إباحية وبلا ناموس فيما عدا استاوروس الذي أنكر العنصر الأنثوي ونادى بالتعفف وادعى بأن المسيح جاء لكي يبيد العنصر الأنثوي هذا.
2. مارسيون:
ويعتقد أنه كان من الغنوسيين، وسوف ندرس عنه شيئاً في الفصل الخاص بقانونية الكتاب المقدس.
3. فالينتينوس Valentinus:
هو الذي كتب إنجيل الحق، الذي اكتشف في نجح حمادي (نشر في سنة 1956). هذا الكتاب أكثر بساطة وشاعرية وأميل إلى اليهودية من الكتابات الغنوسية الأخرى، حتى قال عنه إيريناوس إنه يمثل دوراً مبكراً من تعاليم فالينتينوس.
ويظهر من كتابات إيريناوس أن فالينتينوس نادى بانبثاق العناصر السماوية من الإله الأعظم. وأخر عنصر من هذه العناصر الإثنى عشر كان الأنثى:صوفيا" أو الحكمة. وكانت غير مستقرة، ودفعها عدم استقرارها هذا إلى السقوط في الظلمة الخارجية، وهناك حبلت تلقائيا وولدت ابنا غير ناضج هو الذي خلق الكون، واستخدم عواطف أمه المتجمدة في خلق العالم، فمن دموعها عمل المياه، وهكذا. ولكن أمه وضعت في المخلوقات الشرارة المقدسة فتشاجر معها، ولكن لكي تخلص نفسها والجنس البشري منه، أرسلت يسوع ليجمع العنصر المقدس. ويقول فالينتينوس إن الزواج في الجنس البشري هو تقليد رمزي للصلة الروحية في العالم الروحي حيث يتزوجون هناك زواجاً مقدساً.
4. باسيليدس Basilides:
هو معاصر عجوز لفالينتينوس. علم باسيليوس هذا أن في البدء لم يكن شيء ولكن غله غير موجود خلق بذرة من لاشيء. ومنها أوجد أنواعاً مخلفة من الموجودات هو هدف التاريخ، وعندما ينتهي هذا الرجوع يأتي النسيان على الأرض ولا يوجد هناك خلاص. لكن باسيليدس لم يستطيع أن يجتذب إلى تعاليمه أناساً كثيرين نسبة لما ينادي به من عقيدة "الفناء"
5. النظم اللاحقة:
في القرون التالية حاول العنوسيون أن يربطوا تلك العناصر الموجودة في النظم المبكرة التي سبق ذكرها، وحاولوا أن يجدوا أساساً في الفلسفة اليونانية والفلسفة الشرقية والتاريخ والأساطير، ولكن أهم ما كان يضع الغنوسية في مكان الهرطقة في نظر المسيحيين هو الثنائية المطلقة، وأن المادة شريرة ولا خلاص لها، وأن العنصر السماوي في الإنسان خير ويجب أن يخلص. والخلاص يقوم عن طريق المعرفة وإذا كان يسوع هو المخلص فذلك لأنه جاء بالمعرفة.
وعلى أساس هاتين العقيدتين الغنوسيتين بدأ العلماء يفسرون موقف إنجيل يوحنا وكتابات الرسول بولس مثلا: فالمعرفة تحتل مركزاً كبيراً في هذه الكتابات (يوحنا 3: 11 – 13، 8: 32، 17:3، 1 كورنثوس 2) وإلى جانب ذلك ظنوا أن التقابل بين الجسد والروح، النور والظلمة، الحق والكذب في كتابات الرسولين يوحنا وبولس هي عقائد غنوسية ثنائية.(/)
بحث في تحريف أشهر نص لاثبات لاهوت المسيح_عقيدة التجسد
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[16 Sep 2009, 08:15 م]ـ
بسم الله والحمد لله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك علي الحبيب المصطفي المشرف بالشفاعه المخصوص ببقاء شريعته الي قيام الساعة صلاة باقية ما تعاقب الليل والنهار.
هذا البحث فيه بيان تحريف النص الوحيد الخاص بقضية التجسد في الكتاب المقدس
نص رسالة تيموثاوس الاولي 16:3 (ترجمة الفانديك)
1تي 3:16 وبالإجماع عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الأمم أومن به في العالم رفع في المجد
مقدمة:
-تقوم العقيدة المسيحية على ضرورة قدوم الله متجسدا في صورة إنسان من اجل أن يُقدَم ذبيحة خطية فداءا للبشر، مما يكسب النص محل البحث أهمية كبيرة وسط نصوص الكتاب لإثباته واقعة التجسد – المرفوضة عقلا – بل ويرتقي إلى مرتبة " النصوص ذات الأهمية القصوى " حيث انه لا يوجد أي نص أخر في الكتاب المقدس يمكن الاستعانة به من اجل تدعيم فكرة تجسد الله عز وجل – تعالى الله عن ما يقولون علوا كبيرا – فإذا انتزع هذا النص من الكتاب لن يوجد بالكتاب أي دليل علي التجسد الإلهي المزعوم، بل سوف تجبرنا باقي نصوص الكتاب على احترام المسافة التي وضعها يسوع بينه وبين الله عز وجل حيث أوضح – يسوع – انه في مرتبه اقل من الآب .. في العظمة والقدرة والعلم .. إلى غير ذلك ..
وفي هذا البحث البسيط سوف يتم عرض دراسة موجزة عن هذا النص نتناول فيها القراءة الخاصة به في المخطوطات مع ذكر نبذة مختصرة من تعليقات بعض المراجع المسيحية المعتد بها حول النص، بالإضافة إلى مجموعة من التراجم المعتد بها للكتاب المقدس وكيف تناولت ترجمة النص محل البحث ..
راجين من الله عز وجل أن يوفقنا إلى الحق بإذنه فهو ولي ذلك و القادر عليه،،
أولا شهادة المخطوطات:
-بالرجوع إلى أهم وأقدم المخطوطات التي ورد بها هذا النص نجد أن النص اليوناني والمعول عليه الترجمة العربية – على ما يعتبر- لا يوجد به لفظ الجلالة " الله "???? بل بدلا منها يوجد " الذي "??
مما يجعل الترجمة الصحيحة للنص:
عظيم هو سر التقوى الذي ظهر في الجسد ..... إلى أخر النص
وقد شهدت لنا مخطوطات عديدة على صحة هذا الأمر منها:
السينائية، السكندرية، الافرامية، الاثيوبية، F، G،33 ، 365، 1175 و2127
راجع كتاب
The Greek new testament _4 edition
Isbn 3_438_05110_93_438_05113_3 with dictionary
تعليقا على النص محل البحث.
-والسؤال:
من الذي ضرب بما ورد بهذه المخطوطات عرض الحائط واستبدل أو بالاحرى حرف كلمة "الذي " إلي كلمة "الله" ليخدع المؤمنين البسطاء بوجود دليل في الكتاب المقدس على عقيدة التجسد؟؟؟؟!!!!!!!!!!
ثانيا شهادة أباء الكنيسة:
لم يعرف العديد من الآباء هذا النص – بقراءة لفظ "الله " - ولم يستشهدوا به في مقالاتهم ضد المهرطقين – كما يسمونهم – والذين ظهروا بأفكار مضادة للمعتقدات المسيحية الحالية من تجسد الله في الإنسان وتأليه يسوع إلى أخره .. ومن اشهر هؤلاء الآباء:
اوريجانوس، ديدموس، ابيفانيوس، ثيودور، كيرلس الاورشليمي، جيروم، فيكتورينوس الروماني، القديس هيلاري، سيفريان، أنكيرا، بيلاجيوس، أغسطينوس و فاريماديوم.
راجع كتاب The Greek new testament _4 edition
Isbn 3_438_05110_93_438_05113_3 with dictionary
في تعليقه على النص.
ثالثا شهادة الترجمات المعتمدة للكتاب المقدس:
بمقارنة بعض الترجمات العربية والإنجليزية العديدة للكتاب المقدس نجد أن هناك من الترجمات من اثبت وجود لفظة " الله " في النص متجاهلا النص اليوناني المأخوذ من أقدم المخطوطات التي لم ترد بها لفظة " الله " والتي كان لابد من مراعاتها عند القيام بالترجمة إذ أن القيام بعملية ترجمة النصوص المقدسة التي يستند إليها في تقرير المعتقدات الإيمانية لابد وان يتم علي أعلى دقة من الأمانة،
الأمر الذي لم يحدث في هذه الترجمات التي تعمدت إثبات لفظة " الله " الغير موجودة في النص الأصلي، ومن هذه الترجمات:
1_ترجمة الفانديك والتي يعتمد عليها البروستانت والأرثوذكس. ولكنها انجيلية في الاصل
تيموثاوس الاولى (16:3)
(يُتْبَعُ)
(/)
وبالاجماع عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة كرز به بين الامم أومن به في العالم رفع في المجد
2_ الترجمة العربية المبسطه
تيموثاوس الاولى (16:3)
وبلا شك، فأن سر حياتنا في عبدة الله سر عظيم:
الله ظهر في جسد بشري، شهر الروح لبره، بشر به بين الشعوب، آمن العالم به، ورفع الي السماء في مجد.
3_ترجمة الحياه
تيموثاوس الاولى (16:3)
16 وباعتراف الجميع، أن سر التقوى عظيم: الله ظهر في الجسد، شهد الروح لبره، شاهدته الملائكة، بشر به بين الأمم، أومن به في العالم، ثم رفع في المجد.
4_ ( King James Version)
1 Timothy 3:16
16And without controversy great is the mystery of godliness: God was manifest in the flesh, justified in the Spirit, seen of angels, preached unto the Gentiles, believed on in the world, received up into glory.
5_(NEW King James Version)
1 Timothy 3:16
16 And without controversy great is the mystery of godliness:
God was manifested in the flesh,
Justified in the Spirit,
Seen by angels,
Preached among the Gentiles,
Believed on in the world,
Received up in glory.
6_(21st Century King James Version)
1 Timothy 3:16
16And beyond controversy, great is the mystery of godliness: God was manifest in the flesh, justified in the Spirit, seen by angels, preached unto the Gentiles, believed on in the world, received up into glory.
7__(Young's Literal Translation)
1 Timothy 3:16
16and, confessedly, great is the secret of piety -- God was manifested in flesh, declared righteous in spirit, seen by messengers, preached among nations, believed on in the world, taken up in glory!
8_(Darby Translation)
1 Timothy 3:16
16And confessedly the mystery of piety is great. God has been manifested in flesh, has been justified in [the] Spirit, has appeared to angels, has been preached among [the] nations, has been believed on in [the] world, has been received up in glory.
9_(Worldwide English (New Testament))
16God's plan is very great as we all know. Here it is: we saw God as a man; God's Spirit proved he was right; angels saw him; the nations were told about him; people of the world believed in him; God took him up into heaven.
- كانت هذه نبذة من الترجمات التي أثبتت – خطئا – لفظة " الله " علي الرغم من عدم وجودها في النص الأصلي كما اشرنا سلفا .. ويجدر بنا الإشارة أيضا إلى
الترجمات التي حذفت اللفظ أو استبدلته لتتماشى مع النص الموجود بالمخطوطات:
1_الترجمة العربية المشتركة وهي ترجمة اشترك فيها (البروستانت والكاثوليك والارثوذوكس.
تيموثاوس الاولى (16:3)
ولا خلاف أن سر التقوى عظيم ((الذي ظهر في الجسد وتبرر في الروح، شاهدته الملائكة، كان بشارة للأمم، آمن به العالم ورفعه الله في المجد))
2_ ترجمة الرهبانية اليسوعية وهي ترجمة كاثوليكية
تيموثاوس الاولى (16:3)
ولا خلاف أن سر التقوى عظيم: ((قد أُظهر في الجسد وأعلن بارا في الروح وتراءى للملائكة وبشر به عند الوثنيين وأومن به في العالم ورفع في المجد)).
3_ الترجمة البوليسية
تيموثاوس الاولى (16:3)
وانه لعظيم ولا مراء سر التقوي، الذي تجلي في الجسد وشهد له الروح وشاهدته الملائكة وبشر به في الامم وامن به العالم وارتفع في مجد
4_ ترجمة الآباء الدومينكان
تيموثاوس الاولى (16:3)
ويقينا عظيم هو سر التقوي. الذي ظهر في الجسد. وتبرر في الروح وترآءي للملائكة. وأنذرت به الامم. وآمن به العالم ورفع بالمجد.
5_ ( New International Version)
1 Timothy 3:16
16Beyond all question, the mystery of godliness is great:
He appeared in a body,
was vindicated by the Spirit,
was seen by angels,
was preached among the nations,
was believed on in the world,
was taken up in glory.
6_(New American Standard Bible)
1 Timothy 3:16
16By common confession, great is the mystery of godliness:
(يُتْبَعُ)
(/)
He who was revealed in the flesh,
Was vindicated in the Spirit,
Seen by angels,
Proclaimed among the nations,
Believed on in the world
Taken up in glory.
7_((The Message))
1 Timothy 3:16
This Christian life is a great mystery, far exceeding our understanding, but some things are clear enough:
He appeared in a human body,
was proved right by the invisible Spirit,
was seen by angels.
He was proclaimed among all kinds of peoples,
believed in all over the world,
taken up into heavenly glory.
8_(Amplified Bible)
1 Timothy 3:16
16And great and important and weighty, we confess, is the hidden truth of godliness. He was made visible in human flesh, justified and vindicated in the Spirit, was seen by angels, preached among the nations, believed on in the world, taken up in glory.
9_(New Living Translation)
1 Timothy 3:16
16 Without question, this is the great mystery of our faith:
Christ was revealed in a human body
and vindicated by the Spirit.
He was seen by angels
and announced to the nations.
He was believed in throughout the world
and taken to heaven in glory.
10_(English Standard Version)
1 Timothy 3:16
16Great indeed, we confess, is the mystery of godliness :He was manifested in the flesh,
vindicated[f (http://www.biblegateway.com/passage/?search=1%20Timothy%203%20;&version=47;#fen-ESV-29731f#fen-ESV-29731f)] by the Spirit, seen by angels,
proclaimed among the nations,
believed on in the world, taken up in glory.
1 Timothy 3:16 (http://www.biblegateway.com/passage/?search=1%20Timothy%203%20;&version=47;#en-ESV-29731#en-ESV-29731) Greek Who; some manu******s God; others Which
11_(Contemporary English Version)
1 Timothy 3:16
16Here is the great mystery of our religion:
Christ came as a human. The Spirit proved
that he pleased God,
and he was seen by angels.
Christ was preached
to the nations.
People in this world
put their faith in him,
and he was taken up to glory.
12_((New Century Version))
1 Timothy 3:16
16 Without doubt, the secret of our life of worship is great:
He was shown to us in a human body,
proved right in spirit,
and seen by angels.
He was proclaimed to the nations,
believed in by the world,
and taken up in glory.
13_(American Standard Version)
1 Timothy 3:16
16 And without controversy great is the mystery of godliness; He who was manifested in the flesh, Justified in the spirit, Seen of angels, Preached among the nations, Believed on in the world, Received up in glory.
14_(Holman Christian Standard Bible)
1 Timothy 3:16
16 And most certainly, the mystery of godliness is great:
He was manifested in the flesh,
justified in the Spirit,
seen by angels,
preached among the Gentiles,
believed on in the world,
taken up in glory.
15_(New International Reader's Version)
1 Timothy 3:16
16 There is no doubt that godliness is a great mystery.
Jesus appeared in a body.
The Holy Spirit proved that he was the Son of God.
He was seen by angels.
He was preached among the nations.
People in the world believed in him.
He was taken up to heaven in glory.
16_(Wycliffe New Testament)
1 Timothy 3:16
16 And openly it is a great sacrament of piety, that thing that was showed in flesh, it is justified in Spirit [And openly it is a great sacrament of piety, that that is showed in flesh, is justified in Spirit], it appeared to angels, it is preached to heathen men, it is believed in the world, it is taken up into glory.
17_ (New International Version - UK)
1 Timothy 3
16 Beyond all question, the mystery of godliness is great:
(يُتْبَعُ)
(/)
He appeared in a body, was vindicated by the Spirit, was seen by angels, was preached among the nations, was believed on in the world, was taken up in glory.
18_(Today's New International Version)
1 Timothy 3
16 Beyond all question, the mystery from which true godliness springs is great:
He appeared in a body,
was vindicated by the Spirit, [c (http://www.biblegateway.com/passage/?search=1%20Timothy%203%20;&version=72;#fen-TNIV-29739c#fen-TNIV-29739c)]
was seen by angels,
was preached among the nations,
was believed on in the world,
was taken up in glory.
19- THE GREEK NEW TESTAMENT: WESTTCOTT-HORT
1Ti 3:16 ??? ????????????? ???? ????? ?? ??? ????????? ????????? ?? ????????? ?? ????? ????????? ?? ???????? ???? ???????? ???????? ?? ??????? ????????? ?? ????? ????????? ?? ????
20- Nestle-Aland 26th/27th edition Greek New Testament
1Ti 3:16 ??? ????????????? ???? ????? ?? ??? ????????? ?????????? ?? ????????? ?? ?????, ????????? ?? ????????, ???? ????????, ???????? ?? ???????, ????????? ?? ?????, ????????? ?? ????
21- Greek NT: Tischendorf 8th Ed
1Ti 3:16[B] ??? ????????????? ????? ???? ? ? ???????? ????????? ?? ??????? ?? ???? ??????? ?? ?????? ???? ??????? ??????? ?? ????? ??????? ?? ?????? ?????????? ?? ????
ونلاحظ الترجمات اليونانية الثلاثة الأخيرة المذكورة سلفا استخدمت لفظ " ?? " بمعني "الذي" كما ورد في المخطوطات السابق ذكرها.
رابعا شهادة مراجع مسيحية:
1_كتاب علم اللاهوت النظامي
يقول جيمس أنس في كتابه علم اللاهوت النظامي الذي أثنى عليه منيس عبد النور وقال يسرنى أن أقدم للقارى العربى هذا الكتاب الثمين ((ومما يرجح ذكر صحة القراءة الذي عدم ذكر اللاهوتيين القدماء هذه الآية مع الآيات الكثيرة التي أوردها ليثبتوا لاهوت المسيح.أما سبب تبديل كلمة الذي بالله في النسخ اليونانية الحديثة هو التشابه بين الكلمتين والراجح أن النساخ زادوا ذلك الخط الصغير ليوضحوا المعنى في بعض النسخ فتحولت كلمة الذي إلى الله ثم شاع استعماله في كل نسخ القرون الوسطى خلافا للنسخ القديمة)) أ. هـ _علم اللاهوت النظامي دار الثقافة ص205_206
- وتعد هذه الشهادة وحدها كافية لإثبات وقوع التحريف في لفظة " الذي " التي تحولت إلي " الله " وشقت طريقها الممهد إلى الكتاب المقدس ثم بالتبعية إلى عقول من استندوا عليه كمصدر لاستسقاء عقائدهم، حيث باتت أخطاء النساخ – لا الروح القدس - هي التي تسوق المعتقدات الإيمانية إلي عقول وقلوب المؤمنين بالمسيحية الحالية.
2_ تعليق ترجمة الفانديك بالهوامش علي النص
التعليق:في هامش ترجمة الفانديك التي بالشواهد قراءة أخرى وهى "الذي" .. ا. هـ
الخاتمة:
يفتخر المسيحي بوجود العديد من المخطوطات لكتابه المقدس، معتقدا أن هذه المخطوطات دليلا في صالح كتابه ضد ما يسميه موجة ادعاء التحريف الكاذبة .. والتي في الحقيقة تشهد على وقوع التحريف الفعلي في الكتاب المقدس بصورته الحالية كما رأيناه جليا عند عرض هذه الدراسة المبسطة عن النص محل البحث ...
فان كان الحال هكذا وان كان لا يوجد كلمة " الله " في النص اليوناني المعتبر اصليا للكتاب وان كان تم ترجمة النص على الرغم من ذلك باستخدام لفظة " الله "، فما يكون لهذا الحال غير التحريف اسما وصفة،
وبهذا نكون بنعمة الله وفضله قد أثبتنا بالدليل تحريف النص محل البحث الذي لا يخلو كتاب أو عظة مسيحية تكلمت عن التجسد من ذكره نظرا لأهميته الشديدة التي اشرنا إليها في مقدمة البحث حيث لا يوجد أي نص أخر في الكتاب تحدث عن تجسد الله غير هذا النص، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[17 Sep 2009, 08:01 ص]ـ
بارك الله فيك أخي صهيب وأيدك بفضله وكرمه، وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، وجزاك خيراً ...
وأشكرك على الملف الذي أرسلته.
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[17 Sep 2009, 10:18 ص]ـ
وفيكم بارك الله د/ أحمد الطعان
واعانكم على البدء في هذا المشروع واتمامه
انا في عونكم علي الدوام
ـ[ Amara] ــــــــ[17 Sep 2009, 12:37 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا محمد و سلم تسليما
أخي وفقك الله تعالى، اريد أن أنبهك إلى ترجمة جديدة للنص صدر عام 2004 بحسب ما ترجم عن الطبعة الانكليزية المنقحة الصادرة سنة 1984 ترجمة العالم الجديد، هي كالآتي:
و باعتراف الجميع، عظيم هو السر المقدس لهذا التعبد في الله: (أظهر في الجسد، برر في الروح، تراءى لملائكة، كرز به بين الأمم، أومن به في العالم، رفع في مجد)
يغفر الله لي و لكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[17 Sep 2009, 03:50 م]ـ
بارك الله فيك اخي الكريم
لكن لا يخفي عليك ان هذه الترجمة هي لفرقة شهود يهوه.
وقد يطعن في استخدامها بدعوي ان لهم معتقدات خاصة يحاولون ترجمة النصوص بصورة معينة لاثباتها
لكن علي اي حال هي بالفعل أقرب للنص الاصلي من غيرها
جزاكم الله خيراً علي الاهتمام(/)
ما هي الشريعة العليا؟
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[18 Sep 2009, 12:33 م]ـ
بسم الله والحمد لله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك علي الحبيب المصطفي المشرف بالشفاعه المخصوص ببقاء شريعته الي قيام الساعة صلاة باقية ما تعاقب الليلوالنهار.
هذه بشارة رائعة وظاهره الي أقصي درجة وهي من أنجيل يسمي بأنجيل النصرانين (أو التلاميذ الاثني عشر)) وهو أحد الاناجيل التي يرفض النصاري الاعتراف به،أو هو خارج دائرة قانونية أسفار العهد الجديد .... والفقرة التي سأنقلها لها مماثل مبتور من أنجيل متي الحالي المقبول عند كل الطوائف النصرانية:
ترجمة الفانديك
انجيل متي (17:5_19 (
17 لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمّل.
18 فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل.
19 فمن نقض احدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات. واما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات.
رابط انجيل النصرانين ((التلاميذ الاثني عشر ((
http://www.thenazareneway.com/ght_section_3_lections_21_thru_30.htm
The Gospel of the Holy Twelve
Translated from the original Aramaic
by Rev. G.J.R. Ouseley
Section 3,
Lection 25
8. Think not that I am come to destroy the law, or the prophets: I am not come to destroy, but to fulfill. For verily I say unto you, Till heaven and earth pass, one jot or one tittle shall in no way pass from the law or the prophets till all be fulfilled. But behold One greater than Moses is here. and he will give you the higher law, even the perfect Law, and this Law shall ye obey.
9. Whosoever therefore shall break one of these commandments which he shall give, and shall teach men so, they shall be called the least in the kingdom; but whosoever shall do, and teach them, the same shall be called great in the kingdom of Heaven.
ترجمة الفقرة السابقة وهي مماثلة لما هو موجود في أنجيل متي عدا البشارة و باعادة الصياغة للفقرة كاملة سيتضح الامر:
لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمّل. فاني الحق اقول لكم الى ان تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد او نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. بل أنتظروا من هو أعظم من موسي الذي سوف يعطيكم الشريعة العليا والشريعة الكاملة التي يجب عليكم اتباعها.
فمن نقض احدى وصاياه الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى اصغر في ملكوت السموات. واما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات.
قال الله عز وجل في سورة الصف الآية السادسة:
[الصف:6]-[وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ]
مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ =
لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمّل.
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ =
بل أنتظروا من هو أعظم من موسي الذي سوف يعطيكم الشريعة العليا والشريعة الكاملة التي يجب عليكم اتباعها .......
هذا رابط فيه توثيق الانجيل وكافة البيانات عنه
http://www.thenazareneway.com/origins_gh12.htm
This Gospel record is the recovered ******** from which the Four Gospels as we have them today were built upon. It was the first formulated life of the Christ and was written by St. John about the year 70 AD., when he was imprisoned in Rome and given page by page to one whom he could trust.
هذه بداية التوثيق
هذه الوثيقة التي اعتمد عليها كتاب الاناجيل الاربعه في كتابتهم الموجوده الان، وهي كانت أول تصنيف عن حياة المسيح وكتبت بواسطة القديس يوحنا في سنة 70 بعد الميلاد.حينما كان مسجوناً في روما وقد أعطى (هذه الوثيقة) صفحة بصفحة لمن كان يثق به.
قد اقتبس هؤلاء الاباء من انجيل النصرانين وكلهم لم يتجاوزا القرن الرابع الميلادي
Cyril of Jerusalem
ترجمة القديس كيرلس الأورشليمي
http://st-takla.org/Saints/Coptic-Or...tory_1491.html (http://st-takla.org/Saints/Coptic-Orthodox-Saints-Biography/Coptic-Saints-Story_1491.html)
في كتاباته
( Discourse on Mary Theotokos 12a), Origen (Commentary on John 2.12.87),
2_ Clement of Alexandria في كتاباته
( Stromateis 2.9.45.5, 5.14.96.3),
ترجمة القديس اكلمينضس السكندري
http://st-takla.org/Saints/Coptic-Or...Story_175.html (http://st-takla.org/Saints/Coptic-Orthodox-Saints-Biography/Coptic-Saints-Story_175.html)
3-Jerome في كتاباته
( Commentary on Isaiah 4, Commentary on Ephesians 3, Commentary on Ezekiel 6, De viris illustribus 2)., commentary on matthew
ترجمة القديس جيروم
http://www.christusrex.org/www1/ofm/...i/girolamo.htm (http://www.christusrex.org/www1/ofm/1god/padri/girolamo.htm)
كما ورد في كتاب The Other Gospels ل Cameron
في الصفحات 85 و 86
ومن الجدير بالذكر أن jerome يخبرنا في تعليقه على نص (متى االاصحاح 12 العدد 13) في كتاباته ( Commentary on Matthew )
الآتي:
In the Gospel which the Nazarenes and the Ebionites use, which we have recently translated from Hebrew to Greek, and which most people call the authentic [Gospel] of Matthew,
أي أنه يقول بأن انجيل النصرانين هو أصل انجيل متى الحقيقي العبري!
يمكن مراجعة هذا الكتاب لتوثيق قول jerome
Gospel Parallels
Ed. Burton H. Throckmorton
واخر دعوانا ان الحمد لله(/)
شهادة علم الدين السخاوي لكتاب "الانتصار" للقاضي الباقلاني
ـ[علي أبو عائشة]ــــــــ[18 Sep 2009, 11:28 م]ـ
قال الشيخ علم الدين السخاوي في كتاب الوسيلة إلى كشف العقيلة (ص47)
وأما كتاب "الانتصار" (للباقلاني) فكتاب جليل القدر، ليس لأحد مثله، انتصر فيه لكتاب الله عز وجل، وسد به الطرق على الملحدين، وشدّ به قواعد الدين، وليس على أهل البدع أشد منه، ولولاه لخالطت شبههم العقول، وتشكك الناس في الإسلام، واستأصلتهم المبتدعة، ولكن الله تعالى أيده بتصنيفه، وأيد به الإيمان على عدوه.
وأكثر ضعفاء القراء وغيرهم إلى اليوم ينطقون بتلك الشبه التي ألقاها الميتدعون ويعتقدونها، وإن كانوا لا يدرون ما تحتها من الغوائل، ولا يعلمون ما يلزم منها. وقد محا كتاب الانتصار أثرها وقطع دابرها. اهـ
رحم الله عظماء الإسلام.
وهل ما زال لكتاب الانتصار ذلك الأثر العظيم في زماننا؟؟
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[18 Sep 2009, 11:57 م]ـ
زماننا أخي الكريم يحتاج إلى انتصارات عديدة اليوم، وقد فتح الباب أمام الشبهات كأنها سيل جارف في الفضائيات والإنترنت ....
أعداؤنا يجددون شبههم بصياغات وأشكال جديدة .... ويغلفونها بأشكال جميلة ...
وما أحرانا نحن أن نتكاتف ونتعاون لصد الهجمة بطرائق جديدة، وأن نصوغ ردود الباقلاني والغزالي والجويني والرازي وغيرهم من أساطين المتكلمين بصياغات جديدة تناسب العصر والناس ...
ـ[علي أبو عائشة]ــــــــ[19 Sep 2009, 12:05 ص]ـ
كلام سديد بلا شك
لكنه يتوقف على توحيد البيت الداخلي لعلماء المسلمين وطلبة العلم ونبذ الفرقة والشقاق بين الأخوة، وطرح الشعارات المؤججة للفتن كالقول بهذا أشعري وهذا وهابي وهذا قبوري وهذا صوفي وهذا حشوي وهذا سلفي مهذا ماتريدي وغير ذلك مما يمزق إربا إربا جسد الأمة الإسلامية ويضعف موقفها أمام السيل الجارف من الشبهات الحقيقية، ولا يتسفيد من هذا الخلاف إلا أعداء الإسلام في الخارج والداخل كالعلمانيين الذين يودون اشتعال الفتن أكثر فأكثر بين المتدينين الملتزمين بالأحكام الشرعية ليخلو لهم المجال للقول بأن الدين سبب التخلف والتناحر والتأخر والدليل على ذلك ما يحصل بين المتدينين من تناحر وتحارب وتنابز بالألقاب.
الجرح عميق جدا.
ـ[خلوصي]ــــــــ[22 Nov 2009, 08:53 م]ـ
زماننا أخي الكريم يحتاج إلى انتصارات عديدة اليوم، وقد فتح الباب أمام الشبهات كأنها سيل جارف في الفضائيات والإنترنت ....
أعداؤنا يجددون شبههم بصياغات وأشكال جديدة .... ويغلفونها بأشكال جميلة ...
وما أحرانا نحن أن نتكاتف ونتعاون لصد الهجمة بطرائق جديدة، وأن نصوغ ردود الباقلاني والغزالي والجويني والرازي وغيرهم من أساطين المتكلمين بصياغات جديدة تناسب العصر والناس ...
آه يا سيدي ... !؟
لو يعلم الناس أن الله عز و جل قد كفاهم مؤونة ذلك كله في " بدائع الزمان "؟!
هي و الله عجيبة هذا الزمان!
أرجوكم اقرؤوا ما يقوله الباحثون المتعمقون فيها ... كالشيخ الفريد فريد الأنصاري رحمه الله ..
ثم هي في كل نجاحاتها و مخاطباتها لأبناء هذا العصر التائهين في أنواع الظلمات و الفلسفات ... قرآنية أصيلة ... بسيطة عميقة .. فطرية تدبرية .. .........
و بكل صراحة أقول:
لو عرف الباحثون و علماء العصر ماهيتها جيدا لما أداروا الناس و المسترشدين إلا في أفلاكها!؟!(/)
مناظرتي الصوتية مع المبشر البروتستانتي أيمن حول عصمة الكتاب المقدس
ـ[صهيب بن هاديء]ــــــــ[21 Sep 2009, 08:28 م]ـ
هذه مناظرة مع المبشر الانجيلي أيمنك حول عصمة الكتاب المقدس تناولت فيها شواهد حول تحريف مخطوطات الكتاب المقدس واقتباسات من كلام الاباء حول الاسفار وكلام علماء النقد الكتابي حول الرسائل المفقوده واختلاف الكنائس في هوية الكتاب المقدس وجهالة المؤلفين ..........
http://www.sheekh-3arb.net/library/almo7adth_monazrt%20el%20naqed.rm(/)
أعبَّاد المسيح لنا سؤال
ـ[سيف المعتق]ــــــــ[29 Sep 2009, 08:01 م]ـ
قصيدة ذم النصارى لابن قيم الجوزية رحمه الله
أعبَّاد المسيح لنا سؤال؟؟
ما أحراها بالحفظ والفهم
أعبَّاد المسيح لنا سؤال = نريد جوابه ممَّن وعاه
إذا مات الإله بصنع قوم = أماتوه فما هذا الإله؟!!
وهل أرضاه مانالوه منه؟!! = فبشراهم إذا نالوا رضاه
وإن سخط الذي فعلوه فيه = فقوَّتهم إذن أوهت قواه
وهل بقي الوجود بلا إله = سميع يستجيب لمن دعاه؟!!
وهل خلَتِ الطِّباقُ السَّبْعُ لمَّا = ثوى تحت التراب وقد علاه؟!!
وهل خلت العوالم من إلهٍ = يدبِّرها وقد سمُرَت يداه؟!!
وكيف تخلَّت الأملاك عنه = بنصرهمو وقد سمعوا بُكاه؟!!
وكيف أطاقت الخَشَبَاتُ حمل الـ=إله الحقِّ شدَّ على قفاه؟!!
وكيف دنى الحديد إليه حتى = يخالطه ويلحقه أذاه؟!!
وكيف تمكَّنت أيدي عِداه = وطالت حيث قد صفعوا قفاه؟!!
وهل عاد المسيح إلى حياةٍ؟!! = أم المحيي له ربٌّ سواه؟!!
ويا عجبا لقبرٍ ضمَّ ربَّاً = وأعجبُ منه بطنٌ قد حواه
أقام هناك تسعا من شهورٍ= لدى الظلماتِ من حيضٍ غذاه
وشقًّ الفرجَ مولودا صغيرا = ضعيفا فاتحاً للثديِّ فاه
ويأكل ثم يشرب ثم يأتي = بلازمِ ذاك هل هذا إله؟!!
تعالى الله عن إفك النصارى= سيسأل كلهم عمَّا افتراه
أعبَّاد الصليب لأي معنىً = يعظَّم أو يقبَّح من رماه؟!!
وهل تقضي العقول بغير كسرٍ = واحراق له ولمن بغاه!!!
إذا ركب الإله عليه كرهاً = وقد شدَّت لتسميرٍ يداه
فذاك المركب الملعون حقاً =فدسهُ لا تبسهُ إذا تراه
يهان عليه ربُّ الخلق طراً = وتعبده فإنك من عداه
فإن عظمته من أجل أنْ قد= حوى رب العباد وقد علاه
وقد فُقِد الصليب فإن رأيـ=نا له شكلا تذكرنا سناه
فهلَّا للقبور سجدتَ طرا = لضم القبر ربَّك في حشاه
أيا عبد المسيح أفق فهذا = بدايته وهذا منتهاه!!!
ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[30 Sep 2009, 01:27 ص]ـ
أصبت وهي والله سبب تعلمي للعروض
ـ[أبو الفداء أحمد بن طراد]ــــــــ[30 Sep 2009, 01:28 ص]ـ
أصبت وهي والله سبب تعلمي العروض
ـ[سيف المعتق]ــــــــ[30 Sep 2009, 06:29 م]ـ
أصبت وهي والله سبب تعلمي للعروض
نعم ,فالشعر ينضحهم كنضح النَّبل
وفقك الله أبا الفداء ونفع بك
ـ[أم حذيفة]ــــــــ[09 Jan 2010, 02:48 م]ـ
اللهمَّ فقِّهنا في الدِّين وعلِّمنا التأويل
جزاكم الله خير
لي عودة باذن الله
ـ[أم حذيفة]ــــــــ[24 Feb 2010, 04:58 م]ـ
لا فض فوك
احسنتم النقل وفضحتم تلف عقولهم
فهل سيعقلون؟؟؟(/)
عباس عبد النور: محنته مع القرآن أم مع عقله؟
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[29 Sep 2009, 08:24 م]ـ
عباس عبد النور:
محنته مع القرآن
أم مع عقله؟
د. إبراهيم عوض
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
بغتة وعلى غير انتظار اصطدمتُ فى المواقع والمنتديات النصرانية المهجرية بكتاب اسمه: "محنتى مع القرآن" مطبوع على غلافه أنه منشور فى دمنهور سنة 2004م وأن مؤلفه دكتور مصرى اسمه عباس عبد النور وأنه من الكتب الممنوعة من التداول. وكانت نبرة الفرح والشماتة واضحة بل صارخة فى تلك المنتديات والمواقع على اعتبار أن صاحب الكتاب عالم دينى مسلم انقلب على الإسلام وأعلن تبرؤه منه وكُفْرَه به، وأخذ يهاجمه ويهاجم الكتاب الذى نزل على نبيه مؤكدا أنه لم ينزل من السماء، وليس ثمة إله ولا يحزنون. ولقد نزّلتُ الكتاب فى التو واللحظة على جهازى وشرعت أقرأ فيه قليلا قليلا فى بعض أيام رمضان المبارك رغم انشغالى ببعض الأعمال الشديدة الأهمية. وكنت أدوّن ما يعنّ لى من ملاحظات على ما فى الكتاب كلما قرأت شيئا يستدعى ذلك.
وأول ما عن لى من تلك الملاحظات هو: هل هناك شخص حقيقى باسم عباس عبد النور؟ فأين هو؟ وما الذى يعرفه الناس عنه فى مصر، وفى دمنهور على وجه الخصوص بوصفها المدينة التى كان يعيش فيها وتعيش فيها أسرته من قبل جيلا وراء جيل، تُخَرِّج كبار علماء الدين ومشايخ الطرق؟ لقد جَشَّمْتُ صديقا لى أن يتقصى هذا الأمر فاتصل ببعض معارفه فى دمنهور فنَفَوْا أن يكون فى مدينتهم أسرة بهذا اللقب أو شخص بهذه الصفات. بل إن الإنسان ليتساءل حائرا: ترى هل لقب "عبد النور" شائع بين المسلمين المصريين؟ لقد رحت أكد ذهنى وأعصر ذاكرتى لعلى أستطيع أن أتذكر شخصا أعرفه أو سمعت به أو قرأت عنه يحمل هذا اللقب فلم يتيسر لى رغم ما بذلت من جهد جهيد. ونفس الإجابة سمعتها من كل من استطلعت رأيهم فى ذلك الموضوع. كل ما استطعنا أن نستحضره فى بالنا هو لقب "أبو النور"، أما "عبد النور" فكلا وألف كلا.
ثم إن المروجين للكتاب، ومعهم كاتب مقدمته، يذكرون للمؤلف دواوين شعرية وكتبا فى الفلسفة والدين وتفسير القرآن، ويصفونه بما يفيد أنه كان خطيبًا مِصْقَعًا، وهو ما يعنى أنه كان مشهورا بعيد الصيت، فكيف غاب عنا عالم وشاعر وخطيب ومؤلف على هذه الشاكلة؟ إننا لا نتذكر من المعروفين أرباب الكلمة من أهل دمنهور سوى د. عبد الوهاب المسيرى، وكذلك عبد المعطى المسيرى، الذى كان صاحب مقهى هناك، والذى لم أقرأ له إلا كتابا واحدا. فإذا كان عباس عبد النور له كل تلك الكتب والأشعار، وكان من الخطباء المفوهين الكبار، وكان فوق ذلك حاصلا على الدكتوراه فى الفلسفة من باريس، فكيف جهلناه وجهله غيرنا فى طول البلاد وعرضها على هذا النحو المخزى؟ أولو كان عبد النور شخصا حقيقيا، وليس شخصا مزيفا كما يقول كل شىء كتبه عنه واضع مقدمة الكتاب وكتبه هو عن نفسه فى دَرْجه، أكنا نجهله ويجهله الناس جميعا إلى هذه الدرجة؟ ترى أين تلك الكتب والدواوين التى ألفها عباس الهلاس؟ ولماذا لم نسمع بشىء منها؟
وعلى ذكر التكية التى يقول كاتب المقدمة إن عباس المحتاس كان مديرا لإحداها فى دمنهور، هل توجد حقا تكية فى دمنهور؟ فأين هى إذن؟ لقد كانت توجد تكية أو أكثر فى القاهرة، لكننا لم نسمع من قبل بوجود تكايا فى عاصمة البحيرة. ولقد قرأت للفنان المصرى التشكيلى عصمت داوستاشى عن تكية فى القاهرة فكر ذات مرة فى اللجوء إلى شيخها (الذى كانت له علاقة بأبيه) ليعيش بعيدا عن بيت الأسرة فى الإسكندرية فرارا من والدته، التى كانت تضيق برسومه وما تسببه لها من إرهاق فى تنظيف ما توسخه من أثاث البيت، وكيف استقل المواصلات حتى بلغ مدينة دمنهور حيث انتابه الخوف من تكملة المشروع، فعاد أدراجه بالقروش القليلة التى تبقت معه إلى الإسكندرية دون أن يشير إلى تلك التكية المزعومة وهو يكتب تلك الذكريات، بل دون أن تخطر فى باله مجرد خطور.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا نص ما كتبه الرسام المعروف عن هذا الموضوع فى كتابه: "ذكريات الأحلام القديمة":"قبل ذلك بثلاث سنوات تقريبا (أى فى عام 1959م) قد حزمت حقيبة الكشافة بمتعلقاتي، وأخذت طريق مصر الاسكندرية الزراعي هدفا لي علي قدمي، حيث قررت أن أهجر أسرتي ومدينتي والدنيا كلها وأن أنعزل في التكية البكتاشية بجبل الجيوشي وأن أمشي بملابس الكشافة التي تحميني من فضول الآخرين لأنه لم يكن معي ما يكفي لركوب القطار، أمشي حتى القاهرة متوجها إلى التكية في جبل المقطم لأعيش هناك مع الدراويش بعيدا عن مشاكل أسرتي وخناقات أمي المتكررة معي لأني أرسم في المنزل، فيتسخ الأثاث وهي لا تتحمل مثل هذه الأمور. أتذكر أني مشيت بضعة كيلومترات حتى توقفت سيارة نقل لأستقلها حتي مدخل مدينة دمنهور فأدخلها مع الليل وينتابني الخوف فأقطع تذكرة رجوع للإسكندرية بما معي من نقود قليلة مؤجلا مشروع دروشتي المبكر إلى وقت آخر لم يأت بعد".
ليس ذلك فحسب، بل لو كانت هناك مثل تلك التكية المزعومة فى دمنهور ما مرت هذه المسألة مرور الكرام ولكان لتلك التكية شأن فى الحياة العامة يشبه، ولو إلى حد ما، شأن التكية التى كانت بالقاهرة على ما يصوره لنا قلم داوستاشى نفسه حين زارها فى بدايات ستينات القرن المنصرم برفقة والده: "كان زي الدراويش مكونا من جلباب يتوسطه حزام عريض كان يوضع فيه فيما مضى بعض الأشياء، وربما أسلحة وعصا البكتاشية. وفوق هذا الجلباب والحزام القماش الملفوف على الوسط ارتديت عباءة خفيفة من القطن صيفا، وثقيلة من الصوف شتاء، ثم ارتديت طربوشا أو عمامة البكتاشية، وهي ذات 12 ضلعا بعدد الأئمة الاثني عشر في المذهب الشيعي، ثم وضعت حول رقبتي قلادة من حجر لامع أشبه بحجر التلك علي شكل نجمة اثنتي عشرية هي الأخرى على ما أتذكر. ولعل التفاصيل بالصور أكثر وضوحا، تبدو فيها الملابس كلها فاتحة من اللون الأبيض الي الرمادي. لم تكن الصور الملونة قد ظهرت بعد ولا أعرف الألوان بدقة. وعليَّ أن أعثر على صور ملونة لبابا سري في تكية المغاوري بملابسه. وأتذكر أن مجلة "آخر ساعة" كانت قد صورته في حياته اليومية بالتكية وهو يتجول في سوق الخضار أو مع ضيوفه. كان شخصية مشهورة في ذلك الوقت، وكانت التكية ملتقي شخصيات عالمية مختلفة: بعضهم ملوك وأمراء، وآخرون سياح ومستشرقون، ونجوم السينما والسياسة والمجتمع في مصر. في ذلك الوقت من عام 1962 كنت أبلغ من العمر تسعة عشر عاما مفعما بالحياة والحركة. لم يكن اهتمامي الديني قد نضج، ولم أكن أصلي الا صلاة الجمعة مع أبي في مسجد أبي العباس، ولم يخطر ببالي أن أصبح درويشا، وإن كنت مبهورا بحياتهم خاصة في تكية المغاوري الأسطورية".
ويذكر كاتب مادة "دمنهور" فى موسوعة "الويكيبيديا" المعالم الأثرية التى تتميز بها مدينة دمنهور فيوردها على النحو التالى: "مسجد التوبة ثانى مسجد في أفريقيا بعد مسجد عمرو بن العاص، ومسجد الحبشي بُنِيَ في اوائل القرن العشرين، وهو تحفة معمارية رائعة، وأوبرا دمنهور: بُنيت في عهد الملك فؤاد. تم تجديد دار الاوبرا وترميمها لتعود لشكلها الأول الجميل، ومبنى مكتبة البلدية: بني في عهد الملك فؤاد، ومبنى مدرسة دمنهور الثانوية العسكرية: تحفة معمارية رائعة بنيت في عهد الملك فؤاد، ومبنى دار الاسعاف: بُنِيَ في عهد الملك فؤاد، وبها مستشفى تعليمي، وكوبري فلاقه المتحرك". وكما يرى القارئ ليس هناك أدنى إشارة إلى أية تكية فى تلك المدينة المظلومة مع عباس الهلاس. كذلك لم أجد أدنى إشارة إلى التكية فى موقع مدينة دمنهور أو فى أى موضع آخر على المشباك.
ولقد كتب نجيب محفوظ عن التكية فى أكثر من عمل قصصى له، فكيف لم يحدث أن تحدث عن تكية دمنهور أحد من تناولوا تلك المدينة فى أعمالهم أو كانوا من أبنائها أو كانت لهم بها علاقة قوية، كتوفيق الحكيم، الذى يقال إنه كتب روايته الشهيرة: "يوميات نائب في الأرياف" على مقهى الأديب عبد المعطى المسيرى فيها، ومحمد فريد أبو حديد فى "أنا الشعب" أو عبد المعطى المسيرى فى أى من كتبه أو أقاصيصه، أو يس الفيل (الذى عمل كاتبا بمنطقة دمنهور التعليمية، وأحد مؤسسي جمعية الأدباء بدمنهور) فى أى من قصائده أومسرحياته أو قصصه، أو د. عبد الوهاب المسيرى فى سيرته الذاتية، أو محمد صدقى الأديب الماركسى فى أى
(يُتْبَعُ)
(/)
من قصصه، أو خيرى شلبى فى "وكالة عطية" مثلا؟
والداهية الدهياء هو أن يقول كاتب المقدمة إن عباس الهلاس كان يعمل "مديرا" للتكية. بالله متى كان المشرف على التكية يسمى: "مديرا"؟ أنحن فى جمعية استهلاكية؟ إن مثل ذلك المشرف إنما يلقب بـ"شيخ التكية". وبالمناسبة فهناك رواية مشهورة صدرت أوائل الخمسينات من القرن البائد فى سلسلة "اقرأ" المصرية بعنوان "شيخ التكية" لمحمد عبده عزام. " شيخ" لا "مدير"! لكن شاء الله الذى لا تُرَدّ له مشيئة رغم أنف مؤلف الكتاب الكافر الذى يحادّ الله ورسوله أن يفضح اللصوص مخرجى هذا الفلم الهندى الردىء فأوقعهم فى شر أعمالهم ليرتكبوا هذا الخطأ الفاضح ويعرف الناس أنه لا مكان فى الدنيا لما يسمى بـ"الجريمة الكاملة".
كذلك وقع كاتب المقدمة فى مصيبة أخرى فاضحة، إذ استخدم للتعبير عن "وزارة الأوقاف" عبارة "دائرة الأوقاف الإسلامية" (ص5)، مما لا يعرفه المصريون، إذ يقولون: "وزارة الأوقاف" لا "إدارة الأوقاف"، فضلا عن أننا فى مصر لا نصفها بـ"الإسلامية" لأنه لا يوجد عندنا فى الحكومة إلا أوقاف إسلامية. ومعروف أن العرب غير المصريين يستعملون مصطلح "دائرة" للدلالة على المصالح الحكومية. ومعنى هذا أن كاتب المقدمة ليس مصريا. وهذا يذكرنى بما ثار فى ستينات القرن الماضى بخصوص وثيقة سياسية ورد فيها اسم "الاتحاد السوفييتى" بألف بعد الياء (هكذا: السوفياتى)، فكان هذا دليلا على أنها مفبركة فى بيروت وليست صادرة عن مصر لأننا فى مصر نكتبها بياءين على عكسهم فى لبنان، إذ يكتبونها بألف بعد الياء. فانظر أيها القارئ كيف تكون مثل هذه الدقائق الصغيرة فيصلا فى تلك القضايا الخطيرة. وهو ما يشبه ما نحن فيه الآن. ليس هذا فحسب، إذ يسمِّى عباس ابن نسناس العرقسوس: "ماء السوس" (ص262) كما يقول إخواننا فى الشام مثلا، وهو ما لا تجده فى مصر أبدا. وعلى ذكر السوس فإن لى صديقًا من علماء سورية كان يعمل معنا فى جامعة أم القرى بالسعودية، وكان كلما زرته فى بيته قال لى: ما رأيك فى أن أُحْضِر لك "السوس"؟ ذلك أنه يعرف مدى حبى للعرقسوس!
بل إنى لا أتصور أن يكون الكتاب قد طُبِع فى مصر أصلا، ناهيك بدمنهور تلك المدينة الصغيرة التى لو كان الكتاب قد تم طبعه فيها لعُرِف الطابع على الفور وكانت فضيحة. بل إننى لأتصور أن الكاتب ليس مصريا، وربما ليس مسلما رغم كل الآيات والأحاديث التى يناقشها ويستشهد بها. ذلك أن مثل تلك الاستشهادات ليست من الصعوبة بمكان. ولعل من الضرورى، لدلالته ذات المغزى، أن أنبه إلى الطريقة التى يحيل بها الكاتب إلى مواضع الآيات القرآنية، إذ تعتمد فى معظم الحالات على ذكر رقم السورة كعادة المستشرقين والمبشرين لا على اسمها، وفى المرات النادرة التى يذكر فيها اسم السورة نراه يعقبه بذكر رقمها. وغير بعيد كتاب "الفرقان الحق"، الذى أكثر فيه ملفقه النصرانى الفلسطينى من إيراد العبارات القرآنية وتقليدها والنسج على منوالها. وهناك عبد الله العربى، مترجم المقدمة التى مهد بها المحامى البريطانى المولود فى نهاية القرن السابع عشر: جورج سيل (أو جرجيس صال) لترجمته الإنجليزية للقرآن الكريم. لقد صاغها المدعوّ: عبد الله العربى بعربية متينة ولا عربية أجعص شيخ أزهرى من الأزاهرة المودَّكين، وهو مع ذلك نصرانىٌّ قُحٌّ من نصارى الشام فيما أتصور.
كذلك هل يمكن التصديق بأن رجلا يذهب إلى باريس ويحصل على دكتوراه فى الفلسفة ثم يعود فيشتغل خطيبا فى مسجد، مثله مثل أى شخص عادى ليس معه دكتوراه؟ والمضحك أن يزعم كاتب المقدمة بأن وزارة الأوقاف المصرية هى التى أرسلته إلى عاصمة الفرنسيس فى بعثة دراسية للحصول على دكتوراه فى الفلسفة. ترى ما علاقة الأوقاف بالفلسفة؟ بل ما علاقتها بعباس المحتاس، وهو لم يكن خريج أزهر، بل كان حاصلا على ليسانس كلية الآداب من جامعة فؤاد؟ ومما يبعث على القهقهة أن يقول الكاتب إنه ترك كلية أصول الدين وهو فى السنة الثالثة إلى كلية الآداب. ترى هل هذا ممكن؟
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الكلتين غير متناظرتين حتى يجوز أن يحوّل الطالب أوراقه من الواحدة إلى الأخرى، فضلا عن أن أصول الدين تابعة للأزهر، على حين أن الآداب تابعة لجامعة الملك فؤاد، فالتحويل بينهما إذن غير ممكن. إلا أن الكاتب لا يميز بين كوعه وبوعه، ويظن أن قراءه "كاوِيرْكَات" مختومون على قفاهم مثله! خيبة الله عليك يا أبا العبابيس، يا سليل النسانيس والخنانيص! بل هل هناك رجل يمكن أن يلحد وهو شيخ قد جاوز الثمانين، وبعد أن كان مؤمنا تقيا طول عمره؟ كذلك نراه يقول إنه بعد وفاة والده صار من "هيئة علماء المدينة". ترى هل هناك فى المدن المصرية شىء اسمه: "هيئة علماء المدينة"؟ نعم كانت هناك فى القاهرة "هيئة كبار العلماء"، لكن لم نسمع بـ"هيئة علماء المدينة" هذه إلا الآن.
ثم انظروا إلى تشكيل كل حرف فى عنوان الكتاب وفى اسم المؤلف! فمنذ متى يشكل المصريون عناوين كتبهم بهذه الطريقة، وبخاصة أن العنوان يخلو تماما من أية كلمة تحتاج إلى تشكيل؟ ومما له مغزاه فى هذا السياق أن مروجى الكتاب وناشريه فى مواقعهم هم مجرمو نصارى المهجر الذين نرجو أن يفيقوا من غيهم وقلة أدبهم قبل أن يأتى يوم لا تنفع فيه أوربا ولا أمريكا ويقول الكافر حين يرى الشيطان يتبرأ منه ويتركه يواجه مصيره الأسود وحده ويُضْرَب بالحذاء دون أن يخف لنجدته مخلوق: "يا ليتنى كنت ترابا"، فضلا عن أنهم هم الوحيدون الذين كانوا يعرفون بصدور الكتاب، إلى أن وضعوه فى مواقعهم ومنتدياتهم، فعندئذ عرفه المسلمون.
ومعروف أن من عادتهم تأليف كتب تهاجم الإسلام بأسماء مجهولة (ككتاب "تيس عزازيل" للأب يوتا ابن العبيطة، وهو اسم لا وجود له، وكتاب "حوار صريح حول الإسلام" للشيخ المزعوم الحمار محمد النجار، و"مقارنة الإسلام والمسيحية" للشيخ المقدسى الذى لا يوجد إلا فى أوهام المتاعيس المتخلفين من نصارى المهجر، وكتاب "هل القرآن معصوم؟ " للمدعوّ: عبد الله عبد الفادى، وهو كذلك اسم مختلق، وكتابَىِ "الفرقان الحق" و"القرآن الشعبى"، اللذين صدرا دون أن يكون على غلاف أى منهما اسم مؤلفه). وقد يسندون تلك الكتب إلى أسماء مسلمة لا حقيقة لها (كالكتاب الذى يشتمل على الترجمة العربية للمقدمة التى صدّر بها جورج سيل ترجمته القرآنية إلى اللغة الإنجليزية والذى نسبوه إلى عبد الله العربى نزيل الديار الإفرنجية كما قالوا على الغلاف)، ودائما ما يزعمون أن الشيخ الفلانى أو زعيم الجماعة الإسلامية العلانية قد أسلم. ومن هذه الشاكلة أيضا ما هو معروف من أن كثيرا من المتظاهرين بالإلحاد فى موقع "اللادينيين العرب" هم فى حقيقة الأمر نصارى سخفاء يتخذون من ذلك التظاهر فرصة للنيل من الإسلام بطريقتهم الملتوية المفضوحة رغم هذا. كذلك من اللافت للنظر أن زكريا بطرس يستشهد فى برنامجه كثيرا بهذا الكتاب حتى فيما يمكن، بل فيما يجب، أن يرجع فيه إلى غيره، وذلك حين يستخدمه مرجعا وسيطا بدلا من الرجوع إلى المصدر أو المرجع الذى نقل عنه عباس عبد النور. وهذه معلومة هامة من شأنها أن تساعد فى كشف الجهة التى أصدرت الكتاب، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى المزيد بعد كل ما أوردناه هنا من معلومات وأدلة.
وأخيرا فمن عادة بعض الكفار من قديمٍ تأليفُ الكتب وعَزْوُها إلى غيرهم حتى يخلصوا من التبعة ويتفرجوا على ما يحدثونه من فتنة وهم يفركون أيديهم ابتهاجا بما يَرَوْن دون أن يتعرضوا للوم أو أذى ودون أن يعرف الناس من حولهم أنهم هم أصحاب كل هذه الضجة المثارة. وفى هذا من اللذة ما فيه. وفى الفصل الذى عقده د. عبد الرحمن بدوى لمحمد بن زكريا الرازى (الطبيب المسلم المشهور والمتهم بالإلحاد صدقًا أو بُطْلاً) فى كتابه: "من تاريخ الإلحاد فى الإسلام" إشارة إلى بعض الملاحدة العرب فى العصر العباسى ممن ألفوا الكتب الكفرية ونسبوها إلى علماءَ إغريقٍ (ص256 من ط2/ دار سينا للنشر/ 1993م).
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا، وحين أوشكت أن أنتهى من الرد الذى بين يدى القارئ وجدت دعاية لكتاب عباس فى بعض المواقع تقول إنه كان أستاذاجامعيا. وهذه كذبة أخرى أضرط من الأكاذيب السابقة، وإلا ففى أية جامعة يا ترى كان أستاذا ذلك الكذاب المفضوح الذى أخراه الله؟ كذلك تقول الدعاية إن النسخة الموجودة فى الموقع هى طبعة أخرى من الكتاب الممنوع من التداول فى البلاد العربية والإسلامية. والسؤال الآن هو: إذا كان الكتاب ممنوعا من التداول والتوزيع فى البلاد الإسلامية كلها فلم طبعتم منه طبعة جديدة، وأنتم لن تستطيعوا توزيعه، وبخاصة أن لديكم الإنترنت تنشرونه فيه على أوسع نطاق مما لا يمكنكم أن تحصلوا على عشر معشاره لو طبعتموه طباعة ورقية؟ إن هذا دليل آخر على أن كل ما يتعلق بهذا الكتاب هو كذب فى كذب.
وإلى القارئ الآن الكلمة المذكورة أنقلها بتمامها كما وجدتها فى الموقع المشار إليه: "كتاب محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن- الطبعة الثانية، وهي نسخة محسنة جدا. عباس عبد النور من مواليد دمنهور، سني المذهب. فقيه. مدير تكية. قضى ستين عاما من عمره مسلما تقيا، وإمام مسجد، وخطيبا رائعا، وكاتبا وشاعرا ومفسرا للقرآن الكريم، ثم نشر كتابه: "محنتي مع القرآن"، وكفر عندما بلغ الثمانين من عمره. وكتابه هو أخطر كتب الالحاد. ألتحق بكلية اصول الدين في الأزهر. ومنح مساعدة من دائرة الأوقاف الإسلامية، فانتقل إلى جامعة السوربون في باريس ليحضر دكتوراه في فلسفة العلم، وتمكن من الفلسفة والعلم معا. ولما عاد إلى مدينته أصبح إماما وخطيبا في أحد مساجدها، وكان له فيها مريدون، نشأهم على الإيمان وحسن العبادة، كما كان أستاذا جامعيا، ومؤلفاً لكتب فلسفية وعلمية عديدة. إلا أن حياته الفكرية لم تكن من دون قلق ولا حياته الدينية من دون شكوك. لقد كان عقله يثير موضوعات شائكة، وكان إيمانه يكفيه الجواب على كل معضلة. صراع العلم والإيمان ابتدأ عند عباس باكرا، صراع لم تتح له الفرصة ليطرح علنا. ولو خرج من الخفاء منذ نشأته، لما وصل إلى هذا الحد من العنف المعبر عنه في هذا الكتاب الذي قل نظيره".
وبالمناسبة لم يذكر لنا كاتب المقدمة الفطاس كيف وصلت إليه مخطوطة الكتاب ما دام عباس عبد الديجور قد نفق. وهذه ثغرة أخرى من الثغرات الكثيرة الفاضحة. وكيف يا ترى تم تحسين الطبعة الجديدة، وقد هلك المؤلف وراح فى ستين داهية؟ هل من حق أحد أن يتصرف فى كتاب مات صاحبه فيحسّن فيه ويضيف إليه أو يحذف منه؟ فمن أعطاه هذا الحق؟ إن هذه فلتة من فلتات اللسان التى تكشف أن مؤلف الكتاب ما زال حيا، ومن ثم نظر فى كتابه ففكر فى تحسينه وتنقيجه على عادة المؤلفين مع الطبعات الجديدة لكتابهم. ثم ماذا كان موقف زوجته وأولاده منه بعدما كفر وكتب كتابه هذا؟ والمفروض أنهم معروفون، على الأقل: تبعا لمعرفة الناس عباس ابن نسناس بوصفه شيخ طريقة وإمام مسجد وخطيبا مفوها ومؤلفا مرموقا وأستاذا جامعيا وشاعرا وقصاصا، وبياع دبابيس وأمشاط وفلاّيات وسكر نبات، ومن يقول: هات؟ فلماذا سكت كاتب المقدمة البكاش عنهم ولم يأت على ذكرهم ولو بكلمة واحدة؟ إن هناك تعتيما على هذه المسألة، وهى ثغرة خطيرة تضاف إلى الثغرات الكثيرة الماضية واللاحقة.
