والذين يعرفون القرآن يلاحظون أن كتاب الله قد حكى فى أكثر من سورة منه قصص عدد من الأنبياء مع أقوامهم على نحو متتابع، ما إن تنتهى قصة لأحد الرسل حتى تبدأ قصة أخرى لرسول غيره ... حدث هذا فى "الأعراف" وفى "هود" وفى "الشعراء" مثلا. ولا أستبعد أن يكون كاتبنا قد استلهم تلك الطريقة فى بناء روايته، التى تقوم هى أيضا على حكاية قصص بعض النبيين مع أقوامهم والنجاح الذى أحرزوه، ثم تُتْبِع ذلك برصد التقهقر الذى يصيب أمة كل رسول مع تطاول الزمن واحتياج الأمة أو البشرية من ثم إلى مجىء نبى جديد، والبشرية لا تتعلم الدرس أبدا. وهو ما قد يذكرنا بقول المعرى:
كم وعظ الواعظون فينا * وقام في الأرض أنبياءُ
وانصرفوا، والبلاء باق * ولم يزل داؤنا العياءُ
حُكْمٌ جرى للمليك فينا* ونحن في الأصل أغبياءُ
وقد شخص محفوظ الله سبحانه فى روايته التى نحن بصددها لا لأنه يؤمن بأنه سبحانه ذو وجود مادى، بل لأنه إنما يتعامل فى الرواية مع رمز. وأنا لا أدرى على وجه اليقين القاطع ماذا كانت عقيدة محفوظ فى الألوهية والنبوات وقتها: ترى أكان يؤمن بالله سبحانه وبالأنبياء عليهم السلام، أم كان ملحدا، أم كان شاكًّا لا يستقر على قرار؟ وإن كنا قد قرأنا بعد وفاته على لسان الرجل الذى كان يقرأ له الصحف كل يوم، وهو الحاج محمد صبرى المحرر بالقسم الأدبى بـ"الأهرام"، أنه، رحمه الله، كان يصلى ويتيمم بالضرب على الوسادة فيما أذكر نظرا لظروف مرضه. وقد أسعدنى هذا أيما سعادة رغم معرفتى أن الإيمان إنما هو مسألة بين العبد وربه. إلا أن هذا لا يمنع الآخرين من الشعور بالسرور إذا وجدوا أن من يحبونهم يتخذون ذات الطريق التى يتخذونها هم فى الحياة. على أن بعضا من قصصه فى الفترة التى تلت نشر "أولاد حارتنا" تدور حول البحث عن الله سبحانه بنفس الأسلوب الرمزى الموجود فى روايتنا الحالية، مثل "الطريق" و"السمان والخريف"، كما تتبدى فيها الحيرة والمعاناة والتخبط.
ثم إن أسلوب حياة محفوظ قبل زواجه الذى تأخر إلى حد ملحوظ بالنسبة لظروف مجتمعنا كان أسلوبا بوهيميا عرف صاحبه الطريق مرارا وتكرارا إلى بيوت البغاء وإلى موائد القمار وقعدات الحشيش، وتوغل فى هذا الطريق إلى مدى مخيف حسبما قرأنا فى مقال لمحمد سيد بركة منشور فى موقع "رابطة أدباء الشام" عنوانه: "محفوظ في منتصف عقده التسعيني- نظرة إلى المسكوت عنه"، إذ جاء فيه ما نصه: "وربما أسهمت الاعترافات التي أدلى بها نجيب محفوظ حول شبابه المبكر وما حفل به من علاقات مع المرأة كانت الغريزة محركها الأساسي، في إلقاء الضوء حول مكونات هذه الرؤية لدور المرأة في أدب محفوظ. ومن بين هذه الاعترافات قوله، حسبما نشرته إحدى المواقع العربية على شبكة الإنترنت، إنه عاش في الفترة التي سبقت زواجه حياة عربدة كاملة: "كنت من رواد دور البغاء الرسمية والسرية، ومن رواد الصالات والكباريهات. ومن يراني في ذلك الوقت لا يمكن أن يتصور أبدا أن شخصا يعيش مثل هذه الحياة المضطربة وتستطيع أن تصفه بأنه حيوان جنسي، يمكن ان يعرف الحب والزواج. كانت نظرتي للمرأة في ذلك الحين جنسية بحتة ليس فيها أي دور للعواطف أو المشاعر، وإن كان يشوبها أحيانا شيء من الاحترام". ولم تكن المرأة وحدها العنصر الوحيد في هذه الحياة اللاهية، بل صاحبتها أشياء أخرى اعترف بها محفوظ في رسالة إلى أحد أصدقائه أوردها الباحث د. السيد أحمد فرج في كتاب بعنوان "أدب نجيب محفوظ"، وقال فيها: "لقد عرفت هذا الصيف أديبا شابا موهوبا ولطيفا معا، ولهذا الأديب عوامة نقضي فيها نصف الليل ما بين الحشيش والأوانس، وانقلب أخوك شيئا آخر. بل علمني البوكر، سامحه الله، فغدوت مقامرا، وليس بيني وبين دكتور الأمراض التناسلية إلا خطوة. فانظر كيف يتدهور الأديب على آخر الزمن! وفي هذه اللحظة التي أكاتبك فيها يعثرون على القنابل في القاهرة كالتراب، خصوصا بعد حادث سينما مترو. بل تَصَوَّرْ أنه انفجرت منذ أسبوعين قنبلة في شارعنا، وعلى بعد عشرين مترا من بيتنا، وكان من نتائج ذلك أني بطّلت حفظ الحشيش في البيت خوفا من التفتيش".
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان قد نشر هذه الرسالة فى جريدة "الدستور" الدكتور أدهم رجب، الصديق الذى كان قد أرسلها محفوظ إليه، ونقلها مصطفى عدنان فى مقال له عن محفوظ بجريدة "النور" (25 جمادى الأولى 1409هـ/ 8)، وعنه نقلها بدوره د. السيد أحمد فرج فى الصفحتين الثانية والخمسين والسادسة والعشرين بعد المائة من كتابه: "أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام واالتغريب"، لينقلها عنه أيضا محمد سيد بركة فى مقاله الآنف الذكر. ولهذا دلالته التى لا أظنها تخفى على العين والعقل.
ومع هذا فكعادة نجيب محفوظ فى تغيير كلامه أحيانا تبعا للسياق نراه يقول للصحفى عبد التواب عبد الحى فى حوار أجراه معه فى الخمسينات، وإن لم ينشر مع ذلك إلا فى عدد مجلة "الهلال" الصادر فى ديسمبر 2005م، إذ أكد له أنه لم يدخن الحشيش إلا مرة واحدة أيام أن كان فى المرحلة الثانوية أخذ فيها نَفَسا أو نفسين فوقع من فوق الكرسى على الأرض غائبا عن الوعى فى أحد مقاهى الغورية، ومن يومها لم يعد إليه (ص164). وهذا، كما يرى القارئ، كلام لا يتسق بحال مع الخطاب الذى أرسله إلى أدهم رجب. وللعلم فقد قرأت أن محفوظا قد غضب مما صنعه رجب، وهو أمر طبيعى، إذ إن نشر الخطاب الحشيشى قد فضح الحقيقة التى أراد أديبنا أن يسرتها كى تظل صورته فى عين القارئ نقية صافية. وللعلم أيضا فقد نشر عبدالتواب عبد الحى حواره القديم مع محفوظ تحت عنوان قاتل الدلالة، فقد سماه: "حشيش نجيب محفوظ"، وذكر فيه أن لـ"الحشيش" حضورا لافتا للنظر فى روايات كاتبنا.
وبمناسبة دفاع رجاء النقاش فى كتابه الذى معنا الآن عن إيمان محفوظ بالله واستناده إلى أن هذا ما شهد به له الدكتور أحمد كمال أبو المجد أود أن أقول إن فى كلام النقاش خلطا بين "محفوظين": محفوظ الذى كتب "أولاد حارتنا" ومحفوظ الذى سمعناه فى آخر حياته يعلن إيمانه بالله واعتزازه بالإسلام. وإذا كنت قد قلت إننى لا أعرف على وجه اليقين القاطع ماذا كانت عقيدة الرجل حين كتب تلك الرواية فقد كان ذلك من باب المنهجية العلمية لا غير، إذ إن ما فى ذهنى مما قرأته لمحفوظ وعن محفوظ، وهو ليس القليل، لا يساعدنى على وضعه فى ذلك الحين فى صف المناصرين للإسلام. وهذه عبارة مخففة جدا. وها هو ذا الأستاذ رجاء النقاش نفسه، فى عدد مجلة "الهلال" الخاص بمحفوظ الصادر فى فبراير 1970م حين كان النقاش رئيسا لتحريرها، يحدد عقيدة محفوظ فى تلك الأيام قائلا إنه يشعر بأنه ماركسى أو على الأقل: يميل إلى الماركسية، لكنه يتردد فى إعلان ذلك. وكان رد محفوظ عليه أنه قد أجاد فعلا تشخيص عقيدته، مضيفا أنه إن كان لا بد له من اختيار بين الرأسمالية والماركسية فإنه يختار الماركسية، وإن لم يعدّ نفسه رغم ذلك ماركسيا رغم التعاطف الشديد معها لأنه لا يهتم كثيرا بالجانب النظرى فيها بقدر ما يهتم بتطبيقها فى الواقع ويؤمن به. ثم يؤكد محفوظ أن "الإيمان الوحيد الحاضر فى قلبى هو إيمانى بالعلم والمنهج العلمى"، وأن الاعتماد على العلم فى كل شىء هو إحدى سمات المجتمع الماركسى. وبالمثل نراه يعترض على الطبقية والميراث وأشياء أخرى يعترض عليها الماركسيون ويوافقهم تماما بشأنها (ص40 - 41 من عدد مجلة "الهلال" المذكور). وبالمناسبة فقد أحاط اليساريون بكاتبنا فى الستينات، وكانوا هم الوحيدين تقريبا الذين يكتبون عنه ويحمّلون رواياته المعانى التى تخدم اتجاههم.
وهناك مقالٌ آخرُ جِدُّ هامٍّ لرجاء النقاش عن محفوظ بعنوان "الوجه العالمى لنجيب محفوظ" يجده القارئ منشورا فى الكتاب التذكارى الذى أصدرته وزراة الثقافة المصرية بمناسبة فوز محفوظ بنوبل وسمَّتْه: "نجيب محفوظ: نوبل 1988" (ص81 - 87). والملاحَظ أن النقّاش لم يذكر فى ذلك المقال شيئا عن أى إيمان للرجل إلا الإيمان بالعلم، وأعاد فيه ما كان محفوظ قد قاله فى عدد "مجلة الهلال" الخاص به سنة 1970م عن الماركسية، وكأن محفوظا لا علاقة له بالإسلام من قريب أو من بعيد. بل لقد ركز النقاش فى ذلك المقال على ما اختتم به كاتبنا روايته: "أولاد حارتنا" من كلام عن عرفة، أحد أبطال تلك الرواية، مؤكدا أن محفوظا كان ممتلئا أملا وتفاؤلا وثقة تامة بالعلم، الذى رمز له فى الرواية بـ"عرفة" وأن هذه الشخصية هى التى سوف تقضى على تعاسات الإنسان المختلفة وتحقق الخير والسعادة للجميع! والآن
(يُتْبَعُ)
(/)
هل هناك يا ترى ما يمكن أن يتنطع به المتنطعون أو يتمحك فيه المتمحكون؟ إننا لم نأت بشىء من لَدُنّا، بل نقلنا ما قاله النقاش ومحفوظ ليس إلا.
وهذا الكلام يختلف عما أصبح محفوظ "يقوله" بعد ذلك كما فى حواره مع أحمد هاشم الشريف، إذ "أعلن" مثلا أنه يضع أمله فى "التربية الدينية للشباب: الدين مع العلم والمعرفة والشورى"، وأن "الإسلام ليس فيه عائق واحد ضد الحضارة"، وأن "التربية الدينية التى تتوافق مع حقائق العصر سوف تعيد فتح النوافذ" (نجيب محفوظ- محاورات قبل نوبل/ كتاب صباح الخير/ 1989م/ 88)، وكما فى حوار آخر له مع محمود فوزى، الذى سأله: "ما هو جوهر الدين من وجهة نظرك؟ وهل يختلف عن مفهوم سائر الناس له؟ "، فكان جوابه: "الدين بكل بساطة هو الإيمان بخالق لهذا الكون والحياة ... وهكذا فقد حاولتُ جاهدا أن أكون مثاليا مع الناس بقدر إمكانى من خلال إيمانى وفهمى للدين". وقد سأله فوزى سؤالا آخر: "ماهى أهم شخصية إسلامية تقترب من فكر وقلب نجيب محفوظ؟ "، فرد قائلا: "الرسول صاحب الرسالة والدين، صاحب أعظم إنجاز روحى للبشرية، صاحب أعظم إنجاز فى التكامل بين الدين والحياة معا" (اعترافات نجيب محفوظ/ دار الشباب/ 96 - 97).
وفى حواراته مع محمد سلماوى فى كتابه: "نجيب محفوظ: وطنى مصر" نراه يبرز دور الدين فى التقدم، مؤكدا أن الفلسفات لا يمكن أن تقوم بذلك الدور مهما تضمنت من مبادئ وقيم عظيمة. بل إنه ليؤكد أن الفلسفة حينذاك تكون مستمدة من الدين، وأن الإيمان بالله هو أساس اليقين، وبدونه يصبح كل شىء مزعزعا (مكتبة الأسرة 2000/ 62 - 64). وكان سلماوى قد سأله أى "الأمصار" أقرب إلى قلبه: مصر الفرعونية أم اليونانية الرومانية أم القبطية أم الإسلامية أم الحديثة؟ فكان جوابه أنه يجد فى قلبه ميلا أكثر إلى مصر الإسلامية (ص25). ثم حدد ما أضافه الإسلام إلى مصر الفرعونية بأنه العقيدة السامية بما تتضمنه تلك العقيدة من مبادئ لم تكن مصر القديمة قد توصلت إلى تحقيقها، وهى العدالة والمساواة بين البشر التى لا تعرف فرقا بين الأسود والأصفر والأبيض ولا بين الغنى والفقير ولا بين الحاكم والمحكوم، مضيفا أن عمر بن الخطاب هو خير تجسيد لذلك كله (ص26). كذلك كتب د. محمد سليم العوا على الغلاف الأخير لطبعة "دار الشروق" للرواية: "إن نجيب محفوظ قال: إنه في حياته لم يأت إليه شك في الله. وإذا كنتُ قد بدأتُ في فهم الدين فهما خاصا في وقت المراهقة فإنني قد فهمتُ الإسلام علي حقيقته تماما بعد ذلك. بل أعتقد جازما وحازما أنه لا نهضة حقيقية في بلد إسلامي إلا من خلال الإسلام ".
ولكى تكون الصورة واضحة تماما ينبغى أن نشير إلى ما ذكره الأستاذ نجيب فى أحد حواراته الصحفية من أنه قد عرف بالمصادفة أن ابنته الكبرى أم كلثوم تصلى، وذكر أنها تقرأ القرآن كل ليلة قبل أن تأوى إلى فراشها (انظر مثلا حواره مع جمال الغيطانى فى كتابه: "نجيب محفوظ يتذكر"/ أخبار اليوم/ 148). وفى حوار آخر مع محمد سلماوى وصف بنتيه جميعا: أم كلثوم وفاطمة (أو هدى وفاتن كما تحبان أن يناديهما الآخرون نفورا من اسميهما الرسميين حسبما ورد فى حوار لمحفوظ مع الصحفية سهام ذهنى نشرته فى كتابها: "كلام خاص جدا"/ مطابع الأهرام/ 1998م/ 67) بأنهما "متدينتان جدا: تصليان وتصومان، وقد حجتا إلى بيت الله الحرام" (نجيب محفوط: وطنى مصر/ مكتبة الأسرة/ 2000م/ 78).
وأرجو أن يكون القارئ قد لاحظ استعمالى الفعلين: "يقول" و"يعلن" بالنسبة إلى اعتقادات الأستاذ محفوظ، إذ الأمر كله إنما هو كلام يقوله الرجل، أما ما بداخل النفوس فمرده إلى الله المطلع على كل شىء سبحانه وتعالى. ذلك أنه قد أُثِر عن نجيب محفوظ الشىء ونقيضه، وبدا الأمر أحيانا وكأنه يعمل على إسماع كل شخص النغمة التى يحبها أو على الأقل: التى يتوقع سماعها منه، كما هو الحال حين رأيناه يقول لجورج طرابيشى إن ما قاله فى تفسير رموز الرواية هو أصدق التفسيرات وأقربها إلى ما فى نفسه، ثم رأيناه كذلك يقول للمستشرق البريطانى فيليب ستيوارت مترجم الرواية إن "الجبلاوى" هو فعلا "الله"، أو بالأحرى: الإله فى اعتقاد بعض البشر، ثم سمعناه مع ذلك ينكر أن يكون قد قصد بتلك الشخصية الرمز إلى المولى سبحانه بأى حال.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويمكن الاستشهاد فى هذا السياق أيضا بما قاله عن سيد قطب، إذ فى الوقت الذى سمعناه يثنى عليه فى بعض حواراته ويتحدث عن صداقته له وحرصه على إنقاذه مما كان ينتظره على يد الحكم فى مصر عند زيارته له عقب خروجه من السجن أول مرة، ذاكرا فضله عليه فى تلميعه وتأسيس شهرته كاتبا روائيا بعد أن مكث زمانا يكتب دون أن يلتفت إليه أحد من النقاد أو يهتم بإبداعه إلى أن أتى سيد قطب فكتب عنه وأبرز جوانب تفرده وتفوقه، فإذا به وقد صار ملء السمع والبصر، وهو ما أشار إليه رجاء النقاش ذاته فى كتابه الذى بين أيدينا الآن (ص23 - 24. وانظر فى حديثه عن صداقته لسيد قطب كتاب "ثرثرة مع نجيب محفوظ" لسهام ذهنى/ كتاب اليوم/ العدد 450/ فبراير 2002م/ 135)، نجده فى الفصل الذى عقده له فى كتابه: "المرايا" تحت اسم "عبد الوهاب إسماعيل" يصوره فى صورةٍ جِدّ منفِّرة، مهتبلا فرصة الغموض الذى غلّف به تلك الشخصية، إذ سماه: "عبد الوهاب إسماعيل" ولم يقل بصراحة إنه يكتب عن سيد قطب، بالضبط مثلما صنع مع الجبلاوى، الذى يؤكد الآن أنه لم يقصد به قط أن يكون رمزا إلى الله جل وعلا. وهذا ما قاله فى "المرايا": "إنه اليوم أسطورة، وكالأسطورة تختلف فيه التفاسير. وبالرغم من أننى لم ألق منه إلا معاملة كريمة أخوية إلا أننى لم أرتح أبدا لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين الحادتين ... كان أزهريا لا علم له بلغة أجنبية ... امتاز بهدوء الأعصاب وأدب الحديث فما احتد مرة أو انفعل ولا حاد عن الموضوعية، فاقتنعتُ بحدة ذكائه ومقدرته الجدلية واطلاعه الواسع رغم اعتماده الواسع على كتب التراث والكتب المترجمة ... وبالرغم من تظاهره بالعصرية فى أفكاره وملبسه وأخذه بالأساليب العصرية فى الطعام وارتياد دور السينما، إلا أن تأثره بالدين وإيمانه بل وتعصبه لم تخف علىّ ... أزعجنى جدا اكتشاف ذلك الجانب الانتهازى من شخصيته، وسارونى شك من ناحية صدقه وامانته، واستقر فى نفسى رغم صداقتنا نفور دائم منه" (المرايا/ مكتبة مصر/ 204 - 205).
والحق أن هذا الكلام يبعث على الفزع: الفزع من نجيب محفوظ لا من سيد قطب، إذ إن محفوظا يقر بأنه كانت بينهما صداقة وأن قطبا لم يبدر مه تجاهه إلا كل معاملة كريمة، وأنه كان إنسانا موضوعيا تمام الموضوعية ولا تخرج منه "العيبة" بالتعبير البلدى، ولكن كاتبنا مع ذلك كله كان ينطوى على النفور منه ويتهمه بأنه انتهازى وأن أحواله لا تبعث على الثقة به أو الاطمئنان إلى أمانته. ثم لا تنس أن تلتفت إلى ربطه بين التخلف عن العصر والتدين. أى أن الإسلام يضاد العصرية فى نظره. فضلا عن الزعم بأن قطبا أزهرى، مع أنه قد تعلم فى المدارس وتخرج من دار العلوم، فلم تكن له إذن أية صلة بالأزهر، ولا أظن محفوظا كان يجهل ذلك. ثم هل مما يبعث على الاطمئنان يا ترى أن يتظاهر إنسان بصداقة شخص آخر وهو ينفر منه كل هذا القدر من النفور؟ أما التمحك فى جحوظ العينين فهو كلام لا يليق!
ثم هل يصحّ وصف سيد قطب بالانتهازية؟ أولو كان، رحمه الله، انتهازيا أكان يهتم كل هذا الاهتمام بكاتب غير مشهور كمحفوظ فى بداية حياته الأدبية فيكتب عنه ويرفعه إلى عنان السماء؟ فماذا كان ينتظر من محفوظ أوانئذ يا ترى؟ وما الثمن الذى طلبه منه قطب قبل أو بعد كتابته عنه؟ أولو كان قطب انتهازيا أكان يسكت على العقاد حين تقاعس العقاد عن كتابة مقدمة لأحد كتبه فلا ينقلب عليه بقلمه؟ إنه لم يقل كلمة عن العقاد تقلل من قدره ولو على سبل اللمز والغمز مما لا يمكن مؤاخذة صاحبه به. وكان العقاد من جانبه هو أيضا فارسا شهما كعادته فلم يسئ إليه بأى معنى من المعانى. أى أن كليهما كان شريفا نبيلا فى موقفه من الآخر حين افترقت بهما السبل. كذلك لو كان قطب انتهازيا أكان يصطدم بعبد الناصر ورفاقه ويعرض نفسه لحبل المشنقة ولا يتراجع فى موقفه فيفكّ رقبته من ذلك الحبل رغم كل المغريات التى كانت تدفعه فى هذا السبيل، وبخاصة أنه كان يؤمن، صوابًا أو خطأً، بأنه إنما يحارب الغرب كله فى شخص الثورة، وأنه من ثم لا يسهل أن ينتصر فى هذا الصدام؟ إن الرجل لم يغير موقفه قيد شعرة، وقد كان يستطيع، لو صَحَّ وَصْفُه بالانتهازية، أن يصنع كما صنع غيره فيبدى التحمس لعبد الناصر وحركته العسكرية وهو حى ثم ينقلب عليه بعد وفاته مثلما فعل كتاب كبار، وعلى رأسهم
(يُتْبَعُ)
(/)
محفوظ ذاته!
إننى لست من المشايعين على طول الخط لسيد قطب، وقد انتقدتُ بعض أفكاره فى أكثر من كتاب لى، إلا أننى لا أخفى مع هذا تقديرى لشجاعته وصراحة موقفه حتى لو رأينا عكس ما كان يرى فى بعض الأحيان، إذ لا شك أن مواقفه جميعا تنضح بالرجولة والإقدام، لا نكران لذلك. أقول هذا حتى لا يظن أحد أننى متعصب لسيد قطب. ولقد سبق أن قلت عن محفوظ إنه يتفوق على كثير من الروائيين الموصوفين بالعالمية وأكدت أنه يستحق نوبل أفضل مما يستحقها بعض من فازوا بها، ومن ثم فلا يمكن القول بأننى منحاز ضد محفوظ.
وإذا كان لا بد من إضافة كلمة هنا عن قطب فلعل ما كتبه سليمان فياض عنه، وهو آخر من يمكن الظن بمشايعته لقطب واتجاهه، هو أفضل ما يمكن إيراده، فقد أذكر أنى قرأت له مقالا فى عدد من أعداد مجلة "الهلال" منذ وقت طويل، ولعله عدد سبتمبر 1986م، ولعل عنوان المقال هو "سيد قطب بين النقد الأدبى وجاهلية القرن العشرين"، الذى أذكر أنه نشره بعد ذلك فى كتاب "المثقفون: وجوه من الذاكرة" عن دار سعاد الصباح عام 1992م وأعطاه عنوانا جديدا هو: "تحولات كاتب"، أشار فيه إلى تصرف لسيد قطب يدل على نبلٍ وتجردٍ عجيبين، وبالذات لأنه وقع منه وهو فى السجن، فقد كان فياض أهدى له قبل هذا كتابا من كتبه، فلما سُجِن قطب انتهز فرصة زيارة أخيه محمد له فى السجن وأعطاه كلمة الإهداء بعد أن فصلها عن الكتاب وكلفه أن يسلمها لفياض يدا بيد حتى لا تذهب به المخاوف إلى أنها يمكن أن تقع فى أيدى السلطات الناصرية فينكّلوا به لصلته بقطب: انتهت الحكاية! فهل هذا تصرف شخص يتصف بالصفات السيئة التى وصف نحيب محفوظ سيد قطب بها؟ أترك الجواب لضمير القارئ.
وقد اعترض رجاء النقاش على القول بأن الجبلاوى يرمز إلى المولى سبحانه، وكانت حجته هى كيف يكون الجبلاوى الذى وصفه نجيب محفوظ بأنه جد أبطال الرواية هو الله سبحانه، والله لا يمكن أن يكون جدا لأحد لأنه هو الخالق، والجد لا يخلق أولاده وأحفاده، بل ينجبهم؟ (ص102). وهى حجة داحضة لأننا لا نتهم نجيب محفوظ بأنه يؤمن بأن الله هو جد البشر فعلا، بل نقول إنه قد رمز له بشخصية الجبلاوى. فماذا كان ينبغى أن تكون علاقة الجبلاوى بالبشر، وهو الذى قُدِّم فى الرواية بوصفه إنسانا؟ لو لم يقل محفوظ إنه جد البشر بل خالقهم لفسد كل شىء ولما كان هنالك رمز. ثم إن كتاب محفوظ ليس كتابا فى اللغة حتى يتحجج النقّاش، كما فعل، بأن اللغة لا تسعف تفسير "الله" بأنه جد البشر، كما أنه ليس كتابا فى علم الكلام يبحث فى الألوهية بحثا مباشرا بأسلوب علمى، بل هو رواية، فلا معنى لهذا الاعتراض، الذى لا يقل عنه تهاويا ما قاله الأستاذ جلال كشك فى كتابه: "أولاد حارتنا فيها قولان"، من أن الذى يقول إن "الجبلاوى" فى "أولاد حارتنا" يرمز إلى الله هو الذى يجب أن يتوب من ذنبه ويستغفر. ذلك أنى لا أفهم كيف يستتاب الإنسان على تفسيره لرواية من الروايات؟ هذا ما لم نسمع عنه فى الإسلام قط، اللهم إلا إذا أراد، غفر الله، أن يصطنع إسلاما جديدا! إنه فى الواقع يعكس الآية، وبدلا من تخطئة محفوظ، إن كان لا بد من تخطئة أحد هنا، نراه يخطّئ من يفهم الرمز فى الجبلاوى على النحو الذى لا أظن أن هناك سبيلا لفهم آخر سواه، ألا وهو أنه يرمز إلى الله سبحانه. ومما استند إليه فى هذا النفى أن الله لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، فكيف يصح القول بأن الجبلاوى يرمز إلى المولى سبحانه؟ وهى نفس الحجة التى استند إليها النقّاش فى أن الجبلاوى لا يمكن أن يكون هو الله. وأغلب الظن أن كلام النقاش مأخوذ من كتاب كشك الآنف الذكر (انظر "أولاد حارتنا فيها قولان"/ الزهراء للإعلام العربى/ 1989م/ 50 - 60، 75 وغيرها).
(يُتْبَعُ)
(/)
أجل لو كان كشك جادا فى هذا الذى قال لكان ينبغى أن يكون المستتاب هو محفوظ لا غيره. ألم يقل لجورج طرابيشى حينما فسر الجبلاوى بأنه هو الله إنه قدم أصدق تفسير للرواية؟ وبهذا ينهار كلام رجاء النقاش أيضا، إذ ها هو ذا صاحب الرواية يقر بما يجتهد النقاش فى نفيه. وهكذا "قطعتْ جَهِيزَةُ قول كل خطيب"! وعلى كل حال فإن الأستاذ كشك، على قوة ما كان يكتب أحيانا فى الدفاع عن الإسلام وفضح الشيوعيين وغيرهم من أعداء الأمة، كانت له بعض الشطحات التى لا أدرى كيف سولتها له نفسه كالقول بأنه سيكون هناك لواط فى الجنة ما دام فى الدنيا من يحبه. ولكن كان عليه أن يسأل نفسه أولا: هل اللوطيون سيكونون من أهل الجنة أصلا؟ وإذا غفر الله لبعضهم، وهو الغفور الرحيم، أتكون نزغاتهم الشيطانية الشاذة المقرفة معيارا من المعايير التى تُرَاعَى فى تحديد متع الجنة وتوفيرها لأهلها؟ إنه والله لمنطق عجيب! ودعنا الآن من أنه لا يوجد أى نص فى القرآن بذلك. كما أنه من المضحك أن يدمر الله قوم لوط جَرّاء ممارستهم لهذه الفاحشة تدميرا لم نسمع بمثله من قبل ولا من بعد، ثم يفاجأ الناس فى الجنة بأنها مبذولة هناك لمن يريدها من شذاذ الطبيعة منكوسى الذوق والفهم! ولله فى خلقه شؤون!
هذا، وأود أن أورد هنا شيئا من الأحاديث التى تعمل على تقريب بعض صفات الألوهية إلى الذهن البشرى عن طريق التشبيه بالأم والأب وغيرهما من الشخصيات البشرية: "قَدِم على النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ، فإذا امرأة من السَّبْي قد تحلَّبَ ثديها تَسْقِي: إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أترَوْن هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه. فقال: لَلَّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها"، "الخلق كلهم عيال الله، فأَحَبّ الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله"، "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضتُ فلم تَعُدْني. قال: يا رب، كيف أعودك، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمتَ أن عبدي فلانا مَرِضَ فلم تَعُدْه؟ أما علمتَ أنك لو عُدْتَه لوجدتَني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتُك فلم تُطْعِمني. قال: يا رب، وكيف أُطْعِمك، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتُك فلم تسقني. قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أمَا أنك لو سقيتَه وجدتَ ذلك عندي؟ ". كذلك ترمز الأناجيل لله فى بعض الأحيان بكلمة "الأب": "أبانا الذى فى السماوات"، "أبوكم السماوى"، "أبوكم الذى فى السماوات". والمقصود أنه هو كافلنا الذى يحمينا ويرزقنا ويقوم بحاجاتنا ويرحمنا ويعطف علينا. ومعروف أن "الأب" قد يُطْلَق على الجد كما فى قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: "وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ"، مع أنه بطبيعة الحال ليس له إلا أب واحد هو يعقوب، أما إسحاق وإبراهيم فهما جدان له: واحد قريب مباشر هو إسحاق، وواحد غير مباشر هو إبراهيم. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يُسَمِّى نفسه: "ابن عبد المطلب". ويبدو أن محفوظا رمز للمولى عز شأنه بالجد لا بالأب باعتبار أن خلقنا الآن لا يتم على نحو مباشر، بل عن طريق التناسل والولادة، على عكس خلق آدم، الذى ذكر الله سبحانه وتعالى أنه قد خلقه بيديه الكريمتين، أى خلقا مباشرا: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ" (ص/ 75). فكأن الجد رمزٌ إلى أن الخلق لا يقع الآن بطريقة مباشرة مثلما أن الجد ليس أبا مباشرا، بل أبا للأب. أى أن الأب يقوم بيننا وبين الجد.
(يُتْبَعُ)
(/)
والآن إلى الشهادة التى قدّم بها د. أحمد كمال أبو المجد للطبعة المصرية الصادرة عن "دار الشروق" من رواية "أولاد حارتنا"، وهى الشهادة التى استند إليها رجاء النقاش فى تبييض صفحة الرواية كما سبق التنويه، مما يذكّرنا بصكوك الغفران، التى كان باباوات العصور الوسطى المظلمة يصدرونها تبرئةً للمذنبين والمجرمين وضمانًا لهم بدخول ملكوت السماوات، وهم إنما يخدعون بها السُّذَّج الجهلاء فى الواقع ليس إلا. بيد أن الأستاذ النقاش ينسى أن الإسلام لا يعرف إلا غفرانا واحدا لا غير هو غفران الله لعباده. وليس لأى بشر شىء من ذلك على الإطلاق، إذ ليس فيه أن ما يحله الباباوات أو يربطونه يكون محلولا ومربوطا فى السماء. ذلك أنه ليس عندنا إلا إله واحد سبحانه وتعالى.
يقول أبو المجد: "الشهادة التي توشك، أيها القارئ، أن تتابع سطورها القليلة سبق نشرها "مقالة" في "الأهرام" في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1994، أي منذ أكثر من عشر سنوات طرأت فيها على حياتنا الثقافية والسياسية أمور جسام ازدادت فيها تجاربنا الفردية والجماعية ثراءً وتنوعًا، وأحاطت بنا على مرّ شهورها وأيامها أحداث وتطورات كبرى داخل مصر وعلى امتداد عالمنا العربي وامتداد الدنيا كلها، تغيرت بسببها نظرتنا إلى كثير من أمورنا الخاصة وأوضاعنا العامة، ووقف بسببها كثير منا من نفسه وأمته موقف المراجعة والتأمل والمجاهرة بالنقد لما يستحق النقدَ من أوضاعنا، كما ارتفعت نبرة المطالبة بالإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي، وانقدحت بسبب ذلك كله شرارةُ حوارٍ بدأ ثم تصاعد، ولا يزال دائرا بين جماعات الكتاب والمفكرين والباحثين ممن يطلق الناس عليهم: "النخبة المثقفة" التي تفكر للمجتمع كله، وتطرح بين يديه قضاياه وهمومه، وتشتغل معه بطموحاته وتطلعاته وآماله في الغد القريب والمستقبل البعيد. لذلك حين عرضت عليَّ "دار الشروق" ان تجعل "هذه الشهادة" مقدمة لرواية "أولاد حارتنا" لكاتبنا الفذ الكبير نجيب محفوظ لم أتردد في قبول هذا الاقتراح. ولكنني رأيت من الضروري أن أعيد قراءة هذه الشهادة، وأن أعيد قراءة "أولاد حارتنا" مرة اخرى حتى أستوثق من أن ما سطره القلم عام 1994 لا يزال، عند صاحبه على الأقل، صالحا عام 2006، وأن ما شهدتُ به في شأن هذه الرواية التي أحدثت في حياتنا الثقافية دويًّا ظلت أصداؤه تتردد سنوات طويلة لا يزال موضع إيماني واقتناعي. فلما فعلت ذلك بدا لي أنْ ليس عندي ما أضيفه أو أغيّره من سطور هذه الشهادة، إذ الأمر في نهايته يدور حول قضيتين لم يتحول فكري ولم يتغير في شأنهما:
أولاهما: أن من أصول النقد الأدبي التمييزَ الواجبَ بين الكِتَاب الذي يعرض فيه الكاتب فكرته ويحدد مواقفه ملتزما في ذلك بالحقائق التاريخية والوقائع الثابتة دون افتئات عليها ودون مداراة لما يراه في شأنها، وبين الرواية التي قد يلجأ صاحبها إلى الرمز والإشارة، وقد يُدْخِل فيها الخيال إلى جانب الحقيقة العلمية. ولا بأس عليه في شيء من ذلك، فقد كانت الرواية قديما وحديثا صيغة من صيغ التعبير الأدبي تختلف عن "الكِتَاب" والالتزام الصارم الذي يفرضه على مؤلفه. وفي إطار "أولاد حارتنا" فإنني فهمت شخصية "عرفة" بأنها رمز للعلم المجرد، وليست رمزا لعالم بعينه. كما فهمت شخصية "الجبلاوي" على أنها تعبير رمزي عن "الدين"، وليست بحال من الأحوال تشخيصا رمزيا للخالق سبحانه، وهو أمر يتنزه عنه الأستاذ نجيب محفوظ ولا يقتضيه أي اعتبار أدبي، فضلاً عن أن يستسيغه أو يقبله.
القضية الثانية: حرية التعبير والموقف منها. ذلك أنه مع التسليم بأن الحريات جميعها إنما تمارَس في جماعة منظمة، ولذلك لا يتأبى منها على التنظيم والتعبير إلا حرية واحدة هي حرية "الفكر والاعتقاد" بحسبانهما أمرا داخليا يُسْأَل عنه صاحبه أمام خالقه دون تدخل من أحد، حاكما كان ذلك الأحد أو محكوما، أما حين يتحول الفكر إلى تعبير يذيعه صاحبه وينشره في الجماعة، فإن المجتمع يسترد حقه في تنظيم ذلك التعبير دون أن يصل ذلك التنظيم إلى حد إهدار أصل الحق ومصادرة جوهر الحرية. ذلك أن الهدف من إجازة هذا التنظيم إنما هو حماية حقوقٍ وحرياتٍ أخرى فردية أو جماعية قد يمسها ويعتدي عليها إطلاق حرية الفرد في التعبير وتمنُّعها على التنظيم والتقييد. ويبقى مع ذلك صحيحا أن الأصل
(يُتْبَعُ)
(/)
هو الحرية، وأن التقييد استثناء تمليه الضرورة، والضرورة إنما تقدَّر بقدرها، ومن شأن الاستثناء ألا يقاس عليه أو يُتَوَسَّع فيه.
وأهم من هذا كله أن الشهادة التي قدمتها ليست رأيا لي، وإنما هي تفسير كاتب "أولاد حارتنا" لما كتبه، وبيان واضح لا يحتمل التأويل لموقفه من القضايا الكبرى التي أثارتها تلك الرواية. وهي، على كل حال، آخر ما صدر عن نجيب محفوظ، أمد الله في عمره، حول القراءة الصحيحة لـ"أولاد حارتنا" باعتبارها "رواية" للخيال والرمز فيها دور كبير، وليست "كتابا" يُقْرَأ قراءة حرفية للتعرف على موقف مؤلفه من القضايا التي يطرحها بعيدا من الرمز والخيال.
وأدعو الله تعالى أن تتسع عقولنا وقلوبنا لمزيد من حرية الكتاب والأدباء وسائر المفكرين في التعبير عن آرائهم وإطلاق مواهبهم بالصيغ الأدبية التي يختارونها دون حجر أو وصاية أو مسارعة إلى الاتهام وإساءة الظن حتى لا "تُكْتَم الشهادة" بيننا وتموت، وحتى لا تتجمد الأفكار على أطراف الألسنة والأقلام، فتُحْرَم الجماعة من زاد ثقافي وعلمي تحتاج إليه وهي تشق طريقها للانبعاث والنهضة وسط زحام حضاري وثقافي لا سابقة له في التاريخ.
نص الشهادة:
حين وقع الاعتداء الغادر على أديب مصر وكاتبها الكبير نجيب محفوظ كنت خارج مصر، وحين عدت إليها طلبت من الصديق الأستاذ محمد سلماوي، وهو من تلامذته المقربين، أن يصحبني إليه لنؤدي واجب الاطمئنان عليه ... ولكنه، وسط شواغله الثقافية، تأخر في ترتيب تلك الزيارة حتى عاد الأستاذ نجيب محفوظ إلى بيته قبل أيام من عيد ميلاده الذي شاركه في الاحتفال به كثيرون من محبيه ومقدريه. وإذا بالأستاذ سلماوي يتصل بي ليخبرني أنه رتب للزيارة موعدا في الخامسة من مساء اليوم التالي، وأننا سنذهب في صحبته، ومعنا المهندس إبراهيم المعلم، الذي تربطه ووالده بالأستاذ نجيب محفوظ علاقات ود قديمة وموصولة، ومعنا كذلك الإذاعي والإعلامي المخضرم أحمد فراج.
وعلى باب نجيب محفوظ استقبلتنا بالحفاوة المصرية المعهودة السيدة الفاضلة زوجته، ثم جاء الأستاذ نجيب محفوظ في خطوات ثابتة طمأنتنا على قرب اكتمال شفائه، وأخذ يرحب بنا في ود شديد، ثم جلس بيننا. وسادت فترة من صمت قصير، لأن أحدا منا لم يُعِدّ لهذا اللقاء أكثر من كلمات السؤال عن الصحة والتهنئة بعيد الميلاد. ثم بدا لي على غير ترتيب ولا إعداد أن أقطع هذا الصمت، فوجدتُني أقول: يا أستاذ نجيب، الجالسون معك الليلة كلهم من قرائك. جيلنا كان يجد في كتاباتك ورواياتك شيئا بين فن الأدب وفن التصوير، وذلك بما نسجتَه في وصف القاهرة وحياة أهلها ونماذجهم المختلفة من وَشْىٍ دقيقٍ عامرٍ بالألوان مليءٍ بالتفاصيل حتى ليكاد القارئ يسمع فيه أصوات الناس ويرى وجوههم ويتابع حركتهم في شوارع القاهرة وأزقتها ومساجدها ومقاهيها، ويكاد دون أن يشعر يدخل طرفا في علاقات بعضهم ببعض. وكم من مرة تعرف بعضنا على أحياء القاهرة وشوارعها بما كان قرأه عندك في وصفها وتصوير حياة أهلها. وأضفت: ثم إنك، يا أستاذ نجيب، تظل في خواطرنا، قبل كل شيء وبعد كل شيء، كاتبا وأديبا مصريا خالصا لم تدجَّن كتاباته وآراؤه بتأثيرات غريبة تنال من نكهتها المصرية ومذاقها العربي الأصيل.
وبدا من قسمات وجه الأستاذ نجيب محفوظ وحركة يديه أنه يقبل هذا الوصف له ولكتاباته وأنه يرتاح إليه. فشجعني ذلك على أن أتقدم في الحوار خطوة أخرى، فقلت: ويبقى أن نسألك عن رأي عَبّرْتَ عنه منذ أسابيع قليلة حين بعثتَ برسالة وجيزة إلى الندوة التي نظمتها "الأهرام" تحت عنوان "نحو مشروع حضاري عربي". فقد قلتَ للمشاركين في الندوة: إن أي مشروع حضاري عربي لا بد أن يقوم على الإسلام وعلى العلم. ولقد وصلت رسالتك، على قصرها، واضحة وصريحة ومستقيمة لا تحتمل التأويل. ولكن يبقى، ونحن معك نسمع لك وننقل عنك، أن نزيد هذا الأمر تفصيلاً نحتاج جميعا إليه وسط المبارزات الكلامية التي يجري فيها ما يستحق الحزن والأسف من ألوان تحريف الكلام وتزييف الآراء والافتئات على أصحابها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي حماسة شديدة وصوت جهير ونبرة قاطعة انطلق نجيب محفوظ يقول: وهل في تلك الرسالة جديد؟ إن أهل مصر الذين أدركناهم وعشنا معهم والذين تحدثتُ عنهم في كتاباتي كانوا يعيشون بالإسلام ويمارسون قيمه العليا دون ضجيج ولا كلام كثير، وكانت أصالتهم تعني هذا كله. ولقد كانت السماحة وصدق الكلمة وشجاعة الرأي وأمانة الموقف ودفء العلاقات بين الناس هي تعبير أهل مصر الواضح عن إسلامهم. ولكنني، في كلمتي إلى الندوة، أضفت ضرورة الأخذ بالعلم، لأن أي شعب لا يأخذ بالعلم ولا يدير أموره كلها على أساسه لا يمكن أن يكون له مستقبل بين الشعوب. إن كتاباتي كلها، القديم منها والجديد، تتمسك بهذين المحورين: الإسلام الذي هو منبع قيم الخير في أمتنا، والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا.
وأحب أن أقول: إنه حتى رواية "أولاد حارتنا"، التي أساء البعض فهمها، لم تخرج عن هذه الرؤية. ولقد كان المغزى الكبير الذي توجت به أحداثها أن الناس، حين تخلَّوْا عن الدين ممثلاً في "الجبلاوي" وتصوروا أنهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلاً في "عرفة" أن يديروا حياتهم على أرضهم (التي هي حارتنا)، اكتشفوا أن العلم بغير الدين تحول إلى أداة شر، وأنه قد أسلمهم إلى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم، فعادوا من جديد يبحثون عن "الجبلاوي". وأضاف: إن مشكلة "أولاد حارتنا" منذ البداية أنني كتبتها "رواية"، وقرأها بعض الناس "كتابا"، والرواية تركيب أدبي فيه الحقيقة وفيه الرمز، وفيه الواقع وفيه الخيال ... ولا بأس بهذا أبدا ... ولا يجوز أن تحاكم "الرواية" إلى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها، لأن كاتبها باختيار هذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بهذا أصلاً وهو يعبر عن رأيه في رواية. وفي ثقافتنا أمثلة كثيرة لهذا اللون من الكتابة، ويكفي أن نذكر منها كتاب "كليلة ودمنة"، فهو مثلاً يتحدث عن الحاكم ويطلق عليه وصف "الأسد"، ولكنه بعد ذلك يدير كتابته كلها داخل إطار مملكة الغابة وأشخاصها المستمدة من دنيا الحيوان، منتهيا بالقارئ في آخر المطاف إلى العبرة أو الحكمة التي يجريها على ألسنة الطير والحيوان. وهذا هو الهدف الحقيقي الذي يتوجه إليه كل كاتبٍ صاحبِ رأيٍ أيًّا كانت الصيغة التي يمارس بها كتاباته.
قلت: الواقع أنني قرأت "أولاد حارتنا" منذ سنوات عدة، وأذكر أنني تعاملت معها حينذاك على أنها رواية وليست كتابا، ولذلك تفهمت ما امتلأت به من رموز تداخل في صياغتها الخيال، ولم أتصور أبدا أن كاتبها كان بهذا التداخل يحاول رسم صور تعبر عن موقفه من الحقائق التي يتناولها ذلك الخيال أو تشير إليها تلك الرموز. ولكن الذي استقر في خاطري على أي حال وبقي في ذاكرتي منها إلى يومنا هذا والذي رأيته معبرا عن موقف كاتبها الذي يريد إيصاله إلى قرائه هو تتويح حلقات روايته الرمزية بإعلان واضح عن حاجة "الحارة"، التي ترمز للمجتمع الإنساني، إلى الدين وقيمه التي عبر عنها الرمز المجرد: "الجبلاوي" حتى وإن تصور أهل الحارة غير ذلك وهم معجبون ومفتونون بـ"عرفة"، الذي يرمز إلى سلطان العلم المجرد والمنفصل عن القيم الهادية والموجِّهة لأهل الحارة.
وتابع الأستاذ نجيب حديثه الأول قائلاً: إنني حريص دائما على أن تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدى الناس، حتى وإن اختلف بعضهم معي في الرأي. ولذلك لما تبينت أن الخلط بين "الرواية" و"الكتاب" قد وقع فعلاً عند بعض الناس وأنه أحدث ما أحدث من سوء فهم اشترطتُ ألا يعاد نشرها إلا بعد أن يوافق الأزهر على هذا النشر، ولا يزال هذا موقفي الى الآن.
قلت: إنني أتمنى، يا أستاذ نجيب، أن يسمع الناس منك هذا الكلام الواضح الذي لا يحتمل التأويل، ليعرفوك منك بدلاً من أن يعرفوك من خلال شروح الآخرين. وائذن لي أن أقول انني كنت واحدا من الذي يجدون هذه المعاني التي حدثتنا بها الآن حاضرة في ثنايا كثير من كتاباتك القديمة والجديدة، وكانت تعبيرا دقيقا عن منهج جيلنا وجيل آبائنا في فهم الإسلام. فقد كانوا، وكنا معهم، نتنفس الإسلام ونحيا به في هدوء واطمئنان دون أن نملأ مجالسنا ومجالس الآخرين بالكلام الكثير عنه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وحين أوشكت الزيارة أن تتحول بهذا الحوار العفوي الى ندوة تدخل الأستاذ أحمد فراج قائلاً في حماسة: كم كنت أتمنى أن يسمع الناس، كل الناس، هذا الحوار الهادئ حول هذه القضايا الساخنة. وأرجو أن يأذن لي الأستاذ نجيب محفوظ بتسجيل هذا الكلام كله مرة أخرى في ندوة تلفزيونية قصيرة لا تتجاوز الدقائق العشر توضع بها النقاط على الحروف، ويعرف الناس، الموافق منهم والمخالف، حقيقة رأي الأستاذ نجيب محفوظ الذي عبر عنه الآن، كما عبرتْ عنه رسالته الوجيزة إلى ندوة "الأهرام".
قال الأستاذ نجيب محفوظ: إني شاكر ومقدِّر هذا الاهتمام، ولكنني أشفق على نفسي من فتح باب الأحاديث التلفزيونية، وأنا لا أزال في نقاهة لا تحتمل مثل هذا المجهود. ولكنني، بدلاً من هذا، أقترح أن يكتب الدكتور كمال أبو المجد هذا الحوار الذي دار كما دار، وسأكون راضيا عن ذلك كل الرضا.
وفي إطار هذه الرغبة الموثقة بإذن صريح من الأستاذ نجيب محفوظ، وبشهادة ثلاثة من ضيوفه الكرام، وُلِدَتْ فكرة هذا المقال الذي هو عندي شهادة أرجو أن أدرأ بها عن كتابات نجيب محفوظ سوء فهم الذين يتعجلون الأحكام ويتسرعون في الاتهام، وينسَوْن أن الإسلام نفسه أدرج كثيرا من الظنون السيئة فيما دعا إلى اجتنابه من آثام، كما أدرأُ عن تلك الكتابات الصنيعَ القبيحَ الذي يصرّ به بعض الكتّاب على أن يقرأوا في أدب نجيب محفوظ ما يدور في رؤوسهم هم من أفكار، وما يتمنَّوْن أن يجدوه في تلك الكتابات، مانحين أنفسهم قوامة لا يملكها أحد على أحد، فضلاً عن أن يملكها أحد منهم على كاتب له في دنيا الكتابة والأدب ما لنجيب محفوظ من القدم الثابتة، والتجربة الغنية، والموهبة الفذة النادرة التي أنعم بها عليه الله.
أدعو الله أن يتم على أديبنا الكبير نعمة العافية حتى يمسك القلم من جديد مواصلاً عطاءه الأدبي الذي يُغْنِي العقل والوجدان، وواهبا ما بقي من عمره المديد بإذن الله لتجلية الأمرين العظيمين اللذين أشار إليهما في رسالته إلى ندوة "الأهرام": الدين، الذي به هداية الناس وراحة النفوس، والذي يُفِيء ألوانا من المحبة والسماحة ودفء العلاقات والتسابق إلى الخير على حارتنا الكبيرة مصر. والعِلْم، الذي تحيا به العقول، والذي هو مفتاح أمتنا وكل أمة إلى أبواب المستقبل الذي تتزاحم اليوم أمامها شعوب الدنيا كلها لتكون لها مكانة في ساحته التي تتشكل معالمها الجديدة يوما بعد يوم".
وتعليقى على هذا الكلام هو: أولا أن الدكتور أبا المجد ليس متخصصا فى النقد الأدبى، بل هو إلى عالِم الدين أقرب، إذ هو متخصص فى الحقوق، أى القانون والشريعة. فلا فرق إذن بينه وبين واحد كالشيخ الغزالى بمقياس الأستاذ النقاش، وإن كان بنفس المقياس ينبغى أن يكون ما يكتبه أقل فى القيمة مما يسطره قلم الدكتور أحمد الشرباصى المتخصص فى اللغة والأدب والنقد. ومع هذا فقد رحب النقّاش بما قاله أيما ترحيب، ناسيا أنه كان ينبغى ألا يكون هناك مكيالان للكيل بل مكيال واحد. لكنه إنما يريد الانتصار لما يريد أن يقرره لنا بأى ثمن بغض النظر عن مخالفته للحقائق. ومع هذا فلا بد من المسارعة إلى القول بأننى لا أشارك النقّاش فى أنه لا ينبغى أن يتناول الرواية إلا متخصص فى الأدب والنقد، بل كل ما أردت قوله أنه للأسف لا ينسج على منوال واحد. أما ما يكتبه الدكتور أبو المجد فهو مثل أى كلام يكتبه أى مؤلف، وسبيلنا معه هو قراءته وتحليله لمعرفة مدى صوابه أو خطئه. وثانيا فإننا نجد، بعد قراءة ما كتبه وتحليله، أنه للأسف يتناقض فى لب شهادته تناقضا ساطعا، إذ فى الوقت الذى يؤكد فيه "أنني قرأت "أولاد حارتنا" منذ سنوات عدة، وأذكر أنني تعاملت معها حينذاك على أنها رواية وليست كتابا، ولذلك تفهمت ما امتلأت به من رموز تداخل في صياغتها الخيال، ولم أتصور أبدا أن كاتبها كان بهذا التداخل يحاول رسم صور تعبر عن موقفه من الحقائق التي يتناولها ذلك الخيال أو تشير إليها تلك الرموز" نراه يضيف عقب ذلك أن "الذي استقر في خاطري على أي حال وبقي في ذاكرتي منها إلى يومنا هذا، والذي رأيته معبرا عن موقف كاتبها الذي يريد إيصاله إلى قرائه، هو تتويج حلقات روايته الرمزية بإعلان واضح عن حاجة "الحارة"، التي ترمز للمجتمع الإنساني، إلى الدين وقيمه التي عبر عنها الرمز المجرد: "الجبلاوي" حتى وإن
(يُتْبَعُ)
(/)
تصور أهل الحارة غير ذلك وهم معجبون ومفتونون بـ"عرفة"، الذي يرمز إلى سلطان العلم المجرد والمنفصل عن القيم الهادية والموجهة لأهل الحارة". فهو يقول فى بداية كلامه: "لم أتصور أبدا أن كاتبها كان بهذا التداخل يحاول رسم صور تعبر عن موقفه من الحقائق التي يتناولها ذلك الخيال أو تشير إليها تلك الرموز"، ليعود فى التو واللحظة فيقول عكس هذا تماما، إذ يؤكد أن "موقف كاتبها الذي يريد إيصاله إلى قرائه هو تتويج حلقات روايته الرمزية بإعلان واضح عن حاجة "الحارة"، التي ترمز للمجتمع الإنساني، إلى الدين وقيمه التي عبر عنها الرمز المجرد: "الجبلاوي" حتى وإن تصور أهل الحارة غير ذلك وهم معجبون ومفتونون بـ"عرفة"، الذي يرمز إلى سلطان العلم المجرد والمنفصل عن القيم الهادية والموجهة لأهل الحارة". فهو ينفى مرة أن تكون للكاتب فكرة يريد إيصالها من وراء الرواية، ثم عقب هذا مباشرة نجده يؤكد أن هناك فكرة يريد الكاتب إيصالها لنا من وراء الرواية. وبطبيعة الحال لا يوجد أديب، فضلا عن أن يكون ذلك الأديب من كتاب الروايات، يكتب دون أن يضع فى حسابه التعبير عن فكرة ما ونشرها بين الناس، وإلا ما كان أديبا بل عابثا من العابثين. ومن هذا يتبين لنا أن د. أبو المجد لا يدرك معنى الإبداع الأدبى ولا أهميته بوضوح.
ولنتنبه كذلك إلى أنه لا يفسر الرواية تفسيرا يختلف عن التفسير الذى قلناه من قبل، اللهم إلا فى تأكيده أن الجبلاوى هو الدين لا رب الدين، وهو ما لا يستقيم أبدا حتى لو استعنّا على ذلك بالطبل البلدى ومزيكة حسب الله السادس عشر فوق البيعة، فالدين لا يمكن أن يكون له أبناء وأحفاد على أى وضع، كما أنه لا معنى لأن ينهال عليه إدريس وقدرى بالشتائم واللعنات على النحو الذى نراه فى الرواية بوصفه كائنا عاقلا يصح شتمه ولعنه واتهامه بالقسوة والتصلب وانعدام المشاعر الطيبة. فالدين حتى لو شخصناه يظل معنى من المعانى لا كائنا حيا واعيا له مشاعر ومواقف، فضلا عن أن تكون تلك المشاعر هى القسوة المفرطة غير المسوغة، وأن تكون تلك المواقف هى التصلب الغبى الذى لا يلين ولا يعرف التفاهم أو التسامح. كما أن هذا التفسير يتناقض مع ما أكده نجيب محفوظ فى رسالته المشهورة إلى جورج طرابيشى، ومع ما قاله سكرتير الأكاديمية السويدية فى حفل توزيع الجوائز عام 1988م الذى تسلمت فيه بنتا محفوظ جائزته، وكذلك مع ما قاله الأدباء والنقاد الذين كتبوا عن الرواية عند صدورها، ومع ما لا يزال يقوله كذلك حتى الآن كثير من الأدباء والنقاد.
صحيح أن محفوظ قد اتفق وأبو المجد فى هذا التفسير، أو فلنقل: إن الدكتور أبا المجد قد ردد ما قاله محفوظ، إلا أننا لا يمكن أن ننسى أن هذا رأىٌ جَدَّ لمحفوظ تبعا لما جَدَّ على الساحة، وليس هو رأيه الأصيل. ولسوف نرى أن محفوظا يقر بأن "الجبلاوى" هو فعلا الإله، وإن حاول تخفيف الأمر بقوله إنه الإله فى عقول بعض الناس الذين انحرفوا بفكرة الألوهية عن مفهومها الصحيح. لكن من هم أولئك الناس؟ وأين فى الرواية هذا المعنى الذى يقول؟ لا شىء. لا شىء على الإطلاق! والمهم أنه لم يقل، كما حاول الدكتور أبو المجد أن يقنع قراءه، إن الجبلاوى هو الدين. ولنفترض المستحيل ولنقل إن الجبلاوى هو الدين، فهل يحل ذلك المشكلة؟ ترى هل يصح أن يلعن أبطال محفوظٍ الدينَ ويسبوه بكل هذا الغل والوحشية وكأنه قتل أباهم واغتصب أمهاتهم وأزواجهم وبناتهم وهدم بيوتهم وشردهم واستولى على كل ما يملكون؟ إنى لأشعر كأن هناك ثأرا بائتا بين الكاتب والجبلاوى ينفّس عنه من خلال ما يقوله إدريس وقدرى فى حقه، فإبليس فى القرآن لا يتطاول على الله أو على دينه أبدا، وكل ما هنالك أنه يعترض على أمر الله له بالسجود لآدم رغم أن الله خلقه من نار، وآدم من طين، ويعلن عزمه عى الاجتهاد فى إغواء آدم وذريته إلى يوم الدين. ثم ليس هناك بعد هذا شىء آخر من التجاوز فى حق الله أو دينه، فما معنى كل تلك اللعنات والشتائم التى تنصب انصبابا من فم إدريس على الجبلاوى ويتفنن كاتبنا فى حشو فم ذلك الرجيم بها؟ الحق إنه لمن الوضوح بمكانٍ مكينٍ مدى التخبط الذى يكتنف أية محاولة للتعمية على مقصد الرواية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا هو النص الذى يشير إلى تفسير محفوظ للجبلاوى بأنه هو الله، وإن حاول محفوظ أن يخفف من الأمر سُدًى. وهو نبذة من المقدمة التى كتبها فيليب ستيورات مترجم الرواية إلى الإنجليزية، وفيها يشير إلى رد الفعل العنيف الذى استُقْبِلَتْ به الرواية قائلا إن السبب فى ذلك هو "أن محفوظا قد تناول القضايا التى ينقسم الناس إزاءها انقساما عميقا لا فى مصر وحدها، بل ربما فى العالم أجمع. ذلك أن أبطال روايته فى حارته القاهرية الخيالية يعيشون مرة أخرى، دون أن يدروا، حياة آدم وموسى وعيسى ومحمد، مثلما يمثل جدُّهم العجوزُ الجبلاوى "اللهَ"، أو بالأحرى: ليس الله، بل فكرة بعينها عن الله من صنع البشر كما قال نجيب محفوظ فى حوار له معى" (مقدمة الترجمة التى قام بها ديفيد ستيورات لرواية "أولاد حارتنا" بعنوان " children of gebelawi" عن دار نشر Heinmann بلندن عام 1981م/ ص vii). ويلاحظ القارئ أن ستيورات يفسر الجبلاوى بأنه هو الله، وهو ما لم يخالفه فيه محفوظ، وإن حاول التخفيف منه بالقول بأنه ليس الله، بل فكرة الناس عن الله، مما لا يقدم كثيرا ولا يؤخر.
وقد أشارت إلى ذلك Gabriel Judith فى مقال لها بعنوان " Controversial Mahfouz Allegory- Published In New Translation" منشور فى موقع " AL JADID MAGAZINE" الأمريكى ( Vol. 7, no. 37, Fall 2001)، إذ قالت: " Central to the controversy is the overshadowing figure of Gebelaawi, whose fictional demise the Nobel Prize committee took upon themselves to refer to as “the primal father Gebelaawi’s (God’s) death.” Mahfouz himself consistently refused this interpretation, asserting that the Gebelaawi character represents “not God, but a certain idea of God that men have made”–those who forget the absolute transcendence of God, as affirmed in Islam"
وعلى أية حال فإننا لا يمكننا نبذ ما نحن متأكدون منه ومطمئنون له ونرى أنه ليس هناك تفسير أصح ولا أصلح منه، إلى رأى لا نطمئن له ولا نراه صوابا أبدا. فالدين لا يمكن أن يكون له أولاد: أدهم وإدريس وأميمة، أولئك الذين لا يمكن أن يخطئ أحد أن المقصود بهم آدم وإبليس وحواء، فضلا عن الشخصيات التى ترمز إلى الملائكة: عباس ورضوان وجليل. وبنوة هؤلاء وهؤلاء للجبلاوى ترمز إلى خلقه لهم، فالله ليس له أولاد بالمعنى الحرفى، تعالى الله عن ذلك، ومحفوظ أكبر من أن يظن ذلك مهما كانت عقيدته فى الله فى ذلك الوقت الذى ألّف فيه روايته. كما تشير الرواية إلى أن الجبلاوى قد ترك لأولاده وقفا يصرّفونه فى تدبير مصالحهم، مما يرمز إلى ما خلقه الله فى الأرض والسماء من أجل البشر، وأنه قد جمع أولاده: أدهم وإدريس وعباس ورضوان وجليل (أى آدم وإبليس والملائكة) وأنبأهم أنه أوكل إدارة الوقف إلى أدهم، وهو ما أثار اعتراض إدريس قائلا إن هذا لا يصح: فأدهم ابن الأمة، أما هو فابن الهانم. فرد الجبلاوى بأنه قد قام بالاختيار السليم لأن أدهم يعرف أكثر مستأجرى الوقف بأسمائهم، مثلما يعرف القراءة والكتابة والحساب، ثم طرد إدريس إلى الأبد تشيعه اللعنة لإصراره على التكبر والتمرد والعصيان، وهو ما لا يمكن أن يخطئ العقل ما فيه من الإشارة إلى ما ورد فى سورة "البقرة" عن قول الله للملائكة إنه سبحانه جاعلٌ فى الأرض خليفة هو آدم، الذى يعرف الأسماء كلها والذى أنبأ الملائكة بمسمياتها جميعا، ورَفْض إبليس لهذا الاختيار بشبهة أن آدم مخلوق من الطين، أما هو فمن النار، والنار فى رأيه أفضل من الطين. وفى الرواية أيضا أن الجبلاوى موجود منذ القديم وأنه باق كذلك على توالى الأجيال والأحقاب، وإن كان عرفة قد قتله أو تسبب على الأقل فى موته، وهو ما يرمز إلى حلول العلم فى نفوس بعض الفلاسفة والمفكرين فى العصر الحديث محل العقيدة الإلهية، أو على الأقل: طموحه إلى احتلال مكانة الله فى العقول والضمائر. كذلك تقول الرواية إن أمر الجبلاوى لا يُرَدّ، والناس جميعا تهتف باسمه عند الشدائد، فضلا عن أنه لا يشبهه أحد ولا يشبه هو أحدا. وهناك إشارة إلى الوصايا العشر متمثلة فى "الشروط العشرة" التى تنظم ما تركه الجبلاوى لأهل الحارة من أوقاف. ثم إن أيا من البشر لم ير الجبلاوى قط رغم تطاول الأحقاب والدهور، كما كان
(يُتْبَعُ)
(/)
جبل ورفاعة وقاسم، وهم المصلحون الذين جاؤوا للأخذ بيد أهل الحارة وتبصيرهم بحقوقهم فى وقف الجبلاوى، ينطقون دائما باسمه ويعلنون أنهم مكلفون من قِبَله، وهو ما يعنى أنهم هم رسل الله: موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، جاؤوا يدعون إليه ويعملون على التمكين للمبادئ والقيم التى يريد سبحانه من أهل الحارة (أى البشر) التمسك بها والكفاح من أجلها ... إلخ، مما لا ينطبق منه شىء على الدين، ولا يصدق إلا على المولى جل وعلا مع الأخذ فى الاعتبار بأننا هنا بصدد رواية رمزية كما هو مفهوم.
وإضافة إلى من ذَكَرْنا ممن قاموا بتفسير الرواية التفسيرَ الذى نرى بكل قوة أنه هو التفسير الصحيح نسوق هنا بعض ما كُتِب عنها باللغة الإنجليزية والفرنسية: فمن ذلك مثلا ما جاء تحت عنوان " Children of Gebelawi" فى الموسوعة الخاصة بموقع " NationMaster.com". وهذا نصه:
The story recreates the history of the monotheistic Abrahamic religions, allegorised against the setting of an imaginary Cairene alley. The first four sections retell, in succession, the stories of Adam (and his sons), Moses, Jesus and Muhammad; the protagonist of the book's fifth section (who, significantly, comes after the Prophet of Islam) symbolises modern science. Monotheism … is the belief in a single, universal, all-encompassing deity.
وفى الزاوية الخاصة بتعريف الكتب فى موقع " www.alibris.com" نقرأ تحت عنوان " Children of Gebelawi " الكلمة التالية عن الرواية: " An allegorical novel about the Cairo alley that often appears in Mahfouz's work, but which is inhabited this time by Adam and Eve, Cain and Abel, Moses, Jesus, and Mohammed".
وثَمَّ خبرٌ بتاريخ Wednesday, August 30, 2006 at 12:13 PM عن وفاة الكاتب الكبير منشور فى موقع " stevejanke.com" تحت عنوان " Nobel Prize winner Naguib Mahfouz passes away"، ننقل منه ما يلى:
Children of Gebelaawi (Awlad haratina) is Naguib Mahfouz's most controversial work. Set on the edge of real Cairo, it relates in a simple, parable-like language the history of an isolated alley (harah) through several generations. The hero of each generation struggles to restore the rights of the alley's poor and oppressed inhabitants to the estate (waqf) set up by their ancestor, the powerful and enigmatic Gebelaawi. In order to accomplish this mission, he must battle the tyrants who control the estate and their thugs or "strongmen'' (futuwah), sadistic protection-racketeers with colorful gangster-like names such as Guzzler, Bruiser, etc.
On closer examination, we see that Children of Gebelaawi is an allegorical tale. The heroes of the first four episodes relive the lives of the prophets Adam, Moses, Jesus and Muhammad, and the protagonist of the fifth represents modern man who relies on science and technology to destroy the alley's oppressors.
أما الفقرات التالية فعبارة عن كلمة لقارئ لندنى يدعى: Ralph Blumenau كتبها فى موقع " www.amazon.com" تعليقا على الرواية قال فيها:
This novel about a community in some desert village is written with the simplicity of language that one associates with old myths, and underlying the story are indeed echoes, sometimes close and sometimes rather distorted, of ancient myths. God is allegorized as Gabalawi, the remote and mostly unseen owner of the estate of which the Children of the Alley are supposed to be his heirs. The central character in each of the five stories is up against the selfish and oppressive overseers who dominate the estate and its inhabitants with the help of their retinue of gangsters. The first of the stories evokes that of the expulsion from the Garden of Eden and the story of Cain and Abel; the second that of Moses and Pharaoh; the third that of
(يُتْبَعُ)
(/)
Jesus; the fourth that of Muhammad.
Then there is a fifth story, in which the central figure, a `magician', is presumably a scientist. He tries to discover the secret of Gabalawi He fails to find it, but in the process he is instrumental in the death of Gabalawi `who had been easier to kill than to see'. It makes no difference: the scientist, who has invented a weapon of great destructive power, is forced to put it at the service of the new overseer, and the Children of the Alley remain as oppressed as ever, though they remain hopeful that one day `magic' will put an end to their suffering.
Subtle the book is not, either in content or in style; and in my view is far too long and far too repetitive. The overseers and the gangsters in each generation have different names, but as individuals they are indistinguishable one from another. A large number of the characters are perpetually angry or violent. They mostly `shout', `scream', `shriek', `yell', `cry' or `sneer', which becomes rather tiresome.
The literary quality of this novel is, I think, greatly inferior to Mahfouz's rightly famous Cairo Trilogy which has contributed to his having become the only Arab to have been awarded the Nobel Prize for Literature. But it is a courageous book for an Egyptian to have written: it has been banned in Egypt; its allegories enraged the Islamicists and led to an attempt on the author's life.
وفى موقع " AL JADID MAGAZINE" الأمريكى ( Vol. 7, no. 37, Fall 2001) توجد مقالة عنوانها: " Controversial Mahfouz Allegory- Published In New Translation" بقلم Judith Gabriel تتحدث عن إعادة طبع الترجمة الإنجليزية لـ"أولاد حارتنا" التى قام بها Philip Stewart نقتطف منها السطور التالية:
On the surface, “Children of Gebelaawi” is the saga of the people who inhabit a Cairo neighborhood through several generations, struggling to survive the repression of brute strong-men, the protection-racket gangsters who literally run life in the neighborhood. At a deeper level, the book is an allegory whose heroes parallel Adam and Eve, Moses, Jesus and Mohammad, and includes a fictitious character that represents the scientist. They all struggle to restore the people’s rights to a trust fund set up by their venerable ancestor Gebelaawi that has been usurped and corrupted by embezzlers and tyrants. The five closely inter-linked fables are set on the edge of Cairo in an isolated, time-compressed locale–an alley, which borders somewhere between reality and fantasy… Gebelaawi certainly is a father figure; an arrogantly remote one at times, as lamented by the allegorical Adam after being cast out of the Garden: “Loneliness speaks, and sorrow smolders like coals buried in the ashes. The high wall of the house repels the yearning heart. How can I make this terrible father hear my cry?...My eyes long for the streams flowing between the rose bushes. Where is the scent of henna and jasmine? Where is peace of mind? And my flute? You cruel man!...Will the ice in your heart ever melt?” In the end, Gebelaawi is killed as a result of the actions of Arafa the Magician, the character who symbolizes science. Theological critics took this as a portrayal of the “death of God” and called it blasphemous.
كذلك وجدت، فى موقع " wodka.over-blog.com"، الكلمة التالية بالفرنسية، وفيها تفسير لرموز الرواية لا يخضع للاعتبارات المحلية عندنا، وعنوانها: " Naguib Mahfouz : Les fils de la médina":
I. Les habitants de notre quartier
(يُتْبَعُ)
(/)
Tel est le titre arabe de ce roman paru en feuilleton au Caire en 1959 dans le quotidien Al-Ahram et en volume à Beyrouth, en 1967 seulement, et pas en Égypte — pour des raisons que l'on verra plus bas.
• Pourquoi "notre quartier" ?
Enfant du Vieux Caire, Naguib Mahfouz s'est engagé après 1945 dans le roman social avec la matière de ces quartiers qu'il connaissait bien, comme cadre de son enfance. Même si nous avons ici globalement un roman allégorique, à l'intérieur des chapitres il reste de vastes pans de réalisme social appliqués au Vieux Caire. L'auteur impose l'unité de lieu: on ne quittera pas la ville; on arpentera le quartier de la Gamaliyya.
Réitérée, cette formule, "Notre quartier", est la seule intervention du narrateur dans le récit conduit de manière impersonnelle. «Au commencement, là où se trouve actuellement notre quartier, il n'y avait que le désert du Muqattam qui s'étendait à perte de vue. Au milieu du désert se dressait la Grande Maison construite par Gabalawi…»
Le Fondateur du quartier a fini par confier la gestion du domaine de main-morte (le waqf) à un Intendant autoritaire et rapace qui se réserve l'essentiel des revenus au lieu de les partager. Celui-ci est aidé de "ces futuwwas déchaînés qui nous oppriment aujourd'hui". Ces chefs de bande contrôlent chacun un secteur et y font régner la loi du plus fort à l'aide de leurs gourdins.
• Qui sont ces habitants?
«Notre quartier était bruyant et surpeuplé; les enfants, pieds nus et à peine vêtus, jouaient dans tous les coins, remplissant l'air de leur vacarme et couvrant le sol de leurs excréments. Les femmes s'agglutinaient sur le seuil des maisons, l'une hachant des feuilles de mouloukhiyya, l'autre pelant des oignons, une troisième allumant un brasero, toutes échangeant potins et plaisanteries, ou, au besoin injures et malédictions. De jour comme de nuit, c'était un fracas ininterrompu, soutenu par le rythme lancinant du tambourin à exorcismes : les chansons, les pleurs, les voitures à bras courant en tous sens, les engueulades, les rixes, le miaulement des chats et le grognement des chiens se disputant les tas d'ordures. Les rats grouillaient dans les cours des maisons et nichaient dans les murs, et il arrivait fréquemment qu'un groupe se rassemble à grands cris pour tuer un serpent venimeux ou un scorpion. Quant aux mouches, leur nombre n'avait d'égal que celui des poux : elles partageaient la vie des habitants avec une familiarité amicale, mangeant dans leurs assiettes, buvant dans leurs verres, jouant autour de leurs yeux et se glissant même parfois dans leur bouche.» (p.138).
Mahfouz peint donc les hommes qui forment la société cairote. Et dans ce microcosme social les pauvres sont les plus nombreux et mènent une vie toujours misérable. En 1977, "La Chanson des Gueux" reprendra plus ou moins la même structure et les mêmes thèmes mais sans les allusions aux religions du Livre.
II. Une allégorie victime de la censure religieuse
• Un roman allégorique
Mahfouz a osé un condensé historique de l'humanité depuis le Jardin d'Eden dont elle est chassée, jusqu'à l'âge de la science moderne. Le roman est divisé en 5 parties– comme le Pentateuque– centrées sur Adham, Gabal, Rifaa, Qasim et Arafa. « Qui examinerait notre quartier avec quelque attention aurait beaucoup de mal à croire à ce que l'on chante dans les cafés, au son du rebab , Gabal, Rifaa, Qasim… ont-ils jamais existé? Que reste-t-il d'eux ? Un quartier plongé dans les ténèbres, et un rebab qui rassesse
(يُتْبَعُ)
(/)
des rêves anciens. Comment en sommes-nous arrivés là? (…) On vous le racontera autour de la pipe à eau dans les fumeries de haschich, entre une quinte de toux et un éclat de rire.» (p.507).
Dans la première partie, le Fondateur confie la gestion du waqf à son jeune fils Adham plutôt qu'à l'aîné Idris, dont la colère provoque l'expulsion. Adham à son tour est chassé pour avoir voulu connaître le Livre des Dix Conditions, gardé sacré dans la chambre du père. Exclus du paradis terrestre, Adham doit travailler pour vivre et sa femme enfanter dans la douleur. Leurs fils s'entre-tuent: vous voyez l'allusion, non?
Le Fondateur s'étant ensuite retiré du monde pour vivre cloîtré dans la "Grande Maison" entourée de hauts murs, périodiquement se trouve posée la question de la succession de l'Intendant et du remplacement des futuwwas. Le petit Gabal barbotait tout nu dans un ruisseau quand il fut recueilli et adopté par la femme de l'Intendant. Devenu adulte, il va se dresser contre l'arbitraire et se réfugier chez un magicien qui lui apprend l'art de charmeur de serpents. Gabal utilise cet art pour débarrasser le quartier du fléau des serpents puis il réussit à faire périr les futuwwas déconsidérés dans un passage envahi par les eaux. Son triomphe sera cependant de courte durée car « le fléau de notre quartier c'est l'oubli» déplore Mahfouz.
Rifaa est un apprenti menuisier ému par Yasmina la prostituée sa voisine au point de l'épouser. Inspiré par le Fondateur, il ne parle plus que de l'amour du prochain et de la guérison des malades. « Parmi ses anciens malades, Rifaa avait choisi quatre amis, nommés Zaki, Husayn, Ali et Karim ; ils étaient ensemble comme des frères. Aucun d'entre eux n'avait connu l'amitié auparavant ; Zaki était un vagabond, un chômeur professionnel, Husayn un opiomane invétéré, Ali un apprenti futuwwa et Karim un petit souteneur. Grâce à Rifaa, ils étaient devenus des hommes droits et bons.» La vertu de Rifaa menace l'injuste pouvoir établi. Cela lui vaut l'estime de tous les pauvres et malheureusement, après un dîner avec ses amis, les coups de gourdins des futuwwas du quartier. Rifaa mort, on ne retrouve pas son cadavre...
Qasim est un pauvre berger qui épouse une riche veuve. Se croyant inspiré par le Fondateur, il prophétise le partage des richesses du waqf, il doit s'enfuir du quartier et se réfugier dans un camp improvisé dans la montagne. Les futawwas l'attaquent et sont vaincus. Qasim, veuf de Qamar, épouse ensuite une collection de jolies nanas : son oncle Zakariya « affirmait qu'il voulait ainsi établir des alliances avec tous les clans. Mais la plupart des gens n'allaient pas chercher si loin. Disons-le franchement : on le respectait plus encore pour sa virilité que pour tout le reste.» Le bilan de l'époque de Qasim est que le quartier est restauré et la concorde règne… provisoirement.
Arrive alors Arafa, avec Hanach son gnome de frère, tous deux nés d'une sorcière et de père inconnu. Son truc à lui c'est l'alchimie : c'est par la connaissance qu'il veut sauver le monde. Il invente une sorte de viagra pour se faire bien voir d'Aggag son futuwwa et le cocktail molotov pour éliminer qui voudrait le tuer. Arafa-la-science rêve de s'emparer du Testament de Gabalawi qu'il considère comme un thesaurus alchimique. Il s'introduit dans la Grande Maison par un souterrain, tue un vieux serviteur: Gabalawi en mourra d'une crise cardiaque. Par les mêmes moyens il pénètre chez le futuwwa, le poignarde, puis élimine ses gardes du
(يُتْبَعُ)
(/)
corps grâce à une "bouteille explosive". Il espère ainsi déclencher une guerre de succession entre les aspirants au pouvoir. Mais l'Intendant le contraint à entrer à son service avec ses inventions. L'oppression sur le quartier atteint son apogée. Quand Arafa veut s'enfuir, il est trop tard, le piège se referme sur lui...
Ainsi, à la fin du roman: «La peur et la haine s'appesantirent à nouveau sur le quartier ; mais tous supportaient les exactions avec courage et opiniâtreté, confiants dans l'avenir. Patience, disaient-ils. Tout a une fin, même l'oppression ! Le soleil finira bien par se lever, et nous verrons la chute du tyran : l'aube viendra pleine de lumière et de merveilles…»
• Un roman victime de la censure
On y a vu– à tort– une critique du régime de Nasser. Mahfouz s'était réjoui de la révolution de juillet 1952 conduisant Nasser au pouvoir avant d'être en effet déçu par la République faute de démocratie et de justice sociale. Mais d'autres ouvrages, plus tard, seront consacrés à cette critique de manière explicite.
Si "Les fils de la médina" a été censuré au Caire, c'est à cause des allusions à toutes les religions du Livre que l'on peut lire comme autant de flèches acides. D'abord, il y a la forme: 5 parties comme le Pentateuque et 114 chapitres comme autant de sourates du Coran. Surtout, il est facile de voir l'ironie d'un libre-penseur dans cette manière d'envelopper l'histoire de l'humanité dans cette série d'espérances qui tournent au cauchemar après un bref triomphe. Adam, Moïse, Jésus, Mahomet se sont succédé en vain. Le lecteur repère en effet, dans chaque aventure, des éléments caractéristiques de ces personnages sacrés. Mahomet apparaît comme le dernier prophète capable de soulever les foules; mais après lui le quartier retombe dans l'oppression et l'injustice. Avec Arafa, incarnation de la science moderne, c'est la mort de Dieu qui est mise en scène («Gabalawi est mort!»)
Les docteurs de l’université d'Al Azhar ont interdit ce livre jugé blasphématoire. Quand l'auteur reçut le Nobel en 1988, le président Moubarak, à ce qu'on dit, voulut lever cette interdiction. Or, Mahfouz préféra éviter la republication car le fanatisme avait beaucoup progressé par rapport aux premières années du pouvoir nassérien ! Cette prudence n'empêcha pas une tentative d’assassinat à l’arme blanche (octobre 1994) perpétrée par deux jeunes fanatiques qui ont reconnu au procès ne pas avoir lu une seule ligne de cette œuvre dans laquelle je verrais bien "le grand roman arabe" contemporain. Blessé à la main, Mahfouz fut pour le reste de ses jours obligé de dicter ses textes.
وثم مقال آخر بعنوان " Islam. Les dix livres maudits" فى موقع " www.telquel-online" بقلم Abdellah Tourabi et Youssef Mahla أنقل منه السطور التالية عن "أولاد حارتنا"، وهى تؤكد صحة ما قلناه وقاله كثير من الكتاب والنقاد منذ بداية ظهور الرواية، ومنهم محفوظ ذاته، من أن الرواية إنما تحكى قصة الخلق والنبوات، وتدور حول الذات الإلهية وآدم وحواء وإبليس والملائكة وموسى وعيسى ومحمد: "" Les Fils de la Médina" a la force de la légende, de la Création, de quatre personnages qui personnifient la force, la morale communautaire, la charité et la recherche alchimique, la "magie", cette science qui tuera le héros fondateur. On y voit l’ombre des grands prophètes, Moïse, Jésus et Mohamed et le spectre Nietschéen de la mort de Dieu".
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد أكثر النقّاش من القول بأن أحدا لم ير التقرير الذى كتبه بعض علماء الأزهر ضد الرواية عند نشرها على حلقات فى جريدة "الأهرام" سنة 1959م، وأن الأزهر لم يستجب لدعوة محفوظ إلى إبداء رأيه فى الرواية، ومن ثم فقد ظل كاتبنا على موقفه القديم المتمثل فى أنه لن يقوم بطبعها فى مصر دون موافقة تلك المؤسسة الدينية. إلا أن مجلة "أخبار الأدب" قد نشرت تقريرين عن الرواية صادرين عن مجمع البحوث الإسلامية، وذلك فى مقال بعنوان "عن "أولاد حارتنا" من جديد- عفوا فضيلة الشيخ: لتتحرَّ الدقة فقط، وها هما التقريران أمامك! " يجده القارئ فى العدد 656 بتاريخ الأحد 5 فبراير 2006م، الموافق 6 محرم 1427هـ، لمحمود الوردانى، وفيه نقرأ ما يلى: "في العدد الماضي من "أخبار الأدب" كتب الزميل محمد شعير تقريرا حول موقف نجيب محفوظ من روايته: "أولاد حارتنا"، وسأل الشيخ عبد الظاهر عبد الرازق مدير عام إدارة البحوث والنشر عما إذا كان هناك قرار رسمي من مجمع البحوث الإسلامية صدر في الستينيات يقضي بمنع تداول الرواية، وأجاب فضيلته بأن هناك بالفعل تقريرين يتضمنان قرارا بمنع تداول "أولاد حارتنا". إلى هنا وليست هناك أي مشكلة. المشكلة بدأت عندما طلب الزميل شعير أن يطّلع على التقرير، فرفض الشيخ عبد الظاهر قائلا بالحرف: لا. هناك قواعد تحرّم علينا أن نُطْلِع أحدا على هذه التقارير، وعلينا أن نحترم قواعد العمل. سأكتفي في السطور التالية بنشر نص التقريرين اللذين قال فضيلة الشيخ إنه يحترم قواعد العمل، ولن أكشف عن مصدري الآن، لكنني أطلب من الشيخ عبد الظاهر أن يتحرى الدقة فقط، أو فليقل لي إذا كان هذان التقريران غير صحيحين! لن أناقش بطبيعة الحال ما تضمنه التقريران من عدوان على حرية التعبير من جهة لا يحق لها مناقشة عمل روائي، ولن أناقش أن مرور 20 عاما بين التقرير الأول والثاني لم يغير القرار الجائر. فقط أنشر التقريرين وأضعهما أمام القارئ قبل كل شيء.
التقرير الأول:
"1 - القصة تقع في خمسمائة واثنتين وخمسين صفحة من القطع الكبير. وهي من القصص الرمزية التي تتناول تاريخ البشرية ابتداء من آدم وما وقع له ولابنيه، وبعثة الرسل: موسى وعيسى ومحمد إلي وقتنا هذا، وما يظهر كل يوم من جديد في التقدم العلمي
2 - وقد رمز الكاتب إلي كل حادثة مشهورة وشخصية معروفة، وأضفي عليها من التصوير ما يحدد معالمها ويدل عليها، وإن لم تكن في الإطار التاريخي لها. فرمز للإله "بالجبلاوي"، والجنة "بحديقة القصر"، وآدم "بأدهم"، وإبليس "بإدريس"، وموسى "بجبل"، وعيسى "برفاعة"، ومحمد "بقاسم" ... إلى آخر الرموز التي استخدمهما في تصوير الأحداث.
3 - وقد أخطأ التوفيق الكاتب في تناوله للإله والرسل.
أ- فبالنسبة للإله: جسّد الإله ونعته بصفات مفزعة سواء على لسان إبليس أو قدري الابن العاصي من ولدَيْ آدم أو الفتوات، وفي بعض الأحيان على لسان الرسل، والبعض الآخر عند تصويره هو لبعض المواقف. وصفه علي لسان إبليس بأنه قاطع طريق في القديم، وعربيد أثيم في المستقبل، ووصف تقاليد أسرته بالسخف والجبن المهين، وأنه يغير ويبدل في كتابه كيف شاء له الغضب والفشل. ووصفه على لسان قدري ابن آدم بأنه لعنة من لعنات الدهر، وأنه البلطجي الأكبر. ووصفه على لسان أحد الفتوات بأنه ميت أو في حكم الميت. ووصفه على لسان ناظر الوقف بأنه قعيد حجرته، ولا يفتح بابه إلا عندما تُحْمَل إليه حوائجه. ووصفه على لسان أحد تلاميذ عيسى بأنه عاجز وأنه لو كان في قوّته الأولى لسارت الأمور كما يشاء. ووصفه على لسان عرفه رَمْز العلم بأنه نائم غير دارٍ بجريمته. ثم يختم قصة الرسالات بموت الجبلاوي. يراجَع في ذلك الصفحات التالية من الكتاب: 23، 25، 29، 51، 55، 56، 65، 66، 71، 86، 95، 230، 237، 274، 289، 410، 484، 492، 497، 499.
(يُتْبَعُ)
(/)
ب- بالنسبة للرسل: صوّرهم جميعا في صورة من يرتاد "الغُرَز" ويتعاطى المخدرات، وهذا أخف ما وُصِفوا به فيما كتب. عيسى: وصفه علي لسان أحد الفتوات بأنه خنثى. يقول بطيخة أحد الفتوات ص 275: فتوات الحارة تجتمع من أجل مخلوق لا هو ذكر ولا هو أنثى. ويصوره على لسان نفسه وتلاميذه بأنه سكير حشاش: ففي ص 288 يقول رفاعة "عيسي": الخمر توقظ العفاريت، ولكنها تنعش من تخلَّص من عفريته. وفي ص 291: وتساءل كريم، وهو أحد أعوان رفاعة: هل أُعِدُّ المجمرة؟ فقال رفاعة بحزم: نحن في حاجة إلى وعينا. وينسب إلى رفاعة الزواج من عاهر وإن لم يَقْرُبها، مع أن عيسى لم يتزوج بنص القرآن. وقد ناقض الكاتب نفسه حين جعل بعض أتباعه يتجنبون الزواج حبا في محاكاته. وجعل ولادة عيسى عن زواج، وذلك خلاف ما نص عليه القرآن. ويتنافى ختام حديثه عن عيسى مع ما جاء به القرآن من أنه لم يُقْتَل، ولكنه جعل نهايته القتل كما جاء في الصفحات من 292 إلى 295.
ج- بالنسبة لمحمد المرموز إليه بقاسم: 1 - وصفه بارتياد القهاوي وتعاطي الجوزة والشراب وأنه مولع بالنساء يترصدهن بالخلاء عند المغيب كما جاء في الصفحات 318، 322، 338. وفي ص 341 عند الحديث عن زواجه من قمر "خديجة": اقترب منها بجلبابه الحريري، وجسده ينفث حرارة ممزوجة بسطول حتى وقف أمامها ينظر من عَلِ ... إلخ.
2 - ومن الألفاظ المقذعة الخارجة التي جاء بها الكاتب على لسان أحد البلطجية في النَّيْل من قاسم: عرف ابنُ الزانية كيف يفسد بيننا.
3 - بل من أفحش الفحش ما سرده من تعليل لزواج قاسم المتعدد ص 443، إذ يقول: لم يتغير من شأنه شيء، اللهم إلا أنه توسع في حياته الزوجية كأنما جرى فيها مجراه في تجديد الوقف وتنميته. ثم يقوم بسرد التعليل عن زواجه فيقول: "إنه يبحث عن شيء افتقده منذ فقد زوجته الأولى قمر"، أو "إنه يريد أن يوثّق أسبابه بأحياء الحارة جميعا"، أو "إذا كانت الحارة أُعْجِبَتْ به لأخلاقه مرة فقد أُعْجِبَتْ به لحيويته مرات"، و"إن حُبّ النسوان في حارتنا مقدرة يتيه بها الرجال ويزدهون، ومنزلته تَعْدِل في درجاتها الفتونة في زمانها أو تزيد". وينتهي الكاتب من قصته إلى أن التقدم العلمي وتطوره بهذه الصورة إرهاص بانقراض الرسالات وانقضاء أثرها، وأن ذلك أثر من أثار شيخوخة الإله ثم موته.
هذه جوانب المؤاخذة في القصة، ولا يخفف من وقعها الانتقال من الأحداث الطبيعية وشخصياتها إلى أحداث دالة وشخصيات رامزة، فإن ذلك كله لا يخفي الوجه الحقيقي لكل حادثة ولكل شخصية. كما لا يخفف من وقع هذه المؤاخذات أن ما قدمه الكاتب من حيث هو بعيدا عن المعتقدات والمقدسات عمل فني ممتاز، وقد كان في مقدور الكاتب أن يخرج عمله الفني بعيدا عن هذا السقوط. لهذا أُوصِي بعدم نشر القصة مطبوعة أو مسموعة أو مرئية. والله الموفق".
(الباحث 12/ 5/ 1968م)
التقرير الثانى:
"بعد فحص رواية "أولاد حارتنا" للأستاذ نجيب محفوظ نجدها قصة رمزية واضحة الرمز تشير إلي قصة الحياة والبشر، إلا أنها مع وضوح رموزها تحتوي على خلط شديد، ولا تنتظم على سياق تاريخي أو خط رمزي مستقيم. وقد رمز فيها لفترات متعددة: فترة بدء الخلق حتى بعثة موسى عليه السلام، وفترة بعثة موسى إلى بعثة عيسى عليه السلام، ثم بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم فترة التخلف والصراع على العالم الإسلامي ... وهكذا. وقد جسد في رمزه باسم "الجبلاوي" صورة الإله ونعته بصفات مقذعة سواء على لسان إبليس "إدريس" أو قدري "قابيل" الابن العاصي من وَلَدَيْ آدم "أدهم" أو الفتوات، وفي بعض الأحيان على لسان الرسل أنفسهم، أو في تصوير بعض المواقف. وقد وصفه مثلا على لسان إبليس بأنه قاطع طريق في القديم، وعربيد أثيم في المستقبل. ووصف تقاليد أسرته بالسخف والجبن المهين وأنه يغير ويبدل في كتابه كيف شاء له الغضب والفشل. ووصفه على لسان قدري "قابيل" بن آدم بأنه لعنة من لعنات الدهر، وأنه البلطجي الأكبر. ووصفه على لسان أحد الفتوات بأنه ميت أو في حكم الميت. ووصفه على لسان ناظر الوقف بأنه قعيد حجرته، ولايفتح بابه الا عندما تحمل إليه حوائجه. ووصفه على لسان عرفة "العلم الحديث" بأنه نائم غير دار بجريمته. ثم تنتهي القصة بموت الجبلاوي "الله" على يد عرفة "العلم الحديث". وأما بالنسبة للرسل فقد صورهم في صورة من يرتاد
(يُتْبَعُ)
(/)
"الغُرَز" ويتعاطي المخدرات، ووصف جبل "موسى" علي لسان أحد الفتوات بأسلوب التحقير بأنه خنثى: لا هو ذكر ولا هو أنثى، وعلي لسان نفسه ولسان تلاميذه بأنه سكير حشاش. كما نسب إلى رفاعه "عيسى" الزواج من عاهر، وإن لم يَقْرُبْها. ثم ذكر بعد ذلك أن بعض أتباعه تجنبوا الزواج حبا في محاكاته. وجعل ولادة عيسى ناشئة عن زواج. وأنهى حياة عيسى بالقتل. أما بالنسبة لقاسم "محمد" فقد وصفه بأنه يرتاد القهاوي ويتعاطى الجوزة والشراب وبأنه مولع بالنساء يترصدهن بالخلاء عند المغيب. واستعمل في النيل منه ألفاظا مثل ما ذكره على لسان أحد البلطجية: "عرف ابن الزانية كيف يفسد بيننا". ويقول في تعليل تعدد زوجاته: لم يتغير من شأنه شيء، اللهم إلا أنه توسع في حياته الزوجية كأنما جرى فيها مجراه في تجديد الوقف وتنميته. ثم يقول إنه يبحث عن شيء افتقده منذ فقد زوجته الأولى قمر "خديجة"، وإنه إذا كانت الحارة أُعْجِبَتْ به لأخلاقه مرة فقد أُعْجِبَتْ به لحيويته مرات، وإن حب النسوان في حارتنا مقدرة يتيه بها الرجال ويزدهون. ولا يخفف من هذه المؤاخذات أنها سيقت مساق الرمز لأن الرمز مصحوب بما يحدد المقصود منه بغير لبس ولا شبهة، ولا ما يُذْكَر أحيانا على لسان بعض المغرضين أو من استغرقتهم واستهوتهم هذه الأفانين من أن الكاتب يكتب فنا ولا يقصد به القصص الديني. فنحن في هذه القصة نعالج القصة ورموزها الواضحة بدون لجوء إلى قصد الكاتب ونيته، فسوف يحاسبه الله تعالي عليها، وأما تقدير العمل من حيث هو فن "رفيع" فنتركه لهؤلاء النقاد الذين استساغت أذواقهم "الرفيعة" مثل هذا الفن. وقد قرر مجمع البحوث الإسلامية حظر تداولها أو نشرها مقروءة أو مسموعة أو مرئية، وكذلك حظر دخولها بناء هذا التقرير وعلي تقارير الأجهزة الرقابية الأخرى. وبالله التوفيق".
(الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية 1/ 12/ 1988م)
هذا بعض ما أُخِذ على الرواية. ويمكن أن نضيف إليه أشياء أخرى منها على سبيل المثال تركيز محفوظ على جبروت الجبلاوى، الذى يصفه دائما بالقسوة واللامبالاة بأولاده واحتجابه المستمر عنهم فلا يرونه ولا يراهم أبدا. وكان من الواجب ألا يصوره، كما فعل، بصورة من يقسو على أولاده ولا يراهم، فالله فى الإسلام يرانا ويسمعنا، وكذلك يستجيب لدعائنا فى كثير من الحالات استجابة مباشرة أو يحققها لنا فى صورة أخرى أو يؤجل استجابتها إلى حين. كما أنه سبحانه وتعالى ليس جبارا أو شديد العقاب فقط، بل هو أيضا غفور رحيم يتغاضى عن ذنوبنا التى نجترحها دون قصد أو فى حالات الضعف والانكسار ولا يحاسبنا عليها، بل من الممكن ألا يحاسبنا جل وعلا على أى ذنب ارتكبناه كما نصت على ذلك بعض الآيات والأحاديث، ومنها على سبيل المثال قوله عز شأنه: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر/ 53)، "وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا" (النساء/ 110)، "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ" (آل عمران/ 135 - 136)، وكقول نبيه عليه السلام فيما رواه أبو ذر الغفارى: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ما من عبد قال: "لا إله إلا الله" ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإنْ زَنَى وإن سَرَق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر. وكان أبو ذر إذا حدّث بهذا قال:وإن رَغِمَ أنف أبي ذر"، وكذلك الحديث التالى من "عمدة التفسير" للشيخ أحمد شاكر: "إن رجلا أذنب ذنبا فقال: يا رب، إني أذنبت ذنبا فاغفره. فقال الله: عبدي عمل ذنبا فعَلِمَ أن له ربًّا
(يُتْبَعُ)
(/)
يغفر الذنب ويأخذ به. قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب، إني عملت ذنبا فاغفره. فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب، إني عملت ذنبا فاغفره لي. فقال عز وجل: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب، إني عملت ذنبا فاغفره. فقال عز وجل: عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به. أُشْهِدكم أني قد غفرت لعبدي، فليعمل ما شاء". وقبل ذلك كله فمن يعمل عملا صالحا لا بد أن يجنى ثمرته. ثم إذا كان هذا العمل الصالح يشمل الأمة كلها فلا بد له من تضافر جهود الصالحين وتعاونهم حتى يؤتى النتيجة المرجوة. وهذه أمور من شأنها أن تبعث على التفاؤل والاطمئنان. ومعنى ذلك أن التشاؤم المحفوطى أمر لا يعرفه الإسلام ولا تصدّقه وقائع الحياة ولا قوانينها.
لكن المشكلة فى "أولاد حارتنا" أنها تشيع اليأس والإحباط وتصور الجبلاوى فى صورة الأصم الأعمى القاسى القلب الذى لا يلين ولا يتفاهم ولا يصغى لأنات ابنه أدهم لا لشىء إلا لأنه خالف مرة عن أمره فحق عليه اللعنة الأبدية، مع أن القرآن يوضح لنا أنه ما إن أقر آدم بذنبه حتى غفر الله له ولحواء وأبرأهما من خطيئتهما وأعطاهما وأولادهما الفرصة للاجتهاد والعمل، مع الوعد بغفران الذنوب ما داموا يؤمنون به ولا يستجيبون لإبليس، أو "إدريس" حسبما تسميه الرواية، وإن استجابوا رجعوا ولم يصروا على العصيان: "وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ* فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة/ 35 - 39).
ثم إننا، وإن لم نر الله ونسمعه رؤية وسماعا مباشرا، نراه ونسمعه ونحسه فيما يكتنفنا من ألوان الخلق والإبداع الذى يدل عليه ويشير إليه كما هو الحال حين نتناول لقمة هنيئة أو شربة ماء على ظمإ أو حين نشم وردة بلدية من النوع الذى كان يحبه نجيب محفوظ أو حين توصوص لنا فى الظلام نجوم السماء أو يطل علينا قمرها فى ليلة من ليالى الصيف الساجية أو حين ننصت إلى خرير جدول أو حين نفنى فى مجالى الطبيعة إبان الربيع وإزهار الشجر، وكذلك فى ابتهالاتنا له سبحانه وعبادتنا إياه، وبخاصة فى لحظات التوهج الروحى، وما أكثرها، وإن كان بعضنا يؤدى العبادة أحيانا بدافع الشعور بالواجب، ولا بأس فى هذا، فإن الحياة لا تجرى دائما على وتيرة واحدة من التوهج والسطوع. وإلى ذلك كله هناك نعمه سبحانه وعطاياه الكثيرة التى نرفل فيها من مرئى ومسموع ومشموم ومقروء ومشعور به فى وجداناتنا، ومنه ما أُحِسّه أنا الآن من نشوة الإبداع وأنا أكتب هذه الدراسة وأَحَسّه محفوظ وهو يكتب رواياته ويتلقى رأى النقاد والقراء الذين يشاركونه الرؤية والرأى، فضلا عن الجائزة التى فاز بها وجلبت له ما جلبت من أموال وشهرة وتقدير، وإن شاب تلك النعم أحيانا المرض والألم والملل، فضلا عن أن جزءا من طبيعة الحياة يتمثل فى امتزاجها بالكَبَد والمشقة، لا فَكَاك من ذلك. ثم إن القسوة التى يرمى بها محفوظ الجبلاوى شىء، والشدة التى يأخذنا بها الله أحيانا شىء آخر. كذلك فإنه سبحانه وتعالى قد وعد بتعويضنا عن هذا الجانب المؤلم من الحياة بنعيم مقيم فى الدار الآخرة لقاء إيماننا به واجتهادنا فى عمل الصالحات وصبرنا على أكدار الحياة ومشقاتها. ولا شك أن إهمال نجيب محفوظ لجوانب الحياة المضيئة على ما يشوبها من كدر هو نقصان فى الصورة يعيب الرواية التى كتبها دون أدنى شك. وثم نقطة هامة أود ألا يفوتنى التنبيه إليها، ألا وهى أن مهمة جبل ورفاعة وقاسم، حسبما تحكى لنا الرواية، هى
(يُتْبَعُ)
(/)
المطالبة بنصيب المحرومين من الوقف، أى من خيرات الدنيا وثروة البلاد. لكن هذا ليس إلا أحد المطالب التى يحتاج إليها البشر وجاء بها النبى محمد عليه السلام، وإلا فهناك العلاقات الطيبة بين الناس والخلق الكريم وطلب العلم والتحلى بالذوق السليم ومراعاة قواعد اللياقة وغرس قيم الجمال والخير فى النفس والحرص على عدم تعريض الصحة لأى أذى وتربية الفرد والأمة على التطلع إلى الحرية والكرامة وتجهيز الأمة للدفاع عن نفسها ومكتسباتها والخيرات التى أفاضها الله عليها من أن يغتصبها مغتصب ... إلخ.
الحق أننى، رغم سعة صدرى وإعجابى بفن نجيب محفوظ، الذى أرى أنه يتفوق على كثير من الروائيين الموصوفين بالعالمية، وأن بعضا ممن أحرز جائزة نوبل لا يسامت قامته الفنية، لا أستطيع مع هذا أن أبتلع منه تلك الإهانات الموجهة للشخصيات التى ترمز لله وأنبيائه. نعم إنها رموز، لكننى أنظر فى الرواية فلا أستطيع أن أجد مسوغا واحدا يبرر هذا الذى صنعه محفوظ. ذلك أن النبى محمدا وصحابته مثلا لم يكونوا يتعاطَوْن قط شيئا من مغيِّبات العقل، فدين سيد المرسلين هو دين الصحو العقلى والأخلاقى الصارم، والمسكِرات فيه مجرَّمة تجريما لم تُجَرَّمْه فى أى دين أو مذهب آخر قديما أو حديثا. فما معنى الإصرار على تصويرهم بصورة الحشاشين؟ وحتى لو غضضنا النظر عن أن تلك الشخصيات إنما ترمز إلى النبى محمد وصحابته وقلنا إنهم مجرد مصلحين، فالواقع أنه لا يوجد رغم هذا ما يسوغ إدمانها للحشيش. ذلك أن الحشيش يتناقض مع الإصلاح والكفاح فى سبيل القيم والمبادئ الرفيعة. كذلك لم يكن يصح النيل من تلك الشخصيات النبيلة السامقة بكل هذا القدر من البذاءة المفحشة. لقد كان بإمكان محفوظ أن يورد رأى أعدائهم فيهم، لكنْ بغير هذا الأسلوب، وبخاصة أن أعداء النبى وأصحابه لم يلجأوا يوما إلى هذه اللغة الأوباشية. فهل يكون محفوظ ملكيا أكثر من الملك؟
لقد كان محفوظ، كما قرأنا، من الذين يتعاطَوْن الحشيش ويرتادون بيوت الدعارة ويدمنون التحلق حول موائد القمار يوما من الأيام، مثلما كان معروفا بنكاته وقفشاته العارية التى لاتوقر أحدا ولا شيئا، وكان عند كتابة "أولاد حارتنا" حديث عهد بذلك كله. وهذا هو السبب، فيما أرجِّح، لشيوع البذاءة وانتشار التحشيش وشرب البوظة فى الرواية. لكن كان يجب عليه أن ينسى حياته الشخصية ويراعى طبيعة الموضوع الذى يعالجه. بَيْدَ أنه لم يصنع شيئا من ذلك للأسف، وهى سقطة خطيرة. أما كلام الوردانى عن مجمع البحوث الإسلامية، وفيه مفكرون وكتّاب وأساتذة جامعيون ونقاد كبار كان ينبغى أن يجلس أمام كل منهم مجلس التلميذ ويقبّل يديه ظَهْرًا لبَطْنٍ، وبطنًا لظَهْر شكرًا لله أن أنعم عليه بتلك النعمة، ووَصْفُه ذلك المجمع بأنه "جهة لا يحق لها مناقشة عمل روائي" فلا أدرى من أين له كل تلك الثقة للنطق به. لكن نرجع ونقول إنه حقا زمن العجائب!
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[07 Aug 2008, 03:21 م]ـ
هذه أول مرة فى حياتى أنجح فيها فى دخول هذا المنتدى. وقد فوجئت بأن فى بريدى الخاص عددا من الرسائل التى تفضل أصحابها بكتابتها منذ زمن. وأحب أن أقول إن كل كتاب أو دراسة طلبها هذا الشخص أو ذاك موجود فى هذا المنتدى: المستشرقون والقرآن، ومحمد أسد، والمرايا المشوهة. ولكم تحياتى وشكرى واعتذارى عن عدم الرد طوال تلك الفترة للسبب السالف ذكره
ـ[نعيمان]ــــــــ[27 Dec 2008, 11:49 ص]ـ
(هذه أول مرة فى حياتى أنجح فيها فى دخول هذا المنتدى.)
لكل شيء بداية أيها الأستاذ المتميّز؛ حفظك الله ونفع بعلمك
وفتح عليك ونوّر بصيرتك، وكل جديد له رهبة، فإذا ما ألفناه زالت الرهبة عنه، وتحولت إلى رغبة آسرة لا تنفك عن صاحبها إذ وجد فيها بغيته(/)
الرد على شبهات الملحدين والمستشرقين والمبشرين > الشبهة الأولى:هل كان عليه السلام مخا
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[08 Aug 2008, 11:24 ص]ـ
الرد على شبهات الملحدين والمستشرقين والمبشرين
الشبهة الأولى: هل كان عليه الصلاة والسلام مخادعا كذابا؟
د. إبراهيم عوض
وُوجه الرسول عليه الصلاة والسلام من قبل كثير من الخلق من أول يوم دعا فيه علانية إلى الإسلام، ولا يزال حتى يومنا هذا يُوَاجَه، بالتكذيب. وقد سجل القرآن في أكثر من موضع هذا الاتهام الذي رماه به مشركو قومه وردده النصارى واليهود. أما بالنسبة لخارج المحيط العربي فيقرر «شارل لودي» أن حكم الرومان عليه كان شديد القسوة، إذ اتهموه بأنه استولى على أموال خديجة وماشيتها، ولما افتضح أنه مصاب بالصرع أراد أن يواسيها، فزعم لها أن جبريل ينزل عليه بالوحي من السماء (1). وإذ غضضنا الآن البصر عن تهمة الصرع (لأننا سنعالجها مع غيرها من الاتهامات التي تشكك في صحته الجسدية أو النفسية والعقلية في فصل لاحق) تتبقى أمامنا تهمة الكذب واضحة لا تحتمل لبسًا. وليس الكُتَّاب الرومانيون القدماء هم وحدهم من بين الغربيين الذين يرمون الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه التهمة، فإن طائفة كبيرة من المستشرقين، نصاراهم ويهودهم وعقلانييهم، يدعون أن القرآن هو اختراع محمدي نسبه «محمد» إلى الله (2)، وإن دفع بعضهم عن رسولنا هذه التهمة، كما فعل الكاتب البريطاني «توماس كارلايل» حين ساق ما زعمه «براديه» من أن القرآن طائفة من الأخاديع لفقها «محمد» ليسوِّغ ما اقترفه لبلوغ مطامعه (3). وقد بنى «كارلايل» دفاعه على أساس أن الإسلام لو كان دينا كاذبا لما استطاع أن يعيش طيلة هذه القرون تعتنقه كل هذه الملايين (4)، وكذلك على أساس أن محمدا لم يحاول، وهو في حرارة الشباب، أن يحدث ضجة جريا وراء الشهرة بل عاش مع زوجته عيشة هادئة (5)، أما «ألفريد جيوم» فإنه ينفي الكذب والادعاء عن الرسول، إذ يطبق عليه المقياس الذي يقاس به صدق النبي عند بني إسرائيل، وهو يتلخص في القول الثائر الملتهب، والشعر (6)، والإنشغال التام بالله والقضايا الأخلاقية، والشعور بأن ثمة ضغطا يسوقه سوقا لإعلان كلمة الله، فيجد أن هذه العلامات جميعها ظاهرة في حالة الرسول «محمد» عليه الصلاة والسلام. كما يرى في شكوكه عليه الصلاة والسلام في مصدر الوحي في أول الدعوة ومحاولته الانتحار دليلا قويا على صدقه، مقارنا إياه في هذا بالنبي أرميا (7). وبالمثل يؤكد «جب» أن محمدا كان مقتنعا تماما بأنه مبعوث من لدن رب العالمين (8).
وإلى جانب هذين الرأيين المتقابلين ثمة رأي ثالث يفرقُ بين الدعوة في مكة والدعوة في المدينة: ففي المرحلة الأولى كان «محمد» مخلصًا صادقًا: يتضح صدقه وإخلاصه في تحمسه الشديد، وتحمله المشاق، وإقناعه الأغنياء من أتباعه بالتواضع للفقراء والجلوس معهم. . . إلخ. أما في الثانية فقد أعماه نجاحه لدرجة أنه أخذ يخترع الوحي تلو الوحي لتحقيق شهواته وتسويغ انتهازيته. وهذا هو السبب، في نظر أصحاب هذا الرأي، في أن القرآن مليء بالمتناقضات والمزاعم الكاذبة (9).
والمقصود بالمزاعم الكاذبة هنا أن للرسول الحق في الاحتفاظ بأكثر من أربع زوجات، وأن «إبراهيم» هو الذي بنى الكعبة. . . إلخ. ومن أنصار هذا الرأي الكاتب الأمريكي الشهير «واشنجتن إرفنج»، الذي يرد على من اتهموا النبي عليه الصلاة والسلام بالزيف بأن النصف الأول من دعوته يكذب هذه التهمة، إذ ما الذي كان يبتغيه؟ أهو المال؟ لقد كان مال خديجة بين يديه، وهو من جهته لم يكن حريصا على الاستزادة منه. أهو الشرف إذن؟ لقد كان شريفًا في قومه، مُحترَما لذكائه وأمانته ومكانة أسرته، التي كان بيدها مقاليد الكعبة، فلِمَ يغامر بفقدان هذا كله في وقت كان يصعب عليه فيه بناء ثروته من جديد، وهو الذي فقد ماله كما فقد أصدقاؤه مالهم في سبيل الدعوة؟ ثم يمضي متسائلًا: لماذا يتحمل كل ألوان الاضطهاد إذن إذا كان نبيا زائفًا؟ (10) أما في المدينة فقد تغير، في نظر الكاتب الأمريكي، هذا كله، إذ بعد أن كان كل همه عليه الصلاة والسلام أن يجد من يحميه إذا به يرى أتباعه يقدسونه ويرى حوله جموعا بها رغبة إلى الحرب. عندئذ ثار طموحه الدنيوي وأصبح القرآن يسوغ له كل شيء، ووقع في كثير من المتناقضات.
(يُتْبَعُ)
(/)
باختصار: زال عنه صدقه وإخلاصه (11).
هذه هي النظرية الأولى التي حاول ومازال يحاول غير المسلمين تفسير ظاهرة الوحي القرآني بها. ولقد رد القرآن هذه التهمة عن الرسول وبين الباعث عليها، وذلك في الآية 33 من سورة «الأنعام» إذ يقول: {فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}. بيد أننا لن نلجأ هنا إلى مثل هذه الآية، وإلا كان هذا مصادرة منا على المطلوب، فإن علينا أولًا أن نتأكد بالدليل القاطع من أن القرآن ليس اختراعا محمديا، وإلا كان «محمد» هنا، وهو المتهم بالكذب والتلفيق، يشهد لنفسه، وهى شهادة بالطبع مردودة، بل سوف نلجأ في مناقشتنا لهذه النظرية إلى سيرة الرسول في مصادرها الأولى، متتبعين ملامح شخصيته عن كَثَب، غير ملقين بالًا، من أخبار حياته وأخلاقه، إلا لما لاح عليه نور الصدق بمنطق العقل المجرد. وسوف نحاول أن تكون الزوايا التي ننظر منها إلى شخصيته والموازين التي نقيس بها أعماله عليه الصلاة والسلام زوايا وموازين جديدة بقدر الإمكان حتى لا تتحول هذه الدراسة إلى مجرد مضغ لآراء من سبقونا من الكتاب والمفكرين، وإن لم نقصد بأي حال من الأحوال، في ذات الوقت، أن نغمطهم حقوقهم، فمن المؤكد أننا لولاهم ما كنا ببالغي شيء مما بلغناه في هذه الدراسة.
لقد اشتهر الرسول بين قومه بالصدق والأمانة حتى لقد لقبوه بالأمين، ولم أجد أحدا من المستشرقين شاح في هذا. والملاحظ أنه عليه الصلاة والسلام، حين أعلن دعوته لعشيرته الأقربين أول مرة، قد اعتمد على استفاضة هذه الشهرة فيهم فلم يشأ أن يفاجئهم بالدعوة إلى الدين الجديد قبل أن يحصل على اعترافهم الصريح بصدقه وأمانته، إذ سألهم وهو واقف فوق أحد المرتفعات المحيطة بمكة: "أرأيتم لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلًا (يقصد: خيلًا مغيرة عليهم) أكنتم مصدقيّ؟» فردوا جميعا في نفس واحد: «نعم» عندئذ دعاهم إلى الإسلام. لكنهم، ولما تنفض ثوانٍ على إقرارهم بصدقه وأمانته، عادوا فسفهوا حِلمه وانفضوا عنه (12). وقد كان «أبو بكر» نسابة يعلم ماضي كل إنسان في قريش وأسرته وأخلاقه، فلو كان يعرف أقل مغمز في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ما دخل في الإسلام، فضلا عن أن يدخل فيه بدون ذرة من تردد (13).
وقد بلغ من ثقتهم به أنهم كانوا يأتمنونه على أموالهم وودائعهم حتى بعد البعثة واستحكام عداوتهم له. ولو كان المؤتمن أحدًا آخر غير «محمد» لكان خليقا أن يحمل معه هذه الودائع ليلة الهجرة بعد أن وصلت هذه العداوة حد التآمر الخسيس على قتله. لكنه، وهو الصادق الأمين بحق، لم يستحل لنفسه منها دانقا، بل خلف وراءه ابن عمه وربيبه عليا، وكان لا يزال صبيا، فنام في فراشه تضليلا لهم حتى أصبح الصباح فغدا عليهم فسلم لكل منهم ما كان ائتمن عليه «محمدًا» عليه الصلاة والسلام (14). وهذه الأمانة وهذا الصدق في التعامل مع الناس لم يزايلاه لحظة واحدة طول حياته لا في مكة ولا في المدينة، على عكس ما يزعمه هؤلاء المستشرقون من أن تيار الأحداث بعد الهجرة قد جرفه بعيدا عما كان يحرص على الاستمساك به من مثالية في مطالع الدعوة. ولنترك «ابن هشام» يرو عن «ابن إسحاق» بأسلوبه البسيط التلقائي القصة التالية: «قال ابن إسحاق: وكان من حديث الأسود الراعي، فيما بلغني، أنه أتى رسول صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خبير، ومعه غنم له كان فيها أجيرًا لرجل من يهود، فقال: يا رسول الله، اعرض علىّ الإسلام، فعرضه عليه، فأسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ويعرضه عليه. فلما أسلم قال: يا رسول الله، إني كنت أجيرًا لصاحب هذه الغنم، وهى أمانة عندي، فكيف أصنع بها؟ قال: اضرب في وجوهها، فإنها سترجع إلى ربها، أو كما قال، فقال الأسود: فأخذ حفنة من الحصا فرمى بها في وجوهها وقال: ارجعي إلى صاحبك، فوالله لا أصحبك أبدا. فخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن، ثم تقدم إلى الحصن ليقاتل مع المسلمين فأصابه حجر فقتله. . . إلخ» (15). والشاهد في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد أن يلوث مسلم جديد إسلامه بمثل هذه الخيانة، مع العلم بأنه بعد انتصاره علي يهود خيبر قد حاز من أموالهم وأرضيهم وماشيتهم أضعافا أضعاف هذا القطيع من الغنم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن غنم الأموال في حرب شريفة شئ، واتخاذ الدخول في الإسلام تكأة لمثل هذا الاستيلاء الغادر عليها شيء آخر لا تقبله أخلاق الصادقين المطبوعين على الأمانة والوفاء حتى مع ألدَّ الأعداء.
وقد كان موقفه عليه الصلاة والسلام، حين نزل عليه الوحي أول مرة، دليلا من دلائل صدقه التي لا تقبل المماراة. لقد شك في مصدر هذا الوحي ورعب منه. وقصته حين عاد من الغار إلى بيته ليلا وهو يهتف: «دثروني. دثروني» أشهر من أن نحتاج إلى سوقها بالتفصيل (16). ووجه العبرة فيها، فيما نحن بصدده، أنه لو كان كاذبا في أمر جبريل والوحي لكانت له في ميدان الكذب مراغم واسعة يستطيع أن يصول فيها و يجول كيفما شاء. لقد كان الأحرى به، لو كان مزيفا دجالا، أن يدعي أن جبريل، بدلا من أن يغطه مرات ثلاثا حتى كادت روحه أن تزهق، قد أخذ بيده أخذا رفيقا حانيا، وسمر معه سمر الأصدقاء المتفاهمين بدلا من هذا الأمر الخاطف الجازم الذي لم يستطع صلى الله عليه وسلم أن يفهم كنهه ولا المقصود به: «اقرأ». كذلك كان الأحرى به عندئذ أن يعود إلى بيته مبتسما منشرح الصدر. أليس يزعم أنه قد نزل عليه وحي من عند رب العالمين؟ إذن فقد اصطفاه هذا الرب خليلا ورسولًا، وإذن فالنتيجة المنطقية لهذه الكذبة العريضة أن يشفعها بكذبة أخرى عريضة مثلها تبين كيف أن ربه تجلى له شخصيا، وكلمه مشافهة، وربت علي كتفه. . . إلى آخر هذا الهراء الذي هو بالكاذبين الدجالين أقمن، وبصدوره عن عقولهم ونفوسهم الملتوية أشبه (17).
إننا حين نسوق هذا الدليل لا نفعل ذلك لمجرد أننا مسلمون، فقد قمت بهذه الدراسة المضنية لتبرئة ضميري أمام نفسي وربي أ ولا وقبل كل شيء، لأني أحب أن أتثبت من كل ما أعتقد أنه حق على قدر ما تسع طاقتي العقلية والنفسية من بحث وتقص وتقليب للأمر على وجوهه المختلفة. ثم إننا قد رأينا «ألفريد جيوم»، و هو مستشرق بريطاني لا يؤمن بنبوة «محمد» عليه الصلاة والسلام، يعتمد هذا المقياس دليلا على صدقه ورغبته في التثبت من أن ما تجلى له في غار حراء إنما هو حق لا ريب فيه. و ها هو ذا «واشنجتن إرفنج» أيضا يستخدم هذا المقياس ذاته دليلا على صدقه و أنه لم يشأ أن يستسلم من فوره لما كان يمكن، من باب الاحتمال العقلي المجرد، أن يكون ضربا من الوهم (18). ليس ذلك فحسب، فإن «مكسيم رودنسون»، وهو الشيوعي الذي لا يؤمن أصلا بقوى روحية ويرجع بكل شيء إلى البيئة المادية أو أ ثرها في النفس الإنسانية، لا يفوته أن يبرز هذه النقطة، إذ يعترف بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد شك طويلا قبل أن يطمئن إلى أن الذي يأتيه هو وحي من عند الله (19). وهذا الشك وهذه الرغبة في التثبت هما بدورهما دليل قوي لا يمكن رده على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتطلع قبل الوحي إلي أن يكون رسولا، وذلك خلافا لما يدعيه بلا برهان بعض المستشرقين من أن حادثة نقل الحجر الأسود جعلته يعتقد أنه مدعوّ لحمل رسالة (20)، إذ فضلا عن أ ن أحدا منهم لم يورد من حياة الرسول ولا تصرفاته دليلا واحدا ولو متهافتا على ذلك، فإن استعانة قريش بمحمد، عن طريق المصادفة المحضة، في فض خصومتهم حول نقل الحجر الأسود، لا يمكن أن تستتبع منطقيا اعتقاده في كون ذلك نذيرا بأنه مدعو لحمل رسالة ما. إن عقل «محمد» لم يكن في يوم من الأيام بهذا التهافت ولا بهذه الفسولة في الربط بين المقدمات ونتائجها. ويتصل بهذا مسألة فتور الوحي بعد الدفقة الأولى إلى الدرجة التي وجدها قومه فرصة لإيذاء مشاعره مدّعين أن شيطانه قد هجره (21)، فينزل الوحي مطمئنًا الرسول إلى أن حب ربه له باق لم يتغير، مما يدل على أن أثر هذا الادعاء قد وجد إلى قلبه سبيلًا. ترى لو كان كاذبًا دجالًا فما الذي يجعله يتوقف عن ادعاء الوحي ولو باللغو الفارغ من القول أو بتدبيج المدائح الإلهية الملفقة في شخصه؟ ولو افترضنا أنه قد فاته هذا فَلِم يتأثر بمثل هذا الادعاء كما تشي بذلك سورة «الضحى» مادام يعلم من نفسه أنه كاذب وأن الأمر كله لا يعدو تلفيقًا في تلفيق؟ إن ما داخله من حزن بسبب تقوُّلات قريش عنه إنما هو حزن الصادقين. إن هذه السورة ليست دفاعًا عن «محمد» ولا مدحًا له ولا شتمًا لأعدائه، وإنما هي طمأنة له في جملة قصيرة: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} «الضحى، آية 3»، وتذكير بنعمة الله عليه وأنه
(يُتْبَعُ)
(/)
كان يتيمًا فآواه الله، ضالًا فهداه سبحانه. . . إلخ. وكيفما كان معنى الضلالة والهداية هنا فإن هذا الكلام هو آخر شيء يمكن أن يصدر عن كاذب محتال في مثل هذا الموقف. ثم بعد الطمأنينة والتذكير تأتي الأوامر الإلهية التي نحس فيها نبرة علوية لا يمكن أن تكون صادرة منه عليه السلام إلى نفسه. وعندما تتجلى مرحلة القلق الأولى بشكوكها وتوتُّراتها نجد «محمدًا» عليه الصلاة والسلام طيلة حياته قوي الإيمان بربه وبرسالته، عميق اليقين والاطمئنان لدرجة مذهلة. إنه برغم ألوان الأذى التي صُبَّت عليه وعلى أتباعه على قلتهم وغربتهم في بلدهم، وبرغم صنوف المؤامرات وتتالي الحروب التي فُرض عليه خوضها ضد جميع القوى في الجزيرة العربية وخارجها بعد هجرته إلى المدينة، فإنه عليه صلوات الله وسلامه لم يتزحزح قيد شعرة عن شيء من معتقداته. ثم إنه لو كان دجالًا مخادعًا فما الذي أجبره أن يبقى في مكة وحيدًا مع «أبي بكر» و «عليٍّ» حتى هاجر كل من أراد الهجرة؟ لماذا لم ينجُ بجلده أولًا؟ وليَنْجُ من يريد أن ينجو بعد ذلك؟ (22)
وإذا كان «إرفنج» قد جعل أحد ركائز اقتناعه بإخلاص الرسول وصدقه في المرحلة المكية تَحملُّه عليه السلام لألوان الاضطهاد المختلفة (23)، فإن مستشرقين آخرين يهوِّنون من مسألة الاضطهاد هذه ويقولون إنها قد بولغ فيها كثيرًا. وفي رأيهم أنه لو كان ثمة اضطهاد بهذه الدرجة لانتقمت للمسلمين قبائلهم جريًا على عادة العرب في تعصب كل قبيلة لأبنائها.
وهؤلاء المستشرقون ينسون أن هذا التعصب لم يمنع أبا لهب مثلًا وزوجته من إيذاء النبي والتحريض عليه، ولا «عمر» من البطش بأخته وزوجها، الذي كان هو أيضًا من أقربائه الأدنيين، وأين؟ في بيتهما. كذلك لم يمنع هذا التعصب قريشًا أن تقاطع بني هاشم وتحاصرهم في شعب أبي طالب أشهرًا عدة ثقالًا باهظات. أم هل ينبغي أن نكذب هذا كله ونكذب كذلك الحجارة التي رشقه بها، وهم يطاردونه، صبيان الطائف وعبيدهم وسفهاؤهم، ولا أحد من سادتهم يتدخل لمنعهم ولو من باب المجاملة الكاذبة؟ ثم هل ينبغي علينا أيضًا يا ترى أن ننبذ ما جاء في القرآن عن ائتمارهم به ليقتلوه عليه السلام؟ «الأنفال/30». لقد نسي هذا الفريق من الكُتّاب (24) أن القبيلة العربية كانت تخلع عنها من يخرج على تقاليدها وأعرافها. وأي خروج على هذه الأعراف والتقاليد أشنع في نظرهم من دين يسفه أحلامهم وأحلام آبائهم من قبلهم، ويسخر من أسلوب حياتهم وأصنامهم ومعتقداتهم التي ضربت بجذورها الحديدية في نفوسهم جيلًا بعد جيل؟ لقد بلغ من إصرار قريش على محاربة الإسلام وأتباعه أن تعقبتهم خارج حدود الجزيرة العربية حين تركوا لها الجمل بما حمل وفروا إلى الحبشة نجاة بحريتهم في الاعتقاد وبحياتهم وأولادهم، فأرسلت إلى النجاشي تحاول، عن طريق الهدايا والتملق والإيقاع بينه وبين هؤلاء المهاجرين المستضعفين، إقناعه بإرجاعهم إلى بلادهم. ولا أظن عاقلًا يتوهم ولو للحظة أن قريشًا كانت حريصة على استعادتهم لتفرغ عليهم حنانها وتذرف دموع الندم عند أقدامهم. ولولا أن النجاشي كان ملكًا عادلًا ومتعاطفًا مع هؤلاء المساكين لدرجة أنه دخل معهم في دينهم لعادوا كرة أخرى إلى التضييق والتعذيب. ومما يعطيك فكرة عن مدى خوف هؤلاء المهاجرين من قريش أنهم لم يرجعوا نهائيًّا إلى إخوانهم المسلمين إلا بعد أن هاجر هؤلاء إلى المدينة بعد سنين وأصبحت لهم دولة وشوكة (25).
أما في المدينة فكلنا يعرف أن حياة الرسول والمسلمين كانت كلها كفاحًا متصلًا ضد قوى الكفر والطغيان والنفاق سواء أكان ذلك في داخل المدينة أم خارجها، وفي نطاق الجزيرة العربية أم على تخومها مع الدولة البيزنطية. إن المستشرقين عادة ما يتهمون الرسول بالعدوان على الآخرين، ولكن وقائع التاريخ تكذب ذلك (26).
(يُتْبَعُ)
(/)
ترى لو كان الرسول كاذبًا فما الذي يضطره لتحمل كل هذا العناء والاضطهاد والاستهداف لعدوان قوى الشر وتآمرها عليه؟ إن آية صدقه أنه ظل وفيًا لعقيدته رغم هذه المحن المتلاحقة، سواء في حالة الضعف والتعرض للإيذاء أو في حالة القوة والمقدرة على رد العدوان، فلم يهن ولم يتبدل. ولو كان كاذبًا لنكّل عن هذا الطريق بعد قليل. ومع ذلك فإن المستشرقين يأبون إلا أن يتهموه في قوة إيمانه برسالته وبالوحدانية المطلقة التي هي محور هذا الرسالة، متشبثين في ذلك تشبثًا غريبًا برواية ضعيفة لا تثبت على محك النقد التاريخي أو المنطقي تزعم أنه عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام قد قدم لقومه بعض التنازلات المتعلقة بعقيدة الوحدانية بُغية كسبهم على صفه، وذلك بعد ما يئس من أن يتبعوا دينه على ما هو عليه من عداء للأصنام والوثنية، فأورد آيتين يمجد فيهما اللات والعزى ومناة ويعلن أنها مناط الشفاعة يوم القيامة. ويستبعد «ألفريد جيوم» أن تكون هذه الرواية مصنوعة، وإلا كان معنى ذلك أن المسلمين قد أرادوا الإساءة إلى الإسلام والرسول، وهو ما يستبعد العقل صدوره من المسلمين المخلصين كما يقول (27). أما «مكسيم رودنسون» فإنه يورد القصة بشيء من التفصيل بناء على بعض المرويات الإسلامية، ثم يعقب عليها بقوله إن القرشيين عندما سمعوا هذه الآية (يقصد هاتين الآيتين) سُروا سرورًا عظيمًا وسجدوا جميعًا مسلمين ومشركين (28).
وقبل أن نناقش هذه الآراء أحب ألا تفوتني الإشارة إلى أن بعض المستشرقين، مثل «كايتاني»، المستشرق الإيطالي، قد رفضوا قبول هذه الرواية (29)، وهو ما يأخذ به المسلمون بعامة، وبخاصة المعاصرون منهم: تقليديوهم وعقلانيوهم على السواء (30). والآن إلى مناقشة هذه الرواية. وأول شيء أفضل أن أتناوله هو ما ساقه «جيوم» مما ظنه حجة قاطعة على صحتها، إذ ما أدراه أن المسلمين المخلصين هم الذين وضعوا هذه القصة؟ إن ابن إسحاق بن خزيمة قد عزاها دون تردد إلى بعض الزنادقة (31)، علاوة على أنها لم ترد في «ابن هشام» ولا في أي من كتب الصحاح على هذا النحو. ومع ذلك فإني لن أعتمد على شيء من هذا. إنما سأعتمد على التحليل المنطقي لمضمون الرواية ذاتها وللملابسات التاريخية التي أحاطت بأحداثها، وهو منهجي العام في هذه الدراسة بل في كل ما أكتبه عادة. إننا لو أعدنا قراءة ما كتبه «رودنسون» في هذه المسألة فسنجد أن المسلمين والمشركين جميعًا لدى سماعهم هاتين الآيتين قد خروا على الأرض سجدًا بهجة وسرورًا. وإني في الحقيقة لا أدري كيف ولا لِمَ يسجد هؤلاء أو أولئك عند هاتين الآيتين: فأما المشركون فإني لم أقرأ قط أنهم كانوا يسجدون لأصنامهم. وإليك القرآن، وإليك «ابن هشام»، وقد تناول عبادة الأوثان في جزيرة العرب بالتفصيل، وإليك كذلك «ابن الكلبي»، الذي خص هذا الموضوع بكتاب مستقل وهو «الأصنام» وقلّب هذه المصادر كلها على مهل كما يحلو لك، فلن تجد أن مشركًا قد سجد لصنم. لقد كانوا يطوفون بالحجارة والأصنام والكعبة. وكانوا يبنون البيوت لهذه الأصنام ويعينون لها السدنة، ويهدون إليها، ويتقربون إليها بالذبائح، ويقسمون لها من أنعامهم وحرثهم، ويحجون إليها ويحلقون رؤوسهم عندها، ويتمسحون بها، ويجعلون ما حولها حمى، ويستقسمون لديها بالقداح، ويقسمون بها ويتسمون بعبد اللات وعبد مناة. . إلخ. ولكن لم يرد في أي منهم أنهم كانوا يسجدون لصنم أو وثن ولا حتى في الكعبة. فإذا كانوا لا يسجدون عندها فكيف سجدوا إذن عند مجرد سماعهم أسماء اللات والعزى ومناة في آية قرآنية؟ والمسلمون: ما الذي يجعلهم يسجدون عند ذكر هاتين الآيتين؟ إن هاتين الآيتين ليستا موضع سجدة، ومواضع السجدة في القرآن معروفة ولها قاعدتها التي لا تنطبق على هاتين الآيتين ولا على الآيات التي نزلت بعد ذلك، بناء على هذه الرواية لتنسخها. والعجيب أن «رودنسون»، الذي تحمس تحمسًا شديدًا لنقل هذه الرواية وما جاء فيها من أن القرشيين جميعًا، مسلمين ومشركين، قد سجدوا لدى سماعهم هاتين الآيتين، يعود بعد أقل من صفحة فيعزو رجوع «محمد» عليه السلام عن هذا التخاذل إلى تمرد المسلمين وحنقهم، وهو ما لم يحدث. فهل ثمة اضطراب في الرواية أشنع من ذلك؟ (32) هذا على الرواية كما عرضها «رودنسون»، أما الدكتور «هيكل»، فيقول إن الرسول بعد أن تلا الآيتين
(يُتْبَعُ)
(/)
موضوع بحثنا مضى وقرأ السورة كلها وسجد في آخرها. هنالك سجد القوم جميعًا لم يتخلف منهم أحد، وأعلنت قريش رضاها عما تلا النبي وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده. أما إذ جعلت لها نصيبًا فنحن معك. وبذلك زال وجه الخلاف بينه وبينهم (33). فالسجود إذن، على هذه الرواية، لم يقع إلا في آخر السورة، أي عند قوله تعالى: {فاسجدوا لله واعبدوا} لا عند سماع الحاضرين الآيتين المشار إليهما. وهو على هذا النحو مفهوم من المسلمين، أما من المشركين فكلا، إذ إنهم لم يتعودوا السجود لأصنامهم ولا لله، وليس يعقل أن ينقلبوا هذا الانقلاب الفجائي لمجرد أن «محمدًا» عليه الصلاة والسلام ذكر بعض أصنامهم بخير. على أن هذا، برغم كل شئ، لا يهمني كثيرًا، بل المهم هو أن السورة كلها من أول آية فيها إلى الآية الأخيرة ترفض هاتين الآيتين بعنف كما يرفض الجسم عضوا غريبًا عنه لا يمكنه التفاعل معه. إن الدكتور هيكل يرد هاتين الآيتين لأن الآيات التي تتلوهما تجري هكذا: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}. وهي، كما ترى، تعيب هذه الأصنام، فكيف يتعاقب مدح وذم على هذا النحو؟ (34) والحقيقة أنه لا يُسْتَبْعَدُ أن يرد موردو هذه الرواية ومشايعوهم بأن هذه الآيات الثلاث إنما جاءت في موضع الآيتين المشار إليهما فنسختهما، ولم تكن موجودة منذ البداية (35). ومن ثم فإني لا أعول كثيرًا على التناقض بين الآيات المتعاقبة التي تتحدث عن اللات والعزى ومناة مدحًا وقدحًا قدر تعويلي على تحليل مضمون السورة كلها والجو النفسي الذي يخيم عليها من مفتتحها إلى مختتمها، وهو جو عداءٍ مستحكم بين الرسول وقومه: فالآيات (1 - 18) ترد على تكذيب قريش للنبي عليه الصلاة والسلام ورميهم إياه بالضلالة والغواية واتِّباع الهوى. وإن القارئ المتذوق ليلمح عنف الرد في قسمه سبحانه بـ {النجم إذا هوى}، الذي يشير في رأيي إلى تهديد القرآن لمشركي مكة بأنهم سيلاقون مصير النجوم حين تنخلع من مداراتها التي كانت مستقرة فيها على مدى الأحقاب المتطاولة وتهوى متبددة في الفضاء اللانهائي. كذلك يتبدى عنف الرد في التفصيل الذي تحدثت به الآيات عن تجلي الوحي للرسول، وفي تعدد الصفات التي وُصِفَ بها جبريل عليه السلام، وفي إعادة التأكيد على أن ما رآه «محمد» عليه الصلاة والسلام حين نزول الوحي عليه إنما هو حقٌّ لا مرية فيه. ولا يفوتَنَّ القارئ إشارةُ الآيات الأخيرة من هذه المجموعة (13 – 18) إلى حادثة المعراج، وهي الحادثة التي كذب بها أهل مكة تكذيبًا شديدًا. وإذا قفزنا فوق الآيات التي تتحدث عن الأصنام الثلاثة، فإننا سنجد أن الله عز وجلَّ ينفي أن يكون لملك من الملائكة أية شفاعة إلا بعد إذن الله ورضاه، ثم تعود الآيات فتتهكم بمن يؤنثون الملائكة بلا علم أو تثبت، وتأمر الرسول بالإعراض عنهم لتوليهم عن ذكر الله ولهاثهم وراء الحياة الدنيا (36). أما الآيات (33 – 58)، فإنها تتحدث عن أحد القرشيين المفتونين بثرواتهم والباخلين مع ذلك بها، وتقرعه تقريعا شديدا، مسفهةً اعتقاده المنحرف في الجزاء والمسئولية الأخلاقية، ومهددة إياه بمثل مصائر عاد وثمود وقوم نوح، ومعلنة بصوت مجلجل أن هذا ليس إلا نذيرًا من النذر الأولى وأن ساعة الغضب الإلهي والعقاب المزلزل قد دنت. ثم تنتهي السورة بالتعجب من تكذيب قريش للرسول وللقرآن وتصلُّب قلوبهم حتى إنهم ليضحكون ولا يبكون، وتأمرهم أمر تقريع وتهديدبأن {اسجدوا لله واعبدوا}. أيمكن أن يرد في مثل هذا السياق الفكري والنفسي آيات تمجد بعض آلهة قريش؟ إن ذلك هو المستحيل بعينه. ثم لو قبلنا جدلا أن هذا ممكن، فكيف فات قريشًا أن السورة جمعاء هي حملة عنيفة عليهم وعلى موقفهم من الدعوة الجديدة وتسفيه لعقولهم وتهديد جليٍّ لهم، وانخدعوا ببعض كلمات معسولة عن آلهتهم وسجدوا مع المسلمين؟ فهذه واحدة. والثانية أن الآيتين المزعومتين تجعلان الآلهة الثلاث مناطا للشفاعة يوم القيامة، وهو ما لم يسنده القرآن على
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا النحو لأي كائن مهما تكن منزلته عند الله. ولماذا نذهب بعيدًا وثمة آية في سورة «النجم» ذاتها لا يفصِلُها عن الآيتين المزعومتين إلا خمس آيات جدُّ قصيرة، نصها كالآتي: {وكم من مَلَكٍ في السموات لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى؟} (النجم/26). فكيف يقال هذا عن الملائكة في ذات الوقت الذي تؤكد فيه إحدى الآيتين المزعومتين أن شفاعة الأصنام الثلاثة السالف ذكرها جديرة بالرجاء من غير تعليقٍ لها على إذن الله؟
أما النقطة الثالثة فهي أن الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم لم يكن من شيمته التردد حتى يقال إنه قد تذبذبت قدماه في منتصف الطريق وتراجع عن بعض مبادئه. إن صلابة استمساكه بدينه لهي مضرب المثل في صفاء اليقين والشجاعة المثلى. بل إنه لم يؤثر عنه مثل هذا التذبذب ولا في الحرب حيث يعيد الإنسان دائمًا حساباته. ولقد رأيناه (وقد لبس لأمَتَه ووافق على الخروج لملاقاة مشركي قريش خارج المدينة عندما عزموا على مهاجمتها في غزوة أحد، وكان يرى البقاء فيها والتحصن بداخلها) يرفض الرجوع حين أبدى الندم من خالفوه في التحصن داخل المدينة، قائلًا قولته الشهيرة: «ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» (37) فما عدا إذن مما بدا؟ ومن قَبْلُ ترجَّاه عمه أبو طالب أكثر من مرة أن يخفف من موقفه تجاه الأصنام وعُبَّادها فرفض رفضا قاطعا وصاح قائلًا: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته» (38). أفبعد أن عضده عمه كل هذه المدة، وبعد أن وقف معه بنو هاشم وبنو عبد المطلب مسلمُهم وكافرهم (إلا أبا لهب) وتحمَّلوا من أجله قسوة الحصار والمقاطعة في الشِّعب شهورًا عددا، يتراجع هو هذا التراجع المشين؟ ومتى؟ بعد أن أعزَّ الله الإسلام بدخول اثنين من صناديد مكة فيه: «عمر بن الخطاب» (39) وحمزة بن عبد المطلب، وأخذ يفشو بين القبائل. ثم ما الذي دفعه إلى هذا التنازل وقد أتاه عتبة بن ربيعة موفدا من زعماء قريش يعرض عليه، على طبق من ذهب، المال والرئاسة فرفض أن يجيبه، مكتفيًا بقراءة صدر سورة «السجدة» بآياته التي زلزلت قلب عتبة حتى لقد رجع إلى أصحابه بوجه غير الذي انصرف به عنهم؟ (40) إن الرسول لم يتساهل يوما في مسألة التوحيد، حتى ولا عندما كانت العرب تتهاوى أمام دعوة الإسلام قبيلة إثر قبيلة، واتضح تماما أن دين الله غالب لا شك في ذلك. لقد أعفى قوما من الالتزام بخمس صلوات كاملات، ولكنه لم يوافق ثقيفا على أن يبقي لها وثنها ولو شهرًا واحدًا يستطيع بعده أن يفعل به ما يشاء (41). إنه لم يشأ التدرج في هذه المسألة مع ما عُرِف عنه من أنه كان كثيرا ما يأخذ الناس به. فإذا كان لم يوافق على شئ من ذلك، وهو أقل ألف مرة من تمجيده بنفسه وفي قرآنه اللات والعزى ومناة واعترافه بأن شفاعتهن مرتجاة، وكان ذلك في أواخر حياته وتمكُّن سلطانه واطمئنانه إلى أنه لا ردة بعد ذلك إلى الوثنية، فكيف مالأَ الكفار على وثنيتهم وهو لا يزال في أول الطريق وكله حماسة ونار مشتعلة؟ ثم أيكون أتباعه يستمدون منه الثقة والإيمان والصبر على البلاء؟ لقد صمدوا في وجه المؤامرة التي دبرها لهم رسولا قريش عند النجاشي وبطارقته، إذ جئ بهم ليعرضوا على الملإ في البلاط الملكي دينهم وعقيدتهم في عيسى عليه السلام فلم يكتموا منها حرفا وهم الأغراب المشردون المحتاجون إلى تملق مشاعر مضيِّفيهم ولو عن طريق التعبير الروَّاغ عن رأي الإسلام في المسيح صلوات الله وسلامه عليه.
لقد ذكر ابن السائب الكلبي في الصفحة التاسعة عشرة من كتاب «الأصنام» أن قريشًا كانت تطوف بالكعبة وتقول: «واللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، فإنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى»، وأنها كانت تعتقد أنهن بنات الله (عز وجل عن ذلك)، وأنهن يشفعن إليه، فلما بعث الله ورسوله، أنزل عليه: {أفرأيتم اللات والعزى*ومناة الثالثة الأخرى*ألكم الذكر وله الأنثى*تلك إذن قسمة ضيزى*إن هي إلا أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}. والحقيقة أن هذا هو الأشبه بأن يكون هو الصواب. ويبدو أن أحد الزنادقة قد أخذ هذه الرواية وحرفها، واضعًا كلام قريش في أصنامها على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام. ولنفترض أننا بعد هذا كله قد ضربنا
(يُتْبَعُ)
(/)
عُرْضَ الحائط بكل هذا التحليل التاريخيّ والنصيّ، وقلنا إن هذه الآيات قد جرت فعلا على لسان الرسول، فهل يعني ذلك تذبذبا في إيمانه؟ أم هل الأحرى أن نفسها بأنها زلة لسان مما نقع فيه جميعًا كل يوم، وعذره أن هذه الكلمات المزعومة، من كثرة ما كان القرشيون يرددونها أمامه، قد علقت بذهنه فجرى بها لسانه في لحظة من لحظات السهو ولكنه سرعان ما تنبه لها فتراجع عنها قبل أن تلصق بدينه؟ أقول هذا برغم تفنيدي لها، وذلك قطعا للطريق على ذوي اللجاجة المكابرين. ولكي أخفف المسألة على ضمير المسلم أذكره بزلة اللسان التي وقع فيها أحد المؤمنين الأتقياء، وكانت قد ضلت ناقته كما جاء في الحديث الشريف، فلما وجدها انطلق لسانه ليشكر ربه، الذي ردها عليه، فإذا به من شدة الفرحة يضطرب قائلًا: «شكرا يا عبدي! أنا ربك»، والمقصود العكس طبعًا. وهي، لو حاسبناه على طريق المستشرقين، أفدح من زلة اللسان المفترضة في رواية الغرانيق.
فإذا انتقلنا إلى المرحلة المدنية، وهي التي يتهمه من يسلِّم من المستشرقين بصدقه وأمانته في النصف الأول من تاريخ الدعوة بأنه اطَّرح عن ضميره فيها مؤنة الصدق والأمانة، وجدنا أن أهم ما اتُّهم به صلى الله عليه وسلم به هو قسوته على اليهود، وعدم احترامه للمعاهدات التي عقدها مع المشركين، وتساهله (مرة أخرى، لاحِظْ) في قضية الوحدانية، إذ أبقى في فريضة الحج على بعض الشعائر الوثنية، ثم الانغماس في شهوات الجنس.
فأما بالنسبة لموقفه من اليهود، فقد أدخلهم عليه الصلاة والسلام في المعاهدة التي عقدها مع كل الأطراف الموجودة في المدينة آنذاك وسوَّى فيها بين الجميع، وألزمهم أن يكونوا يدًا واحدة على من يريدهم بشر. ولم تكن هذه التسوية، بالنسبة لليهود، مع غيرهم من سكان المدينة فقط، بل مست أيضًا علاقتهم بعضهم ببعض، إذ كانوا في الجاهلية، قبل أن يقدم عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، متعادين منقسمين يرى فريق منهم أن له فضلا وعلوًّا على إخوان الدين والوطن حتى في الديَّات، فأبطلت المعاهدة هذا كلَّه. فإذا أضفنا إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجبرهم على الدخول في الإسلام، تبين لنا كيف أن ما ابتُلي به الرسول والمسلمون من قِبَلِ هؤلاء القوم من غدر كان سَخَفًا شديدًا فوق كونه خيانة لا تغتفر. ولقد كان الرسول رحيما مع بني النضير وبني قينقاع، فاكتفى بالعقوبات المالية إلى جانب الطرد، إلى أن جاء دور بني قريظة، وكانت جريمتهم هي الخيانة العظمى، إذ انقلبوا أثناء حرب الخندق على المسلمين برغم أُخُوَّة الوطن وبرغم المعاهدة الوثيقة التي كانت تربطهم بهم، يريدون أن يستأصلوا شأفتهم ويمحقونهم مع دينهم محقًا، مع أن هذه المعاهدة كانت توجب عليهم أن يحاربوا مع المسلمين (42)، فما الذي كان ينبغي على الرسول أن يفعله؟ هل كان عليه أن يربت على ظهورهم ويعتذر لهم عمَّا ارتكبوه من خيانة بشعة في حقه وحق دينه وحق المسلمين؟ إن أحد المستشرقين مثلًا يتعجب كيف أن دينًا يدعي أن إلهه هو الرحمن الرحيم يفعل ببني قريظة ما فعله الرسول (43). فمن الجدير إذن بأن يشعر تجاهه هذا المستشرق بالرثاء؟ إنهم المسلمون بكل تأكيد، الذي لو، لا قدر الله، استطاع اليهود تنفيذ خطتهم التي اشتركوا فيها مع قوى الشرك والوثنية من جميع أرجاء الجزيرة العربية وقضوا على المسلمين، ما رأينا من هذا الكاتب دمعة تُذْرَف، بل ابتسامة تشفٍّ وابتهاج. إنَّ المستشرقين يدَّعون دائمًا (كذِبًا) أنَّ التوحيد عند اليهود أظهَرُ منه في الإسلام وأصفى (44). أتعرف ماذا كان اليهود فاعليه بموجب حكم التوراة (التي أوحاها إلى نبيِّهِم إلهُهُم الذي يوحِّدونه، على هذا الزعم، خيرًا مما يوحِّدُ المسلمون ربَّ العالمين) لو أنهم هم الذين انتصروا وفتحوا بلاد المسلمين؟ تقول التوراة: «حين قرب من مدينة لكي تحاربها، استدعها إلى الصلح، فإن لم تسالمك، بل عملت معك حربا، فحاصرها، وإذا دفعها الربُّ إلهك إلى يديك، فاضرب جميع ذكورها بحدِّ السيف. وأمَّا النساء والأطفال والبهائم وكلُّ ما في المدينة، كل غنيمتها، فاغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الربُّ إلهك. وهكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا، التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا». وهو ما لا ينطبق على المسلمين، لأنهم لم يكونوا بالنسبة لليهود،
(يُتْبَعُ)
(/)
الذين يجاورونهم في نفس المدينة، من الأمم البعيدة، بل ينطبق عليهم الآتي: «وأما هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا، فلا تستبقِ منهم نسمة ما» (45). أفلا يرى القارئ أن إله المسلمين كان رحيما باليهود حتى بمقياسهم؟ فما الذي أنسى المستشرق البريطاني هذا وجعله أكثر ملكيةً من الملك؟ إنَّ واحدًا من اليهود على الأقل، هو «عمرو بن سعدي»، رفض أن يشاركهم في غدرهم الدنيء وقال: لا أغدر بمحمدٍ أبدًا (46). وهو موقف رجوليٌّ كريم، إذ إنه لم يشأ أن يغدر بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، الذين لم تُؤْثر عنهم غدرة ولو تافهة في حقِّ اليهود. ولكي يرى القارئ مبلغ دناءة القوم وغبائهم وجبنهم ساعة الجدِّ، وإن انتفشوا انتفاش الدِّيَكَة حين يتوهمون أنهم في مأمن، أذكرُ له أن أحدهم، وهو كعب بن أسد، حين فرغ لهم الرسول عليه السلام، بعد انفضاض الأحزاب من حول المدينة، وحاصرهم، عرض عليهم أن يسلِّموا أو على الأقل أن يكونوا رجالًا ويخرجوا على المسلمين مباغتة من داخل الحصن فيحاربوهم مواجهة، لكنهم رفضوا ذلك كله، فما كان منه إلا أن قال حانقًا: «ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازمًا» (47). وهنا العجب كل العجب، بل هنا عبرة العبر يستخلصها الباحث الموضوعيُّ من الصراع بين الإسلام واليهود. تُرى لو كان اليهود مخلصين في التمسك بدينهم والكفر بمحمد، فلمَ لمْ يستعينوا بربهم كما كان «محمد» عليه الصلاة والسلام يستعين بربه ويواجهوا «محمدًا» مرة واحدة في حرب صريحة شريفة؟ لقد كان مشركو العرب، برغم وثنيتهم، أشرف منهم وأَرْجَل ألف مرة. أم ترى كان اليهود ينفذون أمر ربهم حين وضعوا أيديهم في أيدي الشرك والوثنية ليحاربوا محمدًا، الذي، حتى لو سلمنا بأنه رسول زائف، فهو على كلِّ حال يدعو إلى التوحيد ويؤمن بموسى وبقية أنبياء بني إسرائيل؟ أتراهم كانوا مصغين للصوت الخارج من أعماق ضمائرهم حين أكدوا لقريش أن وثنيتهم خيرٌ من دين «محمد» وأنهم أولى بالحق منه؟ (48) إن «إدمون باور» يدعي على الرسول الكريم أنه أكل اليهود لينقذ بأموالهم أتباعه من الفقر، وينكر أن يكون هناك دليل على خيانة بني قريظة (49). وهذا غير صحيح بالمرة، وإلا لاكتفى الرسول بإجلائهم ومصادرة أموالهم أو لأبقاهم في المدينة بعد أن يستصفي ممتلكاتهم لحساب أتباعه. أما بالنسبة للخيانة فإنهم أنفسهم لم يفكروا لحظة في إنكارها. ومن المضحك إذن أن يأتي مثل هذا المستشرق بعد تلك القرون المتطاولة ويتظاهر بأنه ملكيٌّ أكثر من الملك. وأما «ألفريد جيوم» فإنه يعزو ما فعله الرسول بهم إلى أنهم رفضوا الإيمان به وأخذوا يسخرون منه ويكثرون من مجادلته، وإلى أنهم كانوا متفوِّقين اقتصاديًّا. ثم أرجع عدم إيمانهم به إلى اعترافه بنبوة عيسى. والحقيقة أن الرسول لم يحاول قط أن يكرههم على ترك دينهم، كما أن نصَّ المعاهدة التي سلفت الإشارة إليها يؤكد حرية العقيدة الدينية (50). أما اليهود أنفسهم، فإنهم كانوا، قبل مبعث الرسول عليه الصلاة والسلام، يهددون به الأوس والخزرج، فلما بعثه الله من العرب، كفروا به وبدينه وتراجعوا عما كانوا يقولون. ولا يمكن أن يكون هذا مجرد ادعاء من المسلمين، فإنه مسجل في القرآن الذي كان يتلى على اليهود ولم يحدث أن اعترضوا عليه (51). وهذا يبين لنا حقيقة موقفهم ودوافعهم، وبخاصة إذا علمنا أن بعضهم كان إذا لقي المسلمين أظهر الإسلام، فإذا خلا إلى أمثاله من اليهود قرَّعوه وطلبوا منه أن يخفي ما يعلمه من الحق (52)، كما أن بعضًا منهم كان ينتهج خطة جهنمية لتدمير ثقة المسلمين بدينهم، إذ كان يعلن إسلامه أول النهار، ولا يكاد النهار يولِّي حتى يعلن كفره (53)، أفهذا هو المقابل للحرية الدينية التي منحهم إياها الإسلام؟ أم هل هذه تصرفات أناس يعتقدون فعلًا أنهم على الحق؟ لقد كان باب الحِجاج أمامهم مفتوحًا، الحجاج العاقل لا الحجاج السفيه من مثل «إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء»، و «يد الله مغلولة»، و «لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة»، و «نحن أبناء الله وأحباؤه. . .» إلى آخر هذا الهراء الذي لا يخطر إلا في عقول الهازلين المخرفين. لكن لا عجب، فقد نزلوا في ذلك على طبيعة الغدر والنذالة المتأصلة فيهم. ومع هذا فقد آمن منهم بالإسلام صادقًا طائفة كان من بينهم بعض
(يُتْبَعُ)
(/)
أحبارهم كـ «أُبَيِّ بن كعب» (54) و «مُخَيْريق» و «عبد الله بن سلام». أما بالنسبة إلى مسألة التفوق الاقتصادي، فإن أموال الغنائم لم تكن لتترك المسلمين بحاجة إلى ما في أيدي اليهود. ومعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان زاهدًا في المال، وليس من المعقول أن يخطط لقتل بني قريظة ليوزع بعد ذلك أموالهم على المسلمين الذين لم يكونوا حينئذٍ فقراء كما أوضحنا. ثم لو كانت الرغبة في الاستيلاء على أموال اليهود هي دافعه عليه السلام إلى قتلهم، فلم لم يقتل من قبل بني قينقاع أو بني النضير؟ وإذا قيل إن مشاعر الغيظ والكراهية عنده تجاه اليهود كانت تتصاعد وتشتد مع مرور الزمن، لقد كان الأحرى إذن أن ينكِّل بيهود خيبر، الذين حاربهم بعد بني قريظة، تنكيلا لا يغادر منهم كبيرًا ولا صغيرًا ولا رجلًا ولا امرأة. بيد أن عقوبته لهؤلاء اليهود كانت أخفُّ كثيرًا من عقوبات نظرائهم السابقين، بل أخف مما طلبوه هم أنفسهم (55). وانظر عدله واحترامه عليه السلام لإرادة اليهودي الذي كان له دَيْنٌ عند جابر بن عبد الله ورفض شفاعة النبي له، فأعطاه عليه السلام حتى أرضاه، وكيف أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي كان قد استدان منه طعامًا. ثمَّ إن الرسول لو كان طامعًا في ثروات اليهود لما أفلت أية فرصة يمكنه فيها أن يستولي على أموالهم، ومع ذلك فقد رأينا من قبلُ رفضه عليه السلام للغنم التي كان يرعاها خادم لليهود وأحضرها للرسول عند إسلامه أثناء حصار خيبر، فأمره بأن يعيدها إليهم. وإليك قصة أخرى تبين إنصافه وتحرُّجه عليه الصلاة والسلام من أخذ أي شئ منهم بغير حق: «أصيب عبد الله بن سهل بخيبر، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمرًا، فوُجِدَ في عينٍ قد كُسِرَت عنقه ثم طرح فيها، فأخذوه فغيبوه ثم قدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكروا له شأنه، فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن بن سهل، ومعه ابنا عمه حُويِّصة ومُحَيِّصة ابنا مسعود، وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنًّا، وكان صاحب الدم، وكان ذا قدم في القوم. فلما تكلم قبل ابني عمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كبِّر، كبِّر (أي دع من هو أكبر منك يتكلم.) فتكلم هو بعد، فذكروا لرسول الله قتل صاحبهم، فقال الرسول: أتسمُّون قاتلكم (أي هل تستطيعون أن تذكروا بالاسم أحدًا تتهمونه) ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فنسلمه إليكم؟ قالوا: يا رسول الله، ما كنا لنحلف على ما لا نعلم. قال: أفيحلفون بالله خمسين يمينا ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلًا ثم يبرأون من دمه؟ قالوا: يا رسول الله، ما كنا لنقبل أيمان يهود. ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم. فوداه (أي دفع ديته) رسول الله من عنده مائة ناقة (56). إن رسولًا يربي أتباعه على هذه التربية السامية التي تمنعهم من أن يحلفوا على قاتل لم يشاهدوه بأعينهم، رغم تأكدهم أن القاتل واحدًا من اليهود ورغم العداوة التي بين الفريقين وانعدام الثقة في اليهود ودينهم لدى المسلمين، لهو رجل جدير أن يعلو فوق الشكوك والاتهامات. وقد كان بمستطاع الرسول، لو أراد، أن يُلْزِم اليهود بدفع الدية تحت أي حجة، وليس بأضعفها أن القتيل قد وُجِدَ في إحدى عيونهم وأنه لم تكن بينه وبين أحدٍ آخر عداوة، وإلا لذكر ذلك للرسول أولياء دمه، ولكنه عليه السلام آثر أن يدفع الدية من ماله (57).
أما الاتهام الثاني فهو عدم احترامه عليه السلام لمعاهداته مع مشركي مكة. والحقيقة أن هذا كلام من لا يجد شيئا يقوله، وإلا فالدنيا كلها تعلم أن المشركين هم الذين نقضوا صلح الحديبية برغم أنهم هم الذين أملوا شروطها، ووافقهم عليها النبي ابتغاء السِّلم وليكونوا هم الحكام على أنفسهم إذا غدروا. وكان من جرَّاء هذه الموافقة أن المسلمين حرنوا عليه، ربما لأول مرة، عندما أراد أن يحلق رأسه ويضحِّي الهَدْيَ الذي كان أحضره معه ليذبحه. ولولا أن أم سلمة عليها رضوان الله طيبت خاطره واقترحت عليه أن يقوم فيحلق شعره ويضحي هديه حتى يراه المسلمون فيستحوا منه ويصنعوا صنيعه لظلوا حَرِنين (58). ومعروف كذلك اعتراض «عمر» على شروط الصلح وقولته المشهورة: «علامَ نعطي الدنيَّة في ديننا؟» لقد أملى المشركون شروطهم المتعنتة أشد التعنت، ووفَّى لهم الرسول أعظم توفية أُثِرَت عن إنسان، فردَّ، ولم تكن الاتفاقية قد جف حبرها، مَنْ جاء من
(يُتْبَعُ)
(/)
معسكر المشركين مسلمًا لأن شرط موافقة أهله على هذا الإسلام لم يكن متوفرًا. بل إنه لم يقبل، ولو في السرِّ، أحدًا ممن أسلم من أهل مكة بغير موافقة ذويه، حتى جاء القرشيون إليه يترجَّوْنه أن يقبل كلَّ من جاءه منهم مسلمًا، إذ شكَّل الداخلون من أهل مكة في الإسلام على كرهٍ من أهليهم عصابةً في طريق تجارة قريش فسببوا لها المتاعب. ومع ذلك كله فإن المشركين هم الذين نقضوا الصلح حتى لقد اضطر أبو سفيان، بجلالة قدره، أن يفد على المدينة قلقًا مذعورًا يحاول أن يسترضي الرسول، كأن الأمر لعب عيال، فقوبل من ابنته أم حبيبة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام مقابلة جافة، إذ رَبَأت بفراش رسول الله أن يجلس عليه أبوها الكافر. وعبثًا حاول أن يضحك على المسلمين، وكانت آخر محاولاته أن رجا فاطمة بنت رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أن تأمر ابنها الحسن، وكان طفلًا صغيرًا يدب بين يديها، أن يجير بين الناس ليكون، على حدِّ قوله، سيد العرب إلى آخر الدهر (59)، ظنًّا منه أنه يستطيع أن يضحك على ذقنها بمثل هذا الكلام، وهو الذي أبى حتى تلك اللحظة أن يعترف لأبيها بالسيادة على العرب. فكيف يزعم زاعم، وهذه الحقائق سافرة، أنَّ الرسول قد قام بهجوم غادر على مكة بعد محاولات فاشلة سابقة؟ (60) إن المقصود هنا هو الأحداث المسجلة في أول سورة «التوبة»، مع أن الآيات هناك تغني عن كلِّ تعليق، إذ القرآن يفرق بين من وفَّى من هؤلاء المشركين بعهوده مع المسلمين، فهذا يُتمُّ إليه المسلمون عهده إلى مدته، وبين من غدر وفجر، فهؤلاء يُمْنَحون مهلة أربعة أشهر، وبعد ذلك يعاملون معاملة العدو المحارب، فأين الغدر هنا؟ (61) إن الغادرين هم المشركون، الذين حظوا مع ذلك بفترة سماح أربعة أشهر كاملة يسيحون فيها في الأرض بملء حريتهم. ولو كان الرسول عليه الصلاة والسلام غادرًا، فلم لم يقتل رسولَيْ مسيلمة، الذي نازعه الرسالة والسلطان، وكان الرسول في أوج سلطانه؟ لكنه عليه السلام عفَّ عن ذلك برغم تغيُّظه من صفاقة مسيلمة وصفاقة رسوليه وفداحة الأمر، إذ يريد هذا المسيلمة الذي كان قد ورد عليه قبل ذلك بقليل مع من أسلم من قومه أن يأتيَ في آخر المطاف فيهدم الصرح الشامخ الذي قضى «محمد» عليه الصلاة والسلام عمره كله يضحي من أجل بنائه ورفع سمكه عاليًا إلى السماء (62).
ونصل إلى التهمة الكبيرة الثالثة، تهمة التساهل في قضية الوحدانية أو، كما يقول بعض المستشرقين، المصالحة مع الوثنية، إذ تحول الرسول إلى الكعبة بعد أن كان يصلي نحو بيت المقدس (63). ويرميه بعض آخر بأنه زيَّف وحيًا في المدينة لربط الكعبة ب «إبراهيم» عليه السلام (64)، على حين يستغرب بعض ثالث أنه عليه الصلاة والسلام قد أبقى على الحجر الأسود، وهو شعيرة وثنية (65). ويستطيع القارئ أن يرى أن المجادلة في تحول النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى الكعبة ليست إلا مماحكة فارغة (66)، إذ ما الفرق بين اتجاه المسلم إلى هذه الجهة أو تلك ما دام الأمر كله رمزًا على طاعة الله سبحانه وتعالى على وحدة المسلمين؟ هل استقبال بيت المقدس دليل على التوحيد واستقبال الكعبة دليل على الوثنية؟ ولكن لم؟ إن الله موجود سبحانه أينما تولى المؤمن، والمهم الاتفاق على وجهة ما، ويا حبذا لو كانت مهوى الأفئدة المؤمنة. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى هو والمسلمون بعد الهجرة زمنًا إلى بيت المقدس وقيل إن هذا كان تألفًا منه لليهود كي يجتذبهم إلى الدين الجديد، فما العيب إذن في ذلك؟ على أننا ينبغي ألا ننسى أن الرسول في صلاته في مكة قبل الهجرة كان يستقبل القبلتين معًا. يتضح ذلك من عبارة ابن هشام: «وكان رسول الله بمكة وقبلته الشام، فكان إذا صلى بين الركن اليماني والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام» (67). فما معنى ذلك؟ أليس معناه أنه كان يجمع بين التوجه إلى الكعبة وبيت المقدس معًا من قبل الهجرة؟ لكنه لم انتقل إلى يثرب، التي تقع في شمال مكة بينها وبين الشام، وكان من المستحيل الجمع بين القبلتين، ظل يصلي إلى بيت المقدس وهو يتوق إلى أن يستدير إلى الجنوب، إلى الكعبة التي بناها أبو الأنبياء «إبراهيم» وابنه «إسماعيل» عليهما السلام. فلو كان الأمر مجرد عواطف شخصية تجاه اليهود، فهل كانت عواطف الرسول نحو قريش في ذلك الوقت هي
(يُتْبَعُ)
(/)
عواطف الحب والوله حتى يتحول عن قبلة بيت المقدس إلى الكعبة، التي كانوا يقومون عليها؟ وهل كان موقف مشركي مكة منه صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه في ذلك الوقت المبكر (بعد 71 شهرًا من الهجرة) مما يبعث الأمل في إسلامهم كي يتبع قبلة البيت الحرام، الذي مقاليده في أيديهم؟ إن العلاقة بين الرسول عليه الصلاة والسلام واليهود لم تكن بعدُ قد تطورت إلى ما تطورت إليه من عداوة مستحكمة، فليس ثمة وجه إذن للقول بأنه تحول إلى الكعبة من تلقاء نفسه يأسًا منهم. وفضلًا عن ذلك، فلو كان الرسول قد قصد حقًا بالصلاة إلى بيت المقدس تألُّف قلوب اليهود، وإن كنت لا أرى في ذلك ما يشينه من أي وجه، فلِمَ نفر من اتخاذ البوق أداة لنداء المسلمين إلى الصلاة، وقد كانت اليهود تدعو به لذات الغرض؟ ولمَ لم يعد إلى بيت المقدس عندما عرض عليه ذلك نفرٌ من أشرافهم ليؤمنوا به (68)؟ وهنا ينبري بعض المستشرقين يتهمونه بأنه اخترع قصة زيارة «إبراهيم» لمكة وبنائه الكعبة، ناسين بذلك أمورًا ثلاثة هامة: الأمر الأول أن العرب كانوا يؤمنون بهذا أجيالًا بعد أجيال، أي النبي لم يخترع هذه القصة. وقد جاء في تاريخ «ديودورس الصقلي»، الذي كان يعيش في القرن الأول للميلاد، أن من العرب في ذلك الوقت من كانوا ينتسبون إلى «نبات ابن «إسماعيل»»، وهو ما نجده في شعر جاهليٍّ لجد الصحابي حسان بن ثابت يفتخر فيه بوراثته مفاخر نبت بن «إسماعيل» (الذي ذكر في العهد القديم). كما جاء في التوراة السامرية أن برِّية فاران (موطن «إسماعيل» كما جاء في العهد القديم أيضًا) تقع في الحجاز. ويذكر المؤرخ «سوزومين» أن اليهود كانوا ينظرون إلى العرب الساكنين شرق الحد العربي على أنهم من نسل «إسماعيل» و «إبراهيم» وأنهم من ثمَّ من ذوي رحمهم. وهناك نص لـ «تيودوريتو» من النصف الأول للقرن الخامس الميلادي يصف العرب فيه بالقبائل ال «إسماعيل» ية (69). إذن، ف «إبراهيم» عليه السلام هو جدُّ العرب، و «إسماعيل» ابنه كان يعيش في الحجاز، ومعنى ذلك أنه هو نفسه قد زار هذا الإقليم. كذلك كان الحنفاء يقولون بعضهم لبعض: «تعلموا والله ما قومكم على شئ. لقد أخطأوا دين أبيهم «إبراهيم». ما حجرٌ نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع. يا قوم، التمسوا لأنفسكم، فإنكم والله ما أنتم على شئ.» ويعقب «ابن هشام» قائلا: «فتفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين «إبراهيم»» (70). وكان «زيدٌ بن عمرو بن نفيل»، وهو أحد المتحنفين، يقول: «أعبدُ رب «إبراهيم»»، وقال يومًا وقد أسند ظهره إلى الكعبة: «يا معشر قريش، والذي نفس «زيد بن عمرو» بيده، ما أصبح منكم أحد على دين «إبراهيم» غيري» (71). والأمر الثاني هو أن المشركين كانوا قد صنعوا لـ «إبراهيم» و «إسماعيل» عليهما السلام صورة في الكعبة مع ما صنعوا من صور للملائكة وفي أيديهما الأزلام يستقسمان بها (72). وإن دلالة ذلك واضحة تمام الوضوح، وهي أن الرسول لم يخترع العلاقة بين الكعبة و «إبراهيم» عليه السلام، بل كانت العرب تؤمن بذلك إيمانًا جازمًا. وثالثًا: لو كان الرسول هو الذي زيف مثل هذه العلاقة، أو لو كان العرب واهمين فيما كانوا يعتقدون بشأنها، لما سكت اليهود وهم البارعون في إثارة الفتن، ولملأوا الدنيا ضجيجًا وعجيجًا. وأخيرًا فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد اخترع قصة بناء «إبراهيم» و «إسماعيل» عليهما السلام للكعبة، فلماذا، بدلا من ذلك، لم ينسب بناءها إلى «هود» مثلا أو «صالح» أو أي نبيٍّ عربيٍّ آخر، وبذلك يكون البيت عربيًّا وبانيه عربيًّا، مادام المقصود هو تملق العروبة لكسب قلوب مشركي مكة؟
وما قيل عن استقبال الكعبة أثناء الصلاة يقال مثله عن الحجر الأسود، فإن الوثنية لا تقوم في الأشياء أو الأفعال ذاتها، بل في العقل والضمير. والمسلمون حين يحجون إلى مكة ويستلمون الحجر الأسود لا يفعلون ذلك لأنهم يعبدونه كي يقربهم إلى الله زلفى (بل لم يؤثر عن عرب الجاهلية أنفسهم أنهم كانوا يعبدونه كما كانوا يعبدون الأصنام). إنما هو سنة من سنن الطواف، وكل ما يفعله الحاج هو أن يلمسه بيده، فإن تعذر ذلك بسبب الزحام اكتفى بالإشارة إليه من بعيد. وقد قال الرسول لـ «عمر» رضي الله عنه: «يا أبا حفص، إنك رجل قوي، فلا تزاحم على الركن (أي الحجر)، فإنك تؤذي الضعيف، ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم،
(يُتْبَعُ)
(/)
وإلا فكبِّر وامْضِ». وقد روى ابن «عمر» أن رسول الله عليه الصلاة والسلام استلم الحجر ثم وضع شفتيه يبكي طويلا، فإذا «عمر» يبكي طويلا، فقال: يا «عمر»، هنا تُسْكَبُ العَبَرات. ومن المأثور أن يقول الحاج عند استلامه الحجر: «اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتِّباعًا لسنة نبيك، سيدنا محمد» (73). ويرى القارئ كيف أن كل كلمة وكل حركة بل كل خالجةِ إحساس تدل على الإيمان العميق بالله سبحانه وتعالى وحده. فهذا هو الحجر الأسود الذي يدعي كثير من المستشرقين أنه بقية من الوثنية الجاهلية. لقد كان الرسول حتى في الجاهلية ينبذ العادات الوثنية في الحج. وقد شهدت السنة التاسعة بعد الهجرة القضاء على هذه العادات السخيفة (74). إن شعائر الحج كلها، مثلها كمثل شعائر الصلاة والصوم والزكاة، هي عنوان على طاعة الله والمسارعة في مرضاته. كما أنها تعبير عن الوحدة بين المسلمين، إذ يرتبطون جميعهم على تنائي البلاد واختلاف اللغات والسِّحَن بقِبلة واحدة على كلٍّ منهم أن يحج إليها ويجتمع عندها بإخوانه المسلمين من كل صقع مرةً في العمر. ثم أكان الحجر الأسود أهمُّ من هُبَل أو بقية الأصنام الثلاثمائة والستين التي أطيح بها جمعاء غداة الفتح إلى الأبد؟
والآن نصل إلى التهمة الأخيرة، وهي الانغماس في شهوات الجنس واختراع الوحي بعد الوحي لتسويغها. والمستشرقون حين يتناولون هذه النقطة لا يلتزمون بحقائق التاريخ حتى لو كانت استنتاجاتهم خاطئة من وجهة نظرنا، بل إن بعضهم ليخترع من عنده أشياء ما أنزل الله بها من سلطان: فـ «إدمون باور» مثلا يزعم أن الرسول قد أعفى نفسه من الالتزام بحرمة زواج المحارم (75)، أما «واشنجتن إيرفنج» فإنه يدعي أن آية «الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدة منهما مائة جلدة. . .» (76) قد منعته عليه الصلاة والسلام من اتخاذ «مارية» حظية، فاخترع وحيًا خاصًّا به (77)، مع أن مارية كانت ملك يمين، وهذا جائز في الإسلام لأي مسلم، ولا تسبب حالتها أية مشكلة من أي نوع، فضلا عن أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعطى «حسان بن ثابت» أختها «سيرين»، فهل اخترع له الرسول أيضًا وحيًا له؟ أم ماذا؟ ولقد أفاض الكتاب والمفكرون المسلمون في العصر الحديث في الرد على اتهامات المستشرقين للرسول عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بزواجه مما لا أجد معه ضرورة لتناول هذه المسألة، وإن كنت أرى مع ذلك أن الأمر، قبل نزول الوحي بتحديد الزوجات اللاتي يستطيع المسلم أن يحتفظ بهن في نفس الوقت بأربع، لا يحتاج كل هذا العناء، فما دام التزوج بأكثر من أربع كان قبل ذلك مباحًا، فما معنى اختصاص أعداء الإسلام للرسول عليه السلام بالنقد؟ أما احتفاظ الرسول بكل زوجاته بعد التحديد وهن أكثر من أربع، فهو الذي يحتاج إلى بيان. وإن أهم سؤال في نظري هو: أكان الأمر هنا أمر شهوة وتلفيق وحيٍ لتسويغها أم أمر سماحٍ إلهيٍّ؟ (78) وأحب أن أبادر فأقول: لقد أُثِرَ عن الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أُثِرَ عنه أن مما حُبِّبَ إليه من دنيانا النساء، وإن كان قد ذكر أيضًا أن الصلاة هي قرةُ عينه. لكنَّ حب الرجال للنساء، والعكس أيضًا، ليس عيبًا. إنما القضية هي: أكان الرسول متهالكا على المرأة؟ (79) إن المعروف مثلا عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يعزف عن مصافحة النساء (81). ترى لو كان شهوانيًّا، كما يحلو لأعدائه أن يتقوَّلوا عليه، أفما كان الأحرى به أن يحرص على مصافحتهن والتلذذ بلمس أيديهن الرَّخْصة واستبقائها بين يديه مدة أطول؟ بل لم شَرَّعَ الاحتشام في الملبس بحيث لا يظهر من المرأة إذا بلغت المحيض إلا وجهها وكفَّاها؟ أفما كان الأجدر بمثل هذا الرجل الشهواني كما تصوره كتابات هؤلاء المستشرقين ألا يفكر مجرد التفكير في وضع مثل هذا التشريع الذي سيوقف عينيه النهمتين عند حدهما؟ إنه عليه الصلاة والسلام لم تُؤْثَر عنه طيلة حياته، لا قبل المبعث ولا بعده، في مكة أو في المدينة، ريبة قط ولو كلمة غزل عابرة أو غامضة. وحياته الشخصية والحمد لله، واضحة وضوح الشمس ليس فيها أسرار (82). ثم إنَّ حياته عليه الصلاة والسلام كانت، بوجهٍ عام، حياة تقشف، ولم يعرف عنه اهتمام بالغذاء، بل كان يأكل ما تيسر، وكانت الأسابيع تمرُّ على بيته لا يوقد فيها نار، ولا يتعدى طعامه أثناءها التمر والماء.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي بعض الأحيان كان لا يوجد في البيت شئ أصلا. وهذا ثابت مستفيض لا أحتاج إلى أن أحيل القارئ على مصادره. ولا يمكن أن يقول عاقل أبدًا إن هذا سلوك المتعبدين لشهواتهم. كذلك لو كان الرسول عبدًا لشهوة الجنس أكان بمقدوره أن يفطم نفسه عن زوجاته شهرًا حين أبدَيْنَ شيئا من التطلع إلى عيشة أرفه مما كنَّ فيه؟ قد يقال إنه أراد أن يعاقبهنَّ. لكن السؤال هو: ولم يريد أن يعاقبهنَّ أصلا، والشهواني في مثل هذه الحالة يعمل بكل ما في وسعه وما في غير وسعه لإرضاء من يهواهنَّ الفؤاد؟ ثمَّ لو سلمنا بهذا، وهو لا يمكن التسليم به، أفما كان عليه السلام قادرًا على أن يتزوج خلال هذا الشهر الجاف جنسيًّا مَنْ تبُلُّ ريقه وتخفف عنه الحرقات التي بين الضلوع؟ بل إن الولائم التي كان يصنعها في أعراسه عليه الصلاة والسلام كانت تتسم بالبساطة الشديدة، مع أن أموال الدولة كانت كلها تحت يده يقدر أن يغترف منها بالكفين كما يشاء ليرضي زوجاته، وهنَّ بعدُ نساء لا يكرهْنَ، على الأقل، أن يعبر زوجهن عن رغبته بإقامة الولائم الفخمة التي تراق فيها الخمور ويكوم فيها اللحم تكويمًا. لا، ليس هذا سلوكَ شهوانيٍّ متهالك على المرأة. وكذلك ليس شهوانيًّا لئيمًا من تستعيذ منه إحدى زوجاته حين أراد الدخول بها، وكانت حديثة عهدٍ بكفر، فلا يكون ردُّ فعله إن ان يقول: «مَنيعٌ عائذ الله»، ثم يسرحا بإحسان ويردها إلى أهلها معززة مكرمة دون كلمة تسئ إليها أو نية في تأديبها على ما بدر منها (83). للتفكهة ألفت نظر القارئ هنا لما زعمه «واشنجتن إيرفينج» (84) من أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى امرأة جميلة سوى شعره ومسح على حواجبه. ولا أدري من أين أتى بهذه الرواية التي لا تنطبق إلا على المتعطلين الذين يقفون على النواصي يعاكسون العابرات ويحتكون بهن. والغريب أن «إرفينج» نفسه قد وصف الرسول قبل ذلك بصفحة بأنه كان محبًّا للصوم، بسيط الملبس، يكره بطبيعته المظاهر الفارغة. كما وصفه في موضع آخر بأن الصلاة كانت سلوى روحه (85). وفي موضع ثالث، يقف عند بساطة معيشته وبيته كما رسمها «عدي بن حاتم» حين وفد عليه (86)، وهو ما يتعارض تمام التعارض مع الشهوانية. أما بالنسبة لاحتفاظه بزوجاته جميعًا بعد نزول القرآن بتحديد زوجات المسلم بأربع غير ما ملكت يمينه، فأول ما ينبغي أن نذكره هنا هو أن هذا التحديد لم يتم إلا في السنة الثامنة للهجرة، أي في آخر حياة الرسول، وكان قد جاوز الستين وبنى بزوجاته جميعًا فلم يتخذ بعد ذلك زوجة أخرى. وإن المرء ليتساءل: ترى لو كان الرسول متدلها في حب النساء فلِمَ حددهن حينئذ بأربع إذا كان لن يلتزم بذلك التحديد؟ أكانت غايته أن يحرج نفسه بإصدار تشريع لا يلتزم هو به؟ أم يا ترى كان حتى ذلك الحين، أي بعد ثماني سنين من التهالك على النساء كما يصوره أعداء الإسلام، يجهل هذا الضعف في نفسه وأخلاقه؟ إن الرسول لو كان هو مؤلف الوحي لما أصدر مثل هذا التشريع أبدًا حتى لو انطبقت السماء على الأرض، أو على الأقل كان ينبغي عليه أن ينسخه إذا وجد أنه لن يستطيع الالتزام به كما ظن قبلا. ولا يقولن قائل إن النسخ في الشريعة إنما يكون تدرجا نحو الأصعب، فإن القرآن قد توقع من المسلمين في بداية معاركهم مع الكفار أن يهزم الواحد منهم عشرة من أعدائهم ثم خفف ذلك إلى اثنين فقط (87). كذلك شرع القرآن في فترة من الفترات على كل من يريد مناجاة الرسول على حِدةَ أن يقدم بين يدي نجواه صدقة ثم نسخ ذلك (88). فإذا لم يكن هذا ولا ذاك فلم أصدر مثل هذا التشريع وقد كان التعدد بلا ضابط عُرْفَا متبعا؟ أكان هناك حزب نسائي بين أتباعه يقوم بالضغط عليه ويلوح له بأنه لن يعطيه أصواته في الانتخابات إلا إذا حدد عدد الزوجات؟ أم تمرد عليه أحب أربع زوجاته إلى قلبه وخيّرنه بين التحديد أو تركه واللحاق بأهلهن؟ ولكن من هن يا ترى هؤلاء الأربع الواثقات بأنفسهن كل هذه الثقة؟ ولِمَ لمْ يسرِّح الباقي من زوجاته ويحتفظ بهؤلاء وحدهن وله فيما ملكت يمينه مندوحة عن مخالفة التحديد؟ بل لقد كان يستطيع، مادام نوى أن يصدر هذا التشريع، أن يطبقه على نفسه مع إرضاء شهوته الجسدية بأن يطلق كل زوجاته القديمات اللاتي لم يكن له من واحدة منهنَّ ولد يمكن أن يبقي عليها من أجله ويتزوج بدلا منهن أربعا من أجمل بكارى
(يُتْبَعُ)
(/)
العرب. إن العجيب أن يكون «محمد» شهوانيا إلى هذا الحد الذي يتفنن في تصويره هؤلاء المستشرقون ويخترع مثل هذا الوحي المحرج مع أنه قبل ذلك بسنة واحدة كان قد تزوج «صفية بنت حُيَيّ»، رضوان الله عليها، اليهودية الأصل، وكان يستطيع أن يبقيها أمَة لأنها من السبي. وقبل صفية بسنة اتخذ «جويرية بنت الحارث» زوجة، مع أنها كانت من نصيب أحد المسلمين من سبي بني المصطلق، فكان الأحرى أن يتخذها عليه الصلاة والسلام أمَة، ولكنه لم يفعل هذا أيضا. فهل كان يبحث عن المتاعب يخلقها لنفسه خلقا ليزداد إحراجا فوق إحراج بإضافة زوجتين إلى زوجاته اللائي سيصدر بعد شهور تشريعا لا يسري عليهن؟ إن هذا إنما يدل على التخبط، وهو لم يكن يوما من سمات الرسول عليه الصلاة والسلام.
