الوقفةُ الثالثةُ: قوله:" إنّ الحديثَ القُدْسِيَّ يرويهِ عن رَبِّهِ مباشرةً بدونِ واسطةٍ "، حَصْرٌ لا دليلَ عليه، وليسَ بمحلِّ اتّفاقٍ؛ بل هو وَحْيٌ كسائرِ الوحيِ يكونُ بإحدى طُُرُقِهِ التي نصَّت عليها الآيةُ كما في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الشورى:51)، قال البغويُّ:" {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً} يُوحِي إليه في المنامِ، أو بالإلهامِ، {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يُسمِعُهُ كلامَهُ ولا يراهُ، كما كلّمَهُ موسى ?، {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} إمّا جبريل ? أو غيره مِن الملائكةِ ". ()
وقالَ ابنُ حجرٍ العسقلاني عند شرحه لحديثِ [إنّ الله كَتَبَ الحسناتِ والسيِّئاتِ ... ] ():" قوله:" فيما يرويه عن رَبِّهِ " هذا مِن الأحاديثِ الإلهيّةِ، ثم هو مُحتملٌ أنْ يكونَ مِمّا تلقّاهُ ? عن رَبِّهِ بلا واسطةٍ، ويحتملُ أنْ يكونَ مِمّا تلقَّاهُ بواسطةِ المَلَكِ وهو الراجحُ ". ()
وقال ابنُ حجرٍ الهيتميُّ ():" ولا تَنحصرُ تلكَ الأحاديث القدسية في كيفيةٍ مِن كيفياتِ الوَحْيِ، بل يجوزُ أنْ تنزل بأيِّ كيفيةٍ مِن كيفياتهِ، كرؤيا النومِ، والإلقاءِ في الرَّوْعِ وعلى لسانِ الملَكِ ". ()
وبهذا التقريرِ يتبيَّنُ لكَ أنّ قولَ الشيخِ رحمه الله:" لو كانَ الحديث القُدْسِيُّ مِن عند الله لفظًا ومعنىً؛ لكانَ أعلى سندًا مِن القرآنِ؛ لأنّ النبيَّ ? يرويه عن رَبِّهِ تعالى بدونِ واسطةٍ، كما هو ظاهر السياقِ، أمّا القرآنَُ فنزلَ على النبيِّ ? بواسطةِ جبريلَ ? "، لا يُسلَّمُ لأمرينِ:
الأمرُ الأول: أنّ الحديثَ القُدْسِيَّ وَحْيٌ كسائرِ الوحيِ، مِنه ما هو بواسطةٍ ومِنه ما هو بدونِ واسطةٍ؛ كما تقدّمَ عن ابن حجرٍ الهيتميِّ؛ بل رَجَّحَ ابنُ حجرٍ العسقلانيّ أنْ يكونَ بواسطةِ الملَكِ، وإنّما جُعِلَ القرآنُ كُلُّهُ بواسطةِ جبريلَ ? وهو المسمَّى بالوَحْيِ الجَلِيِّ تعظيمًا له وتشريفًا، وأَدْعَى لِحفْظِهِ.
الأمرُ الثاني: السنّةُ وَحْيٌ مِن الله أيضًا - كما دلّتْ على ذلكَ أحاديث كثيرة أشهرُ مِن أنْ تُذكرَ – وجاءت بواسطةِ جبريلَ ? وبدونِ واسطةٍ، ولم يقلْ أحدٌ أنّها أعلى سندًا مِن القرآنِ.
بل قال الجرجانيُّ () رحمه الله – وهو مِن القائلينَ بأنّ لفظَ الحديثِ القدسيِّ مِن
الرسولِ ? - بأنّ القرآنَ أفضلُ لأنّ القرآنَ نَزَلَ لفظهُ ومعناهُ بخلافِ الحديثِ القُدْسِيِّ. ()
الوقفةُ الرابعةُ: ذكر الشيخُ رحمه الله خلافَ أهلِ العلمِ في مسألةِ: لفظُ الحديثِ القُدْسِيِّ هلْ هُوَ مِن الله أمْ مِن النبيِّ ?، وذكرَ ثلاثةَ أقوالٍ:
القول الأول: أنّ المعنى مِن الله، واللفظُ مِن الرسولِ ?، وهو رأْيُ الشيخِ ابن عثيمين الذي اشتهر عنه، وخُلاصةُ أدلَّتِهِ ما يلي:
الدليل الأول: لو كانَ الحديث القُدْسِيُّ مِن عند الله لفظًا ومعنىً؛ لكانَ أعلى سندًا مِن القرآنِ؛ لأنّ النبيَّ ? يرويه عن رَبِّهِ تعالى بدونِ واسطةٍ، والقرآنَُ بواسطة.
الدليل الثاني: لو كانَ لفظُ الحديثِ القُدْسِيِّ مِن عند الله؛ لم يكنْ بينهُ وبينَ القرآنِ فَرْقٌ؛ لأنّ كِلَيْهِمَا على هذا التقديرِ كلامُ الله تعالى، والحكمةُ تقتضي تساويهما في الحكمِ حينَ اتّفقَا في الأصلِ، ولذا:
-لو كان كلامَ الله لفظًا لتُعبِّدَ بتلاوتهِ كالقرآنِ.
-لو كان كلامَ الله لفظًا لجازتْ تلاوتهُ في الصلاةِ كالقرآنِ.
-لو كان كلامَ الله لفظًا لكانَ مُعْجِزًا كالقرآنِ.
-لو كان كلامَ الله لفظًا لما حصلَ الاختلافُ في ألفاظِ روايته؛ لأنّ كلامهُ تعالى مَحفوظٌ، ولهذا لا يُزاد في القرآنِ ولا يُنقص.
الدليل الثالث: أنّه لا مانعَ مِن أنْ يُقالَ: قال الله ويُرَادُ به معناه دون لفظهِ، كما في القرآنِ حيثُ قَصَّ الله علينا قصصًا عن أقوامٍ ذكرها الله بالمعنى دونَ اللفظِ.
وهذا القولُ قالَ به أكثرُ مَن وقفتُ على كلامهم وهو المرجَّحُ في غالبِ الكُتُبِ المعاصرةِ فيما رأيتُ. ()
(يُتْبَعُ)
(/)
القول الثاني: أنّ اللفظَ والمعنى مِن الله تعالى، ودليلهُ ما ذكره الشيخُ رحمه الله بقولهِ:
- أنّ النبيَّ ? أضافهُ إلى الله، ومِن المعلومِ أنّ الأصلَ في القولِ المضافِ أنْ يكونَ بلفظِ قائلهِ لا ناقلهِ، لا سِيَّمَا أنّ النبيَّ ? أقوى الناسِ أمانةً وأوثقهم روايةً.
القائلونَ بهِ:
قُلْتُ: وهذا القولُ يصحُّ نِسبتهُ إلى السلفِ رحمهم الله تعالى في القرونِ المفضَّلةِ، حيثُ كانوا يَرْوُونَهُ على أنّه مِن كلامِ الله تعالى، ولم يُذكر فيما أعلمُ عن أحدٍ مِنهم أنّه قالَ: إنّ اللفظَ مِن الرسولِ ?؛ بل كانوا يقولونَ: قالَ الله تعالى، أو: يقولُ الله تعالى.
وهو الذي يدلُّ عليه صنيعُ البخاريِّ رحمه الله حيثُ قالَ:" بابٌ قولُ الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} " () ثمّ ساقَ ما يقربُ مِن عشرةِ أحاديثَ قُدْسيَّةٍ، قال ابنُ حجرٍ مُعلِّقًا على ترجمةِ البابِ:" والذي يظهرُ أنّ غرضهُ أنّ كلامَ الله لا يختصُّ بالقرآنِ فإنّه ليسَ نوعًا واحدًا ". ()
ومِمّن قالَ به أيضًا: ابنُ حجرٍ الهيتميُّ ()،وهو الذي يُفهم مِن كلامِ شيخِ الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله حيثُ قالَ في تعليقه على حديثٍ قُدْسيٍّ:" وهو مِن الأحاديثِ الإلهيّةِ التي رواها الرسولُ ? عن رَبِّهِ، وأخبرَ أنّها مِن كلامِ الله تعالى وإنْ لم تكنْ قرآنًا ". ()
القول الثالث: أنْ نَرْوِيها كما رواها النبيُّ ? مُقتصرينَ على ذلكَ بدونِ تكلُّفِ: هلِ اللفظُ مِن الله أم مِن الرسولِ ?؟ على طريقة المتقدِّمينَ حيثُ رَوَوْهَا ولم يتكلَّمُوا عن ذلكَ كما تقدّم، وهذا هو الذي مَالَ إليهِ الشيخُ رحمه الله في آخرِ حياتهِ؛ وجعلهُ أَوْلَى الأقوالِ وقالَ:" ولعلَّهُ الأَسْلَمْ " ().
وإنّمَا قُلْتُ إنّ هذا القولَ هو آخرُ أقوالِهِ لأنّه مُثْبَتٌ في شرحِ الأربعين النوويةِ، والتي شَرَحَها في صيف عام 1421 هـ ()، وهي السنةُ التي تُوفِّيَ فيها الشيخُ رحمه الله.
الترجيحُ: الأقربُ إلى الصوابِ - والله تعالى أعلمُ - هو القولُ بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ لَفْظُهُ ومعناهُ مِن الله تعالى؛ إذْ هو الأصلُ وليسَ عندنا دليلٌ ينقلُ هذا الأصلَ كما تقدّمَ، وأمّا ما استدلَّ به الشيخُ رحمه الله في ترجيحِ القولِ الأولِ فيُجابُ عنه بما يلي:
الجواب عن الدليلِ الأول: أنّه لو كانَ اللفظُ مِن الله لكانَ أعلى سندًا مِن القرآنِ، تقدّمتْ الإجابةُ عليه.
وأمّا الدليلِ الثاني وهو: أنّه لو كان لفظهُ مِن الله فلا بُدَّ أنْ تَثْبُتَ له أحكامُ القرآنِ، فيُجابُ عن ذلكَ بما يلي:
الكلامُ صفةٌ مِن صفاتِ الله تعالى الأَزَلِيَّةِ،ومِن الصفاتِ الفعليَّةِ حيثُ يتكلَّمُ الله متى شاءَ بما شاءَ، قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} (الكهف:109) ومِن المقطوعِ به أنّه ليسَ كلُّ ما تكلّمَ به الله فهو قرآنٌ؛ بل القرآنُ هو: كلامُ الله المُنَزَّلُ على محمّدٍ ? بواسطةِ جبريلَ ? المتَعبَّدُ بتلاوتهِ المفتتَحُ بسورةِ الفاتحةِ والمختَتَمُ بسورةِ الناسِ، لا يقولُ أحدٌ بغير هذا مِن المسلمينَ، ولذا فليسَ كلُّ كلامِ الله تعالى يثبتُ له أحكامُ القرآنِ بالاتّفاقِ بل القرآنُ له مِن الخصوصيّةِ ما ليسَ لغيرهِ، وكَوْنُ الحديثِ القُدْسِيِّ لفظهُ مِن الله يلزمُ مِنه أن يثبتَ له أحكامُ القرآنِ إلزامٌ بما لا يلزمُ.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ:" هذه الأحاديثُ الإلهيّة التي يَرويهَا الرسولُ ? عن
رَبِّهِ تعالى " ... إلى أنْ قالَ:" كلامٌ عربيٌّ مأثور عن الله، ومع هذا فليسَ قرآنًا ولا مثلَ القرآنِ لا لفظًا ولا معنىً ". ()
وقال الزرقانيُّ:" وصفوةُ القولِ في هذا المقامِ أنّ القرآنَ أُوحِيَتْ ألفاظُهُ مِن الله اتّفاقًا، وأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ أُوحِيَتْ ألفاظُهُ مِن الله على المشهورِ، والحديثُ النبويُّ أُوحِيَتْ معانيهِ في غير ما اجتهدَ فيه الرسولُ والألفاظُ مِن الرسولِ ?.
بَيْدَ أنَ القرآنَ له خصائصهُ مِن الإعجازِ والتعبُّدِ به ووجوبِ المحافظةِ على آدائه بلفظهِ ونحو ذلكَ، وليسَ للحديثِ القُدْسِيِّ والنبويِّ شيءٌ مِن هذه الخصائص.
والحكمةُ مِن هذا التفريقِ أنّ الإعجازَ مَنُوطٌ بألفاظِ القرآنِ، فلو أُبِيْحَ أداؤه بالمعنى لَذهَبَ إعجازهُ، وكان مظنَّةً للتغيير والتبديلِ، واختلافِ الناسِ في أصلِ التشريعِ والتنْزيلِ.
أمّا الحديثُ القُدْسِيُّ والحديثُ النبويُّ فليستْ ألفاظهما مَناطَ إعجازٍ، ولهذا أباحَ الله روايتهما بالمعنى، ولم يمنحهما تلكَ الخصائصَ والقداسةَ الممتازة التي منحها القرآنَ الكريمَ، تخفيفًا على الأمّةِ ورعايةً لمصالحِ الخلقِ في الحالينِ مِن مَنحٍ ومَنعٍ، {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ". ()
أمّا الدليلِ الثالث؛ وهو قوله:" أنه لا مانع مِن أنْ يُقال: قال الله ويُراد به معناه دونَ لفظه …" إلخ؛ فجوابه:
أنّهُ دليلٌ لا إشكالَ فيه لو دلَّ دليلٌ على أنّ اللفظَ مِن النبيِّ ? ولكنْ مع عدمِ الدليلِ فلا يستدلُّ به، أضفْ إلى أنّ القرآنَ عربيٌّ وهذه القَصَص التي وردتْ بالقرآنِ تكلّمَ بها أصحابها بغير العربيةِ بل بعضهُ بكلامٍ مِن نوعٍ آخرَ ككلامِ الهدهدِ وغيره؛ ولذا فقد تكلّمَ الله بها ? بلغةِ القرآنِ: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء:195) وغيرُ خافٍ على مَن ينقل كلامًا مِن لُغةٍ إلى لُغةٍ فإنّما هو يتكلّمُ بالمعنى دونَ اللفظِ والله أعلمُ.
هذا ما توصَّلْتُ إليه في هذه المسألةِ؛ فما كان مِن صوابٍ فمن الله، وما كان مِن خطأٍ فمن نفسي والشيطان، والله سبحانه أعلمُ وأحكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[19 May 2007, 09:08 م]ـ
الحمد لله
هذه وقفات على الوقفات .. نسأل الله تعالى التوبة قبل الفوات ..
الوقفة الأولى:
أشكل علي قول الدكتور أحمد: الكلامُ صفةٌ مِن صفاتِ الله تعالى الأَزَلِيَّةِ،ومِن الصفاتِ الفعليَّةِ حيثُ يتكلَّمُ الله متى شاءَ بما شاء. انتهى.
ووجه الإشكال أنه على القول بأن الله تعالى تكلم بصوت مسموع وحرف مفهوم .. لا يعقل ذلك إلا على وجه الترتب بأن يكون السين بعد الباء، والميم بعد الباء في بسم .. وغير ذلك .. أي بحيث تكون بعض الحروف المنطوقة والأصوات المسموعة الصادرة من الله تعالى بعضها مسبوقا ببعض .. وهي صفة الله تعالى .. كيف يستقيم ذلك التقديم والتأخير مع القول بأن الكلام الإلهي صفة من صفاته الأزلية مع أنه لا يفهم من الأزلية إلا نفي الأولية .. ومعلوم أن نفي الأولية يستلزم نفي الترتيب المثبت في القول بأن الكلام عينه بصوت وحروف!؟ فكيف الجمع بينهما؟؟ وهل الكلام على ذلك صفة واحدة أو صفات متعددة بعضها أزلي وبعضها لا يزالي؟!
الوقفة الثاني:
أعتقد أن الاستدلال بكلام الشيخ الزرقاني في غير محله لكونه ممن يقولون بأن كلام الله تعالى ليس بصوت مسموع وحروف مرتبة صادرة من ذات الله تعالى قائمة به حرفا بعض حرف وصوتا بعد صوت كما يعلم من مذهبه العقدي ... فتفريقه بين الحديث النبوي والقدسي ليس فيه دلالة لما ذهب إليه الدكتور أحمد .. بيانه أن قوله في الحديث القدسي أنه أوحيت ألفاظه محمول على مذهبه في الكلام أن الله تعالى خلق في ذات الرسول علما ضروريا بالمعاني وعلما ضروريا بالألفاظ الدالة على تلك المعاني .. بحيث إذا فرغ الإلهام مناما أو يقظة بقيت المعاني والألفاظ الدالة عليها راسخة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لم يبق له إلا النطق بها ... وقوله عن الحديث النبوي بأنه أوحيت معانيه مراده أن الله تعالى خلق في قلب النبي صلى الله عليه وسلم علما ضروريا بمعانيه دون ألفاظه ... وفوض له صلى الله عليه وسلم اختيار الألفاظ المناسبة للتعبير عن تلك المعاني بما آتاه الله تعالى من فصاحة وجوامع الكلم. فلا يقصد الشيخ الزرقاني بأن الله تعالى تلفظ بألفاظ القدسي بصوت وحرف، دون النبوي ... وذلك ظاهر على أصوله .. ولا يحتمل كلامه على ذلك غير ما قررنا.
الوقفة الثالثة:
على القول بأن الله تعالى تكلم بالقرآن بأصوات وحروف مرتبة قائمة بذاته الحرف تلو الحرف والصوت تلو الصوت .. فلا بد وأن تنفصل تلك الأصوات المعينة والحروف المرتبة عن ذاته لتصل إلى السامع .. فهل المنفصل عن ذاته تعالى من تلك الأصوات والحروف ليصل إلى السامع ملكا أو نبيا حال في ذاتيهما بعينه فيتصف المخلوق بصفة الخالق؟! وعلى القول به هل يجوز انتقال الأصوات والحروف؟! بمعنى هل يجوز انتقال الصفات؟! وهل ما تلفظ به الملك أو النبي هو عين الكلام الذي تكلم به الله حرفا حرفا وصوتا صوتا فيكون المخلوق متكلما بصفة الخالق .. أم هو كلام دال على تلك الحروف والأصوات؟!
هذه أسئلة واردة لا محالة على اعتبار ما تكلم به الله هو أصوات مسموعة وحروف مرتبة قامت بذاته بحيث اتصف بها شيئا فشيئا "بمشيئته واختياره"! ومنها الأحاديث القدسية ألفاظا ومعان ... وإذا صحت هذه الأصول عند المستدل هان إثبات كون الحديث القدسي هو من عند الله معنى ولفظا حروف وأصواتا صادرة من ذاته ... فلينظر فيها.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Jun 2007, 08:08 م]ـ
أشكر الأخ الكريم أبا عبيدة وقفاته وتعليقي على ما ذكر:
جوابي عن وقفته الأولى:
أن صفاتُ الله ? تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - صفاتٌ لازمةٌ: وهي التي لَمْ يزَلْ ولا يزالُ مُتَّصِفًا بها؛ كالعلْم، والقدْرة؛ وتسمّى الصّفات الذاتيّة.
2 - صفاتٌ غير لازمة: وهي التي تتعلَّقُ بالمشيئة؛ إنْ شاءَ فعَلَها؛ وإنْ شاءَ لَمْ يفْعَلْها؛ كنُزولِه إلى السماء الدنيا؛ وتسمّى الصفات الفعْليَّة.
3 - صفاتٌ ما نظِيرُه أجْزاءٌ وأبْعاضٌ لنا؛ كالوجْه، واليدين، والقَدَم، والعَيْن.
وهنا يحسن التنبيه بما يلي:
أ – أنّ هناك مِن الصّفاتِ ما تكونُ صفةً ذاتيّة وفِعْليَّة كصِفَة الكلام؛ فإنّها باعتبار أصْل الصِّفَة صِفَةٌ ذاتيّة، وباعتبار آحادِ الكلام صِفَة فِعليَّة.
ب – الفرْقُ بين الصّفاتِ الذاتيّة والفِعْليَّةِ أنّ الصّفاتِ الذاتيّة لازِمَةٌ لِذات الله أزلاً، وأبدًا. ومعنى " أزلاً " أي فيما مضى؛و" أبدًا " أي فيما يستقبل. مثل الحياة، والعلْم، والقدْرة، والقوّة، والعزّة، والسمْع، والبَصَر؛ إلى غير ذلك، و الصفات الفعلية هي التي تتعلق بمشيئته، فتحْدُث إذا شاء، كالاستواء على العرْش، والنُّزول إلى سماء الدنيا، والمجيء يوم القيامة للفصْلِ بين العباد، والفرَح، والرِّضَا، والغَضَب ... عند وجود أسْبابِها.
أما الوقفة الثانية أن الغرض من إيراد كلامه وهو محل الشاهد قوله: وأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ أُوحِيَتْ ألفاظُهُ مِن الله على المشهورِ.
أما الثالثة فكما تعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة: أنّ الله يتكلَّم وأنّ كلامه بِصَوْتٍ وحرف مسْموع على وجْه يليق به ولا يُشْبه صوْته أصوات المخْلوقين وأن كلامُ الله تبارك وتعالى صِفة حقيقية تتضمّن اللفظ والمعنى , والقرآن كلامُ الله تكلَّمَ بِه بِنَفْسِه، وسمعهُ مِنْهُ جبريلُ ? وألْقاهُ إلى مُحمّدٍ ?. وليس المقام هنا بسط المخالفين لأهل السنة في صفة الكلام فمحل هذا كتب العقائد وفقك الباري.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صالح الفايز]ــــــــ[03 Jun 2007, 11:05 م]ـ
ما أجمل عبارة الشيخ محمد تغمده الله برحمته وجمعنا وإياه في جنته حيث قال: (ثم لو قيلَ في مسألتنا – الكلامُ في الحديثِ القُدْسِيِّ – إنّ الأَوْلَى تركُ الخوضِ في هذا، خوفًا مِن أنْ يكونَ مِن التنَطُّعِ الهالكِ فاعلُهُ، والاقتصارُ على القول: بأنّ الحديثَ القُدْسِيَّ ما رواه النبيُّ ? عن رَبِّهِ وكفى، لكانَ كافيًا، ولعلّه أَسْلَمُ والله أعلمُ ".)
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[07 Jun 2007, 03:25 م]ـ
السلام عليكم إخواني الكرام
لعلي أعود طرح هذه المسألة:
حد الحديث القدسي.
ورد في التعريف الذي تفضل بذكره فضيلة الدكتور أحمد البريدي حفظه الله:
وعرّفه الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله بقوله:"ما رواه النبيُّ ? عن ربِّهِ تعالى، ويُسمَّى أيضًا: الحديث الربّانيّ، والحديث الإلهيّ ". ()
______________________________
ما زال يدور في خلدي بكون الحديث القدسي يدخل فيه كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن رب البرية من أقوال وأفعال وأسماء وصفات حتى من بابه الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال ومنها:
إن الله يرضى عن ثلاث ... إن الله يحب إذا عمل ....
فهذا أراه يندرج فيما أثبت لله تعالى من صفات ... وهذا التعريف لو أخذ به لتخرج لنا في بابة الأحاديث القدسية ما يزيد عن الألف .. وفي انتظار تعقيب الأفاضل.(/)
اللقاء العلمي الثاني للجمعية العلمية للقرآن بالمدينة المنورة
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[20 May 2007, 10:36 ص]ـ
سينعقد غداً بإذن الله تعالى الاثنين الموافق 3/ 5 / 1428 هـ اللقاء العلمي الثاني للجمعية العلمية السعودية للقرآن وعلومه بالمدينة المنورة ..
وذلك في فندق القصر الأخضر بالمدينة ..
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[20 May 2007, 06:48 م]ـ
وفقكم الله , هل يمكن ذكر برنامج اللقاء.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[20 May 2007, 10:00 م]ـ
سينعقد اللقاء بعد صلاة العشاء مباشرة ..
حيث سيلقي فضيلة الدكتور عبد الله بن محمد الأمين الشنقيطي أستاذ التفسير في كلية القرآن بالجامعة الإسلامية بالمدينة محاضرة عن النسخ في القرآن الكريم ...
ـ[إيمان]ــــــــ[21 May 2007, 12:49 ص]ـ
هل الدعوة للحضور مفتوحة للجميع؟
بمعنى: " هل من الممكن أن يحضر ويستفيد من كان عضواً في الجمعية، ومن ليس له عضوية؟
وأقترح وأتمنى:
نقل محاور اللقاء مباشرة عبر موقعنا المبارك أو إدراج تلك المحاور في الملتقى؟
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[21 May 2007, 05:51 م]ـ
أضم صوتي لمن سبقني بطلب تسجيل مثل هذه المحاضرة ووضعها في الموقع، حتى تعم الفائدة.(/)
عدد جديد من مجلة الفرقان المتخصصة في علوم القرآن
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[20 May 2007, 12:33 م]ـ
عدد جديد من مجلة الفرقان
عن جمعية المحافظة على القرآن الكريم صدر العدد الرابع والستون من مجلة الفرقان. وقد حفل العدد بجملة من المقالات القرآنية مثل: (خلق الموت مع خلق الحياة) للعلاّمة الدكتور زغلول النجار، (هل يمكن ترجمة القرآن؟) للدكتور أحمد شقيرات، (الشقاق والنزاع بين الزوجين من منظور قرآني) للدكتور عدنان خليفات، (ألفاظ القرآن وإيحاؤها) للدكتور مصطفى الفار، (عقيدة المسلم كما تبينها فاتحة الكتاب) للأستاذ زهير ريالات.
وتضمن العدد مقالاً تحت عنوان: (ما معنى غفران الذنوب للنبي؟) للدكتور عودة الله القيسي، ودراسة للدكتور طه جابر العلواني بعنوان: (النبوة في القرآن الكريم). وفي "باب مشكلات معاصرة" كتب النائب المحامي نضال العبادي مقالاً حول الزواج العرفي بعنوان: (سِرِّية الزواج)، وكانت افتتاحية العدد للدكتور إبراهيم زيد الكيلاني قد جاءت تحت عنوان: (دروس من غزوة أحد).
إضافة إلى الأبواب الثابتة الأخرى مثل: أعلام القرّاء، أخبار العالم الإسلامي، أدب إسلامي، مكتبة الفرقان، إلى لقاء.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 May 2007, 03:24 م]ـ
بارك الله فيكم أخي الكريم زهير فجهودكم مشكورة في خدمة القراء بهذه المجلة المتخصصة.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[22 May 2007, 01:18 م]ـ
جزاكم الله خيرأ ... ما نقاط بيع المجلة
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 May 2007, 01:34 م]ـ
تباع في المكتبات والأسواق المركزية في الرياض. ولعلها كذلك في بقية المدن.
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[21 Jun 2007, 02:22 م]ـ
الأخ فهد الوهبي حفظه الله
جزاك الله خيرا على اهتمامك بالمجلة ولكن للأسف توقف توزيعها في السعودية منذ جمادى الأولى، ويمكن الاطلاع عليها إما بعمل اشتراك أو بالدخول على موقع جمعية المحافظة على القرآن الكريم - الأردن
www.hoffaz.org
ويسعدني إهداؤك نسخا من المجلة
وأرجو منكم إرسال عنوانكم البريدي على إيميلي
zuhaerryalat@hotmail.com
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[21 Jun 2007, 02:29 م]ـ
وأنت أيضا جزاكم الله خيرا يا دكتور؛ فجهودكم في خدمة القرآن الكريم يشهد بها القاصي والداني، ويكفي أن موقعكم أصبح وسيلة التواصل الأولى لأهل التفسير حتى بيننا نحن طلبة التفسير في الجامعة الواحدة -جامعة اليرموك-
وأسأل الله أن يبارك في علمكم وجهدكم وعمركم
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[22 Jun 2007, 09:23 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
وأحسن إليكم
وزاد من فضلكم
ـ[أحمد عطا عمر]ــــــــ[23 Jun 2007, 07:29 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم زهير على هذه الجهود الطيبة في خدمة كتاب الله العزيز
ـ[زهير هاشم ريالات]ــــــــ[30 Jun 2007, 11:09 ص]ـ
وأنت أيضا جزاكم الله خيرا أخي أحمد صديقي وزميلي في جامعة اليرموك - برنامج دكتوراه التفسير وعلوم القرآن
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[30 Jun 2007, 09:58 م]ـ
فضيلة الشيخ زهير وفقه الله
تم إرسال معلومات بريدي على بريدكم الإلكتروني ..
بارك الله فيكم(/)
دعوة أعضاء الجمعية العلمية للقرآن وعلومه لحضور الجمعية العمومية (تقرير عن اللقاء)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[21 May 2007, 09:49 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
يسر مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه دعوة جميع أعضاء الجمعية لحضور اجتماع الجمعية العمومية وحفل توزيع جائزة أفضل رسالة علمية في مجال تخصص الجمعية، وذلك
يوم الأربعاء 13/ 5 / 1428هـ بعد صلاة المغرب
في القاعة الكبرى بكلية أصول الدين بالرياض، ومناقشة جدول الأعمال الذي سيرسل للأعضاء قبل الاجتماع.
علماً بأنه سيتم - بإذن الله - في هذا اللقاء توزيع مطبوعات الجمعية على الأعضاء، وبطاقات العضوية، كما سيتم -بإذن الله- استقبال الإنتاج العلمي للأعضاء لنتمكن من عرضه في مناسبات الجمعية، والله ولي التوفيق. وسيكون مقر اجتماع الأخوات من منسوبي الجمعية في مركز دراسة الطالبات بالملز بالرياض.
رئيس مجلس إدارة الجمعية
أ. د. زاهر بن عواض الألمعي
المصدر: موقع الجمعية العلمية السعودية للقرآن وعلومه ( http://www.alquran.org.sa/news.php?id=66).
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[21 May 2007, 01:25 م]ـ
جهد مبارك , وهل هناك برنامج مصاحب للاجتماع.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[24 May 2007, 03:56 ص]ـ
بارك الله فيك يا شيخ عبد الرحمن ونفع بكم ..
ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[29 May 2007, 07:26 ص]ـ
دعوة كريمة من شيخنا واستاذنا الدكتور زاهر الالمعي، ومن أخينا وحبيبنا الدكتور عبدالرحمن ولكنها جاءت في وقت غير مناسب للبعيدين عن الرياض، إذ كيف يستطيع من في أبها مثلا أن يحضر هذا اللقاء المبارك وقد استلم مائة كراسة إجابة ويطالب بتسليمها يوم السبت وقد يكون عنده جدول مراقبة يوم الاربعاء والخميس والسبت
كنت أتمنى أن يكون الوقت المختار للقاء يناسب الجميع ولكم منا خالص الدعاء
ـ[أمين الشنقيطي]ــــــــ[29 May 2007, 08:52 ص]ـ
أخي:د: عبد الرحمن الشهري سلمك الله،
وأنا في نفس وضعية الدكتور فاضل حفظه الله،
فتحت عنايتي 680 طالبا في طور الاختبار لهم ورصد درجاتهم.
أرجو تأخير مثل هذه المواعيد إلى مابعد الاختبارات الجامعية بيوم أويومين. والله يحفظكم ويرعاكم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[29 May 2007, 10:41 ص]ـ
الأخوين الكريمين د. أحمد البريدي والشيخ فهد الوهبي: بارك الله فيكما على دعواتكما.
الأخوين الكريمين د.فاضل الشهري و د. أمين الشنقيطي: أسأل الله أن يوفقكما لكل خير، ويؤسفني انشغالكما وصعوبة حضوركما للقاء مع الحرص الشديد على تشريفكم لنا. وقد حرص الإخوة في مجلس الإدارة على اختيار الموعد المناسب للجميع بقدر الطاقة، وجعله يوم الأربعاء 13/ 5/1428هـ ليناسب الجميع،غير أن مراعاة ظروف الجميع مع تفرقهم في الكليات والمدن وكثرتهم فيه صعوبة، وعلمتُ قريباً أن يوم الخميس التالي اختبارات في أبها وربما في غيرها ففيه مشقة حتى على من ليس لديه تصحيح.
لكن أعتذر لكل الزملاء نيابة عن أمانة الجمعية، وسنرسل سريعاً كل ما سيوزع في اللقاء لمن لم يتمكن من الحضور بإذن الله، وسيتم توثيق اللقاء وتزويدكم بنسخ منه لاحقاً إن شاء الله، فكأنكم قد حضرتم. ويبقى تشرفنا بلقائكم، وتناولكم لطعام العشاء، فأما الأولى فسندعو لكم بظهر الغيب أن يحفظكم الله حيثما كنتم، وأن يجمعنا بكم في خير وفي الآخرة في جنات النعيم بمنه وفضله.
وأما الثانية فيمكنكم إنابة من ترونه، ويسعدني أن أنوب عنكم فيها.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[29 May 2007, 07:25 م]ـ
أضحك الله سنك،
ولو عكست الإجابة عن الأمرين لكان أحفظ لك حتى لا يغبطك الآخرون على إنابتك للشيخين في الطعام.
ولا تنسوا في مثل هذه المناسبات إخوانكم في ما وراء البحار.
ـ[أمين الشنقيطي]ــــــــ[29 May 2007, 08:51 م]ـ
أخي د: عبد الرحمن الشهري سلمك الله،
هذه بعض التوصيات أرجوأن تحملها للإخوة في مجلس إدارة الجمعية الموقرة، وهي كالتالي:
1 - زيادة الدعم المالي والمعنوي للفروع واللجان في المناطق.
2 - ترشيح لجان من قبل مجلس الإدارة في كل منطقة تكون برئاسة رئيس الفرع عضو مجلس الإدارة للقيام بمهام عمل الفرع واستراتيجته المعتمدة.
(يُتْبَعُ)
(/)
3 - وضع جائزة لكل عضو مشارك، تسلم له خلال حفلكم السنوي للجمعية بالرياض. أرجو لكم من الله التوفيق والنجاح، وأن يحفظكم ويرعاكم اينما حللتم ونزلتم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[31 May 2007, 04:56 م]ـ
بفضل الله وتوفيقه عقدت الجمعية العمومية للجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه اجتماعها السنوي بقاعة المحاضرات الكبرى بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وقد تكون اللقاء من فقرتين:
الأولى: حفل جائزة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه لأفضل رسالة علمية في الدراسات القرآنية.
وقد بدأ الحفل بعد صلاة المغرب مباشرة، برعاية معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ وعضو شرف الجمعية. وأعضاء الجمعية من مختلف مناطق المملكة.
وقد بدأ الحفل بالقرآن الكريم.
ثم ألقى صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور زاهر بن عواض الألمعي رئيس مجلس إدارة الجمعية كلمة ترحيبية بهذه المناسبة.
ثم شاهد الحضور عرضاً تعريفياً مسجلاً عن أهداف الجمعية وأنشطتها، وإنجازاتها، وطموحاتها.
ثم عرض نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الدكتور عادل بن علي الشدي حفظه الله فكرة هذه الجائزة، وكيفية الترشيح لنيلها.
ثم قمت بعد ذلك بإعلان أسماء الفائزين بالجائزة لهذا العام، وهم:
أولاً: الدكتور خالد بن سليمان المزيني، الأستاذ المساعد بجامعة القصيم. على رسالته التي تقدم بها لنيل الدكتوراه بعنوان:
أسباب نزول القرآن الكريم في الكتب التسعة
وقد سبق أن عرضت هذه الرسالة في الملتقى بعد طباعتها باسم:
المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=4896)
http://www.tafsir.net/images/muharar.jpg
وقد تسلم الجائزة من معالي وزير الشؤون الإسلامية ومقدراها عشرة الآف ريال، ثم ألقى كلمة تعريفية برسالته خلال سبع دقائق، وقد شكر الجمعية على هذه الجائزة، وأعلن قبولها وتبرعه بها لملتقى أهل التفسير فجزاه الله خيراً وبارك فيه.
ثانياً: الشيخ منصور بن حمد العيدي، المحاضر بكلية المعلمين في الدمام، على رسالته التي تقدم بها لنيل الماجستير بعنوان:
آيات آل البيت في القرآن الكريم: الدلالات والهدايات
وقد سبق أن عرضت هذه الرسالة في الملتقى بعد طباعتها، في موضوع:
صدر حديثاً (آيات آل البيت في القرآن الكريم: الدلالات والهدايات) لمنصور العيدي ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=8308)
http://www.tafsir.net/vb/imagehosting/6463c9c2f010e9.jpg
وقد تسلم الجائزة من معالي وزير الشؤون الإسلامية ومقدارها عشرة الآف ريال، ثم ألقى كلمة تعريفية برسالته في سبع دقائق.
ثم ألقى بعد ذلك معالي الشيخ صالح آل الشيخ كلمة طويلة ضافية، شكر الجمعية على جهودها في خدمة المتخصصين في الدراسات القرآنية، وأشاد بهذه الجائزة وفكرتها، ودعا إلى المزيد من الجهد في خدمة الدراسات القرآ’نية، والحاجة الماسة إلى ذلك، وفتح باب التعاون بين الوزارة والجمعية في خدمة الدراسات القرآنية من خلال مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة الذي تشرف عليه وزارته. كما تبرع - جزاه الله خيراً - بمبلغ مائتين وخمسين ألف ريال للجمعية لدعم أنشطتها وميزانيتها خلال العام القادم 1428/ 1429هـ فبارك الله له في ماله وأحسن إليه.
ثم قامت الجمعية بعد ذلك بتكريم أصحاب الفضيلة أعضاء مجلس إدارة الجمعية في دورته الأولى هدايا شكر وتقدير لجهودهم التي بذلوها في الدورة الأولى.