فإذا ولجنا من باب الكتاب إلى الداخل فأول شىء نلاحظه أن عباس يذكر كرسىّ الاعتراف قائلا إنه سوف يجلس الآن على كرسى الاعتراف ويفض مغاليق قلبه لنا بصراحة تامة، وهذه زلة لسان فاضحة، إذ ليس عند المسلمين كراسىّ اعتراف، ومثل ذلك الرجل "التقى الورع سابقا! " لا يمكن أن تخطر له فكرة كرسى الاعتراف أبدا. ومثل ذلك قوله: "طوبى للبُلْه، فإن لهم ملكوت السماوات" (ص32)، ففيه تأثير إنجيلى واضح. ومثله أيضا تأكيده أن "الدين لله، والوطن للجميع" (ص50)، فهى عبارة كان النصارى الأقباط يغرمون بها ويرددونها دائما لإلهاء المسلمين عن الإسلام، أما الآن فإنهم يعلنون بكل صراحة ووقاحة أن المسلمين ليسوا مصريين، بل عربا وَفَدُوا على أرض الكنانة من شبه الجزيرة العربية وينبغى أن يعودوا من حيث جاؤوا ويتركوا الجمل بما حمل لهم ينعمون به هنيئا مريئا، إذ هم وحدهم المصريون حقا وصدقا. ومن هذا الوادى كذلك ما نقرؤه بهامش الصفحة التاسعة والخمسين من وصف عِبْس لمبشر غبى مثله اتخذ من ضمير الجمع العائد على الله فى
(يُتْبَعُ)
(/)
القرآن دليلا على صحة التثليث بأنه "أحد أذكياء المبشرين". وهذه زلة لسان خطيرة لها دلالتها. ومنه كذلك قوله (ص124): "لكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟ "، وهى عبارة كتابية بامتياز.
وهناك أيضا تأكيده (ص207) أن القرآن ليس فى مستوى واحد من الجودة والأناقة والإتقان، بل "فيه القمح، وفيه الزُّوَان"، أى الجيد والردىء. والزوان هو ما يسميه العامة: "الدحريج"، وينقونه من القمح ويرمونه. وهذا المثل موجود فى الإصحاح الثانى عشر من إنجيل متى، ففيه نقرأ: "24قَدَّمَ لَهُمْ (أى عيسى عليه السلام) مَثَلاً آخَرَ قِائِلاً: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. 25وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُوُّهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسْطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى. 26فَلَمَّا طَلَعَ النَّبَاتُ وَصَنَعَ ثَمَرًا، حِينَئِذٍ ظَهَرَ الزَّوَانُ أَيْضًا. 27فَجَاءَ عَبِيدُ رَبِّ الْبَيْتِ وَقَالُوا لَهُ: يَا سَيِّدُ، أَلَيْسَ زَرْعًا جَيِّدًا زَرَعْتَ فِي حَقْلِكَ؟ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ زَوَانٌ؟. 28فَقَالَ لَهُمْ: إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هذَا. فَقَالَ لَهُ الْعَبِيدُ: أَتُرِيدُ أَنْ نَذْهَبَ وَنَجْمَعَهُ؟ 29فَقَالَ: لاَ! لِئَلاَّ تَقْلَعُوا الْحِنْطَةَ مَعَ الزَّوَانِ وَأَنْتُمْ تَجْمَعُونَهُ. 30دَعُوهُمَا يَنْمِيَانِ كِلاَهُمَا مَعًا إِلَى الْحَصَادِ، وَفِي وَقْتِ الْحَصَادِ أَقُولُ لِلْحَصَّادِينَ: اجْمَعُوا أَوَّلاً الزَّوَانَ وَاحْزِمُوهُ حُزَمًا لِيُحْرَقَ، وَأَمَّا الْحِنْطَةَ فَاجْمَعُوهَا إِلَى مَخْزَني» ... 36حِينَئِذٍ صَرَفَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَجَاءَ إِلَى الْبَيْتِ. فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَسِّرْ لَنَا مَثَلَ زَوَانِ الْحَقْلِ». 37فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ. 38وَالْحَقْلُ هُوَ الْعَالَمُ. وَالزَّرْعُ الْجَيِّدُ هُوَ بَنُو الْمَلَكُوتِ. وَالزَّوَانُ هُوَ بَنُو الشِّرِّيرِ. 39وَالْعَدُوُّ الَّذِي زَرَعَهُ هُوَ إِبْلِيسُ. وَالْحَصَادُ هُوَ انْقِضَاءُ الْعَالَمِ. وَالْحَصَّادُونَ هُمُ الْمَلاَئِكَةُ. 40فَكَمَا يُجْمَعُ الزَّوَانُ وَيُحْرَقُ بِالنَّارِ، هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ هذَا الْعَالَمِ: 41يُرْسِلُ ابْنُ الإِنْسَانِ مَلاَئِكَتَهُ فَيَجْمَعُونَ مِنْ مَلَكُوتِهِ جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ، 42وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ. 43حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ".
إلا أن الكاتب يسخر بعد ذلك من المسيح والنصرانية سخرية مرة، وإن كان غريبا قوله إنه، بعدما تيقن من عدم وجود إله أصلا، فكر فى اللجوء إلى يسوع ودينه (ص36 وما بعدها). فما دام قد توصل إلى أنه لا يوجد إله أصلا، فكيف يخطر له أن يلجأ إلى المسيح؟ إن المسيح بشر مثله هو تماما، فكيف تواتيه نفسه على التفكير فى اللجوء إليه، وهو الذى كفر بالله ذاته؟ أليس هذا أمرا غريبا ومريبا؟ والمضحك أن النصارى يحتفون بالكتاب رغم ذلك مثلما احتفَوْا بكتب القمنى رغم ما فيها من إنكار المعجزات ومن الافتراء على مريم والقول بأنها كانت بَغِيًّا من بغايا المعبد المقدسات، ومثل انتشائهم باختراع القرآن الشعبى، الذى يسىء إلى مريم وعيسى عليهما السلام حسبما وضحت فى مقالى الطويل حول هذا الوضوع.
ومن الثغرات الفاضحة فى الكتاب قوله (ص33): "بل لقد بلغ بى الترحيبُ بالمصيبة وشكرُ الله عليها مبلغ الصوفية، فكنت أذهب مذهبهم وأقول على طريقتهم بأن المصيبة معصية عُجِّلَتْ فى الدنيا حتى نلقى الله فى الآخرة وليس علينا شاهدٌ بذنب! لقد نسيتُ، ولعلى قد تناسيتُ، ولى مصلحة فى هذا التناسى، أن المصيبة إذا كانت تعيد الإنسان إلى الله أحيانا فإنها فى أحيان أخرى تُبْعِده عنه أيضا. المصيبة طريق إلى الله، وهى اأيضا طريق إلى الشيطان". فهذا يعنى أنه فى الأصل لم يكن صوفيا من الصوفية، وإنما ذهب فى تلك المحنة فقط مذهبهم، مع أنه يقول عن نفسه فى مقدمة الكتاب إنه كان واحدا منهم، إذ كان يحضر حلقات ذكرهم. بل لقد ذكر صوفيته صراحة
(يُتْبَعُ)
(/)
أكثر من مرة كما فى ص41 مثلا.
ثم إن الأسلوب الذى صيغ به الكتاب ليس أسلوب شيخ بلغ أرذل العمر كما يريد أن يوهمنا الكاتب والذين يقفون من ورائه يوسوسون فى أذنه ويلقنونه ما ينبغى أن يقوله، بل هو أسلوب شخص ما زال يتوثب عُرَامًا وحيوية، فهو يتهكم ويسخر ويداور ويناور ويسجع ويجانس ويوازن ويرادف وينفث قلمه لهب الحقد والتشكيك مندفعا فائرا منثالا. وليس هذا من سمات كتابات الشيوخ الفانين ولا من الأساليب التى تبرز فى مثل ذلك السياق الذى لا يكون الإنسان فيه على مزاجه الرائق كى يفكر فى البديعيات والمترادفات وما إلى هذا. كذلك فمصطلحاتٌ مثل "التنوير" و"قوى الظلام" و"الخطاب القرآنى" و"النص" (ص7 مثلا) و"مجتمع متخلف آسن لاعمل له إلا إنتاج ذاته وتكرار ذاته" و"الأُطُر الاجتماعية" و"صدمة الحداثة" و"الأيديولوحيا" و"الأسطرة" (أى تحويل الموضوعات إلى أساطير ص143) و"الذائقة اللغوية" (ص152) هى مصطلحات غريبة على رجل عاش كما يقول فى حلقات الذكر وبين أهله من علماء الدين ممن لا تجرى هذه المصطلحات على ألسنتهم، فضلا عن الاعتزاز بها كما هو واضح فى الكتاب، وبخاصة أنه كتب كتابه وقد تخطى الثمانين كما ذكر (ص44). بل إن الرقم 80 ليؤكد أن المسألة ليست سوى كذبة بلقاء تدل على أن الأمر كله بكش فى بكش، إذ ذكر عباس ا لمحتاس فى بداية الكتاب أنه من مواليد 1927م. فإذا كان الكتاب قد صدر عام 2004م كما هو مطبوع على الغلاف، فكيف يمكن أن يكون المؤلف الموهوم قد تخطى الثمانين مع أنه قد مات قبل صدور الكتاب؟ إنها داهية أخرى من الدواهى المتلتلة التى أراد الله أن يفضحهم بها.
وبالمثل فإن السيناريو الذى تصور الكاتب وقوعه بعد صدور الكتاب وانقسام الناس بشأنه ومصادرة الحكومة له ودخول الإعلام الغربى و"الدوائر السوداء" (حسب تعبيره) على الخط متهمة المسلمين بالتخلف وقمع الحريات وما إلى ذلك هو سيناريو لا يمكن أن يخطر لرجل عجوز فى الثمانين قضى حياته كلها بين حلقات الذكر والصلوات والصيامات وقمع الشهوات ... إلخ. هذا كلام مجرم قرارى لم يتخط سن الحيوية بعد كما قلنا. ومع ذلك فها هو ذا الكتاب قد صدر، ولم يقع شىء مما تخيله عباس الهلاس. والسبب هو أن كل هذا كذب وتزييف، وليس هناك شخص اسمه عباس عبد النور ولا حاجة، ولا الكتاب صدر من دمنهور ولا حاجة، بل هو من صنع شخص متخفٍّ ما زال حيا، وتسنده قوى قوية تريد إحداث ضجة ولغط بين المسلمين وتعمل على نشر التشكيك فى دينهم.
ويصور الكاتب محنته مع القرآن تصويرا دراميا مثل فلم "أشرف خاطئة" وأشباهه حيث تنسد تماما كل الأبواب فى وجه المومس المتحرقة شوقا وغراما وهياما وانتقاما إلى ممارسة الرذيلة فيعاملها القدر بما تستحق وتنسد فى وجهها كل الأبواب بلا أدنى أمل فى معونة من إنسان كريم أو قريب رحيم أو جار شهيم بحيث لا يكون أمام نجوى فؤاد الراقصة اللولبية ربة الشرف والصون والعفاف والفضيلة (أقصد الرقاص الهجاص المدعوّ: عباس الخناس) التى ليس معها شىء من تكلفة عملية جراحية خطيرة لا بد من إجرائها لأمها بغية إنقاذ حياتها إلا الزنا والعهر كما يريد مؤلف الفلم ومخرجه ومنتجه أن يزرعوا فى رُوعنا، تسويغا للخطيئة وترويجا لها وابتهاجا بمقارفيها وإعلاء لشأنهم وتقديما لهم فى صورة الأبطال المغاوير.
وهو كلام لا يدخل عقل عاقل. ذلك أنه يزعم أنه، بعد عشرات السنين من التقوى والعبادة الخالصة لله، قد ألفى نفسه على حين بغتة مريضا يعانى من انفصال فى الشبكية، فضلا عن عرج فى قدمه كان قد عالجه فى فرنسا، إلا أن آثاره بقيت ظاهرة فى مشيته، وهو مع هذا فقير لا يستطيع أن يعالج نفسه، فجعل يدعو الله ويبتهل إليه أن يقف معه ويهتم به ويسارع إلى معونته، لكنه فوجئ بأنه لم يأبه به ولا استجاب لشى مما طلبه منه على الإطلاق، فانتهى أمره معه إلى أن طلق الإيمان طلاقا بائنا لا مثنوية فيه وانكب على القرآن بنفس التحمس القديم، ولكن لينتقده لا ليتعبَّد بقراءته، فكان هذا الكتاب الذى أكد فيه أن القرآن ليس من عند الله، إن كان ثم إله أصلا، وأنه مفعم بالأخطاء اللغوية والفكرية والعلمية وأنه صار يمثل عبئا على كاهل المسلمين، الذين إذا كانوا جادين فى رغبة الدخول إلى عالم الحضارة فليس أمامهم من سبيل سوى اطراحه وإهماله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولأنه رجل كذاب نراه يقول فى موضع آخر (ص188) إنه قد انجاب عن عقله تأثير الأساطير القرآنية عن الكون والسماء وما إلى ذلك وتخلى عن الإيمان بها وترديدها "منذ عقود طويلة" (بنص كلامه)، وهو ما يعنى أن كفره بالقرآن لم ينتظر حتى أصيب فى عينيه بالانفصام الشبكى، وأخذ يبتهل إلى الله فلم يستجب الله لابتهالاته فكَفَر. وهذا يرينا أن الرجل قد كتب الكتاب منذ البداية قصدا للتشكيك فى القرآن وصرفا للمسلمين عن الإيمان به حتى تخلو المنطقة للأمريكان والغربيين فيصنعوا بها وبأهلها ما يشاؤون دون أية مقاومة، إذ المقاومة الآن هى من صنع الشبان والرجال المسلمين الذين يؤمنون بأن دينهم هو أصح الأديان وأن هذا الدين يأبى عليهم الاستكانة إلى ما ينزله المجرمون الغربيون بأمتهم من عسف وظلم وطغيان وسرقة وقتل ودمار، فأراد أولئك المجرمون أن يقضوا على تلك المقاومة الشرسة الباسلة الرجولية الفدائية التى تعكر عليهم صفو إجرامهم فتخيروا هذا الكاتب وأمثاله وكلفوه أن يكتب مشككا وناشرا الكفر بالقرآن وبمحمد بين المسلمين حتى يخلو الجو لمجرمى الغرب الصليبى ليفعلوا بنا وببلادنا ما يحلو لهم ويبرطعوا على راحتهم دون أن يخسروا مالا أو أرواحا.
وفى الصفحات 78 - 79، 138 - 139 يعود ابن عبد الديجور فيقول إن القرآن كان ثورة فى حينه، ناسيا ما كان قد قاله قبلا من أن فيه سخفا كثيرا. ثم يضيف قائلا إن القرآن قد تحول مع الأيام من ثورة إلى رتابة وسقوط وإملال. والحق أن هذا ليس عيب القرآن، فالنصوص القرآنية التى هاجمت تحجر العقول وغباء البشر وعنادهم فى وجه الحق ما زالت موجودة، وكل ما فى الأمر أن الناس هى التى ركنت إلى البلادة، وإلا فالقرآن يدينهم قبل غيره. والملاحظ أن الكاتب النتاش هنا يهاجم العرب ناعيا عليهم الغباء وتحجر العقول والتمسك السخيف بما ثبت أنه فاسد، وكان قبل قليل يمدحهم ويزعم أنهم مخلصون للحقيقة ذوو أنفة وكبرياء، لا لشىء إلا لما كانوا يبدونه، أيام وثنيتهم من عناد وكراهية للتفكير ومطالبة للرسول بالمعجزة، وهى المعجزة التى سخر منها عِبْس وهاجمها عند كلامه عن رفع الطُّور فوق رؤوس قوم موسى تهديدا لهم. واضح أنه يتخبط ولا يستقيم على طريق واحد!
وفى (ص78 وما بعدها) يتكلم عن وجوب أخذنا بثورة الغرب ولحاقنا بركبه، ويهاجم الأصولية عندنا، متجاهلا الأصولية الأمريكية الرجعية الوحشية واستلهام الأمريكان لأوهامهم الدينية المتخلفة فى تدمير بلادنا وقتل شعوبنا مدعين أن الله يأمرهم بها ويباركه. المهم أنه، بعد قليل من تأكيده أن القرآن كان ثورة فى القرن الأول للهجرة ثم آض عبئا وجمودا يحتاج بدوره إلى ثورة، يعود فيقول ما معناه أن الإسلام ظل إلى القرنين الحادى عشر والثانى عشر يتجدد ويبدع. فبأى الرأيين نأخذ؟ ولقد مدح الوثنيين المكيين وعنادهم ورفضهم للدعوة الإسلامية فى البداية وعد ذلك منهم إخلاصا للحقيقة وأنفة وكبرياء يستحقان المديح والتمجيد. فأى تناقض هذا؟
لقد أكد عِبْس أن مطالبة قريش للنبى بأن يعذبهم الله أو يمطرهم بحجارة من السماء كما حكت ذلك سورة "الأنفال" دليل على أنفة النفس والإخلاص التام فى سبيل البحث عن الحقيقة (ص66)، فهل يريد أن يقول إن وثنية قريش أفضل من وحدانية محمد عليه السلام، وبالتالى فعنادهم دليل على إخلاصهم ينبغى الثناء عليه؟ لكن ماذا كان يفيد إهلاكهم فى إقناعهم، وهم ساعتئذ سوف يكونون قد ماتوا، فلا فائدة من ثم فى هذا الدليل؟ على كل حال لقد تحداهم القرآن منذ البدايات الأولى فى مكة بأنهم، بعنادهم وكفرهم، سوف يخسرون كل شىء، وسوف ينتصر الإسلام رغم كل شىء، وهو ما قد كان. ألا يكفى هذا عند الكاتب ومن يختفون خلفه ويحرضونه على الشر والتساخف؟ ثم أى إخلاص ذلك الذى يتحدث عنه الكاتب، وقريش جميعا، إلا من مات منهم، وعددهم لا يذكر، قد آمنوا بهذا الذى كانوا ينكرونه ويعاندونه؟ فلماذا لم يُثْنِ عليهم إذن بأنهم عندما استبان لهم الحق لم يستمروا فى العناد والكفر بل انصاعوا لذلك الحق؟ أم ترى الأنفة والإخلاص لا يكونان إلا مع الكفر؟ والمضحك أنه بعدما لمز النبىَّ كثيرا لعدم نزول معجزات عليه، ومنها معجزة حجارة التدمير السماوية تلك، يعود (فى الهامش) فيسخر من إيمان بنى إسرائيل بسبب معجزة رفع الطُّور فوقهم لأن هذا فى رأيه إيمان المجبَر. إذن
(يُتْبَعُ)
(/)
فلماذا لمز النبىَّ فى مسألة المعجزات ما دامت هى فى نظره معيبة إلى هذا الحد؟ عجيبة!
وفى ص229 نجد عِبْس يعترف بأن القرآن كان عامل تقدم وحضارة فى بدء أمره، إلا أنه فى عصور التخلف كان عامل انحدار. ونحن لا نشاح فى أن المسلمين فى العصر الحاضر بوجه عام قد بلغوا من الهوان والتخلف والبلادة مبلغا يطير النوم من العين بل يبعث على الجنون، وهو ولا هم هنا، وهذا ما يزيد المسألة تعقيدا ويملأ القلب "هما وغما"، ولولا الإيمان بالله لقلنا: "ويأسا" أيضا، لكن القرآن ليس هو السبب، فنصوصه باقية كما هى لم تغيَّر ولم تحرَّف، بل المسلمون هم الذين تغيروا. وهناك أسباب لذلك بعضها خارج نطاق إرادتهم، وبعضها يدخل فى نطاقها. لكن ما من شىء فى نهاية المطاف فى هذه الدنيا إلا ومن الممكن تغييره إلى الأفضل بالعزم والإرادة والعلم والعمل ما دام لا يناقض ناموسا من نواميس الحياة. فهل يكذّب قومنا ظننا ويفعلونها ويشمّرون عن ساعد الجد ولا يُشْمِتون بنا من يساوى ومن لا يساوى ويعملون على الخروج مما هم نائمون فيه من المجارى المنتنة ويكونون عظاما كأجدادهم يوم كانوا متمسكين بالقرآن المجيد؟
إن الإسلام نظام من القِيَم الحضارية هدفه ترقية الحياة وتهذيبها وإسعاد البشر، ولا بد من تطبيقه إن أراد المسلمون أن يخرجوا من الدائرة الملعونة المشؤومة التى يتحركون فيها إلى الخلف، على حين تقفز الدنيا من حولهم إلى الأمام قفزا وتثب إلى الأعالى وثوبا. ومن غير المتصور أن يقف الشعب سلبيا تجاه ما يحيط به من مشاكل، منتظرا أن يحلها له حلال ليأتى شخص سخيف خفيف العقل مثل عباس الملتاث فيتهم الإسلام بأنه صار معوقا لأتباعه عن الحضارة والتقدم. إن الشعوب المتحضرة فى الدنيا كلها تعرف أنه لا يمكنها نيل حقوقها إلا إذا تحركت وطالبت وناضلت، وإلا فسوف تظل الأمور على ما هى عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى الانتحار أو خبط رأسه فى أقرب جدار. ومن جهة أخرى لا يمكن تطبيق الإسلام بقِيَمه وتشريعاته وحدوده ما لم يقتنع الناس أنه لا بد من تطبيقه، لا كلاما وشعارات شبعنا منها ومن سخافاتها وتفاهاتها وخلوها من المضمون، بل حقا وصدقا ينبعان من العقل والقلب ويتبديان فى الوقوف صفا واحدا ضد كل من يفكر فى النيل من هذا الدين وإفراغه من حقيقته. بغير هذا سوف نعطى الأعداء الفرصة للزعم بأنه دين لا يهتم إلا بالشكليات التى لا تؤكّل عيشا، بينما الجوهر مغيَّب، والقيم الحضارية العبقرية التى يتضمنها هذا الدين العظيم معطَّلة!
المجتمع المسلم هو المجتمع المتقدم علميا وزراعيا وصناعيا وتجاريا وعسكريا ورياضيا وفنيا، وله كلمة محترمة نافذة فى المحافل الدولية، وبغير ذلك لا يمكن أن أصدّق أنه مجتمع مسلم حقا. ليس من المعقول أن يظل المسلمون مرتعبين فزعين من أمريكا وإسرائيل لا يدرون ماذا تنويان أن تفعلا بهم، وينحصر كل همهم فى الأزمات أن تمر الأزمة على خير ظنا منهم أنها متى مرت على خير فقد نجَوْا، ثم يفاجَأون بأنه لا الأزمة مرت على خير ولا أنها آخر الأزمات والكوارث. إن مجتمعات مثل هذه هى أبعد ما تكون عن الإسلام، وإن صَلَّتْ وصامتْ وحَجَّتْ وأطلق رجالها لحاهم وتحجبت نساؤها، رغم أهمية الصلاة والصيام والحج والحجاب.
ألم يقل الله تعالى فى كتابه المجيد: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"؟ فكيف إذا لم تنه الصلاة صاحبها عن الفحشاء والمنكر ولم تزرع فى رُوعه التقوى الحقيقية التى تدفع المصلى دفعا إلى أن يكون إنسانا متحضرا قويا محترما هو والمجتمع الذى ينتمى له؟ أليس رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام هو القائل: "كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ! وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر! "؟ ألا نقرأ فى القرآن أمره سبحانه وتعالى لرسوله: "وقل: رب، زدنى علما"؟ فلماذا إذن لا نطلب من ربنا زيادة نصيبنا من المعرفة والعلم، ونفضّل الجهل ونكره القراءة والكتاب كراهية العمى، وكأن القرآن والرسول قد نهيانا نهيا باتا لا مثنوية فيه ألا نقارب العلم أو أن نقترف منه شيئا حتى لا ينجّسنا؟ ألم يقل الرسول لنا: "من خرج في طلب العلم كان في سبيل الله حتى يرجع"، و"إن الله عز وجل أوحى إليّ أنه من سلك مسلكا فى طلب العلم سهّلتُ له طريق الجنة"، و"فضلٌ في علمٍ خيرٌ من فضلٍ في عبادة"؟ فما بال الطلاب العرب والمسلمين لا
(يُتْبَعُ)
(/)
يسعون فى طلب العلم بدلا من قراءة الملخصات وحفظها دون فهم والاستعانة بالغش فوق ذلك، وكأن العلم يصلح مع الغش؟ ألم يعلمنا الرسول أن "الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"؟ فلماذا كان إنتاجنا رديئا، وصُنّاعنا وحِرْفِيّونا متعجلين كأن عفريتا يركبهم، ومدلّسين لا يؤدون عملهم على شىء من الإتقان إلا إذا وقفنا على أيديهم وفنجلنا أعيننا على الآخِر كما يقول التعبير العامى؟ أليس من الحكمة النبوية والتحضر الإسلامى أن "إماطة الأذى عن الطريق صدقة"؟ فلماذا تنفرد شوارعنا بهذه الوفرة الوفيرة بكل ألوان الأذى: من أذًى صوتىّ إلى أذًى بصرىّ إلى أذًى شَمِّىّ إلى أذًى نفسىّ إلى أذًى عقلىّ، وكأنه عليه السلام قد أمرنا بملء الطريق بالأذى والعدوان؟ والله إنى لأتصور أنه عليه السلام لو كان أمرنا بملء الطريق أذى وعدوانا ما اهتممنا بأن تكون شوراعنا بهذه القذارة والتشويه الذى هى عليه! ألم يأمرنا القرآن فى كثير جدا من آياته بالصبر؟ فلماذا لا يكون منّا صبرٌ إلا على المذلة والإهانة والجهل والتخلف أو المكر والتآمر، لا على بذل الجهد فى ميادين المجد والكرامة والإبداع والإتقان؟ إننا الآن فى مفترق طرق، وأخشى ما أخشاه إن ظللنا على بلادتنا وتفاهة اهتماماتنا ورضانا بالمذلة والخنوع لكل مستبد غشوم وبُغْضنا للعلم والقراءة واعتمادنا فى تسيير أمورنا على الفهلوة والبكش أن نكون قد حفرنا كأمةٍ قبورنا بأيدينا، وصعَّبْنا فوق ذلك على أنفسنا حساب يوم الدين، وعندئذ نكون لا دنيا أَحْرَزْنا، ولا آخرةً كَسَبْنا!
على كل حال من الواضح أن عِبْس لا يهمه إلا أن نكون تابعين للغرب، وأنه لا يبالى بتقدمنا فى قليل أو كثير. والغرب يستعمل أمثاله مطايا يركبونها فى سبيل سحق مقاومتنا له ولمخططاته. إننا فعلا وحقا وصدقا متخلفون، وأول مظاهر تخلفنا هو أننا لا نعمل بما فى القرآن من دعوة إلى استخدام العقل، وإلى السعى فى سبيل العلم، وإلى العمل والإنتاج والإبداع، وإلى النظافة والنظام والإتقان والجمال وما إلى هذا. وهذه المبادئ ما زالت موجودة فى القرآن، ومازالت لها قيمتها المطلقة التى لا تتوقف على عصر دون عصر كما يريد أن يوهمنا ابن القديمة حين يطالبنا بالتمرد على القرآن، الذى كان، كما يزعم، ثورة فى الماضى ثم أصبح حجر عثرة الآن. الطريف المضحك أن مقدم الكتاب (ص6) قد برَّأ القرآنَ وبرَّأ اللهَ مما حدث لعباس الخناس من كفر وتمرد، إذ حصر المسؤولية فى المسلمين.
هذا، وقد رأينا قبلا كيف سد الكاتب كل الطرق فى وجه نفسه حين صور الله فى صورة من لا يستجيب لدعاء أو نداء ولا يهتم بعباده أدنى اهتمام، فلم يعد عبد النور (أو بالأحرى: عبد الديجور) يعرف ماذا يعمل ليعالج نفسه، اللهم إلا أن يبيع بيته كما قال وينام فى الشارع هو وأولاده وزوجته. ولكن أين أملاك أسرته، ولم تكن بالأسرة الفقيرة التى يضيع ابن من أبنائها هذا الضياع المطبق، ولا بالأسرة المغمورة التى إن وقعت فى ورطة لم تجد من يتذكرها أو يمد يد المعونة إليها؟ وأين التأمين الصحى؟ بل أين ما يفعله كثير من الموظفين المصريين من طلب سلفة من البنك أو استبدال جزء من المعاش؟ إلا أنه نسى، لغبائه، أن يشرح لنا كيف حُلَّتْ مشكلته بعد إلحاده. أتراه باع ولدا من أولاده مثلا؟ أتراه قوَّد على زوجته وعالج نفسه من المرض بما كسبته من بيعها لشرفها كما فعلت بطلة فلم "أشرف خاطئة"؟ أم المقصود هو مكايدتنا بالإلحاد، والسلام؟ كذلك نسى أن يقول لنا ماذا كان رد فعل أولاده وزوجته وأسرته بعد إلحاده وتأليفه ذلك الكتاب ونشره. إن هذه ثغرات خطيرة لم يفكر فيها جيدا لأن المقصود هو إغاظة المسلمين لا غير بالحديث عن الإلحاد.
وأيا ما يكن الأمر فلا ريب أن الإيمان لا يصلح إذا اشترط صاحبه استجابة الله له فى كل ما يدعوه به وأن تكون حياته سعيدة على الدوام. ترى أى إيمان هذا؟ وكيف يمكن التمييز فى تلك الحالة بين المؤمن الحقيقى والمؤمن غير الحقيقى؟ نعم، كيف يكون إيمان دون محن وصبر؟ وكيف تُعْرَف حينئذ حقيقة إيمان فلان من علان؟ وهل هناك عالم بلا مشاكل ومتاعب وأمراض وموت وفقر؟ فأين ذلك؟ وكيف؟ ولو أن كل إنسان ابتُلِىَ فى ماله أو صحته او ولده أو وظيفته أو سمعته ولم تنقشع البلوى فى الحال عقب ابتهاله إلى الله فترك الإيمان لكفر الناس جميعا، إذ ما
(يُتْبَعُ)
(/)
من إنسان فى الدنيا إلا وهو مبتلًى فى شىء من هذه الأشياء، أما السعادة الخالصة فهى كالعنقاء لا وجود لها فى الدنيا. وهذا أمر لا يشاحّ فيه أحد لأنه من حقائق الحياة الصلبة التى لا يصلح فيها إنكار ولا تزويق أيا كانت العقيدة التى يعتقدها الشخص!
والواقع أن هذا يُخْطِر على البال للتو ما يقرؤه الإنسان فى الإصحاح الثامن والعشرين من سفر "التكوين"، حيث يكتب مؤلف السفر عن النبى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كلاما لا نصدّق به لأنه لا يتناسب وشخصية الأنبياء، الذين كان حفيد الخليل عليه السلام واحدا منهم، إذ نراه يساوم ربه على الإيمان به والعبادة له طارحا عليه شروطًا إن حققها له آمن به واتخذه ربا له وأدى له فروض العبادة، وإلا ... ولنقرأ: "10خَرَجَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ وَذَهَبَ نَحْوَ حَارَانَ. 11وَصَادَفَ مَكَانًا وَبَاتَ هُنَاكَ لأَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ قَدْ غَابَتْ، وَأَخَذَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَكَانِ وَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ، فَاضْطَجَعَ فِي ذلِكَ الْمَكَانِ. 12وَرَأَى حُلْمًا، وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ، وَهُو َذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا. 13وَهُو َذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ. 14وَيَكُونُ نَسْلُكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ، وَتَمْتَدُّ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالاً وَجَنُوبًا، وَيَتَبَارَكُ فِيكَ وَفِي نَسْلِكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. 15وَهَا أَنَا مَعَكَ، وَأَحْفَظُكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ، وَأَرُدُّكَ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ، لأَنِّي لاَ أَتْرُكُكَ حَتَّى أَفْعَلَ مَا كَلَّمْتُكَ بِهِ». 16فَاسْتَيْقَظَ يَعْقُوبُ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: «حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ فِي هذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ!». 17وَخَافَ وَقَالَ: «مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ! مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ». 18وَبَكَّرَ يَعْقُوبُ فِي الصَّبَاحِ وَأَخَذَ الْحَجَرَ الَّذِي وَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَأَقَامَهُ عَمُودًا، وَصَبَّ زَيْتًا عَلَى رَأْسِهِ. 19وَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ «بَيْتَ إِيلَ»، وَلكِنِ اسْمُ الْمَدِينَةِ أَوَّلاً كَانَ لُوزَ. 20وَنَذَرَ يَعْقُوبُ نَذْرًا قَائِلاً: «إِنْ كَانَ اللهُ مَعِي، وَحَفِظَنِي فِي هذَا الطَّرِيقِ الَّذِي أَنَا سَائِرٌ فِيهِ، وَأَعْطَانِي خُبْزًا لآكُلَ وَثِيَابًا لأَلْبَسَ، 21وَرَجَعْتُ بِسَلاَمٍ إِلَى بَيْتِ أَبِي، يَكُونُ الرَّبُّ لِي إِلهًا، 22وَهذَا الْحَجَرُ الَّذِي أَقَمْتُهُ عَمُودًا يَكُونُ بَيْتَ اللهِ، وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ» ".
ولقد صور القرآن شخصية الإنسان الذى من هذا النوع فى قوله تعالى: "ومن الناس من يعبد الله على حَرْف: فإن أصابه خيرٌ اطمأن به، وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه، خَسِر الدنيا والآخرة. ذلك هو الخسران المبين"، "فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربُّه فأكرمه ونَعَّمه فيقول: ربى أكرمنِ. وأما إذا ما ابتلاه فَقَدَر عليه رزقَه فيقول: ربى أهاننِ. كلا". والقرآن لم يَعِدِ البشر فى أى موضع منه أن تكون حياتهم هناءة وسعادة مستمرة، بل قال على لسان المولى عز وجل بمنتهى الوضوح: "لقد خلقنا الإنسان فى كبد"، "ولنبلونَّكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات"، "لتُبْلَوُنَّ فى أموالكم وأنفسكم، ولتَسْمَعُنَّ من الذين أوتوا الكتابَ من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا. وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور".
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد ألف الرجل كتابه كى يقول لنا إنه قد كفر بالله لأنه سبحانه لم يستجب له وأنه سوف يعتمد من الآن فصاعدا على نفسه وقدراته، فهل انحلت مشاكله بهذه الطريقة؟ وهل صار قادرا على تحقيق كل ما تصبو إليه نفسه؟ لا هو ولا أجعص جعيص فى الكون يستطيع أن يزعم شيئا من هذا. ثم أتراه يستطيع أن يثبت عدم وجود إله؟ أم تراه يزعم أنه هو إله نفسه؟ وقبل ذلك كله هل قال الله إنه سوف يحل كل مشكلة للإنسان فى هذه الدنيا؟ ثم إن الاستجابة للدعاء لها أكثر من صورة حسبما وضح لنا الرسول مما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد.
وفى (ص237 وما بعدها) نجد الوسواس الخناس يقول إن وجود الله ليس عليه دليل، ومن ثم فلا معنى للألوهية، مع أن هذه المقدمة لا تؤدى إلى هذه النتيجة. ثم إنه يقول مع هذا إن الإنسان محتاج إلى الله حاجة الطفل إلى الأبوين. أفليس هذا دليلا آخر على وجود الله؟ وإلا فمن الذى غرس هذه الحاجة فى نفوسنا؟ ثم إننا بعد ذلك نراه (ص244) يسوق مبررات إنكاره لوجود الله، ليعود غير بعيد (ص247) فينكر أن يكون قد أنكر وجود الله أو يريد إنكاره. وفى موضع آخر نجده يؤكد أن من السهل إقامة الدليل على وجود الله وعلى عدم وجوده جميعا، بمعنى أن الإيمان بالله يشكل معضلة لا يمكن حلها، إذ من الميسور على المؤمن والملحد كليهما إقامة الدليل على صدق ما يعتقد به. وهذا، كما يرى القارئ، منتهى التخبط والتناقض. ومن العجيب أن عباس الهلاس بعد ذلك كله يريدنا أن نؤمن بأنه يتبع المنهج العلمى وأن كل ما يكتبه أو يعتقده إنما يجرى على أصول المنطق الذى لا يخر منه الماء! ومع هذا فقد سبق منه القول (ص50 - 51) بأنه لا يريد من الناس أن تترك الدين لأن هذا مطلب شبه مستحيل، ثم سرعان ما يرتدّ مطالبا إياهم بترك الدين وإنكاره والكفر به.
ويقول (ص48) إنه سوف يطبق على القرآن منهج ديكارت الشَّكِّىّ، ولكن على نحو أفضل مما صنع ديكارت، الذى لم يستطع رغم ذلك (كما يقول) أن يمضى قُدُمًا مع منهجه فخامر، أى لم يُخْلِص لهذا المنهج كما ينبغى أن يكون الإخلاص فاستبعد تطبيق الشك من أمور الإيمان مع أن ذلك المنهج يستلزم أن يبدأ الباحث من الصفر فيشك فى كل شىء وينكر كل شىء ويحاول أن يثبت من جديد صحة كل ما يراه أو يسمعه أو يلمسه أو يذوقه، فضلا عن أى شىء يخطر له على بال أو يفكر فيه. فهل ترى عباس الهجاص قد أنكر كل شىء وبدأ من الصفر كما يقتضى هذا المنهج؟ بالطبع لا. إنما هى تهاويل وطنطنات وفقاقيع كلامية ليس إلا، يريد أن يوهم بها السذّج الأغرار أنه فيلسوف كبير وأنه سوف يكسّر الدنيا تكسيرا مع أنه شخص مسكين مختل العقل والشعور. وهنا يقول إن تطبيق المنهج العلمى على القرآن سوف يهدم القرآن، غافلا عن أن الله قد ألح على الإنسان فى تشغيل العقل قبل أن يختار الإيمان أو الكفر. وهو يستشهد هنا بالإمام أبى حامد الغزالى، صاحب رسالة "المنقذ من الضلال" التى حكى فيها عن أزمة الشك التى اعترته فى مرحلة من مراحل حياته، وانتهت به إلى بَرّ الإيمان واليقين بعدما حولها إلى منهج فلسفى محكم أخذه ديكارت دون أن ينسب ذلك اللصُّ الفضلَ لصاحبه، فضلا عن استبعاده تطبيق الشك على الإيمان على عكس الغزالى، الذى أخضع كل شىء عنده لذلك الشك حتى بلغ ما استراح به عقله من محنة القلق والارتياب.
وقد غفل عِبْس فى هذا السياق (لأنه مغفَّل بطبعه) عن أن الغزالى حين شك وأخضع كل شىء للمنهج العلمى إنما كان يأتمر بأوامر القرآن، مثلما أننى فى كتابَىَّ: "مصدر القرآن"، و"القرآن والحديث- مقارنة أسلوبية" إنما كنت أطبق المنهج العلمى ولا أومن إيمانا أعمى، ولكن دون طنطنات جاهلة كالتى يطنطن بها عبس الجاهل الغليظ العقل المنكوس الذوق الذى يتصور مع ذلك أنه أصح الناس عقلا، وأن ذوقه الأدبى واللغوى أحسن الأذواق ذوقا. كذلك فالصحابة حين آمنوا إنما أعملوا عقولهم: كل بطريقته، ولم يؤمنوا دون تفكير. وعلماء المسلمين حين درسوا واختلفوا إنما كانوا يعلمون عقولهم ولا يؤمنون إيمانا أعمى، وإلا لكان إيمانهم شيئا واحدا. ونبى المسلمين قد حث على الاجتهاد، أى على العلم والتفكير، وبين أن المجتهد مأجور سواء كانت النتيجة صوابا أو خطأ، وهو ما لا وجود له فى أى دين أو ملة أو مذهب أو فلسفة. فلم التساخف إذن؟ الواقع أنه لو كان هذا الكذاب مسلما من قبل حقا
(يُتْبَعُ)
(/)
لما قال هذا الكلام.
وإلى القراء الكرام هذا المثال الذى يبين لهم كيف أن الصحابة لم يكونوا يؤمنون بالإسلام إيمانا أعمى. جاء فى "صحيح البخارى: "قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قال: قلنا: بلى، قال: قال أبو ذر: كنت رجلا من غفار، فبلَغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلِّمْه وأتني بخبره. فانطلق فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر،. فقلت له: لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابا وعصا، ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد، قال: فمر بي عليٌّ فقال: كأن الرجل غريب؟ قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل، قال: فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، قال: فمر بي عليٌّ، فقال: أما نال للرجل يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أَمْرُك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمتَ عليَّ أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت له: بلَغَنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رَشَدْتَ. هذا وجهي إليه فاتبعني. ادخل حيث ادخل،. فإني إن رأيتُ أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت. فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: اعرض علي الإسلام. فعرضه، فأسلمت مكاني. فقال لي: يا أبا ذر، اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. فقلت: والذي بعثك بالحق لأَصْرُخَنَّ بها بين أَظْهُرهم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا فضُرِبْتُ لأموت. فأدركني العباس فأكبَّ علي، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممرّكم على غفار؟ فأقلعوا عني. فلما أن أصبحت الغد رجعت، فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنِع بي مثل ما صُنِع بالأمس، وأدركني العباس فأكبَّ علي، وقال مثل مقالته بالأمس. قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله".
وثم حديث يلقى بعض الضوء على موقف الإسلام من قضية الإيمان والكفر وحرية كل شخص فى اختيار الطريق التى يراها صحيحة دون أى إجبار من أحد حتى بعدما قويت شوكة الإسلام وصار قادرا، لو أراد، على أن يفرض نفسه بقوة السلاح. فعن سعيد بن جبير فى آية "لا إكراه في الدين" أنها "نزلتْ في الأنصار. قلت: خاصة؟ قال: خاصة. كانت المرأة منهم (أى من نساء الأنصار فى الجاهلية) إذا كانت نَزْرَةً أو مِقْلاتًا (أى قليلة الإنجاب) تَنْذِر لئن ولدتْ ولدا لتجعلنّه في اليهود، تلتمس بذلك طول بقائه. فجاء الإسلام، وفيهم منهم. فلما أُجْلِيَتْ النضير قالت الأنصار: يا رسول الله، أبناؤنا وإخواننا فيهم. فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت "لا إكراه في الدين". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد خُيِّر أصحابكم: فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فأَجْلُوهم معهم".
كذلك يزعم عِبْس أن كتابه هو أول الكتب التى تهاجم القرآن ذاته على عكس المؤلفات السابقة، إذ كانت تلك المؤلفات تهاجم الكتب التى تتحدث عن القرآن لا القرآن ذاته. لكننا ننظر فى ص 86، و92 - 109 فنراه يذكر بعضا من العلماء القدامى الذين هاجموا القرآن. إذن فليس هو أول من هاجم القرآن، وليس كتابه أول كتاب فى ذلك المجال. بل لقد كان هجوم بعض السابقين على القرآن أعنف من هجومه لأنه استثنى القرآن المكى من انتقاده وأقر له بوجه عام بالبلاغة العالية (ص70، 114 مثلا)، أما هم فلم يستثنوا من هجومهم شيئا: لا مكيا ولا مدنيا. وبالمناسبة فتفرقته هذه بين القرآن المكى والقرآن المدنى هى تقليد ببغاوى لما يردده المستشرقون بعامة، فهو لم يأت بشىء من عنده إذن. ليس ذلك فحسب، بل نراه (ص109) يقر بأن كلامه عن القرآن مسبوق غير جديد، وإن أضاف أن طريقته فى معالجة الموضوع تختلف عما كتبه الآخرون من قبل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومع ذلك فزعمه بأن ابن المقفع مثلا أحد من هاجموا القرآن هو زعم متهافت لا يصمد للنقد كما وضحتُ فى دراستى الطويلة عن هذا الموضوع فى المشباك، إذ بينت أن الرجل كان، فيما تقول كتاباته ومواقفه، إنسانا مؤمنا بالله وكتابه ورسوله، وليس فيما تركه وراءه من مؤلفات وأخبار ما يمكن الاستناد إليه فى اتهامه بالزندقة، فضلا عن الزعم بأنه فكر فى تقليد القرآن، ودعنا من أن يكون فعلا قد ألف كتابا يتحدى به الكتاب المجيد. وعنوان الدراسة التى وضعتها عن ابن المقفع ونفيت فيها ما قيل عن زندقته هو: "هل كان زنديقا؟ هل كتب معارضة للقرآن؟ كلمة فى عقيدة ابن المقفع".
وفى ص48 يعلن عباس الهجاص كفره بإله القرآن. فلماذا إله القرآن وحده، وهو قد كفر بالله عموما؟ ولماذا القرآن وحده، وليس الكتاب المقدس أيضا، وهو أحرى بأن يركز عليه أو على الأقل: أن يساويه بالقرآن، أو يلحقه به؟ لكنه قد عميت عيناه فعاد لا يرى إلا القرآن بعدما قال كلمةً سريعةً عابرةً فى مهاجمة المسيح والنصرانية، كلمةً لذر الرماد فى العيون ليس إلا. ومثلها انتقاده للقديس أوغسطين مثلما انتقد الغرالى (ص74). كذلك نجده فى ص49 - 50، 65 وما بعدها يقول إنه قد كفر بالقرآن لما فيه من فرقعات كلامية لا طائل وراءها وعموميات فضفاضة لا يستطيع الإنسان أن يقبض منها على شىء، متجاهلا أن هذاالقرآن هو الذى غير وجه التاريخ ثقافة ودينا وسياسة واقتصادا كما قال هو نفسه من قبل حسبما مر بنا. وهذا دليل آخر على تخبطه وارتباك أفكاره وعقله.
وهو يؤكد هنا أن القرآن قد حكم على نفسه بالإدانة لأن فيه اختلافا كثيرا، وهو ما أنكره فى موضع آخر وجعل عدم وجوده مقياسا لصدقه. وقد مر بنا غير بعيد كيف أن مقدم الكتاب قد برَّأ القرآن مما حدث للمؤلف من كفر وتمرد، حاصرًا المسؤولية فى المسلمين. وأعجب من ذلك أن عباس يعود بعد قليل فيرمى القرآن يكل نقيصة ويحمّله وزر كل شىء. وهكذا يسود التخبط والتشنج والاضطراب كلام الرجل. ومع هذا فإنه، فى آخر الفقرة الثانية من ص 277، يقع فى فلتة من فلتات اللسان الكاشفة الفاضحة فيقول عقب فاصل طويل حاد من إنكار مطلق لوجود الله ورحمته: "ولكن الله سَلَّم"! فأى ارتباك عقلى وعقيدى هذا؟ وفى (ص85) نراه يصف طه حسين: بـ"المغفور له". أليس هذا أمرا مضحكا من رجل يعلن أنه كافر بالله واليوم الآخر؟ ترى ما معنى الاستغفار لطه حسين إذن؟ ومن سيغفر له إذن ما دام الله غير موجود كما يزعم عبس أبو عقل جِبْس؟
وهو يبذل كل جهده للبرهنة على أن أسلوب القرآن أسلوب غير معجز، قائلا إنه أسلوب عادى فيه وفيه، ومؤكدا أن أسلوب العقاد والتوحيدى والجاحظ وابن المقفع ... إلخ أفضل من أسلوب القرآن، جاهلا بل متجاهلا أن هؤلاء العمالقة هم برغم أنفه وأنف من يستفزونه لمهاجمة القرآن يؤمنون أن القرآن هو من عند الله لا من عند محمد. بل إن الجاحظ والعقاد مثلا ينافحان بقوة عن الإسلام وكتابه الكريم. وبالنسبة إلى طه حسين فإنه، كما نعرف جميعا، يحرص على تقليد أسلوب القرآن فى ألفاظه وتراكيبه التى قلما يستعملها أحد الآن، ككلمة "فَصَل عن" (بمعنى "غادر")، و"إنْ كادوا ليفعلون كذا" (بمعنى "لقد كادوا أن يفعلوا كذا) مثلا. ومن يُرِدْ أن يطلع على المدى الشاسع لتقليد القرآن فى أسلوب طه حسين فليرجع إلى الفصل الذى كتبته عن مجموعته القصصية: "المعذبون فى الأرض" فى كتابى: "دراسات فى النثر العربى الحديث". فما رأى أبى العبابيس إذن؟ لا بل إن أسلوب عِبْس ليعكس تأثيرات قرآنية كثيرة ساطعة رغم كل ما قاله فى حق القرآن، مما يدل على أنه يعاكس ضميره الداخلى الذى يدرك كم أن أسلوب الكتاب المجيد معجزٌ ومسيطرٌ!
وهو يزعم أن مدح المسلمين للقرآن إنما سببه ما حققه القرآن من غلبة وسلطان، إذ للسلطة تأثيرها على العقول والأحكام (ص69). لكن فاته أن القرآن لم تكن له سلطة يوم آمن الناس به وتفانَوْا فى الدفاع عنه. ثم أى سلطان تتمتع به دولة الإسلام الآن حتى يظل كبار الكتاب والنقاد فى العصور الحديثة يَرَوْنَ فى أسلوبه المثال الأعلى فى البلاغة والأناقة؟ وبالمثل يزعم أن ركاكة القرآن قد لوحظت من قديم، ولكن إما أن ملاحظيها قد ماتوا فى الحروب ضد الإسلام وحُذِفت أقوالهم، وإما أنهم آمنوا ودخلوا فى دائرة التأثير القرآنى المشلّ للعقل (ص151). لكن لو
(يُتْبَعُ)
(/)
كان الذين ماتوا قد قالوا شيئا ضد القرآن لرواه القرآن والمسلمون على عادتهم فى رواية كل شىء. وأما من آمنوا به فالسؤال هو: كيف آمنوا أصلا لو كانوا لاحظوا ركاكته، فى الوقت الذى كان ولا يزال يتحدى الجميع أن يأتوا بمثله؟ والمضحك أنه فى مواضع أخرى من الكتاب يتهم القرآن بأنه يناسب الشخصية العربية التى تفتتن بالألفاظ وتحب أن تتكلم ولا تقول شيئا، ومن ثم كان تأثيره الشديد على العرب. أى أن العرب افتتنوا به ولم يَرَوْا فيه شيئا من الركاكة كما يزعم! لكنه هو نفسه قد ذكر بكل فرحة وشماتة أن القرشيين كانوا يسخرون من القرآن ويتَحَدَّوْنه ولم يؤمنوا به بسهولة. فكيف يفسر هذا فى ضوء ما قاله؟ ثم كيف يفسر دخول غير العرب فى الإسلام من يومها وحتى الآن وإلى ما شاء الله؟ ألا يرى القارئ العزيز كيف يترنح الرجل متخبطا ذات اليمين وذات الشِّمال؟
ومُضِيًّا مع انتقاده لأسلوب القرآن الكريم فإنه يعترض على الحروف المقطعة قائلا إنها تدخل فى باب الغموض الذى يسىء إلى النص (ص40). وكان هذا الاعتراض يكون له معنى لو أن الأمر يتعلق بعبارات غير مفهومة المعنى. أما وأنها مجرد "حروف مقطعة" فالمتوقع ألا يكون لها معنى فى ذاتها. ومع هذا فالملاحظ أنه يعقبها فى كثير من الأحيان ما يفيد بأن آيات القرآن إنما قد رُكِّبَتْ من تلك الحروف، ومع ذلك عجز العرب عن الإتيان بمثلها رغم تحدى القرآن لهم بذلك، كما فى قوله تعالى فى أوائل سور البقرة والأعراف وهود والشورى مثلا: "الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) "، "المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) "، "الرْ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) "، "حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ". أما فى الحالات الباقية فمعظمها يقترب من هذا المعنى على نحو أو على آخر.
وقد قام بعضهم بإحصاء تردد هذه الحروف فى السور التى ابتدأت بها فوجد أنها تتكرر فى تلك السور أكثر مما تتكرر الحروف الأخرى، وأن نسبة ذلك التكرر تتسق مع ترتيب كل حرف فى هذه الحروف فى مطلع السورة. فإذا كان لدينا "الم" مثلا كما فى أول سورة "البقرة" فإن "الألف" تكون أعلى تلك الأحرف الثلاثة ترددا فى تلك السورة، يليها "اللام" فـ"الميم". وهناك من يرى أنها اختصارات لبعض أسماء الله الحسنى. وفى كتاب الدكاترة زكى مبارك: "النثر الفنى فى القرن الرابع" أن بعض المستشرقين يزعم أنها رموز موسيقية لضبط ترتيل السور التى افتُتِحَتْ بها. ومن الشبان المتعجلين غير الفاهمين من كتب مدعيا أنها كلمات مصرية قديمة، رغم أنه لا يعرف شيئا عن تلك اللغة بل لا يعرف شيئا عن اللغة العربية ذاتها. ومن المضحك أنه يقول إنها كلمات هيروغليفية مع أن الهيروغليفية ليست لغة بل نوعا من أنواع الخطوط كما نقول الآن: "خط الرقعة أو خط الثلث" مثلا، وهو ما يعطينا فكرة عن مستواه فى العلم والفهم.
ومع ذلك كله فليكن أن تلك الحروف إنما استعملت فى افتتاحيات بعض السور كى تثير التطلع والالتفات وتجذب الأذن، وبخاصة فى بدايات الوحى فى مكة. وكان المتنبى يتعمد فى بعض مطالع قصائده أن تكون لافتة للانتباه مثيرة للتعجب، كقوله مثلا:
ذي المَعالي فَلْيَعْلُوَنْ مَن تَعَالَى * هَكَذا هَكَذا، وَإِلاَّ فَلاَ لا
وفى العربية أداة تسمَّى: "ألا" الاستفتاحية، وهى من الكلمات التى لا تدل إلا على أن هناك كلاما قادما، فوظيفتها لفت الانتباه إلى ذلك الكلام. ولعل من المفيد هنا أن نذكر كلمة " well"، التى يبتدئ بها معظم الإنجليز كلامهم مع الآخرين دون أن يقصدوا من ورائها شيئا محددا، اللهم إلا لكى يعطوا أنفسهم مهلة للتفكير فيما ينبغى أن يردّوا به على من يخاطبهم. وليكن هذا مما أبدعه القرآن فى لغة الضاد، وما هذا بالشىء القليل؟ وللأدباء والفنانين إبداعات عجيبة من هذا الباب وأشباهه، وربما لا يكون لها معنى محدد، ومع ذلك فإنها تفعل فى النفس الأفاعيل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويفد على خاطرى الآن تقليد أسمهان لصوت الطيور فى أغنيتها التى لحنها لها مدحت عاصم: "يا طيور"، فقد كانت شيئا جديدا وبديعا فى حينها. وثَمَّ أغنية لمحمد فوزى لا يستعين فى موسيقاها بأية آلة، مكتفيا بالأصوات البشرية فى تقليد العود والكمان وما إلى ذلك. وقد سمعت أنه قد اضطُرَّ إلى ذلك اضطرارا، إذ غاب أفراد التخت ذات مرة، فلم يؤجل تقديم الأغنية، بل طلب من الجوقة أن تؤدى وظيفة الآلات فقبلوا، وكانت فتحا فى عالم التلحين، وإن لم يفكر أحد آخر فى انتهاج هذا الطريق مرة أخرى. وفى أغنية "الربيع" نسمع فريد الأطرش يترك الغناء فى منتصف الأغنية ويلقى بيتين من أبياتها إلقاء عاديا دون تنغيم، ليعود بعدها بقليل إلى التنغيم والتطريب. وفى مقدمة قصيدة "فجر" لرياض السنباطى نسمع كروان الإذاعة محمد فتحى يلقيها بصوته الأنيق العميق الذى يبدو للآذان وكأنه آتٍ من وراء الغيب، حتى إذا فرغ منها خطا السنباطى إلى الأمام ليقدم الأغنية كرة أخرى، ولكن بتطريبٍ وغناءٍ هذه المرة. أما أم كلثوم فقامت وحدها بالدورين معا فى قصيدة "حديث الروح"، التى ترجمها الشيخ الصاوى شعلان من أشعار محمد إقبال، إذ ألقتها أولا إلقاء عاديًّا، ثم عادت فغنتها، مبدعة فى الأداءين جميعا.
وهناك موال سمعناه من المطرب شفيق جلال ونحن شبان صغار فى بدايات ستينات القرن المنصرم يقول فيه مؤلفه سيد قشقوش:
أنا بَعَلِّمِ الصبر يُصْبُرْ علي صبر حبيبْ جارْنا
وبَقُول: يا صبر، صَبْرَكْ عَلِيهْ حتى يِجِي جارْنا
إنْ كانْ غِيرْنا حِلِي، واحْنا اللِّي مَرَّرْنا اللهْ يِهَوِّنْ عليكْ، واحنا يِصَبَّرْنا
قالْ: يا خُوخْ، خانونا الحبايبْ، واحْنا لَمْ خُنَّا
قال: يا لَمُون، لامُونا الحبايبْ، واحنا لم لُمْنا
قال: يا نبق، نبقي عيش وملح كانْ بِينَّا
قال: يا مشمش، مِشِينا فْ هواهمْ، واللي مِشِي هُمَّا
قال: يا نخل، إِخْلِي مكان واسمع ما كانْ بِينَّا
يا عود ريحان، رَيَّحْ قلوبْ سابق رَيَّحُوكْ هُمَّا يا تَمْر حِنَّهْ، رَحَلْنا وحَلُّوا منازلْنا
فأما عِبْس وأمثاله ممن طمس الله على قلوبهم وحرمهم من الذوق الأدبى والفنى فلسوف يقولون مستنكرين: ما علاقة الخوخ والليمون والمشمش والنخل والريحان وتمر الحنة بما نحن فيه؟ إن هذه فواكه وزهور، وهى للأكل والشم، وليست للشعر والغرام. إلا أن فى الموال رغم أنف عبس روعة وإبداعا وإيجاعا يرجع إلى هذا الجديد الذى لا يفهمه ولا يتذوقه أبو العبابيس! وأرجوك، يا قارئى العزيز، أن تأخذ بالك من جملة "لَمْ خُنَّا" و"لَمْ لُمْنَا" العجيبة التى دخلت فيها "لم" على الفعل الماضى، وهو غريبٌ جِدُّ غريبٍ، ومع هذا فهو جميلٌ هنا جِدُّ جميلٍ. ثم يأتى حسين السيد فى أغنية"حِنّْ"، التى يؤديها محمد عبد الوهاب، فيدفع استعمال "لم" خطوة أخرى إلى الأمام متحديا ما نعرفه من تركيب الكلام، قائلا على لسان الحبيب لحبيبه القاسى:
يا اللى زرعت الهوى فى قلبى، إمْتَى تِحِنّْ؟ عُزَّالى حَنُّوا عَلَيّا وإنْتا لَمْ بِتْحِنّْ مُدْخِلا "لم" والباء معا على المضارع، الذى لم تخلع عليه "لم" معنى الماضى، بل استمر يدل على الحضور والاستمرار، فصارت "لم" بمعنى "مُشْ" العامية لا أكثر ولا أقل. وهذا استعمال جديد بدلا من "مُشْ بِتْحِنّ"، ومن لا يعجبه فليشرب من البحر. وما من مرة سمعت الأغنية ووصلت منها إلى هذا البيت بذلك التركيب العجيب إلا وهام ذوقى فى أودية الإبداع والاستمتاع. وملعون أبو خاش كل نطعٍ بليد!
ومن هذا أيضا التنويعات العجيبة التى أدخلها زكى مبارك على استعمال "أما بعد" كقوله مثلا: "وبعد، فأما بعد"، أو "ثُمّ أما بعد فقد ... "، أو "أما بعد، وقد تعبتُ من أما بعد، فهذه ملاحظات أقدمها ... "، أو "أما بعد، وقد أشقتنى أما بعد، فأنا أسارع إلى ... "، أو "أما بعد، وقد أشقتنى وستشقينى أما بعد، فهذا قصيد فى ... ". وما زلت أذكر الدهشة التى اعترتنى حين سمعت فى الصبا الباكر أحد زملائنا فوق المنبر وهو يباغتنا قائلا بعد الديباجة الأولى فى خطبة الجمعة ونحن جلوس على حصير المسجد نرمقه فى مكانه العالى: "أما قبل"، فكانت شيئا مدهشا أثار اللغط والجدال بيننا فترة طويلة! ولو كان مبتدع عبارة "أما بعد"، التى كانت فى وقتها شيئا عجيبا مدهشا يحير العقول، يعرف أنها سوف يحدث لها كل هذا، وكان ضيق العطن
(يُتْبَعُ)
(/)
كعِبْسِنا المتغشمر الهجام، ما كان ابتدعها!