كذلك فإن الذين يأخذون عليه أنه أعفى نفسه من الالتزام بأربع زوجات يتناسون أن القرآن بعد ذلك بقليل قد نزل يحرّم عليه هو وحده من دون المسلمين أن يستبدل بأي من زوجاته زوجة جديدة، مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان له وضع خاص في هذه المسألة، فتارة يلتزم المسلمون بما لا يلتزم به، وتارة العكس. وفي النهاية أود أن أشير إلى أن أحدا من المسلمين أو حتى من المشركين لم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم ذلك. ولو قد أحس المسلمون أن في الأمر ما يدعو إلى الريبة لما سكتوا، وفيهم «عمر» النقادة، وكان حمًا للرسول ويهمه ألا يكون لبنته كل هؤلاء الضرائر، فيضطر الرسول إلى إصدار تشريع يعفيهم مثله من الاقتصار على أربع زوجات ليسكتهم فلا يسببوا له المشاكل. الحقيقة أنني كيفما قلبت هذه المسألة لا أجد فيها ما يؤخذ على الرسول، فإن السماء هي التي شرّعت، أما هو فلم يشرع لنفسه ولا للمسلمين من عنده شيئًا. وأظنني كنت صريحًا جدا في معالجة الأمر كله سلبا وإيجابا (89).
ويتصل بهذا الاتهام المتهافت ما تلقفه المستشرقون من رواية ضعيفة اخترعها ورواها بعض من ينتسبون إلى الإسلام ولا يقدرون المسؤولية فيما بقولون ويتناقلون، وهي الرواية التي تتعلق بزواج الرسول الأكرم بابنة عمته زينب بنت جحش وتتلخص هذه الرواية في أن رسول الله ذهب يوما إلى بيت زيد في أمر فلم يجده، وكلمته زوجته زينب من وراء الستار وهي تلبس ملابسها على عجل، فإذا بالهواء يرفع الستارة بغتة ليراها الرسول حاسرة، مما كان له تأثير طاغ على مشاعره فانصرف وهو يردد: «سبحان مقلب القلوب!» ولما جاء زيد وعلم من زوجته بما حدث فهم أن الرسول قد عَلِق زوجته، فذهب إليه وعرض عليه أن يطلقها ويتزوجها هو فأمره عليه الصلاة والسلام أن يمسك عليه زوجته ويتقي الله. ولكن الوحي ما لبث أن نزل على الرسول يكشف مشاعره التي حاول عبثا أن يخفيها، ويأمره في صراحة أن يتخذ زينب زوجة. هذا، وقد أضاف «واشنجتن إرفنج» من عنده بعض التوابل، إذ ذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي فاجأ زينب وهي في مباذل البيت، وذلك حين اقتحم عليها خلوتها في بيتها بصفته أبا لزوجها بالتبني، فرأي جمالها مكشوفا أمام عينه المحملقة (90).
وأول شيء أحب أن أسارع فأقوله هو أننا لم نسمع بمثل حادثة الستار هذه في أية رواية أخري عن ذلك العهد، بل إن الستور لم ترخ في بيوت الرسول إلا بعد زواجه من زينب (91) الحقيقة أن هذه رواية من الروايات الغرامية التي هي بامرئ القيس وابن أبي ربيعة أليق. أما ادعاء «إرفنج» بأنه قد اقتحم على زينب خلوتها فليقل لنا أولا من أين له به، فإن مثل هذا السلوك، فضلا عن أنه يجافي خلق الرسول والصحابة، لم يرد ولا حتى في تلك الرواية التافهة التي هي محل كلامنا الآن.
وثمة نقطة هامة جدا في قصة زينب هذه هي أنها وأهلها كانوا قد رفضوا رفضًا باتًّا أن تتزوج زيدًا، الذي لم يكن إلا عبدًا للرسول أهدته إليه خديجة عند زواجها فأعتقه عليه السلام، بينما زينب هي ابنة عمة «محمد» زعيم المسلمين وحاكمهم ورسول السماء، وأسرتها من أرفع أسر قريش عزةً ومكانةً، ولولا أن وحيًا قرآنيًا شديد اللهجة قد نزل في زينب وأهلها يعنفهم على هذا الرفض ما رضيت ولا رضوا أبدا. والشاهد هنا أن هذه هي المرة الوحيدة تقريبا التي أرغم فيها الرسول امرأة على التزوج ممن لا تريد (92)، فإن الشريعة الإسلامية تتشدد في هذه المسألة حتى إن فتاة ذهبت إلى الرسول تشكو له من أن أباها قد زوجها من ابن عمها ليرفع بذلك
(يُتْبَعُ)
(/)
الزواج خسيسته، ففكَّ الرسول عليه الصلاة والسلام عقد الزواج بسبب رفض الفتاة، التي عادت بعد فسخ العقد فأعلنت موافقتها قائلة إنها إنما فعلت ذلك ليعرف الآباء أن لبناتهم إرادة مستقلة لا يجوز لهم أن يجوروا عليها (93). بل إن الرسول نفسه عليه الصلاة والسلام لم يحاول، ولو من بعيد، إرغام زوجته التي استعاذت بالله منه (وكانت حديثة عهد بكفر) على البقاء في عصمته، وإنما سرحها تسريحا جميلًا وفضلا عن ذلك فلدينا حالة بريرة، وكانت أمَة فأُعْتِقت، وعندئذ أعلنت أنها لا تريد البقاء مع زوجها، الذي أخذ يجوب شوارع المدينة وراءها وهو يبكي من فرط تعلقه بها، وقلبها لا يرق له. وعبثا حاول الرسول عليه الصلاة والسلام الشفاعة له، فقد أصرت على أن ينفصلا، فكان لها ما أرادت (94). فأين بريرة من زينب سليلة العز والشرف؟ ولماذا ينزل وحي فيها هي وأهلها خاصة يرغمهم على أن يرضوا بالزوج الذي اقترحه الرسول عليهم وهو عبد عتيق؟ ألا إن في الأمر سرا سوف ينجلي حين ينزل وحي آخر يرغم الرسول عليه الصلاة والسلام بدوره على أن يتزوج زينب هذه. ولكن فلننتظر قليلا.
ثم لو أن الرسول كان طالب شهوة فلِمَ لمْ يدخل البيت عندما رأى زينب على تلك الهيئة المزعومة (فهو على كل حال ابن خالها) ويتودَّد إليها متظاهرا بأنه يريد أن يكَفِّرَ عن إرغامه إياها على الزواج من زيد، وبخاصة أن العلاقة بينها وبين زوجها لم تكن على ما ترام بسبب إحساسها أنها مغموطة في هذا الزواج، ثم يتخذها (أستغفر الله) عشيقة، وهي بعد ليست إلا زوجة لمن كان في يوم من الأيام له عبدا فمنَّ عليه بالحرية وقربه منه، أما هو فزعيم الأمة وحاكمها المطلق على زعم المستشرقين، أمره مطاع ولا يتورع عن تلفيق الوحي لتسويغ ما يريد. إن القارئ يمكنه أن يتصور منطقية هذا الجدل إذا وضع في ذهنه أن مَلِكا حَسُنَتْ في عينه زوجة خادمه أو سائقه مثلًا، وكان هذا الملك لا يبالي بخلق ولا عُرْف كريم، فماذا تراه فاعلًا إلا أن يأمرها بأن تتبعه إلى فراشه فتفعل؟ وذلك بدلًا من أن يتزوجها وينزل في نظر الناس من عليائه إلى اتخاذ امرأة خادمه زوجة له. ثم إن هناك في المسألة جانبا خطيرا أشد الخطورة، فإن العرب لم تكن تُقر قط مثل هذا الزواج، لأن التبني في نظرهم كان هو والأبوة الطبيعية شيئًا واحدًا. وهذا هو لب المشكلة كلها، ومن ثمة نستطيع أن نفهم تردد الرسول وعدم رغبته في إتمام هذا الزواج، كما هو واضح من قوله تعالى {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (95) الذي فهمه رودنسون على أنه إشارة إلى أن «محمدًا» قد خاف أن يعرف الناس تعلق قلبه بزينب ووقوعه في هواها منذ نلك النظرة المزعومة (96)، مع أن له تفسيرا آخر يتسق مع تحليلنا هذا الذي نراه أقرب تماما إلى المنطق، ولا ندري لِمَ لمْ يشر إليه بكلمة واحدة، وهو أن الرسول لم يشأ أن يواجه الناس بأن عليه أن يتزوج زينب. لكنَّ وحي الله ينبغي أن يُبلغ للناس مهما تكن مرارته، وشرع الله لابد أن يطبق مهما يتعارض مع التقاليد الحديدية. وليكن أول من يطبق هذا التشريع هو الرسول نفسه على رغم ما سوف يثيره من لغط لما سيسببه للناس من صدمة شديدة. أما الادعاء بأن نظرة واحدة مباغتة لزينب، ولما تكن قد استكملت ارتداء ملابسها، قد زلزلت قلب «محمد» فمن الصعب جدًا قبوله. لماذا؟ لأن الرسول هو الذي أرغمها على الزواج من زيد، وكان ذلك منذ وقت قريب. فما الذي تغير فيها في هذه المدة القصيرة جدا حتى ترج كيانه نظرة إليها؟ لو أنه عليه الصلاة والسلام لم يرها منذ طفولتها ثم فوجئ بها امرأة ناضجة الأنوثة لقلنا: هذا معقول، فإن فترة المراهقة تُحدث من التغييرات في الفتيات الأعاجيب. أما أن تتغير امرأة ناضجة فعلا في هذا الزمن الوجيز فهو غير معقول، وبالذات إذا عرفنا أن زينب لم تكن راضية عن زوجها ودائما تعيره بأنها أشرف منه، لأن مثل هذه الزوجة لا تجد في حياتها الزوجية دافعًا إلى الاهتمام بشكلها أو ملابسها أو زينتها، وهي الأشياء التي يمكن أن تجعلها تبدو جميلة إذا لم تكن كذلك، أو تزيدها، إن كانت، جمالا فوق جمال.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن القصة تمضي فتقول إن «محمدًا» عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما وقع بصره عليها وهي في حالتها تلك، قد انصرف من فوره وهو يردد: «سبحان مقلب القلوب!» فقف معي هنا أيها القارئ وقل لي: علام تدل هذه العبارة؟ ألا تدل، حتى بفرض صحة هذه الرواية، على أن الإيمان بالله كان يملأ قلب «محمد» عليه الصلاة والسلام، وأنه كان يرى ربه مطلق المشيئة؟ تُرى أهذه مشاعر دجال يزعم كذبًا أنه متصل بالله يأتيه الوحي من لدنه بينما هو في الحقيقة يلفق هذا الوحي ليحقق به شهواته؟ على أية حال لقد رجع محمد، بناء على هذه الرواية، ولم يفكر ولو لحظة في الدخول على زينب برغم أن البيت كان خاليا عليها. إن رد الفعل الطبيعي هنا، مادام «محمد» أسيرا لشهوته كما تصوره كتابات المستشرقين، هو أن يدخل وينفرد بمن زلزلت كيانه، حتى لو كان كل ما سيفوز منها حينذاك هو مجرد الأنس بالحديث معها ساعة وملء العين من جمالها إلى أن يعود الزوج المسكين من الخارج.
ولنفترض أن «محمدًا» قد أخطأ خطأ العمر حين ترك هذه الفرصة الغالية تفلت منه فانصرف بدلا من أن يدخل، فلم لم يهتبل تلك الفرصة الأخرى التي قدمها إليه في منديل من حرير الزوج الساذج السادر في حب سيده غفلةً منه وحمقًا، أستغفر الله، حين أتي إليه توَّ علمه بالحادثة وعرض عليه بإخلاص السذج وحرارة الحمقى أن يتنازل له عن زوجته، التي وقعت في قلبه موقعًا؟ لقد كان جواب الرسول على هذا العرض هو «أمسك عليك زوجك واتق الله» أتراه كان يتردد خوفا من كلام الناس، حتى إذا ما تهيأ الرأي العام لذلك لم يجد غضاضة في قبول العرض؟ لكن هذا الأمر قد ظل سرا بين أطراف هذا المثلث فلم يبلغ آذان الرأي العام، ولم يتهيأ من ثمة هذا الرأي العام لذلك الأمر الجلل. ثم ألم يكن أفضل من هذا كله وأسرع وأبلغ بمحمد إلى غرضه وشهوته أن يتفاهم مع زوجة عبده السابق على ترتيب لقاء سري بينهما كلما سنحت الفرصة بدلا من وجع الدماغ هذا والدخول في هذه المتاهات المعقدة والتعرض لألسنة الناس؟ أم تراه حين أخطأ وأفلت فرصة الخلوة بها قد فاته أيضا أن يلجأ إلى حيلة داود على حسب ما يرويه الكتاب المقدس، الذي يتهم هؤلاء المستشرقون أنفسهم سيدنا رسول الله بالسرقة منه، فيرسل زيدًا في غزوة من الغزوات المهلكة بعد الاتفاق مع واحد من أصحابه الذين يغارون منه على أن يضعه في مقدمة الصفوف عرضة لرماح الأعداء وسهامهم وسيوفهم كي يموت، بالضبط كما فعل داود مع أوريا قائده المقرب إليه عندما وقع له شيء مشابه لما وقع لمحمد على حسب هذه الرواية الملفقة، على رغم أنه، على عكس محمد، قد أروى غلته من امرأة هذا القائد قبل أن يرسله إلى الحرب ليموت هناك ويخلو له بذلك وجه الزوجة؟ لقد فعل داود هذا بقائده المقرب إليه، فلم لمْ يفعله «محمد» مع عبده السابق؟ إن التخلص من عبد سابق لأهون ألف مرة من التخلص من قائد له مكانته الاجتماعية والسياسية الرفيعة مثل أوريا (97). أم تراه عليه الصلاة والسلام لم يكن يسرق من اليهود إلا الأفكار الطيبة بينما يعف عن الأفكار الشريرة؟
على أنني مازلت أرى أن من المستحيل أن يكون الأمر قد تم على النحو الذي تزعمه تلك الرواية المتهافتة، فقد كانت علاقة الحب المتبادلة بين «محمد» صلى الله عليه وسلم وزيد من المتانة والعمق والرسوخ حتى إن زيدًا في صباه قد فضله على أبيه وأمه وكل أهله الذين لم يكن قد رآهم منذ اختطف وبيعَ بَيْعَ العبيد وتقاذفته المقادير حتى استقر في يد محمد، ورفض أن يرجع معهم حين خيره النبي بين البقاء معه أو الذهاب مع أهله (98). ولم يؤثر عنه بعد ذلك قط أنه حنَّ إلى أهله مرة. ترى أيمكن أن يبلغ الحب من قلبه هذا المبلغ المستحيل لو أنه شام من «محمد» ريبة على مدى هذه السنوات الطويلة؟ أم ترى كان يبقى بعد هذه الحادثة معه عليه الصلاة والسلام لو أن مجرد صدى هاجس خافت قد عبر قلبه؟ أم ترى محمدًا، وهذه أبوته لزيد الذي رباه على يديه وسقاه من كؤوس حنانه الصافية منذ كان صبيًّا حتى أصبح الآن رجلا فأرغم بنت عمته هو، الزعيم والحاكم المطلق السلطان، على الزواج من هذا العبد السابق، يمكن أن يقع في مثل هذا الغرام المشتعل فجأة مع زوجة ابنه؟ أم تراه، بافتراض صحة وقوعه في هواها من مجرد نظرة عابرة، كان يرضى أن يتزوجها لولا أمر السماء له بأن يكون أول من
(يُتْبَعُ)
(/)
يطبق ذلك التشريع الجديد على نفسه ليحطم التقليد الجاهلي الذي كان يعد الابن بالتبني مثل الابن الحقيقي تماما؟
على أن هناك شيئا فات هؤلاء المسارعين إلى تصديق كل ما من شأنه أن يلطخ سمعة الرسول الأعظم محمد، وهو أن تلك الرواية المتهافتة تقول إن زواج «محمد» من زينب بعد طلاقها من زيد قد أثار زوبعة شديدة لأن الناس لم يستطيعوا بسهولة أن يهضموا زواج رجل من مطلقة ابنه، حتى لو كان ابنًا سابقًا بالتبني. أفلم يكن المنطقي إذن ألا يفكر زيد في عرض تطليق زوجته على أبيه السابق ليتزوجها ما دام الناس كانوا يستنكرون مثل هذا الزواج إلى هذه الدرجة العنيفة؟ ثم أليس من المنطقي أن ننكر نحن إمكان حدوث ذلك؟
ثم عائشة! لقد كانت زوجة غيورًا، ولو أنها أحست بشيء يحاك في الخفاء لما سكتت. ولقد سمعته عليه الصلاة والسلام يقول عن رجل جاء إلى بيته في أمر ما: «بئس أخو العشير هو!»، فلما قابله وهشَّ له وألان الكلام لم تسكت على ذلك رغم تفاهة الأمر ورغم أن هذه هي المرة الوحيدة (فيما نعرف) التي وقع ذلك فيها من الرسول عليه الصلاة والسلام وسألته عن سر هذا التناقض التافه (99) فأحرى بها هنا ألا تسكت لو شعرت بشئ مما يتقوله المستشرقون. لكن كان لعائشة الجريئة ذات الدلال على رسول الله رأي آخر، إذ قالت: لو كان رسول الله كاتما شيئا لكتم هذه (100). ذلك أنها كانت تدرك تمام الإدراك فداحة الصدمة التي سيخلفها زواج رسول الله عليه الصلاة والسلام من زينب كما مرَّ بيانه.
مما سبق يتبين لنا أن المستشرق البريطاني «مونتجمري وات» كان على حق عندما اتفق رأيه في هذه القضية مع آراء المسلمين المعاصرين، وأنه لا معني لاستغراب «مكسيم رودنسون» رأي رصيفه البريطاني هذا (101). ثم فلنفترض أن وقائع القصة كلها صحيحة، فما الذي يؤخذ على الرسول فيها؟ أيؤخذ عليه أن نظره وقع عفوا على زينب فكان لذلك تأثيره على قلبه؟ أم يؤخذ عليه أنه بدلا من أن يدخل انصرف وهو يتمتم: «سبحان مقلب القلوب»؟ أم يؤخذ عليه نهيه زيدًا أن يطلق زوجته من أجله (102)، وقوله له: «أمسك عليك زوجك واتق الله»؟ أم يؤخذ عليه أنه تزوج زينب زواجًا شرعيًّا بعد أن طلقها زوجها بملء إرادته وحريته؟ ألا يرى القارئ أن الأمر كله عراك في غير معترك، وأن ما يتقوله المستشرقون إنما هو ضجة فارغة، وأن الآية محل النقاش ليست إلا وحيا إلهيا نزل يأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بأن يكون أول من يطبق على نفسه التشريع الجديد؟
ومن دلائل صدقه عليه الصلاة والسلام في دعوته أنه كان أول الناس وأشدهم التزاما بمبادئ الإسلام عقيدة وعبادة وتشريعا. إن إيمانه بربه وشعوره بقدرته وعظمته ومجده ورحمته ونعمه وأنه محاسب عباده يوم القيامة على ما اقترفت أيديهم من خير أو شر كان يفعم عقله وقلبا وضميره، وينبجس دائما على لسانه في كل ساعة. لقد كان يدعو دائما ربه في كل وقت وفي كل مناسبة: فهو إذا استيقظ دعاه سبحانه بما يدل على تقديره نعمة الحياة ليوم جديد، وإذا أخلد إلى فراشه دعاه عز وجل دعوة المطمئن إليه المسلم له نفسه وكل كيانه. وهو إذا هطل المطر دعا، وإذا كسفت الشمس أو خسف القمر صلى ودعا، وإذا أجدبت السماء صلى ودعا، وإذا سافر ابتهل إلى ربه، وإذا عاد رفع صوته بالحمد والشكران، وإذا حجَّ لبَّى ورددت تلبيته الجبالُ والفجاج والوهاد. وهو لا ينسى ربه ولا يكف لسانه عن اللهج بذكره في سلمٍ أو حرب. وهو يدعو للموتى ويدعو للأحياء في ضوء النهار وفي جوف الليل. لقد كان عليه الصلاة والسلام إذا ركب دابته هتف: «سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضْى. اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد.» وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» (103). وكان إذا قفل من الحج أو العمرة كبَّر ثلاثا كلما أوفى على ثنية أو فدفد ثم قال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير. آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون. صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» (104). وكان إذا خاف
(يُتْبَعُ)
(/)
قوما قال: «اللهم نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم» (105) وعند لبسه ثوبا جديدا كان عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم لك الحمد، أنت كسوتنيه. أسألك خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» (106) وإذا أوى إلى النوم قال: «اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت» (107)، وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور» (108). ومن أدعيته عليه الصلاة والسلام: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» (109). وكان يدعو وهو داخل المرحاض أو خارج منه. وقلما قام عليه الصلاة والسلام من مجلس إلا ودعا قائلا: «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا» (110). ترى لو كان «محمد» كذابا أكان يعترف هكذا أنه، وهو رسول الله الذي يتنزل عليه الوحي من السماء، يحتاج إلى بذل الجهد للفوز بالجنة، ويعلن خوفه من المعصية على هذا النحو؟ وهل يمكن أن يفنى الكاذب الدجال في ربه على هذا النحو العجيب؟ وكان دعاؤه للمرضى: «اللهم رب الناس، أذهب اليأس واشف، أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما» (111) أما أدعيته وصلواته عند الكسوف والخسوف والاستسقاء وموت أحد الناس فمعروفة في جميع كتب الفقه. وفي آخر لحظات حياته كان دعاؤه: «اللهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى» (112). فهل هذا كلام مزيف محتال؟ أم هل يُقبل المزيف المحتال على الموت بمثل هذا التعلق بالله، الذي يكذب عليه ويضع الوحي وينسبه إليه؟ كذلك كان يطلب من بعض صحابته أن يدعوا له، كما هو الحال مثلا عندما قال لـ «عمر بن الخطاب»: «لا تنسنا من دعائك يا أخي» (113). ومن ذلك طلبه من المؤمنين أن يسألوا له الوسيلة رجاء أن تكتب له (114). أما القرآن فكان ربيع قلبه، كما كان يبكي أحيانا لدي سماعه (115). وهل رؤي كاذب يبكي لسماعه كلاما يعلم في قرارة نفسه تمام العلم أنه هو الذي زوره ونسبه إلى الله؟ اللهم إلا إذا قيل إنه كان عليه الصلاة والسلام ممثلا بارعًا. لكن تحليل شخصيته واستقصاء دقائق حياته يبعدان عنه تماما شبهة التظاهر بالبكاء من غير تأثر حقيقي. ليس هذا فقط بل كان عليه الصلاة والسلام يَرْقِي نفسه بالقرآن، وعندما يأوي إلى فراشه كان يقرأ المعوذتين ويمسح بهما جسده (116).
أما بالنسبة لعبادته صلى الله عليه وسلم فقد أعلن أن الصلاة هي قرة عينه، بل كان يبكي أحيانا وهو يصلي (117). ولم يكن عليه الصلاة والسلام يكتفي بالمفروضة على ما في صلاة الفجر وحدها من ترك الفراش الدافئ وبخاصة في ليالي الشتاء واستعمال الماء البارد في الوضوء. ويتنبه «كِلِتْ» إلى هذه النقطة من شخصيته فيشير إلى أنه ظل يؤدي الصلاة حتى اللحظة الأخيرة من حياته (118). بل كانت له نوافل عند كل صلاة، وذلك غير صلاة القيام والضحى. و كان لا يدع هذه النوافل حتى في الحرب أو المرض أو وهو مسافر راكب حماره أو بعيره. وتأمل كيف أنه، وقد فتحت جيوشه مكة معقل الوثنية الأعظم (مكة التي أخرجته من بيته وبلده وتآمرت على قتله وناصبته الحرب الضروس طيلة هذه الأعوام، مكة أبي سفيان وهند وأضرابهما)، لا يزدهيه هذا النصر فينسيه ربه ولو للحظة من نهار، بل يبادر فيصلي الضحى ثماني ركعات، مما يدل على أنه كان موصول القلب والضمير بالله مشدودا إليه بأمراس من الإيمان لا تنقطع أبدًا (119)، ولم يكن يُخْرج الزكاة فقط، بل كان يخرج كل ما يصله من مال على كثرته، كما كانت زوجاته اللائي اتُّهم بأنه تزوجهن زواج الشهوة المغتلمة يخرجنها مضاعفة، وذلك على عكس زوجات الكذابين الذين يتوسلون بالدين وبالدعوات النبيلة لاحتبال أموال الآخرين والتنعم بها خلف أسوار قصورهم المبنية من عرق الكادحين المخدوعين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان عليه الصلاة والسلام عندما يصوم ويتصادف أن يكون الجوُّ شديد الحرارة لا يستنكف أن يصب الماء على رأسه، وفي هذا من التواضع والصدق ما فيه، وإلا لتظاهر بالتحمل ليكبر في أعين أتباعه، شأن المنافقين، وله فيما يستطيع أن يكرعه من ماء إذا خلا بنفسه مندوحة واسعة (120). ولست بحاجه إلى أن أشير إلى حجه وما لقى فيه سَفرًا وحِلًّا من متاعب ما كان أغناه عنها وأقمنه أن يزعم أن الله قد أعفاه منها لو أنه كان كاذبا. وكانت النية عنده هي الأساس في هذا كله، مما يدل أقوي الدلالة على أن مدار أمره كله هو الصدق والإيمان الصحيح لا مجرد التظاهر والتمسك بالشكليات (121). وكانت زوجاته في الصف الأول بين المطيعين لما جاء به عليه السلام. وانظر كيف أفطرت «عائشة» و «حفصة» يوما في صيام نفل لم يكن يعرف عنه شيئا فأخبرتاه تستفتيانه، وما كانتا بحاجة إلى ذلك لو لم يكن الإيمان قد خالط قلبيهما وغمرهما تماما. ولكنه عليه الصلاة والسلام رغم أخذه دائما بظاهر الأعمال كان يتشدد مع زوجاته. ومن ذلك أنه لم يسترح لتنافسهن في الاعتكاف في الموضع الذي علمن أنه سيعكف فيه، إذ حدث أن رأى في المسجد بعض الأخبية فسأل عنها فأخبر أنها لـ «عائشة» و «حفصة» و «زينب»، فقال: «آلبرَّ تقولون بهن؟»، ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال (122). ولو لم يكن صادقا يتضوع الصدق من كل كيانه ونواياه وأفعاله لأثنى عليهن ساعتها أمام الناس خيرا وزعم أنهن في كل شيء نِعْمَ المثال المحتذى.
وله عليه لصلاة والسلام في هذا الباب عجائب لا تكاد تصدق: فقد سها في صلاته بأصحابه مرة، فلما نبهوه إلى ذلك لم يتمحَّل ولم يدَّع مثلا أنه لا يسهو وأن ما ظنوه سهوًا إنما كان تخفيفا من الله في هذه الصلاة بالذات لسبب أو لآخر كان بإمكانه اختراعه، بل أقر بخطئه وعاد ليكمل الصلاة بهم (123). كما سها مرة أخري في صلاته، فسجد سجدة السهو من تلقائه من غير أن ينبهه أحد (124)، وهو ما يعد اعترافًا منه تلقائيًّا بأنه يجوز عليه النسيان رغم أنه رسول ربٍّ لا يضل ولا ينسى، بل لقد قال ذلك صراحة في إحدى المرات (125). كذلك فقد حدث أن أقيمت الصلاة ذات مرة وعُدِّلت الصفوف ثم خرج النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جُنُب فقال لأصحابه: «مكانكم»، ثم رجع فاغتسل، وخرج إليهم ورأسه يقطر ماء فأمّهم في الصلاة (126). لقد كان عليه السلام يستطيع، لو كان نبيًّا مزيَّفًا، أن يصلي جُنُبًا، إذ من ذا الذي كان يعرف من المصلين أنه جنب؟ لكن حرصه على أن يرجع فيغتسل أولًا، برغم خروجه للصلاة بالناس الذين كانوا ينتظرونه وقد أقيمت الصلاة وعُدِّلت الصفوف، وبرغم ما في ذلك من إحراج ضاعفه أن في ذلك اعترافًا منه بجواز النسيان عليه حتى في مسائل الطهارة والاستعداد للصلاة، التي هي عماد الدين، هو من الدلائل القاطعة على صدقه. إن مثل هذا الرجل الذي كان يسأل الله أن يرزقه لسانًا صادقًا (127) لا يمكن أن يكون من الكذابين، وإلا فليس ثمة إنسان في الدنيا أهل للثقة إذن (128).
ولم يكن النسيان هو العرض البشري الوحيد الذي اعترف النبي عليه الصلاة والسلام بجوازه عليه، فهو لم يدّع يومًا أنه يعلم الغيب ولا حتى فيما يتعلق بمواقيت الصيام، وهو العبادة الثانية في الإسلام، إذ غمّ هلال شوال في إحدى السنين فصام المسلمون ومعهم الرسول، ليأتي في اليوم التالي من يخبرهم وهم صائمون بأن الهلال قد رُئي البارحة في مكان آخر فيفطر عليه السلام ويفطرون. وقد كان يستطيع، لو كان كذَّابًا يدعي معرفة الغيب من السماء، أن يشكك هذا القادم في رؤيته ويصر على مواصلة الصيام حتى لا يقال عنه إنه لا يعرف الغيب. ذلك أن كثيرًا من العرب في ذلك الوقت كانوا يظنون أن النبوة تستلزم هذا (129). كما أكد لأصحابه أنه إذا قضى بين اثنين فإن أحدهما يمكنه، لو أراد، أن يخدعه بالباطل إذا كان أبرع في القول من خصمه (130). كذلك لم يكن عليه السلام يدّعي أنه يعرف مصائر الموتى، بل كان يقول عن نفسه: «والله ما أدري وأنا رسول ما يفعل بي (131). ومثل ذلك أن عائشة حين رُمِيت بما رُميت به، عليها رضوان الله، لم يسارع الرسول عليه السلام، وهي زوجته ويهمه ألا يلوك الناس سيرتها، بتبرئتها، بل انتظر حتى نزول الوحي بعد وقت يعد طويلًا جدًا في تلك الظروف (132). وكان يستطيع، لو كان
(يُتْبَعُ)
(/)
كاذبًا، أن يصنع وحيًا منذ أول لحظة يُخرس به الألسنة، ويضاف إلى ذلك اعترافه بأن علمه بأمور الدنيا محدود، برغم أنه رسول الله خالق الدنيا والآخرة. وحادثة تأبير النخل مشهورة مستفيضة. ومثلها أنه هم بالنهي عن الغيلة لولا أنه نظر إلى الروم وفارس فإذا هم يغيلون فلا يضر ذلك أولادهم في شيء (133) ليس ذلك فقط، بل كانت تقع له أمور لو وقعت لغيره لكتمها خوفًا من أن تسيء إليه في نظر الناس، لكنه عليه السلام كان يصرخ بها رغم أنه لم يؤمر بتبليغها لأحد. ومنها أنه زار ذات يوم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، إلى هنا والأمر مفهوم، لكن الغريب أن يتطوع فيذكر لهم أنه استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له، بينما حين استأذنه أن يستغفر لها لم يأذن. أفهذا فعل أم كلام دجال؟ (134).
ومن عجائبه في هذا الباب، باب الصدق، أنه عليه السلام لم يدّع يومًا أنه قادر على الإتيان بمعجزة، فما هو (كما كان يقول دائمًا في الرد على من يتحدونه من المشركين أو اليهود) إلا بشر رسول. ولرُب من ينبري قائلًا: وهل كان المراد أن يدّعي قدرته على صنع المعجزات حتى إذا سُئِل أن يصنع واحدة عجز وانكشف كذبه؟ إن دهاءه إذن لا صدقه وإخلاصه هو الذي منعه من مثل هذا الادعاء. وبغض النظر عن أنه لم يحاول أن يهتبل فرصة كسوف الشمس يوم موت ابنه وفلذة كبده «إبراهيم» مثلًا ويدّعي أنها آية إلهية على مشاركة الكون له في أحزانه (135)، فإنه عليه الصلاة والسلام كان بإمكانه أن ينكر وقوع المعجزات ممن تقدّمه من الرسل والأنبياء حتى يسوي بينهم وبينه في هذا المجال، وعلى من لا يصدقه أن يثبت العكس، وهو مستحيل طبعًا، فإن هؤلاء الأنبياء والرسل كانوا قد ماتوا وشبعوا موتًا منذ أحقاب متطاولة. ولا أعتقد أن أحدًا يمكنه أن يعزو عدم نفيه عليه الصلاة والسلام وقوع المعجزات من الأنبياء السابقين إلى أن ذلك كان مقررًا في العقل والنفوس، فإن ما كان قد رسخ في نفوس النصارى وعقولهم من الإيمان مثلًا بألوهية المسيح أو على الأقل بنوته لله وموته عليه السلام على الصليب تكفيرًا عن خطيئة آدم، وهما أساس النصرانية وبهدمها تنهدم من قواعدها، لم يمنعه من أن يحمل على هذه العقيدة وينسفها نسفًا، مسفِّهًا لها ولمن يتمسكون بها. ومثل ذلك وأشد صنعه مع اليهود ومع الكفار، فلماذا لم ينف معجزات الرسل الماضيين ليغلق باب التحدي والإحراج الذي كان القوم مغرمين بفتحه ظنًا منهم أنهم يفحمونه؟ لقد اعترف عليه الصلاة والسلام بمعجزات إخوانه السابقين، وفي نفس الوقت أكّد أنه ليس إلا بشرًا رسولًا وأن المعجزة مهما كانت غرابتها وشدهها للعقول فإنها لا تغني عن التأمل والنظر واستخدام العقل نعمة كبرى على الإنسان. أفهذا موقف مزيف كذاب؟ بل لقد بلغ من صدقه أنه كان يكون له في المسألة المعروضة عليه رأي ثم ينزل الوحي بغير ذلك فيعلنه ولا يكتمه، وفي ذلك ما فيه (136).
ومما ينبغي ذكره في هذا السياق أنه عليه الصلاة والسلام لم تُمسك عليه كذبة واحدة. كيف لا وقد جعل الصدق يهدي إلى البر فالجنة، والكذب يؤدي إلى الفجور فالنار؟. كذلك كان يوجه أصحابه إلى توخي الدقة في الكلام والوعود حتى إنه عند مبايعتهم له على السمع والطاعة، كان يعقب على ذلك بقوله: «فيما استطعتم» (137). كما كان يحب لأصحابه إذا مدح بعضهم أحدًا أن يقول: «أحسبه كذا» (138). ويتصل بهذا كراهيته للتكلف في العبادة (139). وقد بلغ حبه للصدق أنه لم يجوّز الكذب قط مهما كانت الظروف إلا فيما لا يمكن لعاقل صادق بالغًا ما بلغ من تحرج وتأثّم أن يدّعي أن الصدق مفضل فيه، وذلك في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها (140). وكان عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليمات أشبه الخلق جميعًا ظهرًا ببطن. وقد رأينا كيف أن عائشة، في المرة الوحيدة التي رأته يبتسم ويُلين القول لرجل لم يكن رأيه فيه طيِّبًا، لم تشأ أن تدع الأمر يمر من غير استغراب واستفسار، وهو ما يدل على أنها لم تتعود منه إلا الوضوح التام. ومن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام قد استنكف أشد الاستنكاف أن يغمز بعينه لأحد الصحابة من حوله بعد فتح مكة ليقوم فيضرب عنق عبد الله بن سعد كاتب الوحي الخائن الهارب حين ناشده عثمان العفو عنه، واكتفى عليه السلام بالصمت لعل أحدهم ينهض فيقتله من تلقاء نفسه جزاء خيانته ونذالته،
(يُتْبَعُ)
(/)
فلما لم يفعلوا وهبه العفو المطلوب. ولما فُتح الموضوع بعد ذلك وعرفوا ماذا كان يدور في نفسه عليه السلام ساعتها سألوه لِم لَم يغمز لهم بعينه، فكان جوابه أن مثل هذا العمل لا يليق بالأنبياء (141).
وإن تفانيه في الصدق ونفوره القاطع من الكذب هو الذي جعله يلتفت إلى ما اضطر إليه أبو الأنبياء «إبراهيم»، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، من تجاهل للحقيقة، وإن لم يتجاوز ذلك ثلاث مرات (142).
ولا يحسبن ظانٌ أنه عليه السلام قد قال عن خليل الرحمن ذلك لمزًا له من طرف خفي، فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يذكر إخوانه الأنبياء إلا بخير: ومن ذلك وصفه في أحد ابتهالاته لربه «إبراهيم» عليه السلام بأنه عبد الله وخليله ونبيه، بينما لم يصف نفسه إلا بالعبودية والنبوة فقط (143). كما كان ينهى أن يفضله أحدٌ على «يونس بن متى» عليه السلام (144). أما عن «يوسف» عليه السلام فكان يقول: «لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبت» (يشير عليه الصلاة والسلام إلى أن يوسف رفض أن يخرج من السجن إلا بعد ظهور براءته تمامًا خالية من أي شك) (145). كذلك لما سُئل: «أي الناس أكرم»، كان جوابه: «يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله» (146). وعن أحب صيام وصلاة إلى الله قال إن أحب الصيام إلى الله صيام «داود»، وأحب الصلاة إليه سبحانه هي صلاة «داود» (147). حتى «موسى» عليه السلام، نبي اليهود، الذين لقى سيدنا رسول الله من خبثهم وقلة أدبهم وخيانتهم ما لقى، والذين كانت بينه وبينهم حروب وثارات ذحلاء رفض أن يخيّره أصحابه عليه قائلًا: «لا تخيّروني على «موسى»، فإنَّ الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله». وحتى يعرف القارئ عظمة هذه الشهادة ودلالاتها على صدقه عليه السلام أذكر أن ذلك القول منه كان تعقيبًا على مشادة وقعت بين مسلم ويهودي أقسم المسلم فيها قائلًا: «والذي اصطفى «محمدًا» على العالمين»، فقال اليهودي بدوره: «والذي اصطفى موسى على العالمين». فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي، فذهب هذا على رسول الله فأخبره بالأمر (148). غير أن ذلك كله لا يعني أنه كان يرى نفسه ضئيلًا بجانب إخوانه الأنبياء. إنما هي العظمة والثقة والتواضع، وإلا فهو القائل إنه يرجو أن يكون أكثر الأنبياء أتباعًا يوم القيامة (149). كما أن الشفاعة الكبرى قد ادُّخرت له (150). وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: «قال رسول الله: أُعطيت ما لم يعطَ أحد من الأنبياء: نصرت بالرعب، وأُعطيت مفاتيح الأرض، وسُميت أحمد، وجعل لي التراب طهورًا، وجعلت أمتي خير الأمم» (151). فهل رأيت دقة في تقويم قدره وأقدار العظماء من إخوانه الأنبياء أدق من هذه؟ إنها الموضوعية بدون شقشقة أو ادعاء.
وهذه العظمة النبوية والثقة بالنفس التي جعلته يتواضع لإخوانه الأنبياء هي التي جعلته يرسل الرسل والكتب إلى ملوك العالم من حوله، هؤلاء الملوك الذين تعود زعماء العرب منذ أدهار أن ينحنوا لهم إذا دخلوا عليهم (152)، وكان أقصى ما يتطلع إليه أنظار هؤلاء الزعماء هو أن يكون الواحد منهم على دُويلة تتبع إمبراطورية كسرى في الشمال الشرقي أو إمبراطورية هرقل في الشام. أما «محمد» عليه الصلاة والسلام فقد حطم هذا كله تحطيمًا حين أرسل كتبه على هؤلاء الملوك يدعوهم في عبارة موجزة حاسمة كلها ثقة بالسماء وبالدين الذي أوحي إليه وبرسالته على الدخول في الإسلام، وإلا فإنهم يتحملون وزر أتباعهم المستضعفين. وقد أخرجت كسرى عن طوره هذه الجرأة التي سوَّلَت لمحمد أن يضع اسمه قبل اسم الإمبراطور الجبار، فمزق الكتاب وأرسل إلى عامله على اليمن أن يأتيه برأس محمد (153)، وهو ما يدل على خطورة الخطوة التي خطاها الرسول والتي لا يمكن تفسيرها إلا بأنه رسول موحى إليه من السماء، وإلا ما فكر مجرد تفكير في إرسال خطاب إلى كسرى أو هرقل أو مقوقس مصر ولو لعرض خدماته عليهم (154).
(يُتْبَعُ)
(/)
على أن ثمة مقياسًا نفسيًّا آخر يقاس به صدقه عليه أفضل الصلاة والسلام وأمانته هو أنه لم ينقلب قط على أحد من أصحابه، وكذلك لم ينتقض واحد من أصدقائه عليه ولم يتنكر له أو يغير رأيه فيه ولو بعد وفاته عليه السلام بعشرات السنين. إن من المستحيل أن يحتفظ كاذب مخادع بمثل هذه الصداقات النادرة المتنوعة كـ «أبي بكر» و «عمر» و «عثمان» و «علي» و «معاوية» و «أُبيّ» و «خالد» و «عمر» و «أبي موسى الأشعري» و «أبي ذر» و «أبي هريرة» ومئات غيرهم من الذين عاشوا على مقربة منه واستحقوا أن نقول عنهم إنهم أصحابه (أصحابه بمعنى «أصدقائه»، لا بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، فهذه تشمل عشرات الألوف). إننا نرى الحاكم أو الزعيم من هؤلاء في الماضي أو في الحاضر لا يكاد أحيانًا يمر يوم عليه من غير أن تسوء العلاقة بينه وبين هذا أو ذاك ممن وقفوا معه وآزروه وأتوا به إلى الحكم فينقلب أحدهما على الآخر، أما مع «محمد» فالأمر مختلف تمام الاختلاف. ومثل هذا الصِّديق لا يمكن أن يكون مزورًا كذابًا (155).
وما قيل عن أصدقائه يقال عن زوجاته، فقد كان رفيقًا معهن جمعاوات، وكنّ من جانبهن يحببنه حبًا جمًا ويغِرْن عليه، وبالذات عائشة، التي كانت أصغرهن سنًا والعذراء الوحيدة بينهن. كما كن من أشد أتباعه تمسُّكًا بالدين عبادة وأخلاقًا وكرمًا ورفقًا بالمساكين، سواء في حياته أو بعد مماته. أوليس عجيبًا أن يحظى بحبهن كلهن على هذا النحو رغم أنهن كن في وقت من الأوقات تسعًا، ورغم اختلافهن سنًا وبيئة وشكلًا ودينًا؟ ترى لو كان كاذبًا محتالًا أفما كُنّ أو كان بعضهن على الأقل سيلحظن ذلك؟ وعندئذ أوَما كُنّ سيتمردن عليه أو تتناثر من أفواههن بعض الكلمات هنا أو هناك يعبرن بها عن ارتيابهن فيه ولو بعد وفاته، وبخاصة أنهن كن ضرائر؟. لقد بلغ من حبهن له أن رفضن جميعهن رفضًا باتًا أن يطلقهن عليه السلام حين عرض عليهن ذلك إثر مطالبتهن له بأن تكون حياتهن معه أرفه قليلًا. وكلنا يعرف كيف كان تقشف حياة الرسول! وبلغ من حب أم حبيبة له، عليها رضوان الله، أنها ربأت بفراشه عليه السلام أن يجلس عليه أبوها أبو سفيان، الذي لم تكن رأته منذ أعوام بعد غربة طويلة في بلاد النجاشي وموت زوجها الأول في المهجر، فطوت الفراش عنه وجبهته بالحقيقة حين حاول أن يخدع نفسه بأنها إنما ربأت به هو أن يجلس عليه (156). وأعجب من ذلك أنه عليه السلام لم يكن شابًا ولا كانت حياته في بيته، كما قدمنا، لينة بله مترفة (157). ثم تأتي عجيبة العجائب! لقد نزل الوحي يحرم الزواج على هؤلاء الزوجات جمعاوات إلى الأبد، ومعظمهن شوابّ، فلم تنبس واحدة منهن ببنت شفة تذمُّرًا. ثم مات الرسول عليه الصلاة والسلام بعد ذلك بقليل فلم تفلت من فم واحدة منهن ولو عفوًا كلمةً تنفِّس بها عن ضيقها من هذا الحرمان الذي كتب عليها إلى آخر حياتها. لو أن الرسول مات وهو شاب لقلنا: لقد امتثلن لهذا التحريم وفاءً لشبابه الذي اغْتُضِر! لو أنهن عشن معه عيشة مترفة لقلنا: إنهن سيعشن ما بقي لهن من عمر على ذكرى الأيام الناعمة! لو أنهن أنجبن منه لقلنا: أنهن سيخصصن حياتهن الباقية لتربية الأولاد، وسوف يجدن في إغداق الحنان عليهم تعويضًا عن فقدان الزوج! لو أنهن ورثن مالًا عريضًا لقلنا: لقد جعلن من هذا المال سلوتهن! لكن شيئًا من ذلك لم يكن. وقد عشن جميعهن بعده عليه السلام ما عدا زينب أم المساكين رضي الله عنها، وبعضهن امتدت حياتهن بعده عشرات السنين، مثل عائشة، التي ظلت على قيد الحياة بعده تسعة وأربعين عامًا (158)، وصفية التي ماتت في خلافة معاوية بعد أن عاشت بعده أربعين عامًا (159)، وميمونة، التي لاقت ربها سنة 36 أو 66 هـ (160)، فلم تُسمع عن واحدة منهن ولو همسة ريبة، فهل يُعقل أن يلتزمن كلهن بهذا التشريع المقصور عليهن وحدهن من بين نساء المسلمين جمعاوات لو أنهن ارتبن في «محمد» عليه الصلاة والسلام ذرة من ارتياب؟ أيرضين أن يحرمن أنفسهن هذا الحرمان القاسي الذي امتد في حالة عدد منهن عشرات السنين، وكان معظمهن (كما قلت) شابات حين تأيَّمن، لمجرد تشريع اخترعه زوج كذاب فلا يتخذن العشاق (161)، أو على الأقل يهربن إلى خارج البلاد؟ ولهن في «جبلة بن الأيهم» حين هرب من العقوبة إلى بلاد الروم وتنصر هناك أسوة. ولا شك أن ملوك البلاد التي حول جزيرة العرب كانوا
(يُتْبَعُ)
(/)
سيرحبون بهن كل الترحيب، إن لم يكن من أجل شيء فمن أجل استغلالهن في الدعاية ضد الدين الجديد الذي ابتدأ يهدد عروشهم (162).
والآن بعد أن أثبتنا أن «محمدًا» لا يمكن أبدًا أن يكون كاذبًا، وبعد التحليلات التاريخية والنفسية المطولة والمفصلة التي أثبتنا بها ذلك على نحو قاطع لا يحتمل لجاجة ولا ترددًا، فإننا سوف نعد ما مر كله كأنه لم يكن، وسنقلب الورقة على وجهها الثاني لنرى إن صحت التهمة، وهذا مستحيل، كيف ألف «محمد» قرآنه المزيف ومن أين استقاه، ومن الذين أعانوه. ألم يُتّهم عليه الصلاة والسلام من أعدائه منذ أن دعا إلى دين الله حتى الآن بأنه أخذه عن قوم آخرين؟
لقد اتهمه كفار مكة بأنه إنما يعلمه بشر، وأن الوحي ما هو إلا أساطير الأولين اكتتبها (163). فأما التهمة الأولى فإن القرآن يدحضها على أساس أن المعلم المزعوم كان أعجمي اللسان، إذ لم يكن يستطيع من العربية إلا ما يقوم بحاجاته العامة، ومن ثم فمظنة مناقشته والأخذ والرد معه من قِبل الرسول عليه السلام مستحيلة (164). ولو كان رد القرآن على هذه التهمة غير صحيح لما سكت الكفار عليه بل فنّدوه، وعندئذ كان القرآن سيسجل التفنيد ويرد عليه بدوره كما هي عادة الوحي، فما من شيء رمى الكفار أو غيرهم من أعداء الإسلام الرسول به إلا حفظته آياته، لم يشذ أي شيء عن هذا، كذلك فإن الملاحظ أن الكفار لم يحددوا شيئًا بعينه في القرآن قد تعلمه من هؤلاء، وإنما هو كلام عام عليه مسحة الرغبة في التشويش على الدعوة الجديدة ورسولها عليه السلام. وإن الذي عنده دليل لا يكتفي أبدًا بمثل هذه التهمة، بل يقصد قصدًا التحديد، ويأتي بالشهود، ويعين الزمان والمكان والظروف التي لابست الواقعة. وليس شيء من ذلك في كلام الكفار. أما الذين قيل إن الرسول عليه السلام قد اتُّهم بالتعلم على أيديهم فبالنسبة لمن أسلم منهم فإن إسلامه دليل على كذب هذه التهمة، إذ لا يعقل أن يتابع الأستاذ تلميذه فيما علمه إياه ويكتم الحقيقة بلا أي سبب، فإن رسول الله في ذلك الوقت لم يكن يملك لغيره رغبة ولا رهبة (165). أما من لم يسلم فلماذا سكت فلم يفضح «محمدًا» هذا الذي تعلم عليه ما تعلم ثم انقلب فادعى أنه نبي وخطّأ دين أستاذه؟ وذلك كله على فرض أنه كانت هناك وسيلة اتصال لغوية كافية لتأدية مهمة التعليم المزعومة هذه، وهو افتراض مستحيل كما سبق أن بيّنا.
أما الاتهام الثاني فإن من الملاحظ أن القرآن لا يقف عنده بل يكتفي بوسمه بالظلم والزور، مؤكدًا أن الوحي منزل من عند الله (166). أيًا ما كان الأمر فلو كان ها الاتهام صحيحًا لردده «عبد الله بن جحش» (الذي تنصر في الحبشة بعد إسلامه) هو ورسولا قريش على مسامع النجاشي حين ذهب هذان لتأليبه على المسلمين المهاجرين لديه، أو لردده أبو سفيان ومن معه أمام هرقل حين سألهم عن «محمد» وعن صفاته. وقد كانت هاتان فرصتين ثمينتين للدعاية ضد دعوة محمد. بيد أن قريشًا كانت تعرف أنها تكذب وتتقول رغبة منها في التشويش بالباطل على دعوة الإسلام، وإلا فإذا كانوا صادقين لم آمنوا بمحمد بعد ذلك وحاربوا أعداء دينه ولم نسمع أحدًا منهم بعد قط يردد هذه التهمة القديمة ولو من باب استعادة الذكريات؟ وهنا نقطة مهمة، فإن المستشرقين يزعمون أن الرسول عليه السلام كان يستطيع القراءة والكتابة. وهم يريدون من وراء ذلك أنه كان يقرأ الكتب السماوية السابقة وما إلى ذلك، وأنه قد تعلم منها. وهو مزعم متهافت، فإن القرآن قد وصفه في موضع بـ «النبي الأمي» (167). كما أكد في موضع آخر أنه لم يكن يتلو قبل نزول القرآن عليه من كتاب أو يخطه بيمينه (168). ولو كان كلام القرآن غير صحيح لما سكت الكفار، ولسجل القرآن نفسه كالعادة رده عليه. إن «ألفريد جيوم» مثلًا يشكك في أمِّيَّة النبي عليه الصلاة والسلام، وحجته أنه من غير المعقول أنه كان يطمئن إلى أحد غيره في قراءة الفواتير أيام اشتغاله بالتجارة، أو في قراءة ما يرد إليه من رسائل بعد ذلك عندما أصبح نبيًّا. كما أن إحدى الروايات المبكرة تعزو إليه الكتابة يوم صلح الحديبية. وهو يفسر آية: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} بأن المقصود بذلك هو كتب اليهود والنصارى، وان أميته (إن صح ما تقوله الآية) إنما استمرت إلى بداية رسالته فقط (169).
(يُتْبَعُ)
(/)
والحقيقة أن الآية المذكورة تنفي أنه كان يقرأ أي كتاب، فلا معنى إذن لقصر ذلك على كتب اليهود والنصارى. أما فهمه لقوله تعالى: «وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ» بمعنى أنك، وإن كنت قبل ذلك تجهل القراءة والكتابة، فإنك الآن تستطيع ذلك فهو فهم غريب، إذ أن حجة القرآن بذلك تتهافت وتصبح غير ذات معنى، لأن رد الكفار حينئذ سيكون كالتالي: «ما دمت تعرف الآن القراءة والكتابة فهذا معناه أنك تستطيع أن تنظر في كتب السابقين وتنقل منها». ولكنهم لما لم يجدوا جوابًا كان ذلك دليلًا على أن فهم «جيوم» للآية غير سليم، وأن المقصود منها هو أنه عليه الصلاة والسلام كان قبل ذلك وظل بعده أمِّيًّا، وإلا فالواحد يستطيع، على طريقة هذا المستشرق، أن يقول إن القرآن ينفي أن يكون «محمد» قادرًا على أن يخط شيئًا بيمينه، ولكنه لم ينف قدرته على ذلك بيده الشمال، فمحمد إذن كان يكتب ولكن بيسراه وهو كما ترى فهم مضحك.
إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد فسر الأُمِّية عرضًا أثناء حديثه عن الشهور القمرية إذ قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. الشهر هكذا وهكذا. يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين» (170). أما قول «جيوم» إن إحدى الروايات قد ذكرت أن الرسول كتب بيده في صلح الحديبية فالرد عليه هو أن الرواية المتلقاة بالقبول هي أنه أمر بكتابة ما طلب المشركون من تعديل في بعض ألفاظ الصلح (171). أما الرواية التي يشير إليها فهي إن صحت يكن المقصود منها هو المعنى المجازي كما هو الحال في قولنا: «حارب السادات إسرائيل» و «بنى عبد الناصر السد العالي» وما إليه. ومثله ما ورد في البخاري (172) من أن الرسول عليه السلام قد اتخذ خاتمًا من فضة ونقش فيه «محمد رسول الله»، إذ لا يعقل أن الرسول هو الذي نقش ذلك بنفسه، فهو لم يكن نقاش خواتم، بل المقصود أنه أمر بذلك، وإن كانت الرواية التي أشار إليها «جيوم» قد نصت على أن الرسول كتب فعلًا بيده اسمه فلا يدل على معرفة بالقراءة والكتابة، فربما كان عليه السلام يستطيع كتابة اسمه وقراءته فقط كما هو الحال بين كثير من الأُمِّيِّين الذين نعرفهم. على أية حال فليس من الحكمة في شيء أن نتمسك برواية واحدة غير مشهورة ولم ترد في المصادر الأصلية لسيرة الرسول عليه السلام ونترك كل الروايات الأصلية المتضافرة على أنه عليه السلام كان أمِّيًا. أما استبعاده أن يطمئن النبي عليه الصلاة والسلام إلى أحد غيره يكتب له الفواتير ويقرأ له الرسائل التي ترد فليس له أساس إلا مجرى الهوى، وإلا فإن كثيرًا من التجار والمقاولين في القاهرة المعاصرة، التي لا شك أن مستواها الحضاري والثقافي أرقى ألف مرة من مستوى مكة في ذلك الزمان، لا يستطيعون القراءة والكتابة ولا يمنعهم ذلك من النجاح في تجارتهم إلى درجة أن بعضهم يصبح مع مر الأيام مليونيرًا (173). لا ليس من المعقول أن يعيش النبي ثلاثًا وستين سنة فلم نسمع بواقعة محددة كتب فيها رسالة أو قرأ فيها كتابًا أو حتى ورقة سوى هذه الإشارة المقتضبة إلى أنه كتب في صلح الحديبية كلمة لم يرض الكاتب المسلم أن يكتبها بنفسه، فنسارع إلى تصديق هذه الإشارة المقتضبة المغموزة ونهمل كل تلك الوقائع القاطعة.
ومما اتهم به المستشرقون نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة وأعطر السلام أنه قد تعلم أشياء من «بَحِيرا»، بل إن بعضهم يزعم كذبًا أنه عليه السلام قد سكن مع هذا الراهب أثناء إحدى رحلاته إلى الشام (174)، وهو ما يدلك على أسلوب القوم في محاربة الإسلام، إذ أن السيرة واضحة تمام الوضوح هنا. وقريش نفسها، وقد كان منها من حضر واقعة اجتماع «بحيرا» بالصبي محمد، إن صحت الرواية أصلًا، لم تتهم الرسول بذلك، فكيف يأتي الأوروبيون بعد أكثر من أربعة عشر قرنًا فيتخيلون ويزعمون؟ إن «واشنجتن إرفنج» يفسر اهتمام «بحيرا» بالصبي «محمد» بأنه كان يريد تنصيره حتى إذا ما رجع إلى قومه قام هو بدوره بحمل بذور النصرانية إليهم (175). أتدري ماذا كان عُمْرُ «محمد» عليه الصلاة والسلام آنذاك؟ لقد كان عمره اثني عشر عامًا! ومع ذلك يزعم «إرفنج» هذا الزعم السخيف، وكأن لم يكن في القافلة العربية، التي تقول الرواية إنها حطت رحالها قريبًا من صومعة «بحيرا»، رجال يمكن لهذا الراهب أن يتوجه إليهم بدعوته. أليست هذه بالذمة «مَعْيَلة» من «بحيرا» أو
(يُتْبَعُ)
(/)
من «إرفنج» أو من كليهما؟ لقد سفّه «كارلايل» احتمال أن يتعلم صبي في هذه السن من راهب يتحدث لغة أجنبية شيئًا ذا بال (176). ومع ذلك كله فإن السيرة لم تتحدث عن أي تعليم بين «بحيرا» و «محمد». ثم فلنفترض أن «بحيرا» قد لقنه (بأية لغة؟ لا ندري) أشياء من النصرانية، فأين كان «بحيرا» يوم ادّعى «محمد» أنه أتى بدين جديد يخطّيء فيه دين «بحيرا»؟ أو أين من شاهد «بحيرا» أو سمع منه أو من غيره أن هذا النبي الجديد كان تلميذًا في صباه لذلك الراهب؟ لماذا لم ينْبَرِ «بحيرا» أو غيره ليكشف زيف هذا النبي ويبين المصدر الحقيقي لما يزعم أنه وحي من السماء؟ أكانت الدولة البيزنطية أو الدويلات العربية على حدودها تسكت على «محمد» وعلى مزاعمه ورسائله التي أرسلها إلى «هرقل» وغيره من ملوك العالم المحيطين بالجزيرة العربية يدعوهم إلى الإسلام فلا تحاربه أو تحارب خلفاءه بهذه الورقة؟ إن ذلك لغريب!
ولا يكتفي المستشرقون بتضخيم هذه المقابلة التي ترويها كتب السيرة بين الصبي «محمد» وبحيرة الراهب والتي يجعلون من حبتها قبة ضخمة تناطح السماء (177)، بل يؤكدون أنه لابد أن يكون قد عرف في رحلاته التجارية بعد ذلك إلى الشام واليمن أشياء كثيرة من اليهود والنصرانية. وهم كعادتهم لا يشيرون إلى شئٍ محدَّدٍ جاءت به الروايات الموثقة أو حتى غير الموثقة، بل يكتفون بإطلاق القول على عواهنه. وفاتهم أن «محمدًا» في هذه الرحلات لم يكن وحده بل كان معه مواطنون من مكة، فلماذا لم يتحدثوا عن شئ من ذلك؟ لقد كان ما وجهوه إليه من اتهام هو أنه كان يتعلم من بعض الرقيق الأجنبي المقيم بمكة والذي لا يستطيع التفاهم بالعربية إلا في أضيق نطاق. وأين كان ميسرة من هذا كله، وهو الذي كان ملازما له؟ ثم ألم يتذكر فيما بعد أحد من الدولة البيزنطية أومن اليمن ممن شاهدوه واختلطوا به وتناقشوا معه في هذه الرحلات أن النبي الجديد ليس إلا ذلك التاجر الذي كان يفد إلى بلادهم فيشترى منهم عروض التجارة ويأخذ معها الأفكار اليهودية والنصرانية؟ أم ترى قد طمس الله على ذاكرتهم؟ إن اللافت للنظر أن المستشرقين لا يثبتون على حل واحد، فقد كانوا يقولون أولا إن الإسلام مأخوذ من اليهودية وإلى حد ما من النصرانية، ثم عادوا فقالوا إنه مأخوذ أساسًا من نصرانية السريان، ولكنهم مع ذلك لا يقدمون أبدا دليلا موثقا على هذا الأخذ ولا يرسمون لنا الطريق الذي سلكته هذه الأفكار حتى وصلت إلى محمد، بل هي مجرد تخمينات (178)، مما يدل على أنهم قد عقدوا العزم منذ البداية، مثل مشركي مكة وكفار العرب بالضبط، على تخطئة «محمد» والسلام. لقد وفد على الرسول نصارى من نجران فناقشهم وأراد أن يحسم الأمر معهم فدعاهم، لو كانوا صادقين، إلى المباهلة، أي أن يبتهلوا جميعا (هو وهم ومعهم ذووهم نساءً وأطفالا) ويجعلوا لعنة الله على الظالمين، فنكصوا على أعقابهم ونزلوا على شروطه ولم يدخلوا معه في هذه المباهلة، وهو ما يوحى بخبيئة نفوسهم أيما إيحاء. ترى لمَ لم يحرجه نصارى نجران منذ البداية فيقولوا له إنهم يعرفون أنه هو ذلك التاجر الذي كان يتردد على بلادهم وكنائسهم ويتعلم على رهبانهم ويغلقوا بذلك باب المباهلة ودفع الجزية لو أن شيئا من ذلك قد حدث؟ (179) ثم أكان أبو عامر الراهب، الذي كان يحقد على الرسول أشد الحقد والذي كان المنافقون يجتمعون به سرا في المدينة ونزلت فيه آيات الضرار (180)، يدع فرصة مثل هذه تلفت من يديه هو الذي ذهب إلى هرقل يستعين به ضد «محمد» ودينه لو أنه نما إلى سمعه، ولو بالباطل، أن النبي قد تعلم في أثناء رحلاته التجارية على أحد اليهود أو النصارى؟ (181) واليهود أكانوا يتركونه لو شموا من بعيد أنه سرق شيئا من كتبهم عن أي طريق؟ لقد كانوا يلقنون كفار مكة أسئلة يتحدُّونه بها عن الروح وأهل الكهف وذي القرنين (182)، وهو دليل قاطع على أنهم لم يشكوا فيه من هذه الناحية. ذلك أن اليهود كانوا مشهورين بأنهم يضنون بما عندهم من العلم، ومن ثم نراهم يحتكمون إلى «محمد» عليه الصلاة والسلام في زنا اثنين منهم، وكانوا يريدونه ألا يرجمهما. فلو كانوا يشتبهون في أنه على علم بالتوراة لما احتكموا إليه مخافة أن يحكم بالرجم الموجود في التوراة. بل إنه حينما سألهم عما في التوراة فأنكروه وأمر بإحضارها وضع قارئهم يديه على حكم
(يُتْبَعُ)
(/)
الرجم، ظنا من عقله السخيف أن ذلك سيعمى «محمدًا» عليه الصلاة والسلام والمسلمين من حوله عما تحت هذه اليد النجسة (183). كما لم تكن التوراة حتى ذلك الحين على الأقل قد ترجمت إلى العربية. وفى البخاري أن اليهود في المدينة كانوا يقرأون التوراة بالعبرية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام (184).
والآن بعد أن طوفنا مع المستشرقين شمال وجنوب الجزيرة العربية وفى جنوب بلاد الروم ووجدنا أنه ما من دليل واحد على أن النبي قد تعلم من يهودي أو نصراني شيئا انتفع به في تأليف دينه وتلفيق الوحي الذي كان يزعم، بناء على اتهامات هؤلاء المستشرقين، أنه يتنزل عليه من السماء، نعود إلى مكة لنناقش اتهامهم له عليه أفضل الصلوات وأعطر التسليمات بأنه قد تعلم من ورقة بن نوفل (185). ويكتفي «إرفنج» هنا بترديد القول بأنه عليه السلام أخذ أشياء كثيرة مما ترجمه «ورقة» من العهدين، القديم و الجديد ومن مرويات المشنا والتلمود وضمنها قرآنه ومع خطورة هذا الاتهام فأنه لا يسوق عليه دليلًا واحدًا، بل كل ما عنده هو أن المفترض حدوث ذلك (186).
ومثله «كلت»، الذي يقول إن من الممكن أن يكون «ورقة» قد قص على «محمد» بعض الروايات النصرانية (187)، وإن ما ورد في إحدى السور (يقصد سورة مريم) عن السنوات الأولى من حياة المسيح عليه السلام ربما أخذ منه (188). فها أنت ذا ترى أن الآمر لا يعدو «من الممكن» و «ربما» (189).
هذا كل ما قاله المستشرقون عن «ورقة بن نوفل» وتأثيره المزعوم في النبي والوحي والحقيقة أن «ورقة» لم يظهر في كتب السيرة والتاريخ إلا بعد أن نزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم، أما قبل ذلك فلا (190). ومن المستحيل أن يكون المؤرخون والمحدثون وكتاب السيرة المسلمون قد حذفوا من حياة ورقة وعلاقته بالنبي ما يمكن أن يثير الشك في مصادر النص القرآني، إذ لم يكن ديدنهم التحرج من رواية أي شئ يتعلق بسيرة المصطفى عليه السلام قط. وإليك تعليق «ورقة» عندما أتته «خديجة» ليبدى رأيه فيما شاهده النبي وسمعه عند غار حراء. قال: «قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا «خديجة» لقد جاءه الناموس الأكبر الذي يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له فليثبت» (191)، وهو ما يدل على أن «ورقة» قد صدق بنبوة «محمد» ودخل في الإسلام. ومما يدل أيضًا على أن ذلك لم يكن مجاملة فارغة أو حماسة طارئة منه، رضي الله عنه، أنه كان يمر بعد ذلك ب «بلال» وهو يقاسى وطأة التعذيب الفاجر ويصيح: «أحدٌ أحد» فيؤمن على صياح «بلال» قائلا «أحدٌ أحدٌ والله يا «بلال»!»، ثم يقبل على «أمية بن خلف» ومن يصنع ذلك به من بنى جمح فيقول «أحلف بالله لئن قتلتموه على هذا لأتخذنه حنانًا» أي لأتبركن بقبره (192). أما عن دين ورقة وثقافته فيقول «ابن إسحاق»: «وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل» (193). لكن أية كتب هذه؟ وبأية لغة كان يقرؤها؟ ذلك ما لم يوضحه «ابن إسحاق». أما «البخاري» فإنه مرة يورد رواية مفادها أن ورقة كان يكتب الكتاب العربي وكان يكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب (194)، ومرة يورد رواية ثانية تقول إنه يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب (195). فأين الحقيقة بين الروايتين؟ علم ذلك عند الله، وإن كان «مالك بن نبي» يرى أنه لو كانت الفكرة اليهودية والنصرانية قد تغلغت حقًّا في الثقافة والبيئة الجاهلية فإن من غير المفهوم ألا توجد ترجمة عربية للكتاب المقدس. كما يؤكد أنه حتى القرن الرابع الهجري لم تكن قد وضعت للإنجيل ترجمة عربية (196). أياما يكن الأمر فإن الثابت تاريخيًّا هو أن ورقة قد صدق بنبوة «محمد» صلى الله عليه وسلم. فإذا لاحظنا أنه كان في ذلك الوقت شيخا طاعنا في السن أدركنا قيمة شهادته، إذ كان من الصعب على شيخٍ مكيٍّ في ذلك الحين أن يتقبل فكرة أو عقيدة جديدة كذلك ينبغي ألا يغيب عن بالنا أن «محمدًا» كان أصغر كثيرا من ورقة ولا يملك في يده في ذلك الوقت أي سلطان ومعنى هذا أن إيمان ورقة به كان إيمانًا صادقًا خاليًا من الغرض، وإذن فمن المضحك أن نظن بعد ذلك كله أن «محمدًا» كان يتعلم منه، وأنه هو قد سكت عن هذا، بله قد آمن به واتبعه ووقف من معذبي أتباعه مواقف الرافض لما يفعلون. وكعادتنا سوف ننسى ما مر ونتجاهل تفاهة وتهافت
(يُتْبَعُ)
(/)
هذه الاتهامات التي فندناها تماما بالاستناد إلى الروايات التاريخية الموثقة بعد عرضها على ضوء المنطق الإنساني العام ووضعها تحت مجهر التحليل النفسي والاجتماعي للبيئة والأشخاص والرسول على وجه خاص، سوف ننسى هذا كله ونمضى مع المستشرقين إلى نهاية الشوط لنرى ما هم قائلون. إن «جب» مثلا يعدد ما أخذه الرسول من اليهود بعدها هاجر إلى يثرب، فيذكر صيام عاشوراء وصلاة الظهر واستقبال بيت المقدس (197). ولنبدأ بآخر شيء ذكرًا فنقول إننا قد ناقشنا هذه النقطة من قبل، وخلاصة ما قلناه هناك إنه عليه الصلاة والسلام كان يصلى إلى هذه القبلة قبل الهجرة ولكنه كان يجعل الكعبة بينه وبينها، أي أنه كان يستقبل القبلتين. فلما هاجر إلى المدينة استحال عليه أن يجمع بينهما، فاستقبل بيت المقدس لفترة، ثم نزل الوحي الإلهي بالتحويل إلى الكعبة وقد عرض اليهود عليه أن يعود إلى قبلة المقدس ويتبعوه، وهو ما بين التواءهم وخبثهم، فالصادق في التمسك بدينه لا يعرض مثل هذا العرض. لكنه عليه السلام قد رفض ذلك. أما الزعم بأنه تحول إلى الكعبة بعد أن يئس من اليهود فهو زعم أعرج، إذ إنه عليه الصلاة والسلام لم يعهد فيه اليأس يوما، فضلا عن أن موقف كفار مكة منه ومن دينه في ذلك الحين لم يكن مما يبعث على توقع إيمانهم وشيكا بحيث يصح القول بأنه كان يهدف إلى إقامة دين عربي قبلته عربية. ثم لو صح هذا التعليل أفلا يدل على أن النبي، برغم كل هذا العمر الذي قضاه يدعو قومه إلى دين الله فلم يؤمن به إلا القليل، كان لا يزال عنده أمل كبير في أن يتبعوه يوما؟ فكيف يقال إذن إنه يئس من اليهود هكذا سريعا؟ (198) أم تراه وجد أن اليهود أشد مراسًا من كفار مكة؟ بالعكس لقد كان اليهود في يثرب حينذاك أذل وأخنع من هذا ألف مرة، لأن المسلمين هناك كانوا أغلبية، وكان السلطان في أيديهم وكان لهم جيش وظفر وناب وهو ما لم يكن منه شئ في مكة. ثم إن عددًا كبيرًا منهم نسبيا قد آمن به، وفيه بعض أحبارهم كما مر ثم فلنفترض أن اليهود كانوا صادقين في كفرهم به، فلماذا تحاكموا إليه في أمر الزانيين وهى عقوبة دينية منصوص عليها في توراتهم؟ (199) بل لماذا لم يستعينوا بإلههم الذي جعلهم شعبا مختارًا مميَّزًا على سائر البشر ويحاربوا «محمدًا» ويقضوا عليه مرة واحدة؟ لقد كان «محمد» وأتباعه هم الذين استعانوا عليهم بالله فنصرهم عليهم أعظم انتصار. فهذا عن القبلة، أما صلاة الظهر فإني لا أفهم كيف تجاهل «جِبْ» أن الصلوات الخمس قد فرضن كلهن بما فيهن الظهر في مكة ليلة الإسراء والمعراج؟ ويبقى صوم عاشوراء والواقع أن الوحي سرعان ما نزل بصوم رمضان فنسخ عاشوراء إلى الأبد. ومع ذلك فيهمني أن أوضح أمرا على قدر كبير جدا من الأهمية وهو أن صوم يوم عاشوراء كان معروفا في مكة في الجاهلية. كذلك لا يقل أهمية عن هذا أن الرسول، حين وفد
إلى المدينة ورأى اليهود يصومون هذا اليوم، أمر أتباعه أن يصوموه قائلا لليهود: «نحن أولى بموسى منكم» (200)، وهو ما يعنى بمنتهى الوضوح أنه لم يتملقهم ولم يتابعهم، بل واجههم منذ البداية برأيه فيهم وأنه يفرق بينهم وبين نبيهم موسى، الذي هو مثله رسول من عند رب العالمين وعلى أية حال فإن صيام يوم عاشوراء كان تطوعيًّا، أي أنه ليس من أركان الإسلام من قريب أو بعيد. وبرغم هدمنا لمزاعم «جب» السابقة فها نحن أولاء ماضون معه إلى زعم جديد مؤداه أن محمدًا، عندما كان اليهود ينتقدون أخطاءه فيما يرويه من قصص الأنبياء التي تختلف عما جاء في كتبهم، كان يرد عليهم بقوله: «أأنتم أعلم أم الله؟» (201). ويتصل بذلك قول «مرجليوث» إن أسماء بعض الرسل في القرآن مختلفة عنها في العهد القديم اختلافا كبيرا (202). والواقع أن العهدين القديم والجديد لا يتمتعان، حتى عند كثير جدا من الدارسين الغربيين، بعشر معشار هذه الثقة التي يوحي بها كلام هذين المستشرقين (203). فالإحالة إليهما إذن من جانب المستشرقين على أنهما الأساس الذي ينبغي أن يحاكم إليه القرآن هي مغالطة فادحة. وهاهو ذا «مرجليوث» نفسه (204) يشير إلى نظرية يعتنقها اللاهوتيون النصارى ليسوغوا بها التناقضات التي تعج بها كتبهم المقدسة ويسميها « colouring by the medium» ومعناها أن الوحي إنما ينزل كفكرة، ثم يقول النبي الذي نزل عليه الوحي بصياغة هذه الفكرة
(يُتْبَعُ)
(/)
بعقله وأسلوبه هو، ومن ثم فإن الأخطاء التي توجد في الكتاب المقدس ترجع إلى هذا الوسيط لا إلى السماء، وهو ما يدل على أنه حتى لاهوتيوهم يتقهقرون من خط دفاع إلى آخر.
هذا، ويمكن للقارئ أن يرجع إلى الكتاب المقدس ويقرأه بعين مفتوحة، ولسوف يجد ما يصدم عقله في كل مكان منه، فمن تصوير لله تصويرًا وثنيًّا كأنه أحد آلهة الإغريق إلى حكايات عن فجور أنبيائهم يشيب لهولها الولدان إلى تناقضات تاريخية وداخلية لا يمكن التوافق بينها بحال (205). وقبل أن أنتقل إلى النقطة الأخيرة في ملاحظات المستشرقين عن علاقة القرآن بكتب اليهود والنصارى أطرح هذا السؤال: لقد كان بين أتباع «محمد» أعداد كبيرة من أهل الكتاب الذين دخلوا الإسلام ونصروه وآزروه، وحاربوا أهل أديانهم السابقة، وكانوا على دراية واسعة بكتبهم الدينية، فلماذا لم يحاول «محمد» أن يستطلع ما عندهم قبل اختراع أي وحي يتعلق بتاريخ بني إسرائيل والنصارى حتى لا ينكشف خطؤه فيريح بذلك نفسه من التناقض بين القرآن وهذه الكتب؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي أنه كان يعلم يقينا أن قرآنه موحى به من عند الله وأن التوراة والإنجيل قد أصابهما التحريف.
وبذلك نبلغ النقطة الأخيرة وهى استغراب «جب» أنه في الوقت الذي يرفض فيه القرآن بنوة عيسى لله رفضًا حاسمًا وينفى بنفس القوة أن يكون قد صلب إذا به يتحدث عن النصارى أنفسهم أكثر من مرة بعبارة ودية وهو يعزو هذا إلى أن معرفة الرسول عليه الصلاة والسلام بالنصرانية لم تكن معرفة مباشرة (206). وعلى رغم أن جب لم يحدد المواضع التي يقول إن القرآن يتحدث فيها عن النصارى بعبارات ودية فإننا نستطيع أن نشير إلى الآية 69 من سورة المائدة: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} «وتشبهها إلى حد كبير الآية 62 من سورة البقرة»، وكذلك الآية 82 من سورة «المائدة» أيضا: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى}.
والحقيقة أنه لا تعارض هناك إطلاقا، فالآية الأولى تشترط في نجاة النصارى وغيرهم أن يؤمنوا بالله واليوم الآخر ويعملوا صالحًا، وهو ما يستلزم أن يؤمنوا بكل الرسل من آدم إلى محمد (207). وتوضح ذلك الآيتان / 150 – 151 من سورة النساء، إذ تقولان: {إن الذين يكفرون بالله ورسله، ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا، وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا} ومثلها الآية 92 من سورة «الأنعام» التي تشير إلى القرآن قائلة: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه، ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به، وهم على صلاتهم يحافظون} وتأتى الآية 29 من سورة «التوبة» لتوضح الأمر توضيحا ساطعًا لا لبس فيه، إذ تقول {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وغير ذلك كثير، مما يقطع بأن رأى القرآن كان دائما أن اليهود والنصارى إذا بقوا على ما هم عليه رغم اتضاح الحقيقة لهم فلن يمكنهم أن يفوزوا بالنجاة يوم الدين، هذا عن الآية الأولى، أما الآية الثانية فإنها وما بعدها من آيات تشير إلى واقعة بعينها، إذ ورد على النبي عليه السلام وهو في المدينة فريق من النصارى وفيهم قساوسة ورهبان مخلصون وكانت هذه الطائفة من النصارى تتحلى برقة القلب والتواضع للحق، فأسرعت إلى إعلان الإيمان بالإسلام والقرآن عندما تليت عليهم آياته وفاضت أعينهم من الدمع (208). هذا، وسوف نبين في موضع تالٍ من هذا الكتاب أن الإسلام قد جاء لتصحيح ما أصاب اليهودية والنصرانية من تحريف وتشويه ولتخفيف القيود التي جعلها الله على بني إسرائيل وان الأمر لم يكن أخذا ولا اقتباسا كما يكذب الزاعمون.
(يُتْبَعُ)
(/)
وممن زعم المستشرقون أنه عليه السلام قد أخذ منهم الحنفاء وهم أفراد من العرب ظهروا قبيل البعثة النبوية لم يقنعهم ما عليه أقوامهم من عبادة أصنام وتظالم وغير ذلك من مظاهر التحلل الروحي والفساد الاجتماعي وبدلا من أن يرى المستشرقون في ذلك دليلا على أن الجو كان يستدعى ظهور نبي يصلح هذا الحال المائل في جزيرة العرب وفى العالم معًا، إذ كانت الأوضاع في الإمبراطوريات العالمية في ذلك الوقت مثلها في شبه الجزيرة سواءً بل أسوأ (209)، نراهم، كعهدهم فيما يتعلق بالإسلام ونبيه، يتهمونه عليه الصلاة والسلام بالأخذ من هؤلاء الحنفاء.
وفى مناقشتنا لهذا الادعاء أحب أن أضع تحت بصر القاريء هذه الحقائق التالية: أن أحدا من الحنفاء لم يدع هذا. ولو حدث أن النبي قد تعلم من أيٍّ منهم لانبرى واحد منهم على الأقل (وليكن أمية بن أبي الصلت، الذي لم يشأ أن يؤمن بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولأنه كان يطمع أن يكون هو الرسول المختار) وقال: «لا تصدقوا محمدا، فإنه دعي كذاب لقد تعلم منا، وأخذ ما علمناه إياه ولفق منه دينا». ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، فكيف يحق لأي مستشرق أن يتقدم بمثل هذا الاتهام بعد أكثر من أربعة عشر قرنا وليس في يديه أي دليل؟ أهذه هي الموضوعية التي يتشدقون دائما بها بينما يرموننا نحن المسلمين بأننا ندافع عن ديننا بالحق والباطل، مع أن كثيرين منا نحن الذين نتناول هذه الموضوعات لم يخروا على القرآن عُمْيًا وصُمًّا وبُكْمًا، بل كانت لهم مع أنفسهم محاورات طويلة قلبوا فيها الفكر والمراجع وأعادوا النظر في أشياء كثيرة؟ ثانيا لو أن «محمدًا» عليه الصلاة والسلام كان قد تعلم من الحنفاء، فمن كان أولى إذن بادعاء النبوة؟ واحدٌ من الأساتذة الأصلاء أم «محمد» تلميذ هؤلاء الأجلاء؟ ولا يقولن أحد إنهم كانوا مشغولين فقط بمصائرهم الفردية، فقد كانوا دائما يعيبون على أقوامهم قبح ما يعتقدون ويصنعون، وكان لبعضهم مواعظ في الأسواق والمجامع (210)، ولكن أحدا منهم قط لم يدع النبوة، فما السبب في ذلك ما دام ادعاؤها سهلا إلى حدِّ أن تلميذًا من تلاميذهم مثل «محمد» قد زعم أنه نبي يوحى إليه من السماء؟ لقد أسلم «ورقة» بعد أن استحكم في النصرانية (211)، كما أسلم أيضا عبيد الله بن جحش بعد الالتباس الذي كان فيه، ثم ظل مسلمًا إلى أن هاجر إلى الحبشة، وهناك تنصر ومات نصرانيا. والملاحظ من سيرته أنه كان لا يحترم غربة المسلمين في تلك البلاد، إذ كان يغيظهم بقوله: «فقَّحْنا وصاصأتم» (212). وواضح أنه لم يصبر على بلاء الاختبار الذي محص الله به المسلمين في النصف الأول من عمر الدعوة فانقلب في أول فرصة ودخل دين الدولة المضيفة، ممثلا بذلك الشذوذ على القاعدة التي يمثلها بقية المهاجرين جميعا. وأرجح أنه لو كان قد نُسئ له في عمره ورجع مع سائر المهاجرين لعاد كرة أخرى إلى الإسلام، فإن نفسيته فيما يبدوا من أخباره لم تكن نفسية متماسكة. وينبغي ألا يفوتنا أنه لو كان سمع أو شهد أن «محمد» قد سرق أفكاره من أحد لما آمن به في البداية أو لفضحه بذلك عند النجاشي ومطارنته، وبخاصة في ذلك اليوم المشهود، يوم المناظرة التي أقيمت في بلاط الإمبراطور الحبشي بين المسلمين المهاجرين وبين رسولي قريش بحضور كبار رجال الدين هناك. وعلى أية حال فلا يمكننا أن نغفل أن زوجته، وهى أم حبيبة بنت أبي سفيان، أحد زعماء الكفر في ذلك الحين، لم تتابعه في ارتداده، بل ظلت متمسكة بدينها. ليس هذا فقط، بل عقد عليها الرسول وهى لا تزال في الحبشة وأناب عنه النجاشي رضي الله عنه، وكان قد أسلم، في عقد نكاحه عليها بعد وفاة زوجها (213). وأم حبيبة هذه هي التي استنكفت أن يلمس جسد أبيها فراش رسول الله حتى لا ينجسه، وصارحته بذلك، وكان أبوها حينذاك قد أصبح هو الزعيم الأوحد لمعسكر الكفر والطغيان. فلعل هذا كله يعطيك فكرة عن قيمة ارتداد عبيد الله بن جحش في بلاد النجاشي، الذي صدق هو نفسه بالدين الجديد. وكي تزداد ضآلة قيمة ارتداده وضوحا أحب أن أذكر لك أنَّ كل إخوته قد أسلموا، وهم عبد الله (وقد استشهد في أحد)، وأم حبيب (زوجة عبد الرحمن بن عوف) وزينب (زوجة زيد بن حارثة ثم الرسول من بعده). وفضلا عن ذلك فإن أحد هؤلاء الإخوة وهو عبد (أبو أحمد) كان ضريرا، ولم يمنعه ذلك من مناصرة الإسلام والهجرة
(يُتْبَعُ)
(/)
فيمن هاجر إلى يثرب. ومما له دلالة هنا أنه كان أيضا زوج إحدى بنات «أبى سفيان» زعيم الوثنية في ذلك الوقت. فلو كان أخوه قد تنصر عن بصيرة لتابعه، فهو لم يكن أخاه فقط بل عديله أيضا، أو على الأقل كان ينبغي، وهو الضرير الضعيف القادر بغيره، أن ينحاز إلى معسكر الأقوياء (أي الكفار) حتى تقوى شوكة المسلمين فيدخل معهم في دينهم (214). ومن الحنفاء أيضا «عثمان بن الحويرث»، وقد قدم على قيصر فتنصرَّ وحسنت منزلته لديه (لاحظ أن من تنصر منهم قد تنصر في الغربة). ويذكرون أن قيصر توَّجه وولاه أمر مكة ولكن أهل مكة رفضوه. وقد مات بالشام مسموما على يد ««عمرو بن جفنة»، الملك الغساني (215)، وهو ما يعطيك فكرة عن نواياه ودوافعه ولا بأس أن نعد «أمية بن أبي الصلت» واحدا من هؤلاء الحنفاء. وهو شاعر جاهلي حكيم من أهل الطائف كان مطلعا علي الكتب القديمة، ولبس المسوح وامتنع عن الخمر والأوثان. وقد رحل إلى دمشق ثم إلى البحرين حيث ظل هناك حتى ظهرت دعوة الإسلام وبلغه خبر «محمد» عليه الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام، فقدم إلى مكة واستمع منه صلى الله عليه سلم إلى آيات من القرآن. ولما سأله أهل مكة رأيه فيه قال: «إنه على حق». ولكنه مع ذلك أجّل الدخول في الإسلام حتى ينظر، فيما قال، في أمره. وبعد ذلك سافر إلى الشام ثانية، وهاجر رسول الله إلى يثرب. ثم عاد أمية من الشام وفي نيته إعلان إسلامه، لكن مقتل ابني خال له كافرين في بدر منعه من ذلك وقد أقام أمية في الطائف إلى أن مات (216). ومن الواضح أن هذا التردد الطويل إلى أن هلك يؤكد ما قاله المؤرخون المسلمون عنه من أن الحسد والطمع في النبوة لنفسه كانا هما السبب الحقيقي أو على الأقل الرئيسي في توقفه عن إعلان إيمانه بنبوة «محمد» عليه الصلاة والسلام عليه أفضل الصلاة والسلام (217). وطبعا لو أن «أمية» بلغه من أي طريق شئ مريب عن «محمد» عليه الصلاة والسلام لما سكت لسانه، وهو الشاعر. كذلك لو أنه أحس أن «محمدًا» نبيٌّ مزيف لادعى هو أيضا النبوة، وقد كان له معين في شهرته في الجاهلية بالتعبد ومعرفة الكتب القديمة. أما «زيد بن عمرو بن نفيل»، فقد اتبع دين «إبراهيم» واعتزل الأوثان والميتة والدم والقرابين، ولم يدخل في يهودية ولا نصرانية. ولكن مغزى قصته لا يتم إلا إذا علمنا أن ابنه «سعيد بن زيد»، وابن عمه وابنة عمه، وهما «عمر بن الخطاب» وأخته (التي هي زوجة «سعيد بن زيد» نفسه)، قد دخلوا كلهم في الإسلام. ونحن جميعا نعرف الإيذاء الذي أوقعه «عمر» بـ «سعيد» هذا وزوجته والذي انتهى خير نهاية، إذ ترتب عليه إسلامه رضي الله عنه. فلو أن «سعيدًا» هذا أحس أن «محمدًا» قد تعلم من أبيه، أو لو أن أباه صارحه بشيء من ذلك لما أسلم البتة، وبالذات في ذلك الوقت المبكر جدا من تاريخ الدعوة الإسلامية، أو لو أن «عمر» صاحب العين اليقظة والعقل اللماح واللسان الجريء حاكت في قلبه أية ذرة من ريبة حول «محمد» وأخذه المزعوم عن الحنفاء أو عن ابن عمه بخاصة، لما دخل في الإسلام أبدا ليتحدى الكفار جميعا جهرة وليكون إسلامه فتحًا (218). أما في المدينة فهل يمكننا أن نعد «أبا عامر الراهب» (أو الفاسق كما سماه الرسول عليه الصلاة والسلام) من بين هؤلاء الحنفاء؟ إن قصته لتشبه قصة «ابن الحويرث المكي»، إذ إنه لما هاجر النبي إلي المدينة فارقها هو غلًّا وحقدًا وأخذ يؤلب الكفار عليه، ثم ذهب إلي قيصر يستعين به وقد اشترك ضد المسلمين في غزوة أحد، وأوعز إلى منافقي المدينة أن يبنوا مسجدا في محلتهم بعيدا عن عيون الرسول والمخلصين من أتباعه ليشق به وحدة الجماعة ويجتمع بهم فيه. ولكن كل ذلك لم يُغْنِه فتيلا، وحقت عليه لعنة نفسه، إذ قال لرسول الله عليه الصلاة والسلام أول مقدمه إلى المدينة: «الكاذب أماته الله طريدًا غريبًا وحيدًا»، يعرَّض برسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات هو بالشام غريبًا طريدًا وحيدًا بعد فشله وإطلاقه آخر سهم في جعبته، إذ خرج إلى الطائف يحرض أهلها ويقوي قلوبهم على حرب رسول الله، ولكنهم أسلموا فلحق بالشام وهلك هناك. والذي يهمني قوله هنا هو أن أحدا من أهل المدينة لم يتبعه، وحين ناداهم وهو يحارب في صفوف المشركين يوم أحد لينبههم إلى وجوده فينحازوا معه قائلًا: «أنا أبو عامر» ردوا عليه بقولهم: «فلا أنعم الله بك عينا
(يُتْبَعُ)
(/)
يا فاسق». حتى ابنه كذبه واتبع «محمدًا» عليه الصلاة والسلام، وحارب في تلك المعركة نفسها جنديًّا في صفوف المسلمين واستشهد فيها. وهو «حنظلة» المسمى «غسيل الملائكة»، رضي الله عنه رضًا واسعًا (219). كذلك هل يمكننا أن نلحق بالحنفاء أيضا «أبا قيس صرمة بن أبي أنس»، الذي ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وفارق الأوثان، وهمَّ بالنصرانية ولكنه أمسك عنها وأخذ يعبد الله على دين «إبراهيم» عليه السلام حتى هاجر الرسول إلى المدينة فأسلم رغم أنه كان شيخًا كبيرًا، وطفق ينافح عن الإسلام بأشعاره الحسان (220). فمن هذا العرض نخرج بالنتيجة التالية: أن بعض هؤلاء الحنفاء قد أسلموا، ومن لم يسلم منهم انحاز إلى أحد الأباطرة لمصلحة له، ولم يتابعه حتى أقرب المقربين إليه بل دخلوا في الإسلام واتبعوا «محمدًا» عليه الصلاة والسلام. أما «زيد بن عمرو بن نفيل»، فقد رأينا ابنه وأقرباءه يصدقون بالنبي ودعوته ويفدونهما بالنفس والنفيس. وقد عرفنا من أمر «أمية بن أبي الصلت» ما عرفنا، فما دلالة هذا كله؟ أترك ذلك للقارئ ليحكم هو بنفسه على مفتريات المستشرقين التي لم يفكر في توجيهها إلى «محمد» صلى الله عليه وسلم مجرد تفكير أيُّ واحد من معاصريه بالغًا ما بلغت عداوته له.
إن أحدا من هؤلاء الحنفاء لو شعر أن «محمدًا» إنما هو دعي نبوة لا نبي حقيقي لادعى هو أيضا النبوة. ولا يصحن أن يقول قائل: ولكن لقد ظهر فعلا متنبئون مثل «مسيلمة» و «طليحة»، أفليس هذا كافيا؟ لا يصحن أن يقول قائل هذا لأن سير هؤلاء المتنبئين كافية عند العقلاء لرفضهم ورد ادعائهم: ف «الأسود العنسي» مثلا كان بطاشا جبارًا. وقد أسلم لما أسلمت اليمن ثم ارتد أول واحد، ولكنه قتل بعد تنبئه بأربعة أشهر فقط. وسبق أن ذكرنا الدور الذي قامت به زوجته في عملية اغتياله. ولا أظن في هذه المعلومات عن شخصيته وحياته وموقف زوجته منه ما يدعو عاقلا إلى تصديقه، وبخاصة أنه أسلم ثم ارتد وتنبأ، إذ ليس هذا فعل الصادقين بَلْه رسل الله (221). وأما «مسيلمة» فقد أسلم أيضا، لكنه لما رجع إلى اليمامة ارتدَّ وتنبأ قائلًا: «إني اُشْرِكْتُ في الأمر معه» (أي أنه شريك لمحمد عليه الصلاة والسلام في النبوة) وهي كلمة تمحق ادعاءه محقًا، إذ هي اعتراف منه لمحمد عليه الصلاة والسلام بالنبوة، ومحمد عليه الصلاة والسلام قد كذبه تكذيبا قاطعًا. وثمة ما هو أكثر من ذلك، فقد أحلَّ لمن تابعوه الخمر والزنا وحط عنهم الصلاة (222). و قد هلك في حروب الردة: قتله «وحشي» (قاتل حمزة رضي الله عنه في أحد)، واشترك معه في قتله رجل من الأنصار (223). وكان قد تزوج «سجاح» المتنبئة، فأقامت معه قليلا. وكانت قد نزلت اليمامة بجيش كبير، ولكنها لما أدركت صعوبة الإقدام على قتال المسلمين انصرفت راجعة إلى الجزيرة (بالعراق)، ثم لما بلغها قتل «مسيلمة» أسلمت. وعند وفاتها صلى عليها والي البصرة من قبل معاوية بن أبي سفيان. وأظن أن في هذا معنى لمن يريد أن يعرف حقيقة «مسيلمة» وحقيقة «سجاح» (224). ويبقي «طليحة الأسدي»، وقد أسلم قبل تنبئه كما أسلم زميلاه في التنبؤ: «مسيلمة» و «الأسود»، لكنه لما رجع مع وفود قومه بني أسد إلي بلادهم ارتد وادعى النبوة. وقد هزمه «خالد» في عهد «أبي بكر الصديق» رضي الله عنهما فهرب إلى الشام، ثم عاد إلى الإسلام في عهد «عمر» وأبلى بعد ذلك في الفتوح الإسلامية بلاء حسنا حتى استشهد في «نهاوند» (225). وها أنت ذا ترى أن اثنين من هؤلاء المتنبئين لم يكملا الطريق وعادا إلى الإسلام، أما الاثنان الآخران اللذان هلكا فقد أسلما أولا ثم ارتدا وتنبآ، وليس هذا بفعل الأنبياء الحقيقيين.
وهناك مصدر آخر يلمح بعض المستشرقين إلى أن الرسول كان يمتح منه أحيانا، وهو «عمر بن الخطاب». فهذا «مكسيم رودنسون» يقول: «وقد افتخر «عمر» في براءة بأن ثلاثًا من نصائحه قد وافقت الوحي على نحو معجز» (226). وإن عبارتَيْ «في براءة» و «علي نحو معجز» تدلانك وحدهما على ما يريد هذا المستشرق أن يقول، حتى لو لم تعرف أنه غير مسلم وأنه يرجع الوحي إلى مصدر بشري. وإني في الوقع لست أدري لم يعتقد «رودنسون» وأمثاله أن الوحي لا بد أن يخالف كل فكرة أو اقتراح بشري؟ إن البشر ليسوا على كل حال شياطين، بل فيهم من روح الله كما يقول القرآن، فإذا توافقت أفكار بعض الصحابة
(يُتْبَعُ)
(/)
مع الوحي فما وجه الغرابة في هذا؟ إن «رودنسون» نفسه قد حضر موافقات الوحي لـ «عمر» في ثلاث، فهل هذا كثير على رجل مسلم اشتهر بتقوى الله وصفاء البصيرة وعمق الفهم لدينه وجرأته في التعبير عما يعتقد أنه الحق؟ أم كان يجب على الله سبحانه أن يغيظ «عمر» في كل مرة من هذه المرات الثلاث ويغير وحيه حتى لا يتوافق مع رأي «عمر»؟ أم ماذا؟ أما غمز «رودنسون» ولمزه لـ «عمر» حين أشار إلى «براءته» فهو دليل على عجزه عن فهم الرجال وسبر أغوار شخصياتهم. فلم يكن «عمر» ذلك الرجل البريء (أي الساذج، كما يحاول أن يوحي لنا «رودنسون»)، بل كان نافذ البصيرة، نقادة، حاد الملاحظة، كبير العقل. لقد حكم الإمبراطورية الإسلامية عشر سنين وهي في أوج صراعها مع دهاقنة العالم من الفرس والروم فحطمهم تحطيمًا. وأظن أن هذا هو السبب الذي أملى على هذا الشيوعي الأوروبي أن يلمز أمير المؤمنين هذه اللمزة السمجة. على أنه إذا كان الوحي قد وافق «عمر» ثلاث مرات، فقد خالف الوحي «عمر» والدنيا كلها حين كان «عمر» كافرًا، وكان على «عمر» أن يغير عقائده وأسلوب حياته ويتوافق مع ذلك الوحي. أما بعد الإسلام فما أكثر المرات التي خالفه فيها النبي عليه الصلاة والسلام: فقد كان «عمر» مثلا يحلف بأبيه فنهاه النبي فانتهى (227). كما أنه عليه السلام قد نصر مرة رأي امرأة على رأي «عمر» (228). وحتى في حجاب زوجاته عليه السلام فإن الوحي لم يوافقه على طول الخط. لقد نزل القرآن بالحجاب علي زوجات رسول الله صيانة لهن من نظرات الزائرين لبيت النبوة وتطلعات السفهاء، وكان هذا أيضا رأي «عمر» رضي الله عنه وأرضاه. لكن «عمر» قابل ذات ليلة أم المؤمنين «سودة بنت زمعة»، رضي الله عنها، فتعرف عليها وقال لها: «إنك والله يا «سودة» ما تَخْفَيْنَ علينا»، فرجعت إلى النبي فذكرت ذلك وهو في حجرة «عائشة» يتعشى، وكان في يده عرق فأُنْزِلَ عليه، ثم رفع عنه وهو يقول: «قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن» (229). كما طلب من النبي في أكثر من مناسبة أن يقتل هذا الرجل أو ذاك لأنه، في نظره، منافق قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فكان عليه الصلاة والسلام يرفض اقتراحه ويرشده إلى ما هو أقوم (230). بل لقد بلع من هيبة «عمر» له أنه، لما نسى عليه السلام فصلى إحدى الصلوات الرباعية ركعتين فقط، لم يستطع أن يفاتحه في الأمر لا هو ولا «أبو بكر» (231). كما أنه و «أبا بكر» قد اختلفا عند النبي على أمر وارتفعت أصواتهما، فنزل قوله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا، لا ترْفعوا أصواتكُم فوقَ صوتِ النبي، ولا تجْهَروا له بالقوْل كجَهْرِ بعْضِكم لبَعْضِ أن تحْبَط أعْمالكم وأنتم لا تشْعُرون}، فكان «عمر» بعد ذلك إذا حدث النبي بحديث خفض صوته كأنه يسر إليه بشيء (232). فهل يَسُوغُ القول تصريحًا أو تلميحًا بأن «عمر» كان مصدرًا لبعض الوحي؟ «عمر» الذي كان يقبل الحجر الأسود وهو يقول: «إنما أنت حجر، ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك» (233)؟ ولكن لم؟ أكان عليه الصلاة السلام يخافه؟ أبدًا، فهو الذي كان يهاب النبيَ، وهو الذي تابعه وتحدى الدنيا من أجله وأجل دينه. أكانت موافقات «عمر» للوحي في أمور عويصة حيرت بال الرسول عليه الصلاة والسلام وأسهرته الليل حائرا يتقلب على فراشه؟ ولا هذه أيضا، فها هي ذي الأمور التي اتفق الوحي فيها معه رضي الله عنه: «قال «عمر»: وافقت الله في ثلاث. . . قلت: «يا رسول الله، لو اتخذت مقام «إبراهيم» مصلى. وقلت: «يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب. . . وبلغني معاتبة النبي بعض نسائه فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن. . . فأنزل الله: {عسى ربُهُ إن طلقكن أن يُبْدِلهُ أزاجًا خَيْرًا منكُنَ} (234). فالآن نستطيع أن ندرك أسلوب المستشرقين في الطنطنة على لا شيء!
وفي نهاية هذا الفصل نتساءل: هب أن الرسول، وذلك مستحيل بعد كل ما قلناه، كان كاذبًا، فما الذي كان يريده من وراء هذا الكذب؟ المال؟ الشرف؟ الرياسة والسلطان؟ إن تفاصيل حياته كلها تكذب ذلك أشد تكذيب. ومع هذا فسوف نتناول هذه الدوافع بالمناقشة المفصلة الموثقة، كعادتنا دائما، في الفصل الثاني الذي سنخصصه للشبهة الثانية التي يحاول غير المسلمين تفسير ظاهرة الوحي بها، وهي أن «محمدًا» كان واهمًا مخدوعًا. كأنهم لما تيقنوا فشل الشبهة الأولى وعرفوا أن اتهامه بالكذب والخداع هو اتهام متهافت عاد فريق منهم فقال إنه لم يكن خادعا بل مخدوعًا.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[08 Aug 2008, 11:28 ص]ـ
أرجو من المشرفين الكرام أن يصححوا العنوان الرئيسى عندهم بناء على ما هو مكتوب داخل النافذة، ثم يمسحوا هذا التعليق بعد ذلك، ولهم الشكر، مع الاعتذار على هذا الخطإ
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[08 Aug 2008, 11:57 م]ـ
المكرم د. إبراهيم عوض: السلام عليكم ورحمة الله ووفقكم الله لكل خير وبارك في جهودكم، وأثابكم بكل حرف تخطونه قناطير من الأجر ... وجعله ذخراً لكم يوم الميزان ...
أرجو أن ترشدني أين تطبع مؤلفاتكم؟ وخصوصاً الآن معرض الكتاب في مكتبة الأسد في دمشق ..
أيدكم الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الجندى]ــــــــ[09 Aug 2008, 09:12 ص]ـ
بارك الله فيك د. إبراهيم عوض.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[09 Aug 2008, 02:21 م]ـ
ردا على الأستاذ الدكتور أحمد الطعان لا أجد أفضل من نسخ ما كتبته قبل ساعتين جوابا لواحد من القراء سألنى: هل أعلم ناشرا يمكنه نشر كتاب له يدافع فيه عن الإسلام؟ وهذا نص ما كتبته، وإن كانت فيه بعض المبالغة: بعض فقط، وهو لا يؤثر على الصورة الحقيقية كثيرا: ـ
"تجربتى مع الموزعين، فما بالك بالناشرين؟، شديدة السوء. فى مصر والبلاد العربية لا يوجد دور نشر بالمعنى المفهوم فى الغالب، بل مجموعة من اللصوص. أما ما تراه على أغلفة كتبى من أسماء دور نشر فهو (فى الغالب) كلام وهمى، إذ كنت أنا الذى يتولى الإنفاق عليها ثم أضع اسم دار منها على الغلاف بالاتفاق معها. أما الآن فلم يعد لى صلة بأى دار نشر أو توزيع، وأكتفى بوضع اسم طابع الكتاب على أنه هو الناشر، ولا توزع كتبى عند أحد، اللهم إلا فى الكلية. وبالمناسبة فالمسلمون والعرب لا يقرأون يا بنى، ولا حتى الطلبة فى الجامعة، إذ لا يفتحون الكتاب المقرر ذاته إلا فى الشاذ النادر، وقبل الامتحان بأيام. وهناك قصص ومآس فى عالم النشر والتوزيع لو سمعتها لما أغلقت فمك من الدهشة. إذا كنت تريد المجازفة بشىء من المال معك فتقدم، لكنك ستخسر فى الغالب. فإن أردت المغامرة رغم هذا فأنت وذاك، أما إن كانت الأخرى ووجدت ناشرا لكتابك ينشره على حسابه لا حسابك فأنت من المحظوظين. لكنه لن يعطيك فلوسا، اللهم إلا إذا كنت من المكتوبين فى عالم الذر من السعداء. واحتفظ غير مأمور بهذا الخطاب إلى أن تخوض التجربة وترى ثمارها وتعرف إلى أى مدى كنت مصيبا فى كلامى أو متشائما".
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[09 Aug 2008, 02:28 م]ـ
نسيت أن أقول للدكتور الطعان إننى مستعد أن أعطيه ما يشاء من كتبى التى لا يزال عندى منها بعض النسخ، هدية منى له مثلما أصنع مع غيره. المهم أن يكون له أحد بالقاهرة يتصل بى فأعطيه بعض تلك الكتب، ويتولى هو توصيلها إلى سيادته. وألف مرحبا
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[09 Aug 2008, 08:59 م]ـ
ردا على الأستاذ الدكتور أحمد الطعان لا أجد أفضل من نسخ ما كتبته قبل ساعتين جوابا لواحد من القراء سألنى: هل أعلم ناشرا يمكنه نشر كتاب له يدافع فيه عن الإسلام؟ وهذا نص ما كتبته، وإن كانت فيه بعض المبالغة: بعض فقط، وهو لا يؤثر على الصورة الحقيقية كثيرا: ـ
"تجربتى مع الموزعين، فما بالك بالناشرين؟، شديدة السوء. فى مصر والبلاد العربية لا يوجد دور نشر بالمعنى المفهوم فى الغالب، بل مجموعة من اللصوص. أما ما تراه على أغلفة كتبى من أسماء دور نشر فهو (فى الغالب) كلام وهمى، إذ كنت أنا الذى يتولى الإنفاق عليها ثم أضع اسم دار منها على الغلاف بالاتفاق معها. أما الآن فلم يعد لى صلة بأى دار نشر أو توزيع، وأكتفى بوضع اسم طابع الكتاب على أنه هو الناشر، ولا توزع كتبى عند أحد، اللهم إلا فى الكلية. وبالمناسبة فالمسلمون والعرب لا يقرأون يا بنى، ولا حتى الطلبة فى الجامعة، إذ لا يفتحون الكتاب المقرر ذاته إلا فى الشاذ النادر، وقبل الامتحان بأيام. وهناك قصص ومآس فى عالم النشر والتوزيع لو سمعتها لما أغلقت فمك من الدهشة. إذا كنت تريد المجازفة بشىء من المال معك فتقدم، لكنك ستخسر فى الغالب. فإن أردت المغامرة رغم هذا فأنت وذاك، أما إن كانت الأخرى ووجدت ناشرا لكتابك ينشره على حسابه لا حسابك فأنت من المحظوظين. لكنه لن يعطيك فلوسا، اللهم إلا إذا كنت من المكتوبين فى عالم الذر من السعداء. واحتفظ غير مأمور بهذا الخطاب إلى أن تخوض التجربة وترى ثمارها وتعرف إلى أى مدى كنت مصيبا فى كلامى أو متشائما".
ليه كده يا شيخنا؟:)
هل الصورة قاتمة وسوداوية لهذا الحد؟
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[10 Aug 2008, 12:38 ص]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
الأخ العزيز الأستاذ ابن جماعة، لا أظن تصويرى للمسألة يزيد عن الواقع كثيرا فى سوئه، وإلا فلم نحن متخلفون كل هذا التخلف ولا نريد أن نخرج من هذه الدائئرة الملعونة رغم كل ما ينصب على رؤوسنا كل يوم من المصائب والبلايا من أعدائنا ومن أنفسنا؟ كذلك كم عدد النسخ التى تطبعها دور النشر من كل كتاب فى الغالب؟ فى بلاد الغرب حيث أفهم أنك تعيش يطبعون الكتاب بمئات الألوف فى كثير من الأحيان، أما نحن، ونحن أكثر من 3000000 نسمة فنطبع فى كثير من الأحيان 500 نسخة، ولا تباع إلا بالضنك. إن الغالبية العظمى الساحقة الماحقة من الأسر العربية لا تعرف شيئا اسمه شراء كتاب أو قراءة أى شىء على الإطلاق، لأنهم إنما يعيشون للأكل والشرب والتناسل ليس إلا، وهذا هو فهمهم للحياة ... ولا يختلف الحال عند الحكام عنه لدى الشعوب، فكلهم ذرية واحدة فى سوئها وتخلفها. وكفاية كده، إذ لا أريد أن أولم نفسى أكثر من ذلك. لا بل خذ عندك: تصور أن طالبا (أوطالبة) فى قسم اللغة العربية يكتب فى ورقة الامتحان أن الإسلام عندما جاء دخل فيه محمد وآمن به، وطالبا آخر (أو طالبة) يكتب أن الآية الفلانية نزلت منذ ملايين السنين (يريد أن يقول إنها سبقت العصر الحديث الذى تقدم العلم فيه بخطوات واسعة)، وطالبا آخر (أو طالبة) يقول إن امرأ القيس كانت عنده مدرسة يدرس فيها للطلاب القرآن والحديث وما إلى ذلك. تصور أن كثيرا من الطلاب لا يستطيع أن يقول فى ورقة الامتحان شيئا قابلا للفهم، والأغلبية الرهيبة لا تستطيع تركيب جملة عربية سليمة حتى عند تناول أبسط الأفكار. ومعظم الطلاب والطالبات يقولون: الدكتور القرطبى والدكتور الغزالى والدكتور ابن حزم والدكتور الشاطبى والدكتور جرجى زيدان والدكتور سيد قطب والدكتور ابن جماعة ... (الأخيرة طبعا من عندى على سبيل الدعابة، لكن لها دلالتها مع ذلك). تصور أننى أسأل طلابا فى الفرقة الثالثة بقسم اللغة العربية عن العصر الذى كان يعيش فيه توفيق الحكيم، وأخيرهم بين المملوكى والعباسى والأموى فتكون الإجابة: المملوكى. تصور أن طلبة السنة الرابعة قسم اللغة العربية لم يعرفوا فى بداية الفصل الدراسى الماضى من هو زكى مبارك ... هيه؟ أومازلت تحسب أن الصورة التى رسمتها سوداوية دون داع؟ تصور أن طلبة السنة التمهيدية للماجستير فى قسم اللغة العربية لا يعرفون عادة أى شىء غير أولى فى النحو، بل إن كثيرا من الأوليات النحوية لا يعرفونها إلا بعد اللتى واللتيا، وبعد اشتراك الجميع فى الجواب، على طريقة كلمة من هنا، وأخرى من هناك، مع تصحيحى لمسار المناقشة إلى أن نصل إلى شىء، بعد أن تكاد روحى تخرج من حلقى؟ نعم الصورة قاتمة، والقادم أقتم، لأن كل المؤشرات تقول هذا. وبالمناسبة فهذا هو رأيى منذ أن سافرت إلى بريطانيا فى سبعينات القرن الماضى حيث تكشف لى إلى أى مدى نحن متخلفون، وإن كنت لم أتخيل أن الكوارث التى نحن فيها الآن ستكون بهذه الفداحة. لقد قلبت المواجع علىّ، وأرجو تحملى ما دام الموصوع قد انفتح
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[10 Aug 2008, 01:00 ص]ـ
أضحك الله سنك، أستاذي الفاضل. ويبدو لي أنني نجحت في استفزازك (إيجابيا) للحديث عن بعدين من أبعاد الخلل في منظومتنا العلمية: جانب النشر، وجانب المستوى العلمي للطلاب الجامعيين، إضافة إلى موضوع آخر ذي صلة ولا يمكن إغفاله: قضية جودة الكتاب وقيمته العلمية.
وأحسب أن الظاهرة عامة نسبيا في البلدان العربية، وإن تفاوتت حدتها باختلاف التخصصات.
وقد كانت لي بعض الأحاديث مع أستاذ جامعي وعميدة دار المعلمين العليا في تونس، في الإجازة الصيفية، وجرى الحديث عن وجود تطور نوعي في السنوات الخمس الأخيرة في تخصص الآداب العربية، بعد حالة من الإهمال الكامل لهذا التخصص.
أما عن موضوع النشر فهو إحدى المعضلات التي لم يتم الاعتناء بها لحد الآن في بلداننا العربية للأسف الشديد.
وقد كنت تحدث في مناسبة سابقة عن ضرورة دفع الأساتذة الجامعيين إلى التمييز بين النشر الأكاديمي والنشر الشعبي، وضرورة الضغط باتجاه دعم النشر الأكاديمي وحمايته، في كل المستويات (حماية حقوق المؤلف/ وحقوق الناشر ... )
وفي تقديري أن الأساتذة الجامعيين هو أولى الناس بأن يشكلوا مجموعة ضغط (لوبي) باتجاه دعم منشوراتهم.
ومن بين مظاهر الحماية، تكوين جمعية حقوقية للدفاع عن حقوقهم، من خلال مراقبة ما تانشره دور النشر بدون حق، ومن خلال مراقبة ما ينتشر على الإنترنت نت نسخ غير شرعية.
ومن بين مظاهر الحماية أيضا، التخلي عن اعتماد الكتب المطبوعة قديما كمراجع في الدرس الجامعي، مهما كانت قيمتها العلمية، ودفع الطلبة نحو شراء الكتب حديثة النشر.
ولا شك أن الجمهور المقصود بالنشر المتخصص هو القطاع الجامعي، أي الطلبة والباحثون.
ولعلي أعود لهذا الموضوع بمزيد البيان لبعض الحلول الذكية والعملية التي يمارسها الأساتذة الجامعيين ليفرضوا على طلبتهم شراء هذه الكتب (وعدم الاكتفاء بنسخها).(/)
مفتي فلسطين يحذر من "قرآن" ناقص الصفحات طبع في مصر
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[11 Aug 2008, 10:32 م]ـ
القدس (سبق) متابعة:
حذر المفتي الفلسطيني من تداول نسخ من القرآن الكريم , طبعت في مصر, اتضح ان عدد من صفحاتها غير موجودة.
وبين الشيخ محمد حسين المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية اليوم،أن هذه النسخ صادرة عن مطبعة السحار للطباعة في مدينة القاهرة- جمهورية مصر العربية- تصريح تداول رقم 40 الصادر في 31/ 5/2004.
وأضاف أنه بعد الاطّلاع على هذه النسخة تبين ان هناك نقصا في الصفحات، إذ تم عدم الترتيب في الصفحات من صفحة 291 إلى الصفحة 300، وكذلك تم الرجوع بترتيب الصفحات إلى الوراء من الصفحة 307 إلى الصفحة 292.
وناشد جميع المكتبات والمطابع والأشخاص، الذين يملكون نسخا من هذه الطبعات، ضرورة مراجعة أقرب دار للإفتاء وتسليمها هذه النسخ لاتلافها حسب الأصول، داعيا الجميع إلى التعاون في هذا الموضوع، مؤكداً أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ كتابه الكريم من التحريف والضياع.
المصدر ( http://www.sabq.org/inf/news-action-show-id-8071.htm)
ـ[الحسن محمد ماديك]ــــــــ[12 Aug 2008, 07:25 م]ـ
الأخ أحمد البريدي سلمك الله
ووقاك من النار وجعلك من الأبرار كما علمتنا ما لم نعلم
ـ[أبو الحارث الأثري]ــــــــ[30 Sep 2008, 08:45 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وفقك الباري وسدد خطاكم لحفظ لكتاب الله(/)
/// ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون//
ـ[عبدالعزيز رافع]ــــــــ[24 Aug 2008, 09:36 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاسلام فى العالم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
من خلال بعض الصور أحببنا أن نتعرف على أحوال
المسلمين حول العالم ..
اندونيسا:
جموع من الأخوات المصليات في الخلاء في عيد الفطر .. عام 1998
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/F/M/7/X/NYC1237.jpg
ماليزيا:
جموع من المصلين في الخلاء في صلاة العيد عام 1997
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/F/W/G/0/NYC12266.jpg
كشمير:
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/F/4/M/A/NYC5281.jpg
الولايات المتحدة الأمريكية ..
محمد على كلاي .. يدعو الله قبل بداية المباراة
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/F/4/C/L/NYC4254.jpg
أفغانستان
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/S/K/2/5/PAR192358.jpg
ماليزيا ..
فتاة صغيرة ترتدي الزي الإسلامي ..
تقف بساحة مسجد الأرقم
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/F/P/3/H/PAR50196.jpg
تركيا ..
المدرسة القرآنية في العاصمة
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/S/K/3/H/PAR239454.jpg
الأسكندرية - مصر -:
مجموعة كبيرة من المصلين في محطة القطار
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/F/W/Q/1/LON17351.jpg
المملكة العربية السعودية
مكة المكرمة
http://img56.imageshack.us/img56/9308/hajj3bt.jpg
مالي
صلاة الجمعة
http://www.magnumphotos.com/LowRes2/TR3/S/3/D/P/PAR254913.jpg
اللهم انصر الاسلام وأعز المسلمين
اللهم اشرح صدورنا للاسلام ونور قلوبنا بالايمان
اللهم اهدنا سبل المهتدين غير الضالين ولا المضلين
تقبلوا خالص تحيت أخوكم عبدالعزيز رافع
http://img68.imageshack.us/img68/2693/save03498tb.jpg
http://img358.imageshack.us/img358/9826/mujahideensdsads0um.jpg
http://img140.imageshack.us/img140/4128/aftertheearthquake7uv.jpg
http://img220.imageshack.us/img220/3513/save0053wa.jpg
ـ[راني الثبيتي]ــــــــ[29 Aug 2008, 12:54 ص]ـ
وفقك الله ياأخ عبدالعزيز فقد أسعدتنا بهذه الصور أسعدك الله بطاعته (ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)
والله إني فرحت بهذه الصور .. وكيف لاأفرح والأمة غائصة في الأزمات تلو الأزمات،ولكن حسبي أن في طي المحنة المنحة بإذن الله ..
وإذا اشتد الحبل انقطع ..
وبعد كل عسر يسرا ..
والله ناصر دينه ولو كره الكافرون
بالشام أهلي وبغداد الهوىوأنا --- بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
فأينما ذكراسم الله في بلد --- عددت ذاك الحمى من لب أوطاني
نشتاق لمعانقة كل مسلم وإن تباعدت بينا وبينهم الديار وأحال بينا وبينهم طول القفار،
هب النسيم فحركت أشجاني --- وتوقف القمري عن الألحان
وتمايلت نحو القصيد قريحتي --- كتمايل الأمواج للشطآن
أبكي وأشكوامن فراق أحبتي --- وأذوب شوقا للنبي العدناني
فسلام الله عليهم ورحمة منه وبركات .....
ـ[عبدالعزيز رافع]ــــــــ[31 Aug 2008, 11:21 م]ـ
شكر الله لك أخي راني الثبيتي ووفقك الله وسدد خطاك .. ومبارك عليك الشهر ..(/)
تذكير بقرب انتهاء التقديم لمؤتمر التعامل مع النصوص الشرع
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[29 Aug 2008, 11:55 ص]ـ
نذكر الأخوة في الملتقى بقرب انتهاء موعد قبول الأبحاث لمؤتمر
كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، والمنوي عقده في الاسبوع الأول من شهر 11 لهذا العام، وعنوانه":
التعامل مع النصوص الشرعية عند المعاصرين
آخر مع في مطلع شهر رمضان المبارك(/)
العلاقة بين العلمانية والغنوصية " بحث مُحكّم "
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[01 Sep 2008, 12:57 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظة: هذا البحث نُشر في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية - الكويت عدد سبتمبر 2008 م.
العلاقة بين العلمانية والغنوصية
د. أحمد إدريس الطعان ([1])
كلية الشريعة – جامعة دمشق
بريد إلكتروني: Ahmad_altan@maktoob.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الصادق الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
في الظلام تكثر الخفافيش ..
وفي الظلام تغيب الحقائق، وتختلط معالم الأشياء، ويستوي الأعمى والبصير ..
وفي الظلام ينشط الشطار والسراق يبحثون تحت جنح الظلام عن صيودهم وغاياتهم ومكاسبهم .. وفي الظلام يتعالى صفير هؤلاء وتصفيقهم وضوضاؤهم يصمون الآذان، ويقلقون الأذهان.
إذا كان ذلك ما يحصل في ظلام الحس والمشاهدة فكذلك هو ما يحصل في ظلام الأفكار والمبادئ، فيحرص المغرضون على اختلاط المفاهيم، واندراس الحدود، والتباس التعاريف، ويضيق هؤلاء بالوضوح والبيان، ويتبرمون من التدقيق والإتقان.
وفي هذا العالم المختلط من الفوضى يتكلم الرويبضات، ويتقدم الأراذل، ويتصدر الأصاغر، ويؤم القوم أجهلهم، ويقودهم أحمقهم. غير أن الأدهى من كل ذلك أن تصبح الفوضى هي الأساس، والعبث هو القانون، والغموض هو الإبداع، والهوى هو الميزان، وهو ما يحصل اليوم في عالم النصوص وقراءتها وتأويلها، وفي عالم الأفكار وصناعتها وتدويلها.
فالذين يبحثون عن الحقيقة يحرصون على اكتشاف معالم النص وحدوده وأبعاده، وهو ما لا يعني أبداً تجاهل أعماقه وآفاقه الواسعة، ولكنهم يريدون الحقيقة التي يحث عليها النص سواء كانت حقيقة نظرية اعتقادية أم عملية سلوكية، وفي هذه الحالة يمثل هذا الصنف دور المحكوم الذي يبحث في النص عن مقاصد الحاكم ومراميه، ويوظف لفهم النص كل وسائل الإضاءة والإنارة، وهو متشوف إلى اكتناه الحقيقة والتشبث بها.
غير أن صنفاً آخر من الناس لا يعتقدون بوجود حقيقة أصلاً وراء عالم الأهواء والأغراض الذي يتمرغون فيه، فكل حقيقة يمكن أن تنغص عليهم وهْمَ المتعة الذي يعيشونه هي حقيقة زائفة، وكل نص يعكر عليهم نشوة السكرة التي ينعمون بها هو نص استبدادي لا بد من مقاومته بكل وسائل التشويش والتعكير والتنفير.
ومن هنا فإن الخطاب العلماني/الغنوصي يرفض حكومة النص المُحْكم، لأنه بنظرهم نص إمبريالي يريد أن يفرض سلطانه على قرائه، بمعنى آخر لأنه نص مستنير واضح ليس فيه ظلام، ولا يسمح بحرية اللعب، في حين يكون النص المتشابه – بنظر الخطاب المدروس- هو النص المحبوب والمقرب لأنه يفسح المجال لإطفاء الأنوار، وإسدال الظلام، والألعاب الحرة.
في هذا اللعب الحر، وفي هذا الظلام النصي، وفي هذه الغشاوة التأويلية، تلتقي كل من العلمانية والغنوصية لقاء الأحباب في تأويل أو تقويل النص القرآني، والتحلل من حكومته ..
إذاً: تلتقي العلمانية مع الغنوصيات القديمة المتمثلة في الهرمسية ([2]) والأفلوطينية ([3]) والباطنية ومع الغنوصية الجديدة المتمثلة في الهرمينوطيقا الغربية في قضية التأويل أو القراءة للنصوص، وإن كان الاتفاق بينهما لا يعني أكثر من الاتفاق على عدم الاتفاق، أي أن الإنسان القارئ للنص له الحق أن يفهم من النص ما يحقق له أغراضه وإراداته دون اعتبار لما يقوله النص، إن القارئ هو الذي يقول، والنص عليه فقط أن يكون جهاز استقبال وتبرير لإملاءات القارئ، دون أن يُسمح له بالإرسال أو القول.
ونحن نقول هنا: بأنه ليس هناك ما يمنع أن يكون النص المقروء محرضاً على الإبداع أو حافزاً للفكر على التجديد أو الاستنباط، ولكن الفهم الجديد قد يرتبط بالنص القديم ببعض الوشائج اللغوية والأصولية والقرائنية التي تسمح له أن يكون تفسيراً وشرحاً للنص القديم، وقد يكون هذا الفهم هو مجرد تداعيات أو إيحاءات سببتها قراءة النص ولكنها منبتة الصلة به لغوياً وأصولياً وقرائنياً، ومع ذلك تصرُّ القراءات الغنوصية / العلمانية على اعتبارها فهوماً مشروعة بالنص، ومؤسَّسة عليه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد اعتمدت في هذا البحث على المصادر الأساسية والمباشرة للخطاب العلماني والغنوصي، وحرصت على أن أترك النصوص هي التي تتكلم، وأن يكون منهجي هو المنهج الوصفي الكشفي التركيبي حتى لا أُتَّهم بالتجني والتحامل.
وها هنا ملاحظتان منهجيتين أود أن ألفت النظر إليهما لعل ذلك يجنبني الكثير من النقد وسوء الفهم الأولى: أنني في هذه الدراسة لم أتعامل مع الخطاب العلماني كأشخاص وأفراد متمايزين مختلفين، وإنما تعاملت معه كمنظومة فلسفية تنتهي إلى جذور واحدة وتستند على أسس متقاربة، ولذلك تجنبت ذكر الأسماء غالباً في متن الدراسة، وأحلت إليها في الهوامش، ولذلك أيضاً كنت أنتقل من نص إلى نص دون اعتبار لقائله ما دام يتكامل مع غيره في داخل السياج الأيديولوجي العلماني.
لقد أراد البحث إذن أن يكشف عن الوحدة المتخفية وراء التنوع والاختلاف في المنظومة العلمانية، وأن يصل إلى الجذور الكامنة وراء الأغصان والفروع، فالتيارات والمدارس العلمانية الليبرالية والماركسية والحداثية والعدمية على الرغم من اختلافها إلا أنها تتفق إلى حد كبير كلما حاولنا الحفر في الأعماق للوصول إلى الجذور المادية والدنيوية التي تغذيها، ويكون الاتفاق أكثر وضوحاً حين يتعلق الأمر بالدراسات الإسلامية عموماً، وذلك بسبب التضاد المطلق بين هدف الرسالة الإسلامية وهدف العلمانية الغربية في التعامل مع أسئلة الإنسان الكبرى وقضاياه المصيرية.
والثانية: أنني اعتمدت على المصادر المترجمة التي تمكنت من الوصول إليها للباحثين الغربيين الذين احتاجت لهم هذه الدراسة. كما توجد في البحث بعض المصادر الثانوية لم يكن اعتمادي عليها كمصادر جوهرية وإنما كمكملات نفلية على مبدأ أن النافلة إن لم تنفع فلا تضر بعد أداء الفريضة.
وأحب أن أشير إلى أنني لا أعرف من كتب في هذا الموضوع بشكل مستقل، ولم يقع تحت يدي أي بحث يسلط الضوء على هذه العلاقة بين العلمانية والغنوصية.
وقد جاء هذا البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة:
المقدمة: وفيها الإشارة إلى إشكالية البحث ومنهجيته وخطته.
المبحث الأول: وشائج التواصل بين العلمانية والغنوصية الهرمسية.
المبحث الثاني: متاهة القراءة العلمانية " مراجعة نقدية ".
الخاتمة: وفيها الخلاصة والنتائج.
المبحث الأول
وشائج التواصل بين العلمانية والغنوصية ([4]) الهرمسية
المطلب الأول – العلاقة بين الهرمينوطيقا والغنوصية:
"" الهرمينوطيقا هي فن كشف الخطاب في الأثر الأدبي "" ([5]). كما "" تعني تقليدياً فن تأويل النصوص المقدسة الإلهية أو النصوص الدنيوية البشرية، وهي كذلك مساوية للتفسير أو للفلولوجيا بما هي تفسير حر في أو نحوي وصرفي لغوي لبيان معاني الألفاظ والجمل والنصوص، وهذا ما يعرف بالتفسير اللفظي "" ([6]).
وهو مصطلح مستخدم في دوائر الدراسات اللاهوتية ليشير إلى مجموعة القواعد والمعايير التي يجب أن يتبعها المفسر لفهم النص الديني ([7]).
هذا هو المعنى التقليدي للهرمينوطيقا، ولكن مع تطور نظرية النسبية أصبحت الهرمينوطيقا تُعنى بفن الفهم، وهذا المعنى " فن الفهم " هو الذي سيؤسس له شلاير ماخر 1768 – 1834 م ([8]) الذي يُعد أبو التأويلية الحديثة، وأصبح فن الفهم أو فن التأويل يتناول ليس النصوص المقدسة فقط بل تعدى ذلك إلى النصوص البشرية ذات المضمون الطبيعي اليومي ([9]).
ومعنى كونها تجاوزت الكتب المقدسة إلى الكلام البشري اليومي أنها أصبحت تُخضع كل شيء للتأويل، وتعتبر التأويل هو الأصل في الكلام، وبذلك تكون الهرمينوطيقا نمطاً من أنماط القراءة والتأويل للنصوص والتراثات الفكرية عموماً وهو ما سمي الهرمينوطيقا العامة ([10]).
في مقابل الهرمينوطيقا العامة التي اهتمت بتفسير الوجود تقوم هرمينوطيقا خاصة تركز بالذات على تفسير النصوص، ومن أبرز ممثليها بول ريكور ([11]) [ولد سنة " 1913م] الذي يُعوِّل كثيراً على التفسير الرمزي، وهو ما سيُعتَبر أساساً تقوم عليه الهرمينوطيقا، إذ يَعتبر ريكور الرمز وسيطاً شفافاً ينم عما وراءه من معنى، ومعنى ذلك أن يقول القائل شيئاً وهو يعني شيئاً آخر في آن واحد، وبغير أن تتعطل الدلالة الأولى وهو ما يسمى" بالوظيفة الأليغورية " للغة بالمعنى الحرفي للكلمة ([12]). وهذه الطريقة لجأ إليها بولتمان (
(يُتْبَعُ)
(/)
[13]) في تحطيمه للأسطورة الدينية في العهد القديم، والكشف عن المعاني العقلية التي تكشف عنها هذه الأساطير ([14]).
وهناك طريقة أخرى يمثلها كل من فرويد ([15]) وماركس ([16]) ونيتشة ([17]) كما يبين ريكورنفسه، وهي التعامل مع الرمز باعتباره حقيقة زائفة لا يجب الوثوق به، بل يجب إزالتها وصولاً إلى المعنى المختبئ وراءها، فالرمز في هذه الحالة لا يشف عن المعنى بل يخفيه ويطرح بدلاً منه معنى زائفاً، ومهمة التفسير هي إزالة المعنى الزائف السطحي وصولاً إلى المعنى الباطني الصحيح. لقد شكك فرويد في الوعي باعتباره مستوى سطحياً يخفي وراءه اللاوعي، وفسر كلٌّ من ماركس ونيتشة الحقيقة الظاهرة باعتبارها زائفة، ووضعا نسقاً من الفكر يقضي عليها ويكشف عن زيفها ([18]).
والرمزية الريكورية تقوم على الكشف والإبلاغ عندما تساعد في تفجير دلالات اللغة عوضاً عن انكفائها على ذاتها ([19]). وتعتمد على مفهوم العلامة عند سوسير باعتبارها ذات صلة وعلاقة مع غيرها من العلامات ([20])، وباعتبارها ذات إمكانات استدعائية عجيبة، وذات قدرة فريدة على تأويل بعضها البعض ([21])، وبكون العلامة قادرة على التعبير عن شيء دون أن تتعطل عن التعبير عن شيء آخر ([22]). وبذلك يعتبر ريكور رمزيته ظاهرة ملموسة للمعنى على مستوى الخطاب، موثقة على أرضية العمليات الأولية للعلامات، وبذلك تكتسب رمزيته - بنظره - قيَماً وظيفية فلم يعد الاشتراك اللفظي ظاهرة انحراف في ذاته، ولا الرمزية زينة في اللغة ([23]).
ويصل ريكور إلى أن القيمة الفلسفية للرمزية تكمن في كونها تعبر عن غموض الكينونة من خلال تعدد إشارية علاماتنا ([24]).
هذه الرمزية تنتهي بريكور إلى تقرير النتائج التي يتفق عليها أغلب الهرمينوطيقيين فالنص بمجرد أن يُدوَّن كتابة يصبح مستقلاً عن قصد الكاتب، وتنفتح عندئذ إمكانيات التأويل المتعددة ([25]) المفتوحة التي لا تختزلها أية رؤية ([26])، وتكون مهمة الهرمينوطيقا هي الكشف عن "" شئ النص غير المحدود "" لا عن نفسية المؤلف ([27])، لأن دلالة النص العميقة ليست هي ما أراد الكاتب قوله، بل ما يقوم عليه النص بما فيه إحالاته غير المعلنة ([28]). ولذلك يعلن ريكور: "" أحياناً يطيب لي أن أقول: إن قراءة كتاب ما هي النظر إلى مؤلفه كأنه قد مات … وبالفعل تصبح العلاقة مع الكتاب تامة وثابتة بشكل ما عندما يموت الكاتب "" ([29]).
وهكذا نجد في الهرمينوطيقا تعتبر العلامات والرموز هي الأساس الذي تتكون منه اللغة، ولا عبرة بأي قواعد أو أنظمة يتعارف عليها الناس للخطاب، فهي إذن تتمرد على النظام الاجتماعي والمعرفي السائد بين الناس والذي يشكل أساس التواصل بين الناس.
كذلك فإن الهرمسية التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي فإنها تمردت على القوانين العقلية التي كانت سائدة لدى اليونان مثل مبدأ الهوية ([30])، ومبدأ عدم التناقض ([31])، ومبدأ الثالث المرفوع ([32]) فكان هرمس كائناً متقلباً وغامضاً فهو أبٌ لكل الفنون، ورب لكل اللصوص، وكان شاباً وشيخاً في نفس الوقت ([33])، وبناء على هذا فإن الحقيقة كامنة في كل شيء، فكل شيء يقول الحقيقة ولا يقولها، وليس في ذلك تناقض – في المنظور الهرمسي – لأن كل كلمة هي في الأصل إيحاء أو مجاز، إنها تقول شيئاً آخر غير ما يبدو في الظاهر، والوصول إلى الباطن يحتاج إلى كشف إلهي أو رؤية أو حلم ([34]). لأن الحقيقة هي ما لم يُقل، أو هي ما قيل بطريقة غامضة، إن الآلهة تتكلم عبر إرساليات مليئة بالألغاز ([35]). والشيء الصحيح أساساً هو ذاك الذي لا يمكن شرحه ([36])."" وهكذا فاللغة بالنسبة للفكر الهرمسي الغنوصي بقدر ما تكون غامضة ومتعددة بقدر ما تكون غنية بالرموز والاستعارات، وهو ما يجعلها قادرة على تعيين الله الذي يحتضن داخله كل المتناقضات "" ([37]). وخلاصة ذلك أن "" التأويل في الفكر الغنوصي غير محدود، إن محاولة الوصول إلى دلالة نهائية ومنيعة سيؤدي إلى فتح متاهات وانزلاقات دلالية لا حصر لها "" ([38]).
ويعدد إمبرتو إيكو ([39]) أسس القراءة الهرمسية للنصوص، والقارئ قد يحسب أنه يعدد أسس القراءة الهرمينوطيقية فهي تقوم على أن:
· النص كون مفتوح بإمكان المؤول أن يكتشف داخله سلسلة من الروابط اللانهائية.
(يُتْبَعُ)
(/)
· إن اللغة عاجزة عن الإمساك بدلالة وحيدة، ومعطاة بشكل سابق.
· إن اللغة تعكس لا تلاؤم الفكر، إن وجودنا في الكون عاجز عن الكشف عن دلالة متعالية.
· إن كل نص يدعي إثبات شيء ما هو كون مُجهَض، أي نتاج كائن يشكو من اختلال ذهني، لأن النص يُنتج سلسلة لا متناهية من الإحالات ([40]).
بناء على هذه الأسس فإن الفكرة التي عبر عنها بول فاليري بقوله: "" لا وجود لمعنى حقيقي للنص "" هي فكرة هرمسية خالصة ([41]).
إذاً: تستند الهرمسية على مبدأ المماثلة والتناظر وإذا كانت المماثلة في القياس الأصولي تستند على العلة أو القرينة فإنها في المماثلة الغنوصية والهرمسية تتحرر من هذا القيد فالجواز من اللفظ إلى المعنى أو من الظاهر إلى الباطن في التأويل الغنوصي يتم بدون جسر، وبدون واسطة، فهو قياس ولكنه عشوائي وبدون جامع أو ضابط ([42]).
إن الشيئين قد يتشابها أحياناً من حيث السلوك، وأحياناً من حيث الشكل، وأحياناً من حيث الزمن، فالأساس في هذه المماثلة الغنوصية هو شكل القرابة وليس المقياس الدال عليها ([43]). فالغنوصية الهرمسية تتجاهل المقاييس ما دام وُجد أي شكل من أشكال التناظر، فتنتقل من مدلول إلى آخر، ومن تشابه أو ترابط إلى آخر دون ضابط أو رقيب، فالنص يُنتِج انزلاقات دلالية لا تتوقف لأن مدلول كل كلمة ليس سوى مدلول كلمة أخرى، وبإمكان كل شيء أن يحيل إلى أي شيء ([44]).
إنها حالة توالد إيحائي ([45]) يستند على أي حالة من حالات التناظر أو التماثل، وإذا علمنا أن أي شيء يمكن أن تكون له من زاوية ما علاقات تناظر أو تجاور أو مماثلة مع أي شيء آخر ([46]) أدركنا أن التوالد لا نهاية له، وأن الإيحاءات تنتشر بشكل سرطاني بحيث إننا كلما انتقلنا إلى مستوى أعلى تم نسيان مضمون العلاقة السابقة أو تم محوها دون توقف ([47]).
أظن أنني هنا أحتاج فقط إلى التأكيد على أنني كنت في الفقرة الآنفة أتحدث عن الغنوصية الهرمسية وليس عن الهرمينوطيقا.
المطلب الثاني - العلاقة بين العلمانية العربية والغنوصية:
1 – التواصل المنهجي التنظيري:
برغم أن الغنوصية تقوم على العرفان والكشف بزعم أهلها، وأن العلمانية تقوم على العقل بزعم أهلها أيضاً إلا أن اللقاء بين الطائفتين يكاد يكون تاماً على مستوى الوسائل والغايات والمسالك والنهايات، ومع أن هذا الموضوع يستحق الإفاضة طويلاً، ويحتاج إلى دراسة مستقلة، إلا أنني سأحاول أن أختصر هذه الفقرة على أمل أن يكون ذلك نواة لبحث أوسع.
إن الطائفة الوريثة للغنوصيات القديمة في التاريخ الإسلامي هي الباطنية ومن خلالها سنحاول أن نكشف عن عناصر التواصل بين العلمانية والغنوصية.
يعتبر العلمانيون أنفسهم دعاة التنوير والتجديد كما هو معلوم، وكذلك يعتبر الباطنيون أنفسهم، فهذا واحد من ممثليهم يقول بأن الباطنية هي طريق التنوير والإرشاد ([48]). والعلمانيون يعتبرون أنفسهم دعاة العقلانية، وكذلك الباطنيون أيضاً فهم يعتمدون – بزعمهم - على مصدر ثقة هو العقل الكلي فهم إذن " العقليون " أو " أهل العقل " ([49]).
والعلمانيون يعوِّلون على التأويل ويفضلونه على التفسير ([50])، وكذلك الباطنيون يعتبرون التفسير يؤدي إلى الاختلاف، أما التأويل الباطني فهو نظام ثابت عقلي عملي يوافق المجتمع ([51]).
بل إن التفرقة العلمانية التي رأيناها بين التنزيل والتأويل، وبين القرآن ككتاب تنزيل، وتحوله إلى كتاب تأويل خاضع لكل المقاييس البشرية هي في أساسها تفرقة غنوصية باطنية جاءت من التفرقة الباطنية المنتشرة في مؤلفاتهم الفلسفية والفقهية بين التنزيل والتأويل، أو المَثَل والممثول، أو العلم والعمل ([52]).
لقد أول الباطنيون كل " دعائم الإسلام " وأركانه وشعائره عن طريق فكرة الظاهر والباطن وذلك عندما اعتبروا أن الظاهر بمنزلة القشر والباطن بمنزلة اللب، وأنه لا يستقيم الباطن إلا بالظاهر الذي هو جثته الهامدة - كما يؤكد العلمانيون دائماً - ولكنه دليل عليه، لأنه لا يصلح جسم إلا بروح ولا روح إلا بجسم ([53]).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن هنا ذهبوا إلى تأويل كثير من الآيات لتخدم غرضهم هذا في التمييز بين العلم الظاهري والعلم الباطني فقوله تعالى:] يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العِلْمِ [([54]). يعني العلم الباطني الروحاني، هكذا جزافاً وبدون دليل ([55]). وقوله تعالى:] حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ [([56]). يعني جاء علم الباطن وتكلم به الأساس ([57]). وقوله تعالى:] قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ [([58]) يعني سآوي إلى أحد علماء الظاهر ([59]). وقوله عز وجل:] وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ [([60]). أي حال بينهما علماء الضلال، أي علماء الظاهر ([61]).] وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ [([62]). " أي أمر الأساس أن يصان العلم الباطني عن غير أهله " وغيض الماء " أي غامض العلم الباطني ([63])
والنعمان بن حيوة ([64]) يصرح بأنه لا ينفي علم الظاهر، وإنما الباطن علم إضافي، وأنه هو وطائفته يؤمنون بالظاهر والباطن ([65]). ولكن هذا غير صحيح وإنما هو لون من المراوغة والخداع - كما يفعل ورثته العلمانيون - لأنه عند قوله تعالى:] فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً [([66]). ينفي أن يكون الإنسان معمراً كل هذه المدة لأن أبدان البشر لا تطيق ذلك، والمعنى مدة دوره ولُبْث شريعته ([67])، ولأنه يعتبر الباطن هو العلم والحكمة التي يجب أن يرقى إليها الطلاب ([68])، ويعتبر الباطن بمثابة الروح والظاهر بمثابة الجسد ([69]).
لا يختلف الظاهر والباطن في مفهوم الباطنية عن المعنى والمغزى في المفهوم العلماني، فكلاهما يقفز إلى التأويل الذي يرتضيه منهجه متجاوزاً القرينة والدليل والسياق وبالإضافة إلى تجاوزه للإجماع وما هو معلوم من الدين بالضرورة.
فالمعنى عند نصر حامد أبو زيد ([70]) هو الظاهر عند الباطنية، والمغزى هو الباطن والنتيجة واحدة هي رفض الفهم السلفي الذي أجمعت عليه الأمة. ففي قضية الميراث المعنى هو إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين، أما المغزى فهو أن نطوِّر ذلك في عصر التطور إلى المساواة بين الذكر والأنثى. ولكن أين العلامة والقرينة التي نبهنا الباري عز وجل بها إلى هذه النتيجة البوزيدية؟ لا وجود لها، فالباري عز وجل فصّل المواريث ووقف عند حدود معينة، وأمرنا أن لا نتجاوز حدوده، ولكن الخطاب العلماني يهدم حدود الله ليرتع في حماه.
ولا يختلف الظاهر والباطن في مفهوم الباطنية عن مفهوم القراءة كما رأيناه في الهرمينوطيقا الغربية ونسختها العربية، فالنص كما رأينا ليس نصاً على المراد، وليس نصاً على الحقيقة "" وإذا كان النص لا يقول الحقيقة، بل يخلق حقيقته، فلا ينبغي التعامل مع النصوص بما تقوله وتنص عليه، أو بما تعلنه وتصرح به، بل بما تسكت عنه ولا تقوله، بل بما تخفيه وتستبعده "" ([71]).
إن هذا الذي يتحدث عنه الخطاب العلماني ويسميه ما بين السطور، وما يخفيه النص هو الباطن الذي يتحدث عنه الباطنية "" إنه لا بد لكل محسوس من ظاهر وباطن، فظاهره ما تقع عليه الحواس، وباطنه ما يحويه، ويحيط العلم به، فالجسد هو الظاهر والروح هو الباطن "" ([72]).
وهكذا لا نميز بين ما يتفوه به العلمانيون اليوم وما قاله الباطنيون بالأمس، يقول الخطاب العلماني: "" وذو اللب لا يقف عند الظاهر المنطوق به، بل يطلب الغائر أو المطمور أو المستتر أي يطلب معنى المعنى، ومعنى المعنى ليس سوى الظاهر أو السطح أو الشكل أو التشكيل أو الدال وقد حجب نفسه وتحول إلى عمق أو لامرئي أو محتوى أو باطن "" ([73]). وهكذا يقرر أهل الباطن "" إعلم يا أخي أن لكل شيء من الموجودات في هذا العالم ظاهراً وباطناً فظواهر الأمور قشور عظام، وبواطنها لب ومخ … يستخلصها ذوو البصائر والأبصار، فيبين الله فضل المجتهدين على المقصرين، والمجاهدين على القاعدين "" ([74]).
فالجوهر عند الباطنية هو الباطن، هذا الباطن ليس سوى المغزى عند نصر حامد أبو زيد، ومعنى المعنى عند علي حرب، والجوهر عند العشماوي، والمقاصد عند الجابري، والحداثة عند أركون، والضمير عند عبد المجيد الشرفي، وهلم جرا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويقرر أهل الباطن "" إعلم أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة وهي الألفاظ المقروءة المسموعة، ولها تأويلات خفية باطنة وهي المعاني المفهومة المعقولة "" ([75]) وأيضاً: "" إن للقرآن معاني سوى ما تتداوله ألسنة العامة، مما يستنبطونه بحولهم وقوتهم من دون الرُّجعى إلى أهل الاستنباط ممن قال الله فيهم:} وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [([76]) "" ([77]).
ويجيب الصدى العلماني: "" فالقراءات المهمة للقرآن ليست هي التي تقول لنا ما أراد النص قوله، وإنما تكشف عما يسكت عنه النص أو يستبعده أو يتناساه، أي هي لا تفسر المراد بقدر ما تكشف عن إرادة الحجب في الكلام "" ([78]).
2 – التواصل العملي التطبيقي:
وهكذا فقط أسقط الباطنيون كل عقائد الإسلام فوجود الله عز وجل عندهم أقرب إلى العدم إن لم يكن هو العدم، فهو - سبحانه وتعالى - عندهم لا يوصف بأي صفة من الصفات حتى بالوجود، لأنه بائن عن خلقه سبحانه وتعالى في كل ذلك ولذلك "" فالأسماء والصفات منفية عنه تعالى وتكبر "" ([79]). "" و كان متسبحاُ متعالياً أن يقع عليه إشارة مشير، أو يتجاسر نحوه خاطر بتوهم أو تفكير "" ([80]).
وهم في نفيهم لوجوده سبحانه وتعالى ينكرون أنهم ينفون وجوده، وإنما يفعلون ذلك لقطع أي صلة تشابه بينه وبين المخلوقات وهم يقولون المبدع بدلاً من الموجود "" إنما قولنا المبدع تقريراً وتثبيتاً لوجود عالم الإبداع عن موجد لهم غير مدرَك ولا محسوس ولا متوهَّم ولا متفكَّر، بل هو موجود من جهة آثاره في إبداعه، وما ظهر من فعله في اختراعه "" ([81]) "" فالباري عز وجل بائن عن ذلك كله من أحوال خلقه غير موصوف بشيء منها، لا موجود غير عدم، ولا عدم غير موجود "" ([82]).
وكل ما وصف به سبحانه وتعالى نفسه إنما هو للتقريب إلى الأذهان، لا أنها أوصاف حقيقية لله تعالى ([83]) "" فلا يقال عليه حي ولا قادر ولا عالم ولا عاقل ولا كامل ولا تام ولا فاعل، لأنه مبدع الحي القادر العالم التام الكامل الفاعل، ولا يقال له ذات، لأن كل ذات حاملة للصفات "" ([84]).
من الواضح هنا أن نفي وجود الله عز وجل يُسلك إليه طريق معقول ومقبول لدى كل مسلم هو التنزيه المطلق، والتنزيه المطلق هو غاية كل مسلم، ولكنه لا يتحقق بتخرصات العقل، وتأملاته وإنما يتحقق ذلك بالشكل الذي نزَّه الله عز وجل به نفسه، والله عز وجل وصف نفسه بصفات، من كمال التنزيه إثباتها بلا زيادة، ونفى عن نفسه أوصافاً من الواجب نفيها بلا زيادة، وكل طريق آخر يتم سلوكه يكون سالكه متألهاً على الله عز وجل، ومدعياً للعلم أكثر منه سبحانه وتعالى.
إن الخطاب العلماني يسير على خطا أسلافه الباطنية في هذه المسألة فالله عز وجل مفهوم بلا ما صدق ([85]). ولا يمكن لأحد أن يتحدث عن الله، ولا يحق لأحد أن يتحدث باسمه، فإذا كان الله عز وجل عند الباطنية هو العقل الكلي ([86]) فهوعند العلمانيين المطلق "" الذي يتعذر على المنال، الله يتعالى على كل شيء، ولا يحق لأحد أن يتحدث باسمه، ولا يمكن للبشر أن يصلوا إليه بشكل مباشر، وإنما يقدمون عنه تصورات مختلفة بحسب العصور"" ([87]) "" الأمل بالخلود، الأمل بالحرية، الأمل بالعدالة، الأمل بتصالح الإنسان مع ذاته، وهذا هو الله بالنسبة للعالم الحديث والتصور الحديث، وهذه هي صورته في مجتمع أوربي متقدم "" ([88]).
هكذا يجب علينا أن نتصور الله أسوة بالمجتمع الأوربي المتقدم، فلكي نكون متقدمين يجب أن نصوغ معتقدنا في الله بحسب " الموضة " وبناءً على آخر ما وصلت إليه الحداثة الأوربية، أما التصور السائد في المجتمع الإسلامي عن الله عز وجل فهو بنظر الخطاب العلماني تصور معين عن الله، وليس الله ذاته، إنه تصور "" مُشكَّل من شيئين: خطاب علماء الدين التقليديين + التركيبة السياسية القمعية "" ([89]). أما ما يريده أركون عن الله فهو تصور مشكَّل من الخطاب الأركوني + التركيبة الحداثية الأوربية.
(يُتْبَعُ)
(/)
"" هكذا تجد أن تصورنا لله يختلف باختلاف المجتمعات والعصور، فإذا كان المجتمع منفتحاً متقدماً مزدهراً كان تصوره لله هادئاً سمحاً وديعاً، وإذا كان المجتمع يعاني من الفقر والجهل وهيمنة الأب القاسي أو الحاكم الجائر المستبد، فإن تصوره لله سوف يكون بالضرورة ضيقاً عنيفاً، قمعياً "" ([90]) الله هو التقدم، والحرية، والعدالة، والخبز، والتنمية، والرغيف، والحب كما يقول حسن حنفي ([91]). وبذلك يصبح الإنسان هو الذي يصنع تصوره لله بحسب مستواه العقلي ومدركاته الذهنية، أما أن يكون للقرآن الكريم توجيه في هذا الشأن، وتعليم بهذا الخصوص، وهداية للإنسان إلى المعتقد السليم فيما يتعلق بالذات الإلهية وصفاتها فهو أمر لا يدخل مطلقاً في حسابات الخطاب العلماني.
هذا هو التأويل العلماني الغنوصي لعقيدة الألوهية، فماذا عن اليوم الآخر والغيبيات؟ إنها نفس النتائج، بل ونفس العبارات لدى الطائفتين، فالغنوصيون يقولون بأن "" الثواب والعقاب في حق ماهيتهما من طريق الإعراب عنه ومعرفته سبيل منسد غير ممكن سلوكه إلا على المؤيدين، والمستطاع الممكن في ذلك كما قال موالينا عليهم السلام هو تشبيه الأمور المحسوسة بالمعايَن المعلوم … كما وصف الله تعالى نفسه في كتابه أولاً بالعلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والرضى والسخط والغضب والرحمة وغير ذلك من الأمور المعلومة عندنا، ووصف الملائكة بالدعاء والتسبيح والتهليل، والقيام بما يُؤمرون، ووصف الموجودات في الجنة بالظل والمياه والأنهار والأشجار والثمار والرمان والأعناب والولدان … ووصف موجودات الجحيم بالنار والعذاب والآلام ... ومثل ذلك كله محسوس لا أن تلك الأمور المخَبر عنها كالمخَبر به، أو المخبَر به يدانيها بحال من الأحوال، بل هو تقريب على الأنفس وتعليم لها لتتقوى بمعرفة الأمثلة "" ([92]). ويقول السجستاني "" لما كان قصارى الثواب إنما هي اللذة، وكانت اللذة الحسية منقطعة زائلة، وجب أن تكون التي ينالها المثاب أزلية غير فانية، باقية غير منقطعة، وليست لذة بسيطة باقية على حالاتها غير لذة العلم، فكان من هذا القول وجوب لذة العلم للمثاب في دارالبقاء"" ([93]). ويقول علي بن محمد الوليد "" ودار الثواب لا تغير فيها، فلا يمكن أن تكون لذاتها حسية لأن ما هو حسي متغير فاسد "" ([94]).
أما النفخ في الصور في نظر الباطنية فهو إشارة إلى صاحب الدور السابع الذي يحصل في الوجود آخر دور ([95]). وأما الساعة فإشارة إلى قائم القيامة وهو السابع من أئمتهم ([96]). وأما خلق عيسى من غير أب فهو التأييد والترقية إلى مقام النبوة من غير توسط أحد من البشر ([97]). وأما طوفان نوح عليه السلام وتفجير الأرض عيوناً، فهو تفجير العلم من الأئمة ([98]). وعقر الناقة هو مدافعة الحجج بالباطل ([99]). وإحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله هو إعادة الكفار إلى الإيمان ([100]).
والسؤال هنا: هل تختلف هذه الهواجس الباطنية عن الهواجس العلمانية؟
لقد اتجه الفريقان إلى تأويل العقائد الإسلامية، والمعجزات، والغيبيات، والقصص القرآني تأويلاً يلغي حقائقها، وينفي وقائعها وأصبح القرآن الكريم كتاباً آخر، بلغة أخرى يفهمها فقط أهل الباطن وأهل العلمنة.
هل يختلف قول الباطنية عن الغيبيات والعالم الآخر والمعجزات بأنها أمثال محسوسة لتقريب الصور المعقولة إلى الأذهان بالأمثلة حتى تطيق هذه المعاني وتستوعبها عن قول الخطاب العلماني بأنها تصوير فني وإبداع أدبي لا يراعي الحقيقة ولا يقصدها ([101]). لا يختلف ذلك عن قول خلف الله ([102]) بأن القرآن نزل على المعهود الذهني للعرب، والمستوى الثقافي لهم وإن لم تكن معتقداتهم حقيقية واقعية ([103]). ولا يختلف عن قول أركون ([104]) بأن الجنة والنار من نتاج الخيال الشاعري لدى البدو ([105]). ولا يختلف عن قول أبي زيد بأن العقائد تصورات مرتهنة بمستوى الوعي أي أنها يجب أن تتناسب مع نمو العقل في كل طور من أطوار التاريخ فلذلك بنظره فإن صورة الله عز وجل في القرآن كملِك له عرش وكرسي وجنود هي صورة أسطورية ليست أكثر من شاهد تاريخي، يشهد على مستوى المعرفة والوعي آنذاك ([106]).
(يُتْبَعُ)
(/)
أما حسن حنفي فإن وجود الله عز وجل بنظره يعني وجود الإنسان، والصفات الإلهية هي صفات إنسانية، والغيبيات وأمور الآخرة كلها تمثيلات فنية، وصياغات أدبية ([107]) وهو ما اعتبره أبو زيد فهماً تنويرياً للعقائد ([108]).
حتى ولادة عيسى عليه السلام من غير أب والتي أكد عليها القرآن، ودفع عنها شبهات المنكرين والجاحدين] إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [([109]) والتي نفى الباطنيون ظاهرها -كما رأينا - لم ينس العلمانيون أن يتابعوهم عليها فقالوا بأنه لا يمكن لمريم عليها السلام أن تنجب بدون رجل يأتيها كما تعتقد بعض المجتمعات المتخلفة شبه البدائية، وكما تعتقد بعض الأديان الكبرى القائمة إلى الآن ([110]).
هذا على مستوى العقائد والغيبيات، وأما على مستوى أركان الإسلام وفرائضه فقد تحلل الفريقان أيضاً من ذلك فقال الباطنيون بأن "" الحلال هو الواجب إظهاره وإعلانه، والحرام الواجب ستره وكتمانه، وأما الصلاة فهي صلة الداعي إلى دار السلام بصلة الأبوة في الأديان إلى الأمام، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق، والصوم الإمساك عن كشف الحقائق لغير أهلها، والحج القصد إلى صحبة الأئمة، والإحرام الخروج من مذهب الأضداد، وأما الزنا فهو اتصال من غير شاهد "" ([111]). أما الفرائض بالصورة التي يعرفها المسلمون فهي وضعت لتشغل الناس عن خلافاتهم وتبعدهم عن الفساد ([112]). لا يختلف هذا التأويل الباطني عن التأويل العلماني فهما من مشناة واحدة، فالصلاة كما رأينا في الخطاب العلماني مسألة شخصية، مهمتها أنها تؤدي وظيفة الدمج الاجتماعي ([113]) وتعوِّد العربي على الطاعة للقائد ([114])، وتغني عنها رياضة اليوغا ([115]). أما الزكاة فليست واجبة، وعلى كل حال فهي ليست كافية وإنما هي مرحلة أولى في طريق الانتقال إلى الشيوعية الشاملة ([116]). والحج يغني عنه الحج العقلي أو الروحي ([117]).
وهكذا يمكن أن نؤكد الآن أن الغنوصية والعلمانية العربية بالإضافة إلى الهرمينوطيقا الغربية تتحالف جميعاً لكسر معنى الخطاب وتمييعه عن طريق فكرة الرمزية والعلامة التي تحدث عنها امبرتو إيكو كما أسلفنا، ويغدو النص والكلام عموماً فضاءً للإسقاط، وذريعة للأهواء، وتبريراً للآراء، وهو مستوى عبثي لا يحتاج إلى تعليق اللهم إلا التذكير بعبارة الإمام الغزالي رحمه الله التي علق بها على التأويلات التي تُخرج ذات الله وصفاته عن الوجود الحقيقي فقال: "" إن من ينكر نصاً متواتراً ويزعم انه مؤول ولكن ذِكْر تأويله لا انقداح له أصلاً في اللسان [اللغة] لا على بعد ولا على قرب، فذلك كفر وصاحبه مُكذِّب، وإن كان يزعم أنه مؤول، مثاله ما رأيته في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحدٌ بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها، وعالم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره، وأما أن يكون واحداً في نفسه وموجوداً وعالماً على معنى اتصافه فلا. وهذا كفر صراح، لأن حمل الوحدة على إيجاد الوجدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلاً، ولو كان خالق الوحدة يسمّى واحداً لخلقه الوحدة لسُمّي ثلاثاً وأربعاً لأنه خلق الأعداد أيضاً، فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عُبر عنها بالتأويلات "" ([118]) إذن فما يسمونه تأويلاً هو في الحقيقة تكذيب يتلبس لبوس التأويل ولذلك "" لا يجوز التوقف في تكفير من يعتقد شيئاً من ذلك، لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع، ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها، فوصف الجنة والنار لم يتفق ذكره مرة واحدة أو مرتين، ولا جرى بطريق كناية أو توسع وتجوّز، بل بألفاظ صريحة لا يُتمارى فيها ولا يُستراب، وأن صاحب الشرع أراد بها المفهوم من ظاهرها، فالمصير إلى ما أشار إليه هذا القائل تكذيب وليس بتأويل فهو كفر صريح لا يُتوقف فيه أصلاً "" ([119]).
3 – التواصل الشعوري التضامني:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن هذا التواصل بين الغنوصية والعلمانية كما هو قائم على مستوى التنظير والتطبيق -كما رأينا - كذلك هو قائم على أشده على مستوى الشعور والتضامن، فنجد أن الخطاب العلماني يتبنى الاتجاهات الغنوصية في التاريخ الإسلامي ويرتمي في أحضانها، فالحلاج وابن عربيوالسهروردي وابن سبعين والشيرازي والتوحيدي كل واحد من هؤلاء نجد له متيَّماً في الخطاب العلماني يتبناه، ويتخذه مثلاً يحتذي به ويشيد بالاتجاه الغنوصي في فلسفته ([120])، بل ويبرزه على أنه الفيلسوف التنويري المضطَهد، المناهض للسلطة، والذي تتكاتف السلطة وعلماؤها للتنكيل به وتصفيته ([121]). وتبرز الباطنية والغنوصية على أنها الفئة المستنيرة المجددة العقلانية "" المتحررة الليبرالية "" ([122])، " والمضطهدين نفسياً وأخلاقياً واقتصادياً من قبل السلطة والعلماء الرسميين ([123]). أما أهل السنة الاتباعيين فيتحولون بنظر هذا الخطاب إلى مؤبِلسين " زنادقة " لأنهم يتهمون الآخرين بالزندقة فارتدت عليهم، وهم مندمجون غالباً في بوتقة الإسلام الرسمي السلطوي ([124]).
هذه الثلة الباطنية الغنوصية – بنظر ورثتهم العلمانيين- كانت تمثل الثورة الثقافية في الإسلام لأنها تقوم على أن العقل قبل النقل، والحقيقة قبل الشريعة، والإبداع قبل الاتباع ([125]). وتُقدم الباطن على الظاهر لأن الحقيقة كامنة فيه ولأنه الأصل، فالعلاقة بين الظاهر والباطن "" لا تعني أن أحدهما هو عين الآخر، وإنما تعني أن الباطن هو الأصل، وأن الظاهر صورته، وكما أن الأصل لا يُفسر بالفرع، والسبب لا يُفسر بالنتيجة، فإن الباطن لا يُفسر بالظاهر، بل الظاهر هو الذي يُفسر بالباطن"" ([126]). ثم تطورت هذه الثورة الباطنية إلى نفي للنبوة الإسلامية، وإقامة نبوة على أنقاضها تتمثل بدين العقل ([127]).
وبذلك تلتقي الغنوصية والعلمانية أخيراً عند محطة العقل، ولكنه العقل الغريزي ([128]).
المبحث الثاني
متاهة القراءة العلمانية " مراجعة نقدية "
تمهيد:
لقد كان فوكو ([129]) صادقاً بالفعل حين قال: "" لنترك جانباً المجادلات التي أثيرت حول البنيوية فهي لا زالت وبعد لأيٍ تعيش على أمجادها في مواطن يهجرها حالياً أولئك الذين يبذلون جهداً حقيقياً. إن ذلك الصراع الذي كان خصباً لن يخوضه اليوم سوى الممثلون الهزليون، والمتجولون " كذا " "" ([130]). وأضيف: والمتسوِّلون.
إنها كلمة تعبر عن الواقع الحقيقي للعلمانيين العرب الذين يعيشون متجولين متسولين على موائد هجرها أهلها وتبين لهم عفنها وفسادها، ولا يزال مفكرونا هؤلاء يجترون مقولات دي سوسير ([131])، ودريدا ([132])، ورولان بارت ([133]) وسنبين ذلك من خلال النقاط التالية.
المطلب الأول – أزمة المصطلح العلماني:
إن المصطلح النقدي الحداثي في الغرب يستمد القدر الأعظم من دلالته من الخلفية الفلسفية الفكرية الغربية التي استمرت عدة قرون منذ ديكارت ([134]) وسبينوزا ([135]) إلى هوسرل ([136]) وهايدغر ([137]) مروراً بـ هيوم ([138]) وكانط ([139]) وهيجل ([140]) ونيتشه، ولذلك فاستعارة المنظومة الحداثية الغربية بمصطلحاتها ودلالاتها المشحونة بتاريخها الفلسفي، وبتكوينها الاجتماعي والثقافي وإخراجها من دائرتها الدلالية وإسقاطها في بيئتنا العربية وعلى تراثنا الإسلامي، وعلى ثقافتنا المغايرة، يسبب كثيراً من اللبس والاضطراب والفوضى والعشوائية ([141]).
وهذا ما نعيشه اليوم بالفعل حيث ذهب كل باحث يترجم ويستورد ويصطلح لنفسه حتى أصبحت أزمة الفكر اليوم أزمة مصطلحات، والحوار لم يعد مجدياً لأن كل المفكرين يتحدثون بلغات مختلفة، وبمصطلحات متباينة، فلم يعد بإمكان الباحث أن يتواصل مع غيره بالطريقة المجدية، لأن المصطلحات غير مضبوطة المعاني، وتحتمل المعنى ونقيضه، فليس بإمكان أحد أن يُلزم أحداً شيئاً لأنه سيقول مباشرة: أنا لا أقصد هذا المعنى!! ويصح بذلك ما قاله ديكارت: "" .. يسمح لهم غموض المبادئ التي يستخدمونها بالحديث عن كل شيء بجرأة نادرة كما لو كانوا على علم تام بها، فإذا بهم يدافعون عن كل ما يقولونه بصددها ضد أمهر أعدائهم وأدقهم، دون أن يجد المرء وسيلة إلى إقناعهم "" ([142]).
(يُتْبَعُ)
(/)
إن هذه صورة حقيقية لواقع العلمانيين العرب فتجدهم في مؤتمراتهم وندواتهم يتحدثون عن كل شيء، وتجد الواحد منهم وكأنه متخصص في كل شيء، فهو يجب أن يعقب على كل شيء، وليس من المهم أن يقول شيئاً، إنما المهم أن يقف ويتكلم ويلفت الأنظار إلى نفسه، أما ما يقوله فليس من الضروري أن يكون له معنى يلتزم به، فالمعنى مُرجَأ يتحدد بحسب ردود الفعل، واللغة لا تعني شيئاً محدداً.