ثم قام الأستاذ الدكتور زاهر الألمعي رئيس مجلس الإدارة بتسليم درع تذكاري شكراً وتقديراً لراعي الحفل معالي الشيخ صالح آل الشيخ.
ثم ختم الحفل بشكر الله تعالى، وتوجه الجميع لأداء صلاة العشاء في الجامع الكبير بجامعة الإمام. والحمد لله رب العالمين.
علماً أنه قد تم توزيع ملف متكامل على جميع الحضور من أعضاء الجمعية، يشتمل على:
1 - العدد الأول من مجلة الدراسات القرآنية ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=8585) .
2- التقرير السنوي للجمعية 1427/ 1428هـ.
3 - نشرة (صدر حديثاً في الدراسات القرآنية) رقم (4) [أرفقت لكم نسخة منها في المشاركة].
4 - كتاب السير الذاتية لمنسوبي الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=8303) ، الطبعة الأولى 1428هـ.
في 14/ 5/1428هـ.
5 - كتاب (عناية السلف بالقرآن) للدكتور بدر البدر.
6 - كتاب مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه كما يصورها القرآن الكريم، للدكتور عبدالرحمن عبدالجبار هوساوي، الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، وعضو الجمعية العلمية السعودية للقرآن وعلومه.
وسوف تصل هذه المطبوعات لجميع الأعضاء الذين لم يتسنَّ لهم الحضور بإذن الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[31 May 2007, 05:06 م]ـ
الثانية: حفل الجمعية العمومية للجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه.
وقد بدأ بعد صلاة العشاء بحضور أعضاء الجمعية، وقد تم استعراض أنشطة الجمعية خلال العام المنصرم التي تضمنها التقرير السنوي المطبوع، وعرض الميزانية السنوية للجمعية للسنة المنصرمة.
واتخذت الجمعية العمومية بشأنها القرارات اللازمة.
ثم عرضت بعد ذلك خطة الجمعية للسنة القادمة، التي تمت صياغتها من قبل مجلس الإدارة بعد المشاروة وتلقي الاقتراحات التي وردت للجمعية من جميع الأعضاء.
ثم تناول الجميع بعد ذلك طعام العشاء، وانصرفوا عند الساعة الحادية عشرة مساء.
وقد حضر عدد كبير من منسوبي الجمعية هذا اللقاء من الرياض والقصيم والمدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة وتبوك وأبها والمنطقة الشرقية والطائف وغيرها، وقد كان لقاء أخوياً علمياً ماتعاً ولله الحمد والمنة، ونسأل الله المزيد من التوفيق لخدمة الدراسات القرآنية وطلابها.
ـ[يسري خضر]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:37 ص]ـ
وفق الله الجمعية لخدمة القران الكريم وعلومه وبارك في جميع القائمين عليها(/)
هل (الشيخ الدكتور) مصطلح متناقض. أي إما شيخ أو دكتور!!؟
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[22 May 2007, 09:27 ص]ـ
الحمد لله الرحيم الرحمان، والصلاة والسلام على محمد العظيم الشان، وعلى الآل والصُّحبان وبعد
حسن جدا أن يضرب المرء من كل كنانة بسهم، وأن تتعاون الذوات المعنوية المجردة منها والحسية المجسدة.
ولما كانت الحياة فردية تبدأ وتنتهي بالفرد، كانت الذات البشرية المفردة ذات الوعي الخاص المتفرد والإرادة الحرة في نطاق كينونتها هي الذات المجسدة الوحيدة، وسائر الذوات والشخصيات معنوية مجردة مستقراة من سمات مشتركة بين مجموعة ذوات قد تشكل أسرة أو قبيلة أو شعبا أو أمة، وهذه السمات التي تضفي على مجموعة صفة ذات (هوية) قد تكون لغوية، أو عرقية، أو فكرية (مجموعة أفكار تفسر الحياة والوجود وأساسها الدين ثم التاريخ ثم التفكير العلمي).
والسمات أيضا قد تكون دائمة أو وقتية، وقد تكون مؤثرة في الروح والوعي وقد تكون إنسانية بعيدة عن مجرى التنافس والهوية والروح كالسمات المشتركة بين الموسيقيين والشعراء بوصفهم كذلك
وههنا حوار جرى بيني وبين صاحب لي عن اقتباسنا لنظام التعليم الغربي شكلا دون أن نبالي به مضمونا
فنحن على ما يظهر من تنظيماتنا بعد تشكل دولنا الحديثة قد أعجبنا بنظامهم التعليمي فبنينا مدارسنا على أساسه، وأخذ مثقفونا وأبناؤنا ممن يكملون تعليمهم يفرحون ويتبادلون التهاني بحصولهم على هذه الشهادات الغربية كالدكتوراه والماجستير، رغم أنهم أو أننا في أعماقنا لا نعترف بطريقتهم في التفكير ولا بـ"ـعلميتهم"،، فترانا نفرح بشتم أي دارس لثقافتنا ممن لا ينتمي إليها ونشكك في نيته.
الآن لو كتب أحد "دكاترتنا" كإبراهيم عوض أو غيره عن تجريح علماء الغرب الباحثين في حضارة من حضارات الشرق هي حضارتنا لوجدتنا نفرح ونسارع في اقتناء وقراءة أي تجريح بهم أو نقد لهم. ونحن نسارع فنصف المجرح لهم بالإنصاف، والناظر إليهم بهدوء بالمتفرنج و"الخائن" للهوية.
فنحن على ما يبدو نعيش ازدواجا في وعينا لا نعرف سببه، ولكن لا ينبغي أن نغض الطرف طويلا عن التفكير فيه.
لصاحب لي رأيٌ أحببت أن أضعه هنا للنقاش الهادئ شأن ما يتدارسه الناس في نديِّهم ويتجاذبون أطراف الحديث فيه.
إذ يرى هذا الرجل أن مصطلح (الشيخ الدكتور) مصطلح متهافت متناقض من حيث المبنى والمعنى وتاريخ الثقافة وعلم المصطلح.
وحين استخبرناه واستكهناه أجاب أن كلمة دكتور مصطلحا مشتقة لغةً من دوسير اللاتينية بمعنى العلم، وإلى هنا فلا مانع أن تطلق على كل عالم. لكنها ليست مفردة لغوية بل مصطلح في نظام تعليم متدرج متسلسل هو التعليم الأكاديمي الغربي الذي وطده الإنكليز والإفرنسيون والألمان وغيرهم من شعوب أوربة .. وأن حامل الـ ( PhD) يحمل شهادة دكتوراه في الفلسفة لأن Ph مختصر Philosophy و D- مختصرة من Doctorate ، وهذا لأن الفلسفة في النظام التعليمي الأكاديمي الغربي كانت إبان وضع الشهادات أم العلوم والمسيطرة عليها، ثم أخذت العلوم تستقل عنها، لكن ليس استقلالا كاملا ولذلك تظل لها سيادة من نوع ما.
وتساءل: كيف يحمل PhD في الفلسفة من يملك موقفا معاندا مضادا للفلسفة؟
فالذي يملك موقف مؤسسة التعليم الإسلامي القديم من الفلسفة، المؤسسة التي تبدأ بالكتاب وتنتهي بتخريج الشيخ، هذا الرجل عليه أن يحمل شهادة تعليم شفاهي تقوم على الرواية والحفظ وتعطي شهادات بحسب بروتوكولها ونظامها من شيخ وحافظ ومفيد ومقرئ ومحدث وعالم وعلامة بحسب كلياتها التي صنفت في رجالاتها كتب الطبقات كالحفاظ والفقهاء والقراء ....
وليس أن (يتطفل) - والكلام لصاحبنا- على مؤسسة اخرى مستقلة بتأسسها وطريقة تفكيرها الكتابية المادية الفلسفية فيأخذ منها شهادة الـ ( PhD) ويصبح دكتورا في الفلسفة، في شيء يعاديه ويرفضه ويبني حياته على ضدِّه.
ثم قال: قال أحد الفلاسفة: إن الذين يعادون الفلسفة ينتمون عند نهاية التحليل إلى أضيق المذاهب الفلسفية على الإطلاق.
يعني أن الفلسفة هي علم العقل وهي تصنف كل شيء وكل طريقة تفكير قام بها الإنسان، فالتعالي الذي يحاوله المنتمون إلى المؤسسة التقليدية على الفلسفة تنظر إليه الفلسفة بعين أخرى، أعلاها الرأفة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأضاف أنا لا أحتج على استقلال المؤسسة الثقافية الإسلامية التي تقوم على التعليم الشفاهي، والتي قامت وانتهت بين 100 هـ -1300 هـ!!، ومرت بعصور ازدهار وانحدار، لكني أرفض أن تقتبس من النظام التعليمي الأكاديمي الغربي بطريقة (مسخ) فتأخذ منه مصطلحات وأسماء وتضمنها معاني من عندها. فهذا من الظلم والضلال والتضليل الذي نهى الله عنه.
فقلت له فماذا تريد؟
فقال (مبتسما):إما شيخ أو دكتور.
فقلت له حسبك! فقد استخدم كبار علماء أوربا الذين تخصصوا في تاريخ المسلمين وحضارتهم، كلمة دكتور لكبار علمائها، فقد كان نيكلسون وهو من مقدميهم يقول: قال الدكتور الشافعي .. وقال الدكتور ابن خلكان .... وهؤلاء الذين عنيتهم هم خلفاء ألئك، أليس كذلك؟
فقال: استخدمها نيكلسون استخداما لغويا ولم يستخدمها استخداما اصطلاحيا
فقلت له إنك تدعو ضمنيا إلى إعادة صياغة كليات الشريعة والعلوم الدينية!؟
فقال نعم نعم يجب أن يعقدوا لجانا - وأنا أشك في قدرتهم- فيقوموا بعملية استقراء لطرق منح الإجازات وحقوق الرواية في المؤسسة التي تأسست على حفظ الرواية الشفاهية أي في التعليم القديم في العالم الإسلامي، بدلا من أن يمزجوا هذا المزج فيخلطوا هذا الخلط. فينتجوا لنا الشيخ الدكتور الذي قد يكون في بعض الحالات لا شيخا ولا دكتورا؟!
فقلت له ماذا تعني فقال قد يكون هذا الشيخ لم يدرس في المساجد ولم يتقن أبجديات العلوم الدينية كما كانت تعرضها المؤسسة التعليمية القديمة بل درس في التعليم الأكاديمي (غير المضبوط في بلاد المسلمين جيدا) ثم دخل كلية الشريعة وتظاهر بسمت علماء الدين ليصبح شيخا ويقدم أطروحة أو رسالة تقوم على القص واللصق فيصبح دكتورا.
فقلت له ألسنا في عصر القص واللصق؟
فقال ليس عن هذا أتحدث ولكن عن طريقة التفكير والتعليم؟
كليات الشريعة يجب أن تتأسس من جديد فتسمي نفسها التعليم الإسلامي الأصيل أو القديم، وليس لها أن تقتبس مظاهر التعليم الغربي لا في كتابة الأطاريح ولا في منحها ولا في مناقشتها
ولحديثي مع صاحبي بقية، أحببت أن أعرضه لأهل الاختصاص من أهل الرؤى، وعلى الله التكلان وبه المستعان
تنبيه وتنويه: القضية المطروحة تفكير في تطوير التعليم انطلاقا من الأصول ونقد الأسس، و قد تكون بضاعتنا فيها مزجاة ولكن أول العلم أن تعلم أنك لا تعلم. فإذا استطاع حوار ما أن يصنف الصواب والخطأ في رؤية الرجل، أو يبين الضلال الذي قاربه أو قارفه،،كان قد حقق مبتغاه ونال متمناه.
والله من وراء القصد
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 May 2007, 04:53 م]ـ
سبق الحديث عن حول هذا الموضوع في هذه المشاركة ...
الشيخ + الدكتور: لقبان علميان متنافران (مقالة مهداة لدكاترة العلوم الإسلامية) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=6170)
وموضوع هذه الألقاب أصبح مصطلحاً في أيامنا هذه، بعيداً عن تلك الإيحاءات والأبعاد التي صاحبت بدايته شأنه شأن الرتب العسكرية والطبية وغيرها، وحتى في الغرب أصبحت هذه الرتب العلمية منفصلة عن أصلها الذي أشار إليه الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الشامخ في مقاله وغيره. ووجهات النظر في هذا الموضوع قد تتباين، وكم نتمنى أن يؤخذ هذا الموضوع في مراكز القرار في بلادنا الإسلامية بعين الاهتمام، ويتخذ فيه قرارات تبتكر لهذه الرتب العلمية مسميات من صلب تراثنا الإسلامي، وعسى أن يكون ذلك يوماً. غير أنه في الوقت ذاته ينبغي على من يناقش هذه المسألة أن يتحلى بالموضوعية، وينبذ السخرية التي لا مبرر لها من مثل قول صاحبكم يا دكتور عبدالرحمن ساخراً: (قص ولصق) في وصف البحوث العلمية، مع أن هذه حالات شاذة لا يقاس عليها، ولا تقر على فعلها، والحديث في هذا الأمر ذو شجون. وكم من طلبة العلم الذين أعرفهم وأحبهم كانوا يسخرون من هذه الألقاب قبل الحصول عليها، ثم تفانوا بعد ذلك حتى حصلوها وأصبحوا يحرصون حرصاً شديداً على التلقب بها في كل محفل، فما الذي تغير؟ إن الاعتدال والتوسط في كل أمر هو المطلوب.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[22 May 2007, 10:28 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المصطلحات البشرية هي مواضعات يتعارف الناس من خلالها وإذا كان المصطلح كما تفضلتم في نشأته وبداية استخدامه وفي بيئته الغربية فهو لم يبق كذلك إذ أخذ أبعاداَ جديدة ومعاني مختلفة تواضع الناس في بلادنا عليها فانبتت الصلة بين المصطلح وأصله المشكل. وكما قالوا خطأ شائع خير من صواب مهجور // لغة فقط //، ومع ذلك كما أشار الأخ الدكتور عبد الرحمن الشهري بأن أصحاب القرار في بلادنا - إن كان هناك أحد منهم - يمكن أن يتفقوا على مواضعات جديدة للدرجات العلمية نابعة من رحم التراث وتمثل روحه ومنهجيته. والله أعلم.
ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[24 May 2007, 09:52 ص]ـ
لقد عادت بي الذاكرة إلى عام 1400 هـ ونحن في السنة الأولى في كلية الشريعة بأبها حيث كنا نستمتع وننصت لكلمات شيخنا عبدالرحيم الطحان حفظه الله وقد كان يغضب إذا أطلقنا عليه لقب الدكتور ويقول هذه كلمة غربية وبالمقابل كان من مشائخنا من يغضب في السنة نفسها إذا لقبناه بالشيخ ويقول أنا دكتور وقد وقعنا أكثر من مرة معهما، ومما أذكره هنا أن بين الشيخين في العلم والتأثير على الطلاب كما بين اللقبين والله المستعان
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[يسري خضر]ــــــــ[24 May 2007, 10:59 ص]ـ
وقد كتب اللواء الركن محمود شيت خطاب رحمه الله مقالا مفيدا من ثلاثين سنة في مجلة الوعي الإسلامي بعنوان لا يافضيلة الدكتور أبان فيه بدايات إطلاقه في الغرب ودعا إلي العودة إلي لقب الشيخ ويبدو انه لم يجد آذاناً صاغية
ـ[محمد كالو]ــــــــ[27 May 2007, 04:07 م]ـ
الدكتور: هذا اللقب في منبته الأصلي وهو الغرب لا يطلق على حاملي أعلى شهادة من كليات الآداب والعلوم الإنسانية بل وحتى في العلوم المحضة (حيث يقال البروفيسورفلان في الفيزياء بدل الدكتور) فلم نسمع بالدكتور ماكسيم رودنسون ولا بالدكتور تورورف ولا بالدكتورة جوليا كرسيتيفا أو الدكتور ميشال فوكو ...
هذه المسألة ليست عامة فهناك في العالم العربي من يحرص على عدم ذكر هذا اللقب في كتاباته ومؤلفاته، وهذا دأب الرسائل الجامعية حيث يستبعد كل لقب علمي.
كيف ابتدعنا هذا اللقب في علومنا الإنسانية؟
ولماذا يثبت البعض هذا اللقب وينفيه البعض الآخر في كتاباته؟
في حقيقة الأمر لا يجوز استخدام اللقب بدون ممارسة المهنة، لا يجوز استخدام اللقب إلا في المجال الذي له علاقة بموضوع العمل، يعني إن كان المهندس يعمل في عمل غير هندسي مثلاً فلا يحق له استعمال لقب مهندس، ولكنه يستطيع أن يقول: بأنه يحمل شهادة في الهندسة وهكذا معظم المهن، وهذا القانون موجود في الدول التي تتبع النظام البريطاني ومن هنا لا يجوز لكثير من حاملي لقب مهني يعمل في أي عمل خارج حقل تخصصه أن يحمل لقبه المهني.
أما الذين لديهم أكثر من شهادة فهو يتخصص في مهنة واحدة، فذلك المحامي الذي لديه شهادة هندسية ودكتوراه في القانون تخصصي لم يعرف نفسه كمهندس أو دكتور بل عرف نفسه كمحامي ولأن هذا الرجل يحترم مهنته فقد عرف نفسه وفق قدرها.
وهنا يبرز سؤال للأطباء في السياسة إذا كنت دكتوراً وتحب مهنتك وتحترمها فما دخلك بالسياسة والحكم؟!
وإذا كنت سياسياً فلماذا لا تحترم مهنة الطب وتترك لقب دكتور للأطباء أم هي عقدة نقص؟؟
ومن هنا نجد أن كثيراً من الشعوب تقدمت سياسياً واقتصادياً نتيجة احترام الحرفة، ولكننا للأسف لازلنا نعامل الشهادة العلمية كمقياس لا الأداء والكفاءة، ولايزال مقاييس النقاش لدينا مختلفة عن العالم ولازلنا ننظر إلى المسئول الحكومي كأنه القانون وهكذا ....
نسأل الله العلي القدير أن يوفق أصحاب القرار على مواضعات إسلامية عربية للدرجات العلمية فلغتنا لغة العطاء والثراء.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[27 May 2007, 05:40 م]ـ
من وجهة نظري: أن لقب الدكتور أو الشيخ مصطلح شأنه كشأن بقية المصطلحات لا مشاحة فيه إذا عرف مراد مستخدميه , والشيخ الدكتور يطلق ويراد به الآن حامل شهادة الدكتوراه في التخصصات الشرعية فقط فيما أعلم , فالدكتوراه جاءت من الشهادة التي حصل عليها بطريقة معينة والشيخ جاءت من التخصص , فما الحرج في ذلك.(/)
بشرى لطلبة العلم: افتتاح شبكة السنة النبوية وعلومها
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 May 2007, 02:27 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
بفضل الله سبحانه وتعالى افتتح موقع شبكة السنة النبوية وعلومها بإشراف الأستاذ الدكتور فالح بن محمد الصغير وفقه الله. وقد تم تدشين الموقع مساء الأحد 3/ 5/1428هـ بقاعة المقصورة للاحتفالات بالرياض بحضور معالي وزير الشؤون الإسلامية.
والموقع يعمل في لجانه العلمية أخونا الشيخ خالد بن عبدالعزيز الباتلي حفظه الله وعدد من طلبة العلم المتخصصين في السنة النبوية وعلومها.
نسال الله للقائمين على هذا الموقع التوفيق والنجاح، وأن يكون هذا الموقع - مع بقية المواقع الإسلامية المتميزة -عوناً على نشر العلم الشرعي الموثوق على نطاق عالمي واسع، وباباً من أبواب العلم الشرعي المبارك.
الرياض في 5/ 5/1428هـ
شبكة السنة النبوية وعلومها ( http://www.alssunnah.com/index.aspx/)
ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[22 May 2007, 02:43 م]ـ
أشكر أخي الكريم الشيخ عبدالرحمن على مبادرته بالإعلان عن الموقع الجديد، وهذا ما عهدناه فيه
ويطيب لي أن أدعو وأرحب بجميع الإخوة بزيارة الموقع والمشاركة بما تيسر في أبوابه ونوافذه، فمثل هذه المواقع لا تقوم إلا بتعاضد الجهود وتكاتفها.
كما أن الموقع الوليد يرحب بكل فكرة ومقترح من شأنه تطوير العمل وتحقيق الهدف الذي من أجله أنشئ.
أسأل الله أن يجعلنا من حملة سنته العاملين بها الذابين عنها الساعين في نشرها ... آمين
وجزاكم الله خيرا
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[22 May 2007, 04:08 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وأخذ بيدكم
وكان في عونكم
وننتظر من أحبابنا في هذا المنتدى الوليد
(موقع شبكة السنة النبوية وعلومها)
خيرا عميما في خدمة السنة النبوية وعلومها
وكان الله في عونكم
ـ[المهدي محمد]ــــــــ[23 May 2007, 04:19 م]ـ
جزاهم الله خيرا على هذه الجهود العظيمة
وبارك الله في جهودهم
وجهودك شيخنا عبدالرحمن
ـ[يسري خضر]ــــــــ[24 May 2007, 10:24 ص]ـ
اسال الله لكم التوفيق والسداد وان ينفع بكم الاسلام والمسلمين ويغيظ بكم خصوم السنةالنبوية
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[24 May 2007, 11:55 م]ـ
نسأل الله لهم التوفيق والتسديد
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[25 May 2007, 01:05 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أرجو من الإخوة الأكارم المشرفين على شبكة السنة النبوية أن يحافظوا على المستوى العلمي والأكاديمي وأن لا ينخرطوا كما فعلت بعض المواقع الأخرى // الحديثية // في الخلافات الجانبية والطعن والسباب والشتائم فأفقدها قيمتها العلمية وجعل الباحثين يعرضون عنها. لقد تميز ملتقى أهل التفسير بنسبة عالية من المحافظة على مستواه العلمي - كما يبدو لي - وأرجو أن يكون مثلاً يحتذى في هذا الصدد. والله أعلم.
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[25 May 2007, 08:42 ص]ـ
ملتقى أهل التفسير بالفعل متميز جدا في المحافظة على مستواه العلمي والسير على المنهجية التى رسمها (وليست مجاملة لأخي أبي عبدالله)
ـ[الميموني]ــــــــ[26 May 2007, 02:59 م]ـ
جزاك الله خيرا د/ عبد الرحمن الشهري. ووفق القائمين على الموقع
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[27 May 2007, 04:26 م]ـ
الموقع لايكتمل فتحه عندي!!!
هل فيه مشكلة؟
ـ[محمد كالو]ــــــــ[30 May 2007, 01:06 م]ـ
الظاهر أن في الموقع مشكلة، فهو لا يفتح كاملا ولا أدري لماذا أرجو من القائمين على الموقع متابعة الأمر وحل المشكلة حتى يتسنى لنا تصفحه، وبارك الله في جهودكم.(/)
الملتقى الثالث للقرآن الكريم: النص القرآني: القراءة والتأويل
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[22 May 2007, 08:42 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المملكة المغربية
المجلس العلمي الأعلى
الكتابة العامة
المجلس العلمي المحلي بمكناس
الملتقى الثالث للقرآن الكريم
في موضوع: النص القرآني: القراءة والتأويل
تحت شعار:) أفلا يتدبرون القرآن)
أيام 26/ 27/28/ 2007
لعل أول واجب على المؤمن بهذا القرآن – بما هو رسالة الله رب العالمين إلى الإنسان – هو حسن قراءته أولا. والقراءة منازل ومقامات. ولعل خير منازلها إنما هو تلقي رسالات القرآن، بالدخول في ابتلاءاتها للتخلق بأخلاقها. أي تلقي القرآن بما هو منزل تنزيلا، لا بما هو منزل إنزالا فحسب. ذلك مقتضى من مقتضيات مفهوم القراءة للقرآن كما هو وراد في قوله تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا) (الإسراء:16).
وعلماء القرآن على أن "الإنزال" الذي هو من فعل " أنزل" كان للقرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. وكان ذلك دفعة واحدة. بينما "التنزيل" الذي هو من فعل " نزًلَ" كان من السماء إلى الأرض منجما أي مفرقا، بقصد التربية والتكوين للإنسان على مهل، لبناء النفس المؤمنة والمجتمع الإسلامي، بما يغرس جذوره في تربة العمران البشري مؤصلة في عمق الوجود إلى يوم القيامة. وهذه الصفة إنما هي خاصة بهذا القرآن. وهو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل) (النساء 136)، لأن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة، والقرآن نزل منجما مفرقا مفصلا، آيات بعد آيات، بعد أحكام، وسورا بعد سور.
فكان مفهوم القراءة – بهذا المقام- راجعا إلى تصريف حقائقه الإيمانية سلوكا بشريا في الأرض، على المستويين: النفسي الاجتماعي.
وفي ذلك رسالة مهمة جدا مقتضاها أن هذا القرآن هو المنهاج، الذي وجب على المسلم أن يعتمده في تبين السير إلى الله، وفي تلقي حقائق الإيمان الدالة على سبيل الرشاد. ففيه يجد المؤمن المتبصر معالم كل شيء، ما هو في حاجة إليهم من أدوات الكشف عن الصراط المسقيم. إنه بوصلة الخروج من حال الحيرة إلى حال اليقين، ومن ظلمات الفتن إلى نور الحق المبين.
وفي ذلك رسالة أيضا في أن ابتغاء الهدى في غيره الضلال! وليس عبثا أن يكون ذلك من آخر وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة. وهو قوله البين المليح لأصحابه: (أبشروا .. أبشروا .. ! أليس تشهدون ألا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى، قال: فإن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به! فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدا!)
ودون ذلك المقام من مقامات القراءة للقرآن التي صرحت بها الآيات أعلاه، مقامات أخرى تنزل – في سلم القراءات المشروعة- إلى مجرد القراءة التبركية. وما بين هذه وتلك منازل ومقامات شتى، قد ترتقي وقد تنزل، على حسب همة صاحبها ومؤهلاته الإيمانية والعلمية. لكنها قد تخرج عن ذلك جميعا، لتصبح قراءة تأويلية إسقاطية، أو تحريفية، تهدف إلى إخراج النص القرآني عن مداره الرباني التعبدي، إلى مدار بشري خاضع للتأويل الأهوائي. ومن هنا كان المسلمون في حاجة إلى دراسة مفهوم القراءة للقرآن، لتبين الحق والباطل في منازل " القراءات" والتأويلات.
وعليه، فقد كان مقترح المجلس العلمي المحلي بمكناس، أن يكون موضوع " الملتقى الثالث للقرآن الكريم" هو: (النص القرآني: القراءة والتأويل)، وذلك بناء على المحاور التالية:
- المحور الأول: قراءة النص القرآني: المفهوم والقضايا
- المحور الثاني: اتجاهات ومناهج تأويل النص القرآني: رؤية نقدية
- المحور الثالث: مقاصد القرآن الكريم
أما البرنامج فسيكون كما يلي:
برنامج الملتقى الثالث للقرآن الكريم
يوم السبت 9جمادى الأولى 1428هـ. الموافق26 ماي 2007م. (قاعة ملحقة بلدية الإسماعيلية الهديم)
العاشرة صباحا: الجلسة الافتتاحية
الرابعة والنصف مساء: الندوة الأولى: في محور: قراءة النص القرآني: المفهوم والقضايا
- قضايا قرآنية في قوله تعالى:" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". د آيت سعيد الحسين. كلية الآداب مراكش
- القرآن الكريم ومناهج العلوم الإنسانية، قراءة في مفهوم السياق القرآني. د عبد الرحمن بودراع، كلية الآداب تطوان
- الخطاب القرآني بين حسن الفهم والاجتهاد في التطبيق. د عمر جدية، كلية الآداب فاس سايس
الثامنة ليلا: محاضرة علمية للشيخ محمد التجكاني في موضوع: "مقاصد القرآن الكريم".
يوم الأحد 10جمادى الأولى 1428هـ. الموافق27 ماي 2007م. (قاعة ملحقة بلدية الهديم)
التاسعة والنصف صباحا: الندوة الثانية في محور: اتجاهات ومناهج تأويل النص القرآني: رؤية نقدية.
- الخلفيات الموجهة للقراءات التأويلية الحديثة للقرآن الكريم. د سعيد شبار، كلية الآداب بني ملال
- القراءة الهرميسية للوحي. د يحيى رمضان، كلية الآداب مكناس
- نماذج من التأويل في القراءات الجديدة للنص القرآني. د محمد خروبات، كلية الآداب مراكش
الرابعة والنصف مساء: الندوة الثالثة: ومحورها: مقاصد القرآن
- النسق المقاصدي في القرآن الكريم. د زيد أبو شعرة. كلية الآداب القنيطرة
- أغراض القرآن الكريم ومقاصده. ذ عبد الحق يدر. كلية الآداب فاس سايس
- تأملات في مقاصد سورة العلق التربوية. د عبد الله الهلالي. كلية الآداب ظهر المهراز فاس
الثامنة ليلا: محاضرة علمية للدكتور الشاهد البوشيخي في موضوع: "الهدى المنهاجي في القرآن الكريم"
يوم الإثنين11جمادى الأولى 1428هـ. الموافق28 ماي 2007م (المسجد الأعظم)
- التاسعة والنصف صباحا: الإشراف على ثلاث ختمات قرآنية.
- الرابعة مساء: أمسية لتجويد القرآن الكريم إلى حدود صلاة المغرب ثم دعاء الختم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[22 May 2007, 08:47 م]ـ
http://bouyesfy.jeeran.com/photos/395994/
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[25 May 2007, 01:13 ص]ـ
نرجو أن تنشر هذه البحوث فهي كما تبدو من عناوينها دسمة. جزاكم الله خيراً.
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[25 May 2007, 03:30 ص]ـ
جزاكم الله خيرآ على هذه الفوائد الطيبه
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[25 May 2007, 02:59 م]ـ
السلام عليكم إخواني الكرام
سأعمل -بإدن الله-على نشر تقرير مفصل عن أعمال الندوة
أما نشر المقالات فهدا راجع إلى الجهة المنظمة.(/)
رحلة القرآن العظيم - سلسلة حلقات على قناة المجد الوثائقية
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 May 2007, 08:29 ص]ـ
رحلة القرآن العظيم (1)
مكة المكرمة هذه المدينة المقدسة التي تحيط بها الكتل الجبلية السوداء الداكنة ذات التركيب الجرانيتي، تقع في غرب جزيرة العرب على السفوح الدنيا لجبال الثروات، وتنام في بطن وادٍ غير ذي زرع، تلفها الجبال من جميع جهاتها، ممثلة نقطة التقاء بين تهامة والثروات.
تنتصف طريق الشام واليمن بمنافذ قليلة من الجبال الجرداء، إذ يمتد شرقاً جبل أبي قبيس، يكتنفه جبل الخندمة، وغرباً جبل هندي، يفصلهما وادي البطحاء الذي يقع فيه البيت العتيق.
وترتفع عن سطح البحر مقدار ثلاثمائة متر، وكان لموقع مكة هذا أثر كبير على طريق التجارة القديم، فهي محط القوافل القادمة من الشام إلى اليمن، وما وليها من أرض الحبشة، ومحط الاستقرار في حضارات العالم القديم.
وتعتبر منطقة مكة المكرمة منطقة انتقالية بين تأثيرات البحر المتوسط والمناخ الموسمي، وتتأثر بقربها من ساحل البحر الأحمر وجبال الثروات الغربية، وتتأثر في الصيف بالجبهات المدارية، فيبلغ معدل الحرارة السنوي حوالي إحدى وثلاثين درجة، وتختلف درجة الحرارة بين فصل وآخر، فتصل في الصيف إلى ثمانٍ وأربعين درجة، بينما تنخفض في الشتاء إلى ثماني عشرة درجة.
وأمطار مكة نموذج للأمطار الصحراوية، بحيث تختلف اختلافاً كبيراً بين سنة وأخرى، وتتراوح بين ثمانين ملليمتراً ومائة وخمسة وعشرين ملليمتراً، تسقط في فصل الشتاء، وهو الفصل الممطر الرئيس في شهر كانون الثاني يناير الذي يعتبر أكثر الشهور مطراً.
مكة المكرمة هذه هي الذي اختارها الله تعالى بين الجبال السود الداكنة لتشهد الأحداث العظام، ففي جبل ثور استظل الغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبا بكر -رضي الله عنه- وعلى بطاح وديانها وادي منى كان الصراع بين الخليل إبراهيم -عليه السلام- وإبليس اللعين.
وبين جبالها تمت بيعتا العقبة، ويهل إليها الحجيج من كل فج عميق، في الخيف والمزدلفة وعرفات حيث وقف محمد -صلى الله عليه وسلم- أسفل جبل الرحمة يبين للناس أمور دينهم ودنياهم في أبلغ موقف.
إنها مكة موطن دعوة التوحيد الأولى، التي دعا إليها سيدنا إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- فيها يحط جبل النور وغار حراء مطلاً على البيت العتيق، يذكر بمهبط الوحي على النبي العربي محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي شمل العالم بنوره.
في قمة جبل النور، جبل حراء الغار الذي نزلت به أولى آيات القرآن الكريم:
? اقْرَأْ بِاسم رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الأنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الأنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ? [سورة العلق، الآية 1: 5].
وكان محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف الكتابة والقراءة، قال تعال في سورة العنكبوت:
? وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ? [سورة العنكبوت، الآية 48].
فلا بد والحالة هذه من أن يتقلى القرآن تقليناً، ويحفظه من ملك الوحي مشافهة:
? لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ? [القيامة: 16، 17].
لقد نزل القرآن الكريم على مراحل ليكون أقرب للحفظ، وأسهل على الضبط، وأبعد عن النسيان، وكانت الآيات القرآنية تتنزل عليه تتابع تارة وتبطئ أخرى، قال تعالى:
? وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ?. [سورة الفرقان، الآية 32].
لقد استمر نزول القرآن الكريم ثلاثا وعشرين سنة من بعثته حتى وفاته -صلى الله عليه وسلم- وقد حرص منذ اللحظة الأولى على حفظه واستظهاره وعلى تدوينه وكتابته فور نزوله، وبما أنه لا يكتب ولا يقرأ -صلى الله عليه وسلم- فقد تم التدوين هذا تحت إشرافه ورقابته.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهكذا أصبح للقرآن صورتان: صورة صوتية وأخرى كتابية، وتظهر الصورة الصوتية من خلال المشافهة التي تلقاها من الوحي وأسمعها صاحبته، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- مع كمال فصاحته ومع كونه المصطفى للرسالة تعلم القرآن عن جبريل، وخاصة في السنة التي انتقل فيها إلى الرفيق الأعلى، كان جبريل يعارضه أي يدارسه بالقرآن في كل سنة مرة، ثم عارضه عام وفاته مرتين، والعرض على جبريل معناه تجويد اللفظ وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها ليكون سنة في الأمة.
لقد حفظ أصحاب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- القرآن وتلقوه شفاهاً منه، فهذا ابن مسعود أحد كبار الصحابة وأعلام رواة القرآن وتجويده وتحقيقه وترتيله يقول:
" حفظت من فِيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعة وسبعين سورة".
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث إلى من كان بعيد الدار من الصحابة من يعلمهم ويقرئهم ويلقنهم القرآن العظيم.
فبعث مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته يعلمانهم ويقرآنهم القرآن، ولما فتح النبي مكة خلف على أهلها معاذ بن جبل، وكان عبادة بن الصامت يعلم أهل الصفة القرآن، ولما فُتح الشام أرسله عمر بن الخطاب ومعاذا وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن هناك.
وواضع أن من أحكام القراءة ما لا يمكن إحكامه أبداً إلا بالتلقي الشفهي، فالتفخيم والترقيق والمد والقصر والإدغام و الإظهار والإخفاء والروم والإشمام والإبدال والنقل والإقلاب والحذف والإبات والإحاق والإالة والفتح، وما بيهما وتخفيف الهمزة وما إلى ذلك، وكذلك إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها، ورد كل منها إلى مخرجه وأصله والنطق به على كمال هيئته من غير إسراف ولا تسعف ولا إفراط ولا تكلف لا يحققه إلا الملقن الضابط.
لقد كانت القبائل العربية متعددة اللجات، تتباين في النطق والتعبير كما هي الحال اليوم في أقطارنا العربية، فأقرأهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بلهجاتهم، فكانت اللهجات التي ظهر فيها بعض الخلاف، مما جعل الرجل يسارع إليه حين يختلف مع أخيه في القراءة يستوضح منه الصواب فيجيب: كلاهما على صواب.
لقد كان بين القبائل العربية اختلاف في نبرات الأصوات وطريقة الأداء، فكان فيهم من يضغم ومن يظهر، ومن يخفي ومن يبين، ومن يميل ومن يفتح، ومن يفخم ومن يرقق، ومن يمد ومن يقصر إلى آخر كيفيات النطق المختلفة.
وأمام هذه الفروق التي يصعب على الناس التخلص منها والدين الذي نزل به القرآن يسر دائماً أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يُقْرِئ القرآن بأحرف مختلفة، حيث إن القرآن العظيم قد نزل على سبعة أحرف، تلك هي الصورة الصوتية للقرآن العظيم، حفظها أصحابه عن ظهر قلب، فكيف كانت الصورة المدونة المكتوبة لهذا الكتاب السماوي في الزمن الذي نتحدث عنه، زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
لم يكن تدوين الكتاب أمراً شائعاً في ذلك الزمن، وكانت الكتابة في حواضر الحجاز زمن البعثة قليلة الانتشار، وكانت وسائلها بدائية وغير ميسورة، إلا أن حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على حفظ كلمات الله -عز وجل- قد دفعه على العمل على تدوينها فور نزول، فاتخذ كتاباً يكتبونها أول بأول، يلازمونه في كل مكان يحل فيه ليؤدوا هذا العمل الذي تفرغوا له.