ومما يُجْلِب أبو العبابيس ويَشْغَب به على القرآن باعتباره عيبا من عيوبه تلك القائمة التى أوردها السيوطى فى كتابه: "الإتقان فى علوم القرآن" من غريب الألفاظ فى كتاب الله، مع أنها كلها مفهومة، قائلا إن من العيب الشديد إيراد ألفاظ وعبارات غير مفهومة فى نص من النصوص (ص148). ومن تلك القائمة "سندس" و"قلوبنا غُلْف" و"مِدْرارًا" و"هيهات هيهات" و"يتمطَّى" و"جزاءً وِفَاقًا" و"أوّاب" و"أباريق" و"زنجبيل" و"ممنون" و"كواعب" و"أتراب" و"سرادق" و"شُوَاظ". وقد يكون السيوطى قَصَد بـ"الغرابة" أن تلك الألفاظ والعبارات لم تكن معهودة على نطاق واسع من قبل، وإن كنت أشك فى ذلك، إذ إنى لا أستطيع أن أجد فيها شيئا صعبا على الفهم. فليقل السيوطى إذن ما يشاء، فالعبرة بالواقع، والواقع يقول إن معظم الألفاظ التى أوردها السيوطى فى قائمته، إن لم تكن كلها تقريبا، مفهومة تماما لنا الآن، فما بالنا بعرب العصر النبوى؟
وحتى أُرِىَ القراء الكرام أن الأمر ليس على ما ادعاه عِبْس السخيف العقل أسوق هنا بعض شواهد من شعر الجاهليين والمخضرمين على تلك الألفاظ بما يبرهن أجلى برهان أن تلك الألفاظ كانت متداولة ومفهومة فى عصر النبوة وما قبله. قال سلامة بن جندل:
كَريحِ ذَكِيِّ المِسكِ بِاللَّيْلِ رِيحُهُ * يُصَفَّقُ في إِبريقِ جَعْدٍ مُنَطَّقِ
وقال تأبط شرا:
خَفَضتُ بِساحَةٍ تَجري عَلَينا * أَباريقُ الكَرامَةِ يَومِ لَهْوِ
وقال المتلمس الضبعى:
لَهُ جُدَدٌ سودٌ كَأَنَّ أَرَندَجًا * بِأَكرُعِهِ، وَبِالذِراعَينِ سُندُسُ
وقال زهير بن أبى سلمى:
هَيهاتَ هَيهاتَ مِن نَجدٍ وَساكِنِهِ * مَن قَد أَتى دونَهُ البَغْثاءُ وَالثَمَدُ
وقال عوف بن عطية بن الخرع:
فأَثنت تَقُودُ الخَيلَ مِن كُلِّ جَانِبٍ * كَمَا انقَضَّ بَازٍ أَغلَفُ الرِّيشِ أَقتَمُ
(و"أغلف" هو مفرد "غُلْف". وقوله تعالى عن اليهود فى الآية من سورة "البقرة": "وقالوا: قلوبنا غُلْف" هو إشارة إلى ما جاء فى الكتاب المقدس عنهم هم وأشباههم من أن قلوبهم غير مختونة، أى مغلقة، فهم لا يريدون أن يفقهوا شيئا مما يقال لهم، عنادًا منهم واستهزاءً. وفى الإصحاح السابع فى سفر "أعمال الرسل" من أسفار العهد الجديد إشارة من إسطفانوس إلى هذا على سبيل التوبيخ والاحتقار: "51يَا قُسَاةَ الرِّقَابِ وَغَيْرَ الْمَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ! أَنْتُمْ دَائِمًا تُقَاوِمُونَ الرُّوحَ الْقُدُسَ. كَمَا كَانَ آبَاؤُكُمْ كَذلِكَ أَنْتُمْ! ". ومن قبل نقرأ فى الإصحاح التاسع من سفر "إرميا": "25هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُعَاقِبُ كُلَّ مَخْتُونٍ وَأَغْلَفَ 26مِصْرَ وَيَهُوذَا وَأَدُومَ وَبَنِي عَمُّونَ وَمُوآبَ، وَكُلَّ مَقْصُوصِي الشَّعْرِ مُسْتَدِيرًا السَّاكِنِينَ فِي الْبَرِّيَّةِ، لأَنَّ كُلَّ الأُمَمِ غُلْفٌ، وَكُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ غُلْفُ الْقُلُوبِ" ( uncircumcised in heart- incirconcis de coeur). وفى الإصحاح الرابع والأربعين من سفر "حزقيال": "6وَقُلْ لِلْمُتَمَرِّدِينَ، لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: يَكْفِيكُمْ كُلُّ رَجَاسَاتِكُمْ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ،7بِإِدْخَالِكُمْ أَبْنَاءَ الْغَرِيبِ الْغُلْفَ الْقُلُوبِ ( uncircumcised in heart- incirconcis de coeur) الْغُلْفَ اللَّحْمِ لِيَكُونُوا فِي مَقْدِسِي، فَيُنَجِّسُوا بَيْتِي بِتَقْرِيبِكُمْ خُبْزِي الشَّحْمَ وَالدَّمَ. فَنَقَضُوا عَهْدِي فَوْقَ كُلِّ رَجَاسَاتِكُمْ ... 9هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ابْنُ الْغَرِيبِ أَغْلَفُ الْقَلْبِ ( uncircumcised in heart- incirconcis de coeur) وَأَغْلَفُ اللَّحْمِ لاَ يَدْخُلُ مَقْدِسِي، مِنْ كُلِّ ابْنٍ غَرِيبٍ الَّذِي مِنْ وَسْطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ". وفى الإصحاح العاشر من سفر "التثنية" يتجه الخطاب إلى بنى إسرائيل على النحو التالى: "16فَاخْتِنُوا غُرْلَةَ قُلُوبِكُمْ، وَلاَ تُصَلِّبُوا رِقَابَكُمْ بَعْدُ".
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى مادة "ختان" من "دائرة المعارف الكتابية" نقرأ عن المغزى الروحى فى الكتاب المقدس لعملية الختان ما يلى: "يتضح المغزى الروحي للختان من القول: "ويختن الربُّ إلهُك قلبَك وقلبَ نسلك لكي تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك لتحيا" (تث30: 6). ولا نظن أن نبيا مثل إرميا يعلق أهمية كبيرة على عمل سطحي كالختان لو لم يكن له مغزاه الروحي العميق. ولذلك يوبخ قومه بشدة بأنهم لا يَفْضُلون المصريين أو الأدوميين أو الموآبين أو العمونيين لأنهم "غُلْف القلوب" (إرميا9: 26). ويستخدم الرسول بولس لفظ "القطع" للدلالة على الختان الظاهري في الجسد غير المصحوب بتغيير روحي في القلب (في3: 2). كما يكتب في رسالته إلى الكنيسة في رومية: "لأن اليهودي في الظاهر ليس هو يهوديا، ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختانا ... وختان القلب بالروح لا بالكتاب (أي بالحرف) هو الختان الذي مَدْحُه ليس من الناس بل من الله" (رو 2: 28و29) ". كما يتناول محرر المادة الاستعمال المجازى لعبارة "القلب الأغلف" قائلا: "والقلب الأغلف (أي غير المختون) هو القلب المغلق الذي لا يتأثر بأي كلام صالح، كما أن الأذن الغلفاء لا تقدر أن تصغي (إرميا6: 10)، والشفاه الغلفاء هي التي تتعثر في القول. ويأمرهم الرب قائلاً:"اختنوا غرلة قلوبكم، ولا تصلِّبوا رقابكم بعد" (تث10: 16). كما يخاطب إستفانوس اليهود بالقول: "يا قساة القلوب وغير المختونين بالقلوب والأذان، أنتم دائما تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم، كذلك أنتم" (أع7: 51) ".
ولقد كان المعنى واضحا تماما لمعاصرى النبى: فأما اليهود منهم فأمرهم مفهوم، وأما الوثنيون فحتى لو لم يكونوا يعرفون شيئا عن هذه الخلفية التى سقتها هنا فالعبارة تشبه قولهم هم أنفسهم ردا على دعوة النبى لهم بالدخول فى الدين الجديد: "وقالوا: قلوبنا فى أَكِنّةٍ مما تَدْعونا إليه، وفى آذاننا وَقْرٌ، ومن بيننا وبينك حِجَاب"، فلا غموض فيها على الإطلاق). وقال المسيَّب بن عَلَس:
وَكَأَنَّ طَعمَ الزَنْجَبيلِ بِهِ * إِذ ذُقْتَهُ وَسُلافَةَ الخَمرِ
وقال عدىّ بن وداع الأزدى:
كَأَنَّ مجامِعَ الهُلُباتِ منهُ * وَهادِيَها لميعادٍ وِفَاقِ
وقالت الخنساء:
يا عَينُ فِيضِي بِدَمعٍ مِنكِ مِغْزارِ * وَابْكِي لِصَخرٍ بِدَمعٍ مِنكِ مِدْرارِ
وقال النابغة الذبيانى عن الليل وتطاوله بالهموم:
تَطاوَلَ حَتّى قُلتُ لَيسَ بِمُنقَضٍ * وَلَيْسَ الَّذي يَرعى النُجومَ بِآئِبِ
(و"آئِب" هو اسم الفاعل من "آبَ يؤوبُ"، و"الأَوّاب" هو اسم المبالغة من "آئب"، أى الذى يرجع دائما إلى ربه كلما أذنب ذنبا فيتوب منه ولا يصر عليه). وقال لبيد بن ربيعة العامرى:
إِذا آرِقٌ أَفْنَى مِنَ اللَيلِ ما مَضَى * تَمَطَّى بِهِ ثِنْيٌ مِنَ اللَيلِ راجِحُ
وقال النابغة الجعدى عن لحم صيد شَوَوْه وأكلوه فى البرّية:
فاشتَوَيْنا مِن غَرِيضٍ طَيِّبٍ * غَيرِ مَمنُونٍ وَأُبْنا بِغَبَشْ
وقال امرؤ القيس:
فَجاءَت قَطُوفَ المَشْيِ هَيّابَةَ السُّرَى * يُدافِعُ رُكناها كَواعِبَ أَرْبَعَا
وقال عبد الله بن عجلان النهدى:
أَتَتْ بَينَ أَترَابٍ تَمَايَسُ إِذ مَشَتْ * دَبِيبَ القَطَا أَو هُنَّ مِنهُنَّ أَقْطَفُ
وقال جبر المعاوى:
وَقَد لَفَّ شَخْصَيْنا سُرادِقُ هَبْوَةٍ * فَخانَكَ صَبرٌ يَومَ ذَلِكَ مُخْدَجُ
وقال عدى بن زيد:
في حَديدِ القِسْطاس يَرقُبُني الحا رِسُ، وَالمَرءُ كُلَّ شَيءٍ يُلاقِي
وقال أمية بن ابى الصلت:
يَظَلُّ يَشُبُّ كيرًا * وَيَنفُخُ دائِباً لَهَبَ الشُّوَاظِ
ولنفترض أن تلك الكلمات هى فعلا كلمات غريبة، فمن قال إن هذا عيب؟ إن من يقول ذلك ساذج أحمق لأنه يريد أن يسوى بين مستعملى اللغة، وبالتالى لا ينبغى أن يستخدم أى منهم لفظة لا يعرفها الآخرون، وهو ما يذكرنا بما كان الشيوعيون الحمقى يدعون إليه قائلين إنه لا ينبغى أن يزيد أى من الناس عن غيره فى مقدار ما يمتلك من مال، إلى أن اكتسح التاريخ الشيوعية والشيوعيين إلى مزابله جزاءً وِفَاقًا على ضيق عطنهم وتصلب أمخاخهم وغَلَف قلوبهم! إن مستعملى اللغة يتفاوتون بالضرورة كما يتفاوت الناس فى كل شىء، فما بالنا بخالق اللغات كلها؟ والواجب على من لا يعرف أن يجتهد فيتعلم ما لم يكن يعلم، وإلا بقيت الأمور على ما هى عليه يوم خلق الله
(يُتْبَعُ)
(/)
الدنيا فى مبتدإ الأمر دون تطور أو تقدم. لكن ماذا نقول للحمقى المتاعيس؟
وفى ص 152 يستمر الوسواس الخناس فى تخطئة أسلوب القرآن الكريم فيزعم أن باب الالتفات (أى تغيُّر الضمير للشخص الواحد فى نفس الجملة من الخطاب للغيبة مثلا، أو من الغيبة إلى التكلم ... إلخ) قد اخْتُرِع لتغطية العيب الموجود فى آية "يونس" وأمثالها، إذ تَسْتَعْمِل تلك الآيةُ أولا ضميرَ المخاطبين فى خطابه عزّ وجلّ إلى البشر: "يُسَيِّركم، كنتم"، ثم يتغيّر الضمير من الخطاب إلى الغَيْبة فيقول سبحانه عنهم هم أنفسهم: "بهم، فرحوا، جاءهم، دَعَوْا". ونص الآية: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) ". إن عِبْس يعيب الآية الكريمة ويتهمها بالركاكة والضعف والخطإ لاستعمالها هذا التركيب، مع أنه موجود فى الشعر العربى الجاهلى من قَبْل القرآن، وكذلك فى اللغات الأخرى.
وعلى كل حال فقد وجه السيوطى مثلا فى "الإتقان" الآية على النحو التالى، إذ قال عن الالتفات فى كتاب الله المجيد: "ومثاله من الخطاب إلى الغيبة: "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم "، والأصل: "بِكُمْ". ونكتة العدول عن خطابهم إلى حكاية حالهم لغيرهم التعجب من كفرهم وفعلهم، إذ لو استمر على خطابهم لفاتت تلك الفائدة. وقيل: لأن الخطاب أولا كان مع الناس مؤمنهم وكافرهم بدليل "هو الذي يسيركم في البر والبحر ". فلو كان "وجرين بكم" لَلَزِمَ الذَّمُّ للجميع فالتفتت عن الأول للإشارة إلى اختصاصه بهؤلاء الذين شأنُهم ما ذكره عنهم في آخر الآية عُدُولاً من الخطاب العام إلى الخاص. قلت: ورأيت عن بعض السلف في توجيهه عكس ذلك، وهو أن الخطاب أوله خاصّ، وآخره عامّ. فأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله: "حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم "، قال: ذَكَرَ الحديثَ عنهم، ثم حدَّث عن غيرهم، ولم يقل: "وجرين بكم" لأنه قصد أن يجمعهم وغيرهم: "وجرين بهؤلاء وغيرهم من الخلق". هذه عبارته. فلله دَرُّ السَّلَف! ما كان أوقَفَهم على المعاني اللطيفة التي يدأب المتأخرون فيها زمانًا طويلاً ويُفْنُون فيها أعمارهم، ثم غايتهم أن يحوموا حول الحِمَى! ".
وفى "الإيضاح فى علوم البلاغة" للقزوينى: "التكلم والخطاب والغيبة مطلقا يُنْقَل كل واحد منهما إلى الآخر، ويسمى هذا النقل: "التفاتا" عند علماء المعاني، كقول ربيعة بن مقروم:
بانت سعادُ فأمسى القلب معمودا * وأخلفتك ابنةُ الحُرِّ المواعيدا
فالتفت كما ترى حيث لم يقل: "وأخلفتْني"، وقوله:
تذكرتَ، والذكرى تهيجك، زينبا * وأصبح باقي وصلها قد تقضَّبا
وحَلَّ بفلجٍ فالأباتر أهلُنا * وشطَّتْ فحَلَّتْ غمرةً فمثقّبا
فالتفتَ في البيتين ...
مثال الالتفات من التكلم إلى الخطاب قوله تعالى: "وما ليَ لا أعبد الذي فَطَرني وإليه تُرْجَعون". ومن التكلم إلى الغيبة قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر* فَصَلِّ لربك وانْحَرْ". ومن الخطاب إلى التكلم قول علقمة بن عبدة:
طحا بك قلبٌ في الحسان طَرُوبُ * بُعَيْدَ الشباب عَصْرَ حانَ مَشِيبُ
يكلِّفني ليلى، وقد شط وَلْيُها * وعادت عوادٍ بيننا وخطوبُ
ومن الخطاب إلى الغيبة قوله تعالى: "والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه". ومن الغيبة إلى الخطاب قوله تعالى: "مالك يوم الدين* إياك نعبد"، وقول عبد الله بن عنمة:
ما إن ترى السيد زيدا في نفوسهمو * كما يراه بنو كوز ومرهوبُ
إن تسألوا الحق نُعْطِ الحقَّ سائلَه * والدرعُ مُحْقَبَةٌ، والسيف مقروبُ
وأما قول امرئ القيس:
تطاول ليلك بالإثمدِ * ونام الخليُّ ولم ترقدِ
وبات، وباتت له ليلةٌ * كليلة ذي العاثر الأرمدِ
وذلك من نبأٍ جاءني * وخُبِّرْتُه عن أبي الأسودِ
فقال الزمخشري فيه ثلاث التفاتات ...
(يُتْبَعُ)
(/)
واعلم أن الالتفات من محاسن الكلام. ووجه حسنه، على ما ذكر الزمخشري، هو أن الكلام إذا نُقِل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وأكثر إيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد ... ".
وكثيرا ما يستعمل المتكلم لنفسه ضمير الغائب فيقول مثلا: "العبد لله هو صاحب هذا الإنجاز، ولا فخر"، أو "محسوبك (ويقابلها فى الإنجليزية: " your (humble) servant") يرجوك أن تفعل الأمر الفلانى"، أو "كاتب هذه السطور (ويقابلها فى الإنجليزية: " the present writer") يعتقد أن الصواب هو كذا وكذا" ... إلخ. وقد انتشرت هذه الأيام فى رسائل الماجستير والدكتوراه قول الطالب عن نفسه: "ويرى الباحث أن ... "، مستعملا هو أيضا ضمير الغائب رغم أنه إنما يتحدث عن نفسه، فكان المتوقع أن يستخدم ضمير المتكلم. كذلك يستعمل طه حسين لنفسه فى كتاب "الأيام" كلمة "صاحبنا" أو "صبيّنا" "أو "شيخنا الصبى" أو "الصبى" أو ضمير الغائب مباشرة، ولم يحدث أن لجأ فى الحديث عن ذاته إلى ضمير المتكلم قط. وفى "دروس من القرآن الكريم" للشيخ محمد عبده نجده يقول مثلا فى بداية فصل "العلم والتعليم": "إن بعض إخواننا الذين عرفناهم فى تونس قد طلبوا من الفقير مسامرة أو محاورة ... ثم قالوا: درسا، فسألنى بعضهم عن ذلك، فقلت: نعم هو درس، ولكن لا تظنوا أنه درس فى تحقيق مسألة علمية، فإن عندكم من جِلَّة العلماء من نعترف بفضلهم ... أما هذا الفقير فرجل سائح قصدتُ هذه الديار للتعرف ببعض المسلمين والنظر فى أحوالهم وأمور دينهم ... ". ففى هذه السطور تحدث الشيخ عن نفسه مرة بضمير جماعة المتكلمين، ومرة بضمير المفرد الغائب، وثالثة بضمير المتكلم المفرد، وكل ذلك فى سطور معدودات، وعلى نحو متعاقب لا يفصل بين المرة والمرة زمن على الإطلاق.
وفى قصة "قاسم" من مجموعة "المعذبون فى الأرض" يكتب طه حسين: "وفى القارئ حب للاستطلاع أقل ما يوصف به أنه يضايق الكاتب ويأخذ عليه الطريق، ويضطره إلى الوقوف حين كان يؤثر المضى فى كتابته أو يضطره إلى الاستطراد حين كان يفضل ألا يتجاوز الموضوع الذى يعرضه أو يقول فيه. والقارئ لا يكفيه ما أنبأتُه به من أن هذه الفتاة قد تغفلت أمها وانتهزت غيبة أبيها وانسلت من بيتها فى ظلمة الليل ... القارئ لا يكتفى بهذا، وإنما يجب أن يعرف كيف نشأت هذه الصلة المبكرة بين فتاة فى السابعة عشرة ورجل قد جاوز الشباب، وهو زوج عمتها. ولولا أنى أرفق بالقارئ ولا أحب أن أَشُقّ عليه ... لمضيتُ فى الحديث كما بدأته و لأبيتُ الانحراف إلى هذه الصلة البغيضة لأن الحديث عنها بغيض. ولكن لا بد مما ليس منه بد، فمن حق الكاتب أن يذهب ما شاء من المذاهب فى كتابته، ولكن من حق القارئ أيضا أن يفهم فى وضوح وجلاء ما يقدم إليه الكاتب من المقالات والفصول"، مراوحا بين استعمال ضمير الغائب (أو كلمة "الكاتب") وبين ضمير المتكلم فى الحديث عن نفسه، منتقلا بين هذه إلى تلك، أو من تلك إلى هذه، بغتة وعلى غير انتظار منا أو توقع.
وفى قصة "المعتزلة" من نفس المجموعة بينما نراه يتحدث عن القراء أو القارئ بصيغة الغائب إذا به فجأة يتجه إلى قارئه بالحديث المباشر مستخدما كلمة "يا سيدى". وفى قصة "رفيق" من ذات المجموعة نجده يتحدث عن بطل القصة بضمير الغائب أو مستعملا له كلمة "الصبى"، لنفاجأ فى منتصف القصة بانحراف الضمير فى الحديث عن الصبى إلى صيغة المفرد المتكلم دفعة واحدة دون أى تمهيد.
أم ترى عِبْس يقول بأننا، نحن والأوربيين، وطه حسين بالذات (وما أدراك ماطه حسين وموقفه من كتاب الله؟) نفعل كل هذا من أجل تغطية العيب الذى فى القرآن؟ إنه لأحمق عريق فى الحماقة! ترى أكان كفار العرب ومنافقوهم ويهودهم ونصاراهم يسكتون فلا يشنعوا على القرآن لو كان هذا خطأ فى الأسلوب؟ ثم ما الذى أوقع النبى فى هذا الخطإ لو كان هو مؤلف القرآن على ما يريد عِبْس أن يزرع فى النفوس؟ ترى هل يمكن أن يقع الإنسان فى لغته فى خطإ من هذا النوع ويتكرر منه كثيرا؟ ومع هذا كله نراه (ص154) يزعم أن من أهم أسباب نشأة علم البلاغة (علم البلاغة كله هذه المرة لا باب "الالتفات" فقط) فى لغة العرب الدفاع عن أخطاء القرآن، مع أن شواهد هذا العلم مستقاة من الشعر أولاً وقبل كل شىء، علاوة على أن هذا العلم موجود فى كل اللغات، ومنها اليونانية
(يُتْبَعُ)
(/)
القديمة والسنسكريتية مثلا. وانظر فى ذلك ما كتبه الجاحظ فى "البيان والتبيين" لدن شرحه لمعنى البلاغة عند عدد من الأمم المختلفة.
وفى الإنجليزية مثلا يوجد الـ" Apostrophe"، الذى يعرّفه Percival Vivian فى معجمه المسمى: " A Dictionary of Literary Terms" بأنه " The rhetorical figure which consists of breaking off from some previous method of address to address some person or thing in the second person, as De Quincey : 'Dismissing her — not to any Thessalian vales of Tempe, but— O ye powers of moral anachronism—to the Chester Post Office". كما يعرّفه Thomas O. Sloane محرر " Encyclopedia of Rhetoric" ( ط2001م) قائلا: " Apostroph?: Traditionally, the Greek term apostroph? (Lat. aversio) has designated the rhetorical device that indicates the momentary interruption of discourse, in order to address—often in a vehement tone—a real or imaginary, present or absent, human or nonhuman, living or dead addressee, different from theoriginal addressee of that discourse. This interruption is characterized linguistically by a change from one discursive type to another—as when, for example, one inserts in an expositive–narrative modality, modalities associated with the expressive and appellative functions of language".
ثم هَبِ القرآنَ قد اخترع هذا الأسلوب على غير مثال سابق فى العربية أو فى سواها من اللغات، فما وجه العيب فى هذا البِدْع الكريم إلا فى نظر مَنْ فى بصائرهم عَمًى، وفى أذواقهم فساد؟ إن هناك كتبا همها رصد الأوائل فى هذا المجال أو ذاك من مجالات الحياة، ومنها كتاب "الأوائل" لأبى هلال العسكرى، وكتاب "الأوائل" للطبرانى، وكتاب "الأوائل" للشيبانى، وكتاب "الأوائل" للجراعى، و"المصنَّف" لابن أبى شيبة، و"معجم الأوائل فى تاريخ العرب والمسلمين" لفؤاد صالح السيد، و"موسوعة جينيس"، إذ الريادة والإبداع ليسا بالأمر الهين، بل يجلبان لصاحبهما المجد والحمد. وفى "الشعر والشعراء" لابن قتيبة مثلا ثناء على امرئ القيس، وامرؤ القيس هنا مجرد مثال، لأنه أول من استوقف صاحبه وبكى الديار، وأول من وصف الحصان بأنه قَيْد الأوابد. أفيظن العِلْج الفَدْم أنه مما يعيب القرآن أن يكون أول من ابتدع أسلوب الالتفات؟ ألا إنه لمطموس العقل والمنطق إذن، عديم الحس والشعور!
ومن سخافة عباس بن نسناس وتنطعه أيضا إنكاره على القرآن استعمال كلمة "الأيمن" فى قوله تعالى من سورة "مريم" عن موسى عليه السلام، وهو فى طريقه من أرض مدين إلى مصر: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) "، إذ يعلق متهكما: "أنا لا أفهم أى معنى لكلمة "أيمن" فى شعاب واسعة لا معالم لها، وكل شىء يصلح أن يكون على يمين شىء آخر أو على يساره. فالجهات من المضاف، أى ليس لها معنى مطلق، بل هى نسبية يتحدد معناها بالقياس إلى غيرها" (ص142). ومع ذلك فهو قد أجاب على سؤاله، لكنه أغلف القلب والعقل والضمير، ولهذا لم يفهم كيف يستخرج من كلامه الجواب على ما طرحه من سؤال. ألم يقل إن الجهات هى من الأمور النسبية؟ إذن فجانب الطور المذكور بالنسبة لموسى هو عن يمينه حين كان المولى يخاطبه. أترى فى الأمر مشكلة تستحق كل هذا التنطع؟ أما إن كان لا بد أن تحبّكها يا عبس أكثر وأكثر فقل: عن يمينه وهو قادم من مَدْيَن شرقا، ومُيَمِّمًا مصر غربا: "فلما قضى موسى الأجلَ وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا ... ". أليس كذلك؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى ص155 - 157 يزعم أن قوله تعالى فى الآية 106 من سورة "النحل": "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" غير قابل للفهم أبدا. قال الجاهل الغبى هذا رغم أنه كلام ساطع الوضوح. وهذا نص تهكمه: "أستحلفكم بمن تحبون: هل فهمتم شيئا؟ قلت فى نفسى: لعل فى هذه الآية خطأ فى النسخ أو لعل فيها كلمة ناقصة أو كلمة محرفة. فرجعت إلى طبعات مختلفة من النسخ كتبت فى أزمنة مختلفة عسى أن أجد بينها اختلافا ما، ولكن عبثا. فهناك تطابق تام بين جميع النسخ، وفى جميع الأزمان والأمكنة. هل هذا حقا كلام رب العالمين الذى تحدى الإنس والجن ان يأتوا بمثله؟ أعان الله المفسرين الذين ينحتون الصخر ليحصلوا على قليل من الماء. إن جميع المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها يتلون هذه الآية صباح مساء فى صلواتهم وعباداتهم ويسمعونها فى إذاعات القرآن الكريم من غير أن يشعر أى منهم بأى ضعف فيها أو تشويش أو نشاز. لقد تكسرت النِّصَال على النِّصَال فلا يبالى المؤمن على أى جنب كان "مقتله"، فقد تبلد الحس اللغوى ورثَّتْ ذائقته وضعفت سليقته. لقد مات الشعور بالنشار فيه فيما يتصل بآيات القرآن فقط، وبقى سليما معافى فى كل شىء آخر. كل شىء فيه لا يزال على فطرته الأولى، بل ازداد دقة وأداء واكتسب مهارات وقدرات ومواهب فى كل شىء إلا ها هنا ... ولعل هذا الكتاب يُحْدِث لديهم أو لدى طائفة منهم على الأقل صدمات موجعة، فهناك فن جديد من العلاج هو العلاج بالصدمات".
وجوابى على هذا الكلام هو أن الله، حقا وصدقا، قد تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لكنْ لم يحدث أن تحدى الحمير أن يفهموه، فشتان هذا وذاك أيها الحمار المسمى: عِبْس! ذلك أن الحمار فى القرآن رمز على الغباء وعدم القابلية للفهم: "مَثَلُ الذين حُمِّلوا التوراةَ ثم لم يَحْمِلوها كَمَثَل الحمار يَحْمِل أسفارا". وماذا تصنع الحمير بالكتب التى تحملها فوق ظهرها؟ لا شىء! ولقد وقعتَ يا ذا الحوافر فى أكثر من غلطة: فأولا قد فصلت الآية عن الآية التى قبلها رغم ارتباطهما عضويا، إذ إن آيتنا الحالية هى بدل من الاسم الموصول المذكور بالآية السابقة. هكذا: "إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ". وثانيا حتى لو تابعناك على فصلك الآيتين فليس ثم أسهل من فهم الآية الثانية على وضعها هذا، إذ يكون معنى الكلام كالآتى: "إن من يكفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضب من الله، وله عذاب شديد، إلا إذا كان كفره على سبيل الإكراه، وكان كفرا ظاهريا لم يتغلغل فى قلبه ولم ينشرح له صدره". ترى ما وجه الصعوبة يا عبس فى فهم هذه الآية، إلا أن يكون المتصدى لفهمهما حمارا مثلك؟ وإذا كنتَ قد تحدثتَ عن العلاج بالصدمات فإننا نتحدث عن نوع آخر من العلاج هو العلاج عن طريق الصفع بالجزم والانهيال بها على وجوه بعض الحمير من البشر. وهو علاج مجرَّب وثبتت نجاعته! بالله أعندك بعض شىء من الدم؟ أمثلك يخطِّئ القرآن؟ أفى هذه الآية أية صعوبة يا أيها التافه الغبى؟ ألا لعنة الله على الغبيين التافهين من أمثالك من هنا إلى يوم الدين!
وفى "أسباب النزول" للواحدى نقرأ عن هذه الآية ما يلى أيها الحمار: "قال ابن عباس: نزلت في عمّار بن ياسر، وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرًا وأمه سمية وصُهَيْبًا وبلالاً وخَبّابًا وسالمًا: فأما سمية فإنها رُبِطَتْ بين بعيرين ووُجِئَ قُبُلُها بحربة، وقيل لها: إنكِ أسلمتِ من أجل الرجال. فقُتِلَتْ وقُتِل زوجها ياسر. وهما أول قتيلين قُتِلا في الإسلام. وأما عمّار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها. فأُخْبِر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عمارًا كفر، فقال: كلا إن عمارًا مُلِئَ إيمانًا من قَرْنه إلى قَدَمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه. فأتى عمارٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو
(يُتْبَعُ)
(/)
يبكي، فجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام يمسح عينيه، وقال: إنْ عادُوا لك فعُدْ لهم بما قلتَ. فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: نزلت في ناس من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم المسلمون بالمدينة أنْ: هَاجِروا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا. فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم مكرهين. وفيهم نزلت هذه الآية".
وفى ص157 - 158 يزعم عِبْس أن قوله تعالى على لسان موسى لفرعون: "وتلك نعمةٌ تَمُنُّها علىَّ أنْ عَبَّدْتَ بنى إسرائيل" غير قابل للفهم لأن فيه خَرْمًا، أى سقطت منه بعض الألفاظ، ويقترح إضافة من عنده لتكمل الآية ويتضح المعنى، مع أن الآية واضحة تماما، فهى لون من الاستفهام الإنكارى. قال، فَضَّ الله فاه، وعَمِيَتْ عيناه: "وهاكُمْ آيةً أخرى تشبه الآية السابقة فى الضعف والركاكة لم أفهم منها شيئا، فسَرِّحوا النظر فيها لعلكم أَحَدُّ منى بصرا وأكثر فهما، على أن تبتعدوا عن المفسرين الميامين الذين يجدون فيها كل شىء! لا بأس أن ترجعوا إلى كتب التفسير بل يجب أن ترجعوا إليها، على أن يكون ذلك بمنتهى الحذر: "وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلاَ يَتَّقُونَ؟ " (26/ 10 - 11). وفى حواره مع فرعون سأله هذا: "أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) ".
الآية اللغز هنا هى الآية الأخيرة، وما سبق من الآيات فهو تمهيد لها. اقرأوها ثم أعيدوا قراءتها مَثْنَى وثُلاثَ ورُبَاعَ وعُشَارَ، وزيدوا فى القراءة ما تشاؤون، وقولوا لى بصدق وإخلاص: "أفهمتم شيئا؟ "، وأنا لكم من الشاكرين. أنا لم أفهم كيف يكون التعبيد (أى الاستعباد كما يقول المفسرون) نعمة يمنّ بها فرعون على موسى. وإذا أُرِيدَ لهذه الآية أن يكون لها معنى فلا بد من قراءتها على الشكل التالى: "وتلك نعمةٌ يمنّها الله علىَّ". أى "أن أكون من المرسلين نعمةٌ يمنّها الله علىَّ". أما بقية الاية: "أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" فهى محرفة لا معنى لها، أو هى بقية آية منسوخة أو شىء من هذا القبيل. وقد تلقاها النساخ والقراء والمقرئون على الوجه الذى ورد فى القرآن كما يتلقى الصُّمّ والبُكْم والعُمْى ما يُلْقَى إليهم بلا اعتراض ولا معارضة، بل يقولون: "كُلٌّ من عند ربنا". وجاء المفسرون من بعدهم فلم يجرؤوا على إحداث أى تغيير فيها، وتفننوا فى اختلاق شتى المعانى لها، ولم يقل أى منهم: لا ترهقوا أنفسكم، فالآية على هذا الوجه لا معنى لها! ".
وأول شىء أود أن أعقّب به على هذا القىء بل على هذا السَّلْح الفكرى هو إقرار عبيطنا الأخرق أن المسلمين لم يفكروا فى المسّ بالنصّ القرآنى رغم كل شىء. فما دلالة هذا لدن العقلاء المحترمين؟ أليس أن المسلمين لا يعرفون تحريف النصوص المقدسة؟ ألا يعنى هذا أنهم قوم محترمون؟ ألا يعنى هذا أنهم أهل للثقة أحرياء أن يطمئن إليهم الآخرون؟ أما هو فلأنه من قوم ضَرِيَتْ أيديهم (أى تأكلهم أيديهم) على التحريف نراه يدعونا إلى العبث بالنص وتغييره! فلعنة الله على المحرفين العابثين!
وثانى شىء هو إعادة ما قررناه قبل قليل من أن الكلام الذى قاله موسى لفرعون هو استفهام إنكارى، ولكننا نقوله هذه المرة بشىء من التفصيل. ولقد طرحتُ هذا التفسير بمجرد أن قرأت اعتراض ذلك السالح وقبل أن أنظر فى أى كتاب من كتب تفسير القرآن. ثم عدت إلى بعض تلك الكتب لأنظر فيما قالته فوجدت الطبرى مثلا يقول ضمن تفسيرات أخرى: "وقال آخرون: هذا استفهام كان من موسى لفرعون، كأنه قال: أتمنّ عليّ أن اتخذت بني إسرائيل عبيدا؟ ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله: "وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَليَّ". قال: يقول موسى لفرعون: أتمنّ عليّ أن اتخذت أنت بني إسرائيل عبيدا؟ واختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعض نحويي البصرة: "وتلك
(يُتْبَعُ)
(/)
نعمة تمنّها عليَّ؟ "، فيقال: هذا استفهام كأنه قال: أتمنها عليّ؟ ثم فسَّر فقال: "أنْ عَبَّدتَّ بَنِي إسْرَائِيلَ" وجعله بدلاً من النعمة".
وفى "فتح القدير" للشوكانى: "وقيل: هو مِنْ موسى على جهة الإنكار. أي أتمنّ عليّ بأن ربيتني وليدا، وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم، وهم قومي؟ قال الزجاج: المفسّرون أخرجوا هذا على جهة الإنكار: بأن يكون ما ذكر فرعون نعمة على موسى، واللفظ لفظ خبر. وفيه تبكيت للمخاطب على معنى: أنك لو كنت لا تقتل أبناء بني إسرائيل لكانت أمي مستغنية عن قذفي في اليَمّ. فكأنك تمنّ عليّ ما كان بلاؤك سببا له ... وقيل: إن في الكلام تقدير الاستفهام. أي "أَوَتلك نعمة؟ " ... قال الفراء: ومن قال إن الكلام إنكار قال: معناه "أَوَتلك نعمة؟ " ومعنى "أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْر?ئيلَ": أنِ اتخذتَهم عبيدا".
وفى تفسير سيد قطب: "فى ظلال القرآن": "ثم يجيبه (أى يجيب موسى فرعون) تهكمًا بتهكم، ولكنْ بالحق: "وتلك نعمة تمنها عليَّ أن عَبَّدْتَ بني إسرائيل"، فما كانت تربيتي في بيتك وليدا إلا من جَرّاء استعبادك لبني إسرائيل وقتلك أبناءهم، مما اضطر أمي أن تلقيني في التابوت فتقذف بالتابوت في الماء، فتلتقطونني، فأربَّى في بيتك لا في بيت أبويّ. فهل هذا هو ما تمنه عليَّ؟ وهل هذا هو فضلك العظيم؟ ".
ويقول دَرْوَزَة فى "التفسير الحديث": "وتلك نعمةٌ تمنّها عليَّ أن عبّدت بني إسرائيل: أوّل بعض المفسرين الآية بأنها تعني قول موسى: هل هذه نعمة تمنها عليّ مع أنك استعبدت قومي بني إسرائيل؟ وأوَّلَها بَعْضُهم بأنها تعني قول موسى: إن استعبادك لبني إسرائيل كان نعمة عليّ لأنه جعلني أفرّ، فرعاني اللّه وجعلني من المرسلين. ونحن نختار الأول". فالمسألة، كما يرى القارئ، لا تستدعى كل هذا اللغط الذى أراد إحداثه هذا الأحمق ظنا منه أنه سوف يبذر بذور التشكيك فى النص القرآنى. ولكن هيهات ثم هيهات! ويتبقى تفسيره للأمر بأنه من المحتمل أن يكون الكلام "بقية آية منسوخة"، وهو تفسير يدل على أنه جاهل بالثلث، إذ النسخ لا يقع إلا فى الأمور التشريعية. أما هنا فنحن إزاء وقائع تاريخية لا تقبل النسخ، لأن التاريخ قد مضى وانقضى فلا رجعة فيه، ومن ثم فلا نسخ.
وبالمثل ينتقد عِبْس الآيات التالية من سورة "الزُّمَر": "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) " قائلا: "هذه الآيات هى فى رأيى من الروائع لولا أن فيها عيبين شوها جمالها كفتاة رائعة الجمال نبت الشعر فى شاربها وذقنها. لكن دوران الألسنة بهذه الآيات طويلا أخفى التشويه كما تخفى المساحيق عيوب وجه الحسناء: فهناك عدم توازٍ بين الآيات التى تصف دخول الذين كفروا إلى جهنم ودخول الذين اتَّقَوْا. فعندما سيق الذين كفروا إلى جهنم ووصلوا إليها فُتِحَتْ لهم أبوابها. فالوصول أدى إلى فتح الأبواب. أى لقد جاءت المقدمة: "الوصول"، وتبعتها النتيجة فى الحال. ولكن ذلك لم يحدث ما يوازيه للذين اتَّقَوْا، فالآيات التى تصف وصول هؤلاء هى، فى الظاهر على الأقل، مجموعةُ مقدماتٍ بلا نتيجة، وإن كانت النتيجة معروفة بالاستنتاج: النتيجة فى الآيات الأولى معروفة لفظا واستنتاجا، وأما فى الآيات المتبقية فالنتيجة معروفة
(يُتْبَعُ)
(/)
استنتاجا فقط. وبعبارة أكثر تبسيطا نجد فى آية المتقين "واو العطف" زائدة شوهت المشهد كله حتى ليظن الإنسان أن هذه الآية لا جواب لها. فى الآية الأولى يأتى الجواب فى الحال: "حتى إذا جاؤوها فُتِحَتْ أبوابها"، بينما لا جواب فى الآية الثانية لدخول حرف العطف: "حتى ... وفُتِحَتْ". فكيف انزلقت هذه الواو الثقيلة هنا؟ يقولون إنها زائدة. ولكنها زيادة على حساب أهل الجنة المتلهفين لمعرفة مصيرهم! فإذا فعلتُ ذلك أنا وأنت عُدَّ تقصيرا منا، ولكنْ إذا فعله القرآن فهو إعجاز. مسكينان أنا وأنت! " (ص160 - 161).
وأولا نتوقف لدن دعواه بأن فى الآيات "عيبين شوها جمالها كفتاة رائعة الجمال نبت الشعر فى شاربها وذقنها. لكن دوران الألسنة بهذه الايات طويلا أخفى التشويه كما تخفى المساحيق عيوب وجه الحسناء" لنلفت النظر إلى ما فيها من مغالطة، إذ يزعم أن طول الزمن وكثرة التلاوة قد غطا على عيب الآية، متناسيا بسلامته أن الآية قد استُعْذِبَتْ واعتقد المعتقدون أنها من عند الله بمجرد أن سمعوها ولم ينتظروا كل هذا الزمن الطويل حتى تصقلها ألسنتهم فى المحاريب كما يزعم الملاحدة من قديم، وإلا فكيف آمنوا بها؟ أَوَكانوا يؤمنون بها لو أحسوا فيها هذا الخطأ الذى يدعيه ذلك الأحمق؟
ثانيا يقول الأحمق إن هذه الواو قد عاقت أهل الجنة عن معرفة مصيرهم الذى كانوا يتلهفون إليه (يقصد فتح الأبواب)، مع أن هذه الواو قد قربت إليهم الأمر وأراحتهم من اللهفة لمعرفته، إذ ها هى ذى الأبواب قد فُتِحَْتْ وانتهى الأمر، فيما كان يظن الظانون، قياسا على ما حدث مع أهل جهنم، أنها لم تفتح بعد. أما أين جواب "إذا جاؤوها" فقد تركه القرآن لإثارة الخيال كى يسرح فى كل واد ويتصوره كل إنسان على النحو الذى يحب. وهذا معروف فى كل اللغات، إذ يأتى الراوى عند مفترق الطرق فيسكت كى يثير المستمع بل يشعل رغبته إشعالا. أما الأحمق فيظن أن الجواب هو "فتحت أبوابها" رغم مجىء الواو قبله، وهو ما يقول إنه يحيره. وأما نحن فنقول إن "فتحت أبوابها" معطوفة على "جاؤوها" باعتبار أن انفتاح أبواب الجنة أمر مفروغ منه، وأن المهم ليس الأبواب، بل ما بداخل تلك الأبواب، وهو ما سكتت عنه الآية عمدا كى تترك للخيال المنادح واسعة إلى غاية مداها. وذلك كقول الشاعر عبد مناف الهذلى مثلا فى ختام قصيدته:
وَلِلقِسِيِّ أَزاميلٌ وَغَمْغَمَةٌ * حِسَّ الجَنوبِ تَسوقُ الماءَ وَالبَرَدا
كَأَنَّهُم تَحتَ صَيْفِيِّ لَهُ نَحَمٌ * مُصَرِّحٍ طَحَرَت أَسناؤُهُ القَرِدا
حَتّى إِذا أَسلَكوهُم في قُتائِدَةٍ * شَلاًّ كَما تَطرُدُ الجَمّالَةُ الشُّرُدا
وكما أن هناك من يقول بزيادة "الواو" فهناك كذلك من يرى أن"إذا" فى الآية زائدة حسبما نقرأ فى كتاب "الصاحبى فى اللغة" لابن فارس: "تكون "إذا" شرطا فِي وقت مؤقت. تقول: "إذا خرجتَ خرجتُ". وزعم قوم أن "إذا" تكون لغواً وفضلاً. وذكروا قوله جلّ ثناؤه: "إذا السماء انشقت". قالوا: تأويله: "انشقت السماء" كما قال: "اقتربت الساعة" و"وأتى أمر الله". قالوا: وَفِي شعر العرب قوله:
حَتَّى إذا أسلكوهم فِي قتائدَةٍ * شلاًّ كما تطرد الجمَّالةُ الشُّرُدا
المعنى: حَتَّى أسلكوهم. وأنكر ناسٌ هذا وقالوا: "إذا السماء انشقت" لها جوابٌ مُضْمَر. وقول القائل: "حَتَّى إذا أسلكوهم" فجوابه قوله: "شَلاًّ". يقول: "إذا أسلكوهم شَلّوهم شلاًّ". وقولهم: إذا فعلت كذا".
وليس فى الآية من جهة "الواو" أو "إذا" زيادة ولا يحزنون، بل هكذا يجرى المصطلح ليس إلا. ولكننى لا أحب مع هذا استخدام مثل ذلك المصطح تجنبا للاصطدام بغباء الكاتب وأشباهه ممن طُمِسَت أبصارهم وبصائرهم فهم لا يعقلون، فيذهبون يشنعون على النصوص العبقرية لأنها لا تجرى حسبما يريد أفقهم الضيق! ولها ترانى أقول إن "الواو" هنا هى "واو العطف"، وأن "إذا" فى آيتنا هى إما للشرط أو للتأكيد، وأن "الباء" فى قوله تعالى: "وما ربك بظلام للعبيد" هى للتأكيد، وأن "مِنْ" فى قوله جل شأنه: "هل من خالقٍ غير الله يرزقكم من السماء والأرض؟ " هى لاستغراق النفى ... وهكذا.
(يُتْبَعُ)
(/)
حتى قوله عز شأنه: "وما من دابَّةٍ فى الأرض إلا على الله رزقُها" يسخر منه أبو الأعباس الهَلاّس مخطئا ومشككا، إذ لا يعنى عنده إلا أن الدابة، أية دابة، لا يمكن أن تموت من الجوع أبدا. وما دامت هناك دواب تموت من الجوع فالآية كاذبة إذن ولا تقول الحقيقة. لقد فاته أن الرزق لا يلزم بالضرورة أن يكون كافيا فلا يموت العبد أو الحيوان أو الحشرة من الجوع، بل قد يكون كافيا أو شحيحا، ومع هذا يسمى رزقا: "يَبْسُط الرزقَ لمن يشاء من عباده ويَقْدِر". وعلى كل حال فالمقصود بالآية أنه سبحانه الخالق لكل شىء. وما دمنا فى هذا المساق فيحسن بى أن أورد مناقشة دارت بينى وبين رجل ريفى متمرد بجهلٍ كان يتحدث عن الله بنفس الأسلوب الذى يتحدث به عِبْس حتى لقد كان يقول أحيانا إنه لو تولى أمر الكون بدل الله لكان تنظيمه له أفضل كثيرا مما هو عليه. وكان الرجل يشتغل فى شبابه زمارا، ثم كسرت يده فظل إلى آخر عمره لا يحسن العمل بها، فكان يقضى وقته بلا عمل، على حين تجرى زوجته عليه وتوفر له الطعام والشراب والشاى واللحم، وهما أهم شىء فى حياته: إذا توفرا له رضى عن حياته وعن الله وتأدب فى الحديث عنه. أما إذا نشفت الأمور فيا داهية دقى! ويا سواد يوم زوجته، التى لم توفر له الأحمرين! ويا ويل من يشير له إلى أنفه مجرد إشارة. إنه ليتحول ساعتها إلى بركان يقذف حمم السخط والتطاول على الذات الإلهية لاعنا كل شىء، محقرا من أوضاع الحياة وتصريفات الدنيا.
والطريف فى حكاية كسر يده أنه كان ذات يوم مسافرا للزَّمْر فى عرس ببلدة من بلاد المركز تحت قيادة عمه "رَيِّس" الفرقة، وكان اليوم يوم جمعة، وحان وقت الصلاة وهم داخلون البلدة التى فيها العرس، وقد أخذوا يزمرون ويطبلون، فاقترح على عمه أن يؤجلوا ذلك إلى ما بعد الصلاة حتى لا يُجْلِبوا على الخطيب و المصلين، فنهره عمه قائلا: حين تكون أنت "الريس" يا روح أمك فافعل ما بدا لك. أما، وأنا "الريس" هنا، فاشتغل وأنت ساكت. فاشتغل الرجل وهو ساكت. وفى طريق العودة ركبوا الأوتوبيس كما جاؤوا، وكان جالسا جنب الشباك وواضعا يده على حافته، وتصادف أن مرت الحافلة بجوار أحد الجدران فحدث ما ألجأ السائق إلى الاحتكاك بالجدار ودُعِكَتْ يد عم عثمان فيه فتكسرت أصابعه. ورغم أنه قد أُسْعِف وعولج فقد صار لزاما عليه طول عمره حسب أوامر الأطباء أن يفردها فى الهواء ويحرك أصابعه دائما كمن يعزف على مزمار حتى لا تتشنج. ومربط الفرس فى الحكاية أنه كان دائما ما يقول لله: أهذا جزائى منك لقاء إنكارى على عمى الزمر والطبل ساعة صلاة الجمعة؟ وهو نفس منطق عباس عبد الديجور كما ترى!
المهم أننى فى ضحى ذات يوم من إجازة أحد الأصياف أيام الشباب جرى بينى وبينه نقاش فى موضوعه الخالد: ترى كيف يقول الله فى كتابه: "مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ" (الشورى/ 20)، وهأنذا لا أريد شيئا من حرث الآخرة، بل أريد حرث الدنيا، ولا شىء غير حرث الدنيا، لكنه لا ينفذ ما أريد، فكيف لى أن أصدقه؟ قلت له وأنا أبتسم ابتسامة لا تخلو من مكر: وإذا أجبتُ يا عم عثمان على سؤالك، أتسكت ولا تفتح ثانية هذا الموضوع الذى لا تكف عن إثارته منذ أيام الشيخ يوسف الشيخ؟ (والشيخ يوسف هذا رحمه الله هو جد د. عبد الفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر الأسبق. ولم أكن رأيت فى حياتى الشيخ الكبير لأنه مات قبل أن أولد فيما أتصور). أجابنى: وهو كذلك. قلت: لو أننى قلت لك مثلا: من كان يريد ما فى جيبى هذا أعطيته منه، ثم فضل أحدهم هذا الجيب على الجيب الآخر، فمددت يدى وأخرجت له مما فيه من زهور مختلفة الأصناف بعضا من زهور فساء الكلاب، أأكون قد أخلفت وعدى له؟ فرد من تحت أسنانه وهو مغتاظ أشد الغيظ: ولكن أفلم تجد ما تعطينيه إلا فساء الكلاب؟ قلت له: لقد قلت: سأعطيك "مما" فى جيبى. و"مما" هذه ليس معناها أن أعطيك أحسن ما فى الجيب أو كل ما فيه، بل "مما" فيه. وهأنذا قد فعلت. قال متبرما: ولكن جواب الشيخ يوسف كان أفضل من جوابك. قلت: وماذا قال لك؟ قال بزهو وفخر واضحين: لقد قال لى: تأدب مع مولاك يا عثمان! والآن أيها القراء الكرام، هل ترون من فارق بين الشيخ عثمان والشيخ
(يُتْبَعُ)
(/)
عباس؟ ومع هذا لقد كان فى الشيخ عثمان رحمه الله بقية من حياء وإنسانية نَمَّ عنها جوابه الأخير علىّ كما هو واضح.
وبالمثل يرى عباس الهجّاص أن استجابة الله للدعاء لا تتحقق إلا بأن يحقق لصاحبه ما يريد، وعلى النحو الذى يريد، وبالمقدار الذى يريد (ص270)، مع أن تحقيق الدعاء على النحو الذى يريده صاحبه قد يكون ضارا به بل قاتلا، فى الوقت الذى يحسبه هو السعد كله. ومعروف أن إجابة الدعوة تختلف باختلاف المجيب، فنحن إذا دعينا إلى حضور حفل مثلا فليس شرطا أن تكون الإجابة تحقيقا لما يريده الداعى، إذ قد تكون اعتذارا أو حضورا أو تحديا وتمردا أو شتما وتطاولا أو شكرا وثناء أو إرسال شخص آخر لحضور الدعوة.
وعلى أية حال فقد شرح الرسول عليه الصلاة والسلام لنا كيفية استجابة الله لدعاء الداعين على النحو التالى الذى يبدو وكأنه يتحدث عن عِبْس وما كتبه فى كتابه: "ما من رجل يدعو الله بدعاءٍ إلا استجيب له: فإما أن يعجّل في الدنيا، وإما أن يدّخر له في الآخرة، وإما أن يكفّر عنه ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل. قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت ربي، فما استجاب لي" (الترمذى)، "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من الشر مثلها، أو يدخر له من الأجر مثلها" (البيهقى)، "ما من مسلم دعا الله عز وجل بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله عز وجل بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها. قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكْثِر. قال: الله أكثر" (ابن عساكر: تاريخ دمشق)، "ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له: فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل. قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت ربي، فما استجاب لي" (الترمذى).
والغريب فى أمر عِبْس واضطراب فكره وعقله أنه فى الوقت الذى يبدى سخطه لأن الله لا يستجيب لكل صاحب حاجة فى الحال وعلى النحو الذى يريد، يكتب فى موضع آخر من الكتاب منتقدا المشيئة الإلهية واصفا إياها بالعشوائية وأنها لا تعرف النظام، إذ إن القرارات التى يتخذها الله هى قرارات وليدة اللحظة. فكيف بالله نوفق بين هذا وذاك؟ إن استجابة الدعاء فى الحال وعلى النحو الذى يريده صاحبه وبالمقدار الذى يراه لتتناقض مع ما يريده عِبْس ذاته من وجوب اطراد السنن وعدم تغيرها كل لحظة، وهوما نتفق معه فيه، وإن كنا نرى أن ذلك هو الحاصل فعلا منذ بداية الخلق. لكن متى كان عِبْس يعرف الاتساق فى الفكر والرأى والموقف؟ إن كل ما فى الكتاب مضطرب على تلك الشاكلة لا يعرف القارئ له رأسا من ذيل. إنه كلام والسلام. إنه سخط سخيف عديم العقل والمنطق. وسبب ذلك أن صاحبه دخل الكتاب وفى نيته التشكيك فى القرآن والإسلام بكل طريق. وهذه هى النتيجة!
وتعليقا على الآيات الكريمات التاليات من سورة "فُصِّلَتْ": "قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) " يتهكم الأحمق الأخرق قائلا بجهل ورعونة: "هذه الاية يختلط فيها الغموض بالركاكة. وبتعبير أدق: إن غموضها من ركاكتها ومن تعارضها مع آيات أخرى فى القرآن. وقد يكون العكس هو الصحيح، فعدم وضوح الرؤية فى ذهن صاحبها يورثه الارتباك بل الالتواء فى التعبير عنها، فيخبط ذات اليمين وذات الشمال، فتتناثر المعانى بعيدا عن الألفاظ، وتبتعد الأعداد عن المعدوات. لقد فقد النص اتساقه،
(يُتْبَعُ)
(/)
فكل شىء فيه بعد الآن متوقع منه، فلا ترى إلا فقرات تقطع حركة السياق وتوقف اندفاعه نحو بلوغ أغراضه ...
إن كل ما جاء فى القرآن بخصوص عدد الأيام التى خلق الله فيها العالم تحصر هذا العدد فى ستة أيام إلا الآية الأخيرة. كما أن جميع الايات المتعلقة بعدد أيام الخلق فى القرآن تدخل إلى الموضوع مباشرة بلا نوافل أو طفيليات ضارة إلا ههنا. فبصرف النظر عن عزلة هذه الآية وعدم ارتباطها بما قبلها وما بعدها كما عودنا القرآن فقد بدأت بداية غريبة: "قل أإنكم". فهل هذا سؤال أم إنكار أم تقرير لواقع أم ماذا؟ أفتونى فى أمرى، وأنا لكم من الشاكرين! كذلك إن هذه الآيات الأربع نشاز يجمع بين أطراف متباعدة: التعريض بالمشركين الذين يكفرون بالله، الذى خلق الأرض فى يومين، ولا يكتفون بذلك، بل يجعلون له أندادا، ثم يأتى بعد هذا بيان أن الذى خلق كل ذلك هو رب العالمين، ثم أتبع ذلك بتقوية الأرض بالجبال وتقدير أقواتها فى أربعة أيام.
وهكذا تكون الأرض وحدها قد تطلبت منه سبحانه ستة أيام عمل مستمر. وهى تستحق هذا الجهد منه تعالى نظرا إلى أهميتها البالغة فى العالم. وهذا مفهوم عند القدماء. كيف لا، وهى مركز العالم وقلبه النابض، وما تبقى فأشياء تافهة: شمس وقمر وسبع سماوات تزينها عدة مصابيح يهتدى بها الناس فى البر والبحر؟ وهذه كلها يكفيها يومان فقط بالتمام والكمال.
صدق أو لا تصدق أن خلق السماوات لم يستغرق سوى يومين ما لم تكن سماوات من كرتون، بل من ورق ضعيف القوام يفيض عن حاجة الملائكة التى لا أقدام لها كأقدام البشر ثقيلة الوزن شديدة الوقع قوية الوطء. فالملائكة لها أقدام أثيرية لطيفة جدا لا تستخدمها فى المشى، بل لها أجنحة رقيقة تغنيها عن المشى. وهذا يذكرنى بقول أحد الشعراء الفرنسيين فى وصف حبيبته هذه ترجمته:
لله ما ألطفُ أقدامِِها * تمشى على العشب فلا يشعرَا!
والخلاصة: إن الله بعد أن أتم خلق الأرض فى ستة أيام خلق السماوات السبع فى يومين، ثم نشر المصابيح هنا وهناك فى السماء الدنيا زينة لها دون السماوات الأخرى على ما يظهر، فبقيت مظلمة لأن السماوات مقر الملائكة، فهى لا تحتاج إلى مصابيح لأن الملائكة أجسام نورانية. ولعل مصابيح السماء الدنيا من الشمع. وآيةُ ذلك قِصَرُ المدة التى استغرقها خلق السماء. وختمت الآية ذلك كله بأنه من تقدير العزيز العليم، فتبارك الله أحسن الخالقين!
لقد حار المفسرون فى فهم هذه الآيات التى تتوسع فى عدد أيام الخلق فتجعلها ثمانية، وفى التوفيق بينها وبين جميع الآيات الأخرى التى تكتفى بستة أيام فقط، فقالوا إن الأيام الأربعة التى أتم الله فيها خلق الأرض يدخل فيها اليومان اللذان خلق الله فيهما الأرض. مخرج لطيف لا بأس به، ولكنه إن صح أفلا يدل على ركاكة القرآن، الذى كان فى مقدوره أن يستعمل ألفاظا أكثر وضوحا وبيانا، فعدل عنه إلى الركيك الغامض، لا سيما وأن الإبانة صفة ملازمة للقرآن تتكرر فى كل صفحة تقريبا: "بلسان عربى مبين"! " (ص162 - 164).
هذا ما قاله عِبْس! وإنى لأعجب: من أين له كل تلك الجرأة، وهو الجاهل الذى لا يفرق بين "ما أَفْعَلَ" التعجبية و"ما أَفْعَلُ" الاستفهامية، فيستعمل هذه مكان تلك كما هو واضح من تشكيله لعبارة "ما أَلْطَفُ أقدامِها" فى البيت الذى أورده للتهكم على القرآن وأسلوبه؟ إن معنى العبارة على هذاالوضع هو: "أى شىء فى أقدامها ألطف من سواه؟ "، وهو إنما يريد التعجب من لطف قدميها، فكان ينبغى أن يقول: "ما ألطفَ أقدامَها! ". ليس ذلك فحسب، بل زاد الطين بلة فنصب الفعل: "يشعرا" رغم أن حقه الرفع، فتوضع على رائه ضمة لا فتحه. ومرة أخرى ليس ذلك فحسب، بل كان ينبغى أن يقول فى الجملة التى وطَّأ بها لتلك العبارة: "وهذا يذكرنى بقول لأحد الشعراء الفرنسيين فى وصف حبيبته هذه ترجمته: ... " بإدخال "لام" على "أحد" حتى تظل كلمة "قول" منكرة فيصح نعتها بجملةِ "هذه ترجمته". ولكن متى كان الجهال يفهمون؟ إنهم لا يحسنون سوى التهكم والتهجم والتقحم الغبى ليس إلا!