إن الغموض العلماني يتيح لهم قدراً كبيراً من المناورة والمراوغة، ولذلك كان الاستنجاد بالمنهج الغنوصي الرمزي لأنه يساعدهم على تشتيت الفكر، وخلط الحقائق. لقد عانى ديكارت كما يبدو من معاصريه كما نعاني اليوم من هؤلاء العبثيين الفوضويين الذين يقولون كل شيء، ولا يقولون شيئاً، وهو-كما يبدو– المأزق الذي يشير إليه برينتون عندما يتحدث عن المكابدة التي يعاني منها ممثلو عصر النهضة في ابتغاء كل ما هو فريد وعظيم ومتطرف، حتى برزت نزعة تسمى نزعة التأنق البلاغية المعروفة باسم euphnuism ونزعة الجونجورية - الأسلوب المتكلَّف ذو اللغة المعقدة والفكرة الغامضة - في مجال الأدب، فنتج عن ذلك أكداس من الحذلقة الثقافية والمعرفة الشاذة التي لا تدل على شيء ([143]).
وهو ما يعبر عنه فلوبير في خطاب أرسله إلى صديقه "لوي كوليه "عام 1852م "" إن ما يبدو جميلاً بالنسبة لي، ما أريد كتابته هو كتاب عن لا شيء، كتاب لا يعتمد على شيء، تتماسك أجزاؤه بقوة أسلوبه ... إن أفضل الأعمال هي التي تحتوي على أقل الموضوعات "" ([144]).
المطلب الثاني – المتاهة الغنوصية/ العلمانية اللانهائية:
إن التفكيكية التي ينطلق منها الخطاب الغربي ترفض الاعتراف بأي حقيقة للكون "" فكل حقيقة حاضرة "" ([145])، وتكرس مبدأ النسبية المطلقة في الفكر أولاً، معتمدة في ذلك على التلاعبات البلاغية النيتشوية بالألفاظ ([146]). وهي في نزولها إلى اللغة تُنزِلُ معها نسبيتها وشكَّها الفلسفي، ولذلك كانت غاية دريدا تأسيس ممارسة فلسفية أكثر منها نقدية، يريد لفلسفته أن تتحدى أي ارتباط بمدلول نهائي وصريح، إنها لا تريد تحدي معنى النص فحسب، بل تطمح إلى تحدي ميتافيزيقا الحضور الوثيقة الصلة بمفهوم التأويل القائم على وجود مدلول نهائي.
والسبيل إلى ذلك هو فصل النص عن قصدية القائل لكي يكفَّ القراء عن التقيد بمقتضيات هذه القصدية الغائبة. والخلاصة أن اللغة تندرج عندئذ ضمن لعبة فلسفية متنوعة للدوال، فلا وجود لأي مدلول متعال، ولا ارتباط بين دال ومدلول، ولا يرتبط الدال بشكل مباشر بمدلول إلا ويعمل النص على تأجيله وإرجائه باستمرار، والانتقال إلى دال آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية بحيث لا يبقى إلا السلسلة الدالة المحكومة بمبدأ اللا متناهي. إنها "" المتاهة اللا نهائية الهرمسية "" ([147]).
هذه النسبية التي يحاول الخطاب العلماني دائماً أن يتذرع بضرورتها بسبب احتمالية اللغة، وبشريتها وتنوع المخاطبين، واختلاف عقولهم واتجاهاتهم وأفكارهم وميولهم، ليست في الحقيقة نابعة من اللغة، لأن اللغة في الغالب تحدد مرادها من خلال القرائن والسياق. إن النسبية المفروضة على اللغة هي نتاج لعصر الشك، ومجتمع الشك، إنه انفراط لعقد العالم فلسفياً قبل أن ينفرط لغوياً ([148]). لقد نجحت التفكيكية في الهجوم والبعثرة والهدم نجاحاً ليس له نظير، ولكنها لم تقدم خياراً ذا قيمة ([149]). وإذا كانت البنيوية فشلت في تحقيق المعنى، فإن التفكيكية نجحت في تحقيق اللامعنى ([150]).
ولذلك كان جودسون مصيباً عندما قال معلقاً على مقال دريدا الذي اعتُبر بداية التفكيك "" إن بحث دريدا يُقنع القراء بأنهم لا يعرفون لغتهم، وأكثر من ذلك فكرهم، يجب أن تتم دراسة للغات النقد قبل أن يصبح لأي شيء نقوله حول الأدب معنى"" ([151]). ولكن جاك دريدا لا يبالي بذلك لأنه يعترف بأن التفكيك هو التخريب، ولكنه يعتبره تخريباً ضرورياً، لأنه ثورة على الفكر التقليدي ([152]). ومن هنا لم يكن سورل مخطئاً حين قال عن دريدا بآ
أن "" لديه ميلاً مرضياً لقول أشياء خاطئة بشكل بديهي "" ([153]).
(يُتْبَعُ)
(/)
والآن نحن كعرب ومسلمين لنا خصوصيتنا العقدية والثقافية، وأصالتنا الفكرية والحضارية فهل نحن مُلزمَون أو مضطرون إلى أن نتبنى لسانيات سوسير، أو بنيوية شتراوس أو تفكيكية دريدا؟ لا يمكننا أن نقبل هذا التخريب الدريدي القائم على هدم المسلمات، والقفز فوق الثوابت، والانفلات من أي التزام، والتمرد على المحظورات ([154]).
وليس لنا أن نقبل الفوضى الدلالية القائمة على الرموز والعلامات، وفك الارتباط بين الكلام وقائله، من خلال التعويل على الرمز قبل الحقيقة، والباطن قبل الظاهر، وإن أمكن أن يُقبل هذا على مستوى الأدب والشعر والفن والإبداع، فإنه لن يُقبل باسم الفهم والتفسير والشرح، وإنما يمكن أن يُقبل على أنه إبداع متراكب وتجديد متراكم. ولكن أن يراد لهذه المناهج التخريبية - كما يعترف أهلها - أن تصبح قواعد لفهم أصولنا وقرآننا وتراثنا فإن هذا نوع من الخطل المعرفي الذي يجب علينا أن نترفع عنه.
إن الغاية من قراءتنا لكتاب الله عز وجل هي الفهم أولاً، والعمل ثانياً، والتعبد ثالثاً. أما في الأدب والفن فليس الفهم هو المهم، وإنما النقد والاكتشاف، أصبح المنهج والطريقة هما الغاية أما الفهم والتفسير بحد ذاته فليس مطلباً. إن الغاية هي إظهار القارئ لقدرته وبراعته في التعامل مع النص والعبث به ([155]).
إن الواقع الثقافي العربي والإسلامي يرفض هذا الترف بل العبث الفكري، يرفض أن تنسحب مظلة الحداثة بمفاهيمها الغربية ومدارسها ومشاريعها وإفرازاتها النقدية على تفسير النصوص الدينية بالذات، لأن ذلك يعني في مفهوم البنيوية أو التفكيك القول باللانص، أو اللعب الحر للغة بمفهوم دريدا ([156]).
المطلب الثالث – التناظر والعلامة والمواضعة الاجتماعية:
تستند العلمانية العربية في قراءتها للقرآن الكريم على أصلين هما: الغنوصية، والهرمينوطيقا، وكلتاهما - كما رأينا - تقومان على العلامات والرموز، وتعتبران الرمز أو العلامة دلالة إيحائية يمكن أن تثير فيمن يتعامل معها علامات ودلالات أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية، وهي ما أسماها إمبرتو إيكو " المتاهة الهرمسية اللامتناهية " ([157]).
ولكن العلامة تختلف في الفن عنها في الأعمال الأخرى، لأن العلامات في الفن يمكن أن لا تشير إلى شيءٍ محدد في الواقع بل تشير إلى مجموع الظروف التي يُراد التعبير عنها، فالذي يميز الفن عن اللافن هو نوعية المُشار إليه، فبينما تكون العلامات خارج الفن علامات عامة محددة بارتباطها بمُشار إليه بعينه، فإن العلامة في إطار الفن لا تخضع لمثل هذا التحديد، من هنا تأتي المرونة الدلالية في إطار الفن أو الشعر أو الأدب، وقابلية العلامة لأن تصلح للإشارة إلى أكثر من مشار إليه واحد ([158]). معنى ذلك أن العمل الفني عمل مفتوح لا بد فيه من التأويل لأنه في أصله عمل يهدف إلى إثارة تأويل ([159]). أما النصوص الأخرى فليست دائماً كذلك، ولا يمكن اعتبارها دائماً مثيرة للتأويل، لأن للنص أبعاداً اجتماعية وثقافية ونفسية تحدد مراد النص، إن كتاباً مثل " كفاحي " لهتلر لا يمكن لأحد أن يُنكر أنه معاد للسامية، فهل يمكن للتفكيكية أن تثبت أن هتلر كان محباً للسامية؟ ([160]).
وهذا ينفي المقولة التفكيكية والعلمانية القائلة بأن النصوص بُنى مأزقية غير قابلة للتصديق إطلاقاً، وينفي القول بأن اللغة نسبية بشكل مطلق، لأن تنوع النصوص وسياقاتها التاريخية والمعرفية ودلالاتها الحافّة وقرائنها المحدقة تجعل هذه المقولة خاطئة تماماً، فمن ذا الذي يمكنه القول إلا مكابراً إن القرآن الكريم يدعو إلى التثليث أو يعترف بالوثنية؟!.
إن الاعتماد على قدرة العلامات والرموز على الإيحاء، والانتقال من حد إلى حد، وانتشار الإيحاءات بشكل توالدي أو سرطاني ([161]) لا يمكن أن يخضع لأية معايير تضبطه، وبالتالي فلا قيمة له، لأن ذلك خاص بكل شخص وما يكتنزه في ذاكرته أو خياله من مشابهات، وما يعقده في نفسه من تناظرات.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعندما يُطلَق العنان لآليات التناظر فلا شيء يمكن أن يوقف هذه الآلية، فالصورة والمفهوم والحقيقة التي يتم الكشف عنها من خلال المماثلة تتحول هي الأخرى إلى علامة تحيل على تناظر جديد ([162])، لأن أيَّ شيءٍ يمكن أن تكون له من زاوية ما علاقة تناظر أو تجاور أو مماثلة مع أي شيءٍ آخر ([163]).
إن العلامة حتى يتم تمييزها كأي شيء يجب أن يكون لها شكل مميز ووظيفة مميزة تجعلها تختلف بشكل واضح عن العلامات الأخرى. فالقول بالعلامة الحرة التي تلعب إلى ما لا نهاية وبلا حدود ضد العلامات الأخرى يعني تخيُّل علامة ليس لها صفة محددة على الإطلاق، أي علامة ليس لها شكل أو وظيفة خاصة بها. إن هذا لا ينتج معنى أكثر ثراء كما يحلو للمدافعين عن هذا الموقف أن يعتقدوا، بل لا معنى على الإطلاق. إن علامة لا يمكن تحديدها بشيء معين لا تدل على شيء على الإطلاق. إن الغموض في العلامات يولِّد اختزالاً للمعنى وليس زيادته، والغموض الكامل واللاتحديد الكامل للتدليل هو النقطة التي نصل عندها إلى صفر الدلالة ([164]).
وما يقوله دريدا من أن للعلامة الحق في أن تحدد قراءتها حتى ولو ضاعت اللحظة التي أنتجتها إلى الأبد، أو جَهلت ما يود كاتبها قوله ([165]) فهو كلام فارغ أقل من أن يُلتفتَ إليه، لأن المجموعة البشرية عندما تتفق على تأويل ما فإنها تنتج مدلولاً، إن لم يكن موضوعياً فهو مُفضَّل على أي تأويل آخر يفتقر إلى إجماع أو تواطؤ مجموعة بشرية ([166]).
بعبارة أخرى: إن إجماع أهل الاختصاص والخبراء هو الذي يُثبِّت للكلمة و للعلامة معناها الحقيقي ويذود عنها المعاني الطفيلية، وكون الكلمة أو الرمز أو العلامة توحي بمعاني أخرى، أو تستدعي في ذهن قارئها أشياء أخرى لا يعني أنها تفقد دلالتها الحقيقية الأولى، فكون الأم تذكر بالابن أو العكس لا يعني أن الأم لا تعني الأم، إن ما تدل عليه كلمة الأم هو الأم وحدها، وكون الشيء بالشيء يُذكر لا يعني أنهما شيءٌ واحدٌ ([167]).
إن الدلالة لابد أن تستند إلى صبغة مؤسسية اجتماعية، بمعنى أنها لا توجد إلا في مجتمع يستعملها. إن الاتفاق والتواطؤ الاجتماعي هو الذي يعطي الدلالات معانيها ([168])، ومن هنا "" فالمس بمقدسات اللسان عبر إعادة توزيع مقولاته النحوية، وتغيير قوانينه الدلالية يعني أيضاً المس بالمقدسات الاجتماعية والتاريخية "" ([169]).
المطلب الرابع – التناظر والانتقال المزيف:
لقد أعدنا مراراً الحديث عن مفهوم العلامة والرمز والتناظر لأنه مدخل أساسي يعتمد عليه الخطاب العلماني في قراءة النصوص والتراثات البشرية عموماً، وهو الجسر الذي يتواصل من خلاله العلمانيون والغنوصيون وقد تجلى ذلك بشكل خاص في البحوث التأويلية والأسطورية التي اشتغل عليها الخطاب العلماني.
إن كل الأوهام والتهوسات التي تفوه بها القمني ([170]) والربيعو ([171]) وأركون وغيرهم من ربط بين الإسلام من جهة والأساطير والوثنيات القديمة من جهة ثانية قائم على هذه الآلية الهرمسية الغنوصية آلية التناظر المطلق والتماثل العبثي، فمثلاً إن إعادة هبل إلى بعل، ومكة إلى مقة، وإساف إلى يوسف، وقيس إلى أربكسد أو كاسي، والفلسطينيين إلى السلفات، والكروبيم إلى البراق .. الخ هو من هذا القبيل التناظري الهوسي الذي لا يستند إلا على إرادة التحريف وإرادة التقويل التي يتمتع بها الباحث ([172]).
إن هذا التناظر الذي يتحدث عنه القمني وغيره من الأسطوريين يستند إلى مبدأ هرمسي يسميه إمبرتو إيكو "" مبدأ الانتقال المزيف "" ووفق هذا المبدأ فإن أي تشابه بين أي شيئين يمكن أن يتم الانتقال منه إلى علاقة أخرى، ومن ذلك أنه اكتُشف ذات يوم أن النبتة التي تحمل اسم السحلبية لها بصلتان كرويتان تشبهان الخصيتين، وانطلاقاً من هذه المماثلة الشكلية " المورفولوجية " تم الانتقال إلى المماثلة الوظيفية فأشاع الغنوصيون أن السحلبية لها مفعول سحري على الجهاز التناسلي.
(يُتْبَعُ)
(/)
إلا أن الأمر لم يكن كذلك فقد شرح بيكون هذا الأمر، فامتلاك السحلبية لبصلتين آتٍ من كون بصلة جديدة تنمو كل سنة بجانب البصلة الأولى، وبينما تكبر البصلة الأولى فإن البصلة الثانية تضمحل، وهكذا يمكن للبصلتين أن تكونا شبيهتان بالخصيتين، إلا أنه لا صلة لهما بالخصوبة الجنسية، وبما أن القرابة يجب أن تكون من طبيعة وظيفية وليست شكلية، فإن التناظر في هذه الحالة سيسقط من تلقاء نفسه، وهكذا فالعلاقة الشكلية لا يمكن أن تكون شاهداً على علاقة من نوع وظيفي ([173]).
هذا الانتقال الغنوصي المزيَّف هو الذي يمارسه القمني وثلة الأسطوريين في كل دراساتهم، ومعلوم أنه لا يوجد شيئان إلا ويمكن أن يتشابها من زاوية من الزوايا إما من حيث السلوك أو من حيث الشكل، أو من حيث الزمن، أو السياق، أو الوظيفة، فالأساس في التناظر الغنوصي هو شكل القرابة وليس الدليل أو المقياس عليها، وإذا أُطلق العنان لآلية التناظر العبثي بهذا الشكل فلا شيء يمكن أن يوقفها، فالصور والمفاهيم والحقائق التي يتم الكشف عنها من خلال المماثلة تتحول هي الأخرى إلى علامات تحيل إلى تناظر جديد، وهكذا إلى ما لا نهاية. مرة أخرى إنها "" المتاهة الهرمسية "" ([174]).
الخاتمة
في نهاية هذا البحث لعلنا نستطيع أن نؤكد على النتائج الآتية:
· إن نظام اللغة وبالتحديد [التأويل المنفلت] هو المبدأ الأساسي الذي تلتقي فيه كلٌّ من الغنوصية والعلمانية، فالأصل في الكلام لديهم أنه رموز وإشارات وإيحاءات تخفي عكس ما تبديه، وتضمر خلاف ما تظهره. فكلتا الطائفتين تعوِّل على التأويل وتَعدُّه الأساس في فهم الكلام.
· وإذا كان الغنوصيون يفهمون النصوص دائماً على أساس أن لها ظاهراً وباطناً فكذلك العلمانيون، ولكن الاختلاف في المصطلحات فقط، فالظاهر عند الغنوصيين هو المعنى عند العلمانيين، أو الجسد، أو البنية أو الشكل، أو القالب حسبما يخطر في بال أحدهم أن يعبر، بينما الباطن عند أولئك يساوي المغزى عند هؤلاء أو الروح، أو المقصد، وفي كلا المنهجين يتم تجاوز سياق النص العام والخاص وسباقه وقرائنه ليصل القارئ إلى مراده من النص، وليس إلى مراد النص منه.
· وإذا كانت المقدمات متساوية فالنتائج كذلك في الغالب، وهو ما نلاحظه في مآل المنهج الغنوصي / العلماني حيث اتجه الفريقان إلى تأويل العقائد الإسلامية والمعجزات والغيبيات والقصص القرآني تأويلاً يلغي حقائقها، وأصبح القرآن الكريم مجموعة طلاسم وألغاز لا يفهمها إلا أهل الغنوص وأهل العلمنة.
· وبالتأكيد فإن هذا التماهي المنهجي التنظيري بين الفريقين والمؤيَّد بجسور عملية تطبيقية اتخذ بُعداً تحالفياً مدعوماً بأعماق شعورية تضامنية مناهضة لسلفية أو سنية أهل السنة والجماعة، هذه الفئة التي عُدَّت لدى الفريقين الغنوصي / العلماني فئة اتباعية سلطوية تكرس الجهل والتخلف والظلم والاستبداد، ولا بد من الخلاص منها – بنظرهم – عن طريق ثورة ثقافية تنويرية تتمثل بدين العقل.
· وقد اتخذت الرغبة الجامحة لدى الفريقين للتخلص من الفهم السلفي أو السني للقرآن الكريم مسلكاً واحداً هو التلفيق المنهجي، والتنميق الخطابي عبر التجوال المتواصل بين فلسفات وخطابات مختلفة شرقية وغربية وانتقاء ما يمكن إسقاطه على نصوص القرآن الكريم من مفاهيم إن لم تلغ المفاهيم السلفية المستقرة فإنها على الأقل سوف تشوش عليها.
وكانت من أبرز هذه المحاولات هي الطعن في مفهوم التخاطب، وتمييع وظيفة اللغة، ورفض فكرة الحقيقة والظاهر، والسعي المستمر إلى تشتيت المعنى إلى درجة تأصُّل اللامعنى، وتمزيق جسد النص إلى أشلاء متناثرة، وبعثرة المصطلحات، وخلط المفاهيم، حتى يصبح من الممكن استخدام أي شيء لأي شيء، وبهذا الشكل فإن حقيقة النص تضيع في وسط الركام، ومقاصده تندثر وراء الأشلاء، وتصبح كلمات النص ومفرداته أشبه بأحجار الشطرنج كلما كان اللاعب ماهراً كلما كان قادراً على تحقيق الفوز.
وهكذا فقد استند الفريقان في هذه اللعبة على قوانين غير ملائمة لبنية النص، ولا مراعية لوظيفته ومهمته، لأنها مستقاة من أصول مختلفة، والقرآن الكريم يلفظها كما يلفظ الجسدُ المعافى عبر مناعته الذاتية الجرثومةَ الغريبة إذا ما أرادت أن تتسلل إلى بنيته.
(يُتْبَعُ)
(/)
إنه لمن المؤلم جداً أن نلاحظ الإصرار لدى الحلف العلماني / الغنوصي على جرنا إلى متاهة مظلمة مجهولة باسم التنوير والتحرير في الوقت الذي نرى فيه أمامنا طريقاً مُعبَّداً مُنوَّراً يحتاج منا فقط أن نحثّ الخُطا فيه.
وأخيراً: لا بد أن ألفت النظر إلى أن هذه الدراسة هي دعوة لمتابعة البحث في هذه الزاوية فهناك أبعاد أعمق يمكن اكتشافها، وآفاق أوسع يمكن ارتيادها، وليس هذا المقال إلا نواة لاكتناه الحقل الرمزي والغموضي بشكل عام، والبحث عن الصلات المجدولة بين التيارات الرمزية المختلفة كالأفلوطينية والقبالة اليهودية وأوجه التأثير والتأثر بينها وبين الفكر الإسلامي من جهة وبينها وبين الخطاب العلماني من جهة أخرى.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) للتواصل مع الباحث: ahmad_altan@maktoob.com جامعة دمشق – كلية الشريعة.
([2]) الهرمسية لفظة أطلقت في الأصل على الكيمياء السحرية لاعتقاد اليونان أن هرمس هو مبدع هذا العلم الخاص بنخبة قليلة من نوابغ الفلاسفة، ومن هنا اتسع مدلول الكلمة فشمل كل علم أو فن لا يدرك سره إلا الموهوبون من البشر. وأم أدبيا: فقد تضمنت الكلمة معنى الإغلاق والإبهام والغموض وفرضت على القارئ التآلف القسري مع عالم خفي من الصور والأفكار، عالم سحري يحتفظ الأديب بسره. انظر: جبور عبد النور " المعجم الأدبي " ط 1/ 1979 دار العلم للملايين ص 286. وانظر: د. كميل الحاج " الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي " مكتبة لبنان ناشرون \ ط 1/ 2000 م ص 630.
ملاحظة: الهرمسية والغنوصية تتماهيان في مبادئ جوهرية هي: النخبوية أي أن علومهما خاصة بنخبة متميزة من البشر والغموضية: أي أنهما تعولان كثيراً على الحدس والرموز والأسرار.
[3] الأفلوطينية نسبة إلى أفلوطين 205 – 270 م وهو فيلسوف مثالي ولد في مصر وعاش في روما وقد ضاعفت تعاليمه من نزعة التصوف في فلسفة أفلاطون، وعنده عملية تطور العالم تبدأ من الإلهي الذي لا يمكن الإحاطة به والتعبير عنه وموضوع الحياة الإنسانية عند أفلوطين هو الصعود إلى الواحد ويمكن تحقيق هذا بنظره بتقييد الميول الجسدية وترقية الميول الروحية وقد كان لفلسفته دوراً كبيراً في تطوير الفكر الصوفي الجدلي. انظر: " الموسوعة الفلسفية " بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم – دار الطليعة –بيروت ط2/ 1980 ص 42.
([4]) الغنوصية شيعة دينية فلسفية متعددة الصور، واللفظ اليوناني " غنوسيس " يعني معرفة، فمبدؤها أن العرفان الحق ليس العلم بوساطة المعاني المجردة والاستدلال كالفلسفة، وإنما هو العرفان الحدسي التجريبي الحاصل عن اتحاد العارف بالمعروف، وأما غايتها فهي الوصول إلى عرفان الله عز وجل على هذا النحو بكل ما في النفس من قوة حدس وعاطفة وخيال، وتعد مريديها بكشف الأسرار الإلهية وتحقيق النجاة. وأصول هذا المذهب أفلاطونية، لأن أصحابه أفلاطونيون في جملتهم انظر: يوسف كرم " تاريخ الفلسفة اليونانية " مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة ط2/ 1946م / ص 244، 245 وانظر: الجابري " بنية العقل العربي " ص 258 المركز الثقافي العربي – بيروت – ط 2/ 1991والغنوصية هي التي يطلق عليها الجابري " العرفان " و " العرفانية " والغنوصية والهرمسية " نسبة إلى هرمس " المثلث بالحكمة " كما هو شائع في المؤلفات العربية الإسلامية انظر: الجابري " تكوين العقل العربي " ص 155 المركز الثقافي العربي – بيروت – ط 4/ 1991 ومبروكة الشريف جبريل " الخطاب النقدي في المشروع النهضوي العربي. العروي والجابري نموذجاً " رسالة دكتوراة مقدمة في شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط – 1997 / ص 346 والغنوصية والهرمسية تسيران في نفس الاتجاه العرفاني انظر: الجابري السابق نفسه. وانظر: إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ترجمة: سعيد بنكراد – المركز الثقافي العربي – بيروت ط 1/ 2000م ص 15، 37.
(يُتْبَعُ)
(/)
([5]) انظر: بول ريكور " من النص إلى الفعل " ترجمة: محمد برادة وحسان بورقية – عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية – القاهرة – ط 1/ 2001م / ص 85.
([6]) نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر. نتاج محمد أركون نموذجاً " بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحضارة الإسلامية – الجامعة التونسية – جامعة الزيتونة – المعهد الأعلى لأصول الدين 1998م / ص 64 يحيل إلى مصادر أجنبية. يميز بول ريكور بين الهرمينوطيقا العلمانية والهرمينوطيقا الدينية، أو الهرمينوطيقا الفلسفية والهرمينوطيقا التوراتية الأولى تذهب من القطب الفلسفي إلى القطب التوراتي، أما الثانية فهي هرمينوطيقا إقليمية مقارنة مع نظيرتها الفلسفية، ويمكن اعتبار الهرمينوطيقا التوراتية أو الدينية تابعة للأولى، وبذلك تكون هرمينوطيقا تطبيقية انظر: بول ريكور " من النص إلى الفعل " مصدر سابق ص 91، وله " إشكالية ثنائية المعنى " مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن ألف في الجامعة الأمريكية بالقاهرة – ترجمة فريال جبوري غزول ص 137وهناك الهرمينوطيقا الرومانسية وهي هرمينوطيقا ديلتاي ومعارضي البنيوية انظر: ريكور " من النص إلى الفعل " ص 86 ويسميها البعض هرمينوطيقا عامة وأخرى مقدسة الأولى تضع قواعد عامة لتفسير أي نص، والثانية تضع القواعد الخاصة لتفسير النصوص الدينية والكتب المقدسة وحدها. انظر: حسن حنفي " قراءة النص " ص 10 مقال ضمن مجلة " الهرمينوطيقا والتأويل " المشار إليها قبل قليل.
([7]) انظر: أبو زيد. نصر حامد " إشكاليات القراءة وآليات التأويل " المركز الثقافي العربي – بيروت ط 4 – 1996 / ص 13 وانظر له: " الخطاب والتأويل " المركز الثقافي العربي – بيروت ط 1 – 2000م / ص 173. وانظر: د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " دار الشروق – القاهرة – ط 1 – 1999م / مجلد 1 / ص 88.
([8]) شلاير ماخر فيلسوف ألماني ت: 1843 م يعد عند بعض الدارسين نقطة تحول في مجال الهرمينوطيقا وذلك بنقلها من الحقل الديني إلى الحقل الفلسفي والأدبي.
([9]) انظر: خالد السعيداني " إشكالية القراءة " مصدر سابق ص 64 ويحيل إلى بعض المصادر الأجنبية وانظر: د. المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " مصدر سابق 1/ 88.
([10]) انظر: السابق ص 66. وانظر: د. عبد الوهاب المسيري " موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية " مصدر سابق 1/ 88.
([11]) بول ريكور فيلسوف وعالم لسانيات فرنسي معاصر ولد سنة 1913 م، اشتغل في حقل الاهتمام التأويلي ومن ثم بالاهتمام بالبنيوية، وهو امتداد لفريديناند دي سوسير. يعتبر ريكور رائد سؤال السرد. أشهر كتبه (نظرية التأويل - الخطاب وفائض المعنى - / من منشورات جامعة تكساس المسيحية عام 1976). نقلاً عن هذا الرابط:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D9%84_%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%88%D8%B1
([12]) انظر: بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " مقال له ضمن الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة ص 139. alle-gorie أليغوري تعني: قول شيء عبر شيء مغاير.
([13]) بولتمان، رودلف كارل (1884 - 1976)، كان لاهوتياً بروتستانتياً وعالم في العهد الجديد. تعلم في جامعة ماربرج، توبنجين، وبرلين، وشغل وظائف أكاديمية في العديد من الجامعات. ساعد بولتمان في تطوير مدرسة نقد الشكل، ومناهج دراسة الكتب المقدسة. أهم أعمال بولتمان تشمل: يسوع والعالم، يسوع المسيح وعلم الأساطير، المعرفة الروحية، والمسيحية البدائية في أوضاعها الحالية. نقلاً عن هذه الصفحة:
http://216.212.98.66/arabic/verdict/book/41.html
([14]) وهي الطريقة نفسها التي يحاول الخطاب العلماني عموماً وأركون خصوصاً أن يطبقها على النص القرآني، والأساطير المراد تحطيمها هي كل ما لا يقبله العقل العلماني من أمور الغيب.
(يُتْبَعُ)
(/)
([15]) فرويد هو سيجموند فرويد 1856 – 1939 م طبيب وأخصائي أمراض عصبية وعقلية نمساوي ينظر إلى النشاط العقلي والتاريخي والاجتماعي على أنه نتاج للقوى النفسية اللاشعورية الجنسية. انظر الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين - ترجمة سمير كرم ط2/ 1980 م – دار الطليعة – بيروت ص: 331.
([16]) كارل ماركس 1818 – 1883 م فيلسوف ألماني مؤسس الفلسفة الماركسية والاتجاه الشيوعي في العالم، وصاحب نظريتي المادية الجدلية والمادية التاريخية. السابق نفسه.
([17]) فريديريك نيتشه 1844 – 1900 م. فيلسوف ألماني مثالي ورائد للإيديولوجية الفاشية وأستاذ فقه اللغة في جامعة بال بسويسرا وقد سيطرت على نظريته العامة للعالم الكراهية، أهم أعماله: هكذا تكلم زرادشت – فيما وراء الخير والشر – إرادة القوة. السابق نفسه ص 553.
([18]) انظر: بول ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 139، 140 وانظر: له أيضاً " من النص إلى الفعل " ص 101. وانظر: نصر حامد أبو زيد " إشكاليات القراءة " ص 44، 45. مصادر سبقت بياناتها.
([19]) انظر: ريكور " إشكالية ثنائية المعنى " ص 141. مصدر سابق.
([20]) انظر: السابق ص 143.
([21]) انظر: السابق ص 146.
([22]) انظر: السابق ص 144
([23]) انظر: السابق ص 145.
([24]) انظر: السابق ص 146.
([25]) انظر: بول ريكور: من النص إلى الفعل " ص 38. سبقت بياناته.
([26]) انظر: السابق نفسه.
([27]) السابق ص 58.
([28]) السابق ص 160
([29]) السابق ص 116.
([30]) الهوية الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق انظر: للجرجاني " التعريفات " حققه: إبراهيم الأبياري – دار الريان للتراث – القاهرة – د. ط و د. ت / ص 320 وللمناوي. محمد عبد الرؤوف " التوقيف على مهمات التعاريف " حققه: محمد رضوان داية – دار الفكر – دمشق – ط 1 – 1410 هـ / ص 744 وقال ابن حزم: "حد الهوية هو أن كل ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه إذ ليس بين الهوية والغيرية وسيطة يعقلها أحد البتة فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر. انظر: ابن حزم. علي بن أحمد " الفصل في الملل والأهواء والنحل " حققه: د. محمد إبراهيم نصر – عبد الرحمن عميرة – دار الجيل – بيروت د. ط و د. ت مجلد 2 / ص 107. والهوية كمبدأ فلسفي تعبر عن ضرورة منطقية بعينها فهي تؤؤكد أن الموجود هو ذاته دوماً لا يلتبس به ما ليس منه فهو عين ذاته، فالشخص هو هو مهما اعتراه من تغيرات. انظر: الموسوعة الميسرة في الفكر الفلسفي والاجتماعي مكتبة لبنان – ناشرون ط1/ 2000 م. ص: 642.
([31]) قانون منطقي لا تكون بمقتضاه القضيتان أ أو لا أ صادقتين في الوقت نفسه وقد جاءت الصياغة الأولى لمبدأ عدم التناقض على يد أرسطو ويمكن صياغة هذا القانون على النحو التالي: القضية أ لا يمكن أن تكون صادقة وكاذبة في نفس الوقت. انظر: الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم ط2/ 1980 دار الطليعة – بيروت. ص: 372.
([32]) قانون في المنطق بمقتضاه تكون قضية من بين قضيتين تنفي إحداهما ما تؤكده الأخرى صادقة بالضرورة. وكان أرسطو أول من صاغ هذا القانون والتعبير الرمزي له هو: أ أو لا أ وهكذا .. وبعبارة أخرى إما أن أ هي ب أو هي ليست ب ولا يوجد احتمال ثالث، وغالباً ما يستخدم قانون الثالث المرفوع في عملية البرهان كقاعدة الأضداد مثلاً. انظر: الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين – ترجمة سمير كرم ط2/ 1980 دار الطليعة – بيروت. ص: 370.
([33]) انظر: امبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 28 - 29. سبقت بياناته.
([34]) قارن هنا مع الهرمينوطيقا في السعي للوصول إلى ما لا يقوله النص من خلال ما يقوله وفكرة الفراغ وما بين السطور، كما لا ننسى الوظيفة الأليغورية للغة عند بول ريكور " قول شيء من خلال قول شيءٍ آخر " كذلك التركيز الفرويدي الهرمينوطيقي على الأحلام والنفس الأمارة. كل ذلك يعتبر وشائج تواصل بين الهرمينوطيقا والغنوصية.
([35]) انظر: السابق ص 31.
([36]) انظر: امبرتو إيكو "السابق " ص 32.
([37]) انظر: السابق ص 33.
([38]) انظر: السابق ص 33.
(يُتْبَعُ)
(/)
([39]) امبرتو إيكو: روائي، سيميائي، لغوي، إيطالي ولد عام 1932 م في بيمونت، لم يكف عن اطفاء شارته الحمراء، فارضاً نفسه كسيد السيميوطيقا بلا منازع، والنجاح الروائي لروايات، مثل: (اسم الوردة) - أكثر من عشر ملايين نسخة - لم يبعده عنها. من رواياته " بندول فوكو" و " جزيرة اليوم السابق" و " بودولينو". من نصوصه النقدية: - النص المفتوح - السيميوطيقا وفلسفة اللغة - وحدود التأويل. المصدر:
http://www.halfmoon-sa.com/forum/printthread.php?t=4379
([40]) انظر: السابق ص 42.
([41]) انظر: السابق ص 37.
([42]) انظر: الجابري " بنية العقل العربي " ص 297، 322 وانظر: مبروكة الشريف " الخطاب النقدي .. " ص 367. مصادر سابقة.
([43]) انظر: إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 55. مصادر سابقة.
([44]) انظر: السابق ص 118 - 119.
([45]) انظر: السابق ص 121.
([46]) انظر: السابق ص 57.
([47]) انظر: السابق ص 123.
([48]) انظر: عارف تامر " مقدمته لكتاب أساس التأويل " ص 15 للقاضي النعمان بن حيوة المغربي – قاضي قضاة الدولة الفاطمية ت: 363 هـ تحقيق وتقديم: عارف تامر – دار الثقافة – بيروت – لبنان، د، ط / د، ت.
([49]) مقدمة عارف تامر " السابق بياناته " ص 16.
([50]) كما رأينا سابقاً عند نصر حامد وتيزيني وغيرهم.
([51]) مقدمة عارف تامر " السابق " ص 17. مصدر سابق
([52]) انظر:محمود محمد عبد الحميد " مذهب التأويل عند الشيعة الباطنية " ص 163 رسالة دكتوراة – دار العلوم رقم 866.
وانظر: أيو طالب حسنين. السيد علي " التأويل في مصر في الفكر المعاصر " رسالة دكتوراه- قسم العقيدة والفلسفة – كلية أصول الدين – جامعة الأزهر / ص 91 وينقل القاضي عبد الجبار عن الباطنية " فقالوا: إن القرآن له ظاهر وباطن " تنزيل وتأويل " عبد الجبار. القاضي عماد الدين أبي الحسن بن أحمد " المغني في أبواب التوحيد والعدل " تحقيق نخبة من العلماء – مراجعة د. إبراهيم مدكور _ إشراف: طه حسين – المدرسة المصرية العامة للتأليف والنشر – الدار المصرية للتأليف والترجمة – القاهرة 1960 - مجلد 16 / ص 363 - 366.
([53]) انظر: د. صابر طعيمة " العقائد الباطنية " ص 12 ينقل عن مخطوطة لجعفر بن منصور بعنوان " الشواهد والعيان " الخزانة التيموريية عقائد ص 184 وجعفر بن منصور أحد الباطنية وانظر: السيد علي أبو طالب حسنين " التأويل في مصر في الفكر المعاصر " ص 90. مصدر سابق
([54]) سورة مريم آية 43.
([55]) انظر: القاضي النعمان بن حيون " أساس التأويل " تحقيق وتقديم: عارف تامر – دار الثقافة – بيروت د. ط د. ت / ص 118.
([56]) سورة هود آية 40.
([57]) انظر: القاضي النعمان بن حيون " السابق " ص 83 والأساس هو إمام الزمان.
([58]) سورة هود آية 43.
([59]) انظر: السابق ص 84.
([60]) سورة هود آية 43.
([61]) انظر: السابق ص 85.
([62]) سورة هود آية 44.
([63]) انظر: السابق ص 85.
([64]) ابن حيون أو ابن حيوة (340 - 389 هـ = 951 - 999 م) محمد بن النعمان بن محمد القيرواني الافريقى، أبو عبد الله، المعروف بابن حيون: قاضى مصر، وأحد كبار العلماء من أنصار مذهب الفاطميين. له اطلاع على الادب والتاريخ. ولد ونشأ في القيروان، وقدم القاهرة فولي قضاءها (سنة 374 هـ) وخلع عليه. الأعلام للزركلي - (ج 7 / ص 126).
([65]) انظر: السابق ص 60.
([66]) سورة العنكبوت آية 14.
([67]) انظر: السابق ص 87.
([68]) انظر: السابق ص 316.
([69]) انظر: السابق ص 28.
([70]) نصر حامد أبو زيد باحث مصري من مواليد 1943 م كان أستاذا في كلية الآداب جامعة القاهرة فأثارت بعض كتاباته ردود أفعال في الأوساط الإسلامية فحوكم ونفي من مصر واحتضنته الجامعات الأوربية. من كتبه: الاتجاه العقلي في التفسير- فلسفة التأويل - مفهوم النص دراسة في علوم القرآن – نقد الخطاب الديني – هكذا تكلم ابن عربي – الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية العربية وغيرها.
([71]) علي حرب " نقد النص " ص 15.
([72]) النعمان بن حيوة " اساس التأويل " ص 28. سبقت بياناته.
([73]) علي حرب " نقد النص "ص 24.
(يُتْبَعُ)
(/)
([74]) محمد بن الحسن الديلمي " بيان مذهب الباطنية " ص 21 تحقيق د. شدو طمان. ط1/ 1938 م وانظر: أبو طالب حسنين "التأويل في مصر " ص 91. مصدر سابق.
([75]) رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء 4/ 138 طبعة تراث العرب – بيروت 1957.
([76]) سورة النساء آية 83.
([77]) المؤيد في الدين " سيرة المؤيد " ص 16 تحقيق د. محمد كامل حسين دار الكتاب المصري 1949.
([78]) علي حرب " نقد النص " ص 20.
([79]) انظر: للداعي الفاطمي طاهر بن ابراهيم الحارثي اليماني " الأنوار اللطيفة " ص 79 " الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر سنة 1970 م نقلاً عن التأويل في مصر " ص 93. مصدر سابق.
([80]) السابق نفسه.
([81]) السابق ص 80.
([82]) القاضي النعمان " أساس التأويل " ص 37. مصدر سابق.
([83]) انظر: إبراهيم بن الحسين الحامدي " كنز الولد " ص 13، 14 المعهد الألماني للأبحاث الشرعية – تحقيق مصطفى غالب – بيروت 1971 م نقلاً عن د، محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 85 – مكتبة الأقصى – عمان الأردن – عالم الكتب – الرياض ط 2/ 1406 هـ 1986 م
([84]) أحمد حميد الدين الكرماني ت بعد سنة 411 هـ " راحة العقل " ص 375 - 376 تحقيق د. محمد كامل حسين و د. محمد مصطفى حلمي – دار الفكر العربي – القاهرة د. ت / د. ط. ولكن كيف يفهم قول الله عز وجل "" الله لا إله إلا هوالحي القيوم "". سورة البقرة آية 255.
([85]) انظر: د. حسن حنفي " من العقيدة إلى الثورة " دار مدبولي – القاهرة د. ط و د. ت / مجلد 1 / ص 85.
([86]) انظر: د. محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " مكتبة الأقصى – عمان، الأردن و عالم الكتب – الرياض ط 2 – 1986 / ص 88.
([87]) أركون. محمد " قضايا في نقد العقل الديني " ترجمة هاشم صالح – دار الطليعة والنشر – بيروت ط1 – 1998 / ص 277.
([88]) أركون " قضايا في نقد العقل الديني " ص 282. سبقت بياناته.
([89]) السابق ص 276.
([90]) أركون " السابق " ص 282 لعلنا نتذكر هنا ما قاله سبينوزا في الوحي: يختلف الوحي عند الأنبياء تبعاً لمزاجهم وبيآتهم وأحوالهم فالنبي الفرح توحي إليه الحواث: السلام والانتصارات، والنبي الحزين يوحى إليه الشرور والهزائم والأحزان انظر: باروخ سبينوزا " رسالة في اللاهوت والسياسة " ترجمة وتقديم: حسن حنفي – مراجعة: فؤاد زكريا – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر د. ط و د. ت / ص 150، 151.
([91]) انظر: حسن حنفي " التراث والتجديد " طبعة الإنجلو المصرية ط3 القاهرة – 1987 / ص 96.وحسن حنفي يعلق على كلامه هذا بأنه مجرد صور أدبية مجازية ولا يوجد عاقل يقول هذا حقيقة بنظره. وحسن حنفي هو أستاذ في جامعة القاهرة وكتبه تحتوي على كلام لا يمكن صدوره ممن ينتمي إلى الإسلام وهو يعد نفسه صاحب مشروع تجديدي إسلامي وأبرز مؤلفاته: من العقيدة إلى الثورة – التراث والتجديد. وكتبه عبارة عن تلفيقات من الفلسفة الأوربية " فيورباخ، شلنج، سبينوزا " قام بإلباسها بعض الأشكال الإسلامية.
([92]) الكرماني. أحمد حميد الدين " راحة العقل " تحقيق د. محمد كامل حسين و د. محمد مصطفى حلمي – دار الفكر العربي – القاهرة د. ت و د. ط / ص 375، 376.
([93]) أبو يعقوب إسحق السجستاني " الينابيع " ص 135 تحقيق مصطفى غالب – بيروت 1965 م نقلاً عن د: محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 116. مصدر سابق.
([94]) علي بن محمد الوليد " تاج العقائد ومعدن الفوائد " ص 165 - 166، تحقيق عارف تامر – دار الشرق – بيروت 1967 نقلاً عن د، محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية في العالم الإسلامي " ص 116. مصدر سابق.
([95]) انظر: الكرماني " راحة العقل " ص 367 وانظر: أبو طالب حسنين " التأويل في مصر " ص 98. مصادر سابقة.
([96]) انظر: القاضي النعمان بن حيون "تأويل الدعائم " تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي – دار المعارف بمصر – 1963 – د. ط / ص 301.
([97]) انظر: القاضي النعمان " أساس التأويل " ص 35. سبقت بياناته.
([98]) انظر: السابق ص 92.
([99]) انظر: السابق ص 102.
([100]) انظر: السابق ص 304.
(يُتْبَعُ)
(/)
([101]) كما قال خلف الله راجع المدخل الأسطوري في الباب الثاني، وكما يقول حسن حنفي انظر: "من العقيدة إلى الثورة " 4/ 167 – 169، 600 حين يعتبر معجزة شق القمر "" عملية تخييل وخلق فني "". مصدر سابق.
([102]) محمد أحمد خلف الله هو تلميذ الأستاذ أمين الخولي وصاحب رسالة " الفن القصصي في القرآن الكريم " التي أثارت ردود أفعال شديدة في الأوساط الإسلامية في الخمسينات من القرن العشرين وقد تابع فيها المستشرقين في قولهم إن القرآن الكريم يحتوي على أساطير.
([103]) انظر: محمد أحمد خلف الله " الفن القصصي في القرآن " مكتبة الإنجلو المصرية – القاهرة ط3 – 1965 / ص 56، 57، 254.
([104]) محمد أركون باحث فرنسي من أصل جزائري ومقيم في فرنسا. الفكرة الأساسية التي تدور حولها مؤلفاته هي تورخة القرآن الكريم وتورخة الفكر الإسلامي عموماً والتشكيك في ثبوت القرآن ومصداقيته والعمل على تحريفه عبر مزاعم التأويل. من أبرز مؤلفاته: تاريخية الفكر العربي والإسلامي – الفكر الإسلامي: قراءة علمية – الفكر الأصولي واستحالة التأصيل – المسكوت عنه في الفكر الإسلامي وغيرها.
([105]) انظر: أركون " قراءات في القرآن " النسخة الفرنسية ص 12 نقلاً عن عبد الرزاق هوماس " القراءة الجديدة " ص 65.
([106]) انظر: نصر حامد أبو زيد " النص السلطة الحقيقة " المركز الثقافي العربي – بيروت – ط1 – 1995 / ص 134.
([107]) انظر: حسن حنفي "من العقيدة إلى الثورة " 4/ 167 - 169، 600. مصدر سابق.
([108]) انظر: نصر حامد أبو زيد " نقد الخطاب الديني " مكتبة مدبولي – القاهرة – ط3 – 1995م / ص 189.
([109]) سورة آل عمران آية 59.
([110]) انظر: سيد محمود القمني " الأسطورة والتراث " المركز المصري لبحوث الحضارة - القاهرة ط 2 – 1999 م / ص 114 وانظر أيضاً في الإفصاح عن هذه الزندقة فالح مهدي " البحث عن منقذ " ص 150، 156 – دار ابن رشد – بيروت – 1981 وتركي علي الربيعو " العنف والمقدس والجنس " المركز الثقافي العربي – بيروت ط2 – 1995م / ص 179، 180.
([111]) عارف تامر " أربع رسائل إسماعيلية. الرسالة الرابعة: الدستور ودعوة المؤمنين للطيبي " ص 70 – 71 – تحقيق عارف تامر – منشورات –دار مكتبة الحياة بيروت 1978.
([112]) نهاية الأرب للنويري – مخطوط ج 23/ 338 - 344 نقلاً عن د. محمد أحمد الخطيب " الحركات الباطنية " ص 124، 125. مصدر سابق.
([113]) كما ينقل عبد الرزاق هوماس هوماس عن أركون انظر " القراءة الجديدة في ضوء ضوابط التفسير " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا – جامعة محمد الخامس – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الرباط - إشراف د. فاروق حمادة - 1988 م / ص 169.
([114]) انظر: عبد الهادي عبد الرحمن " سلطة النص " المركز الثقافي العربي – بيروت – ط1 – 1993 / ص 110، 111.
([115]) انظر:الصادق النيهوم " صوت الناس. محنة ثقافة مزورة " رياض الريس للكتب والنشر – لندن وبيروت – د. ط – 1987 م / ص 127، 134.
([116]) انظر: محمد محمود طه " الرسالة الثانية " أم درمان – السودان ط1 – 1971 م / ص 155، 164.
([117]) انظر: أركون " مجلة الكرمل " 1/ 23 عدد 34 – 1989. مصدر سابق.
([118]) أبو حامد الغزالي " فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة " ص 17 طبعة القاهرة 1907 م.
([119]) أبو حامد الغزالي " فضائح الباطنية " ص 93 دار البشير – عمان، الأردن ط1 1413 هـ 1993 م.
([120]) لا بد أن أشير هنا إلى أنني لا أتبنى موقفاً سلبياً من هؤلاء المتصوفة والفلاسفة المذكورين وإنما ألفت النظر هنا إلى التوظيف المغرض من قبل الخطاب العلماني للجوانب الغنوصية والباطنية التي نقلت عن هؤلاء الأشخاص سواء أكانت حقاً أم باطلاً وهو كما حصل عندما وُظِّف الفكر الرشدي في الغرب توظيفاً فكرانياً.
(يُتْبَعُ)
(/)
([121]) درس نصر حامد أبو زيد ابن عربي واعتنى بفلسفته عناية فائقة وأبرزه على أنه فيلسوف الإسلام وأصدر مؤخراً كتاباً بعنوان " هكذا تكلم ابن عربي " يترسم بذلك خطا نيتشه في مؤلفه " هكذا تكلم زرادشت "، وكذلك علي حرب يتعاطف مع ابن عربي ضد الجابري الذي صنفه في الاتجاه العرفاني اللا عقلاني ويعتبره علي حرب فيلسوفاً عقلانياً عقلانية مدهشة إذا ما نظرنا إليه بعين هيدغر، وهيغل، وهو أقرب إلى الفكر المعاصر انظر: علي حرب " نقد النص " المركز الثقافي العربي – بيروت ط1 – 1993 م / ص 120 بل إنه يعتبر ابن عربي مصيباً في زعمه بأنه يفهم القرآن أفضل من الصحابة، ويعتبر محاولاته التأويلية إطلالة على الفهم الحديث انظر: علي حرب " نقد النص " ص 106 ويشيد أيضاً بالشيرازي لأنه بنظره كان منفتحاً على أنطولوجيا هيدغر وأفق الحداثة انظر: علي حرب السابق ص 92. ومن الواضح هنا أننا لسنا بحاجة إلى التنبيه إلى أن المعيار الذي تقاس به الأفكار هو هيدغر وطائفته، وأفق الحداثة والمعاصرة، إنها الهرمينوطيقا الغنوصية التي قرأنا أسسها وعرفنا مراميها ومقاصدها.
أما أركون فقد تبنى فكر التوحيدي وقال:"" أبو حيان التوحيدي هو أخي التوأم، هو أخي الروحي، أخي في الفكر إني أحبه، أحب هذا الإنسان، أحبه كشخص لأني أجد فيه صفتين من صفاتي الشخصية نزعة التمرد الفكري، أي رفض كل قسر أو إكراه يمارس على العقل أو الفكر، ثم رفض كل فصل أو انفصام بين الفكر والسلوك أو بين العمل الفكري والمسار الأخلاقي، لقد عبر التوحيدي عن ذلك بطريقة رائعة وبأسلوب جذاب "" مجلة الكرمل العدد 34 ص 22 – 32 نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة في الفكر العربي الإسلامي المعاصر " مصدر سابق ص 33. ويضيف أركون: "" بالطبع ثمن التمرد غال، وينبغي أن يُدفع من وقت لآخر وإلا ماتت الحركة الثقافية، ونامت الحضارات، وهكذا ترى أني قد سميت لك في نهاية المطاف اسم شخص أثر علي [يقصد التوحيدي] ليس كعلم، كمعلومات، وإنما كنموذج وقدوة، وشاءت الصدفة أن يكون عربياً مسلماً، بل ومسلماً كبيراً، وكل ذلك قوى علاقتي به أكثر ... إنه اضطهد في حياته، وعانى مثلما عانيت أنا ... أقصد انه عانى من سوء فهم معاصريه له، أو من عدم فهمهم لفكره، فقد هاجموه وطعنوا في شخصه، واتهموه في عقيدته، وأراهن على أنهم لم يفهموه "" مجلة الكرمل عدد 34 ص 23/ 1989 نقلاً عن خالد السعيداني " إشكالية القراءة " ص 34 ويضيف أركون أيضاً: "" وقد ألف [التوحيدي] كتاباً تعرض بسببه للهجوم الشديد وهو " الحج العقلي إذا ضاق الفضاء إلى الحج الشرعي " وقد ذكره ياقوت الحموي، ولكنه ضاع ولم يصل إلينا لأن الفقهاء والأرثوذكسية الإسلامية اعتبروا ذلك بمثابة الهرطقة المطلقة، أما أنا فأرى هذا الكتاب يعبر عن الغنى الفكري والروحي لرجل فهم باطن النص المقدس " القرآن " ثم عرف كيف يعبر في الوقت ذاته بلغة الظاهر، أقصد بلغة مناسبة ومطابقة تماماً للمعنى المقصود "" مجلة الكرمل عدد 34 ص 23/ 1989 السعيداني ص 37. واهتم نصر حامد أبو زيد بابن عربي وبالذات تناول قضية التأويل عنده، هذه القضية التي تعتبر هي سر اللقاء بين العلمانيين والغنوصيين في كتابه " فلسفة التأويل. دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي " المركز الثقافي العربي. واهتم حسن حنفي بالسهر وردي وأخذ منه مع التلفيق مع هوسرل القول بالوحي الشعوري أو المنهج الشعوري، ليجمع بين النظر والذوق، وقد خصص للسهروردي فصلاً في كتابه " دراسات إسلامية " دار التنوير – بيروت – ط1 – 1982 م / ص 209 – 263 بعنوان حكمة الإشراق والفينومينولوجيا وختم بالقول: "" فالبناء الشعوري أساس لبناء الواقع، قد يطبع الواقع بناءه على الشعور كما يطبع الشعور بناءه على الواقع، ولكن تظل العلاقة جدلية بين البناءين وفي هذه اللحظة تعطينا حكمة الإشراق كما تعطينا الفينومينولوجيا مفتاحاً لفتح عالم الشعور والدخول فيه "" دراسات إسلامية ص 261 وانظر: عبد الرزاق هوماس " ضوابط القراءة الجديدة " مصدر سابق ص 132.
([122]) انظر: طيب تيزيني " النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة " دار الينابيع – دمشق – 1997 م د. ط / ص 316، 328.
([123]) انظر: السابق ص 328.
(يُتْبَعُ)
(/)
([124]) انظر: السابق ص 315 - 316.
([125]) انظر: أدونيس " الثابت والمتحول " 1/ 209 – دار العودة – بيروت – الطبعة الرابعة 1986.
([126]) انظر: أدونيس " السابق " 2/ 92 دار العودة – بيروت 1977.
([127]) انظر: السابق 1/ 209 دار العودة بيروت طبعة 1986.
([128]) أقصد بالعقل الغريزي هنا أن الغنوصية والعلمانية تختاران ما تمليه الغريزة على العقل، أما في الإسلام فإن العقل والغريزة مكبوحان بكوابج الإيمان، والإيمان يحول بين شطط العقل وجموح الغريزة، أما عند أولئك فإن الغريزة هي التي تزين للعقل، وتملي عليه، إنها تدفعه لاستصدار القرارات، لكن ليس بالضرورة كما تفعل أمريكا مع الأمم المتحدة.
([129]) ميشال فوكو 1926 – 1984 م فيلسوف فرنسي عرف بمنهج أركيولوجيا – حفريات - المعرفة وله كتاب بهذا العنوان وهو من مواليد سنة 1962 م وانتقل سنة 1970 م إلى باريس حيث اشتغل أستاذاً لتاريخ النظم الفكرية في الكوليج دي فرانس.
([130]) ميشال فوكو " حفريات المعرفة " ترجمة: سالم يفوت – المركز الثقافي العربي – بيروت ط2 – 1987 م / ص 182.
([131]) فريديناند دي سوسير Ferdinand de Saussure ( من 26 نوفمبر 1857 إلى 22 فبراير 1913) عالم لغويات سويسري يعتبر الأب و المؤسس لمدرسة البنيوية في اللسانيات. وهو من أشهر علماء اللغة في العصر الحديث حيث اتجه بتفكيره نحو دراسة اللغات دراسة وصفية باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية وكانت اللغات تدرس دراسة تاريخية، وكان السبب في هذا التحول الخطير في دراسة اللغة هو اكتشاف اللغة السنسكريتية. ولد دي سوسير في جنيف، و كان مساهما كبيرا في تطوير العديد من نواحي اللسانيات في القرن العشرين. كان أول من أعتبر اللسانيات كفرع من علم أشمل يدرس الإشارات الصوتية أقترح دي سوسير تسميته semiology و يعرف حاليا بالسيميوتيك أو علم الإشارات. نقلاً عن هذه الصفحة:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%86%D 8%AF_%D8%AF%D9%8A_%D8%B3%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%B1
([132]) جاك دريدا ولد 1930 م - مفكر فرنسي جزائري المولد يعد من المؤسسين لفلسفة التفكيك أو التقويض أحياناً.
([133]) رولان بارت كاتب فرنسي (???? - ????) تسلق كل الدرجات العلمية إلى أن أصبح أستاذاً في الكوليج دي فرانس بباريس 1976 من أهم كتبه: شذرات من خطاب في العشق - لذة النص ترجمه منذر عياشي. .
([134]) رينيه ديكارت 1596 – 1650 م فيلسوف فرنسي درس الحقوق في باريس وحصل على الليسانس في العلوم القانونية وفي عام 1620 ترك حياة الجندية التي كان قد انضم إليها سابقاً ثم قام بجولات في ألمانيا وهولندا ثم عاد إلى باريس كما سافر إلى إيطاليا فيما بعد أيضاً أقام بعد ذلك في هولندا إلى نهاية حياته وفيها أنجز أبرز مؤلفاته وأهمها: مقال عن المنهج – التأملات في الفلسفة الأولى – مبادئ الفلسفة – كتاب العالم وغيرها. راجع: دراسات في الفسفة الحديثة، د. محمود حمدي زقزوق – ص: 87. لا توجد بيانات نشر على الكتاب.
([135]) ولد باروخ سبينوزا في مدينة أمستردام 1632 م لأسرة يهودية برتغالية هربت من الاضطهاد هناك إلى هولندا التي قدمت الملجأ والملاذ لضحايا الاضطهاد، درس الفلسفة اليهودية لفلاسفة اليهود الأندلسيين أمثال ابن ميمون وابن عزرا وحسداي بن شبروت وابن جبريل وموسى القرطبي وكانت وفاته عام 1677 م عن عمر لا يتجاوز الرابعة والأربعين، من أبرز مؤلفاته:مبادئ الفلسفة الديكارتية – رسالة في اللاهوت والسياسة – الأخلاق مؤيدة بالدليل الهندسي وهو أهم كتبه – إصلاح العقل. انظر: دراسات في الفلسفة الحديثة، محمود حمدي زقزوق ص 131 – 135. لا توجد أي بيانات نشر الكتاب.
([136]) أدموند هوسرل 1859 – 1938 م فيلسوف ألماني يعد مؤسس المنهج الظاهراتي – الفينومينولوجيا – الذي أصبح فيما بعد الأساس الفلسفي لوجودية شيلر وهايدغر. انظر: الموسوعة الفلسفية – بإشراف روزنتال – يودين- مصدر سابق. ص: 472.
(يُتْبَعُ)
(/)
([137]) مارتن هيدغر 1889 – 1976 م فيلسوف ألماني يتبنى المذهب الوجودي بطريقة مادية بحتة. وفلسفته فلسفة تشاؤمية معادية للعلم تقوم على المثالية الزمانية التي تعني عنده الانفعالات الداخلية للإنسان من أعماله: الوجود والزمان – كانط ومشكلة الميتافيزيقا – مدخل إلى الميتافيزيفا. انظر: الموسوعة الفلسفية بإشراف روزنتال – يودين ترجمة سمير كرم ط 2/ 1980 م دار الطليعة – بيروت ص: 565.
([138]) ديفيد هيوم 1711 – 1776 م فيلسوف إنكليزي تبنى النزعة الطبيعية التي نادى بها بيكون وهوبز مع تطعيمها بمقولات الشكاك الأوائل وكان ينعت نفسه بـ " الشاك " وبنظره لا توجد أية حقائق ضرورية سوى المدركات الذاتية نفسها، والعلوم الطبيعية نسبية ترجع إلى تصديقات ذاتية يولدها تكرار التجربة. انظر: جيمس كوليز " الله في الفلسفة الحديثة " ص 164 ترجمة فؤاد كامل – مكتبة الغريب – القاهرة 1973 م د. ط.
([139]) أمانويل كانط 1724 – 1804 م فيلسوف الماني أبرز ما تقوم عليه فلسفته هو القانون الأخلاقي وقد نُقش على قبره عبارته التي يقول فيها "" شيئان يملآن قلبي إعجاباً ورهبة متجددين وناميين على الدوام كلما ازداد انشغال الفكر فيهما وهما: السماء المزدانة بالنجوم فوقي والقانون الأخلاقي في أعماق نفسي "" ولم يغادر كانت ألمانيا بل لم يغادر مسقط رأسه كونجزبرج على الإطلاق، ومن أهم كتبه: نقد العقل العملي – نقد العقل الخالص. .
([140]) هيجل ولد جورج ويلهلم فريدريك هيغل بتاريخ 27 آب عام 1770 في عائلة بروسية تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. دخل إلى كلية اللاهوت الشهيرة في مدينة توبنغين. وهناك درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات، يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان حيث يعتبر أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، جذبته وسحرته أعمالِ سبينوزا، كانت، وروسو، والثورة الفرنسية. ظهرت الفلسفة الحديثة، والثقافة، و المجتمعَ في نظر هيغل كعناصر مشحونة بالتناقضاتِ والتَوَتّراتِ، كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين الموضوعِ وجسمِ المعرفةِ، بين العقلِ و الطبيعةِ، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة،بين المعرفة والإيمان، و أخيرا بين التنوير والرومانسية. كان مشروع هيغل الرئيسي الفلسفي أَنْ يَأْخذَ هذه التناقضاتِ والتَوَتّراتِ ويضعها في سياق وحدة عقلانية شاملة،موجودة في سياقاتِ مختلفةِ، دعاها "الفكرة المطلقة "أَو" المعرفة المطلقة". مات هيغل بمرض الكوليرا عام 1831 م. نقلاً عن هذه الصفحة:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%8A%D9%88%D8%B1%D8%AC_%D9%81%D9%8A%D9%84% D9%87%D9%84%D9%85_%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D 9%8A%D8%B4_%D9%87%D9%8A%D8%AC%D9%84
([141]) انظر: عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " عالم المعرفة الكويت – 1998 م / ص 36 - 37.
([142]) ديكارت مقال في المنهج ص 101 ترجمة: محمود محمد الخضيري - الهيئة المصرية العامة لكتاب – ط3/ 1985.
([143]) انظر: كرين برينتون " تشكيل العقل الحديث " ترجمة: شوقي جلال – مكتبة الأسرة – القاهرة 2001 م / ص 48.
([144]) عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 102، 103 سبقت بياناته.
([145]) انظر: بييرف. زيما " التفكيكية. دراسة نقدية " تعريب أسامة الحاج – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت ط1 – 1996م / ص 56.
([146]) السابق ص 169.
([147]) انظر: إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية "ص 125 سبقت بياناته.
([148]) انظر: عبد العزيز حمودة " المرايا المحدبة " ص 402، 403 سبقت بياناته.
([149]) انظر: بييرف. زيما " التفكيكية. دراسة نقدية " ص 167 سبقت بياناته.
([150]) انظر: حمودة " المرايا المحدبة " ص 10 سبقت بياناته.
([151]) انظر: حمودة " المرايا المحدبة " ص 33 سبقت بياناته.
([152]) انظر: السابق ص 293.
([153]) انظر: امبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 129 سبقت بياناته.
([154]) انظر: عبد السلام المسدي " قضية البنيوية " دار الجنوب للنشر – تونس – 1995م - د. ط / ص 35، 36.
([155]) انظر: السابق ص 55.
(يُتْبَعُ)
(/)
([156]) انظر: حمودة " المرايا المحدبة " ص 36 سبقت بياناته.
([157]) إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص55 سبقت بياناته.
([158]) انظر: سيزا قاسم " السيميوطيقا. حول بعض المفاهيم والأبعاد " ص 25 - 26 نقلاً عن المرايا المحدبة ص 241 سبقت بياناته.
([159]) انظر: إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 128 سبقت بياناته.
([160]) انظر: بييرف. زيما " التفكيكية. دراسة نقدية " ص 166، 167 سبقت بياناته.
([161]) انظر: إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 121 - 123 سبقت بياناته.
([162]) انظر: السابق ص 55.
([163]) انظر: السابق ص 57.
([164]) انظر: حمودة " المرايا المحدبة " ص 404 والكلام لـ " هارتمان " وهو تفكيكي أدرك أخطار التفكيك. سبقت بياناته.
([165]) انظر: إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 132 سبقت بياناته.
([166]) انظر: السابق ص 135.
([167]) انظر: أزولد وتزيفان " الدلالة والمرجع دراسة معجمية " ص 23 - 24 ضمن كتاب " المرجع والدلالة في الفكر اللساني الحديث " ترجمة وتعليق عبد القادر قنيني – دار إفريقيا المشرق – المغرب – بيروت – 2000 م / د. ط.
([168]) انظر: السابق ص 25.
([169]) انظر: جوليا كريسطيفا " علم النص " ترجمة: فريد الزاهي – دار توبقال للنشر – المغرب ط 2 – 1997 م / ص 9.
([170]) سيد محمد القمني باحث مصري يحاول جاهداً أن يطعن في العصر النبوي وإثبات أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كانت بدوافع سياسية قبلية لتحقيق حلم جده عبد المطلب كما يحاول جاهداً أن يربط المعتقدات والشعائر الإسلامية بالأساطير والطقوس الخرافية القديمة من أبرز كتبه: الأسطورة والتراث – موسى وتل العمارنة – الفاشيون والوطن – رب الزمان – النبي إبراهيم والتاريخ المجهول وغيرها.
([171]) تركي علي الربيعو باحث سوري من حلب اتجه في حقبة من حياته إلى الكتابة في صلة الإسلام بالأساطير القديمة وألصق بالإسلام كثيراً من الخرافات والأوهام، إلا أنه يبدو أنه اعتدل في أخريات حياته [فقد ذهب إلى الحج وقال بأنه: لم يملك نفسه حين وقف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يبكي، ألم به مرض ثم لحق بربه في أوائل سنة 2007 م]. من كتبه: الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة – العنف والمقدس والجنس. ما هو موضوع بين قوسين نقلته عن الباحث عبد الرحمن الحاج من موقع الملتقى الفكري للإبداع وقد كتب بحثاً في نعي الربيعو أشار فيه إلى المحطات الأخيرة في حياته رحمه الله.
([172]) يمكن مراجعة مؤلفات القمني للتأكد من ذلك مثل كتابه "رب الزمان " أو " الأسطورة والتراث ".
([173]) انظر: إمبرتو إيكو " التأويل بين السيميائيات والتفكيكية " ص 60 سبقت بياناته.
([174]) انظر: إمبرتو إيكو " السابق " ص 55.
ـ[عبد العزيز المصري]ــــــــ[05 Sep 2008, 01:01 م]ـ
أحب أن أحمل البحث، فهل من سبيل؟
جزاك الله خيرا.
ـ[عبد العزيز المصري]ــــــــ[09 Sep 2008, 09:05 م]ـ
الحمد لله، البحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية ــ جامعة الكويت، عدد رمضان 1429. فلله الحمد والمنة.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[17 Sep 2008, 12:10 ص]ـ
شكراً على مرورك واهتمامك أخي الكريم وبارك الله فيك.
ـ[عبد العزيز المصري]ــــــــ[19 Sep 2008, 09:47 ص]ـ
بل الشكر لك لقيامك بهذا البحث غير المسبوق.
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[15 Jan 2009, 02:42 ص]ـ
الأخ الطعان جزاكم الله خيرا على البحث، وإن كان لي عليه ملاحظات ليس الوقت مناسباً لذكرها. وأود هنا أن أذكِّركم بقول برتراند رسل:"إنّ من أكبر العقبات التي تعترض طريق الفهم في الفلسفة، بل في أي ميدان آخر، تصنيف المفكرين بطريقة عمياء مفرطة في الجمود وفقاً لأوصاف ثابتة نطلقها عليهم "
( Wisdom of the West pp224)."
لكأنك تريد أن توحي للقارئ بأن الإسلام يغني عن العقل، وهذا مبنيّ على تقابل مفترض بين نظام من القيم (دين الإسلام) وبين طرائق التفكير. وهو أمر افترضه المتعالون ببداوتهم أو بمحفوظاتهم على العلوم العقلية لمعركة بين العقل والنقل أو بين السمع والعقل.
وأحسن من رأيته يصف العلاقة بين الإسلام والعقل هو الطيب الذكر المأسوف عليه "
الأستاذ علي عزة بيكوفج:"الإسلام طريقة في العيش وليس طريقة في التفكير
وتقبل خالص تحياتي
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[16 Jan 2009, 02:05 ص]ـ
وأذكرك أخي الكريم بقول الدكتور محمد عمارة: إن الذي يقابل العقل في الإسلام هو الجنون وليس النقل أما في الإسلام فالعقل والنقل شيءٌ واحد.
وأذكرك بقول الغزالي " فمثال العقل البصر السليم عن الآفات والآذاء، ومثال القرآن الشمس المنتشرة الضياء، فأخلق بأن يكون طالب الاهتداء المستغني إذا استغنى بأحدهما عن الآخر في غمار الأغبياء، فالمعرض عن العقل مكتفياً بنور القرآن مثاله مثال المتعرض لنور الشمس مغمضاً للأجفان، فلا فرق بينه وبين العميان، فالعقل مع الشرع نور على نور " الاقتصاد في الاعتقاد ص: 3 - 4.
أما تصنيف الناس إذا كان من خلال نصوصهم وأقوالهم فهو إنصاف لهم أخي الكريم ... لأن الإنسان مسؤول عن كلامه ... إلا إذا كنت ترى أن النص منفصل عن قائله كما يرى التفكيكيون ... فهذا أمر آخر ... له ميدانه ...
وأشكرك جداً .. جداً أخي الكريم ...(/)
أخطاء فادحة بالمصحف المعلم بصوت المنشاوي
ـ[ awadsalih] ــــــــ[03 Sep 2008, 10:25 ص]ـ
حمل اليّ بريدي الإلكتروني رسالة من الأخ العزيز/ بدرالدين محمد عثمان محتواها أنه إكتشف أخطاء سماها ب (خطيره) وجدها بالمصحف المعلم بصوت المنشاوي وقد حاول الإتصال على الجهات المصدرة للإسطوانه الضوئية ( CD) ولم يوفق في ذلك فعهد اليّ التنبيه على هذه الأخطاء في المنتديات وإليكم نص رسالته:
السيد / مدير شركة البشائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: أخطاء متعددة في المصحف المعلم بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي
مع الترديد بصوت طفل ندي الصوت 2 cd
تحصلت منذ فترة على نسخة من منتجكم المصحف المعلم بصوت الشيخ محمد صديق المنشاوي في اسطوانتين وقد رغب إلي بعض الإخوان في تنزيله في جهاز mb3 أو mb4 حتي يتسنى له الاستفاده منه هو والأسرة دون الحاجة للرجوع للكمبيوتر أو مشغل الاسطوانات مع إمكانية وسهولة التنقل به.
وعندما شرعت في ذلك وجدت بعض الملاحظات الخطيرة التي يجب التنبيه عليها من باب التناصح في الدين مع قلة علمي وخبرتي فعسى أن يكون بلاغا يصلح به الخطأ ويكون حافزاً على مضاعفة الجهد لتجويد الأداء:
أولاً: تم تقطيع آيات القرآن الكريم في الاسطوانتين آية آية وهذا في ظني أول الأخطاء وسبب تتاليها بعد ذلك مع إني قد لاحظت استخدام برامج مثل المصحف المرتل بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الإصدار الرابع لسور القرآن كاملة مع وجود علامات تشير إلى إرتباط مع النص المكتوب - حسب استنتاجي - فتساءلت ألم يكن من الأجدى استخدام مثل هذه التقنيات بدلا من تجشم كل هذا العناء على الأقل لتسهيل عملية المراجعة وتلافي الأخطاء.
ثانياً: المصحف المرتل الذي تم إعداد المصحف منه يوجد به أزيز ملازم للتلاوة مع وجود بعض الأصوات الغريبة مثل وجود صوت غريب مثلا في الآية الأخيرة من سورة الأحقاف ووجود صوت يشبه صوت قفل الكاست أثناء التسجيل في بداية الآية أو نهايتها حيث تم إحصاء أكثر من 25 مرة تردد فيها هذا الصوت أو ما يشابهه في النصف الأول من القرآن الكريم.
ثالثاً: هناك خلل في ترتيب مقاطع بعض الآيات مثل الآية 31 من سورة المدثر وهناك آيات ليس معها ترديد مثل الآية الخامسة من سورة الأحقاف او ترديد بصوت القارئ فقط في الآية 11 من سورة الممتحنة أو وجود ترديد في بعض المقاطع دون غيرها مثل الاية الأخيرة من سورة الصف ليس معها ترديد في المقطع القبل الأخير. وغيرها من الآيات.
رابعاً: هناك أخطاء في تقطيع بعض الآيات أدى إلى حذف حروف أو جزء من حرف في أول أو آخر الآية أو المقطع مثل الآية 94 من سورة الإسراء حيث تم حذف حرف الواو في اول الآية. وغيرها من المواضع.
خامساً: هناك بطء شديد في القراءة مثلاً من بداية الجزء 13 حتى بداية سورة الرعد الآية الرابعة. وهناك إنخفاض ملحوظ في الصوت في كثير من الآيات.
وأخيرا أرجوا قبول اعتذاري لأنه كان بنبغي ان أتقدم لكم بالشكر أولاً على المجهود الذي بذلمتموه ولكن يبدوا أن كثرة الأخطاء والملاحظات التي ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر أخرت ذلك فهي أمانة ويوم الحساب ندامة إن لم نقم بحقها.
وختاما لا يفوتني أن أشكركم على رحابة الصدر فإني لا أدري ربما تم التنبيه على هذه الأخطاء وإصلاحها قبل ذلك مع انتشار هذا المصحف خصوصا في أرض الحرمين الشريفين حيث يتلى باستمرار وتوزع نسخه.
وإن لم يجري ذلك فأرجوا أن تتحملوا مسئوليتكم الجسيمة في هذا العمل قبل فوات الأوان عسى أن يكون لكم أجري من اجتهد وأصاب ولا زلت بحول الله وقوته أواصل المراجعة مع بعض الإخوان ويشرفني أن أدلي معكم بمعلومات تفصيلية عن مواضع الأخطاء والملاحظات إذا رغبتم في ذلك وفي انتظار ردكم على بريدي الإلكتروني badr158t@hotmail.com أوفي بريد مكتوب بنفس الاسم مع تحياتي ورمضان كريم.
بدر الدين - من السودان -
ـ[منصور مهران]ــــــــ[04 Sep 2008, 01:50 م]ـ
لديّ مجموعة الأشرطة (أشرطة الكاسيت) التي تضم هذه التلاوة نفسها، من إصدار شركة: (القاهرة للصوتيات والمرئيات) صدرت سنة 1982 م، وليس بها شيءٌ من هذه العيوب (الخطيرة).
فلعل العيوب التي أشار إليها السيد / بدر الدين محمد عثمان، هي من قلة كفاءة ناشر ال ( C D ) ، ويجب على الجهات المختصة في بلد النشر أن تصادر هذه النشرة المعيبة، وإلزام الناشرين بشروط إذاعة القرآن الكريم ونشره في أي صيغة من صيغ النشر. وأقترح على مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة إصدار المصحف المعلم بأصوات متعددة موافقة لضوابط القراءات وعدم الاكتفاء بصوت واحد؛
لضمان وصول القرآن الكريم إلى أقصى مدار على الأرض.
وبالله التوفيق.
ـ[يحيى صالح]ــــــــ[18 Sep 2008, 06:51 م]ـ
ليست هذه العيوب بكل النسخ، فلعلها ببعضها فقط فوقعت بيد المذكور.(/)
قرأن وأدعيه وتلاوات تبكي بصوت مشاري العفاسي .. !!
ـ[ ato7a] ــــــــ[11 Sep 2008, 07:02 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد لله وبه أستعين، والعاقبة للمتقين، ولاعدوان إلا على الظالمين، الصلاة والسلام على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، سيدنا وسيد ولد آدم أجمعين، محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين
وبعد:
في هذا الموضوع بأذن الله سيتم تجميع العديد من المرئيات للشيخ مشاري العفاسي بارك الله له
ولنبدا أولا بخير الكلام كلام الله عز وجل وتلاوات مرئيه للشيخ مشاري العفاسي:
:: تلاوات قرآنيه مرئيه للشيخ مشاري العفاسي::
العديد من التلاوات العطره بصوت الشيخ مشاري العفاسي
::::سورة الملك- تسجيل استوديو::::
http://www.islam2all.com/upload/vide...olk-mshary.wmv
:: تلاوه باكيه لسورتي الفاتحه والقدر للعفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/vide...hawealkadr.wmv
:: تلاوه رائعه لسورة الاسراء للشيخ مشاري العفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/vide...ry/alesra2.wmv
:: ما تيسر من سورة هود -رمضان 1426::
http://www.islam2all.com/upload/vide.../SuretHood.wmv
:: تلاوه لما تيسر من سورة يونس للعفاسي (الجزء الثاني)::
http://www.islam2all.com/upload/video/mshary/yones.wmv
:: ما تيسر من سورة ابراهيم_للعفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/vide...y/abraheam.wmv
:: ما تيسر من سورة طه للعفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/video/mshary/taha.wmv
:: تلاوه خاشعه من سورة التحريم 1421 - فيديو نادر::
http://www.islam2all.com/upload/vide...ry/tahreem.wmv
:: سورة التغابن 1421 فيديو نادر جدا::
http://www.islam2all.com/upload/vide...y/taghabon.wmv
:: تسجيل استوديو نادر جدا لما تيسر من سورة إبراهيم::
http://www.islam2all.com/upload/video/1/1.wmv
:: تسجيل استوديو نادر جدا لما تيسر من سورة النور::
http://www.islam2all.com/upload/video/1/2.wmv
:: سورة الفاتحة من صلاة التهجد للعفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/video/1/4.wmv
:: تسجيل استوديو نادر جدا لما تيسر من سورة الفرقان::
http://www.islam2all.com/upload/video/1/5.wmv
:: تلاوه لما تيسر من سورة يونس للعفاسي (الجزء الأول)::
http://www.islam2all.com/upload/vide...YunesPart1.wmv
والأن مع مجموعه من الأناشيد المصوره للشيخ العفاسي
::الا صلاتي::
http://www.islam2all.com/upload/vide...ela-salaty.wmv
:: قبر الحبيب لمشاري العفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/Amro...r-alhabeeb.wmv
:: طلع البدر علينا لمشاري العفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/vide...la3-albadr.asx
:::: مع الله للشيخ مشاري العفاسي::::
http://www.islam2all.com/upload/vide.../m3a-allah.wmv
:::: أنشودة الاهي لمشاري العفاسي::::
http://www.islam2all.com/upload/vide...ahy_mshary.wmv
:::: قف بالخضوع::::
http://www.islam2all.com/upload/vide...-belkhdoo3.wmv
:: ماهي للبيع الكويت_للعفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/video/mshary/kuw.wmv
مجموعه من الأدعيه المرئيه المتميزه للشيخ مشاري العفاسي
::أدعيه مرئيه بصوت الشيخ مشاري العفاسي::
يحتوي هذا القسم على أدعيه مرئيه للشيخ مشاري راشد العفاسي
::دعاء يارب يا ذو العزة والجبروت_للعفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/video/mshary/yarab.wmv
:: دعاء فك الكرب::
http://www.islam2all.com/upload/vide...oaa-alkarb.wmv
:: دعاء خاشع لختم القرآن للشيخ العفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/video/mshary/khtm.wmv
:: دعاء مشاري العفاسي للبنان وفلسطين::
http://www.islam2all.com/upload/vide...ebandpales.wmv
:: دعاء ليلة 27 رمضان 1427 ه للشيخ مشاري العفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/video/mshary/m27.wmv
:: أدعيه وأذكار من قناة العفاسي الفضائيه::
يحتوي الشريط على مجموعه من الأدعيه والأذكار المرئيه المميزه والتي تذاع على قناة العفاسي الفضائيه
::دعاء عند حلول المصيبه::
http://www.islam2all.com/upload/vide...y/almosibh.wmv
:: أذكار عند الاستيقاظ من النوم::
http://www.islam2all.com/upload/vide...sy/wake_up.wmv
:: دعاء عند الدخول للمنزل::
http://www.islam2all.com/upload/vide...ter%20home.wmv:: دعاء زيارة المقابر::
http://www.islam2all.com/upload/vide...al%20mqabr.wmv
:: دعاء عند ركوب السياره::
http://www.islam2all.com/upload/vide...sy/alsyara.wmv
:: دعاء السفر::
http://www.islam2all.com/upload/vide...sy/alsfaar.wmv
:: دعاء الاستخاره::
http://www.islam2all.com/upload/vide...y/estkhara.wmv
:: دعاء اذا استصعب عليك أمر::
http://www.islam2all.com/upload/vide...asy/asts3b.wmv
:: الاذكار والادعيه بعد الصلاه::
http://www.islam2all.com/upload/vide...ytv/do3aa2.wmv
:: مرئيات متنوعه من قناة العفاسي::
يحتوي هذا القسم على العديد من المرئيات المتنوعه من قناة العفاسي الفضائيه
:::: خطبة عمر بن عبد العزيز بصوت العفاسي::::
http://www.islam2all.com/upload/video/afasytv/omar.wmv
:: هل تريد قصرا في الجنه؟::
http://www.islam2all.com/upload/vide...v/alekhlas.wmv
:: حديث جنح الليل::
http://www.islam2all.com/upload/vide...v/shyateen.wmv
:: رسالة الى مدخن (لا ترموا بأنفسكم في التهلكه)::
http://www.islam2all.com/upload/vide...sy/tahloka.wmv
:: استغفر الله (مجموعه من الأحاديث النبويه والقدسيه)::
http://www.islam2all.com/upload/vide...y/astgfhar.wmv
ونختم بهذين المقطعين
::الموت ما أقربه - مشاري العفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/video/others/almawt.wmv
:: سكرة الموت- مشاري العفاسي::
http://www.islam2all.com/upload/vide...rat-almawt.wmv
منقول مع بعض التعديل حتى يسهل على من يريد نشر الخير نقله فلا تحرم نفسك من الخير فى النقل
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[السراج]ــــــــ[11 Sep 2008, 10:07 ص]ـ
لا أنصح بسماع الأناشيد ...
وخاصة الموجودة في الأعلى ...(/)
إعجاز اللغة في القرآن ليس هو الإعجاز الأكبر، لهذه الأسباب ...
ـ[أخوكم]ــــــــ[11 Sep 2008, 12:36 م]ـ
الحمد لله رب العالمين الحمد لله الرحمن الرحيم الحمد لله مالك يوم الدين
اللهم إياك نعبد وإياك نستعين
فاهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا
اللهم لا تغضب علينا ولا تضلنا
اللهم صلي على نبينا محمد وسلم تسليما كثيرا
كيف حالكم إخواني؟
اللهم اجمعنا في جنات الفردوس وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموضوع:
لا ينبغي الاختلاف في أن القرآن معجز فعلا في لفظه، ولكن ينبغي ألا نجعل إعجاز اللغة هو الإعجاز الأكبر والأول للقرآن، لأدلة كثيرة منها:
1 - لم نعهد أي مناقشة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش في جانب اللغة والنحو ووجوه البلاغة المتعلقة بألفاظ القرآن، بينما مناقشة معاني القرآن كانت هي المعركة الدائمة بينهما، فالقرآن يثبت وجود الله ووحدانية الله واليوم الآخر والجنة والنار والرسل والكتب ... الخ، بينما الكفار يبذلون كل شيء لأجل هدم أركان الإيمان.
2 - مما هو معلوم من العقل والفطرة بالضرورة أن معنى الكلام أهم من لفظ الكلام، وبناء على ذلك فإن كان القرآن معجز في ألفاظه فإعجازه في معانيه أولى، فلا ينبغي تقديم وجه إعجاز اللفظ على وجه إعجاز المعنى.
3 - طالما أن القرآن وكل الكتب السابقة من كلام الله، فهذا يدل على أن اللغة ليست المقصود الأكبر حتى تكون في مقام الإعجاز الأول وإنما مقام الإعجاز الأول ما كان له علاقة بمعنى الكلام، لأنه القاسم المشترك المفهوم عبر كل العصور.
4 - لأن القرآن لكل الناس ويجب أن يؤمنوا به فلا بد أن يكون وجه الإعجاز الأول متعلق بالمعنى لأنه الشئ الأسهل والأوضح الذي تفهمه كافة طبقات المجتمع وتقتنع به، وهذا غير متحقق في الجانب اللغوي الذي لا يفهمه إلا أهل التخصص.
5 - لو كان الإعجاز الأكبر هو اللغة لذكرت لنا ولو آية واحدة جانبا عن قواعد النحو أو صور البلاغة ... الخ، كأن تفصل آية في إعراب فاعل أو مبتدأ وحرف جر أو شرح التصوير البلاغي في الخبر والإنشاء والإيجاز ... الخ، ولكن شيئا من هذا لم يحصل.
بينما نالت معاني القرآن كل التفصيلات حتى أنزل الله سورة كاملة سماها "فصلت"
هذي هي بضاعتي بضاعة مزجاة
فأوفوا لنا الكيل وتصدقوا علينا إن الله يجزي المتصدقين
:)
والله سبحانه أعلم وأحكم ...
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[11 Sep 2008, 01:20 م]ـ
أولاً مرحباً بكم أخي العزيز بعد انقطاع طويل عن الملتقى وفقكم الله ونفع بكم.
ثانياً الموضوع الذي طرحتموه يستغرق وقتاً طويلاً في مناقشته وإيراد الأدلة للاحتجاج له. والوجه الذي يكاد يجمع عليه المفسرون وعلماء البلاغة أن الوجه البياني في القرآني هو الذي وقع به التحدي لاشتراك العرب وغيرهم في معرفته، وليس المقصود تفاصيل علوم البلاغة واللغة التي ذكرتموها مع مصطلحاتها المتأخرة فهذا لم يقل به أحد من العلماء. وإنما المقصود أصل البيان في القرآن والعرب كلها كانت تعرف هذا الوجه وتتفاضل به وتتذوقه على مقتضى السليقة.
وما تفضلتم بإيراده من الاستدلالات يسهل الجواب عنها ولكن الوقت الآن في رمضان يكاد يكون معدوماً فأمهلنا رعاك الله حتى يفطر الناس أو تفضل مشكوراً بمراجعة كثير من المقالات والأبحاث المنشورة في الملتقى حول هذه القضية.
ـ[أخوكم]ــــــــ[11 Sep 2008, 02:36 م]ـ
- أهلا بمن أظن الله استجاب له فكان للمتقين إماما
ونعم الرجل عبدالرحمن
وأنا والله من اشتاق إليكم
ولكن ... ظروف
- إن كان دافع طلبك أن أراجع المقالات هو خطئا محضا تراه في موضوعي فلك حرية إخفائه أو حتى حذفه برمته فإني أحترم أي قرار يصدر منك لثقتي في نظرتك المعتدلة _أقولها صادقا لا مجاملا_
- وبالنسبة للمقالات فقد راجعتها كثيرا هنا في الملتقى وخارجه ومنذ سنين، فالموضوع موجود في ذهني منذ فترة طويلة ولكن لم أدونه إلا الآن وعلى إيجاز.
- أنا لم أطلب سرعة الرد، فلو بقي الموضوع سنينَ طويلة بدون رد لما استأتُ من ذلك فمن حق كل إنسان أن يكتب ردا في الوقت المناسب ما دام هدفنا الوصول للحق
- قلتَ بارك الله فيك:
( ... والوجه الذي يكاد يجمع عليه المفسرون وعلماء البلاغة أن الوجه البياني في القرآني هو الذي وقع به التحدي لاشتراك العرب وغيرهم في معرفته ... )
وأنا بدوري أشكر لك هذا التأييد حتى يلتفت المسلمون إلى أهمية الاحتجاج بمعاني القرآن وأنها فعلا الوجه الأكبر والأهم من أوجه الإعجاز وعدم تقديم أي شيء عليه لا إعجازا لغويا ولا إعجازا علميا .. الخ
- قلت رفع قدرك:
( ... وليس المقصود تفاصيل علوم البلاغة واللغة التي ذكرتموها مع مصطلحاتها المتأخرة فهذا لم يقل به أحد من العلماء ... )
!
ربما لم أفهم عبارتك الأخيرة ولكن سأجيبك عما فهمته منها ..
فإن كان قصدك أن ليس هناك من المسلمين من جعل الإعجاز اللغوي هو الإعجاز الأكبر والأهم والأول فهذا ليس بصحيح فالواقع الإنترنتي يشهد بكثرة بحوث ومواضيع وردود من قدموا الإعجاز اللفظي على كل شيء!
- ملاحظة مهمة
أنا لم أعتب على أحد أبدا أبدا في توضيح أوجه الإعجاز اللفظي والبلاغي للقرآن
لا لم أفعل ولن أفعل
بل وكيف أعتب عليهم وأنا أول جملة وضعتها في موضوعي هي:
( ... لا ينبغي الاختلاف في أن القرآن معجز فعلا في لفظه، ولكن ينبغي ألا نجعل إعجاز اللغة هو الإعجاز الأكبر والأول للقرآن، لأدلة كثيرة منها ... )
- اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد جابري]ــــــــ[15 Sep 2008, 06:16 م]ـ
أخي عد الرحمن الشهري، حفظه الله، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد؛
إمعانا في بلورة وتعميق البحث حول جوهر الإعجاز القرآني هذه مساهمة كنت قد عرضتها على الأحبة في الألوكة فنشروها هنالك، ولم تلق من القراء عناية لمناقشتها والتوسع في فحواها,
الحمد لله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، أحمده حمدًا لا مزيد عليه، بما أنعم وتفضَّل، وأشكره شكرًا يستزيد من فضله وإنعامه؛ إذ القناعةُ من الله حِرمان، وأصلي على نبيِّ الهدى، وعلى آله ومن والاه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لَمِن دواعي واجبِ النصح لكتاب الله - تَبْيينُ مُنزلقَاتٍ ومنعرجاتٍ، تاه فيها مَن أذهلهم القرآن بإعجازه، فانبهروا، وتكلموا عن الإعجاز القرآني، بما أخذهم من إعجاب، ولم يأخذوا موضوع الإعجاز من أصله بدراسة أكاديمية علمية، حتى وإن جاءت أبحاثهم ثابتةَ الجذور، متلاحمة الأوصال، دقيقة التفاصيل، رائعة المبنى.
ومضى تقليد الأواخر للأوائل، فليس كل من تطاول على الميدان جاء فيه بأبدَعِ إنتاج، ومجالُ الكلام عن إعجاز القرآن مُحاطٌ، ومُسيَّج بسياجِ خشيَةِ التقوُّل على الله؛ فكل مَن لم يراعِ الحدودَ وقع في المحظور، والمحظور في مجالات الاعتقاد كُفْر بَوَاح، وليس مجاله كمجالات الأبحاث الفقهيَّة، حيث يُضْحِي الحاكم المجتهد مأجورًا على كل حال، سواءٌ أكان مصيبًا للصواب أم مخطئًا له.
والإشارة للحاكم تعني من توفَّرت كل المعطيات في يده، وليس لكل من هبَّ ودبَّ من دارسي الاجتهاد الفقهي؛ إذ ليس الأمر كما قال محمد إسماعيل [1] بأنه: "للتَّشَرُّف والاستمتاع بالنظر في كتاب الله بعين الإجلال، والإعظام، والإيمان بقداسَته، ثم للإشادة بسموِّه وروعته، والتذكير بعلوِّ مكانته بين الكتب السماوية"، وما على المرء سوى إلقاءِ نظرة فيما كتب المفسرون - وبخاصة في (مشكل القرآن) - ليرى بأن رؤيةَ التَّعظيمِ وحدَها لا تكفي.
عرض الإشكال:
الكلام عن الإعجاز شَغَفَ كُتَّابًا، وأسالَ مِدادًا، وشغل مواقعَ متخصصةً، وغير متخصصةٍ في الشبكة العنكبوتية، وصحيح أنَّ فضل الله لا يُحْجَرُ؛ إذ يوجد في النهر ما لا يوجد في البَر والبحر، وتتفاوت الهمم بين الناس، كما تتفاوت مَلَكَاتُهم وسرعة نباهتهم في فَهْم الإشارات اللَّطيفة، والعبارات الدقيقة، وسرعة البداهة في ربط الأسباب بمسبِّباتها، الشيء الذي يمكِّن المرء من وضع اليد على نُكَتٍ علمية، جليلةِ القدر، عظيمةِ الشأن، عاليةِ الكعب، غاليةِ الاستنتاج، تتناغم فيها الإشارات العلمية مع الضوابط الأصوليَّة، بفهم متفتِّح، مستنير بنور السنن الإلهية؛ كي لا يتقوَّل المرء على الله وعلى كلامه.
وانقسم العلماء: بين مانعٍ للكلام في تفسير آيات قرآنية باستنتاجات علمية، ومبيحٍ لذلك، ومتوقفٍ فيه، فلا هو يبيحُه بخالص الرضا؛ مخافةَ فتح بابٍ للتقوُّل على الله وعلى كلامه، ولا هو يَمنَعُه كلَّ المنع؛ لما أشكل عليه من هذا الأمر، فيسد الباب؛ سدًّا للذرائع، فتسد معه أبواب الاجتهاد، وتَتَعَطَّل المواهب، وتَمُوت الملَكات الذوقيَّة.
وَمَا أباح المبيح إلا لذوقه لما جاءت به قرائح نيرة، استفادت وأفادت، فجاء دعمه لهذا التوجه، وما منع المانع، إلا خشيةَ فتح باب؛ للتقوُّل على الله بغير عِلْم، لا يُسَد بعد فَتْحِهِ.
وإلى جانب هذه المواقف المتحفِّظة، يُسْقى العقل من دَلْوِ النصوص المجردة عن رُوحانيَّتها، وعن تعاليمها الربانية؛ إذ الرد إلى الله فسروه بالرد لكتابه، وليس ردًّا إلى الله، وهو الحي القيوم، هل التجأنَا إليه وخيَّبَنا حتى نستدير الجنب عن بابه؟! ويا ليتهم استنطقوا الكتاب، إذًا لنَطَقَ بالحكمة وفصلِ الخطاب؛ إذ كلام الجليل أسبغ الله عليه صفات التكليم {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4]، فرُوح القرآن تنافح عن نفسها، وتَدفَع الشبهات، وليت مَن تطهَّرت سريرته يَلمِس جوهر روحه، فيتعامل معها وتتعامل معه، وتفضي إليه بأسرارها، فيَتَنَسَّمُ منها نسائمَ فَهْمٍ جديد، قريبِ عهد بربه كما يقول الربانيون.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا أدري: أيُعْقل أن كِتَابًا يرفع التحدِّيَ عاليًا: {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍفَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148]، وقوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف: 23]، وقوله تعالى بصيغة التلقين: {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الملك: 26]- لا يستجيب لمقومات العلم؟
وهل جاء دورنا لنتوارى عن الأنظار، ونشكك في كل علم جاء به غيرنا؟ أو نأخذ اللواء؛ إعلاءً لكلمة الله، ورفعًا للتحدي عاليًا، كما رفعه القرآن؛ إحقاقًا للحق، وإزهاقًا للباطل؟
وجُلُّ مَن تكلموا في إعجاز القرآن انساقَت نباهتهم إلى آيات كونية، أو قرآنية، جعلها الله للناس آياتٍ وبصائرَ، تقول بلسان حالها قبل تعبيرها: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
سبيل حل الإشكال:
إعجاز القرآن الكريم بين الخلق والأمر
{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]
حتى نلمِس حقيقة إعجاز القرآن الكريم، والذي جاء بخاصة بين الخلق والأمر، يأبى علينا خُلُقنا أن نتقدَّم النصوصَ؛ كي لا نقف مع الواقفين على عتبة آيات الله، سواءً منها القرآنية أو الكونية، جعلها الله نبراسًا منيرًا، يَستضِيء به أعشى البصر؛ حتى ينقدح زناد بصيرته لتبصر الغيب، من وراء حجبه الكثيفة، بعدما يرق سمكها، وتُضْحي شفَّافة، فتتوقد حساسيَتها، وتتوقف عند كل كلمة تستشف أسرارها، وتتنبه لدَّلالاتها، وتهتز لما يخفق له القلب طربًا، أو ما طمحت له طموحها، أو انطوت عليه انطواءها؛ بغية تفتُّح إدراك جديد، ورأي سديد، أصاب رمحُه سويداء عيون الفهم، فائتلفت عليه القلوب، وتعانَقَت عليه أيدي الراسخين في العلم، فباتوا نخلاً سامقًا، لها طلع نضديد، رزقًا للعبادِ، وبهذا شدَا كل طير شدوَه بما أصابه من إعجاب بآيات، جاءت بصائرَ للناس، سواءً منها القرآنية أو الكونية، حسب ما تأثر به كل منهم.
وما انساق المنساقون وراء الكلام عن الإعجاز، إلا بحسن ظن منهم؛ بكونهم يبرزون آياتٍ تَستحِثُّ الهمم، وتشحذ العزائم والذمم؛ للالتصاق بهذا المنبع الثَّرِّ المتدفِّق، والذي لا ينضب معينه، ولا تنقضي عجائبه.
واختلط على العوام - والمتخصصين أيضًا - أمر الآيات والبصائر، والتي ساقَت عبرًا وعظاتٍ، قد تَهُزُّ المرء من أعماقِهِ، بما هو حقيقة التحدِّي القرآني.
وانساق الناس وراء آيات البصائر، فتكلم الفقهاء حول الإعجاز البلاغي، والبياني، والعلمي، والغيبي، وتأثير القرآن، والقول بصرف قلوب الناس عن معارضَتِه، وهي كلها إشارات مهمَّة، ووقفات لا تخلو من نُكتَة أدبيَّة وفقهيَّة، لكن الجزم بكونها التحدِّيَ القرآنيَ، الذي رَمَت إليه الآيات، فَهَذَا موطن الخلاف، وهو ما لم نُسَلِّمْه لقائله، وهل بات الخلاف مسألة اصطلاح لدلالة لفظ "الإعجاز"؟
فالكلام عن الإعجاز القرآني مسألة خلافية، لا بد فيها من الرجوع إلى الله، وإلى الرسول، وإلى أهل العلم، والاستنباط، والردُّ إلى الله يقتضي منا الضراعة بباب الكريم:
1 - نقف بباب من تعهد ببيان ما أُبْهِمَ من كتابه؛ مصداقًا لقوله - سبحانه وتعالى -: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 19].
2 - نستعين به - سبحانه - ونتوسل إليه بأسمائه الحسنى: "الله العلي الكبير"، و"الله عليم حكيم"؛ ليبين لنا ما أبهم علينا من شأن تحدِّي آيات القرآن، وما صار إليه الكلام تحت عنوان إعجاز القرآن؛ مصداقًا لقوله – تعالى -: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [غافر: 13 - 12]، {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26].
(يُتْبَعُ)
(/)
ومَا يؤكِّد التَّوجُّه: هو أن الدعاء إنابة إلى باب الرَّحْمَن، والْمُنِيبُون اختصَّهم الله العلي الكبير بالعبرة والذِّكْرَى.
وبَعدَها نَطرَح السؤال على القرآن الكريم: هل في القرآن إعجاز؟
نجد أن الله رفع التحدي للخلق في أربعة أمور، منها: الخَلْقُ: وهو دخول الرُّوحِ الجَسَدَ، أو الموتُ: وهو خروجها من الجسد، ثم الأمر: الذي هو تشريع الله لخلقه، وتجلَّى فيه التحدي على مستوى رُوحِهِ، أو على مستوى تشريعه.
وبهذا يُضْحِي الإعجاز متعلقًا بأمرين - لا ثالث لهما - الخلقِ، والأمرِ، والخلق والأمر من اختصاص الله - سبحانه وتعالى.
- الخلق:
يرفع القرآن التحدي عاليًا في وجه البشرية جمعاء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 3].
ويستفسر في استغراب: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [لقمان: 11]، {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ، بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} [فاطر: 40]، {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4].
ب - دَرْءُ الموت:
وإذا كان "الخلق تقديرًا وإيجادًا" [2]، بعد دخول الروحِ الجسدَ، فالموت كناية عن خروج الروح من الجسد، والروح نفخة ربانية، وهي من أمر الله؛ إذ فعلُه قولُ: {كُنْ فَيَكُونُ}، وهي من اختصاصه - سبحانه وتعالى - لا يشاركُه فيها مشارك.
وكما تحدى الخَلْقَ بخلقِ ذُبَابَةٍ فما فوقها، تحدَّاهم أيضًا بدَرْء الموت عن النفس: {قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168].
من الأمور الكليَّة التي جاء بها القرآن موت الإنسان؛ بل وكل المخلوقات، ويبقى الدوام لله، ويقرر القرآن الكريم ضِمْن السنن الإلهية، التي نظمت مسار الكون وسريانه: {كلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185].
ولَكَمْ يخشى الإنسانُ تحوله من حياة إلى موت، بل أشد الناس تمسكًا بحياة على أي شاكلة هم اليهود، ولو كانت حياةَ الذلة والصغار؛ {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96].
إن الله قهر العباد بالموت، وجَعَلَها سنة الحياة؛ {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام: 61].
ومهما اعتصم المرء، وفرَّ من الموت، ما نَفَعَتْه حِيلَة، ولا دفع القضاءَ إلا الدعاءُ، فالموت قَدَر مَعلُوم إلى أجل معلوم، ومَن زَعَم غير ذلك فليدفع الموت عنه، ولو كان في بُرْج مشيَّدٍ؛ {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب: 16]، و {الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168]، و {أيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78].
(يُتْبَعُ)
(/)
ويصور القرآن الكريم حالة نزع رُوح الكافر تصويرًا، تشهده ملائكة العذاب، وهي تتوعدهم: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93]. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6].
ج - الأمر:
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 37].
إنه نَفْيٌ جازم من الله، مِنَ الذي يعلم مَن خَلَق وهو اللطيف الخبير؛ فالذي يتابع التناسق الغريب بين السنن القرآنيَّة - والتي هي أساس الوجود - ليَندَهِشَ أمام هذا التطابق الهائل لكل سُنَّة على حدة، فكَيْف بالسنن حين تتداخل وتتشابك؟! فإنَّ سنن الله تَتَضافَر وتَتَآزَر، مَعَ العِلْم بأن: من سُنَن الله السنن الكلية والسنن الجزئية، ولا تختلف باختلاف الكُتُب إلا ما حُرِّف منها، فأنَّى لها أن تختلف في كتاب واحد؟!
ما راعى الذين تكلموا عن الإعجاز هذا النفي، فتناولوا أقوال مسَيْلِمَة وسَجَاح وغيرهما بالنقد والتجريح، وبعد نفي إمكانية الافتراء يأتي التحدي سافرًا، لا لَبْسَ فيه، ولا غموض يكتنفه؛ {إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23 - 24].
والأمران من اختصاص الحق - سبحانه وتعالى - فلا ينازعه فيهما منازع؛ إذ شمل تحدِّيَيْنِ؛ إن على مستوى التشريع، وإن على مستوى الرُّوح، والتي هي جوهر إعجاز القرآن؛ {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54].
د - رُوح القرآن:
يقول الحق - سبحانه وتعالى -: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
فسِرُّ تحدِّي القرآن هو روحه، وهو ما لم يلتَفِت إليه المتكلمون عن الإعجاز بالمرَّة.
هـ - التحدي التشريعي:
جاء كتاب الله مهيمنًا على ما قبله مِن الكتب؛ بما جاء به من هدايةٍ، سبيلاً اصطفاهَا الله دستورًا للبشرية، إلى أن يأخذ الأرضَ ومَن عليها.
والمسلمون في زمن الانبهار العلمي، بما أنجزته يد الغربيين - استداروا وُجهَتَهم عن كتاب ربِّهم، الذي مكَّن أجدادهم من حياة العزَّة والسؤدَد قرونًا متطاولة، وأقبلوا إقبالاً على المدارس الغربية، ومناهجها في التعليم والتعلُّم، فَذَلُّوا، وَأُذِلُّوا، ورَاوَحُوا مكانهم في العالم الثالث؛ حيث عشَّش الفقر، وهيمن الظلم، وطغى الاستبداد وركب التبعية، فصاروا أذنابًا تابعين، بعد أن كان أجدادهم سادةً متبوعين.
وعِوَض أن يرفع العلماءُ لواءَ التحدي عاليًا؛ لنصرة دين الله، وإعلاءِ كلمته - وهي العالية بإذن ربها - استجابوا لدواعي الظروف الاجتماعية القاهرة، وأخلَدُوا إلى المناصب والكراسي، وانشطروا قسمين:
فأما الصادقون، فصَدَقُوا في إخلاصهم لمناصبهم، واعتبروها أمانةً، وراعَوها رعاية المشفِق، وقد أخذت منهم الجهد والوقت، فإن تجاوزوها لأشغال وأعمال أخرى، كانت جهودهم شكليَّة؛ لِضِيق أفُقِ وقتِهم، ولقِلَّة المعين، إنه الشيء الذي كرَّس طوق التقليد خلفًا لسلف؛ مما جعل منهم محامين فاشلين، أمام قضية عادلة ومُنْصِفة، وكان الأجدر بكل باحث أن يشكل خلية بحث، يشرف على جهودها؛ استكمالاً لما لا يتم الواجب إلاَّ به؛ ليُضْحِيَ شوكةً في حلق كل معاند، وسدًّا منيعًا يقطع طمع الطامعين في النيل من الشريعة الغرَّاء، واضعين نصب أعينهم قولَه – تعالى -: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
إنه لم يمض عهد مقاتلة الظالمين، وإنما تغيرت وسائل سلاحه؛ فالمواجهة أصبحت مواجهةً حضاريَّة، أضحت فيها الكلمة لقوَّة الحُجَّة والبرهان؛ لتخلُد العقول للتفكير الرصين، بعيدًا عن كل تهييج وخفَّة وطَيش.
"لا" لِقوة السيف والسلطان في بلداننا؛ حيث أصبح السيف وسيلةَ إرهاب، تتسلط به الدولة على المستضعفين، ابتزازًا لأموالهم، وتسخيرًا لرجال القمع في إذلالهم، ولم يَعُدْ سيف الدولة وسيلة لدحض الكافرين والنيل منهم، ولو كانوا للأرض مستعمرين.
وأما غير الصادقين، فتزيَّنوا بالمناصب؛ لهثًا وراء سراب الدنيا والجاه والمكانة، ولم يزيَّنوها بزينة الإيمان والمواقف الصادقة، التي لا تَخشَى في الله لومة لائم.
مع العلم بأن: التشريع الربانيَّ جاء ليرفع التحدِّيَ في وجه كل المخالفين، ولكل الأنظمة والقوانين؛ {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]، وتحدى أهل الكتاب بقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [القصص: 49]، ورفع التحدي للبشرية جمعاء؛ {اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4].
كما بيَّن بأن: القرآن جاء مفصلاً على علمٍ هدًى ورحمةً؛ {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52]، بل ما جاء القرآن إلا ليُرْفَعَ عاليًا فوق كل تشريع، وفوق كل دين؛ {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40].
وما أرسل رسوله؛ إلا ليظهره على القوانين الوضعية السائدة في كل زمان وأوان؛ {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، و {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28]، و {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: 9].
فهل لنا مِن رجال أفذاذٍ، يذودون عن الحمى بفقه منهجيٍّ، علميٍّ، رصين، نيابةً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مُهمَّةِ التبليغِ؟!!
--------------------------------------------------------------------------------
[1] في مقدمة كتابه "القرآن وإعجازه العلمي".
[2] "الكليات"، لأبي البقاء، ص29.
ـ[محمد جابري]ــــــــ[15 Sep 2008, 09:10 م]ـ
ما حقيقة الإعجاز العلمي للقرآن؟
1. سر روحه وقوة تأثيره؛
مدخل: القرآن الكريم كتاب علم بامتياز
وتتالى الكتابات في مجال الإعجاز القرآني، وهكذا كلما عنت نكتة علمية وإشارة خفية أو جلية جاءت تستند لدلالة شرعية إلا وتجد من يأخذ القلم ليحيط قراءه علما بما تختزنه تلك الإشارة من إعجاز قرآني أو من سر لإخبار نبوي. ومن هذا القبيل كتابات د. زغلول النجار حفظه الله وغيره، وموقع إعجاز القرآن الكريم للجنة العالمية للإعجاز ....
(يُتْبَعُ)
(/)
والحقيقة إنه لا تخلو آية من كتاب الله من إشارات علمية، لكن مدارك البشر تفاوتت في الوقوف عند نكتها؛ ذلك لكون القرآن الكريم كتاب علم قبل كل شيء: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [آل عمران19]. {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [الشورى: 14]. {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} [الجاثية17].
فالقرآن الكريم كله كتاب علم بامتياز، وهذا سر إعجازه العلمي، قد يتأثر البلاغي بنظم القرآن وينثر درره ويقول قائل ليته لم يسكت، أما إذا خاض القول عن اللفظ الحابل فحدث ولا حرج؛ وذلك لكون البلاغة علما من علوم اللغة بها يتوصل إلى إدراك معاني النص وجمالية تراكيبه. وما الإعجاز البياني إلا إعجاز علمي تم إدراكه بواسطة علم البلاغة.
وهكذا يخوض كل صاحب علم في مجاله، ويتوقف عند كل نص قرآني أو حديث نبوي يتعلق بتخصصه، على أننا نربأ بأحبتنا أن لا تنغمس أقلامهم في الكلام عن الإعجاز العلمي، إلا فيما أصبح حقيقة علمية يقينية؛ لكون أصحاب التجارب العلمية يقولون قولا اليوم ثم ما يلبثون إلا قليلا حتى تسفر أبحاثهم عن تأكيد قول ناسخ لقولهم السابق. {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6].
ومن محاذير هذا الباب أقوال المتكلمين عن الإعجاز الرقمي في القرآن فقد تتأتى تلك الدراسة على قراءة قرآنية دون أخرى وهو ما يربك القارئ وبخاصة غير المتخصص، فكيف يئول سعي الفتان؟.
وقبل معالجة الموضوع إعجاز القرآن في شقيه الروحي والتشريعي نبحث ضمن مقدمات مواضع تيسر الكلام عن جوهر إعجاز القرآن تتناول الأمور التالية:
1 - الغاية من الإعجاز القرآني؛
2 - ما القدر المعجز من القرآن؟؛
3 - نموذج إعجاز الكلمة القرآنية؛
4 - بين القول بالإعجاز البلاغي وتعليم الناس الكتاب والحكمة؛
5 - القرآن الكريم واتصافه ببعض أسماء وصفات الله جل ثناؤه؛
6 - بين تعليم الكتاب والسعي في معاجزته؛
7 - هل نقبل القول بالإعجاز العلمي للقرآن أو بالأحرى التفسير العلمي للقرآن أم نرده؟؛
8 - الإعجاز العلمي بين المتخصصين واللغويين؛
لنصل لتحقيق الموضوع
ـ ما هو جوهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟
1. سر روحه وقوة تأثيره؛
1 - الغاية من إعجاز القرآن
لم بكن الهدف من الإتيان بالإعجاز إجبار الناس وإخضاعهم بقبول دليل خارق للعادة، وإنما يأتي الإعجاز ليقيم برهانا يقينيا على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليمكنهم من اختيار بين سبيل الهدى وسبيل الضلال ليختاروا بمحض إرادتهم إحدى السبيلين عن رضا واطمئنان؛ إذ لو شاء الله لأنزل آية فظلت أعناقهم لها خاضعين.
وإنما تجلى الإعجاز القرآني في تحديه للخلق في مجالي الروح والتشريع؛ ذلك بكون مجالي الخلق والأمر من اختصاص الله دون من سواه.
التحدي في مجال الخلق:
يأتي القرآن الكريم باستفسار استنكاري يستدعي العقول للتدبر ويرفع التحدي على كل مستوى؛ إذ يستدعي كل البراهين سواء منها العقلية أو العلمية أو أي دليل من الكتب السابقة: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4].
التحدي في مجال التشريع
فالرب الحكيم العليم يوجهنا بلطف رحمته بأن أهدى كتاب هو القرآن الكريم وهو أرحم تشريع عرفته البشرية:
? {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [القصص: 49].
? {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: 35].
(يُتْبَعُ)
(/)
? {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ [150] أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ [151] وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [152] أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ [153] مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [154]} [الصافات].
? {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [35] مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [36]} [القلم].
إنها استفسارات توقظ الهمم، وتحرك سكون أولي النهى والأحلام؛ ليستفيقوا من غفلة وجدوا أنفسهم فيها منهمكين، وعنها يدودون، ظنا منهم أنهم بالحق مستمسكون.
2 - ما القدر المعجز من القرآن الكريم؟
عن جواب هذا السؤال نرى ما ساقه ابن حزم في مراتب الإجماع شيئا مسكتا لطالبي الحق؛ لذلك ننقله كما جاء هناك:
" واتفقوا أن محمدا- صلى الله عليه وسلم- دعا العرب إلى أن يأتوا بمثل هذا القرآن فعجزوا عنه كلهم".1
ونقل في هامش كتاب الملل والنحل.2
"لا يختلف اثنان في أن كل شيء في القرآن قرآن معجز, ثم تعارضهم في تحديدهم المعجز بسورة فصاعدا, فنقول أخبرونا ماذا تعنون بقولكم إن المعجز مقدار سورة كاملة لا أقل أم مقدار الكوثر في الآيات؟ أم مقدارها في الكلمات؟ أم مقدارها في الحروف؟ ولا سبيل إلى وجه خامس. فإن قالوا مقدار سورة تامة لا أقل لزمهم أن سورة البقرة حاشا آية واحدة أو كلمة واحدة من أخرها أو من أولها ليست معجزة، وهكذا كل سورة وهذا كفر مجرد لا خفاء فيه؛ إذ جعلوا كل سورة في القرآن سوى كلمة من أولها أو من وسطها أو من أخرها فمقدور على مثلها, وإن قالوا مقدارها من الآيات لزمهم أن آية الدين ليست معجزة كآية الكرسي وآيتان إليهما لأنها ثلاث آيات وهذا غير قولهم ومكابرة أيضا ... وإن قالوا عدد الحروف لزمهم شيئان مسقطان لقولهم أحدهما إبطال احتجاجهم بقوله تعالى: {بسورة من مثله} لأنهم جعلوا معجزا ما ليس بسورة ولم يقل تعالى بمقدار سورة, فلاح تمويههم .... "1
3. نموذج إعجاز الكلمة القرآنية
آية الحديد وعبارة " أنزلنا " {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] [الحديد: 25].
" الحديد هو المعدن الوحيد الذي يستحيل تشكيله في مجموعتنا الشمسية لأنه يحتاج إلى ضغط وحرارة لتكوين ذراته تزيد أربع مرات عما هو متوافر في كل المجموعة الشمسية. وأن ما هو موجود على الأرض أصله من الشهب والنيازك الساقطة على الأرض والغبار الكوني الناتج عن انفجارات كونية لشموس أضخم من شمسنا ...
إن حقيقة كهذه لا يعلمها غالبية سكان الأرض الآن في القرن العشرين فكيف عرف ذلك الأمي مالا يعرفه مثقفو اليوم؟ لماذا لم يقل وأخرجنا الحديد فيه بأس شديد كما قال في الزرع والمياه؟ بل قال:
- {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25] 1
إنها حقائق علمية يفوح من عطرها صدق آيات الله في الآفاق وتبوح بذاتها عن أسرارها موفية بذلك عهد الله ووعده:
- {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض و نئا بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به, من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق, أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} [فصلت: 51 - 53].
إنها كلمة واحدة من كتاب الله كشفت عن سرها الأبحاث العلمية وتبين صدق ما سبق قوله: إن كل كلمة، بل وكل حرف في القرآن معجز.
- {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}
[فصلت: 53].
إذا زاغت الأبصار واختلت العقول، وشك في النقول، ومرضت القلوب بهوى النفوس فآيات القرآن وآيات ما أبدع الرحمان تهديهم إلى الإيمان وإلى طريق الرشاد. إنها حجة الله على خلقه, فهل يبقى بعدها للمنكر من تأويل؟
4 - بين القول بالإعجاز البلاغي وتعليم الناس الكتاب والحكمة
(يُتْبَعُ)
(/)
خاضت كتب الإعجاز القرآني في بيان الإعجاز البلاغي خوضا فمنهم من بهرته بلاغته وصار يصفها وصف معجب متطلع إلى العلياء. 1ومنهم من فصل بلاغة القرآن على ثلاث مستويات: فمنها البليغ الرصيف الجزل, ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز الطلق السهل، وهذه أقسام الكلام المحمود2
كل ما جاءت به المخلوقات لا علاقة له بمضاهات القرآن
وثبت أن أناسا حاولوا وجاءوا بنصوص زعموا أنهم يعارضون بها القرآن مثل ما ساقه الرافعي في إعجاز القرآن من أقوال مسيلمة وسجاح بنت الحارث ومحاولة النضر بن الحارث وابن المقفع وعبلهة بن كعب وطليحة بن خويلد الأسدي ... ومن ذهب من المعاصرين ينسج على منوالهم إلخ ...
ولم يتوقف العلماء عند هذه المحاولات في حد ذاتها، بل سارعوا بإهانتها ونقدها نقدا لا يليق بالنقد الأدبي مثل ما قاله الرافعي عند نقده أقوال مسيلمة الكذاب: " وكل كلامه لا ينهض ولا يتماسك, بل هو مضطرب النسيج مبتذل المعنى مستهلك من جهتيه، وما كان الرجل من السخف بحيث ترى, ولا من الجهل بمعاني الكلام وسوء البصر بمواضعه ولكن ... 3
وكان من اللازم عدم العناية بهذه الأمثلة تماما لكونها ليست محاولة لمعارضة القرآن, ذلك بأن العهد من الله لا ينخرم وعهده هنا و" لن تفعلوا". في قوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24].
فالجزم من الله لا ينخرم، فإن حاول هؤلاء وهم كفار فقد حاول أيضا مؤمنون في مشابهة بلاغة القرآن في قوله تعالى: ? وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ? [البقرة: 179]. وجاءوا بقولهم " القتل أنفى للقتل". كما قال السيوطي: " وقوله تعالى ولكم في القصاص حياة فإن معناه كثير ولفظه قليل، لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قتل قتل كان ذلك داعياً إلى أن لا يقدم على القتل، فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، وكان ارتفاع القتل حياة لهم. وقد فضلت هذه الجملة على أوجز ما كان عند العرب في هذا المعنى وهو قولهم: القتل أنفى للقتل بعشرين وجهاً أو أكثر. وقد أشار ابن الأثير إلى إنكار هذا التفضيل وقال: لا تشبيه بين كلام الخالق وكلام المخلوق، وإنما العلماء يقدحون أذهانهم فيما يظهر لهم من ذلك. الأول: أن ما يناظره من كلامهم وهو قولهم القصاص حياة أقل حروفاً، فإن حروفه عشرة وحروف القتل أنفى للقتل أربعة عشر. الثاني: أن نفي القتل لا يستلزم الحياة، والآية ناصة على ثبوت التي هي الغرض المطلوب منه. الثالث: أن تنكير حياة يفيد تعظيماً، فيدل على أن في القصاص حياة متطاولة كقوله تعالى: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة} ولا كذلك المثل، فإن اللام فيها للجنس ولذا فسروا الحياة فيها بالبقاء. الرابع: أن الآية فيها مطردة، بخلاف المثل فإنه ليس كل قتل أنفى للقتل، بل قد يكون أدعى له وهو القتل ظلماً، وإنما ينفيه قتل خاص وهو القصاص ففيه حياة أبداً. الخامس: أن الآية خالية من تكرار لفظ القتل الواقع في المثل، والخالي من التكرار أفضل من المشتمل عليه وإن لم يكن مخلاً بالفصاحة. السادس: أن الآية مستغنية عن تقدير محذوف، بخلاف قولهم فإن فيه حذف من التي بعد أفعل التفضيل وما بعدها، وحذف قصاصاً مع القتل الأول وظلماً مع القتل الثاني، والتقدير: القتل قصاصاً أنفى للقتل ظلماً من تركه. السابع: أن في الآية طباقاً؛ لأن القصاص يشعر بضد الحياة بخلاف المثل. الثامن: أن الآية اشتملت على فن بديع وهو جعل أحد الضدين الذي هو الفناء والموت محلاً ومكاناً لضده الذي هو الحياة، واستقرار الحياة في الموت مبالغة عظيمة، ذكره في الكشاف، وعبر عنه صاحب الإيضاح بأنه جعل القصاص كالمنبع للحياة والمعدن لها بإدخال في عليه. التاسع: أن في المثل توالي أسباب كثيرة خفيفة وهو السكون بعد الحركة وذلك مستكره، فإن اللفظ المنطوق به إذا توالت حركاته تمكن اللسان من النطق به وظهرت بذلك فصاحته، بخلاف ما إذا تعقب كل حركة سكون فالحركات تنقطع بالسكنات، نظيره إذا تحركت الدابة أدنى حركة فحبست ثم تحركت فحبست لا تطيق إطلاقها ولا تتمكن من حركتها على ما تختاره فهي كالمقيدة. العاشر: أن المثل كالتناقض من حيث الظاهر لأن الشيء لا ينفي نفسه. الحادي عشر:
(يُتْبَعُ)
(/)
سلامة الآية من تكرير قلقلة القاف الموجب للضغط والشدة وبعدها عن غنة النون. الثاني عشر: اشتمالها على حروف متلائمة لما فيها من الخروج من القاف إلى الصاد؛ إذ القاف من حروف الاستعلاء والصاد من حروف الاستعلاء والإطباق، بخلاف الخروج من القاف إلى التاء التي هي حرف منخفض فهوغير ملائم للقاف، وكذا الخروج من الصاد إلى الحاء أحسن من الخروج من اللام إلى الهمزة لبعد ما دون طرف اللسان وأقصى الحلق. الثالث عشر: في النطق بالصاد والحاء والتاء حسن الصوت، ولا كذلك تكرير القاف والتاء. الرابع عشر: سلامتها من لفظ القتل المشعر بالوحشة، بخلاف لفظ الحياة فإن الطباع أقبل له من لفظ القتل. الخامس عشر: أن لفظ القصاص مشعر بالمساواة فهو منبئ عن العدل، بخلاف مطلق القتل. السادس عشر: الآية مبنية على الإثبات والمثل على النفي، والإثبات أشرف لأنه أول والنفي ثان عنه. السابع عشر: أن المثل لا يكاد يفهم إلا بعد فهم أن القصاص هو الحياة. وقوله (في القصاص حياة مفهوم من أول وهلة. الثامن عشر: أن في المثل بناء أفعل التفضيل من فعل متعد والآية سالمة منه. التاسع عشر: أن أفعل في الغالب يقتضي الاشتراك فيكون ترك القصاص نافياً للقتل، ولكن القصاص أكثر نفياً وليس الأمر كذلك، والآية سالمة من ذلك. العشرون: إن الآية رادعة عن القتل والجرح معاً لشمول القصاص لهما، والحياة أيضاً في قصاص الأعضاء لأن قطع العضو ينقص أو ينغص مصلحة الحياة وقد يسري إلى النفس فيزيلها، ولا كذلك المثل في أول الآية، ولكم وفيها لطيفة وهي بيان العناية بالمؤمنين على الخصوص، وأنهم المراد حياتهم لا غيرهم لتخصيصهم بالمعنى مع وجود فيمن سواهم ... "1
وكما ترى ذهب بعيدا السيوطي رحمه الله في تقعر وجه الفرق بين بلاغة القرآن وغيره، ومن مكمن هذا الجحر انساق الناس في نقد كتابات جاءت تحت عنوان معارضة القرآن وإنه بمجرد تصديق هذه الدعاوي وقع المرء في الكفر الصريح.
وعدم مراعاة مواصفات الكتاب، فضلا عن معرفة أسماء الله وصفاته وأفعاله ـ والتي هي سننه في الكون والقرآن ـ وما يجوز وما يستحيل في حقه سبحانه من مواصفات، لهي المهواة في سبيل الضلال.
5. قوة القرآن الكريم في اتصافه بصفات الله ?
من صفات الله أسبغ الحكيم سبحانه وتعالى على كتابه العزيز الأسماء التالية:
- العلي الحكيم – الحق - العزيز - النور - الحكيم - العظيم - الكريم - إلخ ...
سر تكليم الله لخلقه:
علي حكيم، وهي خاصية وباب عظيم من أبواب تكليم الله لخلقه؛?وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ([الزخرف: 4].
والاتصاف بهذا الاسم له دلالة ذات مغزى كبير وفتح عظيم حيث تساءل الذين لا يعلمون وقالوا {وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118] ويتساءل الموقن مسترشدا بهدي ربه أين بينها الله وكتابنا مهيمنا على الكتب السابقة ويأتيه الجواب واضحا في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51].
وأكتفي هنا بهذه الإشارة، لكون تفصيل الكلام فيها يبعدنا عما نحن بصدده.
أسماء القرآن
الأسماء المفردة:
أ. من أسماء الله وصفاته المفردة
ـ الحق) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ([البقرة: 119]؛
ـ الحكيم: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران: 58]
ـ العزيز:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ([فصلت: 41]
ـ العظيم:) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ([الحجر: 87]
ـ المجيد:) ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ([قـ: 1]
ـ النور:) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ([النساء: 174]
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ [يونس: 1]
أسماء أخر
(يُتْبَعُ)
(/)
التبيان:) وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ([النحل: 89]
العلم:) وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ([البقرة: 120]
الفرقان: في قوله تعالى) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ([البقرة: 185]؛
الكتاب:) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ([البقرة: 174]؛
المبارك: في قوله تعالى:) وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ((الأنعام: الآية).
البرهان: في قوله تعالى:) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ ([النساء: 174]
هدى ورحمة: في قوله تعالى:) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحسِنِينَ (لقمان3
الروح: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52]
أسماء أخر مركبة
- الذكر الحكيم:) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ([آل عمران: 58]
- القرآن الحكيم:) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ([يس: 2]
- القرآن العظيم:) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ([الحجر: 87]
- القرآن الكريم:) إنَّهُ لَقُرءَانٌ كَرِيم ٌ ((سورة الواقعة الآية 77)؛
- القرآن المبين: الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ([الحجر: 1
- القرآن المجيد:) ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ([قـ: 1]
- القرآن ذي الذكر:) ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ([صـ: 1]
- القول الفصل:) إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ((سورة الطارق: الآية 13)
- الكتاب الحكيم:) الَر* تِلْكَ ءَايَاتُ اَلْكِتَابِ اَلْحَكِيم ((يونس: 1)
- الكتاب العزيز:) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ([فصلت: 41]
- كتاب الله:) وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ([البقرة: 101].
- الكتاب المبين:) الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ([يوسف: 1]
- الكتاب المفصل:) أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ([الأنعام: 114]
- النور المبين:) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً (النساء 174
ولا غرو فإذا كانت هذه مواصفات كتاب الله، فإني أربأ بأقلام الباحثين أن تنغمس في الكلام عن الله وعن كتابه دون الإلمام بكل أسمائه وصفاته، إذ ليس الموضوع موضوع اجتهاد فيه مصيب ومخطئ وإنما الأمر تعلق بمن وصف الله وكتابه بحق أو تقول على الله وعلى كتابه؛ إذ ليس بعد الحق إلا الضلال، كما توعد الحق سبحانه وتعالى من يظن به غير الحق {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23]
وبهذا الصدد أشير إلى مقال بتوقيع د. سعيد جمعة حفظه الله وألهمنا الله وإياه الصواب والرشاد، تحت عنوان: " دلالة المثلية في آيات التحدي دراسة بيانية ناقدة "، وهو جهد مشكور، لكن التعرض لأقوال البشر بدعوى أنها جاءت في معاجزة القرآن، هو كفر صريح بدلالة الآية {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] والعهد من الله لا ينخرم: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ}. ومعلوم بأن الله لا يخلف الميعاد {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ}
(يُتْبَعُ)
(/)
[التوبة: 111]
فهل بانت لنا شناعة من يؤمن أو من يهتم بأقوال قيل أنها جاءت لمعارضة القرآن؟ بأنها كفر صريح بنص الآية.
إنه لمقت كبر عند الله وعند الذين آمنوا. فمن يجرؤ على تكذيب القرآن؟
6. بين تعليم الكتاب والسعي في معاجزته
فالفرق واضح بين المسلمين وغيرهم ممن سعى في الاحتكاك ببلاغة القرآن، فالمسلم يؤمن بالكتاب ويحتك ببلاغته من باب التعليم والمحاكاة والاقتداء بالأسلوب القرآني مع تعظيمه، بينما غيره يسعى في معاجزة القرآن إظهار للنقائص وعرضا للإشكالات التي ألَّفها ذهنه فهؤلاء توعدهم القرآن بما يلي:
1ـ كونهم من أصحاب الجحيم في الآخرة:
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحج: 51]
2ـ تخصيصهم بالعذاب من نوع الرجز الأليم في الدنيا والآخرة وذلك لإطلاق الخبر (والرِّجْز: القَذَر مثل الرِّجْس: والرِّجْز: العذاب.)
{وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} [سبأ: 5]
3ـ انتسابهم للعذاب إذ هم فيه محضرون:
{وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [سبأ: 38]
7 - هل نقبل القول بالتفسير العلمي للقرآن أم نرده؟
فالسؤال قديم جديد وكل تعامل معه وفق مبلغه من العلم، وانشطروا بين مؤيد ومعارض وبين من يقبل بشروط.
وما انقسم رأيهم وتشعب إلا عن اجتهاد، مما يدفعنا للتساؤل هل استندنا في مواقفنا لنصوص تزيل اللبس، أم لمجرد اعتبار المصالح المرسلة؟
والمؤمن مأمور بالسير على درب العقل المسدد بالوحي لا بعقلنة النصوص وتجريدها عن روحانيتها أو إبعادها وتقديم المصالح عليها.
ما كان لمن انتسب إلى العلماء أن يكون إمعة يؤيد فلانا على طول كما يقال: أي يوافقه في كل ما يصدر عنه، وهذا هو عين الخطأ، أو يعارضه على نفس المبدأ، كما تفعل أحزاب المعارضة مع الحكومات. عوض الرجوع إلى الحق، والتثبت، والتبيّن، والانصياع للحق ونصرته بما أوتي المرء من قوة وعدة. فكم من أقوال للعلماء يغتر بها البسطاء وهي في حاجة إلى تحرير علمي يكشف جدواها ويبين مغزاها.
فالمسلم ما كان ليقول شيئا دون الرجوع إلى الله والرسول، ويستنطق كلام الله عن دلالات الطريق وأماراتها، ويمضي بنور من ربه.
ونطرق باب أبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني رحمه الله للإجابة عن السؤال فيقول: "سألني هذا السؤال جماعة من العلماء بمصر والحجاز والمغرب، وكان هذا السؤال نفسه مما أخبر به (صلى الله عليه ويلم)، فروى البزار والطبراني في الكبير من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ? سترون قبل أن تقوم الساعة أشياء ستنكرونها عظاما تقولون هل كنا حدثنا بها، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله تعالى واعلموا أنها أوائل الساعة".?1
وإذا جاء الحديث بغير نهي عن البحث في مضمون الإعجاز العلمي أو الأخذ به فدلالة القرآن صريحة وواضحة {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
ويكفينا أننا أمة الوسط؛ والوسطية لا تتأتى إلا بين رذيلتين، رذيلة التطرف والتحجر، ورذيلة حاطب الليل فهو يجمع كل ما وصلت إليه يده من غير ترو في الأمور، وتثبيت.
ومن باب الوسطية والاعتدال أقول لكل المتكلمين عن الإعجاز العلمي في القرآن ما جئتم به من تتبع جزئيات الإعجاز العلمي في هذه الآية أو تلك جهد مبارك شكره الله لكم، وما ترنو إليه الأبصار وتتطلع إليه الأفئدة هو تلك النظرة الشمولية المتكاملة والتي تبصر الحقائق على ما هي عليه.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهلا تصبرنا حتى نستمد من كلام الله جوابا مسكتا. فهو يوضح بجلاء لا غبار عليه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران: 19]. {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى: 14]. {وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الجاثية: 17].
فسبحان الله كيف أغفل علماء الإسلام هذه التأكيدات الربانية ومضوا يزفون أقوالهم بين مؤيد ومعارض. فهل تبين لنا بأن القرآن الكريم سماه الله سبحانه وتعالى: "العلم" بالألف واللام الدالين على استغراق الجنس.
فما القول بالإعجاز العلمي للقرآن إلا شهادة حق نؤديها تصديقا لقوله تعالى {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: 95] فلا نكتف بالتصديق بل نتعداه لحمل الرسالة على أن نبقي على الوسطية والتي معتمدها لا إفراط ولا تفريط-.
وهل بعد هذا الإيضاح نجد في جانب أخر يكاد إجماع المتكلمين عن الإعجاز ينعقد ـ وبخاصة لدى المواقع المتخصصةـ وهم يحومون حول القول بأن ما يقارب أو يفوق ألف آية كلها لها دلالات إعجازية، أليس هذا القول تحكم ما لهم به من علم، إلا إتباع الظن؟ والتخصيص ألف آية هنا دليل جهل بعلم ما تبقى من الآيات.
ألم يأت زهاء ثلث القرآن قصص تؤكد باضطراد السنن الإلهية، وتناغمها مع العهود الربانية وكلماته التامات التي تنسج ضوابط استمرارية هذا الكون وبقائه إلى ما شاء ربك؟
ثم ألم يأت التشريع الرباني رحمة من ربك يدل على أفضل السبل وأيسرها للحياة القويمة في الدنيا والآخرة؟
ألم تأت الأمثال القرآنية تجسد العبرة وتيسر الفكرة وتدل على القصد؟
وما القرآن الكريم إلا آيات مبينات، وأمثال، وموعظة لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ} النور34.
تاهت البشرية في العلوم الإنسانية يمينا ويسارا، وما سمع الناس إلا أصوات محتشمة عن الاقتصاد الإسلامي قد تتوارى عن الأنظار بما أعجزها البيان عن الأسئلة الفلسفية حول التخيير والتسيير وما لم تحط به من خبرة في مجال السنن الإلهية لترفع لواء التحدي عاليا فوق كل الأنظمة والقوانين، والنظريات والأوهام.
جاءت السنن الإلهية بالضوابط للعلوم السياسية الحقيقية، كما كشفت منغلقات الأمور في مجال العلوم الإنسانية، فهل نعتز بها علوما يقينية ترفعنا فوق ظنون وأوهام فلاسفة الشرق و الغرب، ونظرياتهم الهائمة على وجهها في جل العلوم الإنسانية والتي لولا مناهج العلوم لجزمنا بأن كل حمولات منعطفات رفوفها مضيعة للوقت، وسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. ونعوذ بالله أن نبخس الناس أشياءهم.
8ـ الإعجاز العلمي بين المتخصصين واللغويين:
فالمتتبع للمجلات العلمية المحكمة ليصاب بالدوران من جراء ما يكتب في هذا المجال، مما يجعلنا نتساءل: هل أصبحنا أوصياء على كتاب الله أم نحن له أتباع؟
ولئن وصف الربانيون تصادم الأمزجة وتقارع الآراء بقولهم "إنها قلقلة الأواني"، فهل نسعى لصرف رؤانا وتصوراتنا ونحتكم إلى كتاب الله؟ أم ترى عقولنا سادت المجال وصبغت كل شيء بصبغتها ولم تترك المجال لإسماع صوت القرآن؟ هل أصبحنا معتزلة جددا؟.
إنه بمقتضى الإجابة عن هذه الأسئلة تحل المشكلة؛ إذ العبرة والاتعاظ والتذكر من شأن المنيبين من الخلائق لا من شأن غيرهم.
نعم نرى من كتاباته ملئت أخطاء لغوية، فضلا عن أنها حشيت ألفاظا غريبة دخلت علينا عبر بوابة المترجم، فهل لمثل هؤلاء حق في الكلام عن الإعجاز؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ونرى من اللغويين في معترك الصادقين من يستحي الشيطان فضلا عن غيره من تعليقاته على آيات القرآن؛ ومن يلقي نظرة طائشة على بعض كتب البلاغة المعاصرة وبخاصة في باب الحذف والتقديم والتأخير والاستثناءـ ليستغفر الله له وللكاتب مما جرى به قلمه.
وصحيح بأن فضل الله لا يحجر، وأنه يوجد في النهر ما لا يوجد في البر والبحر، ورب مبلغ علم لمن هو أفقه منه، وأن الإنابة وحدها كفيلة باستخراج درر القرآن وعجائبه لقوله تعالى {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [12] هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} [غافر: 13]
إنابة بذلة وانكسار بباب" الله العلي الكبير" بهذا الاسم الذي اصطفاه لهذا الغرض إن رمنا أن يفتح لنا باب الفهم واستكشاف المجهول والغوص في المعلوم {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الحج: 54]
وما اللغة إلا أسلوب تخاطب بين بني البشر فليس العربي بأفضل من العجمي إلا بالتقوى.
وا عجبا من معترض فَقُه الحكم والإشارات الخفية ولم يفقه لمَ اصطفى الله جل شأنه العربية لسانا لرسالته المحمدية؟ وعجيب أيضا أن يسعى موريس بوكاي1 لفهم القرآن بلغة القرآن، بينما نعرض عنها نحن ويعبر لساننا كيفما بدا له على ما حبانا الله من إشارات وومضات علمية تزيدنا فقها لنصوص القرآن.
وكان أولى بنا أن نتقن لغة القرآن إتقانا من كل جوانبها: نحوا وبلاغة وعلم أصول. ولا غنى للتطاول على هذه النهايات، بيد أننا لم نحكم البدايات. ولئن أعيتنا الحيل وقصرت الهمم ونحن في زمن التخصصات المتعددة أليس من الأيسر تعاون المتخصصين مع اللغويين لتنكشف أمور لم تتبد للأوائل وإنما فك طلسمها المنيبون من جهابذة اللغة.
فالقرآن كلام الله جاء في كتاب منشور، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
وإذا نفى الجليل جل علاه أن يأتي الباطل القرآن، فكل من لم يأت البيوت من أبوابها كان ضرره عظيما وخطره على نفسه وعلى الناس كبيرا. وليس هذا القول تزكية للمنيبين من المفسرين اللغويين، ورفعة لهم عن غيرهم، وإنما أقر بأن معهم زيادة علم، أما الخلائق فإني أكل شأنها إلى عالم السر وأخفى، فهو الكفيل بهم يعلم شأنهم وسرهم وعلانيتهم وما يبدون وما يكتمون، وكفى به ربا غفورا، قد سبقت رحمته غضبه، كما لا شأن لغيره بمحاسبة العباد، بل هي النصيحة بالحسنى تطرق أبواب القلوب وتحبب الخالق للخلق.
خلاصة واستنتاج:
1. كان احتكاك علماء المسلمين ببلاغة القرآن أو غيرهم من الكافرين كافيا لتبيين أن الكتاب ما جاء إلا ليتعلم الناس بلاغته ويحتكوا بها، وأن هذا الفعل لا يدخل أصلا في تحدي القرآن للبشرية. وصدق الله العظيم. ?هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ? [الجمعة 2]
2. ومن هنا وجب البحث عن وجه مكمن الإعجاز.
3. إنه لمجرد الإيمان بكون هناك كلام جاء ليعارض القرآن لهو كفر صريح عندنا فيه من الله برهان.
4. بدا لنا سر قوة القرآن في مواصفاته بأوصاف ربانية، وتلك خاصية من خصائص القرآن؛
5. فالكتابة في مجال العقائد ليست من باب الاجتهاد الفقهي حيث هناك مصيب للحق ومخطئ له، وإنما هنالك مصيب للحق أو آثم، وإثمه لبسه من جراء تقوله على الله أو على كتابه بغير علم؛ والتقول على الله من أعظم الذنوب إطلاقا؛
6. لكل العلماء في مجال تخصصهم على وجه عام كلام له دلالاته عن الإعجاز العلمي للقرآن، سواء كانوا أدباء، أم فيزيائيين، كيماويين، أو غيرهم؛
7. وللأدباء الراسخين في العلم على وجه خاص كلام جليل القدر عظيم الشأن في مجال الإعجاز البلاغي.
ما هو جوهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟
كي لا نمضي على درب من تكلموا عن إعجاز القرآن الكريم بما بدا لهم من إعجاز، وحتى لا نفتري على الله وكتابه وآياته افتراء بغير علم، ولا نتقدم النصوص القرآنية نبعد الجدل لندخل في حوار مباشر مع القرآن وكفى به عليا حكيما:
نصوص التحدي لإعجاز القرآن
(يُتْبَعُ)
(/)
ما هي نصوص الكتاب التي دلت على إعجاز القرآن لنعيد النظر فيها ونتأملها ونتملاها إلى أن تنفتح علينا بأجوبة شافية كافية؟
يقول الله تعالى ? قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ? [الإسراء: 88].
? أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ? [يونس: 38].
? وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [23] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ? [البقرة: 24].
? فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ? [الطور:34].
وتعتبر الآية الأخيرة حاسمة في الموضوع بحيث طلبت كلاما مماثلا للقرآن، من هنا يضحي قليل القرآن وكثيره معجزاً سواء منه حرفا واحدا أو أكثر، وهذا ما يمكننا من إدراك أين يكمن إعجاز القرآن؟ ولئن سبقت الإشارة لإعجاز الكلمة الواحدة فكيف بالحرف الواحد؟ إذ كل ما في القرآن قرآن، والقرآن معجز كليا وجزئيا.
حينما طالعنا أسماء القرآن وجدنا بأن من جملة أسمائه الروح ولعل التنقيب عن هذا الاسم يأتينا بالجديد الذي نبحث عنه.
1 - يسألونك عن الروح
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]
والروح جسم لطيف، تبصره البصيرة النيرة بنور ربها. وأصلها:
1. إما كلام فصل ليس بالهزل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]؛
2. وإما نفخة ربانية، لقوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29]؛
وكل ما له علاقة بالذات العالية لا علاقة له بالخلق؛ إذ الخلق صنع الله والروح نفخة ربانية أو كلام رباني، ومن هنا كان القرآن أمرا من أمر الله وليس خلقا من خلق الله. وقد اختص سبحانه وتعالى: بالخلق والأمر: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]
وهنا كمن خطأ المعتزلة في ادعائهم بأن القرآن خلق من خلق الله. كما أخطأ أهل السنة في ردهم القول بأن القرآن مُحْدَث، فالقرآن محدث غير مخلوق بدليل: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2]
فالقرآن أنزل ونُسخ أي نقل من اللوح المحفوظ حيث كان مكنونا إلى دنيا الناس حيث أضحي في رق منشور وهذا معنى حدوثه. وليست بين الخلق والحدوث لا علاقة ترابط بحيث إذ وجد إحداها وجد الثاني لزوما، ولا نسبية بين العبارتين، فالحدوث وقع بنزول القرآن الأرض والخلق صنع الله، والقرآن الكريم أمر من أمر الله وليس صنعا من صنع الله. وهذا ما غاب عن الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي في الرد على شبهة الجهمي القول بخلق القرآن: التوجيه الصحيح للآي حيث جاء تحت عنوان: الدليل على بطلان شبهة الحدوث ما يلي: ""والدلالة على أنه جمع بين ذِكْرين لقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا، وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنباء إلا مبلِّغ ومذكِّر، وقال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}.
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن يقول: "الدليل على أنه جمع بين ذِكرين لقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا" يعني عند إتيانه إيانا، من الذي أتانا به؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنباء -يعني بالأخبار- عن الله إلا مبلغ ومذكر؛ فالرسول هو المبلغ -صلى الله عليه وسلم- {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} إذن من المذكر؟ الرسول {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}.
إذن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما أتانا بالأنباء إذن هو مذكِّر، هذا ذكر أتى به الرسول من عند الله -عز وجل-، فالحدث يقع على الذكر الذي جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يقع على أيش؟ الحدث يقع على الذكر عند إتيانه إيانا، وعند إتيانه إيانا إنما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، واضح هذا؟ نعم.
"فلما اجتمعوا في اسم الذكر جرى عليهم اسم الحدث" لما اجتمعوا -ذكر الله وذكر النبي- جرى عليهم اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم خلق، وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث.
ذكر الله إذا انفرد ما يقع عليه اسم خلق ولا اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد -صلى الله عليه وسلم- وقع عليه اسم الخلق والحدث، فقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ} المراد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه حينما أتى به من عند الله ذكَّر، ذكَّر بقوله وبكلامه. نعم."
وهو مسلك جليل القدر لولا أن التكلف جنح به بعيدا عن الصواب.
بيان إعجاز القرآن
ما تاه المتكلمون في الإعجاز القرآني إلا لما قالوا برأيهم في القرآن؛ لذا وجب علينا الوقوف مع كتاب الله نستنطقه عن جوهر إعجازه.
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبة الله ما استطعتم، إن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور البين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاء لمن تبعه لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد".1
"اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"2.
بعد الضراعة إلى الله ننظر إلى الموضوع من زاويتين:
1. أثبت القرآن الكريم الروح للقرآن في عدة آيات؛
2. قوة الفعل وثقل التأثير القرآني؛
ومن الإجمال إلى التفصيل.
1. روح القرآن
1 - إنه كلام رب العالمين ميزه الله وخصه بالروح: ?وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ? [الشورى: 52] [الشورى: 52].
فمن خصه الله بنور البصيرة أدرك روح القرآن تسري سريان الطيف، متلألئة بنورها الوهاج، مخضرة اللون، أو قد تبييض أحيانا تسبح بأمر ربها في كون الله.
ومن هذه الخاصية نفي الله سبحانه وتعالى أن يكون القرآن مفترى من دون الله لأنه لا قدرة لأحد على الخلق والأمر، وأيضا من هنا كان التحدي مرفوعا في وجه الإنس والجن لكون الروح من أمر ربي.
وهو كريم لما يغدقه على قارئه من حسنات، وما يهديه إليه من رشاد، وما ييسره له من أبواب الفتح والكرم من ذي الجلال والإكرام، ولما يفتح الله به للعبد من فهم ومعرفة، وبخاصة ما يتعلق بمعرفة ربه بأسمائه وصفاته وبخاصة أفعاله والتي هي عهوده وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، فضلا عما يستحيل في حقه تعالى وما يرتبط به من علم بذات الرب الأكرم، ولما ينجي من تمسك به، واهتدى بهديه.
فهل وصف كلاما غير كلامه ? بالروح؟ إنها خاصية القرآن وميزته الأولى.
سر إعجاز القرآن روحه
بعيدا عن مجال الفلسفة نسأل القرآن الكريم عن سر إعجازه؟ فيجيب:
1 - روح القرآن سر من أسرار تحدي الخلق:
(يُتْبَعُ)
(/)
?وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ? [الشورى: 52].
قال القرطبي: وقال ابن زيد: "الروح: القرآن"، قال الله تعالى: ?وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا?.1
تسميته بالروح:
قال الرازي: "الرابع عشر: الروح ? وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا? [الشورى: 52]. ?يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ? [النحل: 2] وإنما سمي به لأنه سبب لحياة الأرواح، وسمي جبريل بالروح ? فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا? [مريم: 17] وعيسى بالروح ?ألقاها إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ? [النساء: 171].1
القرآن روح وريحان:
قال ابن أبي شيبة: (42) باب في مثل من جمع القرآن والإيمان: ((2) ... عن أنس أن أبا موسى حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طيبة الطعم طيبة الريح، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها"1.
فالقرآن روح تفوح بالرياحين، فمن صحبها حفظا ومدارسة تجلت أنوارها ورياحينها عليه في الدنيا، وعصمته من العذاب في الآخرة. ومن صد عنها صدت عنه وخذلته يوم يجد كل امرئ ما عمل من خير محضرا. «إن هذا القرآن عصمة لمن اعتصم به» لأنه يعصم الناس من المعاصي".2
شواهد أخر على روحانية القرآن:
?يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ? [النحل: 2].
?رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ? [غافر: 15].
?تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ? [المعارج: 4].
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً? [النبأ: 38].
?تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ? [القدر: 4].
أثر روح القرآن على روح الإنسان
تمت إثارة هذا الموضوع في كتابنا الجزء الأول من " الأسماء الحسنى" ولم يكن المجال هناك مسعفا لتوضيح هذه المرامي. ولعل القدر ادخر هذا الأمر لهذا المبحث، ومن الله نستمد العون والتوفيق.
لما كان خلق الإنسان من تراب كان جل أكله مما ينتجه التراب، وهذا أمر معلوم بالضرورة، ولا حاجة تدعو للبرهنة عليه. أما الروح التي بجنب الإنسان فهي نفخة علوية ربانية، ولا غرو فهي أمانة استودعنا الله إياها، فمن اعتنى بها وأكرمها بما جاء من عند ربها من قراءة قرآن وذكر (بما في ذلك من قراءة القرآن وتسبيح وتهليل وحمد وتكبير وحوقلة واستغفار وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ... ) اطمأن قلبه واستحوذت عليه السكينة، ومن أعرض عن ذكر الله بصفة مجملة كانت معيشته ضنكا فضلا عن كونه يحشر أعمى. ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى? [طه: 124].
ويحتج الإنسان يومئذ عن سبب حشره أعمى ?قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً? [طه: 125].
فيجيب الله العلي الكبير سبحانه وتعالى بالحق الذي هو ميزانه للناس جميعا: ?قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى? [طه: 126].
وفي سياق آخر يحاور المنافق المؤمنين ? يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ? [الحديد: 13]، لكن المؤمنين يدركون جيدا بأنه نور اقتبسوه في الدنيا من كتاب ربهم:
(يُتْبَعُ)
(/)
?قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ? [الحديد: 13]، ويستغرب المنافقون الموقف ويستفسرون عن السبب: ? يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ؟ ?، ويجيب المؤمنون إجابة شبيهة بالنكاية والتشفي: ?قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ? [الحديد: 14].
بعد هذه المقدمة ندرك بأن روح الإنسان تستمد زادها مما جاء من عند ربها لتبقى حية مرهفة الحس، لطيفة، دقيقة، متيقظة، وبنورها تنفتح عين البصيرة فتبصر فوق ما يبصره بصر الجسد: ? كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [5] لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ [6] ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [7] ? [التكاثر].
ولهذا نعى الله على المنافقين موت حواسهم الباطنة: ?وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ? [الأعراف: 179].
أ. أثر روح القرآن على حواس الروح:
إنها حواس الروح التي بها تحيى وبها تفقه وبها تبصر الغيبيات، ولا حصر لبصرها ولا حد لرؤاها ... ?لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ? [الأعراف: 179].
ما كان الربانيون ليقفوا مواقف عظيمة مثل موقف من لا يخشى في الله لومة لائم - فتجده يتحدى الطواغيت بما أوتوا من قوة عدة وعدد، ويستبسل لإسماع كلمة الحق ولو غضب العالم - إلا وكان لهم تأييدا ربانيا: ?لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [المجادلة22].
ويختلف التأييد الرباني باختلاف الأشخاص ومعاملتهم القلبية. فمن اعتز بربوبية ربه وافتخر بها ثم طلب من الله القيام في حدود الله بالاستقامة على نهج الله وشرعه تولاه الله، وأيده بالملائكة تثبته وتبشره في أخطر المواقف وأصعبها. ?إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [31] نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ [32] ? [فصلت].
إنه تأييد بالنصرة في الدنيا وفي الآخرة، وبالولاية، والبشرى بعدم الخوف أو الحزن، إضافة إلى الفوز بالجنان تكريما من غفور رحيم سبحانه من رب عزيز وهاب.
كما قد يتجلى التأييد الرباني فيما يفتح الله للعبد من الرؤية الصادقة، والفراسة، والكشف، والإلهام، والكرامات.
وإذا تنعمت الروح بما أعطي للجسد من حواس مثل السمع والبصر، فضلا عن الشم والذوق، واللمس إضافة إلى قلب يفقه الأمور، تسانده:
1 - الرؤيا الصادقة: والتي ما يراها المرء إلا وخرجت كفلق الصبح، لا تحتاج إلى تأويل مؤول، أو قد تحتاجه: مثاله رؤيا الملك العزيز في قصة يوسف عليه السلام، ورؤيا يوسف عليه السلام، ورؤيا فرعون.
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - الفِراسة: كما قال الأصمعي: يقال فارس بيِّن الفروسة والفراسة والفروسية، وإذا كان فارسا بعينه ونظره فهو بين الفراسة بكسر الفاء، ويقال: إن فلانا لفارس بذلك الأمر إذا كان عالما".1 و"الفراسة بكسر الاسم من قولك تفرست فيه خيرا، وهو يتفرس أي يتثبت وينظر، تقول منه رجل فارس النظر، وفي الحديث: "اتقو فراسة المؤمن"، (وهوحديث ضعيف) والفَراسة بالفتح والفروسة والفروسية كلها مصدر قولك رجل فارس على الخيل، وقد فرس من باب سهل وظرف أي حذق أمر الخيل".2
3 - الكشف: "الكشف رفعك الشيء عما يواريه ويغطيه، كشفه يكشفه كشفا، وكشفه فانكشف وتكشف"3، ومثاله قول سيدنا عيسى عليه السلام:
?وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) ? [آل عمران]. "من غير أصل تقدّم ذلك احتذاه، أو بنى عليه، أو فزع إليه، كما يفزَع المتنجم إلى حسابه، والمتكهن إلى رئيِّه. فذلك هو الفصل بين علم الأنبياء بالغيوب وإخبارهم عنها، وبين علم سائر المتكذِّبة على الله، أو المدَّعية علم ذلك"4.
4 - الإلهام: قال ابن منظور: "و ألهمه الله خيرا لقنه إياه، واستلهمه إياه سأله أن يلهمه إياه، والإلهام ما يلقى في الروع ويستلهم الله الرشاد، وألهم الله فلانا. وفي الحديث "أسألك رحمة من عندك تلهمني بها رشدي". الإلهام أن يلقي الله في النفس أمرا يبعثه على الفعل أو الترك وهو نوع من الوحي يخص الله به من يشاء من عباده".2
ومثاله: "عمل الصحابة رضي الله عنهم بمثل ذلك من الفراسة والكشف والإلهام والوحي النومي، كقول أبي بكر إنما هما أخواك وأختاك، وقول عمر: يا سارية الجبل، فأعمل النصيحة التي أنبأ عنها الكشف، ونهيه لمن أراد أن يقص على الناس وقال: أخاف أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا، وقوله لمن قص عليه رؤياه أن الشمس والقمر رآهما يقتتلان، فقال مع أيهما كنت؟ قال مع القمر، قال: كنت مع الآية الممحوة لا تلي عملا أبدا".3
"وعن عباس ابن المهتدي أنه تزوج امرأة، فليلة الدخول وقع عليه ندامة، فلما أراد الدنو منها زجر عنها فامتنع وخرج، فبعد ثلاثة أيام ظهر لها زوج. وكذلك من كان له علامة عادية يعلم بها هل هذا المتناول حلال أم لا، كالحارث المحاسبي حيث كان له عرق في بعض أصابعه إذا مد يده إلى ما فيه شبهة تحرك فيمتنع منه، وأصل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره في قصة الشاه المسمومة، وفيه: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل القوم وقال: "ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة، ومات بشر بن البراء" الحديث. فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك القول وانتهى هو ونهى أصحابه عن الأكل بعد الإخبار. وهذا أيضا موافق لشرع من قبلنا وهو شرع لنا، إلا أن يرد ناسخ (له من شرعنا)، وذلك فى قصة بقرة بني إسرائيل إذ أمروا بذبحها وضرب القتيل ببعضها فأحياه الله وأخبر بقاتله، فرتب عليه الحكم بالقصاص، وفي قصة الخضر في قتل الغلام وهو ظاهر في هذا المعنى، ذلك مما يؤثر في معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكرامات الأولياء رضي الله عنهم".
ما أوضح رحمه الله تعالى فيما ساقه بيان الفرق بين كل من الإلهام والفراسة والكشف والكرامة، كما أن هناك مجالات كبيرة سكت عنها الربانيون لا فرارا من البيان، وإنما نهوا أن تخاض هذه الأمور في مجمع العوام خشية الفتن؛ نظرا لضيق أفق المدارك.
5 - الكرامة: الكرامة اصطلاحا هي ظهور خارق مقارن لدعوى النبوة من قبل شخص مؤمن صالح ولي من أولياء الله. وما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يسمى استدراجا، وما يكون مقرونا بدعوى النبوة يسمى معجزة، وما يكون من عامة المؤمنين فهي معونة"1.
كل هذه الحواس تسهم مساهمة فعالة في تنبه الذهن، ويقظة الضمير، وإرهاف الحس لاستخلاص أدنى الإشارات، بله أعظمها وأكبرها ليفقه الرباني عن الله مراده به في دنيا البلاء بالخير والشر فتنة.
ب. أثر روح القرآن على جسد وعقل الإنسان:
(يُتْبَعُ)
(/)
?اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ? [الزمر: 23]
وقال السيد قطب رحمه الله عند قوله تعالى: ?لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ? [الحشر: 21].
وهي صورة تمثل حقيقة. فإن لهذا القرآن لثقلاً وسلطاناً وأثراً مزلزلاً لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته ... واللحظات التي يكون فيها الكيان الإنساني متفتحاً لتلقي شيء من حقيقة القرآن يهتز فيها اهتزازاً ويرتجف ارتجافاً. ويقع فيه من التغيرات والتحولات ما يمثله في عالم المادة فعل المغنطيس والكهرباء بالأجسام، أو أشد.
وروح القرآن: يراها الرباني نور ا مخضرا يسري في هدوء، وحبذا لو عدنا لاستعارة عبارات السيد قطب رحمه الله، فهو يقول:
" إن في هذا القرآن سرا خاصا يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء، قبل أن يبحث في مواطن الإعجاز فيها أنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن، يشعر أن هناك شيئا وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير، وأن هناك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن، يدركه الناس واضحا، ويدركه بعض الناس غامضا، لكنه على كل حال موجود. هذا العنصر الذي ينسكب في الحس يصعب تحديد مصدره: أهي العبارات ذاتها؟ أم المعنى الكامن فيها؟ أهو صور الظلال التي تشعها؟ أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة؟ أهي هذه العناصر كلها مجتمعة؟ أم أنها شيء آخر وراءها غير محدود؟ "
إن ما يدفع السيد للاستفسار عن حقيقته هو ما بينه البهي الخولي رحمه الله بقوله: " وآية واحدة من كتاب الله كفيلة بهذا لو أحسنا الاتصال بها، وأنا أعني ما أقول، فإن التحقق بمعنى آية واحدة سلبا وإيجابا، وعملا واعتقادا والتزاما بتكاليفها في غير تهاون ولا رخاوة، مع مخالطة روحها لخفايا القلب يحيى الإنسان ظاهرا وباطنا ويجدده وينيره ... كالذي يلمس السلك الكهربائي، إذا لمسه من أي طرف، أو من أي نقطة فيه، سرى سر الكهرباء فيه واضطرب وانتفض، دون أن يتوقف ذلك على لمس أجزائه كلها مرة واحدة في وقت واحد ... القرآن حبل الله المتين، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم طرفه بيد الله، وطرفه بيد الناس، فأي جزء أخذنا منه بجد وقوة، سرى سره إلى القلوب، فارتجفت به وحييت? اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ? [الزمر: 23]
إن ما اشترطه البهي الخولي رحمه الله في لمس روح القرآن ليس شرطا فليس في الوجود حقيقة إلا رب وفضل، ومن هنا أقول: اسألوا الله أن نكون أهلا للمس روح القرآن ... فمهما اجتهد المرء إلا وكان جهده حجابا بينه وبين ربه، لكن تفضله سبحانه على عبده لا يعد ولا يحصى ... وليس من سبيل إلى فضله إلا الدعاء ... وربنا الأكرم لا يخيب من رجاه.
{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122]
تأثير القرآن وثقله
تأثير القرآن وثقله
بعض معاني قوة القرآن وثقله لدى المفسرين
تعقيب:
حقيقة قوة القرآن وثقله تأثير القرآن وثقله
ثبات أولي العزم من الرسل
ثبات المؤمنين
غرور العلوم الإنسانية:
الكذب آفة من لم يؤمن بآيات الله:
سنة الله في الكذب والكذابين
سيمياء الكذب والكذابين
خلاصة القول في الكذب والكذابين عموما:
تأثير القرآن وثقله
(يُتْبَعُ)
(/)
العبارتان نستلهم من دفئهما الشيء الكثير، ونرمي بالمصطلحين إلى الإشارة إلى أسرار يقينية لا يمكن الكلام عنها من غير دليل علمي، والله يفتح لعبده ما يشاء من علمه، إلا أننا نعرب عما يختلجنا عن قوة ثقله.
ليست قوة تأثير القرآن وثقله إلا رموزا نستعيرها لتقريب الفهم والمعاني - ويفتح الله لعبده ما يشاء -؛ ذلك بأن القرآن كلام الله، والله جل شأنه قوله فعل، وفعله قول، وهذه أهم خصائص القرآن: ?إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ? [يس: 82].
والله جل شأنه قوله الحق، والقرآن فرقان بين الحق والباطل، وقوله فصل لا هزل فيه، فضلا على أن قدرة الله لا حد لها، ولا مانع يعترضها؛ إذ الله قاهر فوق عباده، ويفعل ربك ما يشاء ويختار.
لا نقول قول الجاهلين بأنه سبحانه وتعالى يفعل الأشياء لا لحكمة، وإنما كل شيء عنده بقدر، وجعل لكل شيء قدرا، وكل شيء أحصاه كتابا، فهل هذا شأن العابثين، أم هو تقدير العزيز العليم؟ فليس في قانون الله لهو ولا لعب، ولا خلق الأشياء عبثا، فسبحانه من حكيم حميد. ? وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ? [يوسف: 21].
والقرآن استوي ثقل الحجة فيه والبرهان بدامغ الأدلة وجزالة اللفظ وأقوى بيان، فضلا عن جوامع الكلم بلطف وإحسان، دعا إلى سبيلي الرشاد والأمن والآمان، في الدنيا والآخرة والفوز بالجنان، ونهى عن الزيغ والظلم والكفر والطغيان، وتوعد أهلها بالخسران المبين وبجحيم النيران، فيا لشدة الهول وعظيم المشهد وكبير الهوان! وقال مهددا: ? سنفرغ لكم أيها الثقلان? [الرحمن: 31]. لو صادف آذانا صاغية لشابت من هوله الولدان، فكيف بمن تدبره ووقف عنده بإمعان، وسبقت رحمته غضبه سبحانه من رحيم ورحمان.
وليس ثقله في حمله تعسر؛ إذ ذكره للإنسان تيسر، وإنما الإنسان على الأمانة تجسر، وفي نظم عقدها لم يتدبر ولم يتفكر، فهنيئا لمن تزكى وبهديه تدثر، وعلى ربه اعتمد وبإذنه تطهر، وإلى المُخْلَصين انتسب وتحرر، وإلى المكرَمين ثوى وتنور، وإلى المصطَفين الأخيار هفا وتصبر، وإلى المقربين سعى سعيه وتكثر.
ومهما تدخل المتدخلون واختلفت أقوال القائلين فإن إعجاز القرآن يكمن في قوة تأثيره وصدق كلمه وقهر حقائقه، فلنعرض إشارات المفسرين لثقل وقوة القرآن بإشارات تغني عن الإسهاب عند ذوي الألباب، وبعدها نلمس قوة قهر القرآن لمن خالفه في كل أوان.
بعض معاني قوة القرآن وثقله لدى المفسرين
وقال الطاهر بن عاشور1 عند قوله تعالى: ? وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً? [الرعد: 31].
" إذ لم يهتدوا بهدي القرآن ودلائله والحال لو أن قرآناً أمَر الجبال أن تسير والأرض أن تتقطع والموتى أن تتكلم لكان هذا القرآن بالغاً ذلك، ولكن ذلك ليس من شأن الكتب، فيكون على حدّ قول أبَيّ بن سُلْمَى من الحماسة:
... ولو طَارَ ذو حافر قَبلها لطارتْ ولكنه لم يَطِر."
تعقيب:
على هذا المعنى تضافرت أقوال المفسرين، وأرى وأستغفر الله بأن الأمر على غير ما قالوه؛ إذ جاءت هذه الآية بمثابة قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} وتقديره لكان هذا القرآن لعظمته ولاستمداده قوته من الذي له القوة جميعا، فكيف يعجزه فعل أي شيء؟.
وكيف لا تسير الجبال ولا تنشق الأرض ولا تكلم الأموات بهذا القرآن وقد حكى القرآن بأنه لو أنزل القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. " ? لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله? .. والذين أحسوا شيئاً من مس القرآن في كيانهم يتذوقون هذه الحقيقة تذوقاً لا يعبر عنه إلا هذا النص القرآني المشع الموحي".1
(يُتْبَعُ)
(/)
واعتبر في ذلك أيضا من باب المخالفة كيف أن السموات والأرض كادت أن تتفطر لمجرد سماع فرية في حق الله جل جلاله، {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً [90] أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً [91] مريم.
وهكذا تبرز قوة وقدرة القرآن العظيم، وما أسبغ الله عليه صفة العظمة؛ إلا لكونه كلام الله، العلي العظيم الذي خضع له ما في السماوات والأرض، واستمداده قوته من قوة الله وقدرته الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء سبحانه وهو الله الواحد القهار.
وقال الشنقيطي رحمه الله عند آية المزمل:
"أثبت تعالى لهذه العوالم إدراكاً وإشفاقاً من تحمل الأمانة، بينما سجل على الإنسان ظلماً وجهالة في تحمله إياها، ولم يكن هذا العرض مجرد تسخير، ولا هذا الإباء مجرد سلبية، بل عن إدراك تام ... وفي الحديث: {لا يسمع صوت المؤذن من حجر ولا مدر ولا شجر إلا شهد له يوم القيامة} 2 فبم سيشهد إن لم يك مدركاً الأذان والمؤذن".3
حقيقة قوة القرآن وثقله
فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ َوجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً [الفرقان: 52]
رأينا بأن المفسرين تكلم كل منهم بما تفاعل به مع روح القرآن وحججه الدامغة، ولله الحجة البالغة، لكنهم لم يلتفتوا إلى أن القرآن قول فصل لا هزل فيه، وأنه كلمات تامات لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وإن أومئوا إلى ذلك في محله إيماءات شاردات لا يلتفت إليه الذهن، ولا يجمعها جامع يرفعها إلى أن تصبح ضابطا لسداد الأمر وصوابه، ومقياسا يكشف فساد الرأي وضلاله.
فهل أدرك بعض المتكلمين -ومن ورائهم بعض الفقهاء- جهلهم العميق بحكمة الحكيم وهم يصرحون بأن الله يفعل الأشياء لا لحكمة وأن أفعاله لا تعلل؟ أليس القرآن تنزيلا من حكيم حميد؟ فما معنى اسمه الحكيم؟
فمن يؤمن بأن لا رب سوى الله جل جلاله خالق الكون والمخلوقات هو المهيمن على الكون برمته، وهو حي قيوم، يدرك بأن كونا منسجما وفق معطيات علمية جد دقيقة لا يمكن للعبثية أن تتدخل في نظامه كان عليه أن يسعى جادا لإدراك قوانين سننه، حتى لا يتعرض لحتف بجهله لنواميس الكون.
ولم تكن تلك رغبة نابعة من إرادة الإنسان وحسب، بل ذللها الله له وسخر له ضوابطها ليتحرك على بينة وعن علم كي ينسجم سيره وفق ضوابط الكون. ?يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? [النساء: 26].
إن من يطالع إرادة الدول في سيرها وفي السبل المعتمدة لتحقيق رغباتها يدرك جيدا بأن البشرية تتخبط خبط عشواء في منهج تخطيطاتها؛ فمن مخططاتها ما يتحقق ومنها ما ينقلب عكسا ووبالا على أصحابه.
ما التفتوا بأن للكون قوانين صارمة يمضي على نهجها، فمن وافقها تحققت أغراضه، ومن خالفها تعطلت مشاريعه. إن الكون لا يمشي إلا وفق إرادة ربه، لا وفق إرادة مؤمن كان أو كافر.? لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً? [النساء: 123].
قوة القرآن شموخ في عزة وإيمان
بعكوف المؤمن على باب ربه ليخرج على الناس من المحراب داعيا إلى سبل المرحمة، متواصيا بالحق، حافظا لحرمات الله ولحدوده، منظره جذاب وفي سمته آية للناظرين، غير مكترث بما تزين به المنافق من هندام، وما اعتز به من أثاث، كلامه اللين صواعق تخرق السكون، وتتصدع له قلوب الظالمين، لا يطرق قلبه خشية الناس كأنه وهو مخلوق من جلد ودم يحس ويشعر تحوله إلى مجرد روبو لا تطرف له عين من تهديدات الظالمين، ولا يقعقع له بالشنان، ولا يأبه بكل صنوف الحروب سواء منها الحروب النفسية أو غطرسة وطغيان المستكبرين، سلاحه الاعتزاز بالله ربا وبدينه منهجا وسطيا وبنبيه قدوة وأسوة.
ثبات أولي العزم من الرسل
(يُتْبَعُ)
(/)
وما كان سيدنا نوح عليه السلام ليسمع قومه تحد سافر وهو الأعزل والوحيد ?وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ? [يونس: 71]
بل قال سيدنا نوح قولته لقومه لما بلغه آمان ربه أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ? [هود: 36] لو لم يُؤمنه ربه ويصبغ عليه اليقين ويثبت قلبه ليقف المواقف التي عز نظيرها وليسمع الظالمين تحديا لا مثيل له في تحد من غير تعد، ما كان لعبد أن يخترق أسوار بشريته؛ لكنه التأييد الرباني للعباد المؤمنين عامة وليس للأنبياء بخاصة.
?إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [30] نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [31] ?فصلت
ما كان لسيدنا إبراهيم عليه السلام أن ينشد توحيد ربه وتسفيه الظالمين، ويتأفف في وجوههم، وهو الوحيد الأعزل، غير مختبئ ولا متوار، إلا باعتماده على ربه وتوكله عليه ويقينه فيه، فضلا عن الاستعلاء الإيماني على ضلال الكفر وتعطيل جوهرة العقل.
وما كان لسيدنا موسى عليه السلام وهو ينظر إلى جيش فرعون يتهافت نحو المؤمنين معه وقد صاحوا: ? إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [61] قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [62] ? الشعراء.
أين زلزال هذه القلوب من ثبات تلك الشم الراسخات؟ فبم ثبتت لولا تأييد ربها بروح منه ?يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ? [إبراهيم: 27]
وما كان لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن ترسخ أقدامه ويعلنها خبرا مدويا ويطلق إنذاره لقريش {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 135] لولا قوة يقين على صدق كلمات ربه وسيأتي بيان ذلك مفصلا في الصفحات اللاحقة.
ثبات المؤمنين
ما كان لمن آمن بربه واستقام على شريعته واتخذ نبيه قدوة إلا أن يسير على هدي أولي العزم من الرسل ليقول كلمة حق نصرة للحق-الذي هو اسم الله ودينه ومنهاج شريعته- وإخمادا لفتنة الباطل ودحضا لعوارضها. ولنستمع لهذه الآية وهي ترتل علينا مقاييس اختلفت دلالاتها بما تعارف عليه الناس في كل أوان? لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ? [المجادلة: 22]
قول الحق الذي يُؤْثر على الآباء، والأبناء، الإخوان، والعشيرة، لما كتب الله الإيمان في قلوبهم وأيدهم بروح منه. يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وما القول الثابت إلا كلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر.
ثبات تتزلزل عنده الجبال، ويصمد في الموقف يوم تصطك الأسنان وترتجف الأعضاء ويخشع السمع والبصر ولا تسمع إلا همسا. وأمام هذا الاستعلاء الإيماني للمؤمنين، ولتكون الصورة ناصعة هذه لوحة أحداث الوقائع سواء تجلى الأمر في المواقف أو حتى فيما يسمونه علوما:
غرور العلوم الإنسانية:
(يُتْبَعُ)
(/)
مغرور هذا الإنسان؛ فلئن استطاع أن يفك بعض ألغاز القوانين الكونية كمثل تحويل كمية من الماء إلى قطعة ثلج، أو العكس عندما نعرض الماء لدرجة حرارية معينة، أو استطاع فك لغز تكاثر الميكروبات بالرصد والمتابعة، فإنه لم يدرك لقوانين وسنن نظم الحياة معنى ولا مغزى، نعم لكم يطول كلام المحللين السياسيين عند وقوع حادثة ما، ويستطيعون البرهنة العقلية على الحدث والغوص في التأويلات، وإطلاق العنان للحدس والظنون، أما الجزم يقينا بعوامل الصراع الحقيقية، لا الصورية، والتي كانت من وراء الحدث، فهذا ما لا مطمع لهم فيه، ولا مطمح لهم للتطلع إليه.
ففي قوله جل وعلا: ? فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [الروم: 50]. أمر بتتبع سنن الله في كونه. مثلا: كيف تنبثق عن عظم ثمرة نبتة لينة ثم شجرة ونخلة شديدة الصلب؟ ومن ثم تتبع سنن الأشياء، مثلا كيف تكتمل دورة المياه جريانها؟ كيف تتحول قطعة ثلج إلى ماء إلى بخار إلى مطر إلى وديان وبحار إلى بحار وجبال ثلجية ثانية لتكتمل الدورة؟
فعوامل الصراع السياسي هي أيضا مجموعة من المتناقضات قد تتحول إحداها إلى أخرى إذا ما توفرت شروط التحول. فالغنى العريض قد يتحول إلى فقر مدقع، والعكس صحيح، والصحة قد تتحول إلى مرض، وعكسها صحيح أيضا، والحياة قد تتحول إلى موت، وهكذا دواليك.
ولما كان الظلم هو وضع الشيء في غير محله أو في غير إبانه، كان أيضا مؤذنا بالخراب، وأعظم الظلم على الإطلاق الشرك بالله والتقول عليه، وكان انعدام الأمن معهودا للظالمين بصفة عامة، ?وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأنعام: 129] وللمشركين بصفة خاصة؛ لقوله تعالى: ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ? [الأنعام: 82].