رسمت الحروف الأولى للقرآن الكريم بيد كتاب من قريش في مكة، وكتاب من الأنصار في المدينة، حتى بلغ عددهم ثلاثة وأربعين كاتباً، وقد تشرف بالكتابة الخلفاء الأربعة، وعامر بن فهيرة، وعبدالله بن الأرقم، وأبي بن كعب، وثابت بن قيس بن شماس، وخالد بن سعيد بن العاص، وحنظلة بن ربيع الأسيدي، وشرحبيل بن حسنة وغيرهم -رضي الله عنهم أجمعين- وكان ألزمهم بذلك وأخصهم به معاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت الأنصاري.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأورد الجهشياري في كتاب الوزراء والكتاب، وابن عبد ربه في العقد، والمسعودي في التنبيه والإشراف أسماء الذين كتبوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعلوهم مراتب، وقدروهم منازل، فكتاب يكتبون بين يديه -صلى الله عليه وسلم- فيما يعرض من أموره وحوائجه، وآخرون يكتبون بين الناس المداينات وسائر العقود والمعاملات، وآخرون يكتبون أموال الصدقات، وكاتب يكتب خرص الحجاز، أي: ما على النخل من الرطب، وآخر يكتب مغانم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثالث يكتب إلى الملوك ويجيب على رسائلهم، ويترجم بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، وكتاب آخرون يكتبون الوحي.
ثم يعقب المسعودي بقوله: " وإنما ذكرنا من أسماء كتابه -صلى الله عليه وسلم- من ثبت على كتابته، واتصلت أيامه فيها وطالت مدته، وصحت الرواية على ذلك من أمره دون من كتب الكتاب والكتابين والثلاثة، إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتبا ويضاف إلى جملة كتابه.
خُطت حروف القرآن الأولى ورسمت بالحبر على العظام والحجارة، وسعف النخل وجلود الحيوانات الرقوق، وعلى الورق والبردي، وعلى مواد مختلفة، فكيف كانت صورة الحرف والرسم هذه؟
لقد حمل العرب القرشيون أثناء رحلة الشتاء والصيف صورة الحرف من ديار الشام، وكان للأنباط دور كبير في تعليم القرشيين رسوم حرفهم ونهج إملائهم، وقد ظهر ذلك واضحاً جلياً في رسمهم للمصحف وإملائه.
والأنباط هم العرب الشماليون الذين امتدت دولتهم في القرن الرابع قبل الميلاد وما قبله من شمال الجزيرة العربية إلى جنوب الشام، وضمت فلسطين وشرق الأردن ودمشق، وسيطروا على البلاد الآرامية.
وكانت لهم حاضرتان هما سلع أو البتراء، أو الأصح ما كانت تسمى به البتراء قديماً وهي الرقيم، على ما تشهد به الوثائق الأثرية، وما إطلاق البتراء إلا اصطلاح أغريقي، والبتراء وسلع والرقيم تعني الصخرة.
والحاضرة الثانية هي الحجر أو مدائن صالح في الجنوب، وكانت هذه المنطقة حينئذ عامرة بالأشجار والمياه، لقد هيمن الأنباط منذ القرن الرابع قبل الميلاد على طرق التجارة بين جنوب الجزيرة العربية حتى البحر الأحمر، وبين الشام ومصر، وازدهرت مملكتهم بسبب توسطهم الطريق التجاري، إذ كانت البضائع تنتقل من الهند وإفريقيا الشمالية إلى اليمن، ومن اليمن إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق صنعاء، مكة، يثرب، العلا، الحجر، مدائن صالح، فالرقيم البتراء، ومنها كانت توزع إلى مصر و اليونان وإيطاليا والشام، وكانت البضائح خاضعة للرسوم المالية.
لقد ظلت الطريق التجارية بين مكة ويثرب والشام تسلكها القوافل حتى بعد ظهور الإسلام، وقوافل الحجيج أيضاً، وكان عرب الشمال يقيمون في مدائن صالح والبتراء الرقيم في غدوهم ورواحهم، فاقتبسوا منهم أساليب الحياة وطرق الكتابة.
وقد أدى ازدهار مملكة الأنباط وتدفق المال عليها إلى اتباعها في القرن الثاني قبل الميلاد سياسة الغزو، فسيطرت على جميع طرق القوافل التجارية واحتلت دمشق زمن ملكها حارثة الثالث.
لقد تأثر الأنباط بالحضارة الآرامية، وما لبثوا أن تمثلوا هذه الحضارة وابتدعوا حضارة جديدة، ومازالت المباني الضخمة في البتراء ومدائن صالح شاهدة على علو كعبهم في ميدان الفن والعمارة، كما أخبر عنهم القرآن الكريم في قوله تعالى:
? وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ? [سورة الشعراء، الآية 149].
استخدم الأنباط بادئ ذي بدء الآرامية والقلم الآرامي في كتابتهم، وظلت الكتابة الأنباطية مستعملة بعد زوال مملكتهم لعدة قرون، فقد طوروا الخط الآرامي حتى ابتعد عن أصله عبر أدوار ثلاثة استغرقت بضعة قرون، إلا أن فنيت في الدور الأخير لتظهر في كتابة أخرى هي الكتابة العربية.
لقد الحل الأنباط محل الإيدوميين في القرن السادس قبل الميلاد، ومنهم أخذوا اللغة والكتابة الآرامية لاستخدامها في نصوصهم التذكارية وفي تجارتهم الدولية.
إن الكتابة النبطية هي أقدم الكتابات العربية الشمالية، وقد يرجع تاريخها إلى القرن الخامس قبل الميلاد، والكتابة النبطية هي كتابة آرامية سُجلت بلغة عربية، كما يدل على ذلك نص اكتشف في النقب عام تسعة وسبعين وتسعمائة وألف، وقدر زمنه في أواخر القرن الميلادي الأول، ويعرف هذا النص بنقش عبادة.
(يُتْبَعُ)
(/)
كما كتب بالحرف النبطي وباللغة العربية أيضاً النقش الشهير من عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة ميلادية والمعروف باسم نقش امرئ القيس ملك العرب، المكتشف في موقع النمارة شرق جبل العرب جنوب سوريا، وهو محفوظ في متحف اللوفر بباريس.
وكذلك نقوش أخرى نرى فيها تحوير الخط الآرامي ليصبح مع الزمن أكثر ربطاً للحروف بعد أن انغلقت فيه بعض الحروف.
وأما نقش أم الجمال الذي اكتشف على بعد خمسة وعشرين كيلو متراً جنوب بصرى الشام، ويعود تاريخ للعام خمسين ومائتين ميلادية، وهو لقبر فهر بن سلم مربي جذيمة ملك تنوخ المعاصر لزينب ملكة تدمر، وقد كتب بالخط النبطي، نلاحظ فيه اندماج الحرف واتصاله، بحيث أصبح قريباً للحرف العربي واتصاله، ولو دققنا النظر في كتابته لوجدناه قريباً كل القرب لخطنا الحالي، ولنعمد إلى دراسة هذا النقش دراسة بليوغرافية فماذا نجد؟
في السطر الأول نقرأ " دنه نفشو فهرو " أي هذه نفس أو هذا قبر، ونلاحظ أن حرف الدال في دنه هو الغريبن ولو قلبناه لاستقامت الكلمة وأصبح الحرف عربياً.
وفي الكلمة الثانية " نفشو " والتي تتألف من مقطعين لو جمعنا المقطع الأول مع المقطع الثاني بتصرف بعد أن ننزل حرف الواو لقرأنا الكلمة بسهولة.
وكذلك كلمة " فهرو " وكلمة " بر " لننزل حرف الراء فإذا هي مستقيمة قوية.
وفي كلمة " سُليم " نلاحظ الوضوح، وكذلك في كلمة " مربي " " بر " و " جذيمة " و" ملك تنوخ " ونستطيع أن نقرأ النص بسهولة ونفهمه " دنه نفشو فهرو برشلي رب جزيمة ملك تنوخ " أي: هذا قبر فهر بن سليم مربي سليمة ملكة نوخ.
لقد تولدت الكتابة ونمت في شمال الجزيرة العربية في بلاد الأنباط، ثم انتقلت واتجهت مع قوافل التجارة إلى الجزيرة العربية إلى مكة والحجاز بعد أن اكتملت خصائصها، واستقرت قواعدها وصادفت استخداماً واسعاً، وحين استخدمها الصحابة -رضوان الله عليهم- استخدموها بمعرفة تامة في تدوين متطلبات الدولة الجديدة وتدوين القرآن، خلافاً لما يقوله ابن خلدون في مقدمته وابن قتيبة من أن الصحابة كانوا أميين لا يكتب منهم الواحد والاثنان، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب بالتهجي، ووصمهم بالجهل في الكتابة.
إن كثرة الكتاب والتخصص في الكتابة ينافي وصم ما حدثنا عنه بعض المؤرخين، كما أن كثرة الكتب والرسائل التي أرسلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- تبين أن الكتابة والقراءة كانت منتشرة في الجزيرة العربية وبين القبائل، وإلا فما جدوى كتابة كتب لأمة لا تقرأ.
وأما الخطأ في الهجاء الذي تحدث عنه ابن قتيبة وابن خلدون فإنه وهم ومردود بما سيتضح لنا من حذق الصحابة في تدوين الظواهر اللغوية التي سجلوها حين كتبوا القرآن العظيم، وهذا يظهر من خلال الرسم العثماني الذي كتب به المصحف الشريف.
إن التأمل في إملاء الأنباط يوضح عن مظاهر لا نعرفها اليوم في كتابتنا العربية، ففيها حروف يعبر رسم الحرف الواحد منها عن عدة أصوات، وفيها كلمات لا يتفق فيها المنطوق مع المكتوب.
ولقد حققت هذه الصورة وهذا الرسم تلك اللهجات والقراءات التي أقرهم عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفقاً لما تستطيعه ألسنتهم، ولحكمة أردها الله -سبحانه وتعالى- مثل الكلمات: " الحياة، الصلاة، الزكاة، النجاة، مشكاة، أشياعكم، جنات، العالمين " شاء الله أن يظل الوحي متجاوباً مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من البعثة حتى الوفاة مدة ثلاث وعشرين سنة يتنزل عليه القرآن خلالها منجماً يعلمه كل يوم جديداً ويرشده ويهديه، ويثبته ويزيده اطمئناناً.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين.
ونزول القرآن منجماً يعني نجوماً، أي خمس آيات خمس آيات لتيسير حفظ على المؤمنين في كل جيل.
لقد اكتمل نزول القرآن الكريم، وتولى النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه ترتيب الآيات وتحديد مكانها في كل صورة طبقاً لما أخبر به الوحي.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يملي القرآن على كتاب الوحي ويرشدهم إلى ترتيب الآيات والسور القرآنية، وقد ترك ترتيب السور في بادئ الأمر للصاحبة أنفسهم، ويقال: إن مصحف علي -رضي الله عنه- كان مرتباً حسب التنزيل، إذ ابتدأ بسورة اقرأ، فالمدثر، بالمزمل ... وهكذا.
وكانت نسخة الصحابي ابن مسعود تبدأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، ونسخة الصحابي أبي بن كعب تبدأ بالفاتحة، فالبقرة، فالنساء، فآل عمران ... وهكذا، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اكتمل نزول القرآن رتب سوره على النحو الذي بين أيدينا اليوم، وانتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن انتظم القرآن في مائة وأربع عشرة سورة، سميت كل صورة بما ابتدأت بها، أو بكلمة وردت فيها، أو بموضوع بارز، أو بقصة تدور حولها.
وعرفت بعض السور بأكثر من اسم، كسورة الفاتحة التي عرفت باسم " أم الكتاب، والسبع المثاني " و "الحمد "، وسورة التوبة بـ " براءة " وسورة الأسراء بـ " بني اسرائيل " وسورة فاطر بـ " الملائكة " وسورة المؤمن بـ " غافر " وسورة محمد -صلى الله عليه وسلم- بـ " القتال " وسورة النبأ بـ " عم ".
إن ترتيب السور على ما نراه اليوم، كترتيب الآيات هو توقيفي من الله -عز وجل- بالرغم من أنه لم يجمع بين دفتي مصحف واحد زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فالقراء ومستظهرو القرآن كانوا كثيرين، وكان -عليه السلام- يترقب توالي نزول الوحي عليه، فالقرآن كله كتب في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير مجموع في مصحف واحد، وقد أغنى عنه حفظ الصحابة له في صدورهم.
قال الزركشي: " وإنما لم يكتب في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- مصحف لئلا يفضي إلى تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته -صلى الله عليه وسلم- ".
وكان كل ما يكتب يوضع بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وينسخ الكتاب لأنفسهم نسخة منه، فتعاونت نسخ هؤلاء الكتاب والصحف التي في بيت النبي مع حافظة الصحابة الأميين وغير الأميين على حفظ القرآن وصيانته، مصداقاً لقوله تعالى:
? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [سورة الحجر، الآية 9].
القرآن العظيم زمن أبو بكر وعمر رضي الله عنهما:
ألقت الخلافة قيادها إلى أبي بكر -رضي الله عنه- بعد غروب شمس النبوة، وواجته في خلافته مصاعب جمة، كانت أولاها في السنة الثانية عشرة للهجرة حين استشهد سبعون حافظاً أثناء موقعة اليمامة في حروب الردة، فهال الأمر سيدنا عمر بن الخطاب، وجاء يقترح على أبي بكر الخليفة جمع القرآن المكتوب متفرقاً في العظام والحجارة وسعف النخل والرقاع ومن أوراق وجدت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وشرح الله صدر أبي بكر فأخذ بمشورة عمر، وأسند المهمة لكاتب الوحي زيد بن ثابت، الذي شهر العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته -صلى الله عليه وسلم- وزيد معروف بشدة ورعه، وعظم أمانته، وكمال خلقه.
يقول: زيد أرسل إليَّ أبا بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر: " إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن " قت لعمر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! فقال عمر: " والله إن هذا خير " فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، وقد رأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: وقال أبوبكر: إنك رجل شاب لا أتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه، قال زيد: " فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن " قلت: " كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله -صلى عليه وسلم-؟ " .. فقال: " هو والله خير " .. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العشب واللخاف وصدور الرجال.
(يُتْبَعُ)
(/)
نسخ زيد القرآن العظيم في صحائف من الرق ذات طول واحد وعرض واحد، مرتبة بين دفتين، وربطها بخيط وأودعها بيت الخليفة أبي بكر، فلما توفاه الله انتقلت الصحائف إلى الخليفة عمر، ثم إلى ابنته السيدة حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنهم أجمعين- قال علي رضي الله عنه: " رحمة الله على أبي بكر، كان أعظم الناس أجراً في جمع المصاحف، وهو أول من جمع بين اللوحين " .. وهكذا تغيرت الصورة التي كان عليها القرآن الكريم إلى صورة جديدة ذات مظهر حسن جميل.
لقد كتب زيد القرآن العظيم بنفس الخط والإملاء الذي كتب عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويجب أن نعلم أن العرب في هذه الفترة الزمنية كانوا يكتبون بنوعين من الخط، خط لين يميل إلى السهولة والاستدارة يسطرون به الرسائل والأمور اليومية، مثل رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المنذر بن ساوى ملك البحرين وعامل كسرى عليها، وفيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم:
من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك، فأني أحمد الله إليك الذي لا إله غيره، وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، أما بعد:
أذكرك الله -عز وجل- فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، ومن يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإني قد شفعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذنوب فأقبل منهم، وأنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية".
وأما النوع الثاني من الخط والذي كان سائداً فهو يابس جاف، يميل إلى التربيع والزوايا، يطلق عليه اسم: الخط المزوي، وتسطر به الشئون الجليلة العظيمة، وهو ما كتبت به الصحائف، وأطلق على نوع الخط هذا اسم الخط المكي فالمدني فالكوفي.
وهو أقرب ما يكون إلى صورة المصاحف الكوفية التي تختزنها متاحف العالم اليوم، كهذه الوثيقة التي يحتفظ بها المتحف البريطاني، وهي صفحة من القرآن الكريم من سورة " يس " من الآية الرابعة وحتى الآية الحادية والعشرين.
وهكذا تستمر الكتابات والآيات بالخط المكي المائل إلى قوله تعالى:
? اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ? [سورة يس، الآية 21].
لأول مرة ظهرت كلمة: مصحف بعد أن جمع القرآن بين دفتين في عهد الخليفة أبي بكر --رضي الله عنه- وكان سالم بن معقل المتوفي سنة اثنتي عشرة للهجرة أول من أطلق على كتاب الله -عز وجل- هذه اللفظة والتسمية.
المصدر: قناة المجد الوثائقية / رحلة القرآن العظيم (1) ( http://majddoc.com/main.aspx?function=Item&id=11606&lang=#top)
علماً أنه يمكنك من خلال موقع القناة مشاهدة هذه الحلقات، وحفظها أيضاً بصيغة وورد.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 May 2007, 08:32 ص]ـ
هنا بقية الحلقات: رحلة القرآن العظيم ( http://majddoc.com/main.aspx?function=Category&id=245&lang=) .
وليت أحد الأعضاء الكرام يتكرم بنقلها هنا متسلسلة مع تنسيقها بشكل جميل، فقد يتوقف ذلك الموقع فنفقد تلك الحلقات. شكر الله لمن يتفضل بعمل ذلك مقدماً.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:39 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (2)
امتدت الفتوحات في عصر سيدنا عمر وسيدنا عثمان -رضي الله عنهما- وكثر الداخلون في الإسلام دين الله الحنيف: ? إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ? [سورة النصر].
وازدادت حاجة الداخلين إلى معرفة تعاليم الدين الجديد، فظهرت المصاحف في الأمصار من إملاء كبار الصحابة الذين كانوا يعلمون القرآن بلهجاتهم قراءاتهم السبع، التي أجاز لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- القراءة بها تيسيرًا عليهم.
فكان أن ظهر الخلاف بين المتعلمين الذين يتلقون القراءة، وصار كل واحد يتطاول على أخيه بقراءته، ويخال أن قراءته هي الأصح.
كما وقع الخلاف في جيش الفتح على أرض أرمينية، وتشاجر الجند فيما بينهم، بسبب اختلاف اللهجات في قراءة القرآن، مما دفع حذيفة بن اليمان أن يشكو أمرهم للخليفة عثمان بقوله: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتدارك عثمان الأمر فجمع أعلام الصحابة وتدارس معهم أمر هذه الفتنة وأسبابها وعلاجها، واجتمع الرأي على ضرورة عمل نسخ من القرآن الكريم ترسل للأمصار، وتكون أصلاً لقراءة كتاب الله وكتابته، يرجع إليها كلما دعت الحاجة.
وأرسل سيدنا عثمان -رضي الله عنه- إلى أم المؤمنين حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها.
فشكل لجنة رباعية قوامها: زيد بن ثابت، و عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وقد حددت مهمة اللجنة في أن تعمل على إخراج نص مكتوب للقرآن العظيم من الأصل المحفوظ عند أم المؤمنين حفصة، وأوصى الرهط القرشيين الثلاثة قائلاً: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم.
وكانت مهمة اللجنة صعبة في التوفيق بين لهجات العرب، ولكن لهجة قريش كانت ملاذهم الأخير.
شرعت اللجنة الرباعية في تنفيذ قرار الخليفة عثمان سنة خمس وعشرين للهجرة، واستغرق العمل سنة بكاملها، نسخت فيه اللجنة أربع نسخ على الرق، أرسلها الخليفة إلى الكوفة والبصرة والشام، واحتفظ بنسخة له، وأمر بحرق كل صحيفة أو مصحف سواه.
وأرسل مع كل مصحف قارئًا ليضع بذلك حدًّا لأي خلاف واختلاف يقع في الرسم أم في القراءة.
فقد أرسل القارئ المغيرة بن هشام للشام، وأبا عبد الرحمن السلمي للكوفة، وعامر بن عبد القيس للبصرة.
قال سيدنا علي -رضي الله عنه-: لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا، ولو وليت ما ولي لعملت في المصاحف ما عمل.
أعاد سيدنا عثمان بن عفان الصحف التي اطلعت عليها اللجنة لأم المؤمنين حفصة ابنة عمر -رضي الله عنها- فاحتفظت بها ولم تفرط فيها، فلما توفيت أخذها مروان بن الحكم من أخيها عبد الله بن عمر، فغسلها ثم أتلفها وأحرقها.
كتبت المصاحف الأولى بخط مكي مدني واضح بين محكم رصين، ليس فيها تشكيل ولا تنقيط، خالية من أسماء السور والفواصل، وبينها وبين الآيات مساحة قليلة فارغة ليس فيها ما يشير إليها، وبمداد حبر أسود على رق، وبمقاس كبير شبه مربع.
وبإملاء ورسم عرفا فيما بعد بالرسم العثماني، نسبة للخليفة عثمان -رضي الله عنه- مع أن عثمان لا علاقة له بهذا الرسم وهذا الإملاء، فلم يضع قواعده ولم يمل هجاءه، وإنما أمر بكتابته بذات الصورة التي كتب بها أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- والتي أوضحنا من قبل بأنها مستمدة من رسوم الأنباط الذين أثروا في إملاء العربية لحكمة أرادها الله.
لقد كتب الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- القرآن العظيم برسم إملائي يجد فيه الدارس اليوم بعض الغرابة؛ لأنه يطلق حكمه من منطلق تطور الرسم الذي نكتب به اليوم، بعد أن تطورت الكتابة وأخذ رسومها حذفًا ووصلاً لكلمات كثيرة.
وإن كثيرًا من الكلمات يتغير رسمها عن منطوقها أثناء درج الكلام وحين الوقوف، ولابد للمتأمل في الرسم أن يعلم أن قواعد الهجاء التي نكتب بها اليوم قد جاءت في مرحلة لاحقة بعد التطور الذي حل برسوم العربية من نقط وشكل وضبط.
ورسم المصحف بشكله القديم يفيد في توجيه القراءات التي نزل بها القرآن ولهجات العربية المختلفة.
فإضافة الألف مثلاً في ثمود في قوله: ? وَعَادًا وَثَمُودًا ? [الفرقان: 38] تفيد قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع؛ لأنهم قرءوها بالتنوين ? ثَمُودًا ?.
وزيادة الألف في "ملاقوا" "نصروا" "يعفوا" كزيادة الألف في "مائة" أو الواو في "أولئك"، كي لا تقرأ منه أو "إليك" لأن الكتابة كما نعلم لم تكن مشكولة ولا منقوطة من قبل.
وقد تحدثنا عن التأثيرات النبطية في الإملاء، كحذف الألف الطويلة كما في "العالمين".
وكتابة التاء المبسوطة في النبطية تكتب الأسماء المؤنثة بالتاء في معظم الحالات، كأن نكتب خالة "خلت"، ووائلة "ويلت"، وغزالة "غزلت"، وسنة "سنت".
إن سر الرسم القرآني العثماني يحتاج إلى دراسة مفصلة واعية بعيدة عن الهوى، وتتعلق بدراسة تطور الكتابة مما قبل عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لنحكم في النهاية على أن هذا الشكل من الرسم كان متطورًا في زمنه، ويوافق في كثير من الأحيان المنطوق المرسوم.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن كتابة الزكاة، الحياة، النداة، مشكاة، النجاة، الربا، من تأثيرات الكتابة النبطية وتحمل أسرار الأصوات في طريقة النطق للهجة من اللهجات العربية التي نزل بها القرآن الكريم.
يقول ابن الجوزي: إن كتابة الصحابة للمصحف مما يدل على عظيم فضلهم في علم الهجاء خاصة وثقوب فهمهم في تحقيق كل علم.
واستدل السيوطي على قدم علم النحو بما منه كتابة المصحف على الوجه الذي يعلله النحاة في ذوات الواو والياء والهمزة، والمد والقصر.
فكتبوا ذوات الياء بالياء، وذوات الواو بالألف، إن قواعد الإملاء العادي لم يتفق عليها واضعوها وهي عرضة للتغيير والتبديل، ومتطورة على مدى الزمن، فواجب الحذر والتحرز يقتضي من المسلمين أن ينزهوا القرآن في رسمه عن قواعد مختلف فيها ومطلوب تغيرها، وربما يؤدي الترخص في الرسم إلى التحريف.
وسبق أن حاولت إسرائيل وعمدت إلى تحريف كتاب الله، فطبعت مائة ألف نسخة سنة إحدى وستين وتسعمائة وألف ووزعتها في البلاد الإفريقية والآسيوية وبدلت عبارات وحذفت أخرى، وأسقطت آيات.
ووجه شيخ الأزهر حينها برقية يقول فيها: إن إسرائيل التي قامت على البغي والطغيان والاعتداء على المقدرات والمقدسات ما زالت تعيش في هذا العبث، وتحيى في إطار هذا الطغيان، وإنها بتحريفها القرآن الكريم، تريد القضاء على معتقداتنا وديننا، وهي بذلك تمارس ما كان عليهم آباؤهم من تحريف الكلم عن مواضعه.
وانعقد مؤتمر إسلامي استعرض جريمة التحريف، وكان الرد بتسجيلات المصحف المرتل وتوزيع اسطوانات في الدول التي وزعت فيها إسرائيل المصاحف المحرفة، وباءت إسرائيل بالفشل والخزي، والله حافظ لقرآنه ومتمم نوره ولو كره الصهاينة.
يوجد في العالم اليوم أربعة مصاحف تنسب لسيدنا عثمان ولزمنه.
واحد في طشقند، ويعرف بالمصحف السمرقندي، حيث كان في جامع خوجا عبيد الله الأحرار ثم اشتراه حاكم تركستان ونقله إلى بطرس بيرج فوضع في دار الكتب القيصرية، وكان الناس يزورونه، ثم نشرته جمعية الآثار القديمة على يد الخطاط المصور الروسي "باركس" وطبعت منه خمسين نسخة.
ولما كان الانقلاب البلشفي أواخر سنة سبع عشرة وتسعمائة وألف ميلادية حمل المصحف في حفل عظيم وتحت حراسة مشددة من الجند إلى النظارة الدينية وبقي فيها خمس سنوات.
وفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وألف ميلادية نقل إلى تركستان، وبقي في سمرقند فترة طويلة وهو الآن في طشقند في مكتبة الإدارة الدينية.
والمصحف السمرقندي هذا مكتوب على الرق بمساحة قدرها ثمان وستون بثلاث وخمسين سنتيمترًا، وعدد ورقاته ثلاثمائة وثلاث وخمسون ورقة.
وهو خال من النقط والشكل والتزيين ومكتوب بخط كوفي محقق رصين، وكل صفحة من صفحاته تحتوي على اثني عشر سطرًا.
قال تعالى: ?وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا ? [الأعراف: 87 - 89].
ويتساءل بعض المؤرخين عن الطريق الذي وصل منه هذا المصحف الإمام إلى سمرقند ويفترضون حلولاً، فمنهم من قال إنه كان هدية من السلطان المملوكي الملك الظاهر ركن الدين بيبرس لبركة خان، خان القبيلة الذهبية لأن بيبرس تزوج ابنته.
ومنهم من قال بل هو المصحف الذي رآه ابن بطوطة ووصفه أثناء زيارته للبصرة، وانتقل منها على يد تيمور لنك إلى سمرقند.
وصورة الخط في هذا المصحف هي أقرب ما تكون إلى صورة الكتابة التي كتب بها المصحف الإمام.
ومن النقاد من يقول إن هذا المصحف لا يرقى إلى زمن الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وإن الصنعة ظاهرة عليه، ويشبه مصحف القيروان، ويعود للقرن الثاني أو الثالث الهجري، إذ الخطوط فيه مستقيمة وكأنها رسمت بمسطرة.
والمصحف الثاني المنسوب لسيدنا عثمان -رضي الله عنه- موجود بالقاهرة وهو مكتوب على الرق بدون شكل أو نقط.
يذكر المقريزي أن رجلاً من أهل العراق قدم إلى مصر في الخامس من المحرم سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة هجرية في خلافة العزيز بالله الفاطمي وأحضر معه مصحفًا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ذكر أنه مصحف عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وأنه كان بين يديه يوم الدار، وكان فيه أثر الدم.
وذكر أنه استخرج من خزائن المقتدر، ودفع المصحف إلى عبد الملك بن شعيب المعروف بابن بنت ولد القاضي، فأخذه أبو بكر الخازن وجعله في جامع عمرو وشهره، وجعل عليه خشبًا منقوشًا، وكان الإمام يقرأ فيه يومًا وفي مصحف أسماء يومًا، وذلك إبان العزيز بالله لخمس خلون من المحرم سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة.
ويعلق المقريزي على ذلك بأن قومًا ينكرون أن يكون المصحف المشار إليه مصحف عثمان -رضي الله عنه- لأن نقله لم يصح ولم يثبت برواية رجل واحد.
ويورد السمهودي خبرًا آخر يقول: إن بالقاهرة مصحفًا عليه أثر لدم عند قوله تعالى: ? فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ ? [البقرة: 137]، كما هو بالمصحف الشريف الموجود اليوم بالمدينة.
ويذكرون أنه المصحف العثماني، وكذلك بمكة، والمصحف الإمام الذي قتل عثمان -رضي الله عنه- وهو بين يديه لم يكن إلا واحدًا، والذي يظهر أن بعضهم وضع خلوقا على تلك الآية تشبيهًا بالمصحف الإمام.
ولعل المصحف هذا من المصاحف التي بعث بها عثمان رضي الله عنه.
ظل هذا محفوظًا بمدرسة القاضي الفاضل، وكان بها مكتبة لا نظير لها، ثم تفرقت هذه الكتب وتخربت المدرسة، فنقل السلطان الأشرف "قانسوه الغوري" هذا المصحف إلى القبة التي أنشأها تجاه مدرسته.
وبقي فيها حتى سنة خمس وسبعين ومائتين وألف هجرية، ثم نقل مع آثار نبوية أخرى إلى المسجد الزينبي، ثم إلى خزانة الأمتعة بالقلعة، وفي سنة أربع وثلاثمائة وألف هجرية نقل إلى ديوان الأوقاف، ومن هناك في العام التالي إلى قصر عابدين، ثم إلى المسجد الحسيني في نفس السنة، وما يزال محفوظًا به حتى يومنا هذا.
وأما المصحفان الثالث والرابع فهما موجدان في استانبول واحد بمتحف الآثار الإسلامية، والآخر في متحف الأمانات المقدسة بـ"طبقابي سراي" وكلاهما مكتوب على الرق بمداد حبر داكن وبمقاس مختلف وأسطر مختلفة.
ونقرأ في مصحف الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ويقال إن دماءه عليه وهو الموجود في "طبقابي":
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا (4) وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ? [النساء: 1 - 4].
إن مصحف الخليفة عثمان هذا المحفوظ بـ"طبقابي سراي" منقوط باللون الأحمر، وفي آخر الآية أحيانًا دائرة تشغلها خطوط هندسية.
وقيل إنه كتب بخط الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلا أن هذه العلامات تؤكد على بطلان القول إنه من المصاحف العثمانية، كما أن فيه رقش ونقط وهذا ما ليس من مزايا المصاحف العثمانية.
* ما قيل عن المصاحف المنسوبة
تذكر بعض المصادر التاريخية أن مصحف الإمام الخاص به كان محفوظًا في جامع قرطبة وأنه ظل محفوظا به حتى سنة اثنتين وخمسين بعد الخمسمائة بعد أن نقله عبد المؤمن بن علي خليفة الموحدين إلى مراكش وظل بالمغرب حتى عهد بني مرين.
يروي الإدريسي في نزهة المشتاق: إن جامع قرطبة كان يحتفظ في مخزنه الواقع إلى يسار المحراب بمصحف كان يرفعه رجلان لثقله، وهذا المصحف كان يضم أربع أوراق من مصحف عثمان بن عفان الذي خطه بيمينه، وفيه نقط من دمه.
لقد نظم الشعراء قصائد كثيرة منها ما أنشده الوزير يحيى بن محمد بن عبد الملك بن طفيل.
جزى الله عنا للأنام خليفة ... به شربوا ماء الحياة فخلدُو
بمصحف عثمان الشهيد وجمعه ... تبين أن الحق بالحق يعضدُ
(يُتْبَعُ)
(/)
رأى أثر المسفوح في صفحاته ... فقام لأخذ الثأر منه مؤيدُ
عندما نقل عبد المؤمن بن علي مصحف عثمان إلى المغرب احتفل الناس في الاعتناء بكسوته، وأبدلها فبعد أن كانت من الجلد القاتم كساه بصفائح الذهب المرصعة بالآلي النفسية والأحجار الكريمة من يواقيت وزمرد.
ولم يكن عبد المؤمن بن علي وحده الذي وجه اهتمامه بمصحف عثمان، فقد تابعهم في ذلك أبناؤه وأحفاده، فكانوا يتفنون في تزيينه بمزيد من الجواهر النادرة، وأضيفت الأحجار الكريمة لدفتيه حتى استوعبوهما وكانوا دائمًا يحضرونه في مجالسهم في ليالي رمضان، ويباشرون بالقراءة فيه، ويصفحون ورقه بصفيحة من الذهب تشبه المسطرة.
لقد أفاضت المصادر في وصف ما زينت به كسوة هذا المصحف بعد انتقاله إلى المغرب، يذكر عبد الواحد المراكشي أنه في عهد الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف أرسل ملك صقلية إتاوة مالية للموحدين وفي ذخائر لم يكن عند ملك مثلها، منها حجر ياقوت لا يقدر بمال، كان يسمى الحافر الأحمر، على شكل حافر الفرس.
كللوا به غلاف المصحف العثماني إلى جانب أحجار كريمة نفيسة أخرى.
وصنع للمصحف كسوتان واحدة من السندس الأخضر يخرج بها للناس عامة، وأخرى عظيمة قيمة يخرج بها لخاصة الناس.
كما صنع الموحدون محملاً خشبيًّا مرصعًا ومنقوشًا ومغلفًا بصفائح ذهبية، وصنع لذلك المحمل كرسي يحمله، رصع بدوره بأجمل اليواقيت وأحلى الدرر.
ثم جعلوا لكل هذا تابوتاً كبيرًا مكعب الشكل به مشكاة، وقد ركب الصناع في أحد جوانبه بابًا عليه دفتان، وتفنن الصناع في طريقة فتح بابه وغلقه بحركات هندسية فنية، فقد كان له مفتاح يترتب عليه أربع حركات، أولها انفتاح الباب بانعطاف الدفتين، ثم خروج الكرسي من تلقاء نفسه، ثم يتحرك المحمل في ذات الوقت من مؤخر الكرسي إلى مقدمه، فإذا تم خروج الكرسي والمحمل انغلق الباب من تلقاء نفسه.
قتل سيدنا عثمان -رضي الله عنه- وهو يقرأ القرآن، وصبغت دماؤه صفحات ومداد القرآن العظيم، وانتشر الإسلام في أرجاء الأرض ووصلت المصاحف التي أمر بها إلى الأمصار.
وسارع المسلمون إلى نسخ المصاحف منها، حرفًا بحرف، وكلمة بكلمة، واشتهر أئمة بالقراءة والكتابة، ولاقى القرآن عناية ما عرفت البشرية كلها بكتاب مثيلاً.
وتمر الأيام، ويدخل في الدين الجديد آلاف وآلاف من غير العرب أبناء البلاد المفتوحة، أولئك الذين لا يحسنون التكلم بالعربية، وهم يتشوقون لقراءة القرآن الكريم وفهم معانيه واتباع تعاليمه.
فكان أن تسرب اللحن وفشا الغلط، وكان لابد من وضع ضوابط لشكل القرآن العظيم ولنقطه، حتى لا يخطئ فيه من كان أعجمي اللسان.
* حكاية النقط .. الإعراب .. التشكيل
وكانت حكاية بداية نشوء النقط الذي نعني اليوم التشكيل للحرف العربي، وهو إعراب اللفظ كي لا يتسرب اللحن أي الغلط إلى اللسان ويتغير المعنى ويفهم منه غير المقصود فيختلط الأمر.
لقد سمع ظالم بن عمرو بن سفيان الشهير بأبي الأسود الدؤلي حوالى سنة ثمان وثلاثين للهجرة قارئا يقرأ قوله تعالى: "أن الله بريء من الله ورسوله" بجر لام رسوله بدل الرفع، وهذا كفر من غير شك.
فقال أبو الأسود: معاذ الله أن يتبرأ من رسوله وأفزعه ذلك، وشعر بخطورة الأمر، فلجأ لسيدنا علي وشرح له ما يجول في فكره، فباركه وقال له: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت.
وكان بدء علم النحو، وبدء الإعراب، وبدء النقط، وبدء التشكيل.