(يُتْبَعُ)
(/)
أما قوله: "لقد حار المفسرون فى فهم هذه الآيات التى تتوسع فى عدد أيام الخلق فتجعلها ثمانية، وفى التوفيق بينها وبين جميع الآيات الأخرى التى تكتفى بستة أيام فقط" فالرد عليه هو أن الآية تختلف تماما عن الآيات التى تتناول خلق السماوات والأرض فى ستة أيام. ذلك أن آيتنا هذه لا تتناول من ذلك الموضوع إلا خلق الأرض فى يومين، ثم تدخل عقب ذلك فى موضوع آخر هو إنشاء الرواسى من فوقها ومباركتها وتقدير الأقوات فيها فى أربعة أيام، ثم جعل السماء سبع سماوات فى يومين بعدما تم خلقها قبلا. وهكذا يتبين للقارئ أن الأيام الستة الأخيرة لا علاقة لها بخلق الكون من عدم، بل بتشكيل الجبال وتدبير الأقوات وما إلى ذلك، ومن ثم لا تضاد بين عدد الأيام فى الآية، ذلك الذى يجلعونه ثمانية بإضافة يومى خلق الأرض إلى الستة المذكورة آنفا، وبين عدد أيام الخلق فى الآيات الأخرى التى تتعرض لإيجاد الأرض والسماء من العدم. وبطبيعة الحال فإن الأيام فى الآية غيرها فى توقيت الكرة الأرضية، إذ هى هنا أحقاب تاريخية متطاولة، وليست أياما من ذوات الأربع والعشرين ساعة: "وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تَعُدّون"، "تَعْرُج الملائكة والرُّوح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة".
أما إذا أخطأ بعض المفسرين وخلط بين هذه الآية والآيات التى تتحدث عن خلق السماوات والأرض فى ستة أيام فهى جريرتهم لا جريرة القرآن ولا مسؤوليته. وفى تفسير الشيخ الشعراوى للآية الرابعة والخمسين من سورة "الأعراف"، فيما يبدو، شىء مما أشار إليه المدعوّ: عباس عبد النور، إذ يقول الشيخ: "والظاهر من آية التفصيل أنها ثمانية أيام، أما آيات الإِجمال فكلها تقول: إنها ستة أيام. ومن هذه النقطة دخل المستشرقون، وادَّعَوْا زورا أن القرآن فيه اختلاف، وحالوا أن يجعلوها ضجة عالية. ونقول: إنه سبحانه خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام كاملة بلا زيادة ولا نقصان. فالمراد أن ذلك حصل وتم في تتمة أربعة أيام. ويضم إليها خلق السم?وات في يومين، فيكون عدد الأيام التي تم فيها خلق السم?وات والأرض ستة أيام، أو نحمل المفصَّل على المجمل". فإذا كان الأمر على ما فهمتُ فيتحمل الشيخ الشعراوى مغبة تفسيره للآية الكريمة، ويبقى القرآن شامخا كحاله دائما. هذا، ونضرب صفحا هذه المرة عن ثقل ظل عباس أبى دم فطّاس مثل دم البق.
والآن نصل إلى السؤال التالى: هل هناك يا ترى أى تناقض بين قول القرآن لبنى إسرائيل فى موضع منه إن الله فضلهم على العالمين، وبين قوله لهم فى موضع آخر: "بل أنتم بشر ممن خلق" كما يزعم أبو العبابيس (ص171)؟ أليسوا فعلا بشرا من البشر الذين خلقهم الله؟ أم هم ليسوا بشرا؟ أم تراهم من خلق الشيطان؟ إن القرآن ينكر على اليهود والنصارى زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه مهما كانت تصرفاتهم واعتقاداتهم. ذلك أن حب الله لأحد من العباد يستلزم أن يستحق العبد هذا الحب، إذ لا يصلح أن ينال هذا الحبَّ شخصٌ لمجرد أنه فلان أو علان. وقد قال الرسول لعشيرته وابنته وأقربائه: اعملوا، فإنى لا أُغْنِى عنكم من الله شيئا. وفى نفس الوقت يقول القرآن: إنما يريد الله لِيُذْهِب عنكم الرِّجْس أهلَ البيت ويطهِّركم تطهيرا. نعم، ولكن بشروط، وإلا فلن يغنى الرسول عن أحد منهم شيئا.
وبنو إسرائيل قد فضلهم الله على العالمين بأن جعل منهم أنبياء كثيرين، لكنهم لم يكونوا على المستوى العقيدى والأخلاقى المنشود، فعاقبهم الله. فما المشكلة؟ كذلك وُصِف المسلمون فى القرآن بأنهم "خير أمة". إلا أن ذلك كان بشروط، ولم يكن الأمر سداح مداح. وهذه الشروط هى الإيمان بالله واليوم الآخر والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والمجاهدة فى سبيل الله. ولقد حُذِّروا من أن يسيروا فى خطا بنى إسرائيل فيتعرضوا للسخط والعقوبة. فلما فعلوا ولم يتعظوا بمصير القوم عاقبهم الله تعالى وأذلهم وأتعسهم، ونحن الآن نَصْلَى تلك التعاسة التى تمررت بها حياتنا، ولا يبدو فى الأفق أن نهايتها قريبة لأننا نصر على ما نحن فيه من بلاهة حضارية نبهنا القرآن إلى وخامة عواقبها ونهانا عن التدهدى إلى دركها الأحطّ الأسفل، فأبينا وما زلنا نأبى إلا التمسك بها كأن فيها مجد الدنيا والآخرة، على حين أن الدنيا من حولنا تتوثب حيوية وعُرَامًا، ونحن تزداد تراجعا وانحدارا، بل غوصا فى الوحل
(يُتْبَعُ)
(/)
والطين والمجارى!
ويقول أيضا "مدير" التكية سابقا إنه كان يجب أن يقال عن المجرمين فى سورة "الرحمن": "فيُؤْخَذُون بالنواصى والأقدام" بدلا من قوله: "يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ (41) "، لأن المجرمين مجرمون جمعٌ لا مجرمٌ فردٌ (ص177). وفات العبقرىَّ أن نائب الفاعل هنا ليس هو "المجرمون"، بل شبه جملة "بالنواصى والأقدام"، وهو الجار والمجرور، مثل قولنا مثلا: "سيُسْتَمَع إلى التقرير، وسيُنْظَر فى الأمر، وسيُلْجَأ إلى القضاء، وسيُفْصَل فى الخصومة ... إلخ". فماذا بالله يمكن أن يقوله الإنسان لمثل هذا المتخلف عقليا الذى يخطِّئ القرآن ويتهكم به ويصحح له لغته وأسلوبه، وهو بهذا الضعف المزرى المخزى فى اللغة وتذوقها؟
كذلك يخطئ عِبْس القرآن فى قوله عن قوم لوط: "إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين" مؤكدا أن الشذوذ الجنسى قديم قدم الإنسان (ص183 - 184). لكن هل هناك دليل على ما يقول؟ إن كل ما استطعت الخروج به من المقال المخصص للشذوذ الجنسى ( Homosexuality) فى "الموسوعة البريطانية" (ط2009م)، بالنسبة إلى تاريخ ذلك الانحراف، هو أنه فى فترات وثقافات مختلفة كان الشذوذ الجنسى يحظى بالموافقة أو المسامحة أو العقاب، وأنه لم يكن مجهولا بين الرومان والإغريق. أما القول بأنه كان معروفا بين البشر منذ بدء الخليقة فليس له أى أثر فى المقال المذكور. وهذا نص ما وجدته حول هذه النقطة:
" At different times and in different cultures, homosexual behaviour has been variously approved of, tolerated, punished, and banned. Homosexuality was not uncommon in ancient Greece and Rome."
ونفس الشىء نلقاه بوجه عام فى المادة المخصصة لذات الموضوع من "الموسوعة اليونيفرسالية: Encyclopaedia Universalis" ( ط2009م)، إذ هى أيضا لا ترجع إلى أبعد من روما واليونان. وفى موسوعة "الإنكارتا: Encarta" الفرنسية يتحدثون عن العلاقة التى كان يعرفها المجتمع الإغريقى القديم بين الصبيان والرجال، ثم لا شىء أبعد من ذلك تاريخيا. وهو نفسه ما نجده فى "الإنكارتا" الإنجليزية.
ولنفترض رغم ذلك كله أن ما قاله عباس صحيح، فهل يقصد القرآن مجرد الشذوذ الجنسى لدن قوم لوط؟ أم تراه يقصد ممارستهم جميعا له على نطاق واسع، وفى نواديهم، وعلانية، وفى عدوانية يقطعون فيها الطريق على الأطهار المستقيمين حسبما نقرأ فى الآيتين 28 - 29 من سورة "العنكبوت": "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) ". ومن الملاحظ أن الجملة القرآنية فى كل من سورتى "الأعراف" و"العنكبوت"، وهما السورتان اللتان ذكرتا أسبقية قوم لوط فى هذا المجال، تجىء فيها عبارة "ما سبقكم بها من أحد من العالمين" حالاً لا نعتًا لأن "الفاحشة" معرفة لا نكرة، بما يمكن أن يكون معناه أن تلك الفاحشة فى حد ذاتها ليست هى الأمر غير المسبوق هنا، بل طريقة إتيان القوم لها. كذلك لا ينبغى أن يفوتنا مغزى تسمية الشذوذ الجنسى بين الرجال: "لواطا" (فى اللغة العربية) و" sodomy, sodomie" ( فى اللغات الأوربية). ترى ألا يشير ذلك على نحو أو على آخر إلى أن لقوم لوط وقريتهم وضعا خاصا فى هذه المعرّة الاجتماعية والأخلاقية ليس لقوم سواهم؟
أما تأكيد عِبْس أن الشذوذ الجنسى موجود أيضا بين الحيوانات فليس من غرضى أن أناقشه هنا لأنه لا صلة بينه وبين ما جاء عن قوم لوط فى القرآن وسبقهم العالمين فى ذلك الميدان رغم ما قرأته، فى مادة " Homosexual Behavior in Animals" فى النسخة الإنجليزية من "الويكبيديا: Wikipedia"، من أن عالمَ الحيوانات يعرف هو أيضا السلوك الجنسى الشاذ، وإن كان من العلماء من يستبعدون المسألة، إذ يَرَوْن فى ذلك الضَّرْب من السلوك خروجا على الفطرة لا يمكن أن يرتكبه الحيوان.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى القِسْم الذى خصصه أبو الأعباس الفَطّاس من كتابه للهجوم على الآيات المرتبطة بالعلوم الطبيعية يبدأ حديثه (ص186) بأنه قد تنبه إلى ما فى القرآن من أخطاء علمية منذ عقود طويلة (كما جاء فى ص188 نصًّا) وانقشعت الأساطير عن ذهنه، فكيف يعود فى المقدمة فيقول إنه لم يتحرر من القرآن وخرافاته إلا بعد بلوغه الثمانين: الثمانين التى لم يبلغها قط لأنه مات قبل بلوغها؟ ترى ماذا ينبغى أن يوصف به كلام مثل ذلك الرجل الذى يتنفس الكذب والتناقض تنفسا؟
وفى ص191 وما بعدها نسمع أبا العبابيس وقد ذهب فى فاصل طويل من السخرية بالآيات القرآنية التى تتحدث عن السماء بصورة أدبية، واقفا عند السماوات السبع مخطئا ما قيل فيها. لكن هل هو على يقين من أن ما قاله القرآن عن السماوات السبع خطأ؟ أليس معناه على الأقل أن القرآن قد بين للناس منذ ذلك الوقت المبكر من التاريخ الإنسانى أن هذه السماء التى يرون نجومها وكواكبها ليست إلا سماء واحدة فقط من سماوات سبع؟ أليس هذا فتحا جديدا يحث العقل على عدم الاستنامة إلى ما تشاهده الحواس فى ذلك الزمن المتخلف علميا؟ ثم ما وجه الخطإ فى كلام القرآن عن المصابيح السماوية؟ هل لا بد، متى تكلم القرآن عن النجوم والكواكب، أن يذكر أبعادها والمسافات التى تفصلنا عنها وطبيعة تكوينها ويستخدم الأرقام والإحصاءات والمعادلات الرياضية، ولا يصفها أبدا بأنها مصابيح؟ أليس ذلك فسولة فى العقل، وبلادة فى الإحساس، وتفاهة وتنطعا فى تناول مثل تلك القضايا؟
أما بالنسبة إلى تهكمه على ما قاله القرآن عن رَجْم الشياطين، فهل هناك دليل على أنه لا يوجد شياطين ولا رجوم، فى الوقت الذى ليس عندنا ولا عند غيرنا ما يمكن نفى ذلك على أساسه؟ وعلى كل حال فالقرآن لم يقل قط فى أى موضع منه إن رجم الشياطين قد بدأ منذ ولادة الرسول عليه السلام كما يسخر الكاتب. وأما أن الملائكة التى فى السماوات لم تكن ليلة الإسراء والمعراج تعلم ببعثة محمد فهو إشارة إلى أنها، رغم كونها ملائكة، لا تعلم الغيب. فالغيب من اختصاص الله، إلا إذا أطلع عز وجل فى بعض الأحيان أحدا من رسله على شىء منه لحكمة من الحكم. أما فيما عدا هذا فالغيب صندوق مغلق لا يعلم بما فى داخله أحد حتى ولا الرسول محمد أو الملائكة. ألا يضع هذا حدا لما كان الكهان يزعمونه من معرفتهم للغيب، ومن ثم يتسلطون به على عقول البشر؟ فما قول عباس الهلاس فى هذا؟
ويبقى تهكمه على التصوير الأدبى الذى يقدم به الحديث الشريف قصة المعراج وأنه، عليه الصلاة والسلام، حين كان يصل إلى إحدى السماوات، كان يستأذن فيُفْتَح له. فهل كان يريد عِبْس أن ينتهج النبى فى ذلك الوقت المبكر، وفى ذلك المجتمع المتخلف، نهج علماء الطبيعة فيأتيهم بعد الإسراء والمعراج وفى يده مناظير فلكية ترصد أبعد المجرات طالبا من أبى جهل وأبى لهب والوليد بن المغيرة وأضرابهم أن يأتوا فينظروا المسار الذى اتخذته رحلته المعراجية حتى بلغ سدرة المنتهى (تلك التى يكتبها صاحبنا بضم سين "سُدْرة" دليلا على تبحر علمه اللغوى الذى لم يحرزه أحد!)، أو أن ينصب شاشة چامبو فى شوارع مكة يعرض عليها تفاصيل المعراج وهو يعلق عليها بطريقة د. مصطفى محمود فى حلقات برنامج "العلم والإيمان"، وقد جلس أهل مكة متربعين على الأرض (فالنبى عربى، والبساط أحمدى!)، وقد فتحوا أفواههم دهشة وانبهارا؟
سيقول: ألستم تزعمون أن فى القرآن حقائق علمية؟ والجواب: بلى، لكننا لا نزعم أنه كتاب فى العلوم الطبيعية ولا أن محمدا عالم فى وكالة ناسا القرشية، بل رسول بعثه الله لهداية قومه والعالم وانتشالهم من الضلال إلى الهدى، ومن ظلام الروح والضمير والعقل والذوق إلى النور الأبلج، وهى المهمة التى أداها النبى خير قيام وكانت ثمراتها إعجازا حضاريا بكل المقاييس. فإن وردت آية تدل دلالة قوية على حقيقة علمية دون اللجوء فى تفسيرها إلى البهلوانيات التى تلوى رقبتها لَيًّا فأهلا بذلك وسهلا، وإلا فإن مهمة الرسول هى هداية الروح والضمير وتحرير العقل من الخرافات التى تكبله وتمنعه من الانطلاق الحر يجوس أرجاء الكون ويحرز الانتصارات تلو الانتصارات.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويكفى أن نقرأ قوله تعالى: "قل: هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ " كى نفهم مكانة العلماء فى مجتمع المسلمين. كذلك يكفى أن يأمر القرآن الرسول بأن يطلب من الله زيادة نصيبه من العلم: "وقل: رب، زدنى علما" حتى نعرف قدر العلم فى الإسلام بوصفه الشىء الوحيد الذى أُمِر الرسول على جلالة قدره بطلب زيادة نصيبه منه. كما يكفى أن يحث ذلك الرسول العظيم كل مسلم على الاجتهاد ويشجعه عليه ويزيل مخاوفه من تبعاته ويبين له أنه حتى لو أخطأ فى ذلك الاجتهاد فإن له لأجرا عظيما، وهو ما لا تفعله ناسا ولا أية مؤسسة علمية فى أية دولة من الدول الغربية ولا غير الغربية أبدا ولا تقوله لعلمائها. وهذا مجرد مثال لما أتى به الإسلام فى عالم الفكر والعقل وتحطيم الأغلال التى كانت تقيد البشر فتمنعهم من التفكير الحر السليم. أما إيجاب طلب العلم على كل مسلم ومسلمة، ومن المهد إلى اللحد، والقول بأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب المعرفة رضا بما يصنع، وأما تمجيد العلماء فى الإسلام وإيثارهم على العُبّاد والزهاد والتأكيد بأنهم ورثة الأنبياء فحدِّثْ كما يحلو لك من هنا للصبح فلن تنتهى ولا يمكن أن تنتهى. هكذا ينبغى أن يتناول الإنسان منا موقف الإسلام من العلم.
أما تهكم عِبْس أبى عقل جِبْس على أنه سيكون للسماء يوم القيامة فى القرآن أبواب وأنها سوف تُكْشَط أو تُطْوَى كطَىّ السجلّ للكتب، وأما الوقوف عند أجنحة الملائكة والسخرية من تلك الأجنحة، فهذا انغلاق فى الذهن، وإلا فهل شاهد نيافته ذلك اليوم وتيقن أن هذا لن يحدث فيه، أو شاهد تلك المخلوقات الكريمة ورأى أنها بلا أجنحة؟ ثم إن هذا اللون من التصوير الذى لا يعجب عِبْس هو الذى أنتج تلك الثمرات الحضارية العظيمة التى أتى بها الإسلام. أما مساومة الله كما يفعل الفلاح القرارى فى سوق الماشية والكُفْر به سبحانه إذا أتت الرياح بما لا تشتهى السفن فأصيب الإنسان فى عينيه أو فى قدميه فهى شيمة المتخلفين من أمثال عِبْس أبى عقل جِبْس، وإن ظن أنه أعلم العلماء وأكثر الفلاسفة فلسفة، على حين أن هذا إفلاس لا فلسفة!
وهو، فيما كرره مرارا عن الفَلَك والسماوات السبع والكواكب والنجوم فى القرآن المجيد ودعواه بأن ذلك مأخوذ من علم الفلك الإغريقى الأسطورى ممزوجا بأطياف شرقية، قد لطش ما قاله محرر مادة " Cosmology" من "دائرة المعارف الإسلامية: Encyclopaedia of Islam"، حيث يقول ما يلى نَصًّا:
The Qur_?n seems to reflect the Aristotelian-Ptolemaic model with the world (al-duny?) as the lowest level in the center covered by seven homocentric spheres ( falak, pl. afl?k, q 21:33; 26:40). A closer look, however, provides traces of an older, ancient Near Eastern model of the world which is also reflected in Genesis 1:6 (All?hu lladh? khalaqa sab_a sam?w?tin wa-min al-ar_i mithlahunna, q 65:12). Here, the world is viewed as not only covered by seven heavenly spheres but also as relying on as many layers of “earths.” The whole structure is surrounded by waters, “oceans,” separated by the creator through a barrier (maraja l-barayni yaltaqiy?n? baynahum? barzakhun l? yabghiy?n, q 55:19-20; cf. 25:53; see barrier; barzakh).
ومع ذلك فرغم هذا النقل لم يصب لا هو ولا من نقل عنهم كبد الحقيقة. ذلك أن الإغريق لم يكونوا على قلب رجل واحد فى أفكارهم الفلكية، بل كانت آراؤهم خليطا لا شيئا واحدا، إذ كان بعض فلكييهم مثلا يرون الأرض مركز الكون، على حين كان البعض الآخر يقولون بكرويتها ودروانها هى وبعض الواكب حول الشمس. وهذا ما تقوله مادة "الفلك" فى "الموسوعة العربية العالمية": "بدءًا من عام 600ق. م تقريبًا طور علماء الإغريق وفلاسفتهم عددًا من الأفكار الفلكية. فاعتقد فيثاغورث، الذي عاش في القرن السادس ق. م، أن الأرض كروية الشكل، وحاول أيضًا شرح طبيعة الكون وتركيبه ككل. وبذلك طور نظامًا كونيًّا في وقت مبكر. وفي نحو عام 370ق. م صمم يودوكسوس أوف كنيدوس نظامًا ميكانيكيًّا لشرح حركات الكواكب. ونادى يودوكسوس بأن الكواكب والشمس والقمر والنجوم تدور حول الأرض. وفي القرن الرابع قبل الميلاد أدخل أرسطو هذه النظرية
(يُتْبَعُ)
(/)
الهندسية، نظرية مركزية الأرض، في نظامه الفلسفي. كذلك اقترح هيراقليدس أوف بونتس، خلال القرن الرابع ق. م الميلاد، أن الحركة الظاهرية للأجرام السماوية ناحية الغرب راجعة في الحقيقة إلى دوران الأرض حول محورها في اتجاه الشرق. كما اعتقد أن عطارد والزهرة يدوران حول الشمس، وليس حول الأرض. وخلال القرن الثالث قبل الميلاد ذهب أريستاركوس أوف ساموس لأبعد من ذلك فاقترح دوران الكواكب بما فيها الأرض حول الشمس ودوران الأرض حول محورها. وكان كل من هيراقليدس وأريستاركوس سابقين زمانهما، ومع ذلك لم تستطع أفكارهما أن تحل محل نظرية مركزية الأرض. وفي حوالي عام 125ق. م قسَّم فلكي إغريقي يدعى هيبارخوس النجوم التي أمكنه رؤيتها إلى أنواع من التوهج. ونظام الأقدار الذي يستخدمه الفلكيون حاليًّا صورة مطورة من هذا المقياس القديم. ويُعْرَف هيبارخوس في التراث العربي والإسلامي باسم "أبو خس".
خلال القرن الثاني الميلادي طور الفلكي الإغريقي كلاوديوس بطليموس، الذي عاش في الإسكندرية بمصر، نظريات أرسطو وهيبارخوس. وضمَّن بطليموس كتابه: "المجسطي" أفكاره وملخص أفكار الفلكيين الإغريقيين، وخصوصًا هيبارخوس. ويعد "المجسطي" المصدر الرئيسي لمعارفنا عن الفلك الإغريقي. وقد انتقد أبو محمد جابر بن الأفلح هذا الكتاب في كتابه المعروف بكتاب "إصلاح المجسطي"، ودعم انتقادَه هذا عالِمٌ آخرُ أندلسيٌّ هو نور الدين أبو إسحق الأشبيلي في كتابه: "الهيئة". ظلت نظرية بطليموس عن مركزية الأرض سائدة لنحو 1500 عام، وتقبل الفلكيون جزءًا من أفكاره وجداوله التي وضعها للكواكب مسبقًا. وخلال معظم هذه الفترة أولى الأوربيون قليلاً من الاهتمام بعلم الفلك. هذا في الوقت الذي واصل فيه الفلكيون العرب رصد السماء وتنقيح ما جاء في كتابات بطليموس والمحافظة عليها. وأخيرًا ظهرت ترجمة "المجسطي" باللاتينية في القرن الثاني عشر فقدمت أفكار بطليموس إلى أوروبا".
وواضح أنه لا يوجد فى علم الفلك الإغريقى شىء اسمه "سماوات سبع" تشكل السماء التى نراها فوقنا السماء الأولى فيها طبقا لما جاء فى القرآن، ولا أن المسافات الفلكية تقاس بآلاف السنين كما أومأت إلى ذلك الآية الرابعة من سورة "المعارج". ومن الناحية الأخرى ليس فى القرآن أن الشمس تجرى حول الأرض، التى لا يتحدث الكتاب المجيد عنها أبدا على أنها مركز الكون كما يزعم عِبْس وكاتب مادة " Cosmology" فى "دائرة المعارف الإسلامية". وكذلك ليس فيه أن الأفلاك كائنات عاقلة تدبر الكون طبقا لما كان بعض فلاسفة المسلمين يقولون متأثرين خطا الفلكيين والفلاسفة الإغريق، ففى الإسلام لا يوجد إلا مدبر واحد هو الله سبحانه وتعالى. وبالمناسبة فإن أوائل مفسرى القرآن العصريين المتأثرين بالثقافة الحديثة مثلا كانوا يشرحون "السماوات السبع" على أنها الكواكب السبع ظنا منهم أن عدد الكواكب سبعة، غافلين عن أن السماء ليست هى الكوكب من جهة، وأن الكواكب من الجهة الأخرى تزيد عن سبعة. وهذا خطأ يتحملون هم تبعته لا القرآن!
ثم ينقل عِبْسٌ (ص109) قول الرازى العالم الطبيعى (لا الرازى مفسر القرآن) نقل المحتفى الذى يفكر يديه حبورا وسرورا. وهذا هو كلام العالم الفيلسوف كما نُسِب إليه فى بعض الكتب القديمة لا كما سجله هو بنفسه لأن كتبه التى يقال إنه ألفها فى الكفر بالنبوات وما إلى ذلك لا وجود لها، وربما لم توجد قط: "وايْمِ الله لو وجب أن يكون كتابٌ حجةً لكانت كتب أصول الهندسة و"المجسطى"، الذى يؤدى إلى معرفة حركات الأفلاك والكواكب، ونحو كتب المنطق، وكتب الطب الذى فيه مصلحة للأبدان، أولى بالحجة مما لا يفيد نفعا ولا ضرا". لقد نقل عبس هذا النص قائلا إن الرازى إنما يقصد بكلامه هنا "القرآن وأمثاله". وفات مدلسنا الأكبر أنه قد تكررت، فى كتابه هذا نفسه، زرايته على علم الفلك اليونانى الأسطورى الذى يمجده الرازى فى هذا النص. فما عدا مما بدا؟ هل الهدف عنده هو المكايدة، والسلام، ولا يهم التناقض بعد هذا فى قليل أو كثير؟ ثم كيف تكون نهضة عند العرب أو غير العرب دون أن تتقدمها أولا نهضة روحية تتحرر فيها الهمم والضمائر والعقول من الكُبُول التى تشل حركتها؟ وهل كان الرازى ليظهر فى أمة العرب دون أن يسبقه محمد فيدعو إلى طرح الخرافات والأوهام والإقبال على العلم
(يُتْبَعُ)
(/)
والاجتهاد فيه باعتباره فرضا واجبا يحاسَب الإنسان على إهماله؟ ألا إن الرازى فى كلامه هذا، إذا كان قد قاله فعلا ولم يُحْمَل عليه حملا، لَضَيِّقُ العَطَن إلى مدى بعيد لا يصح من عالم مثله، لكنه التعصب الأعمى للأسف الذى يفعل الأفاعيل!
إن أى تلميذ مفعوص الآن ليعرف من المعلومات العلمية الطبيعية والرياضية ما لم يكن فى جَعْبة الرازى، إلا أن الأمة كلها على بَكْرة أبيها رغم ذلك متخلفة أشد التخلف فى العلم وغير العلم، وكل يوم تزداد تخلفا وتأخرا رغم انتشار المدارس والجامعات وكثرة الكتب والدروس والمحاضرات. وها هى ذى شوارع المحروسة وحاراتها تعج بتلال الزبالة المنتنة والمقذية للعين دون أن ينتفع المصريون، عوامهم ومتعلموهم ومثقفوهم، بما هو متاح لهم من العلم مما لم يكن لدى الرازى عشر معشاره. والسبب هو سقوط الهمة وتسلط البلادة واليأس على النفوس، وكلها أمور لا ينجع فيها إلا استنهاض العزائم واستفزاز الأرواح حتى تهب من رقدة العدم التى استنامت إليها وفرحت بها.
وهنا يأتى دور الإسلام، الإسلام الذى حصرته الحكومات وعلماء السوء فى الحديث عن الحيض والنفاس واللحى والجلابيب والحجاب والنقاب دون الاقتراب من النصوص التى تحض على الوقوف فى وجه الاستبداد والتبعية وسرقة المال العام "عينى عينك" بالملايين بل بالمليارات وتزييف الانتخابات بفجورٍ ما بعده فجورٌ وتحويل البلاد كلها إلى عزبة خاصة للحاكم الجاهل عديم الضمير والعقل والذوق والإحساس، ومعه أولاده وأقاربه الذين يجثمون مثله على صدر الأمة كالجبال لا تتزحزح أبدا، والشعب مطأطئٌ رأسه فى ذلة وانكسار واستسلام، ومنبطحٌ على الأرض تفعل به السلطات الغشوم ما تهوى دون أن يفتح فمه بكلمة. إخص عليك أيها الرازى المرازى إن كنتَ قلتَ ما هو منسوب إليك! لم يكن العَشَم فيك أن يُضِلّك عقلك فلا تنتفع بعلمك، بل تلحد وتكفر بالقرآن وبالنبى الذى نزل عليه القرآن اعتمادا منك على شبهات متهافتة، اللهم إلا إذا كانوا قد حملوا إليك ما لم تقله!
أما بالنسبة إلى قولك، حسبما نسب إليك الناسبون، بأن الأديان كانت سببا فى انشقاق البشر وتحاربهم، وبالتالى رحتَ تنادى بالتحرر منها، فكيف فاتك أن النزعة إلى التخاصم والتحارب لا ترجع إلى الأديان بقدر ما ترجع إلى ما رُكِّب فى غرائز البشر من حب الذات والتطلع إلى السيادة والسيطرة؟ وما رأيك فى أن فلاسفة أوربا ومصلحيها يقولون اليوم فى العلم ما كنت تقوله من قبل فى الأديان؟ فهل نلغى العلم ونقول بخطورته على البشر ونَفُضّها سيرة لأنه يصنع الأسلحة المبيدة المدمرة، ويضع الخطط التى تفكك الدول وتهدمها وتساعد فى الاستيلاء على ثرواتها ومقدّراتها وتغييب عقول شعوبها؟ إذن لن يكون ثمة علم ولا دين، ولا حضارة. وينطبق هذا على كل تصرف من تصرفات البشر، فالحروب تثور بينهم لأى سبب ولكل سبب ولأتفه سبب. وقد قامت حرب طروادة، كما يقولون، من أجل امرأة لا من جراء اختلاف الأديان. وفى عصرنا هذا تُشَنّ الحروب من أجل البترول والمواقع العسكرية والسيطرة الثقافية. والخصومات بين البشر لا تنتهى، بسبب الدين أو غيره. وإذا استعرنا لغة المسرح فإننا نستطيع أن نقول إن ألوان "الصراع" بين الناس لا حصر لها: فمن صراع بين الدول إلى صراع بين المدن إلى صراع بين كل حى وآخر إلى صراع بين الأُسَر إلى صراع بين الرجل وزوجته إلى صراع بين الأب وابنه إلى صراع بين أهل المهنة الواحدة إلى صراع بين الجيران إلى صراع بين الزملاء إلى صراع بين الأصدقاء إلى صراع بين الشخص الواحد ونفسه. ألا تقول العامة إن "المصارين تتخانق بعضها مع بعض"؟ نعم، قد يثور صراع بين عقل الإنسان وعاطفته، أو بين رأى عنده ورأى آخر، أو بين رغبة ورغبة ... إلخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا، ولا نريد أن نكون ضيقى الأفق مثلك، إذا كنتَ قلتَ ذلك فعلا ولم يكن أحدهم قد نسبه إليك على غير الحقيقة، فنقول: أين الكتب التى تباهى بها؟ لقد انتهى أمرها وتجاوزتها مسيرة المعرفة، ولم تعد لها أهمية الآن. لكننا أعقل من أن نحاجّك بأسلوبك المتهافت، فإننا نعرف أن العلم ينبنى بعضه على بعض، وأن علم عصرك موجود فى طبقة مطمورة من طبقات المعرفة لم يضع، ولولا هو ما كانت علومنا اليوم. أما القرآن فإنه فى القمة دائما رغم كل ما يشغب به أعداؤه عليه ويوظفون أمثال عِبْس من المختلين أخلاقيا كى يَخْتِلوا المسلمين عن دينهم ويفقدوهم الثقة فى كتاب ربهم، مما كانت ثمرته "الفرقان الحق" و"القرآن الشعبى" و"القرآن الإصلاحى" و"قرآن رابسو"، والبقية تأتى، والحبل على الجرّار. أرأيت، يا رازى أو يا من تنطق باسم الرازى، كيف أننا أحكم منك؟ ثم أرأيت، أيها القارئ، كيف وظَّف عباسٌ البغل النغل كلام ذلك الرازى المرازى فى محاربة دين الأمة لحساب أمريكا، وهو يزعم أنه يأخذ بيدها إلى مراقى الفَلاَح؟
على أنى لا أريد أن أقع فى خطإ الرازى، بغض النظر عن أن يكون هذا خطأه فعلا أو شيئًا نُحِل له، فأقول إن العلم لا قيمة له، وإلا كنت من الجاهلين المغلقى الذهن، والعياذ بالله، بل أقول إن الإسلام والعلم أخوان شقيقان لا يستغنى أحدهما عن أخيه، وإلا كنت كبعض زملاء الشباب الأول فى القسم العلمى فى الثانوية العامة، الذين كانوا يغايظوننا نحن طلاب القسم الأدبى فيقولون على سبيل المفاخرة إنه لم يعد هناك أى داع للدارسات الأدبية (يقصدون الدراسات الإنسانية)، ومتسائلين على سبيل الرغبة فى الإفحام: هل بإمكانكم اختراع تليفزيون أو صاروخ مثلا؟ وكنت أضحك من هذه السذاجة قائلا: وهل يصلح التليفزيون دون أن يملأه أمثالنا من أهل الأدب والفن بالمسرحيات والتمثيليات والأفلام والأغانى والأحاديث وما إلى ذلك؟ ولم أكن أحب أن أُولِمَهم بلفت نظرهم إلى أنهم هم أنفسهم ضعفاء فى العلم الذى يباهوننا به ضعفا مزريا ويأتون دائما فى ذيل الطلاب فينجحون بـ"الحُرُكْرُك" بخمسين فى المائة أو أزيد قليلا، ودعنا من الحديث عن تخلفنا الشامل نحن المصريين، بل نحن العرب، بل نحن المسلمين أجمعين فلا نصنع تلفازا ولا دياولو.
كذلك لا أريد أن أكون مثل باحث الدراسات العليا الذى كنت أناقشه ذات يوم منذ عدة سنوات، وكان يظن أن "نحو النص" قد ألغى إلى الأبد "نحو الجملة"، فنبهته إلى أن النحوين يتعاونان ولا يتخاصمان، وأن لكل منهما تخصصه الذى يكمل تخصص الآخر. وكم كان مؤلما حين سألت ذلك الباحث وقتها عن إعراب إحدى الواوات فى النص الذى بين أيدينا فاحتار وبار، ولم يفتح الله عليه بكلمة صحيحة، فقلت له: أتراك الآن مصرا لا تزال على إلغاء نحو الجملة؟ إن نحو النص يُعْنَى بما يُكْسِب النص كله خصيصة التماسك والإحكام، أما نحو الجملة فيهتم بأصغر وحدة تركيبية فى النص، وهى الجملة، على حين يتولى علم الصرف أمر اللفظة المفردة. ولا شىء من هذه العلوم الثلاثة يغنى أبدا عن صاحبيه. وإن مَثَلك يا هذا، فى مناداتك بالاستغناء عن نحو الجملة، كَمَثَل شخص يريد هدم جدران الغرف والشقق وأبوابها اكتفاء بجدران البيت الخارجية وبابه الكبير. والواقع أننى لا أفهم لماذا اتخذ الرازى ذلك الاتجاه الضار إن كان فعلا قد اتخذه، وهو العالم الفيلسوف الذى كان ينبغى أن يكون أوسع من ذلك أفقا وأعمق نظرا.
ومن المضحك، وكل ما كتبه العِبْس مضحك، أن يقول فى موضع من كتابه فى هذا السياق إن علم الإعجاز قد بلغ غاية نضجه فى القرن الرابع، ثم يقول أيضا فى ذات الكتاب إن كتب الإعجاز قد ابتدأ ظهورها منذ القرن الرابع؟ (ص85). ترى كيف يجتمع ابتداءٌ ونُضْجٌ فى ذات التاريخ؟ إن الابتداء معناه أننا ما زلنا فى أول الطريق وأن علماء الإعجاز قد فتحوا لتوهم دكانة الدفاع عن القرآن وقد اخذوا يبتهلون وهم يتطلعون إلى السماء قائلين: يا هادى يا كريم! أما النضج فمعناه أننا وصلنا إلى خط النهاية، ولم يعد هناك زيادة لمن يبتغى زَيْدًا. فانظر، أيها القارئ الكريم، إلى هذا التخبط، وقل لى بالله عليك: ماذا يمكن أن نسمى صاحبه؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى نفس الشاكلة تكررت سخرية عبد الديجور من الحديث النبوى المعروف عن العسل، متخذا إياه دليلا على أن العلماء المسلمين، حين يصطدمون بأخطاء القرآن فى حديثه عن الكون، نراهم يلجأون إلى لَىّ الحقائق الكونية كى تتسق وما يقوله القرآن بشأنها رغم خطئه، قاصدا أن يقول إن العلماء، بدلا من تخطئتهم القرآن، يعملون على تخطئة الوقائع الصحيحة الصلبة التى تفقأ العين. ومن ذلك قوله (ص198): "وهذا يذكّرنى بحديث العسل، فقد جاء رجل يشكو إلى النبى مرضا يعانى منه أخوه فى بطنه، فأمره أن يسقى أخاه عسلا، وذلك عقب نزول آية العسل بوقت قصير عندما كانت لا تزال طرية فى الذاكرة: "يَخْرُج من بطونها شرابٌ مختلفٌ ألوانه فيه شفاء للناس" (16/ 69). فذهب الرجل وسقى أخاه عسلا، فاشتد مرضه. فرجع إلى النبى وذكر له ذلك، فقال له للمرة الثانية: اسقه عسلا. فرجع وسقى أخاه عسلا، فتفاقم مرض أخيه. ثم عاد إلى النبى للمرة الثالثة يكرر شكواه. ويبدو أن النبى ضاق به وبأخيه، فقال له للمرة الثالثة والأخيرة: "اسقه عسلا. صدق الله وكذب بطن أخيك". وعلى هذا سار المفسرون: تكذيب الأحداث، وتصديق القرآن. ألا من عَدِم العقل فليقل ما يشاء".
ولأن تلك المسألة تكررت من العِبْس مرات حتى باخت كان لا بد من إيراد حديث العسل كما هو فى كتب السُّنّة لا كما أورده المدلّس العريق فى التدليس والتخبيص، حتى يكون القارئ الكريم على بينة من الألاعيب التى يعتمدها صاحبنا فى مهاجمة النصوص القرآنية. وهذا نص الحديث المذكور كما جاء فى البخارى ومسلم والترمذى: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنُه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقه عسلا"، فسقاه. ثم جاءه فقال: إني سقينه عسلا فلم يزده إلا استطلاقا. فقال له ثلاث مرات. ثم جاء الرابعة فقال: "اسقه عسلا "، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله، وكذب بطن أخيك". فسقاه فبرأ".
ومن الواضح أن الكاتب لم يورد الحديث بتمامه لغرض فى نفسه. ومن الواضح أيضا أن الآيتين اللتين تتحدثان عن هذا الموضوع فى سورة "النحل"، ونصهما: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) "، لم تحددا طبيعة الأمراض التى يشفيها العسل ولا الكيفية التى ينبغى استعماله بها للحصول على الشفاء. وقد اجتهد النبى عليه السلام فى تطبيقهما، ومن البين الجلىّ أن المقدار الذى شربه المريض من العسل فى البداية لم يكن كافيا، فظل يسقيه الرسول إلى أن وصلت مرات السقى إلى أربع لا ثلاث كما زعم المدلس الكذاب، ودون أن يضيق صدره عليه السلام على عكس ما افترى عليه كذابنا المدلس. وحين بلغ العلاج الحد الناجع برأ المريض مما كان يقاسيه. فأين إذن وجه السخرية من الحديث الشريف الذى بتره بترًا أبو العبابيس، أستاذ التدليس والتهليس، حتى يستخدمه فى الغرض الملتوى الذى يروم؟
ومن تسافه عِبْس على القرآن (ص268 - 269) مهاجمته لقوله تعالى: "وسخَّر لكم ما فى السماوات وما فى الأرض جميعا منه" وغيره من الآيات التى تدور فى نفس الفلك، إذ فهم أبو العريف أن معناها هو أن الله قد سخرها لنا نحن البشر وحدنا، وهذا غير صحيح كما يقول لأن هناك مخلوقات أخرى كثيرة تنتفع بما فى السماوات والأرض مثلما ننتفع نحن به. والحق أن أبا العريف الجاهل كعادته السيئة قد دس هنا أنفه المنتن فيما لا يحسن فطيّنها تطيينا. ذلك أنه ليس هناك حصر أو قصر فى الآية يجعل تسخير ما فى السماوات والأرض خاصا بالبشر وحدهم، بل المعنى أنه قد سُخِّر لنا ضمن تسخيره للمخلوقات التى تنتفع جميعا به. هكذا ببساطة يا أبا الجهل والحماقة!
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد، فإن الكاتب، كما رأينا، ينفى أن يكون القرآن معجزا. ورغم ردى بالدليل الحاسم الجازم الساحق الماحق على كل ما سطره من سخف فإنى أود أن أضيف شيئا مهما حاسما فى هذا السبيل. إنه المقارنة الأسلوبية بين القرآن الكريم والحديث الشريف، وهو ما سبق أن اضطلعت به فى كتابين لى ظهرا منذ مدة طويلة، وهما "عشر لآلئ من الحديث النبوى الشريف" و"القرآن والحديث- مقارنة أسلوبية". وقد تبين من الدراستين أن الأسلوبين مختلفان تمام الاختلاف بما يدل على أن محمدا لا يمكن أن يكون هو مؤلف القرآن على عكس ما يرمى إليه عِبْس الأعباس، الماشى من غير لباس، فى كتابه الهزيل الموتور الذى تنصل منه قبل أن يخرج إلى النور تصورا منه أنه سوف يهد الدنيا فزعم أنه مات، فإذا بأحلامه تطيش، وإذا بكذبه وادعائه الموت قد طلع فاشوشا. وإذا كان واحد مثلى قد اهتم بالرد على الكتاب رغم هذا فتلك خطتى: ألا أترك شيئا دون ردٍّ خدمة للأجيال القادمة حتى لا يقال يوما إن المسلمين قد عجزوا عن الرد على كتاب يهاجم القرآن، وذلك بغض النظر عن قيمة الكتاب العلمية. وعلى أية حال فقد عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن أو آية منه. وسواء بعد هذا أكان سبب ذلك هو أن الله صرفهم عن المحاولة كما يقول بعض علماء المسلمين من أهل الاعتزال، وهو ما لا اوافقهم عليه أبدا، أم كان سببه العجز الذاتى لأن مسامتة البشر لربهم أمر مستحيل تمام الاستحالة. أما زعم العبس أن كتابات ابن المقفع والجاحظ والعقاد وطه حسين أفضل من القرآن فليبلَّه وليشرب ماءه عقب الاستيقاظ صباحا حتى تطرد الشربة الديدان التى تعيث فى مخه فسادا، فقد يستطيع أن ينقذ شيئا من مخه المثقَّب المتهرئ من كثرة ما عاث فيه دود البَلَه فسادا، وإن كنت أشك فى ذلك على طول الخط. وعلى كل حال فقد رددنا على هذه الدعوى بما سحقها وذرّاها فى اليمّ.
ومن ناحية المقارنة الأسلوبية بين القرآن والحديث نجد أن هناك ألفاظا تتكرر كثيرا فى الأحاديث النبوية، فإذا ذهبت تبحث عنها فى القرآن لم تجد شيئا، مثل الزبد والجبن والنبيذ والبُسْر والدقيق والسمن والتمر والفَطُور والعَشَاء والسَّحُور والشبع والرِّىّ والرداء والإزار والبُرْد والبرنس والمُشْط والكحل والطيب والخضاب، وكل أيام الأسبوع ما عدا السبت والجمعة، وكل الشهور ما عدا رمضان، وكل فصول السنة، وكذلك المقاييس كالذراع والشبر والباع والفرسخ، والموازين كالأوقية والرطل، والمكاييل كالصاع والمُدّ والقدح، والبادية والفلاة والصحراء والرمال والتلال، والحسب والنسب، والعِرْض والشرف، والجيش والسرية والقوس والسهم والسيف والنبال والنية والتشهد والخطبة والأمير والبأس والتميمة والحُمَّى والخادم والداء والدواء والرُّقْية والعُرْس والشبهة و الحُجّة والمَظْلَمة والعافية والغش ...
وثم ألفاظ وردت فى القرآن مجموعة، وفى الحديث مفردة، والعكس بالعكس، مثل "أرض" التى لم ترد فى القرآن إلا مفردة، بينما وردت فى الحديث مفردة ومجموعة أيضاـ وككلمة "إصبع"، التى لم ترد فى القرآن إلا مجموعة، بينما وردت فى الأحاديث مفردة كذلك، وككلمة "أمين"، التى لم ترد فى القرآن فى الأربع عشرة مرة إلا مفردة، بينما وردت فى الأحاديث مجموعة أيضا ... وهلم جرا. وإلى جانب ذلك هناك ثنائيات حديثية لم تأت فى القرآن، مثل كلمتى "أجر ووزر"، اللتين تكرر ورودهما معا فى الأحاديث، أما فى القرآن فلا. ومثلهما فى ذلك الثنائيات التالية: "بغض وحب، هزل وجد، دينار ودرهم، صَبَر واحتسبَ، وَفَّى ووَعَد ... إلخ". وهناك كذلك تعبيرات وردت فى الأحاديث النبوية ولم ترد فى القرآن، مثل "ليلة البدر، أما بعد، ما بال ... ؟، ذات محرم، حديثُ عهدٍ بـ ... ، كفى بالمرء إثما أن ... "، وعلى العكس من ذلك التعبيرات القرآنية التالية: "إن الله لا يحب الـ ... ، متَّعناهم إلى حين، لا تتَّبِعوا خطوات الشيطان، وما أدراك ما ... ؟ ... ". وفى الأحاديث كذلك تركيبات لا يعرفها أسلوب القرآن مثل "ألاَ و ... ، أمَا الاستفتاحية، إياك أن ... وهلم جرا". وأريد هنا أن أقف عند تركيب ورد فى كل من القرآن والحديث، ولكن بطريقة تختلف فى كل منهما عن الآخر: ففى الحديث مثلا: "تصدقوا ولو بشق تمرة، بَلِّغوا عنى ولو آية، انظر ولو خاتما من حديد"، وفى القرآن: "كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على
(يُتْبَعُ)
(/)
أنفسكم، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى". ولكن عند التدقيق نجد أن ما بعد "ولو" فى الحديث هو أهون شىء، بينما فى القرآن هو أهم شىء ... وهذه مجرد نظرة سريعة من كتابى: "القرآن والحديث"، الذى تبلغ صفحاته ستمائة صفحة.
ثم إنك تذهب فتفتش القرآن كله من أوله إلى آخره فلا تجد أى شىء عن أفراح الرسول ولا عن أحزانه وهمومه على كثرة هذه وتلك فى حياته كأى إنسان. فمثلا لا ذكر فى القرآن لأى عرس من أعراسه صلى الله عليه وسلم ولا لموت خديجة أو أبى طالب أو إبراهيم ابنه الصغير، الذى رُزِقه على كبر وبعد معايرة قومه له فى مكة بـ"الأبتر"، ولا حتى عمه حمزة، الذى مات ميتة شنيعة فى غزوة أحد. وكذلك ليس فى القرآن أى تألم لهزيمة أحد ولا أية طنطنة أو قعقعة بانتصار بدرٍ المدوى أو فتح مكة الذى وضع حدا للوثنية فى مكة ثم فى بلاد العرب عقب ذلك. ليس ذلك فحسب، بل ما من موضوع يتناوله القرآن إلا وتجد الروح الإلهى من ورائه بجلالها وعظمتها. كما أن القرآن منذ البداية قد تحدى الكفار بأن الإسلام منتصر لا محالة ومنتشر فى الدنيا كلها، وقد كان. وبالمثل تنبأ بأن فارس، التى كانت حديثة عهد بالانتصار على الروم، سوف تنهزم على يد الروم فى غضون بضع سنين، وقد كان. وتنبأ بأن أبا لهب سيموت كافرا وسيدخل النار، وقد كان. وتنبأ عشية الحديبية بأن المسلمين سوف يدخلون المسجد الحرام آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين، وقد كان. كذلك تنبأ النبى نبوءات كثيرة، إلا أننى أتريث فقط عند نبوءته بفتح القسطنطينية، إذ لا يمكن التشكيك فيها، فقد فُتِحت القسطنطينية بعد تدوين الأحاديث بزمن طويل بحيث لا يستطيع أى مداور سخيف أن يزعم أن رواة الحديث قد اخترعوا النبوءة بعد فتح المدينة كى يسجلوا للنبى فخارا لا يستحقه ...
ودعنا من هذا كله إذا شئت يا أبا العبابيس وقل لى: ما الذى كان يضطر محمدا إلى اختراع القرآن وادعاء نزول الوحى عليه من السماء، وكان قومه يقفون ضده ويسخرون منه ويهزؤون به ويتآمرون عليه ويؤذونه أشد الأذى، وهو الذى عاش ما عاش متواضعا زاهدا راضيا بالقليل، لم يمارس استبدادا ولا أساء استعمال السلطة فى يوم من الأيام رغم استعداد الصحابة للموافقة المطلقة على كل ما يقوله ويفعله صلى الله عليه وسلم، ولا كان يريد لأهله أن يحكموا من بعده ولا كان يدعو إلى قومية عربية، بل أكد أنه لا فضل للعرب على غير العرب ولا لغير العرب على العرب إلا بالتقوى والعمل الصالح؟ وفى هذا السياق يرى ألفرد جيوم أن حرارة الأقوال التى كان يتفوه بها النبى وانشغاله التام بالله وبالقضايا الأخلاقية وشعوره بأن ثمة ضغطا يسوقه سوقا لإعلان كلمة الله هو دليل على صدقه عليه الصلاة والسلام (انظر Alfred Guillaume, Islam, Pelicn Books, 1964, PP. 28- 30)، إذ لا مصلحة له صلى الله عليه وسلم فى شىء من هذا، ودَعْكَ من تحمله لكثير من الأذى والإهانة والألم وتعرضه للتآمر على حياته.
ثم ماذا يمكن أن نسمى الكائن الذى يتصدى لمهاجمة القرآن وهو لا يحسن التفرقة بين همزة الوصل وهمزة القطع إلى مدى غير مسبوق، إذ يضع دائما وباستمرار همزة على ألف التعريف بحيث ما من كلمة فى الكتاب بدأت بألف ولام إلا وجدت على رأس الألف همزة؟ اسم النبى حارسك وصائنك يا عِبْس! كذلك ما من مرة استخدم مصدرا خماسيا أوسداسيا إلا وضع تحت ألفه همزة أيضا. ألا خيبة الله على التافهين! ثم هو أيضا لا يفرق بين ضمير جماعة الإناث وضمير جماعة الذكور، فكله عنده صابون، إذ يقول عن الأمهات: "هم" بدلا من "هُنّ" (ص280). ومثل ذلك صَوْغه الفعل: "يشكو" المسند إلى نون النسوة هكذا: "يَشْكِين" (ص274) بدلا من "يَشْكُون" كما ينبغى أن تكون.
وقد رأيناه قبلا يقول: "سُدْرة المنتهى" (بضم السين بدلا من الكسر)، كما كتب أيضا (ص192) الآية رقم 97 من سورة "الكهف" هكذا: "فما استطاعوا أن يُظْهِروه" (بدلا من "يَظْهَروه"، أى يظهروا السَّدّ أو الرَّدْم الذى بناه الإسكندر)، بما يقلب اللفظة تماما بعيدا عن معناها: ذلك أن معنى "يَظْهَر فلان السُّور": يتسلقه، أما "يُظْهِره" (بضم الياء وكسر الهاء) فمعناه: "يخرجه من الخفاء إلى العلن". ويجد القارئ خطأ آخر من هذا النوع فى ص195 حينما كتب قوله تعالى: "هو اجتباكم فما جعل عليكم فى الدين من حرج" بالفاء بدلا من الواو. ومثل
(يُتْبَعُ)
(/)
ذلك ضبطه بالضم قاف "قرِّى" فى قوله تعالى مخاطبا مريم عليها السلام: "قَرِّى عينا" (ص274). والحق أنى لا أدرى كيف يقع ذلك المعتوه فى مثل تلك الأخطاء، وهو إنما ينقل الآيات من المصحف الضوئى نسخا فلا مجال فيه لمثل ذلك الخطإ. وثم أخطاء أخرى أشرت إلى بعضها فيما سبق، وأخطاء وقعت بعد ذلك ضربتُ عنها صَفْحًا. فكيف يتصدى متخلف مثل هذا لتخطئة القرآن؟ لقد هُزِلَتْ حتى سامها كل مفلس من العقل والعلم والذوق والحياء كعبس الأعباس، الهجّاص الهلاّس!
وهذا الهجاص الهلاس يحمل أيضا على الطريقة التى يتحدث بها القرآن عن القوانين الكونية، قائلا فى غضب لا مبرر له إن القوانين فى القرآن هى قوانين الله لا قوانين الكون (ص199)، بما يعنى أنه لا يوافق على هذا الوضع باعتبار أن القوانين هى فى الحقيقة قوانين الكون لا قوانين الله. لكن أليس الله هو خالق الكون وخالق القوانين جميعا، ومن ثم فهى قوانينه قبل أن تكون قوانين الكون؟ وهل هناك تضاد بين هذا وذاك؟ وهل يمكن أن يكون هناك كون أصلا، فضلا عن أن تكون هناك قوانين لهذا الكون، لو لم يخلق الله ذلك الكون؟ إن نيافته يزعم أن إسناد القوانين لله معناه أن الله لا يجرى على قاعدة ولا يتقيد بقانون فى تسيير أمور الحياة، بل كل شىء متروك للمصادفة والقرارات اللحظية.
الله أكبر على المفترى الكذاب! لكأننا جالسون على مصطبة فى الريف أمام دوار العمدة حيث يتخذ قراراته العشوائية تبعا للظروف! ترى أين نجد هذا فى كتاب الله؟ وهل كان الكون ليستمر حتى الآن عبر ملايين السنين لو كان الأمر يجرى سبهللا على النحو الذى يصوره ذلك المضروب فى مخه؟ ألم يقرأ قوله سبحانه مثلا: "فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا"؟ ألم يقرأ أن الله قد خلق كل شىء بمقدار وبميزان، فهو لا يميل يمنة ولا يسرة؟ ودعنا مما فى كتاب الله، وخَلِّنا فى الكون الذى خلقه الله، فأين فى هذا الكون ما يدل أو حتى ما يوحى بأن أموره تسير على العشوائية والمصادفة والقرارات اللحظيّة النَّزْوِيّة؟ فماذا نصنع بقوانين الطبيعة إذن التى تخر لها أنوف الجبابرة والحقيرين أجمعين دون أن يستطيع أحد من هؤلا أو أولئك الخروج عليها بغير أن تندق عنقه ويضيع فيها ويلحق غير مأسوف عليه بالهالكين؟ إن هذه القوانين الطبيعية أو السنن الكونية هى التى خلقها الله ورتب كونه على أساس منها، فهى إذن مجلًى لمشيئة الواحد الأحد.
وفى ص200 نراه ينكر أن يكون سبب هلاك الأمم هو الإفساد فى الأرض. أليس الكسل والتنبلة والرشوة وكراهية العلم وعدم الاستعداد لمكافحة العدو وإلقاء اليد إلى التهلكة وما إلى ذلك هى أسباب هلاك المجتمعات، إذ تؤدى إلى تخلفها وفقرها وتعرّضها من ثم لاجتياح الاستعمار أراضيها عاجلا أو آجلا واستيلائه على ثرواتها ومقدّراتها وتصريفه لسياستها على النحو الذى يحب، ومحاربته لدينها وتراثها وثقافتها وتقاليدها، وتقسيمه لها إلى دويلات متناحرة؟ إن الهلاك عنده، فيما يبدو، لا يمكن أن يكون إلا الهلاك بجائحة طبيعية لا الهلاك الحضارى. وبالنسبة إلى الجائحة الطبيعية فإن التحذير بها، حسبما نقرأ عنها فى القرآن، كان يسبق دائما وقوعها، فإن تاب القوم نَجَوْا، وإلا أُهْلِكوا بها.
ومن تقاليعه فى الكتاب الذى بين أيدينا حملته الحمقاء على الإيمان بالغيب (ص228). فكيف بالله يكون إيمان إذن إذا اشترط المؤمن أن يرى كل شىء ويسمع كل شىء ويلمس كل شىء ويذوق كل شىء ويصير المستقبل والماضى حاضرا أمامه وتضطرب نواميس الكون؟ إن هذا ليس إيمانا بل مشاهدة وسماعا وشما وذوقا وحدسا. وشتان هذا والإيمان! ومع هذا فهل يظن القارئ أن فى ذلك حلا للمشكلة؟ إن من الناس ناسا ينكرون الشمس فى رائعة النهار دون حياء أو خجل، وإلا فمن الذى يكذب فيشهد بغير الحق فى واقعة شاهدها وسمعها وتيقن من كل شىء فيها أحداثا وأشخاصا؟ أليس أمثال هذا الشخص يملأون الدنيا من حولنا؟ ثم كيف يريد الكاتب منا أن نتجاهل الغيب، رغم أن عالم الغيب فى هذا الكون المتراحب الأبعاد أوسع مدى من عالم الشهادة بما لا يقاس؟ على أن القرآن لا يتطلب الإيمان بالغيب إيمانا أعمى، بل إيمانا مؤسسا على التفكير وإعمال العقل الذى يوجبه على المسلم فى كثير من الآيات كما هو معروف. فكيف يهاجم عبس إذن الغيب والإيمان بالغيب؟ وما المغزى من
(يُتْبَعُ)
(/)
وراء هذا الهجوم؟ وما الذى يبقى من الإسلام إذا حذفنا منه الإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر مثلا؟
والعجيب أنه يأخذ على المسلم انشغاله بالماضى بسبب الإيمان بالغيب (ص229)، مع أن الغيب فى القرآن بهذا المعنى لا علاقة له بالماضى بل بعالم الخفاء الحاضر دوما كالله والملائكة، أو بعالم المستقبل كالجنة والنار وما إلى ذلك. أما الغيب بمعنى تاريخ الأمم الماضية الذى يخبر القرآن به فليس هو المقصود فى القرآن عند الحديث عن وجوب الإيمان بالغيب والثناء على من يؤمنون به. وأعجب من ذلك أن العِبْس يكرر مؤكدا أن الإنسان ذو وجود ميتافيزيقى وحاجات ميتافيزيقية (ص237 وما بعدها، 244). أليس هذا هو الغيب الذى ينكره؟ أليس هذا هو التناقض بعينه؟ أومثل هذا يصح أن يهاجم القرآن والإسلام، وهو الذى يفتقر إلى المنطق تماما فى كل ما يقول؟
وبالمثل يهاجم العِبْس أبو عقل جِبْس عقيدةَ القضاء والقدر باعتبارها عقيدة التواكل والكسل وسقوط الهمة (ص231). لكن ألم يقرأ قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، "قاتلوهم يعذبْهم الله بأيديكم ويُخْزِهم وينصرْكم عليهم ويَشْفِ صدور قوم مؤمنين* ويذهبْ غيظ قلوبهم"، "إن تنصروا الله ينصرْكم ويثبّتْ أقدامكم"، "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، "إن تُقْرِضوا لله قرضا حسنا يضاعفْه لكم ويغفرْ لكم"؟ ألم يسمع بالحديث القدسى الذى يقول المولى فيه مخاطبًا ابن آدم: "كنتُ جائعا فلم تطعمنى، وعطشان فلم تسقنى، ومريضا فلم تَعُدْنى"؟ أليس عنده علم بقول الرسول: "اعملوا، فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِق له"، "اعقلها وتوكل"؟ ألم يصله نبأ قول عمر إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، أو قوله تبريرا لتركه دخول الشام عندما انتشر فيه الطاعون واستغراب بعض الناس لتصرفه متصورين أنه يفر من قضاء الله: إننى أفر من قضائه إلى قضائه؟ ثم إن الإيمان بالغيب فى القرآن قرين العمل الصالح دائما: العمل الصالح لا العمل فقط. فكيف بعد هذا كله يزعم عِبْس الأعباس مناقضة عقيدة الإيمان بالغيب للعمل والإنتاج؟ كذلك نراه يزعم أن الاعتقاد بالقضاء والقدر لا يقيم دولا بل دويلات ولا ينشئ علوما ولا تقدما. لكن إذا كان الأمر كذلك فكيف أنشأ المسلمون ما أنشأوا من إمبراطوريات؟ وكيف أنشأوا العلوم والتقدم والتحضر الذى كانوا يرفلون فيه؟
وبالنسبة إلى وجود الله فإنه كعادته يبدى تذبذبا وتناقضا ولا يستقر على موقف واحد، فهو مثلا فى ص 237 وما بعدها يقول إن وجود الله ليس عليه دليل، ومن ثم فلا معنى للألوهية، مع أن هذه المقدمة لا تؤدى إلى هذه النتيجة. ذلك أن المقدمة المذكورة تعنى أن هناك احتمالا أن يكون هناك إله، ومن ثم لا يصح نبذ هذا الاحتمال والتصرف على أساس أنه ليس هناك إله بالمرة. ثم إنه يقول مع هذا إن الإنسان محتاج إلى الله حاجة الطفل إلى الأبوين. أفليس هذا دليلا آخر على وجود الله؟ وإلا فمن الذى غرس هذه الحاجة فى نفوسنا؟ كذلك ففى ص 244 يسوق مبررات إنكاره لوجود الله، ليعود بعد قليل (ص247) فينفى أن يكون قد أنكر وجود الله أو أنه يريد إنكاره. وهكذا يتناقض ولا يستقر على حال، وفكره مضطرب أشد الاضطراب.