لقد ناور كثير من رؤساء الدول ودخلوا في حمى أمريكا وعزتها بداية فكيف كان مآلهم نهاية؟ ليت قومي يعتبرون بأن كل من اتخذ إلها غير الله رصده العهد الرباني: ? وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً [81] كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً? [مريم: 81 - 82].
واتخذ آخرون الاتحاد السوفييتي البائد وليا ونصيرا ونادوا بجبهة الصمود والتصدي، فكيف كان المصير؟ ألم يطردوا من الأعتاب، وخسفت مكانتهم بين الأصحاب؟ ليتهم تدبروا! ليتهم تذكروا! وإنما استبدلوا قبلة الشرق بقبلة الغرب!!! ليتهم لم يفعلوها ليتهم!!!
وإذا ما حذرهم محذر وعد الله، وجاءهم بالبيِّنات، استهزؤوا منه وسخروا من أقواله، بل سجنوه، وعلى لائحة الإرهاب حشروه ... لا إله إلا الله ... ? قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ? [التوبة: 64].
وما ألح الله على شيء مثل إلحاحه على السير في الأرض؛ إذ أمر بالسير في الأرض سبع مرات، واستنكر علينا قعودنا سبع مرات، وليس السير في الأرض غاية لذاته، وإنما لاستكشاف أسرار وسنن الذين من قبلنا:
(انظر لائحة الأوامر السبع بالسير في الأرض وكذلك الاستنكارات السبع في فقرة الإعجاز الرقمي في القرآن)
ونستشف برهف الحس من بين هذه النصوص بأن للهداية سننا، وأن للضلالة سننا، وأن لفضل الله سننا، وأن لعقابه سننا، وان الاعتزاز بالقوة والآثار لا تغني شيئا من أمر الله، وأنه لا راد لأمر الله، إلا الدعاء بذلة وصغار واستغفار، فضلا عن التحصين بأسماء الله الحسنى والدخول في معقبات بين يدي المرء ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، إضافة إلى الإنفاق في سبيل الله.
فانظر حفظك الله: كيف تتبدل المقاييس المتعارف عليها عند ذوي السلطان والجاه، والاعتزاز بالآباء والأجداد، والافتخار بالحضارات الزائفة، وبالبنين والأموال وبالقوة الدفاعية والهجومية، فكل ذلك ظل زائل، لا قيمة له عند الله، ولا يغني من أمر الله شيئا.
والتشريع الإسلامي لا يولي قيمة لشيء، إلا إذا كان فعله خالصا لوجه الله، وعلى سنة حبيبه ومصطفاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذ يغتر الكافر بقوة عدده وعدته الحربية، مثلا: إسرائيل في زماننا؛ إذ جعلها الله أكثر نفيرا. فالنصر غير مرهون بقوة عدد وعدة، بقدر ما هو مرهون بنصر الله وفق وعده تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].
من هنا كان النصر حليف حزب الله رغم ما أوتيت إسرائيل من قوة عدة وعدد سواء عند خروجها ذليلة من لبنان سنة 2000 أو عند حرب 2006 ...
هكذا نطقت السنن الإلهية، وهذا هو الواقع على أرض المعركة، فهل تغيرت المعطيات، وهل تبدلت العهود الربانية؟ رغم أن العقل لم يهتد لسبب انتصار ثلة من المؤمنين على جيش مدرب على أحدث التقنيات وأفضل الأسلحة الفتاكة والقنابل الذكية، طيلة أربعة وثلاثين يوما من المعارك ...
فهل نستجب لأمر ربنا بالضرب في الأرض تمعنا وتفهما واستنباطا لسنن كونية وقرآنية في الحياة، أم نلوي ولا نلتفت للأوامر الربانية؟ ألم يكفنا ما نعيشه من شتات وضياع حتى هبت الأمم علينا كالأكلة على قصعتها تستولي على خيراتنا وتسخرنا تسخير العبيد لمهامها؟؟؟
سنة الله في الكذب والكذابين
1 - الكذب آفة من لم يؤمن بآيات الله:
ما ترك الله الكون سدى ولا خلقه عبثا، وتعالى الله عن العبثية واللعب، فالله جعل لكل شيء قدرا، وكل شيء خلقه بقدر، وجعل لكل شيء أجلا.
والإنسان خلقه الله في أحسن تقويم، وجعل له السمع والأبصار والفؤاد، وزوده بنعمة العقل ليميز الخبيث من الطيب، وليكون على بينة من الأمر، وأرسل له رسلا تهديه سواء السبيل؛ فكان منهم المؤمنون برسالات الرسل ومنهم المكذبون بالدين.
والكذب آفة الإنس والجن، وفي هذا يقول سيدنا سليمان: {سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27]
والكذب فكرة ارتجالية لم تدرس العواقب؛ ذلك لكون سنن الله جل وعلا تؤكد بأن: {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67] وما كان لمن يؤمن بهذه الآية أن يتعمد الكذب والافتضاح يترصده لما لم تجد كذبته من مستقر لها إلا أن تلقى على وجهه ليفتضح أمره.
ومن سنن الله الإمهال ونستوحيه من مدلول لفظة سوف، هذا ما جعل الغفلة تنطلي على بني آدم وتنسيه ما لفظه من نبأ كذبا وزورا. وهذه السنة تؤهلنا لاستكشاف سبل الكذب وسيمات الكذابين:
{وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ} [محمد: 30]:
سيمياء الكذب والكذابين:
تزيين الهندام:
فشتان بين من يزين باطنه بالتقوى وخشية الله ومن يتزين للمخلوقات ظاهريا وهم ذئاب في ثياب {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [المنافقون: 4]؛
تنميق القول:
ومن مظاهر النفاق اصطفاء العبارات واختيار أجمل القول وألطفه، لكونه حبيب القلوب؛ إذ تشد هذه المصطلحات آذان السامع ويحب استرسال الكلام الجميل: {وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4]؛
الهلع والضجر والخفة: فالكذاب يطلق الكلم على عواهنه دون أن يدرك عواقبه، ومن ثم تترصده خشية الافتضاح، فيضحي خائفا يترقب: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون: 4]
لحن القول:
الكذاب لاتهمه إلا النجاة في لحظته، فهو يستعمل ألفاظه دون سابق دراسة، ومن هنا تتصيده آفة اللسان فقد يأتي بالصدق ممزوجا كذبا وهو ما يأباه الواقع ويلفظه فتستبين الحقائق وتنفصم عن الزور والبهتان {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30] ومثاله ما قصه علينا القرآن من قصة يوسف عليه السلام لنتلمس الكذب في لحن القول: {وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ [16] قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [17]} يوسف وما قولهم {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} إلا لحن القول الذي يترصد الكذاب ليزداد السامع يقينا في نظرهم، وما هو في حقيقة الأمر إلا سبيل كشف ألاعيبهم في نظر السامع ... حيث لبثوا بضع سنين وبعدما افتضح أمر يوسف عليه السلام جاءوا أباهم بقولهم {قَالُواْ يَا
(يُتْبَعُ)
(/)
أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف: 97]
القول المختلف:
في الفقرة السابقة رأينا كيف ينجلي الكذب حينما تكون الرواية على سبيل واحدة وننظر الآن كيف يفتضح الكذب حينما تتضارب الآراء {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} [الذاريات: 8] ومثاله قوله تعالى: {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [25] قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ [26]} يوسف، تبين من قولها وقوله تضارب الآراء وتناقضها، فبقي الاستدلال العقلي سبيلا لكشف اللبس الذي غطى الموضوع وبعد انكشاف الأمر وافتضاحه يخاطبه الملك: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [28] يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [29]} يوسف.
وتمر يضع سنين ويأتي التحقيق في أمر سجنه وتقول زوجته قولتها التي لا تدع لبسا {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [50] قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51]
افتضاح الكذب والكذابين عموما:
تلك إذا بعض أمارات الكذب وسيمياء الكذابين. ونخلص من الموضوع بالمعادلة التالية
{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105] ما كان لكذاب أن يؤمن بهذا التخصيص ثم يمضي على دربه مكذبا بقوله تعالى: {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67] والله سبحانه وتعالى للكذابين بالمرصاد وفق وعده سبحانه وتعالى: {وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 72] ومن كان الله خصمه خاب وخسر؛ إذ الكذب أريد به مكر والمكر يعقبه مكر من الله بل الله أشد مكرا.
ما كان للكذاب أن يمر على وعدين دون أن بفتضح أمره وينكشف ستره:
وعد بإخراج ما كتم من الأمور + وعد بأن لكل نبأ مستقر = افتضاح الكذاب؛
الكذب ? الإيمان؛ {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]
مكر من العبد? مكر من الله = وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ = َمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10]
هكذا تنكشف آيات الله بينات لقوم يوقنون يعونها ويتدبرونها، وهكذا تتلازم علاقة الكذب بالافتضاح ولو بعد حين؛ إذ الكذب كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. تنشأ الكذبة وتبحث عن مستقر لها، فلما لم تجد لها قرارا، سقطت على وجه قائلها بالافتضاح ولو بعد برهة زمنية قد تصل على بضع سنين.(/)
تغيير المنكر بالقلب
ـ[العابدة المؤمنة]ــــــــ[11 Sep 2008, 08:11 م]ـ
تغيير المنكر بالقلب
أحبتي في الله ان العلوم الحديثة دائما تفاجئنا باكتشافات جديدة تذهلنا وتبهرنا ولكننا سرعان ما نجد هذا الاكتشاف قد ذكر في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. ومن هذه الاكتشافات ما سمّاه علماء النفس والبرمجة اللغوية العصبية بالرسائل الإيجابية وأثرها على الآخر ...... لنقرأ ونتأمل.
كثيرا ما حاول الملحدون بكل ما أوتوا من حنكة ودهاء أن يشككوا في أحاديث الرسول المصطفى فهاهم ينتقدون الحديث الشريف الذي تكلم عن تغيير المنكر بالقلب ...... !!
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
كان نقدهم (لفكرة التغيير بالقلب) بأنه لا يقدم ولا يؤثر وأن هذا كلام بعيد عن العلم والمنطق! لنرى إخوتي في الله كيف نرد عليهم انتقادهم هذا وننصر نبينا الذي لا ينطق عن الهوى وإنما وحي يوحى.
أحبتي! البراءة من الفعل يعني: بعدم الرضا به؛ لهذا جاء في سنن أبي داود أنه عليه -الصلاة والسلام- قال: (إذا عملت الخطيئة كان من غاب عنها ورضيها كمن عملها، وكان من غاب عنها وكان ممن شهدها، فلم يفعلها كمن فعلها) وهذا يعني: أن الراضي بالشيء كفاعله؛ لأن المنكر لا يجوز أن يقر، يعني: أن يقره المرء، ولو من جهة الرضا.
ولكي تكون حجتنا قوية في الرد على المنتقدين سنتناول أحبتي في السطور القادمة حقائق علمية جديدة تؤكد وتثبت وتؤيد صدق ما جاء في السنة النبوية المطهرة من قدرة التأثير على الآخرين بواسطة القلب وهي:
أن الفكرة منشأها في القلب وأن القلب هو الذي يفكر ويعقل.
وأن الفكرة تنتقل من شخص لآخر وتؤثر به حسب قوتها.
وأن طريقة التغيير هذه أضعف من اليد واللسان.
وذلك وفق ما جاء في علوم الطب والعلوم الحديثة من برمجة لغوية حديثة وعلم فيزياء الأشياء والجزيئات وعلم الفيزياء النووية وغيرها.
أيها الأحبة! لنتأمل ونقرأ معا كيف أن البشرية تعود ببطيء وعن غير قصد إلى العقيدة السليمة ألا وهي:
الإسلام الذي أضحى الخط الوحيد في إنقاذ البشرية.
القلب يفكر ويعقل والفكرة منشأها القلب
سأستعرض لكم أحبتي في هذه الفقرات ملخص لما جاء في علم القلب وكيف أن القرآن حدثنا عنها بدقة تامة:
1 - يتحدث العلماء اليوم جدّياًّ عن دماغ موجود في القلب يتألف من 40000 خلية عصبية، أي أن ما نسميه "العقل" موجود في مركز القلب، وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ لأداء مهامه، ولذلك فإن الله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46]. وهذه الآية حدّدت لنا مكان القلب لكي لا يظن أحد أن القلب موجود في الرأس وهو الدماغ، أو أن هناك قلباً غير القلب الذي ينبض في صدرنا، وهذه أقوال لا تعتمد على برهان علمي.
2 - يؤكد العلماء أن كل خلية من خلايا القلب تشكل مستودعاً للمعلومات والأحدث، ولذلك بدأوا يتحدثون عن ذاكرة القلب، ولذلك فإن الله تعالى أكد لنا أن كل شيء موجود في القلب، وأن الله يختبر ما في قلوبنا، يقول تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 154].
واذا أخذنا مقطع في الخلايا العصبية للقلب، نجد أنها خلايا عددها أكثر من 40000 خلية، ويؤكد بعض الأطباء "الشجعان" أن هذه الخلايا مسؤولة عن التفكير وعن توجيه الدماغ ولها دور كبير في التحكم بكل الجسد! ومنهم البروفسور Gary Schwart الذي وثق عشرات الحالات التي تثبت أن للقلب دوراً كبيراً في التحكم بشخصية الإنسان وأفعاله وذكرياته، بل إن القلب هو الذي يحدد مستوى الإيمان أو الكفر لدى الإنسان!
(يُتْبَعُ)
(/)
3 - يتحدث الباحثون عن دور القلب في التعلم، وهذا يعتبر من أحدث الأبحاث التي نشرت مؤخراً، ولذلك فإن للقلب دوراً مهماً في العلم والتعلم لأن القلب يؤثر على خلايا الدماغ ويوجهها، ولذلك فإن القرآن قد ربط بين القلب والعلم، قال تعالى: (وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [التوبة: 93].
4 - يتحدث العلماء اليوم عن الدور الكبير الذي يلعبه القلب في عملية الفهم والإدراك وفقه الأشياء من حولنا، وهذا ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) [الأنعام: 179]. أي أن القرآن حدد لنا مركز الإدراك لدى الإنسان وهو القلب، وهو ما يكتشفه العلماء اليوم.
فهم يؤكدون أن القلب له نظامه العصبي الخاص به، وهو نظام معقد يسمونه the brain in the heart فالقلب يبث مع كل دفقة دم عدداً من الرسائل والمعلومات لجميع أنحاء الجسد، وله نظام كهربائي معقد وله طاقة خاصة به، وله مجال كهرطيسي أقوى بمائة مرة من الدماغ!!
5 - كما وجد العلماء أن القلب يؤثر على كل الجسم حتى الدم و أن القلب يضخ الدم ولكنه يضخ معه سيلاً من المعلومات، إذاً الدم هو وسيلة نقل المعلومات بين القلب والدماغ وأجزاء الجسد الأخرى مثل الرئتين والكبد والعضلات وغيرها.
أي إن القلب بإيقاعه المنتظم يتحكم بإيقاع الجسد كاملاً فهو وسيلة الربط بين كل خلية من خلايا الجسم من خلال عمله كمضخة للدم، حيث تعبر كل خلية دم هذا القلب وتحمل المعلومات منه وتذهب بها إلى بقية خلايا الجسم، إذن القلب لا يغذي الجسد بالدم النقي إنما يغذيه أيضاً بالمعلومات!
أما بالنسبة للخلايا العصبية داخل القلب، وهي خلايا معقدة جداً لم يعرف العلماء حتى الآن طريقة عملها، ولكن هذه الخلايا مسؤولة عن تخزين المعلومات وتحميلها لخلايا الدم وبثها لكافة أنحاء الجسم، وبالتالي فهي أشبه بذاكرة الكمبيوتر التي لا يعمل بدونها. المرجع: معهد رياضيات القلب الأمريكي.
6 - تؤكد صحيفة ديلي ميل أن الأطباء في الصين مهتمون بهذه الظاهرة ويدرسونها الآن، وإذا كانت هذه الظاهرة صحيحة فإنها ستحطم الكثير من الحقائق في الطب الحديث، ولكن لو تأملنا القرآن والسنة الشريفة لوجدنا وصفاً واضحاً للقلب وعمله، يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب).
إخوتي الأعزاء نستنتج مما سبق أن القلب يفكر ويعقل ومسؤول عن توجيه الدماغ وله دور كبير في التحكم بشخصية الإنسان وهو مصدر الأفكار وبالتالي
فيمكن للقلب تغيير المنكر عن طريق بث الأفكار الايجابية كما سنؤكد لاحقا.
التأثير على الآخر من خلال نقل الفكرة أو المعلومة لذهنه:
أحبتي! إذا دققنا بالحديث الشريف وبفحواه نجده (في حال تعرضنا لضغوطات خارجية قوية) يرشدنا لحل بديل عن الفعل والكلام لتغيير المنكر ويقول صلى الله عليه وسلم: عندما تكون إرادتكم قوية وتمتلكون رغبة كبيرة في تغيير منكر ما أو أي خطأ ولم تستطيعوا ذلك لا باليد ولا باللسان لسبب أقوى منكم فحاولوا بقلوبكم (عندها ستستطيعون نتيجة هذه الرغبة الجامحة بالتغيير أن ترسلوا رسائل فكرية قوية عن طريق القلب تصل للآخرين وستؤثر فيهم وتحركهم وتدفعهم نحو الخير وتصحيح المنكر).
وهذا ما سنثبته علميا من خلال رأي علماء العلوم الحديثة بالموضوع، فتابعوا معي صدق حبيبي المصطفى لنزداد إيمانا وحبا له!!
وها هو الدكتور بول برسال Paul Pearsall يقول إن القلب يحس ويشعر ويتذكر ويرسل ذبذبات تمكنه من التفاهم مع القلوب الأخرى، ويساعد على تنظيم مناعة الجسم، ويحتوي على معلومات يرسلها إلى كل أنحاء الجسم مع كل نبضة من نبضاته.
ومن الأبحاث الغريبة التي أجريت في معهد "رياضيات القلب" HeartMath أنهم وجدوا أن المجال الكهربائي للقلب قوي جداً ويؤثر على من حولنا من الناس، أي أن الإنسان يمكن أن يتصل مع غيره من خلال قلبه فقط دون أن يتكلم!!! وهذا يتطابق مع حديث الصادق الأمين.
رأي علماء البرمجة اللغوية العصبية
قام العلماء بدراسة تأثير الأفكار على الآخرين، فوجدوا أن الأفكار تحمل معلومات قوية تستطيع التأثير على العقل الباطن للإنسان
كما أنهم وجدوا أن لكل إنسان قوة تأثير على الآخر وذلك حسب قوة رغبته في هذا التأثير.
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول أحد علماء البرمجة اللغوية العصبية (جوزيف أوكانور) متحدثاً عن علم التخطيط اللغوي العصبي وتأثير الفكرة على الآخر:
تستخدم كلمة اللاوعي لتعني أي شيء ليس موجودا في إدراك اللحظة الراهنة والعقل الباطن مركب من كل تلك العمليات الذهنية المتواصلة من دون علمنا. انه يتعامل مع كل الوظائف المعززة للحياة وكل العمليات الفكرية التي تخترق العقل الواعي مثل فقاعات تنفجر على سطح بركة من الماء.
و أن عملية التفكير هي عملية لا شعورية. ونحن ندرك النتائج بشكل شعوري. وحسب أولوية الفكرة وقوتها يمكننا تحطيم سطح الوعي للآخر للتأثير عليه.
وهكذا يمكننا أن نؤثر، وأن نترك أثر ايجابي على شخص ما. فالعلماء يعتبرون أن كل فكرة أو معلومة تنقلها للآخر ذهنيا. هي بمثابة رسالة ايجابية سوف تؤثر عليه، لأن هذه الرسالة يتم اختزانها في العقل الباطن.
لقد كان النبي الأعظم حريصاً على تغيير المنكر ورفضه ولو كان هذا التغيير بالقلب، فالعلماء يقولون إن الأفكار والمعلومات الذهنية التي ينقلها الشخص لمن حوله ويتلقاها الآخر يكون لها أكبر الأثر في ردة فعله، وإن دماغ المستقبل يتأثر بتلك المعلومات، وسؤالنا لكل من يستهزئ بهذا النبي الكريم: ألا تظنون بأن نبيَّنا قد سبق علماءكم إلى البرمجة اللغوية وأثر نقل المعلومة للاخرالتي تفتخرون أنتم اليوم بأنكم من اكتشفها؟
و يقول أيضا إن كثرة هذه الرسائل كما يؤكد العلماء يؤدي إلى تغيير المعتقد أحياناً إلى أن يصبح الآخر انفعالياً، وقد تؤثر هذه الرسائل الايجابية على قرار هذا الآخر ولذلك بدأ العلماء اليوم يهتمون بأسلوب جديد في التغيير قائم على البرمجة الإيجابية للآخر.
هذا الأسلوب الإيجابي لا يعتمد على الكلام، أو الفعل، بل على التغير الذهني، ويوحي إليه كيف يتصرف بشكل صحيح.
إن هذا الاسلوب الجديد بالنسبة للعلماء، ليس جديداً بالنسبة لمعلم العلماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!! فقد كان هذا النبي الكريم يوجّه كمية كبيرة من الرسائل الإيجابية أثناء مخاطبته للناس ويغير من خلالها الكثير من الأخطاء والسلبيات.
وسبحان الله! إن هذا الأمر يدل على أن أول من استخدم أسلوب البرمجة الإيجابية في قوة التأثير هو محمد صلى الله عليه وسلم! ولكن ماذا يدل ذلك؟ إنه يدل على رحمة ورأفة هذا النبي الكريم بمن حوله، ويدل أيضاً على صدق كلام الله تعالى عندما وصفه بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
رأي علماء فيزياء الأشياء والجزيئات الفيزياء الذرية: ها هي الباحثة الانكليزية و الصحافية التي جمعت أخطر وأهم الدراسات في كتابها ( The quest for seeret foree of the universe)
وهي (لين ماكتاجارات) تتحدث عن اكتشافات مذهلة مبنية على ما توصلت إليه دراسات ( Quantum Physics) التي خرجت بعد نيوتن، ونظريات ألبرت اينشتاين في الطاقة والمادة مثل علم الفيزياء الذرية وفيزياء الأشياء أو الجزيئات ( Physics Particle) قائلة:
معلوم أن الإلكترون يلف حول النواة بعكس عقارب الساعة ولما نظروا في دوران وحركة الجزيئات الصغيرة في النواة توصلوا إلى حقيقة مذهلة حيث أنها تتحرك يمينا أو شمالا أو بدوران معين بحسب فكرة الباحث ... !
ولذلك خلصوا من أن الفكرة تؤثر في حركة الجزيئات الداخلية للنواة، وبالتالي فان الفكرة بقوتها قد تؤثر في النواة، واذا كانت أقوى أثرت بالذرة، وإذا كانت أقوى أثرت بالبيئة المليئة بالذرات، وبالتالي تؤثر بذهن الآخر.
بالاضافة الى: (يعد الجهاز العصبي بنية معقدة متممة لوظائف جميع أجهزة الجسم الأخرى و قائمة بجميع الوظائف السيكولوجية العليا. حيث تعد الخلية العصبية (النيرون) وحدة البناء الوظيفية، حيث تحاط كل منها بخلايا مساعدة وعازلة، والتي تغلف بنهاياتها و استطالتها بكثافة جميع الأوعية الدموية في أنسجة الجهاز العصبي المركزي (الدماغ والنخاع الشوكي) وبالتالي تعزل الخلايا العصبية عن جهاز الدوران.وضمن هذا كله فان تبادل المواد الخلوية بين النيرونات والدم يتم بشكل غير مباشر من خلال الشقوق والفجوات البين خلوية) مسائل أساسية (للعالم ي. أ.تريباكوف)
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا أخذنا بالحسبان النشاط الكبير للخلايا العصبية فقد يظهر لدينا الشك بقدرتها على حصولها على الإمداد الطافي الكامل من خلال الدم
لذلك يعتقد بعض العلماء أن الخلايا العصبية تحصل على الكمية الطاقية اللازمة لإتمام نشاطها الوظيفي العالي من المحيط فهي منظومة وظيفية معقدة وتسمى منظومة (اللحظات البيومغناطيسية).
أعزائي دققوا معي الفقرة السابقة تبين أن أنه يوجد فجوات وشقوق بين الخلايا يتم من خلالها تبادل المواد الخلوية بين النيرونات وبين خلايا الدم وبالربط بما وجدناه سابقا بكون القلب يضخ الدم وينقل معه سيلا من المعلومات وان الدم هو وسيلة نقل المعلومات بين القلب والدماغ.
فهل تؤيدونني على هذا الاستنتاج أن القلب منشأ الفكرة يضخ الدم محملا له تلك الفكرة لينقلها بدوره إلى النيرونات عن طريق الشقوق والفجوات بين الخلوية وبعدها يقوم هذا النيرون بنقل تلك الفكرة من خلال إرسال رسائل ايجابية للأخر عن طريق منظومة اللحظات البيومغناطيسية (التي ما زال العلم في الوقت الحالي يدرس خلالها التأثير المتبادل بين القشرة الدماغية وتحت القشرة الدماغية وبالأخص التأثير المتبادل بين الوعي واللاوعي عند الشخص نفسه و بينه وبين الآخر. فقد وجدوا أن دقات القلب تؤثر على الموجات التي يبثها الدماغ (موجات ألفا)، فكلما زاد عدد دقات القلب زادت الترددات التي يبثها الدماغ.
أحبتي إن هذه المسائل تثير اهتمام الكثير من الأخصائيين وتعد من أكثر المسائل حيوية وأهمية من بين العلوم التي تبحث في الإنسان.
وهكذا وفي الوقت الحاضر يمكننا أن نعتبر من المثبت مقدرة جسمنا الكاملة بإرسال رسائل ذهنية للآخر.
ثم إن الدراسات كشفت أن القدرات هذه .... ليست حكرا على أحد أو خاصة يتمتع بها.
أناس متميزون عن غيرهم بل هي موجودة في معظم البشر، وأقل البشر.
ولن أتعمق أكثر بعلم فيزياء الجزيئات والأشياء فالموضوع شيق ويحتاج لعشرات الأبحاث وسنكتفي بهذا لعدم الاستطراد
وهكذا تكون قوة التأثير حسب قوة الفكرة ورغبة صاحبها في تغيير الآخر.
رأي علم النفس والعلوم الحديثة: لقد تناول العالم فرويد هذه المسألة واعتبر أن النفس الإنسانية على شكل غرفتين، في الأولى يوجد الوعي وهي متألقة جدا،وفي الأخرى اللاوعي، الأحكام والآراء اللاشعورية التي تحاول بشتى الطرق الوصول إلى الغرفة المضاءة (الوعي)،
وهكذا من يملك قوة تأثير بنقل الفكرة (من غرفنه المضاءة إلى غرفة اللاوعي عند الآخر) بقوة كبيرة يستطيع أن يؤثر في الآخر.
كما أشارت الأبحاث أنه هناك طرق صحيحة وسريعة تتناسب مع مستوى العلم المعاصر وهو طريق التأثير على المجال النفسي المولد لللاوعي.
كما وجد العلماء أنه من خلال القدرة على التحكم بالطاقة الحيوية الداخلية، يمكن إجراء تعديلات على مجال اللاوعي بإدخال الفكرة إلى دماغ الإنسان على المستوى النفسي العامل المهيمن الذي يسمح بجعل كل الآراء السلبية الناشئة والأشكال والمشاعر السلبية محايدة تماما.
بذلك أحبتي نكون قد أثرنا بأفكارنا الايجابية على سلبيات الآخر مما يثبت صحة الحديث الشريف من الناحية النفسية.
ومن النتائج المهمة لمثل هذه الأبحاث أن العلماء يتحدثون عن عطاء يمكن أن نقدمه للآخرين من خلال نقل الفكرة.
فهل مر بك أن شعرت بشعور خفي يسري فيك مثل أن تكون في حالة سلبية وفجأة تتحول إلى حالة ايجابية ......... ربما كان ذلك أنك أتحت بعض الوقت للتفكير برأي فلان من الناس فانتقلت إليك أفكاره وتأثرت بها!
وأحيانا تجد نفسك في موقف ما وتتصرف بشكل مخالف لما قد قررته وتقول لا أعرف لما فعلت هذا؟ انه تأثير ذلك الشخص الذي أرسل رسالته إلى ذهنك واستطاع أن يؤثر على سطح الوعي عندك! إنها فعلا قوة التأثير الفكري النشط للقلب كما جاء بقلم العديد من العلماء فلندقق معا
الأفكار التي تنبعث منا إلى الآخرين لا تذهب سدى .... بل كل فكرة تنطلق منا وتنطلق من الآخرين نحونا ........ !
كل فكر ة تسبح في الفضاء تؤثر فينا ونتأثر بها (كلها ذبذبات صوتية بإطار معين) ونحن إما أن نكون في دور المؤثر أو المتأثر الفاعل أو المنفعل فما من شيء نفكر به ونركز عليه إلا ويلقى محلا يؤثر فيه فالأفكار كما قيل هي عبارة عن أشياء وان كانت لا ترى لكن لها تأثيرها كالهواء نتنفسه ونستنشقه وهولا يرى.
(يُتْبَعُ)
(/)
كما أنه هناك تموجات صوتية لا تسمعها الأذن .... ! وتموجات ضوئية لا تدركها العين ..... ! لكنها موجودة ومثبتة! وبالتالي بات ضروريا أن ندرك أهمية ما تفعله الأفكار فينا من حيث لا نشعر.
وهنا أنقل لكم ما جاء بقلم العالم ي. أ. تريباكوف ملخصا بحثا طويلا عن أشعة التأثير أن قوة التأثير هذه عبارة عن أشعة تطلق وتستقبل وتتداخل مع بعضها بعضا فتعطي إما أثرا مقويا أو مضعفا لها تحمل المعلومات ويمكنها أن تتبادلها في ما بينها
وشعاع التأثير هذا هو شعاع ذو ذبذبات محددة، يتناسب مع ترددات الهدف وقوته.
إذا نحن نؤثر ونتأثر بالآخرين عبر مسارات فكرية ذهنية غير مرئية.
وإننا وان كنا على حالة ايجابية فيمكننا التأثير على من حولنا ممن يكون محور تفكيره في نموذج حالة سلبية.
ويمكننا أن نستنتج أنه يمكننا بالتأثير على الأبنية المعلوماتية تغيير الحالة الفيزيائية وتغيير سلوك شخص ما.
التغيير بالقلب أضعف الإيمان
لقد صدقت يا حبيبي يارسول الله عندما وصفت تغيير المنكر بالقلب بأنه (أضعف الإيمان) لأنه كما رأينا البشر متفاوتون في قوة الإرسال والتلقي فان كان المرسل قوي التأثير قد يلاقي مستقبل ضعيف
فإما أن يكون هو ايجابي وأنت ايجابي فكلاكما سيقوي الآخر ..... !
أو أنه ايجابي وأنت سلبي وهنا أنت ستتأثر به فتكون ايجابيا وهو سيصبح سلبيا ..... !
أو أن تكون أنت ايجابيا وهو سلبي أو تكونا سلبيين وهذا أخطرهم ... !
وهكذا إخوتي الأفاضل إن قوة التأثير على تغيير الفكرة ستكون ضعيفة حسب حالة المستقبل وحالة المتلقي لذا وصفها الرسول الكريم بأضعف الإيمان بالإضافة طبعا لكونها أضعف جدوى من التغيير باليد واللسان.
وزيادة في الإيضاح لنرى ماجاء بقلم العالم ن. ف.فيبر ينتسوف (إن الناس يساعد بعضهم البعض بعدة طرق ومنها التفكير النشط لذلك فان الجسم فكريا يؤكد الفرضية القائلة أن هذه الآلية متواجدة وتعمل في الجسد البشري).
أحبتي دققوا معي كلام هذا العالم (المساعدة بالتفكير النشط) وبما أننا وجدنا أن القلب منشأ التفكير أي أن الإنسان يمكنه المساعدة بالقلب وكلمة النشط هنا تدل على رغبة شديدة بالمساعدة والتغيير ألا يطابق هذا كلام الحبيب المصطفى في تغيير المنكر بالقلب.
فهذا يعطي إيحاء خارجي لمن حولنا بتفاهة المنكر وكراهيته ورفضه دون أن يشعروا وبالتالي سيؤثر على ردود أفعالهم بشكل أو بآخر لأن طبيعة النفس البشرية باللاوعي لا تحب عمل ما يكرهه الناس حتى لا تشعر أنها غريبة عنهم.
وأخيرا أحبتي! هل اقتنعتم معي كيف أن الغرب يعود شيئاً فشيئاً إلى تعاليم الإسلام، ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني شيئاً واحداً ألا وهو أن الإنسان عندما يبحث ويفكر ويكتشف الحقائق العلمية ويخوض التجارب لابد أن يصل إلى نفس الحقائق التي جاء بها هذا النبي الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه!!
بقلم المهندسة العابدة المؤمنة
للتواصل مع الكاتبة على الايميل التالي
quran.krem@gmail.com
المراجع
1 - رحلة عبر الطاقة البشرية (ترجمة وإعداد أيمن خلف
2 - كتاب التخطيط اللغوي العصبي NLP ( جوزيف أوكانور).
3 - كتاب كيف تكون ظاهرة فريدة (ألبرت ايغناتنكو).
4 - كتاب الحقل البيولوجي المعالج (ي. أ.تريباكوف).
5 - موقع على الانترنيت موثوق علميا للمهندس عبد الدائم الكحيل الباحث في الإعجاز العلمي للقران والسنة.
6 - His Heart Whirs Anew, Washington Post, August 11, 2007.
7- Heart, Wikipedia.
8- Science of the heart, Institute of HeartMath.
9- Rollin McCraty, The Scientific Role of the Heart in Learning and Performance, Institute of HeartMath, 2003.
10- Does your heart sense your emotional state? www.msnbc.msn.com, Jan. 26, 2006.
11- Annual Meeting of the Pavlovian Society, Tarrytown, NY, 1999
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[11 Sep 2008, 10:27 م]ـ
بحث رائع وفقكِ الله وباركِ فيكِ وفي جهودك .. وجزاك الله خيراً ...
ـ[العابدة المؤمنة]ــــــــ[11 Sep 2008, 10:46 م]ـ
بحث رائع وفقكِ الله وباركِ فيكِ وفي جهودك .. وجزاك الله خيراً ...
بارك الله بك أخي الفاضل وشكرا لاطرائك على المقالة
ما رأيك بالمقالة الثانية التزامن بين حجاب المرة وبلوغها
ـ[ابومعاذالمصرى]ــــــــ[12 Sep 2008, 02:47 ص]ـ
لى تحفظ وهو من باب المدارسة بين اخوة فى الله تعالى
النظريات العلمية ومنها الابحاث الطبية تظل محل اخذ ورد بين العلماء فلايجب ان نسارع بتنزيل البحث او النظرية على الكتاب والسنة الا اذا صارت المعلومة حقيقة كحقيقة الطير يسبح فى الفضاء والسمك يعيش فى الماء فقد يخرجون الينا برأى فيه فشل البحث او النظريه ويتركونا فى حرج شديد
هذا رأيى المتواضع آمل ان يتسع له صدر اختنا الفاضلة جزاها الله خيرا وزادها علما وفضلا(/)
حوار مع نصراني " مُصْحَف ابنِ مسْعود , وقرآنيّةُ المُعوِّذتيْنِ"
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 11:31 ص]ـ
السلام عليْكُم ورحمةُ الله وبركاته
أساتِذتُنا وعُلماؤنا الكِرام ... حياكم الله وبياكم ... وكل عامٍ وأنتُم بِخيْر .. هذهِ أوّلُُ مُشاركةٍ لي في هذا المنتدى الكريم .. الذي أتعلّمُ منْهُ وأقتاتُ من العِلْمِ على موائِدِ عُلمائِهِ .. فجزاكم اللهُ عنا خيْراً ... معكُم د. أمير عبدالله .... مدير منتديات حُراس العقيدةِ لمحاربةِ التنصير , ودعوة النصارى العرب لدينِ الله ... طبيب بشري , تخصُّص طب أسرة ...
أعْكِفُ بما أعانني اللهُ بهِ من قليل علْمٍ مقارنةً بعِلْمِكُم .. على ردِّ الشُبهاتِ المُثارةِ حوْل القرآنِ الكريم والسُّنّةِ المطهّرة , وأتخصص في دِراسةِ ونقْدِ مخطوطاتِ النصارى ... على قدْرِ ما يُسْعِفني وقْتي.
وقد جرت مناظرة منذ شهورٍ في "حُراس العقيدةِ" .... حول " مُصْحفِ عبداللهِ بن مسْعود , وقُرآنِيّةُ المُعوِّذتيْنِ" ... وكنت قد عزمتُ على إعادةِ صِياغتِها , وتنسيقِها و كردِّ شُبْهةٍ يُمثِّلُ رد "حراس العقيدة" على هذه الشُبْهة ... والآن وقبل إعادةِ صياغتِها ... أجِدُ مسئوليةَ كُبْرى مُلْقاةً على عاتِقي .. فنتْرُك إن شاء الله تعالى الحِوار بين أيْديكُم ... لأسْتمِعَ إلى رأيِكُم في ردِّ هذه الشُّبْهة , طامِعاً في النقْدِ والتوجيهِ و عمومِ الفائِدة.
والله تعالى أسأل أن يُطهِّر أعمالنا وأقوالنا من الرياءِ والنِّفاقِ .. آمين.
"رحم الله من قرأ قولي وبحث في أدلتي ثم أهداني عيوبي وأخطائي"
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 11:37 ص]ـ
الشُبْهةُ النصْرانِيّة:
انكار المعوذتين من ابن مسعود:
كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى
الراوي: عبدالرحمن بن يزيد النخعي - خلاصة الدرجة: رجال عبد الله رجال الصحيح ورجال الطبراني ثقات - المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 7/ 152
وبما ان ابن مسعود مصحفه يحتوي على العرضه الاخيره كما راينا فهو اعلم الجميع ما بدل وما نسخ
وهو الذي اعترض على حرق المصاحف بحق لان رسول الاسلام قال بحديث صحيح: " خذوا القرآن من أربعة، من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب "
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4999
قال عبد الله بن مسعود: يا أهل القرآن اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها، فإن الله يقول
: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} [آل عمران: 161] فالقوا الله بالمصاحف،
الراوي: زيد بن ثابت - خلاصة الدرجة: صحيح لا يعرف إلا من حديث الزهري - المحدث: ابن العربي - المصدر: أحكام القرآن - الصفحة أو الرقم: 2/ 608
قال النووي: معناه أن ابن مسعود كان مصحفه يخالف مصحف الجمهور
وهذا دليل على ان ابن مسعود رفض حرق مصحفه وحرض على رفض الحرق
وبحق لان مصحفه يحوي العرضه الاخيره التي بدون المعوذتين ويختلف عن الجميع فيبدوا ان العرضه الاخيره تختلف وابن مسعود اعلم بما نسخ وبما بدل
وهذه دلائل توضح مخالفة عثمان لو انه اخذ بمصحف ابن مسعود الذي يحوي العرضه الاخير ولم يحرقه
لكانت المشكله اقل واسهل من ان يحرق مصحف العرضه الاخير
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 11:39 ص]ـ
حرق المصاحِف .. ومُصحف ابن مسعود
نرجو تكرُّماً لا أمراً ...
الإجابة على الأسئِلة التالية بنعم أو لا فقط
التساؤلات الأولى:
1 - هل مُصحف ابن مسعود يحتوي على العَرضة الأخيرة؟!!
يقول السهم:
وبما ان ابن مسعود مصحفه يحتوي على العرضه الاخيره كما راينا فهو اعلم الجميع ما بدل وما نسخ
ويقول:
وهذا دليل على ان ابن مسعود رفض حرق مصحفه وحرض على رفض الحرق وبحق لان مصحفه يحوي العرضه الاخيره
التساؤلات الثانية:
1 - هل مُصحف ابن مسعود هو القرآن الكريم؟!!
2 - أو هل مُصحف ابن مسعود يعني قِراءة ابن مسعود؟!!
3 - أو هل حوى مُصحف ابن مسعود القرآن الكريم كامِلاً؟!!!
التساؤلات الثالثِة:
1 - هل لو صحّ أنه قد حك ابن مسعود المُعوِّذتين من مُصحفِه فهل هذا يعني أن العَرضة الأخيرة كانت بدون المُعوِّذتين؟!!
2 - وهل ثبت أن ابن مسعود لم يُقرىء أحداً بالمُعوِّذتيْن؟!!!
كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى ......
وهذا دليل على ان ابن مسعود رفض حرق مصحفه وحرض على رفض الحرق وبحق لان مصحفه يحوي العرضه الاخيره التي بدون المعوذتين ويختلف عن الجميع فيبدوا ان العرضه الاخيره تختلف وابن مسعود اعلم بما نسخ وبما بدل
التساؤلات الربِعة:
1 - هل رفض ابن مسعود حرْق مُصْحفِهِ لأنه يحوي العَرضة الأخيرة؟!!
2 - وهل رفض ابن مسعود حرْق جميع المصاحِفِ بلا استِثناء أم مُصحفُهُ فقط؟!!
3 - وهل وافقهُ الصحابة وأقرّوه في عدم حرْقِه لمُصحفِه؟!!.
وهذه دلائل توضح مخالفة عثمان لو انه اخذ بمصحف ابن مسعود الذي يحوي العرضه الاخير ولم يحرقه لكانت المشكله اقل واسهل من ان يحرق مصحف العرضه الاخير
التساؤلات الخامِسة:
1 - هل منع عُثمان قِراءة ابن مسعود؟!!
2 - وهل تصرّف عُثمان في نص القُرآن أي تصرُّف إنفرادي؟!!
3 - وهل منع عُثمان القِراءة بأي حرف من الأحرُف فالسبعة؟!
تأكّد يا سهم ان لو معك الحق فسيظهر ..
وتأكّد يا سهم أنها فُرصتك الذهبية لتتعلم الحق الذي لا ولم تقرأه على الإنترنت من قبل ... !
وتأكّد يا سهم أن أي خروج عن الموضوع هو ضعف.
وخُذ راحتك الكامِلة في الرد على التساؤلات بنعم او لا .. فقط .. وبدون تسرُّع ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 11:52 ص]ـ
تغيّبَ المحاوِر المسيحي وانْسَحب .. وأكمل عنهُ آخر ... وخِلالَ هذه الفتْرةِ وصلنا سؤالان:
السؤال الأول: سأل أخٌ مُسْلِم ...
هل أثبتنا قُرآنِيّةُ المُعوِّذتيْنِ من الحديث الصحيح .. الذي رواهُ أُبَيّ؟!!
المُعوِّذتيْن أخي الحبيب ... او أي قُرآن لا يثبُت عن طريق فرْد واحِد .. أي لم نقُل أنهُ قرآن لأنه ثبت عن أبي بن كعْب رضي الله عنهُ فقط ... وإلا لأنفرد كل شخص "بأظن وربما" , وبِما ظنّهُ في نفْسِهِ أنه قُرآناً , ولصار في القرآن ماليْس فيه ...
و إنما نقول هذا قُرآن أولا: بالإجْماعِ والتواتراً (1) ... وتثبُت المُعوِّذتيْن لإجماع جميع الصحابة عليْها , ... فلو خالف ابن مسعود -رضِيَ اللهُ عنهُ - فماذا يضير مخالفته مع إجماع الصحابة أو مع تواتُر قُرآنيّتِها؟!! ..
ثم لو تنزّلنا لهم ... وتركنا التواتُر والإجماع جانِباً ... فلو خالف أحد , أو شكّ في قُرآنِيّتِها .. فيكفي أنه قد صلّى بها الرسول صلى اللهُ عليْهِ وسلّم صلاة الفجْر , وهل يُصلّى بِما ليس قُرآناً؟!! ... وهذا كافٍ لإنهاءِ الجدلِ حوْلَ قُرآنِيّتِها.
ثمّ كيف يجرؤ أحد مِن المُسلِمين على نفي قُرآنيّتِهأ أصلاً ... وقد أجمع جميع الصحابة على نقْلِهِما للتابِعين قُرآناً , فهل تواطئوا على التأليف و الكذِب؟!! .. ثم يختِمُ هذا كُلُّه أن ابن مسعود نفسُه حفّظها وأقرأها لجميع من أخذوا عنه القرآن الكريم .... ونكتفي إلى هنا من التوضيح والتلميح حتى لا نحرق مفاجئات الحق المحفوظة حالياً لِحِوار الفاضِل المسحي "السهم".
______________________
(1) التواتُر: هو نقل الجماعة عن الجماعة بحيث يستحيل تواطُئهُم على الكذِب ... فلو نقل راو واحِد أثراً عن الرسول ولم ينقُلهُ عنه إلا واِحد وهكذا فهنا صِحّة السند تُفيد صِحّة الخبر, ولكِن الخبر الصحيح غير الخبر المُتيقّنُ بِصِحّتِه ... فقد نحتاج إلى اليقين مع الصِّحة ... ولِذا فيكون نقل الجماعة هو اليقين .. حيث يعني أنهم لما يتواطئوا على تأليفِه ونِسبتِهِ إلى الرسول , فيكون التواتُر أي ثبوته عن جماعة كثيرين هو اليقين بحقيقتِه , والقرآن الكريم هو الكِتاب الوحيد في الدُنيا المثبوت بِالتواتُر.
السؤال الثاني:
جائني هذا السؤال على الخاص من أحد الإخوة فيسأل:
الدكتور أمير عبد الله أنا قرأت موضوع مصحف ابن مسعود - ضي الله عنه - ولكن لسوء فهمي أرجو توضيح أمراً لي وهو ما هو الإختلاف بين مصحف عثمان ومصحف ابن مسعود. وشكراً
فكان الرد الذي أحببت أن أشارِككُم فيه للتوضيح , حتى لا يلتبِس الأمر على القارىء الكريم ....
فالفارق بين مُصحف ذي النوريْنِ عُثمان بن عفان .. ومُصحف ابن مسعود -رضي اللهُ عنهما - كبير:
1 - فمُصحف عُثمان يُراد به القرآن الكريم كامِلاً , أما مُصحف ابن مسعود فقد كتب فيه ما سمِعه فقط من الرسول مُباشرة وخشي ان ينساه ...
2 - مُصحف ابن مسعود حوى بِضع وسبعون سورة سمِعها مُباشرة من فمِ رسول الله في حين كان مُصحف عُثمان يحوي القرآن الكريم كامِلاً كما قرأهُ رسول الله وجمهور الصحابة.
3 - مُصحف عُثمان كُتِب بعد العَرضة الأخيرة على رسول الله وبعد انتهاء الوحي القرآني كامِلاً وبعد الإستِقرار على الناسِخ والمنسوخ , في حين مُصحف ابن مسعود كُتِب قبل العَرضة الأخيرة وكُتِب مُنذ القِدم في أوائل زمان نزول القرآن , مما جعله قد يفتقِر لآيات نزلت فيما بعد أو أن يكون شيء طبيعي وجود سُوَر لم تكتمِل بعد في مُصحفِه ..
4 - مُصحف عُثمان أجمع عليْه جميعُ الصحابة بلا خِلاف بينهُم , فقد كُتِب في وجودِهِم وبِشهادتِهِم , في حين كان ابن مسعود يكتُب مُصحفه بنفسه مما يسمعه من النبي مباشرة اما في خُطبِهِ او بعد الصلاة .. وبالتالي يكون عُرضة للخطأ بسبب عدم المراجعة.
(يُتْبَعُ)
(/)
5 - مُصحف عُثمان شارك في كِتابتِهِ جميع الصحابة منذ عهد أبي بكر وإلى عهد عُثمان , حين جمعه أبو بكر في الصُحُف في وجود الصحابة و شاهِدين على كل آية , ثم نسخه عُثمان من صُحُف ابي بكر بيد من كتبوه انفُسُهم , ثم مُشاركة و مراجعة 12 صحابياً معه , ثم راجعه عُثمان بن عفان نفسه وقد كان هو أيضاً كاتِباً لوحي الرسول فراجعهُ اربع مرات , ولكِن لم يُراجِع أحد لابن مسعود ما كتبه .. من راجع ماكتبهُ ابن مسعود؟!! .... إذاً مُصحف عُثمان مكتوب بالإجماع ومُصحف ابن مسعود انفرد هو وحده بكتابته وهل يثبُت قرآن بالإنفراد؟! .. لا .. القرآن يثبُت فقط بالإجماع.
6 - مُصحف عُثمان كُتِب كامِلاً على القِراءة العامة التي قرأ بِها جمهور الصحابة وأجمعوا عليْها بِما فيهِم ابن مسعود , أما مُصحف ابن مسعود فقد كتب فيه بعض القرآن على ما قد يكون نُسِخ أوعلى ما يُحمل كتفسير , وعلى ما اختصّهُ بِهِ الرسول من بعض الأحرُف السبعة التي تتناسب مع لهجته لأنه كان من هزيل.
7 - مُصحف ابن مسعود لم يوجد بين أيدينا تاريخياً أصلاً وكثًرت الروايات المُتناقِضة حوْله حتى ان ابن النديم يقول انه وجد العديد من المصاحِف المكتوبة وكل يزعُم صاحِبُها انها لابن مسعود وتختلف جميعها فيما بينها في ترتيب السُور ... في حين جميع المصاحِف المنسوخة التي وصلتنا هي على ترتيب وخط عُثمان بن عفان.
8 - مُصحف ابن مسعود قد يكون حوى بجانِب القرآن تفسير او شرح او خِلافه , لأن المصحف لم يكُن يُطلق على القرآن فقط وإنما على أي كِتاب في زمانِهِم , أما بعد جمع عُثمان فقد اقتصر إطلاق المُصحف على الكِتاب المجموع فيه القرآن الكريم كامِلاً وفقط ... !
9 - أن ناسِخ المُصحف وكاتِبه لعُثمان - رضِيَ اللهُ عنه - هم كتبة الوحي , وكتبة الوحي هم أعلم بما هو مكتوب وكيفية كِتابتِه , فقد نقلوا الوحي كما كتبوه في الصُحُف على عهد أبي بكر ومن الصُحُف نسخوها في المصاحِفِ في عهد عُثمان ... وهم أولى بِكِتابتِه لأنهم هم الذين عدّل لهم الرسول ما كتبوا فكان يقول لهم اعيدوا القراءة علي فيُقوِّم ما فيها مِن عوج , في حين ان ابن مسعود بجلالة عِلمه و صُحبتِه ومالهُ مِن فضل لم يكتب للرسول و لم يُقوِّم له الرسول كِتابته.
10 - جميع الصحابة اعترضوا على تحيُّزِ ابن مسعود لمُصحفِهِ وأنه لم يُرِد حرْقهُ , في حين أنهم باركوا جميعاً بلا منازع جمع عُثمان ... لأن مُخالفة ابن مسعود نشأت عن أمور:
- مخالفته في رفضه أن يختار عُثمان زيد بن ثابِت لكتابة المصحف .. فقد كان ابن مسعود رضي اللهُ عنه يرى أنه الاحق بالإختيار فهو الأعلم بتفسير القرآن وعلومِه ... و الاكبر سِنّاً و الأقدمُ اسلاما من زيد الذي كان طِفلاً يهودياً في المدينة.
- مُخالفتُهُ لهم في حرق مُصحفِهِ .. لاعتِزازِهِ بِما أخذهُ مُباشرة مِن فم رسول الله ولم يضع في الحُسبان أن رسول الله كان يُقْرِئُهُ بِما يُناسِب لسان ابن مسعود , ولم يُفرِض عليْنا القرآن بقراءة هزيل , وإنما عمّمه الرسول على الصحابة بالقراءة التي نُسِخت في مصاحِف عُثمان .. بل مِن قبل عُثمان , أرسل عُمر بن الخطاب إلى ابن مسعود ان لا تُعلِّم الناس في الكوفة بقراءة هزيل فلم ينزِل القرآن على هزيل ... !
- مُخالفتُهُ في اعتِزازِه بما أخذه مُباشرة عن رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم , ولم يُراعي أموراً كالفتنة الناجِمة عن ذلِك خاصة وان هناك من الآي ماهو منسوخ أو كُتِب على التيسير وأن من المُسلِمين الجُدد من وقع في فِتنة التكفير و الإقتِتال.
11 - أجمع الصحابة على خطأ ابن مسعود , ورجِع رضي اللهُ عنه عما فعل و أقرأ التابِعين جميعاً بقراءة المُسلِمين العامة ..
إن رأيت كل ماسبق وجدت ان ابن مسعود نفسُه ايضاً لم يعترِض على القراءة العامة و جمع عُثمان للقرآن لأنه نفسُه قرأ بِها وأقرأ من أخذ عنه القرآن بها , ولكِنه اعترض في اول الأمر ظانا أنهم سيفرِضوا عليه قراءة زيد , واعترض ظانا أنهم أهملوا عِلْمه واعترض اعتِزازاً وتيمُّناً بِما أخذه مِن الرسول ولم يُرِد أن يحرِق شيئاً خصّهُ بِهِ الرسول وكتبهُ عنه ....
وزيْدُ ابن ثابِت أولى في كِتابة المُصحفِ من ابن مسعود رضي اللهُ عنهُما , لأننا حين نُريد كِتابة كِتاب فإننا نبحث عن ناسِخ جيِّد وكاتِب ولا نبحث عن الأكثر عِلْماً أو دِراية بالتفسير او خِلافه ... فالمُفسِّر نحتاجه في التفسير وليس الكِتابة , والكاتِب نحتاجه في الكِتابة وليس التفسير , و أولى الصحابة بنسخ ما كُتِب من وحي في العسب و الرق إلى الصُحُف في زمان أبي بكر هو من كتبها وكاتب الوحي الأصلي وهو زيد , وأولى الصحابة في نسخ الصُحُف التي كُتِبت زمان أبي بكر في مصاحِف عُثمان هو كاتِبِها وهو زيد بن ثابِت أيضاً .. فهو الأعلم بِما كتبه في زمان الرسول وزمان أبي بكر , فنسخُهُ لهم في زمان عُثمان أولى به مِن غيرِه.
رضي الله عنهُم جميعا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 11:58 ص]ـ
نصْراني آخر .. يُكْمِلُ الحوار للنهاية ...
بعد إذنكم أشارك في هذا الموضوع
التساؤلات الأولى:1 - هل مُصحف بن مسعود يحتوي على العُرضة الأخيرة؟!!
نعم التساؤلات الثانية:1 - هل مُصحف بن مسعود هو القرآنالكريم؟!! 2 - أو هل مُصحف بن مسعود يعني قِراءة ابن مسعود؟!! 3 - أو هل حوى مُصحف بن مسعود القرآن الكريم كامِلاً؟!!!
نعم، أليس لفظ مصحف مرادف للفظ قران
التساؤلاتالثالثِة:1 - هل لو صحّ أنه قد حك ابن مسعود المُعوِّذتين من مُصحفِه فهلهذا يعني أن العُرضة الأخيرة كانت بدون المُعوِّذتين؟!! بالطبع، نعم2 - وهل ثبت أن ابن مسعود لميُقرىء أحداً بالمُعوِّذتيْن؟!!!
نعم،فكيف يقرىء احد بالمعوذتين وهو ينكر قرآنيتهما؟! ٍالتساؤلات الربِعة:
1 - هل رفض ابن مسعود حرْق مُصْحفِهِ لأنه يحويالعُرضة الأخيرة؟!!
2 - وهل رفض ابنمسعود حرْق جميع المصاحِفِ بلا استِثناء أم مُصحفُهُ فقط؟!!
3 - وهل وافقهُ الصحابة وأقرّوه في عدم حرْقِهلمُصحفِه؟!!.
...................
التساؤلات الخامِسة:
1 - هل منع عُثمان قِراءة ابن مسعود؟!!
2 - وهلتصرّف عُثمان في نص القُرآن أي تصرُّفإنفرادي؟!!
3 - وهل منع عُثمان القِراءة بأي حرف من الأحرُف فالسبعة؟!
........................
اذن فابن مسعود رضى الله عنهكان فى بداية الامر يظن ان المعوذتين مجرد ذكر عنرسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذبهما صباحا ومساءا ودبر كل صلاة وعند مرضهوعند نومهوليس بقرآن والحامل له على ذلك امور
كلامك يفتقد للدليل
أين كلام ابن مسعود بأنه كان يظن ان المعوذتين مجرد ذكر عن نبي الإسلام؟
************
تدخل إشرافي:
رجاء التزام رقي الحوار
في حب الله
اذن لم ياخذ كل القران من فى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل اخذه عنه سبعين سورة
هل معقول ان يكون احد من صحابة نبي الإسلام ولا يعلم بالقران كاملا؟!
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 12:01 م]ـ
أرى هنا تبادل أدوار ... السهم يختفي ويُكمِل عنهُ مؤمِن جِداً بمسيحيته ... فلرُبما استطاع مؤمِن أن يقِف على مالم يقف عليهِ السهم .. مرحباً بِك في الحِوار ... حوار الحق ... يا مؤمِن ... !
_________________
لم أكُن أحتاج أكثر من أن يُجِيب على هذه الأسئِلة أي محاور مسيحي , فاجاباتهم تقريبا واحدة , ولن تختلِف أبداً ... فجميع إجاباتِهِم ستعتمِد على الصورة المشوهة التي انتشرت بينهم جميعا , فهي الحيل الكنسية لابعاد ابنائِها عن الحق وعن دين الإسلام بتشكيكهم في القرآن الكريم .. !!
فتارة يُروِّج المسيحيين فكرة ان الروحانية في القرآن تعود الى كونه منقولاً من الانجيل , وتارة أخرى بأن محمد - صلى الله عليْهِ وسلّم - نقل من الرهبان , وثالثة بان الإسلام ماهو إلا هرطقة مسيحية , وإن فشلت كل ادِّعائاتِهِمُ السابِقة , فإنه لا يبقى إلا التشكيك في أصالة النص القرآني , معتمدين على المغالطات و التحوير , دون أي دليل إلا اللهم الأكاذيبُ و الأباطيل .. !
وتساؤلاتي أعلاه جمعت جميع الأكاذيب التي راجت بينهم , وانتظرلات أن يُجيبني عليها جميعاً السهم بنعم ... حتى اناقشها مع أي مسيحي ولنرى معاً حقيقة ما تجرّعهُ من ادعائات أهل مِلّتِه ...
وقد كفى مؤمن جداً باقي المسيحيين مؤنة الرد , والبحث .. ونسأل الله تعالى أن يُرينا الحق حقاً ويرزُقنا اتباعه ... آمين.
______________________
والآن سأكتفي هذه الليلة لضيق الوقت .. باعطاء درجة لإجابات مؤمِن على كُل سؤال:
اقتباس:
التساؤلات الأولى:1 - هل مُصحف بن مسعود يحتوي على العَرضة الأخيرة؟!!
نعم
وهذه الإجابة خاطِئة .....
وعليها يكون الموضوع الأول .... في الحِوار هو:
مُصحف ابن مسعود هل حوى العَرضة الأخيرة .... ؟!!
اقتباس:
التساؤلات الثانية:1 - هل مُصحف بن مسعود هو القرآنالكريم؟!! 2 - أو هل مُصحف بن مسعود يعني قِراءة ابن مسعود؟!! 3 - أو هل حوى مُصحف بن مسعود القرآن الكريم كامِلاً؟!!!
نعم، أليس لفظ مصحف مرادف للفظ قران
وكأن مؤمِن يتعمّد إيقاع نفسِهِ وأهل مِلّتِهِ في الخطأ .. !!
وبالتأكيد شتان ما بين المُصحفِ والقُرآن .. !!
وهذا الموضوع الثاني ..
اقتباس:
التساؤلاتالثالثِة:1 - هل لو صحّ أنه قد حك ابن مسعود المُعوِّذتين من مُصحفِه فهلهذا يعني أن العَرضة الأخيرة كانت بدون المُعوِّذتين؟!!
بالطبع، نعم
وهذه الإجابة خاطِئة .... ونؤكِّد:
بل كانت العَرضة الأخيرة بالمُعوِّذتيْنِ .. !!
اقتباس:
2 - وهل ثبت أن ابن مسعود لم يُقرىء أحداً بالمُعوِّذتيْن؟!!!
نعم،فكيف يقرىء احد بالمعوذتين وهو ينكر قرآنيتهما؟! ٍ
وهذه الإجابة رجم بالغيب بلا دليل ... وهي إجابة خاطِئة
وعليها يكون موضوع حِوار هذه النُقطة هو:
إثبات أن ابن مسعود أقرأ المُعوِّذتيْن ... !
اقتباس:
التساؤلات الربِعة:
اقتباس:
1 - هل رفض ابن مسعود حرْق مُصْحفِهِ لأنه يحوي العَرضة الأخيرة؟!!
2 - وهل رفض ابنمسعود حرْق جميع المصاحِفِ بلا استِثناء أم مُصحفُهُ فقط؟!!
3 - وهل وافقهُ الصحابة وأقرّوه في عدم حرْقِهلمُصحفِه؟!!.
...................
نحتاج إجابة المؤمِن المسيحي على هذه التساؤلات ... !!!
اقتباس:
التساؤلات الخامِسة:
اقتباس:
1 - هل منع عُثمان قِراءة ابن مسعود؟!!
2 - وهلتصرّف عُثمان في نص القُرآن أي تصرُّف إنفرادي؟!!
3 - وهل منع عُثمان القِراءة بأي حرف من الأحرُف فالسبعة؟!
........................
نحتاج إجابة المؤمِن المسيحي على هذه التساؤلات ... !!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 12:04 م]ـ
وضعتُ جميع التساؤلات أعلاه , وإجاباتُها الصحيحة جميعاً هي:
- لا لكل نعم يقولها المسيحي ..
- ونعم لكُل لا يقولها المسيحي ..
وهكذا يبدأ الحِوار بمُجرّد ظهور الإختِلاف بين المحاوِريْن في النعم واللا ... وعليْهِ يكون الحِوار مُتمركِزاً في نِقاط ... وتكون مسئوليتي وامانتي في الحِوار هو إثبات كل ما ادعيتُه أنا ونفيُ ما ادّعيتُهُ أنت , وتكون مسئوليتكُ أنت إثبات صِدق ما ادّعيتهُ أنت ونفي ما ادّعيتُهُ انا ...
نِقاط الحِوار:
1 - إثبات أن مُصحف ابن مسعود يختلِفُ عن قِراءة ابن مسعود.!
2 - إثباتُ أن مُصحف ابن مسعود لم يحوِ العُرضة الأخيرة بينما حوت قِرائتُهُ العَرْضة الأخيرة ... !!
3 - إثبات أن ابن مسعود أقرأ تلامِذتهُ بقراءة العَرضة الأخيرة و التي تتفِق مع إجماع الصحابة والرسم العُثماني.
4 - أخيراً إثبات حقيقة محو المُعوِّذتيْنِ مِن مُصحفِ ابن مسعود ... !
وبإثبات جميع ما سبق ... تنتهي الشُبهة للأبد ... وتكون وقتها أنت بِحاجة إلى مُراجعة ما يُروِّجُهُ لكم أبناءُ مِلّتِكُم , أليْس كذلِك يا مؤمِن مسيحي؟!! ... أما بعدم إثباتِي ما سبق , وإثباتُك أنت لإجاباتِك .. فسيكون الحقُّ معك أنت يا مؤمِن مسيحي , مُتّفِقون؟!!
إذاً معيار الصواب و الخطأ
هو القُدرة على الإثبات والنفي في كل موضوع من المواضيع السابِقة ... إن اتفق معي مؤمن مسيحي فليُشارِك برسالة موافقة على ذلِك ... لِنبدأ الحِوار.
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 12:05 م]ـ
تدخل إشرافي:
رجاء التزام رقي الحوار
في حب الله
: x000: انا لم اخرج عن اداب الحوار
هل قولي انه جاء له في المنام فيه خروج، انتم تقولون اكثر واكثر من ذلك ورغم ذلك لا اجد تتدخل من الاشراف
إذاً معيار الصواب و الخطأ
هو القُدرة على الإثبات والنفي في كل موضوع من المواضيع السابِقة ... إن اتفق معي مؤمن مسيحي فليُشارِك برسالة موافقة على ذلِك ... لِنبدأ الحِوار.
بالطبع موافق فقد سبق وان طلبت الحور ولم اجد قبول
لكن انا بدخل النت كل كام يوم بسبب ظروف عملي فانا دائما التنقل
فلا يفسر تاخيري هروب كالعادة
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 02:37 م]ـ
على بركة الله ..... الأستاذ الفاضِل مؤمِن مسيحي ... نبدأ بِداية خفيفة .... وهي توضيحُ نُقطة غابت عنكُم , وهذه النقطة أن:
منظور المُسلِمين لمفهوم لفظة "المُصحف " ... قبل الجمع العُثماني يختلِف عنه بعد الجمع العُثماني ....
فالمصحف هو مجموعة صُحُف جُمِعت مع بعضِها ... ويُمكِن ان يكون قُرآناً أو غير قُرآن ... وهنا نُحيل الأستاذ مؤمن مسيحي إلى هذا الرابِط:
المُصحف و القرآن الكريم ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=79403)
( تغيُّر المعنى المًُراد بالمُصْحف قبل الجمْع العُثماني و بعْده) ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=79403)
وبعد إنتهائِك مِن قِرائتِه وإدراك ما نحنُ عليْهِ كمُسلِمين والإتفاق على خطوط عريضة نبدأ منها , سيكون الحِوار مُثمِراً بعد ذلِك في كُل شيء إن شاء الله تعالى ... وإن اتفقت معنا أن مفهوم المُصحف قبل الجمع العُثماني يختلِف عنه بعده ... فإننا بِذلِك نُكمِل حِوارنا إن شاء الله تعالى , عن مُصحف ابن مسعود ... وأتمنى أن تُبكّر في الرد عليّّ اليوم الجُمعة , فهو عُطلة كافية للحوار المُثمِر لي ولك.
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:03 م]ـ
المُصحف و القرآن الكريم
(تغيُّر المعنى المًُراد بالمُصْحف قبل الجمْع العُثماني و بعْده)
أهمية وهدف الموضوع:
الإخوة الأحباب الهدفُ مِن هذا الموضوعِ هو الوعْيُ بفارِق هام جِداً لايعرِفه مِنّا الكثيرون ... وهو التفريق اللغوي بيْن لفظتي المُصحف و القرآن الكريم ... للوعي بِخُبث وتلاعُب المُشكِّكين ... لأننا وإن كُنّا اليوم نُطلِق لفظ المُصحف فإن السامِع مهما كانت ديانتُه لن يتوجّه فِكْرُه إلا إلى كتاب واحِد فقط وهو القُرآن الكريم. إلا أن هذا لم يكُن هو الحال قبل نسْخ عُثمان بن عفّان للقُرآن الكريم كامِلاً في مُصحف واِحِد .. لم يكُن الحالُ كذلِك .. فتنبّه إلى هذه النقطة ومُغالطات المُشكِّكين.!
المُصحف قبل جمع عُثمان لم يكُن يُرادُ بِهِ القُرآن:
(يُتْبَعُ)
(/)
فالمُصحف: هو كل مجموع من الصُحُف أُصحِفت أي جُمِع بعضُهُ إلى بعْض في مُجلّد واحِد بين دفّتيْن ..
والمُصْحَفُ، مُثَلَّثَةَ الميم، من أُصحف، بالضم: أي جُعلت فيه الصحفُ [1] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn1) المكتوبة بين الدفتين، وجُمعت فيه. [2] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn2) ويُنطق بِلغة تميم بالكسر "المِصْحَف"، بكسر الميم، لأنه صُحُف جُمعت فأخرجوه مُخْرَجَ مِفْعَل مما يُتعاطَى باليد. [3] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn3)، وأهل نجد يقولون: المُصحف، بضم الميم، لغة علوية، كأنهم قالوا: اصْحِفَ فهو مُصْحَف، أي جُمع بعضه إلى بعض. [4] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn4)
وجاء في المعجم الوسيط: المُصحف: أصحف الكتاب و جمعه صحفا و المصحف: مجموع من الصحف، في مجلد، وغلب استعماله في القرآن الكريم [5] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn5).
وقال الشيخ عبدالله بن يوسف الجديع [6] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn6) : " المصحف: وهي تسمية ظهرت بعد أن جُمع القرآن في عهد الصديق، كما سيأتي شرحه؛ ولم يثبت حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله في إطلاق هذه التسمية على القرآن المجموع فيما بين الدَّفَّتين، لأنه لم يكن في عهده بين دفتين على هيئة المُصحف؛ وتسمية المصحف جاءت من الصُّحف التي جُمع بعضها إلى بعض فأصبحت على هيئة الكتاب." [7] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn7)
وجاء في حلية الأولياء [8] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn8) عن يزيد بن ميسرة أنه قال: (إن حكيماً من الحكماءِ كتبَ ثلاثَمِئَة وستينَ مصحفاً، حِكَماً، فبعثها في الناسِ فأوحى الله تعالى إليه: إنكَ ملأتَ الأرضَ بَقاقا، وإنَّ اللهَ تعالى لم يقبلْ من بَقاقِك شيئاً). [9] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn9)
وقال ابن عبد البر في القصد والأمم: (من جملة ما وجد في الأندلس اثنان وعشرون مصحفاً محلاة، كلها من التوراة، ومصحف آخر محلى بفضة ... وكان في المصاحف مصحف فيه عمل الصنعة وأصباغ اليواقيت). [10] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn10)
المصاحِف إذاً المنسوبة للصحابة لا يُطْلقُ عليْها القرآن الكريم:
جاء في صحيح البُخاري .. "وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة البُخاري " ... وهنا اطلِق لفظ المصاحِف على الصُحُف المجموعة ولم يكُن فيها أي قُرآن بعد.
جاء في نفس الحديث ... " وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أومصحف أن يحرق " إذاً فقد فرّق بين القرآن و المُصحف ... فالقُرآن يُكتبُ في المُصحف او في الصُحُف ..
فقد كان لفظ المُصحف يُطلق إذاً على أي مجموع من الصُحُف وُضِعت بين دفّتيْن ... وهذا فيهِ من الأهمية الكُبرى الكثير , لأن بهذه النُقطة يُحاوِل المُشكِّكون إدِّعاء أن ألفاظاً مِثْل: مُصحف أبي و مُصحف ابن مسعود ومُصحف فاطِمة كما عِنْد الشيعة ... إلخ , ماهي إلا القرآن الكريم وهذا خطأ و فُحش .. ثم يتلاعب المُنصِّر أو المُشكِّكُ بالألفاظ فيدّعي أنه كان هناك قرائينُ مُتعدِّدة .. موهِماً أن معنى مصاحِف أي قرائين .. !!
و الحقيقة هي أنها كُتُب كثيرة كُتِب فيها تفاسير وشروح و نصوص قُرآنية قلّت أو كثُرت, ولم تقتصِر المصاحِف على القُرآن الكريم وحده بل كان هناك مصاحِف إنجيلية , ومصاحِف شِعرية , ومصاحِف تخُص أفراد باعيُنِهِم يُدوِّنون فيها ما يسمعونه أو يخشوْن ضياعه.
(يُتْبَعُ)
(/)
لم تكُن المصاحِف إذاً هي القُرآن الكريم وإنما كان مِمّا كُتِب فيها بعضٌ مِن القُرآن الكريم .. فكتب كُل صحابي مِنهم بمِقدار ما سمِعهُ وعلى الحرف الذي سمِعهُ مِن رسول الله صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم .. لكِن لم يُطلق على أي مُصحف مِن مصاحِفِهِم قط أنهُ القُرآن الكريم.
وقد كانوا يُدوِّنون في مصاحِفِهِم هذه ما قد يُساعِدُهُم على الحِفْظِ و الإستِذكار ... فمِنهم من أخطأ في الكِتابة ومِنهم من كتب ما صار منسوخاً ومِنهم من كتب تفسيراً أو حديثاً ... وجميعُهُم لم يكتُب القرآن الكريم كامِلاً ولا بِعُرضتِهِ الأخيرة ... لِذا لا يُمكِن ان يُطلق على تِلك المصاحِف أنها القُرآن وإنما بكُل بساطة هي كتابات و كُتُب الصحابة ومُدوّناتُهُم الخاصة.
وأخيراً نرى أن نُوضِّح في عُجالة الفرق بين الكتاب والمصحف:
فالكتاب يكون ورقة واحدة ويكون جملة أوراق، والمصحف لا يكون إلا جماعة أوراق صحفت أي جمع بعضها إلى بعض، وأهل الحجاز يقولون مصحف بالكسر أخرجوه مخرج ما يتعاطى باليد وأهل نجد يقولون مصحف وهو أجود اللغتين، وأكثر ما يقال المصحف لمصحف القرآن " [11] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftn10)
وأخيراً خُلاصة التمييز بين كلمتي مُصحف كما نعرِفُها اليوم وكما كان يُعرَف قبل الجمع العُثماني هو أن:
المُصحف في الماضي هو أي كتاب يتكون من صُحُف فيه قُرآن أو غيره , ولم يكُن أي مُصحف فيهم هو القرآن الكريم ... أما اليوم وبعد جمع القرآن في مُصحف واحِد .. فقد اقتصر الإسمُ على القرآن الكريم , وصار المُصحف لا يُطلق إلا على القُرآن الكريم فقط.
و الآن نختِمُ بتعريف المُصحف اليوم والمُختلِفِ تماماً عن حقيقتِهِ اللغوية في السابِق ... فنقول:
المُصحف اليوم: هو الِكِتاب الذي يحوي بين دفّتيْهِ القُرآن الكريم وحي الله المجموع كامِلاً كما أنزِل على رسُولِه صلى الله عليْهِ وسلّم منقولاً كما هو حرْفاً حرْفاً مما اتّفق سماعاً مع العُرضة الأخيرة وأقرّهُ صحابة رسول الله و كُتِب على الخط الذي كتب بِهِ كتبةُ الوحي مُستوعِباً ماتيسّر مِما أقرّه النبي مِن قِراءات , و في وجود الشهود من الصحابة العدول نُسِخ إلى الصُحُف البكرية على عهد أبي بكْر مِن السطور و مِن الصدور كما أنزِل , و في وجود الشهود من الصحابة العدول نُسِخ مِن الصُحُف البكرية إلى المصاحِف العُثمانية على عهد عُثمان , ومِن مصاحِف عُثمان إلى الامصار نُسِخت في جميع مصاحِف الدُنيا إلى اليوم ...
ويظلُّ إلى أبد الآبِدين القرآن المحفوظ في الصدور و المنقول بالتواتُر مِن صدر إلى صدْر هو الحاكِمُ على سلامة المُصحف مِن أخطاء الكتبة و المُحرِّفين. ولِذا لا نعجبُ أبداً إن استطاع طِفْل في السابِعة من العُمر أن يستخرِج أي خطأ مكتوب في آية قُرآنية ويُشير إليها بالبنان ... وهذا حِفظُ ووعْد الله وصدق اللهُ العظيمُ إذ يقول:" إنّا نحنُ نزّلنا الذِّكْر وإنّا لهُ لحافِظون " ... وصدق الله العظيم الذي تنبأ لرسولِه بما سيكون له مِن دِقّة جمع فقال: " إنّا عليْنا جمعهُ وقُرآنَه" ..
_____________________________________
[1] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref1) القاموس المحيط للفيروز أبادي
[2] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref2) تاج العروس
[3] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref3) جمهرة اللغة: ح ص ف.
[4] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref4) نفسُه
[5] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref5) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار المعارف، ط 32، 1/ 527.
[6] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref6) نقلاً عن لسان المُحدثين.
[7] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref7) المقدمات الأساسية في علوم القرآن , ص12
[8] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref8) حلية الأولياء 5/ 237
(يُتْبَعُ)
(/)
[9] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref9) نقلاً عن لسان المُحدثين.
[10] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref10) نفسُه
[11] ( http://www.imanway1.com/horras/newthread.php?do=newthread&f=17#_ftnref11) الفروقات اللغوية 1/ 447.
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:06 م]ـ
رد النصْراني ...
على بركة الله ..... الأستاذ الفاضِل مؤمِن مسيحي ... نبدأ بِداية خفيفة .... وهي توضيحُ نُقطة غابت عنكُم , وهذه النقطة أن:
منظور المُسلِمين لمفهوم لفظة "المُصحف " ... قبل الجمع العُثماني يختلِف عنه بعد الجمع العُثماني ....
فالمصحف هو مجموعة صُحُف جُمِعت مع بعضِها ... ويُمكِن ان يكون قُرآناً أو غير قُرآن ... وهنا نُحيل الأستاذ مؤمن مسيحي إلى هذا الرابِط:
المُصحف و القرآن الكريم ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=79403)
( تغيُّر المعنى المًُراد بالمُصْحف قبل الجمْع العُثماني و بعْده) ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=79403)
وبعد إنتهائِك مِن قِرائتِه وإدراك ما نحنُ عليْهِ كمُسلِمين والإتفاق على خطوط عريضة نبدأ منها , سيكون الحِوار مُثمِراً بعد ذلِك في كُل شيء إن شاء الله تعالى ... وإن اتفقت معنا أن مفهوم المُصحف قبل الجمع العُثماني يختلِف عنه بعده ... فإننا بِذلِك نُكمِل حِوارنا إن شاء الله تعالى , عن مُصحف ابن مسعود ... وأتمنى أن تُبكّر في الرد عليّّ اليوم الجُمعة , فهو عُطلة كافية للحوار المُثمِر لي ولك.
شكرا يا دكتور امير
لقد قرأت موضوع الرابط
ولم اتكبر في اعلان انني اول مرة عرف هذا الحكي
هو ان لفظي قران ومصحف غير مرادفين
وان كل مصحف ليس قران وانما كل قران فهو مصحف
ووفقا لما طرحته حضرتك فلا املك الا الموافقة عليه
وقبل اكمال الحوار رجاء ان يكف من يقلل من شأني والا سوف اترك المنتدى
انا عندما اقتنع بشيء باعلن ذلك واقول كلمة الحق الذي امرني بها الرب يسوع
وشكرا
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:08 م]ـ
أشكُرك يا أستاذ مؤمِن ... لأن أحايين كثيرة ما يقرأ العضو المسيحي الشيء , ويُعانِد فيه ويُكابِر عليه , ويُصِر على الهجوم بغرض الهجوم ... وهذا ليس في صالِحِه .. ولا في صالِحِ دعْواهُ غن كان يُريدُ حقّاً ... بل وليس مِن المنطِق و المعقولِ في شيء , أن تتّهِم المُسلِم بما فهِمتهُ أنت .. وليس بحقيقة ما يقولُهُ المُسلِم.
فالقاعِدة هي أن تتّهِمنا بحقيقة ما نقولهُ نحن , ولا علاقة لنا بحقيقة ما فهِمتهُ أنت ... !
ولِذا حقيقة أنا أشكُرك يا أستاذ مؤمِن .... فباإقرار الإقتِناع بهذه النقطة
فانت مِن الصنف الذي يُهاجِم المُسلِمين مِن لِسانِهِم , وليس ممن يُهاجِمون بناءاً على سوءِ فهمهم هم.
وبِِما أن سعادتك .. قد قرأت هذه النُقطة جيِّداً ... وعرفت الفارٍِق بين القرآن و المُصحف ... فإن مُشكِلة مُصحف ابن مسعود تتقلّصُ فوارِقُها بيننا في الحديث ... بل رُبما مع إكمال الحديث ستُدرِك أنها لا وجود لها ....
فانت تتفِق معي إذاً الآن أن:
مُصحف ابن مسعود لا يعني القرآن الكريم كامِلاً ...
كما هو مفهوم المُصحف اليوم .. وهذه أول نُقطة .. وأهم نُقطة ..
ومِن هنا نخرُج بالنتيجة الأولى:
وهي مِن حُكمِك أنت , بِنفسِك يا مسيحي مؤمِن: أن مالم يُكتب في مُصحف ابن مسعود لا يُشترط أن يكون إنكاراً للقرآنية ... لأن المصاحِف قبل الجمع العُثماني لم يُشترط أن تحتمِل القُرآن كُلّهُ ... وهذه أهم وأول نتيجة ...
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:09 م]ـ
مُصحف ابن مسعود كأي مُصحف قبل الجمع
لا يُشترطُ فيه أن يحوي القُرآن الكريم كُلّهُ
ويبقى حقُّك عليّ وهو إثباتي لك بالدلائِلِ أن مُصحف ابن مسعود لم يكُن هو القُرآن الكريمُ كامِلاً .... بل ولم يحوي العرضة الأخيرة كامِلة ....
أولاً: مُصحفُ ابن مسعود يحوي سبعين سورة فقط من رسول الله .. في حين أن عدد السُور 114 سورة .... !!!!!
لقد حوى مُصحف ابن مسعود سبعين سورة سمِعها مِن فيِّ (فم) رسول الله .... وهذا باعتِرافِهِ هو .... في حين أن عدد سُور المُصحفِ المأخوذة عن رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم هم 114 سورة .. !!
ففي الحديث الذي رواهُ عمرو بن شرحبيل:
(يُتْبَعُ)
(/)
" .... وحذيفة يقول لابن مسعود ادفع إليهم هذا المصحف .. قال والله لا أدفعه إليهم أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ثم أدفعه إليهم والله لا أدفعه إليهم " (1)
وعن ابن مسعود: رضي الله عنه أنه قال:
"والله لقد أَخذتُ من في رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة" (2).
بل يقول في رواية أخرى:
"وأخذت بقية القرآن عن أصحابه" (3)
ثانياً: أنه لم يكتُب فيه الفاتِحة , في حين أن الفاتِحة هي أصل الصلاة وعِماد الدين ...
والصلوات الخمسة واجِب قراءة الفاتِحة فيها وإما تكون لست مُسلِماً , لأن لا صلاة إلا بالفاتِحة ... ومع ذلِك لم يكتُبها ولم يُثبِتها في مُصحفِه ...
فعن ابن سيرين أن أُبَيَّ بن كعبٍ وعثمانَ كانا يكتبان فاتحة الكتاب والمعوذتين، ولم يكتب ابن مسعودٍ شيئًا منهن. (4)
ثالِثاً: ابن مسعود كتب في مُصحفِه ما سمِعهُ من الرسول في الصلاة ... في أول نزولِ الوحي ... ودليلُنا على ذلِك:
روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ:
لِمَ لَمْ تكتب الفاتحة في مصحفك؟ فقال: لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة. (5).
فدل ذلِك أن:
1 - مُصحفه لم يحوي القُرآن الكريم كامِلاً ...
2 - بل يُستفادُ مِن هذه الرِّواية أنه لم يكتُب في مُصحفِهِ إلا ما سمِعهُ مِن رسول اللهِ في الصلاة ... لأن الفاتِحة تُقرأ في الصلاة قبل كُل سورة ... ولِذا قال: "لو كتبتها لكتبتها في أول كل سورة " من السُور التي دوّنها في مُصحفِه ...
3 - ودلّ على أنه لم يكتُب ماهو يسيرُ الحِفظ ولا عُرضة لِنِسيانِه.
3 - رابِعاً: لم يكتُب الفاتِحة برغم سماعِها من الرسول ورغم إيمانِهِ بقُرآنيتها .. وهذا فيه دليل جازِم على أن عدم كِتابتِهِ للمُعوِّذتيْنِ لا علاقة له بِإثبات القُرآنيّة أو نفيِها.
فابن مسعود ما كتب الفاتِحة و مِقدار سبعين سورة لم يسمعها مِن الرسول .. ومع أنه يؤمِن بِقُرآنيتهم ... فهذا فيه دليل جازِم على أن عدم كِتابتِهِ للمُعوِّذتيْنِ لا علاقة له بِالقُرآنيّة أو عدمِها.
مِما سبق نخرُج بالنقاط التالية:
1 - لم يُشترَط في المصاحِف أن تحوي القُرآن الكريم كامِلاً.
2 - مُصحف ابن مسعود كباقي المصاحِفِ في زمانِهِ لم يحوِ القُرآن الكريم كامِلاً.
3 - مالم يُدوِّنه ابن مسعود في مُصحفِهِ لا يعني نفي قُرآنيّتِهِ.
أخيراً أتوقّف إلى أن أستمِع
إلى تعليق مؤمِن مسيحي , وردِّهِ.
__________________
(1) حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه المستدرك على الصحيحين: ج22/ 247 , ح (2896).
(2) (البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح البخاري 6/ 102 , وصحيح مُسلم 4/ 1912)
(3) فتح الباري: ابن حجر 9/ 48.
(4) فتح القدير 1/ 62
(5) (تفسير ابن كثير (1/ 9)، وفتح القدير للشوكاني (1/ 62)، ورواه أبو بكر الأنباري، والقرطبي (1/ 81)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:11 م]ـ
رد النصراني ...
أولاً: مُصحفُ ابن مسعود يحوي سبعين سورة فقط من رسول الله .. في حين أن عدد السُور 114 سورة .... !!!!!
لقد حوى مُصحف ابن مسعود سبعين سورة سمِعها مِن فيِّ (فم) رسول الله .... وهذا باعتِرافِهِ هو .... في حين أن عدد سُور المُصحفِ المأخوذة عن رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم هم 114 سورة .. !!
ففي الحديث الذي رواهُ عمرو بن شرحبيل:
" .... وحذيفة يقول لابن مسعود ادفع إليهم هذا المصحف .. قال والله لا أدفعه إليهم أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ثم أدفعه إليهم والله لا أدفعه إليهم " (1)
وعن ابن مسعود: رضي الله عنه أنه قال:
"والله لقد أَخذتُ من في رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة" (2).
بل يقول في رواية أخرى:
"وأخذت بقية القرآن عن أصحابه" (3)
: (307):
لكن الم تقراء قول السيوطي في الإتقان 1/ 226 (وفي مصحف ابن مسعود مائة وإثنتا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين وفي مصحف أبي ست عشرة لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع.)
وفي هذا تناقُض مع أقوالك يا عزيزي الدكتور أمير بشأن ان ابن مسعود كتب بضع وسبعين سورة
فمن نُصدِّق؟!
من نصدق يا دكتور؟!!!!
مِما سبق نخرُج بالنقاط التالية:
1 - لم يُشترَط في المصاحِف أن تحوي القُرآن الكريم كامِلاً.
2 - مُصحف ابن مسعود كباقي المصاحِفِ في زمانِهِ لم يحوِ القُرآن الكريم كامِلاً.
3 - مالم يُدوِّنه ابن مسعود في مُصحفِهِ لا يعني نفي قُرآنيّتِهِ. http://www.arabic-bible.net/vb/images/smilies/osrty24.gif عزيزي
لا مشكلة فيما تقول، و الرد في أن عدم اثبات السورة في مصحفه لا ينفي القرآنية منطقي ومُقنِع
ولكِن فاتك شيء
وهو إن كان هناك احتمال أنه بتركها لا ينفي القرآنية , فمازال الإحتمال أنه بتركها لأجل القُرآنية وارِد جِدّاً ولا يوجد ما ينفي ذلِك
وهنا نعود لنُقطةِ البدْء
!: D:D:D
تمهل يا دكتورتمهل ولا تتسرع خد وقتك
http://www.arabic-bible.net/vb/images/smilies/osrty18.gif
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:13 م]ـ
: (307):
لكن الم تقراء قول السيوطي في الإتقان 1/ 226:
(وفي مصحف ابن مسعود مائة وإثنتا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين وفي مصحف أبي ست عشرة لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع.)
وفي هذا تناقُض مع أقوالك يا عزيزي الدكتور أمير بشأن ان ابن مسعود كتب بضع وسبعين سورة
فمن نُصدِّق؟!
من نصدق يا دكتور؟!!!!
أولاً: هو ليس قولُ السيوطي رحِمهُ الله ..
ثانياً: هو أحد الأقاويلِ المكذوبةِ لمجاهيل نقلهُ السيوطي ونقلهُ الزمخشريُّ كقولٍ من الأقوال المكذوبة التي قيلت ..
ثالثاً: ابن مسعود أدرى بِكِتابِهِ مِن غيرِه , وقد ثبت عن ابن مسعود نفسُهُ أنه ذكر أنه أخذ من فيِّ (فمِ) رسول الله بِضع وسبعين سورة .. ولم يثبُت عنه أنهُ قال غير ذلِك!!
تسألُني يا أستاذ مؤمِن .. من نُصدِّق؟!!
وأقول لك لا تُصدِّق إلا الصواب و الصحيح ... وقِس بمِقياس عقلِك أنت .. وأنت كمسيحي باحِث .. ستُدرِك أين الصواب وأين الخطأ .. فالحق لا يختلِف عليهِ اثنان.
بكُل بساطة تعالى نُفنِّد سوياّ هذا الرأي:
إسقاط هذه الرِّواية منطقياً:
أولاً: إن قائِل هذه الرواية اعتمد على الظن وليس اليقين ... فظن أن ابن مسعود حين أسقط سورتيْ المُعوِّذتيْن , من بين المائة وأربعة عشر سورة , فإنه من الطبيعي أن نجِد إذاً في مُصحفِهِ 112 سورة ... وعلى هذا قال ان في مصحفِهِ 112 سورة , ولا يؤخَذُ بالظن في إقامة الحُجة والإستِدلال ... خاصة إن كان باقي الرِّوايات تُكِّذِّب هذا الظن وتُناقِضُهُ كمما سيأتي ...
ثانياً: أن من ادّعى أن مُصحفَ ابن مسعود 112 سورة ... نسي أن ابن مسعود أسقط الفاتِحة أيضاً .... فالطبيعي أن يحوي مُصحفهُ إذاً: 111 سورة ... !! , وبهذا تُناقِض الرِّواية الواقِع ...
يا مؤمِن مسيحي ... أنت تؤمِن أن ابن مسعود لم يكتُب في مُصحفِه المُعوذِتيْن والفاتِحة .... أليس كذلِك؟!! ...
نعم كذلِك.
إذاً يا أستاذ يا متعلم ... لو قُمت بطرح ثلاث سور (المعوذتين + الفاتِحة) من إجمالي سُور القرآن ال 114 سورة .. فسيكون الإجمالي هو 111 سورة ... أليس كذلِك؟!!!
نعم هو كذلِك
إذاً تسقُط هذه الرِواية لمًُخالفتها الواقِع ... وللتناقُض .. !!
إسقاط هذه الرِّواية حسب عِلْمِ الحديث:
في الإسلام كُل ما رُوي بقيل و يُقال ويُعتقد , مردود ولا يؤخَذُ بِهِ وإنما يُذكر من باب الأمانة ولو صدر مِن كافِر ... ثم يقوم الإمام والشيخ الراوي بتفنيد جميع الرِّواياتِ او توضيحِ الصواب و الخطأ , والمقبولِ مِنها والمردودِ.
وهذه الرِّواية لا يُعرَفُ قائِلُها ولا رُواتُها ... فلا سند لها فهي ساقِطة من بِدايتِها , وبالتالي تكون رِواية لا أساس لها .. أي ساقِطة ... و الأقاويل الساقِطة, المكذوبة , المردودة والغير صحيحة لا يُعتدُ بِها في التأريخ فضلاً عن إقامة الحُجة , فضلاً عن حِوار كحِوارنا هذا والذي لا نقبلُ فيه إلا الحُجة و المِصداقية.
فتكون هذه الرواية حسب عِلْم الحديث .. مكذوبة ولا أصل لها .. !!
إسقاط هذه الرِّواية لتناقُض الروايات:
- قال الفضلُ بن شاذان أن في مُصحفِ ابن مسعود 110 سورة .. !
- ونقل السيوطي عن مجاهيل أنهم قالوا: 112 سورة ... !!
- وأنت يا مؤمِن أدركتَ الآن أنهم كانوا: 111 سورة ... !!!
- وعبدالله ابن مسعود صاحِب الشان قال: بِضْعٌ وسبعون سورة.
عبداللهِ ابن مسعود يُسْقِطُ هذه الرِّواية:
إن كان لدينا رِواية مِن لِسان صاحِبِها , وثبُت صِحّتُها , فهي الأصدقُ والمُعوّلُ عليها ولا يُنظَرُ لِغيْرِها ... وقد ثبت بالفِعل عن ابن مسعود نفسُهُ أنه ذكر أنه أخذ من في رسول الله بِضع وسبعون سورة .. !!
فقال " أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة ثم أدفعه إليهم والله لا أدفعه إليهم "
وقال أيضاً " والله لقد أَخذتُ من في رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة "
فلو عِندك ثابِتٌ عن ابن مسعود غير ذلِك فأبلِغنا بِهِ ... أو لو لديْك أي حديث صحيح آخر أو حتى ضعيف يا أستاذ وسأقبله , فآتِنا بِه ... وعِنْدك مِن اليوم إلى السنة القادِمة ...
وكما قال الإخوة ... يرُد عليْك أن الرِّوايات الصحيحة كما في صحيح البُخاري تُكذِبُها:
ومِن أصول الحِوار حتى يتسنى لك إقامةُ الحُجّة على الآخرِ أن تُخاطِبهُ مِن مصادِرِهِ التي يؤمِنُ بِهِ ... ولا يستطيعُ ردّها ... !!!
أخيراً نختِم .. بقاصِمة تُنهي أي ادِّعاء يخُص عدد وترتيب السُور في مُصحف ابن مسعود:
قال ابن النديم في الفهرست 1/ 29 عن عدد وترتيب السُّور في مُصحف ابن مسعود:
" رأيت عدة مصاحف ذكر نُسّاخُها انها مصحف ابن مسعود، ليس فيها مصحفين متفقين ... !!!! "
إذاً بِهذا القول الخاتِم لابن النديم ... تسقُط جميع الرِّوايات الخاصة بِعدد او ترتيب سُوَرِ مُصحف ابن مسعود , ولا يتعدى كونُها رِوايات نُسّاخٍ لا أصل لها , ولِذا نُدرِك لِماذا كُلُّ هذا التناقُض في هذه الرِّواياتِ الواهيةِ .. ولا يُعتد في الخبر بأقوال النُساخ , و القيل و القال ... وإنما يؤخَذُ و يُعتد بالخبر المُسند الصحيح المُتلقى والمأخوذِ ثِقةٌ عن ثقة عن ثِقة.
ويظلُّ الثابتُ عن ابن مسعود هو المُعوّلُ عليْهِ ... وهو أنه أخذ عن رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم بِضْعٌ وسبعون سورة ... ومن لديه رأي غير ذلِك فعليْهِ أن يأتينا بالدليل الصحيح ... !!
يتبع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:13 م]ـ
http://www.arabic-bible.net/vb/images/smilies/osrty24.gif عزيزي
لا مشكلة فيما تقول، و الرد في أن عدم اثبات السورة في مصحفه لا ينفي القرآنية منطقي ومُقنِع
حقيقة أكتفي بهذا التصريحِ والإتفاق .. !!
إذاً نتفِق سوِيّاً على أن مالم يُثْبت في مُصحفِ ابن مسعود لا يعني بالضرورة إنتِفاء القُرآنيّة ... !!!
خاصة وأنك أدركت ان:
1 - المراد بالمُصحف قبل الجمع العُثماني شيء والقرآن شيء آخر.
2 - وأن هناك من القُرآنِ مالم يكتُبهُ عبدالله بن مسعود في مُصحفِهِ.
وأُقِر لك بِقولِك:
وهو إن كان هناك احتمال أنه بتركها لا ينفي القرآنية , فمازال الإحتمال أنه بتركها لأجل القُرآنية وارِد جِدّاً ....
إذاً يكون هناك احتِماليْن:
1 - لم يكتُبها مع الإقرارِ بِقُرآنيّتِها.
2 - أو لم يكتُبها إنكاراً قُرآنيّتِها.
وأخالِفُك في قولِك:
ولا يوجد ما ينفي ذلِك , وهنا نعود لنُقطةِ البدْء
لأنه بِالفِعل يوجدُ ما ينفي تماماً أن ابن مسعود أنكر قُرآنيّتهُما ... وبالتالي لم نعُد لنُقطة البدء .. ولا أي شيء ... بالعكْس .. بل وإن كنا توقفنا وتباطئنا قليلاً في هذه الرسالة إلا أننا نُهروِل بُخطى ثابِتة نحو الحق ..... وهو خِتامُ الحِوارِ إن شاء اللهُ تعالى و الفصلُ في هذه المسالة.
إذاً بقي أن أتوقّف حتى أستمِع
إلى تعليقك يا مؤمِن مسيحي.
ثم نبدأ في الحِوار الأخير:
وهو هل أنكر ابن مسعود قُرآنية المُعوِّذتيْنِ؟!!!!
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:15 م]ـ
رد النصراني ...
اولا: شكراً للإدارة للاستجابة لطلبي
ثانيا:نأتي للحوار ولنقل يا دكتور أن المصحف عند ابن مسعود فيه سبعين سورة أو أي عدد من السور
فليست هذه هي القضية
ولكِن القضية أكبر مِن ذلك
القضية قضية حك سور مكتوبة
فلا مشكلة عندي في أن ما لم يكتب لا يشترط أن يكون قران
و لا مشكلة عندي أن تكون الفاتحة عند ابن مسعود قراناً برغم عدم كتابتها في مصحفه
لكن ليس هذا الحال مع المعوذتين يا عزيزي فقد حكهما ابن مسعود وقال مقولة لو وزنت بكل الحجج لدمرتها ونسفتها نسف لقد قال
أنهما ليست من القران في شيء
الحقيقة يا دكتور أن ابن مسعود اعترف بعدم قرانيتهما ولِذا أقول لكم
إن عدم كِتابة المعوذتين في مصحف ابن مسعود ربما لا تعني عدم قرانيتهما
ولكن
الأمر يختلِف حينما يأتي التصريح من ابن مسعود وعلى للسانه أنها ليست من القران ولذا كان يحكهما من مصحفه يا دكتورأن الموقف لا يحتاج مزايدة
فهذا قران تتلونه اليوم لا يعرِفه ابن مسعود بالأمس تقرون بقرانيته اليوم وينكره ابن مسعود ويحكه ويعلن انه ليس من القران
إذاً ابن مسعود يقر ويعلن
: (307): أنهما ليست من القران
: (307):ليست من القران يا دكتور
: (307):ليست من القران يا سادة
وشكرا لإنصاتكم
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:16 م]ـ
يا مؤمِن مسيحي ... هدِّىء مِن روْعِك ...
أنا أسلِّم أن ابن مسعود رضي الله عنهُ , حكّ هو وصحابة رسول
الله من المُصحفِ شيء ما , بل وأكّدوا على حكِّ هذا الشيء ...
ولكِن لا أسلِّم لك بالمرة بهذا الإدعاء ...
يا عزيزي فقد حكهما ابن مسعود وقال مقولة لو وزنت بكل الحجج لدمرتها ونسفتها نسف لقد قال
أنهما ليست من القران في شيء
لا أسلِّم لك بالمرة ... بهذا الإدعاء .. بل وأتحدى أن تُثبِته أنت وجميع طوائفِ مِلّتِك ... !!
أتحدى ان تُثبِت أن ابن مسعود أقرّ وأعلن أن سورتي المُعوِّذتيْن ليستا قُرآناً .... !!!!
إذاً ابن مسعود يقر ويعلن
: (307): أنهما ليست من القران
: (307):ليست من القران يا دكتور
: (307):ليست من القران يا سادة
ثبُت في الصحيح أن:
ابن مسعود حك المُعوِّذتيْن ... ولكِن ماذا حكّ (اسم السورة أم النص والمتن) , ولِما حكّ؟!! ... فهنا مربط الفرس .. وعليْهِ الخِلاف الذي سيُبنى عليْهِ الحِوار .. ويلزمُك فيه الدليل!!
أما مالم يثبُت هو ادِّعائُك:
أنه أنكر أنهما مِن القُرآن صراحة ... !! ... وهي قضية طالما ادّعيتموها .. وسانهيها بتحدي بسيط جِداً ...
ساتوقّف قليلاً قبل الدخول في تفاصيل الحكِّ ... وأطالِبُك بتقديم أوراقِ إدِّعائكم أن ابن مسعود أنكر قُرآنية المُعوِّذتيْنِ صراحة , وقال لا تخلِطوا بالقرآن ماليس فيه ... !!!
أستاذ مسيحي مؤمِن:
ألف دولار عداً ونقداً وفوقه خمسة جنيه كمان .. !
هديتي لك .... شيك بمبلغ ألف دولار .... أرسله لك على حِساب بنكي تحبه داخِل أو خارِِج مِصر ... إن أتيتني بحديث أو رواية واحِدة عن عبدالله ابن مسعود يقول فيها أن المعوِّذتيْنِ ليستا من القرآن.!!!!
وبعد أن يُعييك البحث عن دليل في إثبات ادِّعائِك هذا ... سننتقِل إلى النقطة التالية , ونبدأ في مناقشة ما حكّهُ ابن مسعود و صحابة الرسول مِن المُصحف ... وليس ما أنكره كما زعمت من القُرآن!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:17 م]ـ
ثبوت الحك من المُصحفِ عن ابن مسعود ..
والرواية صحيحة السند ولا مُبرِّر لتكذيبِها ..
أخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. [1] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn1)
قال الحافِظُ ابن حجر العسقلاني رحِمهُ الله:
فقول من قال إنه كذب عليه مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل. [2] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn3)
______________________________________
[1] (http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftnref1) رواه أحمد في مسنده، مسند الأنصار (6/ 154) ح 20683. قال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني، ورجال عبد الله رجال الصحيح، ورجال الطبراني ثقات. مجمع الزوائد (7/ 152).
[2] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftnref3) فتح الباري لابن حجر 8/ 743, الاتقان 1/ 272.
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:18 م]ـ
أستاذ مسيحي مؤمِن ...
نحن نُسلِّم ان ابن مسعود حكّ أشياءاً مِن المُصحف ... مِنها:المُعوِّذتيْن ... حيثُ ثبت أنه حكّهما مِن المُصحف .... ولكِن لم يحُك المُعوِّذتيْنِ بِمعنى حك متن ونص السورتيْن ... وإنما "حكّ اسم السورتيْن فقط ولم يحُك النص " حك اسم السورة , لم يحُك محتوى السورتيْنِ ... أي لم يحُك متن ونص المُعوِّذتيْن ... !!!
ولِذا يا أستاذ مسيحي مؤمِن:
لك ألف دولار عداً ونقداً .. !
شيك بألف دولار .... أرسله لك على حِساب بنكي تحبه داخِل أو خارِِج مِصر ... إن أتيتني بحديث أو رواية واحِدة عن عبدالله ابن مسعود يقول فيها أن المعوِّذتيْنِ ليستا من القرآن.!!!!
وبعد أن يُعييك البحث عن دليل في إثبات ادِّعائِك هذا ... سننتقِل إلى النقطة التالية , ونبدأ في مناقشة ما حكّهُ ابن مسعود و صحابة الرسول مِن المُصحف ... وليس ما أنكره كما زعمت من القُرآن!!
و بعد أن تعجز عن اثبات أنه نفى القرآنية ... فإن النِّقاش التالي سيكون هل حكّ ابن مسعود نص ومتن السورتيْن أم مُجرّد إسم السورة فقط؟!!!!!
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:19 م]ـ
رد النصْراني ....
بالرحة يا دكتور شوية شويه على
لك ألف دولار عداً ونقداً .. !
وفر فلوسك واذهب وادفعها الي قناة الامة التي تتسول ولا تجد من يعطف عليها بقرش ابيض
المهم خلينا في الموضوع
وحتى ولو لا يوجد أي اعتِراف صريح من ابن مسعود بنفي القرآنية فيبقى الحك قائِما
فقد حك ابن مسعود المعوذتيْن
أما حك اسم السورة أو المتن فده من تأليفك يا دكتور مع احترامي الشديد لك للهروب من هذا المأزق
ولا يوجد عندك دليل على أنه حك اسم السورة أو المتن
بل الكلام واضِح ولا يحتاج تأويل
فالحك
للمتن
للسورة
للمعوذتين
بل لا يوجد أي دليل عملي إطلاقاً على أن ابن مسعود آمن بالمعوذتيْن ماهي إلا تخرصات وربما ويُعتقد
وتبقى الحقيقة المرة أنه حك السورة وليس المتن , ولا يوجد ما يدل على أنه أقر بقرآنيتهما ... مات ابن مسعود منكراً للقران يا دكتور
وإلا فهات الدليل
ويبقى الموضوع مجرد مماطلات
وشكرا
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:19 م]ـ
بالرحة يا دكتور شوية شويه على
لك ألف دولار عداً ونقداً .. !
وفر فلوسك واذهب وادفعها الي قناة الامة التي تتسول ولا تجد من يعطف عليها بقرش ابيض
أتعجب واستنكِر مِن هذا الأسلوب ...
ولا أجِد له مُبرِّر إلا الحقيقة الوحيدة يا أستاذ مؤمن مسيحي .....
وهي أنك خسِرت الرِّهان ... !
خسِرت الرِّهان يا مسيحي مؤمِن لِأنه:
1 - لا يوجد لديك أي دليل صريح أن ابن مسعود أنكر قرآنية المُعوِّذتيْن .. !! ... و طالبناكم بإثبات أن ابن مسعود أنكر القرآنية بأي نص صريح ... ولم تأتوا لنا بِهِ ولن تأتوا .. !!
2 - اعترفت بنفسكِ واتفقنا سوياً مِن قبل أن حك المُعوِّذتيْن لا يعني إنتِفاء القُرآنية ولايعني أيضاً ثبوت نفي القرآنية ... ثم ناقضت نفسك ... بلا أي دليل مرة أخرى , وهذا هو التخبُّط .... فماذا بقي؟!!! ...
ما بقي هو أن أن ينتصِر كلٌّ مِنا لرأيِه ..
فإما أن تُثبِت أنت لنا (ورأيناك قد عجزت عن ذلِك يا أستاذ مؤمِن) ...
1 - ترجيك أو دليلك الصريح على أن حك ابن مسعود للمُعوِّذتيْنِ هو حك فِعْلي لمتن السورة .. !
أو
2 - أو أن تُثبِت لنا بالنص الصريح انكار ابن مسعود لقرآنية المُعوِّذتيْنِ .. !
وإما أن اُثبِِت أنا لك:
1 - أن النصوص و الأدِلة تُرجِّح أنه حك إسم السورة .... وليس النص نفسُه ...
أو
2 - إثبات إيمان ابن مسعود التام بِقُرآنية المُعوِّذتيْنِ .... !!
وأقول:
1 - أنك قد أخفقت في إثبات ادّعائِك أن ابن مسعود حك متن السُّورَةِ نفسِها .... ولم تستطِع الإتيان بِدليل على هذا الإدعاء ... في حين عِندي أدِلتي التي تُؤكِّد أنه حك اسماء السُّوَر .... مما يُرجِّح أن الحك كان لإسم السورة ولا يوجد ما يُرجِّحُ أنه كان لِمتنِ السّورة .. !!
2 - وفي حينِ أنك فشِلت في الإستِشهاد بحدث او اي دليل واحِد قد نخْلُص مِنهُ ان ابن مسعود أنكر القُرآنية ... ولم تجِد أي شيء قد يُرجِّح ذلِك .... فإن عِندي كُل الأدِلّةِ التي تُرجِّحُ أن ابن مسعود لا يُمكِن أن يكون قد أنكر القُرآنية ... !!!!
3 - ثم لو افترضنا جدلاً أنه أنكر القُرآنية .... فقد فشِلت يا مسيحي مؤمِن في إثباتِ أن ابن مسعود مات مُنكِراً للقُرآنية , في حين أن عِنْدي الدليل القاطِع أن ابن مسعود رضي اللهُ عنهُ لم يمُت قبل أن يُقِر بالقُرآنية ولم يُمِت إلا وقد نقل المُعوِّذتيْنِ قُرآناً للأمة جمعاء .. !
التفصيل .... يتبع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:20 م]ـ
قال الله تعالى:
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
1 - الإثبات بكل الاوجُه و الأدِلة بُطلان وعدم منطقية أن يكون ابن مسعود قد أنكر القُرآنية ...
(في حين أخفق المسيحي في ترجيح ولو مجرد دليل واحِد
قد يُستفاد مِنه إنكار ابن مسعود للقرآنية) ...
هل أنكر ابن مسعود قُرآنيّة المُعوِّذتيْن .. ؟!!
1 - " لو كان قد أنكر قُرآنيَّة السورتين على ما ادعوا، لكانت الصحابة تناظره على ذلك، وكان يظهر وينتشر، فقد تناظروا في أقل من هذا، وهذا أمر يوجب التكفير والتضليل فكيف يجوز أن يقع التخفيف فيه؟! وقد علمنا إجماعهم على ما جمعوه في المصحف، فكيف يقدح بمثل هذه الحكايات الشاذة المولدة في الاجماع المتقرر، والاتفاق المعروف؟ " [1] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
2- حصل الإجماع على قرآنيتها في عهد الرسول وفي عهد ابي بكر حين دُوِّنت في الصُحُف ولم يُشكِّك أحد قط في قرآنيّتِهما .. ولو كان ظهر أي اعتِراض على قُرآنيّتِهِما في عهد أبي بكْرٍ لزاع وانتشر ... بل أجمع الصحابة جميعاً بِمن فيهم ابن مسعود والذي كان في المدينة , على شهادة تدوين القُرآن نسخاً في الصُحُف البكرية من الرق و الجلود ومُراجعتِهِ مِن تلقين وحِفظ الصحخابة في الصدور ...
3 - حصل الإجماع التام في عهد عُثمان حين نُسِخت الصُحُف في المصاحِف , و ثبُت إقرارُهُ بالجمع .. وشهادتُهُ بِكُفْرِ من أنكر شيئاً مِن مُصحفِ عُثمان ... ومُصحف عُثمان يحوي المُعوِّذتيْنِ ... فرغمِ اعتِراضِهِ على حرق مُصحفِهِ ... إلا أنه رفض تماماً أن يرفض أحد أي حرف من مُصحفِ عُثمان ... فثبُت عن ابن مسعود نفسه رضي اللهُ عنهُ قولُهُ لاتباعِهِ حين سألوهُ عن جمع الصحابة في المصاحِف العُثمانية فقال:"لا تختلفوا في القرآن ولا تتنازعوا فيه فإنه لا يختلف ولا يتساقط، ألا ترون أن شريعة الإسلام فيه واحدة، حدودها وقراءتها وأمر الله فيها واحد، ولو كان من الحرفين حرف يأمر بشيء ينهى عنه الآخر كان ذلك الاختلاف ولكنه جامع ذلك كله، ومن قرأ على قراءة فلا يدعها رغبة عنها فإنه من كفر بحرف منه كفر به كله". [2] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
4- أخيراً وبعد الإثباتاتِ أعلاهُ كُلُّها .. نأتي إلى أهم نُقطة: فلم يُصرِّح ابن مسعود قط بأن المُعوِّذتيْن ليستا قرآناً يُتلى .... وإنما هو وهم توهّمهُ من سمِع أنه حك المعوذتين من المصحف ... ولقد أثبتنا أن المصاحِف قبل الجمع العُثمانيِّ لم تكُن تُطلقُ على القُرآن بل كانت تُطلقُ على بعض الأوراق , وعلى أي كتاب ولو كان إنجيلاً أو توراة ... [3] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) ولِذا فلا يعني احتِواء أو عدم احتِواء مُصحف ابن مسعود على الشيء إيمانه أو كُفرهُ بِهِ .. !!
5 - بل لا يُمكِن أن يكون قد رفض شيئاً مِن القُرآن , وهو نفسُهُ رضي اللهُ عنهُ قد قال بِكفّر من حاولوا رفض ولو آية من الجمعِ العُثماني .. فقد ثبُت عِنْد إقرارُ ابن مسعود للجمْعِ العُثماني كامِلاً بِما بيْن الدّفّتيْنِ وفيه المُعوِّذتيْنِ ... أنه قال لأصحابِهِ: " مَنْ كَفَرَ بآيةٍ مِن القرآنِ فقد كَفَرَ به كلِّه " [4] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
6- بل إنه لو صحَّ أنه أسقط المعوذتين من مصحفه، فقد أسقط الفاتِحة أيضاً , وبالإجماع على إيمانِهِ ويقينِهِ التامِ بِقُرآنية الفاتِحة. [5] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) فإن ذلك يدل على ان عدم وجود السورة لا يعني إنكاره كونَهما من القرآن .. فمصحف ابن مسعود لم يكن مصحفا جامعا و إنما كتب فيه بعض السور و لم يكتب أخرى ... وعليه عدم اثبات المعوذتين في المصحف غير كاف للحكم بعدم قرآنيّتِهِما ... وما ينطبِقُ على الفاتِحةِ ينطبِقُ على المُعوِّذتيْنِ.
7 - قد ثبت عن النبي صلى اللهُ عليْهِ وسلّم قُرآنيتهما .. وقد كان ابن مسعود أشد الناس ملازمة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حلّه وترحاله، وليله ونهاره، وصلاته بالمسجد، وقيامه الليل، والسورتان مدنيتان، ومن سنّة النبي صلّى الله عليه وسلّم قراءتهما في الوتر، وعبد الله صحبه في قيام الليل، ولابد أنه سمعه يقرؤهما في تلك النافلة، وفي غيرها من المناسبات ..
8 - أخيراً فلقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً - وأخذتِ الأمة القُرآن الكريم ومازال يُقْرأ بِقراءة ابن مسعود ... كما سُنُبيّن في خِتام هذا الحِوار.
______________________________
(1) اعجاز القرآن للباقلاني 1/ 292
(2) (ابن عساكر في كنزِ العمال 2/ 346 , (4212). , و المعجم الكبير للطبراني 10/ 97, (10076).
(3) الفارِق بين المصحف والقرآن الكريم
http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?t=8544
(4) السُّنَنُ الكُبرى للبيْهقيِّ 10/ 43 , (19686).
(5) أخرجه أبو عبيد بسند صحيح.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:21 م]ـ
جميع الأدِلة أعلاه وبِأقوال ابن مسعود الصريحة الواضِحة والتي تشهد لمُصحف عُثمان وما فيهِ مِن السُّور و الآي ...
وبشهادة ابن مسعود للمُصحفِ الإمام الذي أجمع عليْهِ صحابةُ رسول الله .... وبإعلانِهِ الواضِح بكُفر من أنكر سورة أو آية مِنه .. بهذه الشهادة ينتفي تماماً أي شك في أنه قد أنكر القُرآنية , ويظلُّ الأمر مُجرد وهم في عقول مُتحجِّرة ... فليتوهم من يتوهم ما يُريد ... ولكِن على المُدّعي الإثبات بالدليل لا بالظن .. والقيل و القال.!
أخيراً وبعد إثبات استِحالة أن يكون ابن مسعود قد أنكر القُرآنية ... فماذا بقي؟!!
بقي التّحدِّي الثاني
2 - توضيح حقيقةِ الحك ... وترجيح حك ابن مسعود لإسم السورة فقط دون المتن ... وذلِك بإثباتِ ثبوت حكِّهِ لأسماء السُّور ..
(في حين أخفق المسيحي في ترجيح أي دليل
لحك متن " نص" المُعوِّذتيْن)
يتبع
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:22 م]ـ
قال الله تعالى:
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
2 - توضيح حقيقةِ الحك ... وترجيح حك ابن مسعود لإسم السورة فقط دون المتن ... وذلِك بإثباتِ ثبوت حكِّهِ لأسماء السُّور ..
(في حين أخفق المسيحي في ترجيح أي دليل
لحك متن " نص" المُعوِّذتيْن)
الترجيحُ في حقيقة ما حكّهُ ابن مسعود ...
هل هناك أي أدِلة تُرجِّحُ أن ما حكّهُ ابن مسعود هو متن المُعوِّذتيْنِ كسورة نصاً ومتناً كما يدّعي المسيحي؟!
للأسف أخفق .. واستحال على المسيحي أن ياتي بأي دليل قد يُرجِّحُ أن الذي حكّهُ ابن مسعود هو المتن .. !!!
ولكِن لدينا الدليل على ثبوت الحك عن ابن مسعود , وثبوت أن ما كان يحُكُّهُ هو أسماء السُّور لا السُّور نفسِها ... مما يُرجِّحُ أن حكّهُ للمُعوِّذتيْن هو حك لاسم السورة لا المتن ... !!!
أولاً: ثبوت الحك من المُصحفِ عن ابن مسعود ..
والرواية صحيحة السند ولا مُبرِّر لتكذيبِها ..
أخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. [1] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn1)
وأخرج البزار والطبراني من وجه آخر عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما وكان لا يقرأ بهما أسانيده صحيحة. [2] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn2)
قال الحافِظُ ابن حجر العسقلاني رحِمهُ الله:
فقول من قال إنه كذِبٌ عليه مردود والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الروايات صحيحة والتأويل محتمل. [3] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn3)
_________________
ثانياً: توجيه الرواية ... وبيان حقيقةُ الحك .. !!
ثبُت مما سبق أن:
1 - ابن مسعود آمن بقُرآنية المُعوِّذتيْن ..
2 - وثبُت أيضاً صِحة الحديث القائِل بحكِّهِ لهما.
الحقيقة يا سادة ....
هي أنه قد ثبُت عن عبدالله بن مسعود أنه كان يقول أثناء عملية الحك .... مقولة مشهورة وهي: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه ...
وبتتبُّع هذه المقولة المشهورة ....
وبتتبُّع جميع الروايات التي أثبتت فِعْل الحك عن ابن مسعود
فإذ بالمفاجأة:
أنه كان يحُك أسماء السُّورَ والأعشارِ من المُصحفِ ويقول عِنْد حكِّهِ لأسماءِ السُّور والأعشارِ: لا تخلِطوا بكتاب الله ماليْس مِنهُ ... أي يعتبِر أن اسماء السُّور لا يجِب أن تُكتب في المصاحِف بِجوار متن السُّورة ...
أيُّها السادةُ الكِرام:
لقد كان ابن مسعود يحُك أسماء السُور و التعشيرات ... أي العلامات التي أضافها أتباعُه بعد كل عشر آيات , وكان يقول , لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه ... إذاً فالمُرجِّح بحك المعوذتين هو حك اسم السورتيْنِ وليس المتن ... أي حك اسم السورة وليس المحتوى .. !!
(كان ابن مسعود يحك اسم السورة وليس حك متن ونص السورة نفسِها) ... أي أنه كان يحُك لفظة "المعوذتيْن" وليس المتن البادىء بقل أعوذ برب الفلق ..... فكان ابن مسعود يأمر بحك اللفظ و ليس حك السورة نفسها.
الآن إلى الترجيحِ بالدليل:
الدليل علي ذلك يُوضّحُهُ الحديث التالي:
ما رواه ابن أبي داود عن أبي جمرة قال: أتيت إبراهيم بمصحفٍ لي مكتوبٍ فيه: سورة كذا، وكذا آية، قال إبراهيم: امحُ هذا، فإن ابن مسعودٍ كان يكره هذا، ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه [5] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn5)
و هو نفس لفظ ابن مسعود في المعوذتين فذهبوا إلى أن قصده رضي الله عنه كان حك الاسم وليس حك السورة خصوصا أنه لم يرد التصريح أبدا في أي حديث بقوله ((انه يحُك قل أعوذ برب الفلق أو قل أعوذ برب الناس, أو حتى التلويح او التصريح بانهما ليستا من القرآن .. ))
قارِن أخي الكريم بين هذيْن الخبريْن ليستقيم النص:
يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله.
يمح سورة كذا، وكذا آية , ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه
قارِن أخي الكريم بين هذيْن الخبريْن ليستقيم النص:
يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله.
يحك التعشير من المصحف ,ويقول: لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه.
يتبع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:24 م]ـ
هل أنكر ابن مسعود قُرآنية المُعوِّذتيْنِ؟!!
جاء في كِتاب نقطِ المصاحِف لأبي عمرو الداني .. تحت باب: ذِكْر ما جاء في رسْم فواتِحِ السُور وعدد آيِهِن , ومن شدد في ذلِك ومن تسهّل فيه:
حدثنا خلف بن احمد قال نا زياد بن عبد الرحمن قال نا محمد بن يحيى ابن حميد قال نا محمد بن يحيى بن سلام قال نا ابي قال حدثني حماد بن سلمة عن ابي حمزة قال رأى إبراهيم النخعي في مصحفي فاتحة سورة كذا وكذا وفاتحة سورة كذا وكذا فقال لي امحه فإن عبدالله بن مسعود قال لا تخلطوا في كتاب الله ما ليس منه
وجاء في كِتاب المصاحِف ... تحت باب ... كتابة الفواتح والعدد في المصاحف ..
414 - حدثنا عبد الله حدثنا هارون بن سليمان، حدثنا روح، حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم، أنه كان يكره العواشر، والفواتح، وتصغير المصحف، وأن يكتب فيه سورة كذا وكذا. [2]
415 - "حدثنا عبد الله حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع، حدثنا أبو الجواب، حدثنا عمار، عن الأعمش قال: سألت إبراهيم عن التعشير، في المصحف ويكتب سورة كذا وكذا، فكرهه وكان يقول: «جردوا القرآن» [3]
416 - حدثنا عبد الله حدثنا إسحاق بن وهب، حدثنا يزيد قال: أخبرنا حماد، عن أبي جمرة قال: «أتيت إبراهيم بمصحف لي مكتوب فيه سورة كذا وكذا آية، فقال إبراهيم: امح هذا، فإن ابن مسعود كان يكره هذا ويقول:» لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه «[4]
وجاء تحت باب كِتابة العواشِرِ [5] في المصاحِف:
420 - حدثنا عبد الله حدثنا أسيد بن عاصم، وعثمان بن عمير الأصبهانيان قالا: حدثنا بكر وهو ابن بكار، حدثني يحيى بن سلمة، عن أبيه، عن أبي الزعراء قال: قال عبد الله: «جردوا القرآن، ولا تخلطوا به ما ليس فيه» [6]
421 - حدثنا عبد الله حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أبو نعيم، وقبيصة قالا: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء قال: قال عبد الله: «جردوا القرآن، لا تلبسوا به ما ليس منه» [7]
426 - حدثنا عبد الله حدثنا علي بن أبي الخصيب، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء قال: قال عبد الله: «جردوا القرآن ولا تلبسوا به شيئا» [8]
427 - حدثنا عبد الله حدثنا محمد بن الربيع، أنبأنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قال: «جردوا القرآن» " [9]
428 - حدثنا عبد الله حدثنا أسيد، حدثنا الحسين، حدثنا قيس، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق قال: «كان عبد الله بن مسعود يكره التعشير في المصحف» [10]
429 - حدثنا عبد الله حدثنا علي بن محمد بن أبي الخصيب، حدثنا وكيع، عن قيس بن الربيع، عن أبي الحصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن عبد الله أنه كره التعشير في المصحف حدثنا عبد الله [11]
431 - حدثنا عبد الله حدثنا محمود بن آدم، حدثنا أبو بكر يعني ابن عياش، حدثنا أبو حصين، عن يحيى، عن مسروق قال: «كان عبد الله يكره التعشير في المصحف» [12]
365 - حدثنا عبد الله حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا أبو خالد، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: «كانوا يكرهون التعشير والتنقيط والخواتم في المصحف»
368 - حدثنا عبد الله حدثنا أبو عبد الرحمن الأذرمي، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: «كان يقال: جردوا المصحف، ولا تخلطوا فيه ما ليس منه»
370 - حدثنا عبد الله حدثنا محمد بن آدم، حدثنا مخلد بن حسين، عن هشام، عن ابن سيرين، أنه كان يكره أن يكتب في المصاحف هذه العواشر والفواتح، ويقول: «جردوا القرآن»
وجاء في مُصنف ابن أبي شيْبة:
حَدَّثَنَا عبدُ الرَّحْمنِ بن مُحمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَن لَيْث، عَنْ مُجَاهِد: أَنَّهُ كَان يَكْره أَنْ يُكْتَب فِي الْمُصْحَف تَعْشِير أَوْ تَفْصيل، وَيَقول: سُورةُ الْبَقَرَةِ، وَيَقُول: السُّورة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا الْبَقَرَة.
وجاء في شُعب الإيمان للبيهقي:
2671 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أنا أبو طاهر المحمد أبادي ثنا العباس الدوري ثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود قال: جردوا القرآن [13]
(يُتْبَعُ)
(/)
2674 - و بإسناده ثنا سعيد ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان يكره أن يعشر المصحف أو يصغر و كان يقول عظموا القرآن ولا تخلطوا به ما ليس منه و كان يكره أن يكتب بالذهب أو يعلم عند رؤوس الآي وكان يقول: جردوا القرآن [14]
2672 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو الفضل بن حميرويه أنا أحمد بن نجده ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق قال: كان عبد الله يكره التعشير في المصحف [15]
2673 - أبو نصر بن قتادة ثنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم ثنا مغيرة عن إبراهيم قال: كان يقال جردوا القرآن و لا تخلطوا به ما ليس منه [16]
وجاء في فضائل القرآن لابي عبيد القاسِم بن سلام رحِمهُ اللهُ رحمة واسِعة:
738 - حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن زائدة بن قدامة، عن أبي حصين، عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن عبد الله، أنه كان يحك التعشير من المصحف [17]
_________________________________
وجاء في كشف الأسرار عن أصول البزدوي (1/ 39):
كانوا يمنعون من كتابة أسامي السور مع القرآن ومن التعشير والنقط كي لا يختلط بالقرآن غيره
إذاً يتَّضِحُ جليّاً أن ما عناهُ ابن مسعود بالحك لأنه ليس من كتاب الله , هو إزالة اسم السورتين (المعوذتين) وليس الآيات ... فكما اتضّح من جميع هذه الروايات انه كان يحُك اسماء السُور .... !!!
أسأل الله أن يكون في هذا بعض التوضيح لما حاول التلاعُب بِهِ مُدلِّسوا النصرانية .... !!
__________________________________________________ _____
[1] المحكم في نقط المصاحِفِ 1/ 14.
[2] اسناده صحيح لغيره , المصاحِف 1/ 316
[3] اسناده صحيح لغيره , المصاحِف 1/ 317
[4] المصاحِف 1/ 319 , صحيح موقوف , وأخرجه ابن أبي شيبة 2/ 497 - 498, 10/ 548.
[5] علامات وفواصِل توضع بعد كل عشر آيات.
[6] المصاحِف 1/ 319.
[7] حدثنا عبد الله قال وحدثناه الأحمسي قال: حدثنا أبو نعيم، وحدثنا هارون بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن سفيان بنحوه حدثنا عبد الله قال وحدثني علي بن حرب، حدثنا القاسم، عن سفيان بهذا حدثنا عبد الله حدثنا أسيد، حدثنا الحسين، عن سفيان بنحوه - المصاحِف 1/ 319
[8] اسناده صحيح , المصاحِف 1/ 319 - 320
[9] اسناده صحيح , المصاحِف 1/ 320
[10] المصاحِف 1/ 320 وإسناده جيد إلى عبدالله بن مسعود.
[11] المصاحِف 1/ 320 اسناده جيد لابن مسعود , قال وحدثنا الدقيقي، حدثنا يزيد قال: أخبرنا قيس بهذا
[12] المصاحِف 1/ 320 اسناده جيد
[13] شعب الايمان 2/ 547.
[14] شعب الايمان 2/ 547.
[15] شعب الايمان 2/ 547.
[16] شعب الايمان 2/ 547.
[17] فضائل القرآن لابوعبيد (738) باب: تعشير المصاحِفِ وفواتِح السُُّور.
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:25 م]ـ
التزام عبدالله بن مسعود اجماع المسلمين:
لقد أخذ جعفرُ الصادِق قِراءتهُ عن عليٍّ كرّمَ اللهُ وجْههُ , وأخذ حمزة بن حبيب الكوفي ... قِراءتهُ عن عبداللهِ بن مسعود رضي اللهُ عنهُ .. !!
المفاجأة الأولى:
فلنقرأ هذه المُفاجأة التي تُنهي تماماً ... على أيِّ ادِّعاء بإنكار ابن مسعود لقرآنية المُعوِّذتيْنِ ...
كِتاب غاية النِّهاية في طبقات القُرّاء
تأليف شيخ الإقراء وحجة القراء
شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري
دار الكتب العلمية
المُجلّد الأول - صفحة 179
الفارق بين قراءة جعفر الصادِق عن (علي بن أبي طالب) , وقراءة حمزة عن (عبدالله ابن مسعود) .. في عشرة أحرف فقط.
و عن قراءة حمزة على حرف ابن مسعود ... فإن جعفر الصادق رضي الله عنه والذي أخذ القراءة على حرف على بن أبي طالب قال عن قراءته " هكذا قراءة على بن أبي طالب".
و قال حمزة " قرأت على أبي عبد الله جعفر الصادق القرآن بالمدينة فقال ما قرأ علي أقرأ مكن ثم قال لست أخالفك في شيء من حروفك إلا في عشرة أحرف فإني لست أقرأ بها وهي جائزة في العربية فذكرها"
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الصادق أبو عبد الله المدني، قرأ على (س ك) آبائه رضوان الله عليهم محمد الباقر فزين العابدين فالحسين فعلي رضي الله عنهم أجمعين ..... قرأ عليه حمزة ولم يُخالف حمزة في شيء من قراءته إلا في عشرة أحرف ,:
1 - والأرحامَ " في النساء بالنصب
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - "ويبشِّرُ" و بابه بالتشديد
3 - و " تفجُر لنا بالتشديد
4 - " وحر1مٌ على قرية " بالالف
5 - "ويتناجون " بالالف
6 - " أنتم بمصرخيَّ " بفتح الياء
7 - و " سلام على إل ياسين " بالقطع
8 - " ومكر السَّيِّءِ" بالخفض
9 - وأظهر اللام من هل وبل عند التاء والثاء والسين.
10 - وولدا وولده بفتح الواو واللام
قال جعفر الصادق هكذا قراءة عليِّ بن أبي طالب أخبرنا بِذلِك أحمد بن محمد الحنفي بقراءتي عليه أخبرك أحمد بن أبي طالب سماعاً أخبرنا عبد اللطيف بن القبيطي إذنا قال: أنا أبو بكر بن المقرب أنا الأستاذ أبو طاهر حدثنا أبو علي الحسن بن علي المقري ثنا أبو إسحاق الطبري ثنا أبو عبد الله بن الحسين بن أبي طالب ثنا عبد الله بن برزة الحاسب أخبرني جعفر بن محمد الوزان أخبرني علي بن سلم النخعي عن سليم عن حمزة قال: قرأت على أبي عبد الله جعفر الصادق القرآن بالمدينة فقال: ما قرأ علي أقرأ مِنْك ثم قال لست أخالفك في شيء من حروفك إلا في عشرة أحرف فإني لست أقرأ بها وهي جائزة في العربية فذكرها"
لقد أخذ حمزة قراءته عن ابن مسعود ولا يزالُ يُقْرأُ بِها إلى اليومِ , وفيها هذه القراءات التي ذُكِرت أعلاه بِتمامِها.
كما أخذها عن عبدالله بن مسعود , ولم يختلِف في قرائتِهِ عن علي بن أبي طالِبٍ أي شيء إلا هذه الأحرف العشرة .. !!!!
إذاً فقراءة حمزة والتي أخذها عن ابن مسعود لم تختلِف قط عن قشراءة علي ابن أبي طالب إلا في عشرة أحرُف ... وكِلا القِرائتيْنِ يُقرأ بشهِما اليوم قُرآناً يُتلى .... !!!
فنجِد في آخِر المصاحِف ... مكتوب اسم القراءة التي نقرأ بها:
فالمطبوع في المشرِق هو القرآن برواية حفص عن عاصِم
و المطبوع في المغرِبِ هو القرآن برواية ورش عن نافِع.
وقراءة ابن مسعود من المسموع في شرائِط قراء القرآن:
فيُمكِن أن نسمع للشيخ مشاري بن راشِد القرآن
بِرِواية خلاد عن حمزة أو القرآن برواية خلف عن حمزة .. !!
إذاً فقد وصلتنا قِراءة ابن مسعود تامة كامِلة تحوي المُعوِّتيْنِ كما قراهُما ابنُ مسعود ... وآمن بِقُرآنيّتِهِما .. !!
ويتبع
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:26 م]ـ
قال الله تعالى:
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
3 - أخيراً الحقيقة و الدليل القاطِع .. أن ابن مسعود آمن بٍِقُرآنية المُعوِّذتيْنِ .. بل وأقرأ الأمة كُلُّها بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً.
(في حين استحال على المسيحي الإتيان ولو بدليل واحِد
قد يُستفاد مِنه إنكار ابن مسعود للقرآنية أو موتهِ على ذلِك) ...
ابن مسعود رضي اللهُ عنهُ ينقُل لنا المُعوِّذتيْنِ قُرآناً
إن القُرآن الكريمَ لا ينتقِلُ بالمصاحِفِ ... ولا بالمسطور .. وإنما بالتلقي الشفاهي ,حِفْظاً في الصُّدور ... يُنقل القرآن سماعاً ... ولم يكُن لمُصحفِ عبداللهِ ابن مسعود أي أهمية تّذكِر في نقلِ القُرآنِ الكريم ... !!!
فلا يُنقل القُرآن إلا شفاهاً بالتلقي و الإقراء والعرض ... حِفظاً في الصدور ...
أخذ الرسول صلى اللهُ عليه وسلّم القرآن عن جبريل شفاها.
وأخذ الصحابة رضوان اللهِ عليْهِم القرآن عن رسول الله شفاهاً
ونقل الصحابة القرآنَ للتابِعين شفاها.
ومازال حتى اليوم يُنقل القُرآن مِن جيل إلى جيل سماعاً بالتلقي الشفاهي والحِفظِ في الصُدور
___________
إذاً الأهميّة في نقل ابن مسعود للقرآن هي في الإقراء بِهِ ... وليس في مُصحفِِهِ ... !!
لنحكُم هل أنكر ابن مسعود القرآنية ام لم يُنكِرها , فإن الحكم الفصل هو:
قِرائتُهُ وليس مُصحفُهُ .. !!
ولا يُقبل أي قراءة للقرآن في الدنيا كُلِّها إلا:
بالتواتُر
القُرآن الكريم كما قرأه ابن مسعود ..
هو بين أيدينا اليوم:
إن قراءة عبدالله بن مسعود للقرآن وصلتنا مُتواترة بالسند المُتصِل عنه إلى يومِنا هذا.!!
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً: فقد صح عنه ووصلنا منه قراءة عاصم وهو أحد القراء السبعة [2] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) حيثُ قرأ القرآن كله وفيه المعوذتان بأسانيد صحيحة ... حيثُ قرأ عاصمُ على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب وقرأ على أبي مريم زر بن حبيش الأسدي وعلى سعيد بن عياش الشيباني ... وجميعُهُم أخذوا القِراءة عن عبدالله بن مسعود , وفيها المعوذتان والفاتحة فكيف لم يقرأ بهما ولم يعتبِر قرآنيّتهُما؟!!! [3] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
2- لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً .... بما وصلنا عنهُ مِن قراءة حمزة وهو من القراء السبعة أيضا [4] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) قرأ القرآن كله بأسانيده الصحيحة وفيه المعوذتان عن ابن مسعود نفسه ... فقرأ حمزة على سليمان الأعمش والذي كان يُجوِّدُ حرف ابن مسعود , وقرأ الأعمش على زيد بن وهب ومسعود بن مالِك وكِلاهُما قرءا على ابن مسعود رضي اللهُ عنهُ ... [5] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
3- لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً .... بما وصلنا عنهُ مِن قراءة حمزة بسند ثان ... حيثُ قرأ حمزة على حمران بن أعين , وقرأ حمران بن أعين على قراءة ابن مسعود ولم يخرُج عن مُصحفِ عُثمان قط حيث اخذ القراءة عن يحيى بن وثاب والذي أخذ عن مسروق بن الأجدع وأبوعمرو الشيباني وزر بين حبيش , وجميعهم قرأوا بقراءة ابن مسعود رضي الله عنه [6] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
4- لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً .... بما وصلنا عنهُ مِن قراءة حمزة بسند ثالث حيث قرأ على أبي إسحاق السبيعي .. وقرأ السبيعي على علقمة بن قيس وعلى زر بن حبيش وعلى زيد بن وهب وعلى مسروق. وهم جميعاً عرضوا على عبدالله بن مسعود [7] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
5- لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً .... فقد صح عنه ووصلنا منه قراءة الكسائي , وهو أحد أئِمة القراءة العشرة [8] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4), والذي قرأ القرآن وفيه المعوذتان بسنده إلى ابن مسعود أيضا. ذلك أنه قرأ على حمزة الزيات الذي سبق ذِكرُ اسنادِه , فقرأ عليهِ القرآن الكريم عرضاً أربع مرات وعليه اعتماده. [9] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
6- لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً .... فقد صح عنه ووصلنا منه قراءة خلف [10] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) وفيها يقرأ المعوذتين في ضمن القرآن الكريم بسنده إلى ابن مسعود أيضا ... وذلك أنه قرأ على سليم بن عيسى و عبدالرحمن بن أبي حماد وهما قرءا على حمزة والذي انتهى سنده إلى عبدالله بن مسعود , وسمِع الحروف مِن الكِسائي والذي انتهى سنده إلى عبدالله بن مسعود كما بيّنا أعلاه ...
7 - لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً .... فقد صح عنه ووصلنا منه قراءة خلّاد [11] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) وفيها يقرأ المعوذتين في ضمن القرآن الكريم بسنده إلى ابن مسعود أيضا .. وذلك أنه قرأ على سُليم بن عيسى عن حمزة ... وعن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكْرٍ بن عيّاش (شعبة) عن عاصِم ... والذي انتهى سند كليهِما إلى عبدالله بن مسعود كما بيّنا أعلاه ....
(يُتْبَعُ)
(/)
8 - لقد ثبُت عن عبدالله بن مسعود, و بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً .... فقد صح عنه ووصلنا منه رواية شُعبة أبي بكر بن عياش عن عاصِم [12] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) وفيها يقرأ المعوذتين في ضمن القرآن الكريم بسنده إلى ابن مسعود أيضا ... فعاصِم أقرأ كل من شعبة أبي بكر بن عياش وحفص , فأقرأ حفص بقراءة علي بن أبي طالب كما أخذها عن عبدالرحمن السلمي .. وأقرأ شعبة بقراءة ابن مسعود كما أخذها من زر بن حُبيْش , [13] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) وقد تقدّم عاصِم وسنده في الفقرة الأولى.
______________________________
(1) عاصم بن بهدلة أبي النجود بفتح النون وضم الجيم وقد غلط من ضم النون أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي الحناط بالمهملة والنون شيخ الإقراء بالكوفة وأحد القراء السبعة، ويقال أبو النجود أسم أبيه لا يعرف له أسم غير ذلك وبهدلة اسم أمه وقيل اسم أبي النجود عبد الله، وهو الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي في موضعه جمع بين الفصاحة والاتقان والتحرير والتجويد وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، قال أبو بكر بن عياش لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول ما رأيت أحداً أقرأ للقرآن من عاصم بن أبي النجود , توفي آخر سنة سبع وعشرين ومائة (طبقات القراء 1/ 315 - 316).
(2) السبعة في القراءات لابن مجاهد 1/ 94 - 96) , غاية النهاية 1/ 315 - 316.
(3) حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الإمام الحبر أبو عمارة الكوفي التيمي مولاهم وقيل من صميمهم الزيات أحد القراء السبعة، ولد سنة ثمانين وأدرك الصحابة بالسن فيحتمل أن يكون رأى بعضهم وقال عنه سفيان الثوري غلب حمزة الناس على القرآن والفرائض وقال أيضا عنه ما قرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر، وقال عبيد الله بن موسى كان حمزة يقري القرآن حتى يتفرق الناس ثم ينهض فيصلي أربع ركعات ثم يصلي مابين الظهر إلى العصر وما بين المغرب والعشاء وكان شيخه الأعمش إذا رآه قل أقبل يقول هذا حبر القرآن توفي سنة ست وخمسين ومائة (غاية النهاية 1/ 236 - 238).
(4) السبعة في القراءات لابن مجاهد 1/ 97 , غاية النهاية 1/ 236 - 237.
(5) غاية النهاية 1/ 236 - 237.
(6) غاية النهاية 1/ 236 - 237.
(7) غاية النهاية 1/ 236 - 237.
(8) علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الاسدي مولاهم وهو من أولاد الفرس من سواد العراق كذا قال أبو بكر بن أبي داود السجستاني أبو الحسن الكسائي الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الاقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات، أخذ القراءة عرضاً عن " ع " حمزة أربع مرات وعليه اعتماده , واختلف في تاريخ موته فالصحيح الذي أرخه غير واحد من العلماء والحفاظ سنة تسع وثمانين ومائة صحبة هارون الرشيد بقرية رنبويه من عمل الري متوجهين إلى خراسان ومات معه بالمكان المذكور محمد ابن الحسن القاضي صاحب أبي حنيفة فقال الرشيد دفنا الفقه والنحو بالري (غاية النهاية لابن الجزري 1/ 474 - 478).
(9) غاية النهاية لابن الجزري 1/ 474 (2212).
(10) أخذ خلف القراءة كامِلة عن حمزة وإن خالفه في مائة وعشرين حرفاً تخيّرها من أئِمّة القراءات الأخرى , ولم يخرُج في جميع قِراءتِهِ عن قِراءةأئِمة الكوفة (حمزة والكِسائيُّ وشُعبة) إلا في قولِهِ تعالى (وحرام على قريةٍ أهلكناها) حيث قرأها كحفْص.
(11) خلاد بن خالد أبو عيسى وقيل أبو عبد الله الشيباني مولاهم الصيرفي الكوفي إمام في القراءة ثقة عارف محقق أستاذ من جُلة أصحاب حمزة , توفي سنة عشرين ومائتين. (طبقات القراء 1/ 248).
(12) شعبة بن عياش بن سالم أبو بكر الحناط بالنون الأسدي النهشلي الكوفي الإمام العلم راوي عاصم ولد سنة خمس وتسعين، وعرض القرآن على عاصم ثلاث مرات وعلى عطاء ابن السايب وأسلم المنقري ,ولما حضرته الوفاة بكت أخته فقال لها ما يبكيك أنظري إلى تلك الزاوية فقد ختمت فيها ثمان عشرة ألف ختمة، توفي في جمادي الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وقيل سنة أربع وتسعين.
(يُتْبَعُ)
(/)
(13) غاية النهاية 1/ 316 .. "وقال حفص قال لي عاصم ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر ابن حبيش عن ابن مسعود"
يتبع
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:27 م]ـ
إثبات تواتُر قِراءة عبدِ اللهِ بن مسعود:
1 - عدد التابِعين الذين أخذوا القُرآن عن ابن مسعود وتلقّوهُ مِنْهُ سماعاً (الطبقة الأولى: 14):
http://img512.imageshack.us/img512/4479/tabaka1qw9lc0.jpg
http://img182.imageshack.us/img182/3212/3ardcj1kk3.jpg
2- كل تابِعي مِن هؤلاء قام بنقل القرآن الذي أخذهُ عن ابن مسعود لمن خلفه (الطبقة الثانية):
http://img107.imageshack.us/img107/4649/tabaka2ce7mx2.jpg
بعد أن حذفنا الأسماء المُكررة ... سنجِد أن الطبقة الثانية أعلاه تكوّنت من 17 حامِل للقرآن عن الطبقة الأولى الأربعة عشر .... وهؤلاء هم من وصلنا عنهم الإسناد ولم نذكُر إطلاقاً من انقطع اسنادهم ... والآن لنُكمِل .... ولنرى الطبقة الثالِثة .....
الطبقة الثالِثة عن الذين أخذوا عن ابن مسعود ... (الطبقة الثالثة: و قد تعدّوا السبعين) .. !!
http://img341.imageshack.us/img341/1968/tabaka3tn9zp2.jpg
وهكذا إخوتنا الأحباب .. نقلنا لكُم تواتُر القُرآن عن ابن مسعود وحده ... وهو صحابيٌّ جليل من بين آلاف الصحابة , ولم ننقُل التواتُر عن باقي الصحابة ...
واكتفيْنا بعبدالله بن مسعود ... لأن الحِوار حول مُصحفِهِ وقِرائتِه ... ولأن الحِوار حول هل قرأ ابن مسعود المعوِّذتيْنِ أم أنكرها ... !!!
ولكُم أن تتخيّلوا أن هذه الطبقات الثلاثة عن ابن مسعود ... هم عدد من أخذوا القرآن عن عبدالله بن مسعود في قرابة خمسين عاماً فقط أو أقل ...
مِن عبد الله ابن مسعود---->> إلى أكثر من 14 - ---->> ومِنهم إلى أكثر من سبعين ----->> إلى ماشاء الله ----->> الخ.
وهكذا نأتي اليوم في عام 1428 هجرية ... ولدينا ... ليس آلاف بل ملايين الأسانيد المتصلة إلى عبدالله بن مسعود ... وغيْرِهِ مِن صحابةِ رسول الله
لا يُمكِن أن يقرأ قارىء مِن مشاهير القراء .. الذين نسمعهم في الإذاعات والتلفاز ليل نهار .. القرآن دون أن ياخُذ إجازة مِن شيخِهِ بأنه قد أتقن القِراءة حِفظاً عن ظهر قلب .. وكأنه يقرأ اسمه ... والإجازة هي الإسناد أخذ القراءة عن كذا عن كذا عن كذا .... وصولاً إلى رسول الله صلى اللهُ عليْهِ وسلّم.!!
وهكذا وصلتنا قِراءة عبدالله بن مسعود ولا تزال يُقرأ بِها في السودان وفي بعض مناطِق افريقيا ... ولا يزال يقرأ بها المُقرِئون في الإذاعات ...
وهذا الرد ردُ ليس على المعوذتيْن فقط
بل على من ادعى ان عُثمان ابن عفان قضى على قراءة ابن مسعود
فهذا الحِوار رد على هؤلاء و هؤلاء
والحمدُلله على نِعمة الإسلام
والحمدُلله على حِفْظِ القُرآن
والحُمدلله أن جعلني مِن أمة لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله
ـ[أمير عبدالله]ــــــــ[12 Sep 2008, 03:32 م]ـ
انتهى الحِوار حول قُرآنِيّةِ المعوذتين عند الرسالةِ أعْلاهِ ... فإن كُنتُ قد أصبْتُ ووُفِّقت ... فما توفيقي إلا بالله ... وإن كُنْتُ أخطأتُ فمن نفْسي والشيْطان ... وبقي تعليقات أساتِذتنا وشيوحِنا الأفاضِل ... أعزّهُم الله .. فلا حرمنا الله وإيّاكُم من حقِّ النصح والتوْجيهِ ... وأخيراً لا تنسونا مِن صالحِ دُعائِكُم
ـ[مسافر وحدي]ــــــــ[01 Oct 2008, 05:11 م]ـ
1 - لقد ثبُت عنه بالدليل القاطِعِ أنه أقرأ بالمُعوِّذتيْنِ قُرآناً: فقد صح عنه ووصلنا منه قراءة عاصم وهو أحد القراء السبعة [2] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4) حيثُ قرأ القرآن كله وفيه المعوذتان بأسانيد صحيحة ... حيثُ قرأ عاصمُ على أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب وقرأ على أبي مريم زر بن حبيش الأسدي وعلى سعيد بن عياش الشيباني ... وجميعُهُم أخذوا القِراءة عن عبدالله بن مسعود , وفيها المعوذتان والفاتحة فكيف لم يقرأ بهما ولم يعتبِر قرآنيّتهُما؟!!! [3] ( http://www.imanway1.com/horras/showthread.php?p=82879#_ftn4)
جزاك الله كل خير استاذنا الحبيب د امير
و كل عام و انت بخير
بالفعل , تابعنا هذه المناظرة , و التى قمت فيها بافحام كل النصارى الذين شاركوا
و من فقرتك السابقة , يمكننا ان نقول ان الصحابي الجليل (ابن مسعود) رضي الله عنه قد اتم حفظ القران , و ليس فقط 70 سورة كما يدعي البعض
و انه نقل الينا القران كاملا كما نعرفه في القراءات السبعة ليس فيه حرفا ناقصا
و الحمد لله على نعمة الاسلام(/)
النجم الثاقب والمطارق الكونية
ـ[العابدة المؤمنة]ــــــــ[22 Sep 2008, 09:03 م]ـ
الحمد لله على نعمة الاسلام
أحبتي هذا بحث ينبهنا لضرورة التعمق العلمي لبعض آيات القرآن الكريم فتأملوا معي!
هذا مقطع من المقال:
من عظمة كتاب الله تعالى أنه تناول الكثير من الحقائق الكونية المبهرة، وعندما يكون الحديث عن مخلوق عظيم فإن الله يقسم به، والله يقسم بما يشاء من خلقه. فقد أقسم الله تعالى بنجوم عظيمة فقال: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ) [الطارق: 1 - 3].
وقد احتار المفسرون في تفسير هذه الآيات الكريمات، ولكنهم أجمعوا على أن الله أقسم بنجوم شديدة اللمعان والإضاءة، وهذا ما وصلت إليه معارفهم في ذلك العصر. ولكننا في العصر الحديث وأمام التطورات الكبيرة التي شهدها علم الفلك، فإن أفضل تفسير علمي لهذه الآيات هو أنها تتحدث عن النجوم النيوترونية، وقد يتطور العلم فيكشف لنا أشياء جديدة لا نراها اليوم ليبقى القرآن هو المعجزة الخالدة.
وقد يقول قائل كيف علمتَ أن النجم الثاقب هو ذاته النجم النيوتروني؟ لذلك سوف نعدد بعض أوجه الإعجاز في هذه الآيات ونلخصها في نقاط محددة:
1 - من خلال الحقائق اليقينية السابقة ندرك أن أهم صفتين للنجوم النيوترونية كما يصرح بذلك كبار علماء الفلك هما: الطرق المستمر والمنتظم، وبث موجات جذب تخترق وتثقب أي شيء، وهذا ما لخصه لنا القرآن بكلمتين فقط (الطارق، الثاقب).
2 - للمتابعة وفهم المطارق الكونية تابع معي على الرابط التالي:
http://www.kaheel7.com/modules.php?name=News&file=article&sid=475
وادعوا الله أن يرحمنا ويغفر لنا ويعتقنا من النار ان شاء الله.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[30 Sep 2008, 12:07 ص]ـ
(وقد احتار المفسرون في تفسير)؟!
ـ[العابدة المؤمنة]ــــــــ[30 Sep 2008, 12:51 م]ـ
أخي الفاضل
تفضل برأيك الكريم بشيء من التفصيل لو سمحت
لعله يضيف الينا ماهو أنفع!(/)
مشروع ألماني للتوثيق القرآني
ـ[محمد الأمين بن محمد المختار]ــــــــ[26 Sep 2008, 09:54 م]ـ
مشروع ألماني للتوثيق القرآني
داخل أكاديمية برلين- براندنبرج للعلوم والإنسانيات في ألمانيا يعمل عدد من الباحثين في مجال العلوم الإسلامية على مشروع كبير يحمل عنوان " CorpusCoranicum" وهو اسم لاتيني معناه "الجسم القرآني". ويهدف المشروع البحثي إلى اكتشاف وجمع النصوص القرآنية التاريخية القديمة لربط تلك النصوص بالسياق التاريخي والثقافي الذي نزلت فيه. حول هذا المشروع التقى "إسلام أون لاين" في برلين مع اثنين من الباحثين فيه، وهما مديرة المشروع البروفيسور الألمانية أنجيلكا نيوفيرث المتخصصة في الدراسات العربية والدراسات القرآنية بجامعة برلين الحرة، والباحث الألماني ميشيل ماركس المتخصص في الدراسات العربية بجامعة برلين الحرة ومدير فريق البحث بالمشروع.
أكدت مديرة المشروع أنجيلكا نيوفيرث أن المشروع بدأ الإعداد له منذ سنوات طويلة، ولكن بدأ تنفيذه بالفعل في عام 2007 بتمويل 2 مليون يورو من أكاديمية برلين-براندنبورج للعلوم والإنسانيات في ألمانيا، والتي أنشئت عام 1700 وتعد من أشهر الأكاديميات العلمية في ألمانيا وأوروبا، حيث تضم مجموعة من أكبر الباحثين وتمول بواسطة الحكومة الفيدرالية في ولايتي برلين وبراندنبرج.
قاعدة بيانات لحفظ المخطوطات القديمة
يستغرق المشروع 18 عاما بحسب قول أنجليكا، وينقسم إلى مرحلتين، المرحلة الأولى التي بدأت عام 2007 ومن المتوقع أن تنتهي في عام 2009 تركز على اكتشاف وتجميع جميع النصوص القرآنية القديمة المتواجدة في المخطوطات القديمة عبر تطور النص العربي للقرآن بدءا من أول نسخة حجازية وحتى النسخة المطبوعة للقرن العشرين.
وتقول أنجليكا إنه يعمل في المشروع 15 باحثا من ألمانيا وبعض الدول العربية والعالمية، وهم من المتخصصين في العلوم الإسلامية والمخطوطات القرآنية والخط العربي وعلم فلسفة اللغات، بالإضافة إلى خبراء في قواعد البيانات الإلكترونية، وذلك بهدف تتبع تاريخ النص القرآني وتطوره لرسم صورة للحالة الذهنية والثقافية التي كانت سائدة فترة نزول القرآن.
ثم سيبدأ الباحثون المتخصصون في إنشاء قاعدة بيانات تكون بمثابة بنك معلومات إلكتروني شامل يتضمن جميع المخطوطات التي حفظت القرآن ودونته بخطوط مختلفة مثل أول مخطوطة للقرآن، والتي تعود لعام 700م، كما سيتضمن بنك المعلومات القراءات المتعددة للنص القرآني، إضافة إلى نصوص تراثية من العصور السابقة على القرآن باللغات اللاتينية واليونانية والآرامية والعبرية.
وتوضح أنجيلكا أنه ما زال من المبكر التعرف على ما سيخرج به فريق البحث من نتائج وما ستوضحه النصوص التي يتم جمعها الآن، مشيرة إلى أنه من المحتمل أن يستغرق المشروع البحثي فترة أكثر من الـ18 عاما المخصصة له، لأنه مشروع ضخم ويعد الأول من نوعه في العالم.
شرح المشروع بدول إسلامية
وتشير إلى أنها ذهبت مع فريق المشروع قبل وبعد بدايته إلى عدد من الدول العربية والإسلامية لشرح المشروع هناك في ورش عمل ومحاضرات مختلفة ومن هذه الدول إيران، وتركيا، والمغرب وسوريا.
وتنطلق فكرة المشروع من الطبيعة الحية للنص القرآني، فهو نص أخذ يتشكل عبر أكثر من عشرين عاما، وهي الفترة التي نزل فيها على النبي محمد.
كما يصف ميشيل ماركس، مدير فريق البحث بالمشروع، فلسفة المشروع قائلا: "القرآن نص متعدد المعاني، وينفرد بتنوعه الصوتي، فالنص القرآني كتب بخطوط مختلفة مما أدى إلى حدوث تباين بسبب اختلاف طريقة رسم الحروف، فالخطوط القديمة كانت تخلو من النقاط المصاحبة للحروف، كما أكسبت القراءات المختلفة للقرآن فيما بعد طرقا مختلفة لسماعه، إضافة إلى تحوير لبعض معانيه".
(يُتْبَعُ)
(/)
ويوضح ماركس أن إرفاق النصوص التراثية من العصور السابقة على القرآن كالنصوص المسيحية واليهودية لا يهدف إطلاقا إلى إرجاع بعض الآيات القرآنية إلى أصل سابق عليها، وإنما يهدف إلى وضع النص القرآني في السياق الثقافي والتاريخي الذي ظهر فيه، مما يلقي الضوء على الحالة الذهنية لمتلقيه وطبيعة نظرتهم للعالم في ذلك الوقت، حيث إن المشروع لا يضع شخصية النبي محمد في صدارة اهتمامه وإنما يركز على المتلقين للقرآن، الذين نشئوا في ظل الأفكار والنصوص التي كانت منتشرة آنذاك.
ويطمح ماركس أن تنتهي المرحلة الأولى من المشروع قريبا؛ ليكون بنك المعلومات جاهزا نهاية العام القادم، وسيكون بالإمكان الاطلاع عليه عبر شبكة الإنترنت الخاصة بالأكاديمية www.bbaw.de.
وحاليا يعكف فريق البحث على الاطلاع على القراءات المختلفة وتقييمها، كما يقوم بحصر المخطوطات والنصوص المتفرقة بين المكتبات والمتاحف لجمع وتوثيق هذه النصوص التي انتقلت كتابيا وشفهيا، ساعيا لمعرفة تاريخ كتابتها حتى يتم تحديد أي النصوص أقدم، على أساس بحثي علمي، بحسب قول ماركس.
ويرى ماركس أن المشروع حصد ثناء كبيرا عند تقديمه في المغرب وإيران وتركيا، لذلك لا يعتقد بأنه سيثير غضب الإسلام الأصولي الذي لا يؤمن بتاريخية القرآن -حسب تعبيره-.
ويهدف المشروع أساسا إلى توثيق التراث الإسلامي، مضيفا أن وضع النص القرآني في سياقه التاريخي سيمكننا من التعرف على الطريقة التي لمس بها أسئلة عصره واكتشاف المحيط التي نزلت فيه، وكيف استقبل الناس النص في العصور القديمة، مشيرا إلى أنهم يبحثون في المشروع على الأرشيف القديم المفقود الذي يضم المخطوطات والنصوص التي انتقلت بصورة مكتوبة وصورة شفهية، بالإضافة للبحث عن الكتب المنسية المتعلقة بالقرآن، وذلك لنتمكن من رؤية القرآن في سياق التاريخ البشري.
إحضار القرآن إلى أوروبا
فالمرحلة الأولى للمشروع سوف تحشد وتجمع كل ما يتعلق بالقرآن، مثل النسخة التي عثر عليها في اليمن في السبعينيات وبالتحديد عام 1973، وكانت غير منقطة وبدون تشكيل.
ويؤكد ماركس أن المشروع ليس موجها إلى العالم الإسلامي في الأساس، وليست الفكرة منه توضيح معنى النص القرآني للمسلمين، وإنما يهدف المشروع بشكل رئيسي، ويمكن لمس ذلك من العنوان اللاتيني، إلى إحضار القرآن إلى أوروبا، أي إلى تقديم القرآن للقارئ أو الباحث الأوروبي بشكل مرجعي يوضح أن التقاليد الإسلامية ليست غريبة عن التقاليد المسيحية واليهودية المعروفة في أوروبا، وأن القرآن يشترك في ذلك التراث ويبني عليه شيئا جديدا، نريد أن نقول إننا سنساهم في وضع رؤية تاريخية مشتركة، فيها العادات الإسلامية والمسيحية واليهودية، بحسب قوله.
ويوضح ماركس أن المرحلة الثانية من المشروع تختص بالتحليل والتعليق على هذه النصوص والمخطوطات في إطار عملية التطور التاريخية الخاصة بها، أي أن المرحلة الثانية تهدف إلى تحليل المرحلة الأولى، في محاولة لفهم الجو الديني والحقبة التاريخية التي عاصرت انبعاث الإسلام، في محاولة إعادة تصنيعها للاقتراب من فهم أفضل للنص القرآني لتسهيل فهم القرآن على غير المسلم المعاصر.
نظرة الشك والريبة للمشروع
وعن الشك والريبة التي يمكن أن ينظر إليها بعض العرب والمسلمين للمشروع على أنها محاولة لوضع القرآن في سياق تاريخي يجعله يبدو على أنه لا يصلح للوقت الحالي، يؤكد ماركس أن هناك دائما شكا عربيا تجاه العلماء والباحثين الأجانب الذين يعملون في مجال الدراسات القرآنية، ولكننا معنا باحثون عرب مثل منصف بن عبد الجليل الباحث التونسي المسلم المتخصص في الآداب والعلوم الإنسانية.
ويشير إلى أنه من المعروف كحقيقة ثابتة للمسلمين وغيرهم أن نص القرآن ليس هو كما كتب في عصر محمد، بل إن القرآن تطور، وأبرز دليل على ذلك أن القرآن في البداية كتب دون تشكيل، ولكن مع بداية تاريخ تدوين القرآن تم إضافة علامات التشكيل إليه.
وحول هذا الأمر تقول مديرة المشروع أنجيليكا نيوفريث إن هناك دائما جدلا يصاحب مختلف المشروعات البحثية المتعلقة بالقرآن، وتسرد مثالا على ذلك بأن هناك بعض المسلمين الذين يرفضون الكثير من النسخ القرآنية المترجمة إلى لغات عالمية مختلفة؛ لأنها ليست مثل النسخة العربية.
وترى أنجيليكا أن في هذه الأمر ظلما وإجحافا لكتاب عظيم مثل القرآن؛ لأنه لو نظرنا للقرآن فسنجد بصورة واضحة البعد الجمالي فيه، وسنرى أنه كان دائما جزء من توصيله وكيفية استقبال الناس له، وما زال كذلك، فالقرآن نص متعدد الوسائط الإعلامية، على حد قولها.
وأشارت إلى بعض الترجمات التي أسهمت في فهم أفضل للقرآن لدى الغرب، وحازت على ثناء بعض المسلمين مثل الترجمة التي ظهرت في أوائل القرن الـ19 للشاعر والمترجم الألماني فردريش روكيرت وكانت ناجحة؛ لأنها أوصلت القرآن بطريقة شعرية جمالية، بينما ترجمة رودي باريت وهانس زيركر معروفة أكثر في الأوساط الأكاديمية العلمية؛ لأنها تقصر النص على جانبه المتواصل أي الذي لا يرتبط بخطة، بل يتنقل من موضوع أو فكرة إلى أخرى دون خطة، وهذا ما يخيف القارئ الغربي الذي ليس لديه أي اهتمام بالأمور العلمية الخاصة بالجدل الديني.
وعبرت عن أن الجدل والنقد مصاحب لأي مشروع بحثي وعلمي، ولكنها ترى أن الأهم الآن إحضار القرآن إلى أوروبا والمساهمة في تقريب القرآن لغير المسلمين على أسس علمية بحثية واضحة.
عن إسلم أون لاين(/)
لم أسلم هؤلاء؟
ـ[العابدة المؤمنة]ــــــــ[30 Sep 2008, 01:10 م]ـ
أحبتي! من ينظر للاسلام بتجرد ومصداقية وجدانية بعيدا عن الأحقاد والتزمت مصيره كمصير كيث مور و كيت ستيفن! لنلقي نظرة!
أولا قصة العالم كيث مور؟
نبذة عنه: البروفيسور كيث مور من أكبر علماء التشريح والأجنة في العالم, في عام 1984 إستلم الجائزة الأكثر بروزا في حقل علم التشريح في كندا (جي. سي. بي) جائزة جرانت من الجمعية الكندية لاختصاصيي التشريح ترأس العديد من الجمعيات الدولية، مثل الجمعية الكندية والأمريكية لاختصاصيي التشريح ومجلس إتحاد العلوم الحيوية.
وهذه قصة إسلامه من كتاب الذين هدى الله للدكتور زغلول النجار:
دعيت مرة لحضور مؤتمر عقد للإعجاز في موسكو فكرهت في بادئ الأمر أن أحضره لأنه يعقد في بلد كانت هي عاصمة الكفر والإلحاد لأكثر من سبعين سنة وقلت في نفسي: ماذا يعلم هؤلاء الناس عن الله حتى ندعوهم إلي ما نادي به القرآن الكريم؟!.فقيل لي: لابد من الذهاب فإن الدعوة قد وجهت إلينا من قبل الأكاديمية الطبية الروسية.
فذهبنا إلى موسكو وفي أثناء استعراض بعض الآيات الكونية وبالتحديد عند قول الله تعالي: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) -السجدة:5 - .
وقف أحد العلماء المسلمين وقال: إذا كانت ألف سنة تساوي قدران من الزمان غير متكافئين دل ذلك علي اختلاف السرعة.
ثم بدأ يحسب هذه السرعة فقال: ألف سنة .. لابد وأن تكون ألف سنة قمرية لأن العرب لم يكونوا يعرفون السنة الشمسية والسنة القمرية اثنا عشر شهراً قمرياً ومدة الشهر القمري هي مدار القمر حول الأرض, وهذا المدار محسوب بدقة بالغة, وهو 2.4 بليون كم. فقال: 2.4 بليون مضروب في 12 - وهو عدد شهور السنة-ثم في ألف سنة, ثم يقسم هذا الناتج علي أربع وعشرين-وهو عدد ساعات اليوم-ثم على ستين-الدقائق-ثم علي ستين-الثواني-.فتوصل هذا الرجل إلي سرعة أعلي من سرعة الضوء. فوقف أستاذ في الفيزياء- وهو عضو في الأكاديمية الروسية-وهو يقول:لقد كنت كنت أظنني-قبل هذا المؤتمر-من المبرزين في علم الفيزياء, وفي علم الضوء بالذات, فإذا بعلم أكبر من علمي بكثير.
ولا أستطيع أن أعتذر عن تقصيري في معرفة هذا العلم إلا أن أعلن أمامكم جميعاً أني (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).
ثم تبعه في ذلك أربعة من المترجمين, الذين ما تحدثنا معهم على الإطلاق وإنما كانوا قابعين في غرفهم الزجاجية يترجمون الحديث من العربية إلي الروسية والعكس, فجاءونا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ليس هذا فحسب وإنما علمنا بعد ذلك أن التلفاز الروسي قد سجل هذه الحلقات وأذاعها كاملة فبلغنا أن أكثر من 37 عالماً من أشهر العلماء الروس قد أسلموا بمجرد مشاهدتهم لهذه الحلقات.
ليس هذا فحسب .. وإنما كان معنا أيضاًً كيث مور*وهو من أشهر العلماء في علم الأجنة ويعرفه تقريباً كل أطباء العالم, فهو له كتاب يدرس في معظم كليات الطب في العالم وقد ترجم هذا الكتاب لأكثر من 25 لغة فهو صاحب الكتاب الشهير ( The Developing Human). فوقف هذا الرجل في وسط ذلك الجمع قائلاً:
"إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث, وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله, وأن محمداً رسول الله"
.فقيل له: هل أنت مسلم؟!؟.قال: لا ولكني أشهد أن القرآن كلام الله وأن محمداً مرسل من عند الله. فقيل له: إذاً فأنت مسلم, قال: أنا تحت ضغوط اجتماعية تحول دون إعلان إسلامي الآن ولكن لا تتعجبوا إذا سمعتم يوماً أن كيث مور قد دخل الإسلام. ولقد وصلنا في العام الماضي أنه قد أعلن إسلامه فعلاً فلله الحمد والمنة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عقد في القاهرة عام 1986 وقف الأستاذ الدكتور، كيث مور ( Keith Moore) في محاضرته قائلاً: (إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين).
علماً أن مراحل خلق الإنسان (بني آدم) التي ذكرها القرآن هي سبع مراحل. قال تعالى: ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)) [المؤمنون 12ـ14]
وقد أثبت علم الأجنة هذه المراحل وصحتها وتطابقها مع المراحل المذكورة في القرآن. وهذه المراحل هي:1 - أصل الإنسان (سلالة من طين) 2 - النطفة 3 - العلقة 4 - المضغة 5 - العظام 6 - الإكساء باللحم 7 - النشأة.
وقد اعتبر المؤتمر الخامس للإعجاز العلمي في القرآن والسنة والذي عقد في موسكو (أيلول 1995) هذا التقسيم القرآني لمراحل خلق الجنين وتطوره صحيحاً ودقيقاً وأوصى في مقرراته على اعتماده كتصنيف علمي للتدريس علماً أن الأستاذ الدكتور كيث مور Keith Moore وهو من أشهر علماء التشريح وعلم الأجنة في العالم ورئيس هذا القسم في جامعة تورنتو بكندا (والذي كان أحد الباحثين المشاركين في المؤتمر المذكور)، ألف كتاباً يعد من أهم المراجع الطبية في هذا الاختصاص (مراحل خلق الإنسان _ علم الأجنة السريري) وضمنه ذكر هذه المراحل المذكورة في القرآن، وربط في كل فصل من فصول الكتاب التي تتكلم عن تطور خلق الجنين وبين الحقائق العلمية والآيات والأحاديث المتعلقة بها وشرحها وعلق عليها بالتعاون مع الشيخ الزنداني وزملائه.
ثانيا قصة إسلام المطرب البريطاني كات ستيفن
بقلم فراس نور الحق
ولد كات ستيفنز جورجيو في 21 يوليو 1947 بلندن في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانيًا أرثوذكسيًا، بينما والدته سويدية كاثوليكية، في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع البريطاني طبقًا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلهًا إذا أتقن عمله، فشجعه هذا على إجادة الغناء؛ إذ إنه سجل 8 شرائط قبل أن يبلغ العشرين من عمره، ووصلت إحدى أغنياته ضمن أفضل 10 أغنيات في بريطانيا آنذاك، فغيّر اسمه إلى كات ستيفنز، وهو الاسم الذي ذاعت به شهرته وأصبح يحلق في آفاق أوروبا كلها أثناء موجة "الهيبز" في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد تعدى الثانية والعشرين من عمره بعد!
وعندما أتم عامه الثاني والعشرين أصيب كات ستيفنز بمرض السل الذي أقعده في الفراش معزولاً عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبًا عكف فيه على القراءة في كتب الفلسفة والتصوف الشرقي وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي؛ إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء ولكن بمفاهيم جديدة تتسق مع ما قرأه في أثناء المرض.
وبالفعل حققت أغنيتاه "الطريق لمعرفة الله"، و"ربما أموت الليلة" نجاحًا كبيرًا زاده حيرة، فطرق باب البوذية ظنًا منه أن السعادة هي أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، فصار قدريًا وآمن بالنجوم وقراءة الطالع، ثم انتقل للشيوعية ظنًا منه أن السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع ولكنه شعر أنها لا تتفق مع الفطرة، فاتجه كات ستيفنز إلى تعاطي الخمور والمخدرات ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير بعد أن أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين، وعاد إلى تعاليم الكنيسة التي أخبرته أن الله موجود ولكن يجب أن تصل له عبر وسيط، فأدى هذا به إلى أن يختار الموسيقى دينًا له يفرغ فيها أفكاره ومعتقداته ثم في نهاية المطاف هداه الله تعالى إلى الإسلام وحسن
(يُتْبَعُ)
(/)
إسلام فأسس المدرسة الابتدائية الإسلامية تحت اسم "إسلامية"، ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين والبنات في شمال لندن -وهما أول مدرستين إسلاميتين بريطانيتين
صورة للمدرسة الإسلامية
أما عن قصة إسلامه فدعونا يحدثنا هو بنفسه عن قصة إسلامه:
" كل ما أريد أن أقوله هو كل ما قد عرفتموه، لنؤكد ما قد عرفتموه: رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم التي أنزلها الله تعالى ـ دين حق. نحن كبشر قد أعطينا الأدلة على الخالق الذي وضعنا في قمة المخلوقات.
لقد خُلق الإنسان ليكون خليفة لله في الأرض ومن المهم أن ندرك التزامنا بأن نخلص أنفسنا من كل الأوهام ونجعل حياتنا إعداد للحياة الآخرة وأي شخص يفقد هذه الفرصة لن يعطى فرصة لأن يعود مرة أخرى لأنه ورد في القرآن الكريم حَتَّى قال الله تعالى:
(إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (سورة المؤمنين:9).
تربيتي الدينية المبكرة:
لقد نشأت في العالم المتقدم بكل الرفاهية والحياة المترفة، لقد ولدت في بيت مسيحي ونحن نعرف بأن كل طفل يولد على الفطرة ووالديه يجعلانه في هذا الدين أو ذاك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ..
لقد أعطيت هذا الدين (النصرانية) وفكرت بهذه الطريقة لقد تعلمت وهي أن الله موجود، ولكن لا يوجد اتصال مباشرة مع الله لذلك يتوجب علينا أن نتصل بالله بواسطة المسيح هو في الواقع الباب المؤدي إلى الله وهذا ما عُّلمته ولكن لم أتقبله على الإطلاق.
لقد نظرت إلى بعض تماثيل المسيح إنما مجرد حجارة بدون حياة وعندما قالوا بأن الله ثلاثة أنا تحيرت كثيراً، ولكن لم أستطع المجادلة، أنا أعتقد بذلك نوعاً ما لأنني يجب علي أن أحترم معتقدات والديّ.
"نجم البوب ":
أصبحت بشكل تدريجي معزولاً عن هذه التربية الدينية، بدأت بعزف الموسيقى وأنا أريد أن أصبح نجماً كبيراً، لقد أخذت اهتمامي كل تلك الأشياء التي شاهدتها في الأفلام ووسائل الإعلامية وربما اعتقدت بأن هذا هو ربي وهو جمع النقود، لدي عم يملك سيارة جميلة. قلت: حسناً هو يمتلكها، هو يملك الكثير من النقود لقد أثر بي الناس الذين حولي لأن أفكر بأنه هو هذا العالم هو ربهم بعد ذلك قررت بأن هذه هي الحياة بالنسبة لي لجني الكثير من النقود، يكون لدي حياة عظيمة.
الآن نجوم البوب هم مثّلي. لقد بدأت بالأغاني ولكن لدي شعور عميق بالإنسانية، الشعور بأن إذا أصبحت غنياً سأساعد المحتاجين كما يقول في القرآن قال الله تعالى: قول الله تعالى: {إنَّ الإنسان خُلق هلوعاً. إذا مسَّه الشر جزوعاً. وإذا مسَّه الخير منوعاً} "المعارج: 19 – 21".
وهكذا ما حدث أنني أصبحت مشهوراً جداً وأنا لا أزال مراهقاً، لقد أصبح اسمي وصوري في كل وسائل الإعلام لقد جعلاني أكبر من الحياة، ولذلك أردت أن أعيش أكثر من الحياة والطريقة الوحيدة لفعل ذلك يجب أن أكون منتشي بالكحول والمخدرات.
في المستشفى:
بعد سنة من النجاح المالي والحياة المترفة، أصبحت مريضاً جداً وكان لزاماً عليّ أن أدخل المستشفى، بعد ذلك أصبحت أفكر ماذا سيحدث لي، هل أنا جسد فقط!!