الصورة الأولى للتشكيل: النقط
لم تكن صورة التشكيل فوق الحروف كصورة التشكيل التي عليها حروف عليها العربية اليوم، وإنما كانت كما وضعها أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة تسع وستين للهجرة، حين اختار رجلاً من عبد القيس وقال له:
خذ المصحف وصابغا يخالف لونه مداد المصحف، فإذا فتحت شفتي فأنقط نقطة فوق الحرف، وإذا ضممتهما فأنقط أمامه نقطة، وإذا كسرتهما فأنقط تحته نقطة، فإذا اتبعته غنة أو تنوينا فأنقط نقطتين. حتى أتى على آخر المصحف.
فالتشكيل الأول كما نرى هو عبارة عن رسم دائرة نقطة بمداد حبر أحمر حتى لا تختلط بجسم الحرف، فوق الحرف لتدل على الفتحة، وتحت الحرف للخفضة أي الكسرة، وفي وسط الحرف أو بين يديه للضمة، واستخدم النقطتين لتدل على التنوين.
?إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ? [الأعراف: 206].
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي سورة البقرة نشاهد النقط الذي هو الشكل، وهو نقط أبو الأسود الدؤلي، قال تعالى: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
? ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [البقرة: 1 - 5].
وهكذا حلت مشكلة الإعراب، وصار القارئ في كتاب الله في المصحف الشريف في مأمن من الوقوع في لحن أو خطأ يشوه المعنى القرآني.
وظل هذا الأسلوب من الشكل متبعًا حتى أواخر القرن الهجري الأول، بل وحتى نهاية العصر الأموي سنة اثنتين وثلاثين ومائة للهجرة.
لم تبق الحركات من فتحة وخفضة وضمة وتنوين متفردة في القرآن الكريم بمداد أحمر لضبط كلماته، وإنما أضيفت إليها رموز جديدة لتعبر عن المهموز والتشديد والمدود.
واستخدم لها اللون الأخضر والأصفر والبرتقالي واللازورد، كي يدل كل لون على رمز صوتي.
فبينما مثلت النقطة الصفراء الهمزة عند أهل المدينة أصحاب الإمام مالك بن أنس المتوفى سنة تسع وسبعين بعد المائة من الهجرة وتبعهم في ذلك أهل المغرب والأندلس، كانت النقطة الخضراء والحمراء هي التي تمثل الهمزة عند أهل العراق والشام.
كما استخدموا النقطة الصفراء لتدل على الشدة، واستعمل أهل المدينة والمغرب والأندلس النقطة الخضراء لهمزة الوصل أو الحرف الذي لا يلفظ.
كما قامت طوائف من أهل الكوفة والبصرة فأدخلوا الحروف الشواذ في المصاحف، ونقطوها باللون الأخضر.
وربما جعلوا الخضرة للقراءة المشهورة، وجعل الحمرة للقراءة الشاذة المتروكة، وذلك تخليط وتغيير كما يقول الداني.
لقد بقي المصحف الشريف خلال هذه الفترة مكتوبًا بمداد حبر أسود أو داكن، ولم تمس حروفه ولم يتسرب إليها أي لون، وإنما كانت الإشارات النقاط فوق الحروف، هي التي استخدم المسلمون فيها الألوان.
يقول الداني: "وأكره من ذلك وأقبح منه ما استعمله أناس من القراء وجهلة من النقاط من جمع قراءات شتى وحروف مختلفة في مصحف واحد، وجعلهم لكل قراءة لونًا من الألوان المخالفة للسواد، كالحمرة والخضرة والصفرة واللازوارد، وتنبيههم على ذلك أول المصحف ودلالتهم عليه هناك، لكي تعرف القراءات وتميز الحروف، إن ذلك من أعظم التخليط وأشد التغيير للمرسوم".
لقد لعبت الألوان بصورة نقاط للشكل فوق الحروف دورًا كبيرًا في العناية برسم المصحف على مدى أربعة قرون.
كانت الغاية من ذلك ضبط القراءة حتى لا يخطئ قارئ القرآن في حرف صوتي.
ولقد كان التحفظ الصادق الأصيل في المحافظة على متن القرآن الكريم الذي كان عليه أيام عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فلم يمس أحد جسم الحرف المكتوب بمداد أسود على الرق، وما ذلك إلا لقطع السبيل على تحريفه بأية إضافة من الإضافات.
ومع ذلك فإن الجهود تتواصل حثيثة لاتخاذ التدابير التي تمنع التصحيف أو التحريف أو اللحن فيه.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:44 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (3)
? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [سورة الحجر الآية 9].
في المصحف الذي يحتفظ به مركز دراسات الحضارة والفنون الإسلامية بقصر رقادة بالقيروان بتونس نشاهد النقطة الخضراء، وقد استخدمت لتدل على الهمزة، وهي طريقة البغداديين، بينما استخدمت النقطة الصفراء لتدل على الشدة، بينما أخذت النقطة الزرقاء في كلمة مرضاة وتحت الضاد لتدل على الإمالة.
قال تعالى:
? لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ? [سورة التحريم، الآية 1].
لقد وصلتنا من هذه الفترة الزمنية أي القرن الهجري الأول والقرن الهجري الثاني عدة وثائق توضح لنا رسوم الحروف وطرق الشكل، والمتأمل في هذه المصاحف بالرغم من خلوها من الزخارف وتجردها من علامات نهايات الآيات ورءوس السور -فإنه يلاحظ روعة الفن في أداء رسوم هيكل الحرف، الذي يعبتره النقاد اليوم من أجمل الحروف وأكثرها حيوية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الوثيقة التي يحتفظ بها المتحف الإسلامي في القاهرة نلاحظ ما قلناه، ونشاهد فيها تجردها من نهايات الآيات ورءوس السور، ونقرأ من آيات أواخر سورة المؤمنون:
? وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَن يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ? [المؤمنون، الآية 109: 118].
وتأتي بعد ذلك سورة النور دون أن يكون لها رأس سورة أو أية إشارة تنبه إليها، وتبتدئ بالبسملة ثم بكلمة:
? سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ? [سورة النور، الآية 1].
ثم نقرأ في الوثيقة الثانية المحفوظة بالمتحف الإسلامي بالقاهرة:
? وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ... ? [سورة المائدة، الآية 2، 3]
ونلاحظ جمال الحرف بهيئته الناصعة التي تدل على عظمة هذا القرآن العظيم الذي اعتنى به المسلمون أشد عناية، وكان التوفيق حليفهم لأنه كلام الخالق البارئ جل جلاله.
وتنتشر اليوم في متاحف العالم عدة مصحف تنسب لسيدنا علي -رضي الله عنه- واحد في مكتبة نور عثمانية في إسطنبول، وهو مصحف مكتوب بالذهب، وأحرفه مسورة بمداد أسود على رَق مستطيل الشكل، ونقرأ في هذا المصحف سورة الإخلاص، ونلاحظها وهي محفورة بالذهب مسورة:
? قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ? [سورة الإخلاص، الآية 1: 4].
ومصحف آخر موجود في خزانة الإمام الرضا بمشهد بإيران مكتوب على الرق، وقد أوقفه الشاه عباس الصفوي سنة ثمانٍ بعد الألف هجرية غير منقوط ولا مشكول، وليس فيه نقاط ولا رءوس آيات ونقرأ فيه من سورة الحجر:
? مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ * ِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ * وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ? [سورة الحجر، الآية 17: 27].
وأما المصحف الثالث فتحتفظ به خزانة الإمام الرضا بمشهد أيضاً، وهو مكتوب على الرق، ويضم من سورة هود إلى آخر سورة الكهف. وهذا ما بقي منه عبر الأزمان، والصفحة هذه مكتوبة بخط كوفي متحول مع الإعراب والإعجام بألوان مركبة، وفيه الصحفة الثانية والثالثة مذهبتان، ونقرأ صفحة منه من سورة النحل:
(يُتْبَعُ)
(/)
? وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ? [سورة النحل، الآية 78: 80].
ونلاحظ هنا داخل دائرة العدد ثمانين، والأعداد لم تستخدم زمن سيدنا علي -رضي الله عنه- وبديهي أن العدد قد أُقحم إقحاماً، وهذا ما سنراه في الحلقات القادمة، كما أن إقحام العدد لا يدل على عدم نسبة المصحف لسيدنا علي -رضي الله عنه- كما يحتج بعض دارسي المخطوطات ويعتبرونه محدثاً لا يمت بصلة لزمن علي -رضي الله- أو عهده، ولكنا نعلم أن الأجيال كانت تتوارث هذه الوثائق وتجمل فيها وتحسن وتضيف وتُذَهب، كما حدث في السيوف المنسوبة للأئمة ولرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس بضائر ذلك من وجهة الدراسة النقدية، ونتابع مشاهدة نص هذه الوثيقة ونقرأ:
? وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ .. ? [سورة النحل الآية، 81].
ونرى أيضاً من جملة ما يشك في نسبة هذا المصحف لسيدنا علي -رضي الله عنه- أن كلمتي أكناناً وسرابيل قد رُسم فيهما حرف الألف مع أن قاعدة الرسم في ذلك الزمن لم تكن تثبت حرف الألف.
ومصحف آخر محفوظ في مدينة النجف في العراق مكتوب على الرق، فيه شكل للحركات وعلامات للعشور، وفي الصفحة أربعة عشر سطراً، ونختار صحفة منه لنلاحظ أسلوب الخط والكتابة، ونقرأ من سورة الرعد من الآية الثالثة عشرة:
? .. لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وغَيْرُ صِنْوَانٍ يُّسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ ? [سورة الرعد، الآية 3، 4].
و تستمر الآيات حتى نهاية الصفحة بقوله تعالى:
? فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ .. ? [سورة الرعد، الآية:13].
أما المصحف الذي يحتفظ به متحف طوبقابي بإسطنبول فإنه كتب الرق المبشور، أي رق أُستعمل من قبل ثم أُزيلت الكتابة منه وكتب عليه مرة ثانية، وعدد أوراقه مائة وسبع وأربعون ورقة، ونجد في آخره: وكتبه علي بن أبي طالب، وفي الصفحة سبعة أسطر بدون نقط، إلا أنه مشكول بالأحمر والأخضر، ونقرأ فيه من سورة الفاتحة:
? وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّين ? [سورة الفاتحة، الآية 5: 7].
وفي صفحة أخرى منه:
? كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ? [سورة البقرة، الآية 219].
كتبه علي بن أبي طالب.
ومصحف آخر في متحف طوبقابي بإسطنبول يُنسب لعلي -رضي الله عنه- مكتوب على الرق، فيه حركات الإعراب، وآخر الأدوات دوائر، كما حُليت أسماء السور كلها بالذهب، لقد كان سيدنا علي -رضي الله عنه- من كتاب الوحي، وكان ذا خط حسن؛ بل خطاطاً لا يجاريه بجمال خطه أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
(يُتْبَعُ)
(/)
إذا كانت مشكلة الإعراب قد حُلت بنقط أبي الأسود الدؤلي وصار القارئ لا يخطئ في القراءة فإنه مازالت الصعوبات أمام الأعجمي قائمة ليميز بين الحروف المتشابهة في السورة، فكيف يميز بين الباء والتاء والثاء والجيم والحاء والخاء وهكذا لبقية الحروف؟ لقد كثر التصحيف حتى قيل بأن كتاب عثمان لعامل مصر كان مكتوباً فيه. " إذا جاءكم الرجل فاقبلوه " فقرئت فاقتلوه. فكانت الفتنة والانقلاب على عثمان، وتصدى لهذا العمل نصر بن عاصم المتوفى سنة تسع وثمانين للهجرة، فأعاد النقط للحروف المتشابهة في القرآن ولكن بخطوط مائلة صغيرة حتى لا تختلط مع نقط التشكيل، وكان ذلك زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان المتوفى سنة ست وثمانين للهجرة، وبتكليف من الحجاج بن يوسف الثقفي المتوفى سنة خمس وتسعين للهجرة، وفي الوثيقة المحفوظة في المكتبة البريطانية بلندن نشاهد نقط نصر بن عاصم على صفحة ترجع إلى القرن الهجري الثالث، وهمزة القطع بلون أخضر، قال تعالى:
? نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ * وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ * أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ * كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ * لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ * أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ .. ? [سورة الشعراء، الآية 193: 205].
اختلف أهل المشرق والمغرب في نقط الفاء والقاف، فأخذ أهل المغرب القاعدة القديمة الأولى ونقطوا الفاء بنقطة من الأسفل، والقاف بنقطة من الأعلى، وتركوا حرفي القاف والنون بدون نقط في حالة الإفراد والتطرف؛ لأنهما لا يلتبسان بحروف أخرى، ونهج أهل المشرق على رسم نقطة على الفاء ونقطتين على القاف، ونقطوا المفرد والمتطرف، وفي الوثيقة المحفوظة في المكتبة البريطانية نشاهد نقط الفاء والقاف على الطريقة المغربية، فنقطة الفاء من الأسفل ونقطة القاف من الأعلى، كما نشاهد حرف النون المتطرف وهو خال من النقط. لقد استخدم الخطام النقطة الصفراء لتدل على همزة القطع، والنقطة الخضراء لتدل على همزة الوصل. قال تعالى:
? إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَيَنصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ? [سورة الفتح، الآية 1، 6].
* الرموز الفنية في المصحف الشريف
ظل المصحف الشريف خلال النصف الأول من القرن الهجري الأول مجرداً إلا من بعض رموز أبي الأسود، وإذا كانت الكوفة قد أخضعت خط المدينة لقواعد الصنعة فإن دمشق قد دفعت بالخط الكوفي مراحل نحو التقدم والتحسن، ونتج عن ذلك خط جميل هو الخط الشامي، وكان من الطبيعي أن يظهر خط شامي ودمشق أيام الأمويين عاصمة الملك.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد تم نقط الحروف المتشابهة في القرآن زمن عبدالملك، وجمع الحجاج بن يوسف الثقفي فقهاء المسلمين وأحضر القراء فمكثوا أربعة أشهر يصلون ليلهم بنهارهم حتى عدوا آيات وكلمات وحروف القرآن العظيم، وسووا أجزاءه وقسموه إلى ثلاثين جزءاً، وستين حزباً، ومائتين وأربعين ربعاً، وأربعمائة وثمانين عشراً، وعدد آيات القرآن العظيم على طريقة الكوفيين وهو الرأي الراجح ست وثلاثون ومئتان وست آلاف آية، وعدد كلماته تسع وثلاثون وأربعمائة وسبع وسبعون ألف كلمة، وعدد أحرفه خمسة عشر وثلاثة وعشرون وثلاثمائة ألف حرف.
إن هذا الترتيب للقرآن الكريم في زمن الحجاج لم يكن نابعاً من فراغ، وإنما كان قبل ذلك لتسهل على الحفاظ المراجعة الدائمة لآيات القرآن العظيم، فقد أخرج أحمد في مسنده وأبو داوود وابن ماجة عن أوس بن حذيفة أنه سأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: " ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة، وحزب مفصل من سورة قاف حتى يُختم ".
وقد كان سيدنا عثمان -رضي الله عنه- حريصاً على أن يتلوا القرآن العظيم جميعه كل أسبوع، فكان يبدأ ليلة الجمعة بقراءة سورة البقرة حتى نهاية المائدة، ويبدأ ليلة السبت في قراءة سورة الأنعام حتى نهاية سورة هود، ويبدأ ليلة الأحد بقراءة سورة يوسف حتى نهاية سورة مريم، ويبدأ ليلة الاثنين بقراءة سورة طه حتى نهاسة سورة طسم، ويبدأ ليلة الثلاثاء بقراءة سورة العنكبوت حتى نهاية سورة " ص " ويبدأ ليلة الأربعاء بقراءة سورة الزمر حتى نهاية سورة الرحمن، ويختم ليلة الخميس ما بقي من سور القرآن الكريم، وقد كان هذا التقسيم أساساً لما عُرف بأحزاب المصحف، وهي سبعة على عدد أيام الأسبوع، ولقد طرأ عليها التعديل بعد عثمان -رضي الله عنه- كما شاع في فيما بعد قسمة كل جزء إلى جزأين وكل حزب إلى أربعة أرباع.
لم يكن المصحف الشريف يحمل رموزاً تشير إلى هذه التقسيمات الفنية، وإنما كان مجرداً ليس فيه إلا الحرف، ثم استحب النساخ كتابة العناوين في رأس كل سورة حتى يميزوها عن جسم القرآن العظيم كي لا يعتقد الناس بأنها من القرآن، كتبوها بالذهب وبلون مغاير، وابتعدوا لها خطاً مورقاً، كما وضعوا رموز الفاصلة عند رءوس الآي فاستخدموا في البدء مجموعة من النقط على هيئة مثلث، ثم تطور هذا الشكل فاستعاضوا عنه بدائرة، وأدخلوا فيها حرفاً ليدل على العدد، ونحن نعلم أن العرب قد استعملوا حروف الهجاء للتعداد والتأريخ والسنوات، فكانت تسعة أحرف للآحاد ومثلها للعشرات ومثلها للمئات، واستخدم حرف واحد للألوف، وتسمى الحروف الهجائية في حساب الجُمل.
استعمل المسلمون الأوائل حرف الهاء للدلالة على العدد خمسة، ووضعوه داخل دائرة عند انتهاء خمس آيات، وسموا ذلك بالتخميس، واستعملوا عند نهاية كل عشر آيات حرف ياء داخل دائرة للدلالة على العدد عشرة، وسُمي ذلك بالتعشير، كما استخدم بعض نساخ القرآن العظيم رأس خاء للخمسة، و رأس عين للعشرة، ووضعوا حرف هاء بلون مذهب للدلالة السجدة.
* ظهور الأرقام
ذكر القرآن العظيم الأرقام بالكلمات كما في قوله: ? ثَانِيَ اثْنَيْنِ ? [سورة التوبة، الآية 40] ? تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ? [البقرة، 196] ? وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ? [سورة الكهف، الآية 25] ? فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ ? [سورة العنكبوت، الآية 14] ? فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ? [سورة المعارج، الآية 4] يسمى نظام كتابة الأرقام بالحروف حساب الجُمل، ويقضي بأن تساوي حرف الألف واحداً والباء اثنين والجيم ثلاثة والدال أربعة والهاء خمسة، وهكذا، فالحروف التسعة الأولى تحمل الآحاد، والتسعة الثانية هي الهاء والكاف واللام والميم والنون والسين والعين والفاء والصاد تحمل العشرات، والتسعة الثالثة وهي القاف والراء والشين والتاء والثاء والخاء والذال والضاد والظاء تحمل المئات، ويحمل حرف الغين رقم الألْف، إن هذا التقسيم عرفه العرب قبل اتصالهم بالهنود، ويسمى التقسيم والنظام هذا بالنظام العُشري، وقد أخذه العرب والهنود عن البابليين، إلا أن التطور الحضاري الذي مر به العرب في ظل الإسلام دفعهم إلى التفكير بطريقة تكون أيسر
(يُتْبَعُ)
(/)
من حساب الجُمل هذا، لقد استعمل العرب والمسلمون نظام حساب الجمل في البدء في عد آيات القرآن الكريم زمن الحجاج وكان التخميس والتعشير، إلا أن اتصالهم بالحضارات القديمة دفعهم إلى اكتشاف نظام جديد حين وجدوا أن الهنود قد تخلصوا من الحروف ووضعوا لكل رقم شكلاً يدل عليه.
وقد كان الفلكي محمد الفزاري الكوفي المتوفى سنة ثمانين ومائة هجرية وقد وضع كتاب السند هند الكبير، شرح فيه فكرة الأعداد الهندية ورسم أشكالها، وكان هذا الكتاب فاتحة فتحت الطريق لعالم الرياضيات محمد الخوارزمي المتوفى سنة اثنين وثلاثين ومائتين هجرية حيث أعاد كتابة هذا الكتاب، وأضاف إليه الشيء الكثير.
إن الأرقام التي استعملها العرب والتي نكتب بها اليوم لم تكن الهندية صورة كما يخطئ بعد المثقفين ويدعونها بالأرقام الهندية، إن شكل الرقم العربي مختلف عن الهندي صورة، وما أخذه العرب عن الهنود هو فكرة النظام العشري، يقول الأستاذ قدري حافظ طوقان: " كان للهنود أشكال عديدة للأرقام هذب العرب بعضها، وكونوا من ذلك سلسلتين عرفت إحداهما بالأرقام الهندية، وهي التي تستعملها أكثر الأقطار العربية والإسلامية، وعرفت الثانية باسم الأرقام الغبارية، وانتشر استعمالها في بلاد المغرب والأندلس، وعن طريق الأندلس وبواسطة المعاملات التجارية، دخلت هذه الأرقام البلاد الأوروبية، وعُرفت باسم الأرقام العربية، إن صور الأرقام الهندية تختلف اختلافاً كبيراً عن أشكال الأرقام العربية، كما أن منشأ الأرقام العربية والتي تدعى بالغبارية لا علاقة للهنود بها، وإنما هي صورة الأحرف العربية، وليس صحيحاً أنها قامت على تعداد الزوايا، وقد جمعها بعضهم في هذه الأبيات.
ألف وحاء ثم حج بعده ** عين وبعد العين عُوٌّ تُرسم
هاء وبعد الهاء شكل ظاهر ** يبدو كمخطاف إذا هو يُرقم
صفران ثامنها وقد ضما معاً ** والواو تاسعها بذلك تَختم
لقد ذكر الخوارزمي نوعين بشكل الأرقام، ظل الأول مستعملاً واختفى الثاني بعد أن تحول إلى أصل الأرقام المستعملة في العالم اليوم مع تغيير بسيط، وشكل الأرقام اليوم لا يمت بصلة إلى شكل الرقم الغباري، إن الأرقام المشرقية هي الأصل، وهي التي شاعت قديماً وحديثاً، واستُعملت في المخطوطات العامة وفي مخطوطات الحساب، وإلى عهد قريب كان الجزائريون يزينون مخطوطاتهم بها، وأقدم مخطوطة ظهر فيها شكل الرقم الغباري هو مخطوط ابن الياسمين الذي مات ذبيحاً بمراكش عام واحد وستمائة هجرية، ويوضح هيئة الأرقام كما تستعمل اليوم عدا شكل الأربعة والخمسة فهما تشذان عن ذلك، ومن المؤسف أن يظهر هذا الرقم المغترب في المصاحف ظناً بأنه الرقم العربي الأصيل.
ظلت أشكال الأرقام المشرقية سائدة في جميع بلاد المشرق العربي والإسلامي، وتطورت مع تطور الحرف العربي، وسارت ليونة الحرف حتى أصبحت جزءاً من التراث، لعب الفن والذوق الرفيع عند الفنان المسلم دوراً كبيراً، فأحدث أشكالاً جميلة مذهلة لصنع هذه الرموز استمدها من الطبيعة الورافة الغناء، وكانت الأزهار أحد مصادر إلهامه ليستقي منها آلاف الأشكال بشكل مجرد، وهكذا نشأ الفن الإسلامي التجذيبي لخدمة القرآن العظيم، وكانت آياته في التأمل في خلق الله الباعث الحثيث على صياغة جمالية هذا الفن المذهل.
لقد أسهم الخطاطون في تجويد المصاحف وتحسين كتابتها، وحملوا لواء تطور الحرف العربي، فقد ظهر الخطاط قطبة المحرر فابتدع أقلام الجليل والطومار والثلث والنصف في العصر الأموي، وكان من قبل مؤسسُ الدولة سيدنا معاوية -رضي الله عنه- خطاطاً وكاتباً للوحي عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما ظهر الخطاط خالد بن أبي الهياج أيام الوليد بن عبدالملك، وكان يخط المصاحف بالذهب، وهو الذي كتب محراب المسجد النبوي بالمدينة.
وأصبحت دمشق حتى منتصف القرن الهجري الثاني قبلة الخطاطين والمُذَهبين والمبدعين، لقد وصلنا من الفترة الأموية عدة مصاحف ففي متحف طوبقابي بإسطنبول مصحف كُتب عليه أنه كُتب سنة اثنتين وخمسين هجرية بخط عقبة بن عامر، إلا أن كتابة الاسم والتاريخ مضافة فيما بعد، والخط أندلسي مشكول على طريقة الخليل، ضمة وفتحة وشدة بالأزرق، والنقاط بالأحمر، وفي نهاية الآيات علامات مزخرفة، وفيه تقسيمات للأرباع والأخماس والأجزاء، ودوائر هندسية زخرفية، ولا نشك في أن المصحف متأخر جداً عن التاريخ الذي زُعم أنه كتب فيه.
ومصحف آخر في طوبقابي بإسطنبول كتبه حُدَيج بن معاوية بن مسلمة الأنصاري للأمير عقبة بن نافع الفهري سنة تسع وأربعين من الهجرة، والشكل فيه بالأحمر، فيه نقاط، وجعل حوله ورقاته إطاراً من الذهب، وخطه أقرب إلى النسخ المدور منه إلى الكوفي، وفي خطه خصائص لا توجد في أي من المصاحف التي نُسبت للقرن الهجري الأول، وفي المتاحف اليوم مصاف تنتسب لآل البيت -رضي الله عنهم- إذ تحتفظ مكتبة الإمام الرضا في مشهد بإيران بثلاثة مصاحف تنسب إلى الأئمة، الأول منسوب للحسن -رضي الله عنه- وهو ناقص يبدأ من قوله تعالى:
? .. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ? [سورة يس، الآية 27]
وآخره:
? .. وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ? [سورة فصلت، الآية 45]
وكُتب فيه: كتبه حسن بن علي بن أبي طالب في سنة إحدى وأربعين، ويحمل أربعاً وعشرين ومائة ورقة.
ومصحف آخر منسوب للحسين -رضي الله عنه- وفيه حركات الإعراب، ويحمل واحدة وأربعين ورقة، وأوله:
? ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ? [سورة الكهف، الآية 82].
من سورة الكهف، وصفحته من سبعة أسطر، لكن ليس لدينا ما يؤكد أن هذين المصحفين يعودان بالفعل للحسن والحسين رضي الله عنهما.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:44 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (4)
ظل أسلوب أبي الأسود الدؤلي في شكل الحروف وضبطها والذي عرف بالنقط في المصاحف متبعاًً حتى ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثاني الهجري.
فابتكر هذا النابغة العبقري أشكالاً جديدة ورموز وصوراً جعلها بدل نقاط الدؤلي الحمراء، ومن أضاف عليها رموز النقاط الخضراء والصفراء وغيرها، وأراح الناس والكتاب من مشقة الكتابة بالألوان، ورغم سهولة أشكال ورموز الخليل فقد رفضها في البداية فريق من المتشددين وظلوا متمسكين بنقط أبي الأسود حتى القرن الخامس الهجري.
حيث تم استبدال خط المصاحف الكوفي المحقق بخط نسخي شامي رشيق، وكان من الطبيعي زوال نقط أبي الأسود عند أهل المشرق وبقائه ببعض الرموز عند أهل المغرب بسبب الخصائص الفنية والفروق التي أملتها طبيعة الخط المشرقي والمغربي.
إن خط الكوفة الرصين يقبل نقط أبي الأسود لاتساع حروفه وتمطيط فراغاته، وبزواله من كتابة المصاحف الشريفة في القرن الخامس الهجري زالت الأشكال والرسوم الخاصة به وبظهور خط النسخ في المصاحف كان لابد من استخدام الأشكال والرموز التي ابتكرها الخليل والتي سار عليها أهل المشرق.
أما أهل المغرب فقد طوروا خط الكوفة اليابسة وحافظوا على بعض قواعده، فكان أن شكل حرفهم ببعض رموز أبي الأسود الدؤلي ورموز الخليل بن أحمد.
إن سطراً واحداً في المصحف المكتوب بخط الكوفة المحقق لا يتسع لأكثر من خمس كلمات، بينما نراه في خط النسخ يتسع لأكثر من عشر كلمات؛ وذلك سبب من أسباب هجران نقط أبي الأسود.
لقد ابتكر الخليل ثماني علامات للحروف الصوتية أبدلها بنقط أبي الأسود وهي الفتحة التي رسمها ألفا مبطوحة فوق الحرف، والخفضة "الكسرة" ألفاً مبطوحةً تحت الحرف، والضمة واواً صغيرة، ورمز للتنوين بعلامتين من جنس الفتحة والخفضة والضمة، إلا أن بعض نساخ المصاحف فيما بعد اتخذوا حرف نون صغير فوق الحرف علامة للتنوين.
ورمز الفراهيدي للسكون برأس حرف الخاء وقد أخذه من كلمة خفيف، واتخذ بعض النساخ حرف الميم علامة للسكون وأخذوها من كلمة جزم.
ومع مرور الزمن ذهب ذيلها وبقي رأسها، أما الشدة فقد اختارها الخليل من الحرف الأول لكلمة شديد ووضعها بدون نقط واعتبرها من علامة الإدغام ورسم الهمزة رأس عين، ووضع للوصل كلمة صل، وللمد كلمة مد، ثم تطور شكل المدة إلى ما نعرفه، وشكل الوصل إلى حرف صاد صغير، وسار سائر أهل المشرق على إتباع هذا النهج والرسم، وخالف أهل المدينة ومن تابعهم من أهل المغرب والأندلس فرسموا الشدة حرف دال فوق الحرف للدلالة على الشدة مع الفتحة وتحت الحرف للدلالة على الخفضة وبشكل مقلوب للدلالة على الشدة مع الضمة، ثم تطور الرسم فاتخذ شكل القوس، ثم تطور فيما بعد إلى الأشكال الحادة الزوايا ورمز المغاربة للضمة حرف راء مقوس وأخذوه من كلمة رفع، وعاشت هذه الأشكال لتدل على خصائص الخط والرسم المصحفي المغربي واستعاروا الرموز الأخرى من المشارقة أصحاب الخليل.
بالرغم من إعادة النقط على حروف المصحف الشريف على يد نصر بن عاصم فإن ابتكار رموز جديدة للحروف خشية التصحيف كانت تسير على أيدي الخطاطين لتكسب الخط العربي جمالاً وجلالاً فابتدعوا علامة الميزان ووضعوها فوق حرفي الراء والدال للتفريق بين الدال والزاي.
ثم أضافوها لحرف السين للتمييز بينه وبين حرف الشين، ووضعوا داخل حرف الكاف المفرد الأخير حرف كاف صغير للتفريق بينه وبين حرف اللام، وتطور الشكل مع الأيام وصغر حتى أصبح كالهمزة.
إن هذا الإصلاح في طريقة رسم الحروف ونطق الكلمات كان الدافع إليه الرغبة الصادقة في المعاونة على تلاوة صحيحة وفهم لكتاب الله عز وجل وهكذا تحددت معالم صورة المصحف الشريف كما نعرفه اليوم.
ارتبط الخط العربي بالإسلام ونشأ وتطور في رحاب القرآن ونظر المسلمون إلى الحرف نظرة حب واحترام وسخروا معارفهم لخدمة كتاب الله عز وجل وارتفعوا به إلى مراتب أعلى مراتب الجمال، وتزخر متاحف العالم اليوم بروائع من المصاحف التي تنبئ عن رحلة طويلة يحكي فيها الحرف عن أسراره وعن مكنونات تطوره عبر هذا الزمن الطويل.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد كتب المصحف الشريف منذ نزوله بخط رصين وهاجر مع هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومن ثم إلى الكوفة التي أرسى فيها قواعده زمن سيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي.
واتخذ من الكوفة نسباً فعرف بالكوفي ورحل مع الفاتحين فشرق حتى دخل الصين، وغرب حتى وصل حدود فرنسا في آيات وسور من الإعجاز.
إن ما كتب من مصاحف في القرون الثلاثة الأولى من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا بقلم واحد أطلق عليه القلم الكوفي، وحمل ذات الصفات بين المشرق والمغرب مع بعض التطور الجمالي في المشرق، ولم تسعفنا الأيام بمصحف كامل من هذا الزمن، وما وصلنا وما تبقى إن هو إلا صحائف متناثرة في خزائن المتاحف العالمية.
لقد أنشأ العرب الكوفة بمقربة من الحيرة عاصمة اللخميين، أنشأها سعيد بن أبي وقاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بين عامي سبعة عشر وتسعة عشر للهجرة، وبظهورها فقدت الحيرة والأنبار ما كان لهما من أهمية.
كانت الكوفة أول أمرها معسكراً من الخيام، ثم تحولت بمرور الزمن إلى منتجع دائم شيدت مبانيه باللبن، وما لبثت أن نمت واتسعت باتساع الفتوحات العربية من ناحية الشرق وظلت للمدينة مكانتها العمرانية والسياسية حتى سلبتها دمشق سلطانها السياسي مع زوال خلافة سيدنا علي رضي الله عنه.
ونافستها البصرة منافسة شديدة في ميدان العلوم واتخذها أول الأمر العباسيون عاصمة لهم ولم يقيموا فيها، وبتأسيس بغداد فقدت الكوفة كل ما كان باقياً لها من مكانة، وإن بقيت عمارتها حتى القرن الخامس الهجري وتدهورت بعد ثورات الزنج، وغارات بني مزيد والتتار وعندما زارها ابن بطوطة كانت قد أجهزت عليها قبائل بني خفاجة ولم يبق من عمرانها إلا الأطلال، وتسمية الخط بالكوفي راجع إلى مألوف العرب الأوائل في تسمية الخطوط التي انتهت إليهم بأسماء المدن التي وردتهم منها فعرف الخط قديماً بالنبطي والحيري والأنباري والحجازي والمكي والمدني ثم بالكوفي.
وقد عرف الخط العربي باسم الكوفي؛ لأنه انتشر من الكوفة إلى أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي مصاحباً لانتشار الإسلام، ولقد كان للكوفة نوعان أساسيان من الخط، نوع يابس ثقيل صعب الإنجاز تؤدى به الشؤون الجليلة، وآخر لين تجري به اليد في سهولة، وهذا ما ورد في كتاب الفهرست لابن النديم.
كما وصلتنا وثيقة تثبت ما نقوله وهي ورقة بردية من عامل عمر بن العاص على قرية أهناسيا في صعيد مصر، وهي مؤرخة سنة اثنتي وعشرين هجرية زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكتبت بخط مدني لين أطلق عليه خط التحرير وباللغتين العربية واليونانية ونقرأ فيها .. بسم الله الرحمن الرحيم ..
"هذا ما أخذ عبد الله بن جبير وأصحابه من الجزر من إهناس أخذنا من خليفة تزرق ابن أبو قير الأصغر ومن خليفة اصطف ابن أبو قير الأكبر خمسين شاة من الجزر، وخمس عشرة شاة أخرى، شهر جماد الأولى من سنة اثنتين وعشرين".
ونستطيع أن نميز أيضاً خلال القرون الثلاثة الأولى من الهجرة بين عدة أنواع من الخط الكوفي، بين خط نشأ في الحجاز والشام والعراق، وخط تطور في هارات بإيران وانتقل بعضها إلى بلاد الهند والسند والأفغان والصين وخط ترعرع في القيروان وهاجر لبلاد الأندلس وإفريقيا، وكل واحد منهم يحمل صفات وخصائص جمالية يختلف فيها عن أخيه، كما حملت لنا الوثائق أنماط للخطوط الكوفية عرفت باسم التئن والمثلث والمدور وهي من خطوط المدينة، كما حملت إلينا المشق والتجاويد والمحكم والمحقق والمائل والجلي وهي من صنع بلاد الشام والعراق، ويوجد في دار الكتب المصرية، سبعة وعشرون مصحفاً بخط كوفي محقق رصين، وهي ناقصة من أوائلها وأواخرها وقد كتبت على رق الغزال، ونشاهد من نماذج تلك المصاحف هذه الوثيقة التي نقرأ فيها من نهاية سورة النور وبداية سورة الحجرات.
ونلاحظ الفاصل بين السورتين دون ذكر اسم السورة .. قال تعالى: ? فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ? [سورة الفتح الآية 29] .. وتنتهي سورة النور لتبدأ الكلمات في سورة الحجرات بقوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ? [سورة الحجرات الآية 1، 2] ..
وتحتفظ مكتبة جامعة إسطنبول بصفحة من مصحف كتب على الرق بالرسم العثماني وعلامات تشكيله على طريقة أبي الأسود الدؤلي وهي نقاط حمراء للفتحة والخفضة والضمة، ووضعت نقاط نصر بن عاصم على الطريقة المغربية بنقط الفاء من الأسفل ونقط القاف بواحدة ونقرأ فيه من آخر سورة البقرة من الآية الثالثة والثمانين بعد المائتين.
? فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَّشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [سورة البقرة. الآية 283.284].
كما نرى في المصحف المحفوظ في دار الكتب بالقاهرة نص الوقف المكتوب عليه وكان هذا التعبير وهذا الأسلوب مما يكتب ويثبت في كل مصحف موقوف حتى تعم الفائدة في قراءته، وينال الواقف الثواب والمغفرة، ونص العبارة "هذا المصحف حبس في سبيل الله عز وجل لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يملك" ...
لم تكد الملكات الفنية تنضج لدى الخطاط المسلم حتى أقبل على قرآنه يمجده ويعظمه فخطه بالذهب الخالص ووشه بالفضة وقد وصلت عدة وثائق من القرن الهجري الثالث تدل على ما صنع المذهب والخطاط بكتاب الله المجيد وتبرهن على طول باعه في التقدم الحضاري.
" هذه آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار " ..
ونشاهد في هذه الصفحة المتبقية من مصحف شريف الخط الكوفي البديع المذهب، وتظهر فيه علامات التشكيل بالألوان كما زينت فواصل الآيات بشكل أزهار دائرية زرقاء ويعتبر هذا النوع من الخطوط الكوفية النادرة جداً، وكانت مقصورة على المناطق الوسطى من الدولة العباسية، وقد استعمل الفنان الذهب لمصاحف الخلفاء وعلية القوم، وتضم هذه الصفحة آيات من سورة ق.