وطبعا هذا كله شىء، وقبولنا منه بعدم وجود إلهٍ شىء آخر. إننى لا أستطيع أبدا أن أفهم أنه ليس هناك إله لهذا الكون، وإلا فمن خلق ذلك الكون بجماداته وبشره وحيواناته ونباتاته وهوائه ومائه وناره وسماواته وأرضه وقوانينه التى تنظم أوضاعه؟ أمر من اثنين: إما أن نقول بالإله الذى نعرفه، ذلك الإله القوى القدير المريد العالم دون حدودٍ يقف عندها علمه أو مشيئته أو قدرته أو قوته أو وجوده، وإما أن نقول إن هذا الكون الجامد الأصم الأعمى البليد الذى لا يدرى من أمر نفسه، فضلا عن أن يدرى من أمرنا شيئا هو ذاته ذلك الإله. وليس هناك احتمال ثالث. فليختر عبس لنفسه أحد الإلهين، وهو حر فى اختياره، لكنه لا بد له من اختيار، وإلا لم يكن ذا عقل.
(يُتْبَعُ)
(/)
على أن إيماننا بالإله المطق القدرة والإرادة والقوة والعلم لايعنى أبدا أن الإنسان ليس سوى ريشة فى مهب الرياح كما يزعم نيافة العبس أن القرآن يطلب منا أن نؤمن، إذ يدعى نيافته أن من يؤمن بالقرآن وإله القرآن لا بد أن يفقد الثقة بنفسه وبالإنسان (ص232). ذلك أن القرآن يكرر كثيرا أن للإنسان إرادة ومشيئة. ولقد تتبعت ذات يوم منذ ما يقرب من عشرين سنة ما يقوله القرآن عن المشيئة الإنسانية فوجدت شيئا عجبا: وجدت أن القرآن يسند المشيئة إلى البشر منذ كانوا فى الجنة الأولى التى أُهْبِطوا منها إلى الأرض إلى أن يدخل الداخلون منهم الجنة، ثم لا تفارقهم تلك المشيئة داخل الجنة مع ذلك. وهذا موجود بتفاصيله فى كتابى عن سورة "الرعد"، التى درستها مع طلابى بكلية التربية بالطائف أيام كانت تابعة لجامعة أم القرى بمكة المكرمة. ومن تلك النصوص: "قلنا: يا آدم، اسكن أنت وزوجك الجنة (الجنة الأولى)، وكلا منها رغدا حيث شئتما"، "وقل: الحق من ربكم. فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر"، "وكذلك مَكَّنّا ليوسف فى الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء"، "نساؤكم حَرْثٌ لكم، فأْتُوا حرثكم أنَّى شئتم"، "وإذ قيل لهم (أى لبنى إسرائيل): اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم"، "تجرى من تحتها (أى من تحت جنة الآخرة) الأنهار، لهم فيها ما يشاؤون".
إلا أن المشيئة الإنسانية ليست مطلقة، بل محدودة ككل شىء بشرى. كما أنها موهوبة وخاضعة للمشيئة الإلهية. وليس فى هذا أدنى تناقض، فمشيئة الله تسيطر على كل شىء، وقد اقتضت هذه المشيئة المطلقة المسيطرة أن يتمتع الإنسان بمشيئة جزئية محدودة داخل تلك المشيئة اللانهائية. ونرى الآيات القرآنية فى بعض الأحيان تركز على المشيئة الإلهية بوصفها كل شىء، وأحيانا أخرى نراها تبرز المشيئة البشرية. وكلا الأمرين صحيح. كل ما هنالك أن طريقة التعبير تختلف تبعا لاختلاف الزاوية التى يتم رصد الأمر منها: فإن نظرنا إليه من الأفق العلوى بدا لنا كل شىء منطويا فى غمار المشيئة الإلهية، على حين لو نظرنا إليها من الأفق السفلى اتضح لنا أن هناك أيضا إرادة إنسانية، وأن هذه الإرادة قادرة على تحقيق العجائب، إذ بهذه المشيئة الصغيرة استطاعت البشرية أن تحقق ما يبدو وكأنه معجزات خارقة، فبنت الحضارات وأبدعت الآداب والفنون والنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفلسفات والعلوم، وصنعت الكتب والأقلام والورق واللُّعَب والسيارات والقطارات والطيارات والصواريخ وسفن الفضاء والمذياع والتلفاز والبواخر والغواصات وأجهزة الكاتوب، وأنشأت البيوت والمعابد والملاعب واكتشفت علاج آلاف الأمراض، واستنبطت ملايين الأساليب للتسلية وتمضية الوقت فى سعادة ورضا ... إلى آخر القائمة التى لا نكاد نعرف لها آخرا.
وبناء على هذه المشيئة الضئيلة التى تنجز العجائب سوف يحاسب الإنسان يوم القيامة، ولسوف يكون الحساب نسبيا، أى حسب السياق الذى يكون فيه صاحب العمل بمشجعاته ومثبطاته. ومن هنا نفهم لماذا تتحدث الآيات القرآنية عن العفو والغفران الذى قد يصل إلى مسح كل ذنب لصاحبه وكأنه لم يكن. أما قول عِبْس إنه قرر أن يلقى بالله خلف ظهره وينساه ويعتمد على نفسه فى اجتلاب النفع والخير لنفسه، واجتناب الأذى والشر فهو كلام الحمقى الذين عدموا العقل والذوق. وإلا فمن خلق عِبْس؟ ومن وهبه تلك الحرية التى يتيه فرحا بها ويهدد بأنه لن يعتمد إلا عليها، وكأنه طفل قرر أن يخاصم واحدا من لِدَاته تعارك معه على لعبة من اللعب؟ بل من وهبه العقل والحواس واليد والرجل والفم واللسان والأسنان والبطن والعظم والأعصاب؟ فكيف يتصور أنه يمكن أن يستغنى عن الله ويمضى فى الحياة دون إله؟ على رأى المثل: الناس حين تكبر تعقل، وعِبْس حين يكبر يفقد عقله وذوقه! وكلما اكتشف الإنسان المزيد من القوانين الكونية وأبدع من الآلات والأدوات ما لم يكن معروفا من قبل اتسع نصيبه من الحرية وانداح مداها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفى ص278 نرى عِبْس يسخر من الدعاء مؤكدا أنه أمر لا جدوى من ورائه ولا طائل لأن الله لا يجيب الدعاء أبدا، غافلا عن أن تحقيق الدعاء (بالمعنى الذى وضحناه آنفا طبقا لما جاء فى الحديث النبوى) مرهون بجملة شروطٍ مؤداها أن يبذل الإنسان كل ما لديه من جهد وعلم وإبداع للخروج من المأزق الذى هو فيه والحصول على المطلوب الذى يرنو إليه. لكن عِبْس يظن أن الكون تكية للعاطلين والكسالى والمتبلدين كالتكية التى يزعمون أنه كان "مديرا" لها. ويبدو أنه مَرَدَ على التنبلة والبلادة والجلوس دون شغلة ولا مشغلة، فاهما أن الحياة "أكل ومرعى وقلة صنعة"، فهو يريد أن ينام فاتحا فمه فتنزل فيه العصافير مشوية جاهزة منزوعة العظم ليأكلها دون أن يحرك ساكنا. ولهذا نرى الله لا يستجيب لنا دعاءنا ضد إسرائيل، والكاتب من جهته يتهكم على عدم استجابته سبحانه هذا الدعاء بالذات. فهل ترانا صنعنا شيئا فى سبيل تحقيق هذا الدعاء سوى الأغانى والرقص والتهديدات الجوفاء التى انعكست ضدنا كعكوسات السحر عند العوام المتخلفين من أمثال عباس بن نسناس؟
وهذا يجرنا إلى الكلام عن مشكلة وجود الألم والمعاناة فى العالم. ولم يقل القرآن قَطُّ إن كل شىء فى الدنيا تمام التمام، بل وضّح بمنتهى الصراحة أن الإنسان مخلوق فى كَبَد: "لقد خلقنا الإنسان فى كبد" (القيامة/ 4)، وأن الحياة فى جانب منها ابتلاء: "ولنبلُوَنّكم بشىءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأَنْفُس والثمرات" (البقرة/ 155)، "ولَنَبْلُوَنّكم حتى نَعْلَم المجاهدين منكم والصابرين ونَبْلُوَ أخباركم" (محمد/ 31)، "لَتُبْلَوُنّ فى أموالكم وأنفسكم ولَتَسْمَعُُنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذًى كثيرا" (آل عمران/ 136). كما بين لنا فى قصة الخلق أننا إذا خرجنا من الجنة بسبب مطاوعتنا لإبليس وتصديقنا لوعوده شَقِينا: "فلا يُخْرِجَنَّكما (يا آدم أنت وحواء) من الجنَّة فتَشْقَى" (طه/ 117). وحين وقعت الواقعة قيل لهما: "اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" (البقرة/ 36). كذلك أوضح القرآن أن من الفتن ما لا يقتصر أثره وأذاه على مرتكبيه فقط، بل يتعداهم إلى غيرهم. ومن ذلك إلقاء القمامة فى الشارع وتلويث مياه الأنهار وعدم إتقان ما ُيْعَهد إلينا من أعمال والغش والرشوة والخيانة الوطنية والتدخين فى حضور الآخرين ... وهذه مجرد أمثلة كيفما اتفق. يقول سبحانه: "واتقوا فتنةً لاتُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُوا منكم خاصَّةً". وفوق هذا فمن أسماء الله فى القرآن: الجبار والمنتقم. ومن مظاهر جبروته الزلازل والبراكين والأوبئة والسيول والفيضانات، وإن لم يمنع هذا أن يكون لهذه الكوارث أسبابها البشرية أحيانا.
لكن هذا كله شىء، والقول بأن الحياة جميعها شرور وآلام شىء آخر، مهما تصورنا فى غمرة ضيقنا أو بسبب تشاؤم مزاجنا أنها فعلا كذلك، إذ ما أكثر ألوان السعادة والرضا فى الحياة، لكن البشر يَعْمَوْن عادة عن الموجود فى أيديهم ولا يعتبرون إلا ما ينقصهم فهم يتطلعون إليه وينسَوْن ما يرفلون فيه من نعمة. والعجيب أنهم ما إن يحرزون هذا الذى كان ينقصهم حتى يعدموا الشعور به بعد قليل وكأنه لم يكن مطمح آمالهم من قبل. قد يقال: أوليس هذا ذاته مظهرا من مظاهر النقص فى الدنيا؟ لكنى أتصور أن الإنسان، بشىء من التدريب والتركيز، يمكنه أن يكتسب فضيلة الشكر على ما يملكه فى يده فلا يكون دائما فى حالة تطلع وسخط وانعدام شعور بما فى يديه وكأنه غير موجود. على كل حال ففى الحياة آلام وأوجاع ومشاكل كثيرة، ومهما حَلَلْنا شيئا من تلك المشاكل جَدَّتْ مشاكل أخرى ... وهكذا دواليك. ولست أدرى أهذا جزء من طبيعة وجودنا بوصفنا كائنات محدودة نسبية أم ماذا؟ إلا أن هذا هو الواقع، وهذا هو أيضا ما قاله القرآن الكريم، الذى لم يزوق الأوضاع فى أعيننا على حساب الحقيقة، بل أخبرنا بكل شىء كما هو فى الواقع.
(يُتْبَعُ)
(/)
وينكر عبس أن يكون الله رازقا، بَلْهَ رزّاقا (ص282). ولكن من يا ترى الذى يُفِيض ألوان الرزق اللانهائية على العباد والمخلوقات؟ أليس هو الله سبحانه؟ إن الكاتب يأتى إلى بضعة أمثلة على ضيق الرزق ويجعلها حالة عامة، وهذا تضليل، ففى الحياة التوسعة والتضييق، وربما كانت التوسعة هى الأصل. ومهما يكن من أمر فكما أن التوسعة لون من ألوان الرزق، فكذلك التضييق لون آخر من تلك الألوان. ذلك أنه ما من مخلوق إلا والله رازقه، وإن كان هناك اختلاف فى مقدار الرزق ونوعه بطبيعة الحال، وهو ما لا يعارض شيئا فى القرآن إلا على سبيل التعسف من الكاتب وتقويل النص ما لم يقل. وقد سبق أن ناقشنا هذه المسألة بشىء من الاستفاضة لدن حديثنا عن عم عثمان زمّار القرية عندنا.
ومن سخفه كذلك قوله إن الله لا يملك طعاما ولا شرابا يقدمه لنا، وإنه أفلس منى ومنك (ص282). فمن خلق كل ما فى الكون إذن؟ هذا رجل أحمق بامتياز. وهذا الأحمق يعود فيقول إن الله لا يرزق إلا من هم فى غنى عنه وعن رزقه، وهم الأغنياء (ص284). فمن يا ترى رزقهم وجعلهم أغنياء يظنون أو يظن الحمقى من أمثال الكاتب أنهم غنيّون عن رزق الله؟ اليس هو الله؟ أم تراه يظن أن الكون وما فيه من رزق عميم لا يُحْصَى ولا يُعَدّ هو نبت شيطانى؟
وفى ص294 يعود فيزعم أن الله لا علاقة له بالكون خلقا أو تغييرا، قائلا إن الله لا ينصر إلا المنتصر فقط، بمعنى أنه لا دور له فى الأمر، بل الدور كل الدور للإنسان وحده. وهذا عمًى عقلى، إذ الله هو خالق الإنسان والنصر والهزيمة، والنواميس التى تحكم كلا منهما، والسبيل التى تقود إلى كل منهما، فضلا عن التوجيهات التى تضمن النصر لمن يريد حقيقةً أن ينتصر. وهل هناك بعد هذا كله من شىء لم يخلقه الله ويوفره لعباده؟ أما القول بأنه لا فرق بين الله والأصنام، إذ كل منهما لا يستجيب لدعاء ولا يخلق شيئا فغباء وعناد سخيف، إذ الأصنام مخلوقة، أما الله فخالق. كما أنه عز وعلا قد بين للمؤمنين طريق النصر والهزيمة وتركهم على المحجة البيضاء. أما تساخف العباس المحتاس فى فهم قوله تعالى عن المسلمين وما حدث لهم فى غزوة حُنَيْن من هزيمة فى بداية اليوم قبل أن يعودوا فيتمالكوا أنفسهم ويقبلوا على المعركة بجأشٍ رابطٍ إلى أن انتصروا من بعد هزيمة: "ويوم حُنَيْنٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تُغْنِ عنكم شيئا" على اعتبار أنهم ما داموا أكثر عددا لقد كان ينبغى، فى رأيه، أن ينتصروا لأنهم كانوا مؤمنين بالله، فهو تساخف ثقيل الظل، لأن المقصود فى الآية أن المسلمين، بسبب من غرورهم، لم يهتموا بأخذ الحذر ظانين أنهم منصورون لا محالة لكثرة عددهم. وفاتهم أن للنصر عوامل أخرى إلى جانب الكثرة، التى قد تكون عائقا كما حدث فى تلك الغزوة وفى أُحُدٍ من قبل. أما الاعتقاد وحده دون عمل، بل دون عمل صالح، فلا يقدم ولا يؤخر كما يوضح القرآن والحديث.
ثم يمضى الجاهل فيزعم أن للنصر أسبابه التى متى تحققت تحقق النصر شاء الله أو أبى (ص298)، وكأن تلك الأسباب ليست من خلق الله وتهيئته، وكأنه سبحانه لم يحضّ على إحرازها كى يتحقق النصر. نعم إن تساخفه فى مهاجمة القول بأن النصر من عند الله هو تساخف رخيص، فكل شىء فى الحقيقة هو من الله. أليس الله هو خالق الإنسان وخالق عوامل النصر ومبين طريقه والحاضّ على التزام هذه الطريق؟ ومع هذا فكثيرا ما أشاد القرآن والحديث بفضل البشر وأثنى عليهم على عكس ما يقول ويزعم عِبْس. وإلى القارئ بعض الآيات والأحايث التى تقرر ذلك: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة- إن تنصروا الله ينصركم- قاتلوهم يعذبْهم الله بأيديكم- إن تُقْرِضوا الله قرضا حسنا يضاعفْه لكم ويغفرْ لكم- لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزِّروه وتوقِّروه وتسبِّحوه بكرة وأصيلا- إلا تنصروه فقد نصره الله- يا ابن آدم، مرضتُ فلم تَعُدْنى (المتكلم هنا هو الله) - لعل الله اطَّلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم ... إلخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك نجده يأخذ على القرآن تقريره أن الله خالق كل شىء وسبب كل شىء (ص300). والواقع أن هذا دليل على خُرْقه وحُمْقه، إذ لو لم يكن الله كذلك ما كان إلها، بل مخلوقا مثلنا. فمن الواضح أن عِبْس لا يفهم طبيعة الألوهية. ومثل ذلك انتقاده القرآن لأن الله فيه هو المحيى المميت لا الأوبئة والجراثيم (ص302). فمن ذا الذى خلق الأوبئة والجراثيم وبث فيها خَصِيصةَ الإمراض والإماتة؟ أليس هو الله؟ أما هى فلا تعقل ولا تقصد شيئا مما يصيبنا من مرض وموت، بل تمارس حياتها غافلة عن كل ما حولها. فالله هو السبب الأول، هو سبب كل الأسباب، وإن كان هذا لا يعنى أن البشر ليس لهم دور ولا فاعلية. وفى القرآن والأحاديث نصوص تسند الضرر والنفع إلى المخلوقات أيضا: فإذا كان يقول مثلا إن القرآن يقرر أن الله هو الذى يحملنا لا السفن ولا الدواب، فإن الله سبحانه ذاته يقول عن الدواب وغيرها من وسائل الحمل والنقل وعن البشر ونفعهم وضرهم: "وتَحْمِل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشِقّ الأنفس"، "والجاريات يُسْرًا* فالحاملات وِقْرًا"، "آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا"، "لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا"، "واللهُ الذى يرسل الرياح فتثير سحابا"، و"أرسلنا الرياح لواقح"، "يُبْرِئ (أى عيسى) الأكمهَ والأبرصَ ويُحْيِى الموتى بإذن الله"، "تقتلون أنبياء الله من قبل"، "مَنْ قَتَل نَفْسًا بغير نَفْسٍ أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناسَ جميعا، ومَنْ أحياها فكأنما أحيا الناسَ جميعا" ...
وعند قوله سبحانه: "وهو الذى جعل لكم النجوم لتهتدوا بها فى ظلمات البر والبحر" نرى عباس الهجاص يسأل: هل يُعْقَل أن الله خلق لنا النجوم، ونحن إنما خُلِقْنا فى الخمس الدقائق الأخيرة من عمر الكون؟ (ص309). والجواب هو أن النجوم، أيا كان الزمن الذى خُلِقَتْ فيه، قد جُعِلَتْ، ضمن ما جُعِلَتْ، لهداية البشر فى ظلمات البر والبحر، وإلا فمن الذين يهتدون بها فى ظلمات البر والبحر إن لم يكن البشر؟ وهذا لا ينفى أن تكون هنا علل أخرى لخلق النجوم، فهو سبحانه لم يقصر خلقها على هداية البشر وحدهم. والمضحك أنه يعود فيَسْخُف سخفا رقيعا حين يسخر من خلق النجوم لأنها لا تطعمنا ولا تسقينا، وكأنه سبحانه قال إنه خلقها لتطعمنا وتسقينا، أو كأنه سبحانه لم يخلق لنا الطعام والشراب. ويزيد سخفا ورقاعة حين يقول إن جميع الكواكب والنجوم يضىء بعضها لبعض شاء الله أم أبى. وهو كاذب وقليل العقل والأدب فى هذا لأنه لو شاء الله ما أضاءت النجوم رغم وجود النار فيها لأنها ليست هى التى خلقت فى نفسها خاصّة الإضاءة بل الله، الذى لو شاء أن يسلبها تلك الخاصة لسلبها إياها ولما استطاعت أن تخالف هى أو غيرها عن أمره سبحانه.
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[30 Sep 2009, 07:46 م]ـ
أستاذنا الحبيب،
الغريب أنني وجدت من ينسب هذا الكتاب المزعوم إلى اسم جديد هو "الإمام عبد الرحمن مرحبا"، ولا أدري إن كانت لهذا الاسم أية علاقة بالدكتور "محمد عبد الرحمن مرحبا" أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، ومؤلف العديد من الكتب الفلسفية.
أنظر الرابط:
http://www.annaqed.com/ar/content/show.aspx?aid=16166
أثابكم الله على كل حرف من حروف مقالكم، ودمتم لنا بكل خير،
أخوكم،
منذر أبو هواش
__________________
منذر أبو هواش
مترجم اللغتين التركية والعثمانية
Türkçe - Osmanl?ca Mütercim
Turkish & Ottoman Language Translator
munzer_hawash@yahoo.com
http://ar-tr-en-babylon-sozluk.tr.gg/
اليوم, 20:39
#3
إبراهيم عوض
عضو الصالون الأدبي
تاريخ التسجيل: 04 - 03 - 2008
المشاركات: 107 رد: عباس عبد النور: محنته مع القرآن أم مع عقله؟
________________________________________
لا أدرى كيف أشكر الدكتور أبو هواش. هكذا يكون التعاون العلمى. والحمد لله أن شكوكى كلها كانت فى محلها.
وهذا هو ما نشره موقع الناقد الذى أشار إليه الدكتور أبو هواش مشكورا مأجورا: ـ
كتاب محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن
بقلم عبد الرحمن مرحبا
Feb 22, 2009
كتاب محنتي مع القرآن ومع الله في القرآن
الكاتب: عبد الرحمن مرحبا
(يُتْبَعُ)
(/)
صدر هذا الكتاب باللغة العربية منذ فترة وجيزة لمؤلفه الدكتور الإمام عبد الرحمن مرحبا، ولم تجروء أية صحيفة عربية أن تتكلم عنه أو تنتقده أو تشير على الأقل إلى صدوره. فقد قامت بعض القوى الأمنية والمخابراتية بمصادرته سرّا من المكتبات وبالرغم من كل ذلك عرف رواجا لا مثيل له في بعض الدول الإسلامية، خاصة بين رجال الدين كما كشفت ذلك بعض المصادر.
اللافت إلى أن موريس سالاكرو نقل هذا الكتاب مؤخرا إلى الفرنسية وصدر عن دار نشر"دو باريس" بعنوان "إعترافات إمام"، الأمر الذي سمح لعدد كبير من القراء الغربيين بالإطلاع عليه وعلى مضمونه والتعرف على أحد كبار نقاد الفكر الديني الإسلامي في عصرنا الحديث. وهذا ما يؤكد على أن الرفضية لكل المفاهيم الدينية والغيبية الظلامية لم تعد حكرا على المفكرين الغربيين أو ما نصفهم بالكفّار، بل هناك بين صفوف المسلمين، أو الذين وُلدوا في الإسلام رغما عنهم، أناس يتحلّون بالجرأة أخذوا يتحدّون كل المتزمتين ويطلقون صرخة الألم والمعاناة ويدقّون ناقوس الخطر الذي يهدّد أمّتهم بسبب القيود الدينية البالية والاضطهاد الفكري الذي يتعرّضون له.
من هو عبد الرحمن مرحبا؟
جلّ ما نعرف عنه أنه من مواليد عام 1927. كان شيخا مسلما ومتصوفا من المذهب السنيّ الحنيف. نشأ نشأة المسلم المتحمّس وترعرع في أطياف الدين والهدى. كان يطمح، بل كان حلمه الكبير التبشير بالإسلام في بلاد الهند. كان غارقا في الدين الإسلامي من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه. كان منقطعا للصلاة والعبادة وحضور حلقات الذكر، وذلك ليكون القدوة والأسوة والمثل.
التحق بجامعة الأزهر الإسلامية لتلقّي العلم "الشريف" فيه، ولكنه أصيب بخيبة أمل مما تعلمه في هذه المؤسسة الغراء التي غادرها بعد مرور ثلاث سنوات للالتحاق بجامعة فؤاد الأول، ثم بمعهد التربية العالي، حيث حصل على شهادة سمحت له بتحضير أطروحة دكتورا في الفلسفة في جامعة السوربون في باريس.
بعد عودته إلى بلاده، أكمل مسعاه الديني واعظا، إماما وخطيبا في المساجد. ثم واظب على التعليم الجامعي وتأليف الكتب الفلسفية العلمية. نشر مؤلفات عدة في الفكر الفلسفي الإسلامي العربي في القاهرة وبيروت.
عاش الإمام عبد الرحمن مرحبا حياة فكرية مغمورة بالقلق والاضطراب وحياة دينية مضمخة بالريب والشكوك والتساؤلات. لم يتمكن من التعبير عن الصراع المرير بين العلم والإيمان الذي عانى منه منذ صغره، ففجّره في هذا الكتاب الذي أورد فيه ما يكنّه فكره وتصوّره عن هذا الأمر. لذلك قرّر أن يعلن بصراحة لا نظير لها، عبر هذا الكتاب، رفضه للقرآن ولإله القرآن ولمفسّري القرآن الذين كانوا إذا وجدوا فيه شيئا يخالف العقل والعلم والمنطق، كذّبوا العقل والعلم والمنطق، بلا حياء ولا خفر ...
هدف هذا الكتاب
يحدّد عبد الرحمن مرحبا الغاية من مؤلّفه كما جاء في مقدّمته:
"هذا الكتاب دعوة ملحة وصريحة من أجل قراءة القرآن من جديد لنفهمه على حقيقته، وكسر القيود والأغلال التي شوّهت تفكيرنا، وأفسدت قراءتنا للحياة والكون والمصير ...
هذا الكتاب محاولة نقدية للتحرير والانعتاق من الثوابت التي انتهت بنا إلى ما نحن عليه اليوم. إنه إضاءة للحظة المعتمة الراهنة، مدعمة بالشواهد المأخوذة من النصّ القرآني، ونقد له وتحليل لآياته، ونزع للأغطية التي تحجب الرؤية، بل تعطّلها وتشلّ حركة الفكر الحرِّ وتخدّره، وتقتل فيه روح المعاناة، وتحوّله إلى عنصر سلبيّ لا همّ له الا تبرير النصّ، والدفاع عن النصّ والاستغراق في "ذخائر النصّ"، والحِكم البالغة في النصّ.
كتبتُ هذا الكتاب بقلب مخلص يشتاق إلى التغيير، ويريد العمل على القيام بأعمق تغيير، وبالتالي تقديم صورة عن القرآن غير الصورة المعروفة المتداولة في أسواق العامّة، بل حتى في أسواق الخاصّة، وأحيانا خاصّة الخاصّة. فعبادة النصّ، والعكوف على النصّ، والانحناء أمام النصّ، لا تفرّق في كثير من الحالات بين عامّة وخاصّة. فكم من عملاق تصاغر أمام النصّ حتى بدأ قزما يرتجف هلعا كفأرٍ رأى شبح قطٍّ. هكذا يفعل بعملاقنا المغرور زئير النصّ.
(يُتْبَعُ)
(/)
لا همّ لي في هذا الكتاب إلا اقتحام عرين النصّ. يجب أن ننزع عن النصّ أولا قشرة القداسة التي تحيط به. وبغير ذلك لا يسلس لنا قياد النصّ. إن تعرية النصّ والتشكيك في قداسته، وتطبيق المنهج العقليّ عليه، تفتح لنا آفاقا لا يبلغها أولئك الذين على أبصارهم غشاوة قدسية النصّ. هؤلاء هم عبدة أصنام. ولا فرق بين عبدة أصنام وعبدة النصّ.
يجب إعادة النظر في التفرقة بين المقدّس وغير المقدّس (ما غير المقدّس ليس بالضرورة دنساً)، أو ادّعاءالخصومة بينهما. فلا مقدّس إلا الإنسان والعقل الذي يميّز الإنسان. لذلك يجب ألا تشغلنا قداسة النصّ عن حيوية التجربة العقليّة. فالتجربة العقلية نشاط وقدرة وقلق، وهيمنة الدّين على الفكر والثقافة مصادرة للعقل وعزل له عن االواقع، وعن الحياة والإنسان. وبحكم هذه المصادرة، وبفعل المعرفة التي تتولّد منها، تبدو الثقافة العربية كأن لا شان لها إلا بقدر انشغال هذه الحياة بهموم الآخرة وما فيها من نعيم وجحيم وحور عينٍ وفاكهة ممّا يشتهون.
لقد آن لنا أن نتخطّى الأسوار التي تضربها علينا هذه المصادرة. ولا سبيل إلى ذلك إلا بانقلاب معرفي في كلّ ما يتعلّق بالأصول - نصوصا وقراءات -، انقلابا ينطلق من النظر إليها ومعاملتها على أنها مادّة خاضعة للعقل وأفق مفتوح أمام العقل، قابل للنظر وإعادة النظر. وإلا بقي النصّ مهيمنا ثابتا لا مبدّل لكلماته. ومن ثمّ بقيت المعرفة ثابتة محدودة مغلقة.
ثمّ ان الهويّة ليست تطابقا مع جوهر ماض تكوّن مرّة واحدة وإلى الأبد، وإنما هي عملية تاريخية وابتكار دائم. فالانسان يصنع هويّته ويبدعها. وهو يصنع فكره ونظام حياته. الهويّة حياة والنصّ موت. فكيف ترتهن الحياة بالموت؟ الهويّة تولد في المستقبل، والنصّ عود إلى الماضي. فكيف يعود المستقبل أدراجه إلى الماضي؟ الهويّة وعد في طريقه إلى الإنجاز. فكيف يتّفق الإنجاز واللآّإنجاز؟ النصّ إلغاء لديناميّة الإنسان، ولديناميّة المعرفة، ولديناميّة التطوّر والتاريخ. فاختر لنفسك ما يحلو. لا يستوي الحرّ والظلّ؟
علينا ألا نُحبَس في غرفة مظلمة ضيّقة والعالم من حولنا يترامى ويمتدّ على غير نهاية. يجب أن نخرج إلى النور ونعمل على النور. وأن نكفّ عن خدمة منطق النصّ لخدمة منطق النور. لنتعاطَ مع الواقع الحيّ ونشارك في الأحداث وفي انبثاق النور. ليت شعري! إلى متى سنظلّ نستمرئ الظلمة ونرسف في أغلال الظلمة ونرفض النور؟!
لقد غاب عنّا أنّ النصوص لها أعمار تعيش إلى اجل مُسمّى. فإذا جاء أجلُها فمن الواجب أن تفسح الطريق لغيرها، لا أن تلوي عنق الزمان والمكان لتمدّ في أجَلِها وترفض النداءات التي تطالب برحيلها يجب أن نتعلّم كيف نمارس عملية التحرر من ربقة النصوص بعد عصور وعصور من تحكّم النصوص والحنين المستمرّ إلى ماضٍ زاهٍ عامرٍ بالنصوص وعبادة النصوص.
إنّ النصوص التي لا نجد لها اليوم معنى كانت بالأمس تشبع حاجات أسلافنا وتُغني حياتهم. لقد وجدوا فيها نشوة روحيّة لا حدود لها. من الصعب علينا فهمها في هذه الأيام، وانخرطوا في سجال وسط تدافعٍ وتزاحم لاكتشاف دررالمعاني التي ينطوي عليها كتاب الله. لقد كان ذلك مقصورا على زمن مضى وانقضى.
فقد انكبّ أجدادنا على دراسة القرآن دراسةً مليئة بالإفتعال والصنعة والتكلّف، وحمّلوه من الفصاحة والبلاغة والإعجاز ما لا يحتمل، وانتزعوا منه من المعاني والمقاصد والأغراض ما لم يخطر على بال صاحبه، ونشروا حوله مواكب من الصور والألوان والأطياف والمشاهد، لم يحظ بها كتاب غيره حتى اليوم.
هذا ما يفعل الإيمان بعَبَدة النصوص والأوهام. لقد هوت الأنصاب والأزلام والأوثان، وفي أعقابها النصوص، وتغيّرت النفوس لتغيّرِ الزمان. وعصر الخلافة ولّى. فأدبر زمان واقبل زمان.
لقد أعطى القرآن الشخصية العربية الإسلامية طابعا أسطوريّا مميّزا لا نظير له. جعلها تعيش خارج التاريخ. والأحداث من حولها تضجّ بالتاريخ. فمتى تخرج من النفق المظلم لتدخل باحة التاريخ؟ إن خطاب الماضي لا يصنع تاريخا، إنما يصنع التاريخَ الحضورُ في التاريخ.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد طغت فكرة النصّ على سرّ النهضة وعلى حلم النهضة حتى توقّفت وخابت جميع الآمال في إنجاز مشروع النهضة، وانتعشت السلفيّة والأصوليّة والدمويّة والتجهيليّة لخنق أنفاس النهضة وتعطيل جميع المبادرات التي تؤدي إلى النهضة.
من المؤسف أن التاريخ لا يرقد ولا يركد إلاّ في بلادنا الإسلامية.
ماذا أقول؟ إنه حتّى في كثير من بلدان العالم الثالث لا يخلو من التدافع والحركة. فهو في الدنيا كلها تقريبا نهر متدفّق بل خضم متلاطم الأمواج. ولكنّه في بلادنا بحيرة ساكنة لا تثور.
ولا غرض لهذا الكتاب ولا هاجس وراءه إلا أن يُلقي حجرا في هذه البحيرة لعلّه يثيرها ويُخرجها عن هدوئها وانتظامها.
في أعماق هذا الكتاب رسالة تفوح منها ثورة حادّة ورغبة قويّة في التغيير واعتراض أساسي على منهج الحياة وخوف من مصائرها وتقلّباتها. حلم عميق يتردّد في كل صفحة فيه.
في الكتاب تقريع كثير وبكاء أكثر. فهو دعوة صارخة إلى أن تأخذ حياتنا مأخذاً جادّا، ونعمل على تصحيح واقعنا وتاريخنا وإنساننا إذا كنّا عقدنا العزم حقّا على قبول التحدّي ومواجهة الحقيقة المرّةً التي نجد صعوبة كبيرة في تحسّسها والاعتراف بها. لقد ساهمنا في إنتاج التخلّف بدلا من محاولة القضاء عليه.
هذا الكتاب يستحق المعاناة وصبر التأمل. إنه ينهك الأعصاب وقد يثيير الرعب. ولعلّ أقل ما يقال فيه إنه يحمل على التذمّر. القرآن حجر عثرة وسدّ منيع أمام كلّ نهضة أو تطوّر. إن أقول إلاّ الحقّ. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وما كنت عليكم حفيظا. لقد بلّغت الرسالة، وأدّيتُ الأمانة. فاشهدوا. وأنا معكم من الشاهدين. لقد أتيتكم بسلطان مبين. فماذا تحكمون؟
إننا نتحدّث كثيرا في ما لا ينفعنا. ونسكت عما ينفعنا. أريد أن أكون صديقا للقارئ. فما كتبتُ ما كتبتُ إلاّ بقلب مخلص يشتاقُ إلى التغيير. وإني لعلى استعداد أن أموت على مذبح التغيير.
في هذا الكتاب صورة تختلف عن الصور المتداولة في "السوق". أريد بناء عقليّة جديدة على أنقاض العقول السائدة. أريد أن أغرس نبتة من التفكير العلماني الحرّالمستقلّ الذي لا يخاف ولا يعبأ بالتضحيات والأضاحي. أريد أن أثير جوّاً ساخنا من الأسئلة والتساؤلات التي نتردّى فيها، حول أصل الداء وحول ما يوصف له من دواء.
أنا لا أشجّع القارئ على أن يوافق على ما أقول موافقةً صمّاء، وإن كنت واثقاً من كلّ ما أقول ومن أنّ كلّ كلمة أقولها هي كلمة محسوبة موضوعة في مكانها الصحيح. ولكن حريّة القارئ فوق كلّ ما أكتب وما أقول.
الإنسان المسلم هو أكبر همّي. إن غاية ما أتمنّى أن أزجّ بهذا الإنسان، لا في "تيّار الحداثة" فحسب، بل و"في أتّون الحداثة"، لأنّ التيّار لا يطهّر، بل قد يكون ملوّثا. وأما الأتّون فهو كفيل بإحراق جميع الشوائب. فالنار هي المطهّر الأكبر. فلا تلوّث في النار.
لقد أخذت نفسي بالمغامرة والحدس والسؤال وأنا أكتب هذا الكتاب. إني أعمل وسط تزايد الإحساس بمخاطرة لا تغيب عن عقل اللبيب وروحه. فالكتاب يواجه الأسطورة.
إلى الله المشتكى؟!
والله لا يطعم جائعا، ولا يغيث ملهوفا، ولا يرحم مظلوما، ولا يشفي مريضا؟!
فهل تراه يردّعلى كسالى تبلّد حسّهم كأمثالنا؟
إن الصالحين أحقّ بالإجابة منّا. ومع ذلك فهو لا يستجيب لهم، فما قولك بالطالحين؟
هذا إذا صحّ وجوده، فكيف إذا كان عدم وجوده حقّا مبينا؟ ......
هذا ولم يتخلّص لي الحق الذي انتهيت إليه إلاّ بقراءة القرآن، لا قراءة تعبّد تزيد الأعمى عمًى، بل قراءة تحليل وتركيب وموازنة ومقارنة ومعارضة وشكّ ونقد وتقويم وتتبّع كلّ آية فيه، واستنطاقها على حدة، وربطها بغيرها من الآيات، وذلك بعد فهرستها وتبويبها وتقسيمها إلى موضوعات. وألحقت كل آية بالموضوع الخاصّ بها.
فمرجعي الوحيد هو القرآن ولم أرجع إلى شيء غيره. ولم يَفُتْني بطبيعة الحال الرجوع إلى اقوال المفسّرين وآرائهم في هذه الآية أو تلك، مستأنسا بها رافضا لأكثرها. ولم أعلن أي نتيجة من النتائج التي تمكّنت من الوصول إليها إلا بعد توثيقها بالآية المطلوبة مشفوعة – ما أمكن – بآيات أخرى مشابهة لها.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد كانت دراسة ممتعة حقّا خرجتُ منها بنتائج غريبة حقًّا لم أكن أتوقّعها، وإن كان لديَّ إحساس غامض بها منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين وأنا على مقاعد الدراسة في عنفوان الصبا وريعان العمر. فكنت كلّما سألت شيوخي عنها أنكروا عليّ السؤال، وحذّروني من الزيغ والضلال. وكنت إذا حظيت بجواب ما من أحدهم أحسستُ في كلامه التكلّف. ومع ذلك فقد كنت متصوّفا عميق الإيمان – يا للمفارقة – لا ولم أقرّر إلاّ أخيرا أن أتولّى الأمر بنفسي.
لقد مررتُ بأزمة حادّة في بداية السبعينات من عمري. كانت منطلقا لصراعاتٍ مختلفة تفجّرت في نفسي، ومنعطفاً خطيراً قَلَبَ نظام حياتي رأساً على عقب. وبعد تردّدٍ كبير وحَرَجٍ أكبر، رأيتُ نفسي أهلاً لوضع كلامٍ يؤثَر عنّي ويُذكَر. وقلتُ لنفسي هلمّ أصدع بما تؤمر، إنّك على الحقّ والحقُّ أولى بالإتباع وأجدَر. فأقدمتُ مصرّاً على تنفيذ مشروع هذا الكتاب، غير وجل ولا متحفّظ ولا هيّاب، نزولا على إلحاح المتنوّرين الثوريّين من الصحاب والأصحاب، رغم ما سيجرّه عليّ من الأنواء والعواصف وهجمات الذئاب. فإذا أردتَ أن تعيش رجلا فعِش في خطر. ذلك فصل الخطاب!!
الكتاب طرحٌ جديد للمشكلة القرآنية من منظور ثوري، ولكنّه ليس خاتم الكلام ولا فصل المقال ولا نظريّة كاملة. وإنما هو اجتهاد يُغري بالمشاغبة والنزاع. يضاف إلى كتب اخرى أثارت الشغب وألقت ببعض الأحجار في المياه الراكدة. وهو ينتظر اجتهادات أخرى تالية أكثر شغبا، مدعومة بالشواهد والبيّنات والتحليل الشمولي، لتكون أساسا لوعي عقلاني نقدي ومنهاج عملي مستقبلي واعد.
والآن، وقد بلغ الكتاب أجله أدفع به إليكم ليشقّ طريقه اللاهب، ويواجه مصيره وحده، في عالم مشحون بالقوى وصراع القوى ومضادات القوى. فإن وجدتم فيه ما لا يرضيكم فاستميحكم عذرًا. إن أريدُ إلاّ الإصلاح، وافوّض أمري إلى التاريخ. وعاجلا أم آجلا سيحاسبني التاريخ.
في الختام دونكم الكتاب. فرِفقًا بالكتاب. وداعًا أيّها الكتاب!!
==============
فهرس الكتاب
الفصل الأول رحلتي من الإيمان إلى الشكّ
1 – مرحلة الإيمان
2 – مرحلة الإمتحان
3 – مرحلة الإعصار
4 – مرحلة البحث
5 – مرحلة القطيعة
الفصل الثاني منهج البحث في القرآن
الفصل الثالث القرآن في عقيدة المسلمين
1 – القرآن كلام الله
2 – القرآن محور مدارس الفكر وشتّى مذاهب الرأي في الإسلام
3 – الحسّ اللغوي مفتاح القرآن إلى قلوب العرب الجاههليّين
4 – عمل مفسّري القرآن
5 – ثورة لا بدّ منها
الفصل الرابع إعجاز القرآن
1 – إيمان المسلمين بالإعجاز
2 – أيّ إعجاز هو؟
3 - بلاغة القرآن
4 – أين هي بلاغة القرآن؟
5 – خلل في توزيع الموضوعات
6 – الغموض في القرآن
7 – غريب القرآن
8 – ركاكة القرآن
9 – التنافس سمة بارزة في القرآن
10 – القرآن والعلم
11 – كلّ ما في القرآن هو من الله
12 – آيات لا معنى لها
13 – سجع القرآن وسجع الكهّان
14 – القرآن والإيمان بالغيب
15 – بربريّات القرآن
الفصل الخامس الله في القرآن: وجوده وعدم وجوده سيّان
1 – صفات الله في القرآن
2 – الله وإبليس
3 – الله الر حمن الرحيم
4 – الله قريب مجيب
5 – الله خير الرازقين
6 – وما النصر إلاّ من عند الله
7 – الله يُقحم نفسه في كلّ شيء
8 - الله هو القاهر فوق عباده
9 – مع الله، الإنسان يُلزم حدَّه
10 – الله، إله بلا فاعليّة
خاتمة الكتاب
ملاحظة: إلى القرّاء الأعزاء الذين لا يتسنّى لهم الحصول على هذا الكتاب في طبعته العربية المحظورة والمصادرة، يستطيعون الحصول على الطبعة الفرنسية مباشرة بالكتابة إلى الناشر مع شيك بقيمة 19 يورو:
Editions de Paris
13 rue Saint-Honoré
78000 Versailles
FRANCE
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[01 Oct 2009, 01:07 ص]ـ
إلحاقا بالرد السابق وجدت أن موقع الناقد الذى نسب الكتاب إلى أستاذ فى الجامعات اللبنانية قد نسبه فى رابط آخر إلى المدعوّ: عباس عبد النور. ولك أن تتعجب أيها القارئ من هنا إلى يوم الدين. ترى ما معنى هذا؟ وما السبب الذى يكمن وراء هذا التناقض؟ وهل لاحظ القارئ دلالة ترجمة الكتاب السريعة إلى الفرنسية رغم أنه فى الظاهر ليس له مؤلف معروف؟
على أية حال هذا هو الرابط:
http://www.annaqed.com/ar/content/show.aspx?aid=16001
ثم هذا نص ما قاله الموقع ذاته فى نسبة الكتاب إلى عباس عبد النور (المصرى):ـ
محنتي مع القرآن ومع الله
بقلم عباس عبد النور
Nov 22, 2007
هذا الكتاب بصيغة PDF.
يمكنك تنزيله بالنقر على إيقونة PDF أدناه.
إذا لم يكن لديك برنامج قراءة ملفات PDF فيمكنك تنزيله مجاناً بالنقر أدناه.(/)
نوال السعداوي تسخر من القرآن وترفض الختان عبر فضائية ساويرس
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Oct 2009, 09:58 م]ـ
مفكرة الإسلام: سخرت الكاتبة المصرية نوال السعداوي - الهاربة من مصر بعد اتهامها بازدراء الدين الإسلامي ومحاولتها السخرية من المقدسات الإسلامية - سخرت من القرآن الكريم وجددت رفضها لختان الذكور، وذلك عبر فضائية " OTV" المملوكة لرجل الأعمال القبطي "نجيب ساويرس".
وقالت السعداوي في برنامج "مع سلمى": إن أمها قالت لها إنها لا تحتاج للقرآن لمعرفة الله وأن هذا القرآن مجرد كتاب!.
وأضافت السعداوي أن مدرسيها كانوا يخوفونها من دخول النار لكن أمها كانت تقول لها "ولايهمك".
واعتبرت أنه "يجب أن يكون مرجع الإنسان هو عقله وفقط ولا أي شىء آخر أبدًا!! ".
و"نوال السعداوي" هي طبيبة نفسية وكاتبة مثيرة للجدل عرفت بأفكارها الغريبة التي تتصادم مع الدين الإسلامي والمجتمعات الإسلامية ومنها دعوتها هي وابنتها الكاتبة "منى حلمي" لنسب الأطفال لأمهاتهم بدلا من آبائهم. و"السعداوي" غير منخرطة في أي تيار سياسي كما أن أجندة اهتماماتها بعيدة عن اهتمامات الشارع المصري, وهو ما يجعل بعض المثقفين لا يأخذون أفكارها على محمل الجد.
ختان الذكور:
من جانب آخر، أعلنت السعداوي مجددًا معارضتها لختان الذكور. وقالت: "أنا ضد ختان الذكور".
وبالإضافة إلى دعوتها إلى عدم ختان الإناث، تطالب نوال السعداوي بالتوقف الفوري عن ختان الذكور، وكانت قد أرسلت منذ عدة سنوات في هذا الشأن خطابًا لوزير الصحة المصري وخطابًا آخر لنقابة الأطباء تدعو فيه إلى فكرتها التي تتناقض تناقضًا واضحًا مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية.
"عندي حرية مع زوجي":
وإلى ذلك، تحدثت السعداوي عن حياتها الشخصية قائلةً: "أنا عندي حرية مع زوجي وفي بعض الأحيان لم أره لمدة 3 سنين .. ولم يكن يعرف أين أنا".
وتضيف قائلةً: "أنا عمرى ما انتميت إلى زوجي ولا دخلت في حزبه ولا التصقت به .. إنما نحن نعيش حالة تمرد وإبداع وكل واحد منا في قارة مختلفة".
وحول كتاباتها تقول السعداوي: "كل ما كتبته أنا أعيش فيه وأحيا به". وكانت قد كتبت مسرحية بعنوان "استقالة الإله" سخرت فيه من مقام الذات الإلهية المعظمة.
واتخذ الأزهر الشريف في العام 2007 قرارًا بمصادرة رواية للكاتبة نوال السعداوي تحمل اسم "سقوط الإله في اجتماع القمة"، واعتبر أنها تمثل "كفرًا صريحًا".
وقام أعضاء لجنة الشئون القانونية بمشيخة الأزهر بإعداد مذكرة قانونية ضد د. نوال السعداوي وأرسلوها للنائب العام للمطالبة بالتحقيق العاجل في الافتراءات التي نسبتها الكاتبة لرب العالمين والأنبياء.
وقد وجه الأزهر اتهامات للسعداوي بأنها "أهانت الذات الإلهية، وسبت الأنبياء وتهكمت عليهم مع تصوير الشخصيات في روايتها بصورة أقل ما توصف به هو أنها كفر صريح".
واعتادت الكاتبة نوال السعداوي على مهاجمة الإسلام والشريعة السماوية حيث سبق لها وأنكرت ثوابت إسلامية , ووصفت الحج بأن به ممارسات وثنية. وتطاولت السعداوي في لقاء لها على فضائية أوربت على وطنها مصر واتهمتها بقتل حرية الإبداع وإطلاق يد الأزهر فيما أسمته ديكتاتورية التدين!
المصدر ( http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2009/10/03/88054.html)
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[04 Oct 2009, 11:57 ص]ـ
السلام عليكم
وقد رماها د / عبد الصبور شاهين في حوار معه في مجلة أكتوبر بالزندقة.
وتعقبها الشيخ نصر فريد واصل ولكن كانت عباراته أقل حدة.
والسلام عليكم
ـ[نوال عبداللطيف الخياط]ــــــــ[04 Oct 2009, 02:46 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وأعلق على الموضوع فأكتب:
1 - الأبناء صدقة جارية يحصدها العبد كعمل إضافي بعد إنتهاء عمله
فما ذا جنت والدت نوال في قبرها وماذا ستجني نوال في قبرها من عمل ابنتها؟
2 - الشذوذ والكفر قد يكون وسيلة للفت الأنظار والحل له هو التهميش والإهمال.
3 - تفنن الفشلة في تزيين فشلهم حيثلقبت فشلها مع زوجها بالإبداع.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[04 Oct 2009, 06:55 م]ـ
2 - الشذوذ والكفر قد يكون وسيلة للفت الأنظار والحل له هو التهميش والإهمال.
.
التهميش، والتجاهل، إنه يغيظهم جداً ....
ـ[الشريفة فاطمة]ــــــــ[05 Oct 2009, 06:20 ص]ـ
الانسانة هذه مريضة نفسيا. ويجب عليها مراجعة طبيب نفساني. وهي تعاني من الفراغ الروحي والشتات الفكري والعاطفي. ملحدة ليس لها ملة ولا دين.ففي يوم من الايام صادفت لها تدخلا في احدى القنوات الفضائية وهي تنعت تقبيل الحجر الاسود من شعائر الوثنية. وتحرض المراة على التحرر والانحراف وعدم الطاعة للزوج وتعطي المثال الانسب بنفسها ومن تكون هي اصلا؟؟؟؟؟؟؟.
اللهم ارحمنا .. وتجاوز عنا ..
ـ[مرهف]ــــــــ[05 Oct 2009, 08:08 ص]ـ
عجوز شمطاء شابت على الإلحاد.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[05 Oct 2009, 11:37 ص]ـ
ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[05 Oct 2009, 06:43 م]ـ
إخوتي الكرام
لعل من الأفضل تجاهل ذكر أمثال هذه التطاولات وبالأخص أنها مجرد أقاويل عارية عن أي دليل بل هي مجرد افتراءات
ومن يستمع أو يلقي أذنا لمثل هذه المحطات المعروف عنها بحقدها الأسود وصليبيتها العمياء؟؟؟؟
ولعل الأولى التجاهل والتهميش لمثل هاتيكم التطاولات وعدم نشرها في مثل هذه المنتديات العلمية الرائدة
وكل الشكر لكم جميعا في المنافحة والذود عن دين الله وهدي رسوله عليه الصلاة والسلام
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[05 Oct 2009, 10:36 م]ـ
تجاهلها لعدم إشهار قولها وجهة نظر محترمة , لكن أنا ذلك وقد قالته في قناة فضائية لا في زاوية من زوايا بيتها أو في مجلة مهجورة.
ـ[حسن عبد الجليل]ــــــــ[17 Oct 2009, 03:49 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم
" من يهدِ اللهُ فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا" الكهف17
صدق من قال ... والحياء شعبة من الإيمان
ومن قال إذا لم تستح فاصنع ما شئت
" ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم" الحج 55
ـ[سالم بن عمر]ــــــــ[31 Oct 2009, 08:12 م]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم ثبتنا على دين الإسلام يا رب العالمين
سبحان الله مهما تقول هذه المخبولة من كلام فنحن على ثقة بأن الناس يضحكون منها ومما تقوله - لأن كل إنسان يولد على الفطرة -
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
ـ[يسري خضر]ــــــــ[23 Jun 2010, 02:54 ص]ـ
إذا كل كلب عوي ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقال بدينار
ـ[محمود البعداني]ــــــــ[23 Jun 2010, 11:35 ص]ـ
لا شك أن مثل كلام هذه المرأة يتنازعه أمران: أحدهما السكوت عن مثل هذا الكلام وعدم الالتفات له، والآخر: نقده نقدا مبينا على القواعد العلمية، والأمة اليوم بحاجة للأمرين معاً، ولكل منهما موطنه، فعند من لا يقيم لكلامها وزنا ولا يقرأ لها السكوت عنها له وقع السياط! وعند من يقرأ لها لا بد من كلام يقطع الشبهة، ويبين عوارها
ومثل الدكتوره/ نوال السعداوي هي ممن لها قراء كثر في أماكن كثيرة، وكتبها تكتظ بها مكتبات بعض البلاد فإن لم ينبر أمثالكم من الفضلاء لنقدها فمن لها؟(/)
دار نشر بألمانيا تلغي طبع كتاب لإساءته للإسلام
ـ[مرهف]ــــــــ[06 Oct 2009, 09:37 م]ـ
دار نشر بألمانيا تلغي طبع كتاب لإساءته للإسلام
مفكرة الإسلام: ألغت دار نشر ألمانية طبع كتاب عن جريمة قتل غامضة يدور حول قضية قتل بدافع الشرف لانه يحتوي على بعض الفقرات التي تسيء إلى الإسلام.
وقامت دار دروسته للنشر بإلغاء طبع كتاب بعنوان "إلى مَن يستحق الشرف" للمؤلفة جابرييل برينكمان بعد أن رفضت المؤلفة تغيير عدة فقرات تصور إحداها شخصية خيالية تقول تعليقات مهينة بشأن القرآن الكريم.
وقال فيلكس دروسته رئيس الدار: "بعد الرسوم المسيئة (للنبي) محمد (صلى الله ليه وسلم) يعرف المرء أنه لا يمكنه نشر عبارات أو رسوم تسيء للإسلام دون أن يعرض نفسه لخطر أمني."
وتلقت دار النشر تهديدات لموظفيها من جماعات يمينية متطرفة تتهمهم بأنهم "أصدقاء للاسلاميين".
إساءات للإسلام:
وفي عام 2006 اندلعت احتجاجات عنيفه في عدة دول إسلامية بعد أن أثارت رسوم كاريكاتيرية للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم نشرتها صحيفة دنمركية غضب المسلمين.
وقد تمسكت الحكومة الدنمركية بعدم الاعتذار؛ الأمر الذي أثار حملة مقاطعة في البلاد الإسلامية للبضائع الدنمركية.
كما سبق لرأس الكنيسة الكاثوليكية أن وجه إساءات للإسلام عقب توليه منصبه حيث اتهم الإسلام بـ "الإرهاب".(/)
في كازاخستان المسلمة .. حظر القرآن الكريم بحجة أنه "مصدر تطرف"
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[07 Oct 2009, 01:14 م]ـ
قرار حظر تداول بعض سور القرآن أثار ردود فعل غاضبة من قبل مسلمي روسيا
المختصر/ وسط حالة من الصمت بين مسلمي جمهورية كازاخستان، أعربت شخصيات دينية في روسيا وجمهورية تشوفاشيا (إحدى جمهوريات الاتحاد الروسي) عن استيائها من الحكم القضائي غير المسبوق الذي أصدرته محكمة كازاخية بمنع جلب وترويج مئات الـ"مواد الإعلامية" بينها سور من القرآن الكريم بحجة ترويجها لـ"الفكر المتطرف"، بحسب نص الحكم.
الحكم القضائي، المثير للجدل، نشر على الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة العدل الكازاخستانية في سبتمبر 2009، برغم صدوره في يوليو الماضي من قبل محكمة في العاصمة الكازاخية أستانة، وجاء استجابة لطلب تقدم به المدعي العام في هذا البلد ذي الغالبية المسلمة الذي ينص دستوره على أنه بلد علماني برغم عضويته في منظمة المؤتمر الإسلامي.
وينص الحكم على "حظر جلب وترويج 207 مواد إعلامية بينها كتب ومنشورات وعدد من سور القرآن الكريم؛ لأنها تدعو إلى التطرف" على حد ادعاء القرار.
وبرغم عدم معرفة سور القرآن الكريم التي تم منع تداولها والترويج لها بالتحديد، فقد لاحظ مراسل "إسلام أون لاين. نت" في كازاخستان أن السلطات الأمنية هناك قامت خلال الفترة الأخيرة بعدة حملات على الأسواق قامت خلالها بسحب شرائط للقرآن الكريم بصوت الشيخ "مشاري العفاسي" شملت سور: "البقرة"، و"ق"، و"الأحقاف"، و"محمد"، و"الفتح" و"الحجرات"، و"الملك"، و"الحاقة"، و"القلم"، و"الإنسان"، و"المرسلات"، إضافة إلى سورة "الأعراف" بصوت الشيخ "فارس عباد".
صمت رسمي وإعلامي
ومن جهتها لم تبد السلطات الدينية في كازاخستان أي رد فعل على الحكم القضائي، بل أبدت الإدارة الدينية تأييدها له بخلاف ما تعلق بمنع بعض سور القرآن الكريم.
ففي تصريحات نشرها موقع "إسلام نيوز" الإثنين 5 - 10 - 2009 علقت رئيسة قسم الخبراء والتسجيل في لجنة الشئون الدينية التابعة لوزارة العدل الكازاخية، "لودميلا دانيلوفا"، على قرار المحكمة معتبرة أن "منع سور من القرآن هو قرار القاضي، ووزارة العدل ليس لها علاقة مباشرة بهذه القضية، ومثل هذا السؤال يجب أن يوجه للمدعي العام" في كازاخستان.
وبدوره، صرح الناطق باسم الإدارة الدينية الكازاخية "أونغار حاجي أميربيك" لـ"إسلام أون لاين. نت" قائلا: "نعتقد أن ما تم منعه من منشورات وكتب –سوى سور القرآن– أمر صحيح ونحن نؤيده"، لكن أميربيك أضاف مستدركا: "كنا نتمنى أن يتم التشاور معنا قبل اتخاذ هذا القرار".
في المقابل اعترض "مراد تليبيكوف"، رئيس اتحاد مسلمي كازاخستان، على الأمر بقوله: "لا يمكن أن يخطر على بال أحد أن يتم حظر سور من القرآن؛ لأن هذا يعني منع القرآن ككل".
وبالرغم من ذلك، فلم يبد الشارع الكازاخستاني ووسائل الإعلام أي تحركات تجاه القرار، وأرجع مراقبون للشأن الكازاخستاني ذلك إلى أن مثل هذه القرارات عادة ما تؤخذ في إطار "الأمن القومي الداخلي" خاصة أنها تتعلق بما يسمى "بالتطرف الإسلامي"؛ لذلك تضع السلطات هناك خطوطا حمراء على مناقشتها داخليا.
ودلل هؤلاء المراقبون على رأيهم بقيام موقع الإلكتروني لجريدة "كازاخستان اليوم" بحذف مقالة حول القرار القضائي المثير للجدل بعنوان: "محكمة أستانة تنسب التطرف لمجموعة من سور القرآن"، وكذلك تقديم جريدة "إكسبريس. ك" اعتذارا رسميا "للقراء والأمة المسلمة على المقالة التي تم نشرها تحت عنوان: سور من القرآن تحت المنع"، مدعية حصول التباس في فهم قرار المحكمة.
تفاعل الشارع الروسي
ومقابل هذا الرد الكازاخستاني الضعيف، تفاعل الشارع الروسي مع القرار وصدرت انتقادات شديدة له من قبل بعض الشخصيات الدينية في روسيا ومسلمي جمهورية "تشوفاشيا" الروسية.
وفي هذا الصدد، علمت إسلام أون لاين أن مسلمي جمهورية "تشوفاشيا" الروسية أرسلوا مؤخرا رسالة احتجاج مفتوحة إلى القيادة الكازاخية وأرسلت نسخة منها إلى السفارة الكازاخية في موسكو.
أما "محمد صلاح الدين"، مدير المجلس الإسلامي الروسي، فقد أعرب في تصريحات خاصة لـ "إسلام أون لاين. نت" عن امتعاضه لاتخاذ السلطات في كازاخستان لقرار يحظر تداول بعض سور القرآن الكريم، واعتبر أن ما حدث "مشين لكازاخستان وللنظام القضائي في هذا البلد".