وكان هدفي في الحياة فقط أن أرضي هذه الجسد، لقد أدركت الآن بأن هذه المحنة هي نعمة من الله، فرصة لأن أفتح عينيّ لماذا أنا هنا؟ لماذا أنا في السرير؟
وبدأت أبحث عن الأجوبة في ذلك الوقت كان هناك اهتمام بالصوفية الشرفية أنا بدأت أقرأ عنها.
صورة ليوسف إسلام مع الملاكم المشهور محمد علي كلاي
وأول شيء بدأت أدركه هو الموت وأن الروح تتحرك، إنها لا تتوقف شعرت بأنني أشعر أشق الطريق إلى النعمة والإنجاز العظيم بدأت أتأمل وأكثر من ذلك أصبحت نباتي،أنا الآن أعتقد بالسلام والزهور .. وهذه كانت النزعة العامة لي، ولكن ما أعتقد به بشكل خاص بأنني لست جسداً فقط هذا الشعور أتى لي بي إلى المستشفى.
في يوم من الأيام عندما كنت أمشي وقد هطل المطر، بدأت أركض إلى مأوى وثم أدركت بأن جسدي قد تبلل أخبرني جسدي بأنني أتبلل هذا جعلني أفكر بالقول بأن الجسد مثل الحمار ويجب أن يدرب إلى أين أذهب، وإلا سيقودك الحمار إلى الذي يريده.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم أدركت بأن لديّ إرادة من الله لهدايتي، أنا كنت مندهشاً بالمصطلحات الجديدة، أنا كنت أتعلم الديانة الشرقية.
بدأت بعزف الموسيقى مرة أخرى وهذه المرة بدأت أعكس أفكاري.
أنا أتذكر القصيدة الغنائية التي تقول " أنا أتمنى أن أعرف ما أتمنى أن أعرف من صنع الجنة، من صنع النار .. هل سأعرفك في السرير أو في القبر الترابي بينما الآخرين يصلون إلى الفندق الكبير وأنا عرفت بأنني كنت على الأرض" أنا كتبت أغنية أيضاً طرق معرفة الله حتى أنني أصبحت أكثر شهرة في عالم الموسيقى، أنا حقاً كان لدي وقت صعب أن أصبح غني ومشهور وبنفس الوقت أنا أبحث عن الحقيقة بشكل حاد، ثم وصلت إلى مرحلة حيث قررت بأن البوذية هي صحيحة تماماً ونبيلة ولكن لم أكن مستعداً لأن أصبح راهباً وأعزل نفسي عن المجتمع.
أنا حاولت دراسة الدلالة السحرية للأعداد (زين)، (تشنج) وبطاقات التنجيم حاولت أن أنظر مرة أخرى على الإنجيل ولم أستطع أن أجد أي شيء في هذا الوقت لم أكن أعرف أي شيء عن الدين الإسلامي.
لقد زار أخي المسجد الأقصى في القدس وكان متأثراً بشدة لأنه كان ينبض بالحياة يسود فيه من ناحية أخرى السلام على خلاف (الكنائس والكنيس التي كانت فارغة).
القرآن:
عندما عاد إلى لندن أحضر معه ترجمة لمعاني القرآن الكريم أعطاني إياها هو لم يصبح مسلم ولكن شعر بشيء ما في هذا الدين وفكر بأنه ربما أجد شيء ما فيه أيضاً.
وعندما تلقيت الكتاب الهادي الذي سيُشرح فيه كل شيء، من أنا؟ ما هي الغاية من الحياة، ما هي الحقيقة، وكيف تكون الحقيقة.؟ من أين أتيت؟ أنا أدركت بأن هذا هو الدين الحق. ليس الدين الذي يفهمه الغرب، ليس فقط لشيخوختهم.
بالنسبة للغرب عندما تعتقد بدين وتجعله هو الشيء الوحيد طريقاً لك في الحياة تعتبر متعصباً أنا لست متعصباً. أنا كنت تائهاً بين الجسد والروح في البداية، ثم أدركت بأن الجسد والروح ليسا منفصلين، لا يتوجب عليك أن تذهب إلى الجبل لأن تصبح متدين يجب أن تتبع إرداة الله. ثم تستطيع أن تسموا أعلى من الملائكة.
أول شيء أريد أن أفعله الآن هو أن أكون مسلم.
لقد أدركت بأن كل شيء يعود إلى الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو خالق كل شيء من هذه النقطة بدأت أفقد التكبر في نفسي. وأدركت بأنني هنا بسبب عظمتي الخاصة ولكنني أدركت بأنني لم أخلق نفسي. وكل الغرض من وجودي هنا هو لأخضع للتعاليم التي وضعت من قبل الدين الذي يعرفه الإسلام. من هذه النقطة بدأت أكتشفت إيماني شعرت بأنني مسلم.
وأدركت الآن بفضل قراءة القرآن بأن كل الأنبياء قد أرسلهم الله يحملون نفس الرسالة فلماذا يكون المسيحيين واليهود مختلفين؟.
أنا عرفت الآن كيف لم يقبل اليهود عيسى المسيح وغيروا كلام الله، حتى أن النصارى أخطأوا في فهم كلام الله ودعوا عيسى ابن الله، هذا هو جمال القرآن، يطلب منك أن تعكس وتفكر وأن لا تعبد الشمس والقمر وبخلق الله بشكل عام هل تدرك ما هو الاختلاف بين الشمس والقمر؟
هما على أبعاد مختلفة عن الأرض ولكن يبدوان بنفس الحجم بالنسبة لنا، وفي بعض الأوقات الواحد يتداخل بالآخر حتى أن العديد من رجال الفضاء، عندما صعدوا في الفضاء رأوا الحجم الصغير للأرض ومساحة الفضاء لقد أصبحوا مؤمنين لأنهم رأوا دلائل قدرة الله.
عندما أقرأت المزيد من القرآن، إنه يتكلم عن الصلاة والبر والإحسان، أنا لست مسلماً إلى الآن، ولكن شعرت بأن أن القرآن هو الوحيد الذي يحبني وأن الله قد أرسله لي واحتفظت به سراً. إن القرآن يتكلم بعدة مستويات أنا بدأت أفهمه على المستوى الأخير
عندما يقول: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (سورة آل عمران).
وهكذا من هذه النقطة رغبت أن أقابل أخوتي المسلمين.
التحول:
لقد قررت إذن أن أسافر إلى القدس (كما فعل أخي) وفي القدس ذهبت إلى الجامع وجلست، لقد سألني رجل ماذا أريد؟.
أخبرته بأنني مسلم، وسألني عن أسمي أخبرته بأن اسمي (ستيفين) لقد كان مندهشاً ثم التحقت بالصلاة على الرغم من أنها ليست بالشكل الصحيح.
وعند العودة إلى لندن قابلت أخت تدعى نفيسة، أخبرتها بأنني أريد أن أعتنق الإسلام، أرشدتني إلى الجامع الجديد. كان ذلك في عام 1977 بعد عام ونصف تقريباً من تلقي القرآن، أدركت الآن بأنه يجب علي أن أتخلص من كبريائي أتخلص من إبليس وأوجه وجهي باتجاه واحد وهكذا في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة ذهبت إلى الإمام وأعلنت إسلامي.
لقد كان شخصاً قبلك حقق الشهرة والثروة ولكن الهادية هي التي شدتني ليس مهماً كم حاولت جاداً حتى عرفت القرآن.
أدركت الآن أنني أستطيع الاتصال المباشر مع الله على خلاف المسيحية أو أي دين آخر كما أخبرتني سيدة هندية، " أنت لا تفهم النهدوسية " نحن نؤمن بإله واحد ونستخدم هذه الأصنام لمجرد التركيز " كانت تقوم بأنها لكي تتواجد مع الله الواحد يجب أن يكون هناك شركاء وهذه الأصنام هي الغرض. ولكن الإسلام أزاح كل هذه الحواجز والشيء الوحيد الذي يميز بين المؤمن والكافر هو الصلاة.
هذه هي عملية الطهارة:
أخيراً أتمنى أن أقول بأن كل شيء أفعله هو محبة لله وأطلب من الله وأصلي له بأن تستفيدوا من بعض تجاربي، علاوة على ذلك أحب أن أؤكد بأنني لم أتواصل مع أي مسلم قبل أن أعتنق الإسلام لقد قرأت القرآن أولاً ثم أدركت بأنه لا يوجد شخص تام الإسلام تام وإذا أردنا أن نتبع نهج النبي صلى الله عليه وسلم فسوف ننجح وعسى الله يهدينا لأن نتبع إمام الأمة محمد صلى الله عليه وسلم آمين.
يوسف إسلام (كات ستيفين) سابقاً
المصادر: موقع يوسف إسلام
http://www.yusufislam.org.uk/
http://www.islamtomorrow.com/converts/yusuf_islam.asp
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[01 Oct 2008, 12:41 م]ـ
جزاك الله خيراً ... " ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون ".(/)
خطأ في القرآن عى قناة الجزيرة
ـ[محمد الأمين بن محمد المختار]ــــــــ[09 Oct 2008, 05:09 م]ـ
في إعلانها عن حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة في موضوع (مقاصد القرآن) كتبت قناة الجزيرة في موقعها ما يلي:
(كتاب أنزلناه إليك لِيَدَّبَّروا آياتِه وليتذكرَ أولوا الألباب)، أنزل الله تعالى كتابه الخاتم إيذانًا ببلوغ البشرية مرحلةَ الرشد. ما مقاصد ذلك الكتاب؟ كيف نقرأ القرآن وكأنه أُنزل إلينا مباشرةً؟
حيث سقطت كلمة (مبارك) من الآية كما لا يخفى، والصواب: (كتاب أنزلناه إليك مباركٌ لِيَدَّبَّروا آياتِه وليتذكرَ أولوا الألباب)
وقد تمت قراءة الإعلان أيضا على اللفضائية مع هذا الخطأ الواضح، ويمكن أن تتأكدوا منه
ولقد راسلت القناة للمبادرة إلى تصحيح الخطأ وأرجو من الجميع أن يكثفوا رسائلهم أو يتصل من كان منهم قادرا في أسرع وقت لأن الخطأ في القرآن الكريم، وعلى قناة الجزيرة خصوصا أمر له خطر كبير
وهذا عنوان البرنامج: sharia@aljazeera.net
الملاحظ أن القناة - كغيرها - لا تهتم لتصحيح الآيات الكريمة التي ترد أحيانا في بعض الإعلانات عن البرامج الدينية، حيث يقرأها أحد الصحفيين بصوته " الجميل " دون مراعاة لأحكام التجويد التي لا تطلب في السوق للأسف
بينما يمكن تفادي ذلك باختيار مصحف لأحد القراء توخذ منه الآيات المطلوبة على الوجه الصحيح
أعلم أن التفكير في مستحقات الملكية الفكرية يحول دون ذلك
ولكن أليس القرآن أهم من الصور واللقطات التي تشتري بآلاف الدولارات؟!!!
طبعا الحديث شجون
ـ[نعيمان]ــــــــ[09 Oct 2008, 08:41 م]ـ
جزاكم الله خيراً أستاذ محمّد وبارك بكم على حرصكم، وعلى تنبيه الإخوة على هذا العمل الجليل.
ثم هذه المبادرة الإيجابيّة بالاتصال الفوري.
ولقد كنا نعلم عن شيخ مبارك لنا، نحسبه شهيداً عند ربه مع ولديه - رحمهم الله تعالى وأجزل لهم المثوبة.
كان عندما يقرأ في صحيفة علمانيّة عمّن يهاجم الإسلام من أفراخ اليسار ومن ينعقون بكل وادٍ من الحركات الضالة المنحرفة الباطنيّة والظاهريّة؛ يتصل فوراً بالصحيفة، ويقول: أيليق بصحيفتكم في هذا البلد الإسلاميّ التي تبيع نسخها كذا وكذا أن يكتب فيها كاتب كذا وكذا؟!!
ثم يطلب من إخوانه وطلابه أن يتصلوا في الصحيفة، فتضطر الصحيفة تحت ضغط الاتصالات أن تكتب تنويهاً بذلك واعتذاراً في اليوم التالي مباشرة.
أيها الأحبة: المؤمن كثير بإخوانه، فليتعاضد الأحبّة في وجه كل باطل ومع كل حقّ، وهذا أقل ما يمكم أن نفعله.
أما قناة الجزيرة - على اختلاف فيها مما لم يتفق عليه الناس - فإني أشهد الله تعالى أن في بعض الإعلاميّين خير كبير، ومدير محطتها شابّ له أنشطة كبيرة في العمل النقابي والطلابي ذي التوجه الإسلاميّ قبل أن يصل إلى سدّة قناة هي من أشهر القنوات الفضائية فوق الكرة الأرضيّة.
ولا نعلم عنه إلا خيراً، كما نحسبه ولا نزكيه على الله تعالى.
فنسأله تعالى أن يعينهم على أن يتنبهوا للأخطاء التي تتعلق بديننا قبل أن تخرج على الدنيا في فضائها.
ونتمنّى أن تتواصل الاتصالات في أية أخطاء نلمسها على كل مؤسّسة أو هيئة أو وزارة ليرى الناس فعاليتنا، ونسلخ جلد المقولة السّائدة في زمان الفن المنحرف الهابط: الجمهور عاوز كده.
هذا جمهورنا المبارك عاوز كده أخرى فغيّروا قبل أن تُغيّروا:
لا أخطاء عقديّة .. ولا فيما هو مجمع عليه ..
لا شتم لمقدّساتنا، ولا لعن أو تشهير بشخوص الصّادقين من أبناء أمتنا ..
ـ[نعيمان]ــــــــ[09 Oct 2008, 08:51 م]ـ
معذرة أحبّتي، فقد أردت التنويه بسؤال عن جواز أو صواب لفظ: (خطأ في القرآن) الذي ورد في عنوان الأستاذ محمّد الأمين حفظه الله:
(خطأ في القرآن عى قناة الجزيرة)؟
أليس الصواب قول: خطأ في طباعة آية من القرآن، وليس خطأ في القرآن؛ لأن القرآن الكريم لا أخطاء فيه، مع سلامة النيّة قطعاً. إنما أسأل عن ظاهر اللفظ لا القصد منه.
ثم خطأ في العنوان: لفظ (عى)، والصواب هنا يقيناً: (على) بلا خلاف.
مع شكري وتقديري وإجلالي
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[10 Oct 2008, 02:23 ص]ـ
جزاكما الله خيراً، ونِعْمَ ما قلتما.
ـ[أبوالعباس]ــــــــ[10 Oct 2008, 05:25 م]ـ
جزاكما الله خيرا نسأل الله أن يرد المسلمين جميعا إليه ردا جميلا
وأن يهتم أبناء المسلمين بدينهم لا بدنانيرهم
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[11 Oct 2008, 02:28 م]ـ
تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب.
ـ[محمد الأمين بن محمد المختار]ــــــــ[14 Oct 2008, 06:17 م]ـ
جزاكم الله جميعا خير الجزاء على تعليقاتكم
وخصوصا للأخ العزيز نعيمان
وأنا أشاطرك يا أخي العزيز نظرتك إلى قناة الجزيرة المحترمة، وذلك مبعث الحرص عليها من مثل هذه الأخطاء
يضاف إلى ذلك - بل يسبقه - خطورة الخطإ في القرآن
ولقد آسفني أني العت الموقع بعد ذلك مرات والخطأ على حاله، لا هم صححوه ولا هم ردوا على الرسالة المطولة التي بعثت لهم
وعندما افتتح المقدم الحلقة لم يشر إلى الخطأ بشيء من الاعتذار أو التنبيه حتى، وما كنت أتوقع هذا التجاهل حقيقة
بخصوص ملاحظتك القيمة:
أليس الصواب قول: خطأ في طباعة آية من القرآن، وليس خطأ في القرآن؛ لأن القرآن الكريم لا أخطاء فيه، مع سلامة النيّة قطعاً. إنما أسأل عن ظاهر اللفظ لا القصد منه.
فأشكرك عليها وإن كنت أخالفك فأرى أن "خطأ " مصدر "أخطأ"، وذلك المراد بها هنا، كما يوضحهخ السياق
وليس المراد هنا الاسم، فلا لبس إن شاء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[نعيمان]ــــــــ[25 Oct 2008, 09:19 م]ـ
(فأشكرك عليها وإن كنت أخالفك فأرى أن "خطأ " مصدر "أخطأ"، وذلك المراد بها هنا)
ولك مني مثله شكراً، ولا تثريب عليك في الاختلاف.
ولكن مهما كان التوضيح فإن الظاهر عندي مشكل، وهو مما أزعم أنه من الأدبيّات التي ينبغي أن يُتَحلى بها - وقد أكون مخطئاً؛ بل أنا كذلك؛ ولكن:
كثيراً ما نسمع متكلماً إذا ذكر شيئاً يراه منكراً من القول، فيرتفع منسوب الأدب عنده فيقول مقولة يريد بها تكريم أخيه عن هذا المنكر عنده سماعاً، كحيوان وغيره، فيقول لصاحبه وهو يحاوره: كذا وكذا (اسم حيوان، أو فحش من القول، أو عيب وبعضهم يعتبر ذكر المرأة عيباً) أجلك أو أكرمك الله.
عبارة لا شيء فيها، ولكننا لو أنعمنا نظر التأدّب فيها لقلنا:
سبحان الله! كيف يكرّم صاحبَه عن اللفظ ويردف باللفظ المنكر عنده لفظ الجلالة؟!!!
فلو صحّ التأدّب لقلنا: كذا وكذا مكرّم بلا تلفظ بلفظ الجلالة كي لا يقرن بما نفاه عن صاحبه. والله هو الأجلّ والأكرم.
وهنا: خطأ في القرآن.
منظر العبارة لم يرق لي بل أصابني بقشعريرة، ولا نكير عليك أخي العزيز الشيخ محمّد الأمين حفظك الله ورعاك فيما وضحته.
ولكن هذا مبلغ تأدّبي مع الألفاظ، ولعل عندي حساسية أحتاج للتخلص منها أو هي صحيحة نحتاجها.
ـ[سلمان الخوير]ــــــــ[17 Jan 2009, 12:17 ص]ـ
... بارك الله فيكم(/)
نداء لأهل الاسلام لمطالبة أهل الذكر بالرد على التشكيك باسماء الله الحسنى!
ـ[العابدة المؤمنة]ــــــــ[24 Oct 2008, 06:49 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخوتي في الله
سمعت اليوم على قناة العربية خبر رفع دعوى من قبل بعض الدعاة المصريين و مطالبة لتغيير اللوائح والموضوعات الموجودة في المساجد المصرية والخاصة باسماء الله الحسنى وتثبيت 21 اسم فقط والغاء الباقي
وقد رفض بعضهم هذا الادعاء (الموضوع في أخذ ورد)
والحقيقة أذهلني ما سمعت وبالبحث في الانترنيت تأكدت من الموضوع
وسأنقل لكم نسخة حصلت عليها من أحد المنتديات وحلقة بثت للدكتور محمد هداية عن نفس الموضوع
وأرجو من كل من يهمه نصرةالدين الاسلامي ومن كل من يغار على هذا الدين الذي كثر أعدائه من الداخل ومن الخارج ان لا يقفوا مكتوفي الايدي
و أن ينظروا لهذا الموضوع على محمل الجد لقطع دابر البلبلة في هذا الموضوع
وأن يطالبوا أهل العلم الفقهي والتشريعي بتوحيد الراي والكلمة ومناقشتها داخليا
والوصول لرأي موحد ثم بعدها نشر بحث موثق عن هذا الموضوع لقطع ألسنة الملحدين والمشككين بهذا الدين الحنيف ولتثبيت النفوس الضعيفة الايمان على الحق
فهذا ندا أطلقه من منبر هذا المنتدى الى أهل الاسلام وأهل العلم والمعرفة الى كل من يجد بنفسه القدرة على الانتصارلهذا الدين العظيم من الخطط التحتية لزعزعة المعتقدات الدينية التي أخشى ان تركناها ووقفنا للمشاهدة عن بعد أن تستفحل وتؤذي النفوس ضعيفة الايمان.
فتفضلوا بقرائة هذا الخبر:
الداعية المصري محمد هداية
شكك الداعية المصري الشيخ محمد هداية في حقيقة بعض أسماء الله الحسنى المعروفة، وقال إن البشر أضافوا إليها أسماء غير لائقة لا يمكن قبولها على الإطلاق مثل " المنتقم ".
في حين رد د. عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر برفض أي تشكيك في تلك الأسماء، لأنها واضحة في كتب السنة والصحاح "البخاري ومسلم والترمذي " وان الله سبحانه وتعالى قال في سورة الإسراء "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها".
وقال الشيخ محمد هداية وهو داعية إسلامي قليل الفتاوى في حوار معه نشرته جريدة "صوت الأمة" المصرية ردا على سؤال عن غناء وتلحين أسماء الله الحسنى إن هذه المسألة تنقسم إلى شقين أساسيين، الأول هو هل من اللائق عندما يفتح الله على عبد من عباده أن يغني بهذه الأسماء؟، فالاسم يشير إلى المسمى وإذا افترضنا أن هذه الأسماء هي أسماء الله، فمن الإهانة للمسمى أن تُغنى أسماؤه بهذه الطريقة، ثم من قال إن بركة الزواج يمكن أن تحدث إذا بدأ الحفل بهذه الأغنية؟.
وأردف الشيخ هداية أن الشق الثاني والأهم في رأيه هو أن بعض هذه الأسماء التي يسمونها حسنى غير مقبولة ولا يليق أن يسمى بها الله سبحانة و تعالي.
وقال إن هذه الأسماء مأخوذة من رواية الوليد بن مسلم وهو أحد أشهر الرواة للحديث وأحد أكثر واضعي الحديث في زمنه.
أضافوا أسماء غير لائقة
وفي تصريح خاص بـ"العربية. نت" قال د. هداية إن أسماء الله الحسني لها كل تقدير وإجلال لكنه قصد ما ذكره البشر عنها حيث أضافوا لها أسماء غريبة لا يمكن أن يقترن بها لفظ الجلالة، فرب العزة لا يمكن أن يسمي نفسه المنتقم، على حد قوله.
وأوضح هداية أنه يستغرب تجاهل علم التعديل حاليا، وعلم التعديل هو العلم الذي يحقق في رواة الحديث أنفسهم وفي مدى صدقهم وعدالتهم وصحة الحديث المنقول عنهم، لكن هذه العلم تم تغييته بفعل فاعل.
مشيرا إلى أن كل الذي نراه في حياتنا يحدث بسبب تغييبنا للأسماء الحقيقية لرب العزة التى يجب أن نأخذها في الاعتبار، واهتمامنا بالأسماء الأخرى التي تم وضعها فمثلا صفة الرقيب وهي من الصفات الأصلية للحق سبحانه وتعالى لا تطبق، فتجد الشخص يصلي جيدا أمام الناس ولكنه لا يراقب نفسه وهو ما يخالف العمل بالصفة الكريمة.
وقال هداية إن من بين الأسماء الحسنى اسم المنتقم وهو اسم مأخوذ من الآية الكريمة التي تقول "إن الله عزيز ذو انتقام " وهذه الصفة لا تليق بالله تعالى فالفارق في المعنى اللغوي كبير.
ووصل إلى نقطة مثيرة للجدل في تصريحه عندما قال: لماذا لم يعتبر اسم المكار أو الماكر من أسماء الله الحسنى وفقا للقياس مع الآية الكريمة التي تقول "يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"؟.
أسماء الله الحسنى صحيحة
(يُتْبَعُ)
(/)
من جهته نفى المفكر الإسلامى د. عبد الغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف لـ"العربية. نت" أي ادعاء بالتشكيك في وجود أسماء الله الحسنى قائلا إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قالها واضحة وصريحة في الحديث الشريف "إن لله 99 اسما من أحصاها دخل الجنة وفي رواية أخرى من حفظها دخل الجنة " وهذا الحديث صحيح وقد رواه البخاري ومسلم.
مشيرا إلى أن أسماء الله الحسنى واضحة في كتب السنة والصحاح "البخاري ومسلم والترمذي" ولا شكوك فيها، ثم إن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الإسراء "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها". كما أحصى عددا كبيرا منها في سورة الحشر.
وأضاف هلال: لا كلام بعد نصوص القرآن والسنة النبوية الصحيحة، ومن يرد الاجتهاد فعليه بقراءة كتاب الله جيدا وفهم معانيه ومقاصده قبل أن يطلق تصريحات مشوشة.
وأوضح أن "هناك ما يسمى أيضا بالاسم الأعظم، وهو مذكور في الأحاديث الصحيحة، والاجتهادات فقط كانت في معرفة هذا الاسم من بين أسماء الله سبحانه وتعالى، فبعض التفسيرات قالت إنه الودود، وبعضها قالت الحي القيوم وبعضها قال اسم الله هو الاسم الأعظم "
وفي رده على كلام هداية بعدم تسمية الله بالماكر اقتداء بالآية الكريمة "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" قال هلال إن الماكر هنا بمعنى الحافظ ولم يأت بمعنى التدبير في الخفاء لسبب بديهي ومنطقي وهو أن الله ليس في حاجة للتدبير في الخفاء خوفا من أي إنسان فهو الذي خلق الناس أجمعين، ومن ثم فإن المقصود بخير الماكرين فى الآية الكريمة "خير الحافظين".
وأوضح أن هذه التفسيرات الخاطئة ناتجة عن عدم فهم هؤلاء للغة العربية، كما أن
محاولة تجريح الأحاديث الصحيحة تتطلب أن يكون المتحدث عنها عالما بأسس الجرح والتعديل.
ورفض هلال قول هداية بأن بعض هذه الأسماء لا تليق بالله سبحانه وتعالى قائلا "لو لم تكن لائقة به لما وصف الله بها نفسه في كتابه الشريف".
حلقة خاصة عن أسماء الله الحسنى
تقديم علاء بسيوني
المقدم: نريد أن نوضح للناس أننا نعطي الرأي الأرجح في أي مسألة ولا نريد أن نهاجم أحداً وإنما هدفنا أن نوضح المسائل بالدلائل من القرآن والسُنة الصحيحة لأن كتم العلم أراه وزراً كبيراً ومعصية. نتناول اليوم الحقيقة في الإحصاء والعد لأسماء الله الحسنى.
سبق وتحدثت عن موضوع الأسماء الحسنى وقلت أن غناء الأسماء الحسنى كلام فارغ وقامت إحدى الصحف بنشر الخبر تحت عنوان "الدكتور هداية يقول أسماء الله الحسنى كلام فارغ". نريد أن نوضح للناس أهمية القضية التي نتكلم فيها ولماذا وضع الله تعالى هذه الأسماء الحسنى لنفسه. الحسنى مؤنث حسن والحسنى على وزن أفعل التفضيل فهي أحسن من ماذا؟ أو هل المعنى أنها أحسن أسماء أدعو الله بها؟ وهل إذا دعوت الله تعالى بإسمه الجامع "الله" أو "الرب" هل هذه مشكلة بالنسبة لي أو أن الله تعالى يفضل أن نستخدم أسماءه الحسنى؟
د. هداية: الذي يجب أن نقف عنده أولاً مسألة أن الله تبارك وتعالى ساعة قال في قرآنه (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) الأعراف) هذه الآية تحتاج لوقفة طويلة لماذا لم يذكر الله تبارك وتعالى هذه الأسماء وهو الذي سبحانه وتعالى له أن يُطلق ما شاء من الأسماء.
المقدم: هذا السؤال شديد الأهمية لأن هناك أشياء أخرى في القرآن لم يذكرها تعالى في القرآن وأخذناها من السُنة النبوية مثل الصلاة والحج، عندنا أمر في القرآن بإقامة الصلاة لكن لم يذكر لنا كيف وكم عدد ركعات كل فرض وإنما عرفناه من الرسول r وفي مواضيع أخرى فصّل لنا مثل موضوع المواريث وموضوع كشف عورات النساء ففيها مذكرة تفصيلية وعدد لنا القرآن من تكشف عليه المرأة. موضوع الأسماء الحسنى موضوع مهم جداً فلماذا لم يفصّل في القرآن؟
(يُتْبَعُ)
(/)
د. هداية: أنا طرحت هذا السؤال لأبين ما سألته أنت ما هي الحسنى؟ هذا الكلام يجب أن نضعه أمام المشاهدين لنظهر لهم لماذا نتكلم في هذا الموضوع؟. أريد أن ننتقل لنقطة لنوضح ما هو منهجنا. عندنا آية في القرآن (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) الجن) سألنا عدد من الشباب ما معنى (فَادْعُوهُ بِهَا) ومعظمهم قال فادعوه يعني أسأله الدعاء أو أسأله بالدعاء هذا المفهوم عند الشباب وعند الأكبر سناً. الشباب لما شرحنا لهم فهموا مسألة ادعوه يعني سمّوه أو اسألوه أو أطلقوا عليه لكن الناس الأكبر سناً لم يتقبلوا هذا المعنى. لما أسمع كمسلم (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) هل من المعقول أن يطلب منك الله تعالى أن لا تسأل أحداً في المسجد؟! لا يمكن أن يكون المعنى هكذا تدعوه لا يمكن أن تكون المسألة وإنما أصل الكلمة. ضربنا مثلاً رجل دخل قسم الشرطة فسأله الضابط عن بطاقته فقال ليس معه بطاقة فيسأله عن اسمه فيكتب الضابط "يُدعى فلان" يعني هو يدّعي أنه يُدعى، يدعى يعني يُسمى فلان إلى أن تأتي بطاقته فيتحقق من المسألة. هذا مثال لأننا نسمع كلاماً فالبعض يقول هذا الموضوع لا يجب أن يُفتح الآن حتى لا تحصل بلبلة، إذن متى يُفتح؟! ولو أن هذه النعرة أو هذه الجملة تنفع قاعدة للبعث والتعليم والتوقيف إذن كان المفروض أن الرسول r لا يُبعث لأن الأمر مستقراً في قريش وكانوا يعبدون الأصنام ومستقرين ولم يقل أحد من قريش الصنم يتعبني أو نريد رسولاً. أنا أرد على الذين يقولون دعوا الأسماء الحسنى بالأخطاء التي يركبونها وغناء الأسماء الحسنى! هذا كلام فارغ، هذا كلام امتداد لكلام من كفر وقال هذا ما وجدنا عليه آباءنا، هذا كلام مرفوض. النقطة الثانية أسأل سؤالاً ماذا تفهم كمسلم متعلم مثقف لما أقول لك هناك آية في القرآن (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) ليس المقصود الدعاء لله بالابتهال والطلب وإنما المقصود لا تطلق إسم لغير الله على أي مسجد.
المقدم: تقصد أنه إذا أكرمني الله تعالى ببناء مسجد لا أسميه مسجد علاء؟
د. هداية: هذا أقل شيء، هذا غير مستحب.
المقدم: وماذا عن المسجد النبوي؟
د. هداية: الرسول r قال " ومسجدي هذا" هذه مثل كمسألة المائة ألف وخمسمائة ألف وألف في المسجد الأقصى، القرآن سمّى أشياء والرسول r سمّى أشياء أنا خارج هذه التوصيفات. البعض يقول أنتم تقولون أن الصلاة في مسجد فيه ضريح مكروه ومسجد الرسول r فيه ضريح، هذه مجادلة بغير وجه لأن مسجد الرسول r لا يقاس عليه.
المقدم: هل يجب أن نسمي المساجد بأسماء الله الحسنى؟ هل يمكن أن نسمي مسجد الرحمة أو مسجد المغفرة مثلاً؟
د. هداية: وزارة الأوقاف تريد أن تعرّف المساجد فعليك أن تجدد أين المسجد وعنوانه حتى يعين له إمام، يمكن أن يُسمى المسجد بالأسماء العامة التي فيها معنى الإسلام.
المقدم: وماذا عن الذي يحب أحداً من الصحابة ويريد أن يسمي المسجد باسمه مثل مسجد الفاروق أو غيره؟
د. هداية: هنا ندخل في المكروه والمستحب لكني أخذت المعنى من الآية (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) تدعو لها معاني كثيرة وتوصيفات كثيرة، تحتمل أن يكون المعنى إذا كان في المسجد ضريح فلا تدعوه مع الله وتحتمل أن يكون المعنى لا تسمي المساجد بغير أسماء الله أو أسماء مشتقة من أسمائه. عندما نأتي للأسماء أنت قلت هناك أمور وردت في القرآن على سبيل التنفيذ ولم تفصّل ومنها مسألة الصلاة لما المولى تعالى يقول (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) يعني هذه الأسماء له سبحانه وتعالى حصراً وقصراً فالأسماء لله قبلي أنا وغيري إلى آدم u. لما نعرّف الله تعالى نقول قديم أزلي والرسول r أخبرنا أن الشيطان سيستدرجنا بالسؤال من خلق؟ إلى أن يصل من خلق الله؟ والرسول r يقول أنه يجب أن نتوقف هنا لأن الله تعالى الأول بلا ابتداء ليس قبله شيء، إذن هذه الأسماء لله من قبل الخلق أزلاً لا تحتاج للوليد بن مسلم لتجعلني أصدق هذه الأسماء، مسلم والبخاري أوردا الحديث بدون أسماء، هل قبل الوليد لم تكن الأسماء الحسنى موجودة؟ الله تبارك وتعالى ذكر بعضها في القرآن (وهذا رد على من يقول أنها
(يُتْبَعُ)
(/)
لم ترد في القرآن) الله تعالى ذكر بعضها ففي سورة الفاتحة ذكر إسم الله (بسم الله) هذا أول إسم سُمع في الكتاب وفي القرآن بعد أن قال له (إقرأ باسم ربك) أول إسم ذُكر للرسول r هو الربّ لكن هذا الإسم ليس موجوداً في الحديث الذي أورده الوليد بن مسلم! أول إسم طرق مسامع الرسول r هو الرب وليس موجوداً عند الوليد لكن هناك من جاء بعده وذكر إسم الرب. نحن عندنا في الأصول وفي الفقه توحيد الربوبية قبل توحيد الألوهية لأنه يعطي عطاء الخلق.
المقدم: ما الفرق بين الربوبية والألوهية وما الفرق بين الرب والإله؟
د. هداية: الخلاصة أن الرب للعطاء والرزق وعطاءات الكنح والله للحساب والعقيدة والجزاء مثال (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار). هذا الموضوع سيأخذ حلقات كثيرة لكننا نلم شتات الأمر. الرب هذا الإسم ليس موجوداً عند الوليد بن مسلم، (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) هذه موجودة قبل الوليد والله تعالى علّم آدم الأسماء كلها ومن ضمن الأسماء أسماء الله الحسنى. النقطة الأهم (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) هي على الإطلاق لكن من الذي يعرفها؟ هذا هو السؤال. هي الأسماء الحسنى فمن الذي يعرفها وهي لله إلا الله تبارك وتعالى بدليل أن الذين قالوا لم يذكرها القرآن نقول لهم أن في القرآن ذكر لـ (81) إسم من أسماء الله الـ 99 التي تكلم عنها الرسول r وسبق أن ذكرنا في بداية حلقات هذا البرنامج أو في برنامج (الرحمن) قلنا أن معنى الحديث "إن لله تسعاً وتسعين إسماً" لا تعني أن هذه هي فقط أسماء الله الحسنى مثال إذا قلنا أن لعلاء سيارة وفيلا وقطعة أرض وسكت هذا يعني أن العطف مفتوح فقد يكون لعلاء أشياء أخرى. الرقم 99 ليس حصراً وإنما هي في حدود اجتهادك من القرآن والحديث بدليل أن الأبحاث التي عملت منذ سنوات إلى الآن من قبل الناس الذين يشتغلون بالقرآن والأحاديث الصحيحة ذكروا أن 81 إسم في القرآن ليس فيها خلاف وإنما الخلاف في 18 إسم الخلاف في 4 أو 5 أسماء لأن البعض يعتبر أحد الأحاديث صحيح والآخر يعتبره ضعيفاً. مثال دخل رجل على الرسول r قال له: أنت سيد قريش وسيدنا فقال r " السيد الله" والحديث صحيح عند أحمد. إذن السيد إسم وضعه الرسول r عندما عرّف الرجل بهذه القاعدة "السيد الله" وحديث آخر الرسول r قال لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم" النصارى قالوا عن عيسى بن مريم السيد المسيح والرسول يقول لنا في الحديث قاعدة "السيد الله" يعني لا تجعلوني سيد كما فعلتم مع عيسى u فيقول لك أحدهم لكن الرسول r قال عن نفسه أنا سيد ولد آدم نقول له أكمل الحديث (هذه مشكلتنا أننا نأخذ جزءاً من الحديث ولا نأخذه كله) كما يقول البعض الولدي بن مسلم ثقة نقول له أكمل السطر هذا كلام الذهبي وكلام أهل الجرح والتعديل. الرسول r قال "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر" هذا يوم القيامة والرسول r بُعث ليس ليكون سيداً وإنما ليساوي بين الناس، جاء ليقول أنه لا يوجد سيد وعبيد فلن يقول أنا سيد. يجب أن نفهم الكلام في إطار ما قاله الله تعالى وقاله رسوله r. هذان حديثان لو وضعا بجانب بعض يوازنون موضوع السيد. في حديث قال "السيد الله" وفي حديث آخر قال "لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم" وقال "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة" يوم لا يوجد عمل وإنما حساب وجنة.
المقدم: مقام رسول الله r يوم الحساب الأمم كلها ستلجأ له دون الناس
د. هداية: هنا السيادة سيادة تشريف من الله تبارك وتعالى. فالذي يمكنه أن يسمي هو الله تعالى أو الرسول r وهو عندما يسمي يسمي من خلال قاعدة قرآنية تكلم القرآن في حقه فنفى عنه ادعاءه مطلقاً (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) وجاء بكلمة صاحبكم يعني أنتم تعرفونه وقلتم عنه الصادق الأمين قال لهم أنه ما ضل وما غوى ثم قال (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) لما يكون وحي يوحى فلا يمكن في حق مرسل الوحي أن يقول كلاماً خطأ فلما يسمي الرسول r الله تعالى بالديان الله تعالى يقول "أنا الملك أنا الديان" الديان لم يرد في القرآن فالديان من أسماء الله الحسنى التي لم ترد في حديث الوليد بن مسلم. من العبث أن أحدهم عندما يسمع ما كتبته الصحيفة أنني أقول أن أسماء الله
(يُتْبَعُ)
(/)
الحسنى كلام فارغ يقول على الفور أن هذا الكلام فرقعة صحفية ولا يحتاج لتعليق. بعض العلماء قيل عنهم كلام ووقفنا معهم.
المقدم: أنا أرجو من نقابة الصحفيين أن تضع حدوداً للصحافة ففي الطب إذا أخطأ أحد الأطباء تعلّق إجازته لفترة ويمنع من ممارسة المهنة فنحن نحتاج لعمل هذا مع الصحافة.
د. هداية: أنا أرى أن هذا عين الابتلاء الحقيقي "إن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفاً في النار" هذا مجاز. أنا أرى أن هذا الابتلاء الحقيق في مجال الدعوة. نحن لما تكلمنا في أسماء الله الحسنى أخذناها بشكل عابر لم نقف عندها مع أننا لدينا أبحاث وتوثيق. تكلمنا عن الوليد بن مسلم والأسماء التي غنوها واشتهرت عند الناس، هناك ثلاثة وضعوا الأسماء معه وقبله وبعده لكن للأسف هذه أشهر رواية وهي رواية الوليد بن مسلم والمشاهدين مع احترامي لهم هناك ألفاظ في الاصطلاح لا يفهمها الجميع. البعض قال الوليد بن مسلم ثقة لكن أكمل السطر وهذا كلام في مجال الجرح والتعديل، أحسن عبارة قيلت في الوليد: "ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية". البعض أخذ كلمة ثقة ولم يأخذوا ما قيل عنه أنه مدلّس. اشرح كلمتي التدليس والتسوية. هناك من قال عنه أنه مدلّس فقط. الذهبي قال عنه مدلس وكثير التدليس وكثير التدليس والتسوية ويقول " وقلت أنه لا يجب أن يؤخذ عنه، وقلت أنه أشنع ما ذكر الحديث الذي في الترمذي عن حفظ القرآن وهذا حديث موضوع".
المقدم: نوضح للناس أبعاد القصة. لو ذهبنا للبخاري ومسلم نعد الناس أصحاب الكتب الذين فيهم حديث: أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وأبو عوانة والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة الحديث الذي نعرفه "إن لله تسعاً وتسعين إسماً من أحصاها دخل الجنة" إنه وتر يحب الوتر هذه رواية عند مسلم وفي رواية أخرى " من دعا بها استجاب الله له دعاءه" الترمذي ذكر الأسماء عن طريق صفوان عن طريق الوليد بن مسلم وعدّ الأسماء إلى أن قال البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور هكذا أخرج الترمذي وقال "هذا حديث غريب من هذا الوجه".
د. هداية: الحديث هو هو في البخاري ومسلم بدون الأسماء لماذا؟ لأن البخاري ومسلم لأنهم يعلموا أن كلمة (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) هي لله. هذا معنى من معاني المجاز البياني في الآية. الإسم أنت لا يمكن أن تطلق على الله الأسماء والذي يمكنه أن يطلق الأسماء هو الله تعالى أو الرسول r وفق القاعدة التي ذكرناها سابقاً. البخاري لم يأخذ طريق الحديث عن صفوان عن الوليد لأن الذي قيل في الوليد مسألة التدليس يجب أن يفهمها الناس وكذلك مسألة التسوية.
المقدم: إنسان يقال عنه مدلّس وكثير التدليس وكثير التسوية وآخرون يقولون عنه ثقة فكيق يكون كثير التدليس وثقة؟
د. هداية: التدليس والتسوية هذه ألفاظ اصطلاحية تعارف عليها أهل الجرح والتعديل وهم مختلفون في كنه التعريف فكيف يكون ثقة وهو كثير التدليس والتسوية فكيق يكون ثقة؟! أولاً التدليس هو لغة التدليس في البيع أن تخفي عيوب الشيء الذي تبيعه والمفروض أن تعرض سلعتك وما فيها من عيوب ولو كانت تاجراً أميناً عليك أن تعرض العيوب قبل الحسنات لأن الحسنات معروفة لكن العيوب أنت الذي تعرفها فالذي يبيع يكون مدلساً إذا أخفى عيوب الشيء الذي يبيعه. وفي الحديث يقولون نصاً:" وفي الحديث أي المدلس في الحديث يكون له شيخ اشتهر والناس يعرفون أن هذا المحدث قابل الشيخ الفلاني وهو في الحقيقة ليس هكذا وإنما هو شاع من خلال ذكره لهذا الشيخ وفي الحقيقة أن المحدِّث فلان عاصر الشيخ ولم يسمع منه وإنما سمع عنه، هو يروي عنه لمجرد أنه عاصره ويروي عنه وهو لم يسمع منه وإنما سمع عنه، يعني هناك من قال جلسنا مع الشيخ فلان فقال كذا، يقول أهل الاصطلاح أنه سمع من غيره ولم يسمع منه ولم يكن من تلاميذه. بالنص قالوا: "وكثير من الثقاة فعلوا هذا" هذه جملة وقفت عنها كثيراً لأني أنا لن أعتبرهم ثقاة، هذا التدليس. التسوية طريقة من طرق التدليس، التدليس له أكثر من درب منها التسوية. التسوية أنه يروي عن ضعيف هو سمع الحديث من ضعيف بين ثقتين فيُسقِط الضعيف ووضع لفظاً يوهمك الاتصال بين الثقتين وأهل الجرح والتعديل كانوا يسمونه سابقاً تجويد
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم سموه تسوية لأنه ساوى في الرواية بين الثقتين أن الرواية كلها ثقاة وهو في الواقع أسقط ضعيفاً بين الثقتين إذن عمل تسوية في الحديث وعندما تسمعه تظنه صحيح، هذا الوليد بن مسلم ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية لذلك الباحثون بعد عام 600 هـ أسقطوا الوليد وقالوا أنه ما يجب أن يؤخذ منه وخاصة حديث حفظ القرآن وحديث أسماء الله الحسنى. الوليد عند الطبراني غير الوليد عند الترمذي، عند الترمذي يقول القابض الباسط ولما روي عند الطبراني بدّل القابض الباسط وجعلهم القائم الدائم، عند الترمذي الرشيد المجيد الحكيم الودود، عند غير الترمذي كثل الطبراني وابن خزيمة جعلهم الشديد الأعلى المحيط المالك، عند ابن حبان كان عند الترمذي يقول المعطي المانع وقال عند ابن حبان المانع، عند الترمذي قال الحكيم الرقيب وعند غير الترمذي الحاكم القريب. هو يغير الأسماء وهذا دليل أن هذا اجتهاد منه. البعض يسألنا ماذا تنكرون على الوليد؟ نحن ننكر على الوليد أن من يقرأ الحديث يظن أنه كلام الرسول r وهذا نوع راقي من التدليس، صنعة محبوكة أن الذي يسمع الحديث من غير خبرة يظن أنه من كلام رسول الله r. الذي استوقفي بداية عام 1983 مع الدكتور رمضان عبد التواب أن هذه الأسماء موجودة عند الترمذي وليست موجودة عند البخاري ومسلم فقال لي ابحثها، بحثنا في الترمذي فقرأنا الحديث ولا يمكن أن تعرف أنه ليست من وضعه هو. بحثنا في الأسماء ووجدت أن العسقلاني في كتابه فتح الباري في صحيح البخاري وهو يشرح في الحديث الذي ليس فيه أسماء قال انتبهوا أن عند الترمذي وضع الوليد أسماء فيها مشكلة، إذن هذا ليس كلام الرسول r، إسم السيد غير موجود والديان غير موجود والرب غير موجود فبدأت الناس تشتغل، الستير رواية نادرة جداً وهذه أصل الكلمة الحقيقي لمعنى الستر. المسألة صعبة ولكن نحن نقول دعونا من كل هذا نحن اعتراضنا أننا لما نعرف الأسماء ماذا نفعل بها؟ نغنيها؟ أين توقيع قوله تعالى (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) الحج) آية سورة الأعراف (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (180)) يعملون الإلحاد.
المقدم: لكن الرسول r أمرنا أن نتغنى بالقرآن ونحسن الصوت به؟
د. هداية: نتغنى هنا ليس معناه الغناء وإنما تجويد الصوت بالقرآءة وأنك تُشبع الحرف وعندنا الغُنّة والشيخ أحمد عامر له برنامج بلغوا عني ولو آية يشرح لنا وكلنا نتعلم منه. التغني بالقرآن أن تقرأه بتجويد، القرآن لا يمكن لك أن تفتح المصحف وتقرأه لأن القرآن قال (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة) فلا ينفع أن أدع لهجتي الخاصة تسيطر على قراءتي للقرآن. (قرأناه) هل الضمير عائد على الله أو على جبريل بوصفه ناقل الوحي ينقل للرسول r والرسول ينقله للصحابة وهم ينقلون لمن بعدهم وهكذا، إبن مسعود يقرأ ويأخذ عنه واحد ثم يسمع أن الرسول r يتكلم عن ابن مسعود فيذهب للأخذ عن ابن مسعود الذي أخذ عن رسول الله r فالمسألة ليست حلاوة صوت أو غناء لكن اللفظ (تغنوا بالقرآن) يعني أن تجوّد ولذلك قال تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) المزمل).
المقدم: الأسماء الصحيحة التي وصلنا لها نعرضه الحلقة القادمة
د. هداية: نحن لن نفعل هذا لأننا أساساً مختلفين في 18 إسم ولا أريد أن أفرض على الناس شيئاً نحن مختلفون فيه. المقدم: هناك أسماء لا تصح ولا تجوز مثل الضار فهل يمكن أن يسمي أحدهم ولده عبد الضار؟
د. هداية: لا يمكن.
المقدم: الرسول r كان يغير أسماء الصحابة إذا كانت غير جميلة.
د. هداية: نحن نقول أن الأسماء الحسنى تؤخذ من القرآن والسنة الصحيحة فالشيخ ابن عثيمين له بحث جيد جداً واختار أسماء وهناك أسماء أخرى لكن الكل اجتهد وبحث واختلافنا في أربع خمس أسماء.
المقدم: ومع هذا سنعرضها الحلقة القادمة لكي ننشرها ونكون بذلك ننشر الأسماء التي تظن أنها صحيحة ونعرض الأسماء التي فيها خلاف.
المقدم: نحن محتاجون لتحسين صلتنا بالله تبارك وتعالى وعلينا أن نفهم أسماء الله الحسنى حتى نتعبده بها بشكل صحيح.
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/ 10/2008م
والرجاء التأكد من الموضوع ومن عنده معلومات فليفيدنا فيها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[أبو المثنى]ــــــــ[26 Oct 2008, 08:19 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخوتي في الله
سمعت اليوم على قناة العربية خبر رفع دعوى من قبل بعض الدعاة المصريين و مطالبة لتغيير اللوائح والموضوعات الموجودة في المساجد المصرية والخاصة باسماء الله الحسنى وتثبيت 21 اسم فقط والغاء الباقي
ليس الخبر هكذا بارك الله فيك،
الخبر الصحيح هو عكس ما ذكرتيه:
(((اعتبر إنذار قضائي غير مسبوق في مصر، أن 21 من أسماء الله الحسنى المعروفة والمنقوشة على معظم مساجد البلاد هي من قبيل "التلفيق"، وليست أسماء حقيقية مستخلصة من الكتاب والسنة، رغم أنها تتردد على ألسن المطربين والمنشدين في محطات الإذاعة والقنوات الفضائية .... )))
والموضوع قديم ويمكنك قراءة تفاصيله ممن درسوه وفصلوا فيه ومنهم الشيخ محمود عبدالرازق الرضواني على موقعه:
http://www.alridwany.com/asmaa/in_4/in_4.html(/)
مفهوم السننية بين الدلالة القرآنية والتوظيفات الحداثية
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 Oct 2008, 03:08 م]ـ
بقلم د. محمد عادل شريح
تنوء الدراسات الإسلامية الحديثة تحت وطأة مجموعة من المقاربات التاريخية و الفكرية التي تقيّد هذه الدراسات و تحرمها من القدرة على الإبداع، فتربط منهج البحث الفكري بالمناهج الغربية، و تربط صيرورة الفعل الحضاري الإسلامي بالأفق الحداثي الغربي. و يعود هذا النهج في بداياته إلى ما صار يعرف باسم "عصر النهضة" هذه التسمية التي تحمل بذاتها دلالات كبيرة على المنهجية في التعاطي الحضاري العام، المنهجية التي تهدف إلى تحقيق محاكاة تاريخية حضارية مستحيلة. و من جهة أخرى ففي هذه الفترة بالذات تم إنتاج أبرز نماذج هذه المقاربات الفكرية حيث نرى مثلاً تحول السننية إلى السببية، و المصلحة أو المقاصد إلى المنفعة، و الشورى إلى الديمقراطية البرلمانية، و الإجماع إلى الرأي العام و هكذا. من بين هذه المقاربات جميعاً تمثل تحولات مفهوم السننية في الفكر الإسلامي الحديث واحدة من أخطر المفاهيم، ذلك أن مفهوم السننية هو أولاً و قبل كل شيء مفهوم قرآني مما يعطيه هالة من القداسة التي تمنحه قدراً من المقبولية المسبقة لدى المسلمين، أما ثانياً فإن مفهوم السننية يرتبط بالمستوى العقائدي من مكونات المنظومة الإسلامية العامة، و من المعلوم أن العقائد كما هي الشرائع و الأحكام لها في الإسلام أصول و ضوابط، و بالتالي فإن أي تعديل أو تغيير لمحتوى و دلالة مفهوم السننية القرآني هو اختراق للمنظومة العقدية الإسلامية تحت ظلال المصطلح القرآني، أما ثالثاً فلأن مفهوم السننية يرتبط بواحدة من أكثر القضايا التي دار حولها الجدل في علم الكلام و أصول الدين، و هي الشكل الذي تبدت فيه الإرادة الإلهية في الطبيعة و الحياة الإنسانية و قد تمحور الجدل في هذا الموضوع حول مفاهيم عدة كالعلة و السبب و الجبر و الاختيار و التأثير الذاتي و ا لكسب و غيرها. حتى بداية "عصر النهضة" كانت هذه المفاهيم جميعها واضحة في سياقها الأصلي على الرغم من استمرار حالة الجدل حولها، لكن الذي حدث بعد ذلك أن مفهوم السننية القرآني صار يطرح كأنه مقابل لمفهوم السبب الكلامي ومن ثم ليصار إلى تقديمه على أنه العلية السببية الطبيعية، مما خرج بالمصطلح القرآني عن سياقاته و أدى لتحميله عدداً من المعاني الجديدة المستحدثة.
(الفرق الدلالي بين السنن و الآيات في النص القرآني)
لا شك في أن مفهوم السننية هو مفهوم قرآني، فقد ورد في القرآن الكريم بصيغة " سنة" في ثماني سور، ثلاثة عشرة مرة، كقولة تعالى (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً) كذلك وردت بصيغة "سنتنا" مرة واحدة في سورة الإسراء بقوله تعالى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً) و كذلك وردت بصيغة سنن مرتين في سورة آل عمران بقوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) و كذلك في سورة النساء (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النساء:6) من الواضح أن القرآن لا يتحدث عن سنن كونية لها علاقة بخلق الكون و الإنسان أو بالقوانين الطبيعية، بل هو يستخدم مفردة السنة و السنن في حديثة عن الأمم و الشعوب و مصائرها تبعاً لاقترابها أو ابتعادها عن تعاليم دينها و أنبيائها. أما ما يسميه البعض سنن الآفاق و سنن الأنفس فهو يرد في القرآن تحت لفظة آية، بل إن الآية القرآنية التي يستدلون بها واضحة حيث تقول: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). إن اختلاف الألفاظ
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا ليس اختلافاً شكلياً بل هو اختلاف له دلالاته و معانيه. إن ما يُسمّى بالآيات في كتاب الله، يشير إلى قوانين كونية ثابتة لها علاقة بالوجود المادي الدال بذاته و دقة إحكامه و ثبات حركته على مبدأه الإلهي: (وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) و من هذه الآيات أيضاً ما يشير إلى خلق الإنسان (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍمكين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين) " إن أهم سمه لهذه الآيات أنها تمثل قانوناً ثابتاً يمثل قوانين الحياة الأساسية التي وجدت لخدمة الإنسان (وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) هذه الآيات التي تمثل قوانين ثابته يشير القرآن إلى سبل معرفتها (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فالسمع و البصر و العقل هو السبيل إلى معرفة قوانين الكون الطبيعية، و العلوم المحصلة نتيجة لذلك هي علوم كسبية. إن هذه الآيات الكونية الثابتة و إن كانت تخضع لقانون السبب و المسبَبَ، و بغض النظر عن الجدل الكلامي الذي دار بين الأشاعرة و خصومهم حول وجود المسبَبَ بالسبب أو عند حصول السبب، فإن الفرق الجوهري بين السبب كمفهوم كلامي و كجزء من العقيدة الإسلامية و بين السبب كمفهوم طبيعي هو أن الأسباب و المسبَبَات هي من خلق الله عز و جل و ليست قانوناً طبيعياً محضاً. و بالتالي لا يمكن أن نخلط بين المفهومين و نزيل الفوارق بينهما تحت مسمى العلم و التفكير العلمي كما حصل في الفترات المتأخرة.
(دلالة السنن في القرآن الكريم)
أما بالنسبة لمفهوم السنن، فكتاب الله يقتصر في إطلاق هذه التسمية، كما أشرنا، على الشأن الإنساني و يظهر بجلاء أن هذه السنن لها قانونية مختلفة و منطق مغاير للآيات الكونية، فهي و إن كانت تتسم أيضاً بالثبات، (و لن تجد لسنة الله تبديلاً) لكنها تخضع لمقتضيات الحكمة التي تحدد الزمان و المكان و التفاصيل التي سوف تتبدى بها هذه القانونية، فليس الكفر بالله و الخروج على شريعته موجب بشكل مباشر للعقاب الإلهي، و إن كان من حيث المبدأ موجباً لذلك، لهذا فإن السنن الإلهية التي يتحدث عنها القرآن هي أبعد ما تكون عن السبب و النتيجة كقانون لا يقبل الانفكاك، و لا هو بالمبدأ الذي يخضع للمنطق الإنساني في فهم الأمور، إن السنن الإلهية ترتبط بالإرادة الإلهية التي تدبر الكون على مقتضى الحكمة الإلهية، و هناك الكثير من الأمثلة التي تستوقفنا في القرآن الكريم، يقول الله تعالى في سورة الأنعام (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) و من الإشارات القرآنية ذات الدلالة و التي تتحدث عن ظاهرة طبيعية معهودة و معروفة من حيث أسبابها الطبيعية (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) و كذلك ما ورد في سورة هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى
(يُتْبَعُ)
(/)
قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) وكذلك: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) من الواضح أنه ليس هناك أي علاقة سببية طبيعية بين الاستغفار و نزول المطر، و لا بين الاستغفار و الإمداد بالأموال و البنين، كذلك فإنه ليس هناك تفسير منطقي أو تاريخي لأن يفتح الله أبواب كل شيء على الذين نسوا ما ذكروا به عهوداً من الزمان حتى يفرحوا به ثم ليأتيهم العذاب بغتة فإذا هم مبلسون، في حين أن المنطقي في القياس الإنساني هو أن يتنزل عليهم العذاب مباشرة. إن كل هذه الأمثلة لا تخضع لقانون طبيعي أو تاريخي إنما هي تمثيل للسنن الإلهية التي تخضع لمبدأ الحكمة في التدبير. وإأن كتاب الله الحكيم مليء بمثل هذه الأمثلة التي تتحدث عن سنن إلهية كسنن النصر و الهزيمة و سنن صعود و هبوط الأمم و غيرها و هي أمثلة جديرة بالدراسة و الإتباع، لكن دراستها لا تعنى ردها إلى معادلها الإنساني سواء كان ذلك المعادل قانوناً طبيعياً أو تاريخياً وضعياً. إن دراستها تعنى أن ندرك المغزى العقائدى و البعد القيميّ و السلوكي في هذه الحوادث التي تجعل الوقائع التاريخية تسير إما لصالح الجماعة الإنسانية و إما عكساً لهذه المصلحة و ذلك تبعاً لتحقق مبدأي الوجود الإنساني و غاية الخلق في كل حادثة مفردة و هما مبدأ العبودية و مبدأ الاستخلاف. القضية الأخرى هي أن طرق معرفة هذه السنن هي كتاب الله و سنة رسوله و الاعتبار بتجارب الشعوب و الأمم في موقفها من هذه السنن كما قصها علينا كتاب الله، و ليست إعمال العقل، كما هو شأن الآيات الكونية، أو لنقل أن الأولوية في معرفة هذه السنن هو تلقيها عن الشارع نفسه، على الرغم من عدم نفي إمكانية معرفتها بالعقل، كما هو الشأن في معرفة الله عز و جل، فهو ممكن عقلاُ لكن معرفته عن طريق الأنبياء و الرسالات أولى و أضمن و أقرب للصواب. إن السننية كمفهوم قرآني تقول إن حياة الأمم و سعادتها في الدارين ترتبط بمستوى تقيد هذه الشعوب بقوانين الحياة الأكثر عمقاً و أصالة و أهمية في حياة بني البشر المرتبطة بمفاهيم الاستخلاف و التسخير و العبودية، إن السننية كما يقول عماد الدين خليل في كتابه " التفسير الإسلامي للتاريخ" هي " إثارة الفكر البشري و دفعه إلى التساؤل الدائم و البحث الدائب عن الحق، و تقديم خلاصات التجارب البشرية عِبَراً يسيرُ على هديها أولو الألباب .. و إزاحة لستار الغفلة و النسيان في نفس الإنسان، و صقل ذاكرته و قدرته على المقاومة لكي تظل في مقدمة قواه الفعالة .... تقديم الدليل على علم الله الواسع الذي أحاط بحركة التاريخ ماضياً و حاضراً و مستقبلاً .... ثم تأكيد البرهان على الحق الواحد الذي جاء به الأنبياء السابقون جميعاً و سعوا إلى أن يقودوا أممهم إلى مصدره الواحد الذي لا إله إلا هو .... و الوقوف على السنن و النواميس الثابتة و القائمة على أن الجزاء من جنس العمل، و ضرورة تحرك الجماعة (المدركة الملتزمة) متجاوزة مواقع الخطأ التي قادت الجماعات البشرية السابقة إلى الدمار .... من أجل بناء عالم لا تدمره تجارب الخطأ و الصواب".
(السننية في الفكر النهضوي)
إن أول من قدَّم مفهوم السنن والسننية كمفهوم مركزي هو محمد عبده، حيث أن منظومته الفكرية و التي عُرفت بالإصلاحية تقوم على مجموعة من المرتكزات و المبادئ التي يأتي على رأسها مفهوم السننية، و قد سعى محمد عبده إلى تكريس هذا المفهوم كمبدأ في فهم الظواهر الكونية و الطبيعية كما في فهم التاريخ، يقول محمد عبده في رسالة التوحيد التي هي رسالة في العقيدة " كشف الإسلام عن العقل غمة من الوهم فيما يعرض من حوادث الكون الكبير (العالم) و الكون الصغير (الإنسان) فقرر أن آيات الله الكبرى في صنع العالم إنما يجرى أمرها على السنن الإلهية التي قدرها الله في علمه الأزلي لا يغيرها شيء من الطوارئ الجزئية". أما فيما يتعلق بسنن الله في حياة الأمم و الشعوب، فهو يقرر أن الاعتبار بسنة الله فيمن مضى من الأمم و الشعوب، أصل من أصول الدين أقره الله عز و جل في كتابه في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران:137) (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً) (الإسراء:77) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً) (فاطر:44) ثم يعلق محمد عبده على هذه الآيات بقوله " في هذا يصرح الكتاب أن لله في الأمم و الأكوان سنناً لا تتبدل، و السنن- الطرائق الثابتة التي تجري عليها الشؤون و على حسبها تكون الآثار، و هي التي تسمى شرائع أو نواميس، و يعبر عنها قوم بالقوانين- مالنا و لاختلاف العبارات؟ الذي ينادي به الكتاب- إن نظام الجمعية البشرية و ما يحدث فيها هو نظام واحد لا يتغير و لا يتبدل، و على من يطلب السعادة في هذا الاجتماع أن ينظر في أصول هذا النظام حتى يرد إليها أعماله و يبني عليها سيرته و ما يأخذ به نفسه. فإن غفل عن ذلك غافل فلا ينتظرن إلا الشقاء، و إن ارتفع إلى الصالحين نسبه، أو اتصل بالمقربين سببه. فمهما بحث الناظر و فكر، و كشف و قرر، و أتى لنا بأحكام تلك السنن، فهو يجري مع طبيعة الدين، و طبيعة الدين لا تتجافى عنه، و لا تنفر منه، فلم لا يعظم تسامحها معه؟ "، لا بد لنا هنا من أن نشير إلى أن السنن و الشرائع و النواميس أو ما يعبر عنه قوم بالقوانين، ليست شيئاً واحداً، و أن الخلاف هنا أكبر من كونه اختلاف عبارات لا شأن له، إنما هو اختلاف في المضمون و الدلالة. و يبدو غريباً هنا هذا الخلط البيّن بين المعاني في نص يعالج قضايا التراث الكلامي الإسلامي الذي يمتاز بدقه معانيه و وضوح بيانه. و مع عبده تبدأ مصطلحات من نو ع السبب و النتيجة و القوانين و الشرائع و النواميس تتداخل بشكل جلي مع مفهوم السننية و تضفي عليه أبعاداً جديدة. إن إقرار السننية كمبدأ في حياة الأمم هو إقرار لمبدأ قرآني، لكن تأويل هذا المبدأ و و توظيفاته المختلفة هي التي خرجت به، عند محمد عبده، عن معناه القرآني، فلو استقرأنا كنه هذه السننية في ما كتبه محمد عبده لوجدناه لا يعدوا كونه تطبيقاً لمعنى السببية العلمية الحديثة التي تختلف، بدون أدني شك عن مفهوم السببية كما تقره العقيدة الإسلامية و بالتالي يختلف حتماً عن معنى السننية القرآني، و دليل ذلك موقفه من المعجزات النبوية و إنكارها، و تفسيره للطير الأبابيل بجرثومة الطاعون، و التوسل بنظرية التطور و الارتقاء لتفسير خلق الإنسان. إن الكلام عن السننية هو الذي أسس لنزعة "العلموية" و نعني بها محاولة التوفيق بين مقولات الدين و معطيات العلم الحديث حتى و لو كانت هذه المعطيات افتراضية. أما على المستوى التاريخي فإن السننية في مدرسة محمد عبده تتحول إلى مُعادِل لمبدأ التقدم الذي هو قانون الوجود و الحركة التاريخية الذي لا يمكن تجاوزه.
(السننية في كتابات مالك بن نبي و جودت سعيد)
إذا كان مفهوم السننية يبدو عند محمد عبده معادلاً لمفهوم السببية الوضعي في الطبيعة، و مبدأ التقدمية في التاريخ، و يهدف في المحصلة النهائية إلى جَسْر الهُوّة بين الحضارة الغربية و الإسلامية، فإن مفهوم السننية عند مالك بن نبي يأخذ منحى آخر لكنه يقود إلى ذات النتيجة، فالسننية عند مالك بن نبي تشير إلى سنن الحضارة و البناء الحضاري، التي سنتوقف عند أحدها و هو الدورة الحضارية أو التداول الحضاري الذي يجد ابن نبي مصداقه في قوله تعالي (و تلك الأيام نداولها بين الناس) يرى ابن نبي أن الحضارة تنتقل و تهاجر من منطقة إلى أخرى تبعاً لقانون الدورة الحضارية الذي لا يفيد عند مالك بن نبي سوى مفهوم الانتقال على صعيد الحركة الخارجية، و مفهوم النمو عبر مراحل على مستوى الحركة الداخلية، و لكي تنتقل الحضارة، التي هي في طور الأفول في الغرب إلى الشرق الإسلامي الذي هو في طور النهوض، يجب على الشرق أن يحسن الأخذ عن الغرب و أن يترك قشور الحضارة الغربية ليأخذ أصولها الحقيقية، و بذلك يحرق المسافات الزمنية و يلحق بركب الحضارة، إن هذه الدعوة تعني في جوهرها إلحاقاً حضارياً
(يُتْبَعُ)
(/)
بالغرب، و مصداق ذلك هو المثال الذي يقدمه ابن نبي للاحتذاء به، ألا و هو النموذج الياباني. إن مالك بن نبي يتحدث عن " التأمل في سنن التاريخ التي لا تغير لها " المستمدة من " النص المبدئي للتاريخ التكويني (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما في أنفسهم) " ليخلص من هذا الحديث إلى فكرة القانونية الثابتة الحاكمة لحركة التاريخ و المجتمع، لكنه يقدم بعد ذلك تصوره الخاص لهذه القانونية لا التصور القرآني، وسواء أصاب مالك بن نبي في هذا التصور أو أخطأ، فهذا شأن منفصل لا علاقة له من قريب أو بعيد بمفهوم السننية القرآني. على هذا المنحى سار جودت سعيد في تطوير مبدأ السننية عندما أصدر في الستينيات سلسة كتب تحت عنوان سُنن التغيير في النفس والمجتمع، كان منها: حتى يغيروا ما بأنفسهم، ومفهوم التغيير ورياح التغيير، وغيرها من الكتب. لكنه لم يخرج عن النهج العام الذي يهدف في المحصلة النهائية إلى جسر الهوة بين عالم الإسلام و الحضارة الغربية. إن مفهوم السننية عند جودت سعيد يتسع إلى أقصى مدى ممكن، فهو يمتد ليشمل القانون الناظم للحركة الكونية و كذلك قانون الحركة الاجتماعية و التاريخية، فعلم الفلك هو " سنن الآفاق" و علم الاجتماع " سنن تغير المجتمع" و كذلك علم النفس الحديث والوضعي فهو " سنن تغيير ما بالأنفس"، بل إنه يرى في قوانين الماركسية إثبات للسنن مع إقراره بأن تفسير الماركسيين لهذه السنن كان جزئياً. من الواضح أن مفهوم السنن يعادل عند جودت سعيد مفهوم القانون الطبيعي و الاجتماعي، لكن هذا لا يتفق بأي حال من الأحوال مع سياق النص القرآني، و هذا الفهم هو الذي يؤدي به إلى مجموعة من المغالطات من نوع الحديث عن السنن في صفات المادة " فصفة الذرة و صفة مركباتها، هذه الصفات و السنن من خلق الله" و كذلك حديثه عن كون السنن عامة " لأن السنة لا تكون إلا سنة إلا إذا كانت عامة " و كذلك حتمية هذه السنن — كما هو حال القوانين- و استشهاده بحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم لإثبات هذه الحتمية" لتتبعن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة" مع أن سياق الحديث يشير إلى معنى التحذير و التنيه و وجه الحتمية في كلام النبي عليه الصلاة و السلام (في الحديث المذكور و في حديث القصعة و تداعي الأكلة إليها) أن الله قد أطلعه على مستقبل أمته فأخبر بما علم، و ليس مؤداه ما خلص إليه جودت سعيد من " أن الرسول كان يرى المستقبل من خلال السنن .. و ليس هناك نظر اجتماعي تاريخي سنني، مثل نظر الرسول صلى الله عليه و سلم إلى المشكلة الاجتماعية". إننا نؤكد مرة ثانية أن مفهوم السننية هو مفهوم قرآني يستمد معناه و دلالاته من النص القرآني و طريقته في إدراج و استخدام هذا المصطلح في السياقات المختلفة و النماذج و الأمثلة التاريخية التي يقدمها، إنه يختلف عن معنى القانون الطبيعي الذي يحكم حركة الوجود المادي في الكون و الإنسان و الذي يسمى في النص القرآني بالآيات، و هو يختلف عن معنى القانون التاريخي و الاجتماعي بالمعنى الذي يتحدث عنه ابن خلدون و الذي يتوسل به كل من مالك بن نبي و جودت سعيد لتحويل مفهوم السننية إلى قانون اجتماعي تاريخي ثابت و دائم التأثير في كل الأزمنة و العصور بذات الطريقة و في ذات الوجهة، إذ أن ابن خلدون لم يذكر مفهوم السننية و لا مرة في مقدمته و لم يتحدث عنه، إنما كان يتحدث عن قوانين الدولة و الملك و الحضارة، لكن جودت سعيد يعيد تفسير النصوص من مقدمة ابن خلدون ليحشر فيها حشراً كلمة "سنن" و هو ينطلق في حديثه عن ابن خلدون بقوله" إنه كشف السنة كشيء حتمي لا كسنة يمكن السيطرة عليها" ثم يورد نصاً لابن خلدون لكنه يرى أن من الواجب تصحيح العبارة للمؤلف و تقويمها فيقول" فهذا الذي يسميه ابن خلدون باطن التاريخ، هو الذي سميناه الخاص بالأقوام في تغير ما بالأنفس مما أقدرهم الله عليه" و في موضع آخر يقول " و لابن خلدون العذر في أن تكون عباراته غير دقيقة، حيث جعل مرد ذلك إلى العوائد المترسخة، التي يمكن أن تمثل ما نطلق عليه نتائج ما بالأنفس". ما نود تأكيده هنا هو أننا لا ننكر أن حياة البشر و حياة الكون بأكمله تستند إلى قانون و هذا القانون له صفات الثبات و الشمولية و غيرها، لكن مفهوم السننية هو مفهوم قرآني له مدلولاته الخاصة المستمدة من النص القرآني في حديثه عن علاقة الخالق عز و جل بخلقه، إننا نرى أن السننية بالمعنى القرآني لا يتحقق معناها إلا إذا فهمناها في سياق العلاقة الإيمانية التي تربط المجتمع و أفراده بالخالق، إنها ليست قانوناً أرضياً عاماً، بقدر ما هي تمثيل لخصوصية تدخل السماء في الشأن الإنساني على مقتضى الحكمة الإلهية في التدبير. و إن تأكيد النص القرآني على طابع الحتمية و الثبات الذي يصبغ السنن (و لن تجد لسنة الله تبديلا) هو تأكيد على حتمية هذا التدخل مهما طال الزمن و تباعدت المسافات دون أن يكون هذا التدخل مشروطاً بظروف زمنية أو مكانية أرضية لتجعل منه قانوناً طبيعياً أو تاريخياً. و حتى لو افترضنا أن مفهوم السننية يشمل في معناه القانون التاريخي، أو حتى الطبيعي، لكن ذلك لا يمكن أن يقودنا إلى قصر هذا المفهوم على معنى القانون السببي لأن دلالاته في مصدره الأول الذي هو كتاب الله أوسع من مجرد كونه قانوناً تاريخياً، إنه يشير إلى التدبير الإلهي للحياة على مقتضى الحكمة الإلهية، و لا يمكن للحكمة أن تكون قانوناً حتى لو توافقت مع القانون.
المصدر: شبكة القلم الفكرية ( http://www.alqlm.com/index.cfm?method=home.con&contentid=358) .
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[29 Oct 2008, 09:41 م]ـ
أستاذنا وشيخنا الدكتورعبد الرحمن بارك الله بكم وبعلومكم ونفع بكم الأمة ....... نقلتم لنا مقالة قيمة وفيها حراك لموضوع هام وحساس والذي كان من أسباب ظهور نابتة جديدة في الأمة انطلقت من خلال فهمها لهذا الجانب وأخذ تتحرك في الأمة من خلال مفهومها مأثرين برؤية أحد المذكورين في البحث من سبعينات القرن الماضي وحى تاريخه .... ومازلنا في معرض البحث لتبين القول الفصل في هذا الموضوع الهام وكم كنت أتطلع راغباً لمعرفة رؤيتكم العلمية - كونكم بمنة الله عليكم وعلينا بكم من أهل التخصص في القرآن وعلومه ولكم اطلاع واسع ومن أهل الثقة عندنا - حول مفهوم السنن الربانية في المجتمعات البشرية في القرآن الكريم ... هذا الموضوع الذي كنت أبحث فيه وهممت دراسته لولا أن حالت دوننا الحوائل والآن عدت إليه ولقد طرحت الموضوع أيام دراستي الجامعية للتخصص به تحت عنوان دستور الإجمتاع الإنساني في القرآن الكريم على أستاذي وشيخي الدكتور عدنان وسر به ووعدني بالمساعدة لأهميته وضرورته ولكن حال القدر بحكمته دون ذلك لسوء في كسبنا أو قصور عَلِمَه الله فينا ... فلله التسليم وبحكم الرضا وعسى أن يقيض له من يقوم بحقه أكثر منا ... وهنا أقول هل نقلك للموضوع تبن لما جاء فيه أم أنه وجه نظر للبحث تطرحونها .... أرجو البيان
طالبكم طارق
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 Oct 2008, 10:47 م]ـ
مرحباً بالأخ العزيز والأستاذ الكريم طارق بن عبدالله وبأهل الشارقة أجمعين. أحببت الترحيب بك بعد انقطاع طويل، وأرجو أن تكونوا بخير وسلام، ولي عودة إن شاء الله للحديث حول ما سألتم عنه ونحن من جملة تلاميذكم وفقكم الله وزادكم رفعة وعلماً.(/)
ألا يؤدي هذا للطعن في البخاري
ـ[عبد الحي محمد]ــــــــ[08 Nov 2008, 01:20 م]ـ
صحافي شاب يصحّح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام
مقال مدقق للصحافي إسلام بحيري، من جريدة 'اليوم السابع': 15/ 07/ 2008، ص 21:
قضية زواج عائشة في عمر 6 سنوات ودخول النبي بها في عمر 9، بدا للأستاذ إسلام بحيري غير منطقي فوَطَّنَ نفسه على أن يدرسها ولم يثنه أنها مثبتة في البخاري وأن أعلام الأمة تقبلوها لأكثر من ألف عام، بناءً على ما جاء في البخاري (باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها 3894): حدثني فروة بن أبي المغراء حدثنا على بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «تزوجني النبي صلي الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة .. فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين».
وجد الباحث في نفسه حمية للدفاع عن رسول الله (ص) لعلها لم توجد في غيره. وأعد نفسه لمقارعة تلك القضية، ولم يقنع بأن يفندها بمنطق الأرقام ومراجعة التواريخ، ولكنه أيضًا نقد سند الروايات التي روي بها أشهر الأحاديث الذي جاء في البخاري ومسلم، وأثبت في الحالتين ذكاءً، وأصاب نجاحًا.
من ناحية التواريخ، عاد الصحفي الشاب إلي كتب السيرة (الكامل ــ تاريخ دمشق ــ سير أعلام النبلاء ــ تاريخ الطبري ــ تاريخ بغداد ــ وفيات الأعيان)، فوجد أن:
* البعثة النبوية استمرت 13 عامًا في مكة و10 أعوام بالمدينة، وكان بدء البعثة بالتاريخ الميلادي عام 610، وكانت الهجرة للمدينة عام 623م أي بعد 13 عامًا في مكة، وكانت وفاة النبي عام 633م والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول (ص) تزوج (عائشة) قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أي في عام 620م،
وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحي، وكانت تبلغ من العمر 6 سنوات، ودخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أي في نهاية عام 623م، وكانت تبلغ 9 سنوات، وذلك ما يعني حسب التقويم الميلادي، أنها ولدت عام 614م، أي في السنة الرابعة من بدء الوحي حسب رواية البخاري، وهذا وهم كبير. ونقد الرواية تاريخيا بحساب عمر السيدة (عائشة) بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبي بكر ــ ذات النطاقين): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن (أسماء) كانت تكبر (عائشة) بـ 10 سنوات،
كما تروي ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينها أن (أسماء) ولدت قبل الهجرة للمدينة بـ 27 عامًا ما يعني أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام 610م كان 14 سنة وذلك بإنقاص من عمرها قبل الهجرة 13 سنة وهي سنوات الدعوة النبوية في مكة، لأن (27 ــ 13 = 14 سنة)، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من (عائشة) بـ10 سنوات، إذن يتأكد بذلك أن سن (عائشة) كان 4 سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي أنها ولدت قبل بدء الوحي بـ 4 سنوات كاملات، وذلك عام 606م،
ومؤدَّي ذلك بحساب بسيط أن الرسول عندما نكحها في مكة في العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها 14 سنة، لأن (4 + 10 = 14 سنة) أو بمعني آخر أن (عائشة) ولدت عام (606م) وتزوجت النبي سنة (620م) وهي في عمر (14) سنة، وأنه كما ذكر بني بها ـ دخل بها ـ بعد (3) سنوات وبضعة أشهر، أي في نهاية السنة الأولي من الهجرة وبداية الثانية عام (624م) فيصبح عمرها آنذاك (14 + 3 + 1 = 18 سنة كاملة) وهي السن الحقيقية التي تزوج فيها النبي الكريم (عائشة).
حساب عمر (عائشة) بالنسبة لوفاة أختها (أسماء ـ ذات النطاقين): تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن (أسماء) توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة، وهي مقتل ابنها (عبد الله بن الزبير) على يد (الحجاج) الطاغية الشهير، وذلك عام (73 هـ)، وكانت تبلغ من العمر (100) سنة كاملة فلو قمنا بعملية طرح لعمر (أسماء) من عام وفاتها (73هـ) وهي تبلغ (100) سنة كاملة فيكون (100 ــ 73 = 27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية، وذلك ما يتطابق كليا مع عمرها المذكور في المصادر التاريخية فإذا طرحنا من عمرها (10) سنوات،
وهي السنوات التي تكبر فيها أختها (عائشة) يصبح عمر (عائشة) (27 ــ 10 ــ 17 سنة) وهو عمر (عائشة) حين الهجرة ولو بني بها ـ دخل بها ـ النبي في العام الأول يكون عمرها آنذاك (17 + 1 = 18 سنة)، وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة (عائشة) عند الزواج من النبي.
(يُتْبَعُ)
(/)
* وما يعضد ذلك أيضًا أن (الطبري) يجزم بيقين في كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد (أبي بكر) قد ولدوا في الجاهلية، وذلك ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح ويكشف ضعف رواية البخاري، لأن (عائشة) بالفعل قد ولدت في العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية.
حساب عُمُر (عائشة) مقارنة (بفاطمة الزهراء) بنت النبي: يذكر (ابن حجر) في (الإصابة) أن (فاطمة) ولدت عام بناء الكعبة والنبي ابن (35) سنة، وأنها أسن ــ أكبر ــ من عائشة بـ (5) سنوات، وعلى هذه الرواية التي أوردها (ابن حجر) مع أنها رواية ليست قوية، ولكن على فرض قوتها نجد أن (ابن حجر) وهو شارح (البخاري) يكذب رواية (البخاري) ضمنيا، لأنه إن كانت (فاطمة) ولدت والنبي في عمر (35) سنة فهذا يعني أن (عائشة) ولدت والنبي يبلغ (40) سنة وهو بدء نزول الوحي عليه، ما يعني أن عمر (عائشة) عند الهجرة كان يساوي عدد سنوات الدعوة الإسلامية في مكة وهي (13) سنة وليس (9) سنوات وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد في رواية البخاري.
* نقد الرواية من كتب الحديث والسيرة: ذكر (ابن كثير) في (البداية والنهاية) عن الذين سبقوا بإسلامهم «ومن النساء .. أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله (صلي الله عليه وسلم) يدعو في خفية، ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة»، وبالطبع هذه الرواية تدل على أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام (4) من بدء البعثة النبوية بما يوازي عام (614م)، ومعني ذلك أنها آمنت على الأقل في عام (3) أي عام (613م) فلو أن (عائشة) على حسب رواية (البخاري) ولدت في عام (4) من بدء الوحي معني ذلك أنها لم تكن على ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في عام (4) من بدء الدعوة أو أنها كانت رضيعة، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة، ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت في عام (4) قبل بدء الوحي أي عام (606م) ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام (614م) يساوي (8) سنوات، وهو ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح للأحداث وينقض رواية البخاري.
* أخرج البخاري نفسه (باب ـ جوار أبي بكر في عهد النبي) أن (عائشة) قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا قبل الحبشة)، ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا فـ (عائشة) تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكرت، وتقول إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات. والمؤكد أن هجرة الحبشة إجماعًا بين كتب التاريخ كانت في عام (5) من بدء البعثة النبوية ما يوازي عام (615م)، فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام (4) من بدء الدعوة عام (614م) فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحًا، ولكن بالحساب الزمني الصحيح تكون (عائشة) في هذا الوقت تبلغ (4 قبل بدء الدعوة + 5 قبل هجرة الحبشة = 9 سنوات) وهو العمر الحقيقي لها آنذاك.
* ولم يقنع المؤلف بهذه الحساب المقارن، بل إنه أجري أيضًا حساب عمر (عائشة) مقارنة بفاطمة الزهراء، مما لا يتسع له مجال المقال ...
* ثم ختم الباحث بحثه بنقد السند فلاحظ أن الحديث الذي ذكر فيه سن (عائشة) جاء من خمسة طرق كلها تعود إلي هشام بن عروة، وأن هشام قال فيه ابن حجر في (هدي الساري) و (التهذيب): «قال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش وكان مالك لا يرضاه، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم -جاء- الكوفة ثلاث مرات ـ مرة ـ كان يقول: حدثني أبي، قال سمعت عائشة وقدم ـ جاء ـ الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة».
والمعنى ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقاً في المدينة المنورة، ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء وبدأ (يدلس) أي ينسب الحديث لغير راويه، ثم بدأ يقول (عن) أبي، بدلاً من (سمعت أو حدثني)، وفي علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثني) أقوي من قول الراوي (عن فلان)، والحديث في البخاري هكذا يقول فيه هشام عن (أبي وليس (سمعت أو حدثني)، وهو ما يؤيد الشك في سند الحديث، ثم النقطة الأهم وهي أن الإمام (مالك) قال: إن حديث (هشام) بالعراق لا يقبل ...
فإذا طبقنا هذا على الحديث الذي أخرجه البخاري لوجدنا أنه محقق، فالحديث لم يروه راو واحد من المدينة، بل كلهم عراقيون مما يقطع أن (هشام بن عروة) قد رواه بالعراق بعد أن ساء حفظه، ولا يعقل أن يمكث (هشام) بالمدينة عمرًا طويلاً ولا يذكر حديثاً مثل هذا ولو مرة واحدة، لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبي في كتاب (الموطأ) للإمام مالك وهو الذي رأى وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة، فكفى بهاتين العلتين للشك في سند الرواية السابقة انتهي.
أختم المقال بما قدمته به، أن هذا مثال لما يمكن أن يصل إليه باحث لم يتخرج في الأزهر ـ ربما بفضل عدم تخرجه في الأزهر ـ من تفنيد لقضية تقبلتها الأمة بالإجماع (كما يقولون)، وفاتت على الأئمة الأعلام، ولماذا لم يلحظ رئيس قسم الحديث بالأزهر هذا بدلاً من أن يتحفنا بفتوي إرضاع الكبير؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[08 Nov 2008, 09:02 م]ـ
قد أنقل لكم في الملتقى شيئا مما استفدته من رد الشيخ أبي إسحاق الحويني على المقال المذكور في برنامج فضقضة بقناة الناس يوم الأربعاء مساء قبل 20 يوما من اليوم.
ـ[عبد الحي محمد]ــــــــ[09 Nov 2008, 11:09 ص]ـ
هلا فعلت
مشكوراً مأجوراً
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[09 Nov 2008, 12:25 م]ـ
شكر الله سعيكم
لي عودة على الموضوع
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[09 Nov 2008, 03:42 م]ـ
السلام عليكم
ما أودّ أن يُعرض الموضوع على هذه الهيئة، بوصفه تصديقا أو تكذيبا لكتاب من كتب الحديث! فما هو إلا محاولة تسليط الضوء على رواية من الروايات وتتبع مظانها ومحاولة تطبيقها على الواقع
وعلى الرغم من انطلاق الكاتب من هدف تفنيد الفكرة مما جعله يستفرغ وسعه لتبيين بطلانها، وهو منهج لا نرتضيه.
وقبل انتقاد طريقته في التفكير انتقادا علميا يحسن الدفاع عنه، إذ لا يسوغ أن نصنع صِداماً مصطنعا بين أي كاتب وبين العلماء الأجلاء.
فكتاب البخاري هو أصح الكتب المصنفة في دواوين الحديث، وغرض علم الحديث نقلُ أقوال النبي عليه الصلاة والسلام بحسب الإمكان، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب أقواله أصبح بحكم المستحيل نقلها كما هي دون إخلال لأن الشفاهية لا يمكن أن تنقل إلى الكتابية قبل عصر التسجيل الصوتي. فالحديث يُروى بالمعنى لا باللفظ،
وعلى ذلك لم يقل أحدٌ من العلماء أن لصحيح البخاري حجية المصحف الشريف من حيث قطعية الثبوت.
ولو قال قائل ذلك لما كان لقوله مستند
بل هو أصح كتب الحديث بحسب إمكانية علم الحديث على نقل الأحاديث.
ولذلك فقد أبعد النُّجعة من نظر إلى الموضوع بهذه الطريقة‘ لأن النظر إلى الموضوع عبر خلق صدام مصطنع يمنع الناس من أي محاولة لفهم أو تفهم.
أما القضية نفسها أعني عُمُرأم المؤمنين عائشة حين زواجِها الميمون، فلو صح لما كان فيه سنة أو تشريع لمظنة أن يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما جعل الله تعالى من خصائصه جواز الجمع بين أكثر من أربعة على حين لم يسمح لرجال أمته ذلك.
وقد خصَّ الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم بخصائص ليعلم الناس أن النبوة شأنها عظيم وأن لا محيص عن الإيمان بالرسالة من أجل فهم شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.
ولذلك لا نجد نحن المسلمين أي حرج أو غضاضة عند ذكر أي من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
والله الموفق والهادي إلى سواء الصراط
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[09 Nov 2008, 07:59 م]ـ
رد الشيخ ابي اسحاق الحويني على من أنكر زواج أمنا عائشة رضي الله عنها في سن تسع سنوات
________________________________________
فضفضة ايمانية
لفضيلة الشيخ المحدث ابي اسحاق الحويني
حفظه الله من كل سوء و رعاه
بتاريخ 29/ 10 / 2008
الذب الأحمد عن سنة نبينا أحمد
صلى الله عليه و سلم
حلقة خصصها الشيخ بارك الله في عمره للرد على
الصحفي الذي انكر زواج السيدة عائشة رضي الله عنها في سن تسع سنوات
و خالد الجندي الذي ايد الرأي في برنامج البيت بيتك من الفضائية المصرية و انكر الحديث.
كما اشار الشيخ الى بعض شبه الكلب زكريا بطرس
الحلقة قاربت الساعتين و النصف
http://www.tinjah.com/forum/showthread.php?p=74319
http://www.way2allah.com/modules.php?name=Khotab&op=Detailes&khid=8463
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[10 Nov 2008, 01:22 ص]ـ
شكراً للأخ سمير القدوري
ما أزال أستمع لمحاضرة الشيخ الحويني
وهي محاضرة ممتعة سلط فيها الضوء على عدة مسائل مهمة
وهو الآن يتحدث عن أن بنات البلاد الحارة يحِضن قبل غيرهن
وذكر ما لم أره في رواية وهو أنّ أم المؤمنين كانت قد حاضت
قبل أن يبني بها النبي صلى الله عليه وسلم
وهو مقحم في الرواية
وقال أيضاً إن الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام لا يجب أن يحملنا
على ردّ رواية صحيحة
لكن كما قلت قبل استماعي إليه، ليس ردّ الرواية درايةً أو البحث
عن مطعن فيها مما يشكل خطراً على الدين
بالعكس نتمنى أن يكشف البحث التاريخي عن خطأ في الرواية وأن يكون
سنّ عائشة أكبر مما جاء في رواية البخاري
وكما ذكرتُ أنه لا يُستحبُّ تزويج البنات في سن صغيرة بناء على هذه
الرواية لمظنة أن يكون الأمر كله من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد وقع الشيخ نفسه فيما حذر منه طوال حلقته
فقد قال إن بعض المسلمين ممن لم يتضلعوا في العلوم الشرعية
يقومون بردّ الروايات حين يرون أن أحد المستشرقين أو الغربيين قد
وظف تلك الرواية لهدم أصل من أصول الدين،
لكنه نسي فعمم نقده للاستشراق
فقال إن جهاز الاستشراق لم يقدم خدمة للتراث الإسلامي بل قام كله
لهدم الدين،
والصواب كما تنوقش في الموضوع هاهنا في ملتقى أهل التفسير أن
الاستشراق ليس شرا كله بل قد خدم الاستشراق تراث المسلمين وحفظ لهم كثيرا من مخطوطاتهم
وليس كل المستشرقين كولدتسيهر وبرنارد لويس
بل منهم نولدكة وبرجشتراسر ونيكولسون وفنسنك وجاك بيرك صديق العرب
ما تزال جامعات ألمانية تشتغل شغلا منظما لتصنيف التراث الإسلامي وحفظه.
أقولُ ذلك مُتذكِّراً قوله تعالى
ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا
والسرّ في حصول بعض الخلط هو أن خطاب العامة لا يمكن أن يكون خطاب الخاصة
، او على أقل تقدير مما يصعب صعوبة لا يمكن تجاوزها.
وللإخوة المتخصصين في علم لحديث أثير التساؤل الآتي
تحدث أبو إسحق الحويني عن شرط مسلم الذي بينه في مقدمة صحيحه،
وعن شرط البخاري الذي قال إنهم استنبطوا شرطه من عمله في صحيحه
ولم يفصّل بل لمّح إلى تأييده لما فعلوا.
فمن المشهور بين تلامذة المحدثين أن شرط مسلم كان المعاصرة لا اللقاء
وأرادوا على ما يبدو أنْ يرفعوا قدر البخاري فوق مسلم
فجعلوه اشترط اللقاء لا الاكتفاء بالمعاصرة؟
وأودّ بمحبة أن أضع التساؤل التالي:
لو صحّ ما قالوه من شرط البخاري، ونحن نعلم أن صحيح مسلم قد أُلف بعد البخاري
، لوجب أن تكون دائرة رواية مسلم أوسع من دائرة رواية البخاري، أي أن شرط مسلم أخف وأوسع من شرط البخاري
ولمّا كان مسلمٌ لم يقل إنه سيتجنب ما رواه البخاري بل جعل لنفسه نفس الهدف وهو اختيار أصح الروايات
كان لا بدّ أن يتضمن صحيح البخاري كاملاً [لأن اللقاء متضمن في المعاصرة] ثم يزيد عليه ما تنازل عنه من شروط
فلماذا اتفق الشيخان على نصف أحاديث البخاري فقط؟
ـــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني
أن الخطر الحقيقي على الدين ليس ما يذكره الحويني أن بعض الناس ناقش
بعض المسائل العلمية، وهي بقصد الدفاع عن الإسلام وعن السيرة وعن الدعوة
،فهو أمر جديد حديث
لكن الخطر الحقيق الذي تُسترعى له أنظار الحكماء
ويتسنفر له أولي الأمر هو الفضائيات القادمة من الشرق والتي تتبنى
فكر الصفويين حين أرادوا خلق حاجز بين من يحكمون وبين دولة بني عثمان،
فسعوا إلى صُنع روايات وأطر فكرية تعبئ الناس ضد أمة الإسلام وتربط
أهواءها ومطامعها بثورة الحسين رضي الله عنه، وتبرمج أتباعها على كره الأمة وتوهمهم أن خلاصهم ونجاتهم ليس في القرآن والسنة بل في اتباع القيادات
الدينية للمد الصفوي الذي زعم اتصاله بكائن أسماه صاحب الزمان!
هذا هو الخطر ولهم اليوم عدة فضائيات تسمي من لا يؤمن بأوهامهم نواصب
وتتوعدهم بطائر العنقاء الذي جعلوا بينه وبين آل محمد نسبا ليأتي فيقتل العرب
لأنهم أبناء بني أمية كما يزعمون
كيف نواجههم وعلماؤنا يُحرِّمون كل وسائل المواجهة؟
ثبت أن العقل يتلقى بصرياً، وهم يستخدمون كل وسائل السمع والبصر لنشر
بدعهم فكيف نواجههم ونحن لا خطة لنا لذلك. ولا قرار سياسيا لمنع فضائياتهم
؟
هل بعد ما كشفوا عن أطماعهم وسوء أخلاقهم، وموقفهم من أمة الإسلام
قاطبة إلا من صدقهم وآمن بإلاههم الجديد الذي جعلوا بينه وبين آل محمد
نسبا ليقودوا الناس من خلاله،
هل بعد كل ما فعلوا نطمع في فيئهم أو أن يرقبوا في مسلمٍ إلاً أو ذمة؟
إذا كان للساسة رؤاهم فماذا فعلت مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الدينية
والجمعيات الثقافية والجامعات لمواجهة هذه الأعاصير من الجراد الشرقي؟
ـ[محب]ــــــــ[11 Nov 2008, 12:28 ص]ـ
ما أودّ أن يُعرض الموضوع على هذه الهيئة، بوصفه تصديقا أو تكذيبا لكتاب من كتب الحديث! فما هو إلا محاولة تسليط الضوء على رواية من الروايات وتتبع مظانها ومحاولة تطبيقها على الواقع
وعلى الرغم من انطلاق الكاتب من هدف تفنيد الفكرة مما جعله يستفرغ وسعه لتبيين بطلانها، وهو منهج لا نرتضيه.
وقبل انتقاد طريقته في التفكير انتقادا علميا يحسن الدفاع عنه، إذ لا يسوغ أن نصنع صِداماً مصطنعا بين أي كاتب وبين العلماء الأجلاء.
(يُتْبَعُ)
(/)
معذرة دكتورنا الكريم. دعني أزيدكم توضيحًا.
القضية ليست قضية "كاتب" و"تسليط ضوء". القضية أوسع من هذا.
القضية قضية محاربة الالتزام بالدين وضرب ثوابته.
"إسلام بحيري" كاتب الموضوع الأصلي لا يتحدث عن "تسليط ضوء" ولا ما شابه ..
"إسلام بحيري" يتحدث عن " شيوخ الضلال من فقهاء النفط المقدس من العربان البدو وأزلامهم فى مصر التى تروق لهم هذه الرواية وتليق بأخلاقهم وشهواتهم" ..
يتحدث عن "أيقونة الوهابيين ابن تيمية" ..
يتحدث عن "فقه الحمامات" الذي غرقت فيه الأمة ..
يتحدث عن "مغارة التوافه" التي هي عنده "أبواب الكتب الفقهية كأبواب أحكام الوضوء وسننه وفرائضه والاستنجاء والغسل والجماع والجنائز وسنية السواك وتحليق الشوارب وإعفاء اللحى وتقصير الجلابيب والجهر بـ (بسم الله) فى أول الصلاة" ..
يتحدث عن "فقتل الله من أملى ذلك, وقتل الله من كتبه, وقتل الله من دافع ويدافع عن صحته" يقصد أحد أحاديث مسلم .. أو كما يقول متهكمًا "الأستاذ مسلم النيسابوري" ..
هل عرفت هذه الشنشنة من قبل دكتورنا الكريم؟!
والأمر لا يحتاج أن أنقل شيئًا من كلامه .. بل حسبنا عنوان الذي لخص المقال "صحافي شاب يصحّح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام"، ونبرة الانتشاء والتشفي لاهتزاز أي ثابت، لنعرف حال من يطبل له العلمانيون ويزمرون.
إن "احترام" أمثال هؤلاء البحيري، ووصفهم بالكاتب أو الباحث و"تسليط الأضواء" ... الخ، مما يعلي من شأنهم، ويساعد على ترويج باطلهم.
أخشى أن نرتكب هذا الخطأ في معاملة "زقزوق" وزير الأوقاف المصري الذي عزم على إصدار كتاب "النقاب عادة اجتماعية سيئة وليس عبادة" ..
http://almoslim.net/node/101937
أخشى أن نجد بعض علمائنا يقصر خطابه على "جواز كشف الوجها" .. كأن الذي دفع "فضيلة" الوزير إلى هذا هو "جهاده ضد المنكرات"!
ازدياد العري وأعداد الأفخاذ المفتوحة ليل نهار يملأ الكتب والمجلات والتلفاز والسينما .. و"فضيلته" لم يرفع للإسلام رأسًا بنهي واحد، ولم ينصح لحاكم ولا محكومين .. لكن أرّق "فضيلته" النقاب لأنه "يسيء للوطن"، ولأنه يمنع "التواصل"!
أرجو ألا يتفوق علينا العلمانيون دومًا في فهم "اللعبة".
ـ[محب]ــــــــ[11 Nov 2008, 10:22 ص]ـ
أما بالنسبة لمشكلة " الجراد الشرقي " فما أدرانا أن بداية الحل ليست بأيدي علمائنا أيضًا.
وكما أن كثيرًا من علمائنا تغبشت لديه الرؤية في مواجهة العلمانيين، كذلك نجد نفس البلوى في مواجهة "الجراد الشرقي".
إن مشكلة الروافض ليست مشكلة " علمية " فحسب .. نعم، المواجهة العلمية مطلوبة، وكتابات علمائنا - جزاهم الله خيرًا - منشورة مشهورة، والروافض طمعهم منقطع في ترويج باطلهم إلا بالتقية.
مهما هجم الروافض بعقائدهم، فبمجرد أن يسمع العوام سبهم في أبي بكر وعمر، يغلقون الباب دونهم.
مشكلة الروافض مشكلة " عملية " أيضًا. والجانب العملي هو الذي ظهر تقصيرنا فيه بوضوح.
الناس يرون بأعينهم الروافض يجاهدون اليهود والأمريكان، ويشاهدون هذا على شاشات الفضائيات التي دخلت كل بيت الآن.
في مصر، بعد انتشار الفضائيات، استمع الناس إلى " محمد حسان " و " حسين يعقوب " و " الحويني " وغيرهم من شيوخنا الفضلاء .. أحبهم الناس وأحبوا دعوتهم وأحبوا الالتزام بالدين .. وصار الناس يرجعون عن كثير من أفعالهم ومعتقداتهم بسبب درس معه أو خطبة حضرها لأحد هؤلاء المشايخ. لكن حين هاجم هؤلاء الأفاضل "حزب الله"، استاء الناس من مشايخهم، وودوا لو أنهم لم ينطقوا بهذا " السخف " عن " حزب الله " المجاهد! .. نعم ظل الناس يستمعون لهؤلاء الأفاضل، ونحوا جانبًا كلامهم عن " حزب الله " من باب عدم تتبع زلات العلماء!
إن " المؤلفات العلمية " وحدها غير كافية في مواجهة الروافض .. لا بد من إعطاء النماذج العملية .. وهي غائبة إلى الآن.
أضرب مثالاً لكلامي بواحد من عامة الناس دينيًا، وإن كان له " ثقافته "، وهو طبيب بشري، له مؤلفات أدبية، اسمه " أحمد خالد توفيق "، وله عمود ثابت بجريدة مصرية منتشرة بين " المثقفين ".
يقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
في فترة ما من حرب العراق، كانت المقاومة شيعية أساسًا قبل أن يقرر الصدر أن يحقن دماء رجاله، وكنت في تلك الآونة أتلقى سيلاً من الرسائل على بريدي الالكتروني خاصة بإحدى مجموعات الأخبار، وبالطبع كان اسم المرسل مستعارًا لكنه اسم (أصولي) جدًا .. كان محتوى الرسائل واحدًا تقريبًا .. الشيعة كفرة .. الشيعة خارجون على الملة .. البرهنة بالأدلة على فساد عقيدة الشيعة .. كل رسالة طويلة جدًا تحتاج إلى ساعة في قراءتها، ومعها عدد لا بأس به من الصور تظهر الشيعة وهم يمزقون أجسادهم بالجنازير أو السياط في الاحتفالات .. أو احد الأئمة يقبل طفلاً في شفتيه مع تعليق يقول: الشذوذ الجنسي ضرورة عند الشيعة .. الخ ...
يومًا بعد يوم تنهمر على الرسائل، ويمتلأ بريدي عدة مرات في اليوم .. هذا رجل كرس حياته لقضية واحدة يهون من أجلها كل مرتخص وغال ألا وهي أن الشيعة (موش تمام) ..
في النهاية لم يعد الأمر محتملاً فكتبت ردًا على ذلك المخبول بحيث يُتاح للجميع في ذلك المنتدى قراءته .. قلت في هذا الرد: "عزيزي .. في الآونة الحالية التي ينتهك فيها الأمريكيون أعراض العراقيين، ويذبح شارون الفلسطينيين، لا يبدو أن هناك طرفًا قادرًا على القتال راغبًا فيه إلا حزب الله في لبنان وشيعة العراق، أي أن الشيعة هي الفئة الوحيدة التي تحارب الأمريكان والصهاينة في العالم الإسلامي كله .. فهل تعتقد بحق أن هذا أنسب وقت لإثبات أنهم كفرة فاسدو العقيدة؟ .. معنى كلامك أن من يحارب الأمريكان والصهاينة اليوم كافر .. وهي لعمري رسالة مريبة .. أنا لا أعتقد أنك عميل للمخابرات المركزية .. فقط أنا أعتبرك مجرد متعصب أحمق آخر."
بالطبع لا أقول بصحة وجهة نظر هذا الكاتب. لكن أقول إن ألف مقال " علمي " لن ينجح في إقناعه، وهذا حال أكثر الناس.
الناس تحتاج من علمائنا شيئًا غير الكتب والمقالات والرسائل الأكاديمية!
ونفس ما قلناه عن المواجهة مع العلمانيين، ومع " الجراد الشرقي "، يُقال أيضًا مع مشكلة " التفجيرات " والتطرف.
نفس المشكلة قائمة .. مؤلفات كثيرة وكتب ومقالات .. لكن الشباب يحتاج شيئًا فوق هذا.
متى ندرك إحساس الشاب المتحمس لدينه، وهو يسمع أطنان الخطب من علمائه عن " طاعة أولي الأمر " وعن " فقه إنكار المنكر "، في نفس الوقت الذي يشاهد فيه على الفضائيات الأمير السعودي بعينين ملؤها الوله والاشتياق يراقص " بوش " منتشيًا رقصة السيف! .. المصيبة الأكبر عند هذا الشاب، أن عالمًا واحدًا لم يبين له كيف يطبق " فقه إنكار المنكر " حيال هذه " الرقصة "!
هذا الشاب يسمع دومًا علماءه ينصحون " المتطرفين " أو من يخشون أن يكونوا كذلك .. لكنه لا يراهم مرة واحدة يقولون كلمة حق عند سلطان جائر .. وعندما يسأل عن السبب يُقال له: لعلهم .. لعلهم .. أكرر: لعلهم فعلوا ولكن مثل هذه الأمور لا تصل إليك!
إنها نفس المشكلة .. مؤلفات .. كتب .. صوتيات .. مرئيات ..
لكن أين النماذج العملية ..
أين؟!
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[11 Nov 2008, 10:49 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي محب
ـ[عبد الحي محمد]ــــــــ[11 Nov 2008, 05:48 م]ـ
بارك الله لكم جميعاً
ـ[محمد شلبي]ــــــــ[12 Nov 2008, 02:12 م]ـ
جزى الله الجميع خيرا، وأضيف أني استمعت إلى طرف من برنامج على قناة الحياة، من يومين عنوانه: (الحياة اليوم) يتحدث عن رفع دعوى قضائية ضد الأزهر لإلغاء 24 ألف حديث نبوي شريف، وقد تحدث أحد الحضور حديثا مفاده أن أحاديث كثيرة في البخاري ومسلم ليست بصحيحة وإنما وضعت على أسس سياسية محضة وأن رواتها وضعوها خوفا من بطش بني أمية، ومن هؤلاء الرواة- على زعم القائل -لا سامحه الله-: عروة بن الزبير، وابن شهاب الزهري - رحمهما الله تعالى- فقد ذكر أنهما نشآ يومئذ والدولة لبني أمية وسلطانهم مبسوط على رقعة الدولة الإسلامية وأن الذين دونوا الحديث إنما وضعوه على أهواء بني أمية، فعروة لم يزل ذاكرا ما حدث لأخيه عبد الله، ويخاف إن تكلم بما يغضبهم أن يحدث له ما حدث لأخيه، وابن شهاب الزهري عالم يتأكل من بلاطهم ومما يغدقونه عليه من هبات وعطايا فأنى لهذين أن يضعا أحاديث تهاجم حكم الأمويين أو تبين خطأ من أخطائهم؟!
لكني لشدة غضبي لم أواصل استماع هذه التفاهات وحولت إلى قناة أخرى
ولا يزال الموضوع يحز في نفسي جدا، وأرجو من أحد الإخوة ممن لهم باع في علم الحديث أن يذكر لنا ولو نبذا يسيرة من سيرة هذين الجليلين الذين رماهما ذلك الأفاك بالسوء - شلت يمينه-وأن يرد على تلك التهمة الشنعاء، وقد ذهبت إلى ملتقى أهل الحديث لأستطيع عرض هذا الكلام هناك لكني للأسف غير مسجل والتسجيل مغلق لإشعار آخر، ولذلك عرضت الموضوع عليكم
وسلمتم جميعا
ـ[شمس الدين]ــــــــ[15 Nov 2008, 10:11 م]ـ
بل هو طعن صريح في صحيح الإمام البخاري رضي الله عنه، هذا السفر الذي تلقته أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالقبول إجماعا خلفا عن سلفا، جيلا بعد جيل، وقد عرضه المصنف رضي الله عنه على جهابذة علم الحديث كأحمد وبن المديني وبن معين وغيرهم، رحمهم الله تعالى ورضي عنهم، والطاعن في صحيح البخاري إما أنه ضال جاهل لا يدري ما يخرج من رأسه متكلم في دين الله بغير علم، أو أنه زنديق كافر يريد الطعن في نصوص الوحي الثابتة وإسقاطها من عيون عامة الناس.
ثم إن هذا الكاتب قد قرأت ردا عليه -أظن الراد هو الدكتور محمد عمارة- فقد فند شبهه الباطلة شبهة شبهة، وقد بين في الرد أن الكاتب اعتمد على روايات ضعيفة وأسانيدها عليلة جدا في مقابل الصحيح الثابت الذي رواه الإمام البخاري.
والوجه الآخر من الرد كان على طريقة الحساب (الخنفشارية) التي قام بها هذا الكاتب، وأنها خطأ كبير لا يصح.
لعل الله أن ييسر لي الوقوف على بحث الدكتور -أظن اسمه محمد عمارة ولست متأكدا- ولكنه منشور على الشبكة.
والله المستعان.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبد الحي محمد]ــــــــ[16 Nov 2008, 10:44 ص]ـ
بارك الله فيك أخي شمس الدين
هلا نقلت البحث إن وجدته.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[16 Nov 2008, 09:58 م]ـ
أستسمح أخي الكريم (شمس الدين) بنقل رد الدكتور محمد عمارة على هذا الصحفي.
الرد على من طعن في سن زواج عائشة
عوَّدنا الكاتبُ (جمال البنا) على كل غريب ومبتدع، وكان آخر هذه المبتدعات ما أعلنه في جريدة "المصري اليوم" بتاريخ 13/ 8/2008 من ظهور صحفي شاب يصحح للأمة خطأً منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وجعل البنا يمدح ويبجل ذلك الصحفي الذي استطاع أن يكشف خطأ عَمِي على الأعلام طوال هذه القرون، فيا حظ أمه بهذا الجهبذ الذي دقق وفتش وقارع، ونقد سند الرواية التي تتحدث عن سن السيدة عائشة وقت زواجها من النبي، والتي غفلت عنها الأمة طوال 1000 عام، والفضل الأول كما يرى البنا يرجع إلى أنه لم يدرس في الأزهر وإلا لما كان يستطيع هذا العمل العظيم، وسوف يذهب هذا الرد وساوس الشيطان من رأسيهما إن شاء الله تعالى، إن أرادا الحق، وإن أبوا إلا المكابرة والعناد فكما قال ربنا: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 119].
يظهر في هذا البحث الكذب والاختلاق والجهل؛ وذلك من عدة أوجه:
أولاً: كلمة أريد بها باطل، يقول البنا: "وجد الباحث في نفسه حمية للدفاع عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- لعلها لم توجد في غيره"، وهذا محض كذب وافتراء، وفعله ليس دفاعًا عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- ولا حمية له، بل هذه محاولة من محاولات القضاء على سنة رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم- من خلال التشكيك في الأحاديث الواردة، وبث الريبة في نفوس العامة نحو الأئمة الأعلام، وإن كان البنا صادقًا فأين هؤلاء من ذبهم عن الدين، ورد افتراءات المستشرقين والعلمانيين، أين جهدهم في صد عدوان الكفر، أين هم من الدعوة لدين الله، لا شيء من هذا مطلقًا؛ إلا مقالات سيئة، وفتاوى ماجنة كتلك التي تجيز تقبيل الشباب للفتيات، وشرب الدخان في نهار رمضان وغير ذلك من الفتاوى القبيحة المنكرة.
ثانيًا: كذب وتدليس على الخلق؛ إذ قال: "وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها -يعني أسماء- أكبر من عائشة بـ10 سنوات"، وهذا غير صحيح فليس هذا بالاتفاق وإنما هي رواية ذكرت، وسوف أبين الصحيح لجلاء الغيوم عن مرضى القلوب.
ذكر الباحث نقلا من كتب (الكامل، وسير أعلام النبلاء، وتاريخ الطبري، ووفيات الأعيان، والبداية والنهاية، وتاريخ بغاد، وتاريخ دمشق) ما يؤكد أن عائشة قد ولدت قبل البعثة، بانيًا وهمه هذا على ما روي من فارق السن بينها وبين أختها أسماء وهو عشر سنوات، وهذا يضعف - في زعم الصحفي - حديث البخاري الذي يثبت فيه أن النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- تزوج عائشة وهي بنت ست ودخل عليها وهي بنت تسع سنين.
وقد رجعت إلى تلك المصادر التي اعتمد عليها الصحفي وعلى غيرها من أمهات الكتب فلم أجد ما زعمه إلا روايات لا تشهد له بشيء؛ ففي كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم (6/ 3208)، والبداية والنهاية (3/ 131)، وسير أعلام النبلاء (3/ 427)، وأسد الغابة (7/ 7، 186، 216)، وتاريخ الإسلام (3/ 604، 698)، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين لمحب الدين الطبري (صـ 36)، أضف إلى ذلك ما ذكره ابن هشام في السيرة وهو أسبق من هؤلاء جميعًا في عدم تمييز عائشة البكاء من الفرح قبل الهجرة لصغر سنها.
جاء في سير أعلام النبلاء أيضًا (3/ 522) وكذا تاريخ الإسلام: "وكانت -أي أسماء- أسن من عائشة ببضع عشرة سنة". وإن كنا لا ننفي الرواية الواردة بأن الفارق بينهما عشر سنين فقط، إلا أنها لا تصح.
فإذا كانت كتب التاريخ تؤكد أن وفاة أسماء كان سنة 73 هـ وتوفيت عن عمر 100 سنة، وأن أسماء هاجرت وعمرها 27 سنة وهذا يعني أنها حينما أسلمت كان عمرها 14 سنة بطرح مدة الدعوة المكية 13 من مجموع السن 27 - 13 = 14، والثابت أنها كانت أكبر من عائشة ببضع عشرة سنة على الراجح كما ذكر ذلك الذهبي وغيره، والبضع من 3 إلى 9، فلو اعتبرنا ما بين أسماء وعائشة، لوجدنا أن البضع عشرة سنة هو ما بين 13 إلى 19 سنة، وعليه فتكون عائشة قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة، أي في الإسلام وليس قبل الإسلام، وهذا ما يتفق مع الكتب السابقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثًا: الكذب والتدليس مرة أخرى فينقل الصحفي كلامًا من كتاب البداية والنهاية ليس له وجود أصلا فيزعم أن ابن كثير قال عن الذين سبقوا بإسلامهم: "ومن النساء أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله يدعو في خفية ثم أمر الله رسوله بإظهار الدعوة"، ثم يقول: وبالطبع هذه الرواية تدل على أن عائشة قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام 4هـ وأخذ يستطرد ويدور حول هذه القصة الملفقة ليثبت المراد من هذا الكذب ظنًّا أن هذا الأمر لن يبحث عنه أحد، قلت: وقد رجعت إلى الموطن المشار إليه فلم أجد ما ذكره الصحفي الهمام الذي لم يجد بدًّا من الكذب على الأعلام لإظهار الخطأ الموهوم، ولم يذكر ابن كثير خبرًا فيه ذكر أسماء في السابقين إلى الإسلام فضلا عن عائشة.
رابعًا: الحديث الثاني الذي يستند عليه، والعجيب أنه من رواية البخاري الذي يزعم كذبه ويستدل به، والأعجب أنه لم يفهم فحواه، ولعل عذره أنه لم يتخرج في الأزهر كما يقول تلميذه البنا!، والحديث عن عائشة: "لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا قبل هجرة الحبشة ... " وهذا كذب وتدليس من الصحفي ومتابعة على جهله من تلميذه البنا للوصول إلى مأرب وغرض خبيثين، ونص الحديث: "خرج أبو بكر مهاجرًا قِبَلَ الحبشة"، وهناك فارق كبير بين المعنيين، فالحديث يبين أن أبا بكر لما أوذي واشتد إيذاء قريش له خرج نحو الحبشة مهاجرًا وكان خروجه هذا قريبًا من هجرة المدينة يعني في أواخر الدعوة المكية، فلقيه ابن الدغنة فأجاره، والهجرة لم تنقطع إلى الحبشة إلا بهجرة المدينة، ويؤكد هذا المعنى ما جاء في الحديث نفسه: على لسان أبي بكر لابن الدغنة: إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسَلَّم-: ((قد أريت دار هجرتكم؛ رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين ... )) يعني الأمر لم يتعدَّ الأيام التي خرج فيها أبو بكر يريد الحبشة، فرجع في جوار ابن الدغنة، فلم يمتنع عن استعلانه بالقرآن فشكت قريش إلى ابن الدغنة، فخلع أبو بكر جواره فبشره النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- برؤية أرض الهجرة.
وقد حرف النص كما ترى ليصل إلى مراده، ومعلوم أن بدء الهجرة إلى الحبشة كان في بداية الإسلام ليثبت أن عائشة كانت قد ولدت قبل البعثة، لاحظ أيضًا أن هذا الحديث يؤكد صغر سن عائشة لقولها: "لم أعقل أبوي قط ... " وهذا يؤكد أنها ولدت في الإسلام كما أثبتناه.
خامسًا: تناقض في قياس عمر عائشة على عمر فاطمة بأن فارق السن بينهما خمس سنوات وأن فاطمة ولدت قبل البعثة بخمس سنوات مما يستلزم أن تكون عائشة ولدت عام البعثة الأول، وهذا فيه تناقض صريح؛ إذ كيف يثبت مولدها قبل البعثة بـ 4 سنوات بالموازنة بينها وبين أسماء، ثم يثبت مولدها عام البعثة الأول مقارنة بسن فاطمة، والحقيقة غير ذلك، يقول الذهبي في السير: "وعائشة ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثمان سنين" (سير أعلام النبلاء 3/ 429). وتأمل هذا، وفي ترجمة فاطمة قال الذهبي: "مولدها قبل البعثة بقليل" (السير 3/ 417)، فإذا ما نظرنا إلى سن زواج النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- من عائشة وكان قبل الهجرة ببضعة عشر شهرًا، وقيل بعامين، أضف على هذا السن عمر عائشة حينها وكان ست سنوات، فيكون المجموع 2 + 6 = 8 اطرح هذا من مدة الدعوة المكية 13 - 8 = 5، فإن هذا يعني أنها ولدت في السنة الخامسة من الهجرة. ويؤكد هذا المعنى ما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة (7/ 216) إذ ذكر أن النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- زوج عليًّا من فاطمة بعد أن تزوج النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- عائشة بأربعة أشهر ونصف، وكان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، وهذا يعني أنه بنى بها في السنة الثانية من الهجرة، فإذا ما اعتبرنا السن المذكور لفاطمة تبين لنا أنها ولدت قبل البعث بقليل كما ذكر الذهبي وغيره.
فانظر كيف تناقض المسكين الذي يفخر به تلميذه البنا بأنه لم يدرس في الأزهر، والفخر للأزهر حقيقة أنه لم يحتضن هؤلاء المشاغبين، ولم يجلسوا في أروقته، ولم يعرفوا أدب العلم وحق العلماء.
سادسًا: عدم الأمانة العلمية في نقل النصوص؛ إذ نقل الكاتب عن كتاب الإصابة أن فاطمة ولدت عام بناء الكعبة وعمر النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- 35 سنة، وأنها أسن من عائشة بخمس سنوات، ولم يبين أن هذه رواية من روايات عدة ذكرها ابنُ حجر؛ منها أيضًا أن فاطمة ولدت سنة إحدى وأربعين من ميلاد النبي، وقد رجح ابن حجر أن مولدها كان قبل البعثة بقليل وهو ما يتفق مع ما ذكرناه قبل ذلك.
سابعًا: الجهل بالنصوص وعدم الفهم؛ ومن ذلك قوله عن الطبري: "بأنه جزم بيقين أن كل أولاد أبي بكر قد ولدوا في الجاهلية"، وهذا كذب وخلط وعدم فهم؛ لأن نص الطبري المذكور يتحدث فيه عن أزواج أبي بكر الصديق وليس عن أولاده (راجع تاريخ الطبري 2/ 351)، وقد قسم الطبري أزواجه اللاتي تزوجهن؛ فمنهن من تزوجهن في الجاهلية وولدن له، ومنهن من تزوجهن في الإسلام، ثم سمى أولاد أبي بكر من زوجتيه اللتين تزوجهما قبل الإسلام وقال: "فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية"، فالحديث عن الأزواج وليس عن الأولاد، ويمكن أيضًا مراجعة تاريخ الطبري ج 2 صـ 212 في ذكر زواج النبي بعد خديجة، وهو يجزم بأن النبي بنى بها بعد الهجرة وكان عمرها تسع سنين.
وأخيرًا:
الأولى أن يترك هذا لأهل الاجتهاد والعلم وليس لأهل الجهل، فقد أوقعوا بأنفسهم نتيجة عدم البحث والدراسة، والإصرار على التعالم، فعليهم أن يعملوا فيما تخصصوا فيه لا فيما يدعونه؛ فإن ذلك يوقع بهم فيما نرى، وأرجو أن تكون آخر بلايا جمال البنا.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
والله تعالى أعلم.
د. محمد عمارة
أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية "جامعة الأزهر"
المصدر ( http://www.alukah.net/articles/1/3388.aspx)
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[16 Nov 2008, 10:11 م]ـ
والعجيب أن من يروج لهذه الشبهة هم النصارى!
فليت شعري على من ينبغي أن يكون الرد؟!
ـ[شمس الدين]ــــــــ[16 Nov 2008, 11:42 م]ـ
والعجيب أن من يروج لهذه الشبهة هم النصارى!
فليت شعري على من ينبغي أن يكون الرد؟!
فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال
إلى الله المشتكى أيها الحبيب، وهذا هو ديننا منذ نشأته، محارب من الداخل والخارج، ولكن "يخلف هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الجاهلين وانتحال الغالين". أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
وكما قال ابن القيم رحمه الله:
والحق ممتحن ومنصور فلا ... تجزع فهذي سنة الرحمن
وجزاك الله خيرا على نقل البحث.
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[20 Nov 2008, 03:29 ص]ـ
انطلق الدكتور محمد عمارة حفظه الله من حمية الدفاع عن المشهور مما استقر عليه رأي جمهور علماء اهل السنة. وقد أعجبني ردّه وأثار فيّ بعض الأفكار أحببت أن أضعها هاهنا. وأنا من محبي الدكتور عمارة ومُواليه ولا أتفق معه في كل ما يذهب إليه.
وقد رجعت إلى تلك المصادر التي اعتمد عليها الصحفي وعلى غيرها من أمهات الكتب فلم أجد ما زعمه إلا روايات لا تشهد له بشيء؛ ففي كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم (6/ 3208)، والبداية والنهاية (3/ 131)، وسير أعلام النبلاء (3/ 427)، وأسد الغابة (7/ 7، 186، 216)، وتاريخ الإسلام (3/ 604، 698)، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين لمحب الدين الطبري (صـ 36)، أضف إلى ذلك ما ذكره ابن هشام في السيرة وهو أسبق من هؤلاء جميعًا في عدم تمييز عائشة البكاء من الفرح قبل الهجرة لصغر سنها.
قول الدكتور لصغر سنها مدرج في رواية ابن هشام، فهو رأي الدكتور عمارة وليس رأي غيره. فهي لم تكن تعرف أن أحدا يبكي من الفرح إلا حين شاهدت أبابكر يبكي من فرحه بصحبة النبي صلى الله عليه وعلى آله.
وهو أمر نادر الحصول، وربما عاش إنسان قرنا كاملا دون أن يرى أحدا يبكي من الفرح
، فقد أبعد الأستاذ النُّجْعة!
وحتى لو وجدنا من يظن هذا الظنّ من السابقين لكان مُبعدا للنجعة، وقد رأينا ما لا يحصى من إساءات الفهوم لعلماء لسنا إلا من حملة أحذيتهم
وقد حرف النص كما ترى ليصل إلى مراده، ومعلوم أن بدء الهجرة إلى الحبشة كان في بداية الإسلام ليثبت أن عائشة كانت قد ولدت قبل البعثة، لاحظ أيضًا أن هذا الحديث يؤكد صغر سن عائشة لقولها: "لم أعقل أبوي قط ... " وهذا يؤكد أنها ولدت في الإسلام كما أثبتناه.
بوصفي مختصا ً بتحليل النص وعلم الدلالة، فإنّ هذا النص أعني قول عائشة (لم أعقل أبويّ قطّ إلا وهما يدينان بالإسلام) إذا ثبت تاريخيا أنها قالته فعلا بهذا اللفظ، فهو يدل فعلا على ما ذهب إليه الصحفي الشاب وليس ما ذهب اليه الدكتور عمارة،
لم أركز تفكيري قبل اليوم على هذا الحديث، وليس علينا سوى استخدام الباحث الآلي لتتبع رواياته كلها.
فإنها ستكون دليلاً قويا على صحة الرواية بلفظها
أو بقريب من لفظها
وهي تدل دلالة قاطعة في تصوري وفهمي على أن عائشة قد ولدت قبل البعثة بقليل وأنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان بالإسلام، لأننا لا نستطيع أن نفترض تأخر إسلام أبويها من أجل أن نؤمن بصغر سنها إبان البناء المبارك بها.
وعليه يكون رأيي المتواضع واجتهادي الذي أدين الله به أنها قد بني بها وهي ابنة 14 سنة أو خمس عشرة سنة.
والله أعلم
سادسًا: عدم الأمانة العلمية في نقل النصوص؛ إذ نقل الكاتب عن كتاب الإصابة أن فاطمة ولدت عام بناء الكعبة وعمر النبي -صلَّى الله عليه وسَلَّم- 35 سنة، وأنها أسن من عائشة بخمس سنوات، ولم يبين أن هذه رواية من روايات عدة ذكرها ابنُ حجر؛ منها أيضًا أن فاطمة ولدت سنة إحدى وأربعين من ميلاد النبي، وقد رجح ابن حجر أن مولدها كان قبل البعثة بقليل وهو ما يتفق مع ما ذكرناه قبل ذلك.
رواية من روايات عدة ذكرها ابن حجر
لا شأن لي شخصيا بالنزاع ولكن ها هي ذي رواية تشهد لما ذهبتُ إليه في معنى قول عائشة لم أعقل أبويَّ قطُّ إلا وهما يدينان بالإسلام
سابعًا: الجهل بالنصوص وعدم الفهم؛ ومن ذلك قوله عن الطبري: "بأنه جزم بيقين أن كل أولاد أبي بكر قد ولدوا في الجاهلية"، وهذا كذب وخلط وعدم فهم؛ لأن نص الطبري المذكور يتحدث فيه عن أزواج أبي بكر الصديق وليس عن أولاده (راجع تاريخ الطبري 2/ 351)، وقد قسم الطبري أزواجه اللاتي تزوجهن؛ فمنهن من تزوجهن في الجاهلية وولدن له، ومنهن من تزوجهن في الإسلام، ثم سمى أولاد أبي بكر من زوجتيه اللتين تزوجهما قبل الإسلام وقال: "فكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية"، فالحديث عن الأزواج وليس عن الأولاد، ويمكن أيضًا مراجعة تاريخ الطبري ج 2 صـ 212 في ذكر زواج النبي بعد خديجة، وهو يجزم بأن النبي بنى بها بعد الهجرة وكان عمرها تسع سنين.
رائع جداً الأستاذ عمارة في هذا التصحيح فجزاه الله خيراً
وأخيرًا:
الأولى أن يترك هذا لأهل الاجتهاد والعلم وليس لأهل الجهل، فقد أوقعوا بأنفسهم نتيجة عدم البحث والدراسة، والإصرار على التعالم، فعليهم أن يعملوا فيما تخصصوا فيه لا فيما يدعونه؛ فإن ذلك يوقع بهم فيما نرى، وأرجو أن تكون آخر بلايا جمال البنا.
إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده
والله تعالى أعلم.
د. محمد عمارة
أستاذ الفقه بكلية الدراسات الإسلامية "جامعة الأزهر"
نصيحة رائعة، وعسى أن يتريث الناس فيما يكتبون، وأن يأتوا البيوت من أبوابها،
ويصعدوا السلم خطوة خطوة، ولكن على تلاميذ العلوم الشرعية وأهلها أن يقللوا من تقديس فهوم السابقين فهم بشر يصيبون ويخطئون. وليس بمستبعد أن يوافق الحق في مسألة معينة من لم يُعرف بأنه من أنصار الحق.
والحمد لله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[20 Nov 2008, 03:34 ص]ـ
عفوَك أخي العبادي عن نسيان شكرك على إيراد الموضوع، فلك الشكر أولا وأخيراً
ـ[شتا العربي]ــــــــ[21 Nov 2008, 08:01 م]ـ
جزى الله الجميع خيرا
بوصفي مختصا ً بتحليل النص وعلم الدلالة، فإنّ هذا النص أعني قول عائشة (لم أعقل أبويّ قطّ إلا وهما يدينان بالإسلام) إذا ثبت تاريخيا أنها قالته فعلا بهذا اللفظ، فهو يدل فعلا على ما ذهب إليه الصحفي الشاب وليس ما ذهب اليه الدكتور عمارة،
لم أركز تفكيري قبل اليوم على هذا الحديث، وليس علينا سوى استخدام الباحث الآلي لتتبع رواياته كلها.
فإنها ستكون دليلاً قويا على صحة الرواية بلفظها
أو بقريب من لفظها
وهي تدل دلالة قاطعة في تصوري وفهمي على أن عائشة قد ولدت قبل البعثة بقليل وأنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان بالإسلام، لأننا لا نستطيع أن نفترض تأخر إسلام أبويها من أجل أن نؤمن بصغر سنها إبان البناء المبارك بها.
وعليه يكون رأيي المتواضع واجتهادي الذي أدين الله به أنها قد بني بها وهي ابنة 14 سنة أو خمس عشرة سنة.
والله أعلم
النص ثابت عن عائشة رضي الله عنها في البخاري وغيره بالفعل بلفظ: (لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين) ولا علاقة لكلامها هذا بتأخر إسلام أبويها أبدًا ولا تعارض بين الأمرين كما فهمته أخي الدكتور عبد الرحمن.
لأن إسلام أبويها لا يتوقف على مسألة سنها، كما أن سنها وصغرها لا يتعارض مع مسألة إسلام أبويها رضي الله عنهم جميعا.
وهي تتحدث رضي الله عنها عن رؤيتها لأبويها وهما يدينان الدين، وأنها لم ترهما قط قبل إسلامهما وإنما رأتهما وهما يدينان بالإسلام.
فإلى هذا الحد الأمر لا إشكال فيه.
ويحتمل هذا أن تكون قد ولدت قبل البعثة بقليل أو تكون قد وُلِدتْ بعدها بقليل أو كثير.
هذا كله بالنظر في هذا اللفظ المذكور فقط دون بقية الحديث.
لكننا عندما نرجع لبقية الحديث سنجدها تتكلم عن الهجرة وأن هذا الذي تتحدث عنه (لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين) إنما كان في أيام الهجرة.
فهي كما يدل عليه الحديث نفسه في بقيته كانت صغيرة في أيام الهجرة، وليس في أيام البعثة.
وهذا يدل على صحة استدلال الدكتور محمد عمارة بهذا اللفظ على صغر سن أم المؤمنين رضي الله عنها عند الهجرة.
وبقية الحديث واضحة في توضيح هذا الأمر.
فهي إذن كانت صغيرة السن عند الهجرة وحدثت الهجرة وهي صغيرة وهذا كله يؤيد الحديث الوارد في صحيح البخاري.
وقول أم المؤمنين هذا كالافتخار بأنها وُلِدَتْ في الإسلام
والله أعلم.
ـ[شتا العربي]ــــــــ[21 Nov 2008, 08:04 م]ـ
إلى الأستاذ جمال البنا: أنت الخاطئ وليس أمة الإسلام!
الثلاثاء28 من شوال 1429هـ 28 - 10 - 2008م الساعة 09:41 م مكة المكرمة 06:41 م جرينتش
الصفحة الرئيسة-> تقارير -> تقارير و مقالات
11/ 21/2008 12:39:05 PM
أ. د. علي السالوس
إجماع الأئمة الأعلام، وما تلقته الأمة بالقبول، لا يمكن أن يكون خطأ، فالأمة - وهي خير أمة أخرجت للناس - لا تجتمع على ضلالة.
والأستاذ جمال البنا دأب على الخروج على هذا الإجماع، والتشكيك في الثوابت التي لا خلاف فيها، وذلك لم يستغرب أن يقول بأنه هو أو غيره اكتشف خطأ وقعت فيه الأمة والأئمة الأعلام وذلك كما جاء في مقاله بجريدة المصري اليوم بتاريخ 13/ 8/2008.
وبالرجوع إلى المصادر التي رجع إليها واحتج بها للطعن في صحيح البخاري وفي إجماع الأمة يتبين أن كل هذه المصادر بلا استثناء تؤيد بلا خلاف أنه وقع في خطأ جسيم يتنافى مع أخلاق أي مسلم مؤمن؛ فالمؤمن لا يكذب.
والكتب التي ذكر الكاتب أنها تخالف ما جاء في صحيح البخاري هي: الكامل وتاريخ دمشق، وسير أعلام النبلاء، وتاريخ الطبري، وتاريخ بغداد، وكتاب وفيات الأعيان .. ثم ضم إلى هذه الكتب بعد ذلك كتابين هما: الإصابة، والبداية والنهاية.
وأنقل هنا ما جاء في هذه الكتب الثمانية، ذاكراً الجزء ورقم الصفحة ليرجع إليها من شاء، والصفحات كلها عندي يمكن أن أرسلها لمن يطلبها.
جاء في كتاب الكامل لابن الأثير:
«فأما عائشة فكانت يوم تزوجها صغيرة بنت ست سنين».
ثم قال: «وأما عائشة فدخل بها بالمدينة وهي ابنة تسع سنين ومات عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة». (جـ 2، ص 175 - الطبعة الأولى)
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي تاريخ دمشق (3/ 180) قال ابن عساكر: «فنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهي بنت ست سنين، وبنى بها بعدما قدم المدينة، وعائشة يوم بنى بها ابنة تسع سنين».
وفي سير أعلام النبلاء قال الذهبي: عن عائشة قالت: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة، وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع».
وأما الطبري فتحدث عن نكاحها في ثلاث صفحات من الجزء الثاني: فقال في رقم (9):
«بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بعد مقدمه المدينة بثمانية أشهر، في ذي القعدة في قول بعضهم، وفي قول بعض: بعد مقدمه المدينة بسبعة أشهر، في شوال. وكان تزوجها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة خديجة، وهي ابنة ست سنين. وقد قيل: تزوجها وهي ابنة سبع».
وبعد أسطر ذكر قول عائشة: «نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين».
وفي (ص 211) قال: «فأما عائشة فكانت يوم تزوجها صغيرة لا تصلح للجماع».
وفي (ص 212) ذكر قول عائشة: «فبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وأنا يومئذ ابنة تسع سنين».
وبعد ثلاثة أسطر قال الطبري: «ونكح عائشة متوفى خديجة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عائشة مرتين، يقال له: هذه امرأتك، وعائشة يومئذ ابنة ست سنين: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة بعدما قدم المدينة وهي يوم بنى بها ابنة تسع سنين».
وفي تاريخ بغداد (جـ 11، ص 275) روى الخطيب البغدادي «أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع سنين، وقُبض النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ثمان عشرة سنة».
وفي وفيات الأعيان لابن خلكان في ترجمة عائشة رقم (318) جـ 3 ص 9، 10 جاء ما يأتي:
«تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين وكان لها يوم تزوجها ست سنين، وقبض صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة سنة».
هذه هي الكتب الستة التي ذكرها السيد جمال البنا، وقال بأنها تجمع كلها على خلاف ما جاء في البخاري، وتنقض قضية تقبلتها الأمة بالإجماع.
فهذه النقول التي نقلتها كما جاءت بالنص من هذه الكتب تؤكد ما جاء في صحيح البخاري، وما أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول، فهل يجد السيد البنا تفسيرا لهذا المسلك الذي سلكه؟!
ويبقى الكتابان اللذان ذكرهما السيد الكاتب تأييداً لما ذهب إليه، فلننظر فيهما.
أحدهما كتاب الإصابة للحافظ ابن حجر، وترجمة عائشة في الجزء الرابع (ترجمة رقم 704)، جاء فيها: «ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس؛ فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست، وقيل سبع، ويجمع بأنها كانت أكملت السادسة ودخلت في السابعة. ودخل بها وهي بنت تسع».
والكتاب الثاني هو البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: وذكر في الجزء الثالث (ص 176) ما يأتي في زواج عائشة:
«تزوجها وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع، لا خلاف فيه بين الناس، وقد ثبت في الصحاح وغيرها».
ومن هذا نرى أن الكتابين يؤكدان ما جاء في كتب التاريخ الستة التي ذكرها وما جاء في صحيح البخاري.
فهل من أخلاق المسلم أن يقول كلاماً غير صحيح ليهدم ما أجمعت عليه الأمة، وما تلقته بالقبول؟! وما جاء في صحيح البخاري، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى؟
وقبل أن أختم هذه الكلمة أضم بعض ما جاء في مقاله في المصري اليوم أيضا بتاريخ 20/ 8/2008، تحت عنوان: «إنها دعوة لإثارة الفكر وإعمال العقل».
قال مدافعا عن قوله بإباحة التدخين في نهار رمضان، وإباحة القبل الغرامية بين الشباب والشابات: هذه الاجتهادات في مقصد الهجرة إلى الله ورسوله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
وقال: من أكبر أسباب تخلف المجتمع المصري سوء فهم الإسلام وقد أدت إساءة فهمه إلى تدهور المجتمع، وجاءت هذه الإساءة من الاعتماد كلياً على ما فهمه عبر الأسلاف، وما وضعوه من القواعد والمبادئ لمنظومة المعرفة الإسلامية من تفسير أو حديث أو فقه منذ أكثر من ألف عام ... ومع التقليد جاء الغباء وصدأ العقل المسلم.
ثم قال ذاك الذي يصف الأمة بالغباء وصدأ العقل:
(يُتْبَعُ)
(/)
لا تحرر إلا بالتحرر من التراث الفقهي، والعودة إلى القرآن نفسه، وعدم الاعتداد بالمفسرين، من ابن عباس حتى سيد قطب، وضبط السنة بمعايير من القرآن الكريم ... إلخ.
بعد هذه النقول نرى ما يأتي، والله عز وجل هو الأعلم:
1 - في المقال الأول ركز هجومه على صحيح البخاري، مع أنه لم ينفرد بروايته، بل رواه أيضا: مسلم، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، وابن ماجة، وابن الجارود، والبيهقي، والطيالسي، وأحمد، وابن سعد في الطبقات. (انظر إرواء الغليل 6/ 230).
أي أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها في السادسة، والبناء بها وهي في التاسعة جاء في عشرة كتب من كتب السنة غير صحيح البخاري، فلو أن كتب التاريخ تعارضت مع كتب السنة، فإن المنهج العلمي يفرض علينا تقديم كتب السنة المسندة المتصلة الإسناد على كتب التاريخ التي لا تنضبط بضوابط السنة، فالتاريخ كما يقول الإمام أحمد من العلوم التي لا أصل لها.
غير أن التركيز على صحيح البخاري لأنه أصح كتاب بعد القرآن الكريم، فلو هُدم أمكن هدم باقي كتب السنة، هذا المقصد يتضح من مقاله الثاني حيث دعا إلى ترك تراثنا الحديثي، وهدم السنة والاكتفاء بالقرآن الكريم.
وأول من دعا إلى هذا فرقة ضلت في عهد الإمام الشافعي كما جاء في الجزء السابع من كتاب الأمم، وناقشها مناقشة علمية ممتعة حتى ردها عن ضلالها.
وأثبت نص الحوار، كما ذكرت من جاء بعد هذه الفرقة من الضالين، وأثبت ضلالهم جميعا في كتابي «قصة الهجوم على السنة» أو «السنة بيان الله على لسان رسوله».
وطبع عدة طبعات مستقلاً، وطبعات أخرى ملحقاً بكتابي «مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع - موسوعة شاملة».
2 - السنة النبوية المشرفة خُدمت خدمة لم تعرفها أمة غير أمة الإسلام، ووضعت لها ضوابط دقيقة جعلت بعضها يصل إلى حد التواتر كالقرآن الكريم، وبعضها وصل إلى التواتر عن بعض الصحابة، وبعضها صحيح لا شك فيه. فكيف أننا نترك السنة، وعلومها، ونبدأ بسنة جديدة حديثة تضبط بضوابط القرآن الكريم؟!
3 - ابن عباس رضى الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن، وما ثبت عنه مرفوعا في التفسير، أو كان في حكم المرفوع، فهو في أعلى مراتب التفسير، فإذا طعنا فيه وفيما ثبت عن باقي الصحابة أصبح القرآن الكريم بدون تفسير، وهو ما دعا إليه السيد جمال البنا، كما دعا إلى أن نترك الفقه كله، ما ثبت عن الأئمة الأربعة وعن غيرهم، وهكذا علينا أن نحرق كتب التفسير والحديث والفقه، فالتمسك بها أدى إلى الغباء وصدأ العقل المسلم كما يزعم ذاك المجترئ.
4 - بعد هذا يبقى القرآن وحده، والخطوة التالية أن نسلمه للسيد جمال البنا، الذي لم يصب بالغباء وبصدأ العقل كما أصيبت أمة الإسلام، ليخرج لنا ما نتبعه مما يستحدثه بعقله من التفسير والحديث والفقه، وأظن أنه في التسعين من عمره؛ أي ممن رد إلى أرذل العمر. وقدم لنا نماذج من فقهه؛ فعلى الصائمين أن يدخنوا في نهار رمضان كما يشاءون، فالتدخين من الطيبات التي لا تفطر وليس من الخبائث، وعلى الشباب والشابات أن يتبادلوا الأحضان والقبل الغرامية فلا حرج عليهم، وبالطبع ستأتي البقية.
5 - القرآن الكريم نقل إلينا عن طريق الصحابة رضى الله عنهم، وما دمنا طعنا فيهم وفي روايتهم للتفسير والحديث، فلم يبق إلا أن نطعن في روايتهم للقرآن الكريم.
وهذه هي الخطوة التالية التي تبقى أمام السيد جمال البنا، وعندها ستصبح شهرته مثل شهرة سلمان رشدي وأمثاله. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
** .. أ. د. علي السالوس
النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وأستاذ الفقه والأصول وأستاذ فخري في المعاملات المالية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي من جامعة قطر، وعضو مجمع فقه المنظمة ومجمع فقه الرابطة
http://www.islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2008/10/28/71764.html
ـ[شتا العربي]ــــــــ[21 Nov 2008, 08:06 م]ـ
الدكتور السالوس يهاجم "جمال البنا" بشدة ويتهمه بالكذب على الأمة والقدح في ثوابتها
الثلاثاء28 من شوال 1429هـ 28 - 10 - 2008م الساعة 11:55 م مكة المكرمة 08:55 م جرينتش
الصفحة الرئيسة-> الأخبار -> العالم العربي والإسلامي
11/ 21/2008 5:36:35 PM
مفكرة الإسلام: وجّه الدكتور علي السالوس النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وأستاذ الفقه والأصول، انتقادات حادة للكاتب جمال البنا الذي يصف نفسه بـ"أنه مفكر إسلامي"، واتهمه بتعمد مخالفة ما أجمعت عليه الأئمة وخرق الثوابت الإسلامية.
وكان الأستاذ جمال البنا قد دأب على الخروج على ما أجمعت عليه الأمة، والتشكيك في الثوابت التي لا خلاف فيها، ولذلك لم يُستغرب أن يقول بأنه هو أو غيره اكتشف خطأ وقعت فيه الأمة والأئمة الأعلام.
وفي مقال خصَّ به "مفكرة الإسلام"، كشف الدكتور السالوس حقيقة المزاعم التي استند إليها جمال البنا في الوصول إلى ما وصل إليه من محاولة الطعن في السنة النبوية المطهرة.
وأكد الدكتور علي السالوس أن محاولة جمال البنا الادعاء بأن هناك بعض الكتب والمراجع قد خالفت ما ورد في كتب السنة الكبرى مثل صحيح البخاري هو ادعاء باطل، واستشهد السالوس في مقاله على هذه المحاولات التلفيقية بسرد العديد من الأمثلة التي تؤكد عدم صدق النقل الذي ساقه البنا.
وخلص الدكتور السالس إلى أن مساعي جمال البنا وأمثاله من الكتاب الذين يصفون أنفسهم بـ"المستنيرين" ترمي إلى الطعن في الثوابت التي يقوم عليها المعتقد الإسلامي من أجل هدمها شيئًا فشيئًا وصولاً في النهاية إلى الطعن في القرآن الكريم.
ولمزيدٍ من التفاصيل حول ردود الدكتور علي السالوس، يمكن الرجوع إلى مقاله المنشور على "مفكرة الإسلام" تحت عنوان "إلى الأستاذ جمال البنا: أنت الخاطئ وليس أمة الإسلام! "
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/.../28/71766.html
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو علي]ــــــــ[12 Mar 2009, 09:37 ص]ـ
الحمد لله العزيز الحكيم
هذه القضية يفصل فيها القرآن فهو تبيان لكل شيء وخاصة إذا كانت تخص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الله تعالى عالم الغيب والشهادة إذا علم أن الناس سيصدقون كلاما باطلا يتعلق برسوله عليه الصلاة والسلام فإنه تعالى ينفيه عنه في القرآن قبل أن يوجد هذا الباطل.
قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
الناس سواسية في الخلق، مرحلة الطفولة تستغرق 15 سنة عند كل إنسان (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)، فالطفل مرفوع عنه القلم حتى يبلغ رشده، فهو لا يعتبر مذنبا حتى يتم 15 سنة من عمره، لذلك فليس من الحكمة أن يزوج الله رسوله طفلة عمرها 9 سنوات ليخاطبها مع غيرها بقوله: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يسيرا.
هل يتوعد الله طقلة عمرها أقل من 15 سنة بمضاعفة العذاب!!
كلا، فالله عزيز حكيم عدل في حكمه لا يعاقب إلا من بلغ سن التكليف الذي فطر الناس عليه، لا تبديل للفطرة.
آية سورة الروم بينت أن الدين القيم يوافق الفطرة التي فطر الناس عليها، هذا يعني أن الرسول الذي يمثل الدين القيم يطبق الفطرة ولا يشذ عنها، فهل زواج الفتاة قبل البلوغ هي الفطرة المقبولة التي يطبقها أكثر أهل الأرض أم العكس!!
ـ[أبو عمر الشامي]ــــــــ[26 Mar 2009, 03:33 ص]ـ
الناس سواسية في الخلق، مرحلة الطفولة تستغرق 15 سنة عند كل إنسان
يظهر أنها قد تستغرق أكثر بكثير عند البعض خاصة من تسول له نفسه تكذيب أم المؤمنين عائشة نفسها مع أنها بداهة أدرى بعمرها من غيرها
ـ[أبو علي]ــــــــ[26 Mar 2009, 09:26 ص]ـ
يظهر أنها قد تستغرق أكثر بكثير عند البعض خاصة من تسول له نفسه تكذيب أم المؤمنين عائشة نفسها مع أنها بداهة أدرى بعمرها من غيرها
المكذب لأم المؤمنين هو من يسمع منها الكلام مباشرة ثم يكذبه.
هنا الرواية جاءت خبرا، والخبر ظن لا يفيد اليقين، اليقين هو الذي تستطيع أن تقسم على صحته.
فهل أنت على يقين يمكنك أن تقسم بالله على صحته!!
ـ[أبو محمد الظاهرى]ــــــــ[28 Mar 2009, 09:58 م]ـ
.... هنا الرواية جاءت خبرا، والخبر ظن لا يفيد اليقين، اليقين هو الذي تستطيع أن تقسم على صحته.
فهل أنت على يقين يمكنك أن تقسم بالله على صحته!!
الخبر ورد في حديث صحيح والحديث المتواتر يفيد العلم اليقيني
والآحاد الراجح فيه أنه يفيد العلم اليقيني أيضاً وإن كان كثير من الفقهاء يقولون أنه يفيد الظن الراجح ومن هذا الباب ولج المتكلمون والزنادقة للطعن في السنة.
للمزيد راجع http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=15483
ـ[أبو علي]ــــــــ[31 Mar 2009, 10:09 ص]ـ
الخبر ورد في حديث صحيح والحديث المتواتر يفيد العلم اليقيني
والآحاد الراجح فيه أنه يفيد العلم اليقيني أيضاً وإن كان كثير من الفقهاء يقولون أنه يفيد الظن الراجح ومن هذا الباب ولج المتكلمون والزنادقة للطعن في السنة.
للمزيد راجع http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=15483
كلامك صحيح إذا وجدت أدلة تبرهن بها على صحة الخبر، فاليقين يتحقق بالأبصار أو بالبصائر، إذا عدت إلى القرآن فستجد اليقين يأتي دائما مقرونا بالرؤية (الأبصار أو البصائر).
قال تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ.
إبراهيم عليه السلام كان مؤمنا إيمان غيب، فلما أراه الله مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أصبح إيمانه إيمان شهادة، وإيمان الشهادة هو الأحق باليقين.
وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
رؤية الآيات هنا رؤية بالبصائر، إذا عدت إلى أول السورة ستجد أن الله وصف الذين سيريهم هذه الآيات بقوله: وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ.
إذن فاليقين رؤية بالأبصار أو بالبصائر، واليقين تستطيع أن تقسم بالله على صحته، أما الخبر فهو ظن لي ويقين لمن رآه.
نحن هنا أمام خبر لم نجد له في القرآن ما يدعمه ليصبح يقينا، فعلى من يدعي أنه يفيد العلم اليقيني أن يثبت صحة دعواه وهي القسم بالله على صحته لأن بينة اليقين هي القسم.
ـ[معن الحيالي]ــــــــ[08 Apr 2009, 12:06 م]ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه المبعوث رحمة للعامين وعلى اله وصحبه اجمعين.
اود ان اقول كلمة لنفسي ولاحبتي في الملتقى الايماني .... علينا اولا التحري عند قراءة النصوص واقصد قراءة التراث الاسلامي وما يتعلق بشخص الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ... وان لا نفتح الباب الحديث من اجل التقول او الاجتهاد من غير حجة او دليل شرعي او عقلي.
لابد من ترك الميدان لاهل العلم والفضل ممن شهد لهم اهل زمانهم بالحجة والقول السديد ....
واسال اين الغرابة في الزواج المبكر؟
والحمد لله اولا واخرا.(/)
تقرير عن كتاب (المستشرقون والقرآن) للدكتور إبراهيم عوض
ـ[عبدالله الحجي]ــــــــ[22 Nov 2008, 06:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير موجز عن كتاب
اسم الكتاب/المستشرقون والقرآن
المؤلف/د. إبراهيم عوض
الوصف / قرابة 200صفحة في غلاف.
الدار الطابعة /دار القاهرة
محتوى الكتاب
• تمهيد
• الباب الأول الدراسات وفيه:
• الفصل الأول ترجمة سافاري
• الفصل الثاني ترجمة مونتيه
• الفصل الثالث ترجمة بلاشير
• الفصل الرابع ترجمة أبو بكر حمزة
• الباب الثاني المترجمات والتعليقات وفيه:
• الفصل الأول القرآن لـ سان هيلير
• تعليقات المترجم
• الفصل الثاني مصادر القرآن لمونتيه
• تعليقات المترجم
• الفصل الثالث القرآن لـ هوار
• تعليقات المترجم
• الفصل الرابع القرآن لـ بلاشير
• تعليقات المترجم
محاسن الكتاب:
الكتاب مهم جدا في معرفة آراء المستشرقين عن القرآن ونظرتهم عنه ومحاولاتهم لتشويهه وصد هدايته للبشرية، وللمؤلف بارك الله فيه جهد واضح في الرد على أقاويلهم وتبيين عوارها لمن قد تنطلي عليه.
ولي نحو الكتاب أمنيتان لعل الدكتور إبراهيم يجيبني إليها:
الأولى: إعادة طبع الكتاب وتلافي سوء الطباعة وخلل الفهارس وإضافة خاتمة فيها بعض النتائج لإني ولا أخفي لما وصلت لنهاية الكتاب بدأت أقلبه وكنت أظنه قد سقط منه بعض الصفحات لأن بدا في صورة المبتور.
الثانية: أن يترجم الكتاب للغة الفرنسية ويطبع بها لدحض الشبه الحاصلة بالتراجم السابقة.
وفي الختام جزى الله الدكتور إبراهيم خير الجزاء وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[25 Nov 2008, 12:46 م]ـ
بارك الله فيكم أخي الكريم عبدالله، ونفع الله بهذا الكتاب وبغيره من مؤلفات أستاذنا الدكتور إبراهيم عوض وفقه الله.
ـ[محبة الرسول]ــــــــ[02 Feb 2009, 07:28 ص]ـ
http://www.4shbab.net/vb/imagehosting/51274983d724d9150.bmp(/)
الإعلان عن مناظرة بين الدكتور أيمن و زكريا بطرس
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[06 Dec 2008, 10:58 م]ـ
منذ أسابع شاهدت الدكتور أيمن منشط مسابقة انصر نبيك على قناة الرسالة يدعو القس زكريا بطرس للمناظرة العلنية.
فتذكرت قول الجاحظ في كتابه في الرد على النصارى ومعناه أن كل أحد يرى نفسه أهلا للمناظرة. ولو كنت مكان الدكتور أيمن لاستشرت أهل الدراية والخبرة قبل الزج بالنفس في أوحال أهل المكر والخداع والتزيف والافتراء.
والعجيب أن الدكتور أيمن يقول في دعوته لذلك النذل:: [تناظرني فما أن تعتذر لنا وإما أن نعتذر لك].
وقول كهذا كاف في بيان هزيمة الدكتور نفسيا. فعن ماذا تعتذر يا دكتور؟ هل أنت لك قناة ملعونة تشتم فيها أنبياء الله تعالى صباح مساء وتفتري عليهم؟ وهل تخص منهم عيسى بالقذف والشتم والاستهزاء؟
إن هذا لعجب.
يا دكتور أعط القوس باريها ورشح للمناظرة العلماء الصناديد ممن لهم دربة بحيل القوم وزوغانهم وحيدتهم أمثال الدكتور إبراهيم عوض أو الدكتور هشام عزمي أو الدكتور منقذ سقار.
وثالثة الأثافي أن النذل قبل دعوتك ودعاك للمناظرة في قناته المنتنة التي تفوح منها رائحة الكراهية والحقد على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. فلعله يحضر لك مناظرة يكون المونتاج مخرجها والفبركة والتزوير الإعلامي قاعدتها فما أراك تقدم على عمل تؤيده الحرب والخدعة ومكيدة الحرب بل تلقي بنفسه في بحر الأفاعي بلا وقاية ولا تبالي بالعواقب التي تجرها على نفسك وعلى من ورائك.
فما أظنك يا دكتور أيمن عالما بخبايا مناظرة المتعنتين من الرهبان والقسيسين فما هم بأهل إنصاف فكيف تجيز لنفسك مناظرة من لا تعرف مذاهبه وتلونه تلون الحرباء والكذب ديدنه والدس والغمز واللمز راحه وخندريسه.
فمن يأخذ الأجر ويناولني إيميل الدكتور أيمن لأفتح عينيه على ما قد تزل فيه قدمه ايقينا وهو يلحن في العربية أمام ألوف الألولف من الفصحاء, فهل مثله أهل للدفاع عن فصاحة القرآن كلام الله العربي المبين.
فالله الله في نفسك لا تعطين فرصة لذلك الحقير ليروج ترهاته ويؤذي مسامع المسلمين بنفاياته وزبالته التي حشي منها صدره الحقود على الإسلام ونبيه العدنان,
هذا وما كتبت هذه الصرخة إلا بعد أن راسلت قناة الرسالة بالبريد الإلكتروني ولم يجبني أحد.
ووالله الذي لا رب سواه إن في كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد من الفضائح والمخزيات وما يكفي لإخساء آلاف الأقزام من طينة زكريا بطرس وأما ما يفتريه على نبينا فلم يعجز الفساق من أمثاله أن يعترضوا بأضعافه على عيسى فيتهموه -حاشاه- بكل رذيلة ومصيبة من زنا وشذوذ وصرع وسحر دجل وأمثال هذه المفتريات التي يمتطيها مبطلوا النبوات في كل عصر وحين.
ولكن ذل قوم لا سفيه لهم.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[11 Dec 2008, 04:31 م]ـ
فإن أبى الدكتور أيمن عبد الكريم -هداه الله- إلا التقحم في المناظرة فلا يتركن تدبر فصل جيد في دفع مطاعن القسيسين على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في كتاب إظهار الحق للشيخ رحمة الله الهندي رحمه الله تعالى, تحقيق الدكتور ملكاوي. ج 4, ص 1214 وما بعدها. ولينظر في مراسلات نفس الشيخ الهندي مع القسيس فندر قبل اتفاقهما على المناظرة الكبرى وكيف شرط الشيخ على القس ألا يذكر نبينا صلى الله عليه وسلم بحضرته بسب أو شتم فهذا شيء لا تستمر معه مناظرة ولا يقبل إطلاقا. فلا يجب أن تلقى الأمور على عواهنها ولا أن يضيع الحزم فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين والصغار والذلة لأعداء النبي شاهت وجوههم وقطع الله دابرهم. فأملي أن لا يكون الدكتور أيمن لقمة سائغة وأن لا يترك فرصة يزري فيها على خصمه إلا افترصتها وخصمه أهل لكل مذلة وصغار والله يرينا فيه وفي أمثاله ما تقر به أعيننا إن شاء الله مصداقا لوعده سبحانه: إنا كفيناك المستهزئين.
ـ[حامد أبو عبدالله]ــــــــ[13 Dec 2008, 01:26 ص]ـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب (درء تعارض العقل والنقل) ج1ص357:فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين.
ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[21 Dec 2008, 08:59 م]ـ
صدقت أخي سمير قول الدكتور أيمن:: [تناظرني فما أن تعتذر لنا وإما أن نعتذر لك].
اعلان للهزيمة وإن لم يهزم، وهب أنه ناظره وانهزم أيمن لا قدر الله لضعف حجته هو فهل سيعتذر، وعن ماذا يعتذر فعلا
كما نحتاج قول ابن تيمة رحمه الله:
فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين.
شكر الله لك غيرتك وشكر الله لأخينا حامد نقله لكلام ابن تيمية رحمه الله(/)
كتاب تثبيت دلائل النبوة من أنفع الكتب
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[22 Dec 2008, 11:07 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من أنفع الكتب لمن يريد مجادلة الطاعنين على القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم كتاب القاضي عبد الجبار الهمذاني الذي أجاد وأفاد في دفع مطاعن الملحدة والنصارى وغيرهم على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بما لا تجده في كتاب من الكتب, وفيه نفس طويل وجدل بارع ماتع مفحم وملزم وتفنن في قلب الحجج على الخصم واستدراجه لما يكسر كلامه.
ورأيت في الكتاب خلاصة حجج كتب في الرد على النصارى وعلى الرافضة وعلى المانوية وعلى الملحدة من أمثال ابن الراوندي مفقودة ألفها الجاحظ وأبو جعفر الإسكافي وأبو هاشم وابن الإخشيد وأبي عيسى الوراق.
لكن أمتع ما في الكتاب الماتع تحليل القاضي البارع لتاريخ نشأة النصرانية المثلثة وأنها كانت نتيجة حتمية لتروم (من الروم) النصارى لا أن تتنصر الروم. وفي رد القاضي نقول من نصوص بعض النصارى في القائلين بأفضلية النصرانية على سائر الأديان مثل أبي قرة الملكي, ويسوع بن بهريز مطران الموصل والجزيرة صاحب الرسالة إلى قس يدعى بادوس وهي رسالة اشتهر أمرها حتى اعتنى بذكرها ابن النديم في الفهرست.
أما فيما يخص الرد على الرافضة فقد نقل القاضي فصولا من كتاب هشام بن الحكم الرافضي ونقض عراها ببراعة منقطعة النظير.
فالرجاء أن تجدوا متعة علمية وفوائد غزيرة في قراءة هذا الكتاب فترون فيه عجبا.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[23 Dec 2008, 04:57 م]ـ
وقفت للكتاب المذكور على طبعة جديدة في مجلدين صفحات كل واحد منهما نحو 300. نشرته مكتبة الثقافة الدينية عام 1429هـ/ 2008م نشرة يدعى لها التحقيق وحالها ينبئ أنها مسروقة من الطبعة المصرية القديمة. على أي حال فالقارئ النبيه سيتيسر له الوقوف على التصحيف والتحريف المدرج في الكتاب.
وهناك أشياء لا يدرك خللها إلا من له دربة بكتب الجدل مع أهل الكتاب نظرا لما اشتمل عليه من نصوص كتابية وأسماء أعلام كتابية.
والفصل الماتع في كسر النصرانية ودعاوي مجادليها يقع في الجزء الأول من ص 113 حتى ص206.
وهذا الفصل إذا انضاف إلى كلامه على النصارى وعقائد فرقها الثلاث الموجود في المجلد الخامس من كتابه المغني في أبواب العدل والتوحيد يخرجان كتابا جليلا للقاضي عبد الجبار في الرد على النصارى يحوي خلاصة حجج الكتب الإسلامية (خاصة كتب المعتزلة) على النصرانية المؤلفة خلال القرون الأربعة الأولى للهجرة.
ويستعاض به عن فقدان العشرات من المصنفات ويكمل به النقصان في تلك الحفنة من الكتب في الرد على النصارى التي سلم من الضياع كلها أو بعضها وقد ذكرتها في مشاركة لي بالملتقى منذ سنتين أو تزيد.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[03 Jan 2009, 09:33 ص]ـ
بارك الله فيكم أخي الكريم سمير على هذه الفوائد.
ـ[عبد الله الراشد]ــــــــ[05 Jan 2009, 12:27 ص]ـ
الحمد لله وكفى
من أحسن ما كتب في تثبت النبوة كتاب الإمام تقي الدين ابن تيمية "النبوات"، والرد على النصارى "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح".
وعبد الجبار هذا من رؤوس أهل البدع المعتزلة.
ومن المعلوم أن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع وإن كانوا قد ناظروا النصارى والفلاسفة إلا أنهم كانوا ـ كغيرهم من أهل البدع الذي لم يعتصموا بالكتاب والسنة وما فيها من الأدلة العقلية ـ من أكثر الناس تناقضا وتذبذبا، وقد استطال عليهم الفلاسفة وغيرهم لما في كلامهم من التناقض والاختلاف، حتى قال ابن النفيس المتطبب الفاضل: ليس إلا مذهبان: مذهب أهل الحديث أو مذهب الفلاسفة، فأما هؤلاء المتكلمون فقولهم ظاهر التناقض والاختلاف (1).
وهكذا حال كل من فارق الكتاب والسنة ولم يعتصم بهما لابد أن يقع في التناقض ويلزمه من الباطل بقدر ما ترك من الهدى الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم.
____________________
(1) درء تعارض العقل والنقل.
وقال في موضع آخر7/ 106: كما أن المعتزلة لما نصروا الإسلام في مواطن كثيرة وردوا على الكفار بحجج عقلية لم يكن أصل دينهم تكذيب الرسول ورد أخباره ونصوصه لكن احتجوا بحجج عقلية: إما ابتدعوها من تلقاء أنفسهم وإما تلقوها عمن احتج بها من غير أهل الإسلام فاحتجوا أن يطردوا أصول أقوالهم التي احتجوا بها وتسلم عن النقص والفساد؛ فوقعوا في أنواع من رد المعاني الأخبار الإلهية وتكذيب الأحاديث النبوية.
وأصل ما أوقعهم في نفي الصفات والكلام والأفعال والقول بخلق القرآن وإنكار الرؤية والعلو لله على خلقه: هي طريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام وعنها لزمهم ما خالفوا به الكتاب والسنة والإجماع في هذا المقام مع مخالفتهم للمعقولات الصريحة التي لا تحتمل النقيض فناقضوا العقل والسمع من هذا الوجه وصاروا يعادون من قال بموجب العقل الصريح أو بموجب النقل الصحيح، وهم وإن كان لهم من نصر بعض الإسلام أقوال صحيحة فهم فيما خالفوا به السنة سلطوا عليهم وعلى المسلمين أعداء الإسلام فلا للإسلام نصروا ولا للفلاسفة كسروا.(/)
بحوث مؤتمر الجامعة الأردنية 2008 م
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[26 Dec 2008, 03:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعون الله تعالى سأرفع هنا بحوث المؤتمر الذي انعقد في الجامعة الأردنية تحت عنوان: التعامل مع النصوص الشرعية عند المعاصرين. والذي انعقد بتاريخ 6 - 8 ذو القعدة 1429 هـ الموافق: 4 - 6 تشرين الثاني 2008 م.
والبحوث وزعت على المشاركين في قرص كمبيوتر ولكن الذي لاحظته أنها ليست في نسختها الأخيرة بدليل أن بحثي الموجود في القرص ليس هو النسخة الأخيرة التي أرسلتها للمؤتمر وإنما نسخة مبدئية لم تكن جاهزة ... ولذا فمن كانت لديه النسخ الأخيرة للبحوث يرجى الإسهام في نشرها هنا ... والله الموفق.
وسنبدأ ببحث الدكتور عبد الله الجيوسي - كلية الشريعة - جامعة اليرموك
العلاقة بين النص والمفسر بين التوسع والتضييق
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[26 Dec 2008, 04:00 م]ـ
استخدام علم الدلالة في فهم القرآن
قراءة في تجربة الباحث الياباني توشيهيكو إيزوتسو Toshihiko Izutsu
إعداد:
د. عبد الرحمن حللي
كلية الشريعة – جامعة حلب
كما تم تحميل عدد من البحوث الأخرى ... وفقكم الله
ـ[مرهف]ــــــــ[27 Dec 2008, 05:51 م]ـ
جزاكم الله خيرا وأدام نفعكم لطلبة العلم
ـ[لطفي الزغير]ــــــــ[14 Mar 2009, 12:51 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك خيراً
ـ[الشريفة فاطمة]ــــــــ[14 Mar 2009, 10:18 م]ـ
بارك الله فيك اخ احمد وجزاء عنا خير الجزاء
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[15 Mar 2009, 06:04 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبا أسيد.
ـ[أبو المهند]ــــــــ[16 Mar 2009, 12:26 ص]ـ
شكر الله لكم وزادكم من فضله
ـ[معن الحيالي]ــــــــ[08 Apr 2009, 12:19 م]ـ
احسن الله اليكم ورفع لكم ذكرا ... الحمد لله اولا واخرا
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Apr 2009, 12:24 م]ـ
أشكر أخي العزيز الدكتور أحمد الطعان على هذه الفوائد. لا حرمك الله أجرها وبرها.
ـ[فرقان2]ــــــــ[16 Apr 2009, 12:45 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[27 Apr 2009, 02:32 ص]ـ
ماشاء الله بحوث قيمة - كما نحسبها- مادام وهي من اختيارك.
فجزاك الله خيرا.
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[24 Jun 2009, 08:04 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل الأستاذ الدكتور أحمد الطعان ـ حفظه الله ـ على هذه الهدية القيمة.
ـ[الفجر الباسم]ــــــــ[24 Jun 2009, 08:41 ص]ـ
شكر الله لك وأحسن لك على نقل هذه البحوث القيمة.(/)
خلاصة محاضرة: الآيات القرآنية والقراءات الحداثية (طه عبد الرحمن)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[28 Dec 2008, 09:57 ص]ـ
في المرفقات ملخص لمحاضرة مفيدة بعنوان "الآيات القرآنية والقراءات الحداثية" ألقاها المفكر المغربي د. طه عبد الرحمن.
وورد في مقدمتها وخلاصتها ما يلي:
مدخل:
* واقع الحداثة عبارة عن سيرورة حضارية لا تنفك تقطع صلتها بأسباب الماضي وآثاره.
* القراءات الحداثية لآيات القرآن تسعى إلى الاندماج في هذه السيرورة الحضارية.
* تقيم هذه القراءات قطيعة معرفية بينها وبين القراءات التراثية بنوعيها: "القراءات التأسيسية القديمة" و"القراءات التجديدية الحديثة".
* القراءات الحداثية قراءات انتقادية للآيات القرآنية، لا قراءات اعتقادية كما هو شأن القراءات التراثية
* اتَّبَعتْ القراءات الحداثية في تحقيق مشروعها النقدي "ستراتيجيات" أو خططا نقدية محددة.
* كل خطة نقدية مكوَّنة من ثلاثة عناصر: "الهدف النقدي" الذي تقصد تحقيقه، و"الآلية التنسيقية" التي توصّل إلى هذا الهدف، و"العمليات المنهجية" التي يتم التنسيق بينها للوصول إلى هذا الهدف.
الخلاصة:
* تهدف القراءات الحداثية للآيات القرآنية إلى انتقاد هذه الآيات، وسلكت في هذا النقد خططا ثلاث، هي: "خطة التأنيس" و"خطة التعقيل" و"خطة التأريخ".
* اختصت خطة التأنيس بنقل الآيات من الوضع الإلهي إلى الوضع البشري، قاصدة إلغاء القدسية عنها، فأدى هذا النقل إلى تقرير المماثلة اللغوية بين القرآن وغيره من النصوص البشرية.
* اختصَّت خطة التعقيل بالتعامل مع الآيات القرآنية بجميع المنهجيات والنظريات الحديثة، قاصدة إلغاء الغيبية منها، فأدى هذا التعامل إلى تقرير المماثلة الدينية بين القرآن وسواه من النصوص الدينية.
* اختصت خطة التأريخ بوَصْل الآيات القرآنية بظروفها وسياقاتها المختلفة، قاصدة إلغاء الحُكمية فيها، فأدَّى هذا الوصل إلى تقرير المماثلة التاريخية بين القرآن وما عداه من النصوص.
* القراءات الحداثية قراءات مقلِّدة اقتَبَست كل مُكوِّنات خططها من واقع الحداثة الغربي في صراعه مع الدين.
* ضرورة إيجاد قراءة حداثية للآيات القرآنية تكون قراءة مبدعة بفضل ترشيد التفاعل الديني مع النص القرآني وتجديد الفعل الحداثي.
* امتياز القرآن بمضمونه العقدي يَدْحَض المماثلة اللغوية، وامتيازُه بتوجهه العقلي يدحض المماثلة الدينية، وامتيازُه بوضعه التاريخي يدحض المماثلة التاريخية.
ـ[خلوصي]ــــــــ[15 Apr 2009, 02:04 م]ـ
جزاكم الله خيرا أ. محمد
و هل لكم أن تخبروني عن كيفية الحصول على مؤلفات الدكتور اللامع طه إلكترونيا؟! و لكم جزيل الشكر.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[15 Apr 2009, 03:31 م]ـ
تجد كتب (سؤال الأخلاق) في هذا الرابط:
http://www.4shared.com/file/88121114/a764af68/____.html?cau2=403tNull
وأما بقية كتبه فغير موجودة على الشبكة، وقد اضطررت لشراء جميع كتبه منذ شهرين بسبب ذلك.(/)
الترجمة الخاطئة للعلم أدت لإرباك فكري.
ـ[مرهف]ــــــــ[28 Dec 2008, 06:04 م]ـ
الترجمة الخاطئة للعلم أدت لإرباك فكري
العلم بمعناه الواسع لايقتصر على الجانب الشرعي
أ. د. جعفر شيخ إدريس
أود أن أبين في هذا المقال بعض الحقائق في علاقة الدين بالعلم راجياً أن تساعد في حسم الخلاف في بعض ما دار في هذه المسألة:
أولاً: رأى الغربيون أن يميزوا بين العلم بمعناه العام الذي تدل عليه كلمة نولدج knowledge والعلم بالمعنى الخاص الذي هو العلم التجريبي أو الطبيعي، فاختاروا للثاني كلمة خاصة مأخوذة من اللغة اللاتينية هي كلمة سينس science.
لكن الذين ترجموا هذه الكلمة إلى اللغة العربية فعلوا عكس ذلك تماما. لقد عمدوا إلى أكثر الكلمات دلالة على العلم بمعناه الواسع هي كلمة علم فجعلوها ترجمة للعلم بهذا المعنى الخاص. هذه الترجمة الغالطة التي جعلت العلم بمعناه العام هو السينس هي التي أدت إلى إرباك فكري ما نزال نعاني منه. إن بإمكان المتحدث بلغة غربية أن يقول عن كلام ما هذا نولدج (علم) لكنه ليس سينس. فكل سينس علم ولكن ما كل علم سينس. لكن المتحدث باللغة العربية لا يستطيع أن يميز بين الأمرين إلا إذا وصف العلم بمعناه الخاص بالعلم الطبيعي أو التجريبي. وقد أدى هذا الخطأ إلى خطأ حتى في فهم طبيعة القرآن الكريم. فبالرغم من وجود عشرات الآيات التي تصف هذا الكتاب بأنه كتاب علم، صرت تجد حتى بين المؤمنين به من يقول لك إن القرآن ليس كتاب علم وإنما هو كتاب هداية. وياليت شعري هل تكون هداية بغير علم؟ لكن عزاءنا أن الذين يقولون هذا إنما يعنون أن الإسلام ليس كتاب سينس، وهو كلام صحيح. إن العلم بمعناه الواسع ليس قاصرا على العلم الشرعي ولا العلم التجريبي، بل إن كل كلام أو دعوى مطابقة للواقع فهي علم. ولكن لأن العلم الذي أوحاه الله تعالى هو أجل العلوم، فإن القرآن الكريم يذكره بصيغة مطلقة ويذكر غيره مقيدا، كما في قوله تعالى:} فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ {(الروم: 83)، وقوله:} يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {(الروم: 7)
ثانياً: لو أن مجال العلم الطبيعي كان منفصلا تماما عن مجال الدين لما احتجنا للحديث عن الفصل بينهما، بل لقلنا إن الفصل قائم فلا تخلطوا بينهما لكن الواقع أن هنالك تداخلا بين الدين الحق وبين السينس يجعل الفصل الكامل بينهما أمرا مستحيلا. الدين يتكلم عن مخلوقات الله تعالى المشهودة كما يتكلم عنها السينس، لكن الأخير لا يتعرض لكل ما يتعرض له الدين من مخلوقات الله تعالى لأن وسائله لا تمكنه من الكلام عنها بعلم لأنه ما يزال يتطور فيكتشف اليوم ما لم يكن متيسرا له اكتشافه بالأمس وهكذا. وكلام الدين عن المخلوقات المشهودة التي هي من اختصاص السينس هو الذي جعل شيئا كالإعجاز العلمي (الذي ينبغي أن يفهم منه الإعجاز السينسي) أمرا ممكنا. ما هذا الإعجاز؟ إنه تأييد السينس بوسائله العلمية الحديثة لحقائق قررها كتاب الله تعالى من قبل بغير تلك الوسائل. دعينا ذات مرة لحضور مؤتمر طبي أقيم بمدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية كان فيه جلسة تتعلق بالعلاقة بين الطب والإسلام. وكان من ضمن ما سمعنا كلاما قاله أحد الأطباء الفلبينيين. قال إنه تخرج في علم الطب في كندا وأنه كان من أساتذته أستاذ مختص بعلم الأجنة، وأن هذا الأستاذ كتب له وهو بالفلبين بعد تخرجه وهو بالفلبين رسالة يقول له فيها إن في القرآن الكريم كلاما ملفتا للنظر عن تطور الأجنة، يعني قوله تعالى:
} وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {(المؤمنون: 12 - 14)
(يُتْبَعُ)
(/)
قال هذا الطبيب إنه لما قرأ هذا الكلام قال في نفسه إنه لم يكن من الممكن لبشر أن يعرف هذه الحقائق بالوسائل البشرية في الزمن الذي عاش فيه محمد صلى الله عليه وسلم. فلا بد إذن أن يكون محمد قد تلقاها من مصدر غير بشري، من الله تعالى. يقول ولذلك أسلمت.