وهي من الآية السادسة وحتى منتصف الآية الرابعة عشرة.
قال تعالى: ? أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ *وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيد ِ ? [سورة ق، الآية 6 - 14].
إن جل- بل كل- الصحف التي وصلت من الفترة الزمنية في القرون الهجرية الأولى مكتوبة على الرق وقد اختاره الفنان المسلم لسهولة الكتابة عليه ودوام بقائه مدة طويلة من الزمن، واستعمال الرقوق في الكتابة قديم إذ كانت من السلع الهامة التي يتاجر بها الفينيقيون من بلاد الشام إلى جميع أنحاء الأرض، والرق كلمة عربية تنطق بالفتح والكسر وهي جلد رقيق يكتب فيه والجمع رقوق، لقد وردت الكلمة في القرآن العظيم مرة واحدة في سورة الطور، في قوله تعالى: ? وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ ? [سورة الطور الآية 1 - 3] ..
(يُتْبَعُ)
(/)
إن أقدم نص كتب على الرق يعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد كما أن هناك نص آخر يعود للقرن التاسع قبل الميلاد في بلاد الرافدين يوضح أهمية استعمال الرق في الكتابة ويطلق على الرق المدبوغ دباغة جيدة اسم "بارشمان" ويعنى الوثيقة، وأفضل الجلود المستعملة في هذه الوثائق ما كانت من جلود الحيوانات الصغيرة كالغنم والماعز، وأرقاها رق الغزال حيث يؤخذ الجلد فينقع في ماء الجير خمسة أيام ثم يحلق ويشد ويترك ليجف تماماً، وينتقل ويقطع إلى مربعات ومستطيلات وكان يكتب على وجهيه وفي حال الغلط أو الاستغناء عن النصوص يمحى ويكتب عليه مرة أخرى.
يذكر ابن النديم في كتابه الفهرست أن الفرس اعتادوا على الكتابة على جلود الثيران وجلود الأغنام وتوجد منها نماذج عديدة في بعض المجموعات الخاصة في فيينا.
وللتفريق بين الرق العادي الذي يكتب عليه والرق الخاص للدولة ابتكر المسلمون طريقة جديدة وهي صبغ الرق بمادة الصفران، وعملت الدوائر الحكومة في العراق على إتباع هذا النهج والنمط وأخذوا يلونون الرق المستعمل لدوائر الدولة بألوان صفراء أو زهرية.
كما يصف ابن النديم الطريقة المستعملة للكتابة على الرق فيقول: إنها كانت تنعم بالمبرد مما يجعلها تجف وتيبس بسرعة، إن التجارب والأبحاث في عملية دباغة الجلود تطورت في عهود الدولة الإسلامية الأولى حتى أصبحت أكثر رقة ويرجع اصطلاح الرق إلى سماكة الجلد وكان الرق يغسل أحياناً وينظف مرتين أو ثلاثة ثم يبيض ويستعمل لكتابة القرآن الكريم.
لقد استعمل القرشيون الرق وجلبوه من بلاد الشام في رحلتا الشتاء والصيف، ولما كان الإسلام وكانت الحضارة تطورت أحجام وأشكال الرقوق وسارت الكوفة ودمشق مهد صناعة الرق الجميل.
وأدخل الخليفة الأموي معاوية رضي الله عنه استعمال الرقوق في دوائر الدولة وكذلك الخلفاء العباسيون من بعده، وكانت دمشق زمن الأميون وجهة الصناع والحرفيون فأنشأت مصانع الرقوق والدباغة، ونشط الخطاطون فكتبوا مئات المصاحف التي حملها الجنود معهم خلال الفتوحات مشرقين ومغربين لينشروا ويعلموا كتاب الله ويبلغوا رسالته إلى أقصى نقطة في المعمورة حطت عليها قدم.
امتدت الفتوحات بعد نهاوند في إيران وأذربيجان وما وراء النهر، وامتد سلطان الدولة الإسلامية حتى شمل خرسان وسائر بلاد فارس حتى حدود الفرس ولم يمضي القرن الهجري الأول حتى كانت مدن بلخ وهارات وبوشيخ وبخارى وإقليم ساجستان ومقاطعة سنكيانك وكشكر في الصين تدين بالإسلام وتقرأ القرآن.
وكان المصحف الشريف المخطوط بالقلم الكوفي المحقق الرصين وبالرسم العثماني يبهر الأنظار ويحير العقول ويحيي القلوب.
ولعب الفن دوره في كتابة المصحف وتطوير خط الكوفة المحقق فتولدت منه خطوط جديدة في أقصى المشرق وكانت هارات معقل الفن في ذلك الوقت.
لقد أحس الخطاط في بلاد ما وراء النهر أنه يكتب كلاماً مقدساً، فشعر بالرهبة والعظمة فجند أحاسيسه بمعالم إدراكه إلى سبر غور الحرف وامتدت يده إلى الحرف العربي مغرقاً في صفاء نفسي بكلام خالقه، وبدأت التغيرات والتطورات في مسيرة الحرف الكوفي المشرقي، ونبصر في المصحف المحفوظ في مكتبة جامعة اسطنبول تجسيم الفوارق التي بدأت تظهر على الخط الكوفي المحقق التقليدي.
كما نلاحظ قواعد أبو الأسود الدؤلي في التشكيل بالنقط الحمراء لدلالة الفتحة والخفضة والرفع وفيه الهمزة والشدة والمد بلون أخضر على طريقة الخليل وهناك دوائر سوداء لتدل على الروم والإشمام.
والروم هو الإتيان ببعض حركة الحرف بصوت خفي ويكون في الخفض والرفع ويأتي مع القصر والإشمام إطباق الشفتين بعد إسكان الحرف بغير صوت ويكون مع المد، وسنفرد حلقة رموز التجويد عبر التاريخ فيما بعد إن شاء الله لقد اختلطت إشارات الروم والإشمام هذه بعلامة الجزم فحذفت من المصاحف بعد ذلك، وفي المصحف دائرة تدل على انتهاء عشر آيات وهو التعشير كما أسلفنا ورسمت مع رأس السورة بالذهب وتبدأ الصفحة بقوله تعالى: من نهاية سورة الحج:
? وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ? [سورة المؤمنون الآية 78] ..
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد وضع الخطاط المسلم في إيران خلاصة معارفه وخبراته التي ورثها من إمبراطورية ممتدة الجذور في التاريخ ليطور الحرف في إمبراطورية بات الحرف فيها ينظر إليه باحترام كبير، وليمزج حسه بمعاني القرآن العظيم ويحلق في خيالاته ويبدع آلاف الأشكال مستمداً كل ذلك من معاني المصحف الشريف، وقد تجلى الإبداع في القرآن المفسر بالفارسية والمحفوظ في مكتبة متحف سراية طبقاتي بإسطنبول وهو من عمل عثمان بن الحسين الوراق الخزنوي وقد كتبت آياته بأحرف متزنة الأطوال وحركاته باللون الأحمر، وشدداته وهمزاته باللون الأخضر كما نلاحظ علامة الميزان والتي أوضحنا عنها من قبل فوق حروف الراء والدال والسين كما توضح لنا الأعداد المكتوبة بالحروف وبالخط الكوفي داخل دوائر محلاة في نهاية الآيات عدد الآية عشرياً مع إشارة للتخميس على الهامش، ويعد هذا التفسير نموذجاً فريدا في عصره ويوجد منه قسم آخر محفوظ في مكتبة مشهد بإيران إن هذه النماذج من الخط الكوفي المشرقي لتدل دلالة واضحة على صفاء نفس الخطاط وإخلاصه وحبه لخدمة كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ونلاحظ من خلال آلاف المصاحف التي نستعرضها عبر التاريخ بأنه لم يتجرأ مسلم على مس الحرف العربي بأي تغيير لوني، وإنما كان المسلمون في كل زمن يضعون الرموز الصوتية لضبط سلامة القراءة ويضيفونها بالألوان وكما نلاحظ في همزات الوصل والقطع والشدة والرموز الأخرى على امتداد رقعة العالم الإسلامي واختلاف المذاهب والمشارب.
وقد أشار إلى ذلك الداني في محكمه كما أوضحنا من قبل، ومن أجمل نماذج الكتابة المشرقية التي وصلت من إيران مصحف مصغري بجداول من ذهب وفواصل الآيات فيه على شكل دوائر داخلها حرف أو أكثر يشير بحساب الجمل للقيمة العددية التي تقابل الآية.
فالنون تساوي خمسين آية ونا تساوي أحدى وخمسين آية، وقد كتب في كل صحيفة أربعة سطور ثم صبغت الخليفة بكاملها باللون البني ورسمت عليها زخارف مورقة باللون الأزرق ونلاحظ أن جميع الإشارات كتبت باللون الأحمر، إلا علامات التشديد والجزم وعلامة الميزان كما نلاحظ طريقة كتابة حرفي اللام ألف في قوله رسولاً وهو تحول كبير يدل إلى بداية تحول اليبوسة في الخط إلى الليونة، ويعتبر هذا الخط الكوفي المشرقي بداية تأثير في قواعد الخط المغربي.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:52 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (5)
فتح المسلمون فلسطين وتسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس، هذه المدينة المقدسة التي نزل فيها قوله سبحانه وتعالى:
? سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ? [الإسراء الآية 1].
والتي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى).
وكتب الخليفة لأهل بيت المقدس وثيقة الأمان التي عرفت فيما بعد بالعهدة العمرية:
بسم الله الرحمن الرحيم .. " هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها، وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من خيرها ولا من صلبهم ولا شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما تعطي المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير نفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، فمن شاء منهم قعد وعليهم مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين إذا أعطوا ما عليهم من الجزية".
كتب سنة خمسة عشر للهجرة، شهد على ذلك خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف وعمر بن العاص ومعاوية بن أبو سفيان.
(يُتْبَعُ)
(/)
بعد كتابة وثيقة الأمان زار عمر رضي الله عنه كنيسة القيامة، ولما كان في داخلها حان وقت الصلاة، فأشار عليه البطريك صافرونيوس أن يصلي في داخل الكنيسة قائلاً " مكانك صلي " إلا أن عمر أبى، وخرج من الكنيسة وصلى في مكان قريب خشية أن يتخذ المسلمون صلاته ذريعة فيضعوا أيديهم عليها، فقابل النصارى عمله هذا بالشكر، وذكره المؤرخون بالتقدير، فلما سأل عن مكان الصخرة فإذا هي مكان للقاذورات، فراح يحفن التراب بكفيه عنها، وحذا الصحابة حذوه، إلى أن برزت الصخرة فأمر أن يبنى عليها مسجد فبني المسجد، وكان ظلة من خشب حتى جاء فيما بعد عبد الملك بن مروان فأقام عليها جامع فخم وقبة لا تضاهى.
ذكر المؤرخون أن الخليفة عمر بن الخطاب زار قبيل رحيله عن بيت المقدس أبا عبيدة بن الجراح في بيته فلم يجد فيه سوى لبد فرسه، وكان هذا هو فراشه وسرجه ووسادته، وكسرٍ يابسة في كوة بيته ولما دخل عمر جاء بهذه الكسر فوضعها على الأرض بين يديه وأتاه بملح جريش وكوز من الخزف فيه ماء، فلما نظر عمر إلى ذلك بكى، وقبل أن يغادر بيت المقدس جمع الجند وشكر الله إذ صدق وعده ونصر جنده وأورثهم البلاد ومكن لهم في الأرض ثم نصحهم بالابتعاد عن المعاصي والتوبة وتقوى الله وإلا ذهب الله عزهم وسلط عليهم عدوهم. وأقام على بيت المقدس يزيد بن أبي سفيان على أن يأتمر بأوامر أبو عبيدة ثم عاد إلى الحجاز.
وفي سنة ثماني عشرة للهجرة استأذن عمر بن العاص الخليفة عمر في فتح مصر، وسار من قيصارية إلى عسقلان فغزة فرفح، ماراً بالعريش حتى وصل حصن بابليون ثم أرض مصر.
واختط الفسطاط ونشر الدعوة ودانت مصر بالإسلام، وتولى عبد الله بن أبي السرح ولاية مصر فاتجه لفتح إفريقية ووصل تونس ودخلها سنة ثماني وعشرين للهجرة، وتولى مصر بعد ذلك معاوية بن حديج السكوني، وتولى عقبة بن نافع قيادة فتح المغرب سنة خمسين للهجرة فسار من زويلة وودان وفذان إلى جدامس ودخل إفريقية من الجنوب.
واختط شمال سبيطلة قاعدة سماها القيروان وبنى فيها مسجداً جامعاً واتخذ دار إمارة وأنفق في بناء القيروان خمس سنوات وأصبحت رابع الأمصار الإسلامية بعد الكوفة والبصرة والفسطاط.
حمل المسلمون المصحف الشريف المكتوب بخط الكوفة إلى إفريقية الشمالية، وسكانها من البربر يكتبون كتابة تسمى فيناغ لا تزال تستعمل حتى الآن لدى الطوارق في الصحراء الجزائرية، ولم يمض القرن الهجري الأول حتى كان الإسلام موطد الأركان في كل أنحاء المغرب، فهجر المغاربة حروفهم ونظروا إلى ذلك الحرف الوافد إليهم نظرة إكبار وتقديس ومحبة فحافظوا على رسومه ورصانته وتشددوا في قواعد الشكل الذي وفد إليهم مع الفاتحين من المدينة المنورة.
وكان مذهب الإمام مالك بن أنس واضحاً بيناً في جملة الرموز القرآنية حتى عهد قريب، تأسست القيراون وجامعتها في القرن الهجري الأول، وأمها أكابر علماء البصرة والكوفة ونشروا مذاهبهم في طريقة الكتابة القرآنية وتأثر أهل القيروان بالخطوط الكوفية المشرقية، ورأوا فيها أرواحهم وحياتهم وأنسهم، وأضفوا على خط المصحف مسحة جمال تفردوا بها عبر الأزمان حتى التصق اسمه بخطهم ودعا بالخط القيرواني، والمصحف المحفوظ في خزانة مركز الحضارة والفنون الإسلامية بقصر رقادة بقيروان بتونس يدلنا بوضوح على طريقة الكتابة القيروانية في المصحف الشريف الذي خطه الخطاط علي بن أحمد الوراق على خمسة أسطر لحاضنة المعز بن باديس الصنهادي والذي حبسته على الجامع الأعظم بمدينة القيران.
ونقرأ فيه .. ? زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ? [سورة البقرة: 212].
وإن كان تطور الرموز والنقط في المشرق يسير قدماً للتوصل إلى النطق السليم لألفاظ القرآن الكريم؛ فإن المغاربة لم يرفضوا كل ما جاء إليهم من قديم المشرق، وإنما قبلوا ترتيب الحروف الهجائية مع اختلاف يسير واستعملوا نقط أبي الأسود الدؤلي ثم نقط نصر بن عاصم مع اختلاف نفط الفاء والقاف وكتبوا أسماء السور بالذهب.
(يُتْبَعُ)
(/)
ظل استعمال الخط اليابس الكوفي في المصاحف المغربية حتى القرن السادس الهجري، ونلحظ في تلك المصاحف تطوراً واضحاً في ليونة بعض الحروف وفي الشكل، وبعض الخواص التي تتسم وتنطبع بطابع المغاربة بخلاف المشرق كجرة الوصل، وتوجد في المكتبة الوطنية بتونس أوراق من مصاحف عثر عليها في مسجد القيروان ومنه هذا النموذج وهو مكتوب على الرق، وآياته من آخر سورة طه وتبتدئ: ? وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى * قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ? [سورة طه، الآية 135].
ونلاحظ الشكل المثلث للنقط وتدل على انتهاء الآيات وهي فواصل بينها، وكتب رأس السورة بالذهب، ولكن بخط المصاحب الأولى وجاء فيها فاتحة السورة التي يذكر فيها الأنبياء: ? اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ? [سورة الأنبياء، الآية 1 – 2].
ونرى بوضوح في هذه الكتابة رسم عراقات النون والياء وأشباههما بأشكال دائرية ومع ذلك فإن الخطاط لم ينس أصلهم الجاف، فاستعملهما لضيق المكان في آخر السطر، كما استعمل الشكل الذي استحدثه أبو الأسود الدؤلي، فالنقطة الحمراء فوق الحرف للفتح، وتحته للخفض والمتراكبتان للضم والنقطة الخضراء للهمز، وليس في المصحف نقط نصر بن عاصم على الحروف المتشابهة ومما تبقى من أوراق المصحف الذي كتبه وجلده علي بن أحمد الوراق لفاطمة الحاضنة ما نصه:
? ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ ? [سورة البقرة الآية 74].
وأثر الجودة واضح في تنوع منبسطات الألفات الموزونة الطول ودقة الفراغ بين الصواعد والنوازل وسائر الحروف وامتاز أيضاً برسم رؤوس الواو والميم والهاء بشكل مثلث واتبع طريقة الخليل في رسم الفتحة والضمة والكسرة والشدة، ورسم الهمزة رأس عين صغيرة وللصلة جرة، وهو ما امتازت به المصاحف المغربية دون سواها.
والعناية الشديدة واضحة في كتابة هذا المصحف الثمين والسبب في ذلك أنه مكتوب لحاضنة أمير كان ثالث أمراء زيري الذين خلفهم الفاطميون على تونس بعد انتقالهم إلى مصر، وقد أشرفت على متابعته الكاتبة درة وتم وقفه على الجامع الأعظم بالقيروان في شهر رمضان على يد قاضي القضاة عبدالرحمن بن هاشم.
ونلاحظ صفحة أخرى من هذا المصحف، الذي بلغ قمة الجمال فنقرأ: ? شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ? [سورة آل عمران، الآية 17، 18].
ومن الكنوز الأثرية بجامع القيروان صندوق خشبي كبير كان يحفظ به هذا المصحف وعليه كتابة كوفية جميلة تحمل اسم الحاضنة الجليلة وتاريخ الوقف المسجل على المصحف نفسه.
* الأندلس ..
لقد كان للمسلمين في الأندلس دور كبير في تطوير الحرف العربي المغربي الذي كتبت به المصاحف وإن كانت القيروان أسبق في الظهور بعد إن اختط عقبة بن نافع القيروان سنة خمسين للهجرة والتي توافق سنة سبعين وستمائة للميلاد، وجعلها قاعدة متقدمة للمسلمين يرابطون فيها للغزو والحرب ويقيمون فيها في السلم، قاد جيش الإسلام من المسلمين حتى وصل الأطلسي.
وخاض خلال ذلك مجموعة من العمليات واصطدم مع قوات البربر والروم وتوفي في تهوذا ودخل العرب شبه جزيرة إيبيريا فاتحين سنة اثنتين وتسعين هجرية زمن الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك تحت إمرة طارق بن زياد ثم موسى بن نصير.
ولما انتهوا بالفتح إلى برشلونة عاد موسى ومعه طارق إلى المغرب ومنها للمشرق بعد أن ولى عليها ابنه عبد العزيز بن موسى بن نصير.
(يُتْبَعُ)
(/)
وما زالت تختلف عليها الولاة من قبل بني أمية حتى انتهى حكهم في المشرق سنة اثنتي وثلاثين بعد المئة، ومن خيرة الولاة السمح بن مالك الذي مات أثناء حصاره لمدينة طولوز بفرنسا، وعبد الرحمن الغافقي الذي فتتح بوروده وليون وبيزانسون ثم طور وبواتيه التي توفي فيها أثناء المعركة بعد أن أصيب بسهم.
بعد سقوط الدولة الأموية في الشرق أمعن السفاح في تقتيل الأمويين فهرب منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك حتى دخل الأندلس سنة ثمان وثلاثين بعد المئة واقام فيها ملكاً وحضارة ومات فيها سنة ستة ومئتين وخلفه ابنه عبد الرحمن الأوسط بعهد منه.
وكان لطيف الجانب عظيم الخلق ميال للعلم والعلماء على اختلاف مذاهبهم، ثم خلفه عبد الرحمن الناصر الذي بنى الزهراء، وجعلها مركز الحكم، وكان عالماً فاضلاً بعيد النظر في القيادة والسياسة شجاعاً، وتوفي الناصر سنة خمسين وثلاث مئة هجرية بعد حكم دام خمسين سنة، وطد فيها دعائم الحكم لأبنه الحكم التي تفرغ لنشر العلم.
فكانت مكتبته تضم أربعة مئة ألف مجلد من الكتب النادرة وكان على أغلبها تعليقات بخطه، وكان أعلم بني أمية على الإطلاق، وقد نقلت العلوم والمعارف في عهده إلى أوروبا وترجمت الكتب إلى اللاتينية، ولولا ذلك لكانت أوروبا اليوم متأخرة مئات السنين عما وصلت إليها.
وتتالت الأحداث حتى انتهى الأمر بهشام بن محمد الملقب بالمعتمد فكان ضعيفاً فخلعه الجنود سنة اثنتين وعشرين بعد الأربعمائة وانقضى أمر الدولة الأموية، ثم تقسمت الدولة إلى ملوك الطوائف وآلت إلى حكم بن جهور والمعتمد بن عباد صاحب إشبيلية، ثم جاء المرابطون والموحدون ولم يبق للعرب غير غرناطة التي بقيت في يدي بني الأحمر إلى آخر القرن التاسع الهجري حين سلم أبو عبد الله مفاتيح غرناطة إلى فرديناند في الثاني من شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين وثمانمائة هجرية.
حمل المغاربة القيروانيون خطهم الجميل إلى الأندلس حيث كانت بلادهم مركزاً للعبور نحو المشرق، ومنه ومؤولاً للعلم والبحث والدرس، فلما كانت الحضارة قد بلغت أوجهاً وكانت الحضارة والعمران والعلوم بدأ الخط المصحفي الأندلسي يرنوا نحو الليونة بدل اليبوسة، ويرسم ملامح وبوادر خط جميل بهيج، وكأنه التفاف الريحان في لوحة يسودها الحب في كتاب الله وشوف للارتفاع بالمعاني إلى أقصى درجات الصفاء.
وكانت العلوم في القرن الهجري الخامس بلغت مبلغاً عظيماً من التقدم، فقد ترك أبو عمر الداني الذي توفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة هجرية كتب قيمة في نقط المصاحف وقراءتها.
يقول ابن خلدون:" وأما أهل الأندلس فافترقوا في الأمصار عند تلاشي ملك العرب ومن خلفهم من البربر فانتشروا في عدوة المغرب وإفريقية، وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصنائع وتعلقوا بأذيالهم فغلب خطهم على الخط الإفريقي وعفا عليه ونسي خط القيروان والمهدية بنسيان عوائدهما وصنائعهما، وصارت خطوط إفريقية كلها على الرسم الأندلسي بتونس، وما إليها وتميز ملك الأندلس للأموييين فتميزوا بأحوالهم من الحضارة والصنائع والخطوط وتميز خطهم الأندلسي كما هو معروف الرسم لهذا العهد، ونرى في نماذج المصاحف الأندلسية التي وصلت بر السنين مدى التطور الجميل الذي أشتق من الحروف الأموية، وقد سارت كلها على النهج العثماني في رسم المصاحف، وضبطت في البداية على طريقة أبي الأسود ثم تآلفت مع بعض رموز الخليل بن أحمد ثم نصر بن عاصم، وجعلت الفاء بنقطة إلى الأسفل والقاف بنقطة من الأعلى كما هي الحال في رسوم المغاربة، فاللون الأصفر مخصص للهمزات وهي على هيئة نقطة مدورة والحمرة للحركات وقد وردت في بعض المواقع دال مقلوبة، وأخذ أهل المدينة كما يروي الداني وصورة التشديد على هذا المذهب وتبقى الدال علامة على الشدة في المفتوح والمكسور والمضموم وعلى هذا الوجه ذهب نقاط أهل المدينة ومن سلفهم ومن خلفهم، وعلى استعماله واتباع أهل المدينة فيه عامة أهل بلدنا قديماً وحديثاً، وهو الذي أختار، وبه أنقط، ثم يذكر الداني بأن النحويون اختاروا كلمة شديد علامة على الشدة، واختار أهل المدينة أخر حرف الكلمة وهي الدال.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما يلاحظ في كتابة الأندلسيين والمغاربة نقط حروف الفاء والقاف والنون والياء في التطرف خلال القرون الأولى، إلا أنها قد خلت وتعرت فيما بعد من النقط في حالة التطرف.
ويضع الأندلسيون والمغاربة النقطة الخضراء للوصل على الألف عند البدء بالفتح وفي وسط الألف عند البدء بالضم وتحت الألف عند البدء بالكسر، وذلك ما امتازت به المصاحف الأندلسية والمغربية.
اعتنى الأندلسيون والمغاربة باستعمال الزخارف المذهبة والملونة في مصاحفهم، ومعظمها تبدأ بمربعين متقابلين بزخارف هندسية، تتداخل فيها الزخارف النباتية التي لا فراغ فيها، فالخطاط المسلم يكره الفراغ، كما يوجد مثلهما أواخر المصحف ورسمت فواصل الآيات بحليات الذهب وكذلك الأخماس والأعشار من الآيات في أشكال متباينة يحار المرء لي روعتها ودقتها، ويبحر معها متأملاً في آيات القرآن مسبحاً الله على ما من عليه من سلامة الذوق وحسن الاختيار.
وفي الهوامش طرر مزخرفة متصلة بأسماء السور وأخرى للأحزاب والسجدات وتجزءات رمضان وهي تنبيء قارئ القرآن وحافظه وتنبه إلى المكان الذي وصل إليه في قراءته كما أفردت لسورة الفاتحة والبقرة وأوائل الأجزاء مستطيلات مزخرفة كتب بداخلا اسم السورة وعدد آياتها.
أما بقية أسماء السور فكتب بخط الكوفة المجرد من النقط وبلون الذهب وكان ذلك حتى القرن العاشر الهجري.
وجل المصاحف المغربية مكتوبة على الرق لمتانتها وصونها من التلف.
لم يكن في المصاحف الأندلسية والمغربية على طول الزمن سوى خط واحد في خط نص القرآن وهو الخط المبسوط الذي يتسم برزانة حروفه وقربها من خطوط المشارقة الأم.
والفروق بين خطوط المصاحف الأندلسية والمغربية فروق تجويد واختلافات ضئيلة وترجع الاختلافات في مدرسة واحدة إلى انعدام قواعد تضبط الخط المغربي بالرغم من وجود حفاظ للقرآن في تلك البلاد، لقد حافظ الأندلسيون والمغاربة على مرسوم المصحف العثماني كما لقنوه وكما رأوه في المصحف الإمام مصحف عثمان.
وحرصوا على ذلك أشد الحرص ولما ارتضوا إدخال الشكل والحروف الزوائد رسموها بألوان مغايرة لحبر الكتابة، فخصة الفتحة والضمة والكسرة والحروف الزوائد بالحمرة والسكون والشد والوقف بالأزرق والصلة بالخضرة والهمز بالصفرة وامتازت المصاحف الأندلسية والمغربية عن المشرقية بالجرة المرسومة على الف الوصل لتدل على الحركة السابقة، وبالنقطة الدالة على كيفية الابتداء بألف الوصل عند الوقف، واختصت مصاحفهم أيضاً باتباع التنوين المتراكب منذ إرساء قوعد الرسم.
* المصحف الشريف ومظهره الخارجي.
تنوعت أشكال وأحجام المصاحف والصفحات التي خط عليها رسم القرآن العظيم عبر التاريخ، وهي في مجملها لا تتعدى عن ثلاثة أشكال، شكل مربع، وآخر مستطيل بشكل أفقي، وثالث مستطيل بشكل عمودي.
ولقد وصلنا من النموذج الأول بعض صفحات نادرة الوجود وتحتفظ بها مكتبة جامعة إسطنبول وهي مما تركه أجدادنا من تراث الأندلس وقد خط بمدينة بلانسيا سنة ثماني وسبعين وخمسمائة هجرية بخط محمد بن عبد الله بن علي بن غطوس المتوفى سنة عشر وستمائة للهجرة وقد كتب بالخط الدقيق على الرق بمداد بني فاتح، كما وضع الخطاط إشارات الشد والجزم باللازغرد وعلامات التشكيل الأخرى بالأحمر وخرج فيه عن قاعدة الأندلسيين والمغاربة فنقط الهمزة بلون أحمر على طريقة المشارقة، وجعل أسماء السور وشارات التخميس والتعشير على الهامش وبالذهب الخالص.
وابن غطوس هذا كان وحيد عصره في الأندلس وبمدينة بلانسيا وقد كتب بالأندلس في حياته ألف مصحف وكان متخصص في كتابة المصاحف لا يكتب غيرها كما عاهد نفسه على ذلك.
أما الشكل الثاني اللذي يميل للامتداد عرضاً، عرف عند المؤرخين والمشتغلين بالفن باسم المصحف السفيني نسبة إلى السفينة؛ لأن شكله قريب منها على ما يزعمون، وجاء وصفه في كتب تاريخ الفن أنه ذو الفورمة الإيطالية، وقد تحدثنا في حلقة ماضية عن الرق وقلنا: إن الفينيقيين كانوا أصحاب تجارة الرقوق وهم الذين يقطعونها إلى مستطيلات ثم يتاجرون بها بسفنهم إلى إيطاليا.
وقد جاءت تسمية الطليان لها بالسفينة نسبة إلى سفن الفينيقيين التي حملت لهم هذه البضاعة.
وأما الشكل الثالث: وهو المعروف بالفورمة الفرنسية وقد أطلق عليه مؤرخو الفن اسم المصحف العمودي والذي ما زال سائداً ومتعباً حتى اليوم. إن هذه التسميات التي أطلقها مؤرخو الفن على الشكل الخارجي على المصحف العظيم لا تحمل أي دلالة فنية ولو عدنا إلى رحلة الشتاء والصيف ورأينا كيفي حمل القرشيون رقوقهم من بلاد الشام لعرفنا السبب في اختيار أجدادنا للشكل المستطيل اللذي يناسب حرفهم المحقق الرصين ويناسب ما يريدونه من تعظيم كتاب الله بخط جليل واضح، وبانقضاء القرن الهجري الثالث وظهور خط النسخ الشامي في المصاحف وهجران خط الكوفة الرصين وبدء الكتابة على الورق بدل الرق، ظهر المصحف بشكله العمودي الذي يناسب الخط ويؤدي غرض الحفاظ بعد تقسيمه إلى أجزاء وأحزاب وأرباع وأعشار وأخماس.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 05:55 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (6)
منذ أن جمع القرآن العظيم في عهد الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكتبت صحائفه بمقاس واحد على الرق، رأينا كيف أن أبا بكر أراد أن يلتمس له اسماً، فقال بعض الصحابة: نسميه السفر، وقال آخرون: غير ذلك، إلا أن معقل بن سالم مولى حزيفة بن اليمان وهو من بلاد الأحباش أطلق على كتاب الله عز وجل اسم المصحف.
وقال للصحابة رضوان الله عليهم إننا نطلق في بلادنا على مجموعة الصحف والصحائف المجموعة بين دفتين اسم المصحف، وراقت الفكرة للخليفة أبي بكر وللصحابة فسموا كتاب الله -عز وجل- بالمصحف الشريف.
وقد وردت كلمة صحف وصحائف في القرآن العظيم ثمان مرات في سور: طه، والنجم، وعبس، والتكوير، والأعلى، والمدثر، والبينة التي يقول فيها الله عز وجل:
? رَسُولٌ مِّنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ? [سورة البينة، الآية 2].
لقد ربط زيد بن ثابت مجموعة الصحف المكتوبة على الرق بخيط ثم أودعها بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان هذا بدء صناعة التجليد التي ستزدهر ازدهاراً كبيراً في رحاب المصحف الشريف.
ولما جمع المصحف الجمع الثاني بأمر من الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وكتبت النسخ الأربعة التي أرسلت للأمصار كما قال الداني، أكثر العلماء على أن عثمان بن عفان لما كتب المصحف جعله على أربعة نسخ وبعث إلى كل ناحية من النواحي بواحدة منهم، فوجه إلى الكوفة إحداهن وإلى البصرة أخرى وإلى الشام الثالثة وأمسك عنده واحدة.
كان لا بد من وضعها في حافظ يحفظها من الضياع حتى لا تختلط السور والآيات ببعضها إذ لم يكن وضع الأعداد على الصفحات أو أسلوب التعقيب قد استخدم.
اهتدى المسلمون إلى ربط الرقوق ببعضها بخيوط متينة ووضعوا لها غلاف من الخشب أول المصحف وآخره فأصبح مجموعاً بين دفتين من خشب وغلفوا الخشب بالحرير، وكان المسلمون قد تعلموا هذه الطريقة من الأحباش والأقباط اللذين كانوا السباقين والأوائل في استعمال الجلد والكتان والحرير في تجليد الكتب، ثم انتشرت أساليب هذه الصناعة بين المسلمين وارتقت وتطورت في ظلال المصحف الشريف وانتقلت إلى سائر بلاد ما وراء النهر حتى حدود الصين وإفريقية وبلاد الاندلس.
لقد كان الجمع الأول للمصحف زمن أبي بكر والجمع الثاني زمن عثمان رضي الله عنهما، والفرق بين الجمعين أن الجمع الأول البكري كان جمع آيات الله في مصحف واحد مخافة تفرقها وذهابها بذهاب حفظتها، أما الجمع الثاني العثماني فهو جمع الناس على قراءة واحدة وحرف واحد والاختلاف في القراءة والذهاب بها مذاهب شتَّى يوشك أن يصل إلى صميم الآيات نفسها، وكان ذلك من أكبر مناقب الخلفاء؛ ارتضاه الصحابة وتقبله عامة المسلمين.
وانتصف القرن الهجري الثاني، ولم يكن للعرب والمسلمين كتاب يمكن أن يجلد غير المصحف الشريف، لقد كان أغلفة المصاحف أول الأمر تصنع من خشب وتغلف بالقماش والحرير خالية من أية مسحة فنية أو زخرف.
كما استعملت أوراق البردي القديمة التي استنفذت أغراضها في الكتابة بلصق بعضها إلى بعض بحيث تصبح سميكة أشبه بالورق المقوى وتقطع إلى ألواح وتستخدم في التجليد بعد تغليفها بالقماش.
إلا أن الخطاط المسلم الذي حمل أمانة نسخ المصحف الشريف جعله يبحث أن أثمن ما يملك لظهر المصحف بالمظهر النفيس احتراماً وإجلالاً فامتدت يده إلى مساحة لوح الخشب أو البردي يطعمه بالعاج والعظم ثم بالأحجار الكريمة في خيال هندسي مبهر.
ولم يلبث أن كفته بالذهب والفضة، لقد ولدت صناعة التجليد العربية في أحضان المصحف الشريف ويذكر ابن النديم أسماء لسبعة من المجلدين المشهورين وعلى رأسهم ابن أبي الحريش الذي كان يجلد في خزانة الحكمة للمأمون، وكان المقدسي صاحب كتاب أحسن التقاسيم مجلداً ماهراً فقد أرسل له الخليفة الأمين مصحفاً شريفاً ليجلده ودفع إليه بدينارين.
ويحدثنا أنه حين رحل إلى اليمن في القرن الرابع وجد الناس هناك يلزقون المصاحف ويبطنونها بالنشا، أما هو فكان قد تعلم الصنعة على يد أهل الشام الذين كانوا يستعملون الأشراس بدلاً النشا.
(يُتْبَعُ)
(/)
والذين كانت صنعتهم أدق وأرقى، كما تفنن أهل الشام في تجليد المصحف واخترعوا صنع اللسان وهو امتداد في الجلدة اليسرى، وهكذا وجدت صناعة التجليد في أفياء المصحف الشريف نمواً وازدهاراً، فازدهرت بلاد الشام ومصر واليمن بالجلود، وامتازت دمشق وزبيد وصعدة بالأدم وعدن بجلود النمور، وإذا كان الزمن لم يبقي لنا من تجليدات القرون الأولى شيئاً ذا بال، فإنه قد من علينا ببعض النماذج التي تدل على مدى تطور فن التجليد في المصاحف، وهكذا لم يبلغ القرن الرابع الهجري مداه حتى كان تجليد المصاحف قد بلغ مبلغاً كبيراً من الجمال فازدان بألوان من الزخرفة لا تقل عن الزخارف الداخلية روعة وجمالاً.
لقد اتبع مجلدو المصاحف في عملهم أسساً تدل على عمق وفهم.
فقسموا سطح الغلاف إلى متن وحاشية، والمتن هو الصرة الكبيرة المتمركزة فيه وتملأ عادة بالزخارف الهندسية النجمية الشكل وبالزخارف النباتية وقوامها الفروع المتشابكة.
والحاشية شريط زخرفي يسير بموازاة الخط الرئيسي للغلاف، وهذا التقسيم في الغلاف ما هو إلا استمرار للتقسيم القديم الذي كان شائعاً في زخرفة غلافات المصاحف، وتحتل زوايا المتن من الداخل زخرفة مستمدة من زخرفة الصرة الوسطى.
ظهرت شرائح الجلد محل صفائح الذهب والفضة ولتستعمل في كسوة الألواح المصنوعة من البردي في القرن الثالث الهجري ومن أجمل النماذج القديمة لهذه الغلافات غلاف معروض في متحف المتروبوليتان بمدينة نيويورك، تتمثل فيه طريقة التغليف القديمة بالخشب وتحليته بالأحجار الكريمة كما يحتفظ معرض الفنون الإسلامية في مدينة بيرلين بألمانيا بغلاف مصحف من خشب الأرز مطعم بالصدف على هيئة نجوم متراكبة متداخلة.