وأضاف: "كل ذلك يثبت عدم أهلية النظام القضائي في كازاخستان، وأن الذين يعملون في هذا النظام يتصرفون كصبيان فيتخذون قرارات غير مسئولة لا يدرون تبعاتها".
وانتقد رئيس مجلس مفتي روسيا ورئيس الإدارة الدينية للجزء الآسيوي من روسيا انتقد القرار ووصفه بأنه "غلطة كبيرة"، وقال: "أعتقد أن ما قامت به المحكمة الكازاخية والنظام القضائي غلطة كبيرة، بل هو سوء فهم وشيء غير مفهوم بالنسبة لنا"، وأضاف: "ما قامت به المحكمة يضعف من قيمة كازاخستان في عيون المسلمين، وأعتقد أن القيادة السياسية في كازاخستان لن تسمح بهذا".
كازاخستان
يشار إلى أن كازاخستان دولة إسلامية، وعضوة في منظمة المؤتمر الإسلامي، ويمثل المسلمون أكثر من 65% من تعداد سكانها بينما يمثل المسيحيون 30%، وكانت كازاخستان ضمن ما كان يسمى سابقا بـ"الاتحاد السوفييتي"، حيث انتقلت الدولة من النظام الشيوعي إلى نظام علماني في بداية التسعينيات بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وإعلان استقلال الجمهورية عام 1991.
ويقول مراقبون للشأن الكازاخستاني إن منطقة آسيا الوسطى شهدت موجة من التدين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ترافقت بوجود مجموعات مسلحة، وهو ما جعل جمهوريات آسيا الوسطى كأوزبكستان وقرغيزيا وكازاخستان تشدد قبضتها على ما أسموه بـ"التطرف الإسلامي"، هذا الوضع في تلك الجمهوريات صعبا للغاية وهو ما يفسر، بحسب هؤلاء المراقبين، ظهور مثل هذه القرارات، كما يثبت بأن النظام القضائي في تلك البلدان ليس إلا أداة "لتنفيذ القرارات الصادرة من القيادات الأمنية العليا دون النظر إلى تبعات ذلك".
المصدر ( http://www.almokhtsar.com/news.php?action=show&id=118103)(/)
(سيلجاندر والقرآن .. شهادة من العيار الثقيل) لصالح النعامي
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 Oct 2009, 12:52 م]ـ
سيلجاندر والقرآن .. شهادة من العيار الثقيل
صالح النعامي
اتخذ الكثير من رجال الدين اليهودي والمسيحي الآيات القرآنية التي تنسب إلى أنبياء الله جميعاً وتحديداً إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام قولهم أنهم مسلمون، منطلقاً لتسويغ التكذيب بالقرآن العظيم، على اعتبار أنه لا يوجد ثمة شك لدى اليهود والنصارى بأن موسى كان يهودياً لأنه جاء باليهودية، وعيسى نصرانياً لأنه جاء بالمسيحية. من هنا فإن هناك أهمية هائلة للكتاب الذي أصدره مؤخراً عضو الكونغرس الأمريكي مارك سيلجاندر بعنوان " سوء فهم قاتل "، والذي خصص بشكل أساسي للإجابة على السؤال التالي " هل كان عيسى مسلماً أم مسيحياً؟ ". في برنامج " من واشنطن "، الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية الذي استضاف سيلجاندر، تعرض السيناتور الأمريكي لما أسفر عنه بحثه الضخم الذي استغرق اعداده سنوات عديدة، حيث قال أنه درس معمقاً الإنجيل باللغة الأرامية وهي اللغة التي كان يتحدثها المسيح عليه السلام ونزل بها الإنجيل، فوجد أن عيسى كان يعرف نفسه والأنباء من قبله على أنهم " مسلمون "، ليس هذا فحسب، بل أن الإنجيل بهذه اللغة لم يأت على ذكر المسيحية تماماً. ويؤكد سيلجاندر أن أخطاءً كبيرة وقعت عندما ترجم الإنجيل للغات الأوروبية.
ويؤكد سيلجاندر أن موقف العالم المسيحي الحالي من الإسلام ناجم بشكل أساسي من الجهل بحقيقة القرآن. ولكي يدلل على ذلك ينوه سيلجاندر إلى أنه جمع 200 من كبار المبشرين المسيحيين في إحدى الكنائس بولاية فيرجينيا، وقال لهم أنه سيتلوا على مسامعهم ما جاء في الكتاب المقدس بشأن المسيح، دون أن يبلغهم من أي كتاب مقدس سيتلو، فاعتقدوا أنه سيتلو عليهم من العهد الجديد (الإنجيل)، لكنه تلا عليهم ترجمة الآيات (45 - 50) من سورة آل عمران، التي جاء فيها (إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران 45: 47) إلى آخر الآيات. وينوه سيلجاندر إلى أنه عندما كان يتلو عليهم ترجمة هذه الآيات كانت مظاهر الإرتياح والسعادة بادية على وجوه المبشرين الذين كانوا يسبحون الرب، لكنه سرعان ما صعقهم، عندما قال لهم" هل تدرون أن الآيات التي تلوتها كانت من القرآن وليست من الإنجيل "، مشيراً إلى أن صمتاً أطبق على المكان وشعر المبشرون بالحرج الشديد ولم يستطيعوا الرد ولو بكلمة واحدة.
أن أهمية هذا البحث العلمي الضخم تكمن أيضاً في هوية مؤلفه، فسيلجاندر كان نائباً عن الحزب الجمهوري، وكان أحد منظري المحافظين الجدد، وكان منافساً لنيوث جينجريتش الذي كان زعيماً للحزب الجمهوري والذي من المتوقع أن يتنافس على ترشيح الحزب للرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة. وكما يقول سيلجاندر عن نفسه أنه كان يشعر بعداء شديد للإسلام والقرآن لدرجة أنه أرسل في العام 1998 رسالة احتجاج شديدة اللهجة للبيت الأبيض لأنه سمح بتلاوة آيات القران الكريم في احتفال إفطار نظمه الرئيس الأسبق بيل كلنتون لعدد من ممثلي الجالية المسلمة في واشنطن.
ويهاجم سيلجاندر في كتابه بشدة إزدواجية المعايير لدى الغرب ومنظريه وتحديداً مستشرقيه الذين يهاجمون الإسلام بسبب الآيات التي تتحدث عن الجهاد، مشيراً إلى أن كلمة " الجهاد " وردت في النسخة الأصلية للإنجيل باللغة الأرامية. وينوه إلى أن تركيز الغرب على ما يسميه بالآيات التي تحث على " العنف "، وتحديداً التي وردت في سورة " التوبة " تدلل على النفاق الغربي، مشيراً إلى أنَّ منظري الغرب يتجاهلون ما جاء في الإنجيل حيث ورد على لسان المسيح " إذهب إلى قرية كنعان اقتل الرجال والنساء "، وما جاء في سفر " صموئيل " من العهد القديم (التوراة)، حيث جاء " اقتل قوم علقيم، إقتل الرجال والنساء والأطفال، لاتترك بقراً أو حميراً ".
على الرغم أنني أدرك أن الكثيرين شاهدوا برنامج "من واشنطن"، إلا أنني آثرت أن أضع من لم يشاهده في صورة ما سمعت ورأيت.
------
الكاتب يشير إلى حلقة بعنوان: علاقات أميركا بالعالم الإسلامي. يمكن الاطلاع عليها مكتوبة على موقع الجزيرة على الرابط التالي:
علاقات أميركا بالعالم الإسلامي ( http://www.aljazeera.net/NR/exeres/5580195B-5612-4E2D-B997-EB95516E36FF.htm)
ـ[حسن عبد الجليل]ــــــــ[17 Oct 2009, 03:42 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أشكرك أخي الحبيب على ما تفضلتم به وأرجو من حضرتكم التكرم بمراجعة بريدكم الإلكتروني للأهمية
ودمتم بألف خير
أخوكم د. حسن عبد الجليل العبادلة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[حسن عبد الجليل]ــــــــ[19 Oct 2009, 02:51 ص]ـ
سيلجاندر والقرآن .. شهادة من العيار الثقيل
" إذ قالت الملائمة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين. قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يفعل ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يكون له كن فيكون ............. "، إلى آخر الآيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
الإخوة الأحبة سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
لقد وردت سهوا بعض الأخطاء الطباعية في الآيات الكريمة فأرجو التنبه لها.
قال تعالى:
(إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران 45: 47)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[19 Oct 2009, 06:23 م]ـ
جزاك الله خيراً يا دكتور حسن على هذا التصحيح، وقد نقلتُ المقالة كما هي دون التنبه لهذه الأخطاء.
وقد تم تصحيحها وفقكم الله.
ـ[يسري خضر]ــــــــ[20 Oct 2009, 06:17 م]ـ
جزاك الله خيراً يا دكتور عبد الرحمن علي تلك الفائدة
ـ[خلوصي]ــــــــ[22 Nov 2009, 11:56 ص]ـ
[ QUOTE= عبدالرحمن الشهري;89055] سيلجاندر والقرآن .. شهادة من العيار الثقيل
على الرغم أنني أدرك أن الكثيرين شاهدوا برنامج "من واشنطن"، إلا أنني آثرت أن أضع من لم يشاهده في صورة ما سمعت ورأيت.
نعم بارك الله فيكم أستاذنا .... و يا ليته صوّر حيلته مع القساوسة!(/)
يوسف صديق تلميذ محمد أركون في تطاولات جديدة على كتاب الله
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[25 Oct 2009, 08:19 م]ـ
موضوع قرأته رأيت من واجبي أن أنقله إليكم أهل الانتصار للقرآن كيما يكشف لنا صفحة من صفحات أعداء هذا الدين وسهما من كنانة الحاقدين عليه ممن انسلخوا عن هدي ربهم وتنكبوا لصراطه المستقيم من أبناء الطابور الخامس ممن تربوا في مدارس الاستشراق وأبوا إلا أن يحلقوا بأجنحة المكر الثلاثة المعهودة لكم
بعنوان
خرافات يوسف صديق عن القرآن والوحي
للأستاذ الحسن سرات / 25 - 10 - 2009 من المغرب
بسم الله الرحمن الرجيم
اهتدى الاستشراق الغربي منذ مدة إلى طريقة فعالة في مواجهة الإسلام والإسلاميين، طريقة تعفيه من النزال المكشوف والجهر بالعداوة والخصومة.
وبعد أن انسحبت معظم قواته العسكرية من مستعمراتها السابقة، وساح كثير من الناس في الأرض فاستقرت طائفة من المهاجرين المسلمين ببلدان الغرب مغيرة خريطتها الديمغرافية والدينية، أنشأ "مستعمرات ثقافية" تعيد خطاب الاستشراق بألسنة وسحنات عربية وإسلامية.
وقام بالمهمة نيابة عن بلاشير ورودانسون وبيرك وغيرهم من الكتاب والمؤلفين الذين تظنهم للوهلة الأولى من أشد المنافحين عن الإسلام، مثل محمد أركون ومحمد الشريف الفرجاني ومحمد بن عبد الجليل ونصر حامد أبو زيد وعبده الفيلالي الأنصاري وألفت يوسف، لكن بعد الاستماع إليهم ومناقشتهم تجدهم من أشد المناوئين له.
يوسف صديق واحد من هؤلاء، ولد بتونس من أب كافح ضد الاستعمار الفرنسي وعلم أبناءه حب العربية وحفظ القرآن الكريم، على حد قول يوسف صديق، ثم تابع تعليمه الجامعي بفرنسا فدرس الفلسفة اليونانية، وتخرج أستاذا لها بالمعاهد الفرنسية، ثم درس الفكر الإسلامي الحديث بجامعة باريس.
نشر صديق كثيرا من الأبحاث والمقالات، منها "أقوال الرسول" و"أقوال علي" و"القرآن الكريم قراءة أخرى وترجمة أخرى"، وحاول نشر مؤلف عن القرآن الكريم برسوم متحركة فمنعته السلطات الدينية التونسية.
ومن أشهر كتب يوسف صديق كتاب: "لم نقرأ القرآن أبدا" و"الطارق .. القادم الجديد"، ويشمل الكتاب فصولا خمسة تبدأ بفصل "أوهام القراءة" ثم "هدم التفسير لبناء القراءة"، يليه فصل "الخطأ المؤسس"، وفصل "منسيات" وأخيرا فصل "لنقرأ"، فضلا عن المقدمة والخاتمة.
جبريل خرافة!!
منذ البداية يعلن الكاتب التونسي المقيم بفرنسا عن نفسه وعن مشروعه لدراسة القرآن، ولا يجد غضاضة في التعبير عن رفضه لظاهرة الوحي وحديث الغار، حيث كان اللقاء الأول بين الرسولين، جبريل عليه السلام ملك الوحي، ومحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين.
وتصل الجرأة بالكاتب الفرنكوفوني إلى كيل التهم الغليظة لكل العلماء والمفسرين باختراع هذه "الأسطورة" إلى جانب "أساطير أخرى" بتواطؤ مع الحكام للسيطرة على العقول والشعوب، فهي مؤامرة طويلة عريضة دبرت للمسلمين منذ قرون، ولا يزالون يرزحون تحتها، وها قد جاءهم التحرير والخلاص على يد يوسف صديق.
يقول في مقدمة كتابه "لم نقرأ القرآن أبدا": "إن التراث التفسيري هو وحده الذي اخترع سيناريو نزول القرآن .. وإن عملنا يقتضي منا إعادة النظر في مجموع الدراسات القرآنية من أجل بلورة رؤية جديدة لكتاب الإسلام، كما يقتضي منا مساءلة كل الوثائق التي صارت مرجعا لقراءة القرآن والنظر فيه".
هذا الإنكار ردده الكاتب في عدة مناسبات، في القنوات التلفزيونية الفرنسية التي استضافته مثل القناة الخامسة تي في 5 والقناة المشتركة أرتي.
وفي ندوة نظمتها سنة 2004 مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية تحت عنوان "من تفسير القرآن إلى القراءات الحديثة للظاهرة القرآنية" بتعاون مع مؤسسة كونراد أدناور، وكنت قد حضرتها، قال هذا الباحث بالحرف: "لا أتردد ولا أتلعثم في أنها خرافة، فكيف لنا أن نتصور الآن هذه القضية التي تحكيها السير، والحمد لله أن هذه السير ليس لها أصول (كذا) ".
وقال عن ملك الوحي جبريل عليه السلام: "هل من العباطة لملك كجبريل أن يضم أحدا فيقول له اقرأ، فيقول ما أنا بقارئ، فيعيد ضمه، ويعيد له نفس السؤال، ثم يقول له اقرأ شيئا لا شفرة فيه ولا تفكيك؟ ".
(يُتْبَعُ)
(/)
ومضى هذا القارئ الجديد إلى التكلف والتعسف والانتقاء في اللغة العربية ليختار منها معنى للقراءة يوافق هواه فقال: "إذن أنا أذهب إلى أن عملية الضم إن كانت شيئا صحيحا في هذه الحكاية، ولا أتصور أن هناك شيئا صحيحا أبدا، فإن كان شيئا صحيحا في هذه الحكاية، فإنه حكاية الضم، أي القراءة أن تضم إليك الشيء وأن تولده من جديد، وهذا المعنى هو أحدث معنى يتحدث عنه موريس بلانشو مثلا في كتابه الكتاب القادم le livre a venir ".
وإذا كان هذا "القارئ" قد وصف حديث الغار بالخرافة، فإنه في الوقت نفسه لم يعر اهتماما لسند حديث موضوع فقال يوسف صديق: "هناك حديث لا يهمني سنده، ولكن يهمني متنه، وإن لم أجده في أمهات كتب السنة كلها، غير أني وجدته في كتاب التعريفات لعلي الجرجاني!! ".
ويقول هذا الحديث إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمشي مع صحابته في سكك المدينة، فخرجت عليهم امرأة وأقسمت عليهم أن يدخلوا فدخلوا، فوجدوا نارا وأولادا يلعبون. فقالت المرأة يا رسول الله آلله أرحم مني بعباده أم أنا بأولادي؟ فقال لها ويحك، إن الله أرحم الراحمين، فقالت له يا رسول الله، أتراني أضع بأحد أولادي هؤلاء في النار؟ فقال لها لا، فقالت، فكيف يضع عباده في النار وهو أرحم مني، فبكى رسول الله وقال هكذا أوحي إلي.
وذهب يوسف صديق يفتش عن أي شيء يؤيد ما يريد استنتاجه، فأشار إلى أننا نحتاج إلى إعادة القراءة في القول ومعناه، وقال إنه وجد ما يبحث عنه عند القشيري وهو يفسر آية (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) فجميع المفسرين قالوا الرسول هو جبريل إلا القشيري فقال إنه محمد.
كل هذه الطرق الوعرة الملتوية ليصل "المفسر الحداثي الجديد" إلى نبي يوحى إليه بغير الملك جبريل عليه السلام، وإلى أن الوحي عند محمد عليه الصلاة والسلام هو مثل الوحي إلى النحل والأرض والجبال والحيوان.
وكان يوسف صديق هذا قد نشر مقالا له في المجلة الفرنسية الفصلية "إيسبري" esprit ضمن ملف عن "الإسلام الفرنسي والأوروبي" عام 1998 بعنوان: "لم نقرأ القرآن أبدا" زعم فيه أن جميع المفسرين السابقين لم يفهموا القرآن حق الفهم، وأنه هو سيفعل ذلك، وهذا نموذج إذن من قراءته الجديدة للقرآن الكريم.
أكثر من هذا كتب يوسف مقالا في الصحيفة الفرنسية "لونوفيل أوبسيرفاتور" في يناير 2004 أنكر فيه أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أميا، وذهب إلى أن القرآن معان أوحيت إليه وتكفل هو بكتابتها بأسلوبه لأنه كان مثقفا ومفكرا.
ويمكن الاطلاع على هذا الهراء في كتابه الجديد "إننا لم نقرأ القرآن أبدا" الصادر عن دار "الغروب" الفرنسية، الطبعة الأولى 2004.
تُهَم أخرى
ولا يتوقف يوسف صديق عند هذا الحد، بل يضاعف التهم التي سبقه إليها المستشرقون والشيوعيون والمتعصبون، فيتوهم -أو يتمنى أن يكون ذلك صحيحا- أن في الإسلام إكليروسا مثل إكليروس الكنيسة يقف حارسا ضد كل متطفل، فيتساءل قائلا: "ما الذي جعل القرآن كتابا غير قابل للقراءة بعيدا عن وساطة وموافقة الإكليروس؟ ومن المستفيد من احتكار سلطة القراءة والتلاوة؟ ".
ثم يحكم على القرون الماضية كلها حكما لا رجعة فيه: "فمنذ الخليفة الثالث بسط السياسي وصايته على المفكر وأقصاه من مجال النظر في القرآن".
ويرفض الكاتب كل الروايات الصحيحة الواردة في كتب السيرة والحديث التي قبلتها الأمة الإسلامية، ويقبل بروايات لا أساس لها من الصحة جاءت في كتب الأصفهاني صاحب الأغاني والفارابي.
ويزعم أن القرآن الكريم، وهو يعلن ختم النبوات وإغلاق الباب أمام أدعيائها، فإنه يجعل الفكر الإنساني وحده مسئولا عن النظر في العالم وتعقله، وبناء على ذلك يقدم محاولته لرؤية جديدة لهذا العالم ما دام زمن الأنبياء قد ولى وما دام الفعل الإلهي قد انسحب من التاريخ رافضا محاكمة عالم البشر في تقلبات الأحداث والوقائع.
ويرى أن الخلفية السياسية والقبلية تحكمت في وضع البسملة في مطلع سورة قريش لتمجيد القبيلة العربية، وأن النسخ آلية استعملها المفسرون المحافظون بمهارة كبيرة للإبقاء على ما يريدون وإخفاء ما لا يريدون، مثل قصة الغرانيق العلى.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويقول أيضا إن النبي "محمدا قد أدرك أنه بامتناعه عن كتابة مصحف مسطور للوحي بصفته مفكرا أن المعنى لا يعبر عن نفسه، ولا يقول ما فيه إلا إذا كان يحمل في حد ذاته وميضه الخاص، فإذا ما تحول إلى مكتوب صار مهددا بأن يتحول إلى مجرد مثال".
الشيخ والمريدون
يشيد يوسف صديق "بشيخه" محمد أركون قائلا عنه: "إن أعماله المتعددة صارت ذات مرجعية في البحث عن إسلام عصري"، وفي كل الندوات التي يحضر فيها "الشيخ" لا يسبقه "المريدون" بالقول، ويصدرون عن توجيهاته ونصائحه.
والقوم جميعًا يصدرون عن مرجع واحد حددت خطته في تقسيم التفاسير والقراءات القرآنية إلى أنواع ثلاثة:
أولها: "القراءات التي تواصل العمل بالتقاليد الإسلامية للتفسير، وواضح هنا أن كل تراث المفسرين السابقين على غزارته وتنوعه واجتهاداته ليس سوى مجرد تقاليد معوقة".
ويطلقون على هذه التفاسير التي تشمل التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي والتفسير الصوفي وصفا آخر هو "التفسير الأرثوذوكسي".
وثانيها: "القراءات التي تعد امتدادا للتقليد الاستشراقي".
أما الثالثة: وهي التي ينسبون أنفسهم إليها، فهي "القراءات التي أنتجها مسلمون مدركون لمأزق التفسير التقليدي والذين يحاولون إخضاع النص القرآني لأدوات القراءة الحديثة ومناهجها، مع الاعتراف به كنص مؤسس لدين استطاع أن يتجاوز حدود الزمان والمكان والثقافات".
خلاصة
والحق أن عقدة القضية تكمن في أن القوم يقدمون أنفسهم بالغرب على أنهم الناطقون باسم الإسلام والعارفون بشئونه، وهذا ما يحتم على العلماء والمفكرين المسلمين بالغرب أن يتصدوا لهذه المحاولات بلسان قومهم، فما أرسل الله من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم.
وإن القرآن الكريم أعلى من كل القراء الذين توالوا على قراءته على مر العصور، بدأ هذا يوم نزوله الأول، واستمر في عصوره الزاهرة، وفي عصوره المنحدرة، وما يزال مستمرا وسيبقى.
والمعارف الحديثة والنظريات المستحدثة لن تزيد القرآن إلا جلاء وذكرا، ولو أراد القراء بها أشياء أخرى.
وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وسبحان الذي أنزله فقال عن الذين يتلقونه {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}.
________________________________________
ـ[ايت عمران]ــــــــ[25 Oct 2009, 10:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شكر الله لكم، وزادكم غيرة على دينه وكتابه
الملاحظ لمسيرة القرآن الكريم المباركة يجد أن أصوات الناعقين في طريقه بالطعن لم يخل منها زمان
وهم في كل عصر يلوكون فيه ما سبقهم إليه سابقوهم؛ إما بنفس الأسلوب أو بأسلوب غيره
وفي كل مرة يرجعون على أعقابهم جارين أذيال الخيبة والثبور والعور
وكم سودت صحائف ولفقت كتب، لكن أتى عليها الزمان العادل، وأخنى عليها الذي أخنى على لبد
وهذا العصر ليس بدعا من العصور، وهؤلاء النابحون ليسوا بأعلم من أولئك الناعقين ولا بأخطر
لكن، المهم هو أن نكون نحن في مستوى المسؤولية، وأن نتعلم كيف نجعل هؤلاء حثالة في مزابل التاريخ
وفي رأيي القاصر أن من أهم وسائل الرد عليهم هو عدم الرد، خصوصا أن الكثيرين منهم ـ لا كثرهم الله ـ ينشرون ما ينشرون رغبة في المال والشهرة، والأمثلة معروفة
فنحن بكفنا عنهم نسد عليهم الطريق
وفي رأيي أيضا أن نشر شبههم في أماكن عامة قد يكون مضرا بالقراء، خصوصا من ليس لهم ثقافة شرعية رصينة
كما أن ذكر كتبهم دعاية مجانية لها في رأيي دائما.
وأخيرا أوصي المهتمين بالانتصار للقرآن الكريم ـ وينبغي لكل مسلم أن يكون كذلك ـ أن يدرسوا طرق التعامل مع هؤلاء دراسة دقيقة دقة المرحلة التي نعيشها
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Oct 2009, 11:52 م]ـ
أشكر أخي العزيز الأستاذ طارق عبد الله شيخ إسماعيل وفقه الله على هذا النقل للمقالة، وقد كنتُ قرأتها وأردت نقلها فسبقتني رعاكم الله ونفع بكم. وقد اشتقنا لأخباركم في الشارقة حفظكم الله.
وفي نقلها هنا إفادة للمتخصصين ليعرفوا ماذا يدور في الساحة حول القرآن من الطعن فيه والانتصار له، نسأل الله أن يجعلنا ممن يقوم بحق كتابه.
وإلا فمثل هذه الشبهات التي يطرحها هؤلاء لا تستحق الذكر فضلاً عن الرد، ولكن لا بد من النظر فيما يدور من قبل المتخصصين ليكونوا على بينة من الأمر دوماً.
ـ[محمد الأمين بن محمد المختار]ــــــــ[29 Oct 2009, 12:25 ص]ـ
هؤلاء الملاحدة - أخزاهم الله - لا حدود لجراءتهم
ولئن كان تهافت دعاويهم بديا للعيان فإن مما يجب الانتباه له ما يدس من الحق في وسط الكلام الباطل فيستدعي منك إنكاره دون قصد
من ذلك هنا أن الخبيث يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أميا بل كان مثقفا
فقبل أن تستعجل الى الانكار انظر الى المقابة بين الثقافة والأمية
فليس معنى الأمية في وصفه صلى الله عليه وسلم الجهل - كما يوحي الخبيث - بل هي أمية الكتابة فقط
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد كالو]ــــــــ[29 Oct 2009, 07:32 ص]ـ
يلاحظ قارئ كتب هؤلاء (الانسلاخسلاميين كما سماهم الدكتور محمد الطالبي) أنهم لا يستشهدون إلا بكلام المستشرقين فقط، وإذا استلوا معلومة من التراث العربي أو الإسلامي فلينقدوه فقط، ونقدهم يكون غالباً بقولهم (وهذا تفسير ميثي) دون أن يفسروا لنا المعنى الصحيح.
وطريقة الكتابة عند هؤلاء أنهم يقرؤون عن الإسلام ليس من كتب الإسلاميين لأنهم يعتقدون أن كتابات المسلمين (دقة قديمة) فهم حداثيون لا يقرؤون إلا كتب المستشرقين والملاحدة ويستشهدون دائماً بكلامهم، وحينها لا تعجب من الخبيث المسمى يوسف صديق" الزنديق " ماذا يقول وهو ينكر أن الملك جبريل ضم النبي وقال له اقرأ، وبماذا يستشهد:
فيقول:
"إذن أنا أذهب إلى أن عملية الضم إن كانت شيئا صحيحا في هذه الحكاية، ولاأتصور أن هناك شيئا صحيحا أبدا، فإن كان شيئا صحيحا في هذه الحكاية، فإنه حكايةالضم، أي القراءة أن تضم إليك الشيء وأن تولده من جديد، وهذا المعنى هو أحدث معنىيتحدث عنه موريس بلانشو مثلا في كتابه الكتاب القادم le livre a venir ".
ثم تراهم يتقيؤون قائلين: ثقافة علماء المسلمين ثقافة التكرار والاجترار، ولا يدري هؤلاء الخبثاء أنهم يجترون كلام المستشرقين!!
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[31 Oct 2009, 10:40 م]ـ
جزاكم الله تعالى أحبتي في الله كل خير وزادكم الله علما وعملا ونفع بكم ورفع قدركم وجعل كتاب كل منكم في عليين بما تنافحون عن كتاب الله ودينه وبما تحملون من أمانة وشرف وراثة النبوة وتقومون بحقها في عصر أصبح فيه الطعن بدين الله والخروج على شرعه إبداعا وحرية وتنويرا، وفعلا سادتي إن الناظر في كتابات هذه الثلة من عملاء الغرب الصهيونصراني الحاقد على كتاب الله وسنة رسوله الخاتم (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) هؤلاء الذين حملوا مهمة العمالتين الحضارية والسياسية فكانوا أبواق الاستشراق ودعاة الولاء لبراثن الاستعمار ومنظماته واتجاهاته ولاته في المنطقة الإسلامية,,,, من حملة (العلمنة والحدثنة) ... الناظر فيما يكتبون وكل ما يقولون ليدرك بأبسط نظر ودون عناء حقيقة عملية الاجترار الفكري للفكر الاستشراقي التبشيري الحاقد .... ولكن لابد ممن يعري حقيقتهم في كل مايقولون ويكتبون لأن المخدوعين بهم يتجددون؛ لفشو آثار عملية التجهيل بهذا الدين التي مارسوها في نظمهم التعليمية والاعلامية في كل قنواتها ... والقارئ لتقرير راند ليدرك بصريح عبارات القوم حقيقة عمالة تلك الثلة - الحثالة - أدعياء التنوير والحداثة الجهلية .... ومن اطلع على ما قاله هذا الدعي في قناة الجزيرة يوم أبرزته في برنامج مسارات كمفكر وصاحب رؤية ودراسات وفلسفة ليدرك أنه لابد من كشف عوارهم وكشف حقيقتهم والرد عليهم
وجزاكم الله تعالى خيرا أستاذنا المفضال الدكتور عبد الرحمن معاضة الشهري لجهودكم في خدمة هذا الكتاب في هذا الموقع وغيره ولك أزكى تحية وأخلص دعاء فمازالت محاضراتك في المنتدى الإسلامي حية ناطقة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم طارق(/)
بين الحجاب والنقاب
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[27 Oct 2009, 12:39 ص]ـ
ما هو اللباس المطلوب شرعا: هو النقاب أم الحجاب العادي؟ تلك هي المسألة التي اختلف فيها العلماء قديما وحديثا، وما كان لنا أن نثيرها ولولا الجدل الدائر عليه الآن في الساحة الإسلامية، فأردنا أن نورد رأي الفقهاء في ذلك مع أدلة كل فريق، حتى يتضح الأمر، وتتخذ كل فتاة قرارها عن علم و قناعة.
ونبدأ بعرض الآيات التي تعتبر أصلا في مسألة الحجاب، ثم فهم العلماء لذلك:
يقول تعالى في سورة النور: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} النور31
اختلف العلماء قديما وحديثا في تحديد المقصود من الزينة في الآية، وفيما يلي ذكر لأقوال السلف في تفسير الزينة:
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه في قوله تعالى?: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}، قال: الزينة السوار والدملج والخلخال، والقرط، والقلادة {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الثياب والجلباب.
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: الزينة زينتان،، زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأمّا الزينة الظاهرة: فالثياب، وأمّا الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم.
وعن أنس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم.
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم والقرط والقلادة.
وعن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: وجهها، وكفّاها والخاتم.
عن عكرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه وثغرة النحر.
وعن سعيد بن جبير في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه والكفّ.
وعن عطاء في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكفّان والوجه.
وعن قتادة {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة: وبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر إلا إلى ه?هنا» ويقبض نصف الذراع.
وعن المسور بن مخرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: القلبين، يعني السوار والخاتم والكحل.
قال ابن جريج: وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: القلب والفتخة.
قالت عائشة: دخلت عليّ ابنة أخي لأُمّي عبد اللَّه بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأعرض، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: إنها ابنة أخي وجارية، فقال: «إذا عركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا»، وقبض على ذراعه نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى.
وهكذا يتحصل لدينا في الجملة إلى ثلاثة أقوال:
- 1 - المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها.
- 2 - المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها أيضا، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، مثل الحناء والكحل.
- 3 - المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها، مثل الوجه والكفين.
وبناء على تحديد مفهوم الزينة بني شكل الحجاب المطلوب شرعا: هل الحجاب العادي أم النقاب، فالذين قالوا المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها قالوا بالنقاب.
والذين قالوا المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها، قالوا بالحجاب العادي.
واستدل القائلون القول الأخير بأدلة منها:
قوله تعالى?: {يأَيُّهَا ?لنَّبِىُّ قُل لأزْو?جِكَ وَبَنَـ?تِكَ وَنِسَاء ?لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}.
- لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالى?: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع على استلزامه ذلك.
- إنه قد قامت قرينة قرءانيّة على أن قوله تعالى?: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة المذكورة هي قوله تعالى?: {ذ?لِكَ أَدْنَى? أَن يُعْرَفْنَ}، قال: وقد دلّ قوله: {أَن يُعْرَفْنَ} على أنهنّ سافرات كاشفات عن وجوههن؛ لأن التي تستر وجهها لا تعرف.
(يُتْبَعُ)
(/)
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك، حديث ابن عباس الذي قدّمناه، قال: أردف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي اللَّه عنهما، يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئًا فوقف النبيّ صلى الله عليه وسلم يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها فالتفت النبيّ صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول اللَّه? إن فريضة اللَّه في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخًا كبيرًا… الحديث، قالوا: فالإخبار عن الخثعمية بأنها وضيئة يفهم منه أنها كانت كاشفة عن وجهها.
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك حديث جابر الثابت في الصحيح، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان، ولا إقامة، ثم قام متوكّئًا على بلال فأمر بتقوى اللَّه، وحثّ على طاعته، ووعظ الناس، وذكّرهم ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكّرهن، فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لِمَ يا رسول اللَّه؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن، اهـ. هذا لفظ مسلم في «صحيحه»، قالوا: وقول جابر في هذا الحديث: سفعاء الخدّين يدلّ على أنها كانت كاشفة عن وجهها، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خدّيها، ولما علم بأنها سفعاء الخدين.
واستدل القائلون بالنقاب بأدلة منها:
- قوله تعالى?: {يأَيُّهَا ?لنَّبِىُّ قُل لاِزْو?جِكَ وَبَنَـ?تِكَ وَنِسَاء ?لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}: أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شىء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به: ابن مسعود، وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم.
- أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله: {ذ?لِكَ أَدْنَى? أَن يُعْرَفْنَ}، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرءان، كما ترى. فقوله:
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح.
- وقال البخاري رحمه اللَّه في «صحيحه»، باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}. وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي عن يونس، قال ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول، لما أنزل اللَّه: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، شققن مروطهن فاختمرن بها.
حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إبر?هيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم عن صفيّة بنت شيبة: أن عائشة رضي اللَّه عنها، كانت تقول: لما نزلت هذه الآية {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها، انتهى من صحيح البخاري. وقال ابن حجرفي «الفتح»، في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن، أي غطّين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنّع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار. انتهى محل الغرض من «فتح الباري». وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى?: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالى?: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، المقتضي ستر وجوههن.
وقالوا في حديث عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا»، وأشار إلى وجهه وكفّيه؛ وهذا الحديث في كلام: بأنه ضعيف من جهتين:
الأولى: هي كونه مرسلاً؛ لأن خالد بن دريك لم يسمع من عائشة، كما قاله أبو داود، وأبو حاتم الرازي كما قدّمناه في سورة «النور».
الجهة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، قال فيه في «التقريب»: ضعيف.
نخلص في النهاية إلى أن المسألة خلافية بين العلماء وأن الخلاف فيها قوي ومعتبر. بقي أن نؤكد القاعدة الأصولية التي تقول: أجمع العلماء أن الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[27 Oct 2009, 08:40 م]ـ
جزاك الله تعالى أخي الكريم خيراً وبارك الله بك وبعلمك ونفع بك
ومن هذا الذي ذكرت يستفيد طالب الحق أن النقاب هو أحد وجهي الستر المأمور به شرعاً فهو مشروع بالاتفاق لكن الخلاف بين من يقول إنه الأصل وهوالمأمور به ولا يخرج النساء من عهدة التكليف والأمر إلا بامتثاله .... وبين من يقول إنه مشروع على سبيل الندب والأفضلية ولو على طريق الخروج من الخلاف لاعلى سبيل الوجوب إلا في حالات سد الذرائع ممن يكن مثار فتنة الرجال بجمالهن ... فالقول بأنه عادة وغير مشروع محض جهل لايتسنى أن يقول به رجل يمتلك من العلم شيئا فضلا عن أن يكون إمام مدرسة أو جامع أو مؤسسة علمية ذات اعتبار وحسبنا الله ونعم الوكيل
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[27 Oct 2009, 09:49 م]ـ
بارك الله فيكما مع التنبيه على أن النقاب المشروع على سبيل الندب أو الوجوب هو النقاب الذي يتحقق به الستر والبعد عن الفتنة لأنه لم يعد خافيا على أحد ما تفعله بعض النسوة من توسيع النقاب لتظهر منه الخدود أو تلبسه على ثوب ضيق ونحو ذلك فهذا ليس مقصودا بلا شك بل هو بدعة مظلمة وضلالة محرمة وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين بتحريم ذلك النقاب وكذلك الشيخ الفوزان مع أنهما يقولان بوجوب ستر الوجه والكفين كما هو معلوم (فهذا سؤال وجه للعلامة ابن عثيميين – رحمه الله – ونص السؤال: في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل ملفت للنظر وهي ما يسمى بالنقاب والغريب في الظاهرة ليس لبس النقاب، إنما طريقة لبسه لدى النساء، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه إلا العينان فقط، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئاً فشيئاً فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة ولاسيما أن كثيرًا من النساء يكتحلن عند لبسه، وإذا نوقشن في الأمر احتججن بأن فضيلتكم أفتى بأن الأصل فيه الجواز، فنرجو توضيح هذه المسالة بشكل مفصل؟
الجواب: لاشك أن النقاب كان معروفاً في عهد النبي ? وأن النساء كن يفعلنه كما يفيده قوله في المرأة إذا أحرمت "لا تنتقب" فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز وهذا أمر شاهد، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعاً باتاً، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وألا تنتقب لأن هذا يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه.
وقال الشيخ الفوزان – رحمه الله – في فتاويه المجلد الثالث سؤال رقم: (446) سائلة تقول: كثر الحديث حول النقاب مدى حله أو حرمته بماذا تنصحني فضيلة الشيخ حول هذا الموضوع؟
فأجاب فضيلته: الواجب على المرأة المسلمة التزام الحجاب الساتر على وجهها وسائر بدنها درءًا للفتنة عنها وعن غيرها والنقاب الذي تعمله كثير من النساء اليوم نوع من السفور، بل هو تدرج إلى ترك الحجاب، فالواجب على المرأة المسلمة أن تبقي على حجابها الشرعي الساتر وتترك هذا العبث الذي تفعله بعض السفيهات من النساء اللاتي تضايقن من الحجاب الشرعي، فأخذن يتحايلن على التخلص منه.
وقال الإمام محمد بن سيرين – رحمه الله –: النقاب محدث، قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وهذا حديث قد تأوله بعض الناس على غير وجهه، يقول: إن النقاب لم يكن النساء يفعلنه، كن يبرزن وجوههن، وليس هذا وجه الحديث، ولكن النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه المحجر فإذا كان على طرف الأنف فهو اللفام، وإذا كان على الفم فهو اللثام، ولهذا قيل: فلان يلثم فلاناً إذا قبله على فمه والذي أراد محمد فيما نرى - والله أعلم – أن يقول: إن إبدائهن المحاجر محدث، وإنما كان النقاب لاحقاً بالعين أو أن يبدو إحدى العينين والأخرى مستورة، عرفنا ذلك بحديث يحدثه هو عن عبيدة أنه سأله عن قوله عز وجل: ?يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ?، قال: فقنع رأسه وغطى وجهه وأخرج إحدى عينيه وقال: هكذا فإذا كان النقاب لا يبدو منه إلا العينان فقط فذلك الوصوصة واسم ذلك الشيء الوَصْوَاص وهو الثوب الذي يغطى به الوجه، وقال الشاعر:
يا ليتها قد لبست وَصْواصا
وإنما قال هذا محمد لأن الوصاوص والبراقع كانت لباس النساء ثم أحدثن النقاب بعد ذلك.
وقال الذهبي – رحمه الله -: ومن الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت ولبسها الصباغات والأزر الحريرية والأقبية القصار مع تطويل الثوب وتوسعة الأكمام وتطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت، وكل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه ويمقت فاعله في الدنيا والآخرة.
فثبت من أقوال هؤلاء الأئمة أن هذا النقاب المحدث نوع من أنواع التبرج الذي تأثم المرأة بما أحدثته فيه من فتنة لعدم مراعاتها للشروط الشرعية في حجابها وكيف لا تكون متبرجة من لبست نقابها على عباءة ضيقة تحجم عورتها؟ أو تشف عن جسمها؟ أو تتكسر في مشيتها؟ أو تبدي قدميها ويديها للناظرين؟ أو تخالط الرجال بلا حياء؟ أو تحادثهم بخضوع ولين؟ أو تتبع الموضات فتلبس آخر الموديلات؟ كيف لا تكون هذه متبرجة آثمة بعد فتاوى هؤلاء الأئمة؟ وكيف لا تكون متبرجة وآثمة وهي فتنة لشباب الأمة؟ بل إن فتنتها أخطر من فتنة غيرها ممن فعلن فعلها ولكن بلا نقاب، لأن الناظر يعلم أنها متبرجة فلا ينظر إليها حذرًا من فتنتها، أما ذات النقاب، فهي مأمونة الجناب، فإذا لم ينظر إليها الناظر بارتياب، فإنه ينظر باستغراب، وقد يفتن بهذا العجب العجاب، فاتقي الله يا أمة الله والتزمي ما اتفق عليه العلماء، وأجمع عليه الفقهاء من الشروط الشرعية للحجاب، وإذا شئت الزيادة فلا بأس بالنقاب بشرط أن يكون مع شروط الحجاب ولا يبدو منه إلا العينان فقط، أما هذا الاستهتار المشاهد من كثير من المنتقبات فليس هذا بنقاب إلا أن يكون نقاب بلا حجاب،).
انتهى من كتاب اتساع النقاب بين التبرج والحجاب لمحمد بن عيد الشعباني وقدم له أبو بكر الحنبلي طبع مكتبة السنة بالقاهرة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[28 Oct 2009, 01:22 ص]ـ
ما هو اللباس المطلوب شرعا: هو النقاب أم الحجاب العادي؟ تلك هي المسألة التي اختلف فيها العلماء قديما وحديثا، وما كان لنا أن نثيرها ولولا الجدل الدائر عليه الآن في الساحة الإسلامية، فأردنا أن نورد رأي الفقهاء في ذلك مع أدلة كل فريق، حتى يتضح الأمر، وتتخذ كل فتاة قرارها عن علم و قناعة.
ونبدأ بعرض الآيات التي تعتبر أصلا في مسألة الحجاب، ثم فهم العلماء لذلك:
يقول تعالى في سورة النور: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} النور31
اختلف العلماء قديما وحديثا في تحديد المقصود من الزينة في الآية، وفيما يلي ذكر لأقوال السلف في تفسير الزينة:
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه في قوله تعالى?: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}، قال: الزينة السوار والدملج والخلخال، والقرط، والقلادة {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الثياب والجلباب.
وعن ابن مسعود رضي اللَّه عنه، قال: الزينة زينتان،، زينة ظاهرة، وزينة باطنة لا يراها إلا الزوج. فأمّا الزينة الظاهرة: فالثياب، وأمّا الزينة الباطنة: فالكحل، والسوار والخاتم.
وعن أنس في قوله: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم.
وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكحل والخاتم والقرط والقلادة.
وعن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: وجهها، وكفّاها والخاتم.
عن عكرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه وثغرة النحر.
وعن سعيد بن جبير في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الوجه والكفّ.
وعن عطاء في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: الكفّان والوجه.
وعن قتادة {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: المسكتان والخاتم والكحل.
قال قتادة: وبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر إلا إلى ه?هنا» ويقبض نصف الذراع.
وعن المسور بن مخرمة في قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، قال: القلبين، يعني السوار والخاتم والكحل.
قال ابن جريج: وقالت عائشة رضي اللَّه عنها: القلب والفتخة.
قالت عائشة: دخلت عليّ ابنة أخي لأُمّي عبد اللَّه بن الطفيل مزينة، فدخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأعرض، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: إنها ابنة أخي وجارية، فقال: «إذا عركت المرأة لم يحلّ لها أن تظهر إلا وجهها وإلا ما دون هذا»، وقبض على ذراعه نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى.
وهكذا يتحصل لدينا في الجملة إلى ثلاثة أقوال:
- 1 - المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها.
- 2 - المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها أيضا، لكن النظر إلى تلك الزينة يستلزم رؤية شيء من بدن المرأة، مثل الحناء والكحل.
- 3 - المراد بالزينة الظاهرة بعض بدن المرأة الذي هو من أصل خلقتها، مثل الوجه والكفين.
وبناء على تحديد مفهوم الزينة بني شكل الحجاب المطلوب شرعا: هل الحجاب العادي أم النقاب، فالذين قالوا المراد بالزينة ما تتزين به المرأة خارجا عن أصل خلقتها، ولا يستلزم النظر إليه رؤية شيء من بدنها قالوا بالنقاب.
والذين قالوا المراد بالزينة: ما تتزين به المرأة وليس من أصل خلقتها، قالوا بالحجاب العادي.
واستدل القائلون القول الأخير بأدلة منها:
قوله تعالى?: {يأَيُّهَا ?لنَّبِىُّ قُل لأزْو?جِكَ وَبَنَـ?تِكَ وَنِسَاء ?لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}.
- لفظ الآية الكريمة، وهو قوله تعالى?: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، لا يستلزم معناه ستر الوجه لغة، ولم يرد نص من كتاب، ولا سنّة، ولا إجماع على استلزامه ذلك.
- إنه قد قامت قرينة قرءانيّة على أن قوله تعالى?: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، لا يدخل فيه ستر الوجه، وأن القرينة المذكورة هي قوله تعالى?: {ذ?لِكَ أَدْنَى? أَن يُعْرَفْنَ}، قال: وقد دلّ قوله: {أَن يُعْرَفْنَ} على أنهنّ سافرات كاشفات عن وجوههن؛ لأن التي تستر وجهها لا تعرف.
(يُتْبَعُ)
(/)
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك، حديث ابن عباس الذي قدّمناه، قال: أردف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي اللَّه عنهما، يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلاً وضيئًا فوقف النبيّ صلى الله عليه وسلم يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها فالتفت النبيّ صلى الله عليه وسلم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده، فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها، فقالت: يا رسول اللَّه? إن فريضة اللَّه في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخًا كبيرًا… الحديث، قالوا: فالإخبار عن الخثعمية بأنها وضيئة يفهم منه أنها كانت كاشفة عن وجهها.
- ومن الأحاديث التي استدلّوا بها على ذلك حديث جابر الثابت في الصحيح، قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان، ولا إقامة، ثم قام متوكّئًا على بلال فأمر بتقوى اللَّه، وحثّ على طاعته، ووعظ الناس، وذكّرهم ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكّرهن، فقال: «تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لِمَ يا رسول اللَّه؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطهن وخواتمهن، اهـ. هذا لفظ مسلم في «صحيحه»، قالوا: وقول جابر في هذا الحديث: سفعاء الخدّين يدلّ على أنها كانت كاشفة عن وجهها، إذ لو كانت محتجبة لما رأى خدّيها، ولما علم بأنها سفعاء الخدين.
واستدل القائلون بالنقاب بأدلة منها:
- قوله تعالى?: {يأَيُّهَا ?لنَّبِىُّ قُل لاِزْو?جِكَ وَبَنَـ?تِكَ وَنِسَاء ?لْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}: أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شىء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به: ابن مسعود، وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم.
- أن عامّة المفسّرين من الصحابة فمن بعدهم فسّروا الآية مع بيانهم سبب نزولها، بأن نساء أهل المدينة كن يخرجن بالليل لقضاء حاجتهن خارج البيوت، وكان بالمدينة بعض الفسّاق يتعرّضون للإماء، ولا يتعرّضون للحرائر، وكان بعض نساء المؤمنين يخرجن في زي ليس متميّزًا عن زي الإماء، فيتعرّض لهن أولئك الفساق بالأذى ظنًّا منهم أنهن إماء، فأمر اللَّه نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يتميّزن في زيهن عن زي الإماء، وذلك بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، فإذا فعلن ذلك ورآهن الفساق، علموا أنهن حرائر، ومعرفتهم بأنهن حرائر لا إماء هو معنى قوله: {ذ?لِكَ أَدْنَى? أَن يُعْرَفْنَ}، فهي معرفة بالصفة لا بالشخص. وهذا التفسير منسجم مع ظاهر القرءان، كما ترى. فقوله:
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـ?بِيبِهِنَّ}، لأن إدنائهن عليهن من جلابيبهن يشعر بأنهن حرائر، فهو أدنى وأقرب لأن يعرفن، أي: يعلم أنهن حرائر، فلا يؤذين من قبل الفساق الذين يتعرّضون للإماء، وهذا هو الذي فسّر به أهل العلم بالتفسير هذه الآية، وهو واضح.
- وقال البخاري رحمه اللَّه في «صحيحه»، باب: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}. وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي عن يونس، قال ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول، لما أنزل اللَّه: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، شققن مروطهن فاختمرن بها.
حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إبر?هيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم عن صفيّة بنت شيبة: أن عائشة رضي اللَّه عنها، كانت تقول: لما نزلت هذه الآية {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي، فاختمرن بها، انتهى من صحيح البخاري. وقال ابن حجرفي «الفتح»، في شرح هذا الحديث: قوله: فاختمرن، أي غطّين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنّع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار. انتهى محل الغرض من «فتح الباري». وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيّات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى?: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن، أي: سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر اللَّه في قوله تعالى?: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى? جُيُوبِهِنَّ}، المقتضي ستر وجوههن.
وقالوا في حديث عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها، وقال: «يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت الحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا»، وأشار إلى وجهه وكفّيه؛ وهذا الحديث في كلام: بأنه ضعيف من جهتين:
الأولى: هي كونه مرسلاً؛ لأن خالد بن دريك لم يسمع من عائشة، كما قاله أبو داود، وأبو حاتم الرازي كما قدّمناه في سورة «النور».
الجهة الثانية: أن في إسناده سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، قال فيه في «التقريب»: ضعيف.
نخلص في النهاية إلى أن المسألة خلافية بين العلماء وأن الخلاف فيها قوي ومعتبر. بقي أن نؤكد القاعدة الأصولية التي تقول: أجمع العلماء أن الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء.
أخي الكريم:
أولا: أين وجدت هذا الإجماع الذي ذكرت من أن الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء؟
ثانيا: قضية الحجاب أشبعت بحثا في كتب التفسير والحديث والفقه وغيرها، وقولك إن قوله تعالى "ذلك أدنى أن يعرفن" يفهم منه أنهن كاشفات عن وجوههن غير صحيح؛ بل يعرفن من مخالفتهن للإماء لأن الإماء لا يجب عليهن ستر الوجه ..
ثالثا: حديث الفضل بن عباس معترض عليه عند أهل العلم باعتراضات لك أن تراجعها في التفاسير.
والذي تطمئن إليه النفس أن الوجه وكذا الكفين من العورة لأدلة كثيرة مبثوثة في كتب أهل العلم، وإن شئت أن ألخصها لك فلك ذلك على مشاغلي.
والله تعالى إعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[28 Oct 2009, 06:44 ص]ـ
أخي الكريم:
أولا: أين وجدت هذا الإجماع الذي ذكرت من أن الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء؟
.
أتفق مع الأخ الكريم إبراهيم الحسني في المطالبة بالدليل على هذه القاعدة , لكنني أختلف معه في قوله:
ثالثا: حديث الفضل بن عباس معترض عليه عند أهل العلم باعتراضات لك أن تراجعها في التفاسير.
لأن هذه الاعتراضات كلها واهية , وإن شاء ذكرها لنا وسأبين له بفضل الله عز وجل أنها أوهى من خيوط العنكبوت , وقد كنت آخذ بوجوب ستر الوجه والكفين حتى اطلعت على كلام الإمام الألباني في رده المفحم ونظرت في الردود عليه فما وجدتها تروي غليلا ولا تشفي عليلا فلم يسعني إلا القول الآخر بالاستحباب لأنه القول المستوعب لجميع الأدلة والجامع لها.
وقولكم:
والذي تطمئن إليه النفس أن الوجه وكذا الكفين من العورة لأدلة كثيرة مبثوثة في كتب أهل العلم، وإن شئت أن ألخصها لك فلك ذلك على مشاغلي.
إذا انتهينا من الاعتراضات على حديث الفضل انتقلنا إلى هذه الأدلة التي أشرت إليها , وبارك الله فيكم.
والله تعالى إعلم
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[28 Oct 2009, 09:13 م]ـ
حديث الفضل بن عباس معترض عليه عند أهل العلم باعتراضات منها:
1 – أنه لم يصرح فيه بأنها كانت كاشفة عن وجهها مع دواعي التصريح.
2 – أن راوي الحديث هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ولم يكن حاضرا وإنما نقله عن الفضل، ولم يقل له إنها كانت كاشفة عن وجهها.
3 - أن غاية ما في هذا الحديث أن هذه المرأة كانت وضيئة وحسناء، وقد يعرف كل ذلك من غير نظر إلى الوجه، وكم من امرأة قامتها تفسد قلوب الرجال ولو كشفت عن وجهها لخالفوا الطرق.
4 – أنه لو كان االكشف عن الوجه جائزا لنقل ولو في حديث واحد التصريح بذلك؛ وقد نقلت كل أحكام الإسلام، فلماذا لم نجد في كل كتب الحديث على كثرتها وتنوعها واشتمالها على الصحيح والضعيف بل والموضوع حديثا صرح بكشف صحابية واحدة وجهها؟
5 – والفضل رضي الله تعالى عنه كان شابا وجميلا وطفق قبل هذه الخثعمية ينظر في نساء عند الدفع من مزدلفة؛ وصرف وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلو كان االنظر إلى الوجه جائزا فلماذا يصرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما مر الظعن يجرين، ولماذا يصرفه عن الخثعمية ما دام أنه يجوز لها كشف وجهها.
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[28 Oct 2009, 10:28 م]ـ
حديث الفضل بن عباس معترض عليه عند أهل العلم باعتراضات منها:
1 – أنه لم يصرح فيه بأنها كانت كاشفة عن وجهها مع دواعي التصريح.
2 – أن راوي الحديث هو عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ولم يكن حاضرا وإنما نقله عن الفضل، ولم يقل له إنها كانت كاشفة عن وجهها.
3 - أن غاية ما في هذا الحديث أن هذه المرأة كانت وضيئة وحسناء، وقد يعرف كل ذلك من غير نظر إلى الوجه، وكم من امرأة قامتها تفسد قلوب الرجال ولو كشفت عن وجهها لخالفوا الطرق.
4 – أنه لو كان االكشف عن الوجه جائزا لنقل ولو في حديث واحد التصريح بذلك؛ وقد نقلت كل أحكام الإسلام، فلماذا لم نجد في كل كتب الحديث على كثرتها وتنوعها واشتمالها على الصحيح والضعيف بل والموضوع حديثا صرح بكشف صحابية واحدة وجهها؟
5 – والفضل رضي الله تعالى عنه كان شابا وجميلا وطفق قبل هذه الخثعمية ينظر في نساء عند الدفع من مزدلفة؛ وصرف وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلو كان االنظر إلى الوجه جائزا فلماذا يصرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما مر الظعن يجرين، ولماذا يصرفه عن الخثعمية ما دام أنه يجوز لها كشف وجهها.
إليك جواب العلماء الذي يؤكد بلا شك أن معنى وضيئة: جميلة الوجه ولا دخل لقامتها في وضاءتها فما الفائدة من ذكر الوجه إذا ذكر ما يستلزمه ويدل عليه دلالة بينة , أنسيت أن لغة العرب عمدتها البلاغة والتي منها الصفح عن ذكر ما هو مفهوم بداهة من لوازمه , وأسألك هل وصفت المرأة وحدها بأنها وضيئة؟ أم وصف معها الفضل أيضا بأنه وضيء؟ أليس معنى وصف الفضل بأنه وضيء أي جميل الوجه أم أن ذلك ليس بلازم وربما كان الفضل ساترا وجهه ووصف بأنه وضيء لحسن قامته فقط؟ هل يقول هذا عاقل يفهم لغة العرب فهما جيدا متجردا , وحتى لا أطيل عليك بكلامي الذي ربما تستثقله إليك كلام
(يُتْبَعُ)
(/)
الأئمة الواضح في وضاءة وجهها:
62قال في عمدة القاري 28 - حدثنا (أبو اليمان) أخبرنا (شعيب) عن (الزهري) قال أخبرني (سليمان بن يسار) أخبرني (عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما قال أردف رسول الله الفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته وكان الفضل رجلا وضيئا فوقف النبي للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها فقالت يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه قال نعم.
وجه ذكر هذا الحديث هنا هو أن فيه غض البصر خشية الفتنة وقد تكرر رجاله جدا وأبو اليمان الحكم بن نافع
والحديث قد مضى في الحج في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة ومضى الكلام فيه
قوله على عجز راحلته بفتح العين المهملة وضم الجيم وبالزاي أي مؤخرها قوله وضيئا أي لحسن وجهه ونظافة صورته قوله خثعم بفتح الخاء المعجمة وسكون الثاء المثلثة وفتح العين المهملة وبالميم وهي قبيلة قوله وضيئة أي حسنة الوجه تضيء من حسنها (عمدة القاري 22/ 232).
وقال ابن حجر: وله وضيئة بوزن عظيمة من الوضاءة أي حسنة جميلة. (الفتح 8/ 467)
وقال النووي: الوضيئة مهموزة ممدودة هي الجميلة الحسنة والوضاءةالحسن. (شرح مسلم 17/ 108).
وقال السيوطي: وضيئة بالهمز والمد أي جميلة حسنة. (شرح السيوطي على مسلم 6/ 132)
قال المباركفوري: وجارية وضيئة) أي جميلة. (تحفة الأحوذي 4/ 218).
قال الشوكاني: (الوضيئة): مهموزة ممدودة هي الجميلة الحسنة والوضاءة: الحسن. (فتح القدير 7/ 15).
وقال الشوكاني أيضا: (ومن جملة) ما استدلوا به حديث ابن عباس عند البخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وفيه قصة المرأة الوضيئة الخثعمية فطفق الفضل ينظر إليها فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذقن الفضل فحول وجهه عن النظر إليها ". وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك لمخافة الفتنة لما أخرجه الترمذي وصححه من حديث علي وفيه فقال العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة.
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها بتغطية وجهها فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ولو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه. وهذا الحديث أيضا يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة كما تقدم. وأما قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} فروى البيهقي عن ابن عباس أن المراد بما ظهر الوجه والكفان وروى البيهقي أيضا عن عائشة نحوه وكذلك روى الطبراني عنها. وروى الطبراني أيضا عن ابن عباس قال هي الكحل. وروى نحو ذلك عنه البيهقي. وقال في الكشاف الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والأكليل والوشاح والقرط فلا تبديه الا لهؤلاء المذكورين وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لان هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن ابداء الزين نفسها ليعلم أن النظر إليها إذا لم يحل لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها انتهى (والحاصل) أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع وسيأتي في الباب الذي الذي بعد هذا ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثني. (نيل الأوطار 6/ 172).
وقال ابن تيمية: وقال وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر سورة الحج 72 فهذه السيما وهذا المنكر قد يوجد في وجه من صورته المخلوقة وضيئة كما يوجد مثل ذلك في الرجال والنساء والولدان لكن بالنفاق قبح وجهه فلم يكن فيه الجمال الذي يحبه الله وأساس ذلك النفاق والكذب
ولهذا يوصف الكذاب بسواد الوجه كما يوصف الصادق ببياض الوجه. (الاستقامة 354).
وقال الثعالبي: إِذا كانَتْ بِهَا مَسْحَة مِن جَمَال فَهِيَ وَضِيئَة وجَميلَة. (فقه اللغة 181).
انتهى من المكتبة الشاملة.
وهل الجمال إلا في الوجه؟ أليست هذه العبارة المسلمة هي من أدلة الموجبين لستر الوجه بأنه مجمع الجمال والوضاءة؟ فما بال الأمر الآن انقلب مائة وثمانين درجة؟
أخي إبراهيم هل خرجنا من هذا الاعتراض؟ آمل أن تكتب الاعتراض التالي فضلا لا أمرا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[28 Oct 2009, 11:34 م]ـ
أخي الكريم:
حتى يكون الحوار مفيدا يجب أن يكون الهدف منه طلب الحق، والبحث عنه دون تعصب أو كلام جارح؛ فلا فائدة في الحوار المشدود الذي يخرج عند أول مداخلة عن حسن الأدب مع الإخوان المسلمين.