ثالثاً: لست أدري كيف يستطيع إنسان يقرأ ولو شيئا من القرآن الكريم أن يقول بأمانة إن الدين الذي جاء به محصور في الأحكام والقيم. كيف يقول هذا وهو يقرأ في القرآن وصفا مفصلا لوقائع دنيوية وأخروية، تاريخية ومستقبلية؟ بل ربما كانت آيات الكتاب التي تقرر الحقائق أكثر من تلك التي تحكم وتقوم. لكن أخباره صادقة وأحكامه عادلة:} وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {(الأنعام: 115)
رابعاً: الدعاوى التي يقوم على صحتها دليل عقلي وحسي هي حقائق يقبلها الدين ويذم من ينكرها. قال تعالى:} وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ {(الأنعام: 7)
وعليه فإنه من المستحيل عقلا أن يكون هنالك تناقض بين حقائق العلوم التجريبية (سينس) القاطعة، وحقائق الدين القاطعة. وأما إذا حدث خلاف بين ما ينسب إلى الدين وما ينسب إلى العقل أو العلم التجريبي في أمر ما فالأمر فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، أنه لا بد إما أن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا، وفي هذه الحال يقدم القطعي أيا كان، وإما أن يكونا كلاهما ظنيين فيقدم ما كان أقوى دليلا.
خامساً: أما الكلام عن القيود على البحث العلمي فيحتاج إلى شيء من التفصيل فنقول:
• الحقائق الواقعية منها ما هو نافع ومنها ما هو ضار فلا بد إذن من تشجيع البحث في النافع ومنع البحث والتجارب في غير النافع. إن المخدرات ضارة فهل نسمح بتجارب تهدف إلى إيجاد أنواع منها أكثر تأثيرا على العقول؟
• حتى الحقائق التي لا ضرر فيها منها ما هو أكثر نفعا وما هو أقل نفعا. فإذا كانت البحوث فيها تحتاج إلى إمكانات مالية فلا بد أن يقدم ما كان أكثر نفعا على ما كان أقل. ولذلك تجد بعض الناس في الغرب يحتجون على صرف الأموال في بحوث الفضاء بينما يعاني كثير من الناس من الجوع والمرض والجهل.
• إن كل بحث علمي لا بد له من أن يتقيد بما اكتشف من حقائق تتعلق بمجاله. إن العلماء لا يبدأون بحوثهم من الصفر، وإلا لما تقدم العلم. وإذن فالكلام عن البحث المجرد من كل القيود هو محض خيال لا يقبله العلم التجريبي نفسه.
• لكننا نقول مع هذا نعم إن البحث العلمي سواء في الدين أو في الدنيا يحتاج إلى قدر كبير من الحرية. سادساً: قال تعالى:} وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {(النحل: 78) وإذن فكل ما قام عليه دليل من الحس أو العقل فهو مقبول شرعا. ولذلك فإنه إذا ثبتت حقيقة تجريبية فإننا لا نحتاج لقبولها إلى أن تؤيد بنص شرعي خاص بها، كما أننا نقبل الحقائق الشرعية من غير اشتراط تأييد لها بخصوصها بحقائق حسية وعقلية. إن الدين يقوم على افتراض أن المخاطب به إنسان عاقل يقبل شهادة الحس وشهادة العقل ويعرف شيئا من الحساب، ويسلم بقواعد المنطق الأساسية التي تقول مثلا إن الضدين لا يجتمعان، وأن الكلام المتناقض باطل. ولولا هذه المسلمات العقلية لما استطعنا أن نعتمد على الحس في معرفتنا لمواقيت الصلاة ودخول الأشهر، وتدبر القرآن واستعمال القياس وغير ذلك من الأمور التي تقوم على العقل والحس وهي جزء من الشرع.
المصدر موقع مجلة الإعجاز العلمي:
http://www.nooran.org/O/30/30-7.htm(/)
رؤية في شروط النهضة الحضارية للمسلمين
ـ[مرهف]ــــــــ[31 Dec 2008, 07:09 م]ـ
رؤية في شروط النهضة الحضارية للمسلمين
بقلم: د. مرهف عبد الجبار سقا
نشر المقال في مجلة الحقيقة الصادرة عن رابطة العالم الإسلامي بمكة في عددها الثامن
بسم الله الرحمن الرحيم
إن التقدم العلمي والرقي الحضاري ليس حكراً للون أو عرق أو شرق أو غرب كما يحلو للمستشرقين والعلمانيين تصويره وإشاعته بين الناس؛ ولكن التقدم العلمي هو نتيجة للعمل الهادف المنظم المؤسس على أسس سليمة صحيحة، ونشاط عملي دؤوب، فنحن لم نتخلف لأننا شرقيين أو عرب أو مسلمين، كما أن غيرنا لم يتقدم لأنه غربي أو صيني أو ياباني أو غير مسلم.
إن الناظر في تاريخ الأمم يجد لكل حضارة خطاً بيانياً متأرجحاً بين العلو والانخفاض حسب اجتهاد أصحاب هذه الأمة وكسلها، فكما أننا اليوم نرقب الزمن الذي نتفوق فيه حضارياً ونعيد أمجادنا السابقة، كذلك كانت أوربا أيام تخلفها تتذمر مما كانت عليه وتحاول الانتفاض من تخلفها واللحاق بغبار الحضارة الإسلامية. نعرف ذلك من الفقرات التي كتبها شاعر إيطاليا الكبير (بترارك) في غضون القرن الرابع عشر الميلادي مندداً في شعره ببن قومه مستنهضاً هممهم ومهيباً بهم يبث فيهم الثقة والعزيمة فيقول:
(ماذا؟ لقد استطاع شيشرون أن يكون خطيباً بعد ديمستن، واستطاع فرجيل أن يكون شاعراً بعد ميروس، وبعد العرب لا يسمح لأحد بالكتابة، لقد جاريناهم وتجاوزناهم أحياناً وبذلك جارينا وتجاوزنا غالبية الأمم، وتقولون: إننا لا نستطيع الوصول إلى شأو العرب، يا للجنون ويا للخيال بل يالعبقرية إيطاليا الغافية أو المنطفئة) ([1]).
ومنذ أكثر من قرن يبحث مفكرونا – وما زالوا – في أسباب تخلف العالم العربي وأسباب تقدم العالم الغربي وسرعة التطور التقني، ومما يؤسف في أكثر هذه الدراسات أنها مبتسرة، فهي تدرس هذه الظاهرة وكأن العالم بدأ من الثورة العلمية (عصر النهضة) في أوربا دون نظر فيما قبل ذلك ومقارنة الأسباب بالأسباب كما كان يفعل ابن خلدون في مقدمة تاريخه. إنهم يدرسون النهضة الأوربية ويعظمون شأنها وكأن الناس كانت قبل في عمى وجهالة لم تبصر النور حتى جاءت الثورة الكوبرنكية التي غيرت التصورات الخرافية عن الكون والحياة والإنسان التي كانت تفرضها الكنيسة والكتاب المقدس والآراء اللاهوتية على مواطنيها المؤمنين في أوربا ([2]).
يقول (توبي. أ. هف) في كتابه فجر العلم الحديث: (غير أننا ندرك في الوقت نفسه أن هذه الثورة ثارت في الغرب فقط وليس في البلاد الإسلامية أو الصين، وهذه الحقيقة تجعل الكثيرين يتساءلون عن العوامل الاجتماعية والثقافة الفريدة التي وجدت في الغرب ومكنت هذا التحول العظيم من الحدوث ... فمن المتفق عليه الآن بشكل عام أن التصور (الكوبيرنكي) الجديد للكون لم يقم على ملاحظات جديدة مذهلة أو أساليب رياضية جديدة لم تكن معروفة لدى العرب) ([3]).
ولكن كان ينبغي أيضاً طرح السؤال عن العوامل الاجتماعية والثقافية وغيرها التي سادت البلاد الإسلامية فلم تحدث فيها هذه الثورة العلمية بالشكل الذي حصل في أوربة، إذ لم ينقلب المسلمون على امتداد تاريخهم على دينهم كما في أوروبا؟ ثم نسأل أيضاً: لماذا نجد اليوم من يضرب بالدين عرض الحائط ويلفق الشبه حوله ويرده بحجة العلم؟ ولماذا سيطرت فكرة المناقضة بين الدين والعلم على عقول كثير من أبنائنا؟!.
لقد كان للبعثات العلمية الموفدة من البلاد العربية والإسلامية لأوربا، ورجوعها للبلاد الإسلامية مدهوشة ومنبهرة بمفاهيم عوراء كمفهوم العلم المحصور بالمادة والمحسوس، واعتبار كل مالا تدركه الحواس ولا يخضع للتجربة من الأفكار والاعتقادات خرافة، محملة بلوثة العداء بين العلم والدين واعتبار الإسلام كدين النصرانية في أوربة، لقد كان لهذه البعثات دوراً كبيراً في توسيع الهوة بين المسلمين ودينهم وتعزيز تبعية البلاد الإسلامية للغرب تحت راية الإصلاح والنهضة العلمية، على اعتبار أن العقل الغربي عقل متفتح وناقد وقادر على حل الدقائق والغوص بالخفايا، ومما زاد في تعزيز هذه التبعية الظروف السياسية التي ساعدت المستغربين في نشر الدعاية الغربية وغرس بذور اعتقاد الكمال في الغرب والتخلف في الشرق.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبجهود الوافدين من الغرب إلى الشرق يحملون لواء العداء للدين وتعظيم الولاء للثقافة الغربية باسم العلم، مدعومين بكل الوسائل الإعلامية والسياسية، أسقط في أيدي الناس ورفعوا الرايات البيض مسلمين ومستسلمين للأجنبي، ثم ولى عامة المثقفين من المسلمين في البلاد العربية وجوههم شطر النهضة الأوربية، وافتتنوا بها أي افتتان، وجرهم هذا إلى الاعتقاد والتصديق بكل ما يصدر منهم من علم أو فكر، بل جعلوا العلوم والفلسفة الوافدة من أوربا ميزاناً للإسلام، فيعتقدون من الإسلام ما وافق ميزان العلم والفلسفة بالمفهوم الغربي ويردون ما رده العلم والفلسفة بهذا المفهوم السابق.
إن الاحتكاك بأوروبا وغيرها من شعوب العالم لم يكن جديداً على المسلمين، بل كان أشد وأخطر في نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي عهد الفتوحات الإسلامية وبدايات العهد العثماني، فقد حصلت المواجهات العلمية والاختلاط بمجتمعاتهم، وتعرض المسلمون لحملات الزندقة والإلحاد وأخذت هذه الحملات صوراً متعددة وغالباً ما كانت تعتمد على الجدل تحت التصور العقلي والمنطقي ([4])، وترجم المسلمون كتب اليونان والأغريق ودرسوها ومحصوها وعلموها لطلابهم، ولكن لم يحصل التأثير ـ والانبهار ـ الذي أثر بالمسلمين اليوم أو في القرن الماضي والذي قبله، ولم يفعل المسلمون في تلك العهود المباركة ما يفعله اليوم المتأثرون أو (المتعصرنون) في العصر الحديث، ولم نجد العداء للدين والنداء لتركه باسم المنطق والعقل والعلم، فما السبب؟!.
أرى أن الجواب المناسب لهذه الأسئلة يعود لأسباب ثقافية وأسباب عقائدية بالدرجة الأولى، قإن العافية الإيمانية والصحة العقلية والفكرية، والثقة بالنفس وقوة الشخصية عند المسلمين آنذاك كانت تجعلهم يرون كل ما أمامهم من الظواهر والعلوم أمراً بدهياً. ذلك أن الفهم السليم لمدلول العلم في القرآن والسنة وشمولية مفهومه، وما يعلمونه من حض الإسلام على العلم لما له من أهمية في تطور حضارتهم، وما أشار الله إليه من الحقائق والظواهر الكونية في كتابه؛ كل ذلك جعلهم يألفون كل ما يرونه وما يسمعونه من العلوم؛ لأن مبادئ هذه المعارف مطروقة في أسماعهم مستقرة جملة في عقولهم، كما أنهم لم يجدوا حرجاً من البحث والتجربة في نواحي العلم بحجة أن دينهم ينهاهم عن ذلك أو أن هذه علوم لا علاقة لهم بها، بل اجتهدوا ـ بما أوتوا من قوة ـ في نواحي العلم؛ لاعتقادهم أن ذلك يقربهم من الله تعالى وأنهم بهذا الاجتهاد يقيمون شرع الله، ويرفعون إثماً عن أنفسهم وعن المسلمين. فلم تمنعهم معرفتهم بأطوار خلق الجنين التي استقوها من القرآن ـ في وقت كانت تصورات الروم وفارس مغلوطة ومضحكة في هذا الشأن ـ لم تمنعهم من التشريح والتحصيل والتدقيق. ولم يمنعهم معرفتهم بخلق الأرض والجبال كما ذكر في القرآن من الرحلة والنظر في الأرض ومعرفة أطوار تكونها، وهكذا في الفيزياء والرياضيات، فوجدنا من العلماء المسلمين من برع مع العلوم الشرعية باختصاصات علمية متعددة لهم فيها مؤلفات ما تزال مراجع إلى وقتنا الحالي كابن الهيثم وابن سينا والعز بن جماعة وغيرهم، ثم لم يستخدموا هذه العلوم في مناقضة كتاب الله بل في شرح كتابه سبحانه وتعالى لا على سبيل التوفيق بين العلم والدين بل على سبيل أن كل العلوم مفسرة للقرآن، وكلٌّ تكلم على قدر طاقته واجتهد فيما علم فمنهم من أخطأ ومنهم من أصاب.
كما أن البناء العقائدي للمسلم يحتم عليه البحث في الأدلة الكونية الإجمالية والتفصيلية، بحثاً منهجياً يعمق من إيمانه بالله تعالى وتعظيمه.
إذن فالجهل بشمولية العلم في الإسلام مع سيطرة الفكرة العلمانية على عقول كثير من المثقفين في فصل العلم عن الدين، والدين عن الحياة، هو السبب المباشر لما نعانيه اليوم من الجدلية العدائية والتخلف العلمي والحضاري. لذلك ينبغي على أولياء أمور المسلمين والمؤسسات العلمية الرسمية والخاصة أن ينهضوا للعمل على تصحيح المسيرة العلمية كما أرادها الإسلام، من خلال تأصيل المفهوم الصحيح للعلم في الإسلام وإعادته إلى عقول المسلمين وتقريره في المناهج الدراسية والأكاديمية، ودعم البحث العلمي المبني على هذا المفهوم، ويُوازى ذلك بالعمل على التربية الإيمانية السليمة التي تعطي للعقل صفاءه وللنفس بهجتها وللشخصية استقلالها.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك لابد من تضافر الجهود وكسب الوقت لصياغة منظومة عامة للعلم والتقنية بشكل منهجي مقنن في إطار من التصور الإسلامي الشمولي العام للعلم، انطلاقاً من كتاب الله تعالى وسنة نبيه والخبرات العلمية السليمة، وأن يعيدوا سيرة مجدهم السابق الذي غاب بجمودهم، فالمحللون لنتائج الأبحاث الجارية خلال العقدين الأخيرين ـ وخاصة في مجال الفيزياء و (البيولوجيا) والفلك والرياضيات والمعلومات ـ يتوقعون أننا على موعد مع ثورة علمية هائلة يتهادى تحت معاولها أساس الكثير من النظريات والمذاهب الوضعية السائدة حالياً، ويطرأ بسببها تحول كبير على وعي الإنسان وتصوره لنفسه وللعالم ([5])، فإن حصل ذلك بإذن الله ستكون هذه المنظومة الإسلامية هي الأقدر على تهيئة الإنسان لكل ما يمكن أن تسفر عنه الثورة العلمية والتقنية المرتقبة في المستقبل القريب أو البعيد، فلا تحصل الفتنة بها كما حصلت من قبل وتستغل في التشكيك بالإسلام وشعائره تحت مسمى العلم، والله أعلم.
([1]) ـ مجلة التراث العربي عبد الكريم اليافي العددان 13 و 14، صـ 218، محرم ـ وربيع الثاني 1404، تشرين الأول ـ وكانون الثاني 1984 م.
([2]) ـ انظر: فجر العلم الحديث: الإسلام، الصين، الغرب، توبي.أ. هف صـ 353 إلى 355، ترجمة:د محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة الكويت العدد 26، ط ثانية 200 م.
([3]) ـ فجر العلم الحديث: الإسلام، الصين، الغرب، توبي.أ. هف صـ 354، ترجمة:د محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة الكويت العدد 26، ط ثانية 200 م
([4]) ـ انظر: معالم الثقافة الإسلامية، د عبد الكريم العثمان صـ 92 فما بعد ط مؤسسة الرسالة أولى 1420،1999م.
([5]) ـ انظر: نظرية العلم الإسلامية نحو حضارة إسلامية مستقبلية أساسها الدين والعلم،د أحمد فؤاد باشا بحث مستفاد من الأنترنت على موقع: www.islamset.com .
المقال موجود ايضا على الرابط:
وهي موجودة أيضاً على الرابط:
http://www.risalaty.net/article1.php?tq=248&re=82&tn=100&br=251&tr=248&rt=248&rf=92&try=&tt=246&rt=248&rf=92&ft=105&tm=248
والرابط:
http://sakka2005.maktoobblog.com/1458313/%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%B4%D8%B1 %D9%88%D8%B7_%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9_ %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9_% D9%84%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86/(/)
إعادة النظر في نقد أركون و نصر أبوزيد
ـ[ابو زيد]ــــــــ[18 Jan 2009, 02:38 ص]ـ
كم هي الأعمال الفكرية المعمقة التي تتناول التراث بكل تشكلاته و من هذه الأعمال من إنصب جهده على النص القرأن الكريم و هي على كل جهود متفاوتة الاتجاهات منعددة المشارب في موقفها من النص القرأني و لكن قاسمها المشترك الانحراف عن السبيل المستقيم و هذا الانحراف هو بذاته متفاوت و متشكل و متشعب و ذلك التفاوت و التشكل و التشعب يعود لطبيعة المرجعيات و المنظومات الفكرية المنطلق منها و هنا يأتي ذكر الردود و المناقشات على ما يخص النص القرآني فهيا ذات طابع جيد في أحسن أحوالها مع كثرة الضعيف منها و يرجع هذا الضعف المؤسف لعقبات تواجه من أراد ولوج هذه المضايق الفكرية:
أولها: تمثل التراث في أطره العامة و هذا التمثل ليس المراد بها الموسوعية المحيطة بكل العلوم بل المراد إدراك ما يلزم الناقد من تقنيات علمية من التراث تتقاطع مع مجال البحث لكي يرتكز البحث على منهجية صارمة تثمر نتائج مرضية.
ثانيها: إدراك المنهجيات و الآليات المسلطة على النص القرآني و تصورها تصورا صحيحا و هذا مكلف من حيث تطلبه معرفة اللغة التي نشأت فيها المنهجيات المشار إليها و معرفة اللغة هذا مطلب من الدرجة الأولى وهي إحدى العقابات التي تواجه ناقدي الفكر المعاصر.
فإتقان اللغة المنشيئة لهذه المنهجيات يشكل سندا فكريا مهما لمن أراد الإشتغال على مثل هذه المنهجيات فإدراكها في سياقها اللغوي و الثقافي يتيح للباحث مقدرة نقدية عالية و تصورا سليما لهذه المفاهيم ومدى صلاحيتها للتعاطي مع النص القرآني.
ثالثها: حتى ما تم ترجمته من مدونات هذه المنهجيات لم يدرس حق الدراسة و لم يقيم تقيما دقيقا ولم يعرف مدى صلاحية نقلها من سياقها الثقافي إلى سياق ثقافي آخر كم إنه لم تستثمر هذه الترجمات حق الاستثمار خاصة الترجمات الجادة للفكر و المنهج فمعرفة الفكر الغربي خاصة المنهجيات و الآليات من خلال ما ترجم معرفة من الدرجة الثانية.
رابعها: الضعف المستشري في كل الكتابات الإسلامية الناقدة لهؤلاء الكتاب فهؤلاء أنفقوا عمرا طويلا في التعامل مع المنهجيات و الآليات الغربية بنفس لغاتها و بعد ذلك أنفقوا عمرا جديدا وطويلا أيضا مع التراث للتوظبف و التطبيق لهذه المنهجيات ومن ذلك إخضاع النص القرآني لهذه المنهجيات.
خامسها: عدم وجود استراتجية و خطة متقنة لمواجهة مثل هذه الدراسات.
و بعد:
فكل ما يدور في هذا الملتقى المبارك من نقد لهذه الاطروحات يمثل ردة فعل تنسى بعد لحظة صدورها و تبقى هذه المشارع الكبرى منهلا لكل المعجبين و الناقمين على حد سواء مما يبرهن على صحة وجود هذه العقابات و غيرها عقبات أخر.
و هنا أطرح الأسئلة الآتية:
لماذا هذا الضعف في التأصيل؟
لماذا هذا الضعف في التصور لما يقوله الآخر؟
لماذا فعلنا ردة فعل وليست فعلا يؤسس و يؤصل ثم يرد و يناقش؟
ما يكتيبه أركون و نصر حامد و طيب تزيني و الشرفي .... يقلقني كثيرا من كثرة المتهافتين علي مشاريعهم.
لماذا أصبحت الكتابات الإسلامية في الردود على هؤلاء مروجة لهم أكثر من نقد ينسنا ذكرهم؟
نحتاج إعادة نظر جادة في كيفية التعامل مع هؤلاء ...
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[18 Jan 2009, 04:54 م]ـ
أخي الكريم
سبب ضعف دراساتنا أننا لا نأتي البيوت من أبوابها. فالجامعات ليست مؤسسات تهدف إلى تخريج جيل ينافس العالم كما هو شأن جامعات أوربا واليابان. بل أن تنتج مدّعيا مغرورا أمام خالته وعمته ومجتمعه أنه مهندس حاسوب أو دكتور في البيولوجيا .. ! وشتان بين مهندس خريج جامعة سعودية أو مصرية وبين مهندس خريج جامعة يابانية أو أمريكية أو ألمانية. وإن كان أركون نفسه قد قال إن الأساتذة جامعات الغرب لا يتشددون مع الطالب المسلم تشددهم مع طلابهم، كأنهم "يعطونه على قدّه".وهذا يفسر لنا عودتهم إلينا دون المتوقع.
تستطيع أن تفهم نظامنا التعليمي بأن تفهم الأسس التي اختير على أساسها وزير التعليم في أي دولة خليجية أو عربية؟
أما بشأن "دراسات" أركون عن القرآن بوصفه أستاذا متقاعدا من السوربون / مبهورا بمناهج الحداثة وما بعد البنيوية التي شهدتها
(يُتْبَعُ)
(/)
باريس .. فهو أمر سهل الفهم أيضاً. ذلك أن جامعاتنا في السعودية وغيرها بدلا من أن تقوم مراكز الدراسات والترجمة التابعة لها بنقل كل ما يكتب عن القرآن خلال مئتي سنة من دراسات فيلولوجية وتوثيقية / ثم تقديم دراسات عليها يشرع هؤلاء "الأساتذة"من خريجي هذه الجامعات إلى اتباع "الطريقة" الشفاهية في العلم. وهي أن يرفضواكل ما أنتجه المؤرخون العالميون بوصفه "استشراقا" أو "كلمة حق يراد بها باطل"
أو أي صيغة من صيغهم الخطابية المعروفة.
هل تصدق أن جميع جامعات الخليج والسعودية ومصر قد تركت ترجمة كتاب تاريخ القرآن لنولدكة لرجل مسيحي مقيم ليس له كبير علاقة بعلوم
القرآن؟
لقد ابتليت أمة الإسلام منذ ألف سنة بطريقتين خاطئتين في التعلم والموقف من العلوم العقلية. أولاهما طريقة الشيعة الإمامية أتباع دين الفرس الذين تبنوا منطق أرسطو في حوزاتهم. وهو منطق أقلع عنه العالم لأن المنطق الحديث قد تجاوزه منذ مئتي سنة.
فهم حين نحروا العقل بخلق صاحب زمانهم احتاجوا إلى منطق يعقلن اللامعقول. وما أحسن ما وصفهم أبو العلاء المعري بقوله:
مينٌ يُردّدُ لم يرضوا بباطله * حتى أبانوا إلى تصديقه طُرُقا
والمدرسة الثانية هي مدرسة أهل السنة التي حرمت العلوم العقلية وتمسكت بمقولة شيخ الإسلام ابن تيمية بأن منطق أرسطو لا ينتفع
منه البليد ولا يستفيد منه العاقل. لذلك فإن ما تدعو إليه من قراءة أركون لم يحن وقته بعد.
سيحين وقته حين نستطيع أن نبني جامعة واحدة على أسس عالمية.
حين ندرك أبسط قواعد البحث المعاصر وهو أن النجاح إما عالمي أو مزيف.
لن يستطيع محب العلم أن يرقى وهو يرى بدويا أميا يلعب بالملايين. سيظن أنه أحمق لأن البدوي سيحتقره والمجتمع سينظر إليه شزرا. المجتمعات الغربية مؤسسة على قاعدة منطقية وهي قيمة كل امرئ ما يُحسِن. أما مجتمعاتنا فقيمتك علاقتك بمن سرق الثروة فأصبح من شعب الله المختار. أركون أستاذ كبير نزيه ولكن مترجمه هاشم صالح يحتكر طريقة تسويقه إلى الأمة. لا ألومه إذا كانت جامعات البدو لا تمتلك مركز ترجمة محترم مجبور أن أشكر هاشم صالح على ما قام به.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[21 Jan 2009, 04:21 م]ـ
المطلوب التركيز في تعليم الأجيال المسلمة على المنهجيّة السوية في التفكير. وعندما ينشأة المسلم على المنهجية السوية يكون قد اكتسب حصانة ضد الجراثيم الفكرية القادمة من الحضارات الملوثة. والوقاية كما هو معلوم خير من العلاج.
في سبيل منهجية سويّة لا بد من التدرب على نقد معطيات المنهجيات المعاصرة، والنقد يعنى الأخذ والرد.
هناك من يختبئ وراء العبارات والألفاظ والمصطلحات الغريبة ليخفي هشاشة بنائه الفكري، مستندين في ترويج فكرهم إلى عقدة النقص التي أصيب بها عدد من المثقفين في العالم الإسلامي تجاه الفكرة الغربية. إلا أن التطورات المعاصرة تبشر بمستقبل واعد للفكرة الإسلامية وإن كنا نطمع بما هو أفضل وبما يليق بالمسلم المعاصر.
أثبت تاريخ الصراع الفكري بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية أن الحصاد يكون لصالح الفكرة الإسلامية. ولا شك أن العودة إلى الذات الحضارية يأتي أسرع مما نتوقع مع اقرارنا بوقوع ضحايا يمكن الاستفادة منهم في تثوير الفكر استناداً إلى حصانة منهجية بالإضافة إلى الحصانة الإيمانية.
ـ[ابو زيد]ــــــــ[21 Jan 2009, 09:11 م]ـ
(إلا أن التطورات المعاصرة تبشر بمستقبل واعد للفكرة الإسلامية وإن كنا نطمع بما هو أفضل وبما يليق بالمسلم المعاصر.
أثبت تاريخ الصراع الفكري بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية أن الحصاد يكون لصالح الفكرة الإسلامية)
فرق بين الفكرة من حيث هي و الواقع المشاهد فنحن نشهد قراءات فكرية متعددة و متنوعة للتراث بما فيها الفكرة الاسلامية نفسها.
و القراءة الفكرية التي اقصدها متبلورة في مشاريع فكرية كبرى تنتهج مناهج فكرية غربية متتعددة فهناك مسافة سحيقة تفصلنا عن تمثل و ادراك هذه المناهج بشكل صحيح وكذا المشاريع الفكرية المشيدة عليها.
مثال يوضح ما اقصده مشروع الجابري مثلا ينتهج عدة منهجيات في تشييد مشروعه الكبير نقد العقل العربي فكل النقود تقريبا التي واجهته من منطلق سلفي ضعيفة جدا تحمل السباب و الشتام من غير اي تقدير للعدل و المنهج و المنطق ومن غير ادراك للاليات و المنهجيات و النتائج المترتبة عليها ومن غير تقييم للتطبيق الذي تم من الجابري لهذه للاليات و المنهجيات و نتائجه التي خرج بها من مشروعه المشار اليه.
مثال اخر نقد الحداثة عندنا نقد يتسم بضعف يحزن من يقرا هذا النقد اقل ما يقال فيه انه يخلط بين الحداثة الادبية و الحداثة الفكرية.
و الامثلة كثيرة جدا سيكون له مناسبة قريبة باذن الله تعالى.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[22 Jan 2009, 12:35 ص]ـ
هذه فرصة لطرح مثال يتعلق بمنهجية الجابري أو أركون ليكون محل نقاش لنرى مدى صدقية هذه المناهج وما ينبني عليها، لأن الكلام العام لا يفيد القارئ في هذا المنتدى.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو زيد]ــــــــ[22 Jan 2009, 02:22 ص]ـ
لم افهم ( .. ان الكلام العام لا يفيد القارئ في هذا المنتدى)!
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[22 Jan 2009, 03:52 م]ـ
أقصد أن طرح مثال للمناقشة هو الذي يفيد للتعرف على حقيقة هذه المناهج ومدى صدقيتها، والقارئ الذي لا يلم بدراسات هؤلاء لا يفهم شيئاً مما يقال وقد يتصور أنها مناهج ذات نفع وصدقية. والأمثلة التي تناقش قد هنا تساعد على فهم أفضل.
ـ[عقيل الشمري]ــــــــ[22 Jan 2009, 09:48 م]ـ
الأخ أبو زيد ...
أولا:
أوافقك أن هناك (نقصا) في الساحة الفكرية الإسلامية ... وعند (السلفية) على الخصوص
ثانيا:
أظن أنه من (النقد) الفكري .. أن نفرق بين من (نتهافت) على الرد عليه .. ولو بأسلوب
ضعيف مثل (الجابري) ... لمكانته .. وقوة (عبارته) .. ودقة (ملاحظته) ... وهو (أقرب)
القوم.
وبين (نصر أبو زيد .. وأركون) ... الذي افتضح في مشروعه ... !!! ولم يعد له قراء
إلا من (النقاد) لنقده!!!
ثالثا:
بقي لمقامكم سؤالا:
ألا ترى أن (كلامك) الكريم ... يجعلنا بين (فئتين):
الأولى: ضعيف ردها ... لا تعرف إلا لغة (السباب) ...
والثانية: لا (تريد الرد) إلا بعد (معرفة) منهيجات القوم ... و (أساسيات اللغة) ...
وماانبى عليه الفكر .. ووحدة الآليات ...
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[25 Jan 2009, 01:22 ص]ـ
حين قرأت ما كتبه الأخ أبو زيد مباشرة وجدت الحاجة إلى مثال مما كتبه الجابري
أو مما كتبه نقاده السلفيين أو غيرهم ... ليتم النقاش حوله لأن الكلام العام حقاً لا يفيد ..
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[25 Jan 2009, 01:32 ص]ـ
الأخ د. عبد الرحمن الصالح، أنت تنتقد كثيراً بطريقة عامة وسليطة،
وهذا يُفترض أن يتوازى مع شيءٍ مهم تقدمه لهذا الملتقى من إبداعك أنت، إما بناءً تأسيسياً أو نقداً بناءً؟
ـ[ابو زيد]ــــــــ[25 Jan 2009, 03:48 ص]ـ
اخي الدكتور عبدالرحمن الصالح:
تعليمنا يعيش ازمة كارثية تفاقمت او تتفاقم مع القفزات التطورية للواقع التقني العالمي مما كرس في هامشية العطاء الثقافي و الفكري لمؤسساتنا التعليمية من الابتدائي وحتى الجامعي.
الطالب في الثانوي لا يحسن القراءة و الكتابة بشكل جيد واذا انتقل الى المستوى الجامعي فهو لا يتحسن ثقافيا بشكل مرضي بل هو كطالب ثانوي احسن حالا منه كطالب جامعي من ناحية وجود مقرر مطبوع يستطيع ان يتعطاه و يتعامل معه اما الجامعي فتقلته ابداعيا و ثقافيا المذكرات التي لا تسمن و لا تغني من جوع.
هذا من ناحية امية القراءة و الكتابة التي لا تكاد ترتفع عن مجتمعنا الا بشكل يسير جدا فضلا عن امية الفكر و الثقافة التي تكرسها مؤسساتنا التعليمية بشكل يدمي القلب و يحزن الخاطر.
فالطالب يخرج من الثانوي لا يعي شيء بشكل واعي يبعث على الامل بل همه في منتهى السذاجة و الثقافته في منتهى السطحية.
تعليمنا يكرس العزلة الثقافية بكل اسف كأن جامعاتنا ثانويات بعد الثانوية ليس لها اي اشعاع ثقافي في محيطها الاجتماعي القريب فضلا عن اشعاع عالمي ينتظر.
اما بشأن ما يخص اهل السنة في الطريقة غير المنطقية التي ابتلنا بها فليس مردها الا الفهم الخاطئ لابن تيمية رحمه الله تعالى كما ان ما اعتقده ان مقولة ابن تيمية تلك منطقية بحد ذاتها.
لكن المصيبة اننا في السعودية خاصة لا نعرف فقط الا اختيارات ابن تيمية الفقهية حتى عمقه الفقهي لا نكاد نقاربه رحمه الله تعالى كما اننا لا نعرف طرحه الفلسفي و الكلامي و العقائدي الا ما سهل من متون الفها في بعض ابواب العقيدة قتلت شرحا مع سهولة ما تحتويه من من مضامين علمية اما الاقسام الفلسفية و العقائدية التي عالجها ابن تيمية معالجة مطولة فلا تكاد تسمع لها ذكرا.
مع ان ابن تيمية رحمه الله تعالى كان ذا عبقرية فذة متفردة في نقده للمنطق سبق فلاسفة اروروبا بالتجاوز و الانقطاع المعرفي ما منطق ارسطو و غيره.
كما ان كلامك يوحي بان ابن تيمية كان سببا سلبيا في انعدام المنظقية عند اهل السنة وما اظنك تقصد هذا وما اظنك الا مقتنع تمام الاقتناع من ان ابن تيمية هو رائد المنطق الاسلامي الذي لابد من استثماره حق الاستثمار كما ابدا البروفسور طه عبدالرحمن اسفه عن عدم هذا الاستثمار.
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[25 Jan 2009, 02:54 م]ـ
يبدو أن التطور العلمي والتكنولوجي جاء على حساب الثقافي، ومن هنا نجد أن أجيال الخمسينات والستينات والسبعينات .. من القرن الماضي هي أوفر حظاً في عالم الثقافة، أما الأجيال المعاصرة فهي أوفر حظاً في مجالات العلم والتكنولوجية. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الغرب المتطور علمياً وتكنولوجياً، وأنت تجد الغالبية من الشعوب الغربية تعيش في ضحالة من الثقافة.
أكرر ما سبق أن قلته أننا بحاجة إلى تعليم يقوم على منهجية التفكير. وعلى أية حال لا نتوقع أن تكون الغالبية أكثر من متلقية لأن هذا هو واقع الإنسان أينما كان.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[26 Jan 2009, 02:28 ص]ـ
أيهما أفضل أن يعيش الإنسان متطوراً تكنولولجياً، إلكترونياً ولكنه ذئبٌ، ثعلبٌ، أفعى ...
أم يعيش الإنسان أمي بدائي ولكنه طيب، حبّاب، ومحبوب، ومتواضع ...
لا شك أن الخيار الثالث:
إنسان طيب وحباب، ومتطور تكنولوجياً إلكترونياً ... هو أفضل ...
لكن في حال عدم الخيار الثالث. . .؟؟
جان جاك روسو له كتيب نال به جائزة مهمة ذهب في كتابه هذا إلى أن الإنسان البدائي أفضل وأحسن حالاً من الإنسان المعاصر ... وقد سماه: الهمجي النبيل ....
ـ[ابو زيد]ــــــــ[26 Jan 2009, 03:07 م]ـ
الدكتور الطعان وفقنا الله واياك لكل خير:
ليس المقصود تمجيد التكنولوجيا انما المقصود الاثر السلبي لها على تعليمنا خاصة الجانب الاكتروني منها - الانترنت، البلوتوث، ..... - بما تنشره من ثقافة استهلاكية وما تؤثره بشكل مخيف في تكوين التفكير و الوعي و سلوك لدى شباب الامة.
كما ان الانشغال بالتكنولوجيا اصبح شغل شاغل لكثير من اجيال الامة بشكل يبعث على القلق من تفاهة الاهتمام و سطحية الهموم.
كما ان استخدام كل المعدات التكنولوجية في تعليمنا تبدا مشاريع كبيرة كانها فتح الفتوح ثم تكن مشاريع فاشلة بكل المقاييس مع ضياع ميزانيات مالية ضخمة تصرف على مثل هذه المشاريع الوهمية.
اما بشأن البدائي فالبدائي لدى جان جاك رسو ليس الفطري الذي نشأ على التوحيد فالبدئي قد يكون مشركا وقد يكون موحدا و لا يمكن التسوية بينهما.
البدائي العابد لصنم ليس حبابا ....
انما المؤمن القوي هو الاحب لله تعالى ...
و نحن نريد المؤمن القوي(/)
دروسٌ غزاوية: جديد
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[26 Jan 2009, 02:10 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
دروس غزّاوية
د. أحمد إدريس الطعان
كلية الشريعة – جامعة دمشق
Ahmad_altan@maktoob.com
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد:
] وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [[سورة آل عمران آية: 166 – 173].
فهذه جملة من العبر والعظات التي استخلصتها من حرب الفرقان التي دارت رحاها بين المقاومة الإسلامية والعدو الصهيوني في أرض غزة الطاهرة.
ولقد كانت متابعة الأحداث والأخبار التي تطل علينا بها الفضائيات ملهمة للشعراء والأدباء والكتاب ومن باب أولى أن تكون ملهمة للباحثين، فقد جادت نفسي بهذه الدروس التي لم أشأ أن تظل حبيسة النفس والورق وإنما أردت أن أبث إخواني مكنون قلبي وعقلي، فإن أكن مخطئاً فمن نفسي ومن الشيطان، وإن أكن مصيباً فبتوفيق من الله عز وجل.
"" من كان يدري أنه من قلب المحنة تخرج المنحة؟ ومن كان يدري أن عذابات إخواننا في غزة تصنع الانتصارات العِذاب؟ ومن كان يدري أن جرح غزة ضمد جراحات كثيرة في جسم الأمة استعصت على العلاج، وحار أطباؤها ويئسوا من دوائها.
لقد استطاعت كتائب المقاومة أن تحشد الشعب الغزاوي وراء خيار المقاومة ويسطر الشعب بطولات وأمجاد جمعت في أيام ما تفرق في عقود من السنين، جماهير العرب والمسلمين من الخليج إلى المحيط تهتف بهتاف واحد، وتجأر إلى الله بدعاء واحد، وتُسمع صوتها المبحوح إلى المتخاذلين بتقريع واحد. من كان يظن أن إخواننا في تركيا يخرجون بالملايين في عاصمة الخلافة الغاربة، وهتافهم يشق عنان السماء؟
شكرا كتائب المقاومة فقد فضحتم بصمودكم الأنظمة العميلة، وكشفتم عنها غطاء العمالة والتبعية، وهي تلهث وراء الحلول التي ترضي أسيادها.
شكرا كتائب المقاومة، فقد انجلى عن العيون وهم المنظمات الدولية التي تنعق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فلا ديمقراطية بعد اليوم، وهي اليوم تساوي بين الجلاد والضحية، ويتصامم سمعها عن صرخات المستغيثين، وأنين الهلكى تحت الحديد و النار! وأيقنت الأمة بعد اليوم أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها، وأن كل أمة ضائع حقها سدى، إذا لم يؤيد حقها بالمدفع والصاروخ!! "" ([1]).
الدرس الأول
اللعب على المكشوف
(يُتْبَعُ)
(/)
يتحدث الكثيرون أن حرب غزة كشفت كثيراً من العمالة التي كانت متسترة بالوطنية أو السلام أو غير ذلك، وأنا أستغرب ذلك لأن العمالات والخيانات مكشوفة منذ عقود وعقود عديدة، وإذا كنا لم نكتشف ذلك إلى الآن فهذه مصيبة أخرى. مشكلتنا أننا ننسى فحرب لبنان، وحروب الخليج العديدة، ومن ثم غزو أفغانستان والعراق، ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية في أوسلوا، ومسلسل التنازلات المستمر، كل ذلك نسيناه، إن مسلسل الخيانات والمؤامرات مكشوف ومفضوح ولا يحتاج إلى حرب غزة الحالية فقد مرت على هذه الأمة غزات وهزات.
الشيء الذي يمكن أن يقال هنا هو أن الخيانة سابقا كانت بطريقة دبلوماسية أكثر، أما في هذه الأزمة فقد أصبح "اللعب على المكشوف " على حد تعبير الأستاذ فهمي هويدي. فلم يعد حسني باراك - لا بارك الله فيه - يشعر بالخجل وهو يظهر على الشاشة على أنه الحليف الأول لإسرائيل في هذه الحرب، فهو يتحكم بمعبر رفح لمنع الإمدادات عن الفلسطينين، بينما إسرائيل تستخدم أعنى ما لديها من أسلحة.
أصبح أولمرت يعلن أمام جنوده أن بعض العرب يصلون من أجل أن ننتصر على حماس، وأصبحت الجولات المكوكية بين القاهرة وتل أبيب متسارعة جداً تسابق أرتال الطائرات التي تقصف، والقنابل التي تتساقط، والصواريخ والدبابات التي تقصف، والهدف هو سرعة القضاء على المقاومة، سرعة إنجاز المهمة قبل أن تتحرك الشعوب. وليست حماس هي الهدف، وإنما الهدف أكبر من حماس، إنه القضاء على المقاومة، وإركاع الشعب الفلسطيني كله، واقتلاع القضية من جذورها.
في خطاب هذا الزمان أصبحت المقاومة هي المشكلة وليست الحل، لذلك فإن السباب والشتائم التي توجه إلى دعاة الممانعة أفراداً كانوا أو جماعات، لا يقصد بها سوى الموقف الرافض للتسليم، وكما مُنح ياسر عرفات جائزة نوبل لأنه اتفق مع اسحاق رابين، ثم جرى حصاره وتسميمه وقتله لأنه لم يسلم بطلبات باراك، فإن الأسلوب ذاته جرى تعميمه على العالم العربي، فمن استسلم فاز بالرضا، ومن امتنع حلت عليه اللعنة. ذلك شديد الوضوح في الساحة الفلسطينية الآن، فالسلطة في رام الله مشمولة بالرضا والهبات والمساعدات، لأنهم قبلوا بقواعد اللعبة، والمقاومون في غزة محاصرون ويراد لهم أن يلقوا مصير عرفات، حيث لا فرق بين القتل بالسم أو القتل أثناء المذبحة بالصواريخ والطائرات.
ولكن من كان يتصور أن يشارك الطرف العربي في حصار غزة وتجويعها؟ ومن كان يصدق أن يهب بعض الناشطين الأوروبيين لإغاثة المحاصرين عبر البحر، في حين يغلق «الإخوة العرب» طريق البر، ولا يفتحون المعبر إلا بعد أن يتحول الأمر إلى فضيحة عالمية؟ من كان يصدق أن تتحرك القوافل من قلب القاهرة لإغاثة المحاصرين في غزة، ثم تفاجأ بأرتال الشرطة تقطع عليها الطريق، وتجبرها على العودة من حيث أتت! ([2]).
كل البشر يطالبون بفتح معبر رفح - البشر فقط - لكن مبارك دمه بارد وثقيل، ووجهه سميك، وجلده صفيق فهو لا يرى دماء الأطفال، والأشلاء المنثورة في كل مكان، وآهات وصرخات الأمهات، وإذا رآها فهي لا تعني له شيئاً. "" حتى الأعداء يعالجون الجرحى في الحروب، وحتى الأعداء يسمحون بدخول قوافل الأدوية والغذاء، هذا ليس عملا تضامنيا، ولا هو حتى أضعف الإيمان " ([3])
لقد كُتبت في هذا الرجل - إن كان رجلاً - في الصحف والمجلات والإنترنت آلاف الصفحات ولو قام قائم بجمعها وتبويبها لصنع خيراً، وذلك لتكون سيرة ذاتية بحق لهذا الممسوخ، ولتكون لعنة التاريخ والأجيال والأمم لصيقة به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن ماذا يضيره ذلك وهل تهمه صورته في التاريخ وهل يأبه لما ستتحدث به الأجيال المقبلة.
إن كثيراً من الحكام العرب يتوارثون فيروسات الخيانة والغدر، ولقد حقنهم الاستعمار بلقاحات ضد الكرامة، وضد الشهامة، وضد النخوة، فلا تؤثر فيهم المناظر المؤلمة، ولا تجرح لهم إحساساً، ولا تلامس لهم شعوراً، ولعلهم لا يريدون أن يتعبوا أنفسهم بمشاهدة هذه المناظر، إن منظر أشلاء الأطفال ودمائهم وصرخاتهم وآهات النساء مقرفة بالنسبة لهم، إنهم يعكفون على أفلامهم الإباحية وسهراتهم المجونية فهم في واد والشعب في واد آخر، إنهم كالدمى المتحركة، شخصيات كرتونية تتحكم بها اليد الأمريكية والصهيونية على مبدأ: إفعل ولا تفعل، فنجد كل واحد
(يُتْبَعُ)
(/)
منهم مشغول بكبح شعبه، وليس لديه أي وقت ليتفرغ لغزة، وماله ولغزة، إن عينه ساهرة على الكرسي، وزبانيته مشغولون بالقمع والاعتقالات والتجويع والسلب والنهب، ولذلك من العبث أن ننتظر من هؤلاء المتخاذلين شيئاً يخدم الأمة إن على المستوى القريب أو البعيد، إن على المستوى الواقع أو الأمل. فإذا كان قريباً من ستة آلاف جريح وأكثر من ألف وثلاثمائة شهيد، وآلاف المشردين والمُعدمين لا تستحق منهم أن يجتمعوا ليتداولوا وليتحاوروا فماذا يُنتظر منهم إن اجتمعوا.
إن شهداء فلسطين يخاطبوننا أن نسير على دربهم فلا يكفي أن نبكيهم ونرثيهم، ثم نمضي في طريق آخر.
الدرس الثاني
الاستعمار: من الباب إلى الشباك
حين خرج الاستعمار تحت ضربات الشعوب العربية والإسلامية، واضطر أن يغادر بلادنا مهزوماً مدحوراً، فكّر بطريقة أخرى للاستعمار، وبينما كنا نحن مشغولين بفرحة الاستقلال والتحرير كان الاستعمار قد أحكم خطة جديدة ليظل جاثماً على صدورنا فترة أطول دون أن نشعر، ونجحت الخطة.
وتتمثل الخطة في مقولة أحد قادة الاستعمار الفرنسي للجزائريين حين خرجت فرنسا من الجزائر: أيها الجزائريون تريدون الاستقلال حسناً؟! تريدون منا الخروج حسناً؟! سنخرج من الباب وندخل من النافذة.
وحين خرجت جحافل المستعمرين من بلادنا واحتفلنا بالجلاء والاستقلال حقق ذلك لدينا كثيراً من الرضا النفسي، والشعور بالنصر، فوضعت الشعوب سلاحها، وما كان لها أن تضعه، لأن عدو الداخل أشد خطراً وفتكاً من العدو الخارجي، ألم يقل جبريل عليه السلام للنبي r بعد هزيمة الأحزاب: هل وضعتم السلاح؟ قال: نعم قال جبريل: فإنا لم نضعه اذهب إلى هؤلاء وأشار إلى بني قريظة. فأوعز النبي r لصحابته: " لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ". وكان عقاب بني قريظة قاسياً أزعج إخوانهم العلمانيين المعاصرين اليوم، ولطالما تباكوا عليهم وندبوا مصيبتهم، ولكن عقاب بني قريظة كان مجدياً وناجحاً فقد خرس اليهود بعد ذلك قروناً طويلة – كما يقر أحد المستشرقين اليهود - ولم تقم لهم قائمة، حتى استنعجتنا الأمم فتجرؤوا علينا اليوم.
لقد نجح الاستعمار إذن في إيجاد البديل في بعض بلادنا العربية والإسلامية ""من أبناء جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا "" ([4]) "" مسوحهم مسوح الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب " ([5]). وأشعرنا عدونا بالاستقلال، فرضينا نحن بذلك، وقد حصّل هو مصالح عديدة:
الأولى: أخرج جنوده عن ساحة الخطر وأعادهم إلى بلادهم.
والثانية: أوهمنا بالتحرر والاستقلال وأرضانا بالصورة الظاهرة لذلك، فوضعنا السلاح قانعين مطمئنين.
الثالثة: تصله مكاسبه وثرواته، وحصته كاملة غير منقوصة، من النفط وغيره دون أن يقدم بإزائها خسارة تذكر، أي: مغانم بلا مغارم!!.
الرابعة: جعل بلادنا أسواقاً لمنتجاته وبضائعه، وأفواهنا مستهلكة لمأكولاته ومشروباته.
الخامسة: جعل بلادنا دائماً متوترة ومتنافرة بسبب الانفصام الحاصل بين الحكام والمحكومين. فقد خضع هؤلاء الحكامُ المتخاذلون خضوع الرقيق لسيده، فهم مجرد ولاة، ومنفذين ومطيعين ومخلصين لأسيادهم المستعمرين، إلا أن أسماءهم فقط مختلفة فبدلاً من الأسماء الأجنبية نجد حسني مبارك، وعبد الله، وزين العابدين.
الدرس الثالث
المراوغة المكيافللية
ومن هنا لا بد من حمل السلاح من جديد لكي نتخلص من هؤلاء الذين يخدمون الاستعمار أكثر من الاستعمار المباشر نفسه، إنهم يكبحون الشعوب باسم الوطنية أو القومية أو غير ذلك من الشعارات الجوفاء، إن ولاءهم كاملٌ لأعداء هذه الأمة، وهم حريصون كل الحرص على إزهاق روح التحرر فيها، فلا يسمحون بأي بصيص من نور أو أمل للحرية أو النهضة، وقد أعدّهم أسيادُهم الأوربيون لذلك إعداداً جيداً ثقافياً وتكتيكياً ومادياً فهم إذا كانوا متخلفين في كل شيء إلا أنهم متقدون في عدة فنون:
- فن المراوغة المكيافللية فهم يبتسمون على الشاشات، ويضربون شعوبهم في معتقلاتها بأيدي من حديد.
- وهم يتظاهرون بالقومية والوطنية، وتُرفع لذلك الشعارات الطنانة، ولكنهم يبعثون بثروات الشعوب لأعداء هذه الأمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
- وهم يتظاهرون بحماية تاريخ الأمة وتراثها ودينها، ويرفعون الشعارات الدينية، ويحضرون الحفلات الدينية ويصلون، ويبنون المساجد، ويرفعون شعارات حماية الدين والوطن، ولكن في الخفاء يسخرون من كل ذلك، بل إنهم يدنسون مقدساتها ويدمرون مناهجها، ويسدون منافذ الإصلاح ويفتحون بوابات للفساد، والجهل والمرض، والجوع والقمع والكبت.
- وطبعاً يوظفون لذلك كل الفاسدين، ويجعلون منهم رموزاً، ويلبسونهم ألبسة النخبة، ويدهنونهم بألوان من مراهم التلميع، ومساحيق التجميل، لكل الشرائح الاجتماعية، فللمتدينين شيوخ السلطان بعمائهم الضخمة، وجببهم العريضة، وللمثقفين نُخبٌ من المتفلسفين العملاء المدربين على حبك الإشكالات، وسفطة الحقائق، وتحليلها بأشكال تخدم التوجهات السلطانية وتقدم بعض التسكين للشباب الذي يُخشى أن يكون طموحاً. أما لعموم الناس فيقدمون النجوم الإعلامية المختلفة من فنانين وفنانات، وممثلين وممثلات، وكثيراً ما يُفتح المجال لهؤلاء للنقد غير المحدود، لأنه في النهاية مجرد تمثيل، لا يضر بأمن السلطان، ويساعد المشاهدين على تبديد الشحنات المكبوتة، واستفراغ الغصات المحزونة.
ولذلك فالحكام العرب اليوم هم مجرد ولاة وخدم ينفذون الأوامر بمجرد الإشارة ولا حاجة للتصريح، وهم لا يفكرون بشعوبهم، ولا يعيشون معهم، ولا يهمهم إن كنت هذه الشعوب جائعة أم جاهلة أم مُضطهدة، أو لها مستقبل أو لها تاريخ، لأن الهم الأكبر بالنسبة للحكام المتخاذلين - وأرى أن هذه الكلمة قليلة بحقهم لأنهم، لم يكونوا في أي يوم حريصين على مصالحها ومستقبلها - الهم الأكبر هو الحفاظ على الكرسي والكراسي الوريثة، له ولذريته ولحاشيته وزبانيته المقربين.
ولذلك تجد أن الإبداع الوحيد في بلادنا العربية والذي يتميز به الحكام العرب عن بقية حكام العالم هو قدراتهم الفائقة في اختراع وسائل الكبت والتعذيب والترويع والاستبداد والتجهيل، ولو كانت هناك جوائز تُعطى لمثل هذا اللون من الإبداع فأعتقد أن حكامنا هم أحق الناس به.
ولا شك أن من لوازم هذه التميز هو قدراتهم النادرة على الخداع والتضليل والكذب، فيعكسون الصورة الجهنمية الحقيقية لهم إلى صورة فردوسية مزيفة، إنها في الحقيقة وصية مكيافللي لتلاميذه النخلصين، "" يجب على الحاكم أن يكون ماكراً مكر الذئب، ضارياً ضراوة الأسد،غادراً غدر الثعلب، وأن يتعلم كيف يبتعد عن الطيبة والخير، وأن يرتكب الشر والفظائع أحياناً-، ويقترف الإساءات ويسير على مبدأ " فرق تسد "، من أجل المحافظة على سلطانه "". ([6]) ويضيف الأستاذ مكيافللي "" ولكن على الحاكم في نفس الوقت أن يُخفي هذه الصفات المرذولة، ويكون دَعِيّاً ماهراً ومرائياً كبيراً وأن يحسن التظاهر بالأوصاف الحميدة والتدين الشديد "" ([7]).
ولذلك نجد الحكام يحضرون المناسبات الدينية وإلى جوارهم أصحاب العمامات السلطانية يسبحون بحمدهم ويباركون جهودهم، ويدعمون جبروتهم، إن فلسفة مكيافللي وكتابه الأمير قد وجد صداه في حكامنا " الميامين " فقد حفظوه عن ظهر قلب، لأنه كتابهم المقدس، وقد نفذوا تعاليمه بإحكام وأمانة.
الدرس الرابع
كلمة حق عند سلطان جائر
ومن هنا فالحديث الدائر منذ زمن عن مشروعية الخروج على الحكام، وهل هم كفرة أم مسلمين أم منافقين أم شياطين أم سعادين؟! لا أرى أنه سار في الطريق الصحيح، لأن حكامنا يجب الخروج عليهم حتى لو أقاموا الصلاة، وأدّوا الزكاة، وحجوا إلى بيت الله الحرام، لأن هذه المظاهر الدينية لا تشكل خطراً على مصالحهم، ولا مصالح أسيادهم، بل لعلها تعزز أهدافهم وغاياتهم حين تتحول إلى شكليات وحركات خالية من المضامين الجوهرية.
إن الحكام العملاء والمتآمرين على واقع الأمة ومستقبلها يجب الخروج عليهم، ورفع السيف في وجوههم، لأنهم خانوا أمتهم، وسرقوا خيراتها، ونهبوا ثرواتها، ودمروا شعوبهم، وحطموا مبدعيها، وكبحوا طموحاتها، وانحازوا إلى أعدائها وتعاونوا معهم في القتل والتجويع والتجهيل والقمع والاضطهاد، لكي تظل الأمة ضعيفة خانعة مُستذَلّة لا تجد أي نافذة للنهوض والتقدم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكم هم مخطئون أولئك الذين يستدلون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن أُمِّ المؤمنين أم سلمة هند بنت أَبي أمية حذيفة رضي الله عنها، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه قَالَ: ((إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعرِفُونَ وتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ)) قَالوا: يَا رَسُول اللهِ، ألا نُقَاتِلهم؟ قَالَ: ((لا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَّلاةَ)) ([8]).
لأن إقامة الصلاة تعني: شيوع العدالة، والأمانة والوحدة، والاعتصام بحبل الله المتين، والنهي عن الفحشاء والمنكر، وتعزيز الأخلاق الفاضلة، وكبح المفسدين، وصدّ المعتدين، وحراسة الثغور، وحماية البلاد، وتوثيق عرى الإيمان، وعمارة الأرض بالخير، والعقل بالعلم، والمجتمع بالفضيلة، وليس المقصود بإقامة الصلاة هو شكلها الظاهر، وحركاتها الرياضية، فهذه يفعلها المنافقون وغيرهم ما دام ذلك يعود عليهم ببعض المكاسب والمصالح، وقد يسأل هنا سائل أو يعترض معترض بأن السياق في نص الحديث يُفهم منه أن طاعة الحكام واجبة حتى وإن كانوا ظلمة وعصاة وفساقاً وغير ذلك، وقد يَستدل المعترِض لذلك بحديث "" تسمع و تطيع للأمير، فإن ضرب ظهرك و أخذ مالك فاسمع و أطع"" ([9]). فأقول هنا لكل هؤلاء الذين يستخدمون الدين لإسكات الثائرين، ويوظفون النصوص لكم الأفواه وتثبيط الهمم، إن الإسلام برئ ومن هذا الفهم السقيم، والتوظيف اللئيم، لأن مقصد الحديث هنا هو الحث على التضحية بالمصالح الشخصية والفردية، لأجل مصالح العامة الجماعية، وذلك حين يكون الحكام فساقاً ومنحرفين في سلوكهم الشخصي وذواتهم كأفراد، فهذا لا يضيرنا ما داموا يقيمون الصلاة، ويحكمون بالعدل، ويقمعون الظلم، ويدافعون عن مصالح الأمة ويسهرون على تحقيق أمنها، ويحرصون على خيرها وبرها، وتحقيق رسالتها في التقدم والحضارة والخيرية، عندئذ ما لنا ولهم إذا كان فسقهم في داخل قصورهم فحسابهم عند ربهم.
كذلك بالنسبة لحديث وإن أخذ مالك وضرب ظهرك، فهو لمن يظلمه الحاكم بشكل شخصي وفردي لسبب من الأسباب، أو لظنٍّ من الظنون، أو لتوهمٍ أو وشاية، ينصحه النبي r أن يصبر ويتجاوز ويتنازل عن حقه درءاً للفتنة العامة، ويضحي بمصالحه الشخصية في سبيل المصلحة العامة، وذلك حين تكون الأمة رخيّة هنيّة مزدهرة آمنة مطمئنة في عمومها، وحكامها حراس أمناء لمصالحها، وحماة أشداء لأمنها ودينها وحضارتها.
أما والأمة اليوم يُنكِّل بها حكامُها، فالشعوب مضطهدة جائعة، والمعتقلات غاصّة ممتلئة، والخيرات منهوبة، والثروات مسروقة، وأعداؤنا يقاسموننا على رغيف الخبز، وحفنة البرغل، والطاقات مهدرة بل مقموعة، وأهل الفساد والانحراف يمرحون، وأهل الصلاح والهدى مُستذلّون، ودماء المسلمين تسيل في كل مكان، وأشلاء أبنائهم ونسائهم تُدفن تحت أطنان من القنابل والدمار، أما والأمة كذلك: واقعٌ مظلم، ومستقبلٌ مجهول، وإبداعٌ مقتول، وعقولٌ بائسة، وأرواحٌ يائسة، فكيف لنا أن نسكت؟! على أصحاب العمائم السلطانية أن يخرسوا ويكفوا عن التصفيق والتمجيد ليحصلوا على بعض الفُتات، وكفاهم كذباً ونفاقاً وتحريفاً للدين فالنبي r الذي حرر العرب من ترهات الجاهلية والوثنية والذلة والاستكانة والفرقة، وأخرجهم من الظلمات إلى النور لا يشرّع للخنوع، ولا ينصح بالخضوع للجبابرة والعتاة لأنه ([10]) هو القائل r : " وقد سُئل أيُّ الجِهادِ أفضلُ؟ قَالَ: "" كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ.
الدرس الخامس
حرب الكلمات والصور
لقد شاهدنا مظاهر القتل والدمار في غزة، وشاهدنا الجروح المفتوحة، والأجساد الممزقة، والدماء النازفة، شاهدنا دموع الأمهات، وسمعنا صرخات الأطفال، وكثيرون منهم لم تكن لهم صرخات لأنهم ماتوا، ومزقتهم القنابل، وأحرقهم الفوسفور، لاشك أيها السادة أنه منظر مريع، وحادث جلل، ذرفت له عيوننا، وتقطعت لهم أكبادنا، بل إن العالم كله وقف مذهولاً لهول ما يرى ويشاهد، وخرجت الجماهير في مختلف أنحاء العالم تعبر عن تضامنها مع أهل غزة، وتندد بالمجازر المروعة، ولا شك أن خروج العالم عن صمته، وصيحات الشعوب والأمم المختلفة، ونداءاتها لإيقاف المحرقة الصهيونية كان السببُ الرئيسُ فيه هو
(يُتْبَعُ)
(/)
مشاهدتهم الصور المروعة للجريمة، والدمار الهائل، والدماء النازفة، وإن نقلَ صورة المأساة، وإبراز الشكل الوحشي للعدوان، وكشف مسرح الجريمة بكل فظاعتها كان عاملاً أساسياً في تحريك الشعور العالمي، وإيقاظ الضمائر النائمة، وبهذا الصدد فقد قامت قناة الجزيرة بجهود جبارة لنقل الأحداث كما هي للناس رغم وحشيتها، وما قامت به هذه القناة هو شكل من أشكال الجهاد العظيم في هذا العصر، الذي أصبح الإعلام فيه يمارس ألواناً من التضليل والخداع، ويكفي أن تُطل على بعض العناوين والمصطلحات في قناة الجزيرة، وقناتي " العربية " العبرية، و" الحرة " لترى الفارق الكبير في تغطية الأحداث في العدوان على غزة:
ففي الجزيرة: الحرب على غزة، بينما في الحرة: الحرب في غزة. قناة الجزيرة تعرض مظاهر الوحشية والهمجية، بينما قناة الحرة تعرض صوراً لأطفال يلعبون في الأراجيح وحولهم جنود صهاينة يلاعبونهم.
أما قناة العربية " العبرية " فقد لعبت بالوعي العربي إلى أبعد الحدود، وعبثت بالحقائق دون خجل وضربت بالقواعد المهنية للعمل الإعلامي عرض الحائط، وذلك من خلال العناوين الرئيسة للأخبار، وشريط الأخبار العاجلة حتى أن المراسلين يُكذّبون أحياناً ما يتكلم به المذيعون: وقد ثار أحد موظفيهم على هذه السياسة المتحالفة مع العدو فكتب يبين محاور هذه السياسة:
- فالشهداء كلهم قتلى، ولا تذكر كلمة شهداء نهائياً، وقد حذفت هذه الكلمة من قاموسها نهائياً سواء كانوا أطفالاً أم رجالاً أم نساءً.
- كل ما حدث من قتل وعدوان لم يوصف في العربية بأنه مجازر أو عدوان، فلا يُسمح للمذيعين أو المراسلين بوصف ما يجري بهذه الكلمات أبداً، وإنما يتم تخيُّر الكلمات المناسبة مثل هجوم واشتباكات. وكلمة هجوم تجعل المستمع يتعاطف مع البطل المهاجم ويتحالف معه كما يحصل في الأفلام.
- كل القنوات تصف ما يجري بأنه مقاومة وأن المقاومة تتصدى، بينما العربية تقول: مسلحي حماس يشتبكون.! وكما تعلمون فإن كلمة مسلح تطلق على المجرم الذي يسطو على منزل أو بنك أو غير ذلك.
- وأيضاً قناة العربية منذ الأيام الأولى حسمت المعركة فأظهرت صوراً للجنود الإسرائيليين يتقدمون باتجاه غزة دون مقاومة تُذكر وتظهر مجموعة من الجنود المستريحين، وآخرون راجلين، وآخرون يتقدمون بالدبابات، وقد افتضحت هذه التقارير فيما بعد لأنه تبين أنهم ليسوا في غزة، وإنما في قطاع غزة، وبين الأمرين فرق كبير، فهم في ضواحي قطاع غزة، والمقاومة رابضة في خنادقها تنتظرهم لتذيقهم الويلات، وقد كان ذلك بحمد الله عز وجل. وقد قامت مراسلة العربية حنان المصري بتكذيب المذيعين على الهواء، فقد ظهر خبر عاجل يقول بأن الدبابات الإسرائيلية تتقدم باتجاه داخل غزة، وقد خرجت المراسلة حنان المصري عن صمتها وقالت في رسالتها بأن هذا الخبر " غير دقيق " و " مخالف للواقع " وقالت إن هذا يتسبب في إثاره هلع الناس علينا أن ننتبه إلى هذا.
- وقد استضافت قناة العربية نايف حواتمة، وسلام فياض، ومحمد دحلان المعروف بسجله الإجرامي والتآمري وأطالت اللقاء معه وهو شخص غير مرغوب فيه عند الفلسطينيين، ولكنها رسالة توجهها قناة العربية لللمشاهدين بأن دحلان سيدخل غزة على ظهر الدبابة الإسرائيلية وستنتهي المقاومة.
- كما أن الأخبار والتحليلات كلها منحازة لصالح العدو الصهيوني، ويراد منها الفتّ في عضد المقاومة، وكسر شوكتها، وقطع أمل المشاهد العربي، وإحباط شعوره، وتثبيط همته وعزيمته. حتى أن العربية أصبحت مرجعاً للقنوات الصهيونية: فتنقل عنها بعض الأخبار التي تسثمرها في كسب التأييد الشعبي للحرب في إسرائيل.
- أما المظاهرات فقد ظلت القناة ثلاثة أيام صابرة لا تظهر أي مظاهرات، ويبدو الحدث في غزة وكأنه حدث عادي لا يثير الاهتمام عند الناس، ثم تحت ضغط الواقع اضطرت القناة إلى إظهار المظاهرات، ولكن بشكل انتقائي، لا يتم فيها التركيز على المشاهد المؤثرة والمتعاطفة مع المقاومة، بل يتم اختيار التركيز على نقمة الناس على المجازر، كما يتم لفت النظر على أن هذه المجازر تسببت فيها المقاومة أعني مسلحي حماس.
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد قرر مديرو المعركة مع غزة في قناة العربية أن يكون الهدف هو إحباط المشاهد العربي وتثبيطه، ويتم ذلك من خلال ثلاثة محاور: المحور الأول: الصور والمشاهد المنقولة. المحور الثاني: الكتابات النصية التي تظهر على الشاشة، وشريط الأخبار العاجلة. المحور الثالث: التعليقات التي تجري على الأخبار من قبل المحللين والشخصيات التي يتم انتقاؤها واستضافتها بخبرة شديدة وبحذر بالغ.
بينما القنوات المستقلة تكشف الصورة على حقيقتها وتُبرز المأساة على مرارتها، وتُنوّع في اختيار الأنماط المؤثّرة، والنّماذج المعبّرة عن واقع مؤلم وجريمة بشعة. فمن الكلمات المؤثرة التي سمعناها في المظاهرات التي نقلتها لنا قناة الجزيرة:
مظاهرة في فرنسا عبر المراسل في نهاية رسالته بكلمة ختامية قال فيها: وهكذا نجد أن هناك من يتظاهر لدعم غزة، وأن هناك من يتظاهر بدعم غزة، والمعنى واضح فهو يقصد بعض الأنظمة العربية التي تتظاهر بدعم المقاومة، ولكنها في حقيقة الأمر طرف في المؤامرة الداعمة للحرب، والحريصة على مسح المقاومة من الخريطة، وهذا كان واضحاً في موقف الحكومة المصرية والسعودية. ولسان حال الشهداء يقول لهؤلاء:
لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادا
مظاهرة أخرى في السودان تحدثت فيها امرأتان قالت إحداهما افتحوا لنا المعابر مش عايزين كراسيكو، نريد أن نموت في غزة، وصورتها وهي تبكي في مخيلتي، أما انفعالاتها المرافقة لصرختها فلا يمكنني نقلها لكم. أما المرأة الثانية فقالت كلمة لم أملك إلا أن أصيح بأعلى صوتي: الله أكبر: قالت وهي تلوح بخمارها: أقول للحكام العرب خذوا خماراتنا، إلبسوها واتركونا نحارب، وخليكوا على كراسيكوا، إنكم تجلسون على عظام الأطفال، وفي مظاهرة أخرى في القدس صاح أحد العلماء: وامعتصماه، وإسلاماه! ولكن صرخاته وصيحاته التي أوصلتها لنا قناة الجزيرة لم تجد ذلك المعتصم الذي يرد عليه بالفعل لا بالقول: لبيك يا أخيّاه أو لبيك يا أختاه!.
فشكراً وألف شكر، وتحية وألف تحية لقناة الجزيرة.
إنها حرب أخرى تجري بين الشاشات، والجيوش الإعلامية، فالقنوات المشبوهة والمُموّلة من قبل أعداء هذه الأمة تبذل قصارى جهدها لتشويه الحقيقة، وتزييف الوعي، وتثبيط الهمم، وتخوير العزائم، وتحطيم الآمال، وطمس الجرائم، وإخفاء الوقائع، وتزوير الأرقام. وهنا أحب أن ألفت النظر إلى ضرورة مقاطعة قناة العربية لأنها قناة عميلة، فإذا كانت فرنسا حجبت قناة الأقصى أثناء الحرب الأخيرة، وحجبت قناة المنار أيام حرب لبنان تحت ضغط اللوبي اليهودي، وتنكرت لكل مبادئها في الديمقراطية والحرية، فنحن أيها الإخوة والأخوات نستطيع أن نحقق هذا الهدف من خلال إرادتنا القوية، فنحذف قناة العربية من تلفازنا نهائياً، والواقع أن هذه المقاطعة ضرورية ليس فقط لقناة العربية، بل ولغيرها من القنوات العميلة، كذلك فإني أدعو إلى تفعيل سلاح المقاطعة لكل البضائع الأمريكية واليهودية التي نسهم نحن بشرائها في دعم إسرائيل دون أن نشعر، ولتكن هذه المقاطعة استراتيجية ثابتة وليس مجرد نزوة عاطفية عابرة.
الدرس السادس
المعتصم المنتَظر!
والحقيقة أن الإنسان يستغرب أيها السادة لماذا لا يوجد هذا المعتصم الذي يلبي هذه النداءات، ويستجيب لهذه الصرخات؟! وإن الظرف موائم جداً لكي يبرز قائد مظفر يُخلّد ذكره في التاريخ كقائد أسطوري، وستقف الأمة كلها معه، فالأمة حيّة ومشاعرها متدفقة، وطموحاتها عظيمة، وقدراتها جبّارة، وهي بحاجة ماسة اليوم لمن يستثمرها في الوحدة، والاعتصام، والبناء، والنهوض، وعندئذ لن يجرؤ أحد على النيل منها أو العدوان عليها، وهذا معنى قوله تعالى:
] وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [[سورة الأنفال آية 60].
(يُتْبَعُ)
(/)
إن أهم ما تحتاجه الأمة اليوم أيها السادة في هذه اللحظة التاريخية الحرجة هو القائد الحكيم والشجاع، القائد الذي يجمع شتاتها ويداوي جراحها، ويستنهض طاقاتها ويستثمر مقوماتها، القائد الذي يحرص على حاضرها ويفكر بمستقبلها، ويدرك التحديات التي تواجهها، القائد الذي يجمع بين الشجاعة والحكمة والأمانة والقوة.
كما في قوله تعالى:] قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [[سورة القصص آية: 26].
لقد وقف سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه في يوم شديد الحر يعدُّ إبل الصدقة فنظر إليه سيدنا علي كرم الله وجهه وقرأ هذه الآية السابقة، ثم قال لسيدنا عثمان وهو يقف إلى جواره: هذا والله هو القوي الأمين، ويشير بيده إلى عمر رضي الله عنه.
وقال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه ذات يومٍ لأصحابه تمنوا، فتمنى بعضهم مالاً ينفقه في سبيل الله، وتمنى آخر أن يجاهد ويستشهد في سبيل الله، أما عمر فقال: أتمنى أن يكون هذا البيت مملوءاً رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح. إن سيدنا عمر في كلمته هذه يدرك أهمية القائد في صنع التاريخ، وصنع النصر، وصنع الحضارة. وهو يريد من هؤلاء عدداً كبيراً يصنع تاريخاً مجيداً.
وقد كان أبو عبيدة بحق كذلك، وهو أهل لهذه الثقة من أمير المؤمنين الفاروق، فقد زاره في رحلته إلى فلسطين، فلم يجد في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فبكى عمر وشهق، وقال له: لو اتخذت متاعاً أو شيئاً؟ فرد أبو عبيدة: إن هذا سيبلغنا المقيل!.
الأمة بحاجة إلى قائد يلاحق أمراءه وموظفيه وولاته بالمحاسبة والمراقبة والحزم يقول الفاروق رضي الله عنه: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل أكنت قضيت ما عليّ؟ قالوا: نعم، قال: لا، حتى أنظر في عمله أعمل بما أمرته أم لا؟.
فلا يكفي أن يتم تعيين بعض من يُظن فيهم الصلاح، بل لا بد من متابعة سلوكهم، والنظر في معاملتهم للناس، لأن المنصب يغير النفوس والأخلاق، وكم من إنسان كان طيباً صالحاً ثم إن المنصب غيّره.
ولذلك كان رضي الله عنه يتابع الولاة ويعدُّ أموالهم قبل التولية وبعدها، وكان إذا بلغه أن أميراً لا يعود المريض، ولا يدخل عليه الضعيف عزله. ولذلك كان له مكتب خاص مرتبط به مباشرة من " المخبرين " يبلغونه بأحوال الرعية، فكان علمه بمن نأى عنه من عُمّاله كعلمه بمن قَرُب، فكان على كل أمير أو وال عينٌ ينقل الأخبار لعمر رضي الله، حتى كان الأمراء يتهمون أقرب الناس إليهم.
ومن المناسب هنا أن نشير إلى كلمة أبي جعفر المنصور فقد كان يقول: ما أحوجني إلى أربعة نفر على بابي لا يكون هناك أعفُّ منهم، قيل من هم يا أمير المؤمنين؟ قال هم أركان الملك، ولا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربعة قوائم، إن نقصت واحدة تداعى ووهى، أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية، فإني عن ظلمها لغني، والرابع ثم عضّ على إصبعه المسبّحة ثلاث مرات يقول في كل مرة: آه، قيل له: من هو يا أمير المؤمنين؟ قال: صاحب بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة. وهكذا نجد أن أبا جعفر يتحسر ونحن معه على أربعة مجالات:
الأول: القضاء لأنه لازم لإقامة العدل، والحكم بالحق.
الثاني: الشرطة أو بالأحرى السلطة التنفيذية، لأن الحكم بالحق لا فائدة منه إذا لم يتم تنفيذه، فلا خير في حق لا نفاذ له، فلا بد من إيصال الحق لأهله، وكثيرون هم الذين يتركون المطالبة بحقوقهم وإقامة الدعاوى لذلك بسبب التباطؤ الشديد في التنفيذ، وأيضاً بسبب ما تكلفهم هذه الدعاوى من خسائر تتجاوز الحق الذي لهم.
الثالث: الجباية أو الضرائب: وهذه مفيدة للدولة، وتقوي نفوذها وسلطانها، ولكن من أجل الناس، ولإقامة العدل والحق والإنصاف، دون ظلم أو إرهاق، وكذلك أن يكون ذلك لخزانة الدولة لتعود على الأمة بالخير والنماء. أما أن تكون الجباية لملء الجيوب والأرصدة فهذا هو الخطر العظيم، والبلاء الجسيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
الرابع: ثم الجهات الأمنية في هذا العصر وهي التي تنقل أخبار الوطن والناس لرئيس الدولة، وهذه الجهات يجب أن تحرص على الحق والصدق حتى لا يُظلم الناس، وحتى لا يؤخذ البريء بجريرة غيره. كما أن الهدف الأول في النهاية هو راحة المواطن، وأمانه وطمأنينته، وأنتم تلاحظون أيها السادة أن مصطلح الأمن اليوم مراده على عكس حقيقته، فالأمن يعني الخوف، يعني السجون، يعني التعذيب، يعني الظلم، وهذا المفهوم هو الذي نريد أن يتم إصلاحه بدرجة أولى في العلاقة اليوم بين رجل الأمن والمواطن.
الدرس السابع
أين تكمن القوة الحقيقية؟
لو تأمل القادة العرب لأدركوا أن المقاومة الإسلامية، والجهاد الإسلامي قوة لهم، يمكنهم توظيفه لخدمة مصالح الأمة في الحاضر والمستقبل، كما يمكن توظيفه حتى لمصالحهم الشخصية، فالمقاومة الإسلامية ليست ضد الحكام، ولا تهدف إلى السيطرة على الكراسي وإنما هدفها دحر العدوان، وإقامة الإسلام، والإسلام يعني العدالة، والأمان، والحرية، والمساواة، ولذلك فالمقاومة الإسلامية هي قوة أمنية موثوقة لا تخون، ولا تخذل الحاكم في اللحظات الحرجة، وتبقى وفيّة له إذا ما أحسن استثمارها والتعاون معها لتحقيق الأهداف العليا لهذه الأمة.
إن الجيوش النظامية والمدربة – في الحالة الراهنة - لا تحمي أحداً ولا وطناً ولا شعباً ولا حاكماً، لأنها تعصف بها الأهواء، وتتشتت بها الآراء، وتتوازعها المصالح الشخصية، وتتناهشها الكراهيات والأحقاد والأمراض المزمنة، فهي لا يُعوّل عليها، لأن الجندي يكره قائده، والقادة يكرهون جنودهم، كما يكرهون بعضهم، وفي أي فرصةٍ تسنح لهم من فرص الحروب فإنها ستكون مناسبة منتَظرة لتصفية الحسابات، فالقائد في ميدان المعركة لا يخشى على نفسه من جنود العدو، بل يخشى على نفسه من جنده، وكم من جندي أسنانه تصطك حقداً على قائده، ويتحين الفرصة لينتقم منه، ويشفي غليل حقده، لأنه طالما نكّل به واحتقره وابتزّه وأهانه واعتدى عليه، وإن أقرب مثال لذلك أيها السادة حالة الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي أدرك أن جيشه لا يمكن الثقة به، ولا يُعتمَد عليه، وأن الخيانة والغدر كائنة لا محالة، لأنه يعرف أمراض جيشه وأسبابها وأبعادها، ولذلك آثر الاختباء والاختفاء حتى تم القبض عليه وحيداً فريداً، وربما بسبب خيانةٍ من أقرب الناس إليه.
أيها السادة لا أدري ما الذي يمنع الزعيم العربي من أن يربّي جيشه على الإيمان بالله عز وجل، والإيمان باليوم الآخر، ويكرّس في مدارسه ثقافة الجهاد والشهادة، والهداية والتقوى والصلاح، وايم الله إن في ذلك قوة ومنعة شخصية له، وثباتاً لقيادته وسلطته، وخدمة لأمته وتاريخه، وارتقاء بشعبه وحضارته، وتخليداً لذكره وزعامته.
وإن انحياز بعض الزعماء العرب – كما رأينا في حرب الفرقان - لمعسكر العدو لتحقيق مكاسب شخصية ومنافع فردية غباءٌ وحماقةٌ، فضلاً عن كونها ذلةٌ وخسةٌ وخيانةٌ، والعدو أنصف وأذكى من أن يُكرّم شخصاً خان وطنه وشعبه وأمته، إنه يستخدمه بلا شك، ويمتدحه بلا ريب، وبالتأكيد يشيد به، ويكرمه ويمنحه المكافآت، ولكن ما إن ينتهي دوره حتى يرمي به في سلة القمامة، ثم يرمي به في زبالة التاريخ.
إن هذا ما لمسناه في تعامل إسرائيل مع الحكومة المصرية في الحرب الأخيرة، فمبارك الذي تآمر مع باراك وأولمرت وليفني وتدبّر معهم مهمة القضاء على حماس والمقاومة الإسلامية، هذه المؤمرة التي لم تتم بحمد الله عز وجل، على خطورتها في الحصار الطويل، وإغلاق المعابر والأنفاق، ومنع الجهود الدولية في الإغاثة. وكل ذلك كان منه رفضاً لصيحات شعبه، وتنكراً لاستغاثات أمته، وتجاهلاً لآهات الثكالى، وصرخات الأطفال، لأنه كان يُعوّل على القوة الإسرائيلية في حسم المعركة بشكل سريع وخاطف وينتهي الأمر، ويُسدل الستار على المقاومة إلى الأبد، وعندئذ يفرح مبارك ويمرح، ويخلو له الجو ليبيض ويصفر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن المقاومة الصامدة، والأسود البواسل بصمودهم النادر، وشجاعتهم الفريدة، وإيمانهم العظيم قد خيبوا آمال العدو الصهيوني وحلفائه المتآمرين معه، وأسقطوا أحلام مبارك وليفني وأولمرت وباراك وبوش، عندئذ لم يبق لمبارك ذلك الدور المنتَظر منه فقد عجز عن فعل أي شيء، لأنه كان بلا لاشك أعجز من العدو الصهيوني، عندئذ جاءته صفعة قوية من إسرائيل حين تجاهلوه، واتجهوا إلى أمريكا ليبرموا معها اتفاقاتهم الأمنية دون أن يكون شريكاً أو طرفاً في ذلك، وضُرب به وبمبادرته المصرية عرض الحائط، ثم ظهر مبارك يُجعجع في خطابه، قلنا لهم: أوقفوا الحرب، قلنا لهم: إن الحرب لن تقضي على المقاومة.
آلآن وقد عصيت الله، آلآن وقد عصيت أمتك وشعبك، آلآن وقد خُنت دينك وأمانتك فعليك من الله ما تستحق. إن صمود المقاومة الإسلامية في غزة أيها السادة أفسدت خطط العدو، ومؤامراته وأحزابه، وأبطلت تحالفاته، كما حصل في صمود صحابة رسول الله r معه أثناء غزوة الخندق فقد كان ذلك سبباً في فك الحصار، وهزيمة الأحزاب، وانفضاض التحالف اليهودي الشركي، وانخذال المنافقين، واندحار المرجفين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ما قاله الدكتور عزمي بشارة:"" أن إدانة العدوان من قبل هؤلاء كانت باتفاق مسبق مع العدو، فلا تناقض بين تنسيق العدوان مع بعض العرب وبين إدانة العدوان الصادرة عنهم، بل قد تكون الإدانة نفسها منسقة. ويجري هذا فعلا بالصيغة التالية "نحن نتفهم العدوان ونُحمّل حركة حماس المسؤولية، وعليكم أيضا أن تتفهموا اضطرارنا للإدانة، قد نطالبكم بوقف إطلاق النار، ولكن لا تأخذوا مطلبنا بجدية، ولكن حاولوا أن تنهوا الموضوع بسرعة وإلا فسنضطر إلى مطالبتكم بجدية " ([11]) ..
لقد أثبتت حرب لبنان، وحرب الفرقان أن القوة العسكرية والترسانة الجنونية للقتل والدمار لا تحسم المعركة، وإنما الذي يحسمها قوة الإيمان وقوة الصمود، وقوة الصبر والمصابرة. إن الذي يحسم المعركة أيها السادة هو الإنسان:
- إنسان مؤمن بعقيدته وحقه يرى أن حياته بالنصر هي الحياة، وأن موته بالشهادة هو الحياة فهو بين الحسنيين: نصره حياة، وموته حياة، فهو لا يبالي بكل أطنان القنابل المتساقطة، والصواريخ المتفجرة، والطائرات المزمجرة، وقد سقط على غزة مليون كيلو من المتفجرات من الطائرات فقط، فإذا أضفنا إليه ما استخدم على الأرض فيزيد على مليوني كيلو في رقعة أرض صغيرة، إن كل هذه المعركة الملتهبة يقابلها المؤمن بقلب من حديد، وعزم شديد، وتصميم لا يحيد.
- هذا الإنسان المؤمن يقابله إنسان مهزوز العقيدة، خائر العزيمة، قد أهلكته المخدرات، ودمرته العاهرات، ليس له هدف واضح، ولا غاية محددة، يلاحقه الموت كشبح مخيف، والقتل كنهاية مرعبة، إن المعركة بالنسبة له جحيم لابد منه، والموت جهنم تنتظره، فهو مغتصب للأرض، ومعتد على العِرض، يعلم أنه ظالم في قتاله، ومجرم في عدوانه، ولذلك فهم جبناء في ساحة المعركة، مع كل ما هم فيه من الحصانة والدروع والدبابات والمدافع، تجدهم يفرون أمام الأطفال الذين يحملون الحجارة، ورغم كل هذه التجهيزات فقد أذاقتهم المقاومة الإسلامية الويلات، وسقتهم كؤوس الموت والرعب والهلع.
إن الدرس الأهم الذي يجب علينا أن نأخذه كحكومات وكمقاومة من هذه الحرب هو: المزيد من الصمود، والمزيد من التصميم، والبحث عن منافذ جديدة ومتنوعة لأسباب القوة، وبناء الداخل بشكل متين، وتهيئة وسائل التحصين، وبناء التحالفات الجديدة، وتحصيل مختلف أنواع السلاح والعتاد بشتى الوسائل والطرق، والتواصل مع حركات المقاومة في بلادنا العربية والإسلامية وغيرها من البلدان، والتعاون معها لبناء ترسانة القوة والأسلحة على قاعدة الإيمان بالله عز وجل، واليقين المطلق بوعد الله سبحانه وتعالى، والثقة الكاملة بنصره وتأييده، وعلى الحكومات العربية والإسلامية الممانِعة أن تعلم شيئاً مهما هو أن حصنها الوحيد هو الإسلام، وملاذها المتين هو الإيمان بالله عز وجل، وسلاحها الوحيد هو الجهاد في سبيل الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا بد أن نعلم أن الشرعية الدولية وحقوق الإنسان والأمم المتحدة هذه كلها مصطلحات وهمية لا قيمة لها على أرض الواقع، وأن الذي يفرض نفسه على أرض الواقع هو القوة والصمود، ولذلك حصدت المقاومة بل الأمة كلها نتائج هذا الصمود، وأحرجت العالم كله، وجعلته يقف معها مناصراً ومؤيداً، إن العالم مع القوي، فالقوة هي الحق أيها السادة في عالم اليوم سواء في القمة العربية أم في أروقة الأمم المتحدة.
إن البعد الإيماني كما علمنا تاريخنا الإسلامي هو العنصر الفعال في تحقيق النصر، وتحرير الأرض والإنسان، وإن الاستعمار لم يخرج من بلادنا إلا تحت ضربات المقاومة الإسلامية ورايات الجهاد، وصيحات الله أكبر، فلماذا لا نسعى جاهدين حكومات وشعوباً إلى تحويل هذا البعد الإيماني إلى ثقافة وطنية وقومية مقدسة، لتكون جذوة وقادة في بث روح العمل والعلم، والصحوة والنهضة والتقدم، ولتحرق أيضاً كل مظاهر التخلف والجهل والتواكلية والفساد والانحلال والنفاق والرياء.
حين تبني الدولة مؤسساتها الإدارية والعلمية والعسكرية على الإيمان الحقيقي بالله عز وجل، والثقة المطلقة بدينه، وحين يكون هذا الإيمان ثقافة وقناعة في كل مجالات الحياة الأسرية والاجتماعية بين القادة وجنودهم، والحكام ومواطنيهم، وفي كل الشرائح والأطياف الاجتماعية والسياسية والشعبية والعسكرية فإن هذا بلا شك سيعود على الوطن كله قائداً وشعباً وأرضاً بالقوة والمنعة والحصانة، وسيتحول هذا الوطن إلى كتلة متراصة، ولبنات متماسكة يشد بعضها بعضاً، وعندئذ لابد أن يتشكّل منها بناء قوي مكين، عصيٌّ على كل أنواع الأسلحة مهما كانت فتاكة ومدمرة.
إن الثقافة الإسلامية والوعي الإيماني، والأبعاد الجهادية لو تم استثمارها وتوظيفها بشكل فعّال وحقيقي في عملية البناء الحضاري، والنهوض الشامل لأثمر ذلك أشجاراً باسقة، وثماراً يانعة من الحياة الكريمة، والتنمية الشاملة في كل مجالات الحياة ومن أبرزها تحرير الأرض والوطن والإنسان: تحرير الأرض من الاستعمار، وتحرير الوطن من المفسدين، وتحرير الإنسان من كل أشكال الإكراه والابتزاز، والظلم والعدوان على حريته وكرامته وحقوقه وإنسانيته.
أيها السادة: "" إن ما حققته هذه المقاومة المتواضعة أمام أعتى الجيوش يُعد معجزة لا مثيل لها، ولست أشك لحظة أن هذه المقاومة ستنتصر نفسيا ومعنويا وروحيا وشعبيا واجتماعيا إن شاء الله عز وجل، وهو الأهم الآن أمام هذه الغطرسة الغاشمة التي ترى أنها لا تقهر. إن استمرار المقاومة لثلاثة أسابيع أمام هذا الكم الهائل من القوة والإبادة والنار بهذا النفس، وهذا الدعم والاحتضان الشعبي سيزلزل عرش الكيان الصهيوني، ويقض مضاجع من يساندونه في أميركيا وفي أوربا، وفي بلادنا، ويفتح حفرا نفسية في نفسية الإنسان الإسرائيلي المتحصن وراء الطائرات والبوارج البحرية والأسلحة الفتاكة، وهذا هو النصر العظيم الذي يبقى "" ([12]).
ولكن لا بد هنا من همسة في أذن المقاومة: "" إن ضرورات المستقبل الإستراتيجية تتطلب أن تنمي المقاومة روح الشورى مع القادة السياسيين، ومع المجتمع الفلسطيني والعربي والعالمي، وأن تتجاوز منطق الحسابات السياسية ومنطق البحث عن المواقع والسلطة، وأن تتحول إلى تيار شعبي حيّ يرفد المجتمع بالرجال والأفكار والوعي المطلوب لاستمرار الكفاح من أجل الاستقلال، على المقاومة أن تتجاوز حظوظ نفسها لتكون في خدمة الشعب والمجتمع، وأن لا تكون حجر عثرة في مسيرة المجتمع نحو استقلاله بسبب أفعال أو ردود أفعال ضيقة هنا وهناك، إن المقاومة التي لا تتحول إلى تيار وعي، وحالة توثّب وثبات والتزام بالمبادئ الكبرى التي يموت من أجلها الرجال والنساء والأطفال والشيوخ لن تستمر مهما حققت من إنجازات عسكرية وسياسية "" ([13]).
الدرس الثامن
القتل الصامت
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد روعتنا أيها السادة مظاهر القتل والإجرام في غزة الأبيّة، ولا يوجد إنسان فيه ذرّة إنسانية إلا وشده عقله، واحترق قلبه لفظاعة ما رأى وشاهد، هناك أناس ماتوا لشدة الصدمة لم تحتمل نفوسهم هذه المناظر، وهناك أناس تفاقمت بهم الأمراض وثارت فيهم الجروح، ويتحدثون عن خمسة آلاف جريح: لكن الحقيقة كما قال الدكتور عزمي بشارة أن هناك ثلاثمائة مليون جريح، لأن كل إنسان عربي جُرحت كرامته، بل لعلي أضيف إلى ما قاله بشارة إن هناك مليار جريح من المسلمين في العالم، ولكن المقاومة بحمد الله عز وجل بانتصارها قد ضمدت الجراح، وداوت القلوب.
ولكن أيها السادة والسيدات لو أننا لم نر ما رأيناه لما خرجنا إلى الشوارع، بمعنى لو أن الجريمة لم يكن هناك إعلام ينقل لنا صورها ومشاهدها المروعة لما رأينا الناس يخرجون بالملايين ينددون بالحرب، ويطالبون بوقفها، إذن فقد كان للصورة المرئية الأثر الأكبر في تحريك الضمير العالمي الإنساني.
فما رأيكم إذن أن هناك قتلاً صامتاً ليس له صور فظيعة تستثير الرحمة، وليس له مشاهد مروّعة تستدر الشفقة، إنه قتل النفوس الأبيّة، ودهس الكرامات النبيلة، وتحطيم المشاعر الإنسانية، وتدمير إنسانية الإنسان في داخل قفصه الجسدي، إنه قتل بلا دماءٍ مسكوبة، وتقطيع بلا أشلاء ممزقة، وتحطيم بلا عظام مكسّرة، نزيف في الداخل لا يراه أحد، وجروح غائرة في القلب لا يشعر بها أحد، وآلام وأحزان لا يلاحظها البشر:
فقاتل الجسم مقتول بفعلته وقاتل الروح لا تدري به البشر.
ما هو أيها السادة؟
- إنه الفقر الشديد الذي يلفّ شرائح واسعة في مجتمعنا، إنه الحاجة والعوز، إنه الظلم الذي يتعرض له الناس في حقوقهم وشؤونهم.
- إنه الإهانة التي تتعرض لها من موظف تافه يتحكم بك ذهاباً وإياباً، ويعرقل شؤونك، ويعطل مصالحك، ويدمر وقتك، ويأكل مالك ظلماً وعدواناً.
- إنه المريض الذي يبتزّه الأطباء المجرمون، فلا يتركون جسده فريسة للموت، إلا بعد أن يفترسوا جيبه وماله.
- إنه الاستبداد والتخلف الذي تكتوي به مجتمعاتنا ظاهراً وباطناً في كل جوانب الحياة.
- إنه القهر والقمع الفكري والديني والاجتماعي والإداري الذي نصطلي بناره ليل نهار. وأقصد بالقمع الفكري بعض المفكرين الذين يتلاعبون بفكر الأمة ويعبثون بمقدساتها مدعومين بالإمبريالية والصهيونية العالمية. وأقصد بالقمع الديني أصحاب العمائم السلطانية الذين يحلون الحرام، ويحرمون الحلال مثل شيخ الأزهر سيد طنطاوي وأمثاله. وأقصد بالقمع الاجتماعي: النفاق الاجتماعي الذي يرفع الوضيع، ويضع الرفيع، ويعز الذليل، ويذل العزيز، ويقدّم الرويبضة، ويؤخر الشريف.
أيها السادة والسيدات: نريد الكرامة للإنسان، لأنه إنسان فقط، لأنه ابن آدم، وآدم من تراب، ولأننا جميعاً كذلك. نريد له الكرامة والعزة لأنه عبد لله عز وجل - أياً كان- حتى لو كان ملِك ملوك الدنيا، فهو في النهاية يتساوى مع أدنى البشر مكانة في العبودية لله عز وجل، نريد الكرامة والمساواة للإنسان ليس لأنه وزير أو مدير أو عضو في مجلس الشعب، أو عالم شهير، أو شيخ كبير، أو وجيه جليل، أو دكتور أو مهندس أو محامي أو غني يترهل ثراء، أو لأنه فلان أو ابن فلان، أو يعرف فلان، نريد الكرامة للإنسان فقط لأنه إنسان، هذه الكلمة التي لا يقيم لها أحد وزناً، وقد قال ربنا عز وجل:
] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [[سورة الإسراء آية: 70].
الدرس التاسع
التفاؤل والأمل
ومع كل ذلك فالأمة بخير أيها السادة - بحمد الله عز وجل - وهي تدرك قضاياها بشكل كبير، وتعي المؤامرات التي تحاك ضدها، وأخذت تتفاعل وتتملل من هذه الكوابيس الجاثمة على صدورها، ولا بد أن تنتفض لتزيح هذا الركام العفن من التخلف والاستبداد الذي طال حبسه لأنفاسها، وخنقه لطاقاتها، وتعطيله لتقدمها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهنا لا بد أن ألفت النظر إلى خطأ يقع فيه البعض حين يعتقدون أن الأمة يجب أن تكون ملائكية، وأن النصر لن يحالفها حتى تتحول كلها إلى المساجد، وأن الناس جميعاً، أو بصفةٍ ساحقة يجب أن يصبحوا عبّاداً تقاة صالحين من الدرجة الأولى، وإلا فإن البلاء سيظل يحيق بنا، والعدو سيبقى متحكماً متغطرساً متسلطاً مسَلَّطاً علينا، وهذا بتصوري نظر قاصر، ورؤية مجانبة للصواب، لأن ذلك لم يحصل حتى في العهد النبوي، فقد كان هناك المنافقون، وضعفاء الإيمان، والمذبذبون، ومع ذلك كان النصر يحالف المؤمنين في كثير من الأحيان، وكانت الخسائر تصيبهم أحياناً، فهذه سنة من سنن الله الكونية، فلا بد من البلاء والابتلاء:
] إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [[سورة التوبة آية:111]
] ألم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [[سورة العنكبوت آية: 1 – 3].
ولقد خرج مع النبي r في غزوة أحد ثلث الجيش وكانوا من المنافقين، ولم يردهم النبي r بل انسحبوا من المعركة خذلاناً للمسلمين، ورغبة في هزيمتهم، وقد خسر المسلمون المعركة رغم أنه لم يبق مع النبي r إلا خلصاء الإيمان، وعظماء الرجال، فلماذا؟
إن السبب هو أن بعض المسلمين لم يأخذوا بأسباب النصر، وخالفوا أوامر النبي r وتعليماته لهم، فكان ذلك درساً لهم، إن الإيمان لا يغني عن الأسباب، كما أن الأسباب لا تغني عن الإيمان، وفي غزوة حنين كان هناك عددٌ كبيرٌ من المذبذبين والطلقاء، ومع ذلك كانت النتيجة هي النصر المحقّق بعد خسارة قصيرة مؤقتة. إن الإيمان والتقوى والعبادة والدعاء عناصر جوهرية في كل المعارك مع العدو الخارجي والداخلي، ولكن الشيء المهم أيضاً والذي يجب أن ندركه جيداً هو أن للنصر والهزيمة أسباباً وسبُلاً وسنناً يجب أن نعرفها جيداً، ونأخذ بها دون تردد، ودون تقاعس، وهذا الدرس قرأناه في بدر وأحد، وحنين، والخندق، واليرموك، والقادسية ومعركة الجسر، وعين جالوت، وبلاط الشهداء وفي نكبة 48 ونكسة 67 وفي أفغانستان، والعراق، وأخيراً قرأناه جيداً في صمود المقاومة اللبنانية، ثم المقاومة الفلسطينية المشرفة في الأيام الأخيرة في حرب الفرقان.
أقول هذا الكلام أيها الإخوة لأن كثيراً من المغفلين أثناء الحرب أخذوا يراهنون على خسارة المقاومة، وليس هؤلاء الذين يراهنون على خسارتها هم من الأعداء، فهؤلاء لا غرابة في ما يذهبون إليه، بل من الأصحاب، ولكنهم أصحابٌ حمقى، وذلك لأن الأمة بنظرهم لا تنتصر ما دام فيها عصاة وخَطَئَةٌ ومذنبون، وهذا أمر عجيب فإذا كان ذلك صحيحاً فكيف انتصرت الأمة في تاريخها ولم يخل زمان من كثير الفساق وأهل الفجور، بل لعلهم دائماً كانوا أكثر من أهل الصلاح والهداية.
إن أهم مشهد يبعث على التفاؤل والأمل أيها الإخوة هو مشهد القادة العظماء الذين سقوا بدمائهم تراب غزة، إنه مشهد رائع يذكرنا بالرعيل الأول فحين نذكر الشهيد المقدام مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين رحمه الله وكيف قضى حياته بالشهادة والصلاة، وفي أي وقت؟ وهو خارج من صلاة الفجر! وهو على كرسيه المتحرك، وهو يذكر الله عز وجل، ويسبح بحمد ربه سبحانه وتعالى، ثم نذكر الشيخ القائد المقدام الشهيد البطل الشيخ عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله، ثم نذكر الشيخ المحدث العالم الداعية الشهيد الشيخ نزار ريان، ثم المجاهد البطل وزير الداخلية الشهيد سعيد صيام وغيرهم من القادة الميامين، فإن هؤلاء القادة الأبطال يذكروننا والله بسيدنا حمزة أسد الله وأسد رسوله، ومصعب بن عمير، وعمير بن الحمام، يذكروننا بأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد، وأبي دجانة، والقعقاع بن عمرو، وشرحبيل بن حسنة، والمثنى بن حارثة الشيباني.
(يُتْبَعُ)
(/)
يذكروننا بالنعمان بن مقرن قائد معركة نهاوند سنة إحدى وعشرين هجرية، وذلك حين بلغ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن الفرس قد جمعوا جموعاً كثيرة بلغت مائة وخمسين ألف مقاتل، فاستشار الناس لقائد يوليه ذلك الثغر ولهذه المهمة؟ وبعد تداول قال: والله لأولين أمرهم رجلاً ليكونن أول الأسنة إذا لقيها غداً، فقيل: من يا أمير المؤمنين؟ قال النعمان بن مقرن المزني، قالوا: هو لها!.
وكانت القوات الفارسية بقيادة الفيرزان، وقبيل بدء المعركة قال النعمان: إني مكبر ثلاثاً، فإذا كبرت الأولى، فليتهيأ من لم يتهيأ، ويشد الرجل نعله، ويصلح من شأنه، فإذا كبرت الثانية فليشدّ الرجل إزاره وليتهيأ لوجهته، وليتأهب لوجه حملته، فإذا كبرت الثالثة، فإني حامل إن شاء الله، فاحملوا معي، وإن قُتلت فالأمير حذيفة، وعد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة. ثم قال: "" الله اعزز دينك، وانصر عبادك، واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك، اللهم إني أسألك أن تُقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عزُّ الإسلام ""، أمّنوا يرحمكم الله.
قال المغيرة: والله ما علمت من المسلمين أحداً يومئذ يريد أن يرجع إلى أهله حتى يُقتل أو يظفر. وأثناء المعركة أُصيب النعمان فرآه أخوه نعيم، فسجاه بثوب وأخذ الراية قبل أن تقع، وناولها حذيفة بن اليمان، وقال المغيرة: اكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم لئلا يَهِن الناس، ثم هزم الله عز وجل الفرس، وهرب الفيرزان فتبعه القعقاع فأدركه مع نعيم بن مقرن في ثنية همدان، وغسل معقل بن يسار وجه النعمان بن مقرن، فقال النعمان وهو بين الموت والحياة: من أنت؟ قال: أنا معقل بن يسار، قال ما فعل الناس؟ قال: فتح الله عليهم، قال النعمان: الحمد لله اكتبوا بذلك لعمر، وفاضت روحه، فقال معقل للجند: هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح، وختم له بالشهادة.
ثم أسرع طريف بن سهم بشيراً بالنصر، وقال لعمر: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله به الإسلام، وأذل الكفر وأهله، فحمد عمر الله عز وجل، ثم قال: النعمان بعثك؟ قال طريف: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، وقال: ومن بعثك ويحك؟ قال طريف: فلان وفلان حتى عد له ناساً كثيراً، ثم قال له وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم، فبكى عمر وقال: لا يضرهم ألا يعرفهم عمر، ولكن الله يعرفهم.
وسُمّيت وقعة نهاوند فتح الفتوح وفُتح بعدها: الري، وطبرستان، وأذربيجان، وكرمان، ومكران، وخراسان. ونحن نرجو من الله عز وجل أن يكون انتصار غزة فتح الفتوح في هذا العصر أيضاً، تفتح بعده القدس وغيرها من بلاد المسلمين إن شاء الله عز وجل. إن القادة أيها السادة الكرام حين يكونوا بمثل هذا المستوى من الشجاعة والإقدام، والحرص على النصر أو الشهادة، واقتحام الموت والأخطار فإنهم أهل للنصر ويستحقون ذلك الفتح، وبإذن الله عز وجل سيكون ذلك نواة لفتوح قادمة قريبة بعونه تعالى.
والأمل معقود بهمة السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد حفظه الله، فقد وقف وقفة صامدة مشرفة دائماً مع المقاومة، بالأمس في لبنان، واليوم في غزة المباركة، وعُقدت قمة الدوحة بجهوده وجهود أمير قطر لتكون سداً أمام المستسلمين، وتكلم السيد الرئيس بكلام يملأ العقل والسمع، وفي الوقت الذي كان مبارك يمنع جهود الإغاثة الدولية من الدخول إلى غزة، ويحبس الأطباء والمتطوعين والطائرات القطرية وغيرها على معبر رفح، وفي الوقت الذي كان محمود عباس يمتنع عن حضور القمة خوفاً من أن يُذبح من الوريد إلى الوريد، أين هذا الجبن من قول أبي ذر رضي الله عنه: " لو وضعتم الصمصامة على هذه – وأشار إلى رقبته – ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي r قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها "" وفي الوقت الذي كانت المبادة المصرية تُطبخ في تل أبيب كان السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد هو الرجل الذي يصول ويجول لإنجاح قمة الدوحة، ويبذل كل جهوده لإيقاف العدوان، ويقول بملء فيه: لا، لا للعدوان، لا للجرائم والمجازر، نعم وألف نعم للمقاومة، وهذا الموقف من السيد الرئيس يذكرنا بقول سيدنا عمر بن الخطاب "" يعجبني الرجل إذا سيم خطة ضيم أن يقول: لا، بملء فيه "". وقد قالها رئيسنا دائماً، وكان شجاعاً وحكيماً في موقفه عندما
(يُتْبَعُ)
(/)
أعلن أن المقاومة والجهاد فرض عين على الرجال والنساء والشيوخ والأطفال كلٌ يؤديه بقدر وسعه، وكأنه يهتف بلسان قطري بن الفجاءة:
أقول لها وقد طارت شعاعا من الأبطال ويحك لن تراعي
فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لن تطاعي
فصبراً في مجال الحق صبراً فما نيل الخلود بمستطاع
وأختم بقوله تعالى:
] قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [[سورة آل عمران آية:137 – 140]
وقال عز وجل:] وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [[سورة النساء آية: 104].
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) شكراً كتائب المقاومة – د. نجيب بن خيرة – موقع الشهاب.
([2]) اللعب على المكشوف للأستاذ فهمي هويدي – موقع الشهاب.
([3]) لقاء مع الدكتور عزمي بشارة – موقع الجزيرة نت.
([4]) جزء من حديث ورد في البخاري باب علامات النبوة رقم: 3411. ومسلم باب الأمر بلزوم الجماعة رقم: 4890.
([5]) جزء من حديث ورد في الترمذي رقم: 2404 وانظر جامع الأصول رقم: 2650.
([6]): انظر لمكيافللي – الأمير ص 136، 159، 169، 94، 101، 103، 147، 148 وبرتراندرسل " تاريخ الفلسفة الغربية " ص 29 والغرب والعالم – كافين رايلي ص 13.
([7]) انظر: مكيافللي _ الأمير ص 147، 140، 149 وبرتراندرسل " تاريخ الفلسفة الغربية " ص 30.
([8]) صحيح مسلم رقم: 4906.
([9]) شعب الإيمان للبيهقي (ج 6 / ص 62).
([10]) سنن الترمذي رقم: 2174 والنسائي رقم: 4209 قال عنه الألباني صحيح.
([11]) الدكتور عزمي بشارة – موقع الجزيرة نت.
([12]) لحظة غزة – الخلل وآفاق المستقبل على خط المقاومة الرادعة – الحاج قرزا العيوني – موقع الشهاب.
([13]) السابق نفسه.(/)
الإسلام بعيون يهودية
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[09 Feb 2009, 01:15 م]ـ
الإسلام بعيون يهودية
(رد على مقالة "الإسلام" فى الموسوعة اليهودية)
د. إبراهيم عوض
تبدأ مقالة "الإسلام" فى "الموسوعة اليهودية: Jewish Encyclopedia " بتفسير هذا المصطلح بأنه "الخضوع لله"، وليس فى هذا ما يحتاج إلى تعقيب، فالمسلم يعمل فعلا على أن يخضع لأوامر الله ويبتعد عن نواهيه. بَيْدَ أن قول الكاتب بعد ذلك إن لفظ "إسلام" هو مصدرُ فعلٍ ينصب مفعولين ( factitive ) هو قول يحتاج إلى تعقيب. فهذا المصدر بالمعنى الذى بين أيدينا الآن مصدرُ فعلٍ لازمٍ. ذلك أن هذا الفعل فى قولنا مثلا: "أسلمتُ"، أى دخلت فى الإسلام، أو "أسلمتُ لله رب العالمين"، أى خضعت له سبحانه، لا يأخذ مفعولا به، فضلا عن أن يأخذ مفعولين اثنين. ولقد استخدم الكاتب الكلمة على النحو التالى: " submission to God "، بما يفيد أن الفعل لازم. صحيح أن الفعل فى قولنا: "أسلمتُ الطفلَ إلى أمه" يتعدى إلى مفعول، وأننا إذا أسقطنا حرف الجر فقلنا: "أسلمتُ الطفلَ أمَّه" تعدَّى إلى مفعولين، إلا أن معناه هنا يختلف عن معناه الذى نحن بصدده كما هو بَيِّن.
ثم يتحدث الكاتب عن بداية الدعوة الإسلامية قائلا إن الرسول بدأ بدعوة أهل مكة، ثم انتقل من ذلك إلى دعوة بلاد العرب كلهم، ثم بعد وفاته انتشر الإسلام على نطاق واسع خارج حدود الجزيرة. وهذا أيضا لا تعليق لنا عليه، اللهم إلا قوله فى خلال ذلك إن الإسلام قد حقق هذا الانتصار بفضل السيف. ذلك أنه كانت هناك فتوح، لا نكران لذلك، وهذه الفتوح قد وسّعت الأرض الخاضعة للدولة الجديدة، بيد أن هذا القول شىء، والقفز منه إلى أن الإسلام قد انتشر بالسيف شىء مختلف تماما. لكن الكاتب لا يبالى بهذه التفرقة التى من المؤكد أنه على وعى تام بها. ولو كان الأمر كما زعم لرأينا الشعوب التى فتح العرب بلادها تُكْرَه إكراها على اعتناق دين محمد عليه الصلاة والسلام كما حدث للمسلمين على يد النصارى فى بلاد الأندلس غِبَّ انتصارهم عليهم وقضائهم على دولتهم التى كانت موئلا للحرية الدينية، وكما حدث فى الأمريكتين حيث لم يعد هناك إلا النصرانية الوافدة بعد أن كان للهنود الحمر دينهم المختلف.
لكننا ننظر فنجد أن دخول تلك الشعوب فى الإسلام لم يكن فوريا، كما لم يتم تحت تهديد السيف، بل تم بمطلق حريتها، وأَخَذَ وقتا. فالإسلام لا يعرف الإكراه فى الدين، وقد نصت آياته على ذلك وأعلنتها صريحة مدوية: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (آل عمران/ 256)، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس/ 99)، "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" (يونس/ 108)، "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" (هود/ 118)، "وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" (الكهف/ 29)، "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) " (الغاشية) ...
ولو كان هذا الذى يقوله الكاتب صحيحا لما قبل النبى من اليهود والنصارى الذين كانوا يساكنونه بلاد العرب إلا اعتناق دينه أو إعمال السيف فى رقابهم. بالعكس لقد كتب صلى الله عليه وسلم غداة وصوله إلى يثرب ما يسمى بـ"الصحيفة" بينه وبين يهود معطيا إياهم ذات الحقوق التى أعطيت لأتباعه، وموجبا عليهم نفس الواجبات التى حُمِّلها هؤلاء الأتباع. كما أنه لم يجبر على اعتناق الإسلام نصارى نجران حين أَتَوْا إلى المدينة ودخلوا معه فى مفاوضات وجدالات انتهت بتركه إياهم على ما هم عليه من دين وشعائر، وعادوا إلى بلادهم على هذا الوضع دون أن يتعرضوا منه لما يمس دينهم فى جليل أو حقير. وكان كل ما فعله معهم أنْ دعاهم إلى المباهلة، فلم يستجيبوا وخافوا أن ينزل الله عليهم عقابا من لدنه، مع إيثارهم فى ذات الوقت البقاء فى مناصبهم
(يُتْبَعُ)
(/)
والمزايا التى تستتبعها هذه المناصب، فأقرهم النبى عليه السلام على ما أرادوا.
بل إن المسلمين مأمورون بحكم دينهم ونصوص كتابهم أن يكون جدالهم مع أهل الكتاب بالتى هى أحسن ما داموا لا يتعرضون لهم بظلم: "اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل/ 125)، "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنكبوت/ 46). ويوصى الرسول أتباعه قائلا: "ألا من ظلم معاهَدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طِيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"، "من آذى ذِمِّيًّا فأنا خَصْمُه". على أن الأمر لا يقف هنا، بل يعلن القرآن أنه لا ينهى المسلمين عن بر الكفار والإقساط والإحسان إليهم ما داموا لا يقاتلوننا فى الدين ولم يخرجونا من ديارنا: "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) " (الممتحنة).
بل إن الكافر ذاته إذا استجار بالمسلمين فعليهم أن يجيروه حتى يسمع كلام الله ثم يبلغوه مأمنه معزَّزا مكرَّما: "وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ" (التوبة/ 6). صحيح أننا نقرأ فى القرآن المجيد مثل قوله تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (التوبة/ 5)، لكننا ينبغى أن نعلم أن هذه الآية وأمثالها إنما تتعلق بالمشركين الذين كانت بينهم وبين المسلمين عهود ثم غدروا بها، فهى إذن حالة حرب، وليس فى الحرب إلا غالب أو مغلوب، أو قاتل أو مقتول. ورغم هذا كان الإسلام أكثر من كريم معهم، إذ أعطاهم مهلة أربعة أشهر يسيحون خلالها فى الأرض براحتهم التامة قبل أن يعاملهم المسلمون بما يستحقونه بغدرهم وخيانتهم وتقتيلهم الأبرياء منهم. ورغم هذا أيضا كان الإسلام معهم أكثر جدا جدا من كريم لأنه لم ينفذ تهديداته هذه، بل كان قصده من ورائها التخويف أكثر منه التطبيق. وكانت النتيجة أنْ غزا الإسلام القلوب الجاسية وليَّن من قساوتها وكسبها لقضيته مكسبا عبقريا. أما الذين لم يخونوا العهود والمواثيق فعلى المسلمين أن يُوَفُّوهم عهودهم إلى مدتها: "إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (التوبة/ 4)، "كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (التوبة/ 7).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولست أظن أن المسلم يمكن أن يفكر فى إكراه أحد على اعتناق الإسلام، إذ إن دين محمد يقوم على خلوص النية، ولا يعتد بمظاهر الأشياء. نعم لا بد من استصحاب النية فى كل عمل يقوم به الواحد منا كى يكون مقبولا ومأجورا: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه"، و"رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر". وعلى هذا فليس من المفيد إجبار أحد على اعتناق الإسلام فى الوقت الذى نعرف أنه غير مخلص فى هذا الإسلام. بل لقد أتى على المسلمين حينٌ من الزمن كان بعضهم لا يرحب باعتناق غير المسلمين دينهم لتأثير هذا على دخل الخزينة كما حدث فى عصر عمر بن عبد العزيز، وهو ما أثار ثائرة الخليفة الورع على هذا الموقف القبيح من بعض رجال دولته، إذ كتب إليه حيّان عامله على مصر: إن الناس قد أسلموا فليس جزية. فكتب إليه عمر: أبعد الله الجزية! إن الله بعث محمدًا هاديًا، ولم يبعثه جابيًا للجزية.
وحين يتناول كاتب المقالة مهمة النبى والدوافع التى حملته على الدعوة للدين الجديد نراه يقول: " The preaching of Mohammed as the messenger of God ("rasul Allah") owed its origin to the prophet's firm conviction of the approach of the Day of Judgment ("Yaum al-Din") and to his thorough belief in monotheism ". فمرجع الأمر، حسبما يقول الكاتب، هو اقتناعه عليه الصلاة والسلام باقتراب يوم القيامة وإيمانه بالوحدانية فقط لا أنه اختير من الله سبحانه وتعالى لهذه المهمة اختيارا. فكأن الأمر أمر اقتناع شخصى بعد تفكير فى الأمر وتخطيط للدعوة. وهذا طبعا، رغم ما يبدو على ظاهره من مديح له صلى الله عليه وسلم، هو تكذيب لنبوته. ويمضى الكاتب فى عزف هذه النغمة التى تلح على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيا، بل مصلحا ساءته الأوضاع التى كان يراها من حوله فنهض يدينها ويدعو إلى تغييرها. وهذا كل ما هنالك، فلا نبوة إذن ولا يحزنون. وأنا، حين أقول هذا، لا أصادر حق الكاتب فى أن يقول ما يشاء أو يعتقد ما يشاء، بل أريد أن أبين للقارئ المسلم كيف يفكر ذلك الرجل ومن أين يأتيه الخطأ، أو كيف نكشف زيف كلامه للناس ونبين ثغرات المنطق فيه وتنكبه للمنهج العلمى.
ولا يكتفى الكاتب بهذا، بل يمضى خطوة أبعد تكشف ما فى نفسه، إذ يزعم أن محمدا قد استمد دعوته من اليهودية والنصرانية، من بيئته المحيطة به ومن أسفاره خارج بلاد العرب على السواء: " through Jewish and Christian influences, to which he was subjected in his immediate surroundings as well as during the commercial journeys undertaken by him in his youth "، ليضيف بعد قليل أن معلّميه من أهل هاتين الديانتين هم رهبانٌ ويهودٌ نصفُ متعلمين، ومن ثم جاءت معرفته بهما ناقصة ومشوشة فاسدة.
وعبثا نسأل عن الدليل الذى يعتمد عليه الكاتب فى هذه الدعوى، إذ لا دليل البتة. ولو كان هذا الدليل موجودا لساق لنا الكاتب وقائع معينة بما دار فيها من حوارٍ ومَنْ حضَرها من شهود وما رُوِىَ عنها من حكايات. لكنه لم يورد لنا شيئا من ذلك. والسبب ببساطة شديدة أنه لم يحدث على الإطلاق شىء من ذلك. كما أن الوحدانية فى دين الإسلام هى وحدانية صافيةٌ نقيةٌ بِكْرٌ لم تمتد إليها يد بالعبث، وليس فيها شىء مسىء إلى الله ورسوله مما يحتويه العهد القديم فى كثير من المواضع.
لقد أسلمت الجزيرة العربية كلها والشام والعراق وفارس، وكان من بين من دخلوا فى الإسلام آنذاك، ولا يزال، كثير جدا من القساوسة والأحبار، وهو ما يعنى أنهم لم يجدوا عليه ريبة، وإلا ما أسلموا. وحتى الذين كانوا يكذّبونه ويتهمونه فى البداية قد أثبتوا بإسلامهم هذا أن الرسول صادق أمين تمام الصدق والأمانة. كذلك كان هناك منافقون ويهود ونصارى فى كل مكان من بلاد العرب، بالإضافة إلى المرتدين بعد وفاته وعلى رأسهم الأنبياء الكذبة وقوادهم العسكريون، ومع هذا لم نسمع من أحدهم كلمة يتيمة تقول عنه ما يقوله الكاتب المضلِّل. لقد كان كل ما قَدَر عليه اليهود فى عصره أنْ وضعوا أيديهم فى أيدى الوثنيين قائلين لهم: إن دينكم خير من دينه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهكذا يكون الإخلاص اليهودى لقضية التوحيد الذى يزعم كاتبنا أن محمدا قد استقاه من يهود! كما نَكَلَ زعماء نصارى نجران عن مباهلة النبى حين طلب منهم ذلك حسما للخلاف بينه وبينهم، مُؤْثِرين دفع الجزية، إذ خافوا أن يعاقبهم الله جزاء كفرهم بمحمد، الذى كانوا يعرفون أنه نبى حقيقى، لكنهم لم يشاؤوا رغم ذلك أن يتنازلوا عن الامتيازات التى كانوا يرفلون فى نعيمها بسبب رئاستهم الدينية.
ثم لماذا لم يظهر أى شخص رغم توفر كل الدواعى التى تلح على ظهوره من هؤلاء الذين تعلم محمد على أيديهم ويقول: إننى أنا الذى علمته ما كان يجهل، أو إننى أنا الذى كان كثيرا ما يسألنى فأجيبه. الواقع أنه ليست هناك إلا رواية واحدة عن لقائه وهو صبى صغير ببحيرا الراهب على حدود بلاد العرب، وكل ما جرى حسب تلك الرواية هو تحذير الراهب لأبى طالب من غدر يهود بالطفل ونصيحته إياه أن يعود به أدراجه إلى مكة تجنبا لشرهم لو عرفوا أنه هو النبى المنتظر. ولقد أذكر أن توماس كارلايل كتب فى كتابه: "عن الأبطال وعبادة الأبطال: On Heroes and Hero Worship " يسخر من الأمر كله، إذ كيف لصبى لا يزيد عمره عن أربع عشرة سنة أن يتعلم دينا من الأديان كالإسلام فى مثل ذلك اللقاء العابر القصير، وبخاصة أنه لم تكن هناك لغة مشتركة بين الصبى ومعلمه المزعوم يمكن أن يتفاهما بها؟ وإنى لأهدى هذا السؤال إلى كاتبنا، وإن كنت أعرف الجواب سلفا، وهو أنه ليس لديه أى جواب! وهذا نص ما قاله كارلايل فى أصله الإنجليزى:
" I know not what to make of that "Sergius, the Nestorian Monk," whom Abu Thaleb and he are said to have lodged with; or how much any monk could have taught one still so young. Probably enough it is greatly exaggerated, this of the Nestorian Monk. Mahomet was only fourteen; had no language but his own".
وها نحن أولاء قد مر علينا حتى الآن أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان ولم نسمع إلا السخافات التى لا تقنع طفلا، مثل أن محمدا لم يكن إلا راهبا تمرد على الكنيسة بسبب من طموحه الشديد للزعامة واخترع مذهبا نصرانيا جديدا سماه: "الإسلام"، أو أنه صلى الله عليه وسلم مات فى نَوْبة سُكْرٍ بَيِّنٍ وأن جسده وُجِد مُلْقًى على كوم من الرَّوْث وقد أكلت منه الخنازير. ولا يقلّ عن هذا وذاك سخفًا ورقاعةً ما قرأناه فى السنوات الأخيرة من أنه صلى الله عليه وسلم لا وجود تاريخى له، بل هو مثل شرلوك هولمز، وكما أن هولمز ليس سوى نتاج قصصى خيالى فكذلك محمد، أو أن تعبير "الحور العين" المشهور ليس معناه النساء الجميلات اللاتى سيفوز بهن المؤمنون فى الجنة ويَفُزْنَ بهم، بل معناه "الزبيب الأبيض". يريد قائل هذا الكلام المضحك أن يشمت بالمجاهدين الذين يحاربون أمريكا وأتباعها من القوى الغربية فى بلاد العرب والمسلمين وأن يقول لهم إنهم سوف يأخذون مقلبا سخنا بعد أن يكونوا قد فقدوا حياتهم دون أن يحصلوا على شىء مما كانوا يتطلعون إلى الفوز به.
أما ما يدّعيه الكاتب على النبى الكريم من أن معرفته باليهودية والنصرانية مشوشة وفاسدة وناقصة لاستمداده إياها من أنصاف المتعلمين من رهبان ويهود فهى جرأة منقطعة النظير، إذ ما من شىء خالف فيه القرآن الكتاب المقدس إلا وكان الحق فى جانبه هو: خذ مثلا تصوير الكتاب المقدس لله على أنه قد خلق الكون فى ستة أيام شمسية وكأنه سبحانه وتعالى يعيش على الأرض معنا، أو كأن الشمس والقمر كانا قد خُلِقا وقتذاك، وهو ما لم يكن قد حدث، وأنه عز وجل يحتاج إلى الاستراحة بعد التعب الذى شعر به جَرّاء هذا الخلق، وأنه يندم وأن له أبناء وأنه يتجسد وأنه يتصارع مع عباده، أو أن أنبياءه يرتكبون جرائم الزنا ومضاجعة المحارم والقتل بدم بارد والغدر والحقد والدياثة وتسهيل عبادة الأصنام، ثم تعال إلى القرآن وانظر كيف يصحح هذا كله، وغيره كثير، بناءً على ما يقتضيه العقل والحق، ثم قل لنفسك: أى الكتابين يعطيك الصورة الصحيحة؟ وليس هذا كله سوى غَيْضٍ من فَيْض!
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما يقوله الكاتب من أباطيل أيضا زعمه أن الرسول عليه الصلاة والسلام عند هجرته إلى المدينة قد بدأ بالتودد إلى اليهود طمعا فى إسلامهم، إلا أنه انقلب عليهم حين لم يستجيبوا لهذا التودد على النحو الذى كان يأمله. ومن مظاهر التودد المزعوم اتخاذه بيت المقدس قبلة للصلاة وصومه يوم عاشوراء. والواقع أن الكاتب يهرف بما يعرف أنه أكاذيب. ذلك أن الاتجاه إلى بيت المقدس فى الصلاة يرجع إلى ما قبل الهجرة. كل ما فى الأمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل الكعبة بينه وبين ذلك البيت.
وأما صوم عاشوراء فهو لم يفعله توددا إليهم، وإلا ما قال إن المسلمين أحق بصيامه منهم، وإن موسى لو كان حيًّا ماوسعه إلا اتباعه، وهو كلام يعبر بكل وضوح وحسم عن لامبالاته بهم: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظفر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، ونحن نصومه تعظيما له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم. ثم أمر بصومه"، "والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعي". كذلك فالقرآن يعجّ فى المرحلة المكية بالهجوم على اليهود ويفضح خزيهم، فكيف يقول الكاتب إن الرسول بدأ حياته فى يثرب بالتودد إليهم؟ ترى ما الذى كان يمثله اليهود للنبى عليه الصلاة والسلام حتى يقال إنه كان يتودد إليهم؟
كذلك فالزعم بأنه صلى الله عليه وسلم جرى فى إثرهم وحرّم لحم الخنزير كما يحرمونه هو كذب مفضوح، إذ إن تحريم الخنزير يرجع إلى ما قبل الهجرة، أى قبل اتصاله عليه السلام باليهود كما يدَّعِى الكاتب. وها هى ذى آيات سورتى "الأنعام" و"النحل" على التوالى تقول ذلك بلسان واضح لا يحتمل لبسا ولا شرحا، وهى من الوحى المكى: "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آَبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (148) "، "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ". وغنىٌّ عن البيان أن القرآن قد أعلن أنه لا يوافق على ما يحرّمه اليهود على أنفسهم مما لم ينزل بتحريمه نص سماوى، بل يوافق فقط على ما حرمه الله سبحانه عليهم. أقول هذا لأن الكاتب يزعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان فى بداية هجرته إلى المدينة يحرم ما يحرمه اليهود، لكنه انقلب عليهم حين وجد منهم عنادا ورفضا لنبوته. وهذا كله غير صحيح البتة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد عدة فقرات سوف يعود الكاتب إلى هذا الموضوع فيزعم مرة أخرى أن الرسول قد استعار كثيرا من شعائر اليهودية وتشريعاتها، ثم يحيل القارئ إلى القرآن للتأكد من صدق ما يقول، لكن دون تحديد سورة أو آية معينة، بل القرآن بإطلاق. وهو يفعل هذا بثقة يُحْسَد عليها وكأن القرآن يقول فعلا إن الرسول كان يأخذ من اليهود أشياء يضعها فى دينه ثم يزعم أنها من عند الله! ومع هذا فنحن نوافقه على أن كثيرا من الروايات اليهودية قد تسربت فيما بعد إلى الكتابات الإسلامية عن طريق اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، وهو ما يسمى بـ"الإسرائيليات"، فلا أحد يُشَاحّ فى هذا. إلا أن علماء المسلمين يقفون لمثل تلك الروايات بالمرصاد فينصّون عليها ويوصون بإهمالها. على أنه لا بد من التنبيه رغم هذا إلى أن الإسلام لا يمكن أن يخالف العهد القديم فى كل شىء، إذ لم يقل أحد إنه لم يبق فى ذلك الكتاب شىء على أصله السماوى. وما دام الإسلام هو من عند الله فلا بد أن تكون هناك أشياء مشتركة بين الديانتين، وهى الأشياء التى لم تمتد إليها يد التحريف من جهة، ولم تُنْسَخ فى شريعتنا من جهة أخرى.
كذلك تحدث الكاتب عن السبت فقال، ويا ليته ما قال، إن الرسول اعترض على مراعاة اليهود ليوم السبت. والحقيقة أن القرآن، على العكس، قد شن عليهم حملة تفضح نفاقهم ومراوغتهم وعدم التزامهم بحرمة السبت، وكان ذلك منذ المرحلة المكية. أقول هذا حتى لا يسارع الكاتب إلى الزعم كالعادة بأن الرسول إنما فعل ذلك ردا على كفر اليهود برسالته. وها هى ذى النصوص المكية تقول ذلك بأجلى بيان: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الامِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162) وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الارْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ
(يُتْبَعُ)
(/)
يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الادْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) " (الأعراف)، "إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" (النحل/ 124). صحيح أنه عليه السلام حين اختار يوما أسبوعيا للمسلمين قد اختار الجمعة، لكن هذه مسألة أخرى.
كذلك لا داعى للرد على زعم الكاتب أن الرسول قد استلهم صلوات اليهود الثلاث عندما شرع الصلوات الخمس بعد أن أضاف إليها صلاتين أخريين أخذهما من الفارسيين. ذلك أننى لو مضيت أرد على كل زعم يزعمه دون أدنى دليل فلن أنتهى. ويبقى قوله إن اليهود يعظمون السبت لأنه اليوم الذى استراح الله فيه من خلق الكون. ولا تعليق لى على هذا الكلام الذى لا يليق به جل وعلا، والذى يقوله العهد القديم ذاته، ودعنا من أنه لم يكن هناك سبت ولا أحد، لأن الأفق الإلهى لا يخضع للتقويم الأرضى كما يفهم ذلك كل عاقل، فضلا عن أن الواحد من الأيام الستة التى خلق الله فيها الكون لا يقاس بالساعات، بل يستغرق أحقابا متطاولة.
ومن العجيب أن ينسب الكاتب ما يقوله كثير من المسلمين من أن الذبيح الذى أراد إبراهيم أن يذبحه هو ابنه إسماعيل لا إسحاق، إلى يهودى ماكر دخل فى الإسلام وأراد التزلف إلى رفاقه الجدد. إى والله هكذا يقول الكاتب، وكأن الأمر بحاجة إلى مكر وتزلف، وليس موجودا فى العهد القديم ذاته، الذى نطالع فيه ما يلى: "1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». 3فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ. 4وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، 5فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: «اجْلِسَا أَنْتُمَا ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا». 6فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 7وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي!». فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» 8فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 9فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. 10ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. 11فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» 12فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي».
(يُتْبَعُ)
(/)
13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ. 14فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «يَهْوَهْ يِرْأَهْ». حَتَّى إِنَّهُ يُقَالُ الْيَوْمَ: «فِي جَبَلِ الرَّبِّ يُرَى» ". فها نحن أولاء نقرأ أن الابن الذى يأمره الله سبحانه بأخذه وذبحه هو "وحيده". وهذه الكلمة لا يمكن أن تنطبق على إسحاق لأن إسحاق حين وُلِد كان هناك قبله إسماعيل ببضعة عشر عاما فلم يكن "وحيد" أبيه فى أى يوم من الأيام، بخلاف إسماعيل، الذى كان "وحيد" أبيه طيلة هذه المدة. فهو إذن الوحيد الذى ينطبق عليه القول بأنه هو "الذبيح".
وبالنسبة إلى "النسخ" الذى يَعْزُوه كاتبنا إلى ما يقول إنه مخالفة النبى لبعض تشريعات التوراة، أى نسخ الإسلام لها، نقول إن الأناجيل قد ذكرت أن المسيح سبق إلى هذا عندما قال: قد سمعتم أنه قيل للقدماء كذا وكذا، لكنى أقول كيت وكيت. بمعنى أن التشريعات الفلانية التى ورد النَّصّ عليها فى التوراة قد أتى هو صلى الله عليه وسلم فبدّلها إلى تشريعات أخرى. لكن الكاتب كدَيْدَنه يتجاهل مثل تلك الحقائق التاريخية ظنا منه أن باستطاعته النيل من الرسول محمد ودينه. وبعد المسيح نرى بولس يعمل نفس الشىء فيبدل بعض التشريعات بدوره.
كذلك يتجاهل الكاتب حقائق التاريخ كما تسجلها آيات القرآن فنراه يدعى أن الرسول بدأ رسالته بوصفه نبيا عربيا، ثم انتهى فى المدينة بإعلان نفسه نبيا عالميا. ووجه الضلال فى هذا أن الآيات المكية تنص على عالمية الرسالة المحمدية منذ وقت بعيد كما سبق بيانه، ومن ثم فلا لزوم لإيراد تلك النصوص التى لا أظنه إلا يعلمها تمام العلم، لكنه يتجاهلها ظنا منه أن بمستطاعه التشويش على الحقائق التى لا تقبل الجدال. وبالمثل لا لزوم لإعادة الاستشهاد بالآيات التى تدل دلالة قاطعة على أن الإسلام لا يعرف الحرب من أجل فرض العقيدة على أحد، بل للرد فقط على من يعتدون على المسلمين وبلادهم. ذلك أنه قد سبق أيضا الاستشهاد بعدد من تلك الآيات آنفا. ومما يضحك الثكالى قول الكاتب إن صورة الصلاة بعدد ما فيها من ركوع وسجود لم تستقر على هذا الوضع الذى نعرفه إلا بعد زمن طويل من وفاة الرسول يبلغ قرنا كاملا. وهو ادعاء لا أصل له ولا فصل.
وهناك أيضا زعمه أن الفقه الإسلامى قد تاثر تأثرا كبيرا بالفقهين الرومانى واليهودى. وهذا بدوره كلام مرسل لا دليل، أىّ دليل، عليه. ومن المعيب أن يكون هذا هو المستوى العلمى لمقالة على هذا النحو من الأهمية فى موسوعة عالمية كان ينبغى أن تُسْنِد كتابة تلك المقالة لعالم يضن بالمنهجية العلمية أن تُنْتَهَك بهذا الشكل المزرى. ولقد تعرضتُ بالنقد المفصَّل لدعوى تأثر الفقه الإسلامى بفقه الرومان فى كتابى: "دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل واباطيل"، فيمكن أن يرجع إليه من يشاء للوقوف على ما قلته فى تلك القضية.
ورغم ذلك كله نرى المؤلف يبدى دهشته الشديدة (المبطنة بشعور الإعجاب، أو بالأحرى: بشعور الحسد) لما يراه بحق شيئا لا مثيل له فى التاريخ، ألا وهو هذا الانتشار البَرْقِىّ للإسلام حتى لقد غطى المساحة الممتدة من أقصى شرق آسيا إلى أقصى الشمال الغربى من أفريقيا، فضلا عن شبه جزيرة أيبريا فى أوربا وغيرها من البلاد، فى بضع عشرات من الأعوام. إلا أن القلب ينفطر حين يتطلع الإنسان منا حوله فيجد هذا الخمول الضارب بأطنابه فى العالم العربى والإسلامى، والذى أغرى وما زال يغرى كلاب الاستعمار بالوثوب على بلاد المسلمين واحتلالها كلما واتتهم الفرصة واستذلالهم وتكبيلهم بالقيود المُشِلَّة. لكن ماذا نقول، وتلك الأيام يداولها الله بين الناس كما يقول القرآن الكريم؟ ومع ذلك فإن هذا القانون الإلهى لا يعطى للمسلمين الحق فى العذر لأنه إنما يعكس نتائج عملنا أو خمولنا، وجِدّنا أو هزلنا، ولا يُفْرَض فرضا من قِبَل السماء. هذا، ولا أدرى السر فى أن الكاتب حين أراد أن يعطينا إحصائية عن عدد المسلمين فى العالم عاد القهقرى إلى عام 1897م حيث لم يكونوا أزيد عن ربع المليار إلا قليلا. ومعروف أنهم فى الوقت الحالىّ لا يقصّرون كثيرا عن المليارين كما تم توضيحه فى غير هذا
(يُتْبَعُ)
(/)
الموضع من الكتاب الحالىّ.
ومرة أخرى يعود كاتبنا إلى الحديث عن العلاقة بين الإسلام واليهودية فيقول إن القرآن كثيرا ما يصب لعنته على اليهود. وسبب ذلك فى نظره هو رفضهم الانضواء تحت رايته. وهذا غير صحيح، فإن القرآن المكى، أى قبل أن يتصل بهم الرسول فى المدينة بعد هجرته إليها، لا يعطينا أبدا صورة مشرقة عنهم. ومعنى ذلك أن هذا هو رأى الإسلام فى اليهود على الدوام. إنه رأى مبدئى لا صلة بينه وبين الأحداث التى وقعت بين الطرفين فى المدينة. كما أن لعن القرآن لهم إنما سببه تطاولهم على الله سبحانه لا مجرد كفرهم به، كقولهم: "إن الله فقير ونحن أغنياء"، أو "يد الله مغلولة"، أو قولهم عن كفار قريش وما هم عليه من وثنية: "هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا". وإذا كان الشىء بالشىء يُذْكَر فلم يحدث قط أن حَمِدَ شعب من الشعوب أمة اليهود بعدما بَلاَ أخلاقها وسلوكها وعقيدتها فى نفسها وفى الآخرين. ويكفى أنهم ينظرون إلى غيرهم نظرتهم إلى حيوانات لا قيمة لها ولا حق، وأنهم يعدون الله ربا خاصا بهم دون سواهم من العالمين.
ولماذا نذهب بعيدا، وها هو ذا العهد القديم يجلجل فى كثير من صفحاته تقريبا بلعن بنى إسرائيل وسبهم ووصفهم بأشنع الصفات؟ ترى أكان لمحمد عليه السلاوة والسلام دخل فى ذلك؟ أبدا، ذلك أن اللاعنين أو موصّلى اللعنة الإلهية إلى بنى إسرائيل إنما هم أنبياء بنى إسرائيل أنفسهم وليس أى شخص آخر. ثم جاء عيسى عليه السلام، فلم يكن حظهم معه أفضل من حظهم مع من سبقه من أنبياء، فها هى ذى الأناجيل الأربعة تدمدم بكلمات الغضب النارى المنصب من فمه الطاهر الشريف صلى الله عليه وسلم على يوافيخهم الصلبة المتمردة؟ أولا يعرف الكاتب ذلك كله؟ بلى يعرف ذلك وأكثر من ذلك، إلا أنه يظن بنفسه الذكاء واللوذعية والمقدرة على خداع الناس، ولكن هيهات، فحقائق التاريخ والحياة لا يمكن التعفية عليها مهما تكلف فى ذلك المتكلفون!
وهذه هى بعض النصوص التى ترينا ماذا يقول الكتاب المقدس ذاته بعهديه القديم والجديد عنهم: "9فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هكَذَا (أى كما أمره ربه لاستنقاذهم من استعباد فرعون)، وَلكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ، وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ" (خروج/ 6)، "9وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «رَأَيْتُ هذَا الشَّعْبَ وَإِذَا هُوَ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. 10فَالآنَ اتْرُكْنِي لِيَحْمَى غَضَبِي عَلَيْهِمْ وَأُفْنِيَهُمْ، فَأُصَيِّرَكَ شَعْبًا عَظِيمًا» " (خروج/ 32)، "5وَكَانَ الرَّبُّ قَدْ قَالَ لِمُوسَى: «قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَنْتُمْ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةُِ. إِنْ صَعِدْتُ لَحْظَةً وَاحِدَةً فِي وَسَطِكُمْ أَفْنَيْتُكُمْ ... » " (خروج/ 33)، "23فِي تِلْكَ الأَيَّامِ أَيْضًا رَأَيْتُ الْيَهُودَ الَّذِينَ سَاكَنُوا نِسَاءً أَشْدُودِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَمُوآبِيَّاتٍ. 24وَنِصْفُ كَلاَمِ بَنِيهِمْ بِاللِّسَانِ الأَشْدُودِيِّ، وَلَمْ يَكُونُوا يُحْسِنُونَ التَّكَلُّمَ بِاللِّسَانِ الْيَهُودِيِّ، بَلْ بِلِسَانِ شَعْبٍ وَشَعْبٍ. 25فَخَاصَمْتُهُمْ وَلَعَنْتُهُمْ وَضَرَبْتُ مِنْهُمْ أُنَاسًا وَنَتَفْتُ شُعُورَهُمْ" (نحميا/ 13)، "1رُؤْيَا إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ، الَّتِي رَآهَا عَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ، فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا وَيُوثَامَ وَآحَازَ وَحِزْقِيَّا مُلُوكِ يَهُوذَا: 2اِسْمَعِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيَّتُهَا الأَرْضُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَتَكَلَّمُ: «رَبَّيْتُ بَنِينَ وَنَشَّأْتُهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيَّ. 3اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ». 4وَيْلٌ لِلأُمَّةِ الْخَاطِئَةِ، الشَّعْبِ الثَّقِيلِ الإِثْمِ، نَسْلِ فَاعِلِي الشَّرِّ، أَوْلاَدِ مُفْسِدِينَ! تَرَكُوا الرَّبَّ، اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، ارْتَدُّوا إِلَى وَرَاءٍ ... » " (إشعيا/ 1)، "1 «قَائِلاً: إِذَا طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَصَارَتْ لِرَجُل آخَرَ، فَهَلْ يَرْجعُ إِلَيْهَا بَعْدُ؟ أَلاَ تَتَنَجَّسُ تِلْكَ الأَرْضُ نَجَاسَةً؟ أَمَّا أَنْتِ فَقَدْ
(يُتْبَعُ)
(/)
زَنَيْتِ بِأَصْحَابٍ كَثِيرِينَ! لكِنِ ارْجِعِي إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 2اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ إِلَى الْهِضَابِ وَانْظُرِي، أَيْنَ لَمْ تُضَاجَعِي؟ فِي الطُّرُقَاتِ جَلَسْتِ لَهُمْ كَأَعْرَابِيٍّ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَنَجَّسْتِ الأَرْضَ بِزِنَاكِ وَبِشَرِّكِ. 3فَامْتَنَعَ الْغَيْثُ وَلَمْ يَكُنْ مَطَرٌ مُتَأَخِّرٌ. وَجَبْهَةُ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ كَانَتْ لَكِ. أَبَيْتِ أَنْ تَخْجَلِي. 4أَلَسْتِ مِنَ الآنَ تَدْعِينَنِي: يَا أَبِي، أَلِيفُ صِبَايَ أَنْتَ؟ 5هَلْ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ، أَوْ يَحْفَظُ غَضَبَهُ إِلَى الأَبَدِ؟ هَا قَدْ تَكَلَّمْتِ وَعَمِلْتِ شُرُورًا، وَاسْتَطَعْتِ!» " (إرميا/ 3).
"1وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلاً: 2 «يَا ابْنَ آدَمَ، اجْعَلْ وَجْهَكَ نَحْوَ جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَتَنَبَّأْ عَلَيْهَا 3وَقُلْ: يَا جِبَالَ إِسْرَائِيلَ، اسْمَعِي كَلِمَةَ السَّيِّدِ الرَّبِّ. هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لِلْجِبَالِ وَلِلآكَامِ، لِلأَوْدِيَةِ وَلِلأَوْطِئَةِ: هأَنَذَا أَنَا جَالِبٌ عَلَيْكُمْ سَيْفًا، وَأُبِيدُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ. 4فَتَخْرَبُ مَذَابِحُكُمْ، وَتَتَكَسَّرُ شَمْسَاتُكُمْ، وَأَطْرَحُ قَتْلاَكُمْ قُدَّامَ أَصْنَامِكُمْ. 5وَأَضَعُ جُثَثَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُدَّامَ أَصْنَامِهِمْ، وَأُذَرِّي عِظَامَكُمْ حَوْلَ مَذَابِحِكُمْ. 6فِي كُلِّ مَسَاكِنِكُمْ تُقْفَرِ الْمُدُنُ، وَتَخْرَبُ الْمُرْتَفَعَاتُ، لِكَيْ تُقْفَرِ وَتَخْرَبَ مَذَابِحُكُمْ، وَتَنْكَسِرَ وَتَزُولَ أَصْنَامُكُمْ، وَتُقْطَعَ شَمْسَاتُكُمْ، وَتُمْحَى أَعْمَالُكُمْ، 7وَتَسْقُطُ الْقَتْلَى فِي وَسْطِكُمْ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ. 8 «وَأُبْقِي بَقِيَّةً، إِذْ يَكُونُ لَكُمْ نَاجُونَ مِنَ السَّيْفِ بَيْنَ الأُمَمِ عِنْدَ تَذَرِّيكُمْ فِي الأَرَاضِي. 9وَالنَّاجُونَ مِنْكُمْ يَذْكُرُونَنِي بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ يُسْبَوْنَ إِلَيْهِمْ، إِذَا كَسَرْتُ قَلْبَهُمُ الزَّانِيَ الَّذِي حَادَ عَنِّي، وَعُيُونَهُمُ الزَّانِيَةَ وَرَاءَ أَصْنَامِهِمْ، وَمَقَتُوا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ الشُّرُورِ الَّتِي فَعَلُوهَا فِي كُلِّ رَجَاسَاتِهِمْ، 10وَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لَمْ أَقُلْ بَاطِلاً إِنِّي أَفْعَلُ بِهِمْ هذَا الشَّرَّ" (حزقيال/ 6).
"1وَكَانَتْ إِلَيَّ كَلِمَةُ الرَّبِّ قَائِلَةً: 2 «يَا ابْنَ آدَمَ، عَرِّفْ أُورُشَلِيمَ بِرَجَاسَاتِهَا، 3وَقُلْ: هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ لأُورُشَلِيمَ: مَخْرَجُكِ وَمَوْلِدُكِ مِنْ أَرْضِ كَنْعَانَ. أَبُوكِ أَمُورِيٌّ وَأُمُّكِ حِثِّيَّةٌ. 4أَمَّا مِيلاَدُكِ يَوْمَ وُلِدْتِ فَلَمْ تُقْطَعْ سُرَّتُكِ، وَلَمْ تُغْسَلِي بِالْمَاءِ لِلتَّنَظُّفِ، وَلَمْ تُمَلَّحِي تَمْلِيحًا، وَلَمْ تُقَمَّطِي تَقْمِيطًا. 5لَمْ تَشْفُقْ عَلَيْكِ عَيْنٌ لِتَصْنَعَ لَكِ وَاحِدَةً مِنْ هذِهِ لِتَرِقَّ لَكِ، بَلْ طُرِحْتِ عَلَى وَجْهِ الْحَقْلِ بِكَرَاهَةِ نَفْسِكِ يَوْمَ وُلِدْتِ. 6فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ، فَقُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي، قُلْتُ لَكِ: بِدَمِكِ عِيشِي. 7جَعَلْتُكِ رَبْوَةً كَنَبَاتِ الْحَقْلِ، فَرَبَوْتِ وَكَبُرْتِ، وَبَلَغْتِ زِينَةَ الأَزْيَانِ. نَهَدَ ثَدْيَاكِ، وَنَبَتَ شَعْرُكِ وَقَدْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً. 8فَمَرَرْتُ بِكِ وَرَأَيْتُكِ، وَإِذَا زَمَنُكِ زَمَنُ الْحُبِّ. فَبَسَطْتُ ذَيْلِي عَلَيْكِ وَسَتَرْتُ عَوْرَتَكِ، وَحَلَفْتُ لَكِ، وَدَخَلْتُ مَعَكِ فِي عَهْدٍ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، فَصِرْتِ لِي. 9فَحَمَّمْتُكِ بِالْمَاءِ، وَغَسَلْتُ عَنْكِ دِمَاءَكِ، وَمَسَحْتُكِ بِالزَّيْتِ، 10وَأَلْبَسْتُكِ مُطَرَّزَةً، وَنَعَلْتُكِ بِالتُّخَسِ، وَأَزَّرْتُكِ بِالْكَتَّانِ، وَكَسَوْتُكِ بَزًّا، 11وَحَلَّيْتُكِ بِالْحُلِيِّ، فَوَضَعْتُ أَسْوِرَةً فِي يَدَيْكِ وَطَوْقًا فِي عُنُقِكِ. 12وَوَضَعْتُ خِزَامَةً فِي أَنْفِكِ وَأَقْرَاطًا فِي أُذُنَيْكِ وَتَاجَ جَمَال عَلَى رَأْسِكِ. 13فَتَحَلَّيْتِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلِبَاسُكِ الْكَتَّانُ وَالْبَزُّ وَالْمُطَرَّزُ.
(يُتْبَعُ)
(/)
وَأَكَلْتِ السَّمِيذَ وَالْعَسَلَ وَالزَّيْتَ، وَجَمُلْتِ جِدًّا جِدًّا، فَصَلُحْتِ لِمَمْلَكَةٍ. 14وَخَرَجَ لَكِ اسْمٌ فِي الأُمَمِ لِجَمَالِكِ، لأَنَّهُ كَانَ كَامِلاً بِبَهَائِي الَّذِي جَعَلْتُهُ عَلَيْكِ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 15 «فَاتَّكَلْتِ عَلَى جَمَالِكِ، وَزَنَيْتِ عَلَى اسْمِكِ، وَسَكَبْتِ زِنَاكِ عَلَى كُلِّ عَابِرٍ فَكَانَ لَهُ. 16وَأَخَذْتِ مِنْ ثِيَابِكِ وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَاتٍ مُوَشَّاةٍ، وَزَنَيْتِ عَلَيْهَا. أَمْرٌ لَمْ يَأْتِ وَلَمْ يَكُنْ. 17وَأَخَذْتِ أَمْتِعَةَ زِينَتِكِ مِنْ ذَهَبِي وَمِنْ فِضَّتِي الَّتِي أَعْطَيْتُكِ، وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ صُوَرَ ذُكُورٍ وَزَنَيْتِ بِهَا. 18وَأَخَذْتِ ثِيَابَكِ الْمُطَرَّزَةَ وَغَطَّيْتِهَا بِهَا، وَوَضَعْتِ أَمَامَهَا زَيْتِي وَبَخُورِي. 19وَخُبْزِي الَّذِي أَعْطَيْتُكِ، السَّمِيذَ وَالزَّيْتَ وَالْعَسَلَ الَّذِي أَطْعَمْتُكِ، وَضَعْتِهَا أَمَامَهَا رَائِحَةَ سُرُورٍ. وَهكَذَا كَانَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. 20 «أَخَذْتِ بَنِيكِ وَبَنَاتِكِ الَّذِينَ وَلَدْتِهِمْ لِي، وَذَبَحْتِهِمْ لَهَا طَعَامًا. أَهُوَ قَلِيلٌ مِنْ زِنَاكِ 21أَنَّكِ ذَبَحْتِ بَنِيَّ وَجَعَلْتِهِمْ يَجُوزُونَ فِي النَّارِ لَهَا؟ 22وَفِي كُلِّ رَجَاسَاتِكِ وَزِنَاكِ لَمْ تَذْكُرِي أَيَّامَ صِبَاكِ، إِذْ كُنْتِ عُرْيَانَةً وَعَارِيَةً وَكُنْتِ مَدُوسَةً بِدَمِكِ. 23وَكَانَ بَعْدَ كُلِّ شَرِّكِ. وَيْلٌ، وَيْلٌ لَكِ! يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، 24أَنَّكِ بَنَيْتِ لِنَفْسِكِ قُبَّةً وَصَنَعْتِ لِنَفْسِكِ مُرْتَفَعَةً فِي كُلِّ شَارِعٍ. 25فِي رَأْسِ كُلِّ طَرِيق بَنَيْتِ مُرْتَفَعَتَكِ وَرَجَّسْتِ جَمَالَكِ، وَفَرَّجْتِ رِجْلَيْكِ لِكُلِّ عَابِرٍ وَأَكْثَرْتِ زِنَاكِ. 26وَزَنَيْتِ مَعَ جِيرَانِكِ بَنِي مِصْرَ الْغِلاَظِ اللَّحْمِ، وَزِدْتِ فِي زِنَاكِ لإِغَاظَتِي" (حزقيال/ 16).
"7فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟ 8فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. 9وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ. 10وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 11أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. 12الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ» " (متى/ 3).
"13 «لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ. 14وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. 15وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا. 16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. 17أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18وَمَنْ
(يُتْبَعُ)
(/)
حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ. 19أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ! 21وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ، 22وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ. 23وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ. 25وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً. 26أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا. 27وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا. 29وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ، 30وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ. 31فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ. 32فَامْلأُوا أَنْتُمْ مِكْيَالَ آبَائِكُمْ. 33أَيُّهَا الْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟ 34لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، 35لِكَيْ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ كُلُّ دَمٍ زكِيٍّ سُفِكَ عَلَى الأَرْضِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ الصِّدِّيقِ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا بْنِ بَرَخِيَّا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَيْنَ الْهَيْكَلِ وَالْمَذْبَحِ. 36اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هذَا الْجِيلِ! 37 «يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! 38هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا. 39لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَني مِنَ الآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!» " (متى/ 23). وأحسب القارئ قد استبان له الآن تماما مقدار ما فى كلام الكاتب من أباطيل.
وهذا يجرنا إلى ما عرفه الفكر السياسى باسم "المسألة اليهودية: The Jewish Question, La Question Juive "، تلك المسألة التى يعرّفها د. عبد الوهاب المسيرى فى "الموسوعة اليهودية" بقوله: "المسألة اليهودية مصطلح يتواتر في الكتابات الصهيونية وفي غيرها بصيغة المفرد، وهو مصطلح يفترض أن ثمة مشاكل محدَّدة ثابتة لا تختلف تقريبا باختلاف الزمان والمكان يواجهها اليهود وحدهم ولا يواجهها غيرهم من أعضاء الجماعات أو الأقليات الدينية أو الإثنية. ولذا تتم الإشارة إليها بعبارة "المسألة اليهودية" (الواحدة) لا "المسائل اليهودية" (المتنوعة بتنوع تجارب أعضاء الجماعات اليهودية عبر الزمان والمكان). وحَلُّ
(يُتْبَعُ)
(/)
هذه المسألة يكون عن طريق التخلص من اليهود: إما عن طريق تهجيرهم إلى وطنهم القومي اليهودي، وهذا هو (الحل الصهيوني)، أو عن طريق طردهم (الحل المعادي لليهود)، أو إبادتهم (الحل النازى) ".
صحيح أن د. المسيرى سرعان ما يضيف بعد قليل قوله: "لكل هذا يكون مصطلح "المسألة اليهودية" الذي يَفترض أن هناك مسألة يهودية واحدة، عالمية وعامة، مصطلحا منافيا تماما للحقائق المتعيِّنة للتاريخ، ومن ثم فإن قيمته التصنيفية والتفسيرية ضعيفة إلى أقصى حد. ومن الأفضل استخدام صيغة الجمع والتحدث عن "مسائل يهودية". وحين يُسْتَخْدَم المصطلح في صيغة المفرد فإنه يشير، في واقع الأمر، إلى المشاكل التي واجهها أعضاء الجماعات اليهودية (في القرن التاسع عشر) في أوربا، وبخاصة في شرقها، وبذلك تُستبعَد الجماعات اليهودية الأخرى كافة. وهذا التحديد الزماني المكاني يعطي المصطلح مضمونا حقيقيا ودلالة ومقدرة تفسيرية وتصنيفية عالية". إلا أن هذا لا ينفى رغم ذلك أن تكون هناك مسألة يهودية واحدة عامة تصدق على اليهود أينما ومتى وُجِد اليهود، إذ هى ذات صلة فى المقام الأول بنفسيتهم الملتوية الشاذة أيا ما كانت الظروف السياسية والاجتماعية المتغيرة التى تحيط بهم. فهم دائما ما يثيرون القلاقل والفتن ويتلذذون بشقاء الآخرين متصورين أنهم شعب الله المختار مهما ارتكبوا من كفر وعصيان، وأن الله إلههم هم وحدهم، وأن بقية البشر حيوانات أوأقل من الحيوانات. وهم سريعو الخنوع إذا ما وجدوا ضعفا فى أنفسهم، لكنهم سرعان ما يتحولون وحوشا مفترسة حالما يأنسون من أنفسهم قوة وبأسا، وهما قوة وبأس مستعاران عادة، إن لم نقل: دائما. وهم لا يتعلمون الدرس أبدا، ولهذا يحيق بهم النكال كل حين من الدهر منذ أن كان لهم كيان فى التاريخ حتى وقت قريب، إذ لا يمكن لمن كان فى مثل ظروفهم وقلة عددهم وكراهيتهم للبشر وكراهية البشر من ثَمَّ لهم أن يحوز لفترة طويلة ود الآخرين، فضلا عن إمكان حيازته أسباب الانتصار عليهم. وإذا كانوا الآن فى أوج قوتهم وبطشهم فلسوف يتغير الميزان آجلا أو عاجلا وتعود الأمور إلى ما كانت طول الدهر عليه فينتقم المظلومون من ظالميهم الجبناء الذين ينتفشون كلما شاموا من حولهم معونة وتعضيدا، ناسين أن ذلك كله إلى زوال وأن تصرفاتهم وأفكارهم البشعة التى تستفز الحقد فى النفوس لن تتأخر طويلا فى إعطاء ثمرتها السامة.
وقد يدلّ على صدق ما نشير إليه ذلك المقال الذى ترجمه ونشره "المركز الدولى لدراسات أمريكا والغرب" ( ICAWS ) بتاريخ 25/ 1/ 1430هـ، وأعاد عدد من الجرائد العربية والمواقع المشباكية نشره، وهو بقلم دانيال شوفنتال، وهذا نصه: "اليهود في غرب أوروبا أصبحوا يتعرضون للمزيد من الهجمات بعد أن بدأت إسرائيل في شن هجومها العسكري على قطاع غزة المحاصَر الذي يعيش سكانه البؤس والشقاء. تركزت هذه الهجمات على المعابد اليهودية في بريطانيا وبلجيكا وألمانيا. وقد اعتقلت الشرطة البلجيكية عددا من المتظاهرين الذين أرادوا دخول الحي اليهودي في مدينة أنتويرب. وقد اعتذرت بعض المدارس الدنماركية عن تسجيل طلاب يهود قائلة إنها لا تضمن سلامتهم. وفي فرنسا هاجمت مجموعة من المراهقين فتاة يهودية تبلغ من العمر 15 عاما وأشبعوها ركلا ووصفوها بأنها «يهودية قذرة». وقد ارتفعت هتافات غير مألوفة في ألمانيا وهولندا مثل «حماس، حماس. وليذهب اليهود إلى أفران الغاز». وفي أمستردام شارك عضوان في البرلمان الهولندي منهما زوجة أول رئيس للبيت المركزي الأوروبي في تظاهرة كانت تهتف باسم الانتفاضة الفلسطينية و «لفلسطين الحرة». وتعد هذه التظاهرة هادئة إذا ما قورنت بتظاهرات أخرى ارتفعت فيها هتافات تدعو إلى محرقة يهودية جديدة.
(يُتْبَعُ)
(/)
العداء لليهود في أوروبا بدأ يلفت الأنظار حيث أعدت محطة «سي. إن. إن» تقريرا حول تنامي هذه الظاهرة في أوروبا وفي الدول العربية والإسلامية. فرنسا أيضا لم تنج من هذه الظاهرة حيث شهدت مدينة تولوز حرق سيارة أمام معبد يهودي مما دعا الرئيس الفرنسي لإصدار بيان تطرق فيه للأوضاع المأساوية القائمة في قطاع غزة. وقد استنكر ساركوزي «الإرهاب» الذي تمارسه حماس والاستخدام المفرط للقوة الذي تقوم به إسرائيل ضد سكان القطاع. وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن العنف في فرنسا ليس سببه المسلمون فقط بل اليهود أيضا. من بيان ساركوزي يمكن الاستنتاج أن ينسب تنامي المشاعر المقاومة للسامية في أوروبا إلى الصراع الدائر في الشرق الأوسط. وتفجرت مشاعر الكراهية لليهود في الشرق الأوسط مع قيام دولة إسرائيل وما صاحبه من تشريد وطرد للسكان الفلسطينيين.
مع تنامي الوعي الإسلامي ظهر إلى الوجود الكثير من المنظمات والحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله، وغيرهما الكثير. وهي حركات تستخدم الخطاب الديني ولا تخفي كراهيتها لإسرائيل على اعتبار أنها قامت على وطن لشعب عربي مسلم. الثورة الإعلامية ساهمت بدورها في توصيل الآراء المتعارفة إلى عامة الشعب الفلسطيني الذين يعانون بدورهم مشاكل حياتية لا عد لها من غلاء للمعيشة وبطالة وتضييق على الحريات المدنية. أصبح البث التليفزيوني ذو الخطاب الإسلامي يصل إلى كافة أرجاء المعمورة. وقد ردت بعض الدول الأوروبية بمنع بث قنوات مثل «المنار» التابعة لحزب الله وتلك التابعة لحماس على اعتبار أنها تعمل على بث المشاعر المعادية لليهود. ولا يزال باستطاعة المشاهدين العرب والمسلمين متابعة برامج هذه القنوات التي تبث عبر أقمار صناعية لا يسيطر عليها الأوروبيون. أوردت دراسة نشرها معهد «بيو» في سبتمبر الماضي مجموعة مذهلة من الحقائق التي لم تكن معروفة للكثيرين، فحوالي 25% من الألمان و20% من الفرنسيين يكنون مشاعر الكراهية لليهود. أما في إسبانيا فإن هذه النسبة تصل الى 46%.
وهناك جماعات يهودية تتهم الإعلام الإسباني الخاص والحكومي على حد سواء بالعداء لليهود. وكانت إسبانيا قد شهدت أكبر تظاهرة في أوروبا الأسبوع الماضي للاحتجاج على الهجمات الاسرائيلية على غزة، وشارك فيها ما يزيد على 100 ألف متظاهر. ومع استمرار حرب غزة وما يصاحبها من طوفان من المناظر المؤلمة لمعاناة المدنيين استمرت المشاعر المقاومة لإسرائيل واليهود في التنامي. وسيواجه اليهود في أوروبا أوقاتا صعبة في المستقبل القريب. فهل تتعظ إسرائيل؟ ".
على أن كاتب الموسوعة اليهودية، بدلا من الإقرار بأن مسؤولية الكراهية التى يلقاها اليهود من المسلمين، مثلما يَلْقَوْنها من كل الشعوب فى كل زمان ومكان، إنما ترجع إليهم، يزعم أن المسلمين إنما يبغضون اليهود على الدوام دون أى سبب من جانبهم وأنهم مأمورون بنص القرآن ألا يوالوهم أبدا. وهو بهذا يتجاهل السياق الذى نزل فيه مثل ذلك النهى. ولو قرأنا الآيات التالية لاتضح لنا السر فى ذلك: "لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) " (آل عمران)، "وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ
(يُتْبَعُ)
(/)
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآَخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) " (آل عمران)، "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (47) إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلاً (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52) " (النساء)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
(يُتْبَعُ)
(/)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلادْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لاكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) " (المائدة)، "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) " (الأحزاب). وهو، كما نرى معا، سياق تآمرٍ وتطاولٍ على الرسول والمسلمين وتمادٍ فى الغَىّ من جانب اليهود، الذين لا يعرفون شيئا اسمه الارعواء أبدا. فكان لا بد أن يحذّر القرآن المسلمين من خطرهم ويلحّ على تجنب مودتهم. وليس فى هذا أدنى افتئات عليهم، وإلا فهل كان مطلوبا من القرآن أن يزبن للمسلمين إهمال هذا الخطر الداهم الذى يريد اقتلاعهم هم ودينهم من الحياة؟
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن فقول الكاتب إن محمدا قد أظهر بعض الليونة تجاه اليهود وأهل الكتاب عموما مقابل دفعهم الجزية هو كلامٌ ملتوٍ صوابه أنه عليه الصلاة والسلام قد بدأ بمعاملة اليهود معاملة راقية تقوم على تسويتهم بالمسلمين تمام التسوية ودون أن يكلفهم شيئا البتة على ما هو واضح من بنود الصحيفة التى كتبها بين الفريقين غداة هجرته إلى يثرب. إلا أنهم، كعادتهم دائما فى مقابلة الخير بالشر، والجميل بالقبيح، قد شرعوا يتآمرون عليه وعلى دينه وأتباعه منذ اللحظة الأولى، فأعطاهم صلى الله عليه وسلم الفرصة تلو الفرصة دون أن يؤاخذهم على غدرهم المؤاخذة الحاسمة المطلوبة، إلى أن زادت الأمور عن حدها ولم يعد فى قوس الصبر منزع، فكان لا بد من آخر العلاج، وهو البتر، حتى تستقيم الأمور، بعد أن اتضح أن القوم ليس لهم صلاح ولا لمرضهم النفسى والأخلاقى شفاء، وأن المشكلة تكمن فى شخصيتهم ذاتها، تلك الشخصية التى لا تنطوى على خير لأحد. واضح إذن أن الكاتب لا يريد أن يبصر الحقائق ويُؤْثِر أن يظل مغلقا عينيه. وهو فى هذا حر، إلا أننا أيضا أحرار كما هو حر، وملزمون بكشف الزيف الذى يريد تسويقه لقراء مقاله ووضع النقاط على الحروف حتى تستقيم الأمور.
أما إشارته إلى الصَّغَار الذى ينبغى أن يذيقه المسلمون أهل الكتاب لَدُنْ أخذهم الجزية منهم والذى نصت عليه الآية التاسعة والعشرون من سورة "التوبة" فهو غير عام، ولا يُقْصَد به إلا من كانوا يريدون بالمسلمين شرا وأمكن الله منهم، وإلا فماذا يريد الكاتب من المسلمين؟ أيريد منهم أن يصفقوا لمن يعمل على تدمير كيانهم السياسى ويقضى على دينهم؟ وهذا هو نص الآية: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ". والمقصود هنا هم الروم، الذين جيشوا على حدود العرب جيشا جرارا يريدون به غزوهم والقضاء على دولتهم ودينهم، فأمر الله المسلمين بتأديبهم وعقابهم بالجزية والصَّغَار، وهو أقل شىء يمكن عمله فى هذه الحالة.
وكيلا يستغرب مرامىَ كلامى من لا يعرف الحقيقة أُحِيله على ما جاء فى العهد القديم من التشريع الواجب على اليهود اتباعه فى الحرب مع الأمم المجاورة. ألا وهو الاستئصال التام لكل إنسان دون أى استثناء، ودون أية شفقة لشيخ أو امرأة أو طفل حتى لو كان طفلا رضيعا. هذه هى الحقيقة التى يتكتمها الكاتب ثم ينخرط فى فواصل متتالية من النصح والإرشاد لنا نحن المسلمين، مع أننا كنا ولا نزال أرحم مَنْ عامَل اليهود وأعطاهم الفرصة للعيش الآمن الكريم بين أَظْهُرنا رغم ماضيهم الغادر فى التعامل معنا منذ أيام النبى عليه السلام.
وهذا هو نص التشريع اليهودى فى الحروب، وما يهمنا منه هو ما يخص حروب اليهود مع الأمم المجاورة لهم لأننا من هذه الأمم بطبيعة الحال. وهو موجود فى الإصحاح العشرين من سفر "التثنية": "10 «حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، 11فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ. 12وَإِنْ لَمْ تُسَالِمْكَ، بَلْ عَمِلَتْ مَعَكَ حَرْبًا، فَحَاصِرْهَا. 13وَإِذَا دَفَعَهَا الرَّبُّ إِلهُكَ إِلَى يَدِكَ فَاضْرِبْ جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. 14وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالْبَهَائِمُ وَكُلُّ مَا فِي الْمَدِينَةِ، كُلُّ غَنِيمَتِهَا، فَتَغْتَنِمُهَا لِنَفْسِكَ، وَتَأْكُلُ غَنِيمَةَ أَعْدَائِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 15هكَذَا تَفْعَلُ بِجَمِيعِ الْمُدُنِ الْبَعِيدَةِ مِنْكَ جِدًّا الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ هؤُلاَءِ الأُمَمِ هُنَا. 16وَأَمَّا مُدُنُ هؤُلاَءِ الشُّعُوبِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا فَلاَ تَسْتَبْقِ مِنْهَا نَسَمَةً مَّا، 17بَلْ تُحَرِّمُهَا تَحْرِيمًا: الْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، كَمَا أَمَرَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ". و"التحريم" هنا معناه
(يُتْبَعُ)
(/)
الإبادة والاستئصال.
وفى تناول الكاتب لموضوع الكتابات الإسلامية الجدلية ضد اليهود حسب قوله نراه يشير أول ما يشير إلى ما جاء فى القرآن من أن بعض اليهود يقولون بأن عُزَيْرًا ابن الله، نافيا أن يكون الأمر كذلك، ومؤكدا أنهم إنما كانوا يبجّلونه ليس إلا. يريد أن يقول إن الرسول قد أخطأ فنسب إلى اليهود ما لم يقولوه. وإلى القارئ أولا ما قاله القرآن المجيد فى هذا الموضوع: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (التوبة/ 30). ويُفْهَم من النص أن من يهود المدينة من كان يقول ذلك عن عُزَيْر. ولو كان ما يقوله القرآن خطأً لسمعنا اليهود يردون عليه ويخطئونه ويسخرون منه ومن النبى الذى أتى به، وهم الذين كانوا يسخرون ويتهكمون من الإسلام والمسلمين بالباطل لا يكفون عن ذلك أبدا. فلماذا سكتوا هنا إذا لم يكونوا فعلا يؤلهون عزيرا مع أن السكوت يثبّت التهمة عليهم؟ إنهم لم يكونوا ليفلتوا هذه الفرصة لفضح النبى وكسره كسرة لا تقوم له قائمة بعدها لو كان ما قاله القرآن غير صحيح. وفى بعض الروايات أن ابن عباس باحث فى هذه المسألة ذات يوم عبد الله بن سلام، وهو صحابى يهودى الأصل، فأجابه ابن سلام بما كان من كتابة عزير التوراة من ذاكرته وقول بنى إسرائيل حينئذ: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا فى كتاب، أما عُزَيْر فقد جاء بها من غير كتاب. فغَلَتْ فيه طوائف منهم وقالوا إنه ابن الله. كذلك ذكر الجاحظ، فى "رسالة الرد على النصارى"، أنه كان فى عصره بقايا فى الشام واليمن وبعض بلاد الروم من اليهود القائلين ببنوة عزير لله. ثم هناك المناظرة التى انعقدت بين الفخر الرازى وأحد القساوسة الذى أقر بأن هناك فعلا يهودا يؤمنون بذلك، إلا أنه اعترض على ما ظنه تعميما من القرآن لهذا على اليهود جميعا، فبين له الرازى أن التعميم ليس بلازم. وما قاله الرازى صحيح، إذ قد يُطْلَق الكل ويُرَاد به الجزء فقط لغرض من الأغراض البلاغية كما هو معروف. ويجد القارئ هذا الكلام فى كتاب الرازى: "مناظرة فى الرد على النصارى". وفى "تفسير عثمانى" (باللغة الأوردية) للشيخ شبير أحمد عثمانى أن عالما هنديا هو الحاج أمير شاه خان لقى فى سفرته إلى فلسطين قبل بضعة عقود يهودا من "العُزَيْرِيّين" لا يزالون يعتقدون أن عزيرا ابن الله. وبالمثل أشار د. عبد المنعم الحفنى فى "الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية" إلى جماعة من اليهود يزعمون أن عزيرا ابن الله. نخرج من هذا كله بأن الكاتب إنما يريد تخطئة القرآن بأى طريق! وقد سبق أن عالجت هذه القضية بتفصيل أكثر فى كتابى: "مع الجاحظ فى رسالة الرد على النصارى" فى الفصل الموسوم بـ"عُزَيْر".