ويحتفظ متحف الفنون الإسلامية بالقاهرة بعدد من المصاحف المجلدة بغلافات من الخشب المزين برسومات بسيطة.
تطور فن التجليد وازدهر في المناطق الشرقية من بلاد فارس وكانت تيمور لانك الذي اجتاح المنطقة ووصل إلى دمشق سنة ثلاث وثمانمائة هجرية قد أخذ معه مجموعة من خيرة الصناع والمجلدين الدمشقيين فعلموا الإيرانيين هذه الحرفة.
وظهرت مجلدات فاخرة منها مصحف شريف لفرخشاه سنة تسع وثلاثين وثمانمائة هجرية، وكان صانعه قد قضى فيه عامين كاملين حتى انتهى من زخرفته وخلال حكم المغول تم تكفيت الغلاف وصنعت له القوالب المعدنية حتى غدت الزخرفة نافرة على الجلد.
وكانت مدرسة مدينة هارات أيام باي سنقر قد اشتهرت بنقاوة الألوان وتناسق التركيبات الهندسية وفي متحف دوسندورف بألمانيا مجموعة من الأغلفة الجميلة تعود إلى هذه الحقبة والفترة.
* فن اللاكيه
أدخل المسلمون في مرة في بلاد ما وراء النهر لأول مرة استعمال مادة الك، واللك مادة مشتقة من الصمغ تطلى بها الزخارف والرسومات الملونة المرسومة بعناية ودقة حتى تعطي لمعاناً وبريقاً بعد أن تجف وهذه المادة تستحضر من الصين وكلمة اللك صينية.
ومن أجمل النماذج وأترفها غلاف مورد مزهر يعود لسنة إحدى وستين وتسعمائة يحتفظ به المتحف الوطني بدمشق، كما أن أغلفة المصاحف التي تحتفظ بها مكتبة رئاسة الجمهورية في طهران تعد من أجمل وأقدم الأغلفة بحيث تعود إلى القرن الرابع الهجري وتمثل قمة الإبداع والفن في غلاف المصحف الشريف، وتحتظ خزائن المخطوطات في جامعة طهران أغلفة مصاحف نادرة موشاة بالألوان النباتية ومطلية بمادة اللك، وتعود إلى قرون مخلتفة من القرن الرابع الهجري وحتى القرن الحادي عشر، إن تأثير مدرسة هارات واضح المعالم في عمل الأتراك العثمانيين اللذين تتلمذوا على أيدي الفرس واقتبسوا منهم جل رسوماتهم وطرق التجليد التي برعوا بها فيما بعد.
وكانت ظروف الحياة قد اضطرت بعض الفنان المجلدين المهرة إلى الرحيل من بلادهم فاستوطنوا في تركيا وجهدوا في إخراج المصحف بهذه الحلة البهية، أما أغلفة المصاحف التي صنعت للخلفاء والطبقة العليا من وجهاء القوم فقد دخلت فيها رقائق الذهب والفضة وصيغت صياغة تقنية عالية وطعمت بالأحجار الكريمة كما نشاهد في هذا النموذج الذي يحتفظ به متحف الأمانات المقدسة والذي يعود للسلطان سليمان القانوني.
(يُتْبَعُ)
(/)
لم يكن المصحف الشريف خلال القرون الهجرية الثلاثة الأولى إلا جسماً لحرف مكتوب على الرق دون أن تكون فيه أية مسحة زخرفية وكان الصحابة والتابعون يتحرجون من أن يجددوا شيئاً في المصحف، أو أن يضيفوا إليه ما ليس منه؛ فلم تكن هناك فواصل بين الآيات أو علامات تخميس أوتعشير ولم تكن الفواصل بين الصفح إلا مساحات بيضاء لا إشارة فيها ولا تعريف.
وشيئاً فشيئاً تسللت الزخارف إلى المصاحف وحلت في الصفحات الأولى والأخيرة ووجدت في فواصل السور وفي نهايات الآيات ومواضع التخميس والتعشير والأجزاء والأحزاب، ثم لم تلبث أن تجاوزت في القرن الخامس الهجري واتخذت شكل إطارات أو جداول زخرفية تحيط بالمساحة المكتوبة من الصفحة.
ولم يكن المصحف يسمح للفنانين بالحرية المطلقة في ممارسة ألوان فنونهم، فاقتصرت جهودهم على الزخرفة الجمالية والتذهيب، ولقد كان نطاق الزخرفة في المصاحف أضيق من نطاق التذهيب؛ لأن التذهيب يوجد حيث توجد الزخارف، ويوجد في مصاحف العالم مصاحف ترجع إلى القرن الثالث وأخرى للقرن الثاني نجد فيها ألوان شتى من الحلي الفنية بزخارفها المذهبة، وطراز الزخرفة وأسلوب التذهيب ينبيء عن أنها مملوكية الزمن والعهد، فهل نشك في قيمتها التاريخية؟
إن نظرة بسيطة في عمق التاريخ تطلعنا إلى أن الزخارف لا تعود إلى قدم الكتابة نفسها، وإنما أضيفت إليها إضافة بعد قرن أو قرنين وما نشاهده من حليات ومشكاوات مرسومة على مصاحف القرن الهجري الأول والثاني تدل دلالة لا شك فيها على أن يداً قد تناولتها بعد حين من الدهر وأدخلت عليها التحسينات إدخالاً، ولم تكن النية الإساءة للعمل الأثري وإنما تجليلاً وتعظيماً لمكانتها وشأنها وقدسيتها وهذا ما حدث في مصاحف سيدنا علي وسيدنا الحسن وسيدنا الحسين رضي الله عنهم، وجعفر الصادق رحمه الله.
إن الحليات والزخارف التي تفصل بين السور لا تخرج عن كونها مستطيلات مذهبة وملونة استخدم فيها الفنان المسلم اللون الذهبي والأزرق اللازوردي والأخضر والأسمر، وكانت الرسوم تحدد أولاً باللون الأسود وباستخدام اللون الأخضر الداكن والقرمزي والزنجفري بشرائط ذهبية تجنح نحو التعقيد والدقة وتعطينا الدليل على ما لهذا الفن من جذور وأصول ومعرفة بالالوان وتركيبها وصناعتها، وقد يمتد المستطيل المتد في راس السورة إلى الهامش ويأخذ شكلاً جمالياً يوظفه لكتابة السورة مكية كانت أو مدنية.
وتنتشر الزخارف الدقيقة بأشكالها الهندسية الملونة والمذهبة داخل الأشكال المرسومة وقد تمتزج بالكتابة أحياناً ولم تكن الشرائط الزخرفية التي تفصل السور عن بعضها في المصاحف الأولى تحمل بداخلها أسماء سور كما هو الحال في المصاف المتأخرة وأنما كانت مجردة خالية من أية نوع من الكتابة اللهم إلا من الزخرفة البسيطة التي تطمئن القارئ والدارس على نهاية سورة والبدء بسورة جديدة.
لقد امتدت المستطيلات الزخرفية التي تفصل بين السور إلى الهامش الخارجي في شكل حلية جانبية مستديرة أو على شكل أوراق شجر تنتشر بداخلها زخارف نباتية وهندسية ملونة ومذهبة، وحتى المصاحف التي لم تكن السور فيها تفصل عن بعضها بشريط زخفي نجدها وقد وشحت جوانب الصفحات واحتلت الهوامش الخارجية، ولو تركنا فواصل السور وتأملنا فواصل الآيات لرأينا بوضوح أنها لا تخرج عن كونها حليات صغيرة مستديرة وهي في باديء الأمر اتخذت شكل المثلث الهرمي ضمن دوائر.
ثم استلهم الفنان أشكالاً وأشكالاً وضع داخلها العدد الأبجدي، لقد وجد التذهيب أول ما وجد في المصاحف وفي مواضع الزخرفة على وجه الخصوص ثم ذهبوا به إلى تذهيب الخط والكتابة، وارتباط التذهيب بالمصاحف ظل قائما طوال القرون الأولى للإسلام، ويروي لنا المقريزي أن خزانة كتب العزيز بالله أخرج منها ايام الشدة المستنصرية ألفان وأربعمائة ختمة في ربعات بخطوط منسوبة زائدة الحسن محلاة بذهب وفضة وغيرهما.
(يُتْبَعُ)
(/)
استعمل الخطاط الذهب لكتابة المصحف كما استعمل الفضة، وحظي المصحف باهتمام وإبداع لا نظير له في أي فن من فنون الكتاب ونلاحظ في الصحفات الأولى والأخيرة من المصحف الشريف أسلوب التعقيد والإعجاز في الفكرة التي توحي التوازن الانسجام ويحتفظ المصحف الوطني في دمشق بمجموعة من المصاحف المذهبة تتوزع فيما بين العصر المملوكي والعثماني، وهي ذات قيمة كبيرة تنبيء عن مدى تطور فن التذهيب وقدرة الفنان على رسوخ فكره في الإبداع والتميز والصفاء.
ما إن بزغت شمس القرن الرابع الهجري حتى بدأ الخط الكوفي اليابس الرصين في أفول وأضاء قمر جديد صفحات وأوراق المصحف الشريف، وكنا قد لاحظنا من خلال النماذج التي وصلتنا وعرضناها من قبل رصانة خط الكوفة المتزن البديع وجلاله في رسوم حروف القرآن العظيم إلا أن امتداد الدولة الإسلامية الواسعة واستخدام الخطوط الواسعة في كتابة الدواوين وبخاصة في العصر الأموي ومن ثم العصر العباسي جعلته أكثر استحساناً وأبهى منظراً من أخيه بعد أن نضج واستقام عوده.
وأقدمت على استخدامه الشعوب التي أقدمت على الإسلام في أقاصي الأرض وأكسبته هوية ومنحته الجنسية الإسلامية.
إن ما حدث من تطورات واصطلاحات طرأت على الرسم المصحفي أيام الدولة الأموية كان السبب في ارتفاع الذوق والحس إلى ذروة الجمال، وكان ظهور قطبة المحرر المتوفى سنة أربعة وخمسين بعد المئة تحولاً كبيراً في تاريخ كتابة المصحف بعد أن طور واستولد من الخطوط اللينة خطوط جديدة كان لها الشأن الكبير والعظيم فيما بعد.
واستمرت سنة التطور فجاء في أواخر الدولة الأموية الضحاك بن عجلان الكاتب، وإسحاق بن حماد ليضيفا إلى الخط اللين بعض الهندسة في الحروف وليتبوأ الخط اللين في دمشق عرش الحضارة وينشر ظلاله على أقطار العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه.
يقول بن النديم: "لم يزل الناس يكتبون على مثال الخطوط القديمة إلى أول الدولة العباسية، فحين ظهر الهاشميون أختصت المصاحف بهذه الخطوط".
كما يذكر صاحب الفهرست من خطوط المصاحف الأولى المكي والمدني بأنواعه التئن والمثلث والمدور والكوفي والبصري والمشق والتجاويد والسلواطي والمصنوع والمائل والراصف والأصفهاني والجلي والقيرموز كما أسلفنا الذكر في الحلقات الأولى من هذا البرنامج.
لقد ظل الناس يكتبون المصاحف بالخط القديم حتى أول الدولة العباسية وعندئذ اخترعت الأقلام، وعرفت من خطوط المصاحف هذه الأنواع التي يذكرها ابن النديم، ولقد خط مصحف عثمان رضي الله عنه بالخط المكي، وكان مصحف ابن مسعود وأبي موسى بن قيس بالخط الكوفي، وأولهما كان بالكوفة قاضياً وأميناً لبيت المال وثانيهما كان حاكماً للبصرة ثم للكوفة بعد عام سبعة عشر هجرية.
وتمر الأيام وينتقل ثقل الدولة إلى بغداد ويتحول الخط على يد الوزير أبا علي محمد بن علي بن الحسين بن مقلة إلى قوة في الأداء ورصانة في الحروف؛ فيضع له النسب والقواعد متخذاً النقطة مبدأ له كنقط المصاحف، ويخطو نحو كتابة المصحف الشريف خطوة جريئة مخلفاً وراءه خط الكوفة، مشرعاً ذلك الخط اللين المنسوب الذي سيتخذ سبيله إلى كلمات القرآن الكريم يحنو على شكل ورسوم الخليل يزين بها حروفه، مبتدعاً أشكالاً ورموزاً جديدة تحكي قصة ذلك العناء الطويل.
لقد كتب الوزير محمد بن مقلة المصحف العظيم مرتين لكن التاريخ لم يكشف لنا بعد عنهما ولا نعرف شيئاً عن مصيرهما، وقد وزر بن مقلة لثلاثة خلفاء عباسيين أولهم المقتدر اللذي تولى الخلافة ببغداد سنة خمسة وتسعين ومائتين هجرية ثم وزر للخيفة الثاهرة الذي نصب سنة عشرين وثلاثمائة هجرية ورغم أن عهده قد شهد نبوغ كثير من العلماء الأشداء إلا أن الفتن قد ظهرت في ذلك العهد وقد تجرأ الولاة على خلفائهم وكان بن مقلة ممن سعوا لخلع هذا الخليفة.
ثم وزر بن مقلة آخر الأمر للراضي الذي تولى الخلافة سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ولكنه صرف عن الوزارة لما أثار عليه الجند.
(يُتْبَعُ)
(/)
لم يمض قرن من الزمان على قيام الدولة العباسية حتى تردت الأحوال وغدت لا تسر نتيجة التفكك والانحلال ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها والحكم فيها لابن رائق، وخوزستان في يدي البريدي وفارس في يدي عماد الدولة بن بويه الموصل وديار بكر ومضر وربيعة في يدي بني حمدان، ومصر والشام في يد محمد بن طغش الأخشيد، والمغرب وإفريقية عبد الرحمن الملقب بالناصر الأموي، وخراسان وما وراء النهر في يد نصر بن أحمد الثماني وطبرستان و جرجان في يد الديلم، والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القرمطي، ورغم هذه التقسيمات فقد كانت المنافسة في الفن والعلم شديدة بين هذه البلاد وكان كل حاكم يود أن يصنع في العلم شيئاً يبقي ذكره بعده.
والخط المصحفي في تطور وتقدم ينحو في كل بلد نحو التهذيب والتشذيب، وبصناعة الورق واختفاء الرقوق تحول خط المصحف العظيم رويداً رويداً إلى الليونة مخلفاً وراءه خط الكوفة اللذي بقي أربعمائة سنة في عيون القراء، لقد أصبح صلاح الدين الأيوبي بعد وفاة العاضد أخر الخلفاء الفاطميين صاحب النفوذ المطلق في مصر منذ سنة أربع وستين وخمسمائة هجرية، وقد شاع في عصره الخط اللين وحل محل الخط الكوفي اليابس وغدت دمشق في عصره منارة للخط اللين بالرغم من وجود بعض المصاحف التي تعود لزمنه وقد كتبت بخط يابس ثقيل جميل.
وكانت المدارس قد انتشرت في عهده في الشريط المتد على جبل قاسيون بعد أن أنشئت الصالحية وغدت فيها المدرسة العمرية جامعة للقرآن العظيم يأمها طلبة العلم والحفاظ من كل أنحاء العالم.
وكان السلاجقة الترك يشجعون الفن وكتابة القرآن العظيم وأصحبت الكتابات القرآنية تتحلى بالرشاقة والجمال في عهدهم وتخط على أرضية زخرفية مع رؤوس السور والفواصل، وفي القرن السادس الهجري بدأ ظهور المغول بظهور الفاتح جنكيز خان من الجهات الشمالية من بلاد الصين.
وغزوا بخارى وسمرقند التي كان يحكمها خوارزم شاه علاء الدين وعاثوا فيها فساداً وأحرقوا بها المصاحف وهدموا المساجد والمدارس، وفي سنة ست وخمسين وستمائة هجرية استولى هولاكو حفيد جنكيز خان على بغداد، وقتل المغول آخر خلفاء بني العباس المستعصم بالله وهدموا المساجد وأتلفوا المصاحف الرائعة الجميلة وقضوا على أجمل ما في الحضارة العربية.
أقام هولاكو في إيران مالكة خاصة به أصبح هو خانها دامت قرناً من الزمان، وقد احتفظت بغداد رغم ذلك بتفوقها في فن كتابة القرآن العظيم حتى أواخر القرن الثامن الهجري وسوف تتحفنا هذه الفترة بمصحفين خطهما ياخوت المستعصمي.
ثم انتقلت بعد ذلك زعامة كتابة المصاحف إلى تبريز وهارات وسمرقند وزادت الزخارف ثراء وجمالاً، وكان السمرقند عاصمة تيمور لانك بعد أن استقدم إليها الفنانين من جميع ولاياته وبث فيها روحاً جديداً وكان أن ازدهرت ظهر فيها عباقرة أمثال البهزاد من هارات.
ونهض في هذا الزمن فن التجليد نهضة رائعة وانتقل فن الرسم التصغيري من الصين لإيران مع الحفاظ على المواضيع الإسلامية وأسس باي سنقر أحد الأمراء التيموريين أكاديمية خاصة بفن الكتاب وشاع الخط التعليقي الذي ابتكره مير علي ويحتفظ المتحف الإسلامي باسنطبول بمصحف من هذه الفترة وقد خطته حفيدة تيمور لانك وكتبت أسماء السور فيه بالذهب المسور بالحبر وخطه ثلث جميل وقد كتب في آخره "تشربت بكتابة هذا المصحف المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل حكيم حميد الأمة المذنبة المعترفة بفنون التقصير السائلة من الله الكريم المنان شاذ ملك بنت محمد سلطان جهانكير ابن أمير تيمور كوركان" أصلح الله شأنها وصانها عما شانها ورحم أسلافها.
وكان ذلك في شهور سنة إحدى وسبعين وثمانمائة الهجرية، ونقرأ في هذا المصحف من سورة النور ..
? سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ? [سورة النور، الآية 1].
(يُتْبَعُ)
(/)
إلى نهاية الصفحة، لقد امتاز هذا المصحف بخطه الرشيق الجميل الذي يفصح عن تمكن في قواعد حرف الثلث المحقق الذي نقطه يد سيدة تفوقت بعملها وشغفها حبها لكلمات الله عز وجل، ولإن دل ذلك على شيء إنما يدل على تمكن المرأة في تعلمها وكتابتها في ذاك الزمن الذي قل فيه من يعطي المرأة مكانتها وقد احتلت بعملها هذا مكانة رفيعة بين الخطاطين اللذين خطوا كتاب الله وآياته بحرف بديع.
وزخرفوا صفحاته ببدائع الزهور ورقموا أخماسه وأعشاره وأجزائه وأحزابه بترر ومشكاوات بديعة الشكل بهية المنظر.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:04 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (7)
عرف العرب الورق قديماً، فاستوردوه واستعملوه في الكتابة، إلا أنه لم ينتشر بينهم إلا بعد أن صنعوا بأيديهم وعلى أرضهم وكان ذلك زمن الخليفة " هارون الرشيد "، وبعد أن فتحت " سمرقند "، وانتصر " زياد بن صالح الحارثي " حاكمها على " اخشيد فرغنا " الذي كان يناصره ملك الصين سنة ثلاثة وثلاثين ومئة للهجرة.
وعاد المسلمون إلى " سمرقند " ومعهم العمال الصينيون اللذين يتقنون صناعة الورق، وقامت صناعة الورق على أيديهم في " سمرقند " ثم ما لبثت أن انتقلت إلى العالم العربي فأقام " الفضل بن يحيى البرمكي " وزير الرشيد مصنعاً في بغداد، واستعمل الورق بدل الرقوق في الدواوين، وكان الصناع الصينيون يصنعون الورق من شرانق الحرير، فطور المسلمون هذه الصناعة وصنعوه من الكتان والقطن، وكانت بغداد والشام وفلسطين في القرن الرابع الهجري تحتل مكانة هامة في صناعة الورق وتصديره للخارج.
وأصبحت صناعة الورق الشامي تنافس سمرقند ومن الشام انتقلت صناعته للمغرب العرب، ثم إلى صقلية والأندلس وأوروبا، يقول " فيليب حنا": إن من أجل الخدمات التي أسداها الإسلام إلى أوروبا صناعة الورق؛ ولولاها لما اخترعت المطبعة، ولولا الورق والمطبعة لما تيسر للعلم انتشاره في أوروبا بهذه الصورة العامة التي انتشر بها، لقد أحدث ظهور الورق ثورة ثقافية في العصر العباسي، نال المصحف الشريف الحظ الأوفر منها؛ لأنه الكتاب الذي لا يعلو عليه كتاب، فانتشر في أصقاع المعمورة انتشاراً مذهلاً ونشط الخطاطون والفنانون في كتابته بعد هجران الخط اليابس، وكانت أمنية كل خطاط أن يتقرب إلى الله بكتابة المصحف؛ لأن ذلك من جلائل الأعمال وأشرفها، ومنهم من تخصص في نسخها وبلغ أعداداً تكاد لا تصدق، رغم الأعداد الكبيرة التي كتبت في هذه الفترة فإنه لم يصل إلينا سوى عدد نادر جداً، ومنها " مصحف ابن البواب تلميذ بن مقلة " وتحتفظ به مكتبة " تشيستر بيتي " في " دبلين " بأيرلندا بقرم واحد وثلاثين وأربعمائة وألف وهو المصحف الوحيد الذي بقى سالماً بكامله من ذلك العصر.
ويوجد في أول المصحف ست صفحات مستطيلات متقابلات ومزخرفة، وعلى هامش كل منها ترة بأوراق نخيلة على هامشها متصلة بالإطار، وفي الصفحتين اللتين بأول المصحف، مستطيلات كتب عليها بخط مذهب مسور بالأسود ما نصه.
بسم الله الرحمن الرحيم (عدد سور القرآن مئة وأربع عشرة سورة، وعدد ما فيه من آيات ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، هو سبع وسبعون ألف كلمة وأربع مئة وستون كلمة، وعدد ما فيه من حروف المعجم ثلاثمائة حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً، وعدد ما فيه من نقط المعجم مئة ألف نقطة وست وخمسون ألف نقطة وأحد وخمسون نقطة).
وتتركب الصفحتان التاليتان من أشكال مسدسة في مستطيلين في كل صفحة ست منها، وفي كل مسدس كلمة تشير إلى رواية الأعداد بخط الثلث المسور بالأبيض، والصفحتان التاليتان تشتمل على أشكال دائرية كبيرة يتخللها زخارف نباتية.
وفي آخر المصحف صفحتان مثل سابقتهما، ثم تليهما صفحتان تحتوي كل واحدة منهما على أربعة عشر سطراً مفصولة بخطوط مستقيمة وعلى هامشها كرة دائرية، كتب عليها بقية نص الصفحة، وكتب بأول كل سطر بخط كوفي أسماء الحروف ثم أعدادها، وقبل الصفحتين نرى نص الخطاط الذي يوضح زمن الكتابة وفيه ...
(كتب هذا الجامع علي بن هلال بمدينة السلام سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة حامداً لله تعالى على نعمه، ومصلياً على نبيه محمد وآله، ومستغفراً من ذنبه).
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد أفرد ابن البواب ظهر الورقة التاسعة للفاتحة وسورة البقرة مع إطارين مزخرفين يحملان اسم السورة وعدد آياتها ومكيها ومدنيها على الهامش.
وسائر أوائل السور بغير إطار وخط أوائل السور بالثلث وبلون الذهب المسور بالحبر كي يميزها عن القرآن.
وعلى الهوامش طرر موازية ودوائر مزخرفة للأخماس والأعشار من الآيات، كتب بوسطها بالخط الكوفي خمس أو عشر وفي وسط النص دائرة صغيرة عليها حرف كوفي يتناسب مع العدد العشري، الياء للعشرة وكاف لعشرين، ويفصل آيات القرآن الكريم بثلاث نقاط متركبة باللون الأزرق، ويشير في بداية السور لمكان التنزيل، فهي إما مكية أو مدنية، كما نلاحظ حرف الهاء الذي يدل على العدد خمسة بعد نهاية كل خمس آيات.
وما نراه في هذا المصحف الذي يعود إلى القرن الرابع الهجري أنه لم يلتزم إملاء " عثمان بن عفان " رضي الله عنه، ونلاحظ كلمة العالمين والكتاب قد كتبتا بألف طويلة، كما نلاحظ بعض رموز التجويد كأن يضع شدة فوق الراء التي تلي النون الساكنة ليدل على الإدغام، والزخارف المتقنة الجميلة في هذا المصحف هي من صنع وعمل " ابن البواب "، وقد كان في بداية حياته يعمل مزوقاً للكتب والقصور وغير ذلك، لقد امتاز ابن البواب في خطه بالإرسال المتقن فكان هذا المصحف بخط ريحان نقياً سلساً تتبعه العين بكل ارتياح.
وفي نهجه هذا تكمن المدرسة العراقية التي سبقت كل المدارس في تحسين خط المصحف اللين، كما توضح تقدم الخط اللين في جملة الكتب والرسائل وساعد على ذلك تمركز الخلافة العباسية في بغداد واحتياج الدواوين إلى الأمور الكتابية.
قال أبو حيان التوحيدي: وأما الشيخ ابن البواب فوجد أن الناس قبله قد اجتهدوا قبله في إصلاح الخط الكوفي، وأقبلوا على ترطيب الكتابة للسر الخفي، وهو حب النفس للرطوبة؛ لأنها مادة الحياة، وهي لجنونه الخط وريه، وألا يرى من خارج زواياه، وكانت أسباب إتقان هذه الصناعة قد كملها الله له بأسرها، وأراده لهذه الرتبة، فشد لها أسره وأطلعه على سرها، فرأى ابني مقلة قد أتقنا قلمي التوقيعات والنسخ لكن لم يرسخا رحمهما الله في إتقانهما ذلك النسخ، فكمل معانيهما وتممه، ووجد شيخه " ابن أسد " يكتب الشعر بنسخ قريب من المحقق فأحكمه وحرر قلم الذهب وأتقنه، ووشى برد الحواشي وزينه، ثم برع في الثلث وخفيفه وأبدع في الرقاع والريحان وتلطيفه وميز قلم المتن والمصاحف، وكتب بالكوفي فأنسى القرن السالف.
لقد كان التسابق إلى اقتناء المصاحف والتزافر على نيل الجيد منها مشجعاً الخطاطين على الإجادة والإبداع، وكان للتأثير الديني النصيب الأوفر والأكبر فمن قدسية المصحف وجلال كلام الله استلهم الخطاطون إجادة التحرير واكساء الحروف وأعطوها مسحة وحية كان لها أروع الأثر في براعتها ورهبتها.
لقد توفي " ابن البواب " ببغداد يوم الخميس، ثاني جماد الأولى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة هجرية ودفن بجوار الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ووصلت إلينا آثار عدة ممهورة باسمه، إلا أن المحققين لم يتفقوا على نسبة جميعها، إذ كثر المقلدون لخطه جرياً وراء الكسب بانتحال توقيعه، فقد كان في اقتناء خطوطه قيمة لا تقدر وتنفق أثمان باهظة في سبيل الحصول عليها.
أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة عمراً ما كان يدري فيه ما الكتاب وما الإيمان، ثم اختاره الله -سبحانه وتعالى- لتبليغ الرسالة، فأوحى إليه روحاً من أمره وجعل مبعثه كالرسل من قبله في سن الأربعين ليكون أنضج فكراً وأصدق عزماً.
لقد نزلت آيات القرآن العظيم وتلقاها من ملك الوحي خلال سني حياته في مكة والمدينة وما بينهما، وفي كل مكان رحل إليه، واصطلح العلماء أن كل ما نزل من القرآن الكريم قبل الهجرة يسمى المكي، وكل ما نزل بعد الهجرة يسمى المدني، ويوجد في القرآن العظيم سور كاملة مكية وأخرى مدنية، وفي كل منهما آيات مكية ومدنية، إن ما نزل من القرآن في مكة من السور بلغ خمس وثمانين سورة، وجميع ما نزل بالمدينة بلغ تسع وعشرين سورة، وتعنى السور المكية بترسيخ العقيدة وأصول الدين وتوحيد الخالق عز وجل، والإيمان بالملائكة واليوم الآخر والأعمال الصالحة، وتعنى السور المدنية بالتشريع للمجتمع الإسلامي ودولته الجديدة، وتنظيم العلاقات بين الإنسان وربه وربينه وبين نفسه، وبينه وبين بنيه من البشر وبينه وبين سائر
(يُتْبَعُ)
(/)
المخلوقات، وفيها الحدود والأحكام والأمر بالجهاد ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، والاهتمام بأمر المنافقين إلى غير ذلك، مصداقاً لقوله تعالى:
? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ?. [سورة النحل، الآية 125].
وهناك علامات بها يهتدي القارئ على معرفة السور المدنية من المكية.
* علامات السور المكية:
- كل سورة بدأت بحرف من الحروف الهجائية سوى البقرة وآل عمران والرعد فيها خلاف.
- كل سورة فيها كلمة كلا، وعددها ثلاث وثلاثون سورة، وتوجد في النصف الثاني من القرآن العظيم، ويغلب على آياته القصر.
- كل سورة فيه يا أيها الناس عدا سورة البقرة فمدنية.
- كل سورة فيها آية سجدة.
- كل سورة فيها قصص قرآني أو خبر عن السابقين.
* علامات السور المدنية:
- كل سورة فيها ذكر المنافقين، ما عدا سورة العنكبوت فمكية.
- كل سورة فيها مناقشة لأهل الكتاب ومجادلتهم.
- كل سورة فيها ما يخص التشريع والقوانين والأحكام والإذن بالجهاد.
إن معرفتنا بالسور المكية والسور المدنية تدلنا على إعجاز القرآن الكريم، وصدق بعثة ونبوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذ أن هناك آيات نزلت بالمدينة ثم ألحقت بالسور المكية التي مضى على نزولها عشر سنوات أو أكثر، كقوله تعالى: ? إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ? [سورة المزمل، الآية 20]. إلى آخر الآية عشرين من سورة المزمل.
وكذلك الآية المكية التي نزلت بالجحفة في أثناء هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي: ? إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ? [سورة القصص، الآية 85].
وهذه الآية تبشر النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى مكة فاتحاً منتصراً بعد خروجه مهاجراً، وهي من باب المغيبات التي تدل على الإعجاز والصدق، ونجد جزءاً من آية في سورة مدنية نزل في مكة في عرفات في حجة الوداع، وهي من الآية الثلاثة في سورة المائدة: ? الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ? [سورة المائدة، الآية 3].
وكذلك من الآيات ما نزلت بمكة وألحقت بسورة مكية نزلت فيما بعد كقوله تعالى من سورة الأنفال: ? وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ? [سورة الأنفال، الآية 30]. إلى قوله تعالى نهاية الآية السادسة والثلاثين ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ? [سورة الأنفال، الآية 36] ..
إن التداخل ما بين الآيات المدنية والمكية يرشدنا إلى عظمة القرآن الكريم، وليس السبب في معرفتنا هو علم الزمان والمكان، وإنما هو الوحدة المترابطة الموضوعية لكل سورة من القرآن العظيم كما هي في اللوح المحفوظ، لذا كان جبريل عليه السلام ينزل بالقرآن ثم يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بوضع الآية أو الآيات في سورة كذا بعد آية كذا كما هو معلوم في اللوح المحفوظ.
والإجماع يدل دلالة قاطعة لا مرية فيها على أن ترتيب القرآن العظيم توقيفي بأمر من عند الله -سبحانه وتعالى- ولا دخل في ذلك لأحد من البشر، ومما ورد في ذلك ما أخرجه " أحمد " في مسنده بإسناد حسن عن عثمان عن ابن أبي العاص، قال: " كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال: أتاني جبريل ثم أمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع من هذه السورة: ? إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ? [سورة النحل، الآية 90].
(يُتْبَعُ)
(/)
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري من أشرف علوم القرآن، علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكة ابتداءً ووسطاً وانتهاءً، وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك، ثم ما نزل بمكة وحكمه مدني وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وهذا على أحد قولي العلماء في التفريق بين المدني والمكي، لقد اعتنى المسلمون بقرآنهم عناية فائقة، وجعلوا العلم فيه فريضة على كل من يعنى بتفسير كتال الله المجيد، ولا بد من العلم بما نزل بمكة في أهل المدينة وما نزل بالمدينة في أهل مكة وما نزل ببيت المقدس وما نزل بالطائف، وما نزل بالحديبية، ثم ما نزل نهاراً وما نزل ليلاً، ثم ما حمل من مكة إلى المدينة وبالعكس وما حمل إلى أرض الحبشة، ثم ما نزل مجملاً وما نزل مفسراً وغير ذلك من العلوم.
لقد بلغت العناية بهذا الكتاب الكريم أقصى ما يبلغه الباحثون من التحري والتدقيق، فلم يفتهم ذكر أبسط التفصيلات وأصغر الجزيئات، إن أكثر القرآن نزل نهاراً ونزلت منه بعض السور ليلاً، وفي البخاري من حديث عمر قال صلى الله عليه وسلم: (لقد نزلت علي الليلة سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، فقرأ: ? إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ? [سورة الفتح، الآية 1] .. ونزلت في الليل أوائل آيات من سورة الحج: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ? [سورة الفتح، الآية 1] .. وفي الفجر نزل عليه: ? لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ ? [سورة آل عمران، الآية 128].
والآيات تنزلت في الشتاء والصيف وفي السفر و في القتال، وفي كل مكان حل فيه أو رحل إليه، وقد يبدوا هذا الاستقصاء لدى بعض الناس غير ذي بال، لكنه صدق الرواية، وإمكان الثقة بها جعلت العلماء يتتبعون كل آية ومكان نزولها وتاريخها مما ينفي الريبة والشبهة عن هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل، هذه الخصائص الموضوعية والأسلوبية سواء كانت قطعية أو أغلبية تصور الخطى الحكيمة المتدرجة التي كان يخطوها الإسلام في تشريعه، فخطاب أهل المدينة لا يماثل خطاب أهل مكة، لأن البيئة الجديدة في المدينة أصبحت تستدعي التفصيل في التشريع وفي بناء المجتمع الجديد ولا بد من أن يراعي المخاطبين في كل آياته وسوره.
كتب الصحابة رضي الله عنهم المصاحف بما كان معروفاً في زمنهم من قواعد الهجاء وأصول الرسم الإملائي، وقدوتهم المصحف العثماني الذي خط زمن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان جل الصحابة ومن وافقهم من التابعين وتابعيهم ينهجون على الرسم العثماني في كل ما كتبوه ولوم لم يكن قرآنا أو حديثاً، واستمر الأمر على ذلك عهداً طويلاً، إلى أن ظهر علماء المصرين الكوفة والبصرة، وأسسوا لهذا الفن ضوابط وروابط بنوها على أقسيتهم النحوية وأصولهم الصرفية نظراً لحاجة الناس باستزياد استعمال الكتابة لنظام موحد للقواعد، وبانتشار استعمال القواعد التي وضعها العلماء للكتابة ظهر ما يسمى بقواعد الهجاء أو الإملاء أو علم الخط القياسي أو الاصطلاحي وهجر الناس استعمال هجاء الكلمات القديم في كتاباتهم، لكن خطاطي المصاحف لم يستعملوا السور الجديدة للكمات في خط المصاحف، وظلوا يحافظون على سور الكلمات كما ورد في مصاحف العثمانية الأئمة، وميز العلماء بعد ذلك بين ثلاثة أساليب للكتابة، يقول " ابن دراستويه " في مقدمة كتابه الكتاب " ووجدنا كتاب الله جل ذكره لا يقاس هجاءه ولا يخالف خطه، ولكنه يتلقى بالقبول على ما أودع المصحف.
قال " قال أبو حيان " سار الاصطلاح في الكتابة على ثلاثة أنحاء اصطلاح العروض، واصطلاح كتابة المصحف، واصطلاح الكتاب في غير هذين، ولقد جرت محاولات منذ وقت مبكر لتغيير الرسم المصحفي العثماني وكتابته على ما وافق عليه الرسم الحالي، فيروي الداني: " إن إمام المدينة ملكاً المتوفى سنة مئة وتسعين وسبعين هجرية رحمه الله، سؤل فقيل له أرأيت من استكتب مصحفاً اليوم، أترى أن يكتب على ما أحدث الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: لا أرى ذلك ولكن أن يكتب على الكتبة الأولى، ويروى أيضاً أنه سؤل عن الحروف التي تكون في القرآن مثل الواو والألف، أترى أن تغير من المصحف إذا وجدت فيه كذلك؟ فقال: لا .. ، ويعقب الداني على ذلك بقوله يعني الواو والألف الزائدتين في الرسم لمعنى المعدومتين في اللفظ وقد أجمع العلماء على مثل
(يُتْبَعُ)
(/)
ما ذهب الإمام مالك ولا مخالف من علماء الأمة، حتى أن الأمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين هجرية قال: تحرم مخالفة مصحف الإمام في واو أو ياء أو ألف أو غير ذلك.
وقال البيهقي أبو بكر أحمد بن الحسين المتوفى سنة ثماني وخمسين وأربعمائة من كتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به هذه المصاحف ولا يخالفهم فيه، ولا يغيروا مما كتبوا شيئاً، فإنهم كانوا أكثر علماً وأصدق قلباً ولساناً وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكاً عليهم ".