أما قولك إن نعت المرأة بالحسن والوضاءة لمجرد قامتها وقدها ليس بفهم عربي صحيح فلم تتثبت منه؛ بل هو فهم العرب الأقحاح، وأمثلته في شعرهم معروفة، وإن شئت الأمثلة فهي موجودة.
وأما قولك بأن الفضل بن عباس وصف بالحسن أيضا؛ فتناولك لهذا الأمر بطريق السخرية لا يليق بأمثالك هذا أولا، وثانيا: نعم يوصف الرجل بالجمال لحسن قامته، وطوله، بل وحتى لكيفية حمله للسيف وتناسقه في مشيته، وإن شئت الأمثلة من شعر العرب فلك ذلك.
وأما قولك بأن المذكور في الحديث يستلزم الكشف عن الوجه، وأنه عبر عنه بما هو لازم له؛ فهو محل النزاع بيننا، وحتى لو قبلته معك – تنزلا- فهذا الذي عبر عنه هنا بلازمه ألم يستطع أحد أن يصرح به في أي حديث من هذه الآلاف المؤلفة من الأحاديث مع العلم أن التصريح هو الأصل والتعبير باللازم عارض
وأما قولك – سامحك الله – أني ربما أستثقل كلامك؛ فلا ينبغي لمثلك من طلاب العلم إذ كيف أستثقله وهو إما نقل عن عالم، أو اجتهاد في الفهم منك، وكل منها ينزل علي كالنسيم العليل، وتستروح نفسي له، ولغيره ..
وأما النقول التي تفضلت بها فلليست داخلة في الموضوع؛ وقد قررت لك أن روايات الحديث تدل على أنها كانت وضيئة وحسناء، والخلاف بيننا هو: هل يطلق العرب وصف "وضيئة "و "حسنة" على المرأة دون نظر إلى وجهها؟ هذا هو محل النزاع، وكل النقول التي تكرمت بها ليس في تصريح بذلك إلا في موضعين:
الأول: ما نقلت عن عمدة القاري.
والثاني: ما استنبطه ابن القطان.
والباقي كله خارج عن موضوع البحث، وكله تأكيد على نفس روايةالحديث وهي ليست مخل خلاف بيننا.
وأظنك توافقني في أن أكثر أهل العلم الذين تكلموا على هذا الحديث لم يصرحوا بما صرح به صاحب عمدة القاري، ولم يصرحوا أنهم استنبطوا ما استنبطه ابن القطان.
وأعود أخي الكريم وأكرر أن الهدف هو الفائدة أما العبارات من مثل انقلب مائة وثمانين درجة، وخرجنا من هذا الاعتراض لننتقل للاعتراض الثاني؛ فمثل هذه الأمور لا تليق بطلبة العلم، وإنما عرض الأدلة في مسألة الخلاف، ومناقشتها وعرض أقوال أهل العلم فيها، ومن ثم الوصول إلى فائدة يتفق عليها الجميع، ولا غالب هنا ولا مغلوب، وإنما الحق هو الغالب.
حفظك الله ورعاك وسدد نحو الخير خطانا وخطاك.
ـ[أبو المهند]ــــــــ[29 Oct 2009, 01:26 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعدة
سعدنا بالنقاش بين الإخوة: الأستاذ محمد وإبراهيم وطارق حياكم الله جميعا وبارك فيكم وحفظكم.
وإن كان لي من كلمه فأقول:
ـ يا سادة هذه قضية خلافية وستظل خلافية ولو طرقتم كل باب وسلكتم إليها كل طريق ما انتهيتم أبدا إلى رأي أوحد فالمسألة خلافيه وأكرر
ستظل خلافية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إذ الله تعالى قد فصَّل لنا ما حرم علينا وهذه المسألة مما لم يدخله الله فيما فصل تحريمه،
غاية ما فيها قوله تعالى:" وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ " وليس النص على وجوههن. ولو أراد سبحانه حسم هذا الخلاف وبتر
الاختلاف وإغلاق باب الاجتهاد في هذه القضية لقال نصا صريحا ينسف كل اختلاف متوقع ليرتفع به إلى درجة الحرام المتيقن ولقال سبحانه
بدلا من قوله:" وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا " ولا يبدين زينتهن إلا ظاهر ثيابهن، ولكن لا تبديل لكلمات الله.
فالأمر فيه أخذ ورد ما دامت السماوات والأرض
ـ
ـ ولو كان الكشف محرما للوجه لما كان عورة يجب سترها في وقت وعدم سترها في وقت آخر إذ لا معنى أن يكون العضو حراما حلالا في آن.
ـ وكما يقول البعض هل حرمة كشف الوجه هي هي حرمة كشف الفرج والثدي والبطن و .......... وبما أن أحدا لم يقل بذلك قلنا علينا إن نتفاهم في حدود صيانة المجتمع من الجريمة أو التلوث البصري أو ما هو مظنة الولوغ في الحرام ولو بنظرة.
ـ ولنا أن نضع كلام العلماء كلهم موضع الاعتبار منا فمن قائل: إن ستر الوجه واجب قوله يحترم في أرض ارتضت هذا القول والخروج عنه في تلك الأرض عار وعيب حتى ممن لا يدينون بغير هذا الرأي.
ـ ومن قال إنه مباح ومحمدة قلنا له جزاك الله خيرا واحترمنا تقاليده المتصلة بالدين في أرضه ووطنه.
ومن قال إن النقاب لا يرفض ولا يفرض في بلد لا تعرفه إلا قليلا كأهل مصر وقرنا قوله.
ومن قال بفرضيته وحتميته على الفاتنة من النساء منعا للفتنة والإغواء والإغراء قلنا له أحسنت هذا مما يرتفع معه الخلاف.
ومن قال إنه ليس من الدين في شيء قلنا لقد افتريت على العلم والعلماء وكتاب الله الكذب وشوهت العلم وأهله.
ـ المهم عندنا أن نصون المجتمع كل مجتمع بحسبه من الفضيلة.
هذه مجرد تباريح أردت أن أصورها بين يدي المتناقشين.
والله ولي التوفيق
ملحوظة: يجب فهم النقاش في ضوء العلم المجرد فحسب ولا يجوز سحبه على عين الأشخاص المتناقشين فليتدبر
.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[29 Oct 2009, 08:07 ص]ـ
جزاك الله خيرا دكتور خضر كلامك إن شاء الله عين الصواب وأنا أحترم من قال بوجوب ستر الوجه والكفين من المرأة وأعلم أنه متبع للدليل بفهم علماء أفاضل وأظن إخواني القائلين بالوجوب يحترمون أيضا من قال بالاستحباب.
وأقول لأخي إبراهيم جزاك الله خيرا , والحديث له رواية عند أحمد فيها تصريح بكشف الوجه وهي:
1805 - حدثنا عبد الله حدثني أبى ثنا حسين بن محمد ثنا جرير عن أيوب عن الحكم بن عتيبة عن بن عباس عن أخيه الفضل قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع إلى منى فبينا هو يسير إذ عرض له أعرابي مردفا ابنة له جميلة وكان يسايره قال فكنت أنظر إليها فنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثا وأنا لا أنتهي فلم يزل يلبى حتى رمى جمرة العقبة.
تعليق شعيب الأرنؤوط: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.
ولو كانت المرأة ساترة وجهها لذكر في الحديث لدلالته على كشف وجهها فوصفها بالوضاءة ونظر الفضل إليها يدلان على ذلك فمن نفى دلالتهما على ذلك فيلزمه النص تماما كما قالت عائشة رضي الله عنها:المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ولا تتبرقع ولا تتلثم وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت. إسناده صحيح إرواء الغليل - الصفحة أو الرقم: 4/ 212
فلماذا قالت: (وتسدل الثوب على وجهها) لأنه يفهم من قولها: (ولا تتبرقع ولا تتلثم) أنها تكشف وجهها , مع أنه يمكن أن يقال: تستر وجهها بغير البرقع واللثام والنقاب لكنه قول بعيد فالأقرب فهما أن من (لا تتبرقع ولا تتلثم) أنها تكشف وجهها فكذلك من وصفت بالحسن والوضاءة ينصرف ذلك إلى حسن الوجه ووضاءته فمن صرفه عن الوجه يلزمه الصارف , فأين هو الصارف؟
وتأمل قول أم المؤمنين: وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت
أليس صريحا في الاستحباب وليس الوجوب؟
ثم أليس فهم العيني وابن القطان أولى من فهمنا وفهم علمائنا المعاصرين مع تقديرنا واحترامنا لجميع علمائنا؟
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[29 Oct 2009, 03:42 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
أولا أشكر الإخوة الكرام على مشاركاتهم ومناقشاتهم العلمية
كنت من قبل ناقشت هذه القضية- قضية الحجاب والنقاب- في مواضع أخرى وفي أماكن ومواقع أخرى ونتيجة الناقش ذهبت أبحث في حجج كلا القائلين بالحجاب أو النقاب، فخلصت إلى أن الأمر فيه خلاف فقهي حقيقي معتبر، لكل فريق أدلته وتأكدي لي ما قاله الشيخ الخضر"فالأمر فيه أخذ ورد ما دامت السماوات والأرض "، لذلك حررت تلخيصا للخلاف الفقهي، ومما اعتمدت عيه كثيرا تفسير أضواء البيان للإمام الشنقيطي رحمه الله، وكان الداعي لنشر هذا الملخص هو ما ظهر في الساحة الإسلامية من خلاف حول مسألة الحجابأ خاصة أن وصل الأمر إلى منع المنقبات من دخول بعض المؤسسات المهتمة بالعلوم الشرعية، وأن هذا المنع صدر عن رجل يتحمل مسؤولية علمية ودينية. وهدفي هو بيان أنا النقاب ليس مجرد عادة أو أنه غير شرعي، ..
أما القاعدة الأصولية القائلة بأن العلماء اتفقوا على أن الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء فمما حفظته منذ الصغر وبقي راسخا في الذهن، لكن هذه فرصة للبحث في المسألة والتحقق منها.
وجزى الله الإخوة الأفاضل على ماتنبيهاتهم ومشاركاته
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[29 Oct 2009, 03:54 م]ـ
شيخنا الدكتور خضر حفظه الله تعالى:
ما قلت صواب في مجمله ولكن يؤخذ عليه من وجهة نظري – وإن كنت لست أهلا للاستدراك أو التعليق على كلام أمثالكم – ما يلي:
1 – لا شك أن مسألة الحجاب ككثير من المسائل الشرعية محل خلاف بين علماء الأمة، ولكن واجب كل مسلم هو البحث عن القول الذي يرى دليله أقوى الأدلة وأرجحها؛ والبحث في هذا من المدارسة العلمية المحمودة، ولا زال علماء الأمة الكبار يبحثون في الأدلة ويسلكون مسالك الترجيح في كل مسألة حتى يخرجوا منها بما يرونه أرجح الأقوال، وكتبهم مليئة بذلك.
2 – الدين دين واحد وصالح لكل زمان ومكان؛ ويجب على الجميع التزام ما قوي دليله حتى ولو كان مخالفا لعرف البلد الذي يعيشون فيه؛ بل حتى ولو سبب لهم فتنا؛ فلم يكن الحق يوما إلا سببا من أسباب الابتلاء، والخلاف بين أهل الحق ومحاربيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفرق شيخي الفاضل بين من يتبع الدليل؛ ثم يصر على أن كشف الوجه مباح تبعا لأدلة شرعية يراها، وبين من يسند كشفه إلى عدم الخروج عن المجتمع في عاداته وتقاليده.
أما بالنسبة لأخينا الفاضل طارق بن عبد الله حفظه الله تعالى فأقول له:
1 – لقد بحثت عن حديث يصرح بكشف الوجه؛ ولم تأتنا إلا برواية واحدة في حديث الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ما قلت لك من أنه لو كان كشف الوجه جائزا، لنقل كما نقل غيره.
فلماذا ينقل لنا الصحابة رضوان الله عليهم كل تعاليم الدين حتى آداب قضاء الحاجة وأمور الحيض والنفاس، وهيئة جماع الرجل لامرأته، ثم لا نجد عنهم في قضية كشف الوجه إلا رواية من حديث الفضل رضي الله تعالى عنه.
2 – الرواية التي نقلت فيها ما يلي:
أ – جرير رحمه الله تعالى ثقة بلا شك إلا أن له أوهاما، وخاصة عند ما يحدث من حفظه.
ب – الحكم بن عتيبة: مع أنه ثقة إلا أنه ربما دلس، وهو في هذه الرواية عنعن هذا الحديث، وأنت تعرف عنعنة المدلس.
هذا من ناحية السند، أما المتن فالذي يظهر من ألفاظ الرواية أنه قلب وجهته عن وجهتها؛ ولو تدبرت ألفاظ الرواية لفهمت ذلك بصفة صريحة.
أما استدلالك بحديث عائشة:
1 - لماذا لم تذكر معه حديثها كان الركبان يمرون بنا فإذا حاذونا سدلنا على وجوهنا " الحديث، وهو حسن بشواهده وإن ضعفه الألباني ..
2 – أقصى ما في الحديث الذي ذكرت أن يكون اجتهادا من عائشة رضي الله تعالى عنها وهو معارض بأدلة القرآن والسنة وأقوال الصحابة كعبد الله بن مسعود وغيره.
3 – والجمع بين الحديثين أعني حديثها في تغطية الوجه عند مرور الركبان، والحديث الذي نقلت في التخيير ممكن، وأنت تعلم أن الجمع واجب متى ما أمكن كما هو منصوص في علم الأصول.
ووجه الجمع بينهما بأن يجعل التخيير في حال عدم وجود الرجال الأجانب، ووجوب تغطيته عند وجودهم؛ ولا تعارض في هذه الحالة.
وأما قولك إن فهم ابن القطان والعيني أولى من فهم بعض العلماء المعاصرين فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أني لم أستشهد لك بأقوال علماء معاصرين حتى تضع هذه المقارنة؛ والقول بوجوب ستر الوجه هو المأثور عن جمهور الصحابة والتابعين وعلماء الأمة السابقين.
الثاني: لا أدري لماذا تستشهد بأقوال الأرنؤوط في تصحيح الأحاديث وهي عمدة الدين ثم ترفض قبول أقوال العلماء المعاصرين.
وأخيرا أطلب منك أن تجيبني على السؤال الذي طرحت عليك آنفا حتى نستفيد جميعا، وهو:
لماذا نقل لنا الصحابة والتابعون كل كبيرة وصغيرة في هذا الدين كآداب قضاء الحاجة، وكهيئة الجماع، ونحو ذلك من الأمور التي لا تصل في أهميتها لمسألة كشف وجه المرأة، ونقلوها لنا صريحة، وليست بالدلالات الأخرى كاللزوم ونحوه، ولم نجد عنهم حديثا واحدا صريحا صحيحا في جواز كشف المرأة لوجهها؟
لماذا؟ ما السبب من وجهة نظرك؟
حفظك الله ورعاك وسدد نحو الحق خطانا وخطاك.
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[29 Oct 2009, 05:33 م]ـ
أخي إبراهيم الحسني بارك الله فيك الأصل هو كشف الوجه بالإجماع فالمخالف للأصل هو الذي يأتي بالأحاديث , والأصل في وصف المرأة بالوضاءة والحسن والجمال أن ذلك مصروف إلى وجهها بإجماع الكل من قال بالوجوب أو قال بالاستحباب وهناك أحاديث كثيرة تدل دلالة واضحة على كشف الوجه ودلالتها أقوى من التصريح بكشف الوجه ولكن لا يخفاك جواب الموجبين عنها بأنها كانت قبل الحجاب وهو جواب وإن قال به أفاضل إلا أنه مجرد دعوىودون إثباتها خرط القتاد.
ولذلك فلو عكست سؤالك لعرفت الجواب:
لماذا نقل لنا الصحابة والتابعون كل كبيرة وصغيرة في هذا الدين كآداب قضاء الحاجة، وكهيئة الجماع، ونحو ذلك من الأمور التي لا تصل في أهميتها لمسألة ستر وجه المرأة، ونقلوها لنا صريحة، وليست بالدلالات الأخرى كاللزوم ونحوه، ولم نجد عنهم حديثا واحدا صريحا صحيحا في وجوب سترالمرأة لوجهها؟
لماذا؟ ما السبب من وجهة نظرك؟
حفظك الله ورعاك وسدد نحو الحق خطانا وخطاك.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[30 Oct 2009, 11:05 م]ـ
أخي الكريم: عذرا على التاخر في الرد عليك، فقد كنت مشغولا.ز
أولا: قولك حفظك الله تعالى إن الأصل هو كشف وجه المرأة بالإجماع ..
فهل لي بمصدر هذا الإجماع؟
ثانيا: مع علمي القاطع بأن الأوائل قد أكلوا كل ما في قصعة هذا الموضوع ولم يتركوا لنا إلا لقيمات قليلة؛ فدعنا - أخي الكريم - نتعاون على تجميعها ونتلذذ بمضغها، وإن لم نستطع فلا أقل من لغق أصابعنا تكرمة لها ..
أول لقمة - بعد الحصول على مصدر الإجماع السابق - هي: إذا كنا اتفقنا على أن الرواية التي استدللت بها فيها علل تمنع من الحكم بصحتها، وأنك لم تجد - على الأقل حتى الآن - دليلا صريحا في الكشف فأسألك السؤال التالي وأرجو أن لا يكون كسابقه، وهو:
إذا كان وجه المرأة ليس عورة ويجوز لها كشفه، فماذا صرف النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وجه الفضل عن النظر إليها؟
ولماذا صرف وجهه عن النظر إلى الظعن اللواتي كن يجرين؟
ولماذا صرف وجهه عن المرأة التي كان يردفها الأعرابي على جمله؟
كل هذاأخي الكريم إنما هو بحثا عن حقيقة هذه المسألة؛ فكثير من الإخوة عندما قرأ ما كتبه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى التبس عليه كثير من الأدلة في المسألة ..
والألباني على علمه الواسع في الحديث وخاصة في علله إلا أن في فقهه لما يدل عليه الحديث هنات، وعنده سهو - أيضا - في تصحيح وتضعيف بعض الأحاديث، وهذا لا ينقص من قدره عند المنصف، وكلنا متفقون على جلالته في علم الحديث، إلا أن العالم مهما بلغ قد يخطئ في مسائل يدركها من لا يساوي شسع نعله في العلم ..
والأمثلة من التاريخ كثيرة في هذا المجال.
جمعنا الله تعالى في جنته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[31 Oct 2009, 12:35 ص]ـ
يا أخانا الكريم أليس الأصل قبل الحجاب كشف الوجه؟ فمن قال إن الحجاب الواجب لا يكون إلا بستر الوجه ألا يلزمه هو أن يأتي بالأدلة الصريحة القاطعة؟
وأما سؤالك عن صرف النبي صلى الله عليه وسلم لوجه الفضل فليس فيه وجوب تغطية وجهها وإلا لأمرها بذلك وما لوى عنقه , وليس جواز الكشف دليلا على جواز النظر لاسيما إن كان متكررا كما في حالة الفضل رضي الله عنه حتى خشي عليه النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة.
وأما كلامك عن الألباني رحمه الله فغير مقبول مـ من لا يساوي شسع نعله في العلم أن يرميه بأن في فقه للحديث هنات دون أن يفسرها ففسر لنا هذه الهنات ولا تلقي بالكلام على عواهنه , لأنه سبق لك مثل هذا عن ابن عثيمين رحمه الله أيضا في موضوع المتون الذي تناقشنا فيه من قبل , فالزم مع العلماء حدك ولا تتعد فيهم قدرك.
نحن لا نقول بعصمة العلماء بل هم يصيبون ويخطئون ولكن لابد من برهان على خطئهم أما هكذا بإطلاق دون برهان فهذا شأن الطعانين وأعيذك بالله أن تكون منهم , فبرهن على ما تقول تفصيلا وإلا فبادر بالاعتذار عن جرءتك على هذين الإمامين رحمهما الله تعالى.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[31 Oct 2009, 05:08 م]ـ
جزاك الله خيرا.
واعذرني فقد كنت مخطئا!!
ـ[محمد بن عيد الشعباني]ــــــــ[31 Oct 2009, 05:36 م]ـ
عفا الله عني وعنك وغفر لي ولك وجمعني وإياك مع علمائنا بنبينا صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام رضي الله عنهم في جنات النعيم.(/)
الإعجاز العلمي في القرآن .. تصويب الاتجاه للكاتب غازي التوبة
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[31 Oct 2009, 11:19 م]ـ
بلغت الآيات الكريمة التي تحدّثت عن مظاهر الكون والطبيعة والإنسان والحيوان والنبات ثلث القرآن الكريم، وهذا مبلغ عظيم، وقد ربط كثير من الباحثين في عصرنا الحاضر تلك الآيات ببعض النظريات العلمية والاكتشافات التي ظهرت في العصر الحديث، واعتبروا هذا إعجازًا علميًّا غير الإعجاز البياني الذي جاء به القرآن الكريم، والذي هو الأصل المجمع عليه في الإعجاز، ولكننا نجد عند البحث الدقيق أنّ هناك اعتسافًا في التعامل مع الآيات الكريمة التي ربطوها بالإعجاز العلمي.
فهم اقتلعوها من سياقها الذي وردت فيه من أجل تأدية غرض معيّن، وربطوها بالنظرية العلمية التي اكتشفت حديثًا دون النظر إلى ما قبلها وما بعدها، وهذا خطأ كبير في فهم القرآن الكريم وفي التعامل معه، وبالإضافة إلى هذا يعتبر ذلك تجاوزًا للمقاصد والحِكَم والأهداف التي جاءت من أجلها تلك الآيات في السياق القرآني. وبالغ بعضهم في الإشادة بالإعجاز العلمي، فاعتبر أنّ الربط بين الآية الكريمة والنظرية الحديثة هو الذي أفهمنا إيّاها، وهذا اتهام للقرآن بأنه طلاسم وألغاز ومغاليق، كانت تُتلى من المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا دون فهم أو استيعاب.
وهذا غير صحيح فالقرآن الكريم كتاب عربي مبين، ويتميّز عن الكتب السماوية الأخرى بأنه كتاب علم وعقل، وتوصف معجزة القرآن الكريم الخالدة بأنها معجزة بيانية عقلية، وأنا سأقدّم ثلاثة أمثلة توضّح بعض الأخطاء التي وقع فيها باحثو الإعجاز العلمي:
الأول: قال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات،47).
"
الحديث القرآني عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال، بل المقصود توجيه نظر الإنسان وقت نزول القرآن الكريم والآن وفي المستقبل إلى مشهد بديع يملأ العين والقلب بعشرات الأفكار والمشاعر
"
أشار باحثو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم إلى أنّ الآية "وإنّا لموسعون" أشارت إلى نظرية تمدّد الكون واتساعه التي اكتشفها العلم حديثًا، وهذا قول مجانب للصواب، وتحميل للآية ما لا يحتمله سياقها في السورة. فمن الواضح عند النظر إلى الآية في سياق سورة الذاريات أنّ الآية بدأت بمقطع يتحدّث عن بعض مظاهر قدرة الله تعالى في السماء والأرض، وعن حكمة الله في خلق الأزواج فقال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات،47 - 49).
وقد جاء هذا المقطع بعد إخبار الله لنا في المقطع السابق من السورة عن إهلاك عدّة أقوام، منها: قوم لوط، وقوم فرعون، وقوم عاد، وقوم ثمود، وقوم نوح، ثم يأتي أمران للعباد بعد آيات إهلاك الأقوام، وآيات السماء والأرض والأزواج، هما: الفرار إلى الله، والتحذير من الإشراك معه شيئًا آخر، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ" (الذاريات،50 - 51)، وهذان الأمران مطلوبان لأنّ الله هو ربهم ومليكهم وخالقهم، وهو العظيم القادر على أن يحفظهم ويرعاهم، وأن يمدّهم بكل أسباب النماء والقوّة إلخ ... ، فمن الجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء وما فيها من أفلاك ونجوم وكواكب ومجرّات إلخ ... -وهي ظاهرة واضحة للعيان يراها الإنسان بشكل جليّ- يدل على عظمة الله وقدرته وجبروته وحكمته إلخ ... ، ويبني في قلب الإنسان تعظيم الله، وتقدير قدرته، ويدفعه للخضوع لله سبحانه وتعالى.
(يُتْبَعُ)
(/)
والجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال، بل المقصود توجيه نظر الإنسان وقت نزول القرآن الكريم والآن وفي المستقبل إلى مشهد بديع يملأ العين والقلب بعشرات الأفكار والمشاعر، ويبني الإنسان بناءً نفسيًّا إيجابيًّا نحو تعظيم الله والخضوع له والثقة به سبحانه وتعالى إلخ ... ، ويدفعه إلى الفرار إلى الله تعالى، وإلى عدم الإشراك به تعالى.
الثاني: قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء،30).
ربط كتّاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين قوله تعالى: "أنّ السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناها" وبين نظرية الانفجار العظيم ( Big Bang) التي اكتشفت مؤخّرًا، والتي قالت إنّ انفجارًا عظيمًا حدث في الفضاء قبل ملايين السنين، انفصلت بعده الأرض، وبدأت التشكّل، واعتبروا أنّ هذه الآية تشير إلى هذه النظرية، وكما قلنا سابقًا إنّ هذا اعتساف في استعمال النصوص، لأنّ الآية يجب أن يُنظر إليها من خلال السياق القرآني أي من خلال النظر إلى ما قبلها وما بعدها من الآيات لنفهم المعنى الذي تشير إليه، فنجد أنّ الآيات التي سبقت الآيات السابقة تحدّثت عن نفي الشريك لله تعالى، ثم جاءت بعدها آيات تحدّثت عن الأرض والجبال الرواسي، وعن الفجاج في هذه الجبال، وعن السماء والليل والنهار، وعن الشمس والقمر، قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ. وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (الأنبياء،26 - 33).
"
بالنظر في السياق إلى آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى فتق السماوات والأرض, بل تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، من أجل استمرار الحياة
"
وبالنظر في سياق آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى مثل هذا بحال من الأحوال، بل إنها تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر من أجل استمرار الحياة، وأنّ وجود إله واحد هو الذي جعل الأمور السابقة متساوقة، ويكمل بعضها بعضًا، ولا يتناقض فيها أمران، ولا تتدافع ظاهرتان إلخ ... ، فالجليّ أنّ الحديث عن السماوات والأرض المقصود منه التدليل على وحدانية الله، ومما يؤكّد ذلك أنّ المفسّرين القدماء فسّروا الآية المذكورة فقالوا: إنّ السماوات والأرض كانت مغلقتين ففتحناهما، فالسماء فتحها الله بإنزال الماء منها، والأرض فتحها بأن انبثق النبات منها، ومما يدعم هذا التفسير هو انتهاء الآية بقوله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" وهي تشير إلى أنّ إنزال الماء من السماء هو السبب في حياة كل المخلوقات: الإنسان والحيوان والنبات.
الثالث: قال تعالى: "وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ" (الحديد،25).
(يُتْبَعُ)
(/)
من المعلوم أنّ الحديد معدن وصل من النيازك والشهب التي تسقط على الأرض من كواكب السماء وليس من معادن الأرض المخبوءة فيها، وقد توصّل العلماء إلى هذه النتيجة مؤخّرًا، وربط باحثو الإعجاز العلمي بين هذا الاكتشاف العلمي والآية القرآنية التي تقول: "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس"، فلم يقل الله "وخلقنا الحديد" أو "وجعلنا الحديد"، فاعتبروا قوله تعالى: "وأنزلنا الحديد" إشارة إلى مجيئه من مكان آخر، وقالوا إنّ الآية تشير إلى هذه الحقيقة، لكنّ آخرين ردّوا عليهم فقالوا إنّ الله قال: "وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثمانية أزواج" (الزمر،6)، وقال: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا" (الأعراف،26)، فهل ذلك يعني أنّ الأنعام واللباس والريش أنزل من السماء؟ لا أحد يقول بذلك.
طالما أنّ هناك اعتسافًا وإسرافًا في الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فما هي الحِكَم والمقاصد والأهداف التي استهدفتها الآيات التي أشارت إلى الكون والطبيعة والإنسان والشمس والقمر والمطر والسحاب والجنين إلخ ... ؟ الحقيقة أنّ هناك عدّة حِكَم ومقاصد وأهداف من هذه الآيات، وهي قد تكون أجلّ وأسمى وأصوب وأجدى على الإنسان المسلم من الحديث عن الإعجاز العلمي، وهذه الحِكَم والمقاصد والأهداف هي:
الأول: البناء النفسي للمسلم:
استهدفت كثير من الآيات التي تحدّثت عن الطبيعة الإنسان والسماء والأرض والماء والريح إلخ ... البناء النفسي للمسلم، وتوجيه قلبه إلى الله تعالى: تعظيمًا وخضوعًا وحبًّا وخوفًا ورجاء وثقة إلخ ... ، ويمكن أن نمثّل لذلك بآيات وردت في سورة إبراهيم، قال تعالى: "اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ. وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم،32 - 34).
بدأت هذه الآيات بتقرير عدّة أمور هي: أنّ الله هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو تعالى الذي أنزل المطر الذي كان سببًا في نمو الشجر ونضج الثمر الذي أضحى طعامًا لنا، وهو الذي هيّأ الأسباب لتبحر السُّفُن عباب البحر، وهو الذي سخّر لنا عدّة مخلوقات: الأنهار والشمس والقمر والليل والنهار، ثم يبيّن الله لنا فضله علينا: وهو أنه آتى العباد من كل ما سألوه، مع أنّ نِعَم الله أجلّ أوسع من أن تحصى، ومع ذلك فإنّ الإنسان لا يحمد الله حق الحمد ولا يشكره حق الشكر بل هو ظلوم كفّار.
"
كثير من الآيات التي تحدّثت عن الطبيعة الإنسان والسماء والأرض والماء والريح تستهدف البناء النفسي للمسلم، وتوجيه قلبه إلى الله تعالى: تعظيمًا وخضوعًا وحبًّا وخوفًا ورجاء وثقة
"
يقتضي تقرير الآية أنّ الله الذي خلق السماوات والأرض من العدم على غير مثال سابق وهو خلق عظيم يحوي ملايين النجوم والأفلاك التي تسبح في الفضاء منذ ملايين السنين وإلى ما شاء الله، يقتضي تعظيمه تعالى.
ويقتضي إنزاله تعالى الماء من السماء أن نعظّمه تعالى لأنّ إنزال المطر تطلّب تبخير الماء، وإرسال الرياح، وتحميل السحاب، وحدوث البرق والرعد، تطلّب كل هذا وكثيرًا غيره نجهله، وهذا كله يقتضي تعظيمه تعالى، ويقتضي أن نحبّه تعالى لأنه أنعم علينا بهذه النعمة التي ترتبط حياتنا بها أشدّ الارتباط طعامًا وشرابًا، وأن نرجوه تعالى في أن يستمرّ في إنزاله علينا، وأن نخافه تعالى من أن يحرمنا منه.
ويقتضي تسخيره تعالى لنا الفلك التي تمشي الهوينى على سطح الماء، أن نعظّمه تعالى لأنّ سيرها احتاج إلى عشرات الموافقات، وأن نحبّه تعالى لأنّ نعمة استخدام السفن نعمة عظيمة ندرك قيمتها لو تخيّلنا عدمها كم ستصبح الحياة شاقة وصعبة.
ثم يخبرنا تعالى أنه سخّر لنا الأنهار، ويقتضي هذا التسخير أن نحبّه تعالى لأنه هيّأ لنا هذه النعمة فنشرب ماءها، وتشرب منها بهائمنا، ونسقي بها زروعنا، ونركبها في انتقالنا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم يخبرنا تعالى أنه سخّر لنا الشمس والقمر وما ينجم عنهما من ليل ونهار، ويصف الشمس والقمر بصفة "دائبين"، وهي صفة أصيلة ولصيقة بهما، فالإنسان ينشأ وهو يرى الشمس كل نهار، والقمر كل ليلة، ويموت مخلّفًًا وراءه تتابعهما، وكذلك الأجيال التي سبقته والأجيال التي تليه إلى أن يشاء الله.
ويقتضي هذا التسخير أن نحبّه تعالى وحده لأنه أنعم علينا بأن ذلّل لنا هذه الآيات الكبيرة: الشمس والقمر والليل والنهار، الشمس بحرارتها التي تعتبر أساسًا في حياتنا، والقمر الذي نمتّع به أبصارنا، ونستضيء به في ظلماتنا ونحسب به أيامنا، والنهار الذي يضيء أيامنا وحركتنا، والليل الذي يلفّ أجسادنا ليريحها من عناء النهار.
ثم يأتي التعقيب النهائي الذي يوضّح القصد من الحديث السابق: إنّ الإنسان لظلوم كفّار، شديد الظلم للحق، لا يُؤلِّه الله وحده، بل يُشرك معه آلهة أخرى، ولا يتوجّه إليه بالحبّ وحده بل يحبّ آلهة أخرى معه، وهو شديد الكفران والجحود، يقابل نِعَم الله التي لا تُحصى بالمعصية وعدم الطاعة.
الثاني: البناء العقلي للمسلم:
"
بنى القرآن الكريم عقل المسلم البناء الصحيح، وجعله يتعامل مع الكون المحيط به تعاملاً سليمًا، وهو من أجل تحقيق هذا استخدم آيات الكون والطبيعة والإنسان .. إلخ، ووظّفها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وليس من شك في أنّ هذه ثمرة عظيمة
"
قد بنى القرآن الكريم عقل المسلم البناء الصحيح، وجعله يتعامل مع الكون المحيط به تعاملاً سليمًا، وهو من أجل تحقيق هذا استخدم آيات الكون والطبيعة والإنسان إلخ ... ، ووظّفها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وليس من شك في أنّ هذه ثمرة عظيمة، ويتّضح ذلك من خلال إقرار قانون السببية، وهو أهم قانون قامت عليه حضارتنا وأخذته الحضارة الغربية من حضارتنا، وهو الذي نقل الإنسان من العقلية الخرافية إلى العقلية العلمية، ففي شأن نزول المطر قال تعالى: "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" (الروم، 48)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الأعراف،57). فالآيتان السابقتان توضّحان أنّ الرياح كانت سببًا في تكوين السحب، وكيف أنّ السحب كانت سببًا في نزول الماء، وكيف كان الماء سببًا في إنبات النبات إلخ ... ، وهذا بناء لعقل المسلم على الظاهرة السببية.
ويتضح البناء العقلي للمسلم من خلال أمر الآيات بالنظر في مظاهر الكون من طعام، ونزول مطر، وإنبات نبات، والشمس إلخ ... ، فقال تعالى: "فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ. أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا. ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا. فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا. وَعِنَبًا وَقَضْبًا. وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً. وَحَدَائِقَ غُلْبًا. وَفَاكِهَةً وَأَبًّا. مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ" (عبس، 24 - 32)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام، 99)، وحضّ القرآن الكريم المسلم على النظر في أحوال الأُمم السابقة وهلاكها، وأسباب ذلك فقال تعالى: "قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (الأنعام،11)، وقال تعالى أيضًا: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ" (النمل، 69)، وحثّ القرآن الكريم على استعمال حاسّتي السمع والبصر اللتين هما الأصل في بناء العقل
(يُتْبَعُ)
(/)
فقال تعالى: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء، 36)، وحثّ القرآن الكريم على التفكير فقال تعالى: "كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ" (البقرة، 219)، "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ" (الأنعام، 50)، "وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الحشر، 21)، وحثّ القرآن الكريم على التعقّل فقال تعالى: "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" (الملك،10)، "وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (المؤمنون، 80)، وحثّ القرآن الكريم على العلم فقال تعالى: "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً" (طه، 114)، وامتدح العلماء "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" (فاطر، 28)، وحثّ الله على استعمال البصر فقال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ" (الملك، 3 - 4).
الثالث: التدليل على وحدانية الخالق:
استثمر القرآن الكريم آيات الطبيعة والكون للتدليل على وحدة الخالق، فذكرت الروايات أنّ الله أنزل على الرسول في المدينة قوله تعالى: "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" (البقرة، 163)، فقالت قريش: كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" (البقرة، 164)، تحدّثت الآيات السابقة عن مظاهر وألوان من آيات الله الباهرة، منها: خلق السماوات والأرض، والسُفُن التي تجري في البحر، ونزول المطر، وإنبات النبات، وخلق الدواب، وحركة الرياح والسُّحُب إلخ ...
"
الظواهر الكونية التي وردت في القرآن رغم أنها متفرّقة فإنها متكاملة يكمّل بعضها بعضًا، ويخدم بعضها بعضًا، فلَمْ تصطدم أيّة ظاهرة مع أخرى بل الكل مسخّر للإنسان، متكامل معه، يحقّق هدفًا في منظومة الكون السائرة هو أنّ هناك خالقًا واحدًا، وربًّا واحدًا
"
إنّ تلك الظواهر الكونية السابقة مع أنها متفرّقة فإنها متكاملة يكمّل بعضها بعضًا، ويخدم بعضها بعضًا، فلَمْ تصطدم أيّة ظاهرة مع أخرى بل الكل مسخّر للإنسان، متكامل معه، يحقّق هدفًا في منظومة الكون السائرة إلى الأمام، وكل هذا يدل على أنّ هناك خالقًا واحدًا، وربًّا واحدًا، وهو ما قصدته الآيات. وقد أشارت آيات أخرى إلى وحدانية الخالق بالمفهوم المخالف بأنه لو كان أكثر من إله لفسدت السماوات والأرض فقال تعالى: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الأنبياء، 22)، وأشارت آية أخرى إلى أنه لو كان فيهما أكثر من إله لعلا بعضهم على بعض ولاضطرب نظام الكون فقال تعالى: "مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" (المؤمنون، 91).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن الجدير بالذكر أنّ الحديث عن وحدانية الخالق من خلال استخدام مظاهر الطبيعة والإنسان يستهدف بالإضافة إلى إثبات حقيقة الوحدانية كحقيقة عقلية أمرًا آخر هو البناء النفسي، ويدلّ على ذلك أنّ الآية التالية للآية التي أثبتت وحدانية الخالق من خلال عرض مظاهر الخلق في السماوات والأرض والسُّفُن ونزول المطر وإنبات النبات إلخ ... قالت: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ" (البقرة، 165)، وبيّنت أنّ المقصود من الكلام عن وحدانية الخالق هو: توجيه الحبّ إلى الله، وبيّنت ذلك من خلال الإشارة إلى خطأ بعض الناس بتوجيه الحبّ إلى أنداد لم تَخلق ولم تُنعِم على الناس بشيء.
الرابع: التدليل على وحدة المخلوقات:
استثمر القرآن الكريم آيات الكون والطبيعة والإنسان والحيوان إلخ ... للتدليل على وحدة المخلوقات، وأبرز عدّة مبادئ تؤكّد ذلك منها:
أ – مبدأ الزوجية: أشارت الآيات إلى أنّ مبدأ الزوجية هو الذي يحكم الكون كله، فهناك: الذكر والأنثى في عالم الإنسان والحيوان، وهناك الطلع المذكّر والطلع المؤنّث في عالم النبات، وهناك الأرض والسماء، والشمس والقمر، والليل والنهار، والبر والبحر إلخ ... في عالم الكون، فقال تعالى: "وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات، 49)، وقال تعالى: "وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" (ق، 7).
ب- مبدأ إخراج الحي من الميّت والميّت من الحي: أشارت الآيات إلى أنّ الله يخرج الحي من الميّت والميّت من الحي في كل المخلوقات التي خلقها: الإنسان والحيوان والنبات، ففي شأن خلق النبات من النواة قال تعالى: "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" (الأنعام، 95)، وفي شأن خلق الإنسان قال تعالى: "أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ" (يونس، 31).
ج- مبدأ المائية في كل المخلوقات: بيّنت الآيات أنّ الماء هو الأصل في كل المخلوقات فقال تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء، 30)، فالطفل يأتي من اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، وكذلك الحيوان يأتي من ماء الذكر والأنثى، وكذلك النبات فالماء هو الأصل في حياته، قال تعالى: "وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا" (الأنعام،99)، ثم بيّنت العلوم الحديثة أنّ الماء يشكّل فوق تسعين بالمائة من أجسام المخلوقات جميعها: الإنسان، والحيوان، والنبات.
ومما تجدر ملاحظته أنّ التدليل على وحدة المخلوقات يستهدف أمرًا آخر غير إثبات الحقيقة العقلية هو البناء النفسي، ويدل على ذلك أنّ الآيات التي أبرزت المبادئ التي عرضنا والتي دلّت على وحدة المخلوقات انتهت بما يوجّه إلى ذلك، ولو أخذنا مبدأ الزوجية نجد أنّ الآية التي تحدّثت عن مبدأ الزوجية في سورة الذاريات انتهت بطلب الفرار إلى الله، والفرار يقتضي الرجاء فيمن يفر الإنسان إليه. ولو أخذنا الآية التي تحدّثت عن المبدأ الثاني فسنجد أنها انتهت بقول الله تعالى "أفلا تتقون"، وفيه توجيه وحضّ على التقوى، وهي أصل عظيم في البناء النفسي. وكذلك لو أخذنا الآية التي تحدّثت عن المبدأ الثالث لوجدنا أنها انتهت بقوله تعالى "أفلا يؤمنون"، وهذه النهاية توجيه إلى الإيمان وهو الهدف من البناء النفسي والعقلي.
الخامس: التدليل على ضرورة وجود اليوم الآخر:
"
كل شيء مخلوق لحكمة، وإذا كانت الحكمة والقصد والغاية والهدف قانونًا يحكم كل مخلوقات الكون، فلابد من أنّ يحكم الإنسان، لذلك لابد من اليوم الآخر
"
(يُتْبَعُ)
(/)
شكّل وجود اليوم الآخر مشكلة بالنسبة للمشركين، فردّ القرآن الكريم عليهم بأنّ عدم وجوده يعني العبثية فقال تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" (المؤمنون، 115 - 116)، وقال تعالى: "أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى" (القيامة،36)، ودلّل على ضرورته بالنظر إلى كل الظواهر الكونية، فستجد الحكمة والقصد والهدف من وراء خلقها بالصورة التي خُلقت عليها فقال تعالى في سورة النبأ: "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا. وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا. وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا. وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا. وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا. وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا. وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا. وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا. وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا. لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتًا. وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا. إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا" (النبأ، 6 - 17)، فأشارت الآيات إلى أنّ الله جعل الأرض ممهّدة لحكمة تسهيل السير فيها، وجعل الجبال عالية شاهقة لتثبيتها ولتقوم مقام الأوتاد بالنسبة للخيمة، وخلق البشر أزواجًا من أجل السكن والمودّة واستمرار النوع، وجعل النوم سُباتًا من أجل الراحة، وجعل النهار مضيئًا من أجل الإنتاج والمعيشة، وجعل الشمس متوهّجة من أجل إنبات النبات وإمكانية عيش الإنسان، وجعل الماء ينزل من السُحُب من أجل إحياء النبات والحيوان والإنسان. إذن فكل شيء مخلوق لحكمة، وإذا كانت الحكمة والقصد والغاية والهدف قانونًا يحكم كل مخلوقات الكون، فلابد من أنّ يحكم الإنسان، لذلك لابد من اليوم الآخر، لذلك قال تعالى بعد تلك الآيات: "إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا" (النبأ، 17).
السادس: التدليل على إمكانية بعث الأموات:
تشكّك المشركون في بعث الأموات الذين صاروا ترابًا، فنقل عنهم تشكّكهم واستغرابهم النشر، في القرآن: "وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ" (الواقعة، 47)، وقال تعالى أيضا: "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ" (ق، 3)، فردّ عليهم القرآن بأمرين:
الأول: أنّ الذي خلق أول مرّة قادر على أن يعيد خلقه مرّة ثانية فقال تعالى: "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ" (يس، 78 - 79).
الثاني: أنّ خلق السماوات والأرض وهي من خلق الله أكبر من خلق الإنسان، فالنتيجة أنّ الله قادر على أن يعيد خلق الإنسان بعد أن يموت، قال تعالى: "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (غافر، 57)، وقال تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ" (الروم، 27).
السابع: التدليل على بعض صفات الله:
لم يتحدّث القرآن الكريم عن بعض صفات الله حديثًا نظريًّا، وإنما تحدّث عنها من خلال آيات الكون والإنسان، ففصّل في صفات الخلق والقدرة والعلم والحكمة والخبرة والقوّة من خلال عشرات الآيات
"
لم يتحدّث القرآن الكريم عن بعض صفات الله حديثًا نظريًّا، وإنما تحدّث عنها من خلال آيات الكون والإنسان، ففصّل في صفات الخلق والقدرة والعلم والحكمة والخبرة والقوّة إلخ ... من خلال عشرات الآيات فقال تعالى عن صفات الخلق: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" (المؤمنون، 12 - 14)، وقال تعالى: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ
(يُتْبَعُ)
(/)
يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" (الأعراف، 54). وأظنني في غنى عن استعراض آيات أخرى بيّنت صفات أخرى لله تعالى كالرزق والحكمة والخبرة والعلم إلخ ...
والسؤال الآن: هل يعني ذلك ألاّ نستفيد من كل الاكتشافات العلمية الحديثة في مجال الفلك والطب والنبات والحيوان والإنسان والأنهار والجبال إلخ ... ؟ لا ليس هذا صحيحًا، بل يجب أن نستفيد، وأن نوسّع آفاق فهم الآيات ونعمّقه من خلال الربط بين الحقائق المكتشفة ومعاني الآيات، فيزداد المسلم تعظيمًا لله، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وحبًّا له سبحانه وتعالى، ويمكن أن نضرب على ذلك المثال التالي:
قال تعالى: "وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" (الطارق، 11 - 12). وقد فسّر العلماء قوله تعالى: "والسماء ذات الرجع" بأنها هي السماء التي ترجع المطر، وقوله تعالى: "والأرض ذات الصدع" بأنها الأرض التي تتشقّق فيخرج منها النبات، وليس من شك في أنّ ظاهرتي الإمطار والإنبات ظاهرتان عظيمتان، تؤثّران في قلب الإنسان وعقله، فيتوجّه إلى الله بالتعظيم لأنه أنزل المطر الذي ترتبط به حياته أشدّ الارتباط، ويحبّه تعالى لأنه أغاثه بهذا الماء، ويتفاعل عقله مع هاتين الظاهرتين فيجد في هاتين الظاهرتين علمًا لله، وحكمة وقدرة وخبرة ورحمة وقوّة إلخ ...
ليس من شك في أنّ العصر الحديث أضاف لنا معلومات هائلة، وحقائق متعدّدة، ونظريّات مختلفة عن كل الظواهر المحيطة بنا، ومن الطبيعي أن يستفيد منها علماء المسلمين في تعاملهم مع القرآن
"
لكنّ العلوم الحديثة أضافت لنا معلومات حديثة حول دور السماء، فهي ليست السماء الماطرة فقط، بل تقوم بدور آخر، فهي ترجع لنا بالإضافة للمطر ثلاثة أشياء هي: الضوء، الحرارة، موجات البث الإذاعي والتلفزيوني. وترجع عنّا أربعة أشياء، هي: الأشعة فوق البنفسجية، الشُهُب، أشعة كونية قاتلة، الجُسيمات الذرية. ويمكن أن يضيف المفسّر هذه المعاني في شرح الآية، فتعطيها أُفُقًا أوسع وأرحب، وتجعل المسلم يزداد تعظيمًا لله، وحبًّا له، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وثقة به إلخ ... ليس لأنّ السماء أرجعت المطر فقط، بل لأنّ السماء قامت بأشياء أخرى غير المطر، ولا تقل قيمة وأهمية وفائدة عن المطر.
الخلاصة: ليس من شك في أنّ العصر الحديث أضاف لنا معلومات هائلة، وحقائق متعدّدة، ونظريّات مختلفة عن كل الظواهر المحيطة بنا، ومن الطبيعي أن يستفيد منها علماء المسلمين في تعاملهم مع القرآن، لكنهم ركّزوا ذلك في الإعجاز العلمي، وقد رصدنا بعض الأخطاء التي وقع فيها باحثو الإعجاز العلمي في عدّة مجالات، وبيّنا أنّ هذا التعامل الخاطئ حجب الأهداف الرئيسية التي جاءت الآيات من أجلها، وهي: البناء النفسي، البناء العقلي، التدليل على وحدانية الخالق، التدليل على وحدانية المخلوقات إلخ ... ، وقلّل الثمرات التي يمكن أن يجنيها المسلم من تلاوته للقرآن الكريم، وتدبّره لآياته.
المصدر: الجزيرة ( http://www.aljazeera.net/NR/exeres/23BD7BF4-5EB2-4F9B-8FB2-A750B4CCBA44.htm)
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[01 Nov 2009, 03:42 م]ـ
الأخوة الكرام،
1. لا إفراط ولا تفريط، ولا تعسف سلباً ولا إيجاباً. وجيد أن تكون دراسات نقدية تضع الأمور في نصابها. ولا يعني النقد تفنيد السلبيات بل يعني أيضاً تعزيز الإيجابيات.
2. يقول الكاتب الكريم:"بلغت الآيات الكريمة التي تحدّثت عن مظاهر الكون والطبيعة والإنسان والحيوان والنبات ثلث القرآن الكريم"، فإذا كان الأمر كذلك، وكان القائل هو محمد بن عبد الله، الذي عاش قبل أكثر من 1400 سنة، فمن البدهي أن نرصد الكثير من التناقض والاختلاف مع الحقائق العلمية المعاصرة. وإذا كان المتحدث محمد رسول الله، أي رسول من خلق الكون والكائنات، فمن البدهي أن نرصد الكثير من التوافقات الدالة على ربانية المصدر.
3. " وجعلنا من الماء كل شيء حي": كيف لا يكون هذا من دلائل النبوة، ونحن اليوم لا نرى استثناءً واحداً بين مليارات الكائنات الحية؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
4. "وأنزلنا الحديد": نعم، حتى من يعيش في عصرنا اليوم لا يأخذ النص على ظاهره، بل يصرفه مستدلاً أعجب الاستدلال عندما يقول: وهل أنزلت الأنعام حيث قال تعالى:"أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج"؟!، وكأنهم استيقنوا أن الأنعام خُلقت في الأرض ولم تُنزل فصرفوا النص عن ظاهره، بل اعتبروا هذا الصرف هو الحقيقة التي تثبت أن الحديد نشأ في الأرض ولم ينزل من السماء!!!!!!
فالخلل، كما يظهر، هو في منهجية الفهم والاستدلال.
ـ[العليمى المصرى]ــــــــ[02 Nov 2009, 06:14 م]ـ
قال تعالى: "وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" (الطارق، 11 - 12). وقد فسّر العلماء قوله تعالى: "والسماء ذات الرجع" بأنها هي السماء التي ترجع المطر، وقوله تعالى: "والأرض ذات الصدع" بأنها الأرض التي تتشقّق فيخرج منها النبات ... لكنّ العلوم الحديثة أضافت لنا معلومات حديثة حول دور السماء، فهي ليست السماء الماطرة فقط، بل تقوم بدور آخر، فهي ترجع لنا بالإضافة للمطر ثلاثة أشياء هي: الضوء، الحرارة، موجات البث الإذاعي والتلفزيوني. وترجع عنّا أربعة أشياء، هي: الأشعة فوق البنفسجية، الشُهُب، أشعة كونية قاتلة، الجُسيمات الذرية. ويمكن أن يضيف المفسّر هذه المعاني في شرح الآية، فتعطيها أُفُقًا أوسع وأرحب، وتجعل المسلم يزداد تعظيمًا لله، وحبًّا له، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وثقة به إلخ ... ليس لأنّ السماء أرجعت المطر فقط، بل لأنّ السماء قامت بأشياء أخرى غير المطر، ولا تقل قيمة وأهمية وفائدة عن المطر. [/ url]
اذا كان الكاتب يقبل بهذا المنهج العلمى فى تفسير" والسماء ذات الرجع " فلماذا يرفضه فى الآيات الأخرى المتعلقة بالسماء أيضا والتى ذكر منها آيتين أخرتين؟!
لماذا هذه الانتقائية رغم أن المنهج واحد، والموضوع كذلك واحد؟
أما المبررات التى ساقها لتعليل هذا الرفض فانها تبدو غير مقنعة وتنطوى على لبس كبير وان كان غير مقصود، فقوله مثلا:
والجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال
هذا القول من الكاتب ينطوى على لبس مؤكد، لأن باحثى الاعجاز العلمى لم يدعوا أن الاية يراد بها طرح نظرية علمية، أو أن هذا هو هدف السورة كما يقول الكاتب، فهذا توسع فى الادعاء عليهم، لأن غاية ما قالوه فحسب أن الآية فيها اشارة الى هذه المسألة العلمية، مجرد اشارة لا أنها هى المقصود الأول والرئيس للسورة
وكما ترون فيوجد فارق كبير بين القولين
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[05 Nov 2009, 01:54 م]ـ
بارك الله فيكم. ومعذرة فقد نقلت هذه المقالة مرة أخرى في الملتقى العلمي. ولكن تم استبعادها تجنباً للتكرار فأكرر اعتذاري لكم.
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[20 Dec 2009, 11:09 ص]ـ
هذا القول من الكاتب ينطوى على لبس مؤكد، لأن باحثى الاعجاز العلمى لم يدعوا أن الاية يراد بها طرح نظرية علمية، أو أن هذا هو هدف السورة كما يقول الكاتب، فهذا توسع فى الادعاء عليهم، لأن غاية ما قالوه فحسب أن الآية فيها اشارة الى هذه المسألة العلمية، مجرد اشارة لا أنها هى المقصود الأول والرئيس للسورة
وكما ترون فيوجد فارق كبير بين القولين
لا أتفق مع الكاتب على أن باحثي الإعجاز أرادوا استخراج النظرية العلمية من هذا النص بعينه، ولكن هذا المنهج في التعامل مع آي القرءان قد فتح - بالفعل - بابا أمام قوم جاءونا بأبحاث يريدون منها استخراج نظريات وحقائق الكون من النص القرءاني، وقد وقفتُ على أكثر من بحث لبعض المشتغلين بالعلوم الدنيوية يسلكون هذا المسلك فعلا، حتى ألف أحدهم كتابا كاملا بعنوان "العمارة والعمران في القرءان" (!!) يستخرج فيه أسس التخطيط العمراني الحديث من آيات القرءان، ويستدل بذلك على أن الله جعل في القرءان تفصيل كل شيء!!!
وقد فوجئت بأن هناك من يروج لمسابقات للإعجاز العلمي تنشر في الجامعات الدنيوية تحث الباحثين في مختلف المجالات على النظر في القرءان في ضوء اختصاصاتهم لعلهم يستخرجون منه ما يثبت إعجازه في مجالهم!!! فأين احترام التخصص في علوم القرءان وأين حفظ مهابة كتاب الله من اجتراء الجهال عليه وأي عدوان هذا؟؟؟
وإن بحثت فستجد أبواب الباطنية بل والحسابات العددية (الجيماتريا والكبالا) تدخل أيضا وتوصف بأنها من الإشارات الإعجازية (وعندهم باب أسموه الإعجاز العددي كله من هذا الصنف) ..
فهذا الخلط في فهم مقاصد التنزيل، وفهم حقيقة الإعجاز، وفهم ضرورة لزوم ما اتفقت عليه أفهام الأولين لمرادات ربهم من كلامه، هذا هو اللبس الذي يجب أن يتصدى له أهل العلوم القرءانية قبل أن تفسد تلك الصنعة على أهلها!
ولعلك إن أردتَ أن تحتج على صاحب هذا المسلك بأن القرءان لم ينزله الله لهذاه الغاية، وليست هذه مرادات الله تعالى من كلامه، ولا يصح أن نبحث في القرءان عن نظريات العلوم الدنيوية، أجابك بتسويغ كثير من أهل العلم لتوسعات الإعجازيين في اعتبار ما بين أيديهم من جملة "التفاسير" المقبولة ولو على سبيل الإشارة لتلك الآيات التي أسموها "بالكونية"!
فالأمر فعلا يحتاج إلى وقفة جادة، والله المستعان.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[21 Dec 2009, 10:57 ص]ـ
يعني تمثيلا على ما أقول، أنقل إليكم كلام بحاث من باحثي الإعجاز في مقدمته لبحث من أبحاثه حول ما اصطلحوا عليه بالآيات الكونية، وهو أستاذ في علوم الأرض في جامعة المنصورة. يقول الدكتور:
إننى أهدف من هذا البحث إلى بيان سمو النص القرآنى المتعلق بتأريخ الكون, وعلوه فوق ما نعتبره اليوم من حقائق العلم, وتقديم خدمة جليلة للعلم ذاته من خلال مراجعة وتصحيح مداخله لتتسق مع النصوص القرآنية ذات الصلة. كما أهدف إلى توضيح الرؤى العلمية الثاقبة لمفسرى القرآن الكريم والتى يجدر بعلماء الكون والفلك اليوم أن يستفيدوا منها فى استشراف آفاق العلم اليوم وفى المستقبل. كما أنه تولدت لدى قناعة راسخة بأن قمة الرسوخ فى علوم الكون تستلزم استخدام نفس المصطلح القرآنى. ومن خلال عرض حقائق أساسية عشر لعلم تأريخ الكون (الكسمولوجيا). وقد تبين لى أن تلك الحقائق القرآنية العلمية هى الأساس الذى يقوم عليه ذلك العلم
وهاكم رابط المقال:
http://www.55a.net/firas/arabic/print_details.php?page=show_det&id=1907
والناظر إلى هذا الكلام يجد أن فيه من الأخطاء المنهجية الشيء الكثير!
1 - "سمو النص القرءاني وعلوه فوق ما نعتبره اليوم من حقائق العلم"، لا يتأتى بأن نثبت توافقه مع ما نعتبره اليوم من حقائق العلم! غاية ما يحصل من ذلك = إثبات موافقة القرءان لما نعتبره اليوم من حقائق العلم، لا إثبات سموه عليها!
2 - قوله "وتقديم خدمة جليلة للعلم ذاته من خلال مراجعة وتصحيح مداخله لتتسق مع النصوص القرآنية ذات الصلة" يظهر فيه موطن الخلط الذي نبهتُ عليه في المشاركة الآنفة من كون القوم ينظرون الآن إلى القرءان بوصفه مرجعا للعلوم الطبيعية والصناعات الدنيوية!! فإشكالية تعيين النصوص القرءانية "ذات الصلة" إنما تكمن في توسعهم الشديد في مفهوم "الإشارة الكونية" في النص القرءاني حتى صار صنعة جديدة من صناعات التفسير يشتغل بها كل أحد!!
وصحيح أن ما كان مخالفا لما في القرءان مما وضعه الناس من النظريات فإنه مردود باطل بلا شك، ولكن من من الإعجازيين جرى على هذه الغاية فيما كتب؟ كلهم يسعى إلى إثبات صحة القرءان و"إعجازه" بإثبات موافقته لما توصل إليه وما وضعه الفلكيون وأصحاب العلوم الدنيوية من نظريات، وليس إثبات بطلان ما خالف نص القرءان من نظريات! ومجرد فهمهم لحقيقة الإعجاز العلمي يتضح منها هذا المنهج بما يغني عن بيانه! فدعوى صاحبنا هذه بعيدة عما يسلكه الإعجازيون من مسالك في الحقيقة!
3 - يؤكد على ما سبق قول الدكتور: "كما أهدف إلى توضيح الرؤى العلمية الثاقبة لمفسرى القرآن الكريم والتى يجدر بعلماء الكون والفلك اليوم أن يستفيدوا منها فى استشراف آفاق العلم اليوم وفى المستقبل"
فأولا، الباحثون في الإعجاز إلا ما رحم ربي عندهم افتتان بعلوم الدنيا - التي هي صناعتهم واختصاصهم بالأساس - فتراهم لا يطلقون لفظة "العلمية" أو "العلم" إلا ويريدون بها العلم الدنيوي! وفاتهم أن تفسير القرءان علمٌ، وعلم دقيق، وهو من أشرف العلوم على الإطلاق إذ شرف العلم يعرف بشرف معلومه، وما من معلوم أشرف من كلام الله رب العالمين! والدكتور في كلامه هذا يتكلم من منطلق من أوتي علما يريد أن يفتح به فتحا على "مفسري القرءان الكريم" وكأنهم كانوا في حيرة من أمرهم إزاء كتاب رب العالمين ينتظرون أن يأتيهم هؤلاء الباحثون "بالرؤية العلمية الثاقبة" التي بها يفهمون كلام الله عز وجل!!!
4 - قوله "كما أنه تولدت لدى قناعة راسخة بأن قمة الرسوخ فى علوم الكون تستلزم استخدام نفس المصطلح القرآنى" هذا خطأ منهجي واضح! إذ لا يسع أحدا أن يفرض على أهل صنعة من الصناعات الدنيوية (أو الشرعية) أن يستخدموا اصطلاحا غير اصطلاحهم أيا ما كان مصدره!! وإلا فماذا يقصد من "استخدام نفس المصطلح القرآني"؟؟ عند التأمل يتبين أن مراده سبغ نظريات علوم الكون بصبغة ألفاظ القرءان، من خلال أبحاثهم التي تحشر تلك العلوم في آيات الله حشرا!!! كأن نقول - مثلا - "فتق الرتق" بدلا من "الانفجار الكبير"، فهي عنده حقيقة قرآنية كما سيأتي!!!! وهذا تفريع على الأصل الذي تقدم نقده عندهم.