ثم يعود الكاتب إلى ما سبق أن تحدث عنه من أن المسلمين يقولون إن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق، ولكنْ فى سياقٍ آخَرَ هو رده على اتهامهم لليهود بتحريف التوراة. وقد مَرَّ قبل قليل أن العهد القديم فى هذه النقطة، كما فى كثير غيرها، يرد على نفسه بنفسه ولا يحتاج إلى قول من المسلمين. وعلى كل حال هل يعقل مثلا أن يقول الله سبحانه وتعالى عن نفسه إنه استراح من عمله بعد أن خلق السماوات والأرض، وكأنه يجوز عليه التعب والإرهاق ويحتاج إلى التقاط أنفاسه وتجديد حيويته حسبما جاء فى الإصحاح الأول من سِفْر "التكوين"؟ أم هل يعقل أن يقول إن له أبناء مثلما للناس بنات، وإن أبناءه قد ذهبوا إلى بنات الناس واتخذوهن زوجات لهم كما جاء فى الإصحاح السادس من ذات السِّفْر: "1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا "؟ أم هل يعقل أن يكون سِفْر "الخروج"، وهو عن موسى وبنى إسرائيل، قد كتبه ذلك النبى عليه السلام، على حين أن الضمير المستخدم فى السِّفْر كله من أوله إلى آخره هو ضمير الغائب، فى الوقت الذى نجد السفر كثيرا ما يحكى أشياء وقعت قبل مجىء موسى إلى العالم وأشياء أخرى وقعت فى غيابه حينما كان فوق الجبل
(يُتْبَعُ)
(/)
لميقات ربه مثلا، وأنه ينتهى بحكاية موت موسى ودفنه فى الموضع الذى دُفِن فيه؟ ترى هل يمكن أن أقص أنا مثلا خبر موتى ودفنى؟ كذلك هل يعقل أن يخطئ الوحى الإلهى فيقول إن أم موسى وضعته وهو رضيع فى سَفَطٍ كانت قد طَلَتْه بالحُمَر والزفت ثم أعطته إلى أخته، وإن تلك الأخت قد حملته طوال الطريق حتى بلغت قبالة قصر فرعون فوضعته بين الحلفاء هناك على شاطئ النهر؟ فلم إذن طلت أم موسى السَّفَط بالحُمَر والزفت إذا لم تكن النية متجهة إلى وضع السَّفَط فى النهر كما يقول القرآن المجيد؟ ولكيلا ينبرى أحد فيزعم أن النية قد تكون شيئا ثم تأتى الأحداث فتفرض شيئا آخر أقول إن ابنة فرعون، التى يذكر كاتب السِّفْر أنها هى التى التقطت السَّفَط من بين الحلفاء، قالت إنها انتشلته من الماء. ترى كيف تكون انتشلته من الماء فى الوقت الذى يقول الكاتب إنها وجدته بين نبات الحلفاء حيث وضعته أخته؟ وبالمثل كيف يمكن أن نصدق ما عزاه كاتب السفر إلى هارون، وهو الرسول الكريم، من صنع العجل لبنى إسرائيل وبناء مذبح له كى يعبدوه من دون الله ويرقصوا حوله عرايا كما ولدتهم أمهاتهم؟ هل يمكن أن يكون هذا الكلام وحيا إلهيا؟ أم هل يمكن أن يقع الوحى السماوى فى غلطة مضحكة كتلك التى يقول فيها كاتب سفر "أخبارالأيام الثانى" (فى نهاية الإصحاح الحادى والعشرين وأول الثانى والعشرين) إن الملك يهورام كان أصغر من ابنه الأصغر أَخَزْيا بعامين؟ فبكم من الأعوام يا ترى كان يصغر جلالته ابنَه الأكبر إذن؟
أم كيف لنا أن نصدّق أن سفر "نشيد الإنشاد"، وكله فى الغزل الشهوانى العنيف، هو وحى سماوى نزل على سيدنا سليمان عليه السلام؟ وإلى القارئ بعضا مما يحتويه هذا السفر من غزل: "1نَشِيدُ الأَنْشَادِ الَّذِي لِسُلَيْمَانَ: 2لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ. 3لِرَائِحَةِ أَدْهَانِكَ الطَّيِّبَةِ. اسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ، لِذلِكَ أَحَبَّتْكَ الْعَذَارَى. 4اُجْذُبْنِي وَرَاءَكَ فَنَجْرِيَ. أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِكَ. نَذْكُرُ حُبَّكَ أَكْثَرَ مِنَ الْخَمْرِ. بِالْحَقِّ يُحِبُّونَكَ ... 12مَا دَامَ الْمَلِكُ فِي مَجْلِسِهِ أَفَاحَ نَارِدِينِي رَائِحَتَهُ. 13صُرَّةُ الْمُرِّ حَبِيبِي لِي. بَيْنَ ثَدْيَيَّ يَبِيتُ ... 11اُخْرُجْنَ يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ عُرْسِهِ، وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ ... 1هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ. 2أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ. 3شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلأَسْلِحَةِ. أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيْهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ. 5ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ. 6إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ الْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ اللُّبَانِ. 7كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ ... 1مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ. 2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ. 3ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ. 4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ. 5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ. 6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّاتِ!
(يُتْبَعُ)
(/)
7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ. 8قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ، 9وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ. لِحَبِيبِي السَّائِغَةُ الْمُرَقْرِقَةُ السَّائِحَةُ عَلَى شِفَاهِ النَّائِمِينَ. 10أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ. 11تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ، وَلْنَبِتْ فِي الْقُرَى. 12لِنُبَكِّرَنَّ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ حُبِّي. 13اَللُّفَّاحُ يَفُوحُ رَائِحَةً، وَعِنْدَ أَبْوَابِنَا كُلُّ النَّفَائِسِ مِنْ جَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ذَخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي". والعجيب أن الكاتب بعد ذلك كله، وما ذلك كله إلا غَيْضٌ من فَيْض، يتهم القرآن بأنه أخطأ فى اتهام اليهود بتحريف كتابهم!
ويتعلق بهذا إشارته إلى ما يقوله علماء المسلمين من أن فى العهد القديم نبوءات خاصة بنبوة محمد عليه السلام وتأكيده أن علماء اليهود قد فنّدوا هذا الادعاء مبينين أنه لا صلة بين نصوص العهد القديم المرادة وبين نبوة محمد. ولكن ماذا يقول عن الأحبار والرهبان والقساوسة من كل بلاد العالم الذين قالوا ما يقوله علماء المسلمين فى تفسير هذه النصوص، ثم زادوا على ذلك أنْ تصرفوا التصرف المنطقى فى هذه الحالة، وهو الدخول فى الإسلام؟ وقائمة أولئك الناس جِدُّ طويلةٍ، وكثير من أسمائها أوروبى وأمريكى. وأولهم عبد الله بن سلام، الحبر الذى أسلم فى حياة النبى فى قصة شائقة عجيبة تدلك على خلائق اليهود وما هم عليه من عناد وتصلب رقاب ونفاق، وأصبح بعدها واحدا من كبار الصحابة. وما زال العدّاد مستمرا لا يتوقف، ولن يتوقف بمشيئة الله. وقد أورد الكاتب اسم واحد من هذه الأسماء هو السَّمَوْأَل بن يحيى المغربى (الحبر اليهودى السابق شموائيل بن يهوذا بن آبوان، الذى سماه كاتبنا بـ"المرتدّ")، وكان متضلعا من اللغة العبرية والتاريخ والطب، فضلا عن علوم الرياضيات، التى ترك فيها مؤلفات بلغت القمة فى أهميتها ... إلخ. ولم يكتف السموأل باعتناق الإسلام، بل كتب يفضح ويفنِّد الأخطاء الموجودة فى ديانته الأولى، مشيرا إلى مواضع العبث والتحريف فى العهد القديم. وهذا موجود فى كتابه: "إفحام اليهود". ومِثْلُ السموأل من علماء يهود القدامى فى ترك اليهودية واعتناق دين محمد عليه الصلاة والسلام: هبة الله علي بن الحسين بن ملكا، وسعيد بن الحسن الإسكندراني (في القرنين السابع والثامن الهجريين). وفى الختام أجد لزاما علىّ أن أشير إلى وقوف كاتبنا بعض الوقت أمام اسم رائد الدراسات الدينية المقارنة الإمام العظيم ابن حزم وتراثه الذى خلّفه لنا فى تبيين ما يعجّ به الكتاب المقدس من أخطاء وتناقضات، وعلى رأسه "الفِصَل فى المِلَل والأهواء والنِّحَل". والحق أن ابن حزم عقلية جبارة وعبقرية شاهقة ليس من السهل العثور على مثيل لها. وإنى لأهتبل هذه السانحة فأدعو الله أن يسكنه عُلْيَا الفراديس وأن يُغْدِق عليه شآبيب كرمه العميم.
ومما تناوله الكاتب فى هذا السياق أيضا الاتهام الذى وجهه علماء المسلمين إلى اليهودية بأنها تجسد الله وتشبّهه من ثم بالبشر. وأنا لن أصنع شيئا هنا سوى إيراد بعض النصوص التى تُجَسِّد الله فعلا، حاصرا نفسى فى السِّفْر الأول فقط من العهد القديم. وعلى القارئ أن يقيس ما لم نتطرق إليه على ما تطرقنا: "1فَأُكْمِلَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَكُلُّ جُنْدِهَا. 2وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. 3وَبَارَكَ اللهُ الْيَوْمَ السَّابعَ وَقَدَّسَهُ، لأَنَّهُ فِيهِ اسْتَرَاحَ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ اللهُ خَالِقًا" (تكوين/ 1)، "8وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ
(يُتْبَعُ)
(/)
أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ» " (تكوين/ 3)، "1وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، 2أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». 4كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ" (تكوين/ 6)، "5وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ" (تكوين/ 6)، "6وَاجْتَازَ أَبْرَامُ فِي الأَرْضِ إِلَى مَكَانِ شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حِينَئِذٍ فِي الأَرْضِ. 7وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ». فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ" (تكوين/ 12)، "1وَلَمَّا كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً ظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً، 2فَأَجْعَلَ عَهْدِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَأُكَثِّرَكَ كَثِيرًا جِدًّا». 3فَسَقَطَ أَبْرَامُ عَلَى وَجْهِهِ. وَتَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ قَائِلاً: ... 22فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ صَعِدَ اللهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ" (تكوين/ 17)، "1وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، 2فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، 3وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. 4لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، 5فَآخُذَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، فَتُسْنِدُونَ قُلُوبَكُمْ ثُمَّ تَجْتَازُونَ، لأَنَّكُمْ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَى عَبْدِكُمْ». فَقَالُوا: «هكَذَا تَفْعَلُ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 6فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَيْمَةِ إِلَى سَارَةَ، وَقَالَ: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ كَيْلاَتٍ دَقِيقًا سَمِيذًا. اعْجِنِي وَاصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ». 7ثُمَّ رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلاً رَخْصًا وَجَيِّدًا وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ. 8ثُمَّ أَخَذَ زُبْدًا وَلَبَنًا، وَالْعِجْلَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَوَضَعَهَا قُدَّامَهُمْ. وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفًا لَدَيْهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَكَلُوا ... 22وَانْصَرَفَ الرِّجَالُ مِنْ هُنَاكَ وَذَهَبُوا نَحْوَ سَدُومَ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا أَمَامَ الرَّبِّ ... 33وَذَهَبَ الرَّبُّ عِنْدَمَا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَرَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَكَانِهِ" (تكوين/ 18)، "22ثُمَّ قَامَ (أى يعقوب بن إسحاق) فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ الْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ. 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
تُبَارِكْنِي». 27فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. 30فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». 31وَأَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى فَخْذِهِ. 32لِذلِكَ لاَ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخِْذِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا" (تكوين/ 32)، "9وَظَهَرَ اللهُ لِيَعْقُوبَ أَيْضًا حِينَ جَاءَ مِنْ فَدَّانَِ أَرَامَ وَبَارَكَهُ. 10وَقَالَ لَهُ اللهُ: «اسْمُكَ يَعْقُوبُ. لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِيمَا بَعْدُ يَعْقُوبَ، بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِسْرَائِيلَ». فَدَعَا اسْمَهُ «إِسْرَائِيلَ». 11وَقَالَ لَهُ اللهُ: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. أَثْمِرْ وَاكْثُرْ. أُمَّةٌ وَجَمَاعَةُ أُمَمٍ تَكُونُ مِنْكَ، وَمُلُوكٌ سَيَخْرُجُونَ مِنْ صُلْبِكَ. 12وَالأَرْضُ الَّتِي أَعْطَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، لَكَ أُعْطِيهَا، وَلِنَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ أُعْطِي الأَرْضَ». 13ثُمَّ صَعِدَ اللهُ عَنْهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ. 14فَنَصَبَ يَعْقُوبُ عَمُودًا فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ مَعَهُ، عَمُودًا مِنْ حَجَرٍ، وَسَكَبَ عَلَيْهِ سَكِيبًا، وَصَبَّ عَلَيْهِ زَيْتًا. 15وَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ تَكَلَّمَ اللهُ مَعَهُ «بَيْتَ إِيلَ» " (تكوين/ 35)، "3وَقَالَ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ: «اللهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرَ لِي فِي لُوزَ، فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَبَارَكَنِي. 4وَقَالَ لِي: هَا أَنَا أَجْعَلُكَ مُثْمِرًا وَأُكَثِّرُكَ، وَأَجْعَلُكَ جُمْهُورًا مِنَ الأُمَمِ، وَأُعْطِي نَسْلَكَ هذِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِكَ مُلْكًا أَبَدِيًّا ... » " (تكوين/ 48).
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[12 Feb 2009, 06:48 م]ـ
جزاك الله خيراً
وبارك الله بك وبقلمك
سيدي الدكتور إبراهيم(/)
ياسر المطرفي يرد على سعيد السريحي في نقده للخطاب الديني
ـ[أبو حاتم]ــــــــ[13 Feb 2009, 01:26 ص]ـ
كل فكر يحمل في ثناياه بذور التقديس حتى الفكر «الشكي»
ياسر بن ماطر المطرفي
أكاديمي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة
يتكرر التعاطي مع «نقد الخطاب الديني» في أطروحات الفكر الحداثي، وهذا التكرار إنما يعبر عن رؤى كلية متشابهة وإن اختلفت تفاصيلها، وربما كان هذا التشابه، بسبب المرجعية الفكرية التي ينهل منها هذا الخطاب، وفي هذا السياق تأتي قراءة الأستاذ سعيد السريحي للخطاب الديني، والتي بدا فيه ناقما وبشدة على هذا الخطاب، مما أفقده كثيرا من التوازن أثناء معالجة مثل هذا الموضوع، وهو ما جره إلى مجموعة من الإشكالات العلمية والمنهجية، بداية من إشكالية عدم التجانس بين عنوان المقال وبين مضمونه، فالعنوان يتحدث عن (الخطاب)، والمضمون يتحدث في مجمله عن (أصحاب الخطاب) والتداخل بين الخطاب وأصحابه لا يبرر علميا عدم الفصل بينهما أثناء البحث والمعالجة، لأن الحديث عن الخطاب يعني: النفاذ إلى مناقشة الأسس المنهجية التي يبني عليها أصحاب هذا الخطاب مواقفه، أي أن الحديث عن (الخطاب) سيجبر صاحبه إلى دخول دائرة البحث العلمي في عدة قضايا أهمها: بيان الأسس المنهجية التي يبني عليها الخطاب مقولاته. وذكر الأدلة العلمية - لا الذاتية - لنقد هذه الأسس، ثم يقيم البديل المناسب عن هذا الخطاب، وهو ما لم يتعرض له مقال الكاتب، وأما الحديث عن (أصحاب الخطاب) فقد لا يشكل عند كاتبه شيئا من العناء، لأنه يمكنه التحدث عنه بلغة لا تتطلب قدرا كبيرا من البحث، بل أقصى ما يمكن: أنها تدخل في دائرة (الجدل الصحفي)؛ الخيار الذي يخدم الصحافة، لكنه لا يخدم الوسط العلمي.
إقصائية الخطاب
وحديث الأستاذ عن (الخطاب الديني) حديث يأخذ صفة العموم، وكنت أحسبه يتحدث عن فئة معينة من أصحاب هذا الخطاب، فإذا به في منتصف مقاله يهاجم حتى أصحاب التجديد فيه، لنجده في نهاية مقاله ينقل المشكلة إلى أكثر (ما يزيد على القرن)!!!.
إن إشكالية النقد الحداثي - في كثير من خطاباته - أنه لم يستوعب أن كثيرا من النقائص التي يصف بها أصحاب الخطاب الديني: قد مارسها بقدر عالٍ من الوضوح عندما ينقد الخطاب الديني، فتجده يتحدث عن إقصائية الخطاب الديني، لكنه يمارسها في الوقت ذاته مع هذا الخطاب، فهو يقصيه عندما يتهمه بعدم نزاهة مقاصده وأن الأطروحة التي يقدمونها من أجل: (أن يحقق لهم وصولهم إلى السلطة).
وأتذكر - هنا - أحد كتاب الحداثة، وهو يذكر من بين أهم منجزات هذا الفكر أنه: (أظهر لنا وعيا حقيقيا بما تقتضيه منهجية التفكير الحديث من احترام للفكر المخالف مهما تعمقت هوة الخلاف وتعارضت الرؤى والمواقف).
لكن هذا الاحترام يزول تماما في حالة واحدة، وهي عندما يتحدث عن الخطاب الديني ليعتبرهم نفس هذا الكاتب: (فقدوا كل مصداقية في فهم الحياة الراهنة).
ويتحدث هذا الفكر عن فكرة المؤامرة في (الخطاب الديني) ويبيح لنفسه ممارستها باتهامهم أن ما يقدمه هذا الخطاب: (ليس سوى محاولة للاحتفاظ، لا بمكانة الدين في المجتمع، وإنما بمكانة السلطة .. ). فالخطاب الديني، إنما يتحرك من أجل مطامع سياسية.
ويتحدث - كذلك - عن ثقافة التسامح، لكنه لا يبدي أي تسامح مع هذا الخطاب، بل يتحدث عنه بطريقة تعبوية، فهو الذي أنتج - كما يقول الأستاذ: (عصر يسود فيه التطرف والغلو وتنتشر فيه جماعات التكفير والتفجير ... )، ويتناسى كل المحاولات التي قامت بها أطياف كثيرة من أصحاب الخطاب الديني، بالوقوف أمام هذا التطرف والتفجير.
ويتحدث عن الوثوقية في الخطاب الديني، وهو يمارس نفس هذه الوثوقية أثناء نقده كما في مقال الكاتب، وهذا يبين أن كل صاحب فكر يستحيل أن يقدم فكره بدون أن يكون واثقا به مقدما له على غيره، كما يقول أحد كتابها عن هذا الفكر: (إنه يبدو واثقا من الأرضية التي يقف عليها ويتحمل مسؤولية الأخطار الابستمولوجية والاجتماعية التي يمكن أن تنجر عن خطابه ... )، وهذه الملاحظة ليست من اختصاص الخطاب الديني فحسب، بل حتى من بعض من لا ينتسب لهذا الخطاب، يقول فهمي جدعان، وهو يتحدث عن الخطاب الليبرالي: (هذا النموذج هو أيضا نموذج أحادي يعتقد أصحابه أنه النموذج الأمثل، بل النموذج الأوحد الذي يتعين الأخذ به، وأن
(يُتْبَعُ)
(/)
أي بديل آخر لهذا النموذج غير ممكن وغير مقبول)، وهي التي يسميها البازعي (الخطابية الواثقة).
ويتحدث - كذلك - عن (أدلجة) هذا الخطاب الديني، وهو يمارسها من خلال استبداله بأيديولوجية - أخرى - وهي الحداثة، ولهذا يختصر حنفي كل هذا الكلام فيقول بوضوح: (كل فلسفة هي بطريقة ما أيديولوجيا).
بل حتى مشكلة الفهم والاستيعاب التي ما يلبث الخطاب الحداثي في اتهام الخطاب الديني بها، هي بذاتها واقعة في خطابه حتى في نظر كبار مفكري الحداثة العربية، يقول الجابري عن سوء ترجمة المسوقين للفكر الغربي: (أنا شخصيا عندما أقرأ كتابا ترجم في هذا العصر إلى العربية في موضوع فلسفي لا أفهمه ... ).
وأحد أهم أسباب سوء الترجمة، ضعف الفهم والاستيعاب، أختم هذه الفكرة بتوصيف جميل لواحد من رواد الحداثة، وهو علي حرب، حين يصف فكر محمد أركون: (يحدثنا عن أشياء ليغيب أشياء، يعدنا بالتحرر من سواه من النصوص، فيما هو يقيم سلطته ويحجب أثره، يزعزع الثقة بمرجعيات قائمة لكي يؤسس مرجعيته، يريد العودة إلى الأصل الأول، فيما هو ينسخ الأصل نفسه، يدعوك إلى ممارسة حريتك في التفكير وحقك في النقد، فيما هو يمارس وصايته على الحقيقة والحرية.
الإفراز الفكري الخاص
وأنتقل إلى مناقشة بعض الحقائق التي تخالف الواقع، مما تضمنه مقال الكاتب، كتلك التي يصف فيها الخطاب الديني بالوقوف أمام المنجزات الإنسانية، وأنه - كما يقول: (غير آبه بما بذلته البشرية من جهد في تقصي أسباب مشاكلها وما رسمته من حلول ... )، (عالم أصبح فيه المنجز الإنساني ملكا مشاعا للبشرية جمعاء)، فهل صحيح أن هذا الخطاب لم يأبه بما بذلته البشرية من جهد إنساني؟
بطبيعية الحال ليس الأمر كذلك، شريطة أن تكون هذه المنجزات (ملكا مشاعا للبشرية جمعاء) أي بعبارة أخرى: عندما ينفصل هذا المنجز عن (التحيزات)، كما يعبر المسيري وغيره.
أما عندما لا يملك هذه الملكية المشاعة، فلكل أمة خصوصيتها، وهي خصوصية تؤمن بها أطياف أخرى ليست محسوبة على الخطاب الديني، كما يقول حسن حنفي: (كل حضارة خاصة، ولا توجد حضارة عامة تمثل الحضارات جميعا ... ). والمشكلة مع الخطاب الحداثي أنه أدخل في المنجز البشري المشاع هو من عمق (الإفراز الفكري الخاص)، الذي لا يأخذ صفة الكونية حتى عند منتجي هذا الفكر، بل لقد وصل الأمر ببعض أصحاب هذا الفكر مثل - نصر أبو زيد - إلى أن يقترح استبدال كلمة (الحضارة الغربية) بكلمة (الحضارة الحديثة)، لأنها نتاج بشري متراكم متجردة من جميع التحيزات!!!.
يقول الناقد الأمريكي ج هلس ملر في نقد هذه الفكرة: (على الرغم من أن النظرية قد تبدو موضوعية وعالمية مثل أي اختراع تقني، فإنها في حقيقة الأمر تنمو في مكان وزمان وثقافة ولغة محددة، وتبقى مربوطة إلى ذلك المكان واللغة). والأمر كذلك عند بولين يو أستاذة الأدب الصيني في جامعة كولومبيا الأمريكية، وعند إليا بريغوجين عالم الكيمياء الروسي الفائز بجائزة نوبل وغيرهم، هذه مقولات أصحاب الفكر نفسه، فهل أصبح الحديث عن ذلك من إفرازات الخطاب الديني وحده؟
ولما استورد كثير من أصحاب هذا الفكر الحداثي هذه المناهج الفكرية من الغرب ليطبقها على التراث الإسلامي، ووجد أمامه ممانعة قوية لاستيراد هذه المناهج أضفى عليها صفة الكونية، وهذه الحالة من «الاقتراض الشديد» - كما يسميها إحسان عباس - أدت إلى اختلال منهجي في هذا الفكر، يحكي ذلك حسن حنفي عن تجربته وتجربة جيله فيقول: (أما جيلنا الخامس، فقد ترجمنا فلسفة الأنوار بلا هدف واضح مجرد نقل لتراث الغير وبلا إعادة، بناء على موروثنا القديم). ويقول: (ولما كانت نظريات المعرفة في الغرب متجددة ... ظل الفكر العربي لاهثا وراء هذا الإيقاع السريع، فلا هو أصل معرفته ولا هو أدرك واقعه ... كل منهم ينهل من مصدر غربي، يظهر مهارته في حداثة الاطلاع، وجدة المصطلحات، وأسماء المذاهب والأعلام ... ).
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا الكلام مزعج عندما يقوله الخطاب الديني، وهو أشد إزعاجا عندما يصدر ممن لا ينتسب إليه، بل يقف في مقابلته، ولذلك لا يخفي الجابري دهشته وهو يقرأ مثل هذا الكلام من حنفي فيقول - معلقا عليه -: (وأنا أفهم مثل هذه التصريحات عندما تصدر عن أولئك العلماء التقليديين الذين درجنا على تسميتهم بالسلفيين ... ولكن الذي يصعب تفهمه، هو أن تصدر مثل تلك التصريحات عن كتاب ومؤلفين درسوا في الغرب وبضاعتهم من اللغات الغربية والثقافة الغربية ذات اعتبار.
إن المشكلة ليست مشكلة سلفيين أو غيرهم - كما يصورها الجابري وغيره - إنها في حقيقة الأمر: مشكلة الحقيقة والواقع التي يحاول كثير من أصحاب هذا الفكر غض الطرف عنها، هذه الحقيقة، هي التي جعلت الجابري في يوم (ما) يعود مرة أخرى ليبين جانبا آخر من جوانب (ظاهرة الاستهلاك الفكري) عندما يقول: (فعلا، يطغى على تعاملنا مع الفكر الغربي هذا النوع من ممارسة المنهج المطبق بهذا الشكل ... نستورد الفكر بكل مضمراته الأيديولوجية، وبكل أسسه المادية، وحتى بعض تطلعاته ... إننا نستهلك فقط.
إن هذه الحالة من التبعية الفكرية للمناهج الغربية جعلت الجابري يقول - بنوع من الأسف - وبكل صراحة ووضوح: (لم يعد الأوروبيون اليوم في حاجة إلى مستشرقين من بني جلدتهم ينقلون إليهم خبر الشرق، فهناك من أبناء الشرق نفسه من يقومون بـ «المهمة» سواء داخل «مراكز بحث» في أوروبا وأمريكا أو داخل «مراكز الدراسات» في كثير من العواصم العربية. وهذا يكفي!!).
تحنيط الدين
وأختم بالتعليق على نظرة الكاتب في قوله: (بين الدين والخطاب الديني مسافة تجعلهما غير قابلين للتداخل أو الالتباس، ذلك أنها مسافة ما بين الإلهي والبشري، مسافة ما بين ما هو مقدس، وما لا ينبغي أن نحيطه بهالة من القداسة).
هذا الحديث حول الفصل التام بين الدين والخطاب الديني، يقود في نهاية الأمر إلى ما يمكن أن نسميه (تحنيط الدين)، بمعنى عدم فاعلية الدين في المجتمع، ومن أجل ذلك يفسر الكاتب جوهر الدين بقوله: (ونعني بجوهر الدين طبيعته العقدية الصافية التي تتمثل في التجربة الروحية وصلة العبد بربه)، وهو تفسير ينحو المنحى الصوفي في التعامل مع الدين، وحتى لا تواجه هذه الدعوة بشيء من ردة الفعل يقدم الكاتب التبرير المتكرر: حتى لا يتم (تعريض جوهر الدين النقي للتلوث بمشاغل العصر وشؤونه ... ).
وهذه النظرة للدين مخالفة للواقع العملي حتى عند الفكر الحداثي نفسه، لأنه عندما يريد أن يوظف النص الديني في بعض شؤونه بدون استثناء، فإنه لا يتأخر عن ذلك، وهو بذلك يقع في نفس المشكلة - التي يهرب منها - وهي تلويث جوهر الدين النقي بمشاغل العصر.
وهذه الأطروحة هي دعوة إلى (علمنة الدين)، فالدين في جوهره: العلاقة الروحية التي ترتبط بصلة العبد بربه، والخروج بالدين عن ذلك، هو خروج أيديولوجي عند هذا الفكر.
وما أحب التعليق عليه، هو أن هذا الفصل الذي يتكرر في الطرح الحداثي بين النص وفهم النص أن النص هو المقدس، وأما فهمه فلا ينبغي أن يعطى بهالة من القداسة، هو طرح يحاول اختزال صورة القضية من خلال ثنائيات غير صحيحة، والإشكاليات العلمية التي تقف أمام هذا الطرح كثيرة، غير أن واحدا من أهمها: أنه لا يفرق في أطروحته بين منهج الفهم، وبين تطبيق هذا المنهج.
ويصور للقارئ أن الخطاب الديني يجمع بينهما، بينما الأمر ليس كذلك، فمنهج الفهم لا شك عند أصحاب الخطاب الديني أنه مقدس، وسبب تقديسه، لأنه يقوم على أسس علمية موضوعية، وحتى الفكر الحداثي عندما يطرح بديله المنهجي مهما كان هذا البديل، فإنه سيقع من حيث يشعر أو لا يشعر في دائرة التقديس، لكن القضية فقط تحتاج إلى وضوح في الرؤية وصراحة في الموقف، وفرق بين أن نقول بقداسة المنهج، وبين أن نقول بقداسة تطبيق المجتهدين له، لأن تطبيقهم جهد بشري يدخله الخطأ والصواب، ومن أجل ذلك أصل الخطاب الديني لفكرة محاربة التقليد، والتي تعني عدم قداسة المجتهدين، مؤكدة أهمية الرجوع إلى قداسة المنهج، وهذه أبجديات الخطاب الديني لا تفتأ أن تنقل للدارسين مقولة عن أبي حنيفة يقول فيها: (فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا)، هذا من جهة التطبيق.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما من جهة المنهج فيقول لهم أيضا: (إذا صح الحديث فهو مذهبي)، وينقل لهم قول مالك: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه)، فأنظر أين جعل القداسة، وأين جعل الخطأ؟ وينقل لهم كذلك قول الشافعي: (كل ما قلت؛ فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني).
ويختم لهم بقول أحمد بن حنبل: (لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا). كلهم إذن يرجعون إلى منهج واحد، وكلهم كذلك يقرون بإمكان وقوع الخطأ في تطبيقهم، فتطبيقهم لا يحمل معنى القداسة. فمرجع القضية إذن إلى صحة المنهج، وإن أي بديل منهجي يطرحه الأستاذ أو غيره سوى هذا المنهج سيحمل معه فكرة القداسة. ثمة سؤال يردده الفكر الحداثي - بعد ذلك - حول المنهج الذي يقدمه الخطاب الديني: بأي فهم يمكن أن نفهم الكتاب والسنة في حالة التسليم بهما؟ وهو سؤال يتطلب قدرا أوسع من هذا التعقيب، ولما انحصر الجواب في ذهن أصحاب هذا التساؤل بين القول: بفهمنا نحن: الخطاب الديني، وبين عدم تحديد صاحب الفهم؟ كان البديل المنهجي الذي يطرحه كثير من أصحاب هذا الفكر، هو الخروج من أسوار هذا المنهج إلى بديل آخر يقوم على فكرة (تعدد القراءة)، وهو بديل منهجي قام على أساس الفلسفة (الهرمنيوطيقية) التي نشأت لإشكاليات معروفة في الفكر الغربي، وستنتهي في نهاية المطاف إلى فوضى النسبية، كما يقول أتباعها: (إن الحداثة تؤدي حتما إلى النسبية الشاملة في مجالات العلوم والفنون والفلسفة والأخلاق، وحتى في مجال العقيدة).
وبهذه النسبية يحقق الجابري واحدا من أهم أهداف مشروعه وهو: (تحويل العقيدة إلى مجرد رأي). ويصلوا في النهاية إلى صياغة (إسلام متحرك ومربك يحمل قارئه قسراً على مغادرة اطمئنانه ويقينه) كما تقول - عن نفسها - المدرسة التونسية التي يشرف عليها عبد المجيد الشرفي. هذه هي الحقيقة النهائية التي تنتهي إليها الأطروحة الحداثية: (مغادرة اليقين) إلى كل من يبحث عنه، وعندما يغادر اليقين، فلن يختار هذا الشباب الضائع ثقافة (التفجير) الآثمة، بل سيتجه نحو ثقافة (الانتحار) اليائسة، وهما طريقان كلاهما يؤدي إلى نفس النتيجة، وهي: إزهاق الأرواح البريئة.
المصدر:
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2009...0212258277.htm
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[13 Feb 2009, 06:00 م]ـ
رد موفق، وأسأل الله لك المزيد.
ـ[طارق عبدالله]ــــــــ[15 Feb 2009, 05:35 م]ـ
ماشاء الله وبارك الله ببيانك وجزاك الله خيرا
وحقاً يصدق فيهم مقالة:رمتني بدائها وانسلت
وأقول عنهم: وكأنهم رأوا أنفسهم فينا فكان نقدهم كشفا عن خبيآتهم وبيان لمقاصدهم
ـ[مرهف]ــــــــ[17 Feb 2009, 05:21 ص]ـ
بارك الله بك وبقلمك رد موفق، ما شاء الله، وأود التعليق بالقول إن نقد ما يسمى بالخطاب الديني والمقارنة بينه وبين الخطاب الرباني بالمنطق العلماني الذي يكتب فيه الجابري وأمثاله صار واضحاً في أنه لف ودوران يعبر على وجود تشويش فكري واضطراب عقلي في الفهم لحقيقة هذا الدين والسبب في ذلك - والله أعلم -أنهم تلقوا فهمهم للإسلام من كتب وأقلام وعقول ليست إسلامية المنشأ والتربية والعلم، كما أن الخطاب العلماني الذي يقدمه أصحابه صار باهتاً من كثرة التكرار في النقد وقديما في عرض الأفكار ومبسوراً عن الواقع العلمي وليتهم يصرفون وقتهم في تعلم أصول الاستنباط والاجتهاد والفهم في العلوم الشرعية بدل الكتابة من خلفية فكرية مغربة أو مشرقة والله أعلم.
ـ[إبراهيم المصري]ــــــــ[07 Apr 2009, 09:58 ص]ـ
لك مني كل الشكر والتقدير
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[24 Jun 2009, 08:38 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.
الأستاذ الفاضل أبو حاتم ـ حفظه الله ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أما بعد، فإننا في حاجة ملحة إلى مثل هذه المقالات العلمية الرصينة.
جزاكم الله خيرا، ووفقكم لما يحبه و يرضاه.
و السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.(/)
دعوى متهافتة
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[18 Feb 2009, 06:55 م]ـ
في إطار محاولات النصارى الساذجة في الطعن في القرآن – جاءني بعض طلاب الجامعة بمقال عنوانه "خرافة الإعجاز البلاغي في القرآن" يدعي فيه كاتبه: أنه لما كانت البلاغة هي " ما قلّ ودلّ " فإن قول العامة: "الدنيا سوق، نصب وانفض، ربح الرابحون وخسر الخاسرون" – حسب هذه القاعدة - أبلغ من الآية 24 في سورة يونس: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ) إذ أن القرآن قد وصف الدنيا فيما يقرب من 40 كلمة، وهو ما لم تعرفه ولا تقره البلاغة، ويذهب الكاتب إلى أن القرآن لا يخلو من البلاغة، ولكنه يحمل سقطات بلاغية أيضا كهذه.
ونرد على الكاتب بقولنا:
1/قولك (إن القرآن لا يخلو من البلاغة) يشير – وبصورة مباشرة - إلى أن القرآن حظه قليل في البلاغة، وهو رأي غير مقبول ابتداء؛ لأنه لا يمكن أن يقول به ذو عقل سليم، ثم إنك – حسب ما يبدو لي - ليس لك معيار صحيح للبلاغة أصلا، ولا شك أن البلاغة درجات متفاوتة ومراتب يعلو بعضها فوق بعض حتى تخرج عن طوق البشر وتعجز عنها قواهم وتتقاصر دونها قرائحهم، وهذه الدرجة العليا في البلاغة التي ليس بعدها من درجة هي درجة القرآن، وكلما علت هذه الدرجة خفيت على من لا قدم له في معرفة البلاغة مثلك؛ ومعلوم أن دراسة الإعجاز والعكوف على صفة التحدي من شأنهما أن يوقفا على الفروق الجوهرية بين القرآن العظيم وبين غيره، ولا شك أن لهذه الفروق أهمية كبرى ومكانة عظمى في هذا المضمار؛ إذ لا يثبت الإعجاز نفسه إلا بثبوت هذه الفروق، ومن المعلوم _ عند الأجيال المتعاقبة جميعا بعد نزول القرآن - أن هنالك فرقاً كبيراً وبونا شاسعاً بين نظم القرآن وتأليفه ونظم سائر الكلام وتأليفه، ولكن قل لي بربك هل سمعت بقضية النظم هذه؟ فإن كنت قد سمعت فلماذا تضرب عنها صفحا وتميل إلى قواعد متوهمة لم يقل بها قبلك من أحد، ثم إن هذه القاعدة المتوهمة نفسها والتي لا معنى لها هاهنا - لم تطبق عندك بشكل صحيح كما سيأتي.
2/ هذه الآية تحتاج إلى فكر؛ ولذلك قال تعالى في آخرها: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وخصّ بذلك أهل الفكر لأنهم أهل التمييز بين الأمور والفحص عن الحقائق التي تعرض في الفكر والعقل، وكأنني بهذه الآية تعرّض بأمثالك ممن لا يتدبرون كلام الله ولا يتفكرون فيه جيدا
3/ من بلاغة الآية التشبيه والتمثيل الذي ورد فيها، أي صفة الحياة الدنيا في فنائها وزوالها وقلة قيمتها مثل ماء اختلط به النبات؛ أي شرب منه فتندى وحسن واخضر؛ فأكل الناس من الحبوب والثمار والبقول وأكلت الأنعام من الكلأ والتبن والشعير؛ حتى إذا أخذت الأرض كمال حسنها وازينت بالحبوب والثمار والأزهار و أيقن أهلها أنهم قادرون على حصادها والانتفاع بها - أتاها عذابنا أو أمرنا بهلاكها ليلا أو نهارا فجعلناها محصودة مقطوعة لا شيء فيها؛ كأن لم تكن عامرة وفيها المنازل التي يعمرها الناس
4/ إن معنى هذه الآية يوجد في آية أخرى وهي: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ) فلماذا لم تختر هذه الآية وهي 17 كلمة إن كنت موضوعيا في حكمك
5/ ذكرت أن البلاغة هي الألفاظ القليلة والمعاني الكثيرة استنادا على قول العرب: (خير الكلام ما قلّ ودلّ) وهذا ما لم يقل به أحد، فهلا جعلت البلاغة هي قول العرب: (إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) ليكون كل جماد أبلغ منك، وهذه نتيجة منطقية أدت إليها مثل مقدمتك تلك
(يُتْبَعُ)
(/)
6/ الألفاظ القليلة مع المعاني الكثيرة تسمى في البلاغة بالإيجاز، وهذا الإيجاز تحكمه مراعاة الحال، ولأجل ذلك كان الإيجاز هو المناسبة بين الكلام والحال سواء قلّ هذا الكلام أو كثر؛ ولهذا يقول الجاحظ: (الإيجاز لا يعني قلة عدد الحروف واللفظ؛ فقد يكون الباب من الكلام من أتى عليه فيما يسع بطن طومار فقد أوجز) ومما لا شك فيه أن الشأن كل الشأن في إصابة المقادير ووقوع الكلام موقعه الأنسب اللائق، وهذه النقطة الجوهرية هي التي يكون بها الكلام مختلفاً باختلاف الحالات والمقامات، ولاشك أن من أهم خصائص القرآن الأسلوبية أنه قد جمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة، وقد أفرد الجاحظ لهذا الموضوع الذي هو في غاية الأهمية كتاباً قال عنه: (ولي كتاب جمعت فيه آيات من القرآن لتعرف بها فضل ما بين الإيجاز وبين الزوائد والفضول؛ فإذا قرأتها رأيت فضلها في الإيجاز والجمع للمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة).
7/ يقول سيد قطب في هذه الآية: (هذا هو الماء ينزل من السماء، وهذا هو النبات يمتصه ويختلط به فيمرع ويزدهر. وها هي ذي الأرض كأنها عروس مجلوة تتزين لعرس وتتبرج. وأهلها مزهوون بها، يظنون أنها بجهدهم ازدهرت، وبإرادتهم تزينت، وأنهم أصحاب الأمر فيها، لا يغيرها عليهم مغير، ولا ينازعهم فيها منازع وفي وسط هذا الخصب الممرع، وفي نشوة هذا الفرح، وفي غمرة هذا الاطمئنان الواثق أتاها أمرنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن، في ومضة، وفي جملة، وفي خطفة؛ وذلك مقصود في التعبير بعد الإطالة في عرض مشهد الخصب والزينة والاطمئنان. وهذه هي الدنيا التي يستغرق فيها بعض الناس ويضيعون الآخرة كلها لينالوا منها بعض المتاع. هذه هي لا أمن فيها ولا اطمئنان ولا ثبات فيها ولا استقرار، ولا يملك الناس من أمرها شيئا إلا بمقدار)
8/ إن آية الكهف التي ذكرنا سابقا تختلف طولا وتعبيرا عن هذه الآية؛ لأن السياقين يختلفان كل الاختلاف؛ فهذه الآية جاءت في سياق أن: الله لا يعجل للناس استعجالهم بالخير؛ وأن الإنسان إذا مسه الضر لجأ إلى الله؛ وإن أصابه الخير نسيه؛ والنافع والضار هو الله؛ لكن الناس يعبدون ما لا يضرهم ولا ينفعهم؛ وأن الله هو الذي ينجيهم من أهوال البحر؛ ثم أنهم يبغون في الأرض بعد نجاتهم، ثم يذكر سرعة زوال الدنيا التي لا سلام ولا اطمئنان فيها؛ وأنه يدعو إلى دار السلام، وهو يعرض السياق واصفا دنيا البشر بصورة بطيئة ثم تعقبها السرعة. أما في الكهف فالمشاهد من أولها كلها سريعة خاطفة؛ إذ جاء ذكر الدنيا بعد قصة صاحب الجنتين .. وفجأة ينقلنا السياق من مشهد النماء والازدهار إلى مشهد الدمار والبوار. ومن هيئة البطر والاستكبار إلى هيئة الندم والاستغفار، فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن: وأمام هذا المشهد يضرب مثلا للحياة الدنيا كلها. فإذا هي كتلك الجنة المضروبة مثلا قصيرة قصيرة، لا بقاء لها ولا قرار. وهذا المشهد يعرض قصيرا خاطفا ليلقي في النفس ظل الفناء والزوال؛ فالماء ينزل من السماء فلا يجري ولا يسيل ولكن يختلط به نبات الأرض، والنبات لا ينمو ولا ينضج، ولكنه يصبح هشيما تذروه الرياح. وما بين ثلاث جمل قصار، ينتهي شريط الحياة، ولقد استخدم النسق اللفظي في تقصير عرض المشاهد بالتعقيب الذي تدل عليه الفاء (فاختلط) فما أقصرها حياة! وما أهونها! فهل عرفت معنى البلاغة.
ـ[عمرو الشاعر]ــــــــ[11 Apr 2009, 07:33 ص]ـ
أليس من العجيب أن يطعن أي إنسان كان في بلاغة القرآن؟!!!!!!!!(/)
دعوى حداثية متهافتة
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[22 Feb 2009, 06:55 م]ـ
اشتدّ تيار القراءات الحداثية المعاصرة للقرآن منذ التسعينيات من القرن الماضي، وتناول أصحاب هذا التيار القرآن وأعملوا فيه أدوات النقد التي استخدمت في نقد النص الديني في أوروبا؛ فجاءوا بخطة الأنسنة والعقلنة والتاريخانية، وذهبوا إلى أن تلك الأمور الغيبية عند المسلمين إنما هي من المتخيَّل الإسلامي، وهذه الأمور المتخيّلة – حسب زعمهم - إنما تعبر عن ذهنية تلك العصور الماضية، وقد سار في هذا الاتجاه محمد أركون وحسن حنفي وعبد المجيد الشرفي وبسام الجمل وغيرهم، وقد ذهب بسام الجمل إلى أن انشقاق القمر في قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) إنما كان من إنتاج المتخيَّل الإسلامي ولم يقع انشقاق حقيقة، والآية لا تذكره حسبما ذكر (1)؛ وقد مال الجمل إلى التفسير المجازي (2) الذي يقوّض سبب النزول من أساسه؛ حسب تعبيره؛ وهذا التفسير المجازي هو أن معنى "انشق القمر" أي: وضح الأمر وظهر (3)، وقد عدّ الدكتور الجمل حادثة انشقاق القمر على الحقيقة من الأمور المتخيّلة، ورفض في ذلك رواية ابن مسعود وأنس بن مالك في أسباب نزول الآية، وذكر أن المفسرين وعلماء القرآن قد سلّموا بحقيقة انشقاق القمر نصفين ورأوا فيه فعلاً غريباً من أفعال الخالق؛ ولذلك فسروا به الآية تفسيراً مباشراً (4)، وذكر أن الذي حمل الصحابة والمفسرين وعلماء القرآن على تأكيد الانشقاق الحقيقي هو سد الفراغ الكبير في القرآن الذي لم يتحدث البتة عن أي معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم خلافاً لما كان لسابقيه من الأنبياء من معجزات (5) وقد تأثر الجمل في ذلك بحسن حنفي الذي عدّ انشقاق القمر أحد وسائل التخييل وطرق الإقناع في الخيال الشعبي لدى القبائل الصحراوية التي تجهل قوانين العلم (6)، وهذه أقوال باطلة لا أساس لها؛ وذلك للآتي:
- سياق الآية يكذّب دعوى الدكتور ويهدمها من أساسها؛ فالآية التي تلي تلك الآية التي تتناول الانشقاق مباشرة تؤكد أن الكافرين قد رأوا هذه الحادثة رأي العين ولم ينفوها؛ بل زعموا أنها ضرب من ضروب السحر المستمرة؛ لئلا يعترفوا لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة وبما أتى به من معجزات؛ قال تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) ثم قال: (وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرّ) وبهذا أكد السياق وقوعها الفعلي حسا ً لا مجازاً.
- من الوقائع الحسية التي تؤكد المعنى السياقي أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الشاهدين الحاضرين يؤكدون وقوع معجزة "انشقاق القمر" وقوعاً حقيقياً لا خيالياً؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال ـ في هذه الآية ـ: (بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الْجَبَلِ وَفِلْقَةٌ دُونَهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اشْهَدُوا) (7) ويقول ابن كثير: (قد اتفق العلماء مع بقية الأئمة على أن انشقاق القمر كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وردت الأحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الأمة) (8) وبعد هذا الانشقاق ـ الذي هو معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لم يختص بها أهل مكة بل جميع أهل الآفاق ـ قال الكفار: لئن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم؛ فاسألوا من يأتيكم من بلد آخر هل رأوا هذا؟؛ فسألوهم فأخبروهم أنهم رأوا مثل ذلك (9)
- من الوقائع الحسية التي تؤكد المعنى السياقي أن أهل ذلك الزمان في كل الآفاق قد أكدوا هذه الحادثة؛ إذ سجّلت بعض الكتب القديمة لمؤرخي الهند هذا الانشقاق، وفي المقالة الحادية عشرة من تاريخ "فرشته" أن أهل "مليبار" من إقليم الهند رأوه (10)، وقد أُرّخ بهذا الانشقاق لبناء بعض الأبنية في بعض بلاد الهند (11)
(يُتْبَعُ)
(/)
- من الوقائع الحسية التي تؤكد المعنى السياقي شهادة العلم الحديث فقد أعلن فريق من العلماء في الولايات المتحدة الأمريكية أنه قد تبين لهم من الأدلة العلمية ما يؤكد أن القمر قد انشق بالفعل إلى فلقتين؛ ثم التحم مرة أخرى، وقد فوجئ هؤلاء العلماء -عند دراستهم - بحزام من الصخور المتحولة يقطع القمر من سطحه إلى جوفه إلى سطحه؛ فأعطيت هذه المعلومات إلى الجيولوجيين؛ فذكروا أنه لا يمكن أن يحدث ذلك إلا أن يكون القمر قد انشق في يوم من الأيام ثم التحم، وأن تكون هذه الصخور المتحوّلة ناتجة من الاصطدام لحظة الالتحام (12) وحاء في تقرير وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" المنشور أن الانشقاق في القمر حدث في فترة جيولوجية معينة، وهذه الفترة التي ذكرها العلماء قريبة جداً من تلك الفترة التي عاش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم (13).
وإليكم بعض الصور
مراجع وتعليقات على الهامش:
1 - بسام الجمل: أسباب النزول علما من علوم القرآن، ط/المؤسسة العربية للتحديث الفكري، الدار البيضاء، سنة2005م، ص 395 - 397، وهذا الإنكار ليس جديداً وإنما وقع من بعض المبتدعة والمتفلسفة في الماضي، وهو مخالف للآيات والأحاديث وشهادة الصحابة وشهادة أهل ذلك العصر، وقيل أيضا في معنى الآية أن القمر ينشق يوم القيامة وهذا قول باطل لا يصح وشاذ لا يثبت؛ وذلك لإجماع المفسرين على خلافه " انظر لباب التأويل6/ 273"
2 - يستخدم هولاء الحداثيون في دراسة كتاب الله منهج التأويلات اللانهائية والتفسيرات المفتوحة "الهرمنيوطيقا" التي تستخدم في النصوص الأدبية والشعرية التي قيلت في ظروف معينة، وهو منهج يغفل عمداً منذ البداية مقاصد القائل ومعانيه التي يهدف إليها ويتيح للمتلقي فهم المعنى كيف شاء وإن كان هذا الفهم مناقضاً لقول صاحب النص.
3 - أسباب النزول علما من علوم القرآن، ط/المؤسسة العربية للتحديث الفكري، الدار البيضاء، سنة2005م، ص 395 - 397
4 - بسام الجمل: أسباب النزول علما من علوم القرآن، ص 395 - 397
5 - المصدر السابق، ص 395 - 397
6 - حسن حنفي: من العقيدة إلى الثورة ط/1 دار التنوير بيروت 6/ 149 - 150 ويذهب حسن حنفي إلى أنه قد يتضخم البناء النفسي فيتحول من قدرة فعلية إلى وهم ومن صورة إلى من حقيقة ومن إيجاب إلى سلب، وهنا ينشأ الوهم وخداع الحواس وينتهي العقل وتختفي الطبيعة فينشق القمر ويسبح الحصا بين يدي الرسول ويحن الجذع إليه ويشبع الآلاف من لقمتين، ويذهب حنفي أيضا ًإلى إنه إذا كانت النبوة أصل والمعجزة فرع فإن الفرع لا يمكنه أن يثبت الأصل (من العقيدة إلى الثورةج4 ص85 - 87)
7 - صحيح مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب انشقاق القمر 7249،8/ 132، ومسند الإمام أحمد: مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، حديث رقم 3583، 1/ 377، وسنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ( r) ، باب ومن سورة القمر حديث رقم 3285،5/ 397
8 - البداية و النهاية 6/ 82
9 - علي بن برهان الدين الحلبي، السيرة الحلبية ط/ دار المعرفة بيروت 1/ 494
10 - http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap021029.html
11- البداية والنهاية 3/ 149
12 - http://antwrp.gsfc.nasa.gov/apod/ap021029.html
13- المصدر السابق
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[22 Feb 2009, 07:47 م]ـ
لم أتمكن من رفع الصور للموقع في الدليل الحسي الأخير ربما لسبب فني لكن من أراد رؤية تلك الصور فالمواقع التي أكدت هذه الحقيقة بحمد الله كثيرة جدا جدا جدا - فما عليه إلا أن يكتب "انشقاق القمر " حتى تنهال عليه نتائج كثيرة وفيها من الأدلة بالصور والفيديو وأحاديث العلماء ما لم أتمكن هنا من سرد كل تفاصيلها.(/)
صيانة القرآن عن التحريف
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[25 Feb 2009, 11:13 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا بعض ما اجتهدت على جمعه من دلائل حفظ القرآن وصيانته عن التحريف. ارجوا من مشايخنا الكرام وطلاب العلم ان ينبهوا على ما فيها من قصور أو أخطاء واضافة ما يمكن اضافته.
كانت شبهة لبعض الملحدين في تعارض ما هو في المصحف مع ما ورد في احاديث صحيحة من حيث القراءة, فأجبته بالآتي:
"كثيرا من يقع البعض بخطأ شنيع نتيجة عدم تفرقته بين علوم القران وعلوم الحديث. فعلم الحديث يهتم بالاحكام ويقبل فيه النقل بالمعنى , أما القران فلا يقبل به تغير شيء بل يجب تواتر القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي القران تسمى القراءة التي لم تتواتر شاذة.
اذا كان الرجل يؤخذ عنه القران فلا يعني هذا ان تقبل روايته في الحديث. والعكس كذلك والسبب هو اختلاف كل علم في التحصيل. فالقران يقبل من من اتقن القراءة تكرارا وحفظا وتلقي في قراءة صحيحة او اداء من مصحف مع ضبط تلقي وضبط تأدية. اماالحديث فيشترط فيه حسن التلقي وحسن الأداء.
فالعديد من القراء ضعفاء في الحديث والكثير من الحفاظ قراءتهم شاذة غير صحيحة.
فمن الناحية الاولى وهي التواتر هذه القراءات التي نقلت كلها اخبار احاد. ويعارضها القراءة المتواترة الصحيحة.
هذا عام من ناحية علوم القرآن واختلافها عن علم الحديث.
الناحية الأخرى من حيث الحديث:
هذه يؤخذ منها المعنى ان صحت ويخصص منها المعنى ايضا وهذا مرتبط بالتفسير ولذلك نجد ان ابن جرير يوضح ذلك ان تعلق بقراءة فان كانت مما لا يقرأ فيه لم يشر الى اختلاف القراءة وان حدث الاختلاف وضح المعنى وبين القراءة الصحيحة.
ولاحظ ان اختلاف القراءة لا يعني انه متفقة بنفس قالب المعنى بل القالب للمعنى موجود والقراءات تخصص بعضها وتوسع المعنى ولكنها لا تتضاد واذا اردت الاستزادة فعليك بكتب "توجيه القراءات" والعلماء بينوا حتى القراءات الشاذة التي لا يجوز القراءة بها وضحوا عن معانيها ويمكنك الرجوع الى كتاب ابن جني اعراب القراءات الشاذة والاضاح عنها.
واذا كنت قد بحثت في موضوع القران فيمكنك ان تثق بعدم وجود تحريف به بعدة طرق:
الاول: تواتر القراءات الصحيحة: ويمكن بذلك ان تبحث في القراءة في بقاع المسلمين وطلب اسانيدها من مسندي القران.
الثاني اتفاق المسلمين بلا خلاف على صحة القران بالرسم والحركات وحتى طريقة الاداء لكل قراءة.
الثالث اجماع المسلمين (الآن) على عدم تجويز القراءة بغير هذه التي بين ايدينا واجماعهم ان الحركة ايضا معتبرة. واعتبار من خالف ذلك خارجا عن الاسلام بلا خلاف فلذلك كفر من زعم التحريف من الرافضة.
الرابع:معرفة غير المسلمين ان ما يقبله المسلمون هو القران المتفق عليه لا غيره واتفاقهم على انه عني به وضبط بطريقة علمية صحيحة.
الخامس اتفاق الامة على ان حفظ القران انما هو بالتلقي وان الكتابة ليست الا وسيلة اتقان وحفظ فالقران جمع من الرقاع في مصحف واحد وكانو يشترطوا للتدوين ان يأتي بشاهدين انه كتبها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون الرسم موافق للقراءات ومحتمل لها.
نسخ المصحف بحضور الصحابة وعدم اعتراضهم عليه اخيرا مع مممانعة ابن مسعود بداية ثم تسليمه بالامر. وثم امر عثمان بان تحرق كل رقعة كتبت. لان الرقاع كثيرا منها كتب من حافظ الى كتاب دون الرجوع الى الرسم. وهذا يقطع بان يكون اي اختلاف موجود لان المصحف كتب بحضور الصحابة الحفاظ.فلا تكون شبهة بعد زمن بانه وجد رقعة مكتوب بها كذا او كذا.
السادس:عدم وجود الاختلاف في القراءات الصحيحة وحتى الشاذة بينها العلماء وأجمعوا ان القراءة لا تجوز بالشاذة مع اعبارهم لها في التفسير والمعنى وكذلك عدم تجويزهم قراءة المنسوخ لفظا مع اعتبارهم بمعناه وحكمه.
السابع:ان ما يشار اليه في الاحاديث يعارض بما هو اصح منه وهو المتواتر ومعلوم في الحديث ان ذلك يحعل الرواية شاذة حتى لو صح سندها.
الثامن. وجود نصوص القران في كتب الاحكام والتفاسير والعقائد ونجدهم يوضحوا دائما ان كانت القراءة غير صحيحة.فتجدهم ياخذوا بالقران ويتركوا ما لا يقبلوا قراءته في الصلاة فلا يسمونه الا منسوخا او شاذا.
التاسع: ان شبه المخالفين كلها اجيب عليها في مواطنها.وقد اعتنى العلماء حتى بالمصاحف التي كانت قبل النسخ مثل كتاب المصاحف لابن ابي داوود. وبينوا ما في الروايات من ضعف.وقد بينت سابقا ان القران لا يكتفى فيه بصحة السند بل الصحة فيه تعني التلقي اليقيني كالتواتر او او قبول الناس لها دون اعتراض مع صحة السند وموافقتها لرسم المصحف وموافقتها لوجه صحيح من اللغة.
بذلك كله تستطيع ان تثق ان القران لم ينله تحريف من حيث النقل
اما من حيث القران نفسه فهناك امرين العاشر والحادي عشر:
العاشر: قول الله تعالى:"وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"
يعني لو كان من عند محمد او ناله التحريف لكان مما يمكن للناس ان يأتوا بمثله. فان لم يستطيعوا فهذا دليل انه من عند الله وهذا يدل على عدم وجود التحريف لانه لو دخل التحريف لاصبح المحرف كلام البشر الذي يستطيعوا ان يأتوا بأمثاله خصوصا مع مرور الزمن وتنامي المواحب والملكات الفكرية واللغوية.
الحادي عشر: عدم وجود اختلاف التضاد: وهو الاختلاف الذي لا يقبل بالعقل او يتبين عدم صحته او كذبه. وهذا معنى قوله تعالى " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا "هو جاء بالقرآن من عند الذي
"وأظن ان امر او امرين من العشرة يمكنك ان توقن بانه من عند الله كما هو"
الموضوع على هذا الربط:
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=16465(/)
دعوى نصرانية مكرورة
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[26 Feb 2009, 06:43 م]ـ
لما تميز القرآن العظيم بالبلاغة العالية على كافة النظوم فقد رماه بعض النصارى - حسدا من عند أنفسهم - بما ليس فيه؛ فادعى بعضهم أن القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس عدة فقرات وضمنها في آياته وسوره، ولم يحصل هذا الأمر في آية أو آيتين، بل هي عدة آيات وإذا كان الأمر كذلك – حسب قولهم - لم يكن لما يدندن حوله المسلمون من بلاغة القرآن وإعجازه مكان أو حقيقة، بل القرآن في ذلك معتمد على بلاغة من سبقه من فحول الشعراء وأساطين اللغة، وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل، فقال:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء
حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد
(قتل الإنسان ما أكفره)
وقال:
(إذا زلزلت الأرض زلزالها) (وأخرجت الأرض أثقالها)
تقوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها
و قال:
(دنت الساعة وانشق القمر) غزال صاد قلبي ونفر
مر يوم العيد في زينة فرماني فتعاطى فعقر
بسهام من لحاظ فاتك فر عني كهشيم المحتظر
وإذا ما غاب عني ساع كانت الساعة أدهى وأمر
ونرد عليه بقولنا:
- ليس هنالك من علماء الإسلام من نسب هذه الأبيات إلى امرئ القيس إلا المناوي عرضا في كتابه "فيض القدير" وهو من العلماء المتأخرين ت 1031 هـ وكان من علماء الحديث، وهو في ذلك كان يشرح حديثا ضعيف الإسناد عن امرئ القيس وأنه "حامل لواء الشعر إلى النار "ثم ذكر المناوي أنه امرئ القيس أول من قصد القصائد وأنه من أئمة الشعراء وذكر بعض الأخبار الواهية مثل أن أول من نطق بالشعر آدم ثم استطرد وقال بلا دليل "وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل" وتبدو أن معرفته بذلك قليلة جدا وكتاب المناوي هذا كان في شرح الحديث لا الشعر ونقده، وكل ما نقله المناوي عن امري القيس إنما كانت أقوالاً نقلها أو سمعها
- يبدو أن المناوي لا يحفظ الشعر ولا يعرفه خاصة شعر امرئ القيس؛ إذ تراه في فيض القدير ينثر شعر امرئ القيس نثرا ولا يورده أبياتا منظومة؛ فيقول مثلا "إن أشرف الألوان الأبيض المشرب بحمرة أو صفرة وأن المشرب بصفرة هو لون أهل الجنة والعرب تتمدح به في الدنيا كما في لامية امرئ القيس" يقصد معلقته ومعنى البيت الذي يقصده
كبكر المقاناة البياض بصفرة غذاها نمير الماء غير المحلل
ولم يورده
ويقول أيضا "الناس يستحسنون لامرئ القيس قيد الأوابد في وصف فرسه يريد أن الأوابد من الوحش إذا رأته أيست أن تنجو منه فتكون الفرس كالقيد لها ويزعمون أنه اخترعه وابتدعه وقد اتفق في هذا الحديث (الإيمان قيد الفتك) ما هو أحسن منه من غير تعمل"
يقصد
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل
ولم يورد هذا البيت أيضا بل أورد معناه، ثم إن من المعلوم أن شعر امرئ القيس لا تعمل فيه ولا تكلف بخلاف تلميح المناوي، وهذه أحكام من لا يعرف الشعر وليس ذلك فحسب بل تجد المناوي في فيض القدير أحيانا يأتي بأنصاف أبيات ولا ينسبها لأصحابها وأحيانا ينقلها خطأ نحو " وكنه الموت ليس له دواء، ولك المرباع منها والصفايا" ونحو ذلك
ولعله يقصد قول النابغة
وكل جراحةٍ توسى فتبرا ولا يبرا إذا جرح الهجاء
يؤثر في القلوب له كلومٌ كداء الموت ليس له دواء
وبالشطر الثاني لعله يقصد قول ابن عنمة الضبي
إلى ميعاد أرعن مكفهر تضمر في جوانبه الخيول
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
. وأحيانا يأتي بأبيات مشهورة جدا ولا ينسبها لأصحابها بل يقول " قال الشاعر " نحو بيت زهير
: لسان الفتى نصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وبيت أبي ذؤيب الهذليّ
والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
(يُتْبَعُ)
(/)
وبذلك لا يمكن اعتماد ما تفرد به المناوي في مجال الشعر الذي لا يجيده ولا يعرفه، ولكن إذا صح قوله فرضا كما في هذه الدعوى المتهافتة – ومن الاستحالة بمكان أن يصح – فماذا يعني؟ لا شيء على الإطلاق، لأنها عبارات قليلة جدا أمام عبارات القرآن الكثيرة، والحق أن البلاغة ليست في العبارة الجزئية بل هي في ترابط الكلام وانسجامه ونظمه، فهل أخذ القرآن الذي هو في غاية البلاغة من هذه الأقوال الركيكة؟ فإذا أجاب هولاء النصارى بنعم – فإن سلمنا جدلا بهذا الأمر البعيد جدا -فإن البلاغة هي المعيار؛ فيكون للقرآن الفضل على هذه العبارات الركيكة لا لها.
- إن كل من له معرفة بالشعر والأدب يعلم أن لكل شاعر أو أديب روح أدبية متميزة لا يجاريه فيها أحد؛ فالشعر أو الأدب هو بصمة الشاعر أو الأديب، وشعر امرئ القيس فخم جميل مترابط النسج قوي التركيب، وهذا الشعر الذي نسب إليه – وإن اقتبس شيئا من القرآن – إلا أنه ضعيف جدا مفكك البناء ركيك الأسلوب؛ كما أن فيه روح المتأخرين الظاهرة ثم إن قوله: (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها) لا يستقيم في ميزان الشعر فإذا كان هذا بيتا من الشعر فهو مكسور، وكذلك (يتمنى المرء في الصيف ...... ) ففي هذين البيتين أيضا خلل من ناحية الوزن الشعري؛ إذ أنهما من بحر الرمل، والشطر الثاني من البيت الأول من بحر الرجز، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرىء القيس،،ومن يعرف الشعر أدنى معرفة لا يمكن أن يخفى عليه ذلك ناهيك عن امرئ القيس، وكل هذه الأمور تقدح في نسبتها إليه وليس ذلك فحسب بل تقدح في نسبتها إلى مجرد شاعر مولد فضلاً عن شاعر جاهلي له مكانته العالية جدا بين الشعراء، وجودة نظم الشعر وقوة تركيبه هو الذي يميزه، ولا شك أن أهم الصفات التي ميزت القرآن وجعلته في درجة الإعجاز هو نظمه العالي الذي لا يتأتى لبشر.
- هذه الأبيات المنسوبة لامرئ القيس - على ضعف سبكها وسقم معناها وسخف تراكيبها - في معانيها أمور ينبغي أن يُسأل عنها إذا كنتم أيها النصارى مصرين على نسبتها لامري القيس: ما المراد بالساعة واقترابها؟ إن كان المراد بالساعة يوم القيامة، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بالمعاد، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيب، فما المراد حينئذ بقوله: (وانشق القمر)؟ فإن كان المراد انشقاق القمر فعلاً فإن القمر لم ينشق في عهدهم أبدًا،، وإن كان المراد بالقمر المحبوب، فليس من عادة العرب تشبيه المحبوب بالقمر المنشق، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوب، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله، لا بالقمر المنشق،
كقول النابغة الشيباني
تسبي القلوب بوجهٍ لاكفاء له كالبدر تم جمالاً حين ينتصف
تحت الخمار لها جثلٌ تعكفه مثلُ العثاكيلِ سُوداً حِينَ تُقْتَطَفُ
لها صحيفة وجهٍ يستضاء بها لم يَعْلُ ظاهِرَها بَثْرٌ ولا كَلَفُ
وقوله:
لها وجهٌ كصحنِ البدر فخمٌ ومنسجرٌ على المتنين سود
وعينا برغزٍ خرقٍ غريرٍ وزان النحر واللبات جيد
ترى فوق الرهاب لها سموطاً مع الياقوت فصله الفريد
وقول عنترة:
وَبَدَتْ فَقُلْتُ البَدْرُ ليْلَة َ تِمِّهِ قدْ قلَّدَتْهُ نُجُومَهَا الجَوْزَاءُ
بسمتْ فلاحَ ضياءُ لؤلؤ ثغرِها فِيهِ لِدَاءِ العَاشِقِينَ شِفَاءُ
وامرؤ القيس لم يشبه المرأة بالبدر والقمر إطلاقا في شعره
- أما في قوله: (فرّ عني كهشيم المحتظر) فقل لي أي علاقة بين هشيم المحتظر وبين فراره عنه؟ إن الأمر بعيد والتشبيه ضعيف للغاية، وأين ذلك من قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)
- إن امرأ القيس رغم أنه قد نسبت إليه كثير من الأشعار ونسبت إليه قصائد كثيرة لا تصح نستها إليه ونسجت حول سيرته القصص، وصيغت الأساطير، إلا أن هذه الأبيات المذكورة هنا ليس لها وجود في كتب اللغة والأدب، ولا في الأساطير التي نسجت حول امرأ القيس ولا توجد في ديوانه على اختلاف طبعاته ونسخه ورواياته ولا حتى في قصائده المنحولة، ولهذا لم تذكر لهذه الأبيات سندًا أو مصدرًا
- إن بعض الأبيات السابقة منسوبة بالفعل إلى مؤيد الدين القمي الذي كانت له اقتبسات كثيرة من القرآن ثم إن بعض الأبيات السابقة أيضا منسوبة إلى يحيى بن صاعد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتلك الأبيات مثل قول أبي سعد بن نوقة:
إن كنت تأكل ما حضر فاحضر فإنك منتظر
والساعة اقتربت لفر ط الجوع وانشق القمر
ورسولنا بكتابنا هذا الظريف أبو بكر
وبإذنه حركت منه الكاف كيلا ينكسر
وأظن أن هذا كان شكلاً من أشكال الظرف عند المتأخرين ولذلك كان لا يهتمون بمتانته وحسن السبك فيه كثيرا وإنما كان غرضهم التظرف بـ"الاقتباس" من القرآن فحسب، ولهذا يقول الألوسي عن هذا " لا أصل له ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي "، وقد نسب الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام هذه الأبيات للوزير مؤيّد الدّين القمّي النائب في الوزارة الناصرية الذي عاش في القرن السادس الهجري ويصفه بأنه كان "حلو الألفاظ، يكتب بالعربيّ والعجميّ كيف أراد، ويحلّ التّراجم المغلقة. وكان ظريفاً لطيفاً، حسن الأخلاق، حلو الكلام"
واقتباسات القمي هنا ليست من الاقتبسات الجميلة الرائعة كما هو واضح، وإذا أردت في ذلك أمثلة متينة فانظر إلى اقتباسات الخنساء في قولها:
أبعدَ ابن عمرو من آل الشّريد حلَّتْ به الأرضُ أثقالها
فخر الشّوامِخُ من فَقْدِه وزُلزلتِ الأرضُ زلزالها
وقولها
هممتُ بنفسي بعضَ الهُموم فأوْلى لنفسيَ أولى لها
واقتباسات الكميت في قوله:
يَعيبونني من جُبنِهم وضلالِهم علَى حُبكم بل يسخرون وأعجبُ
وقوله:
ألم تَرني من حُبِّ آل محمد أروح وأغدو خائفاً أترقّبُ
- إن الجاهليين الذين نزل فيهم القرآن كانوا أعلم الناس بأشعار العرب، وكانوا أحرص الناس على بيان كذب النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كله لم يقل أحد منهم: إن ما جئت به مقتبس من شعر من امرئ القيس، بل اعترف أعلمهم بالشعر أن القرآن لا يشبه الشعر يقول الوليد بن المغيرة – وهو كافر لم يسلم - عن القرآن الكريم: " والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا "
- إن محاولة نسبة الأبيات السابقة إلى امرئ القيس لتقوم دليلا على فرية أخذ القرآن من شعر امرىء القيس، ليست جديدة بل نشأت منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي حين نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتابًا بعنوان (تنوير الأفهام) ذكرت فيه هذه الفرية التي لا أصل. وقد رد العلامة محمد رشيد رضا على هذه الفرية في زمانه فقال: (لولا أن في القراء بعض العوام، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم، وأبلغ بلغائهم ......... إن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين وهو أدنى ما نظموا في الاقتباس، ولم ينسبه إلى امرىء القيس إلا أجهل الناس ........... فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه، الرافع لشأن خصمه فليضحك، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه)
ـ أن عجيب نظم القرآن قد بلغ الغاية التي ليس بعدها غاية، فهو نسيج وحده في الجمال بحيث لا يشبهه نظم آخر لا نظم امرئ القيس ولا غيره
ـ لو كان القرآن مقدورا على العباد لكان اتفق للعرب وتأتى لهم ما يعارضوه به حتى قبل البعثة، ولكن لما لم نرهم احتجوا عليه بكلام سابق أو خطبة متقدمة أو نظم بديع أو أي شئ من ذلك - علم ضرورة أنه لم يكن إلى ذلك من سبيل؛ وأنه لا يوجد له البتة نظير
ـ كلام البلغاء المتفوقين يختلف على حسب اختلاف هذه الأغراض؛ فمن الشعراء من يجيد المدح دون الهجاء أو الهجاء دون المدح أو وصف الإبل أو الخيل أو وصف الحرب وغير ذلك، ولذلك ضرب المثل بفحول الشعراء الذين لا يتقدمهم شاعر في معنى واحد فقط؛ فقيل: (أشعر العرب امرؤ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب) وإذا تأملت شعر أي شاعر كبير رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال والموضوعات التي يتناولها؛ إذ أنه يأتي بالغاية في البراعة في معنى فإذا جاء إلى غيره في قصيدة أخرى قصر عنه وبان الاختلاف على شعره. أما نظم القرآن -
(يُتْبَعُ)
(/)
رغم ما يتناوله من الوجوه المختلفة - على حد واحد في حسن النظم وبديع الرصف بحيث لا يتفاوت ولا ينحط عن المنزلة العليا
ـ إن النظم المحكم للقرآن لا يتفاوت ولا يتباين رغم الوجوه الكثيرة التي يتناولها من ذكر قصص ومواعظ واحتجاج وحكم وأحكام وإعذار وإنذار ووعد ووعيد وتبشير وتخويف وأوصاف وتعليم أخلاق كريمة وشيم رفيعة وسير مأثورة وكذلك الأمر عند إعادة ذكر القصة الواحدة؛ فهو لذلك غير مختلف ولا متفاوت؛ بل هو على نهاية البلاغة،. أما كلام الشعراء فإنه ـ حتى في القصبدة الواحدةـ يتفاوت تفاوتا بينا ويختلف اختلافا كبيرا في ذلك، وقد وصف نقاد العرب كثيرا من الشعراء الكبار بالنقص عند التنقل من معنى إلى غيره والخروج من باب إلى سواه؛ حتى إن هولاء النقاد قد اتفقوا على تقصير البحتري - مع جودة نظمه وحسن وصفه - في الخروج من النسيب إلى المديح، وكذلك يختلف سبيل غيره عند الخروج من شيء إلى شيء والتحول من باب إلى باب، ولكن القرآن على اختلاف فنونه وما يتصرف فيه من الوجوه الكثيرة والطرق المختلفة يجعل المختلف كالمؤتلف والمتباين كالمتناسب، وهذا أمر عجيب تبين به الفصاحة وتظهر به البلاغة ويخرج معه الكلام عن حد العادة إلى الإعجاز الذي يتجاوز كل البلاغات
ـ إذا أردنا معرفة علو نظم القرآن وأنه جنس متميز وأسلوب لا يشابهه أسلوب البشر فلنأت بأجود أشعار امريء القيس الذي هو أشعر شعراء العرب ونقارن بينه وبين القرآن ليتضح لنا البون الشاسع والفرق الكبير؛ إذ يظهر في شعره من العيوب ما لا يمكن أن يظهر في القرآن أبدا؛ يقول امرؤ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
ويذكر النقاد أن من محاسن البيت الأول أن الشاعر قد وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر العهد والمنزل والحبيب وتوجع واستوجع؛ كل ذلك في بيت واحد، ولكن - رغم ذلك- ففي البيتين أيضا خلل هو:
- إن الشاعر استوقف من يبكي لذكر الحبيب وذكراه لا تقتضي بكاء الخلي؛ وإنما يصح طلب الإسعاد وبكاء هذا الخلي على حبيب صديقه أمر محال. وإن كان المطلوب وقوف هذا الصديق وبكاؤه أيضا عاشقا صح الكلام من وجه وفسد المعنى من وجه آخر؛ لأنه من السخف أن لا يغار الشاعر على حبيبه وأن يدعو غيره إلى التغازل عليه والتواجد معه فيه
- في البيتين ما لا يفيد من ذكر هذه المواضع وتسمية هذه الأماكن من الدخول وحومل وتوضح والمقراة وسقط اللوى، وقد كان يكفيه أن يذكر في التعريف بعض هذا، وهذا التطويل إذا لم يفد كان ضربا من العي
- في قوله (لم يعف رسمها) أي: لم يمح؛ خلل؛ لأنه عقب البيت بأن قال: (فهل عند رسم دارس من معول) أي: رسم ممحو، فرجع فأكذب نفسه؛ فهو تناقض ظاهر
ويقول امرو القيس بعد ذلك:
وقوفا بها صحبي على مطيهم
يقولون لا تهلك أسى وتحمل
وإن شفائي عبرة مهراقة
فهل عند رسم دارس من معول
ومن عيوب هذين البيتين
- البيت الثاني مختل من جهة أنه قد جعل الدمع في اعتقاده شافيا كافيا فما حاجته بعد ذلك إلى طلب حيلة أخرى ومعول عند الرسوم، ولو أراد أن يحسن الكلام لوجب أن يدل على أن الدمع لا يشفيه لشدة ما به من الحزن ثم يسائل هل عند الربع من حيلة أخرى؟
ويقول امرو القيس بعد ذلك:
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل
إذا قامتا تضوع المسك منهما نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
ومن عيوب هذين البيتين
- البيت الثاني وجه التكلف فيه قوله: (إذا قامتا تضوع المسك منهما) ولو أراد أن يجود أفاد أن بهما طيبا على كل حال فأما في حال القيام فقط فذلك تقصير
- في البيت خلل آخر لأنه بعد أن شبه عرفها بالمسك - شبه ذلك بنسيم القرنفل أيضا، والرائحتان مختلفتان.
ورغم كل شيء فإن هذه المعلقة العظيمة من عيون الشعر العربي وروائعه التي قال النقاد في مدحها ما قالوا وتغنى بها العرب منذ قيلت وحتى اليوم ولن يكفوا عن التغني بها ما دام فيهم تذوق للشعر، ولكن رغم ذلك تفاوتت أبياتها تفاوتا بينا في الجودة والرداءة والسلاسة والانعقاد والسلامة والانحلال والتمكن والاستصعاب والتسهل والاسترسال والتوحش والاستكراه واختلفت الأبيات باختلاف الأهواء وقد كثر في تصرف الشاعر اضطرابه فوجد في شعره اختلافا كثيرا، وما ذاك إلا لأنه بشر وإن كان أشعر البشر وأبدعهم. أما القرآن فهو يتجاوز في جودة النظم كلام البشر جميعهم، إذ أنه قد سلم من جميع آفات البلاغة التي تعتريهم؛ ولهذا قال: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
مراجع:
الباقلاني: القاضي أبو بكر: إعجاز القرآن تحقيق محمد عبد المنعم خفاجة ط /الأولى دار الجيل بيروت 1991م
http://www.ebnmaryam.com/shobhat/4.htm-
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. هشام عزمي]ــــــــ[01 Mar 2009, 03:25 م]ـ
جزاك الله خيرًا وانظر كذلك ..
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=5161
..
ـ[ابومعاذالمصرى]ــــــــ[02 Mar 2009, 07:46 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
والعجيب ان الفحول من شعراء وفصحاء العرب لم يزعموا هذا ولو كان هذا حقا لكانوا اول من واجهوا النبى والصحابة ومن بعدهم
وقد بين استاذنا هشام عزمى فى الرابط السابق فى مشاركته تراجع من تولى كبر هذه الفرية
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)
ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[02 Mar 2009, 09:47 م]ـ
ما ذكره د. هشام عزمي على الرابط الذي وضحه أمر مهم في هذه الشبهة المكرورة وأنا هنا أنقله بعضه مختصرا للفائدة؛ فقد ذكر أنه رغم تناقل هذه الشبهة بين أعداء الإسلام إلا أن صاحبها المنصر كلير تيسدال قد تراجع عنها، وقد بيّن هذا المنصر أنه رغم نقله لهذه القصة إلا أن الافتراض الأرجح والآكد هو أن محمد صلى الله عليه وسلم كان بريئا من انتحال تلك الفرية التي اتهم بها، وقد تبين لكلير تيسدال غلطه الكبير بعد أن استشار السير سي جي ليال الذي وصفه بأنه أكبر المؤهلين في موضوع الشعر العربي القديم. فأكد له السير سي جي ليال تأكيدا قاطعا أن الأبيات لا تنتمي لامريء القيس مما دفعه لتغيير رأيه بخصوص المسألة، فنشر تراجعه هذا عام 1905 أي منذ أكثر من مائة عام.
ولكن أعداء الإسلام ما زالوا يكررون القصة وينقلونها من بعضهم رغم تبرؤ صاحبها منها "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين "(/)
ماذا تقول الموسوعة الكاثوليكية عن الإسلام ورسوله؟
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[09 Mar 2009, 09:08 ص]ـ
ماذا تقول الموسوعة الكاثوليكية عن الإسلام ورسوله؟
د. إبراهيم عوض
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
أول ما نلاحظه أن عنوان مقال "الموسوعة الكاثوليكية" ليس هو " Islam " كما كان ينبغى أن يكون، بل " Mohammed and Mohammedanism "، أى "محمد والمحمدية"، رغم أن المصطلح الموجود فى قائمة مواد الموسوعة هو "الإسلام"، فكان المتوقع أن يكون عنوان المقال هو "الإسلام". ولا أدرى لماذا هذا التفاوت بين ظاهر الأمر وباطنه. على كل حال لا أحد من المسلمين يقبل أن يُدْعَى: "محمديًّا"، بل هو مسلم ليس إلا. ذلك أن المسلمين ينظرون إلى تسمية "المحمديين" على أنها تعنى، ولو من طَرْفٍ خَفِىٍّ، أن الإسلام من صنع محمد عليه الصلاة والسلام، أو أنهم يرتفعون برسولهم فوق البشرية كما يفعل بعض أصحاب الديانات الأخرى. وفضلا عن ذلك فهم يؤمنون بأن "الإسلام" ليس دين محمد وحده، بل دين الأنبياء والرسل جميعا من لدن آدم حتى نبيهم عليه الصلاة والسلام حسبما وضحنا فى موضع آخر من هذا الكتاب.
كذلك نلاحظ أن كاتب المقال قد ترجم كلمة "محمد" على أنها " the Praised One "، وهى ترجمة قاصرة بعض الشىء، إذ تعنى "محمود" لا "محمد"، التى كان ينبغى أن يضاف إلى ترجمتها " adverb : حال" تحدد الحمد بأنه كثير متكرر (هكذا مثلا: " the Much- Praised One "). ويقول الكاتب أيضا إن عبد الله بن عبد المطلب (والد الرسول) قد مات بعد ولادة ابنه بقليل: " soon after his son's birth "، وهو خطأ صوابه أنه مات قبل أن يشرِّف الابن الوجود. وبالمثل يقع الكاتب فى غلطة أخرى من هذا النوع الذى يدل على الاستعجال وعدم التدقيق، إذ نراه يزعم أن الذى تولى أمر الصبى محمد عقب موت والدته هو عمه أبو طالب، مع أن الدنيا كلها تعرف أن الذى فعل ذلك هو الجد عبد المطلب لا العم أبو طالب، الذى تولى أمر ابن أخيه بعد موت الجد.
وبالنسبة للمهمة التى نهض بها النبى عليه السلام نجد الكاتب يحددها بالـ" religious reform and political campaign : الإصلاح الدينى والكفاح السياسى". ورغم أن مهمته عليه السلام تتضمن فعلا هذين الأمرين فإنه لم يكن مصلحا دينيا ومجاهدا سياسيا وحسب، بل كان أولا وقبل كل شىء رسولا نبيا يُوحَى إليه من السماء ولم يقم من تلقاء نفسه بهذا الإصلاح وذلك الكفاح، بل عَرَضا أثناء نهوضه بمهمته الأصلية التى انتدبته لها السماء، ألا وهى "النبوة". وهذه ليست من الملاحظات البسيطة التى يمكن الإغضاء عنها، بل هى من الأخطاء القاتلة، إذ تنفى عنه، بصنعة لطافة، صفة النبوة، ولكن هيهات! ويشبهها قول الكاتب إنه، صلى الله عليه وسلم، قد تعرف باليهود والنصارى فى رحلاته إلى الشام مع قوافل قومه حيث حصّل معرفته الناقصة بدين هاتين الطائفتين. وهى غمزة وراءها ما وراءها، إذ يقصد الكاتب إلى القول بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يتلق الوحى من ربه، بل أتى بالقرآن من عنده وعبر فيه عن أفكاره الخاطئة التى اكتسبها فى تلك البلاد. وهذا كله غير صحيح، وإلا لانبرى له صلى الله عليه وسلم من تعلم على أيديهم هناك وذكَّره نقاشاته معه، فضلا عن أن القرآن يصحح كثيرا مما جاء فى كتب القوم مبينا مفارقتها للمنطق والإيمان المستقيم.
ولا يتوقف الكاتب فى افتراءاته عند هذه النقطة، بل يمضى فيزعم أنه، صلى الله عليه وسلم، كان عرضة للإصابة بالصَّرْع بين الحين والحين: " subject to epileptic fits "، مع أنه لم يحدث قط أن أصيب بالصَّرْع فى أى وقت، ولا كانت الأعراض التى تعتريه لَدُنْ نزول روح القدس عليه بالوحى القرآنى هى أعراض الصَّرْع على الإطلاق، وهو ما بينته بالتفصيل المرهِق فى كتابىَّ: "مصدر القرآن- دراسة لشبهات المستشرقين والمبشرين حول الوحى المحمدى" و"دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل وأباطيل"، إذ استقصيت كلا من أعراض الوحى كما وصفتها كتب الحديث والسيرة النبوية وأعراض الصَّرْع كما وردت فى كتب الطب وقابلت بينهما فثبت ثبوتا قاطعا أننا بإزاء أمرين مختلفين تمام الاختلاف وأن ما يقوله مروجو نظرية الصَّرْع هو كلام فارغ من ألفه إلى يائه، ومن يائه إلى ألفه،
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يحدث أنْ وَضَع أى من مروجى هذه التهمة أيدينا على أى عَرَضٍ من أعراض الصَّرْع فى حالته صلى الله عليه وسلم. إنما هى مجرد دعوى مرسلة والسلام، اعتمادا منهم على أن للتكرار أثرا نفسيا يتعاظم مع الأيام.
ومن المعروف أن الشخص إذا ما أصابته نوبة صَرْعٍ فإن من حوله يسارعون إلى معاونته ومنعه من إيذاء نفسه بعض لسانه مثلا. إلا أننا نقرأ السيرة النبوية وما كان يقع له عليه السلام أثناء تلقيه الوحى فلا نجد شيئا من ذلك بتاتا، بل كان الصحابة يتركونه صلى الله عليه وسلم حتى يقوم من غفوته وهو فى قمة رباطة الجأش وسكينة النفس. كما أنه عليه السلام ما إن يقوم من غاشية الوحى حتى يتلو على الحاضرين نص الايات التى نزلت عليه بمنتهى التدفق والوضوح فى النطق والفكر مَصُوغَةً بأسلوب أدبى باهر دون أن يكون قد سبق له التفكير فيما يتلوه عليهم، إذ يأتى الوحى عادة عقب سؤال أو موقف يستدعى تعليقا أو جوابا أو حكما، ولا يكون هناك وقت لتجهيز أى شىء. ولم يحدث أن أصيب النبى عليه السلام بما يعترى المصروعين من تشنج أو سَقَط من طُوله أو سال الزَّبَد من شفتيه أثناء تلقيه الوحى كما يحدث لمن يأتيهم الصرع. ومعروف أن المصروع حين يفيق من غاشية الصرع يكون مرهقا خائفا مشوش الذهن مما يثير الشفقة والعطف، وهو ما لم يُلْحَظ قَطّ فى حالة الرسول صلى الله عليه وسلم. كما أن الأعراض المصاحبة للوحى لا وجود لها فى حالة المصروعين، كالدوىّ الذى كان يُسْمَع حول وجهه الشريف، والثقل الذى كان يحل فى جسده ساعتها فلا يستطيع أحد تحمله إذا ما تصادف أن كان جزء من جسده تحته آنذاك كالصحابى الذى كانت فخذه تحت فخذ الرسول ثم هبط الوحى عليه فشعر الصحابى أن فخذه تكاد تَُرَضّ، وكالناقة التى كان يركبها آنئذ فبركتْ تحت الثقل الذى اعتراه. وهل يا ترى كان اليهود والمشركون من قبلهم ليفلتوا هذه الفرصة لو أن النبى كان فعلا مصروعا ولا يغتنموها ويشنعوا بها عليه صلى الله عليه وسلم؟ المضحك أن الذين أشاعوا عنه هذه الفرية هم الكتاب البيزنطيون، الذين لم يَرَوْه قط ولا شاهدوا وحيا ينزل عليه ولا على غيره. فكيف يصح أن يحكموا على شىء لم يَرَوْه؟ ثم منذ متى كان المصروعون يصنعون مثل تلك الإنجازات الفريدة التى صنعها النبى عليه السلام والتى لم تقع على يد أى نبى أو رسول أو حاكم أو قائد آخر؟ وناهيك بمبادئ دينه الراقية وعقائده العظيمة، ونفسه النبيلة وإنسانيته العالية وحلمه وصبره وتواضعه وثقته بقضيته طوال الوقت واتزانه التام وتحديه الكفار وغير الكفار طوال الوقت وفى كل الظروف والمواقف بأن دينه منتصر لا محالة، وذلك منذ وقت مبكر وقبل أن يهاجر إلى المدينة ويكون له أتباع وجيش ودولة يُحْسَب حسابها.
ويمضى الكاتب مدعيا أن كتب السيرة النبوية ليست أهلا للثقة، إذ تمتلئ كما يقول بالخرافات والروايات المصنوعة وما إلى ذلك. وهو ادعاء عجيب من شخص يمتلئ دينه من أوله إلى آخره بهذا الذى يحاول إلصاقه بالسيرة المحمدية. ولنفرض أن فى كتب السيرة بعض ما زعمه عنها إن فيها مع ذلك كثيرا مما يقبله بل يستلزمه العقل والمنطق وسياق الأحداث، فما بالنا لو عرفنا أن هذا الجانب الذى يذكره لا يبرز إلا فى كتب السيرة المتأخرة ذات النزعة الشعبية، وفى أضيق نطاق مع ذلك؟ وحتى لو جردنا سيرته صلى الله عليه وسلم من كل أثر إعجازى، أو من "الخرافات" حسب تعبيره، لظلت شخصيته عليه السلام لألاءة ساطعة تُعْشِى عيون المفترين. ويزعم الكاتب أيضا أن كتب السيرة لم تدوَّن إلا بعد نحو قرن ونصف من وفاته عليه السلام وأن أقدم كتاب من هذا النوع هو سيرة ابن إسحاق. وهذا خطأ، إذ هناك السِّيَر التى كتبها أو أملاها عبد الله بن عمرو بن العاص والبراء بن عازب الصحابيان الجليلان، وعروة بن الزبير وابن شهاب الزهرى وأَبَان بن عثمان وعامر بن شرحبيل الشعبى ومقسم مولى ابن عباس وعاصم بن عمر وشرحبيل بن سعد من التابعين قبل ذلك بكثير، بالإضافة إلى أسماء أخرى. على ألا ننسى أن العرب فى ذلك الوقت كانوا يعتمدون على ذاكرتهم اعتمادا كبيرا، وكانت تلك الذاكرة مؤهلة تأهيلا ممتازا لهذه المهمة بحكم أنهم كانوا آنذاك شعبا تغلب عليه الأمية. فكانت السيرة مسجلة فى ذلك الجهاز البشرى الذى كان يقوم مقام الصحائف والكتب إلى حد كبير. ثم يضيف كاتبنا
(يُتْبَعُ)
(/)
قائلا إن تأليف كتب السيرة يقوم على كتب الحديث، وهذه ليست مشكوكا فيها فحسب، بل أسوأ من ذلك كثيرا، محاولا بهذه الطريقة إيهام القارئ الغربى بأن الأحاديث هى مجرد نصوص مجموعة كيفما اتفق، فلم تخضع لتمحيص أو تحقيق ولم يوضع لها منهج دقيق محكم يتم بناءً عليه قبولها أو ردّها. إنه يطلق الأحكام إطلاقا دون أدنى إحساس بالخجل. وليس هذا من العلم فى قليل أو كثير.
ومن أكاذيبه التى يطلقها إطلاقا دون ذكر المصدر زَعْمه أنه، صلى الله عليه وسلم، كان انفعاليا شديد الانفعالية ويخشى الألم الجسدى لدرجة غير معقولة. ثم يشير إلى ما كتبه المستشرق البريطانى وليام بالجريف من أن سيرة النبى إنما تقوم على تصوّر الفضائل التى يعتز بها العربى مسبقا، إذ جمع كتّاب السيرة تلك الفضائل ثم أسندوها إلى محمد زاعمين أنه كان يتصف بها كلها. والعجيب أن الكاتب، بعد كل هذه الادعاءات التى مارسها بدم بارد، يعود فيقول إن محمدا، رغم كل شىء، كان عظيم الشجاعة والعطف والرحمة، قوى الشعور الوطنى، محبا للتسامح والغفران. فالحمد لله، الذى أنطقه بمثل ذلك الكلام على رغم أنفه! وإن كان قد سارع إلى نقضه قائلا إنه، عليه الصلاة والسلام، كان شديد القسوة مع اليهود! ويا لها من شهادة من أحد أتباع السيد المسيح المؤمنين بأن اليهود قد قتلوه وصلبوه ولم يؤمنوا بدعوته واتهموه واتهموا أمه بما لا يقال. لكن لا ينبغى أن نسقط من حسابنا كراهية الكاتب للنبى محمد، فهذه الكراهية كفيلة بأن تنسيه ما قاله المسيح ذاته، وكذلك ما قاله العهد القديم من قبل المسيح، فى حق اليهود، الذى يأكله قلبه كل هذا الأكلان رحمة بهم وعطفا عليهم وتظاهرا منه بإنسانية كاذبة، إذ ليست العبرة بالشدة أو القسوة فى حد ذاتها، بل فى المواطن التى تستعمل فيها. ولقد اشتد النبى على اليهود بعدما ذاق منهم هو والمسلمون الأَمَرَّيْن وضاقت صدورهم وبلغت منهم الروح الحلقوم بسبب مؤامراتهم وغدرهم ونقضهم للعهود والمواثيق التى عقدها النبى معهم وساوى فيها بين المسلمين وبينهم تمام المساواة، فأبت نفوسهم الملتوية إلا أن تنزل على طبيعة الخيانة والغدر المتأصلة فيهم الجارية فى عروقهم. فماذا تراه، عليه الصلاة والسلام، كان ينبغى أن يصنع؟ طبقًا للكاتب لقد كان ينبغى أن يتركهم يقتلونه ويخنقون دينه ويقضون عليه وعلى دولته والمسلمين والعرب أجمعين، على ألا ينسى أن يدعو لهم قبل هذا بالتوفيق والسلامة! إن النبى إنما كان يعيش فى دنيا البشر، ودنيا البشر تعجّ بضروب المتاعب والشرور والمشاكل، ولا يصلح لها التسامح على طول الخط، وبخاصة إذا كانت الحقوق التى يراد فيها التسامح هى حقوق الرعية لا حقوقا شخصية لصاحبها أن يتنازل عنها إذا أراد، فعندئذ لا ينفع إلا الضرب بشدة على أيدى الغادرين، وإلا انتهى كل شىء.
ثم يقول الكاتب إن الرأى منقسم إزاء الحكم على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ما بين منحاز إليه يصفه بكل فضيلة ومكرمة ومنحاز ضده لا يذكره إلا بالشر والسوء. وهو يرفض الرأى الأخير قائلا إنه ينضح بالتحامل ويناقض الواقع التاريخى. يقول هذا وكأنه هو نفسه قد قال فيه صلى الله عليه وسلم شيئا آخر غير هذا. إلا أن أصول الصنعة لدى أمثاله تقتضى هاتين الكلمتين اللتين لا تقدمان ولا تؤخران كى يبدو محايدا متجردا عن التعصب والتحامل، وهيهات! وممن أشار إليهم بين المتحاملين على نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه مارتن لوثر الزعيم البروتستانتى المعروف، الذى وصف نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه "شيطان وأول ولدٍ لإبليس":
" a devil and first-born child of Satan"
ولا ندرى على أى اساس وصف هذا المُهَلْوِس سيدنا وسيده محمدا بما وصفه به كذبا ومَيْنًا، وهو النبى الكريم الذى دعا إلى الإيمان بالسيد المسيح وبرّأه هو وأمه مما رماهما به يهود، فضلا عن دعوته المستقيمة إلى الوحدانية المطلقة والأخلاق الطاهرة والفضائل الإنسانية والاجتماعية التى لا نظير لها. وفوق ذلك شن دين محمد صلى الله عليه وسلم حملة عنيفة على الأحبار والرهبان وتأليه المتدينين لهم باتباعهم لما ابتدعوه من تشريعات لم ترد فى دعوة عيسى عليه السلام. كذلك ليست فى الإسلام وساطات بين العبد وخالقه، فضلا عن أنه لا توجد فيه أيقونات ولا اعترافات ولا رهبانية ولا صكوك غفران، وهو ما كان ينبغى
(يُتْبَعُ)
(/)
أن يخفف على الأقل من هذا الحقد المسعور على سيد الأنبياء والمرسلين لأن هذه الأشياء هى مما نادت به البروتستانتية مذهب هذا التعيس. ولكن متى كان لأمثاله عقول يفكرون بها؟
ولنفترض أن الرسول الكريم كان سيئا إلى ذلك الحد، إنه لأفضل رغم ذلك من كل أنبياء العهد القديم، الذين ينسب ذلك الكتاب إليهم الزنا والدياثة والغدر والقتل ومضاجعة المحارم والكذب والحقد والطمع والجشع وتشجيع الوثنية والتطاول على الله والتصارع معه، وهو ما لم يفعل نبينا العظيم شيئا منه. وهذه بعض النصوص التى تتحدث عن أولئك الأنبياء الكرام، بعضها فقط لا كلها. وبديهى أننا نحن المسلمين لا نوافق على هذا الذى يقوله الكتاب المقدس فى حقهم عليهم السلام. كل ما فى الأمر أننا نحاجّ الكاتب بكتابه هو: "30وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ، وَابْنَتَاهُ مَعَهُ، لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. 31وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. 32هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 33فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. 34وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 35فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا، 36فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. 37فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. 38وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ" (تكوين/ 20)، "11وَحَدَثَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمَّا كَبِرَ مُوسَى أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى إِخْوَتِهِ لِيَنْظُرَ فِي أَثْقَالِهِمْ، فَرَأَى رَجُلاً مِصْرِيًّا يَضْرِبُ رَجُلاً عِبْرَانِيًّا مِنْ إِخْوَتِهِ، 12فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ" (خروج/ 2).
"2وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا. 3فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». 4فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. 5وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى». 6فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ». فَأَرْسَلَ يُوآبُ أُورِيَّا إِلَى دَاوُدَ. 7فَأَتَى أُورِيَّا إِلَيْهِ، فَسَأَلَ دَاوُدُ عَنْ سَلاَمَةِ يُوآبَ وَسَلاَمَةِ الشَّعْبِ وَنَجَاحِ الْحَرْبِ. 8وَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «انْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ وَاغْسِلْ رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَخَرَجَتْ وَرَاءَهُ حِصَّةٌ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ. 9وَنَامَ أُورِيَّا عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ جَمِيعِ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى بَيْتِهِ. 10فأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لَمْ يَنْزِلْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَمَا جِئْتَ مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ؟» 11فَقَالَ أُورِيَّا لِدَاوُدَ: «إِنَّ
(يُتْبَعُ)
(/)
التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجعَ مَعَ امْرَأَتِي؟ وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ، لاَ أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ». 12فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَقِمْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضًا، وَغَدًا أُطْلِقُكَ». فَأَقَامَ أُورِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَغَدَهُ. 13وَدَعَاهُ دَاوُدُ فَأَكَلَ أَمَامَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. وَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِيَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ مَعَ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَإِلَى بَيْتِهِ لَمْ يَنْزِلْ. 14وَفِي الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ مَكْتُوبًا إِلَى يُوآبَ وَأَرْسَلَهُ بِيَدِ أُورِيَّا. 15وَكَتَبَ فِي الْمَكْتُوبِ يَقُولُ: «اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ وَيَمُوتَ». 16وَكَانَ فِي مُحَاصَرَةِ يُوآبَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ جَعَلَ أُورِيَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ رِجَالَ الْبَأْسِ فِيهِ. 17فَخَرَجَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، فَسَقَطَ بَعْضُ الشَّعْبِ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَمَاتَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا. 18فَأَرْسَلَ يُوآبُ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ. 19وَأَوْصَى الرَّسُولَ قَائِلاً: «عِنْدَمَا تَفْرَغُ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ الْمَلِكِ عَنْ جَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ، 20فَإِنِ اشْتَعَلَ غَضَبُ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَكَ: لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ لِلْقِتَالِ؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ مِنْ عَلَى السُّورِ؟ 21مَنْ قَتَلَ أَبِيمَالِكَ بْنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أَلَمْ تَرْمِهِ امْرَأَةٌ بِقِطْعَةِ رَحًى مِنْ عَلَى السُّورِ فَمَاتَ فِي تَابَاصَ؟ لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ السُّورِ؟ فَقُلْ: قَدْ مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا».22فَذَهَبَ الرَّسُولُ وَدَخَلَ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا أَرْسَلَهُ فِيهِ يُوآبُ. 23وَقَالَ الرَّسُولُ لِدَاوُدَ: «قَدْ تَجَبَّرَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ وَخَرَجُوا إِلَيْنَا إِلَى الْحَقْلِ فَكُنَّا عَلَيْهِمْ إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ. 24فَرَمَى الرُّمَاةُ عَبِيدَكَ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ الْبَعْضُ مِنْ عَبِيدِ الْمَلِكِ، وَمَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». 25فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّسُولِ: «هكَذَا تَقُولُ لِيُوآبَ: لاَ يَسُؤْ فِي عَيْنَيْكَ هذَا الأَمْرُ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ هذَا وَذَاكَ. شَدِّدْ قِتَالَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْرِبْهَا. وَشَدِّدْهُ».26فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أُورِيَّا رَجُلُهَا، نَدَبَتْ بَعْلَهَا. 27وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُدُ وَضَمَّهَا إِلَى بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (صموئبل الثانى/ 11).
"1وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصِيدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ 2مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: «لاَ تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ». فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ. 3وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ. 4وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ. 5فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ. 6وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ
(يُتْبَعُ)
(/)
أَبِيهِ. 7حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. 8وَهكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لآلِهَتِهِنَّ. 9فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، 10وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ. 11فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ" (الملوك الأول/ 11) ... إلخ.
ثم إن المؤمنين بالكتاب المقدس يقولون إن الله قد غفر خطايا أولئك الأنبياء، فإذا كان الأمر كذلك فكيف لا يغفر سبحانه لمحمد أيضا أخطاءه إن كانت له مثل تلك الأخطاء؟ وبكل يقين هو لم يرتكب شيئا من هذا ولا نصفه ولا ربعه ولا عشره ولا واحدا على المائة ولا على الألف ولا حتى على المليون. وهذا الكلام ينبغى توجيهه أيضا إلى المبشر الأمريكى صمويل زويمر، الذى استشهد الكاتب بما سطره فى أحد كتبه زاعما أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد فشل فى اجتياز الامتحان الأخلاقى الذى عقده هو له بناءً على مقاييس العهد القديم، إذ ما دام النبى عليه الصلاة والسلام قد رسب فى ذلك الامتحان، فأَحْرِ بأنبيائه أن يكون رسوبهم بجدارة. وفى هذه الحالة على زويمر أن يعلن هذا الرأى فيهم وأن يرفض الإيمان بهم بناء على مقاييس ذلك الكتاب. فهل يفعل؟ وأخيرا وليس آخرا أين توصية السيد المسيح فى العهد الجديد للوثر وغيره من أتباع النصرانية بأن يحبوا أعداءهم ويباركوا لاعنيهم؟ وهذا إن كان النبى قد لعن لوثر أو أباه مثلا. فما بالنا إذا كان لم يصنع شيئا من ذلك البتة وأن المسيح ومريم العذراء عليهما السلام لم يلقيا منه إلا كل حفاوة وتكريم وتبرئة من التهم المجرمة التى قرفهما بها اليهود؟
وهذا التطاول من لوثر على سيدنا رسول الله واتهامه له بأنه شيطان وأول من أنجب إبليسُ من أبناء يذكرنى بما كان ذلك السليط اللسان يعتقده فى أبى الشياطين، إذ كان يتصور أنه يظهر للبشر عيانا بيانا وكأنه مخلوق مادى. ولقد ركبته الهلاوس ذات مرة فظن أنه يرى الشيطان واقفا قبالته يحدق فيه فقذف فى وجهه المحبرة ليتطاير منها السائل الأسود على الجدار، فضلا عما ذكره هو نفسه من لجوئه إلى الضُّرَاط كى يطرده بعيدا عنه. وقد اكتشف العلماء كذلك أنه لم يكن دائما بالصادق فى كلامه، فقد كان يزعم مثلا أن أباه عاملُ منجمٍ فقير، على حين كان مالكا للمنجم لا عاملا من عماله. كذلك اكتشف الدارسون فى الفترة الأخيرة أن بعض بذور المذهب البروتستانتى قد واتت مارتن لوثر وهو فى المرحاض يقضى حاجته، وأنه كان نهما مولعا بالبيرة يطفئ بها نيران الطعام الذى يَكُظّ به بطنه والذى أوصل وزنه إلى نحو 150 كيلوجراما! (يمكن القارئ الرجوع إلى مقال مترجم عن الألمانية على الرابط التالى: http://www.spiegel.de/international/germany/0,1518 ,586847,00.html عنوانه " Archaeologists Unveil Secrets of Luther's Life "، بقلم Matthias Schulz، وترجمة Christopher Sultan ).
وبالعودة إلى موضوعنا نجد أن الكاتب يسارع بعد هذا مشيرا إلى الرأى الذى أصبح يعتقده كبار المؤلفين الغربيين الآن فى الرسول الكريم حسبما يقول، وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان فى مبتدإ دعوته مخلصا، ثم انقلب رأسا على عقب، فأضحى غدارا لا يبالى بخلقٍ ولا دينٍ ما دام الغدر والقسوة هما السبيل الذى يوصله إلى غايته:
" According to Sir William Muir, Marcus Dods, and some others, Mohammed was at first sincere, but later, carried away by success, he practised deception wherever it would gain his end".
(يُتْبَعُ)
(/)
فما معنى أنه عليه الصلاة والسلام كان مخلصا؟ أليس معناه أنه كان نبيا حقيقيا ما داموا يقرون بإخلاصه فى دعواه وسلوكه؟ ثم ما معنى أنه لم يعد مخلصا؟ أليس معناه أنه لم يعد صادقا فى دعواه النبوة؟ عظيم! لكن هل يمكن أن ينقلب النبى فلا يعود نبيا؟ ألا يرى القارئ معى مدى التخبط الذى يتخبطه أولئك الملفقون؟
كذلك ليس صحيحا ما قاله الكاتب من أن الإسلام لم يطمح إلى أن يكون دينا عالميا إلا بعد وفاة الرسول: " After Mohammed's death Mohammedanism aspired to become a world power and a universal religion ". ذلك أنه دين عالمى منذ هَلَّ على الكون فى مكة. والآيات التى تتناول هذا المعنى متعددة فى تلك الفترة المبكرة، مثل: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا". فليس صحيحا إذن أن عالمية الإسلام قد تأخرت إلى ما بعد وفاة الرسول. ولم يقف الأمر عند النص على ذلك الأمر فى الآيات القرآنية، بل أتبع النبى القول بالعمل حين بعث برسله إلى حكام العالم من حوله فى الشام وفارس والحبشة ومصر وعلى حدود الجزيرة العربية وداخلها على ما هو معروف.
ومن عجب أن يزعم هذا الزعمَ ذاتَه كاتب سودانى هو عون الشريف قاسم، إذ قال فى كتابه: "دبلوماسية محمد- دراسة لنشأة الدولة الإسلامية فى ضوء رسائل النبى ومعاهداته" (جامعة الخرطوم/ 57 - 92) ما معناه أن الرسول لم تكن لديه القوة فى ذلك الوقت كى يقدم على هذه الخطوة. ومن ثم نراه يشكك فى صحة رسائله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء من حوله رغم إقراره فى ذات الوقت بعالمية الإسلام. وقد تناولت تلك القضية فى كتابى: "دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية- أضاليل وأباطيل" وبينت أن أتباع النبى، لا النبى نفسه، لم يجدوا فى هذا الأمر ما يحملهم على التردد أو التلكؤ، فما بالنا بالنبى ذاته، وهو من هو، وهم ليسوا سوى أتباع له، فوق أنهم لم يقفوا عند حد التمنى أو النية، بل فتحوا بلاد الشام وامتلخوها من البيزنطيين، وفتحوا بلاد فارس وامتلخوها من الأكاسرة ... وهكذا؟
وفى تناول كاتب المادة لموضوع الجزاء الأخروى نجده يلح على القول بأن ألوان الثواب والعقاب فى الإسلام كلها حسية تعكس ما كان العربى فى ذلك الوقت يتطلع إليه. يريد أن يقول إن الإسلام من صنع محمد، وإنه راعى فيه أن يخاطب غرائز العرب ويداعب حاجاتهم التى كانوا يفتقدونها ويريدون أن يجدوا إشباعا لها، فقام هو بهذه المهمة. ولنفترض أن الإسلام قد راعى أوضاع البشر فى تصوير الجنة والنار، فما وجه الخطإ فيه؟ هل المطلوب هو أن تعاكس متع الجنة تطلعات البشر؟ وأية جاذبية ستكون لها إذن حتى يكون لها التأثير المرغوب فى نفوس الناس؟ سيقال: لكن هذه التطلعات هى تطلعات عربية صرف. والجواب: وهل هناك بشر ينفرون من الماء الزلال أو اللحم الشهى أو النساء الجميلات مثلا؟ فلماذا إذن كل تلك الحروب التى يشنها الغربيون علينا وعلى الدنيا كلها إن لم يكن من أجل تلك المتع وأمثالها؟ وهل الحضارة الغربية الآن من ساسها إلى راسها إلا جرىٌ وراء تحقيق هذه المتع إلى الحد الذى أضحت تتطلع عنده إلى كل شاذ من اللذائذ؟ ألا يرى القارئ أن الكاتب هو ممن يقال فيهم: "رَمَتْنى بدائها وانسلَّتِ"؟ لقد كنا نظن أن النفاق الغربى مقصور على عالم السياسة، فإذا هو نفاق عام حتى ليشمل أيضا أمور الدين والعقيدة، وهى التى لايصلح فيها نفاق ولا التواء!
على أنه لا بد من التنبيه إلى أن ثواب الجنة فى الإسلام لا يتوقف عند المتع المادية وحدها رغم أهمية هذا الضرب من اللذائذ وعدم وجود إنسان واحد ينفر من تلك المتع حقيقةً لا ادعاءً، بل هناك أيضا الود المتبادل بين أهل الجنة والسلام العميم والسكينة الشاملة التى يتقلبون فيها فلا يعرفون قلقا ولا خوفا ولا شحناء ولا لغوا ولا تأثيما، وهناك الحب والرضا الإلهى الذى يتمتع به سكان الفردوس. كما أن القرآن والحديث النبوى يلحان دائما على أن لذائذ الجنة ليست من جنس لذائذ الدنيا ومتعها، بل الوصف فيها للتقريب ليس إلا. إذن فالجنة فى الإسلام تشبع تطلعات البشر المادية والروحية جميعا، وهذا هو الوضع المثالى لدار الخلد.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقَفْزًا فوق بعض الموضوعات التى لا نجد ما يدفعنا إلى الوقوف إزاءها نصل إلى قول الكاتب عن عقيدة "القضاء والقدر" إنها تعنى الحتمية المطلقة، فكل شىء مقدَّرٌ سَلَفًا طبقا للمشيئة الإلهية على نحو لا تفيد معه الإرادة الإنسانية فى شىء. فإذا عرفنا أن الإنسان سوف يُسْأَل يوم القيامة عما فعل ويثاب ويعاقَب عليه كان معنى ذلك أننا أمام مسألة عبثية تماما، وإن كان المفكرون المسلمون فى العصر الحديث قد حاولوا سُدًى تحسين الصورة كما يقول. وإلى القارئ كلام الكاتب بالنص فى أصله الإنجليزى:
" The Mohammedan doctrine of predestination is equivalent to fatalism. They believe in God's absolute decree and predetermination both of good and of evil ; viz., whatever has been or shall be in the world, whether good or bad, proceeds entirely from the Divine will, and is irrevocably fixed and recorded from all eternity. The possession and the exercise of our own free will is, accordingly, futile and useless. The absurdity of this doctrine was felt by later Mohammedan theologians, who sought in vain by various subtile distinctions to minimize it".
والواقع أن الكاتب لا يفهم القضية حق فهمها. صحيح أن هناك فعلا آيات قرآنية وأحاديث نبوية يفهم منها أن كل شىء خاضع لإرادة الله لا يفلت منها، لكنْ هناك فى المقابل آيات وأحاديث يفهم منها أن للإنسان مشيئة حرة وأن تحججه بحتمية المشيئة الإلهية لا معنى له. وكلا النوعين من النصوص صحيح ومفهوم، ولا تعارض بينهما: فكل شىء فى الكون يخضع حقا وصدقا لمشيئة الله، بما فيه المشيئة الإنسانية أيضا، بمعنى أن للإنسان إرادة حرة، إلا أن حريتها ليست نابعة من ذاتها، بل موهوبة من الله سبحانه وتعالى. ومن هنا كان الحساب على قدر نصيب كل فرد من تلك الحرية فى هذا العمل أو ذاك. كذلك هناك الرحمة الإلهية التى يمكن العفو معها عما يرتكبه الشخص من السيئات كلها أو بعضها. وفوق ذلك فعند الحساب الأخروى لا بد أن يؤخذ الضعف البشرى فى الاعتبار.
مما سبق يتضح أنه ليس فى الأمر حتمية مطلقة ولا حرية مطلقة، بل الأمور نسبية. ولسوف يكون حسابنا على هذا الأساس. وأنا أومن بأن فى كل عمل من أعمالنا تقريبا نسبة من الجبر، ونسبة من الاختيار، وهذه النسبة تختلف من عمل إلى عمل، ومن سياق إلى سياق، ومن شخص إلى شخص، ومن وقت إلى وقت ... وهكذا. والمهم فى ذلك كله أن يظل الإنسان فى حالة جهاد ويقظة فلا ييأس أو يستسلم للشيطان وينهار. ومهما يرتكب الإنسان من أخطاء فإن باب التوبة مفتوح دائما ما لم يقنط من رحمة ربه ويسلّم بالهزيمة وينطلق فى دنيا الكفر والتمرد والشهوات ويتخلَّ عن ممارسة مسؤوليته الأخلاقية المنوطة به بوصفه واحدا من أبناء آدم وحواء. وللدعاء مدخل فى الحساب والثواب والعقاب لأنه برهان على الإيمان بالله والأمل فى الله والتعلق بما عند الله.
ومن الأخطاء التى وقع فيها الكاتب، وإن لم تكن من نوعية الأخطاء السابقة الخطيرة، تحديده مواقيت الصلوات اليومية الخمس على النحو التالى: قبل الشروق، وفى منتصف النهار، والساعة الرابعة بعد الظهر، وعند الغروب، وقبل منتصف الليل بقليل. وهذا غير دقيق، إذ إن ميقات صلاة الصبح يبدأ عند الفجر وينتهى عند الشروق. فمن الواضح أن الكاتب قد ركز على نهاية ميعاد الصلاة ولم يتطرق إلى الحديث عن وقت ابتدائها. كما أن العصر لا يحل عند الساعة الرابعة بعد الظهر ضربة لازب، بل يختلف من بلد إلى بلد، ومن فصل إلى فصل. كذلك فميعاد العشاء الآخرة يأتى قبل منتصف الليل بكثير، مع وجوب التنبه إلى أن حلوله هو أيضا يختلف من فصل إلى فصل، ومن إقليم إلى إقليم. يقول المؤلف فى نص كلامه الأصلى:
" The daily prayers are five in number: before sunrise, at midday, at four in the afternoon, at sunset, and shortly before midnight".
وفى مثل هذا النوع من الأخطاء يقع الكاتب فى حديثه عن ميقات الصيام فى رمضان، إذ إن الصيام، حسب كلامه، يبدأ من شروق الشمس، رغم ما هو معروف من أن ميعاد بدئه هو الفجر لا الشروق. ومرة أخرى هذا نص ما قال: " It begins at sunrise and ends at sunset ".
(يُتْبَعُ)
(/)
أما فى كلامه عن الزكاة فالخطأ فادح، إذ لم يذكر منها إلا زكاة الفطر، فضلا عن أنه لم يخصص لهذا الركن الركين من الإسلام إلا سطرين وثلثا لا غير. ولا شك أن هذا خطأ لا يغتفر من كاتب فى موسوعة كالتى بين أيدينا. وكان ينبغى أن يكون أكثر دقة واهتماما بموضوعه. ومن الواضح أنه ليس على مستوى المهمة التى انتدب لها وأنه لا علاقة له مباشرة بموضوعه، بل ينقل عن الآخرين دون فهم، مع تعمد سوء النية والإفساد فيما يكتب. أى أنه يجمع بين الجهل والإساءة المقصودة.
وكان قبل قليل قد اقترف خطأ شنيعا حين زعم أن يوم الأضحى فى الإسلام مأخوذ من يوم كيبور (يوم الغفران) فى اليهودية مع بعض التحويرات. وفى موسوعة "الويكبيديا" نقرأ أن "يوم كيبور" هو اليوم العاشر من شهر تشريه، الشهر الأول في التقويم اليهودي، وهو يوم مقدس عند اليهود مخصص للصلاة والصيام فقط، ويتمم أيام التوبة العشرة التي تبدأ بيومي رأس السنة. وحسب التراث اليهودي فهذا اليوم هو الفرصة الأخيرة لتغيير المصير الشخصي أو مصير العالم في السنة الآتية. ويبدأ ذلك اليوم حسب التقويم العبري في ليلة التاسع من شهر تشريه في السنة العبرية ويستمر حتى بداية الليلة التالية. وهو في الشريعة اليهودية يوم عطلة كاملة يحظر فيه كل ما يحظر على اليهود في أيام السبت أو الأعياد الرئيسية مثل الشغل وإشعال النار والكتابة بالقلم وتشغيل السيارات وغير ذلك، بالإضافة إلى أعمال أخرى تحظر في هذا اليوم بشكل خاص مثل تناول الطعام والشرب والاغتسال والاستحمام والمشي بالأحذية الجلدية وممارسة الجنس وأعمال أخرى مشابهة. وبينما تعد أيام السبت والأعياد الأخرى فرصا للامتناع عن الكد وللتمتع إلى جانب العبادة، يعد يوم كيبور فرصة للعبادة والاستغفار فقط.
وبحسب التراث الحاخامي فإن يوم الغفران هو اليوم الذي نزل فيه موسى من سيناء للمرة الثانية ومعه لوحا الشريعة، حيث أعلن أن الرب غفر لهم خطيئتهم في عبادة العجل الذهبي. وعيد يوم الغفران هو العيد الذي يطلب فيه الشعب جميعا الغفران من الإله. ولهذا السبب كان الكاهن الأعظم في الماضي يقدم كبشين قربانا للإله نيابة عن كل جماعة يسرائيل وهو يرتدي رداءً أبيض (علامة الفرح)، وليس رداءه الذهبي المعتاد. وكان يذبح الكبش الأول في مذبح الهيكل ثم ينثر دمه على قدس الأقداس. أما الكبش الثاني فكان يُلْقَى من صخرة عالية في البرية لتهدئة عزازئيل (الروح الشريرة)، وحَمْل ذنوب جماعة يسرائيل. وكما هو واضح فإنه من بقايا العبادة اليسرائيلية الحلولية ويحمل آثارًا ثنوية، ذلك أن عزازئيل هو الشر الذي يعادل قوة الخير. ولا يزال بعض اليهود الأرثوذكس يضحّون بديوك بعدد أفراد الأسرة بعد أن يُقْرَأ عليها بعض التعاويذ. وهناك طقس يُسمَّى: "كابّاروت" يقضي بأن يمسك أحد أفراد الأسرة بدجاجة ويمررها على رؤوس البقية حتى تعلق ذنوبهم بالدجاجة. وفي هذا العيد كان الكاهن الأعظم يذهب إلى قدس الأقداس ويتفوه باسم الإله «يهوه» الذي يحرم نطقه إلا في هذه المناسبة. ولا تزال لطقوس الهيكل أصداؤها في طقوس المعبد اليهودي في الوقت الحاضر، إذ يُلَفّ تابوت لفائف الشريعة بالأبيض في ذلك اليوم على عكس التاسع من آف حيث يُلَفّ بالأسود.
ويبدأ الاحتفال بهذا اليوم قبيل غروب شمس اليوم التاسع من تشري، ويستمر إلى ما بعد غروب اليوم التالي، أي نحو خمس وعشرين ساعة، يصوم اليهود خلالها ليلاً ونهارًا عن تناول الطعام والشراب والجماع الجنسي وارتداء أحذية جلدية. كما تنطبق تحريمات السبت أيضا في ذلك اليوم. وفيه لا يقومون بأي عمل آخر سوى التعبد. والصلوات التي تُقَام في هذا العيد هي أكثر الصلوات اليومية لليهود، وتصل إلى خمس: الصلوات الثلاث اليومية، مضافا إليها الصلاة الإضافية (مُوساف) وصلاة الختام (نعيَّلاه)، وتتم القراءة فيها كلها وقوفا. وتبدأ الشعائر في المعبد مساءً بتلاوة دعاء كل النذور، ويُخْتَتَم الاحتفال في اليوم التالي بصلاة النعيلاه التي تعلن أن السماوات قد أغلقت أبوابها. ويهلل الجميع قائلين: "العام القادم في أورشليم المبنية"، ثم يُنْفَخ في البوق (الشوفار) بعد ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا ما قالته "الويكبيديا" فى المادة المخصصة لهذا اليوم. وهو، كما يرى القارئ بكل وضوح، يختلف عن يوم الأضحى عندنا تمام الاختلاف: سواء فى التاريخ أو الغاية أو الشعائر أو المعنى أو المدى أو التفاصيل والدقائق. ومع هذا يظن الكاتب أنه يمكن أن يغمز من قناة الإسلام بهذه البساطة وينجو، مع أن من الميسور التحقق من كل زيف يراد له الانتشار وفضح صاحبه. كذلك ليس فى عيد الأضحى صوم ولا توقف عن العمل ولا كهانة ولا عزازيل ولا وثنيات. بل إن التضحية فى الإسلام ليست فرضا بل سنة، وهى تضحية فردية لا عن الأمة كلها مثلما هى فى اليهودية. ذلك أن المسلمين لم يعبدوا العجل لا فى غياب رسولهم ولا فى حضوره كما فعل اليهود عند مغيب موسى عليه السلام فى لقائه بربه فوق الجبل لتلقى الألواح، إذ يقول العهد القديم إن هارون صنع لهم أثناء ذلك عجلا ذهبيا عبدوه ورقصوا حوله وهم عرايا، مرتدِّين بذلك إلى الوثنية. وفوق ذلك فتوقيت الشعيرة الإسلامية توقيت قمرى لا شمسى كما هو الوضع لدى اليهود، ولا يرتبط عندنا بتلقى نبينا وحيا خاصا ولا بالخروج من مكة، ولا علاقة له بموسى أو بالتوراة أو باليهود وخروجهم من مصر، بل بتاريخ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبشعيرة الحج، وهو ما يسبق موسى وخروج بنى إسرائيل من مصر بأزمان وأزمان. ثم إن الأضحية فى الإسلام هى للأكل والصدقة والإهداء، وليست لمجرد التضحية كما هو الحال فى اليهودية. والذى يذبحها هو أى شخص يستطيع ذلك، بخلاف الامر فى ديانة يهود، فهو الكاهن حسبما رأينا. كما يسبق الذبحَ لدينا ويعقبه أمورٌ أخرى لا صلة بينها وبين يوم كيبور وما يفعله اليهود فيه. إنهما أمران مختلفان تمام الاختلاف كما قلت.
وحين يبلغ الكاتب سياق الحديث عن الأخلاق فى الإسلام نراه يزعم دون أدنى دليل، بل ضد كل دليل، أنها أقل من نظيرتها فى اليهودية، بَلْهَ النصرانية، التى تتفوق على الإسلام فى هذا المجال تفوقا أكبر حسب دعواه. وكيف تكون أخلاق اليهودية أفضل منها فى الإسلام، واليهود إنما ينظرون إلى غيرهم من البشر على أنهم أحط من الحيوان، ويفرقون فى المعاملة بين اليهودى وغير اليهودى كما هومعروف، على حين أن أخلاق الإسلام هى أخلاق إنسانية الطابع، ومن ثم لا تجعل للاعتبار الدينى محلا فى تأدية الحقوق إلى أصحابها أو عمل الخير للآخرين؟ ثم إن الإسلام لا يكتفى بالكلام المنمق الجميل الذى لا يؤكِّل عيشا، بل يضع له الإطار التطبيقى كما هو الحال مثلا فى الزكاة والصدقات غير مكتف بالحديث عن ضرورة رحمة الفقير والمسكين، بل يُتْبِعه بتنظيم هذه الدعوة وجعل تنفيذها فريضة دينية يحاسَب الشخص على تأديتها أو إهمالها. وأين هذا فى اليهودية أو النصرانية؟ وعلى أية حال فإن أمم الغرب ماضية منذ قرون فى الاعتداء على المسلمين وتقتيلهم وتدمير بلادهم وحضارتهم، وفى القرن المنصرم أنشأوا لليهود دولة فى قلب العالم العربى. نعم لليهود، الذين يتهمونهم بقتل المسيح، لا لشىء سوى نكاية المسلمين وإفساد حياتهم حاضرا ومستقبلا. إى نعم لليهود، الذين يقول العهد الجديد، وهو الكتاب المقدس لدى صاحب المقال الذى بين أيدينا، عن شيوخهم وكهنتهم وعما صنعوه مع المسيح عليه السلام: "وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ" (متى/ 26/ 59). أما إذا كان يريد الإيماء إلى موعظة الجبل وما فيها من كلام مثالى مغرق فى المثالية فإننا نسأله: أين يا ترى يمكننا أن نعثر على ما يجعلنا نصدّق قدرة أى إنسان أو أية جماعة على تطبيق ما جاء فى تلك الموعظة؟ أما أخلاق الإسلام فإنها تجمع بين المثالية وشىء من الواقعية، ولهذا كانت أقمن أن ينفذها أتباعها بسهولة لا تتوفر لغيرهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم انظر الآن إلى الكاتب كيف يلوى الحقائق بدم بارد فيذكر، من بين المحرمات فى الإسلام، شهادة الزور ضد المسلم. ومعنى هذا بطبيعة الحال أن المسلم يجوز له، إن لم يكن واجبا عليه، أن يشهد بالزور ضد غير المسلم. أرأيت أيها القارئ كيف يتعمد الكاتب تشويه الإسلام بالباطل؟ ولكى يرى القارئ بنفسه مدى التدليس الذى يمارسه الكاتب أسوق له بعض الآيات القرآنية التى تتعلق بهذا الموضوع: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" (النساء/ 135)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المائدة/ 8). هذا عن وجوب تأدية الشهادة على وجهها الصحيح دون أدنى اعتبار لأى شىء آخر من غنى أو فقر أو قرابة أو غرابة أو دين حتى لو كانت بيننا وبين من نشهد عليه شنآن، أى بغضاء مستحكمة. إن الكاتب ليعلم علم اليقين أن ما قاله عن الإسلام لا وجود له فى الإسلام، بل فى اليهودية، إذ نقرأ فى سفر "الخروج" (20/ 16): "لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ". ومعنى ذلك أن شهادة الزور على الغريب وغير اليهودى أمر جائز، إن لم تكن أمرا واجبا. ومثله الإقراض الربوى، إذ يحرم على اليهودى أن يُقْرِض يهوديا بربا، بخلافه مع الأجنبى، فهو عندئذ حلال تماما.
ترى هل هناك شنآن كالذى كان بين اليهود والمسلمين، والذى طَوَّعَ ليهود أن يؤلبوا الوثنيين على أصحاب التوحيد ويكذبوا على الله وعلى الحق وعلى الشرف والصدق والأمانة فيؤكدوا لهم أن وثنيتهم خير من توحيد الإسلام؟ ومع ذلك فها هو ذا القرآن الكريم ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الآيات التالية مدافعا عن يهودى اتهمه بعض من كان ينتسب إلى الإسلام بأنه الفاعل فى قضية تختص بسرقة سلاح، على حين كان السارق هو ذلك المتَّهِم نفسه: "إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) " (النساء). وأرجو أن يتملى القارئ جيدا تلك اللهجة النارية التى يصطنعها النص والتى قلما نجد لناريتها شبيها فى مثل ذلك السياق من القرآن.
(يُتْبَعُ)
(/)
لكن هذا فى الواقع ليس غريبا أبدا على دين يوصى أتباعه بما يوصيهم به الإسلام تجاه عدوهم، فيقول لهم: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) " (الممتحنة)، ويحذرهم من العدوان على أى إنسان أو أية جماعة، وإن كان يسمح لهم بالرد على العدوان بمثله: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة/ 190) "، مع إيثار التسامح على الانتقام رغم مشروعيته ما دامت الظروف تسمح بالتسامح دون أن يستتبع ذلك ضررا أشد: "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (43) " (الشورى)، "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" (النحل/ 126).
هذا ما يقوله القرآن. والآن إلى هذا النص من رسالة بولس إلى أهل رومية، وفيه أن الكذب مشروع ما دام يؤدى إلى تمجيد الله: "3فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ اللهِ؟ 4حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ اللهُ صَادِقًا وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبًا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي كَلاَمِكَ، وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ».5وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِثْمُنَا يُبَيِّنُ بِرَّ اللهِ، فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ اللهَ الَّذِي يَجْلِبُ الْغَضَبَ ظَالِمٌ؟ أَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ. 6حَاشَا! فَكَيْفَ يَدِينُ اللهُ الْعَالَمَ إِذْ ذَاكَ؟ 7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ ". وهذا يكفى فى الرد على كاتبنا الهجّام الذى يلصق بالإسلام ما ليس فيه متصورا أن بمستطاعه الحديث عن الإسلام من طرف مناخيره دون أن يعقّب أحد على كذبه.
ويستمر الكاتب فى تزييفه فيزعم أنه، من بين الكفر والردة والزنا وشرب الخمر والاستقسام بالأزلام، لا يوجد عقاب فى الإسلام إلا للكفر والردة، أما الخطايا الباقية فيُسْمَح فيها بوجه عام أن يذهب مقترفها لحال سبيله دون عقاب، اللهم إلا إذا مست مصلحةَ المجتمع أو اصطدمت بالنظام السياسى بشكل خطير، وكأنه لا عقوبة على شارب الخمر ولا على الزانى ولا على شاهد الزور. لو أنه قال إن بعض هذه الخطايا لا عقاب معين لها مثل شهادة الزور لم يكن على كلامه غبار، وإن لم يَعْنِ هذا أنه لا توجد فعلا أية عقوبة لمرتكب شهادة الزور، بل كل ما يعنيه هو أنه لا يوجد حد مقرر لمثل تلك السيئة، ومن ثم يُتْرَك أمرها إلى رجال القانون يؤاخذون مجترحها بالعقوبة التى يَرَوْنَها ناجعة رادعة، وهو ما يسمى فى الفقه الإسلامى بـ"التعزير"، ذلك الباب الشرعى للعقوبة التى لم يحدَّد مقدارها سلفا. أما شرب الخمر ففيه الجلد، وأما الزنا فالجلد عقوبة غير المحصن، وثم خلاف حول عقوبة المحصن: أهى الجَلْد كما فى غير المحصن، أم هى الرَّجْم كما يقول جمهور الفقهاء؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن تزييفات الكاتب دعواه أنه فى حالة ارتكاب أحد الزوجين للفاحشة فإن شهادة الرجل على زوجته تُقْبَل للتو واللحظة ودون نقاش، على عكس شهادتها عليه، فإنها لا تُقْبَل بحال. وهو كلام لا صدق فيه على الإطلاق، إذ من المعروف أن فى الفقه الإسلامى بابا لما يسمَّى بـ"اللِّعَان"، وهو أن يتهم أحد الزوجين الآخر بالفاحشة، فعندئذ يجب عليه أن يكرر شهادته أربع مرات أمام القاضى حتى يكون لشهادته قبول وتتم معاقبة الطرف المتَّهَم، ولكن بشرط ألا يردّ فيشهد أربع مرات بأن متَّهِمه كاذب فيما قاله عنه. وعلى هذا فلا تمييز هنا بين زوج وزوجة، بل مساواة تامة. كذلك فإن قوله إن الأخذ بالثأر من الأمور المسموحة فى الإسلام هو من المزاعم الفارغة التى لا تستند إلى أى أساس خارج دعوى الكاتب السخيفة، إذ على رأس الإصلاحات التى أتى بها الرسول الكريم إلغاؤه الثأر، وكان شائعا بين العرب يفتك بهم ويحيل حياتهم إلى سلسلة لا تنتهى من القتل والقتل المضاد، ومن ثم أصبح واجبا على أولياء القتيل عندئذ تفويض الأمر إلى القضاء يأخذ لهم حقهم. وهذا من المتعالم المشهور الذى لا يحتاج إلى سوق الدليل عليه.
ومن أكاذيب الكاتب أيضا زعمه أن الإسلام السياسى يقوم على الاستبداد فى الداخل، والعدوان فى الخارج. وهذا كلامٌ سخيفٌ سُخْفَ عقل قائله، إذ لا وجود للشورى فى أى كتاب دينى كما هو الحال فى القرآن الكريم، الذى تكررت الإشادة بها فيه أكثر من مرة. وفى سورة "الشورى" نجد القرآن قد جعلها من سمات المؤمنين المخلصين. أى أنها ليست شأنا من شؤون السياسة فحسب، بل هى أولا وقبل كل شىء من صميم الإيمان، ومن ثم تُُكْسِب صاحبها رضا الله سبحانه وتعالى: " فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) " (الشورى). ولنلاحظ أن السورة التى وردت فيها الآية تُسَمَّى بـ"الشورى"، وهذه دلالة لا تخطئها العين على المكانة التى تحتلها الشورى فى الإسلام. أما آية "آل عمران" فموجهة إلى النبى نفسه صلى الله عليه وسلم بما يفيد أن الشورى أكبر من أى شىء، وأن الكل ينبغى أن يخضع لها وينزل على مطالبها: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران/ 159). ومن العجيب أن تكون هذه الآية قد نزلت بعد أن أصاخ النبى إلى اقتراحٍ لطائفة من المسلمين فى غزوة أحد يختلف عما كان هو يزمع تنفيذه، وكانت النتيجة هزيمة المسلمين فى تلك الغزوة. ولقد كانت هذه فرصة لأى مستبد كى يقرّع مخالفيه وينصبّ عليهم عسفا وترويعا واستبدادا، إلا أن القرآن كانت له كلمة أخرى، إذ نراه رغم كل ما حدث قد أوجب على النبى المزيد من الشورى، مع اعتماد اللين والرحمة وسيلة للتعامل مع مستشاريه ورعيته بدلا مما ينتهجه الحكام الآخرون من الفظاظة وغلظة القلب. فهل بعد هذا كله موضع لتساخف هذا المتساخف؟
وبالنسبة للسياسة الإسلامية الخارجية التى يَسِمُها بالعدوانية نجده يؤكد أن المسلمين فى العصور الوسطى والحديثة قد اضطهدوا اليهود والنصارى اضطهادا شديدا. ولا ريب أن هذا تعبير عن فقدان العقل، وإلا فلماذا لم يذكر لنا الكاتب وقائع محددة تدل على صحة ما يقول؟ أليس من العجيب أن يقلب الرجل الحقائق على أم رأسها فيزعم أن المسلمين قد اضطهدوا اليهود والنصارى، وبالذات فى العصر الحديث، ذلك العصر الذى يتناوش المسلمين فيه الاضطهادُ والاكتساحُ والاستنزافُ والتدميرُ الصليبهيونى من كل جانب؟ أليس من العجيب أن يتجاهل الرجل حملات الصليبيين والغزو المغولى، ثم الغزو الاستعمارى الحديث بدءا من الحملة الفرنسية على مصر، واحتلال فرنسا للجزائر ثم المغرب وتونس بعد ذلك، واحتلال بريطانيا لمصر فى ثمانينات القرن التاسع عشر ثم للسودان بعد ذلك، واحتلال إيطاليا لليبيا فى العقد الثانى من القرن العشرين، واغتصاب اليهود لفلسطين بتخطيط الغرب الصليبى ومعاضدته لهم بالمال والسلاح والدعاية والمواقف والمؤامرات السياسية، ويروح يهيم فى وادى الكذب والتضليل محاولا لىّ الحقائق التاريخية التى لا تقبل الالتواء؟
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[04 Apr 2009, 10:40 م]ـ
حقيقة نشكر الدكتور إبراهيم على غيرته لدينه والذود عن حماه , كما نشد من أزره في كشف ألاعيب القوم , ونسأل الله له مزيداً من العون والتوفيق.(/)
رد ابن القيم وطه العلواني وحسن العلمي على من قال بعدم كفاية النصوص
ـ[عبد الرحمن الظاهري]ــــــــ[12 Mar 2009, 04:16 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
لاشك أن أهل القبلة مجمعون على وجوب اتباع الكتاب وأنه كتاب هدايتهم ونجاتهم وفوزهم ... وما خالف في ذلك إلا مطعون في دينه مدخول في اعتقاده ...
لكن! دخل الفساد على الموحدين من جهة أخرى , فنفوا الهيمنة بلسان الحال مع أنهم اثبتوا بالمقال!! وهذا عيب العجب ...
وإنه لا يستحسن صواب الجاهل والأرعن مثلما يستقبح خطأ العاقل الكيس ..
قال بعض اهل العلم:
"طريقة ثانية في إثبات القياس
نقول: الضرورة داعية إلى وجوب القياس لأن النصوص متناهية والحوادث غير متناهية .. " (قواطع الأدلة للسمعاني)
ومثله الجويني وخلق كثير ...
قلت: هذا كلام يرجع إلى الطعن في القرآن وقطعا: يفتح الباب لمن أراد النيل من دين الله. فإن مزعمة عدم كفاية النصوص كمبرر لاستثمار القياس عادت بالإبطال على كلا القضيتين , ومجال التفصيل غير هذا.
ولا أدل على أقول من كلام الدكتور حسن العلمي (أستاذ علم الحديث بجامعة ابن طفيل بالمغرب) إذ قال في محاضرته الأولى عن الإجتهاد:
" وإن النصوص متناهية في ألفاظها فقط دون معانيها – قلت: وهذا من تحقيقه حفظه الله ومثلها كثير – قال بدليل قوله تعالى:"ما فرطنا في الكتاب من شئ" علمه من علمه وجهله من جهله. ولذلك يقول الشافعي رحمه الله: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها" فلا يتوهمن واهم أن الكتاب والسنة فيها قصور عن الإحاطة وهذا اعتقاد فاسد فوجب التنبيه عليه وقد كان بعض السلف يقول: لو ضاع مني شراك نعلي لوجدت في كتاب الله مايدل عليه " وهذا من أساليب المبالغة لتأكيد المعنى المشار إليه ...
وإن فتح المجال لهذا الإعتقاد ليفتح الباب للطعن في شمولية الكتاب وإعجازه وهيمنته وهذه تهمة لا تخفى عليكم مخاطرها على عقائد الناس بل على نظامهم التشريعي الذي ما فتئوا يفخرون به ... وانظر إلى المسكرات – كأبسط دليل – ففيها من رسول الله حكم استوعب كل ما سيأتي من أنواعها وما يندرج تحتها ... والخمر عند العرب يقع على ما اشتد حتى قذف بالزبد , فكل ما خامر العقل وأسكره فهو حرام."
كما لا أجد غضاضة في سوق كلام الدكتور طه جابر العلواني في مقدمته لكتاب "تجديد الفكر الإسلامي" لمحسن عبد الحميد":
" ( ... فكأن القائلين بالقياس لم يجدوا ما يبررون أخذهم به دليلا رابعا إلا القول بعدم كفاية " النصوص المتناهية" لمواجهة الوقائع المتغيرة اللامتناهية على حد زعمهم فنفوا بذلك "إطلاق القرآن" ونفوا بشكل غير مباشر صفة الهيمنة و الإستيعاب وفات القائلين بتناهي النصوص أنهم نادوا بإعجاز القرآن وإطلاقه وتحديه وقدرته المعجزة على استيعاب الزمان والمكان والإنسان والحياة كلها فكيف تستقيم هذه الدعوى مع تأكيد صفة التناهي لنصوص الكتاب والسنة وتوقف إمكان استجابتها واستيعابها للمستجدات على القياس؟!)
قلت: وكذلك الإمام ابن القيم رحمه في إعلام الموقعين لم يرتض هذا التبرير الضعيف للأخذ بدليل ضعيف كذلك فقال:
"فرقة قالت: إن النصوص لا تحيط بأحكام الحوادث وغلا بعض هؤلاء حتى قال ولا بعشر معشارها قالوا فالحاجة إلى القياس فوق الحاجة إلى النصوص ولعمر الله إن هذا مقدار النصوص في فهمه وعلمه ومعرفته لا مقدارها في نفس الأمر واحتج هذا القائل بأن النصوص متناهية وحوادث العباد غير متناهية وإحاطة المتناهي بغير المتناهي ممتنع وهذا احتجاج فاسد جدا من وجوه" وساق وجوه الفساد.
قلت: إن الزيادة على كلام هؤلاء الأفاضل لا طائل من ورائه وقد كفونا حفظ الله حيهم ورحم ميتهم كل عناء في سبيل نقض هذا القول الشنيع
ورحم الله الشوكاني إذ يقول في إرشاد الفحول:
" ( ... ثم لا يخفى على ذي لب صحيح وفهم صالح أن في عمومات الكتاب والسنة ومطلقاتهما وخصوص نصوصهما ما يفي بكل حادثة تحدث ويقوم ببيان كل نازلة تنزل عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله) "
وقال الإمام داود بن علي الأصفهاني رحمه الله:
"عمومات الكتاب والسنة أغنتنا عن كل قياس"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
": (لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر وقل إن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام.) "
قلت: هذا كلام المحققين من أهل العلم المتبحرين في المعقول والمنقول الناظرين إلى القضايا بنور من عند الله ..
وفعلا ما تسربت إلينا هذه البدع إلا لأخذنا ما في كتب أهل البدع
خاصة وأنهم كانوا كبار الأصوليين
وكتبهم كانت ولا زالت هي المعتمد والمعول عليه في هذا الفن.
ولو أننا عملنا بنصيحة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
" إياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب الأهواء قليلا ولا كثيرا عليكم بأصحاب الآثار والسنن"
لكنا في عافية من أمرنا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[12 Mar 2009, 01:58 م]ـ
اخي عبد الرحمن الظاهري للاسف انك لم تكن صريح في طرحك لهذا الموضوع فعنوانك الصارخ يختلف عن مضمون الموضوع الذي هو في القائلين بالقياس وليس القائلين بعدم كفاية النصوص وايضاً انك لم تفرق بين القياس الفاسد والقياس الصحيح
وانت تعلم ان من استدللت بكلامهم في الموضوع وعلى راسهم الشافعي رحمه الله وابن القيم وابن تيمية كانوا يقولون بالقياس فلماذا لم تذكر ذلك عنهم ام انك اردت ان تقحم هذه الاسماء الكبار لصالحك واخترت الغزالي والسمعاني للطرف الثاني!!!
اما الشافعي فيقول في كتابه الرسالة: ونحكي بالاجماع ثم القياس وهو اضعف من هذا ولكنها منزلة ضرورة لانه لا يحل القياس والخبر موجود ....
وقال شيخ الاسلام بن تيمية في مجموع الفتاوي: وقد تنازع الناس في مسمى " القياس ". فقالت طائفة من أهل الأصول: هو حقيقة في قياس التمثيل مجاز في قياس الشمول - كأبي حامد الغزالي وأبي حامد المقدسي. وقالت طائفة: بل هو بالعكس حقيقة في الشمول مجاز في التمثيل - كابن حزم وغيره. وقال جمهور العلماء بل هو حقيقة فيهما والقياس العقلي يتناولهما جميعا وهذا قول أكثر من تكلم في أصول الدين وأصول الفقه وأنواع العلوم العقلية وهو الصواب فإن حقيقة أحدهما هو حقيقة الآخر وإنما تختلف صورة الاستدلال ....
واما ابن القيم رحمه الله فقد تكلم بالقياس باسهاب في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) والذي نقلت انت منه وفصّل في هذا الموضوع واتى بكلام في هذا الموضوع فيه شفاءً للصدور ولكن للاسف اخي عبد الرحمن انك انتقيت هذين السطرين وتركت عشرات الصفحات وقد ذكر ابن القيم ان من فتح باب الاجتهاد على الامة هم الصحابة رضي الله عنهم فهل الصحابة مطعون في دينهم مدخول في اعتقادهم كما تقول عن اهل القياس في اول كلامك
وهذا رابط فصل (القول بالقياس) من كتاب إعلام الموقعين وارجوا الرجوع له وهناك باب انصح بقرائته وعنوانه (القياسيون والظاهرية مفرطون):
http://feqh.al-islam.com/Bookhier.asp?Mode=0&DocID=34&MaksamID=50
ـ[عبد الرحمن الظاهري]ــــــــ[12 Mar 2009, 02:27 م]ـ
أحسن الله إليك يالحبيب .. علم الله أنني لم أكن أقصد الحديث عن القياس فليس هذا مجاله ..
أما نقولاتي فكلها تدل على المعنى الذي أشرت إليه والذي وضحه بجلاء شيخنا حسن العلمي ... ولكن لارتباط الموضوعين زتداخلها إضافة إلى لقبي "الظاهري" جعل القضية ملتبسة ..
أنت أعلم يا شيخنا بأن مزعمة عدم كفاية النصوص حجة لقياس عند بعض أهل العلم ولك في السمعاني في كتابه قواطع الأدلة خير مثال ... وهذا الإدعاء يجني على القرآن: لأنه يسلبه صفة الهيمنة والإعجاز والإحاطة وو ...
أما القياس فقد وضح عندي بطلانه بما لامزيد عليه.وقوله تعالى:? يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا?
حاصر للأدلة الشرعية.
ونتناقش حول الموضوع بأخوية في مناسبة لاحقة ...
لك مني أجمل تحية.
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[12 Mar 2009, 02:52 م]ـ
قال شيخ الإسلام: ((وأين هذا من أهل الكلام الذين يقولون إن الكتاب والسنة لا يدلان على أصول الدين بحال وأن أصول الدين تستفاد بقياس العقل المعلوم من غيرهما وكذلك الأمور العملية التي يتكلم فيها الفقهاء فإن من الناس من يقول إن القياس يحتاج إليه في معظم الشريعة لقلة النصوص الدالة على الأحكام الشرعية كما يقول ذلك أبو المعالى وأمثاله من الفقهاء مع أنتسابهم إلى مذهب الشافعي ونحوه من فقهاء الحديث فكيف بمن كان من أهل رأى الكوفة ونحوهم فإنه عندهم لا يثبت من الفقه بالنصوص إلا أقل من ذلك وإنما العمدة على الرأى والقياس حتى أن الخراسانيين من أصحاب الشافعى بسبب مخالطتهم لهم غلب عليهم استعمال الرأى وقلة المعرفة بالنصوص
وبإزاء هؤلاء أهل الظاهر كأبن حزم ونحوه ممن يدعى أن النصوص تستوعب جميع الحوادث بالأسماء اللغوية التي لا تحتاج إلى استنباط واستخراج أكثر من جمع النصوص حتى تنفى دلالة فحوى الخطاب وتثبته في معنى الأصل ونحو ذلك من المواضع التي يدل فيها اللفظ الخاص على المعنى العام
والتوسط في ذلك طريقة فقهاء الحديث وهى إثبات النصوص والآثار الصحابية على جمهور الحوادث وما خرج عن ذلك كان في معنى الأصل فيستعملون قياس العلة والقياس في معنى الأصل وفحوى الخطاب إذ ذلك من جملة دلالات اللفظ وأيضا فالرأى كثيرا ما يكون في تحقيق المناط الذي لا خلاف بين الناس في استعمال الرأى والقياس فيه فإن الله أمر بالعدل في الحكم والعدل قد يعرف بالرأى وقد يعرف بالنص)).
ـ[عبد الرحمن الظاهري]ــــــــ[12 Mar 2009, 03:08 م]ـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
": (لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها وإلا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر وقل إن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام.) "
شكرا لكم جميعا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[31 Mar 2009, 01:04 ص]ـ
الأخ الكريم الظاهري،
أولاً: القياس عملية عقلية يمارسها العقلاء بغض النظر عن عقائدهم، أي أنه فِطرة فطر الله الناس عليها. مثال: لو حكم القاضي على سارق بسبع سنين سجن، وحكم على شريكه بعشر سنوات، لسأل الناس عن الفرق الذي أوجب الزيادة في عدد السنين.
ثانياً: معلوم أن القياس لا يعمل به في مواجهة النص أو الإجماع. ثم هو قياس على النص.
ثالثاً: الناظر في القرآن الكريم يلاحظ أن القرآن الكريم يعلّمنا القياس، وكذلك نصوص السنة.
رابعاً: مارس الصحابة رضوان الله عنهم القياس والأمثلة على ذلك كثيرة.
خامساً: معلوم أن القياس لا يصح حتى يتحد سبب الحكم، ولا بد من دليل على وجود السبب المشترك.
سادساً: إذا كانت النصوص محدودة في ألفاظها وغير محدودة في معانيها، فإن القياس من معانيها التي تقتضيها البدهيات العقلية.
سابعاً: قلت إنك لم تقصد القياس، ثم ختمت برفض القياس. وهذه مسألة قتلها العلماء بحثاً قديماً وحديثاً. والكليات الجامعية المختصة تعلّم ذلك.
ـ[عبد الرحمن الظاهري]ــــــــ[11 May 2009, 03:54 ص]ـ
أحسن الله إليك يا أبا عمرو وأظن أن كلامي كان منصبا على فكرة "تناهي النصوص وعدم تناهي الحوادث" دون غيرها ...
ولا أنكر أن لها تعلقا بمبحث القياس ... لكنني لا اتكلم عن القياس ...
ومعظم ما قلته يا أخي غير مسلم أبدا
تحياتي.(/)
هل كان زنديقا؟ هل كتب معارضة للقرآن؟ كلمة فى عقيدة ابن المقفع
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[16 Mar 2009, 03:58 ص]ـ
هل كان زنديقا؟ هل كتب معارضة للقرآن؟
(كلمة فى عقيدة ابن المقفع)
د. إبراهيم عوض
Ibrahim_awad9@yahoo.com
http://awad.phpnet.us/
http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9
http://ibrahimawad.com/
منذ أكثر قليلا من أسبوعين وصلتنى، على غير انتظار، رسالة مشباكية (إيميل) من الأستاذ ثابت عيد الصديق المصرى المقيم بسويسرا منذ وقت طويل. وكان قد عرّفنى به وعرّفه بى على البعد قبل عدة سنوات صديقنا المشترك المرحوم الدكتور عبد العظيم المطعنى، واتصل بى وقتها الأستاذ عيد من سويسرا مرتين أو أكثر، ثم انقطعت الأمور بيننا، ولم أعد أسمع به إلا حين أقرأ له شيئا هنا أو ههنا ... إلى أن وصلتنى منذ أكثر قليلا من أسبوعين، على حين بغتةٍ، الرسالة المشباكية التى ذكرتُها، فعادت الأمر بيننا أقوى من ذى أوّل وصرنا نتراسل يوميا، وكان مما بعث به إلىّ فى إحدى الرسائل مقال كان قد كتبه عن بعض المستشرقين ممن يكيدون للإسلام وينكشون بإبرة فى تاريخ المسلمين بحثا عن القمامات، بل خَلْقًا لها، تاركين الورود، وما أكثرها وأبهجها وأجملها وأعطرها، لا يقربونها ولا يحبون لغيرهم أن يقربها من فرط غرامهم بالقاذورات.
وكان فى المقال المذكور إشارة إلى عبد الله بن المقفع الكاتب الأموى والعباسى المشهور والزندقة التى يُزَنّ بها والتى يحرص بعض المستشرقين على إلصاقها به وبأمثاله متلذذين بإيهام قرائهم أن كبار مفكرى الإسلام وأدبائه كانوا كلهم ملاحدة، عازين ذلك إلى أن دين النبى العربى لا يريح العقول الكبيرة. وسيق الحديث عن ذلك الموضوع وكأن زندقة الرجل أمر مفروغ منه لا يقبل نقضا ولا إبراما. فذكرنى هذا بما قاله طلابى فى كلية التربية بالطائف ذات محاضرة فى أوائل تسعينات القرن المنصرم من أن ابن المقفع زنديق لا يمت للإسلام بصلة. أى أن تحوله إلى الإسلام لم يكن صادقا، بل ظل الرجل فى أعماقه كافرا. فهو إذن كان يتظاهر بالإسلام، على حين ظل، فيما بينه وبين نفسه، على دين قومه القديم كما كان قبلا.
وهم، فى هذا، إنما يرددون ما جاء فى بعض كتب التراث التى ترجمت للرجل. وكان جوابى عليهم أن الاتهام بالزندقة لا يعنى بالضرورة أن المتَّهَم بها زنديق فعلا، إذ ثمة فرق كبير بين توجيه التهمة وبين ثبوتها حقا على من رُمِىَ بها. وزدت فقلت لهم إن ما قرأته لابن المقفع وعنه لا يجعلنى أصدق مثل تلك التهمة. فالرجل يبدو مسلما يبعث إسلامه على الاطمئنان، ولم يُؤْثَر عنه شىء من شأنه أن يشككنا فى عقيدته. كما دار بينى وبينهم وقتها نقاش آخر حول عقيدة الشاعر العباسى بشار بن برد، الذى لم يكن رأيهم فيه أفضل من رأيهم فى ابن المقفع. وهو ما حدانى إلى أن أعكف على شعر الرجل وعلى كل ما وقعتْ يدى عليه من كتب ودراسات تتعلق به وبشعره وشخصيته واعتقاده، وكانت ثمرة ذلك أنْ وضعت كتابا من أربعمائة صفحة عنه خصصت منه فصلا طويلا يبلغ عشرات الصفحات لدراسة عقيدة الشاعر قلبت فيه الأمر على كل وجوهه ولم أترك صغيرة ولا كبيرة إلا فحصتها فحصا دقيقا مرهقا، فتبين لى أن الرجل كان مسلما، وإنْ أخذتُ عليه فى ذات الوقت أنه لم يكن يلتزم فى حديثه فى بعض أمور الدين جانب الجِدّ والوقار، وهذا كل ما هنالك. وقد أوردت أدلة وبراهين وشواهد كثيرة وقوية جدا على صحة ما أقول. وانتهيت إلى الاطمئنان إلى عقيدة الرجل.
وأنا حين أقول هذا لا يخطر لى أبدا على بال أن أُنَصِّب نفسى قَيِّمًا على دين الرجل ومصيره عند ربه، إذ مَنْ أنا أو غيرى حتى نفكر مثل هذا التفكير؟ إنما هى متطلبات البحث الأدبى لا أكثر ولا أقل، فهى مجرد اجتهادات علمية قد تصيب، وقد تخطئ. أما الحقيقة فهى عند الله سبحانه وتعالى. وإذا كنا لا نعرف مصيرنا نحن فهل يمكننا الادعاء بأنا نعرف مصير الآخرين؟ فأرجو من القراء دائما أن يكونوا على ذكر من هذا الذى نقول، منعا لسوء الفهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكنت من قبل قد صنعت نفس الشىء مع المتنبى فاتضح لى أن الرجل مسلمٌ عادىٌّ مثلى ومثل ملايين المسلمين رغم ما لاحظته أحيانا على شعره من الإغراق فى بعض المبالغات التى ينبغى ألا نحمّلها ما لا تحتمل، بل علينا أن نفهمها فى إطار فنه الشعرى. ويجد القارئ هذا الكلام فى كتابى: "المتنبى- دراسة جديدة لحياته وشخصيته". كذلك كنت تناولت المسألة ذاتها فيما يخص الشهرستانى صاحب "الملل والنحل"، إذ كان قد تعرَّض لمثل تلك التهمة، فتبين لى أن إسلام الرجل لا غبار عليه وأنه ليس فى يد متهميه أى دليل على صحة ما يرمونه به فى دينه. ولمن يريد الاطلاع على هذا الموضوع يمكنه أن يقرأه فى الفصل الذى خصصته لذلك المفكر الكبير فى كتابى: "من ذخائر المكتبة العربية".
والحق أننى ما إن قرأت الفقرة التى وردت فى الرسالة المشباكية التى بعث بها إلىّ الأستاذ ثابت عيد حتى انتفضتْ من مكمنها نيتى القديمة التى كنتُ عَقَدْتُها لدراسة هذا الموضوع والتى لم يمنعنى من وضعها موضع التحقيق طوال تلك الأعوام الطويلة سوى أننى لم أستطع العثور فى أى مكان على الرد الذى ألفه القاسم بن إبراهيم من علماء القرن الرابع الهجرى ضد ما قال إنه معارضة من ابن المقفع للقرآن الكريم، والذى نشره المستشرق الإيطالى فى عشرينات القرن الفائت فى روما.
وكأننى هذه المرة كنت مع القَدَر فى تلك القضية على ميعاد، إذ سرعان ما وجدنا الرد المذكور بعد أن انتفضت نيتى لمعالجة الموضوع بعدة أيام قلائل، وعلى يد الأستاذ عيد نفسه، ومن سويسرا حيث وجده فى مكتبة خارج المدينة التى يقطنها، فقامت مكتبة الجامعة فى مدينته باستعارته له من تلك المكتبة الأخرى، فصوره وأرسله لى بالمِصْوار (السكانر)، كل ذلك فى غضون أربعة أيام. وكنت قد شرعت فى القراءة اللازمة للموضوع وكتابة النقاط التى لم تكن تعتمد مباشرة على كتيّب القاسم بن إبراهيم المعروف بـ"ابن طباطبا"، مستعينا مؤقتا بالفقرات التى استقاها د. عبد اللطيف حمزة من الرد المذكور فى كتابه عن ابن المقفع، وبالبحث الذى كتبه المستشرق السويسرى يوسف فان إس بالإنجليزية فى موضوع مشابه، وفيه فقرات أخرى منسوبة إلى ابن المقفع غير التى أوردها د. حمزة يقال إنه قد أنشأها يعارض بها القرآن الكريم. وهذا البحث منشور فى كتاب تذكارى أخرجته الجامعة الأمريكية ببيروت لدن بلوغ د. إحسان عباس الستين من عمره، ووافانى به الأستاذ ثابت مشكورا فى إحدى رسائله المشباكية إلىّ. حتى إذا وصلنى الرد كنت أوشكت على الفروغ من البحث. ثم عكفت مرة أخرى لبضع ليال عليه أَسُدّ ثُغُراتِه فى ضوء ما يشتمل عليه رد القاسم بن إبراهيم، وبعد أن أكرمنى الله بنسخة أخرى من هذا الرد بتحقيق جديد لأحد المصريين أحضرتْها طالبة من طالباتى الناشطات الذكيات المهتمات بالعلم والبحث، وهى الآنسة فاطمة السيد طالبة الدراسات العليا بالكلية، جزاها الله خيرا على تلك اليد الكريمة. فكان هذا البحث الذى بين يدى القارئ الكريم.
والرجل الذى نحاول دراسة التهمة الموجهة إلى عقيدته هو عبد الله بن المقفع الكاتب الأموى العباسى المشهور. وهو من أهل القرن الثانى للهجرة. وُلِد بالبصرة حيث نشأ نشأة عربية وتأثر أيضا بثقافة أُسرته الفارسية. وكان يتقن لغة الفرس ولغة العرب جميعا، ثم أصبح كاتبًا لآل هبيرة فى أواخر العصر الأموى. وعند قيام الدولة العباسية اتصل بعم الخليفة المنصور، عيسى بن على، وأصبح كاتبا لديه ذا حظوة. وتحكى الروايات أن ابن المقفع قال لعيسى بن على ذات ليلة: قد دخل الإسلام في قلبى، وأريد أن أُسْلِم على يدك. فقال له عيسى: ليكن ذلك بمحضر من القواد ووجوه الناس. فإذا كان الغد فاحضر. ثم حضر طعام عيسى عشية ذلك اليوم، فجلس ابن المقفع يأكل ويزمزم على عادة المجوس. فقال له عيسى: أتزمزم وأنت على عزم الإسلام؟ فقال: أكره أن أبيت على غير دين. فلما أصبح أسلم على يده. وابن المقفَّع عَلَمٌ من أعلام الكتاب يتسم إبداعه بقوة الأسلوب وروعة القص والتحليل. ومن أشهر ما وصل إلينا من تراثه الفكرى والأدبى "كليلة ودمنة، والأدب الصغير، والأدب الكبير، ورسالة الصحابة، والدُّرَّة اليتيمة".
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا انتقلنا إلى قضيتنا التى عَقَدْنا لها هذا البحث فأول شىء ننظر فيه هو تلك الحكاية التى أشرنا إليها قبل قليل، والتى وردت فى "وَفَيَات الأعيان" لابن خَلِّكان، فهى مثال على الأخبار التى لا تثبت على التمحيص لما فيها من أشياء لا يقبلها المنطق، إذ ما دام الإسلام قد دخل قلب الرجل فمعنى هذا أنه أمسى مسلما، فالإسلام إنما يُعْنَى أولا وقبل كل شىء بالنية، ولا يقف عند الرسوم والأشكال كثيرا. وما دام الرجل قد انتهى إلى أن ما كان عليه من دين أسلافه لم يعد يدخل العقل أو القلب، فكيف يصر على أن يتبع رسومه وشعائره إلى الغد حينما يحضر كبار رجال الدولة وأعيانها، وهو الذى لم يعد مقتنعا به؟ أوَيمكن التصديق بأنّ من دخل الإسلام قلبه (ومن؟ إنه ابن المقفع نفسه، أحد كبار كتاب عصره) يقبل أن يظل متمسكا بديانته الوثنية القديمة ومناسكها على هذا النحو المضحك لأن مولاه آثر أن يؤجل مراسم إعلان إسلامه إلى أن يجتمع عنده كبار رجال الدولة من الغد؟ إن كل ما عرضه عليه عيسى بن على هو تأجيل الإعلان الرسمى لا أكثر، ولم يعرض عليه أن يؤجل دخوله فى الإسلام إلى الصباح، إذ كان ابن المقفع قد صار مسلما وانتهى الأمر بمجرد أن اقتنع بدين النبى العربى كما أكد ذلك لعم الخليفة.
وإذا كان كاتبنا قد عز عليه أن يبيت على غير دين فلم يا ترى لم يسمّ اسم الله على الطعام ويكون قد بات على الإسلام، وهو الدين الذى نوى أن يعلنه على الملإ من غده؟ أقول: على الملإ لا بينه وبين ربه، لأن الأمر بينه وبين ربه قد بات محسوما! إن الطبيعى أن يكون سيره فى نفس الاتجاه الذى نوى أن يمضى فيه كما يقضى المنطق والعقل لا بعكسه. أليس كذلك؟ ثم إذا كانت الزمزمة هى تراطن العلوج على أكلهم وهم صموت لا يستعملون لسانا ولا شفة، ولكنه صوت يديرونه في خياشيمهم وحلوقهم فيفهم بعضهم عن بعض كما جاء فى "القاموس المحيط"، فلماذا يا ترى زمزم ابن المقفع على الطعام فى تلك الليلة، وليس ثَمَّ ناس على دينه القديم يتفاهم معهم بهذه الزمزمة؟ أتراه كان بعقله خلل؟ لكنْ أمثل ابن المقفع يصاب فى عقله بخلل كهذا، وفى ظرف كهذا، وأمام واحد من كبار رجال الدولة كهذا؟ من هنا فإنى أرفض هذه الجانب من الرواية كما سأرفض أشياء أخرى عن ابن المقفع وإسلامه وزندقته لا تقنع الطفل الصغير رغم ترددها فى عدد من الكتب.
على أن إثارة الريبة فى إسلام الرجل لم تقتصر على هذا الخبر الساذج، بل تجاوزته إلى ما رواه ابن شبة ونقله عنه المرتضَى فى "أماليه"، قال: "حدثني من سمع ابن المقفع، وقد مر ببيت نار للمجوس بعد أن أسلم، فلمحه وتمثل:
يا بيتَ عاتكةَ الذي أَتَعَزَّلُ * حَذَر العِدا، وبكَ الفؤاد مُوَكَّلُ
إني لأمنحكَ الصدودَ، وإنني * قَسَمًا إليك مع الصدود لأَمْيَلُ"
وهو كلام لا وشيجة بينه وبين أى منطق، إذ الرجل قد أسلم من تلقاء نفسه قائلا إن الإسلام دخل قلبه، ولم يضربه أحد على يده. ولقد رأينا عم الخليفة يقترح عليه تأجيل إعلانه الإسلام إلى الغد. ولو كان هناك أدنى شك فى أنه إنما اعتنق الإسلام بناء على حريته المطلقة ولم يجبره مجبر على ذلك لسارع عيسى بن على إلى الإمساك بهذه الفرصة ولم يقترح عليه ذلك المقترَح خشية أن يتراجع فى قراره مثلا. وأمثال ابن المقفع إذا أقدموا على تغيير عقيدتهم فإنهم لا يفعلون هذا إلا بعد تروٍّ وتقليب للأمر على جميع وجوهه، وبخاصة أنه كان يمارس ديانته الأولى بحرية كاملة مثلما كان أبوه يمارسها رغم توليه وظيفة مالية هامة فى الدولة الأموية، ودون أن يفكر أحد فى إكراههما على نبذ ديانتهما.
ليس هذا فحسب، إذ تخبرنا الرواية أن أحدهم قد سمع ابن المقفع وهو يتمثل ببيتى الأحوص لدن مروره ببيت النار. فمن ذلك الرجل يا ترى؟ وكيف سمع ابن المقفع؟ وأين كان وقتها؟ ومن أدراه، لو صدقنا أن ابن المقفع قد استشهد فعلا ببيتى الشاعر الأموى وأنه قد سمعه بأذنيه هاتين اللتين سيأكلهما الدود، بأنه إنما كان يقصد التعبير عن حنينه إلى دينه القديم لا سواه؟ ولماذا لم يفاتحه ذلك المتجسس فيما سمعه منه فيوبخه أو يعاتبه أو يجادله فى الأمر: فإما أقنعه بانحراف موقفه وإما شهّر به وفضحه فى العالمين؟ إن أمرا كهذا من شخص كابن المقفع لا يمكن أن يمر مرور الكرام على ذلك النحو الذى تريد الرواية أن توهمنا به. وبالمناسبة
(يُتْبَعُ)
(/)
فإن ياقوت الحموى حين ساق هذه الحكاية (فى ترجمة الحسن بن على بن أبى مسلم من كتابه: "معجم الأدباء") قد أضاف فيها أن ابن المقفع "كان من أولاد كسرى"، وهذا ما لا أستطيع أن أتذكر أنى قرأته عند سواه، وإن كان ف. جبرييلِّى ( F. GABRIELI ) كاتب مادة "عبد الله بن المقفع" فى " The Encyclopaedia of Islam : دائرة المعارف الإسلامية" (الطبعة الجديدة) قد نص على أنه ذو أصل فارسى نبيل.
والغريب أن يرتب الدكتور شوقى ضيف على خبر تمثُّل ابن المقفع ببيتَىِ الأحوص أن فيه ما قد يشير إلى أنه ظل على ديانته القديمة، وأنه قد مضى ينقلها هى وعقائد الملحدين إلى لغة العرب (انظر كتابه: "العصر العباسى الأول"/ ط16/ دار المعارف/ 509 - 510). ثم يضيف الأستاذ الدكتور قائلا إنهم لهذا قد اتهموه بمعارضة كتاب الله كما جاء فى كلام الباقلانى فى كتابه: "إعجاز القرآن"، إذ وصف "الدرة اليتيمة" قائلا إنها كتابان: أحدهما يتضمن حِكَمًا منقولةً، والآخر فى شىء من الديانات، وإن كان قد انتهى إلى أن ابن المقفع لم يترك كتابا يعارض فيه القرآن، وهو ما وصلنا إليه بعد الفحص والتمحيص كما سيرى القارئ بنفسه.
وهذا كلام الباقلانى بنصه وفصه: "وقد ادعى قوم أن ابن المقفع عارض القرآن. وإنما فزعوا إلى "الدرة اليتيمة"، وهما كتابان: أحدهما يتضمن حكما منقولة توجد عند حكماء كل أمة مذكورة بالفضل، فليس فيها شيء بديع من لفظ ولا معنى. والآخر في شيء من الديانات، وقد تهوَّس فيه بما لا يخفى على متأمل. وكتابه الذي بيناه في الحِكَم منسوخ من كتاب بزرجمهر في الحكمة، فأي صنع له في ذلك؟ وأي فضيلة حازها فيما جاء به؟ وبعد، فليس يوجد له كتاب يَدَّعِى مُدَّعٍ أنه عارض فيه القرآن، بل يزعمون أنه اشتغل بذلك مدة ثم مزق ما جمع واستحيا لنفسه من إظهاره. فإن كان كذلك فقد أصاب وأبصر القصد. ولا يمتنع أن يشتبه عليه الحال في الابتداء، ثم يَلُوح له رشده، ويَبِين له أمله، ويتكشف له عجزه. ولو كان بقي على اشتباه الحال عليه لم يَخْفَ علينا موضع غفلته، ولم يشتبه لدينا وجه شبهته. ومتى أمكن أن تَدَّعِيَ الفرس في شيء من كتبهم أنه معجز في حسن تأليفه وعجيب نظمه؟ ".
وكلام الأستاذ الدكتور، للأسف، يوحى بأن الرجل قد أُجْبِر إجبارا على الإسلام، وهو ما لم يحدث البتة. ثم أين هى تلك الكتب التى ترجمها ابن المقفع من عقائد الفرس الوثنية وأفكار الملحدين رغبة منه أن ينشر الزيغ والضلال بين المسلمين؟ هل يصدق عاقل أن أحدا فى ذلك الوقت كان يجرؤ على نشر الكفر والترويج لديانات فارس الوثنية فى كتب يقرؤها الناس جميعا ثم يسكتون عما فيها؟ إن الكلام ليس عليه ضريبة، والمهم الحجة والوثيقة؟ فأين هذه أو تلك؟ فإذا نظرنا فوق هذا فيما كتب الرجل وألفيناه يكتب كما يكتب المسلمون ويمجد الله كما يمجدونه، بل إذا نظرنا بعد ذلك فألفيناه يثنى على العرب، وهو الفارسى، وكان يستطيع أن يصنع صنيع غيره من الشعوبيين الذين وضعوا الكتب فى ذمّهم وتشويه تاريخهم ورجالهم وتقبيح مفاخرهم لكنه لم يفعل، كان ذلك كله دليلا آخر على أنه كان مسلما صادق العقيدة. أليس كذلك؟
وأغرب من ذلك جميعه أن الأستاذ الدكتور، مَثَلُه مَثَلُ القدماء الذين يوردون فى ترجمة ابن المقفع ما لا يتسق بعضه مع بعض، يعود فيؤكد مثلهم أن ابن المقفع، رغم زندقته، "كان نبيل الخلق وقورا يترفع عن الدنايا ولا يجعل للهوى سلطانا على عقله، وكان يأخذ نفسه بكل ما يمكن من خصال المروءة والشعور بالكرامة". ثم يمضى رحمه الله فينقل ما قيل عن أريحية نفسه وحرصه على مقتضيات اللياقة والذوق والاعتداد بالنفس. فهل يمكن اجتماع مثل تلك السجايا النبيلة مع ما قاله عن نفاقه وخبث طويته؟ الحق أن هذا وذاك لا يمكن أن يجتمعا فى قلب رجل واحد! وبالمثل يُحْكَى عن الأصمعى أنه قد "قيل لابن المقفع: من أدَّبك؟ فقال: نفسي. إذا رأيت من غيري حسنا أتيته، وإن رأيت قبيحا أبيته"، وهو ما لا نجد تعقيبا عليه أفضل مما علقنا به على كلام الدكتور شوقى ضيف.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهناك رواية أخرى للسياق الذى تمثل فيه ابن المقفع بهذين البيتين أوردها صاحب "الأغانى" خلال ترجمته للأحوص الشاعر الأموى، قال: "وقال الخراز في خبره: حدّثني المدائني، قال: أُخِذ قوم من الزنادقة، وفيهم ابن لابن المقفع، فمُرَّ بهم على أصحاب المدائن. فلما رآهم ابن المقفع خشي أن يسلم عليهم فيُؤْخَذ، فتمثل:
يا بيت عاتكةَ الذي أتعزَّلُ * حَذَرَ العِدا، وبه الفؤاد مُوَكَّلُ
... الأبيات، ففطنوا لما أراد، فلم يسلموا عليه، ومضى". أى أنهم لم يكتفوا بزندقة ابن المقفع، بل أضافوا ابنه إليه فى هذا الانحراف، وزادوا على ذلك تصويره بقساوة القلب وتحجره، فهو لا يبالى بما وقع فيه ابنه من مصيبة، بل كل همه أن يخرج من الأمر سالما. وهو ما يخالف ما كان معروفا عنه من الشجاعة والجرأة واستعداده للتضحية بحياته فى سبيل إنقاذ عبد الحميد الكاتب على ما تحكيه الروايات.
وهذه هى القصة كما نقلها الوطواط فى "غُرَر الخصائص الواضحة وعُرَر النقائص الفاضحة" عن كتاب "الوزراء" للجهشيارى. قال: "إنه لما تفرق الأمر عن مروان بن محمد الجعدي طُلِب عبدُ الحميد بن يحيى كاتبُه، وكان صديقا لعبد الله بن المقفع. ففاجأه الطلب وهما في بيت، فقال الذين دخلوا عليهما: أيكما عبد الحميد؟ فقال كل واحد منهما: "أنا" خوفا أن ينال صاحبَه مكروه. وخَشِىَ عبد الحميد أن يسرعوا إلى ابن المقفع بما يكره، فقال لهم: تثبَّتوا، فإن في عبد الحميد علامات يُعْرَف بها، فأرسِلوا إلى مرسلكم من يستوصفها منه. فأينا وجدتموها فيه فخذوه. ففعلوا، فوصف لهم عبد الحميد بعلامات اشتمل عليها بدنه، فأُخِذ وحُمِل إلى أبي العباس السفاح، فوَلِيَ عقوبته عبد الجبار بن عبد الرحمن، فكان يحمي له طستا ويضعه على رأسه. فلم يزل يفعل به ذلك حتى مات. وقيل غير ذلك".