وكل ما امتد الزمن بالناس ازدادت عنايتهم بتيسير الرسم القرآني، وقد اتخذ هذا التيسير أشكالاً مختلفة، وكان الخليل أو من صنف النقط وذكره في كتاب وذكر علله وأول من وضع الهمز والتشديد والروم والإشمام، ولا يكاد " أبو حاتم الجانستاني " يؤلف كتابه عن القرآن وشكله حتى يكون رسم المصاحف قد قارب الكمال حتى إذا كانت نهاية القرن الهجري الثالث بلغ الرسم ذروته من الجودة والحسن، وأصبح الناس يتنافسون في اختيار الخطوط الجميلة وابتكار العلامات المميزة، حتى جعلوا للحرف المشدد علامة كالقوس، والألف الوصل جرة فوقها أو تحتها أو وسطها على حسب ما قبلها من فتحة أو كسرة أو ضمة.
وما أكثر العقبات التي كانت تعترض اتجاه الناس نحو تحسين الرسم القرآني، وما برح العلماء حتى أواخر القرن الثالث الهجري يختلفون في نقط المصاحف.
إن تحول كتابة القرآن العظيم من الخط اليابس إلى الخط اللين وهجران الخط الكوفي، جعلت خطاطي الخط الرابع الهجري يبحثون عن رموز لتحسين الكتابة وضبطها وهو ما يوافق شكلها خط النسخ، فابتدع الخطاطون مع القراء والعلماء أشكال ورموز تضبط قراءة القارئ وترشده إلى مكان الوقف حتى يتم المعنى ويؤدى بشكل سليم، ومن علامات الوقف الموجودة الآن في المصاحف العثمانية وغيرها ما هي إلا علامات اصطلاحية من اجتهاد علماء الرسم تسهيلاً للقارئ، باستثناء رؤوس الآيات المتفق عليها، وهي توقيفية لا اجتهاد فيها لأحد، ولكي يتنبه القارئ إلى أماكن الوقف الجائز والممنوع، كانت هذه الرموز.
حرف " م " وهو حرف يدل على الوقف اللازم، وهو الحرف الأخير من كلمة لازم، حرب " لا " وهي أداة نهي لعدم الوقف ويعني هذا الرمز علامة الوقف المممنوع.
حرف " جـ " رمز يدل على جواز الوقف وعلامة الوقف هذه أخذت من كلمة جائز، الحرفان.
" صلى " علامة الوقف والوصل مع كون الوصل أولى.
الحرفان " قلي " علامة الوقف والوصل مع كون الوقف أولى، النقاط المتراكبة الثلاث تعني علامة الوقف المتعانق بحيث لو وقف على أحدهما لا يصح له الوقف على الأخرى، ولا يقف عليهما معاً ولا بأس بوصل الآية كاملة، مثال ذلك قوله تعالى: ? ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ? [سورة البقرة، الآية 2].
علامة خاصة ورمز للسجدة، وكانت في المصاحف الأولى عبارة عن حرف هاء كبير ثم تطور إلى شكل ورمز زخرفي، مع رسم خط أفقي،. حرف " س " الصغير وهو علامة للدلالة على السكتة اللطيفة الخفيفة، يقف عندها القارئ بدون تنفس، ويوجد ذلك في خمسة مواضع في القرآن العظيم، وهي في قوله تعالى: ? وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا قَيِّمًا? [سورة الكهف، الآية 1، 2] .. ? قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا ? [سورة يس، الآية 52] .. ? وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ? [سورة القيامة، الآية 27] .. ? كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم ? [سورة المطففين، الآية 14] .. ? مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ? [سورة الحاقة، الآية 28، 29] ..
قال أبو محمد مكي ابن أبو طالب رحمه الله كل شيء له نصفان، إلا القرآن فإن له ثمانية أنصاف، نصفان على عدد الحروف آخر النصف الأول على عدد الحروف، النون والكاف من قوله تعالى: ? شَيْئًا نُّكْرًا ? [سورة الكهف، الآية 74].
وأول النصف الثاني الراء والألف منها أي نكرا إلى آخر القرآن الكريم، وله نصفان آخران على عدد الآي، فأخر النصف الأول على عدد الآي، رأس خمس وأربعين آية من الشعراء في قوله تعالى: ? تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ? [سورة الشعراء، الآية 45] .. وأول النصف الثاني عن عدد الآي ? فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ? [سورة الشعراء، الآية 46] .. في الشعراء إلى أخر القرآن العظيم، ونصفان آخران على عدد كلمه، فأخر نصفه الأول عدد كلمه رأس عشرين أية من سورة الحج، في قوله تعالى: ? وَالْجُلُودُ ? [سورة الحج، الآية 20] .. وأول نصفه الثاني على عدد كلمه في سورة الحج في قوله تعالى: ? وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ? [سورة الحج، الآية 41] .. وله نصفان آخران على عدد سوره، فأخر نصفه الأول على عدد سوره،
? قَدْ سَمِعَ اللهُ ? [سورة المجادلة، الآية 1] .. من سورة المجادلة، كذلك ثمانية أنصاف قدر روي هذا عن ابن مجاهد والله أعلم، ولا يخفى علينا أن عدد سور القرآن الكريم مئة وأربع عشرة سورة.
وأما وضع نقطة خالية الوسط معينة الشكل تحت الراء فإنها تدل على إمالة الفتحة نحو الكسرة، وكانت توضع في القرون الأولى نقطة لازواردية وكذلك وضع هذه العلامة فوق أخر الميم قبل النون المشددة لتدل على الإشمام وهو ضم الشفتين إشارة إلى أن الحركة المحذوفة ضمة، كقوله تعالى: ? مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ ? [سورة يوسف، الآية 11] .. وأما وضع نقطة مدورة فوق الهمزة الثانية فيدل على تسهيلها بين بين كقوله تعالى: ? أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ? [سورة فصلت، الآية 44] .. وهي الآية الرابعة والأربعون من سورة فصلت ولا يوجد غيرها في القرآن الكريم، ولقد وجدت بعض الرموز في المصاحف التي خطت أيام الدولة العثمانية لتدل على ضبط القراءة أيضاً، حرف " ط " ومعناه الوقف الطيب، وحرف " ص " ومعناه يرخص للوقوف، و" قف" معناه استحباب الوقف، و" ح " ومعناه وقف حسن، و" ز " جواز الوقف والوصل أولى، و " ع " ومعناه انتهاء العشر عن الكوفيين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:09 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (8)
بعد استخدام الخطوط اللينة وتطورها المذهل في كتابة الرسائل والكتب والمدونات منذ عصر بني أمية، ومع بداية ظهور ملامح خط النسخ الشامي الجميل، وهجران خط الكوفة الرصين والتحول عنه في تسطير جملة الشئون الجليلة والعظيمة إلى الليونة بدأ الإبداع والابتكار والتطور يلد في أحضان القرآن العظيم على يد جملة من العباقرة اللذين تركوا آثارهم وخلفوا تراثاً ينبئ عن العناية الفائقة تجاه المصحف الشريف.
ففي القرن الثالث والرابع كان ظهور ابن مقلة وابن البواب حدثاً هاماً في تحول كتابة المصاحف نحو الليونة، واكتمال الرسم والشكل الذي وضعه الخليل بن أحمد واستخدمه الخطاطون في ضبطهم وتشكيلهم للقرآن العظيم.
كان الأثر الذي جاءنا من تلك الفترة هو مصحف ابن البواب الذي سبق وتحدثنا عنه في فترة ماضية، ويتحفنا القرن السادس الهجري لمصحف لياقوت المستعصمي فنرى فيه التطور المذهل لخط الثلث المحقق الذي أصبح النموذج الأعلى من الخطوط اللينة، والتي خطت به آيات القرآن العظيم وأصبح النموذج الذي يحتذى به في كتابة القرآن وشكله، إن جمال الدين ياقوت بن عبد الله المستعصمي صاحب الدور الكبير في تحويل الخط إلى فن رفيع، وهو مولى الخليفة العباسي المستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس، والذي قتله هولاكو خان عند استيلاءه على بغداد سنة ست وخمسين وستمائة هجرية.
ونجا حينها ياقوت من القتل، واتصل بآل الجويني اللذين حكموا العراق فيما بعد وتقرب منهم، وعاش عيشة سعيدة وعين خازناً في دار الكتب المستنصرية ببغداد، واستطاع أن يستعيد منزلته القديمة، بعد الغزو المغولي، وكانت الأقلام الستة الثلث، والنسخ، والمحقق، والريحان، والتواقيع، والرقاع قد بلغت حداً من التطور قبله فتورا وحسنها، ووصل بها إلى ذروة الجمال، واتخذ الخط المائل للقلم بدلاً الخط المستوي فأضفى بذلك على خطه جمالاً وجلالاً، وبلغ بهذه الأنواع حداً كبيراً من الجودة، وألف بعض الكتب، وقرض الشعر وخلف أعمال خطية كثيرة في خزائن الكتب، على رأسها مجموعة من المصاحب، وأصبح رائد المدرسة البغدادية بعد ابن البواب في خطوط المصاحف وغيرها.
وقد وصلنا من خط ياقوت الجميل مصحف كتب بالخط الريحاني ويظهر فيه أسلوب ياقوت في الكتابة، وهو محفوظ في متحف " توب قابي سراي " في أسطنبول ويحتوي على سبع وأربعين ومائتي ورقة وبطول ثماني وعشرين ونصف وبعرض واحد وعشرين ونصف سنتيمتر.
ونشاهد فيه سورة الفاتحة وبداية البقرة، وفي الصفحة أربعة عشر سطراً وصفحاته مجدولة، وفي هوامشه طرر للأعشار والأخماس على شكل إجاصة أو دائرة تحمل في داخلها خطاً كوفياً، وأما أسماء السور فقد كتبت في مستطيلات مبسطة الزخارف بخطي ثلثي مرسوم، وخص للبسملة سطراً كاملاً مد فيها بين السين والميم، كما رسم فواصل الآيات دوائر على شكل زهرة وضعت فوق السطر لضيق الحيز المخصص لها، وورد في آخر المصحف بعد سورة الناس مستطيل مزخرف كتب عليه بخط الثلث:
(صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم، ثم وكتب ياقوت المستعصمي في سنة خمس وثمنين وستمائة بمدينة السلام بغداد حامداً لله تعالى على نعمه، ومصلياً على محمد صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين الطاهرين، ومسلماً، ومن ذنوبه مستغفراً).
لقد امتاز ياقوت بالاعتدال الفاصل بين السطور، وفي اتزان الكلمات والحروف، فهي غير منفرجة حتى التفكك ولا مزدحمة متضاربة العراقات، وجاءت الصواعد فيه مائلة إلى اليسار وهو ما تقضي به القواعد الخطية، أما أفقياته فلم يبالغ بانحدارها كما فعل ابن البواب. إن ما يسترعي الانتباه ويستدعي التنويه عن هو قطة القلم المحرفة، التي ابتكرها ياقوت واشتهر بها، ونتج عن ذلك خط دقيق الطوالع كامل السمك في أفقياته وتمت بذلك أهم صفات الخط العربي.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإن الخط المحرف قد عرف من قبل إلا أنه لم يستخدم كما استخدمه ياقوت، وبذلك أحدث تغييره هذا إلى ثورة في عالم الكتابة، وضجة في أوساط الخطاطين والوراقين، لقد استوت الألفات وأخذت حقها في الطول، وبدت أطول مما عرف ولا يزال حرف الجيم مروساً كما هو عند ابن البواب، لقد قدم ياقوت في مصحفه هذا خطاً جميلاً بسطر رزين، ينساب بهدوء حروفه المنسجمة مع الرقة في عرقاته المجموعة وألفاته المتوازية، وبخطوطه تمت محاسن المدرسة البغدادية واكتملت بدءاً من ابن مقلة إلى ياقوت المستعصمي.
وقد أجمع القدامى على جودة خطه وبراعته، قال الذهبي في تاريخ الإسلام: (ياقوت المستعصمي المجود صاحب الخط المنسوب رومي الجنس، نشأ بدار الخلافة وأحب الكتابة والأدب وحصل خطوط منسوبة بابن البواب وغيره، كان يعرفها بخزانة الخلفاء، فجود عليها وعني بذلك عناية لا مزيد عليها، وقويت يده وكونت أسلوباً غريباً في غاية القوة، وسار إماماً يقتدى به، كتب بخطه الكسر) ..
وذكره في كتاب العبر فقال عنه: (أحد من انتهت رئاسة الخط المنسوب) .. وقال عنه ابن كثير: (كان فاضلاً مليح الخط، مشهوراً بذلك، كتب ختماً حساناً وكتب الناس عليه ببغداد)، وأطلق عليه صاحب كتاب تحفة الخطاطين لقب (قبلة الكتاب)، وذكر حبيب صاحب كتاب خط، وخطاطان أن ياقوت ترك ألف مصحف شريف بخطه ومن جملة المصاحف ما هو موجود في الأستانة، ويعود تاريخه إلى سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
ومصحف كبير بأياصوفيا وتاريخ سنة أربع وخمسين وستمائة ومصحف آخر جميل رائع ليس كمثله يعود إلى سنة اثنتي وستين وستمائة هجرية.
وكانت المصاحف المكتوبة بخط ياقوت ترسل هدية للملوك، ذكر السخاوي أن " بريسباي الشرفي توجه سنة سبع وسبعين وثمانمائة هجرة رسولاً إلى سلطان الروم من مصر ومعه هدايا سنية منها مصحف بخط ياقوت وخيول.
وفي توب قابي سراي مصحف كتبه ياقوت سنة تسع وستين وستمائة وكان في ملك أمير مكة والحجاز حسن بن أبي نمير محمد بن بركات المتوفى سنة ألف وعشر هجرية، فأهداه إلى الخليفة العثماني السلطان مراد، وأرسله من مكة إليه.
وأجزاءه وأعشاره دوائر مختلفة داخلها بالخط الكوفي، وأسماء السور بالأبيض على أرضية ذهبية، وزخارف نباتية بالأخصر في الفاتحة والبقرة، وباقي أسماء السور بالذهب على الورق نفسه، وأضيف في أخر المصحف ما نصه.
(هذا المصحف الفريد اللطيف والكلام المجيد الشريف أرسل من بلد الله الحرام لحضرة سلطان سلاطين الإسلام مولانا السلطان مراد خان، خلد الله ملكه إلى انتهاء الدوران، بخط الأستاذ على الإطلاق ياقوت مشهور الأفاق من المملوك الداعي بدوام دولته حسن بن أبي نمي ابن بركات سامحهم الله بجوده وكرمه ونعمه).
دخل العرب في بلاد الشام في الإسلام بعد الفتوحات، واحتاجوا إلى من يعلمهم القرآن العظيم ليأخذوا منه تشريعهم في أمورهم التعبدية والدنيوية، وكان أن استشهدت طائفة من القراء والحفاظ في فتوحات بلاد الشام، وكان يزيد بن أبي سفيان أول الأمراء اللذين تبينوا حاجة أهل الشام إلى من يقرئهم القرآن في صدر الإسلام، فأرسل إلى الخليفة عمر بن الخطاب، يسأله أن يبعث إليه بعض الصحابة من حفظة القرآن من أهل المدينة.
فوجه عمر ثلاثة من الصحابة إلى بلاد الشام قاموا بتعليم الناس القرآن في حمص ودمشق وفلسطين، قال محمد بن كعب القربي جمع القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار، معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو أيوب، وأبو الدرداء، فلما كان زمن عمر بن الخطاب، كتب إليه يزيد بن أبي سفيان، أن أهل الشام قد كثروا وربوا، وملئوا المدائن واحتاجوا إلى من يعلمونهم، فدعا عمر أولئك الخمسة، فقال لهم: " إن أخوانكم من أهل الشام قد استعانوا بمن يعلمهم القرآن ويفقههم في الدين فأعينوني بثلاثة منكم، فاستهموا إي اقترعوا، فقالوا ما كنا لستهم، هذا شيخ كبير لأبي أيوب، وأما هذا فسقيم، لأبي بن كعب، فخرج معاذ، وعبادة، وأبو الدرداء، فقال عمر ابدءوا بحمص، فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة، منهم من يلقن أي يفهم ما يسمع، فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس فإذا رضيتم منهم، فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق، والآخر إلى فلسطين ".
(يُتْبَعُ)
(/)
فقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة، وخرج أبو الدراء إلى دمشق، ومعاذ بن جبل إلى فلسطين، وأما معاذ فمات عام طاعون عمواس، وأما عبادة فسار إلى فلسطين فمات بها، وأما أبو الدرداء فلم يزل بدمشق حتى مات.
اهتم الخلفاء والأمراء الأمويون بتعليم القرآن اهتماماً بالغاً، وحضوا على قراءته وحفظه، قال عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده: " علمهم القرآن حتى يحفظوه ".
وقال عتبة بن عمر بن عتبة ابن أبي سفيان لمؤدب ولده: " علمهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منهم فيهجروه ".
وأوصوا أهل الشام بقراءته القرآن وحفظه، وكان عبد الملك بن مروان أول من أمرهم بذلك، وتبعه الوليد وفي خلافة عمر بن عبد العزيز، ازداد اهتمام أهل الشام بقراءة القرآن الكريم، وكانوا يراجعون فيه أقاربهم اللذين يفدون عليهم من المدينة ومكة، فمن قرأ القرآن وحفظه قدروه وأجازوه، و من لم يقرأه ولم يحفظه تجنبوه وهجروه وحبسوه عندهم حتى يقرأه، ووكلوا به من يعلمه.
قال محمد بن مسلم الزهري في خبر وفوده على عبد الملك بن مروان: " دخلت عليه فسألني هل تحفظ القرآن؟ قلت نعم والفرائض والسنن .. فسألني عن ذلك كله فأجبته فقضى ديني وأمر لي بجائزة ".
قال إبراهيم ابن أبي عبلة العقيلي: " رحم الله الوليد وأين مثل الوليد، كان يعطيني قطاع الفضة أقسمها على قراء مسجد بيت المقدس ".
كان القراء من الشاميين يقرئون القرآن قراءة متواترة مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يدرسون القرآن في مساجد أجناد الشام، مثل مسجد الرملة، ومسجد بيت المقدس، ومسجد طبرية، ومسجد دمشق، ومسجد حمص، ومنذ منتصف القرن الهجري الأول أخذت تظهر في بلاد الشام طبقة من المعلمين المتخصصين، اشتغلت بتأديب الصبيان، قال ياقوت الحموي: " كان الضحاك بن مزاحم الهلالي نزيل دمشق المتوفى سنة خمس ومئة كان يؤدب الأطفال فيقال، كان في مكتبه ثلاث آلاف صبي، وكان يطوف عليهم على حماره وكان يعلم ولا يأخذ شيئاً ".
وافتتح الوليد بن عبد الملك أول مدرسة للأيتام، وجعل عليها من يؤدبهم ويعلمهم القرآن، كان المعلمون يقسمون تلاميذهم عشرات في مسجد دمشق، ويجعلون على كل عشرة عريفاً، وكان العريف يقرأ القرآن لتلاميذه سورة سورة وهم يعيدون ما سمعوا منه ويحفظون عنه، وإذا أخطأ أحدهم سأل عريفه، وإذا أخطأ عريفهم سأل شيخه ".
وكان العريف يمتحن تلاميذه بعد أن يختموا القرآن، فإذا أيقن أن أحدهم أتقن القرآن قدمه إلى الشيخ فأجازه، وأصبح عريفاً في حلقته، قال مسلم بن مشكم الدمشقي، قال لي أبو الدرداء: " أعدد من يقرأ عندي القرآن، فعدتهم ألفاً وستمائة ونيفاً، وكان لكل عشرة منهم مقرئ، وأبو الدرداء يكون عليهم قائماً، وإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء ".
انتشرت دراسة القرآن العظيم بمسجد دمشق في أيام عبد الملك بن مروان، وهي قراءة الجماعة سبعاً من القرآن بالتكرار وراء قارئ في مجلس واحد بعد صلاة الصبح، ثم أطلق السبع على الموضع الذي يقرأ فيه السبع من القرآن، وكان موضع السبع في مسجد دمشق الجهة الشرقية، من مقصورة الصحابة، ولم تكن قراءة ذلك السبع تتعدى ذلك الموضع متصلة مع جدار القبلة إلى الجدار الشرقي، وتجاوزت في أيام يزيد بن عبد الملك قراءة الجماعة سبعاً من القرآن في مجلس واحد وتخطت ضبط النص القرآني ومعرفة أسباب النزول والإحاطة بالمعنى واستخلاص الأحكام.
ولم تعد تقتصر على الدراسة النظرية المجردة، فقد أصبحت مجالس الدراسة منتديات تبحث فيها مسألة الخلافة والإمامة، وصفات الخليفة والإمام العادل وشروط الحكم الإسلامي الصالح، وغدت حلقات تناقش فيها الأوضاع والمشاكل القائمة وتقوم فيها سيرة بني أمية وتنتقد الممارسات ويعرض بسياساتهم تعريضاً شديداً.
وتشتمل المصادر المختلفة على أسماء القراء من الصحابة والتابعين والشاميين في صدر الإسلام وعصر بني أمية، ومن أشهر القراء من الصحابة الشاميين معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وفضالة بن عبيد، وواثلة بن الأسقع الكناني وكان أبو الدرداء أكثرهم نشاطاً في تعليم القرآن وأقواهم أثراً في بلاد الشام.
(يُتْبَعُ)
(/)
كان أكثر القراء التابعين الشاميين من أهل دمشق، وأقلهم من أهل حمص، وسائرهم من أهل فلسطين، وكان لقراء مسجد دمشق، وقراء مسجد حمص، نصيب وافر في تعليم القرآن ورواية حروفه، ففي المسجدين تجمع معظم قراء أهل الشام منذ صدر الإسلام، وفيهما تخرج أغلب التلاميذ، وكان بين شيوخ المسجدين وتلاميذهما تنازع في القراءة وتنافس فيها.
إذ كان كل فريق منهم يرى أن قراءته وحروفه أصح وأرجح من قراءة الفريق الثاني وحروفه، ولكن قراء مسجد دمشق كانوا أرفع مكانة، وكانت قراءاتهم وحروفهم أعلى رواية، ونشطت قراءة القرآن ورواية حروفه بمسجد بيت المقدس في الثلث الأخير من لاقرن الأول، وازدهرت ازدهاراً شديداً في القرن الثاني، وكان قراء مسجد بيت المقدس من أهل دمشق في أول الأمر، فقد كان بعض القراء من الصحابة والتابعين الدمشقيين ينزلون بيت المقدس ويعلمون القرآن بمسجدها، ومن أذكرهم واثلة بن الأسقع الكناني، وأم الدرداء الصغرى، وضمرة بن ربيعة، ثم أصبح في أهل فلسطين قراء علماء يدرسون القرآن بمسجد بيت المقدس ومن أشهره، إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي الرملي، وجعل كثير من التلاميذ وطلاب العلم يرتحلون إلى مسجد بيت المقدس في القرن الثاني ليقرؤوا على شيوخه، وكان منهم من يأتي من أجناد الشام الأخرى، كدمشق وحمص ومنهم من يأتي من بقية الأمصار كمصر واليمن والحجاز والعراق وخراسان.
ساد خط المحقق في القرنين الثامن والتاسع الهجريين في كتابة المصاحف، وكان أغلبها قد كتب في دمشق والقاهرة، وفي القرن العاشر الهجري برزت مصاحف العهد العثماني وخطت بقلم النسخ الذي رست كتابته في المصاحف من ذلك الوقت إلى عصرنا هذا، وقد رأينا في الحلقات الماضية كيف بدأ الخط اللين في الظهور منذ القرن الرابع الهجري، وكانت المدرسة البغدادية هي التي حملت زعامة هذا الخط وهذا التحول في الكتابة، وابتدأت بابن مقلة ثم بن البواب وانتهت على يد ياقوت الستعصمي.
وفي أثناء ذلك تنوعت الخطوط في المصاحف المشرقية، وكانت هارات في بلاد فارس هي إشعاع فن حضاري كتابي جميل وقد أضافت مدرسة هارات لمسات من الجمال على مشق الحروف، وغدا المصحف الشريف في حلة بديعة أنيقة، وجاءت من بعد المصاحف المملوكية لتكمل مسيرة فن الخط في أحضان القرآن إذ اتسمت مصاحف هذه الفترة بضخامة حجمها وجلاء خطوطها وذلك لوقفها على المساجد والمدارس التي ازدهر بنائها في عهد المماليك، وامتازت بتطورها نحو الجودة، مع الاهتمام بتحليتها بالزخارف الفنية.
ويظهر في هذا القرن أول مصحف كتب بخط المحقق، وكان من وقف محمد بن قلاون سنة ثلاثين وسبعمائة هجرية، ويوجد في دار الكتب والوثائق المصرية، وكان قد حبسه لجامع القلعة، وأسماء سوره خالية من الزخارف، وهوامشه بلا طرر وفواصل الآيات تحمل علامة ميزان صغيرة مع سكون دائري إن جاز الوقوف بالسكون، وكتب في آخره: " أوقف هذا المصحف الشريف، مولانا السلطان المالك الملك الناصر محمد بن مولانا السلطان سيف الدين قلاون سقى الله عهدهما "
وجعل مقره بالجامع الكبير بالقلعة المنصورة، وشرط ألا يخرج من المسجد المذكور بوجه ما وقفاً صحيحاً شرعياً، ? فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ? [سورة البقرة، الآية 181].
بتاريخ سنة ثلاثين وسبعمائة.
وتمتاز سطور المصحف هذا بوضوحها وجلاء كتابتها لضخامة المصحف، وبحسن الربط بين الحروف وجمال التركيب في الكلمات، وفي الأوراق الثمانين التي يحتفظ بها متحف " توب قابي سراي " وهي جزء من القرآن الكريم بخط المحقق الجميل الرصين نلاحظ الوضوح في الحرف.
وقد أهمل الخطاط علامة الميزان التي استخدمت في الماضي فوق حروف " ر، س، د " ولم يستعملها إلا في كتابة البسملة، والمصحف الجميل هذا كتب بلونين يدلان على دقة الصنعة فيه إذ تناوبت سطوره فيما بين الكتابة بالذهب المصور ولون الازواردي الأزرق مع شكل باللون الأسود، وفيه من العناية الشديدة مما يدل على أن هذا المصحف قد كتب لسلطان أو أمير.
ويحتفظ متحف " مشهد " بمجموعة من المصاحف الجديدة كتبت بخط محقق منها أوراق من سورة " ص " إلى آخر المصحف، مع ترجمة الآيات باللغة التركية، كتبت بخط نسخ قديم مشكول.
(يُتْبَعُ)
(/)
والأوراق من خط محمد بن يوسف الآباري المعروف بالسيد الخطاط، وخطها في العاشر من شعبان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة هجرية، وهي ست خمسون وثلاثمائة ورقة بعضها بسبعة أسطر وبعضها الآخر بأربعة عشر سطراً، بمقاس خمس وثلاثين ونصف لخمس وعشرين سنتيمتراً وفي هذا المصحف ترجمات إلى عدد من اللهجات التركية وهو نادر قيم متميز من هذه الوجهة، وجاء في أخر كل سورة فضلها وخصائصها ونظرة مجملة على تفسيرها، ولفظ الجلالة في هذا المصحف مكتوب بالذهب المسور بالأسود وأوائل السور نقوش مذهبة بتصميمات هندسية متنوعة تتداخل فيما بينها الرسوم النباتية المزهرة، وقد خطت أسماء السور بخط الرقاع باللون الأبيض، وعلامات الأحزاب والأجزاء والأعشار بأشكال لوزية مذهبة مع شمسات وقناديل مرصعة، والفواصل بين الآيات مذهبة مرضعة.
وعناوين السور وفضلها بنول الزنجفر، والفواصل بين العبارات التفسيرية مسورة بعلامات حلزونية مذهبة، وغلاف المصحف هذا من جلد الماعز القديم، كما يحتفظ متحف " مشهد " بإيران بنسخة من قرآن كريم بخط المحقق مع ترجمة فارسية بخط النسخ، وهو بخط " عبد الله مرواريد " ويعود لعام ثمانية وخمسين وسبعمائة هجرية، ويشتمل على واحد وأربعين وخمسمائة ورقة ذات تسعة أسطر بمقاس ثلاث وثلاثين بأربع وعشرين سنتيمتراً، والصفحتان اللتان تتضمنان الفاتحة وأوائل البقرة مذهبتان مرصعتان على طريقة مدرسة هارات وهما باليتان، والعلامات مدورة مذهبة وأسماء السور بخط الرقاع بالذهب، والفواصل على شكل نجوم، وغلاف المصحف من الجلد، وواقفه " الميرزا نظام الملك " سنة اثنتين وستين وألف هجرية.
وفي متحف " مشهد " أيضاً ستة عشر ورقة أيضاً من القرآن الكريم بخط محقق وثلث، للخطاط " إبراهيم سلطان ابن شاهيرخ بن تيمور كوركان " ويعود لسنة سبع وعشرين وثمانمائة، وفي كل صفحة ستة أسطر والصفحتان الأولتان مذهبتان ومرصعتان، الصدر والذيل مزينان بالكوفي التزيني وأوائل السور نقوش مذهبة مرصعة، وأسماء الصور بخط ثلثي وبالذهب، وهي ذات تحرير على قاعدة تعشيرية، والفواصل بين الآيات نجوم مرصعة ذات شرفة، والسطر الأول والأخير في كل صفحة مكتوبان بخط ثلثي جلي مع تحرير بالذهب، وسائر السطور بخط محقق بالذهب مع تحرير باللون الأسود، وعلامات الأخماس والأعشار والأحزاب والأجزاء على شكل مشكاوات مذهبة وحلقات شمسية وترنجات مذهبة، وعناوين السور بالخط الكوفي المورق، والغلاف من الجلد الفاخر، وبلون زيتي صرف عليه جهد كبير، وهو من عمل المذهبين في المكتبة الرضوية، وواقف المصحف هذا هو الكاتب نفسه وأهمية هذا المخطوط ترجع إلى كتابته بأقلام مختلفة، وقد يفيدنا ذلك أن هذا الأسلوب يشكل طوراً من أطوار الخط في مراحل انتقاله، فإن هذا الخلط سيفضي إلى الأشكال المستقرة، كما يضيف المخطوط رسوماً ستصبح فيما بعد قاعدة تتبع وأسلوباً يتحدى في قوانين الرسم الكتابي.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:17 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (9)
كثرة الأشكال والرموز في القرآن العظيم لضبط القراءة لفظاً وتجويداً وإعراباً، وكان لا بد من نمط خط يحمل كل هذه الرموز والأشكال والرسوم، فتحول الخطاطون من الأشكال اليابسة في كتابة الخط الكوفي إلى الليونة من خط النسخ، وكانت أغلب مصاحف بلاد فارس قد اتخذت سبيلها إلى ذلك واتخاذ خط النسخ مبدءاً بعد أن أضافوا إليه بعض خصائص التعليق، وسبق ذلك بعض محاولات لكتابة مصاحف على الأسلوب المملوكي، ومنه نسخة تحتفظ بها المكتبة الرضوية في مشهد، وقد كتبت بخط ثلثي محقق خفي، وكاتبها " محمد الخليلي التبريزي " كاتب المصاحف المشهور في القرن العاشر الهجري، وهذه النسخة التي تعتبر النسخة الحادية والأربعين من نسخ القرآن، كتبت سنة أحدى وثمانين وتسعمائة هجرية، وتزينات هذه النسخة وغلافها تمثل المدرسة الفنية في تبريز.
ومكتوبة على ورق يدوي من الحرير، وأوائل السور مذهبة وأسماء السور بخط الرقاع وبالخط الأبيض، وفي كل صفحة عشرة اسطر، سطر بالذهب وسطر بالمداد الأسود، وعدد صفحات المصحف أربع وستون وثلاثمائة ورقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونسخة أخرى بخط الحاج " مقصود شريف التبيريزي " وقد كتبها في غرة رجب من سنة أربع وسبعين وتسعمائة هجرية، وتشتمل على خمس وستين وأربعمائة ورقة ذات عشرة أسطر، ونشاهد الصفحة الأولى وتضم سورة الفاتحة، وهي مذهبة كما نرى وأوائل السور بخط الرقاع مكتوبة بالذهب على ورق خمري سميك مجدول بالفضة والذهب واللازوارد، وغلاف المصحف من جلد الماعز، ويضم متحف مشهد نسخة نفيسة كاملة من القرآن العظيم مع ترجمة حرفية باللغة الفارسية.
وقد كتبت سورة الفاتحة بالخط الريحاني وسائر السور بالنسخ، والترجمة بخط النستعليق وتعود النسخة إلى القرن العاشر الهجري وكاتبها مجهول، وفي الصفة أربع وعشرون سطراً وصفحاته خمسون وثلاثمائة وفيه أربعة عشر صفحة في مواقع مختلفة من بدايات الأجزاء ذات تعشير مذهب وأوائل السور مرصعة بنقوش مذهبة.
ويظهر خط النسخ الجلي والخفي على نسخة تعود للقرن العاشر، وعلى الهامش ترجمة بالفارسية، وصفحات القرآن مذهبة بأسلوب التشعير، وقد وقفها " شاه ميرزا " سنة ثلاث وتسعين ومائتين بعد الألف ويذهب خط النسخ الخفي على طريقة الغبار على نسخة في متحف مشهد، وقد كتب المصحف جميعه على ثلاث وثلاثين ورقة، وتحتوي كل صفحة على ثماني وأربعين سطراً والصفحتان المتصدرتان في النسخة مذهبتان تماماً مع تشعير مذهب ومرصع، وأسماء السور على قاعدة من النجوم المذهبة في هوامش ونقوش بالذهب، والصفحات الافتتاحيتان مذهبتان تذهيباً دقيقاً تاماً وفيهما عدد من المشكاوات والشمساوات المزدوجة المطالع، والصفحات مذهبة فيما بين السطور، وأسماء السور كتبت بخط الرقاع باللون الأحمر على قاعدة مذهبة مجدولة ذات تحرير والغلاف من الجلد بلون زيتي.
لقد مر خط النسخ المصحفي عبر قرون خمسة بتطورات أدت إلى هذا الشكل الجمالي في نمط الكتابة، وكانت عناية خلفاء بني عثمان بخط المصحف مشجع للخطاطين العثمانيين أن يبدعوا فيه بعد أن مر بمراحل التجويد، وكانت اليد الطولى في تطور خط النسخ تعود للشيخ " حمد الله الأماسي " الذي ولد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة هجرية، وتعلم الأقلام الستة على " خير الدين المرعشي "، وكتب على طريقة " ياقوت المستعصمي " ومحص في كتابات " عبد الله الصيرفي " وكان السلطان " بايزيد " ابن " السلطان محمد الفتاح " قد صاحب الشيخ أيام كان والياً على أماسيا، وقربه يوم أصبح سلطاناً وجاء به إلى إسطنبول، وكان السلطان با يزيد يجله إجلالاً كبيراً، فيمسك له الدواة وهو يكتب، ويجلسه على صدر مجلس العلماء.
كان الشيخ حمد الله أستاذاً في الأقلام الستة، قضى عمره في كتابة العديد من المصاحف التي بلغ عددها سبعة وأربعين مصحفاً، وتعد عائلته أكثر العائلات التي خرجت في تاريخ فن الخط أساتذة يجيدونه ويبرعون فيه وقد توفي الشيخ في نهاية عام ستة وعشرين وتسعمائة هجرية، ودفن في مقربة حي اسكودار في اسطنبول.
ويحتفظ متحف " توب قاب سراي " بنسخة له كما تحتفظ " دار الكتب والوثائق المصرية " بمصحفين آخرين، ونرى سورة الفاتحة وقد اكتمل فيها بهاء خط النسخ، وكتبت أسماء الصور بخط الإجازة، كما تغير أسلوب الزهير والزخارف وجنحت المدرسة العثمانية إلى البساطة، مع تقدير أنماط التذهيب والزخارف وجنحت المدرسة العثمانية إلى البساطة مع تقدير أنماط الدفترات والجداول على جوانب المستطيلات ذات الزخارف المتنوعة، كما أن فواصل الآيات دوائر وأزهار، وفي النص حروف للوقف، وعلى الهوامش مشكاوات وطرر للأجزاء والأحزاب والأخماس والأعشار.
وكتبت بنسخ جميل، كما تنوعت الأزهار مع أشكال غريبة في الزخرفة، إن خط النسخ الجميل أصبح المفضل على غيره في كتابة المصاحف، لسهولة كتابته أكثر من المحقق، ولجماله ورونقه وبساطته، ويسر قراءته.
وفي خط الشيخ حمد الله سر من أسرار الجمال، أضفاه الكاتب على خطه، فغدت حروفه نقية، وكلماته واضحة لا يشوبها العوج ولا يمس استقامتها الاهتزام، والحق أن الإنسان ليحار في تفسير هذه الظاهرة، وهو شيء غريب لأنه جزء من شخصية الكاتب يضفيه على رسومه ويمتنع على غيره.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا جوهر شهرة الشيخ " حمد الله " وسر تفوقه على كتاب عصره، لقد قدم الشيخ حمد الله في هذا المصحف خطاً ذا قيمة جمالية عالية، تنم عن ذوقه الرفيع الذي تجلى في سور حروفه ونظام أسطره، وتمكن يده من رسم العراقات والإمدادات والاستمدادات بقوة ورشاقة، وامتازت حروفه بحسن الربط وكلماته بالانسجام، فكان عمله الفني هذا بداية عصر ذهبي للخط العربي.