5 - ليس في علم تأريخ الكون ما يوصف بأنه حقائق .. والدكتور يقول: "ومن خلال عرض حقائق أساسية عشر لعلم تأريخ الكون (الكسمولوجيا). " فهذا يدخلنا في إشكالية من إشكاليات فلسفة العلوم وهي قضية حجية النظرية الطبيعية ومحلها ما بين الظن والقطع، ومحلها - أيا كانت درجتها - من حقائق القرءان .. فأول المشكلات تحويل الظنيات إلى حقائق "أساسية"، ثم العمل على استخراجها من نص القرءان، بغية إثبات إعجاز القرءان بموافقته لتلك الحقائق!! فتأمل إذ يقول بعدُ:
"وقد تبين لى أن تلك الحقائق القرآنية العلمية هى الأساس الذى يقوم عليه ذلك العلم"
فالدكتور قد توصل إلى جعل تلك "الحقائق" العشر التي ضرب عليها ختم "الحقيقة العلمية" في علم الكوزمولوجيا (ولعلها من أقوى النظريات حجية بالمقارنة بما سواها من نظريات تلك الصنعة عند أصحابها) = حقائق قرءانية، بناءا على سعيه لاستخراجها من نص القرءان، ثم الآن هو يدعي أن تلك النظريات أساسها القرءان!!!!
فتأملوا بارك الله فيكم مدى ما بلغه الخلط المنهجي العميق عند أصحاب أبحاث الإعجاز، والله المستعان!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[21 Dec 2009, 06:59 م]ـ
بارك الله فيك أبا الفداء ..
وأنبه على أن خطورة ما يسمى بالإعجاز تتبين بنقطتين هامتين:
الأولى: أنه رد صريح لفهم سلف الأمة لكتاب الله تعالى، وهذا واضح في كتاباتهم والأمثلة عليه كثيرة.
فعندما يفسرون قوله تعالى "كأنما يصعد في السماء " بما يفسرونها به؛ فما هو حكم تفسير السلف الصالح لها، هل هو باطل ويجب رده، وهل هو معارض بنتائج العلوم التجريبية وهي راجحة عليه. وقد بحثت هذه المسألة في هذا الملتقى المبارك تحت عنوان تهافت القول بالإعجاز في قوله تعالى: "كأنما يصعد في السماء"
وقس على ذلك قوله تعالى: "وأرسلنا الرياح لواقح" وغيرهما كثير.
الثانية: أنه تفسير لكتاب الله تعالى بمحض الرأي الذي لا يستند إلى دليل من كتاب أو سنة أو لغة أو فهم سلف أمة ..
أما ما يسمى بالإعجاز العددي فلا يحتاج إلى بحث ولا إلى نقاش لمن له أدنى قراءة لعلوم القرآن ومتعلقاتها.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[21 Dec 2009, 09:06 م]ـ
الأخوة الكرام،
1. كثر الكلام في الإعجاز العلمي والعددي حتى بات ما يكتب من المكرارات. وأنا شخصياً أرى أن مرد ذلك إلى الاختلاف في منهج التلقي والبحث والدراسة والفهم.
2. نحن نلتزم قول السلف في معاني الألفاظ، وما هو من صحيح النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ثبت من إجماع. أما المعاني التي تحتملها الألفاظ فليس للسلف عصمة في الفهم والاستنباط.
3. ثبتت خيريّة الصحابة في المجمل. وأتمنى على الأخوة أن يقدّموا دليلاً نصياً واحداً يثبت أفضلية الصحابة في الفهم والعلم، (دليل نصي).
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[22 Dec 2009, 12:24 ص]ـ
نحن نلتزم قول السلف في معاني الألفاظ، وما هو من صحيح النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما ثبت من إجماع. أما المعاني التي تحتملها الألفاظ فليس للسلف عصمة في الفهم والاستنباط.
أخي الكريم، قولك "معاني الألفاظ" وتفريقك بينه وبين "المعاني التي تحتملها الألفاظ" تفريق عجيب في الحقيقة، وفيه من التناقض ما لا يخفى! فالمعاني التي تحتملها الألفاظ، يلزمك إذ تقرر الالتزام بأقوال السلف في المعاني، أن تتقيد بما ورد عنهم منها! وإلا فما معنى الالتزام بأقوال السلف الذي تقرر الالتزام به؟!
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[22 Dec 2009, 01:55 م]ـ
الأخ الكريم أبو الفداء،
يبدو أن عبارتي ملتبسة وتحتاج إلى توضيح:
في كل الأمم تجد الصغير والكبير يفهم الكلام لأنه ابن اللغة. ولكن هل يتساوى الناس في فهم الكلام البليغ والكلام العميق. وهل كل أحد يستطيع أن يستنبط ويُفرّع؟!
والصحابة رضي الله عنهم هم أبناء اللغة العربية الفصحى، ولكنهم كأي بشر تتفاوت أفهامهم وقدراتهم العقلية والفكرية؛ فهذا عمرو بن العاص القائد العسكري الفذ يتعرى ويتمرغ في التراب لأنه هكذا فهم التيمم. وهذا صحابي آخر يضع تحت وساده خيطاً لونه أبيض وآخر لونه أسود وينظر بين الحين والآخر عملاً بقوله تعالى:" حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".
وإذا كان كل أحد من الصحابة يفهم القرآن والسنة فبماذا تميّز ابن عباس رضي الله عنه عن باقي الصحابة، وبماذا تميز معاذ؟! ثم لماذا تستدرك عائشة رضي الله عنها على أفهام الصحابة؟!
الصحابي ابن عصره وفهمه على قدر علمه ووعيه. وهو فقط يتفرد بما أخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما وراء ذلك يؤخذ من قوله ويرد إلا ما كان إجماعاً منهم رضي الله عنهم.
وهنا أكرر طلبي من الأخوة أن يأتوني بنص من قرآن أو السنة يشهد للصحابة بزيادة فهم وعلم، بل إن قول الرسول عليه السلام:" رب مبلغ أوعى من سامع" يدل على احتمال أن يكون غير الصحابي أوعى من الصحابي. كيف لا والكثير من الصحابة لا يقارن فهمهم بالشافعي وأحمد وابن تيمية والبخاري ....
ـ[أبو الفداء]ــــــــ[22 Dec 2009, 04:52 م]ـ
يبدو أن عبارتي ملتبسة وتحتاج إلى توضيح:
في كل الأمم تجد الصغير والكبير يفهم الكلام لأنه ابن اللغة. ولكن هل يتساوى الناس في فهم الكلام البليغ والكلام العميق. وهل كل أحد يستطيع أن يستنبط ويُفرّع؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
الاستنباط بمعنى الاستدلال واستخراج الأحكام الفقهية من مجموع النصوص شيء، وتحقيق مراد المتكلم من كلامه في كل نص من النصوص شيء آخر. وجوابا على سؤالك: كلا بالطبع، ليس كل أحد يستطيع أن يستنبط ويفرع! ولكن ما علاقة هذا الكلام بالنظر في مصادر معرفة تفسير كلام الله؟؟ هل التفسير عندك استنباط وتفريع؟
والصحابة رضي الله عنهم هم أبناء اللغة العربية الفصحى، ولكنهم كأي بشر تتفاوت أفهامهم وقدراتهم العقلية والفكرية؛ فهذا عمرو بن العاص القائد العسكري الفذ يتعرى ويتمرغ في التراب لأنه هكذا فهم التيمم.
كل هذا خارج محل النزاع، بارك الله فيك .. هذا اجتهاد منه في الفقه والعمل لا في التفسير، فتأمل.
وهذا صحابي آخر يضع تحت وساده خيطاً لونه أبيض وآخر لونه أسود وينظر بين الحين والآخر عملاً بقوله تعالى:" حتى يتبن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر".
ولو أنك في زمانه ولم يردك مزيد بيان من النبي عليه السلام بالمراد من هذا النص، لكنت معذورا بعذره، ولكن ما عذرك الآن إن خالفت ما استقر عليه فهم السلف في هذا النص؟؟؟ هذا بيت القصيد!
وإذا كان كل أحد من الصحابة يفهم القرآن والسنة فبماذا تميّز ابن عباس رضي الله عنه عن باقي الصحابة، وبماذا تميز معاذ؟!
لم يقل أحد من الناس بأن كل الصحابة كانوا سواءا في العلم بتأويل كلام الله! وليس هذا معنى قولنا بعدم الخروج على فهم السلف! إنما نقصد أن الحق في معرفة مراد الله تعالى من كلامه موجود فيما نقل عنهم لا محالة! ولا شك أننا إن أردنا أن نتحرى معرفة ذلك منهم، فإننا نبدأ بأعلمهم بالقرءان! ولهذا كانت أكثر المنقولات عن السلف في التأويل محصورة في قلة من الصحابة لأنهم هم الأعلم بكتاب الله، وهم الذين تلقوا الفهم فيه عن النبي عليه السلام، ومن بعدهم من تبعهم من التابعين .. وبما أننا نؤمن بأن الأمة أبدا ما أجمعت على ضلالة قط، وأنها لا يزال الحق فيها إلى قيام الساعة، فمراد الله تعالى من كل آية من آيات كتابه لا يزال موجودا فيما ورثناه عنهم (فيما اتفقوا عليه أو في بعض أقوالهم إن اختلفوا) ولابد!!
ثم لماذا تستدرك عائشة رضي الله عنها على أفهام الصحابة؟!
خارج النزاع.
الصحابي ابن عصره وفهمه على قدر علمه ووعيه. وهو فقط يتفرد بما أخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وما وراء ذلك يؤخذ من قوله ويرد إلا ما كان إجماعاً منهم رضي الله عنهم.
وهل خاطب الله تعالى الصحابة في كتابه بكلام قصرت أفهامهم عن إدراكه وما كان يناسب عصرهم ووعيهم، فتخلفوا عن فهم مراده منه حتى ظهر أصحاب الإعجاز في زماننا هذا؟؟ ما هذا الكلام يا أخي؟؟ "ابن عصره" هذه تقال في علم من العلوم المادية القائمة على المشاهدة والنظر، وليس في كتاب عربي مبين نزل عليهم بلسانهم ليهديهم إلى أقوم السبل!!
بل إن قول الرسول عليه السلام:" رب مبلغ أوعى من سامع" يدل على احتمال أن يكون غير الصحابي أوعى من الصحابي. كيف لا والكثير من الصحابة لا يقارن فهمهم بالشافعي وأحمد وابن تيمية والبخاري ....
لو سلمت لك بفهمك لهذا النص، للزمني أن أقرر أن كتاب الله تعالى فيه من الكلام ما نقله جميع الصحابة دون أن يعيه أحد منهم، حتى وعاه فلان وفلان من باحثي الإعجاز في زماننا هذا، وفهم حقيقة مراد الله منه كما لم يفهمه أحد منهم!! فهل تعي لازم هذا الكلام يا أخي الكريم؟
دليلنا على بطلان هذا المعنى هو ببساطة أن من يدعي أن تفسيرا أو تأويلا جديدا قد ظهر في زماننا لمراد الله تعالى من بعض كلامه بخلاف ما كان يعلمه السابقون، هذا لازم كلامه تجهيل سائر القرون السالفة بحقيقة مراد الله من كلامه، وتخلية تلك القرون جميعا من قائل بمراد الله الحق فيها!! وهذا باطل ولابد إذ معناه إجماع الأمة على ضلالة، ولازمه غياب الحق الذي أجمعت الأمة على أنه باق فيها إلى قيام الساعة وإن قل القائلون به، فتأمل بارك الله فيك.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[23 Dec 2009, 12:11 ص]ـ
إخوتي الكرام:
هذه المقارنات لا تخلو من مجاوزة للحد ..
فالحق - كما قال الأخ أبا منقذ - أن أهل السنة لا يختلفون في أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا معصومين، ولكنهم كذلك متفقون أن الحق لا يوجد خارج فهمهم من حيث الجملة.هذا أولا.
ثانيا: فهم علماء الأمة إنما هو مبني على فهم من سبقهم من الصحابة وأهل العلم، وإن زاد أحدهم أو وسع في أمر ما فهي زيادة تعتبر امتدادا لفهم من سبقه وليست مناقضة لها بحيث يستحيل الجمع بينهما، وإن وقع ذلك ففهم الصحابة أولى من فهم غيرهم مهما بلغ من العلم.
ثالثا: مشكلة أهل الإعجاز أن فهمهم وتفسيرهم للآيات القرآنية بالظواهر العلمية أو لنسمها - تنزلا - حقائق علمية هو فهم مخالف لما فهمه الرعيل الأول من هذه الأمة والجمع بينهما مستحيل في كثير من الآيات؛ بل حتى في الأسس والأصول التي ينبني عليها تفسير كتاب الله تعالى، وهذه هي الطامة الكبرى، فماذا سنفعل هل نغرق كل التفاسير الموجودة عندنا في اليم ثم نكتب تفسير أهل الإعجاز وندرسه لأبنائنا؟ لا أظن عاقلا يقول بهذا.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[25 Jan 2010, 05:19 م]ـ
وهذه دراسة للدكتور يوسف القرضاوي - حفظه الله - لعلها تضيف شيئاً في الموضوع أو تسهم في بيان يجلي حقيقة الأمر نرجو بضمها زيادة بيان عسى أن تكون ذات فائدة
قراءة في آراء معارضي التفسير العلمي للقرآن
اشتهر في عصرنا لون جديد من التفسير، أطلق عليه "التفسير العلمي للقرآن"، ويقصد به التفسير الذي تستخدم فيه العلوم الكونية الحديثة: حقائقها ونظرياتها، لبيان مراميه، وتوضيح معانيه. والذين يُعنون بهذا اللون من التفسير في الغالب ويتحمسون له هم علماء الكون والطبيعة، وليسوا من علماء الدين والشريعة.
وعلماء الدين والشريعة يختلفون فيما بينهم حول جواز هذا اللون من التفسير، ومدى شرعيته، وفي الخمسينيات من القرن العشرين ثارت معركة جدلية على صفحات الصحف المصرية بين فريقين من علماء الدين حول هذه القضية، وأحسب أن الخلاف فيها لم يزل إلى يومنا بين منتصر لهذا الرأي ومنتصر لمخالفه. وقبل ذلك وجدنا من كبار العلماء الباحثين المحدثين المؤيدين والمعارضين، وإن كان المعارضون أكثر وأوفر.
معارضة الشيخ شلتوت
وجدنا من المعارضين الإمام الأكبر محمود شلتوت رحمه الله، الذي أنكر في مقدمة تفسيره على طائفة من المثقفين أخذوا بطرف من العلم الحديث، وانتقلوا أو تلقفوا شيئا من النظريات العلمية والفلسفية وغيرها، وأخذوا يستندون إلى ثقافتهم الحديثة، ويفسرون آيات القرآن على مقتضاها، قال الشيخ عن هؤلاء:
(نظروا في القرآن فوجدوا الله سبحانه وتعالى يقول: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38) فتأولوها على نحو زيَّن لهم أن يفتحوا في القرآن فتحًا جديدًا، ففسروه على أساس من النظريات العلمية المستحدثة، وطبقوا آياته على ما وقعوا عليه من قواعد العلوم الكونية، وظنوا أنهم بذلك يخدمون القرآن، ويرفعون من شأن الإسلام، ويدعون له أبلغ دعاية في الأوساط العلمية والثقافية.
نظروا في القرآن على هذا الأساس، فأفسد ذلك عليهم أمر علاقتهم بالقرآن، وأفضى بهم إلى صورة من التفكير لا يريدها القرآن، ولا تتفق مع الغرض الذي من أجله أنزله الله.
هذه النظرة للقرآن خاطئة من غير شك؛ لأن الله لم يُنزل القرآن ليكون كتابًا يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.
وهي خاطئة؛ لأنها تعرّض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العالم ما يصبح غدًا من الخرافات.
فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة، لعرضناه للتقلب معها، وتَحَمّل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفا حرجا في الدفاع عنه. فلندع للقرآن عظمته وجلالته، ولنحفظ عليه قدسيته ومهابته، ولنعلم أن ما تضمنه من الإشارة إلى أسرار الخلق وظواهر الطبيعة إنما هو لقصد الحث على التأمل والبحث والنظر، ليزداد الناس إيمانا مع إيمانهم.
وحسبنا أن القرآن لم يصادم الفطرة، ولم يصادم –ولن يصادم– حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول.
قيل: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط، ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يعود كما كان، لا يكون على حالة واحدة؟ فنزل قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة: 189).
وإنك لتجد هذا في سؤالهم عن الروح حيث يقول الله عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85) أليس في هذا دلالة واضحة على أن القرآن ليس كتابا يريد الله به شرح حقائق الكون، وإنما هو كتاب هداية وإصلاح وتشريع؟) [1].
معارضة الشيخ الخولي وآخرين
(يُتْبَعُ)
(/)
ووجدنا من المعارضين الأستاذ الشيخ أمين الخولي في بحثه المركّز (التفسير: معالم حياته، منهجه اليوم) وقد نقل فيه رأي الشاطبي، واعتراضه على الذين أرادوا أن يخرجوا بالقرآن عن نهجه في مخاطبة العرب بما يفهمون، وفي إطار ما يعهدون من علوم ومعارف، ورد على الذين زعموا أن في القرآن علوم الأولين والآخرين، دينية ودنيوية، شرعية وعقلية.
وهو رأي الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر الأسبق، قاله في تقديمه لكتاب عبد العزيز (باشا) إسماعيل (الإسلام والطب الحديث) [2].
وهو رأي د. عبد الحليم محمود، والشيخ عبد الله المشد، والشيخ أبو بكر ذكري، أعلنوه في مقدمة تفسيرهم الموجز للقرآن، والذي كان ينشر في مجلة (نور الإسلام) لسان علماء الوعظ والإرشاد في الأزهر.
معارضة سيد قطب
وينحو صاحب (الظلال) سيد قطب -رحمه الله– هذا المنحى في تفسيره لآية: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ) [3]، إذ يقول بقلمه البليغ: وإني لأعجب لسذاجة المتحمسين لهذا القرآن، الذين يحاولون أن يضيفوا إليه ما ليس منه، وأن يحملوا عليه ما لم يقصد إليه، وأن يستخرجوا منه جزئيات في علوم الطب والكيمياء والفلك وما إليها ... كأنما ليعظموه بهذا ويكبروه!.
إن القرآن كتاب كامل في موضوعه، وموضوعه أضخم من تلك العلوم كلها ... لأنه هو الإنسان ذاته الذي يكتشف هذه المعلومات وينتفع بها .. والبحث والتجريب والتطبيق من خواص العقل في الإنسان. والقرآن يعالج بناء هذا الإنسان –بناء شخصيته وضميره وعقله وتفكيره– كما يعالج بناء المجتمع الإنساني الذي يسمح بأن يحسن استخدام هذه الطاقات المذخورة فيه. وبعد أن يوجد الإنسان السليم التصور والتفكير والشعور، ويوجد المجتمع الذي يسمح له بالنشاط، يتركه القرآن يبحث ويجرب، ويخطئ ويصيب، في مجال العلم والبحث والتجريب. وقد ضمن له موازين التصور والتدبر والتفكير الصحيح.
كذلك لا يجوز أن نعلق الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن أحيانا عن الكون في طريقة لإنشاء التصور الصحيح لطبيعة الوجود وارتباطه بخالقه، وطبيعة التناسق بين أجزائه .. لا يجوز أن نعلق هذه الحقائق النهائية التي يذكرها القرآن بفرض العقل البشري ونظرياته، ولا حتى بما نسميه (حقائق علمية) مما ينتهي إليه بطريق التجربة القاطعة في نظره.
إن الحقائق القرآنية حقائق نهائية قاطعة مطلقة، أما ما يصل إليه البحث الإنساني –أيا كانت الأدوات المتاحة له- فهي حقائق غير نهائية ولا قاطعة، وهي مقيدة بحدود تجاربه وظروف هذه التجارب وأدواتها ... فمن الخطأ المنهجي –بحكم المنهج العلمي الإنساني ذاته– أن نعلق الحقائق النهائية القرآنية بحقائق غير نهائية. وهي كل ما يصل إليه العلم البشري.
هذا بالقياس إلى (الحقائق العلمية) ... والأمر أوضح بالقياس إلى النظريات والفروض التي تسمى (علمية) .. ومن هذه النظريات والفروض كل النظريات الفلكية، وكل النظريات الخاصة بنشأة الإنسان وأطواره، وكل النظريات الخاصة بنفس الإنسان وسلوكه .. وكل النظريات الخاصة بنشأة المجتمعات وأطوارها ... فهذه كلها ليست (حقائق علمية) حتى بالقياس الإنساني. وإنما هي نظريات وفروض كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية، وإلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرا أكبر من الظواهر، أو يفسر تلك الظواهر تفسيرا أدق! ومن ثم فهي قابلة للتغيير والتعديل والنقص والإضافة، بل قابلة لأن تنقلب رأسا على عقب، وبظهور أداة كشف جديدة، أو بتفسير جديد لمجموعة الملاحظات القديمة!.
وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة –أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسفلنا– تحتوي أولاً على خطأ منهجي أساسي. كما أنها تنطوي على معانٍ ثلاثة كلها لا يليق بالقرآن الكريم:
المعنى الأول:
الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع، ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم، أو الاستدلال له من العلم. على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه، ونهائي في حقائقه، والعلم لا يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس، وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق؛ لأنه مقيد بوسع الإنسان وعقله وأدواته، وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة.
والمعنى الثاني:
(يُتْبَعُ)
(/)
سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته، وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق –بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية- مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي؛ حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله، بل يصادقه ويعرف بعض أسراره، ويستخدم بعض نواميسه في خلافته. نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق، وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة!.
والمعنى الثالث:
هو التأويل المستمر –مع التمحل والتكلف– لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر، وكل يوم يوجد جديد، وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن، كما أنه يحتوي على خطأ منهجي، كما أسلفنا [4].
الإمام الغزالي والتفسير العلمي
والموضوع قد أثير من قديم، ويبدو أن أول من أثاره هو الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله، فقد ذكر في (الإحياء) قول ابن مسعود: من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن، ونحو ذلك من الأقوال، ثم قال: (وبالجملة، فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها) [5].
وفي كتاب (جواهر القرآن) وهو مؤلف بعد (الإحياء) عاد إلى الموضوع وتوسع فيه. وفيه ذكر أن جميع العلوم (مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه لا ساحل له) [6].
ثم ذكر من أفعال الله تعالى الشفاء والمرض، كما قال تعالى حكاية عن إبراهيم: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء:80)، قال: وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا من يعرف الطب بكماله؛ إذ لا معنى للطب إلا معرفة المرض بكماله وعلاماته، ومعرفة الشفاء وأسبابه ... إلى أن قال: (لا يعرف كمال معنى قوله: (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الانفطار:6 - 8) إلا من عرف تشريح الأعضاء من الإنسان ظاهرًا وباطنا، وعددها وأنواعها، وحكمتها ومنافعها ... إلخ) .. فهذان مثالان لتخريج الغزالي العلوم المختلفة من القرآن.
ومن هنا نفهم معنى قول الغزالي: إن علوم الأولين والآخرين ليست خارجة عن القرآن، فكأنه يقول: إن العلوم كلها خادمة لحسن فهم القرآن، كما أن القرآن نفسه يشير إليها، ويدل عليها، بصورة من الصور الضمنية أو الكلية.
وقد قال في الإحياء: (بل كل ما أشكل فهمه على النُّظَّار (علماء المعقول) واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات، ففي القرآن إليه رموز، ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بدركها) [7].
ابن أبي الفضل المرسي والسيوطي
وجاء بعد الغزالي ابن أبي الفضل المرسي، والذي سجل السيوطي رأيه في (الإتقان) [8] وهو أشبه برأي الغزالي، فقد ذكر –فيما ذكر– أن أصول الصنائع مذكورة في القرآن كالخياطة في قوله: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ) (الأعراف:22)، والحدادة: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) (الكهف: 96)، والبناء في آيات [9]، والنجارة: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) (هود: 37)، والغزل: (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا) (النحل92)، والملاحة: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ) (الكهف: 79)، والفخارة: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) (القصص: 38) ... وهكذا.
وقد أيد السيوطي في (الإتقان) وكتاب (إكليل التأويل في استنباط التنزيل) هذا التوجه، واستدل له بالقرآن والحديث، وبقول ابن مسعود والحسن والشافعي وغيرهم.
أبو إسحاق الشاطبي والتفسير العلمي
ولقد رأينا الإمام أبا إسحاق الشاطبي رحمه الله، قد عارض هذا التوجه في كتابه (الموافقات) معتمدا على أن الشريعة نزلت في الأساس لقوم أميين، فهي –على حد تعبيره- شريعة أمية، فلا ينبغي أن نخرجها إلى حد التكلف والتعقيد والتفلسف. وإن بالغ في ذلك، حتى تعقبه العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير)، كما تعقب بعضه العلامة الشيخ عبد الله دراز في تعليقه على الموافقات [10].
(يُتْبَعُ)
(/)
بيّن الشاطبي أن الشريعة الإسلامية شريعة أمية؛ لأن الله بعث بها رسولاً أميًّا إلى قوم أميين كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ) (الجمعة: 2)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) (متفق عليه، عن ابن عمر) فيلزم أن تكون الشريعة على معهودهم وفي مستواهم.
ثم بعد هذا البيان أوضح الشاطبي أن الشريعة – في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت– قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه، ثم يتوجه باللوم إلى قوم أضافوا للقرآن كل علوم الأولين والآخرين، مفندًا هذه الدعوى قائلاً:
ما تقرر من أمية الشريعة، وأنها جارية على مذاهب أهلها –وهم العرب– ينبني عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس تجاوزوا -في الدعوى على القرآن– الحدَّ، فأضافوا إليه كل علم يذكر للمتقدمين والمتأخرين، من علوم الطبيعيات والتعاليم [كالهندسة وغيرها من الرياضيات] والمنطق وعلوم الحروف، وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها، وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح [11].
ثم يدلل الشاطبي على رأيه هذا ويحتج له بما عرف عن السلف من نظرهم في القرآن فيقول: (إن السلف الصالح -من الصحابة والتابعين ومن يليهم- كانوا أعرف بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه، ولم يبلغنا أنه تكلم أحد منهم في شيء من هذا المدعى سوى ما تقدم، وما ثبت فيه من أحكام التكاليف، وأحكام الآخرة، وما يلي ذلك، ولو كان لهم في ذلك خوض ونظر لبلغنا منه ما يدلنا على أصل المسألة، إلا أن ذلك لم يكن، فدل على أنه غير موجود عندهم، وذلك دليل على أن القرآن لم يقصد فيه شيء مما زعموا، نعم تضمن علوما من جنس علوم العرب أو ما ينبني على معهودهم مما يتعجب منه أولو الألباب، ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة، دون الاهتداء بأعلامه، والاستنارة بنوره، أما أن فيه ما ليس من ذلك فلا) [12].
ثم شرع الشاطبي بعد هذا في ذكر الأدلة التي استند إليها أرباب هذا التفسير (التفسير العلمي) فقال: (وربما استدلوا على دعواهم بقوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، وقوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ) (الأنعام: 38) .. ونحو ذلك، وبفواتح السور –وهي لم تعهد عند العرب– وبما نقل عن الناس فيها، وربما حكي من ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أشياء).
بعد ذلك طفق الشاطبي ينقض هذه الأدلة، واحدا بعد الآخر بمنطقه القوي، فقال رحمه الله: (فأما الآيات: فالمراد بها عند المفسرين ما يتعلق بحال التكليف والتعبد، أو المراد بالكتاب في قوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ): اللوح المحفوظ، ولم يذكروا فيها ما يقتضي تضمنه لجميع العلوم النقلية والعقلية.
وأما فواتح السور: فقد تكلم الناس فيها بما يقتضي أن للعرب بها عهدا، كعدد الجُمّل الذي تعرفوه من أهل الكتاب، حسبما ذكره أصحاب السير، أو هي من المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله تعالى، وغير ذلك, أما تفسيرها بما لا عهد به فلا يكون, ولم يدّعِهِ أحد ممن تقدم، فلا دليل فيها على ما ادعوا، وما ينقل عن علي أو غيره في هذا لا يثبت، فليس بجائز أن يضاف إلى القرآن ما لا يقتضيه، في الاستعانة على فهمه على كل ما يضاف علمه إلى العرب خاصة، فبه يوصل إلى علم ما أودع من الأحكام الشرعية، فمن طلبه بغير ما هو أداة له ضل عن فهمه وتقوّل على الله ورسوله فيه، والله أعلم، وبه التوفيق) [13].
ومنطق الشاطبي هنا منطق قوي، وأدلته لا مطعن فيها، إلا ما كان من اعتماده على (أمية الشريعة) بناء على أمية الأمة. ذلك أن أمية الأمة ليست أمرًا مطلوبًا ولا مرغوبا فيه، بل بعث الله رسوله في الأميين رسولاً ليخرجهم من الأمية إلى باحة العلوم والنور، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (الجمعة: 2) فهذه مهمة الرسول مع الأميين: التلاوة والتزكية وتعليم الكتاب والحكمة ولا عجب أن كانت الآيات الأولى من الوحي تنبئ بذلك: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق: 1 - 5)، وأقسم سبحانه بالقلم فقال: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم: 1).
فالأمية ممدوحة في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها أدل على الإعجاز وليست ممدوحة في الأمة، وعلى الأمة أن تتحرر منها ولتتعلم وتتفقه وتنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء، وقد قال تعالى: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9).
ولقد كان الرسول الكريم هو أول من حارب الأمية، كما رأينا ذلك حين قبل في أسرى بدر أن يفتدي بعضهم نفسه إذا كان كاتبا، وأن يعلم عشرة من أولاد المسلمين الكتابة. من أجل هذا لا نقبل فكرة أمية الشريعة إلا إذا حملت على معنى الفطرية والسهولة، والبعد عن التكلف والتعقيد، وبالله التوفيق.
----------------------------
[1] مقدمة تفسير الشيخ شلتوت ص11 - 14 طبعة دار الشروق بمصر
[2] ذكر ذلك الدكتور الذهبي في الجزء الثاني من كتابه (التفسير والمفسرون) ص495،496 طبعة المختار الإسلامي سنة 1985 نشر مكتبة وهبة.
[3] وهي قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة، قل: هي مواقيت للناس والحج ... ) البقرة: الآية 189
[4] في ظلال القرآن ج 1 م 180 - 182 طبعة دار الشروق
[5] الإحياء 1/ 289 دار المعرفة بيروت.
[6] انظر جواهر القرآن ص32 - 34.
[7] إحياء علوم الدين، الموضع السابق.
[8] في النوع الخامس والستين: في العلوم المستنبطة من القرآن، 4/ 27 - 31.
[9] أي في مثل قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) (البقرة 127).
[10] انظر الموافقات وتعليقات دراز 2/ 69 وما بعدها.
[11] الموافقات 2/ 79.
[12] الموافقات 2/ 79 - 80.
[13] الموافقات 2/ 81 - 82
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[25 Jan 2010, 06:29 م]ـ
عندما يكون الطرح بهذه الدرجة من العلمية والدقة في اختيار الألفاظ والجودة في النقل والبراعة في اختيار المنقول عنه؛ فإن القلم يعجز عن شكر ناقله؛ وتتعب يداه في الضراعة بالدعاء له ..
جزاك الله خيرا؛ فقد أجدت وأفدت وأسمعت من تنادي ..
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[25 Jan 2010, 07:25 م]ـ
أيها الأفاضل
سأكتب لكم بلهجة مختلفة بعض الشيء وأقول:
خلوا عنكم هذا الجدال العقيم والمكرور والدوران في حلقات مفرغة تنتهون حيث بدأتم.
مللنا التنظير والله مللنا، الذي يعترض على تفسير ما بناء على القول بالإعجاز العلمي فليأت بالمثال ويقول هذا القول لا يصح ويقيم الأدلة على ذلك ومن ثم نناقش قوله مستندين إلى قواعد التفسير والاستدلال.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
ـ[أبو حسان]ــــــــ[26 Jan 2010, 05:36 م]ـ
اتمنى من الدكتور أحمد البريدي أن يُبدي لنا وجهة نظره حول هذا الكلام الذي نقله
فقد جرت العادة أن من ينقل فإنه يعلق ويبدي وجهة نظره على الكلام الذي ينقله إلا إذا كان لا يفقه ما ينقل وأتمنى أن لا يكون الناقل هنا كذلك
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[26 Jan 2010, 07:24 م]ـ
الإخوة الأفاضل:
ليس المهم هو تعليق الناقل من عدمه.
وليس المهم هو الدوران وراء الأشخاص ..
الأخ الكريم نقل كلاما علميا عن فطاحلة من العلماء؛ فمن عنده القدرة العلمية على تفنيد ما قالوه أو تصويبه إن كان يراه خطأ فليتفضل؛ ومن ليس عنده إلا الكلام العام؛ أو التجريح الشخصي؛ فهذا ليس مجاله ..
والله الموفق وهو الهادي إلى سوءا السبيل.
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[26 Jan 2010, 08:34 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي ابراهيم الحسني لحسن البيان فالدكتور أحمد جزاه الله خيراً نقل مبحثا علمياً يبين فيه وجهة نظر علمية مدللا عليها فمن كان لديه ما يدعم فحياه الله ومن كان لديه ما ينقد ويفند فحياه الله ومن يخرج مما عرض بوجهة نظر تقريبية يراعي فيها إيجابيات الموافق والمتبني للإعجاز العلمي ويتجنب سلبياته والمآخذ عليه فحياه الله
أما التجريح بما لايليق بحملة العلم وناقليه فمما يجب ألا يكون له ثمة وجود بيننا
فجزاكم الله خير الجزاء
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[26 Jan 2010, 09:38 م]ـ
يقول الدكتور:
الثاني: قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء،30).
"ربط كتّاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بين قوله تعالى: "أنّ السماوات والأرض كانتا رتقًا ففتقناها" وبين نظرية الانفجار العظيم ( Big Bang) التي اكتشفت مؤخّرًا، والتي قالت إنّ انفجارًا عظيمًا حدث في الفضاء قبل ملايين السنين، انفصلت بعده الأرض، وبدأت التشكّل، واعتبروا أنّ هذه الآية تشير إلى هذه النظرية، وكما قلنا سابقًا إنّ هذا اعتساف في استعمال النصوص "
نقول إذا صحت النظرية واكتشف العلم من خلال سنن الله المودعة في الكون أن الكون " السماء والأرض والكواكب" كان شيئاً واحدا ثم فصل إلى هذه المكونات المتشابهة في مادتها ألا يجوز أن نقول نحن المسلمين إن القرآن قد سبق اكتشافكم هذا؟
إنه أمر غريب أن يوصف مثل هذا القول بالتعسف!!!
ثم يقول الدكتور معللاً حكمه بقوله:
"لأنّ الآية يجب أن يُنظر إليها من خلال السياق القرآني أي من خلال النظر إلى ما قبلها وما بعدها من الآيات لنفهم المعنى الذي تشير إليه، فنجد أنّ الآيات التي سبقت الآيات السابقة تحدّثت عن نفي الشريك لله تعالى، ثم جاءت بعدها آيات تحدّثت عن الأرض والجبال الرواسي، وعن الفجاج في هذه الجبال، وعن السماء والليل والنهار، وعن الشمس والقمر، قال تعالى: "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ. وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ
(يُتْبَعُ)
(/)
وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" (الأنبياء،26 - 3""
وأقول: المتكلمون في الإعجاز لا ينكرون شيئاً من هذا، ولا يغفلون السياق إطلاقاً والآيات غرضها إقرار توحيد الإلهية وهذا لا نزاع فيه.
ثم يقول الدكتور:
"بالنظر في السياق إلى آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى فتق السماوات والأرض, بل تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، من أجل استمرار الحياة"
وهذا كلام عجيب من الدكتور كيف لا تشير إلى فتق السماوات والأرض والله يقول:
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا"!!!!؟؟؟
ثم يقول الدكتور مؤكداً:
"وبالنظر في سياق آية "الانفجار العظيم"، نجد أنها لا تشير إلى مثل هذا بحال من الأحوال"
ونقول نفس التساؤل:
وهذا كلام عجيب من الدكتور كيف لا تشير إلى فتق السماوات والأرض والله يقول:
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا"!!!!؟؟؟
ثم يقول الدكتور:
" بل إنها تشير هي والآيات التي بعدها إلى أنّ هناك إلهًا واحدًا هو الذي يدبّر نزول الماء ويقيم الجبال في الأرض، ويحفظ السماء من أن تقع على الأرض، وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر من أجل استمرار الحياة، وأنّ وجود إله واحد هو الذي جعل الأمور السابقة متساوقة، ويكمل بعضها بعضًا، ولا يتناقض فيها أمران، ولا تتدافع ظاهرتان إلخ ... ، فالجليّ أنّ الحديث عن السماوات والأرض المقصود منه التدليل على وحدانية الله،"
وأقول لا أحد ينازع في هذا أن الآيات واردة في التدليل على وحدانية الله.
وأقول: إذا كان الدكتور الفاضل وقف عند هذا الحد في فهمه للآيات فأقول: إن غيره رأى أن في قول الله تعالى متوجها بالخطاب للكفار على وجه الخصوص أمراً أبعد مما وقف عنده الدكتور، ومن حق المخاطب بهذا القرآن أن يتدبر نصوصه ويختبر مدلولاتها ومصداقيتها، فإذا فعل ذلك وتوصل بما وهبه الله من عقل وإعمال النظر في صدق هذا القرآن وأن الآيات المسطورة موافقة للآيات المنظورة فهل يصح أن نقول هذا من التعسف وتحميل الآيات ما لا تحتمل؟
إنه أمر عجيب ومنطق غريب فعلاً!!!
ثم يقول الدكتور:
"ومما يؤكّد ذلك أنّ المفسّرين القدماء فسّروا الآية المذكورة فقالوا: إنّ السماوات والأرض كانت مغلقتين ففتحناهما، فالسماء فتحها الله بإنزال الماء منها، والأرض فتحها بأن انبثق النبات منها، ومما يدعم هذا التفسير هو انتهاء الآية بقوله تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون" وهي تشير إلى أنّ إنزال الماء من السماء هو السبب في حياة كل المخلوقات: الإنسان والحيوان والنبات."
فأقول:
أولاً: أن هذا تفسير وقول من الأقوال وفي الآية أقوال أخرى، فهذا الطبري يقول:
"يقول تعالى ذكره: أو لم ينظر هؤلاء الذي كفروا بالله بأبصار قلوبهم، فيروا بها، ويعلموا أن السماوات والأرض كانتا رَتْقا: يقول: ليس فيهما ثقب، بل كانتا ملتصقتين، يقال منه: رتق فلان الفتق: إذا شدّه، فهو يرتقه رتقا ورتوقا، ومن ذلك قيل للمرأة التي فرجها ملتحم: رتقاء، ووحد الرتق، وهو من صفة السماء والأرض، وقد جاء بعد قوله (كانَتا) لأنه مصدر، مثل قول الزور والصوم والفطر.
وقوله (فَفَتَقْناهُما) يقول: فصدعناهما وفرجناهما.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله السماوات والأرض بالرتق: وكيف كان الرتق، وبأيْ معنى فتق؟
فقال بعضهم: عنى بذلك أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما بالهواء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا) يقول: كانتا ملتصقتين.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما) ... الآية، يقول: كانتا ملتصقتين، فرفع السماء ووضع الأرض.
(يُتْبَعُ)
(/)
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) كان ابن عباس يقول: كانتا ملتزقتين، ففتقهما الله.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) قال: كان الحسن وقتادة يقولان: كانتا جميعا، ففصل الله بينهما بهذا الهواء.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أن السماوات كانت مرتتقة طبقة، ففتقها الله فجعلها سبع سماوات وكذلك الأرض كانت كذلك مرتتقة، ففتقها، فجعلها سبع أرضين*
ذكر من قال: ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى (رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) من الأرض ستّ أرضين معها فتلك سبع أرضين معها، ومن السماء ستّ سماوات معها، فتلك سبع سماوات معها، قال: ولم تكن الأرض والسماء متماسَّتين.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) قال: فتقهنّ سبع سماوات، بعضهنّ فوق بعض، وسبع أرضين بعضهنّ تحت بعض.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.
حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، قال: سألت أبا صالح عن قوله (كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) قال: كانت الأرض رتقا والسماوات رتقا، ففتق من السماء سبع سماوات، ومن الأرض سبع أرضين.
وقال آخرون: بل عنى بذلك أن السماوات كانت رتقا لا تمطر، والأرض كذلك رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) قال: كانتا رتقا لا يخرج منهما شيء، ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات. قال: وهو قوله (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ).
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي، قال: ثنا أبي، عن الفضيل بن مرزوق، عن عطية، في قوله (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) قال: كانت السماء رتقا لا تمطر، والأرض رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات، وجعل من الماء كل شيء حيّ، أفلا يؤمنون؟
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) قال: كانت السماوات رتقا لا ينزل منها مطر، وكانت الأرض رتقا لا يخرج منها نبات، ففتقهما الله، فأنزل مطر السماء، وشقّ الأرض فأخرج نباتها، وقرأ (فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ).
وقال آخرون: إنما قيل (فَفَتَقْنَاهُما) لأن الليل كان قبل النهار، ففتق النهار.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خلق الليل قبل النهار، ثم قال: كانتا رتقا ففتقناهما.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا من المطر والنبات، ففتقنا السماء بالغيث والأرض بالنبات.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) على ذلك، وأنه جلّ ثناؤه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبابه."
وهذه الأقوال التي أوردها الطبري ورجح أحدها تدل على أن الأفهام اختلفت في معنى الآية وهي محل اجتهاد وقول أحد المجتهدين ليس حجة على الآخر، وعلى أي من الأقوال حملت الآية لا يمنع من أنها تحتمل معاني أخرى وجوانب أخرى من الفهم منطوقا ومفهوما وإشارة.
وهنا نلاحظ أن الدكتور حجر واسعا حيث اختار أحد الأقوال ومنع بقية الفهوم والاجتهادات وهذا في نظري لا يمت إلى البحث العلمي الجاد بصله.
والله أعلى وأعلم
وللحديث بقية
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[26 Jan 2010, 11:33 م]ـ
إن هناك ركنا أساسيا في هذا المجال يغفل عنه دعاة الإعجاز ..
ولن أطيل ولن أقتص من المواضيع ما يحلو لي، وما أستطيع - ولو بشيء من التعسف الرد عليه - ولكن أقول:
هذا القرآن نزل على أمة معينة، ولا شك أنها مخاطبة به.
هذا أولا.
ثانيا: هل الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يفهمون نظرية الإنفجار الكبير.؟
أم أنهم كانوا يفهمون ما قال الله تعالى: أي أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين أو مغلقتين ثم فرق بينهما؟
ثالثا: إن نظرية الإنفجار الكبير لا تقول حتى ما يقوله أهل الإعجاز؛ فإنها تنص على أن الكون كله، وليس السماوات والأرض فقط؛ بل كل موجود، كان عبارة عن نقطة يجهلون ما قبلها؛ وما الذي دعاها للإنفجار؛ والمهم أنها انفجرت؛ فنتج عنها هذا الكون الذي يتمدد من لحظة الإنفجار تلك - مع عدم إدراك لحظة الانفجار وعدم تحديد أقل مقياس زمني لها.
رابعا: وأنبه عليها دائما:
1 - تفاسير السلف مناقضة لتفاسير أهل الإعجاز مناقضة لا يصح الجمع معها.
2 - فهل نكذب تفاسير أهل الإعجاز، ويصدق تفاسير السلف الصالح، أم نعكس.
الله تعالى هو وحده القادر على هداية التوفيق نسأله ذلك للجميع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[27 Jan 2010, 12:25 ص]ـ
يقول الدكتور غازي التوبة:
"ولكننا نجد عند البحث الدقيق أنّ هناك اعتسافًا في التعامل مع الآيات الكريمة التي ربطوها بالإعجاز العلمي.
فهم اقتلعوها من سياقها الذي وردت فيه من أجل تأدية غرض معيّن، وربطوها بالنظرية العلمية التي اكتشفت حديثًا دون النظر إلى ما قبلها وما بعدها، وهذا خطأ كبير في فهم القرآن الكريم وفي التعامل معه"
وأقول:
هذه دعوى من الدكتور لا دليل عليها.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[27 Jan 2010, 12:38 ص]ـ
يقول الدكتور غازي التوبة:
" وبالغ بعضهم في الإشادة بالإعجاز العلمي، فاعتبر أنّ الربط بين الآية الكريمة والنظرية الحديثة هو الذي أفهمنا إيّاها، وهذا اتهام للقرآن بأنه طلاسم وألغاز ومغاليق، كانت تُتلى من المسلمين طوال أربعة عشر قرنًا دون فهم أو استيعاب"
وهذا كلام يفتقر إلى الدقة لأنه إذا كشف العلم عن معنى يحتمله اللفظ القرآني فلا يعني هذا أن القرآن كان طلاسم وألغازا ومغاليق.
ثم يقول:
"وهذا غير صحيح فالقرآن الكريم كتاب عربي مبين، ويتميّز عن الكتب السماوية الأخرى بأنه كتاب علم وعقل، وتوصف معجزة القرآن الكريم الخالدة بأنها معجزة بيانية عقلية"
أقول: هذا كلام يفتقر إلى الدقة وإن الدكتور تكلم به أو كتبه دون أن يمحصه وينظر في مدى صحته فكل الكتب السماوية كتب علم وعقل لأن مصدرها واحد وهو الله تعالى، إلا إذا كان يقصد بالكتب السماوية الكتب المحرفة المزعومة المنسوبة إلى السماء فحينها لا يجوز له أن ينسبها هو إلى السماء ولا يقارن بينها وبين القرآن كلام الله.
ثم يقول الدكتور: وتوصف معجزة القرآن الكريم الخالدة بأنها معجزة بيانية عقلية"
وأقول:
هذا تناقض من الدكتور فهو يصف القرآن بأنه معجزة بيانية عقلية، ثم يحجر على العقل أن يتدبر ويستنبط ويفهم ويدعوه إلى أن يكون بليدا مقلدا يردد قول الآخرين بلا حجة.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[27 Jan 2010, 01:07 ص]ـ
يقول الدكتور غازي التوبة:
"الأول: قال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ" (الذاريات،47).
"الحديث القرآني عن سعة السماء ليس المقصود منه طرح نظرية علمية لأنه انتزاع للآية من سياقها وليس هدفًا للسورة بحال من الأحوال، بل المقصود توجيه نظر الإنسان وقت نزول القرآن الكريم والآن وفي المستقبل إلى مشهد بديع يملأ العين والقلب بعشرات الأفكار والمشاعر"
أقول:
لم يقل أحد إن الحديث القرآني عن سعة السماء المقصود منه طرح نظرية علمية.
ونتفق مع الدكتور أن "المقصود توجيه نظر الإنسان ........... بعشرات الأفكار" ومنها التفكر في مدلول هذه اللفظة.
ويقول الدكتور غازي التوبة:
"أشار باحثو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم إلى أنّ الآية "وإنّا لموسعون" أشارت إلى نظرية تمدّد الكون واتساعه التي اكتشفها العلم حديثًا، وهذا قول مجانب للصواب، وتحميل للآية ما لا يحتمله سياقها في السورة. فمن الواضح عند النظر إلى الآية في سياق سورة الذاريات أنّ الآية بدأت بمقطع يتحدّث عن بعض مظاهر قدرة الله تعالى في السماء والأرض، وعن حكمة الله في خلق الأزواج فقال تعالى: "وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (الذاريات،47 - 49).
وقد جاء هذا المقطع بعد إخبار الله لنا في المقطع السابق من السورة عن إهلاك عدّة أقوام، منها: قوم لوط، وقوم فرعون، وقوم عاد، وقوم ثمود، وقوم نوح، ثم يأتي أمران للعباد بعد آيات إهلاك الأقوام، وآيات السماء والأرض والأزواج، هما: الفرار إلى الله، والتحذير من الإشراك معه شيئًا آخر، قال تعالى: "فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ" (الذاريات،50 - 51)، وهذان الأمران مطلوبان لأنّ الله هو ربهم ومليكهم وخالقهم، وهو العظيم القادر على أن يحفظهم ويرعاهم، وأن يمدّهم بكل أسباب النماء والقوّة إلخ ... ، فمن الجليّ أنّ الحديث عن سعة السماء وما فيها من أفلاك ونجوم وكواكب ومجرّات إلخ ... -وهي ظاهرة واضحة للعيان يراها الإنسان بشكل جليّ- يدل على عظمة الله وقدرته وجبروته وحكمته إلخ ... ، ويبني في قلب الإنسان تعظيم الله، وتقدير قدرته، ويدفعه للخضوع لله سبحانه وتعالى. "
وأقول:
لا أحد ينازع أن المراد من الآيات وهدفها هو التدليل على قدرة الله وعظمته ووحدانيته ومن ثم الدعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وهذا لا يتعارض مع القول إن فيها دلالة على توسع الكون وتمدده، فإذا ثبت أن لفظ "لموسعون" يحتمل معنى التوسيع والتمديد فلماذا لا يكون سبقا قرآنياً إذا ما ثبت أن التمدد حقيقة كونية؟.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[27 Jan 2010, 01:41 ص]ـ
الأخوة الكرام،
لا شك أننا نكرر ونكرر، ولا بأس أن نذكّر:
1. مقال الأستاذ القرضاوي ينص على أن من الرافضين للإعجاز العلمي كبار علماء، ومن المؤيدين كبار علماء. فالأمر فيه فسحة.
2. كلما قرأت لحجة الإسلام الغزالي أدهشني بسبقه لعصره، بل وسبقه للكثير ممن يعيشون عصرنا. وهذا لا يعني أن نقبل منه كل قول، لا هو ولا أي إنسان ليس بنبي.
3. لا شك أن للشاطبي عقلية جبارة وعلى الرغم من ذلك يدهشك بتهافته رحمه الله عند حديثة عن أمية المرسل إليهم. وإذا كان كلامه صحيحاً فأين نضع فكره هو؟!!
4. رسالة الإسلام لم تنزل إلى قوم بعينهم ولا إلى عصر بعينه بل هي إلى البشرية إلى يوم القيامة. وهي بلسان عربي وليست للعرب فقط. وكلٌ يأخذ بقدر وعيه وعلمه وتجاربه .... ألخ.
5. ما للسلف وللعلوم الكونية؟! لا نشك لحظة أنهم كانوا أعجز من أن يفهموا دلالات الآيات والأحاديث التي فيها إشارات علمية. وقد شهد لهم القرآن الكريم بالخيرية ولم يشهد لهم بالعلم.
6. أما آن لنا ندرك أن أعلم الناس باللغة العربية قد يكون أجهلهم بالعلوم الكونية. وأن أعلمهم باللغة قد يكون أصغرهم في علوم السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو النفس أو التاريخ أو أو ... ألخ.
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[27 Jan 2010, 11:22 ص]ـ
يقول الدكتور غازي التوبة:
"طالما أنّ هناك اعتسافًا وإسرافًا في الحديث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، فما هي الحِكَم والمقاصد والأهداف التي استهدفتها الآيات التي أشارت إلى الكون والطبيعة والإنسان والشمس والقمر والمطر والسحاب والجنين إلخ ... ؟ الحقيقة أنّ هناك عدّة حِكَم ومقاصد وأهداف من هذه الآيات، وهي قد تكون أجلّ وأسمى وأصوب وأجدى على الإنسان المسلم من الحديث عن الإعجاز العلمي، وهذه الحِكَم والمقاصد والأهداف هي:
الأول: البناء النفسي للمسلم: .......
الثاني: البناء العقلي للمسلم: ..............
الثالث: التدليل على وحدانية الخالق: ...............
الرابع: التدليل على وحدة المخلوقات: ................
الخامس: التدليل على ضرورة وجود اليوم الآخر: .....................
السادس: التدليل على إمكانية بعث الأموات: ...................
السابع: التدليل على بعض صفات الله: .............................
وأقول:
كل ما ذكره الدكتور لا يمنع من القول بالإعجاز العلمي إطلاقا، بل إنه يدعم حقيقة وجود الإعجاز العلمي.
ثم إنه بعد ذلك في آخر مقاله يرجع إلى بعض الأقوال في الإعجاز العلمي ويقبلها ولا يرى في ذلك بأس حيث يقول:
والسؤال الآن: هل يعني ذلك ألاّ نستفيد من كل الاكتشافات العلمية الحديثة في مجال الفلك والطب والنبات والحيوان والإنسان والأنهار والجبال إلخ ... ؟ لا ليس هذا صحيحًا، بل يجب أن نستفيد، وأن نوسّع آفاق فهم الآيات ونعمّقه من خلال الربط بين الحقائق المكتشفة ومعاني الآيات، فيزداد المسلم تعظيمًا لله، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وحبًّا له سبحانه وتعالى، ويمكن أن نضرب على ذلك المثال التالي:
قال تعالى: "وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" (الطارق، 11 - 12). وقد فسّر العلماء قوله تعالى: "والسماء ذات الرجع" بأنها هي السماء التي ترجع المطر، وقوله تعالى: "والأرض ذات الصدع" بأنها الأرض التي تتشقّق فيخرج منها النبات، وليس من شك في أنّ ظاهرتي الإمطار والإنبات ظاهرتان عظيمتان، تؤثّران في قلب الإنسان وعقله، فيتوجّه إلى الله بالتعظيم لأنه أنزل المطر الذي ترتبط به حياته أشدّ الارتباط، ويحبّه تعالى لأنه أغاثه بهذا الماء، ويتفاعل عقله مع هاتين الظاهرتين فيجد في هاتين الظاهرتين علمًا لله، وحكمة وقدرة وخبرة ورحمة وقوّة إلخ ...
ليس من شك في أنّ العصر الحديث أضاف لنا معلومات هائلة، وحقائق متعدّدة، ونظريّات مختلفة عن كل الظواهر المحيطة بنا، ومن الطبيعي أن يستفيد منها علماء المسلمين في تعاملهم مع القرآن
"
(يُتْبَعُ)
(/)
لكنّ العلوم الحديثة أضافت لنا معلومات حديثة حول دور السماء، فهي ليست السماء الماطرة فقط، بل تقوم بدور آخر، فهي ترجع لنا بالإضافة للمطر ثلاثة أشياء هي: الضوء، الحرارة، موجات البث الإذاعي والتلفزيوني. وترجع عنّا أربعة أشياء، هي: الأشعة فوق البنفسجية، الشُهُب، أشعة كونية قاتلة، الجُسيمات الذرية. ويمكن أن يضيف المفسّر هذه المعاني في شرح الآية، فتعطيها أُفُقًا أوسع وأرحب، وتجعل المسلم يزداد تعظيمًا لله، وحبًّا له، وخوفًا منه، ورجاء فيه، وثقة به إلخ ... ليس لأنّ السماء أرجعت المطر فقط، بل لأنّ السماء قامت بأشياء أخرى غير المطر، ولا تقل قيمة وأهمية وفائدة عن المطر.
نخلص إلى أنه مع القول بالإعجاز ولكنه يقبل البعض ويرفض البعض ولم يبين على أي أساس فعل هذا.
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[27 Jan 2010, 02:25 م]ـ
الإخوة الأفاضل:
ما لنا نتكب الطريق؛ ونحتال على أنفسنا:
الذي نتكلم عنه الآن هو المقال الأخير الذي أضافه الأخ طارق عبد الله، ونقله عن الدكتور القرضاوي.
هذا هو محل النقاش أما الموضوع الآخر فقد أشبعناه نقاشا من قبل؛ ولم نتوصل من خلاله إلى نتيجة لأسباب كثيرة ..
أما من يثني على الغزالي، ويصفه بما وصفه به المتصوفة من أنه حجة الإسلام فعليه أن يقرأ عن الغزالي كثيرا ليرى أنه من أجهل الأمة بالشريعة الإسلامية؛ صحيح أنه متفلسف، وأن له كتبا مليئة بالبدع، والتأصيل للحلول والاتحاد، ولكن هذا لا يعني العلم في شيء؛ فالعلم هو قال الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم قال الصحابة؛ وهذه الهرطقات الأخرى يستطيع أي عامي أن يتكلم فيها، والرأي ليس علما ولا يمت إلى العلم بصلة ..
أما من يتجرأ على السلف ويقول عنهم: "ما للسلف وللعلوم الكونية؟! لا نشك لحظة أنهم كانوا أعجز من أن يفهموا دلالات الآيات والأحاديث التي فيها إشارات علمية. وقد شهد لهم القرآن الكريم بالخيرية ولم يشهد لهم بالعلم"
فلا أعرف كيف أجيبه؛ إن أجبته بالحقيقة والواقع؛ فسوف ينتقل الكلام إلى تجريح شخصي، وإن سكت سكت على غيظ لسبيين:
الأول: اتهامه للسلف بأنهم كانوا أعجز من أن يفهموا هذه الدلالاات الكونية، وهذا جهل عظيم بالسلف؛ فإنهم قد فهموا واستوعبوا أصعب من هذا النقير من العلم، وأحاطوا علما بما لو اجتمع جميع النصارى ومن معهم ومن يسير على نهجهم ومن تعجبه آراؤهم لم يستطيعوا فهم أقل قليل منه.
الثاني: أنه يقول ولم يشهد القرآن لهم بالعلم، ما هذا التجرؤ، والجهل بكتاب الله تعالى.
ألم يقل الله تعالى: "بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم"
وقال جل من قائل: "حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم"
إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحضرني الآن.
فما أجرأ من يقول هذا الكلام يمثل هذه البساطة.
والله المستعان وعليه التكلان ..
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[27 Jan 2010, 02:46 م]ـ
ثم بعد تصفحي للمواضيع المفيدة في هذا الملتقى المبارك وجدت تنبيها للأخ أبي مجاهد العبيدي في موضوع له بعنوان: دراسة أقوال المفسرين في قوله تعالى: "أمرنا مترفيها" ..
فوجدته يصب في موضوعنا؛ فأضفته تعميما للفائدة:
وهذا نصه:
تنبيه: من قواعد التفسير: (إذا تكلم أحد من المتأخرين في معنى آية من القرآن قد تقدم كلام المتقدمين فيها، فخرج عن قولهم لم يلتفت إلى قوله، ولم يعدّ خلافاً.) ([26])
وعبر بعضهم عن هذه القاعدة بقوله: (إذا اختلف السلف في تفسير الآية على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث يخرج عن قولهم.) ([27])
وقد بيّن ابن القيم سبب رد القود المحدث بقوله: (إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين: إما أن يكون خطأً في نفسه، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأً؛ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلف.) ([28])
والقول المحدث يُرد إذا كان يلزم منه ردّ أقوال السلف، وأما إذا كانت الآية تحتمله مع أقوال السلف، وهو غير مخالف لها؛ فلا وجه لرده، ولا مانع من قبوله إذا كان صحيحاً في نفسه. اتنهى كلامه حفظه الله
فهل تدخل أقوال أهل الإعجاز في هذا التنبيه أم لا؟
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[27 Jan 2010, 03:15 م]ـ
الأخ الكريم إبراهيم،
1. هل عجز القدماء عن فهم ما يتعلق بالعلوم الكونية تهمة؟! يعني إذا قلت: كان ابن عباس رضي الله عنه يجهل علوم الكيمياء أكون قد اتهمته بما هو منزه عنه.
لا يا أخي، لن نكون كأهل الجاهلية الأولى الذين يقولون بل وجدنا آباءنا. وقد سبق لي في أكثر من مداخلة أن طلبت إعطائي دليلاً نصياً واحداً يشهد للصحابة والتابعين بالعلم دون غيرهم من الأجيال، أما الشهادة بالخيريّة فنعم. وتاريخ الصحابة والتابعين يشهد أنهم كانوا يقبلون الاختلاف في الفهم ويمارسونه، ويستدرك بعضهم على بعض، ولم يشهدوا لأنفسهم بالعصمة في الفهم، ونحن على سنّتهم.
2. وأرى أنه من تحريف الكلم أن تفهم قوله تعالى:"بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم"، أنه شهادة للسلف دون الخلف، فالذين أوتوا العلم لا زمان لهم معيّن.
3. مسيرة جماهير المفسرين عبر 1400 سنة لا تعترف بقواعد يريد أن يمليها علينا بعض من أتقنوا علم النحو والصرف وهمهم حفظ المتون وشروحها ليبقوا في دائرة التقليد وتقديس الآباء.
(يُتْبَعُ)
(/)