وفضلا عن ذلك فإن حكاية تمثُّل ابن المقفع بالبيتين المذكورين حين رأى ابنه مع جماعة من الزنادقة المقبوض عليهم تُقَدِّمه لنا بصورة الأحمق الذى يستر الله عليه فيأبى إلا أن يهتك ذلك الستر، إذ كانت الحصافة تقتضى ألا يفتح فمه على الإطلاق ما دام خوافا إلى حد أن يتجاهل ابنه فى مثل ذلك الموقف العصيب نجاة بنفسه، ولتذهب الدنيا كلها بعد ذلك إلى الجحيم. إلا أن حماقته لا ترضى بأقل من أن تعلن عن موقفه بصوتٍ يسمعه كل من هناك. صحيح أننا نفهم من سياق الكلام أن أحدا لم يفهم عنه ما أومأ إليه إلا المتهمين وحدهم. إلا أن هذه حيلة ساذجة جدا لا تنطلى على أحد ممن يقرأونها. وعلى كل حال من يا ترى أخبر الناس أنه كان يقصد إلى ما تريد الحكاية إقناعنا به ما دام أحد غير المقبوض عليهم لم يفهم عنه ما كان يدور فى نيته؟ لا شك أن القارئ يرى معنا كثرة الثغرات فى تلك القضية برمتها.
ولا يقف التربص بالرجل وبما يقول أو يعمل عند هذا الحد، إذ نقرأ فى "أمالى المرتضى" رواية عن"أحمد بن يحيى ثعلب، قال: قال ابن المقفع يرثي يحيى بن زياد، وقال الاخفش: والصحيح أنه يرثى بها ابن أبى العوجاء:
رُزِئْنا أبا عمرو، ولا حيَّ مثله * فلله ريب الحادثات بمن وقعْ
فإن تك قد فارقتَنا وتركتَنا * ذوي خُلَّةٍ ما في انسدادٍ لها طمعْ
لقد جرَّ نفعًا فقدُنا لك أننا * أَمِنّا على كل الرزايا من الجزعْ
قال ثعلب: البيت الاخير يدل على مذهبهم في أن الخير ممزوج بالشر، والشر ممزوج بالخير". أرأيت أيها القارئ كيف تكال الاتهامات دون أدنى مسوغ، بل بعكس كل المسوغات؟ إننا بهذه الطريقة لأَحْرِيَاءُ أن نُورِد الخلق جميعا موارد الجحيم دون أدنى فرصة لإفلات أى إنسان من ذلك المصير المرعب الشنيع. وهل هناك فى الدنيا خير محض أو شر محض تمام التمحُّض؟ إن الرجل، إذا صح أنه هو صاحب البيتين، ليقصد أن ألم فقد ذلك الصديق هو من الشنع بحيث إنه قد أضحى مستعدا لتحمل أى ألم آخر دون أن يبالى، وأن أى ألم بعده لن يكون له تأثير عليه. هذا هو المعنى المراد دون لف أو دوران.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولنفترض أنه قد قصد ما قالوه، فماذا يا ترى فى هذا المعنى مما يدل على أنه لم يكن مسلما؟ إن الأمور فى حياة البشر نسبية كما نعلم، فماذا فى هذا؟ ونحن نقول مثلا: "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فهل فى هذا القول ما يناقض الإسلام؟ وفى القرآن المجيد: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ". أم تراهم، أستغفر الله، يشككون فى هذا أيضا؟ ومعلوم أن الإنسان إذا غُمَّ عليه الأمرُ فى حِلِّيّة شىء أو حُرْمَته فإنه يوازن بين منافعه ومضاره، ثم يتخذ قراره بناء على هذه المقايسة، وإلا لكان أكل الميتة مثلا أو شرب الخمر حراما فى كل الأحوال لا مثنوية فيه حتى لو ترتب على هذا موت الشخص جوعا أو عطشا، وهو ما لا يقول به أحد، بل يقول القرآن بعكسه، إذ يجيز ذلك فى حالة الاضطرار إنقاذا لحياة الإنسان. وبالمثل فإن الكذب، وهو من الأمور الحرام، مباح بل قل: إنه واجب فى بعض الحالات التى يترتب على الصدق فيها ضرر شديد، كما فى حالة وقوع المسلم المحارب أسيرا فى يد العدو مثلا، إذ من الواجب عليه فى هذه الحالة ألا يقول الصدق عن أسرار جيش بلاده وما إلى ذلك. وهكذا يتبين القارئ بنفسه كيف أن المتربصين يلوون كل ما يقوله أو يعمله ابن المقفع كى يثبتوا، وهيهات، أنه زنديق!
وقد أورد خليل مردم فى كتابه عن ابن المقفع بيتين شعريين يدوران حول ذات المعنى، ولم ير فيهما أحد من النقاد أو علماء الدين شيئا مما رآه أولئك المتنطسون فى بيتى ابن المقفع: والبيت الأول لأعرابية فى رثاء ابنها، أما الثانى فلأبى نواس عند موت محمد الأمين فى القتال الذى نشب بينه وبين أخيه المامون حول السلطان (خليل مردم بك/ ابن المقفع/ مكتبة عرفة/ دمشق/ 1349هـ- 1930م/ 54). وهأنذا أورد كلا من البيتين فى سياقه الشعرى: قالت أعرابية:
لقد كنت أخشى لو تملَّيْت خشيتي * عليك الليالي مَرَّها وانفتالَها
فأمّا وقد أصبحتَ في قبضة الرَّدَى * فشأن المنايا فلْتُصِبْ ما بدا لها
وقال أبو نواس فى محمد الأمين يرثيه:
طَوَى المَوْتُ ما بَيْنى وبَيْنَ مُحَمَّدٍ* ولَيْسَ لما تَطْوِى المَنِيَّةُ ناشِرُ
وكُنْتُ عَلَيْهِ أَحْذَرُ المَوْتَ وَحْدَهُ * فلم يَبْقَ لى شَىْءٌ عَلَيْه أُحَاذِرُ
لَئِنْ عَمَرتْ دُورٌ بِمَنْ لا تُحِبُّهُ * لقَدْ عَمَرَتْ ممَّنْ تُحِبُّ المَقابِرُ
كذلك فابن المقفع حريص، فى "كليلة ودمنة"، على أن يضفى على الجو والسياق لمساتٍ وشياتٍ إسلاميةً واضحةً: فكثير من عباراتها مقتبَس من القرآن، وأبطالها يؤمنون بالآخرة، ومفهوم الألوهية هو نفسه مفهومه فى دين محمد، والربّ اسمه: "الله"، والدعاء له والقَسَم به يجرى على سنة الدعاء والقَسَم الإسلامى، فضلا عن وجود عدد من العقائد والمفاهيم والمصطلحات الإسلامية الخالصة كالقضاء والقدر والمشيئة الإلهية والآخرة والحساب والإحسان والصلاح والتقوى والصيام والقيام وما إلى ذلك ... وقد قلت: "كليلة ودمنة" بالذات لأنها قصص رمزية أبطالها من الحيوان، كما أن بيئتها وثنية، فهى إذن حَرِيَّةٌ ألا يظهر فيها الروح الإسلامى، ومن ثم لا يتوقع القارئ أن يجد فيها شيئا من ذلك، وإلا فمؤلفات ابن المقفع الأخرى إسلامية تماما كما سوف نرى ونلمس ذلك بأنفسنا.
وهذه شواهد من "كليلة ودمنة" على هذا الذى نقول: "فلما سمع بيدبا ذلك من الملك أفرخ رُوعُه وسُرِّىَ عنه ما كان وقع في نفسه من خوفه وكفر له وسجد. ثم قام بين يديه وقال: أول ما أقول لك: أسأل الله تعالى بقاء الملك على الأبد، ودوام ملكه على الأمد"، "رزق الله الملك السعيد أنوشروان من العقل أفضله"، "فالله تعالى يحفظك، ويعينك على ما قدمت له"، "فسجد بروزيه للملك ودعا له، وطلب من الله وقال: أكرم الله تعالى الملك كرامة الدنيا والآخرة، وأحسن عني ثوابه وجزاءه"، "فجزاه الله عنا أفضل الجزاء"، "والله ما في منزلي شيءٌ أخاف عليه"، "وما تجتمع والله هاتان الخلتان على أحدٍ إلا أهلكتاه"، "إن الله تعالى قد جعل لكل شيءٍ حدًّا يوقَف عليه. ومن تجاوز في الأشياء حدها أوشك أن يلحقه التقصير عن بلوغها. ويقال: من كان سعيه لآخرته ودنياه فحياته له وعليه"، "يجب على العاقل أن يصدق بالقضاء والقدر، ويأخذ بالحزم، ويحب للناس ما يحب لنفسه"، "وأضمرتُ في نفسي ألا أبغي على أحدٍ، ولا
(يُتْبَعُ)
(/)
أكذّب بالبعث ولا القيامة ولا الثواب ولا العقاب، وزايلت الأشرار بقلبي، وحاولت الجلوس مع الأخيار بجهدي، ورأيت الصلاح ليس كمثله صاحب ولا قرينٌ، ووجدت مكسبه إذا وفّق الله وأعان يسيرا، ووجدته لا ينقص على الإنفاق منه، بل يزداد جدةً وحسنًا"، "قال كليلة: خار الله لك فيما عَزَمْتَ عليه"، "ومن يجزي بالخير خيرا وبالإحسان إحسانا إلا الله؟ "، "قالوا في شأن الصالحين: إنهم يُعْرَفون بسيماههم. وأنتم معاشرَ ذوي الاقتدار، بحسن صنع الله لكم وتمام نعمته لديكم، تعرفون الصالحين بسيماهم وصورهم"، "أحمد الله تعالى حيث لم يمت كليلة حتى أبقى لي من ذوي قرابتي أخًا مثلك. فإني قد وثقت بنعمة الله تعالى وإحسانه إليّ فيما رأيتُ من اهتمامك بي ومراعاتك لي"، "أريد من إنعامك أن تنطلق إلى مكان كذا فتنظر إلى ما جمعته أنا وأخي بحيلتنا وسعينا ومشيئة الله تعالى فتأتيني به"، "إن الله تعالى جعل الدنيا سببا ومصداقا للآخرة لأنها دار الرسل والأنبياء الدالّين على الخير الهادين إلى الجنة الداعين إلى معرفة الله تعالى"، "آمركما بتقوى الله وألا تطلبا إلا الحق"، "ولكن عندي من الرأي والحيلة غير القتال ما يكون فيه الفرج إن شاء الله تعالى"، "مَنَّ الله علينا بك مِنَّةً عظيمة"، "وسُرَّ الناسك بذلك فحمد الله تعالى"، "وإنما قِوَام نفسك بعد الله تعالى بملكك"، "ولولا أن الله تعالى تداركني برحمته لكنت قد هلكت وأهلكت"، "إن الذي قوله واحد لا يختلف هو الله الذي لا تبديل لكلماته، ولا اختلاف لقوله"، "فتركتَ رزقك وطعامك وما قَسَم الله لك، وتحولتَ إلى رزق غيرك فانتقصتَه"، "وليس مما خلقه الله في الدنيا مما يمشي على أربع أو على رجلين أو يطير بجناحين شيء هو أفضل من الإنسان"، "اسقه من ماء هذه الشجرة فيبرأ بإذن الله تعالى"، "إن الاجتهاد والجمال والعقل وما أصاب الرجل في الدنيا من خير أو شر إنما هو بقضاء وقدر من الله عزّ وجل"، "أما أصحابي فقد تيقنوا أن الذي رزقهم الله سبحانه وتعالى من الخير إنما هو بقضاء الله وقدره"، "فحمد الله عزّ وجل وأثنى عليه وقال: ... "، "فافهم ذلك أيها الملك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، "فإنه قد قيل: كما تدين تدان. ولكل عمل ثمرة من الثواب والعقاب"، "قال الصِّفْرِد: إن بساحل البحر سِنَّوْرًا متعبدًا يصوم النهار، ويقوم الليل كله"، "قال له الفيلسوف: أيها الملك، عشتَ ألف سنة، ومُلِّكْتَ الأقاليم السبعة، وأُعْطِيتَ من كل شيء سببا، مع وفور سرورك وقرة عين رعيتك بك، ومساعدة القضاء والقدر لك، فإنه قد كمل فيك الحلم والعلم"، "قال الرابع: أَرْوَحُ الأمور على الإنسان التسليمُ للمقادير".
ومن المضحك ما حُكِىَ عن الجاحظ من أن ابن المقفع ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد كانوا يُتَّهَمون في دينهم، إذ كانت النتيجة أن الجاحظ قد اتُّهِم هو أيضا فى دينه، فقد قال بعضهم تعقيبا على كلامه: فكيف نسي نفسه؟ الله أكبر! حتى الجاحظ؟ نعم حتى الجاحظ، الذى كان لسانا فصيحا فى الدفاع عن الإسلام والقرآن والرسول، قد اتُّهِم فى دينه. وهذا يبين لنا كيف أننا لا ينبغى أن نأخذ مثل تلك الأحكام والروايات على علاتها فنصدّقها دون أن نمررها على معيار عقولنا. ولقد قرأت فى كتب التراث، كما سبق القول، اتهامات فى الدين لعدد من كبار العلماء والأدباء، فدفعنى هذا إلى دراسة الموضوع فى حالات بشار والمتنبى والمعرى والشهرستانى فلم أجد فيما رُمُوا به وفى البراهين التى سيقت للتدليل عليه أى مقنع. إنما هو كلامٌ طائرٌ يناقض ما أُثِر عن كل منهم من إبداع أو سلوك أو أقوال ومواقف. إن من السهل كل السهل رمى الآخرين فى دينهم، لكن الصعب كل الصعب حقا هو إقامة الحجة على مثل تلك الاتهامات. فما بالنا إذا كان ما نعرفه عن الشخص المتَّهَم يؤكد إيمانه ويعبر على الأقل عن تمسكه بالانتماء إلى دين سيد الأنبياء؟
(يُتْبَعُ)
(/)
أما فى كتب ابن المقفع الأخرى فإن الأمر أوضح وأكثر بروزا. وهذه بعض أمثلة. ولنبدأ بـ"الأدب الصغير": "أما بعد، فإن لكل مخلوقٍ حاجةً، ولكل حاجةٍ غايةً، ولكل غاية سبيلا. والله وقّت للأمُور أقدارها، وهيّأ إلى الغايات سبلها، وسبَّب الحاجات ببلاغها. فغايةُ الناسِ وحاجاتهم صلاحُ المعاشِ والمعاد"، "وعلى العاقل أن يذكر الموتَ في كل يومٍ وليلةٍ مرارا، ذكرا يباشر به القلوبَ ويقدعُ الطماح، فإن في كثرةِ ذكر الموتِ عصمةً من الأَشَرِ، وأمانا بإذن الله من الهلعِ. وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين وفي الأخلاق وفي الآدابِ، فيجمع ذلك كله في صدرهِ أو في كتابٍ ثم يُكْثِر عَرْضَه على نفسه ويكلفها إصلاحه، ويوظف ذلك عليها توظيفا من إصلاح الخلةِ والخلتينِ والخلالِ في اليومِ أو الجمعةِ أو الشهرِ"، "وعلى العاقل، ما لم يكن مغلوبا على نفسه، ألا يشغلهُ شغلٌ عن أربعِ ساعاتٍ: ساعةٍ يرفعُ فيها حاجتهُ إلى ربهِ، وساعةٍ يحاسبُ فيها نفسهُ، وساعةٍ يُفْضِي فيها إلى إخوانهِ وثقاته الذين يصدقونه عن غيوبهِ ويصونونه في أمرهِ، وساعةٍ يُخَلِّي فيها بين نفسهِ وبين لذتها مما يحلّ ويجمل، فإن هذه الساعةَ عونٌ على الساعات الأُخَرِ، وإنّ استجمام القلوبِ وتوديعها زيادةُ قوةٍ لها وفضلُ بُلْغَةٍ. وعلى العاقلِ ألا يكونَ راغبا إلا في إحدى ثلاثٍ: تزوُّدٍ لمعادٍ، أو مرمّةٍ لمعاشٍ، أو لذةٍ في غير محرَّمٍ"، "كان يُقال: إنّ الله تعالى قد يأمرُ بالشيء ويبتلي بثقلهِ، وينهى عن الشيء ويبتلي بشهوته. فإذا كنتَ لا تعملُ من الخير إلا ما اشتهيته، ولا تتركُ من الشر إلا ما كرهته، فقد أطلعتَ الشيطان على عورتك، وأمكنتهُ من رمتك، فأوشك أن يقتحم عليك فيما تُحِبّ من الخير فيكرّهه إليك، وفيما تكره من الشر فيحبّبه إليك. ولكن ينبغي لك في حبّ ما تحب من الخير التحاملُ على ما يُسْتَثْقَل منه، وينبغي لكَ في كراهةِ ما تكرهُ من الشر التجنبُ لما يُحَبّ منهُ"، "قد بلغ فضل الله على الناس من السعة وبلغت نعمتهُ عليهم من السبوغ ما لو أن أخسَّهم حظا وأقلهم منه نصيبا وأضعفهم علما وأعجزهم عملا وأعياهم لسانا بلغ من الشكر له والثناء عليه بما خلص إليه من فضله، ووصل إليه من نعمته، ما بلغ له منه أعظمهم حظا وأوفرهم نصيبا وأفضلهم علما وأقواهم عملا وأبسطهم لسانا، لكان عما استوجب الله عليه مقصِّرا وعن بلوغِ غايةِ الشكر بعيدا. ومن أخذ بحظه من شكر الله وحمده ومعرفة نعمه والثناء عليه والتحميد له، فقد استوجب بذلك من أدائه إلى الله القربة عنده والوسيلة إليه والمزيد فيما شكره عليه من خير الدنيا، وحسن ثوابِ الآخرة"، "أفضلُ ما يُعْلَم به علم ذي العلم وصلاحُ ذي الصلاح أن يستصلح بما أوتي من ذلك ما استطاع من الناس ويرغّبهم فيما رغب فيه لنفسه من حب الله، وحب حكمته، والعمل بطاعته، والرجاء لحسنِ ثوابه في المعادِ إليه، وأن يبينَ الذي لهم من الأخذ بذلك والذي عليهم في تركه، وأن يورث ذلك أهله ومعارفه ليلحقه أجره من بعد الموتِ. الدينُ أفضل المواهبِ التي وصلت من الله إلى خلقهِ، وأعظمها منفعةً، وأحمدُها في كل حكمةٍ. فقد بلغ فضل الدين والحكمة أن مُدِحا على ألسنةِ الجهال على جهالتهم بهما وعماهُم عنهما"، "فَصْلُ ما بين الدينِ والرأي أن الدين يسلم بالإيمان، وأن الرأي يثبتُ بالخصومةِ. فمن جعل الدين خصومةً فقد جعل الدين رأيا، ومن جعل الرأي دينا فقد صار شارعا. ومن كان هو يشرعُ لنفسهِ الدينَ فلا دين لهُ"، "مما يدل على معرفةِ الله وسبب الإيمان أن يوكل بالغيبِ لكل ظاهرٍ من الدنيا: صغيرٍ أو كبيرٍ عينا، فهو يُصَرّفه ويحرّكه. فمن كان معتبرا بالجليل من ذلك فلينظر إلى السماء فسيعلم أن لها ربا يُجْرِي فَلَكها، ويُدبّرُ أمرها. ومن اعتبر بالصغير فلينظر إلى حبةِ الخردلِ فسيعرفُ أن لها مدبرا ينبتها ويزكيها ويقدِّرُ لها أقواتها من الأرض والماء، ويُوَقِّتُ لها زمانَ نباتها وزمانَ تهشمها، وأمر النبوةِ والأحلامِ وما يحدثُ في أنفسِ الناسٍ من حيثُ لا يعلمونَ، ثم يظهرُ منهم بالقولِ والفعلِ، ثم اجتماعِ العلماء والجهالِ والمهتدين والضلاّل على ذكر الله وتعظيمه، واجتماعِ من شك في اللهِ وكذّب بهِ على الإقرارِ بأنهم أُنْشِئوا حديثا، ومعرفتهم أنهم لم يُحْدِثوا أنفسهم. فكل ذلك يهدي
(يُتْبَعُ)
(/)
إلى الله ويدُلّ على الذي كانت منهُ هذه الأمورُ، مع ما يزيدُ ذلك يقينا عند المؤمنين بأنّ الله حقٌّ كبيرٌ ولا يقدرُ أحدٌ على أن يوقن أنه الباطلِ"، "من أراد أن يبصر شيئا من علمِ الآخرة فبالعلم الذي يعرفُ به ذلك، ومن أرداد أن يبصر شيئا من أمر الدنيا فبالأشياء التي هي تدل عليه"، "حياةُ الشيطان تركُ العلمِ، وروحهُ وجسدهُ الجهلُ، ومعدنهُ في أهل الحقدِ والقساوةِ، ومثواهُ في أهل الغضبِ، وعيشهُ في المصارمةِ، ورجاؤهُ في الإصرار على الذنوبِ"، "لا تؤدي التوبةُ أحدا إلى النار، ولا الإصرارُ على الذنوبِ أحدا إلى الجنةِ"، "من استعظم من الدنيا شيئا فبَطِر، واستصغر من الدنيا شيئا فتهاون، واحتقر من الإثم شيئا فاجترأ عليه، واغترَّ بعدوٍّ وإن قَلَّ فلم يحْذَرْه، فذلك من ضياعِ العقلِ"، "السعيدُ يُرَغّبهُ اللهُ في الآخرةِ حتى يقُول: لا شيء غيرها. فإذا هضمَ دنياهُ وزهدَ فيها لآخرتهِ لم يحرمه الله بذلك نصيبه من الدنيا ولم ينقصه من سرورهِ فيها. والشقي يرغّبه الشيطانُ في الدنيا حتى يقول: لا شيء غيرها، فيجعل الله له التنغيص في الدنيا التي آثر مع الخزي الذي يلقى بعدها"، "فضلُ العلمِ في غير الدينِ مهلكةٌ، وكثرةُ الأدبِ في غيرِ رضوانِ الله ومنفعةِ الأخيارِ قائدٌ إلى النارِ".
هذا فى "الأدب الصغير"، والآن إلى بعض ما جاء فى "الأدب الكبير" مما يكشف عن إيمان الرجل ويبرهن أنه أبعد ما يكون عن الزندقة، اللهم إلا إذا كان للزندقة معنى لا نفهمه يدل على عكس ما نعرفه منها: "أصل الأمرِ في الدينِ أن تعتقد الإيمان على الصواب، وتجتنبَ الكبائرَ، وتُؤدي الفريضةَ. فالزم ذلك لزوم من لا غنى له عنهُ طرفهَ عينٍ، ومن يعلم أنهُ إن حُرِمَهُ هلك. ثم إن قدرتَ على أن تجاوز ذلك إلى التفقه في الدين والعبادة فهو أفضلُ وأكمل. وأصلُ الأمرِ في صلاح الجسد ألا تحمل عليه من المآكلِ والمشارب والباهِ إلا خفافا. ثم إن قدرت على أن تعلم جميعَ منافعِ الجسد ومضارّهِ والانتفاع بذلك كله فهو أفضل"، "وأصلُ الأمر في المعيشة ألا تَنِيَ عن طلب الحلالِ ... "، "اعلم أن الملك ثلاثةٌ: ملكُ دينٍ، وملكُ حزمٍ، وملكُ هوى. فأما ملكُ الدينِ فإنهُ إذا أقام للرعيةِ دينهم، وكان دينهم هو الذي يعطيهم الذي لهم ويُلْحِقُ بهم الذي عليهم، أرضاهم ذلك، وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليمِ. وأما ملكُ الحزمِ فإنهُ يقومُ به الأمرُ ولا يسلمُ من الطعنِ والتسخطِ. ولن يضر طعنُ الضعيفِ مع حزمِ القوي. وأما ملكُ الهوى فلعب ساعةٍ ودمار دهرٍ"، "ليعلم الوالي أن الناس على رأيهِ إلا من لا بال لهُ. فليكن للدين والبر والمروءةِ عندهُ نَفَاقٌ فيُكْسِد بذلك الفجورَ والدناءةَ في آفاقِ الأرضِ"، "ليعلمِ الوالي أنكَ لا تستنكفُ عن شيء من خدمتهِ. ولا تَدَعْ مع ذلك أن تقدّمَ إليه القولَ، عند بعضِ حالاتِ رضاهُ وطيبِ نفسهِ، في الاستعفاء من الأعمال التي هي أهلٌ أن يكرهها ذو الدينِ وذو العقلِ وذو العرضِ وذو المروءةِ، من ولاية القتلِ والعذابِ وأشباهِ ذلكَ".
ومن هنا نرانا نختلف مع ف. جبرييلِّى ( F. GABRIELI ) كاتب مادة "عبد الله بن المقفع" فى " The Encyclopaedia of Islam : دائرة المعارف الإسلامية" فى زعمه أن كتاب "الأدب الكبير" يخلو تمام الخلوّ من الرحمة والمسحة الدينية. فهذه النصوص خير ردٍّ على ذلك الزعم. كذلك نختلف مع جبرييلِّى فى قوله إن ابن المقفع قد عمل، من خلال ما ترجمه من الأدب الهندى والفارسى، على تسليط الضوء على كنوز قومه ورد اعتبار دينهم الذى تراجع إلى الظل بعد الفتح الإسلامى لبلاده، وإن بالمستطاع كذلك عَدّه رائدا للشعوبية رغم أنه لم يترك لنا شيئا فى هذا المجال. ذلك أن ابن المقفع نفسه، بإعلانه التحول من دين الأجداد والآباء إلى دين محمد صلى الله عليه وسلم بمحض اختياره التام، هو خير تكذيب لمثل تلك السخافات.
(يُتْبَعُ)
(/)
والآن هل من يقول فى المولى جل جلاله هذا الكلام الذى نقلناه من كتب ابن المقفع يمكن أن يكون زنديقا يريد أن يكون الأمر لدين الفرس بدلا من دين التوحيد؟ أم هل من الممكن أن يكون ابن المقفع ممن يكرهون دين محمد، وهو الذى سمى ابنه محمدا وتكنَّى به؟ لقد كانت أمامه منادح فى مئات الأسماء الأخرى، إلا أنه تركها جميعا واجتبى لابنه اسم النبى العربى. أوليس لهذا دلالته التى يصح الاستئناس بها فى سياقنا هذا على الأقل؟ ولقد أكد محمد كرد على أن "صحة الإيمان وحب الإسلام صفتان ماثلتان فى ابن المقفع مهما تقول عليه المتقولون"، وأَنْ "ليس ابن المقفع أول من رُمِىَ بالإلحاد، فتاريخ الفكر الإسلامى يذكر أخبار من وقع اتهامهم بهذه التهمة من نوابغ الأمة، على حين كانوا أعظم أنصار الدين كالجاحظ. وفى القرون التالية اتُّهِم بهذه التهمة عشرات من كبار العلماء، وإن ما كتبوه ليشهد لهم أن أعداءهم ظلموهم فى هذه التهم، وظهر بعد أن عُذِّبوا فى حياتهم أنهم كانوا من المخلصين فى خدمة الدين، وأن أولئك الثرثارين الذين طوتهم الأرض ولا أثر لهم فى دنيا ولا دين كانوا يحسدون أولئك المؤمنين فانتقموا لأنفسهم بأن ضربوهم فى أقدس الأشياء عندهم" (محمد كرد على/ أمراء البيان/ ط3/ دار الأمانة/ 1388هـ- 1969م/ 106 - 107).
ومع ذلك كله يجازف طه حسين زاعما أن إسلام ابن المقفع "لم يكن، فيما يظهر، صحيحا ولا خالصا لله، فقد كتب فى الزندقة كتبا كثيرة اضْطُرَّ بعض المسلمين إلى أن يردوا عليها فى ايام المأمون" (من حديث الشعر والنثر/ ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين/ الشركة العالمية للكتاب/ بيروت/ 5/ 598). لكنْ ما تلك الكتب؟ وأين هى؟ وما الذى تضمنته من زندقة؟ هذا ما لم يُعَنِّ الدكتور طه نفسه بتجليته، فهو يرى أن من حقه إلقاء الحكم دون أن يجشم نفسه عناء إثباته! وفى قسم "الشخصيات" من موقع " Yatinoo " ( النسخة الفرنسية)، وتحت عنوان " Ibn Al- Muqaffa "، نقرأ ما يلى: " Ibn Al Muqaffa n’échappe pas aux envies et accusations, sa conversion en islam est suspecte aux yeux des orthodoxes, une conversion, parait-il, dans le but d’échapper à la mort et se rapprocher des abbassides ". ومعناه أن هناك من كان يحقد عليه ويدس له، وأن المسلمين المتشددين لم يكونوا مطمئنين إلى تحوله للإسلام، إذ كانوا يرون أنه كان يهدف من وراء ذلك التحول إلى تجنب الموت واستئناف القرب من العباسيين. ولا أدرى من أين مصدر استقى كاتب المقال هذا الكلام! ذلك أن ابن المقفع لم يكن مهدَّدًا بالقتل حتى يقال إنه أسلم كى يتفاداه. كما أنه لم يكن يعمل لدى الخليفة العباسى ثم أُبْعِد عنه حتى يقال إنه أراد العودة إليه، بل كان عمله لدى أحد أعمام ذلك الخليفة، والأمور بينهما سمنٌ على عسل.
ولصاحب هذه السطور تجربة عجيبة فى هذا السبيل تستحق أن تُرْوَى، إذ كان يشتغل فى بلد عربى منذ سنوات طويلة، وكان معه فى القسم الذى يعمل فيه بعض الأساتذة من العرب والمصريين، ومن بينهم أستاذ يسبّ الدين ويشخر ولا يذكر أمه إلا بسوأتها ولا يتورع عن ذكر ما يدور بينه وبين زوجته فى أخص خصائص العلاقة بين الرجل والمرأة ... وحدث أن كان يُعِدّ بحثا عن الألوان فاقترح عليه صاحب السطور أن يحوله إلى معجم، وساعده فى ذلك كثيرا جدا، إذ دله على عدد من المعاجم العربية المختلفة فى الزراعة والطب والجيولوجيا والكيمياء والفيزياء كان يجهلها جهلا تاما، فضلا عن بعض المعاجم الإنجليزية والفرنسية، شارحًا له كيف يبحث فى كل ذلك عن التعبيرات التى تدور حول الألوان كقولهم: "أعطاه الضوء الأخضر"، و"أضاء المدير النور الأحمر"، و"القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود"، "قلبه أخضر"، "أرض السواد" ... إلخ، وزاد فأعاره ما كان عنده من معاجم بلغة الإنجليز والفرنسيس، وأراه تطبيقيا ما شرحه له نظريا، إلى جانب مراجعته ما نقله من المعاجم الأجنبية لكونه جاهلا فى اللغتين جميعا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومع ذلك كله كانت النتيجة أنْ كتب هذا الشخّار النخّار سبّاب الدين إلى إدارة الجامعة التى كانا يعملان بها بذلك البلد العربى وشاية لم يعلم بها صاحبنا إلا بعد أن كان ذلك الواشى قد رجع إلى مصر عقب انتهاء عقده بعام، إذ لم يخبره أحد بالأمر الذى اتضح أن الجميع كانوا على علم به إلا بعد أن تأكدوا أن الجامعة لم تأبه له وأنها، على العكس من ذلك، قد أكرمت صاحب السطور بطريقة ملفوفة فهموها هم ولم يفهمها هو لأنه، كما قلت، لم يكن يعلم بما حدث. وكانت الوشاية الغُفْل من التوقيع تقوم على اتهام صاحب البحث بالإلحاد.
والسبب؟ السبب أنه كان قد كتب كتابا عن "مصدر القرآن" فَنَّد فيه بطريقة منهجية عقلانية كل النظريات التى طرحها أعداء الإسلام يفسرون بها الوحى المحمدى: من القول بأنه كان كذابا مخادعا، إلى القول بأنه كان واهما مخدوعا، إلى القول بأنه كان مريضا بمرض عصبى، فكتب فى الفهرست يسلسل النظريات الثلاث قائلا: النظرية الأولى أنه، صلى الله عليه وسلم، كان كذابا مخادعا. النظرية الثانية أنه، صلى الله عليه وسلم، كان واهما مخدوعا ... إلخ، فما كان من الشخّار النخّار سبّاب الدين (الذى لم يجد ما يوظف فيه ماله بعد رجوعه إلى بلده غير فتح مطعم كشرى!) إلا أن كتب إلى إدارة الجامعة أن صاحب البحث يكذّب الرسول ويشتمه ويقول إنه كان مخادعا ومخدوعا ومريضا بمرض عصبى، وظن أنهم سوف يأخذون الكتاب من فهرسه دون أن يقرأوه. ولا أريد أن أمضى أبعد من ذلك فى الحكاية، فما يهمنى هنا هو أن الرجل الذى لايترك شيئا يقع فى طريقه من الهجوم على الدين إلا امتشق قلمه وكتب يدافع ويفند منطلقا من حبه لدينه ونبيه يُتَّهم، وعلى يد من؟ على يد شخّار نخّار سبّاب للدين تصفه أم أولاده بالـ"عربجى"، بأنه ملحد!
وعودا إلى موضوعنا نشير إلى أن خليل مردم بك قد ذكر أيضا فى كتابه عن ابن المقفع أنه كان يُعْلِى من شأن العرب لافتا النظر إلى ما أنجزوه فى باب الحضارة والثقافة والسياسة على غير مثال سابق نظرا إلى أنهم كانوا أُمّة أُمِّيّة، إذ قد بلغوا ما بلغوه فى غضون زمن قصير جدا مما لم يقع لأية أمة من قبل. وهذا هو النص المذكور، وإن لم يذكر مردم من أى كتاب أخذه، وقد يكون أَخَذَه من "العقد الفريد" مع شىء من التصرف البسيط على ما سوف يتضح بعد قليل: "إنّ العرَب حَكمت على غير مِثال مُثِّل لها ولا آثارٍ أُثِرَت. أصحاب إِبل وغنَم، وسكان شَعَر وأَدَم. يَجودُ أحدُهم بقُوتِه، ويتَفضَّل بمَجْهوده، ويُشَارِك في مَيْسوره ومَعْسوره، ويَصِف الشيء بعَقْله فيكون قُدْوَة، ويَفْعَله فَيَصِير حُجّة، ويُحَسِّن ما شاءَ فَيَحْسُن، ويُقَبِّح ما شاء فَيَقْبُح. أَدَّبَتْهُمْ أنْفُسُهم، ورَفعتهم هِممهم، وأعْلتهم قُلوبُهم وأَلْسِنتهم. فمن وَضَع حَقَّهم خَسِر، ومَنْ أنْكَر فضلَهم خُصِم"
وقد أورد أبو حيان التوحيدى فى الليلة السادسة من "الإمتاع والمؤانسة" كلاما لابن المقفع فى هذا الموضوع أكثر تفصيلا، قال: "ثم حضرتُه ليلةً أخرى فأول ما فاتح به (أى الوزير أبو عبد الله العارض الوزير البويهى الذى كتب له أبو حيان هذا الكتاب) المجلس أن قال: أتفضل العرب على العجم أم العجم على العرب؟ قلت: الأمم عند العلماء أربع: الروم، والعرب، وفارس، والهند. وثلاث من هؤلاء عجم، وصعبٌ أن يقال: العرب وحدها أفضل من هؤلاء الثلاثة مع جوامع مآلها، وتفاريق ما عندها. قال: إنما أريد بهذا الفرس. فقلت: قبل أن أحكم بشيء من تلقاء نفسي أروي كلاما لابن المقفع، وهو أصيلٌ في الفرس، عريقٌ في العجم، مفضَّلٌ بين أهل الفضل. وهو صاحب "اليتيمة" القائل: تركت أصحاب الرسائل بعد هذا الكتاب في ضحضاح من الكلام. قال: هات على بركة الله وعونه. قلت: قال شبيب بن شبة: إنا لوقوفٌ في عَرْصَة المربد، وهو موقف الأشراف ومجتمع الناس، وقد حضر أعيان المصر، إذ طلع ابن المقفع، فما فينا أحد إلا هش له وارتاح إلى مساءلته، وسُرِرْنا بطلعته. فقال: ما يقفكم على متون دوابكم في هذا الموضع؟ فوالله لو بعث الخليفة إلى أهل الأرض يبتغي مثلكم ما أصاب أحدا سواكم. فهل لكم في دار ابن برثن في ظلٍّ ممدودٍ، وواقيةٍ من الشمس، واستقبالٍ من الشمال، وترويحٍ للدواب والغلمان، ونتمهد الأرض فإنها خير بساط وأوطؤه، ويسمع بعضنا من بعض فهو أَمَدّ للمجلس،
(يُتْبَعُ)
(/)
وأَدَرّ للحديث؟ فسارعنا إلى ذلك، ونزلنا عن دوابنا في دار ابن برثن نتنسم الشمال، إذ أقبل علينا ابن المقفع فقال: أي الأمم أعقل؟ فظننا أنه يريد الفُرْس، فقلنا: فارس أعقل الأمم. نقصد مقاربته، ونتوخى مصانعته. فقال: كلا، ليس ذلك لها ولا فيها. هم قوم عُلِّموا فتعلموا، ومُثِّل لهم فامتثلوا واقتدَوْا، وبُدِئوا بأمر فصاروا إلى اتباعه. ليس لهم استنباط ولا استخراج. فقلنا له: الروم. فقال: ليس ذلك عندها، بل لهم أبدانٌ وثيقة، وهم أصحاب بناء وهندسة لا يعرفون سواهما، ولا يحسنون غيرهما. قلنا: فالصين. قال: أصحاب أثاثٍ وصنعة، لا فكر لها ولا روية. قلنا: فالترك. قال: سباعٌ للهِرَاش. قلنا: فالهند. قال: أصحاب وَهْمٍ ومخرقة وشعبذة وحيلة. قلنا: فالزنج. قال: بهائمُ هاملةٌ. فرددنا الأمر إليه. قال: العرب. فتلاحظنا وهمس بعضنا إلى بعض، فغاظه ذلك منا، وامتُقِع لونه، ثم قال: كأنكم تظنون فيّ مقاربتكم! فوالله لوددت أن الأمر ليس لكم ولا فيكم، ولكن كرهت إن فاتني الأمر أن يفوتني الصواب. ولكن لا أدعكم حتى أبين لكم لم قلت ذلك، لأخرج من ظِنّة المداراة وتوهُّم المصانعة. إن العرب ليس لها أوّلٌ تَؤُمُّه ولا كتابٌ يَدُلّها. أهل بلد قفر ووحشةٍ من الإنس. احتاج كل واحد منهم في وحدته إلى فكره ونظره وعقله، وعلموا أن معاشهم من نبات الأرض، فوسموا كل شيء بسِمَته، ونسبوه إلى جنسه، وعرفوا مصلحة ذلك في رطبه ويابسه، وأوقاته وأزمنته، وما يصلح منه في الشاة والبعير. ثم نظروا إلى الزمان واختلافه فجعلوه ربيعيا وصيفيا، وقيظيا وشتويا. ثم علموا أن شربهم من السماء فوضعوا لذلك الأنواء. وعرفوا تغير الزمان فجعلوا له منازله من السَّنَة. واحتاجوا إلى الانتشار في الأرض فجعلوا نجوم السماء أدلّةً على أطراف الأرض وأقطارها، فسلكوا بها البلاد. وجعلوا بينهم شيئا ينتهون به عن المنكر، ويرغّبهم في الجميل، ويتجنبون به الدناءة، ويحضهم على المكارم، حتى إن الرجل منهم، وهو في فَجٍّ من الأرض، يصف المكارم فما يُبْقِي من نعتها شيئا، ويسرف في ذم المساوىء فلا يقصِّر. ليس لهم كلام إلا وهم يَتَحَاضُّون به على اصطناع المعروف ثم حفظ الجار وبذل المال وابتناء المحامد. كل واحد منهم يصيب ذلك بعقله ويستخرجه بفطنته وفكرته فلا يتعلمون ولا يتأدبون، بل نحائزُ مؤدَّبة، وعقولٌ عارفة. فلذلك قلت لكم: إنهم أعقل الأمم، لصحة الفطرة واعتدال البنية وصواب الفكر وذكاء الفهم. هذا آخر الحديث. قال: ما أحسن ما قال ابن المقفع! وما أحسن ما قصصتَه وما أتيتَ به! هات الآن ما عندك من مسموع ومستنبَط".
وقد ورد الخبر فى "العقد الفريد" لابن عبد ربه الأندلسى بصورة مغايرة بعض الشىء، وفيها نص خليل مردم بحرفه تقريبا: "أبو العَيْناء الهاشميّ عن القَحْذَميّ عن شَبِيب بن شَيبة قال: كنّا وُقوفا بالمِرْبد، وكان المِرْبد مَأْلف الأشرَاف، إذْ أَقْبلِ ابن المًقَفَّع فَبشِشْنا به وبَدَأناه بالسلام، فرَدَّ علينا السلامَ، ثم قال: لو مِلتم إلى دار نيْرُوز وظلها الظَّليل، وسُورها المديد، ونَسِيمها العَجيب، فَعَوَّدْتم أبدانَكم تَمْهِيد الأرْض، وأَرَحتُم دَوابَّكم من جَهْد الثِّقل، فإنّ الذي تَطْلُبونه لن تُفَاتوه، ومهما قضى الله لكم من شيء تَنالوه. فَقَبِلْنا ومِلنا. فلما اسْتَقرّ بنا المكانُ قال لنا: أيّ الأمم أَعْقَل؟ فنظرَ بعضُنا إلى بَعْض، فقُلْنا: لعلَّه أَرَاد أصلَه من فارسِ. قُلنا: فارس. فقال: ليسوا بذلك. إنهم مَلكوا كثيرا من الأرض، ووجَدُوا عظيما من المُلْك، وغَلَبُوا على كَثِير من الخَلق، ولَبِثَ فيهم عَقْد الأمر، فما استَنْبَطوا شيئا بعقولهم، ولا ابتدعوا باقي حِكَم بنفُوسهم. قلنا: فالروم. قال: أصحابُ صَنعة. قلنا: فالصِّين. قال: أصحابُ طُرْفة. قلنا: الهند. قال: أصحابُ فَلسفة. قُلنا: السُّودان. قال: شرُّ خَلْق اللّه. قُلنا: التُّرْك. قال: كلاب ضالّة،. قُلنا: الخزَرُ. قال: بقر سائمة. قلنا: فقُل. قال: العرَب. قال: فَضَحِكنا. قال: أَمَا إنِّي ما أردت مُوافَقَتكم، ولكنْ إذا فاتَنى حظِّي من النِّسْبة فلا يَفُوتني حظِّي منِ المَعْرفة. إنّ العرَب حَكمت على غير مِثال مُثِّل لها، ولا آثارٍ أُثِرَت. أصحاب إِبل وغنَم، وسكان شَعَر وأَدَم. يَجودُ أحدُهم بقُوته، ويتَفضَّل بمَجْهوده،
(يُتْبَعُ)
(/)
ويُشَارِك في مَيْسوره ومَعْسوره، ويَصِف الشيء بعَقْله فيكون قُدْوَة، ويَفْعَله فَيَصِير حُجّة، ويُحَسِّن ما شاءَ فَيَحْسُن، ويُقَبِّح ما شاء فَيَقْبُح. أَدَّبَتْهُمْ أنْفُسُهم، ورَفعتهم هِممهم، وأعْلتهم قُلوبُهم وأَلْسِنتهم. فلم يزل حِبَاء اللهّ فيهم وحِبَاؤهم في أنْفُسُهم حتى رَفع الله لهم الفَخرِ، وبلغ بهم أشرف الذكر. خَتم لهم بمُلكهم الدُنيا على الدَّهر، وافتتح دينَه وخلافته بهم إلى الحَشرْ، على الخَيْر فيهم ولهم. فقال تعالى: "إنَّ الأرْض لله يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَاده والعَاقبَةُ للمُتَّقِين". فمن وَضَع حَقَّهم خَسِر، ومَنْ أنْكَر فضلَهم خُصِم. ودَفْع الحقِّ باللَسَان أَكْبَتُ للجَنان".
فهل قائل هذا الكلام يمكن اتهامه فى دينه او القول بأنه شعوبى يعمل على تدمير قوة العرب ودولة الإسلام وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟ ومع هذا فالدكتور محمد نبيه حجاب يشك فى نسبة هذا الكلام إلى ابن المقفع، وإن كان قد أضاف أنه حتى لو ثبتت صحته فإنه لم يقله من قلبه، بل أراد به تملق العرب ليس إلا، أو يكون مجرد أسلوب من أساليب الجدل النظرى لأنه فى الواقع إنما كان يبغض العرب، وإن لم يقدم الدكتور أى دليل على تنقص كاتبنا من شأن العرب سوى أنه ترجم بعض التراث الأدبى الفارسى، إذ يؤكد أنه إنما صنع هذا كى يبين لهم أن قومه أفضل منهم (انظر كتابه: "مظاهر الشعوبية فى الأدب العربى حتى نهاية القرن الثالث الهجرى"/ مكتبة نهضة مصر/ 1381هـ- 1961م/ 408 وما بعدها).
ولدينا أيضا "رسالة الصحابة"، تلك الرسالة التى وجهها ابن المقفع إلى الخليفة المنصور يعرض عليه خطة لإصلاح إدارة الدولة ونظامها القضائى والعسكرى. وسوف ألقى نظرة سريعة عليها لنرى هل فيها شىء يصلح أن يُتَّخَذ مستندا للقول بأنه كان زنديقا؟ لقد قرأت فى مقال على المشباك بعنوان "مراجعات العقل العربي بين الواقع والأمل- قراءة في فكر د. محمد عابد الجابري" لعبدالعزيز بن محمد الوهيبي ما يلى: "في حديث المؤلف (أى د. الجابرى) عن مرحلة التدوين في العصر العباسي أشار إلى ما كتبه ابن المقفع في رسالته التي سماها: "رسالة الصحابة" حيث يرى فيها، كما يرى محمد أركون، أنها ذات نفس علماني واضح! وحجتهما الوحيدة على ذلك هو أنه لم يستشهد في هذه الرسالة بالقرآن ولا بالحديث ولا بأي عنصر آخر من الموروث الإسلامي! والحقيقة أن القارئ لهذه الرسالة لا يجد ذلك النفس العلماني المزعوم، وإنما غرض ابن المقفع الدعوة لتنظيم الدولة وتوحيد القضاء منعا للاختلاط والاضطراب، وذلك باستخدام سلطة الخليفة دون أي دعوة ظاهرة أو خفية إلى تنحية الشريعة أو تقديم بديل عنها. وهو مطلب لا يوجد أي غبار عليه، ولا يعتبر مطعنا في صاحبه". هذا ما قاله الأستاذ الوهيبى، وأزيد عليه أنه لا يوجد فى القرآن ولا فى الأحاديث النبوية تلك التفصيلات الإدارية التى عالجها ابن المقفع فى رسالته، ومن ثم فليس على الرجل أى غبار من هذه الناحية. ثم إنه لم يكن فقيها، بل كاتبا من كتاب الدواوين ليس أكثر.
ومع ذلك كله نجده منذ مطلع الرسالة مباشرة يستشهد بالقرآن الكريم لدن حديثه عن يوسف بن يعقوب عليه السلام وتولِّيه خزائن مصر. وهناك أيضا قوله تعالى: "ما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله"، علاوة على اقتباسه بعض آيات الذكر الحكيم وصهره إياها فى كلامه. وفوق هذا فما من إشارة أشار بها على المنصور فى رسالته إلا توَّجها بذكر الله وتذكير الخليفة بما أنعم به سبحانه عليه، وهو ما لا يتمشى بأى معنى من المعانى مع دعوى علمانية الرسالة. وهناك كذلك كلامه المتكرر عن تقوى الله وهُدَاه ومصلحة الإسلام والمسلمين، وعن الآخرة ووجوب وضعها فى الاعتبار، وكذلك تعليقه كل شىء على مشيئة الله جل وعلا، وهو ما لا يقول به أو يفكر فيه علمانى. كذلك نراه دائم الحمد له سبحانه فى كل سانحةٍ تسنح. ثم ما قول القارئ فى حديث الرسول التالى الذى استشهد به ابن المقفع وجعله محور نقاش طويل حول الموقف الصحيح الذى ينبغى أن تتخذه الرعية من إمامها، وهو الحديث القائل بأنه "لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق"؟ ليس ذلك فحسب، بل إنه ليدعو إلى التمسك بالسنة والحفاظ عليها نقية صافية. كما أنه، فى دعوته إلى إصلاح نظام القضاء فى الدولة، حريص أشد الحرص على أن يجنب المسلمين
(يُتْبَعُ)
(/)
الوقوع فى الحرام بسبب اختلاف القضاء بين محلة وأخرى فى المدينة الواحدة. فكيف بالله يزعم زاعم أن الرسالة خِلْوٌ من النَّفَس الإسلامى وأنها علمانية التوجه والصياغة؟ ثم إن كلام ابن المقفع بطول الرسالة وعرضها إنما يدور على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله والإلحاح على أن هذه هى مهمة الإمام، فكيف يجرؤ مُدَّعٍ على القول بأن ابن المقفع كان علمانيا فى رسالته؟ وقبل ذلك فالرسالة كلها من أولها إلى آخرها إنما تتقرَّى مصلحة الدولة الإسلامية وترمى إلى إصلاح أمورها فى الإدارة والقضاء وإقامتها على أساس متين يكفل لها المنعة والقوة والاستقرار، مشددا على تولية الصلحاء وأهل الدين أمور الناس. أفيمكن أن يضع علمانى مثل هذا الهدف نصب عينيه؟ وهو فى أثناء هذا يضع السُّنّة وكلام السلف طوال الوقت أمامه يستأنس بهما. ورجل يصنع هذا لا يصلح اتهامه بأنه علمانى، فضلا عن زنديق! ليس ذلك فقط، بل نراه يأسى لانزواء كثير من رجالات أهل البيت الذى ينتسب إليه أمير المؤمنين ومن رجالات قريش والعرب عامة لحساب من ليست له سابقة فى الدين ولا فى الجهاد وما إلى هذا. فكيف بالله يدعى مدّعٍ أن مثل ذلك الرجل كان علمانيا، بَلْهَ زنديقا؟
أما د. محمد نبيه حجاب فيرى فى الرسالة لونا ماكرا من الثورة على النظم القائمة. وبالمثل يفسر دعوة ابن المقفع للخليفة إلى إحسان معاملة جند خراسان بأنها تحيز منه إلى أبناء قومه من أهل فارس (انظر كتابه: "مظاهر الشعوبية فى الأدب العربى حتى نهاية القرن الثالث الهجرى"/ 412 وما بعدها). وبهذه الطريقة يقلب الدكتور حجاب كل محمدة لابن المقفع إلى مذمّة دون استناد إلى أى أساس سوى الشك من أجل الشك ليس غير، ولَىّ الأمور إلى عكس وجهها، والتعويل على الخيال فى أمور لا يصلح فيها الخيال، وافتراض الافتراضات التى لا يعجز أى شخص عن توهمها وتوظيفها لنصرة أفكاره المسبقة. ولْنُشِرْ على سبل التمثيل إلى تفسير الدكتور كلام ابن المقفع عن جند خراسان بأنه إنما يريد من الخليفة تقريب الفرس إليه، إذ يبدو وكأنه لا يعرف أن الدولة العباسية لم تقم أصلا إلا على هذا التقريب، فضلا عن تجاهله ما عبر عنه ابن المقفع من الأسى لانزواء كثير من رجالات أهل بيت أمير المؤمنين ومن رجالات قريش والعرب عامة لحساب من ليست له سابقة فى الدين ولا فى الجهاد! ولقد رأينا الدكتور حجاب يفسر الرسالة بأنها ثورة على النظم القائمة، وكان الأحرى به أن يبصر فيها شجاعة وإقداما واعتزازا بالنفس ورغبة فى إصلاح الأمور، وإلا فهل كان الثوار يلجأون فى تلك العصور إلى كتابة مثل هذه العرائض الإصلاحية، وبخاصة إذا كان هؤلاء الثوار لا يزيدون على شخص واحد لاحول له ولا طول ولا يستمد العزيمة من أحد إلا من الله ومن نفسه، وليس له جماعة سياسية يعتزى إليها ويضع يده فى يدها لتنصره فى المآزق، أو تأخذ بثاره إن عجزت عن دفع الشر عنه وقُتِل رغم أنفها؟ فليدلنا الأستاذ الدكتور إذن على سابقة أو لاحقة لهذا الذى يقول.
ولدينا أيضا إنعام الجندى، الذى لا ينكر "جرأة ابن المقفع فى مواجهة أبى جعفر بآرائه"، إلا أنه لا يستطيع رغم ذلك أن ينفى "صلته بنشاط الفرس وأهدافهم التى لم يكن أبو جعفر ليجهلها أو يغفل عنها. وهذا هو السبب الوحيد فى مقتل الكاتب" (إنعام الجندى/ دراسات فى الأدب العربى/ دار الطليعة للطباعة والنشر/ بيروت/ 42). ومن الواضح أن ما قاله الجندى لا يزيد عن أن يكون رجما بالظنون، وإلا فأين الدليل، أىّ دليل، على ما يقول؟ أما عند د. هاشم مناع ود. مأمون ياسين فقد "عرف ابنُ المقفع تدخُّلَه فى السلطة وصلتَه الوثيقة بالمسؤولين للحصول على أمور دفينة فى نفسه منذ أن كتب العهد لعيسى بن على عم المنصور. وتدخُّله هذا أدى إلى ما لا يُحْمَد عقباه لأن الجنوح مع طرف يؤدى بالضرورة إلى غرز الحزازة فى صدر الطرف الآخر" (د. هاشم مناع ود. مأمون ياسين/ النثر فى العصر العباسى/ دار الفكر العربى/ بيروت/ 1999م/ 43). ومرة أخرى لا دليل على هذا الذى يقول المؤلفان، بل مجرد أحكام مجردة يستطيع أى أحد أن يدلى بمثلها دون أية مشقة. لكن المهم هو الإتيان بالبرهان.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونصل إلى "الدرة اليتيمة" التى قيل فى بعض الكتب إنها الكتاب الذى عارض به ابن المقفع كتاب الله الكريم. وهى فى الواقع، حسب نشرة صبيح لها بمقدمة من شكيب أرسلان، رسالة "الأدب الكبير"، ولا شىء سواه. والطريف أن ابن المقفع لا يتركنا هنيهة فى عَمَايةٍ من أمرنا بالنسبة إلى ذلك الكتاب. ذلك أنه يسارع فى مفتتحه فيقول إن السابقين يَفْضُلوننا فى كل شىء حتى فى البلاغة. فلو افترضنا مجرد افتراض أنه كان يؤمن بأن النبى هو مؤلف القرآن، على سخف ذلك الافتراض بعدما تبين لنا أن ابن المقفع كان أبعد ما يكون عن الزندقة، لقد كان يكفى أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم أسبق منه فى الزمن كى يتفوق عليه فيما يروم أن يقلده فيه طبقا للقانون الذى استخلصه هو من فهمه وعلمه وتجاربه، وهو أن المتقدمين أفضل فى كل شىء من اللاحقين، وأن منتهى علم هؤلاء هو الاقتداء بأولئك واتخاذهم مثلا أعلى ينصبونه أمام أعينهم. ولكأنه كان يكذِّب من يتهمونه بمعارضة القرآن حين نص نصًّا على أن المتقدمين لم يتركوا للمتأخرين مقالا لم يسبقوهم إليه فى الدعوة إلى الله ووعظ العباد ووصف الأخلاق الفاضلة والتزهيد فى الدنيا، وأن ما يكتبه فى رسالته هذه لا يعدو أن يكون إسهاما ضئيلا بالقياس إلى ما وضعه السابقون من جِسَام التآليف. كذلك فأول شىء يتناوله بالكلام هو الدين ورأيه فيه: "أصل الأمرِ في الدينِ أن تعتقد الإيمان على الصواب، وتجتنبَ الكبائرَ، وتُؤَدِّيَ الفريضةَ. فالزم ذلك لزوم من لا غنى له عنهُ طرفهَ عينٍ، ومن يعلم أنهُ إن حرمهُ هلك. ثم إن قدرتَ على أن تجاوز ذلك إلى التفقه في الدين والعبادة فهو أفضلُ وأكملُ".
وفوق ذلك فهو، على مدى تلك الرسالة من أولها إلى آخرها، لا يومئ مجرد إيماء، لا من قريب أو من بعيد، إلى أنه يبغى بها معارضة القرآن، ولا ادعى النبوة ولا حتى الولاية، ولا قدم نفسه إلى الناس بوصفه شخصية دينية على الإطلاق. وهذا هو مربط الفرس، وإلا فكيف نعرف أنه يريد معارضة القرآن؟ لقد قيل شىء من هذا عن كتاب "الفصول والغايات" لأبى العلاء المعرى، لكنى وجدته فى ذلك الكتاب ينافح عن القرآن ذاته منافحة صلبة، فمن ثم أنكرت بكل قوة أن يكون المعرى قد أراد معارضة القرآن وعددت ما اتُّهِم به فى هذا السبيل كلاما فارغا لا يؤبه به. وكم فى الحبس من مظاليم كما يقول المثل العامى المصرى!
ورغم أن أحدا لم يستطع أن يأتينا بشىء من أعمال الرجل وكتاباته تدل على زندقته نجد بعض من كتبوا عنه فى عصرنا يصرون على رميه بالزندقة مثل د. محمد نبيه حجاب وإنعام الجندى وهاشم مناع ومأمون ياسين. ومن هؤلاء أيضا بطرس البستانى، الذى كتب فى ترجمة ابن المقفع فى كتابه: "الأدباء العرب فى الأعصر العباسية" يقول: "فمن هنا يتضح أن زندقة ابن المقفع لا تقوم على دليل من آثاره، وإنما تقوم على أقوال الرواة والمؤرخين. على أنه غير عجيب أن يكون ابن المقفع زنديقا وهو حديث عهد بالإسلام لم يزل يحن إلى ديانته الأولى تلك التى نشأ عليها وانتحلها معظم حياته، وهو لم يُسْلِم إلا حفاظا على كرامته وطمعا فى الشهرة والجاه وتقربا إلى مواليه العباسيين. غير أن أعداءه عجزوا عن إثبات تهمته لأنه اعتصم بالتقية فلم يجاهر بكفره. ولعله كان يتنصل من الكتب التى بث فيها آراء الزنادقة وطُمِسَتْ فلم تصل إلينا. ولو استطاعوا إثبات زندقته لما عمد المنصور إلى اغتياله سرا بل كان مَثَّلَ به على رؤوس الأشهاد". وهو ما يعنى بكل وضوح أن البستانى لم يجد فى الورد عيبا فقال له: "يا أحمر الخدين"! فكأنه يستنّ بالسُّنّة التى تقول: "عنزة ولو طارت"!
ومن بين من رددوا اتهام الرجل بالزندقة من العصر الحديث د. عبد اللطيف حمزة، الذى لم يكتف بذلك، بل زاد فردّ، فى الفصل الذى خصصه فى كتابه عن ابن المقفع لتهمة الزندقة التى قُرِف بها، على من دافع عنه بأن الذين أحصوا مؤلفاته من القدماء لم يذكروها منها الكتاب الذى قيل إنه ألفه لمعارضة القرآن، قائلا إن القدماء لم يكونوا يستوعبون دائما مؤلفات من يترجمون له. إلا أنه لا ينبغى أن نُغْفِل أن الدواعى كلها كانت متوفرة على وجوب ذكر هذا الكتاب، فكيف تفوتنا دلالة سكوت الجميع عن هذا الذكر؟ لقد أشار الجاحظ مثلا إلى أن ابن المقفع كان يُتَّهم بالزندقة، ومع هذا لم يتطرق قلمه إلى الإشارة إلى
(يُتْبَعُ)
(/)
الكتاب. بل إنه قد نص فى إحدى رسائله على أنه، فى صدر حياته الإبداعية، كان ينحل بعض ما يضعه من كتب لابن المقفع ضمانا لترويجها. أفلو كان لابن المقفع كتاب يهاجم فيه القرآن بهذه الشراسة أكان الجاحظ يذكر هذا عن نفسه؟ بل أكان الجاحظ، وهو الموسوعى الذى لا تفوته فائتة، يهمل الرد على ابن المقفع فى كتاباته التى يدافع فيها عن إعجاز القرآن ويفنِّد من سولت لهم نفوسهم محاولة تقليده؟
فإذا انتقلنا إلى الدكتور شوقى ضيف وجدناه يعزو قتل ابن المقفع إلى الأمان الذى كتبه لعم الخليفة واعتمد فيه تلك الصيغة العنيفة المسيئة للمنصور. بيد أنه يمضى قائلا إنه لا ينفى عنه مع ذلك تهمة الزندقة. والسبب؟ السبب هو أن هذه التهمة قد شهد بها كثيرون من معاصريه ومن جاؤوا بعده. ولكنى أرى أنه لو اجتمعت البشر كلها على مثل تلك التهمة ولم يقدموا لنا دليلا على ما يقولون فاجتماعهم هذا غير مقبول عندى. ولقد فتشت مع القارئ الكريم تصرفات ابن المقفع وما خلَّفه من تراث فكرى فلم نجد شيئا يغمز فى دينه ونيته، بل كل ما صدر عن الرجل ووصل إلينا من سلوكه أو فكره يدل على عكس ما يرمونه به على طول الخط، اللهم إن قيل إنهم قد استطاعوا التدسس إلى ما وراء الحجب حيث تستكنّ الضمائر ورَأَوْا ما تُجِنّه نفسُه هناك من كفر وزندقة. وأَنَّى لهم أو لسواهم ذلك؟ هذا ما لا يمكن أن يكون!
إن بعضهم يؤكد أن ابن المقفع كان ينتهج أسلوب التقية. إلا أنهم للأسف لا يقدمون دليلا على ما يزعمون. كما أنه ليس من المعقول أن يكون متمتعا بحريته كاملة فى التمسك بدين آبائه وأجداده فيأبى إلا أن يتحول ظاهريا إلى الإسلام مع استمراره فيما بينه وبين نفسه على دينه القديم لا لشىء إلا لكى يضيّق على نفسه ما كان واسعا ويوقعها فى الحرج ويُلْجِئها إلى اتباع سبيل التقية المرهق. يقينا إن هذا لا يكون إلا ممن فى عقولهم، والعياذ بالله، خلل. ولم يكن ابن المقفع ممن اختلت عقولهم. وفضلا عن ذلك فإن من يكتب "رسالة الصحابة"، التى وجهها أديبنا ومفكرنا إلى أبى جعفر المنصور، وهو من هو فى شدته وبطشه، فيذكر عيوب الإدارة العباسية ونظام جيشها وقضائها غير متلجلج ولا مجمجم، بل مستخدما فوق ذلك أحيانا ضمير جماعة المتكلمين فى حديثه عن نفسه، لا يمكن أن يكون من أهل التقية!
ومع هذا فمن الدارسين المحدثين من اكتفى بالإشارة إلى ما قيل قديما عن زندقة ابن المقفع دون أن يتخذ موقفا من الموضوع فيؤكد أو ينفى تلك الزندقة. فمثلا نرى الدكتور عمر فروخ، عند ترجمته للرجل فى الجزء الثانى من كتابه: "تاريخ الأدب العربى"، يقول إنه لم يعمَّر طويلا فى الإسلام لأن المنصور قد أمر بقتله بعد ذلك بأعوام قليلة. وهنا يقدّم الأستاذ الدكتور الاحتمالات التالية: أنه قُتِل جَرَّاءَ الزندقة، أو بسبب صيغة الأمان التى كتبها ابن المقفع لعم الخليفة الذى كان قد خرج عليه وانهزم، ولم يشأ أن يسلم نفسه إليه إلا بعد أخذ ضمانٍ مؤكَّدٍ منه بألا يقتله، وهو الضمان الذى صاغه ابن المقفع صياغة رآها المنصورة مسيئة أشد الإساءة، إذ تخرجه فى حالة نقضه للعهد من الملة وتخلعه من دست الحكم وتنفيه عن بنى العباس وتستتبع طلاق زوجاته وعتق عبيده (وغير ذلك مما ذكره الجهشيارى فى "الورزاء والكتاب"، وهو أشد إساءة للخليفة بما لا يقاس، وإن لم يتطرق الدكتور فروخ إليه)، أو أنه قد قصد انتقاد الخليفة والزراية على سياسته بكتابه: "كليلة ودمنة". وبهذا يكون د. فروخ قد خرج من العهدة فأدَّى الاحتمالات المختلفة دون أن يقطع بشىء منها.
أما خليل مردم بك فذكر أنه ما من مترجم تعرض لابن المقفع إلا وروى أنه كان يُرْمَى بالزندقة، وأن الناقلين قد زعموا أنه لم يُسْلِم إلا ابتغاء عَرَض الدنيا وأنه كان يضمر المجوسية، ومن ثم التمسوا للمنصور العذر فى أمره بقتله لأنه أفسد على الناس دينهم. وبعد أن تناول مردم بك كل ما أورده متهِمو ابن المقفع من حجج ونقضها واحدة واحدة مؤكدا أنها كلها أدلة لا يقام لها وزن فى تكفير المؤمن وإخراجه من رِبْقَة الإسلام عاد فقال إنه "ليس من المعقول أن يتفق المترجمون على زندقة ابن المقفع من غير سبب معقول. ولكن ذلك السبب خَفِىَ علىّ فلم أتبيَّنه". ومع ذلك فهو يؤكد أنك مهما تدبرت كلام ابن المقفع فى كتبه المختلفة وتفهمته وقرأت ما بين السطور فإنك
(يُتْبَعُ)
(/)
لن تجد فيه جملة تنزّ إلى المجوسية بعِرْقٍ أو تضرب على الزندقة بوَتَرٍ، ومهما تأملت أفعاله فلن تلقى فيها ما يقنعك بتلك الزندقة. ومن ثم نراه يبدى حيرته إزاء الكيفية التى استدل بها الناس على زندقته وكيده للإسلام، وإن لم يستبعد أن يكون الرجل زنديقا إن أرادوا أنه كان متهاونا بالفرائض وصحبة المتهمين فى دينهم وأنه كان صاحب تفكير حر.
وقد كنت أُحِبّ لو أن مردم قد مضى فى ذات الطريق التى أداه إليها عقله ومنطقه، وهى حسم تبرئة ابن المقفع ما دام لم يستطع أن يُلْفِىَ شيئا يمكن اتخاذه مُتَّكَأً لاتهامه بالزندقة. لكنه للأسف لم يفعل، وذلك لأنه استبعد أن يُجْمِع القدماء على اتهامه بالزندقة خطأً. أما أنا فلا أتردد لحظة فى تبرئته ما دمت لم أستطع أن أرى فى أعماله أو فى كتاباته أى شىء يسىء إلى إيمانه، بل ما دمت قد وجدت فى هذه وتلك ما يجعلنى أطمئن له، وإلا فيا ضيعة العلم والعقل والمنطق والمنهج إذا كنا بعد هذا كله نصر على اتهام الرجل لا لشىء إلا لأن القدماء قد اتهموه رغم فشلهم فى تقديم دليل واحد على ما اتهموه به. ومع هذا فلا شك أن مردم أفضل من غيره ممن راحوا يرددون كلام القدماء دون أن يقعوا له على شىء يشكّك فى دينه ونيته.
وفى ترجمة ابن المقفع الموجودة فى الجزء الأول من "ضحى الإسلام" يستعرض د. أحمد أمين قضية الزندقة التى رُمِىَ بها الأديب العباسى، فنراه يميل إلى عدم تصديقها لأن الدليل على تلك التهمة غير متوفر كما يؤكد. بل إنه ليرفض أيضا أن يكون الرجل قد عارض القرآن أصلا، مبديا شكه فى صحة الكتاب الذى نُسِب إليه فى هذا السبيل، وكذلك فيما نُسِب إلى أبى القاسم بن إبراهيم (الملقب بابن طباطبا) من الرد على تلك المعارضة. وحجته فى ذلك أن القدماء لم يذكروا لابن المقفع كتابا يعارض فيه القرآن، مثلما لم يذكروا لابن طباطبا شيئا فى الرد على المعارضة المدَّعاة. علاوة على أن السجع الذى صيغت فيه المعارضة المنسوبة للأول والرد المنسوب للأخير لم يكن من سمات أسلوب العصرين اللذين عاش فيهما ابن المقفع وابن طباطبا. فأما بالنسبة إلى الأسلوب الذى صيغت به المعارضة المزعومة فقد لاحظت أنه لا يتسق مع الأسلوب الذى نعرفه لابن المقفع على ما سوف يتضح للقارئ خلال هذه الدراسة التى بين يديه. وأما الشك فى نسبة الرد إلى القاسم بن إبراهيم فقد أكد إمام حنفى عبد الله، محقق الطبعة الجديدة من ذلك الرد، أنه للقاسم حقا دون أدنى ريب، وإن لم يحفل فى ذات الوقت بصحة نسبة المعارضة لابن المقفع أو بعدم صحتها رغم نصه على تأكيد صحتها من قِبَل المستشرق الإيطالى مايكل أنجلو جويدى صاحب النشرة الأولى لها عام 1927م فى روما (انظر تحقيقه لكتاب القاسم بعنوان "نقد المسلمين للثنوية والمجوس مع الرد على ابن المقفع"/ دار الآفاق العربية/ 1420هـ- 2000م/ 67 - 68). وفى كل الأحوال فالدكتور أحمد أمين يَكِلُ الأمر فى صدق إسلام ابن المقفع أو كذبه إلى علام الغيوب، وبخاصة أنه قد صار يفصل بيننا وبينه القرون المتطاولة.
والرأى الذى يطمئن إليه القلب هو أن ابن المقفع ليس صاحب المعارضة المذكورة، بل واضعها شخص آخر أراد أن يتخفى وراء اسم الرجل بعد أن مات وشبع موتا، إذ لم نسمع بها إلا من قلم القاسم بن إبراهيم بعد أكثر من قرن، وقد يكون اسم ذلك الرجل أيضا هو "ابن المقفع" على ما سوف أوضح بعد قليل. وليس شىء من هذا بمستغرب، فنَحْل الكتب لغير أصحابها أمر شائع فى جميع الأمم، وبخاصة إذا تشابهت الأسماء. وإذا كان الجاحظ بجلالة قدره قد ذكر أنه هو نفسه فى صدر حياته الإبداعية كان يكتب الكتاب ثم يَنْحَله أحد المشاهير السابقين كابن المقفع كى تشيع ويتقبلها الناس قبولا حسنا، فها هى ذى الأقدار تضع ابن المقفع مرة أخرى فى ذات الموقف، فينسب إليه أحدهم كتابا فى الهجوم على القرآن خوفا على نفسه من الأذى، أو حرصا على إحداث أكبر دوى لترويج الكتاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال الجاحظ: "إني ربما ألَّفْتُ الكتاب المحكم المتقن في الدِّين والفقه والرسائل والسيرة والخطب والخراج والأحكام وسائر فنون الحكمة وأنسبه إلى نفسي، فيتواطأ على الطعن فيه جماعةٌ من أهل العلم بالحسد المركَّب فيهم، وهم يعرفون براعته ونصاعته. وأكثر ما يكون هذا منهم إذا كان الكتاب مؤلفا لملكٍ معه المقدرة على التقديم والتأخير، والحطِّ والرَّفع، والترغيب والترهيب، فإنهم يهتاجون عند ذلك اهتياج الإبل المغتلِمة. فإن أمكنتْهم حيلةٌ في إسقاط ذلك الكتاب عند السيّد الذي أُلِّف له فهو الذي قصدوه وأرادوه، وإنْ كان السيد المؤلَّف فيه الكتاب نحريرا نقابا، ونقريسا بليغا، وحاذقا فطنا، وأعجزتْهم الحيلة، سرقوا معاني ذلك الكتاب وألّفوا من أعراضه وحواشيه كتابا وأَهْدَوْه إلى ملك آخر ومَتُّوا إليه به، وهم قد ذمّوه وثلبوه لمّا رَأَوْه منسوبا إليّ، وموسوما بي. وربما ألّفتُ الكتاب الذي هو دونه في معانيه وألفاظه فأترجمه باسم غيري وأحيله على من تقدمني عصره مثل ابن المقفع والخليل وسَلْمٍ صاحب بيت الحكمة ويحيى بن خالد والعتّابيّ ومن أشبه هؤلاء من مؤلِّفي الكتب، فيأتيني أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذي كان أحكم من هذا الكتاب لاستنساخ هذا الكتاب وقراءته عليّ، ويكتبونه بخطوطهم، ويصيِّرونه إماما يقتدون به، ويتدارسونه بينهم، ويتأدّبون به، ويستعملون ألفاظه ومعانيه في كتبهم وخطاباتهم، ويروونه عنيِّ لغيرهم من طلاب ذلك الجنس فتثبت لهم به رياسة، ويأتمُّ بهم قومٌ فيه لأنه لم يترجم باسمي، ولم يُنْسَب إلى تأليفي. ولربما خرج الكتاب من تحت يدي مُحْصَفًا كأنه متن حجرٍ أملس، بمعانٍ لطيفةٍ محكمةٍ، وألفاظ شريفة فصيحة، فأخاف عليه طعن الحاسدين إنْ أنا نسبته إلى نفسي، وأحسد عليه من أهمُّ بنسبته إليه لجودة نظامه وحسن كلامه، فأُظْهِره مُبْهَمًا غُفْلاً في أعراض أصول الكتب التي لا يُعرف وُضّاعها، فينهالون عليه انهيال الرَّمْل، ويستبقون إلى قراءته سباق الخيل يوم الحلْبة إلى غايتها".
ثم إن لدينا سؤالا منطقيا يننظر الجواب ويلح فى طلبه إلحاحا عنيفا صارخا: ترى أين كان ذلك الكتاب طوال مدة قرن؟ هل نزل من السماء بغتة فى عصر القاسم بن إبراهيم بعدما كان قد رفعه الله إثر فراغ ابن المقفع من وضعه فلم يطّلع عليه قبل ذلك أحد، إلى أن جاء القاسم فكانت مشيئة الله أن يفرج عنه وينزله عليه كى يختصه بشرف الانفراد بتخطئته قبل أن تزدحم على مورده الأقلام ولا يكون هناك فرصة له للتميز فى هذا الميدان؟ لقد كان أحرى بمن ترجموا لابن المقفع وذكروا قتله بأمر المنصور وخاضوا فى الحديث عن تهمة الزندقة التى وُجِّهَتْ إليه أن يتناولوا هذه المعارضة بالذكر أول شىء، إذ كانت كفيلة بتسويغ قتله بدلا من الكلام عن العهد الذى يُحْكَى أنه صاغه لتكتيف المنصور فلا يستطيع أن يجد حجة يقتل بها عمه، ذلك العهد الذى لا يسوِّغ اتخاذَه ذريعةً لقتل ابن المقفع مسوِّغ، وبدلا من الإحالة أيضا على ما كان يوجهه إلى والى البصرة الذى نفَّذ فيه أمر المنصور من شتائم تتناول عِرْض أمه.
فإذا نظرنا فى أسلوب المعارضة المزعومة ومحتواها فإننا نلاحظ، أول شىء، تلك التسمية التى افتتحها بها صاحبها، وهى قوله: "باسم النور الرحمن الرحيم"، إذ قد قلّبْتُ "الأدب الكبير" و"الأدب الصغير" و"كليلة ودمنة" و"رسالة الصحابة" فلم أجد ابن المقفع استخدم كلمة "النور" قَطُّ ولا حتى فى معناها اللغوى العادى. أفلو كان ممتلئا بعقيدة النور والظلام الوثنية ويؤمن بأن الله هو النور كما توضح لنا تلك المعارضة التى تمتلئ بهذا اللفظ امتلاءً، أفكان من الممكن أن تخلو مؤلفاته تماما من هذه اللفظة؟
وفوق هذا ألم يكن بمستطاعه أن ينفّس عن عقيدته فى النور والظلام، لو كان حقا يؤمن بمثل تلك العقيدة، من خلال استشهاده بالآيات التى تثنى على النور وتذم الظلام، كقوله تعالى مثلا: "اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ
(يُتْبَعُ)
(/)
مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ" (النور/ 36)، "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ* مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ* وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ" (الفلق/ 1 - 3)، "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة/ 257)، "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (المائدة/ 15 - 16)، "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ" (الرعد/ 16)، "الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" (إبراهيم/ 1). نعم كان بمستطاعه ذلك، وما أسهله وأبعده عن إثارة اشتباه المسلمين، وأَسَرَّه لقلبه ما دام يحب عقيدته القديمة ويحرص على الدعوة إليها والإشادة بها على هذا النحو المزعوم. لكنه لم يفعل شيئا من هذا ولم يحاوله بأى سبيل، فما دلالة هذا التصرف؟
ومما قاله أيضا كاتب الرسالة عن النور: "اضطرت عظمتُه أعداءه الجاهلين له والعامين عنه إلى تعظيمه. لا يجد الأعمى بُدًّا، مع قلة نصيبه من النهار، أن يسميه: نهارا مضيئا". وهو كلام أربأ بمثل ابن المقفع أن يقوله. ترى هل هناك من يعادى النور؟ فكيف يا ترى؟ وهل يقال عن الأعمى إنه قليل النصيب من النهار؟ إنه لا نصيب له البتة منه. كذلك فإن التركيب التالى حيث يسبق الخبرُ ومعطوفُه النكرتان المبتدأَ المحلَّى بـ"أل" هو أمر غريب تماما على أسلوب ابن المقفع، علاوة على ما فى اسم المفعول: "مُسَبَّح" من غرابة رغم صحة صيغته، إذ لا أذكر أنى قرأته ولا حتى فى الشعر، فما بالنا بالنثر، فما بالنا بنثر ابن المقفع؟ وهذا هو التركيب: "ومسبَّحٌ ومقدَّسٌ النور الذى مَنْ جَهِله لم يعرف شيئا غيره، ومن شك فيه لم يستيقن بشىء بعده". وهل يمكن أن يغيب عن ابن المقفع أو أى إنسان يتمتع بشىء من الفهم أن الأكمه يجهل النور تماما، وهو مع ذلك يعرف ما لا يحصى من الأشياء لمسًا وشمًّا وسمعًا وذوقًا باللسان وشعورًا باطنيًّا وتفكيرا عقليًّا؟ لا لا، هذا لا يمكن أن يصدر عن ابن المقفع ذلك الكاتب الكبير!
ومما لحظته وأنكرته أيضا فى تلك المعارضة المنسوبة للرجل استعمال كلمة "لاشىء" لفظا واحدا، وهى من مصطلحات الفلاسفة والمتكلمين بعد عصر ابن المقفع. ولنقرأ: "وإنما هم لاشىء، ومن لاشىء". وهذا الاستعمال، على كل حال، غير موجود فى كتابات ابن المقفع التى نعرفها له بتاتا. كذلك تذكّرنا العبارات الدينية الجدلية التى تمتلئ بها المعارضة المذكورة بخطب الجمعة وما أشبه، مما لا يعرفه ابن المقفع ولا يشاكل أسلوبه وعقليته، مثل: "هل تعلم يا هذا لم خلق الله الخلق؟ "، "إن سألناك يا هذا فما أنت قائل؟ أتقول: كان الله وحده لم يكن شىء غيره؟ "،. ثم عندنا السجع الذى يصطنعه صاحب المعارضة أحيانا، ولا وجود له فى كتابات ابن المقفع بتة، مثل: "وتَلَعَّبَ فى بعض كلامه، وجَوَّزَ ما حَكَم به لنفسه من أحكامه"، "فأين كانت مَرَدَةُ قريشٍ عن الرسول به، ودلالتها للعرب فيه على كذبه، وهو يزعم لها أنما رمى بها عند بعثته، وأن الرمى بها عَلَمٌ من أعلام نبوته؟ "، "فلو كانت عند قريشٍ على ما قال حالها، لكثرتعلى الرسول فيه أقوالها"، "ألا خَلَقَ الناسَ أبرارا، ومَنَعَهم أن يكونوا أشرارا"، "كان السور كما لم يكن، لم يبق فيه أحدٌ ممن سُجِن".
(يُتْبَعُ)
(/)
وشىء آخر اتخذه د. عبد اللطيف حمزة دليلا على أن المعارضة من إنشاء ابن المقفع، هو ما يبرز فيها من تهكم يراه الأستاذ الدكتور من خلائق الرجل، وأراه أنا دليلا على أنها ليست لابن المقفع، إذ لم يكن الرجل من الكتاب المتهكمين، وإلا فليرنا أحد أين مثل ذلك التهكم فى كتاباته. والطريف أن الدكتور حمزة، بعد كل ما قاله من أن الرجل إنما وضع تلك المعارضة كى ينصر دين مانى على دين محمد، يعود فيقول، تفسيرا لما يراه فيها من الطعن فى جميع الأديان بما فيها المانوية، إن ابن المقفع كان فى حالة اضطراب عقلى أنكر معه كل شىء وأراد ألا يؤمن معه بشىء. فالرجل لم يكن يهاجم الإسلام بعينه إذن لصالح دين آخر. فما معنى كل هذه الضجة حول بغضه للدين الجديد الذى هزم دين آبائه وأجداده؟
كذلك جاء فى تلك الرسالة قول واضعها: "فلا نعلم دينا منذ كانت الدنيا إلى هذا الزمان الذى حان فيه انقضاؤها أخبث زبدةً كلما مُخِّض، وأَسْفَهَ فى هذا التمخيض أهلا، وأبتر أصلا، وأَمَرَّ ثمرا، وأسوأ أثرا على أمته والأمم التى ظهر فيها، وأوحش سيرة، وأغفل عقلا، وأَعْبَد للدنيا وأَتْبَع للشهوات من دينكم". فهل كان ابن المقفع يؤمن بأن الدنيا فى ذلك الوقت موشكة على الانقضاء كما يقول النص؟ ليس فيما كتب الرجل ما يوحى على أى وضع من الأوضاع بشىء من هذا. ولقد كان الرجل مفكرا حكيما، ومثله لا يردد هذه الترهات. وأهم من هذا كله أن ابن المقفع كان مؤمنا بالله إيمانا وثيقا وبالدين الذى جاء به النبى العربى الكريم. يتضح ذلك مما خلفه وراءه من رسائل، ويتضح قبل ذلك من إقدامه بحريته الكاملة على اعتناق الإسلام. فكيف يطوف بعقل عاقل بعد ذلك كله أنه هو محبّر هذا الكلام الممرور السفيه؟ أويمكن أن يكون قائل هذا الغثيان هو نفسه كاتب النصين التاليين من "الأدب الصغير" مثلا بما يعكسانه من الشعور بالله فى كل شىء واليقين بأنه سبحانه مصدر كل شىء فى الوجود، وأن هناك آخرة سوف نُبْعَث فيها ونحاسَب على ما قدمت أيدينا فى هذه الدنيا؟
وهذا هو النص الأول: "أما بعد، فإن لكل مخلوقٍ حاجةً، ولكل حاجةٍ غايةً، ولكل غاية سبيلا. والله وَقَّتَ للأمُور أقدارها، وهيأ إلى الغايات سُبُلها، وسبَّبَ الحاجات ببلاغها. فغايةُ الناسِ وحاجاتهم صلاحُ المعاشِ والمعاد، والسبيل إلى دَرْكها العقل الصحيح. وأمارةُ صحةِ العقلِ اختيارُ الأمورِ بالبصرِ، وتنفيذُ البصرِ بالعزمِ. وللعقولِ سجيّاتٌ وغرائزُ بها تقبل الأدب، وبالأدبِ تنمي العقولُ وتزكو. فكما أن الحبة المدفونة في الأرضِ لا تقدر أن تخلعَ يبسها وتظهر قوتها وتطلع فوق الأرضِ بزهرتها وريعها ونضرتها ونمائها إلا بمعونةِ الماء الذي يَغُورُ إليها في مستودعها فيذهب عنها أذى اليبس والموت ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقةُ العقلِ مكنونةٌ في مغرزها من القلبِ، لا قوة لها ولا حياة بها ولا منفعة عندها حتى يعتملها الأدبُ الذي هو ثمارها وحياتها ولقاحها. وجل الأدب بالمنطق، وجل المنطقِ بالتعلمِ. ليس منه حرف من حروف معجمه، ولا اسم من أنواع أسمائه إلا وهو مروي متعلمٌ مأخوذٌ عن إمام سابقٍ من كلامٍ أو كتابٍ. وذلك دليلٌ على أنّ الناس لم يبتدعوا أصولها ولم يأتهم علمها إلا من قِبَلِ العليمِ الحكيمِ".
ثم هذا هو النص الثانى: "مما يدل على معرفةِ الله وسبب الإيمان أن يوكّل بالغيبِ لكل ظاهرٍ من الدنيا، صغيرٍ أو كبيرٍ، عينا، فهو يُصرفهُ ويحركهُ. فمن كان معتبرا بالجليل من ذلك فلينظر إلى السماء فسيعلمُ أن لها ربا يُجْرِي فَلَكها، ويُدبّرُ أمرها، ومن اعتبر بالصغير فلينظر إلى حبةِ الخردلِ فسيعرفُ أن لها مدبرا ينبتها ويزكيها ويُقَدِّرُ لها أقواتها من الأرض والماء، ويُوَقِّتُ لها زمانَ نباتها وزمانَ تهشمها، وأمر النبوةِ والأحلامِ وما يحدثُ في أنفسِ الناسٍ من حيثُ لا يعلمونَ، ثم يظهرُ منهم بالقولِ والفعلِ، ثم اجتماعِ العلماء والجهالِ والمهتدين والضلال على ذكر الله وتعظيمه، واجتماعِ من شك في اللهِ وكذَّب بهِ على الإقرارِ بأنهم أُنْشِئوا حديثا، ومعرفتهم أنهم لم يُحْدِثوا أنفسهم. فكل ذلك يهدي إلى الله ويدُلّ على الذي كانت منهُ هذه الأمورُ، مع ما يزيدُ ذلك يقينا عند المؤمنين بأنّ الله حقٌ كبيرٌ، ولا يقدرُ أحدٌ على أن يوقن أنه الباطلِ".
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك نظرت مليًّا فى نصوص المعارضة التى رد عليها القاسم بن إبراهيم فلم أجد ما فى أسلوب ابن المقفع من إحكام عجيب وسلاسة وفحولة واتساع معجم، إذ الرجل قد امتلك العربية امتلاكا وراضها على أن تؤدى كل ما يدور فى ذهنه أو فى قلبه ببراعة بارعة قلما تتاح لكاتب إلا أن يكون من طرازه هو نفسه. إن أسلوب الرجل ليشبه سلاسل الذهب نفاسة وترفا، وكؤوس البلور صفاء ونقاء.
والغريب أن يعيب د. طه حسين أسلوب ابن المقفع رغم هذا كله، إذ قال مخاطبا الجمهور فى محاضرة ألقاها فى الجمعية الجغرافية المصرية فى العشرين من ديسمبر عام 1930م: "عندما تقرأون كتابة ابن المقفع تجدون فيها شيئا من الالتواء والدوران، ونحس ونحن نقرأ أن الكاتب يجد مشقة فى التعبير عن المعانى التى يحسها، ونحس هذا الضعف الذى يكلِّفه الكاتب للعربية: نحسه لا بعقولنا فحسب، بل بآذاننا، فنجد ابن المقفع يكلِّف النحو العربى تكاليف ربما لم يكن النحو العربى مستعدا لأن يحتملها. وابن المقفع، مع أنه زعيم الكتاب وصاحب الآيات وواضع المثل الأعلى للكتابة، لم يكن عظيم الحظ من الفصاحة والنحو العربى. والمقارنة بينه وبين ما كتب أصحاب النحو وغيرهم تُظْهِركم على أنه لم يكن أكثر من مستشرق يحسن اللغة العربية والفارسية، ويبذل جهدا عظيما فيوفَّق كثيرا ويخطئ أحيانا" (من حديث الشعر والنثر/ ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات الدكتور طه حسين/ 5/ 584 - 585).
وفى محاضرة مماثلة فى ذات الجمعية بعد ذلك بأسبوع يكرر الدكتور طه ذات الرأى فيقول إن ترجمة الفلسفة والعلوم الدقيقة قد جشّمت اللغة العربية كثيرا من المشقة، "فاضْطُرَّ المترجمون أن يتكلفوا ضروبا من التكلف والاعوجاج، وإلى أن يُفْسِدوا تركيب الجمل بإفساد الضمائر، وإلى أن يُكْثِروا من التقديم والتأخير والإيجاز والحذف، وإلى أن يُطْنِبوا فيكون إطنابهم مملا ثقيلا. كل هذا تجدونه فى أدب ابن المقفع" (المرجع السابق/ 591). وبعد قليل يضيف قائلا: "وأبقى أثر حُفِظ منه هو كتاب "كليلة ودمنة"، الذى لا أحدثكم عنه، فكلكم يعرفه. وإذا قرأتموه متفكرين متدبرين فقد تَرَوْن أن لغته العربية تحتاج إلى شىء من العناية أكثر مما فيه الآن". ثم يأخذ فى الحديث عن أدب عبد الحميد الكاتب ليعود إلى ابن المقفع فيقول: "أما ابن المقفع فأمره مختلف، وله عبارات من أجود ما تقرأ فى العربية، وبنوع خاص فى "الأدب الكبير" وفى "كليلة ودمنة"، ولكنه عندما يتناول المعانى الضيقة التى تحتاج إلى الدقة فى التعبير يضعف فيكلف نفسه مشقة ويكلف اللغة مشقة، فلاحظ الأصمعى أنه كان يلحن فيضيف "أل" إلى "كل" و"بعض". وأخذ عليه الجاحظ أنه لم يكن يحسن كل ما يحاوله من الفنون. وأنا أستأذنكم لحظات أعرض عليكم فيها أمثلة من لغة ابن المقفع المضطربة لا الجيدة. وإنما كان ابن المقفع مستشرقا كغيره من المستشرقين، يحسن اللغة العربية فهما، وربما أعياه الأداء فيها" (المرجع السابق/ 600 - 601).
وبعد استعراض الدكتور طه بعض نصوص ابن المقفع من الكتابين المذكورين يعقب قائلا: "مثل هذه الجمل فى كلام ابن المقفع كثير جدا تجدونه فى"الأدب الكبير" و"الأدب الصغير" و"كليلة ودمنة" ورسائله الخاصة التى كان يرسلها إلى إخوانه. وليس هذا يطعن فى كفاية ابن المقفع ولا مقدرته الخاصة، فقد كان يكتب فى أول عهد النثر الفنى بالوجود، فليس غريبا ألا يستقيم له النثر كما كان يستقيم لرجل كعبد الحميد. وليس ابن المقفع بدعا فى هذا، فكتّاب اليونان كانوا على مثل ما كان عليه ابن المقفع من ضعف فى التعبير لأنهم لم يتعودوا أداء هذه المعانى من قبل. فليس على ابن المقفع حرج فى أن تضطرب لغته وتستعصى عليه، وإنما الحرج على الذين يريدون أن يتخذوا من ابن المقفع مثلا وآية فى البلاغة دون إمعان أو رَوِيَّة. وأنا أنصح لطلاب الأدب أن يحتاطوا عندما يريدون أن يتخذوا ابن المقفع نموذجا للتعبير والبلاغة" (المرجع السابق/ 5/ 602 - 603).
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذه الكلمات للأسف قد خرجت، كما هو واضح، من فم الدكتور طه دون أن تمر بعقله الممحّص، وإلا فإذا كان ابن المقفع مستشرقا أو يشبه المستشرقين فليس ثم من يستطيع القبض على زمام لغة القرآن إذن. ثم كيف يكون ابن المقفع كالمستشرقين، وهو العربى لغة وأدبا وثقافة أولا، ثم دينا أيضا بعد ذلك؟ لقد نشأ ابن المقفع فى محيط عربى وتعلم فى ذلك المحيط وتشرب ثقافة ذلك المحيط، أما المستشرقون فهم ناس أجانب لغة وأدبا وثقافة، ودينا كذلك، فوق أنهم يعيشون فى بلادهم بعيدا عن العرب على عكس ابن المقفع، الذى كان يعايش العرب فى كل مكان. أما اتصال المستشرقين بلغة العرب وأدب العرب وثقافة العرب فهو اتصال دراسة لا اتصال تشرب لتلك الثقافة، بل إن البغض والعداء والتشويه هو سيد الموقف عندهم إلا فى النادر الذى لا يقاس عليه. إن الاستشراق هو محض تخصص لا أكثر، أما ابن المقفع فقد كانت اللغة لغته، والثقافة ثقافته، لا يعرف شيئا غيرهما، كما كان يعيش بين ظَهْرَانَىِ العرب ويعمل كاتبا عند بعض رؤساء العرب. كذلك لا أدرى لم ميز طه حسين بينه وبين عبد الحميد فى تلك النقطة، وكلاهما غير عربى الأصل؟ فلماذا كان ابن المقفع مستشرقا، ولم يكن عبد الحميد بالمستشرق لا هو ولا سهل بن هارون ولا عبد القاهر ولا الزمخشرى ولا الآلاف غيرهم ممن لا ينتمون إلى العروبة دما وجنسا؟ وكيف لم يستقم التعبير لابن المقفع جَرّاء مجيئه فى أول عهد النثر الفنى بالوجود، واستقام لعبد الحميد رغم أنه أتى فى نفس الفترة التى كان فيها النثر الفنى فى أول عهده بالوجود أيضا، وكان صديقا لابن المقفع وعملا معا فى الدواوين الحكومية؟ ألا إن هذا لغريب!
أما التعقيد المدَّعَى فى كتابات أديبنا الكبير فلم يحاول الدكتور طه أن يضع أيدينا على شىء منه، بل كل ما صنعه هو أنه أورد بعض النصوص مما كتب الرجل وزعم أن فيها تعقيدا والتواء. وقد نظرت فيها فلم ألحظ شيئا من هذا الذى زعم. وهذا أحد تلك النصوص التى أوردها فى محاضرته. وهو، على العكس مما ذهب إليه الدكتور طه، ينساب فى سلاسة وفحولة وثقة وإحكام تركيب لا يتحقق إلا على يد فطاحل الكتاب. بل أكاد أقول إن طه حسين نفسه، على حلاوة أسلوبه المعروفة، لا يرقى أحيانا فى إحكام الجملة إلى هذا المستوى. يقول ابن المقفع المظلوم: "إذا تراكمت عليكَ الأعمالُ فلا تلتمسِ الرَّوْح في مدافعتها بالروغان منها، فإنه لا راحة لكَ إلا في إصدارها، وإن الصبر عليها هو الذي يخففها عنك، والضجر هو الذي يُراكمُها عليك. فتعهد من ذلك في نفسكَ خصلةً قد رأيتُها تعتري بعضَ أصحابِ الأعمال. وذلك أن الرجلَ يكونُ في أمرٍ من أمرهِ فيَرِدُ عليهِ شغلٌ آخرُ أو يأتيهِ شاغلٌ من الناسِ يكدّرهُ إتيانهُ فيكدّرُ ذلكَ نفسه تكديرا يفسدُ ما كان فيه وما وردَ عليهِ حتى لا يُحْكِمَ واحدا منهُما. فإذا وردَ عليكَ مثلُ ذلكَ فليكن معك رأيك وعقلك اللذان بهما تختارُ الأمور، ثم اختر أَوْلَى الأمرين بشغلك فاشتغل به حتى تفرغ منه. ولا يَعْظُمَنَّ عليك َفْوتُ ما فاتَ وتأخيرُ ما تأخر إذا أعملتَ الرأي مَعْمَلَهُ وجعلتَ شغلك في حقه. واجعل لنفسكَ في كل شغلٍ غايةً ترجو القوةَ والتمامَ عليها".
فأى قدرة هذه على بناء الكلام السلس المتين حتى إن الكلام ليأخذ الطريق يمينا مرة ويسارا مرة، أو يعترضه معترض من القول، أو يتقدم بعض عناصر الجملة ويتأخر بعضها الآخر، وابن المقفع رغم ذلك كله قابض على زمام الحديث قبضا لا تهتز يده أو يفلت منه شىء. وانظر الجمال كله فى قوله: "مَعْمَلَه" (بصيغة المصدر الميمى) بدلا من "عَمَلَه" (بصيغة المصدر العادى) بما فى ذلك من طرافة وجرأة ورغبة فى الإدهاش وإدلال بامتلاك اللغة والإحاطة بها من أقطارها. ترى أى شيطان عبقرى من شياطين الإبداع أوحى لابن المقفع بهذه الصيغة؟ ودونك روابط الجمل والعبارات من مثل "وذلك أن"، "فإن" و"الفاء ولكنّ وثُمَّ" وما أشبه، فافحصها على أقل من مهلك فلن تجد فيها شبهة من رائحة وهن. إنك هنا بإزاء جواهرى أريب يعرف أسرار جمال المعادن والأحجار الثمينة التى فى حوزته، ويعرف كيف يصوغ منها الحلىّ المترفة التى لا يقدّر قيمتها إلا الفاهمون. ولديك كذلك هندسة الجمل الأنيقة المنعشة، إذ هى هندسة مرنة مفعمة بالحيوية بعيدة عن الجمود والسير على منوال واحد. ولهذا
(يُتْبَعُ)
(/)
تجده يعتمد حسن التقسيم أحيانا، ويتركه أحيانا أخرى، ويطوّل الجملة أحيانا، ويقصّرها أحيانا أخرى. كذلك نراه فى نصحه المخلص يراوح بين الأمر والنهى فلا يجرى هنا أيضا على وتيرة واحدة. ومن ثم كان هذا الإبداع الأسلوبى الشاهق بعكس ما زعم الدكتور طه على عادته فى حب مصادمة العقول بين الحين والآخر لوجه المصادمة.
ثم إن ابن المقفع لم يكن كاتبا مغمورا فيقال إن أسلوبه الذى لا يخلو من مشقة والتواء وعسر لم يكن يهتم به أحد، ومن ثم لم يُعَنِّ ناقدٌ نفسَه فى رصد تلك العيوب، بل كان كاتبا مشهورا له عدد من الرسائل التى تنهبها العيون نهبا وتأكلها أكلا، ولم يقل أحد من الأدباء والنقاد المعاصرين أو التالين له شيئا من هذا الذى يقوله طه حسين. أما ما ذكره من أن الأصمعى قد لاحظ أنه كان يلحن فيضيف "أل" إلى "كل" و"بعض"، وأن الجاحظ أخذ عليه أنه لم يكن يحسن كل ما يحاوله من الفنون فلا صلة بينه وبين الالتواء الأسلوبى، فضلا عن أن يذكِّرنا بالمستشرقين. وعلى كل حال فنحن الآن نُدْخِل "أل" على "بعض" و"كلّ" دون أن يرى أحد فيما نعمله التواء أو تعقيدا. وغاية ما يمكن أن يقوله المعترض هنا إن العرب القدامى لم تكن تصنع هذا. وذلك إن صح أنهم فعلا لم يستعملوه، فضلا عن أن عدم وجود هذا الاستعمال فى شعرهم ونثرهم لا يعنى بالضرورة أنه خطأ، فقد يكون مما سُكِت عنه، فهو عَفْوٌ بتعبير الرسول عليه السلام. بل إن مجمع اللغة العربية قد توصل إلى أن هذا استعمال صحيح لا غبار عليه.
وقد وجدت لفظة "الكل" فى قول ابن المقفع من كتاب "كليلة ودمنة": "ورأس الكلّ الحزم". كما أشار المعرى فى "عبث الوليد" إلى ما ذكره الأصمعى من أنه قرأ ابن المقفع فلم يجد لديه ما يمكن أن يؤخَذ عليه سوى إدخاله الألف واللام على "بعض" فى قوله: "العلم أكبر من أن يحاط بكُلّه، فخذوا البعض"، وهو ما يعنى أن الأصمعى على جلالة قدره لم يجد فى كتابات الرجل كلها إلا هذا "اللحن" كما سماه. أى أن كلام الأصمعى هو شهادة باقتدار الرجل لا انتقاص منه، إذ يكفى ذلك الأديب نبلا أن تنحصر معايبه فى"لحن" واحد، وهذا إن عُدّت كلمة "البعض" لحنا، وهى ليست لحنا بكل تأكيد كما سوف يرى القارئ حالا. فانظر كيف يَقْلِب طه حسين مرامى الكلام إلى عكس وجهتها!
ولقد بحثت فى التراث العربى القديم شعرا ونثرا عن كلمة "البعض" و"الكل"، فوجدت الجاحظ يستخدم هذه أو تلك أو كلتيهما معا فى أكثر من كتاب ورسالة له كـ"البرصان والعرجان" و"البيان والتبيين" و"الحيوان" و"البخلاء"، وكذلك وجدت الأمر ذاته لدى المبرّد فى "الكامل"، وابن عبد ربه فى"العقد الفريد"، وابن جنى فى "المبهج فى تفسير أسماء شعراء الحماسة"، والآمدى فى "الموازنة بين أبى تمام والبحترى"، والجرجانى فى "الوساطة"، وأبى هلال العسكرى فى"ديوان المعانى"، وقدامة فى "نقد الشعر"، والمرزوقى فى "الأزمنة والأمكنة" و"الأمالى"، وأبى حيان فى "الإمتاع والمؤانسة"، والخالديَّيْن فى "الأشباه والنواظر"، وأبى الفرج فى "الأغانى"، وياقوت الحموى فى "معجم الأدباء"، وابن رشيق فى"العمدة"، وبديع الزمان فى "المقامات"، وكذلك عشرات الشعراء من القدماء والمحدثين، وعلى رأسهم عبد الله بن الزبير وأبو الشِّيص والبحترى وابن الرومى وصالح بن عبد القدوس والخُرَيْمِىّ والمتنبى وأبو فراس والشريف الرضى.
أما أن الرجل لم يكن يحسن كل ما يتناوله من الفنون، فمن منا يا ترى يحسن كل ما يحاول من الآداب؟ إن لكل منا، مهما تكن عبقريته، مدًى ينتهى إليه: سواء فى عدد الفنون التى يتقنها أو فى المستوى الإبداعى الذى يبلغه، وهذا أمر لا يقبل المماراة. وعل كل حال فما منا أحد إلا وله مواضع يَتْعَب فيها ذهنه أو يصيبه السهو فيركّب الجمل حينذاك تركيبا لا يرضى هو أول واحد عنه فى حالة صحوه قبل أن ينتقده الآخرون. وليس طه حسين نفسه استثناءً فى هذا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكى نعرف المكانة التى يحتلها ابن المقفع وأدبه فى نفوس القدماء علينا أن نراجع بعض ما قاله كبارهم: ففى"البيان والتبيين" للجاحظ سيد الكتاب والأدباء والمفكرين نقلا عن ابن قوهى: "قال إسحاق بن حسان بن قُوهيّ: لم يفسِّر البلاغَة تفسيرَ ابنِ المقفَّع أحدٌ قَطُّ. سُئِل: ما البلاغة؟ قال: البلاغة اسمٌ جامعٌ لمعانٍ تجري في وجوهٍ كثيرة: فمنها ما يكون في السُّكوت، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون ابتداءً، ومنها ما يكون شعرا، ومنها ما يكون سَجعْا وخُطبا، ومنها ما يكون رسائل. فعامّةُ ما يكون من هذه الأبواب الوحيُ فيها والإشارةُ إلى المعنى والإيجازُ هو البلاغة. فأمّا الخُطَب بين السِّماطَين، وفي إصلاح ذاتِ البَين، فالإكثارُ في غير خَطَل، والإطالةُ في غير إملال. وليكن في صدر كلامك دليلٌ على حاجتك، كما أنَّ خيرَ أبياتِ الشعر البيتُ الذي إذا سمِعْتَ صدْرَه عرَفْتَ قافيتَه. كأنّه يقول: فَرِّقْ بينَ صدر خطبة النكاح وبين صَدْر خُطْبة العيد، وخُطبة الصُّلْح وخُطبة التّواهُب، حتَّى يكونَ لكّل فنٍّ من ذلك صدرٌ يدلُّ على عَجُزِه. فإنّه لا خيرَ في كلامٍ لا يدلُّ على معناك، ولا يشير إلى مَغْزَاك، وإلى العَمود الذي إليه قصدتَ، والغرضِ الذي إليه نزَعت. قال: فقيل له: فإنْ مَلَّ السامعُ الإطالةَ التي ذكَرْتَ أنّها حقُّ ذلك الموقِف؟ قال: إذا أعطَيْتَ كلَّ مَقامٍ حَقَّه، وقمتَ بالذي يجبُ من سياسة ذلك المقام، وأرضيْتَ من يعرف حقوقَ الكلام، فلا تهتمَّ لما فاتَكَ من رضا الحاسد والعدُوّ، فإنّه لا يرضيهما شيءٌ. وأمّا الجاهلُ فلستَ منه وليس منك. ورِضَا جميعِ النَّاس شيءٌ لا تنالُه ... قال: وسُئِل ابنُ المقفَّع عن قول عمر رحمه اللَّه: ما يتصَعَّدُني كلامٌ كما تتصعَّدَني خطبةُ النِّكاح. قال: ما أعرفه إلا أن يكون أراد قُربَ الوجوه من الوجوه، ونَظَر الحداق من قُربٍ في أجواف الحِداق. ولأنّه إذا كان جالسا معهم كانوا كأنَّهُم نُظَراءُ وأَكْفَاءٌ، فإذا عَلاَ المنبرَ صارُوا سُوقةً ورَعِيّةً".
وفى بعض رسائل الجاحظ الأخرى نقرأ ما يلى: "ومن المعلمين ثم من البلغاء المتأدبين عبد الله بن المقفع، ويكنى: أبا عمرو. وكان يتولى لآل الأهتم، وكان مقدَّما في بلاغة اللسان والقلم والترجمة واختراع المعاني وابتداع السير". ولعلنا لم ننس بَعْدُ إقرار الجاحظ بأنه كان فى صدر حياته الإبداعية إذا اراد أن يروّج شيئا كتبه وينفّقه بين القراء نَسَبَه إلى ابن المقفع أو من فى مكانته الأدبية! فهذا مؤشر على المكانة العظيمة التى كان يشغلها ابن المقفع من نفس ذلك الأديب والمفكر العظيم!
وفى"البصائر والذخائر" للتوحيدى، وهو من أئمة البيان الشاهقين، نقرأ: "قال أبو العيناء: كلام ابن المقفّع صريح، ولسانه فصيح، وطبعه صحيح. كأنّ كلامه لؤلؤٌ منثور، أو وشيٌ منشور، أو روضٌ ممطور". وفيها أيضا على لسان الأصمعى، الذى استشهد طه حسين به خطأً على أن فى أسلوب ابن المقفع التواء ومشقة: "قال ابن المقفّع لبعض الكتّاب: إيّاك والتّتبّع لوَحْشِيّ الكلام طمعا في نيل البلاغة، فإنّ ذلك العِيّ الأكبر". وفى "أمالى" المرتضَى: "وكان ابن المقفع، مع قلة دينه، جيد الكلام فصيح العبارة، له حكم وأمثال مستفادة". ويقول الزمخشرى فى "ربيع الأبرار" إن رسالة ابن المقفع المسماة بـ"اليتيمة" لهى مضرب المثل فى البلاغة. وشهد له الصغانى فى "العباب" بأنه كان فصيحا بليغا. وفى "خزانة الأدب ولُبّ لُبَاب لسان العرب" لعبد القادر البغدادى شهادة حاسمة بأن "ابن المقفع كاتب بليغ"، وإن شفع هذه الشهادة بأنه زنديق! سامحه الله!
ويشير بديع الزمان الهمدانى فى "المقامة الجاحظية" إلى أنه كان مثالا لبراعة الوصف وذرابة الكلام. كما وصفه ابن خلكان فى ترجمته له بـ"وَفَيات الأعيان" بأنه "الكاتب المشهور بالبلاغة، صاحب الرسائل البديعة". وفى "الفهرست" لابن النديم أن "بلغاء الناس عشرة: عبد الله بن المقفع، عمارة بن حمزة، حجر بن محمد ... "، وأن "الكتب المجمع على جودتها: عهد أردشير، كليلة ودمنة، رسالة عمارة بن حمزة الماهانية، اليتيمة لابن المقفع، رسالة الحسن لأحمد بن يوسف".
(يُتْبَعُ)
(/)
وإن قَلَمًا يقع له ما كان يقع لقَلَم ابن المقفع فيتصرف رَبُّه كما كان يتصرف رَبُّ القلم المقفَّعِىّ لخليق ألا يقع فيما زعم طه حسين وقوع أديبنا الكبير فيه من التعقيد والالتواء والعجمة التى قال إنها تشبه عجمة المستشرقين. جاء مثلا فى كتاب "إعتاب الكتّاب" لابن الأبّار: "قال ابن عبد ربه: بلغني أن صديقا لكلثوم العتابي أتاه يوما فقال له: اصنع لي رسالة. فاستمد مدةً، ثم علق القلم، فقال له صاحبه: ما أرى بلاغتك إلا شاردةً عنك. فقال له العتابي: إني لما تناولت القلم تداعت عليَّ المعاني من كل جهة، فأحببت أن أترك كل معنى حتى يرجع إلى موضعه ثم أجتني لك أحسنها. وهذا كالذى رُوِيَ عن ابن المقفع من أنه كان كثيرا ما يقف قلمه، فقيل له في ذلك، فقال: إن الكلام يزدحم في صدري، فيقف قلمي لتخيُّره! ". الله! الله! ما هذه الصورة المونقة؟ إن رجلا كهذا لا يمكن أن يصدق عليه ما زعمه بحقه الدكتور طه، إذ مثله يعرف أن القلم قد يكون فى بعض الظروف مركبا صعبا يحتاج إلى رياضة وصبر وحكمة، ولا يؤخذ عنفا واعتسافا. وحرىٌّ بمثله ألا يقسر قلمه ساعتئذٍ على ما لا يطاوعه فيه، بل يأخذه بالحسنى حتى يلين له وينقاد ويعمل كل ما يريده منه عن طواعية ورضا.
ومن الطريف أن يعزف حنا الفاخورى ذات النغمة الطاهاحسينية فى تسرع يفتقر إلى المراجعة والتثبت، إذ أتى إلى جملة فى "كليلة ودمنة" فعلق عليها زاعما أن "توخى السهولة فى موضوعٍ بالغِ الصعوبة جعل ابن المقفع على شىء من العنت فى الترجمة وتأدية المعانى، فوقع فى بعض الغموض أحيانا، ووقع فى جمله بعضُ التداخل إلى حد يستحيل تقسيمها إلى عبارات، كما فى قوله: "وأما الوزتان اللتان رأيتَهما طارتا من وراء ظهرك فوقعتا بين يديك فإنه يأتيك من ملك بلخ فَرَسان ليس على الأرض مثلهما فيقومان بين يديك". والحق الذى لا مِرْيَة فيه أن الفاخورى لا يعرف عم يتحدث، وأغلب الظن أنه يردد ما قاله طه حسين دون تفكير. ذلك أن المعنى واضح مشرق ليس فيه أى تعقيد أو عنت، إذ المقصود هو تفسير الحلم الذى رآه الملك. فكأن الحكيم قد قال للملك: أما الحلم الفلانى فتفسيره كذا وكذا. وعلى هذا فإن الوزتين اللتين حلم بهما العاهل الهندى معناهما فَرَسان عديما الشبيه يرسلهما ملك بلخ فيقومان بين يَدَىِ الملك. وهذا حوار الملك والحكيم فى سياقه، أُورِده أمام القارئ كى يحكم بنفسه على ما يقول الفاخورى: "رأيت في المنام ثمانية أحلام فقصصتها على البراهمة، وأنا خائف أن يصيبني من ذلك عظيمُ أمرٍ مما سمعتُ من تعبيرهم لرؤياي. وأخشى أن يُغْصَب مني مُلْكي أو أن أُغْلَب عليه. فقال له الحكيم: إن شئت فاقصص رؤياك عليَّ. فلما قص عليه الملك رؤياه قال: لا يحزنْك أيها الملك هذا الأمر، ولا تخف منه: أما السمكتان الحمراوان اللتان رأيتَهما قائمتين على أذنابهما فإنه يأتيك رسول من ملك نهاوند بعلبة فيها عِقْدان من الدُّرّ والياقوت الأحمر قيمتُهما أربعة آلاف رطل من ذهبٍ فيقوم بين يديك. وأما الوزتان اللتان رأيتهما طارتا من وراء ظهرك فوقعتا بين يديك فإنه يأتيك من ملك بلخ فَرَسان ليس على الأرض مثلهما فيقومان بين يديك. وأما الحية التي رأيتها تدبّ على رجلك اليسرى فإنه يأتيك من ملك صنجين من يقوم بين يديك بسيف خالص الحديد لا يوجد مثله". أى أن كلمة "فإنه" تشير إلى أن هذا هو تفسير الحلم. ويمكننا أن نحذفها ونضع موضعها كلمة "فمعناهما". هكذا بكل بساطة ودون تطاول على ابن المقفع أو التحذلق بتخطئته على غير أساس. وأصحّ من كلام الفاخورى قول بطرس البستانى فى كتابه: "أدباء العرب فى الأعصر العباسية" عن "كليلة ودمنة": "فى هذا الكتاب يتجلى أسلوبه البديع الذى رفع به مستوى النثر العربى إلى أعلى درجات الفن وأشرفها".
(يُتْبَعُ)
(/)
أما ما أثبته د. عبد الوهاب عزام فى المقدمة التى كتبها للطبعة الأولى من "كليلة ودمنة" من مآخذ على ترجمة ابن المقفع لذلك الكتاب من التزام بالحرفية أحيانا، فقد يكون له توجيه مقبول: فمن ذلك قوله: "غلب على صاحب البيت النعاسُ وحمله النوم"، الذى يعلّق الدكتور عزام على جملته الأخيرة بأنها ترجمة حرفية للأصل الفارسى: "خواب أورابرد"، وأرى أنا أنه لا بأس بهذا، إذ قد يكون فى نقل تلك العبارات والصور الأجنبية إغناء للعربية وإنعاش لها بدلا من أن نظل نردد ما شببنا وشبنا عليه من صور تقليدية. و"حَمَله النوم" صورة جميلة تعنى أن النوم قد نقل الشخص بعيدا عن عالم الحس واليقظة فلم يستطع المقاومة، أو أنه لم يتكلف النوم بل أتاه النوم وحمله حملا. وللدكتور طه حسين (زميل الدكتور عزام فى تحقيق ذلك الكتاب) أشياء من هذه فى كتاباته لا يفكر أحد فى أخذها عليه، كقوله عمن لا طال هذا ولا ذاك: "سقط بين كرسيين"، (& Ecirc;tre assis entre deux chaises, To fall between two stools ، مما يشبه إلى حد بعيد قولنا فى مصر: "رقص على السُّلَّم"، أو "لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن")، وقوله، فيمن ضاعت عليه الفرصة فلم يستطع أن ينجز المطلوب إلا بعد فوات الأوان، إنه أقبل على عمله يؤديه فى الساعة الرابعة عشرة" (كما نقول الآن: "يلعب فى الوقت الضائع"، وهذا التعبير الأخير بدوره تعبير أجنبى مأخوذ من عالم الكرة). وهو أحيانا ما يردف مثل هذين التعبيرين بقوله: "كما يقول الفرنسيون". وقد يقول أحدنا عن المطر المنهمر كالسيول: "الدنيا تمطر قططا وكلابا"، مستعيرا هذا التعبير الظريف من الإنجليزية، أو يعلق على من يحكى شيئا يأبى أن يدخل العقل: "نعم، قد تطير الخنازير".
وأما قول ابن المقفع فى الكتاب ذاته: "وعرفت أنى إن أوافقْه أكن كالمصدِّق المخدوع، كالذى زعموا أن جماعة من اللصوص ذهبوا إلى بيت رجل من الأغنياء ... "، الذى انتقد د. عزام تركيب الجملة فيه لعدم وجود ضمير يعود على "الذى" وتفسيره إياه بأن ابن المقفع قد ترجم الاسم الموصول الفارسى: "كه" كما هو على أساس أن هذا الاسم لا يأخذ فى لغة الفرس أىّ ضمير، فقد وجدت أن الجملة قد وردت فى النسختين الضوئيتين اللتين أنزلتهما من المشباك على النحو الآتى: "وعرفت أنى إن أوافقْه أكن كالمصدِّق المخدوع كالذى زعموا فى شأنه أن جماعة من اللصوص ذهبوا إلى بيت رجل من الأغنياء ... " بما لا يتعلق عليه به متعلِّق. وحتى لو كانت ملاحظات الدكتور عزام صحيحة فهذا ينبغى أن يفسَّر بما نقع فيه كلنا من سهو حين نكتب، إذ العبرة لا بالوقوع فى مثل تلك الغلطات مرة، بل بتكرارها واطرادها، لأن هذا الاطراد هو المحك الحقيقى الذى على أساسه يصح اتهام الشخص بالخطإ.
ومن هنا فإنى أستغرب أشد الاستغراب قول القاسم بن إبراهيم عن أسلوب ابن المقفع الذى يردّ عليه فى رسالته التى بين أيدينا: "ثم خلف من بعد مانى إلى الحيرة والهلكات، خَلْفُ سوءٍ استخلفه إبليس على ما خلّف مانى من الضلالات، يسمَّى: ابن المقفع، عليه لعنة الله بكل مرأًى ومسمع ... فوضع كتابا أعجمى البيان، حكم فيه لنفسه بكل زورٍ وبهتان ... ". وسر استغرابى أمران: الأول أنه يشير إلى ابن المقفع بقوله إنه "يسمى: ابن المقفع"، وكأن ابن المقفع رجل نكرة مجهول وليس سيدا من سادات البيان والإبداع يعرفه القاصى والدانى ولا يسع أحدا من العرب والمسلمين، وبالذات فى ذلك الوقت، أن يجهله. وعلى هذا فإنى لا أستبعد أن يكون المقصود "ابنَ مقفعٍ" آخر، وبخاصة أنه لا يسميه بالاسم الذى نعرفه به، وهو "عبد الله بن المقفع" بل يكتفى بـ"ابن المقفع" ليس إلا. والأمر الثانى أنه يتحدث عما حبَّره ذلك الشخص فى معارضة القرآن بوصفه "كتابا أعجمى البيان"، وهو ما لا يخطر ببال أحد ممن يعرفون قيمة ما أبدع ابن المقفع أن يقوله، إذ رأيناهم جميعا يقرون له بالبراعة والإحسان رغم ذكر بعضهم أنه كان يُتَّهَم بالزندقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
فإذا رجعنا مرة أخرى إلى المعارضة المنسوبة لابن المقفع راعنا أن نصوصها تخلو من سمة بارزة فى كتاباته، ألا وهى ميله القوى إلى الإجمال الذى يتبعه بالتفصيل والتقسيم كما فى النص التالى، وهو من "الأدب الكبير": "اعلم أن الملك ثلاثةٌ: ملكُ دينٍ، وملكُ حزمٍ، وملكُ هوى. فأما ملكُ الدينِ فإنهُ إذا أقام للرعيةِ دينهم، وكان دينهم هو الذي يعطيهم الذي لهم ويلحقُ بهم الذي عليهم، أرضاهم ذلك، وأنزل الساخط منهم منزلة الراضي في الإقرار والتسليمِ. وأما ملكُ الحزمِ فإنهُ يقومُ به الأمرُ ولا يسلمُ من الطعنِ والتسخطِ. ولن يضر طعنُ الضعيفِ مع حزمِ القوي. وأما ملكُ الهوى فلعب ساعةٍ ودمار دهرٍ".
كما أن السجع فيها بارز بروزا قويا على حين لم يكن السجع من السمات الأسلوبية لدى ابن المقفع. وهذه بضع أمثلة على هذا الذى نقول: "فما باله إذا أراد إنزاله لم يطوه حتى لا يناله شيطان مريد، ولا مطيع رشيد، إلا رسوله من بين خلقه وحده، فيكون هو الذى ثبّت رشده؟ "، "ألا خلق الله الناس أبرارا، ومنعهم من أن يكونوا أشرارا؟ "، "إنه أَصَمَّ خَلْقَه أو أعماهم كما توهَّم، أو جبرهم على عصيانه، أو حال بين أحد وبين إيمانه، أو أنه أمرضهم، أو عذّب بغير ذنبٍ بَعْضَهم"، "ومن أين تدرى أن هذه نِعَمُه، وأن مُحْدِثَها إحسانُه وكرمُه". ولم يكن ابن المقفع هو الوحيد فى زمنه الذى لا يستعمل السجع، بل كان ذلك الامتناع ديدن تلك العصور المتقدمة، إذ "كان المتقدمون لا يحفلون بالسجع ولا يقصدونه بَتَّةً إلا ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام، واتفق عن غير قصد ولا اكتساب. وإنما كانت كلماتهم متوازنة، وألفاظهم متناسبة، ومعانيهم ناصعة، وعبارتهم رائقة، وفصولهم متقابلة، وجمل كلامهم متماثلة. وتلك طريقة الإمام علي عليه السلام ومن اقتفى أثره من فرسان الكلام كابن المقفع، وسهل بن هارون، وإبراهيم بن العباس، والحسن بن سهل، وعمرو بن مسعدة، وأبي عثمان الجاحظ، وغير هؤلاء من الفصحاء والبلغاء" كما لاحظ ابن أبى الإصبع عن حقٍّ فى كتابه: "تحرير التحبير فى صناعة الشعر والنثر".
ولكيلا ننخدع بحكاية معارضة ابن المقفع للقرآن هأنذا أسوق للمرة الثانية رواية أخرى مختلفة عما قاله ابن طباطبا، وهى الرواية التى سبق أن طالعناها للباقلانى. ومنها نرى أن الأمر لا يعدو أن يكون حكايات يراد منها الطعن فى دين الرجل دون أى دليل يمكن الاستناد إليه. جاء فى "إعجاز القرآن" للباقلانى: "وقد ادعى قوم أن ابن المقفع عارض القرآن. وإنما فزعوا إلى "الدرة اليتيمة"، وهما كتابان: أحدهما يتضمن حكما منقولة توجد عند حكماء كل أمة مذكورة بالفضل، فليس فيها شيء بديع من لفظ ولا معنى. والآخر في شيء من الديانات، وقد تَهَوَّسَ فيه بما لا يخفى على متأمل. وكتابه الذي بيناه في الحِكَم منسوخ من كتاب بزرجمهر في الحكمة. فأي صُنْعٍ له في ذلك؟ وأي فضيلة حازها فيما جاء به؟ وبعد، فليس يوجد له كتاب يدعى مُدَّعٍ أنه عارض فيه القرآن، بل يزعمون أنه اشتغل بذلك مدة ثم مزق ما جمع واستحيا لنفسه من إظهاره. فإن كان كذلك فقد أصاب وأبصر القصد. ولا يمتنع أن يشتبه عليه الحال في الابتداء، ثم يلوح له رشده، ويَبِين له أمله، ويتكشف له عجزه. ولو كان بقي على اشتباه الحال عليه لم يخف علينا موضع غفلته، ولم يشتبه لدينا وجه شبهته. ومتى أمكن أن تدعي الفرس في شيء من كتبهم أنه معجز في حسن تأليفه وعجيب نظمه؟ ". فها هو ذا عالم دينى متحمس للقرآن كالباقلانى صنف كتابا فى إعجاز القرآن هو أشهر الكتب فى بابه يصف ما قيل عن معارضة ابن المقفع للقرآن بأنه ادعاء لا يثبت على التمحيص لأنه لا يوجد كتاب له فى هذا الموضوع. ثم يضيف أن هناك رواية أخرى تقول إنه حاول معارضة القرآن فعلا، إلا أنه استبان له أن ذلك أمر فوق الطاقة فانصرف عنه وأقر بعجزه بعدما ثاب له رشده. وبالمثل نرى الباقلانى غير مطمئن إلى هذه الحكاية أيضا.
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك نسوق للمهووسين بالروايات الخارّين عليها عُمْيًا وصُمًّا وبُكْمًا الرواية التالية التى من شأنها أن تبصّرهم أن اتهام ابن المقفع لا يستند إلى أى دليل: "تناقلت كثير من الكتب قصة ابن المقفع مع ثلاثة من الدهريين في محاولتهم معارضة القرآن حيث رَوَوْا عن هشام بن الحكم قوله: اجتمع في بيت الله الحرام أربعة من مشاهير الدهرية وأعاظم الأدباء في العصر العباسي، وهم عبد الكريم بن أبي العوجاء وأبو شاكر الديصاني وعبد الله بن المقفع وعبد الملك البصري، فخاضوا في حديث الحج ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وما يجدونه من الضغط على أنفسهم من قوة أهل الدين. ثم استقرت آراؤهم على معارضة القرآن، الذي هو أساس الدين ومحوره، ليسقط اعتباره من معارضتهم إياه ومباراتهم له. فعرض كل واحد منهم أن ينقض ربعا من القرآن إلى السنة التالية. فإذا انتقض كله، وهو الأصل، انتقض كل ما ينبني عليه أو يتفرع منه. فتفرقوا على أن يجتمعوا في العام القابل. ولما اجتمعوا في الحج القابل وتساءلوا عما فعلوه اعتذر ابن أبي العوجاء قائلا: أدهشتني آية "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا" (الأنبياء/22)، فشغلتني بلاغتها وحجتها البالغة. واعتذر الثاني، وهو الديصاني، قائلا: أدهشتني آية "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" (سورة الحج / 73)، فشغلتني عن عمله. وقال ابن المقفع: أدهشتني آية نوح "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (سورة هود/ 44)، فشغلتني عن الفكرة في غيرها. وقال رابعهم، وهو البصري: أدهشتني آية "فَلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيًّا" (سورة يوسف/ 80)، فشغلتني بلاغتها الموجزة عن التفكر في غيرها".
أفلم يجد التعساء موضعا يجتمعون فيه لتحدى القرآن إلا المسجد الحرام؟ أية مفارقة هذه؟ ثم متى ذهب ابن المقفع إلى الحجاز وزار مكة؟ ومن يا ترى نقل لنا وقائع تلك الجلسة ونتائجها؟ ليس من المعقول أن يقول أحد منهم عن نفسه إنه كان ينوى معارضة القرآن، ثم يقرّ فوق ذلك على نفسه بالعجز؟ وفوق هذا فإن الحكاية تسكت عن وجوه البلاغة فى الآية التى أوقفت كلا منهم وأقنعته بعبث المعارضة، مكتفية بالنص على الآية دون أى شىء آخر، مع أن هذه النكت البلاغية هى التى تدور عليها عقدة القصة من أولها إلى آخرها. على أية حال يكفى فى نسف الحكاية أن ابن المقفع لم يذهب ولا ذهب أى من هؤلاء المذكورين إلى مكة.
وهناك حكاية أخرى عن ابن المقفع أوردها ابن بابويه القمى فى كتابه: "التوحيد"، وتدور وقائعها أيضا فى البلد الحرام وعند الكعبة وأثناء الطواف، وهى كاذبة كسالفتها لأن ابن المقفع، كما قلنا، لم ير مكة ولم يذهب إلى المسجد الحرام. تقول الحكاية على لسان أحمد بن محسن الميثمي: "كنت عند أبي منصور المتطبب، فقال: أخبرني رجل من أصحابي، قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام، فقال ابن المقفع: تَرَوْن هذا الخلق؟ (وأومأ بيده إلى موضع الطواف). ما منهم أحد أُوجِبُ له اسم "الإنسانية" إلا ذلك الشيخ الجالس (يعني جعفر بن محمد عليهما السلام). فأما الباقون فرَعَاعٌ وبهائم. فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبتَ هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لأني رأيت عنده ما لم أر عندهم. فقال ابن أبي العوجاء: ما بُدٌّ من اختبار ما قلت فيه منه. فقال له ابن المقفع: لا تفعل، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك. فقال: ليس ذا رأيك، ولكنك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إياه المحل الذي وصفت. فقال ابن المقفع: أما إذ توهمت عليَّ هذا فقم إليه، وتحفَّظْ ما استطعت من الزلل، ولا تَثْنِ عِنَانك إلى استرسال يسلمك إلى عقال، وسمه ما لك أو عليك. قال: فقام ابن أبي العوجاء، وبقيت أنا وابن المقفع، فرجع إلينا فقال: يا ابن المقفع، ما هذا ببشر. وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا، ويتروح إذا شاء
(يُتْبَعُ)
(/)
باطنا، فهو هذا. فقال له: وكيف ذاك؟ فقال: جلست إليه، فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء، وهو على ما يقولون (يعني أهل الطواف)، فقد سَلِموا وعطبتم. وإن يكن الأمر على ما تقولون، وليس كما تقولون، فقد استويتم أنتم وهم. فقلت له: يرحمك الله! وأي شيء نقول؟ وأي شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحد. قال: فكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا وعقابا ويدينون بأن للسماء إلها وأنها عُمْران، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد. قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما تقول أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان؟ ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل، ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به؟ فقال لي: ويلك! وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك: نشوؤك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوتك بعد ضغفك، وضعفك بعد قوتك، وسقمك بعد صحتك، وصحتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك، وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك، وفرحك بعد حزنك، وحبك بعد بغضك، وبغضك بعد حبك، وعزمك بعد إبائك، وإباؤك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك، وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك، ورهبتك بعد رغبتك، ورجاؤك بعد يأسك، ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعُزُوبُ ما أنت معتقده عن ذهنك؟ وما زال يعد عليّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه".
وواضح أن الحكاية إنما صنعت لتمجيد سعة علم جعفر بن محمد وقدرته على معرفة الغيب والإشادة بإنسانيته وتقواه. ثم كيف عرف ابن المقفع أن جعفر بن محمد يختلف عن سائر من كانوا فى المسجد الحرام أوانذاك؟ هل كان يشمّ على ظهر يده؟ وكيف عرف أنه سوف يهزم صديقه ابن أبى العوجاء فى حواره معه؟ وما دام هذا هو رأيه فى جعفر وفى علمه وعقيدته، فلماذا لم يهجر الزندقة ويدخل معه فيما هو فيه من تقوى وإنسانية عالية؟ ولو كان زنديقا كما تريد الحكاية أن تقول، فكيف أثنى على جعفر بن محمد رغم ما كان عليه جعفر هذا من تدين، والتدين ينافى الزندقة ويبغضها ويدينها ويدين صاحبها؟ أليس فى هذا التناقض وحده ما يدل على أن الحكاية مزيفة لا تثبت على التمحيص؟
ثم هذه رواية ثالثة عن ابن المقفع ومعارضته للقرآن، وهى منقولة عن كتاب: "الإسلام يتحدى" لوحيد الدين خان، الذى نقلها بدوره عن المستشرق ولاستن كما قال: "والحادث كما جاء عن لسان المستشرق هو أن جماعة من الملاحدة والزنادقة أزعجهم تأثير القرآن الكبير في عامة الناس فقرروا مواجهة تحدي القرآن، واتصلوا لإتمام خطتهم بعبد الله بن المقفع (727م)، وكان أديبا كبيرا وكاتبا ذكيا يُعْتَدّ بكفاءته، فقبل الدعوة للقيام بهذه المهمة، وأخبرهم أن هذا العمل سوف يستغرق سنة كاملة، واشترط عليهم أن يتكفلوا بكل ما يحتاج إليه خلال هذه المدة. ولما مضى على الاتفاق نصف عام عادوا إليه، وبهم تطلع إلى معرفة ما حققه أديبهم لمواجهة تحدي رسول الإسلام. وحين دخلوا غرفة الأديب الفارسي الأصل وجدوه جالسا والقلم في يده، وهو مستغرق في تفكير عميق، وأوراق الكتابة متناثرة أمامه على الأرض، بينما امتلأت غرفته بأوراق كثيرة كتبها ثم مزقها. لقد حاول هذا الكاتب العبقري أن يبذل كل مجهود عساه أن يبلغ هدفه، وهو الرد على تحدي القرآن المجيد، ولكنه أصيب بإخفاق شديد في محاولته هذه حتى اعترف أمام أصحابه، والخجل والضيق يملكان عليه نفسه، أنه على الرغم من مضي ستة أشهر حاول خلالها أن يجيب علي التحدي فإنه لم يفلح في أن يأتي بآية واحدة من طراز القرآن! وعندئذ تخلى ابن المقفع عن مهمته مغلوبا مستخذيا". وقد سبق أن أورد المستشرق المجرى إجناتس جولدتسيهر هذه الرواية فى كتابه المشهور: " Muhammedanische Studien " ( Halle, 1888, V. II, P. 401 ff ).
(يُتْبَعُ)
(/)
كذلك لا ينبغى أن يفوتنى التنبيه إلى أن ثمة رواية رابعة فى أمر ابن المقفع حكاها الإمام الجوينى فى كتابه: "الشامل فى الأصول"، وأوردها وعلق عليها كل من ابن الجوزى (فى "صيد الخاطر") وابن خلكان (فى "وَفَيَات الأعيان")، مع بعض الاختلاف بين ما كتبه هذا وما كتبه ذاك. وهذه الرواية ترينا كيف أن الأمر يحتاج إلى يقظة فى التعامل معها ومع أمثالها وإلى وجوب الاستعانة بالعقلية الناقدة عند التعرض لها، وإلا وجد الإنسان نفسه حائرا بائرا لا يستطيع أن يصل إلى شىء أو يروى الشىء ونقيضه أو يقول كلاما لا يقبله التاريخ ولا العقل: فأما ابن الجوزى فكتب فى باب "الفقه يحتاج إلى جميع العلوم" يُوجِب "على الفقيه أن يطالع من كل فنٍّ طرفا من تاريخ وحديث ولغة وغير ذلك، فإن الفقيه يحتاج إلى جميع العلوم، فليأخذ من كل شيء منها مهما ... وقد ذكر أبو المعالي الجويني في أواخر كتاب "الشامل في الأصول"، قال: "قد ذكرتْ طائفة من الثقات المعتنين بالبحث عن البواطن أن الحلاج والجبائي القرمطي وابن المقفع تواصَوْا على قلب الدول وإفساد المملكة واستعطاف القلوب، وارتاد كل منهم قطرا: فقطن الجبائي في الإحساء، وتوغل ابن المقفع في أطراف بلاد الترك، وقطن الحلاج ببغداد، فحكم عليه صاحباه بالهلكة والقصور عن بلوغ الأمنية لبعد أهل بغداد عن الانخداع وتوفُّر فطنتهم وصدق فراستهم". قلت: ولو أن هذا الرجل أو من حكى عنه عرف التاريخ لعلم أن الحلاج لم يدرك ابن المقفع، فإن ابن المقفع أمر بقتله المنصور فقُتِل في سنة أربع وأربعين ومائة، وأبو سعيد الجبائي القرمطي ظهر في سنة ست وثمانين ومائتين، والحلاج قُتِل سنة تسع وثلاثمائة. فزمان القرمطي والحلاج متقاربان، فأما ابن المقفع فكلا. فينبغي لكل ذي علم أن يلم بباقي العلوم، فيطالع منها طرفا، إذ لكل علم بعلم تعلق. وأَقْبِحْ بمحدِّثٍ يُسْأَل عن حادثة فلا يدري، وقد شغله منها جمع طرق الأحاديث. وقبيح بالفقيه أن يقال له: ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا؟ فلا يدري صحة الحديث ولا معناه. نسأل الله عز وجل همة عالية لا ترضى بالنقائص بمنه ولطفه".
وأما ابن خلكان فبعد أن أكد أن تاريخ قتل ابن المقفع "لم يكن بعد سنة خمس وأربعين ومائة، وإنما كان فيها أو فيما قبلها" عقب بأنه "إذا كان كذلك، فكيف يُتَصَوَّر أن يجتمع (أى ابن المقفع) بالحلاج والجنابي كما ذكره إمام الحرمين رحمه الله تعالى؟ ومن ها هنا حصل الغلط. وأيضا فإن ابن المقفع لم يفارق العراق، فكيف يقول: إنه توغل في بلاد الترك، وإنما كان مقيما بالبصرة ويتردد في بلاد العراق، ولم تكن بغداد موجودة في زمنه؟ فإن المنصور أنشأها في مدة خلافته، فاختطها في سنة أربعين ومائة، واستتم بناءها ونزلها في سنة ست وأربعين، وفي سنة تسع وأربعين تم جميع بنائها ...
ولما وقفت على كلام إمام الحرمين رحمه الله تعالى، ولم يمكن أن يكون ابن المقفع أحد الثلاثة المذكورين، قلت: لعله أراد المقنَّع الخراساني الذي ادعى الربوبية، وأظهر القمر ... ويكون الناسخ قد حرَّف كلام إمام الحرمين فأراد أن يكتب "المقنَّع" فكتب "المقفع"، فإنه يقرب منه في الخط، فيكون الغلط والتحريف من الناسخ لا من الإمام. ثم أفكرت في أنه لا يستقيم أيضا لأن المقنع الخراساني قتل نفسه بالسم في سنة ثلاث وستين ومائة كما ذكرناه في ترجمته، فما أدرك الحلاج والجنابي أيضا.
وإذا أردنا تصحيح هذا القول وأن ثلاثة اجتمعوا واتفقوا على الصورة التي ذكرها إمام الحرمين فما يمكن أن يكون الثالث إلا ابن الشلمغاني، فإنه كان في عصر الحلاج والجنابي، وأموره كلها مبنية على التمويهات. وقد ذكره جماعة من أرباب التاريخ، فقال شيخنا عز الدين بن الأثير في تاريخه الكبير في سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة فصلا طويلا اختصرته، وهو: وفي هذه السنة قُتِل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بـ"ابن أبي العزاقر". وسبب ذلك أنه أحدث مذهبا غاليا في التشيع والتناسخ وحلول الإلهية فيه إلى غير ذلك مما يحكيه، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح، الذي تسميه الإمامية: "الباب". فطُلِب ابن الشلمغاني فاستتر وهرب إلى الموصل وأقام سنين، ثم انحدر إلى بغداد، وظهر عنه أنه يدعي الربوبية. وقيل: إنه تبعه على ذلك الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن
(يُتْبَعُ)
(/)
وهب الذي وَزَرَ للمقتدر بالله وابنا بسطام وإبراهيم بن أحمد بن أبي عون وغيرهم، وطُلِبوا في أيام وزارة ابن مقلة للمقتدر فلم يوجَدوا. فلما كان في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ظهر ابن الشلمغاني، فقبض عليه ابن مقلة وحبسه وكبس داره، فوجد فيها رِقَاعًا وكُتُبًا ممن يَدَّعِي أنه على مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطِب به البشر بعضهم بعضا، فعُرِضَتْ على ابن الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر مذهبه وأظهر الإسلام وتبرأ مما يقال فيه. وأُحْضِر ابن أبي عون وابن عبدوس معه عند الخليفة فأُمِرا بصفعه فامتنعا. فلما أُكْرِها مد ابن عبدوس يده فصفعه، وأما ابن أبي عون فإنه مد يده إلى لحيته ورأسه، وارتعدت يده وقبَّل لحية ابن الشلمغاني ورأسه وقال: إلهي وسيدي ورازقي. فقال له الخليفة الراضي بالله: قد زعمتَ أنك لا تدَّعي الإلهية، فما هذا؟ فقال: وما عليَّ من قول ابن أبي عون؟ والله يعلم أنني ما قلت له إنني إله قط. فقال ابن عبدوس: إنه لم يَدَّعِ إلهية. إنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر. ثم أُحْضِروا مرات، ومعهم الفقهاء والقضاة. وفي آخر الأمر أفتى الفقهاء بإباحة دمه، فأُحْرِق بالنار في ذي القعدة من سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ... ". فما قول العاكفين على الروايات الذين يصدقونها دون أن يقلبوا فيها النظر أو يعرضوها على محكّات العقول كما صنع كل من ابن الجوزى وابن خَلِّكان مع ما كتبه إمام الحرمين؟
من هنا أرانى أرفض ما قيل عن معارضة ابن المقفع للقرآن الكريم رفضا باتا. وقد اتخذ ذات الموقف من قَبْلُ الكاتب السورى الكبير المرحوم محمد كرد على، الذى كتب بحثا قويا عن الرجل أبرز فيه بلاغته وعمق فكره وصدق إيمانه، واتهم من وقعوا فى عقيدته بأن خضعوا لما كانوا يستشعرونه نحوه من حسد وحقد، شأن الصغار مع كل كبير لا يستطيعون مساماته فلا يجدون إلا التشنيع عليه دون أن يقدموا على اتهامهم أى برهان. وهذا البحث الطويل متاح لمن يريده فى الفصل اذ عقده لابن المقفع من كتابه: "أمراء البيان". وهو، فى حدود علمى، الكاتب الوحيد الذى وقف من اتهام القدماء لابن المقفع موقف الرفض المطلق، مع الدفاع المجيد عنه والقول بأن ما تركه لنا الرجل من آثار مكتوبة خير شاهد على قوة إيمانه.
فإذا انتقلنا إلى المستشرقين ألفينا المستشرق الفرنسى كليمان هوار مثلا لا يُثْبِت ولا ينفى ما قيل عن المعارضة المنسوبة إلى ابن المقفع. إنه يذكر اتهام القدماء له، مثل اتهامهم لغيره، بأنه حاول معارضة القرآن، ثم يعقب قائلا: إن يكن الأمر كذلك فإن ابن المقفع يمثل فى هذه الحالة سابقة لما فعله الباب، الذى يصفه بأنه "مجدد الإسلام فى بلاد فارس"، إذ قلَّد فيما كتبه هو أيضا أسلوب القرآن: " He has been accused, with other enemies of Islam, of having endeavoured to imitate the style of the Koran, and would in this case have been a predecessor of the contemporary renewer of Islamism in Persia, 'Ali Muhammad the Bab, who also wrote in the Koranic style " .
لكن هناك مستشرقين آخرين يرددون، كما فعل جويدى ويوسف فان إس حسبما رأينا من قبل، ما قيل عن معارضة ابن المقفع للقرآن رغم ظهور عوار هذا القول وفساده ومناقضته للمنطق. ومنهم جويدى بطبيعة الحال ناشر كتاب "الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع"، الذى يدور حوله فى المقام الأول هذا البحث الذى يطالعه القارئ الآن. ومن ذلك أيضا ما كتبه ف. جبرييلِّى ( F. Gabrieli ) صاحب مادة "ابن المقفع" فى " The Encyclopaedia of Islam : دائرة المعارف الإسلامية"، وما جاء فى كتاب " Arabic Literature To The End Of The Ummayyad Period " لمحرِّرِيه: A F L Beeston, T M Johnstone, R B Serjeant and G R Smith (Ed.), . وهذان هما النصان المذكوران على الترتيب:
(يُتْبَعُ)
(/)
" One highly individual aspect of the spiritual interests of this [i.e., Ibn al- Mukaffa'] writer is finally revealed by the fragments (if they are authentic, as we believe) of a religious work, a Manichaean apologia, preserved in the refutation made a century later by Zaydi Imam al Qasim b. Ibrahim, in a treatise published by M Guidi. We are already familiar with the charges brought against Ibn al-Mukaffa' of having attemped to make an "imitation" of the sacred book of Islam: The work refuted by al-Qasim appears rather in our view, to be an attack on Muhammad, the Kuran and Islam in the name of another faith, namely the Manichaean faith which several of the friends of Ibn al-Mukaffa' had adopted and of which the writer himself was suspected".
"The prominent Arabic prose writer of Iranian descent who was cruelly put to death in 139/756, is said to have tried to imitate the Qur'ân at the behest of the group of heretics, but he had to abandon this endeavour because it proved too difficult. This is of course a legend. But Ibn al- Mukaffa' did compose a polemic in which he took issue with Islam, and especially with the Qur'ân from a Manichaean standpoint. Fragments of this polemic have come down to us in a refuation written by Zaydi Imam, al-Qasim b. Ibrahim (d. 246/860). The first four words of this polemic - and they alone - are obviously modelled on the first our words of the Qur'ân. They read: "In the name of Compassionate and Merciful light - a Manichaean variation of the familiar Islamic basmalah which must strike any Muslim as blasphemy".
ومع هذا فمن المستشرقين من لا يطمئن إلى نسبة هذه الرسالة إلى ابن المقفع. بل إن بعضهم يشك فى نسبة الرد عليه إلى القاسم بن إبراهيم. ويمكن القارئ أن يرجع إلى بحث المستشرق جوزيف فان إس ( Josef van Ess ) المسمَّى: " Some Fragments of the Mu'aradat al-Qur'an " والمنشور فى " Studia Arabica et islamica Feststchrift for Ihsan 'Abbas on his sixtieth birthday " بالمطبعة الكاثوليكية ببيروت عام 1981م، حيث يورد ذلك المستشرق اسمين من نظرائه ينكران تلك النسبة، وهما فاجدا ( Vajda G. ) ووانسبرا ( J. Wansbrough )، فيما ينكر مستشرق ثالث هو نيبرج ( H. S. Nyberg ) نسبة الرد إلى القاسم بن إبراهيم. وهذا البحث قد أمدنى به مشكورا شكرا لا أستطيع تصويره الصديق الكريم الأستاذ ثابت عيد المقيم فى سويسرا.
وكان قد أرسل لى قبلها بعدة ليالٍ رسالة مشباكية أَرْفَقَ بها بحثه عن الترجمات الألمانية للقرآن الكريم، وفيه ما يلى عن يوسف فان إس: "ويشبه پاولَ كراوس في هذا السلوك الإجرامي مستشرقٌ آخرُ صهيونيّ متعصبٌ، وإن كان يتظاهر بأنه مسيحي، اسمه يوسف فان إس Josef van Ess، يعمل أستاذ كرسي في معهد الاستشراق التابع لجامعة تيبينجن في ألمانيا. وقد قابلت هذا المستشرق قبل عدة سنوات، وأردت مناقشته في مسألة الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم، فإذا به يشن هجوما عنيفا على لغة القرآن الكريم، وإذا به يدافع عن مسيلمة الكذاب، وإذا به يشتم المؤرخين المسلمين لأنّهم أطلقوا عليه اسم "مسيلمة الكذاب". قلت له: "إن محاولة مسيلمة الكذاب تقليد القرآن كانت مضحكة، ولغته كانت في غاية الركاكة". فزأر في وجهي غاضبا: "هذه أقاويلكم أنتم المسلمين، وهي ادعاءات كاذبة! ". ليس هذا فحسب، بل إن فان إس، هذا المستشرق الصّهيونيّ المتعصب، قد صار على خُطَى پاول كراوس، فما كاد يسمع عن مشروع الباحث العراقي الدكتور عبد الأمير الأعسم الخاص بتجميع كل ما كتبه ابن الريوندي أو كُتِب عنه حتى سارع بتشجيعه وتقديم كل عون له. بل إنه ساهم ببحث خاص في هذا المشروع تحت عنوان "الفارابي وابن الريوندي" ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ونظرا لسعي فان إس الحثيث إلى توجيه أعظم كَمٍّ ممكن من الطعنات إلى الإسلام فهو لا يكل ولا يهمد في بحثه عن أي نصوص إلحادية تنفعه في شن المزيد من الغارات الشرسة على حضارة الإسلام. عثر فان إس على بعض كتب ابن المقفع الإلحادية، فسارع بنشر مقاطع من معارضة ابن المقفع للقرآن الكريم، ونشر هذه المقاطع الإلحادية في كتاب طبعته الجامعة الأمريكية ببيروت بمناسبة بلوغ إحسان عباس، صديق فان إس الحميم، سن الستين. يقول ابن المقفع في أحد مقاطع معارضته للقرآن: "تأمل صنيع الله بأهل الشام، وقد شملتهم الآثام، وكثر فيهم الإجرام. فيومئذ حين أظلتهم الآطام، والقادمين من الشرق بالخيام. إن ربك صبّ عليهم سوء العذاب. إنه لا يعجل العقاب. وله الجزاء الأوفى يومَ الثواب". ثم إنه يواصل صبّ لعناته، فينتقل إلى العراقيين، قائلا: "يا أيها الناس، قد نُسِب أهل العراق إلى الشقاق والنفاق، وفي مائها الزُعاق، ويُظهرون طاعتهم للخلاق. إن ربك هو أعلم بمن حاد عن طريقه، وهو أعلم بالمعتدين، وأوفى للمهتدين" ... يتہكم فان إس على الله، ويسخر من المسلمين في مواضع مختلفة من كتابه هذا، حيث يقول مثلا: "إن الله يتحدث اللغة العربية، ولا يخطيء في النحو". انظر: Josef van Ess und Hans Kueng, Christentum und Weltreligionen- Islam, GTB Sachbuch, Gerd Mohn, 1987, S. 37. وكان فان إس قد أورد هذه الملاحظة السخيفة في بحث آخر له نشره سنة 1974، انظر: Josef van Ess, Islam, in: Emma Brunner-Traut, Die fuenf grossen Weltreligionen, Herderbuecherei, Freiburg 1986 (1. Auflage 1974), S. 80 ".
وهذا ما أريد أن ألفت نظر القارئ إلى أنه دليل إضافى على أن ابن المقفع مظلوم، فها نحن أولاء بين أيدينا الآن نصوص أخرى من كتاب آخر يرى المستشرق المذكور أن صاحبه يريد به معارضة القرآن، وهو كسابقه يُنْسَب إلى ابن المقفع، وكأن ابن المقفع لم يكن له شغلة ولا مشغلة إلا العكوف على القرآن يعارضه ويحبّر فى ذلك الكتب المختلفة. والكتابان مختلفان، فالأول مثلا يمجد النور كما رأينا ويهاجم الله سبحانه وتعالى، على حين أن الكتاب الحالى يمجد الله الذى نعرفه جل وعلا، ولا يشير من قريب أو من بعيد إلى إله النور الزرادشتى، بما لا يتسق معه القول بأنه قد قُصِد به معارضة الكتاب المجيد. كما أن الأسلوبين مختلفان، والمعانى هنا وهناك متباينة بما يجعلنا مطمئنين إلى أنهما لا يمكن أن يكونا قد صدرا عن قلم واحد. إنما هى نصوص حبَّرها بعض العابثين، ثم نسبت (متى؟ وأين؟ لا ندرى) إلى ابن المقفع. علاوة على أن ذم كاتب المعارضة لأهل العراق يتناقض مع ما يقوله ابن المقفع عنهم فى "رسالة الصحابة" من أنهم يفوقون سائر أهل القبلة فى درجة العفاف والتقوى وجودة الألباب وأن ما يتحدث به الناس عنهم من عيوب إنما هى عيوب ولاتهم السابقين الفاسدين ومَنْ تعاون معهم منهم، وهم طائفةٌ جِدُّ قليلة. كما أنه فى تلك الرسالة أيضا يوصى الخليفة بأهل الشام رغم إقراره بما يمكن أن يسببوه للدولة من إزعاج، ولكنه لا يسبهم رغم أنه كان يستطيع ذلك مطمئنا إلى أن ذلك يوافق رغبة الخليفة لأنهم كانوا فى أغلبهم رجال الأمويين. ذلك أن التراث الذى نعرفه لابن المقفع لا يعرف السباب ولا ينتهج الهيجان سبيلا إلى التعبير عما يريد أن يقوله.
ومن نصوص الكتاب الأخير الذى احتفى به المستشرق يوسف فان إس، نقرأ: "وأما الذين يزعمون أن الشك فى غير ما يفعلون، وينتهى الثقة إلى ما يقولون* أولئك عليهم غضب من ربهم، إنه خبير بما يعملون* الذين اتخذوا من دونى نصيرا أولئك لا يجدون وليًّا ولا هم يُنْظَرون* ومنهم من يتخذ أندادا من دون الله رجما بالغيب، أولئك وراءهم شرٌّ مما يظنون"، "ألا إن الذين اتخذوا إلها من دون الواحد القهار لبئس ما يصنعون* ولا يكونون كالذين آمنوا ثم لم يثمر إيمانهم لِظُلْمهم، أولئك عليهم غضب من ربهم وهم لا يهتدون"، "المعاذَ بصاحب البلد* مالك البلد* وبانى البلد* وساكن البلد* من شر العادية* وأهل الطاغية* الذى أظلَّ صاحبه* ومنع جانبه* وحمى جاره من سكان المدَر، وخُلاّن الغدْر والغَرَر".
(يُتْبَعُ)
(/)
وهنا نجد جوزيف فان إس يُفْسِد الأمرَ إفسادًا فظيعًا حين يقول إن "ساكن البلد" هو الله، ثم يتفذلك فيضيف أنْ ليس فى ذلك غرابة، إذ ورد فى سورة "القيامة" عبارة "وأنت حِلٌّ بهذا البلد". يقصد أن الله هو المقصود بقوله تعالى: "وأنتَ حِلٌّ بهذا البلد"، مع أن الطفل الصغير يعرف أن المقصود هنا هو الرسول، الذى يخاطبه الله جل وعلا فى هذه السورة الكريمة، وليس العكس كما يحاول المستشرق أن يوهمنا. كما أن الله لا يوصَف فى القرآن ولا فى الإسلام بأنه يسكن المكان الفلانى. لقد خلع المستشرق هنا ما يحتويه كتابه على القرآن الكريم، وهذا ليس من منهج العلم ولا من أخلاق العلماء، فشَتَّانَ الكتابان. ففى الكتاب المقدس نقرأ: "تَجِيءُ بِهِمْ وَتَغْرِسُهُمْ فِي جَبَلِ مِيرَاثِكَ، الْمَكَانِ الَّذِي صَنَعْتَهُ يَا رَبُّ لِسَكَنِكَ الْمَقْدِسِ الَّذِي هَيَّأَتْهُ يَدَاكَ يَا رَبُّ" (خروج/ 15/ 11)، "فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ" (خروج/ 25/ 8)، "فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمُ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لأَسْكُنَ فِي وَسْطِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ": (خروج/ 29/ 46)، "وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلا: «أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَنْفُوا مِنَ الْمَحَلَّةِ كُلَّ أَبْرَصَ، وَكُلَّ ذِي سَيْل، وَكُلَّ مُتَنَجِّسٍ لِمَيْتٍ. الذَّكَرَ وَالأُنْثَى تَنْفُونَ. إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ تَنْفُونَهُمْ لِكَيْلاَ يُنَجِّسُوا مَحَلاَّتِهِمْ حَيْثُ أَنَا سَاكِنٌ فِي وَسَطِهِمْ» (عدد/ 5/ 1 - 3)، "فَتَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ، سَاكِنًا فِي صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي. وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مُقَدَّسَةً وَلاَ يَجْتَازُ فِيهَا الأَعَاجِمُ فِي مَا بَعْدُ" (يوئيل/ 3/ 17)، "أَنْ تَحْفَظَ الْوَصِيَّةَ بِلاَ دَنَسٍ وَلاَ لَوْمٍ إِلَى ظُهُورِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي سَيُبَيِّنُهُ فِي أَوْقَاتِهِ الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ" (تيموثاوس الأول/ 6/ 14 - 16). وعلى أية حال فمن البيّن الجلىّ الذى لا يقبل المماراة أن الكلام فى النص إنما هو عن رجل لا عن الله سبحانه، إذ لدينا إنسان يعوذ به جيرانه فيُعِيذهم من عدوان المعتدين. فما صلة هذا بالله سبحانه كما فى كلام المستشرق السخيف؟
وكنا قلنا فى الكتاب الأول إنه ينتمى إلى ما بعد ابن المقفع بأكثر من قرن مما دفعنا إلى الدهشة والتساؤل: ترى أين كان هذا الكتاب الثانى عبر ذلك التاريخ الذى يزيد عن قرن؟ وكيف غاب عن العيون كل تلك العقود الطويلة لم يلفت نظر أحد من المسلمين فلم يذكره، فضلا عن أن يرد عليه؟ وهو ما نقوله هنا أيضا. ذلك أن النصوص الأخيرة قد عُثِر عليها فى كتاب "الرسالة العسجدية فى المعانى المؤيدية" لصاحبها عباس بن على بن أبى عمرو الصنعانى كما جاء فى بحث فان إس الذى نحن بصدده، وهو متأخر عن عصر القاسم بن إبراهيم كثيرا جدا، إذ لو أخذنا بالاحتمال الأقرب فهو من أهل القرن الرابع، أما لو اعتمدنا الاحتمال الآخر فهو بعد ذلك بزمن طويل. ولا ننس كذلك أن هذه المعارضة المزعومة تقوم كلها على السجع، وأين السجع من أسلوب ابن المقفع، بل من أسلوب عصره كله؟
والآن أرجو أن يكون الأمر قد اتضح للقارئ فاقتنع بأن التفسير الذى قدمناه لا سواه هو التفسير الحق. وأيا ما يكن الأمر فابن المقفع لم يُقْتَل بسبب معارضته القرآن: أولا لأن أحدا من القدماء لم يقل بهذا. بل إننا لم نسمع أصلا بأنه قد عارض القرآن إلا من خلال رد ابن طاطبا، القاسم بن إبراهيم، الذى نسب إلى الرجل بعد انتقاله إلى العالم الآخر بأكثر من قرن أنه قد أقدم على تلك المعارضة، ومن خلال عباس بن على بن أبى عمرو الصنعانى، وهو بعد القاسم بن إبراهيم بزمن طويل. وعلى هذا فإن المدعو: مؤمن صالح ( Mumin Salih )، الذى كتب مقالا بعنوان " Responding to Allah’s Challenge " فى موقع " watch islam " بوصفه مسلما سابقا
(يُتْبَعُ)
(/)
تنصر، وأغلب الظن أنه مبشر نصرانى لئيم يريد إيهام المسلمين بأنه قد ترك دين الله وكفر بسيد المرسلين وآمن بالتثليث بعد أن اتضحت له الحقيقة، يقول فيه ما نصه: " All we know is that great Arab poets (like Al Mutanabbi and Abu Alala’ Al Ma’arri) and some great prose writers had enough courage (or madness) to imitate the Quran only to be forced to withdraw their works and repent. Those who didn’t were killed, like the famous poetry writer Ibn al-Muqaffa who was murdered in 756 AD. "، زاعما أن ابن المقفع قد عارض القرآن فعلا، ثم لم يشأ أن يتراجع عن تلك المعارضة، ومن ثم كان موته المأساوى، أقول: إن مؤمن صالح (أو بالأحرى: الكافر الطالح) كاذب فى أصل وجهه فى كل كلمة خطها قلمه النجس، إذ لم يقل حتى أشد الكارهين لابن المقفع إنه قُتِل من أجل هذا السبب، بل بسبب صيغة الأمان الذى كتبه كى يوقع عليه أبو جعفر المنصور لعمٍّ له كان قد خرج عليه وانهزم، إذ كانت صياغة الأمان مهينة وجارحة جدا للخليفة لأنها تمس دينه وعِرْضه وتجعله ابن حرام ونساءه طوالق وتعطى الناس الحق فى الخروج من طاعته لو مسّ ذلك العم بسوء. وهذا بعض ما جاء فى الجزء الجارح من نص الأمان: "ومتى غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله بن علي، فنساؤه طوالق، ودوابّه حبس، وعبيده أحرار، والمسلمون في حِلٍّ من بيعته"، وهو رغم عنفه أخف كثيرا مما سجله الجهشيارى فى كتابه: "الوزراء والكتّاب" كما سبق أن أوضحنا فى هذا البحث.
وبعد، فالملاحظ أن كلا من الرَّدَّيْن قد صدر عن بيئة شيعية: فالأول، قاسم بن إبراهيم، شيعى زيدى. والثانى، عباس بن على بن أبى عمرو الصنعانى، هو أيضا شيعى، وزاد فقدم رده إلى أحد كبار الشيعة الفاطميين. كما أننا لم نر أصل أى من الكتابين اللذين يُنْسَبان إلى ابن المقفع فى معارضة القرآن، بل اقتصر علمنا بهما على ما نقله من ذينك الكتابين كل من الكاتبين اللذين ردا على المعارضة المذكورة.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[16 Mar 2009, 04:32 ص]ـ
أهدى هذا البحث لطلابى بكلية التربية بالطائف فى أوائل التسعينات، فلولا مناقشتهم لى وتعبيرهم عن رأيهم بصوت عال ما كان هذا البحث. ودائما ما أقول للطلاب إن الأستاذ يفيد من طلابه مثلما يفيد الطلاب من أستاذهم، وإن عليهم أن يفكروا بصوت عال وألا يحقروا ما عندهم، على أن يتسلحوا قبلا بالقراءة الواسعة المتعمقة وتقليب الأفكار فى أذهانهم.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[19 Mar 2009, 10:30 ص]ـ
جزى الله الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض خيراً على هذا البحث القيم، بارك الله فيكم أستاذنا ووفقكم، لقد شفيتم وكفيتم ورويتم .... أحسن الله إليكم ...
ـ[أبو عمر الشامي]ــــــــ[26 Mar 2009, 03:14 ص]ـ
يا أستاذ لو أنك بقيت ضمن اختصاصك الذي تحسنه في الأدب العربي لكان أحسن ... فإن أئمة أهل السنة والجماعة الذين فرغوا من زمن من التحذير من عقائد الخبثاء أمثال ابن المقفع وابن برد والأصبهاني والمتعري وغيرهم. مواضيعك مميزة ومفيدة لكن هذا الموضوع مكتوب بطريقة المستشرقين العلمانية ولا يشبه طريقة أهل السنة في الترجمة بل قد أهملت رأيهم تماماً غفر الله لك.(/)
قرأت لك
ـ[شادي حسن]ــــــــ[29 Mar 2009, 10:31 م]ـ
أخواني المسلمين ليست العبرة تأخذ فقط من عالم الإنسان، فإقرأ معي و قل سبحان الله.
يقول عالم أحياء أمريكي:-
أن هناك طبيب شاهد في طريقه كلب مصاب بكسر إحدى قوائمه فحمله إلى عيادته البيطرية وقام بمعالجته .... وبعد أن تماثل للشفاء أطلق الطبيب سراح الكلب ....
وبعد فترة من الزمن سمع الطبيب نباح كلب عند باب عيادته .... فلما فتح الباب وجد الكلب الذي عالجه ومعه كلب آخر مصاب.
فيا سبحان الله ما الذي ألهمه وعلمه هذا .... إنه الله جلَّ وعلا.
يقول عالم أحياء أمريكي:-
كان هناك قط لصاحب بيت يقدم له الطعام كل يوم .... ولكن هذا القط لم يكتف بالطعام الذي يقدمه له صاحب البيت .... فأخذ يسرق من البيت الطعام فأخذ صاحب البيت يراقب القط .... فتبين له أنه كان يقدم الطعام الذي يسرقه لقط آخر أعمى
لا إله إلا الله
كيف كان هذا القط يتكفل بإطعام قط كفيف؟؟؟
فاسمع قول الله تعالى:- ' وما من دابةٍ في الأرض ولا في السماءِ إلا على الله رزقها '
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
وهذا موقف حدث بالعراق يحكيه شاب عراقي قائلاً:-
عندنا في العراق شئ اسمه. حية البيت ((الحية = أفعى)) وحية البيت التي تعيش في البيت لا تؤذي .... في أحد البيوت الريفية كان لأفعى صغار تحت كوم من التبن وعندما أرادت المرأة العجوز صاحبة البيت رفع التبن .... وجدت صغار الأفعى .... فما كان منها إلا أن حملت الصغار إلى مكان قريب آمن وعندما عادت الأفعى ولم تجد صغارها جن جنونها واتجهت صوب إناء كبير فيه حليب .... وقامت بفرز سمها من أنيابها في الإناء .... وبعد أن بحثت و وجدت صغارها في مكان قريب .... عادت ورمت نفسها في الحليب ثم خرجت منه ..... واتجهت إلى رماد التنور وأخذت تتقلب به ليلتصق الرماد بجسمها .... ثم عادت ودخلت في إناء الحليب لكي تعيبه ولا يستخدمه أهل البيت .... وقد كانت المرأة العجوز تراقب هذا المنظر العجيب من بعيد ....
ولله في خلقه شؤون
و هذة ترجمة للموضوع للمسلمين غير الناطقين بالعربية.
Read and say subhan Allah
An American biologist said:
"Some day A veterinary incidentally on his way saw a dog with a broken leg, he stopped and take the dog into his clinic and treated it and after getting well, the veterinary set it free thereupon the veterinary someday heard a dog parking at the door of his clinic and when he opened the door, he found this was the same dog with another suffering dog."
Subhan Allah glory be to him who learnt this dog doing this.
Another American biologist said:
"there was a male cat belongs to a man who daily serve it food and in spite of this he discovered that this male cat was also stealing food from the house so he decided to watch the male cat and found that stolen food was to a blind male cat.
Subhan Allah
How was that male cat sponsors feeding a blind one!!
Read what Allah glory be to him said" And no (moving) living creature is there on earth but it's provision is due from Allah. And he knows its dwelling place and its deposit (in the uterous grave, etc). all is in a clear book ( Al-lauh Al-mahfooz- the book of decrees with Allah)."
And this is another incident narrated by Iraqi young man:
in Iraq we have what's called a house snake which lives in houses and doesn't hurt their dwellers. In a house of those in the country were kids of a snake under a heap of straw, an old woman wanted to move the straw so she moved the kids to a near safe place and when the mother snake came back didn't found its kids, it became like insane and went to cup of milk putting in it its poison. After a while it found its kids so it came back and put all its body into the milk then got out moving towards ash twisted and turned repeatedly and then put itself into the milk again making no body drink it to rescue the dwellers from the poison. This has been watched by the old woman.
Subhan Allah
ـ[أبو عمرو البيراوي]ــــــــ[29 Mar 2009, 11:15 م]ـ
شكر الله لك أخي شادي،
الدراسات العلمية المعاصرة بدأت تعترف بأنّ هذه الكائنات تفكّر، على خلاف ما كان يعتقده الناس من أن تصرف الحيوانات هو تصرف غريزي. وهناك أبحاث أجريت على الطيور تبين أن الطيور يمكن أن تتعلم مفهوم الأكبر والأصغر. وحكمنا على هذه الكائنات ناتج عن عدم قدرتنا على التواصل معها. وعندما تطورت قدراتنا فوجئنا بأن هذه الكائنات لديها مستوى من التفكير لا يزال غير مقدّر من قبل الإنسان.
وما جاء في القرآن الكريم من تصريح يتعلق بالنمل وبالهدهد يفتح أمام الإنسان آفاق البحث العلمي للوصول إلى تواصل أفضل مع هذه الكائنات، ويشعرنا بأن جهودنا في هذا الاتجاه يمكن أن تثمر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[شادي حسن]ــــــــ[30 Mar 2009, 09:53 م]ـ
أعتذر عن الخطأ الغير مقصود بالآية الكريمة في الموضوع
وهي الآية رقم 6 من سورة هود
بسم اللة الرحمن الرحيم
"وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين"(/)
طلب مساعدة لبعض المراجع
ـ[سارة الماجد]ــــــــ[05 Apr 2009, 07:46 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي بحث عن دراسات المستشرقين من حيث التعريف بهم ومناهجهم وكتبهم
أريد كتب ومراجع تتحدث عن هذا الموضوع وجزاكم الله خيرا
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[05 Apr 2009, 08:54 م]ـ
الملتقى مليئ ولله الحمد بالمراجع والكتب التي تعينك على إنجاز بحثك.
وهنا على هذا الرابط:
متابعة ندوة (القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية) 16 - 18/ 10/1427هـ ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=6781)
الكثير من الأبحاث والدراسات القيمة حول الموضوع، وفي مصادرها التي في أواخرها الكثير من الكتب التي تفيدك في الموضوع.
وهنا في المكتبة الوقفية الكثير من المصادر القيمة مثل:
- رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن ...
- القرآن الكريم من المنظور الاستشراقي - دراسة نقدية تحليلية
- ظاهرة انتشار الإسلام وموقف بعض المستشرقين منها
وكلها على هذا العنوان
http://www.waqfeya.com/search.php
ـ[منصور مهران]ــــــــ[05 Apr 2009, 10:14 م]ـ
ويمكن الرجوع إلى:
1 - المستشرقون لنجيب العقيقي، دار المعارف بمصر
2 - موسوعة المستشرقين لعبد الرحمن بدوي، دار العلم للملايين
3 - المستشرقون الألمان لصلاح الدين المنجد، دار الكتاب الجديد
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[05 Apr 2009, 10:17 م]ـ
يمكنك الاستزادة بمراجعة فهرس ملتقى الانتصار للقرآن.
ـ[سارة الماجد]ــــــــ[10 Apr 2009, 11:24 ص]ـ
جزاكم الله خيرا(/)
بحث: نشأة الشعر الديني عند العرب (د. محمد عباسة)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[06 Apr 2009, 02:37 ص]ـ
بحث: نشأة الشعر الديني عند العرب (د. محمد عباسة)
في هذا الرابط:
http://annales.univ-mosta.dz/ar1/abbassa.pdf
لفت انتباهي قول الكاتب إن الشعر الديني لم يظهر عند العرب إلا مع ظهور الإسلام، حيث يقول: "لم نلحظ فيما وصل إلينا من شعر الجاهليين ما يشير إلى الدين أو العبادة، على الرغم من أن هؤلاء الشعراء كانوا فئات، من مسيحيين ويهود وعبدة أوثان. ورغم هذه الفروق الدينية، التي عادة ما تفرق بين أفراد المجتمع في ذلك العصر، إلا أن الحروب التي كانت تنشب بينهم كانت في معظمها قبلية أو عرقية. ولما ظهر الإسلام لم يرض كثير من عرب مكة بالرسالة المحمدية، فحاربوا محمدا (ص) بالسلاح كما حاربوه بالقول، إذ وظفوا بعض شعرائهم للطعن في رسالة الإسلام ونقذ المسلمين، بدعوة الدفاع عن معتقداتهم الدينية وهي عبادة الأصنام".
ولدي بعض التساؤلات:
1 - هل يوجد من مسيحيي الجزيرة العربية ويهودها في عهد الجاهلية من نظم الشعر؟ وهل حفظت هذه الأشعار؟
2 - هل حفظت قصائد أو أبيات شعر للأحناف؟
3 - هل قامت حروب دينية في الجزيرة العربية على أساس ديني قبل ظهور الإسلام؟(/)
الإستغراب
ـ[سارة الماجد]ــــــــ[11 Apr 2009, 08:22 م]ـ
مامعنى الإستغراب؟
وماهي الكتب التي تتكلم عنه؟
ـ[منصور مهران]ــــــــ[11 Apr 2009, 08:58 م]ـ
الاستغراب
أو
الإغراب
أو
النوادر
هو أن يأتي الشاعر بمعنى لم يُسْبَق إليه.
_________
يُنظر:
نقد الشعر لقدامة بن جعفر
البديع في نقد الشعر لأسامة بن منقذ
تحرير التحبير
أنوار الربيع للمعصومي
معجم المصطلحات البلاغية لأحمد مطلوب
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[11 Apr 2009, 10:35 م]ـ
أستاذنا الحبيب منصور مهران رعاه الله
لعل الأخت سارة تقصد (الاستغراب) بمعنى: الموقف من الفكر والتراث الغربي من حيث التعامل معه، والتفاعل معه ودراسته وغير ذلك. تماماً كعلم الاستشراق لهم بالنسبة لنا.
وقد كتبت فيه كتب مختلفة معاصرة، منها كتاب حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب) الذي أصدرته المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. ونشرته دار الهادي الشيعية بعنوان (ماذا يعني علم الاستغراب) أيضاً؟
وقد بدأت تكتب فيه المقالات والكتب التي تحث على تأصيل هذا العلم والعناية به.
ومن المقالات التي لدي في كمبيوتري لزميلنا في القسم الدكتور مازن مطبقاني وفقه الله مقالة بعنوان (متى ينشأ علم الاستغراب؟) هذا نصها للفائدة ..
إن قيام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بإنشاء وَحْدة الاستشراق والتنصير بمركز البحوث التابع لعمادة البحث العلمي في الرياض قبل أكثر من عشرين سنة ثم إنشاء قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة وهو القسم الوحيد في الجامعات العربية والإسلامية هيأ لهذه البلاد أن تكون رائدة في مجال دراسة الاستشراق بالإضافة إلى الريادة في مجالات أخرى، وقد فكّرت جامعة الأزهر في إنشاء مركز للدراسات الاستشراقية، وأعلنت ذلك في الصحف وإن لم يتم شيء من ذلك حتى الآن. وينبغي أن نلاحظ أن الدراسات الاستشراقية ليست مقتصرة على هذا القسم والمركز ولكن تخصيص مؤسسات وهيئات علمية إسلامية لهذا الغرض أمر مطلوب. وإنني أتطلع إلى اليوم الذي يكون لدينا في العالم الإسلامي عشرات الأقسام التي تهتم بالاستشراق.
وفي هذه المقالة سأحدثك عن الجانب المقابل لعلم الاستشراق ألا وهو:
الاستغراب الذي يمكن تعريفه باختصار: بأنه العلم الذي يهتم بدراسة الغرب (أوروبا وأمريكا) من جميع النواحي العقدية، والتشريعية، والتاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية .. الخ. وهذا المجال لم يصبح بعد علماً مستقلاً، ولكن من المتوقع في ضوء النهضة العلمية التي تشهدها البلاد العربية والإسلامية أن تقوم مراكز البحث العلمي ووزارات التعليم العالي في العالم الإسلامي بشحذ الهمم وتسرع الخطى وتغذ السير لإنشاء أقسام علمية تدرس الغرب دراسة علمية ميدانية تخصصية في المجالات العقدية والفكرية والتاريخية والاقتصادية والسياسية.
ولعل سائلاً يتساءل لماذا ندرس الغرب وكيف لنا أن ندرس هذا العالم الذي سبقنا بمراحل عديدة أو بعدة قرون؟
=الأمر ليس صعباً أو مستحيلاً، فإننا إذا رجعنا إلى بداية الدعوة الإسلامية وجدنا أن المسلمين الأوائل حينما خرجوا لنشر الدعوة الإسلامية في العالم كانوا متسلحين بسلاح العلم بعقائد الأمم الأخرى وعاداتها وتقاليدها. كانوا يعرفون أرض الدعوة سياسياً واقتصادياً وجغرافياً. ولعلك تسأل من أين تحصلوا على هذه المعرفة. لقد كان رجال قريش تجاراً وكانت لهم رحلة الشتاء والصيف. لم يكونوا يحملون معهم التجارة ويذهبون للبيع والشراء فحسب، بل كانوا على اطلاع بأنظمة الدول الأخرى وأوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. أما الناحية العقدية فقد عرفوا منها شيئاً من اتصالهم بهذه الشعوب وجاء القرآن ليوضح لهم حقيقة اعتقادات اليهود والنصارى وغيرهم.
ولذلك فإن المسلمين الأوائل لم يجدوا صعوبة في التعرف على الشعوب الأخرى والتفاعل معها وأخذ ما يفيدهم مما لدى الأمم الأخرى من وسائل المدنيّة. حيث أخذوا الديوان والبريد وبعض الصناعات المهمة مثل صناعة الورق (الكاغد) التي طورّها المسلمون حتى أصبحت صناعات إسلامية.
(يُتْبَعُ)
(/)