لقد رخص الخطاطون محافظة على حروفهم ورسوم أشكالها على تقنين قواعد يلتزمونها لضبط أحجام الحروف ويوحدون بها أساليب الكتابة للمسلمين في كل الأقطار، وقد بلغ خط النسخ عند الشيخ حمد الله نضوجه الفني، وقواعده التي قررها ظلت متوارثة التزمتها الأجيال.
لقد زينت المصاحف منذ عهد ابن البواب بزخرفة صفحات أول المصحف وآخره وفواصل الآيات وترر الهوامش، وتقدمت عبر العصور نحو الجودة والتعقيد وبلغت سراءً باهراً في عهد المماليك، ولدى بلاد فارس عند القرن الثامن.
ويندهش الرائي لجمالها وهندستها وانسجام ألوانها، ولقد اشتهر مذهبون منقطعون لهذه الصنعة يقومون بها عند فراغ الخطاط من الكتابة، ثم يعهد للمجلد لصنع السفر الفاخر المزخرف، ويحرص الخطاط المسلم على تذييل المصحف بتوقيع يحمل اسمه وتاريخ الفراغ منه وأحياناً اسم المذهب.
لقد بلغ خط النسخ في المصاحف غايته المرجوة في القرن العاشر، ورست قواعده وكملت نسبه، وإن الإضافات التي كسته لا تتعدى أسلوب الكاتب، وانتهت زعامة الخط المصحفي إلى الحافظ عثمان المتوفى سنة عشر ومئة وألف، لما امتاز به من سلاسلة واتزان الحروف وباسطر مستقيمة معتدلة وبكتل متسقة، فاستحوذ على أسرار الخط وأخذ بناصية هذا الفن الجميل، وقد كتب خمسة وعشرين مصحفاً، طبعت ثلاثة مصاحف منها.
من خصائص السور المكية حروف التهجي، يفتتح الله سبحانه وتعالى بها مواضع من كتابه العظيم، وإن في القرآن العظيم صيغا مختلفة من هذه الفواتح، فمنها البسيط المؤلف من حرف واحد، وذلك في سور ثلاث، " ص " وهي السورة الثامنة والثلاثون في القرآن العظيم، و سورة " ق " وهي التي تحمل رقم خمسين، و " القلم " التي تبدأ بحرف نون وتأتي برقم ثمانية وستين، ومن هذه الفواتح عشر مؤلفة من حرفين، سبع منها متماثلة تسمى الحواميم، لأنها أوائل السور المفتتحة بها هي " حم " وذلك ابتداء من السورة أربعين حتى سورة السادسة والأربعين.
وهي سور " غافر، وفصلت، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف " والسورة الثانية والأربعون منها خاصة مضموم إلى " حم " فيها " عسق " وتتمة العشر " طه " في السورة العشرين، و " طسم " في السابعة والعشرين، وهي سورة النمل و " يس " في الثامنة والثلاثين، أما الفواتح المؤلفة من ثلاثة أحرف فهي في ثلاثة عشرة سورة، ست منها على هذا التركيب، " ألم " وهي في السور اثنين البقرة، وثلاث أل عمران، وفي التاسعة والعشرين العنكبوت، وفي الثلاثين الروم، وفي الواحدة والثلاثين لقمان، وفي الثانية والثلاثين السجدة، وخمس منها بلفظ " الر " في مستهل كل من سورة يونس العاشرة، وهود الحادية عشرة، ويوسف الثانية عشرة، وإبراهيم الرابعة عشرة، والحجر الخامسة عشرة، واثنتان منها تأليفهما " طسم " وهما في السورتين السادسة والعشرين الشعراء، والثامنة والعشرين القصص، وبقيت أن ثمة سورتين مفتتحتين بأربعة أحرف أحداهما سورة الأعراف التي أولها " المص " والأخرى سورة الرعد والتي في مستهلها " المر "، وتكون سورة مريم أخيراً المفتتحة بخمسة حروف مقطعة وهي " كهيعص " ويتضح من هذا العرض أن مجموعة الفواتح القرآنية تسع وعشرون، وأنها على ثلاثة عشر شكلاً.
وأن أكثر الحروف وروداً فيها (ألف، اللام، ثم الميم، ثم الحاء، ثم الراء، ثم السين، ثم الطاء ثم الصاد، ثم الهاء والياء ثم العين والقاف وأخيراً الكاف والنون)، وجميع هذه الحروف الواردة في الفواتح من غير تكرار يساوي أربعة عشر وهي نصف الحروف الهجائية وبذلك يستأنس المفسرون القائلون أن فواتح السور إنما ذكرت في القرآن العظيم لتدل على أن هذا القرآن الكتاب الكريم، مؤلف من حروف التهجي المعروفة، فجاء بعضها مقطع منفرداً، وجاء تمامها مؤلفاً مجتمعاً ليتبين للعرب أن القرآن نزل بالحروف التي يعرفونها، فيكون ذلك تقريعاً لهم ودلالة على عجزهم أن يأتوا بمثله، وقد أسهب في بيان هذا الرأي من
(يُتْبَعُ)
(/)
المفسرين " الزمخشري " وتبعه " البيضاوي أبو سعيد " صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة خمس وثمانين وستمائة هجرية، وانتصر لذلك الإمام المجدد " تقي الدين أحمد بن تيمية الحراني الدمشقي " المتوفى سنة ثماني وعشرين وسبعمائة وتلميذه " الحافظ المزي " المتوفى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
ولاحظ أصحاب هذا الرأي أن تحدي القرآن للعرب أن يأتوا بمثله يزداد وضوحاً ويكتسب قوة بظاهرة غريبة حقاً، إذ لم يكتفي القرآن باشتماله على فواتح مختلفة يبلغ تعدادها تمام حروف الهجاء ولا بتأليفه تلك الفواتح من نصف الحروف الهجائية، بل حوى فوق ذلك من كل جنس من الحروف نصفه، فمن حروف الحلق ستة " الهمزة، والهاء والعين والحاء والغين والخاء " حوى النصف ثلاثة وهي " الحاء والعين والهاء " ومن المهموسة " السين والحاء والكاف، والصاد والهاء "، " الهمزة، والميم واللام والعين والراء والطاء والقاف والياء والنون ".
ومن الحرفين الشفهيين " الميم " ومن القلقلة " القاف والطاء " إلخ ...
إن هذه الحروف ذكرت تارة مفردة وتارة حرفين حرفين، وطوراً ثلاثة وأحياناً أربعة وخمسة؛ لأن تراكيب الكلام على هذا النمط ولا زيادة على الخمسة، إن رأي السلف يوضح أن الفواتح نظمت في القرآن على هذا النمط منذ الأزل، لتحتوي على كل ما من شأنه إتيان البشر بمثل هذا الكتاب العزيز ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، إن الاعتقاد بأزلية هذه الأحرف قد أحاطها بجو من التورع من تفسيرها، والتخوف من إبداء رأي صريح فيها والقطع بمعناها الذي لا يعلم تأويله إلا الله وهي كما قال الشعبي سر هذا القرآن.
إن جميع من خاض في معنى فواتح السور لم يدلوا فيها برأي قاطع بل شرحوا وجهة نظرهم، فيها مفوضين تأويلها الحقيقي إلى الله، وأزلية هذه الأحرف ما انفكت على سائر الأقوال تحطيها بالسرية، وسريتها تحيطها بالتفسيرات الباطنية، وتفسيراتها الباطنية تخلع عليها ثوباً من الغموض لا داعي له ولا معول عليه، وهناك من رأيي أن بعض السور القرآنية تفتتح بهذه الحروف كما تفتتح القصائد بلا وبل.
فلم يزيدوا في بادئ الأمر في أن يسموا هذه الحروف فواتح وضعها الله سبحانه وتعالى لقرآنه وهناك من قال أنها أدوات تنبيه لم تستعمل فيها الكلمات المشهورة، والقرآن كلام لا يشبه الكلام، فنسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد لتكون أبلغ في قرع السمع للمشركين في مكة ولأهل الكتاب في المدينة، إن الكفار لما قالوا ..
? لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ? .. [سورة فصلت، الآية 26].
وتواصوا بالإعراض عنه أراد الله تعالى أن يورد عليهم ما لا يعرفونه ليكون سبباً لإسكاتهم واستماعهم لما يرد عليهم من القرآن، فأنزل الله عليهم هذه الحروف، فكانوا إذا سمعوها قالوا كالمتعجبين: (اسمعوا إلى ما جاء به محمد، فإذا أصغوا هجم عليهم القرآن، فكان ذلك سبب لاستماعهم، وطريقاً لانتفاعهم) ..
وخلاصة القول: إن هذه الأحرف علمها الحقيقي عند الله تعالى ولا يستطيع أحد أن يجزم بمعناها ولا يقطع به، هذا هو القرآن ليس فيه شيء من افتراء ولا فيه شيء من أخيلة الشاعر، أو سبوحات الأديب ولا يشبه كلام الفصحاء إنه وحي يوحى وتنزيل وهي رباني يلقى على النبي ذكراً ويأمره أمراً نزل نجوماً خلال حياته مع الأحداث والوقائع الفردية والاجتماعية، ولم يحط كتاب سواه بمثل العناية التي أحيط بها، ولم يصل كتاب كما وصل بتواتر سوره وآياته وألفاظه وحروفه وقراءاته ووجوهه، ونقطه ورسمه، وتخميسه وتعشيره وتحزيبه ومصاحفه وصحفه، وتجويد خطه وتزيين طباعته.
لقد أقبل العلماء على هذا الكتاب العظيم مشغوفين بكل ما يتعلق به، حتى أحصوا عدد آياته وحروفه، وعدد ألفاظه المعجمة والمهملة أطول كلمة فيه وأقصرها، وأكثر ما أجتمع فيه من الحروف المتحركة، واشتغلوا منه بأبحاث دون تلك وزناً معتقدين أن لهم في ذلك كله ثواباً عند الله وأجراً.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعطيت السبع الطوال من سورة البقرة حتى سورة التوبة، مكان التوراة، والمئيين من سورة بني إسرائيل حتى سورة المؤمنون مكان الإنجيل، والمثاني: السور التي تلي المئين مكان الزبور، وفضلت بالمفصل السور التي تبدأ بـ " حم ") ..
(يُتْبَعُ)
(/)
يعرف الخط بأنه تصوير اللفظ بحروف هجائه لذا كان الأصل في كل مكتوب أن يكون موافقاً تماماً للمنطوق، إلا أن هذا الأصل خولف في المصحف العثماني، وظل مصطلح الرسم القرآني مستقلاً بنفسه جارياً على غير قياس، لم يتأثر بالقواعد المستحدثة، ونتحدث باختصار عن بعض قواعد خلاف الرسم الإملائي، إذ تكتب الكلمة من القرآن في بعض المواضع برسم، وفي مواضع أخرى برسم أخر مع أنها هي هي، لقد تتبع علماء الرسم العثماني الكلمات التي يختلف رسمها عن نطقها، وعللوا بما يعرف منه أن مرجع الخلاف هو ما في الكلمات من قراءات يحتملها الرسم، أو ما فيها من قراءة واحدة يستدعى أن نكتب بسورتها التي لا تحتمل ما سواها.
وهذا نظام الدين النيسابوري ينقل عن جماعة من الأئمة قولهم: " إن الواجب على القراء والعلماء وأهل الكتاب أن يتبعوا هذا الرسم في خط المصحف، فإنه رسم زيد بن ثابت، وكان أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاتب وحيه " ..
فما كتب شيء من ذلك إلى لعلة لطيفة وحكمة بليغة، فلو كتب على صلاتهم فإن صلاتك بالألف فما دل ذلك إلى على وجه واحد وقراءة واحدة بالإفراد لا بالجمع، وكذلك:
? وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ? [سورة الرعد، الآية 42].
تكتب بغير ألف ليدل على القراءتين، وفي الرسم العثماني فوائد منها الدلالة على الأصل والشكل والحروف لكتابة الحركة حروفاً بإتباع أصلها، كما في ? وإيتاء ذي القربى ? [سورة النحل الآية، 90]، ? سأوريكم ?، ? الصلاة ? بالواو بدل الألف، ? والزكاة ? بالواو بدل الألف لأن أصل الواو هو الألف، ومنها النص على بعض اللغات الفصيحة، كتابة هاء التأنيث تاء مجرورة على لغة طئ، وكحذف ياء المضارع لغير جازم في ? يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ ? [سورة هود، الآية 105].
على لغة هذيل، ومنها إفادة المعاني المختلفة بالقطع والوصل في بعض الكلمات نحو ? أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ? [سورة النساء، الآية 109]، ? أَمَّن يَّمْشِي سَوِيًّا ? [سورة الملك، الآية 22].
فإن قطع أم عن من يفيد معنى بل دون وصلها بها ومنها أخذ القراءات المختلفة من اللفظ المرسوم برسم واحد نحو وإيتاء ذي القربى، فالقراء يختلفون فيها في حالة وصلها بما بعدها في مقادير المد فمنهم من مدها ثلاث حركات، ومنهم من مدها أربع حركات، ومنهم من مدها خمساً ومنهم من مدها ستة، وحمزة وهشام يقفون على وإيتاء ونحوه مما رسم بياء بعد الألف، بإبدال الهزة الثانية ألفاً على التفصيل الذي أوضحه علماء القراءات.
كما اختلف القراء بكلمة العلماء في حالة وصلها في ما بعده في مقادير المد وحمزة وهشام يغيران الهمزة واو على وجوه ذكرها العلماء، وقد أجمع كتاب المصاحف أن يكتبوا: ? مَا كُنَّا نَبْغِ ? [سورة الكهف، الآية 64] بغير ياء بعد الغين واختلف القراء في إثبات الياء وحذفها فأثبتها وصلاً نافع وأبو عمر وأبو عمر وأبو جعفر والكسائي وأثبتها وصلاً ووقفاً ابن كثري ويعقوب وحذفها وصلاً ووقفاً ابن عامر وعاصم، وحمزة وخلف وهذه الياء حذفت رسماً للتخفيف، فمن قرأ بحذفها وافق الرسم تحقيقاً ومن قرأ بإثباتها وافق الرسم تقديراً والأصل إثباتها؛ لأنها لام الكلمة واختلفت القراءات في ? وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ? [سورة البقرة، الآية 9]. فقرأها يخدعون بفتح الياء وإسكان الخاء وفتح الدال ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي، وخلف وأبو جعفر ويعقوب، وقرأها نافع وابن كثر وأبو عمر، ? يُخَادِعُونَ ? بضم الياء وفتح الخاء، وألف بعدها وكسر الدال واتفق كتاب المصاحف على كتابة وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً بالتاء المبسوطة، وقرأها بالإفراد عاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب، وقرأها بالجمع كلمات نافع، وابن كثير، وأبو عمر، وابن عامر، وأبو جعفر.
قال أبو حيان في البحر المحيط: في ? هَذَانِ ? رأيت في مصحف الإمام مصحف عثمان، هذان ليس فيها ألف، وقد رسمت بغير ألف ليحتمل رسم المصحف قراءتي الألف والياء معاً، إن هذين، وإن هذان، وإن رسمت بالياء لفات ذلك ولم يحتمل رسم المصحف قراءة الألف.
(يُتْبَعُ)
(/)
إنه لا لزوم في الكتابة العربية أن توافق سورة الرسم، سورة النطق باللفظ، فإن " داود " يكتب بواو واحدة والنطق بواوين و" عمرو " يكتب بعد رائه واو ولا ينطق بها، ومن ثم لا يصح أن الصحابة أخطئوا حين زادوا مثلاً ياء في كلمة " بأيدي " في قوله تعالى: ? وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ? [سورة الذاريات، الآية 47]
لقد ذكرت في تبرير الاختلافات بين رسم المصحف والرسم الإملائي أسباب تستحق الاعتبار، وقد تحدثنا في حلقات ماضية عن تطوير الرسم الإملائي وأخذه عن الأنباط الذي يغايرون في رسومهم رسوم المنطوق للدلالات.
قال أبو داود: " والحذف من المصحف إنما وقع في الألف والياء والواو، لبقاء ما يدل عليهن، وكأنهن لم يحذفن لذلك إذ الفتحة قبل الألف تدل عليها، والضمة قبل الواو كذلك، والكسرة قبل الياء مثلهما، كذلك فإن الأحرف الثلاثة المذكورة لما كثر ورودها وجب اختصارها اصطلاحاً من الكاتبين ".
على ذلك لما رأوا حروف المد واللين الثلاثة المذكورة وازت الحروف الخمسة والعشرين، إن الاهتداء على تلاوة القرآن على حقه لا يكون إلا بموقف شأن كل علم نفيس يتحفظ عليه، وقد قيل إن الحكمة في الرسم إلا يعتمد القارئ على المصحف بل يأخذ القرآن من أفواه الرجال الآخذين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالسند العالي.
وقيل إن تغيير كتابة المصحف يجهل الناس بأوليتهم وكيفية ابتداء كتابتهم وهذا في ميدان العلم خسران، ونحن مع تقدير الحجج هذه نقول: إن كتابة المصحف على هذا الرسم هو رسم إملائي نبطي، جاء بهذا الشكل كحكمة أرادها الله سبحانه في مجموع القراءات التي تبيح للقارئ أن يقرأ على أكثر من وجه، ومما يزيد أيضاً صعوبة التلقي من المصحف المكتوب وحده، أن ثمة كلمات رسمت في المصحف بشكل الجمع، مع أن القراء اختلفوا في إفرادها وجمعها.
أمثال الكلمات كلمات ? وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ? [سورة الأنعام، الآية 125] إذ قرأها بالإفراد عاصم، وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف.
وفي سورة يونس الآية الثالثة والثلاثون، قوله تعالى: ? كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ? [سورة يونس، الآية 33] قرأها بالإفراد سوى نافع وابن عامر وأبي جعفر، وفي سورة غافر الآية السادسة ? وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ? [سورة غافر، الآية 6] قرأها بالإفراد، عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، وفي سورة يوسف الآية السابعة قوله تعالى: ? لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ? [سورة يوسف، الآية 7] قرأها بالإفراد ابن كثير، وفي سورة يوسف أيضاً ? وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ? [سورة يوسف، الآية 10] .. ? وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ? [سورة يوسف الآية 15]، قرأها بالإفراد ما عدا نافعاً وأبا جعفر.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:22 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (10)
رأينا في حلقات ماضية دور الخطاطين في بلاد ما وراء النهر في تزيين المصحف الشريف، وكيف كانت هارات معقل الفن والتذهيب والتجليد؟ وكيف نشأ فيها ما يمكن أن نسميه فنون المصحف من خط وتذهيب وتجليد؟ وكانت العلوم الجديدة في هذا المجال قد برهنت على الوحدة الفنية والخطية التي ربطت أقطار الأمة الإسلامية وإتباع نفس القواعد والمدارس وإن شطت الديار وبعدت المسافات.
ولقد رأينا الخطوط اليابسة الكوفية وكيف تطورت في بلاد ما وراء النهر، وأصبحت بديعة الشكل رائعة المنظر بهية المعالم، وأطلق عليها اسم الخطوط المشرقية دون الدخول إلى جورها، وقد أشار " ابن النديم " في الفهرست إلى أن الإيرانيين حين أرادوا كتابة القرآن كان لهم خط يدعى " بالأصفهاني " وأخر يدعى " بقيرموز " أو فيرموز ويرى الباحثون المعاصرون أن قيرموز أو فيرموز معربة عن ديرموز وتعني السهل بالفارسية، وأنهم استولدوا منه عدد من الخطوط التي تصدرت صفحات القرآن العظيم بجملة أشكالها الفنية حتى أطلق عليها العلماء اسم الكوفي المشرقي.
إن المُسَلم به أن الخط الكوفي كان متداولاً في بلاد النهر منذ صدور الإسلام وحتى القرون الخمسة التي تلت بعد، وكانوا يكتبون بـ " القيرموز " القرآن ويزينون به الأبنية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويؤكد " هومايون فرخ " أن خط فيرموز من الخطوط التي راجت في عهد الساسانيين وظل معروفاً في الإسلام حيناً من الزمن، وقد دون الإيرانيون به نسخ القرآن العظيم، وهو نوع من الكوفي المتطور، ولقد وصلتنا مصاحف جميلة من هذه الفترة ومن الفترة الأولى من بلاد ما وراء النهر، وكلها تشهد على رفعة ذوق الفنانين في تسطيرهم وتذهبيهم لكتاب الله عز وجل، وانخرط الخطاطون المسلمون في المشرق بتحويل الخط اليابس إلى لين، وهجران اليابس من المصاحف.
وتبعهم في ذلك خطاطو ما وراء النهر، وابتكروا لنفسهم خطاً نسخي يختلف تماماً عن النسخ الذي تطور في البلاد العربية، فطمسوا حرف الواو وابتعدوا عن التطورات الجمالية التي حدثت على يد الشيخ " حمد الله والحافظ عثمان ".
وكونوا لأنفسهم مدرسة خاصة في فن نسخ المصاحف، ومما يثير العجب أن أهل المشرق لم يكتبوا المصحف الشريف بخطهم الاعتيادي الذي يطلقون عليه اسم " النستعليق " ونطلق عليه في بلادنا " الخط الفارسي " إلا بشكل نادر.
وقد وصلنا مصحف بهذا النوع من الخط وهو لخطاط شهير يلقب " بالذهبي قلم " والمصحف محفوظ في خزانة خرقة السعادة في مكتبة سراي " توب قابو " وهي خزانة الآثار النبوية، كتب هذا المصحف الشاه " محمود النيسابوري " وقد أخذ الخط عن خاله " عبد النيسابوري " ثم عن السلطان " علي المشهدي "، وكان كاتب " الشاه إسماعيل " ولازم أيام شبابه الشاه " طهما سيد " ثم انتقل لمشهد ليعمل هناك.
إن كتابة مصحف بخط " النستعليق " مخالف للخطوط التي كتبت منذ الخط الرابع، سواء العربية أم الفارسية.
إن المصحف كبير الحجم ولم يخرج عن قواعد التصميم العادي للمصاحف المعروفة في زخرفة سورة الفاتحة وسورة البقرة وأوائل سور وطرر الهوامش.
وقد زيل المصحف في آخره بعبارة " على يد العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة الله الملك الغني شاه محمود النيسابوري زرين قلم في يوم الأربعاء، الرابع عشر من شهر محرم الحرام سنة خمس وأربعين وتسعمائة هجرية " ..
ويمتاز المصحف باتساع كلماته وحروفه والمسافة بين الأسطر، وخط التعليق هو القلم الوحيد الذي تميل صواعده نحو اليمين، كما أنه هو الذي يرسم بالقلم لكثرة الأجزاء الدقيقة في ثناياه، فتكتب حروفه بطرف القلم، كما أن التباين في حروفه ووصلاته تضفي عليه جمالاً يتجلى في الليونة والتنغيم في حروفه التي تتراوح بين الصغيرة المتناهية في الصغر والكبيرة الطويلة كالاستمدادات، ويكسبه هذا الاختلاف روحاً خاصة تنم عن الذوق وسمو الإبداع، ويخلو هذا القلم من الشكل لكنه ورد في هذا المصحف مشكولاً، بقلم دقيق حفظاً له من اللحن ولعل أهل فارس رأوا فيه فناً لا يناسب المصحف فسايروا عامة المسلمين في كتابة مصاحفهم بالخطوط المتداولة.
لقد انقطع كثير من الخطاطين لكتابة المصاحف واختصوا بها لكثرة الطلب وعدم وجود مطابع ولثواب الله عز وجل، وكانت المصاحف المذهبة للسلاطين وكبار القوم مرتفعة الأجر إلى حد الخيال.
وكان السلاطين يطلبون من خطاطي عصرهم كتابة مصاحف ليوقفوها على المساجد الشهيرة أو يهدونها في المناسبات العزيزة.
ويصرفون عليها المبالغ الطائلة، حتى وصل ما صرفه الملك الناصر على كتابة المصحف الذي كتبه له وذهبه وجلده " محمد بن محمد الهمزاني " أكثر من ستة ألاف دينار ذهبي، وكان السلاطين يقربون كاتبها ويعظمونه ويغدقون عليه النعم، وكان ذلك مشجعاً ودافعاً للانقطاع إلى كتابة المصاحف.
وقد حكي عن " أبي حمدون الطبيب " قال: (شهدت ابن أبي العتاهية وقد كتب عن أبي محمد اليزيدي المتوفى سنة اثنين ومائتين قريباً من ألف مجلد عن أبي عمر بن العلاء خاصة، فيكون ذلك عشرة ألاف ورقة؛ لأن المجلد عشر ورقات).
وحدَّث أبو النصر قال: (حدثني أبو القاسم قال: سمعت سيف الدولة يقول وقد عاد إلى حلب: هلك مني من عرض من كان في صحبتي خمسة ألاف ورقة بخط علي بن مقلة، فاستعظمت ذلك وسألت بعض شيوخ خدمة الخاصة عن ذلك فقال لي: كان أبو عبد الله منقطعاً إلى بني حمدان سنين كثيرة يقومون بأمره أحسن قيام، ويخط لهم الكتب والمصاحف).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن المصاحف التي تعد من التحف والنوادر العجيبة ما كتبه محمد روح اللاهوري حين كتب مصحفين، كلمة أولها حرف الألف، وكتب علي بن محمد مصحفاً في درج من الرق بقلم النسخ طوله سبعة أمتار، وعرضه ثمانية سنتيمترات تتخلله كتابات بيضاء بعضها بقلم الثلث والفارسي، وبعضها بالتعليق، وهو محلاً ومجدولاً بالذهب، وأوائل السور مكتوبة بالمداد الأحمر، كتب سنة أربعين وألف للهجرة ومحفوظ في دار الكتب المصرية بالقاهرة.
ويوجد في مكتبة الروضة المطهرة بالمدينة المنورة مصحف في ثلاثين ورقة في كل ورقة جزء من القرآن الكريم.
تناول علماؤنا الحديث عبر القرون عن القرآن العظيم وألفوا كتباً كثيرة في تاريخه منذ بدء الوحي وتنزل الآيات الأولى على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وحتى مماته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ولم تكن كتب التاريخ هذه ومن ثم كتب علوم القرآن إلا منهج بحث ورصد، سرد فيه العلماء الصورة المثلى والمعنوية للقرآن العظيم، وقليل منهم تعرض بعض عدة قرون للجانب الجمالي من حيث جمال المبنى لهذا الكتاب العظيم الذي تفرد به المسلمون عن باقي أصحاب الديانات بدقة ضبطه والحفاظ على مشافهته، ومن ثم كتابته في أساليب وطرق شتى.
ففي قمة جبل النور غار حراء نزلت أولى الآيات ? اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ? [سورة العلق، الآية 1 – 5].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة والكتابة، قال تعالى في سورة العنكبوت ? وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ? [سورة العنكبوت، الآية 48].
وتلقى النبي عليه الصلاة والسلام القرآن مشافهة من ملك الوحي جبريل ..
? لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ? [سورة القيامة، الآية 16، 17].
نزل القرآن العظيم على مراحل واستغرق نزوله ثلاثة وعشرين سنة من بعثته حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وحرص على حفظه وتدوينه واتخذ كتاباً تحت إشرافه ورقابته.
يقول الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه: " كنت أكتب الوحي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يملي علي، فإذا فرغت قال: اقرأه فأقرأه، فإن كان فيه سقط أقامه ".
وكان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن في كل سنة مرة، وفي عام وفاته مرتين، وحفظ بعض أصحابه رضي الله عنهم شفاهاً منه ..
يقول ابن مسعود: " حفظت من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة وسبعين سورة ".
لم يكن التدوين بشكل عام أمراً شائعاً زمن البعثة، فرسمت الحروف الأولى للقرآن العظيم بيد كتاب في مكة وكتاب من الأنصار في المدينة، حتى بلغ عددهم ثلاثة وأربعين كاتباً، وكان ألزمهم به وأخصهم، " معاوية بن أبي سفيان، وزيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم جميعا ً ".
خطت الحروف الأولى ورسمت بالحبر على العظام والحجارة وسعف النخل وجلود الحيوانات والرقوق، وعلى ورق البردي وعى أشياء ومواد مختلفة وكتب بحرف يابس جاءوا به من بلاد الشام أثناء رحلة الشتاء والصيف، وكان للأنباط دور كبير في تطور بنيته وشكله، تولى النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب القرآن الكتاب بعد اكتماله طبقاً لما أخبر به الوحي، يقول عثمان بن أبي العاص: " كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ شخص ببصره ثم صوبه ثم قال، أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية من هذا الموضع من هذه السورة: ? إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ? [سورة النحل، الآية 90] .. إلى آخرها .. "
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يملي القرآن على كتاب الوحي ويرشدهم إلى ترتيب الآيات والسور.
إن ترتيب السور على ما نراه اليوم وترتيب الآيات توقيف من الله عز وجل، بالرغم من أنه لم يجمع بين دفتي مصحف واحد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال الزركشي: " إنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف ألا يفضي إلى تغييره في كل وقت؛ فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن بموته صلى الله عليه وسلم، كان كل ما يكتب يوضع في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينسخ الكتاب لأنفسهم نسخة منه فتعاون الحفظة والكتاب على حفظه وعدم ضياعه أو تحريفه، مصداقاً لقوله تعالى، ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ? [سورة الحجر، الآية 9] ..
بعد غروب شمس النبوة لاقت خلافة " أبي بكر الصديق " مصاعب جمة، واستشهد سبعين حافظاً أثناء موقعة اليمامة في حروب الردة اقترح سيدنا عمر بن الخطاب على الخليفة أبي بكر جمع القرآن، وشرح الله صدر أبي بكر وأسند المهمة كاتب الوحي زيد بن ثابت، الذي شهد العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ونسخ زيد المصاحف في صحائف من الرق وربطها في خيط وأودعها بيت الخليفة عمر، ثم آلت إلى بيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهم.
في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه جمع القرآن العظيم الجمع الثاني، بعد أن ألقى المهمة إلى عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وزيد بن ثابت، وقامت هذه اللجنة الرباعية بإخراج النص المخطوط لأول مرة معتمدة على المصحف المحفوظ عند أم المؤمنين حفصة.
بعد سنة من العمل الجاد وأرسلت النسخ إلى الكوفة والبصرة والشام، واحتفظ الخليفة بنسخة، وتمر الأيام، ويدخل في الدين الجديد آلاف وآلاف من غير العرب اللذين لا يحسنون التكلم بالعربية، فتسرب اللحن وفشا الغلط في قراءة القرآن؛ مما دفع " أبا الأسود الدؤلي " لشكل القرآن وإعرابه بطريقة النقط باللون الأحمر، فجعل النقطة الحمراء فوق الحرف للفتحة، وتحته للكسرة، وبين يدي الحرب للضمة، وأضيفت بعد ذلك النقط الصفراء والخضراء والبرتقالية، واللازاوردية لتدل على الهمز والتشديد والمدود، ولعبت الألوان بصورة نقاط للشكل والضبط فوق الحروف دوراً كبيراً في العناية برسط المصحف على مدى أربعة قرون، وكانت الغاية من ذلك ضبط القراءة حتى لا يخطئ قارئ القرآن في حرف صوتي، إلا أن الحروف المتشابهة كالباء والتاء والثاء والجيم والحاء والخاء بقيت مشكلة قائمة عند الأعجمي، إذ كثر التصحيف والتحريف، فتصدى لحل لهذه المشكلة نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر، بأمر من " الحجاج بن يوسف الثقفي "، ونقطت الحروف المتشابهة، وأمنت القراءة من التصحيف، كما جمع الحجاج فقهاء المسلمين وقرائهم وحفاظهم ومكثوا أربعة أشهر يصلون ليلهم بنهارهم حتى عدوا آيات القرآن العظيم وكلماته وحروفه، وقسموه إلى أجزاء وأحزاب وأرباع.
لم يكن المصحف الشريف يحمل رموزاً تشير إلى هذه التقسيمات الجديدة، وإنما كان مجرداً ليس فيه إلا الحرف، ثم استحب النساخ كتابة العناوين في رأس كل سورة، وحتى يميزوها عن جسم القرآن كي لا يعتقد الناس بأنها من القرآن، وكتبوها بالذهب وبلون مغاير وجعلوا لها خطاً مورقاً، كما وضعوا رموز الفاصلة عند رؤوس الآيات، فاستخدموا في البدء نقطة، ثم تطور لدائرة ثم لمجموعة من الدوائر على شكل مثلث، ثم تطور الشكل إلى دائرة زخرفية أدخلوا فيها حرفاً ليدل على رقم بطريقة حساب الجُمَّل.
استخدم المسلمون الأوائل حرف الهاء ضمن دائرة بعد كل خمس آيات للدلالة على الرقم خمسة، وسموا ذلك بالتخميس، ووضعوا عند رأس كل عشر آيات حرف ياء للدلالة على العشرة وسموا ذلك بالتعشير، ووضعوا حرف هاء مذهب عند كل آية فيها سجدة، ظل نقط أبي الأسود في شكل الحروف وضبطها متبعاً حتى ظهر الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثاني الهجري فابتكر أشكالاً جديدة ورموزاً وصوراً جعلها بدل نقط أبي الأسود الحمراء، وبدل النقاط الصفراء والخضراء وغيرها وأراح الناس من مشق الكتابة بالألوان، ورغم سهولة أشكال الخليل فقد بقي بعض الكتاب يستعملونها حتى نهاية القرن الخامس الهجري، لقد وضع الخليل ثماني علامات للرموز الصوتية أبدلها نبقط أبي الأسود وهي " الفتحة " التي رسمها ألفاً مبطوحة فوق الحرف، و" الخفضة " الكسرة ألفاً مبطوحة تحت الحرف، و" الضمة " واو صغيرة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ووضع الخليل للتنوين العلامة ذاتها مكررة للضمة والفتحة والكسرة، كما رمز الفراهيدي برأس الحاء ليدل على السكون، وقد أخذه فعل خفيف، وقد يكون رأس جيم للدلالة على الجزم.
والميم أيضاً للسكون من فعل جزم، ورأس الشين للشدة من كلمة شديد، ورأس عين لهمزة القطع وحرف صاد لهمزة الوصل، وحرف ميم للمد، وابتكر النساخ علامة الميزان للحروف المهملة، ووضعوا حرف كاف صغير لحرف الكاف المفرد للتمييز بينه وبين اللام وتطورت هذه الأشكال حتى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم، إن هذا الإصلاح في طريقة رسم الحروف ونطق الكلمات كان الدافع إليه الرغبة الصادقة في الإعانة على تلاوة صحيحة، وفهم لكتاب الله عز وجل، وهكذا تحددت معالم السورة للمصحف الشريف كما نعرفه اليوم، إن معظم المصاحف التي وصلتنا من الفترة الزمنية في القرون الهجرية الأولى مكتوبة على الرق، وقد استخدمه الخطاطون المسلمون لسهولة الكتابة عليه، ودوام بقاءه مدة طويلة من الزمن.
وكان الرق من السلع الهامة التي يتاجر بها الفنيقيون من بلاد الشام إلى جميع أنحاء الأرض، منذ أن وضع القرآن العظيم الجمع الأول وربطه زيد بخيط، وأطلق عليه الخليفة أبو بكر اسم المصحف، بدأ التطور في فن صناعة الكتاب يرقى رويداً رويداً، فقد كانت غلافات المصاحف أول الأمر تصنع من الخشب، وتغلف بالقماش والحرير، خالية من أية مسحة فنية أو زخرف، إلا أن الكاتب لم يلبث أن أظهر إبداعاته على السطح الخارجي للقرآن، فامتدت يده إلى مساحة لوح الخشب أو البردي ليطعمه بالعاج والعظم ثم بالأحجار الكريمة في خيال هندسي باهر، ولم يلبث أن كفته بالذهب والفضة.
لقد ولدت صناعة التجليد في أحضان المصحف الشريف، ويذكر ابن النديم في الفهرست أسماء لسبعة من المجلدين المشهورين، وعلى رأسهم " بن ابي الحريش " الذي كان يجلد في خزانة الحكمة للمأمون، ويذكر المقدسي صاحب كتاب " أحسن التقاسيم " الذي كان مجلداً ماهراً أنه رحل لليمن وعلم أهلها الصنعة التي كان قد تعلمها من أهل الشام اللذين تفننوا وابتكروا صنع اللسان، لم يبلغ القرن الرابع الهجري مداه حتى كان تجليد المصاحف قد بلغ مبلغاً عظيماً من الإتقان والإحكام فازدان بزخارف لا تقل عن الزخارف الداخلية روعة وجمالاً.
وأدخل المسلمون لأول مرة في فن التجليد مادة " اللك " للحفاظ على الرسوم الملونة على سطح الغلاف أطول مدة ممكنة، ولتعطي الغلاف بريقاً ولمعاناً جميلاً، لم يكن المصحف الشريف خلال القرون الأولى، إلى جسماً لحرف مكتوب على الرق دون أن تكون عليه أية مسحة فنية وكان الصحابة رضي الله عنهم بداية يتحرجون من إدخال أي شيء على المصحف، وشيئاً فشيئاً تسللت الزخارف إلى المصاحف وحلت في الصفحات الأولى والأخيرة ووجدت في فواصل السور، وفي ونهايات الآيات ومواضع التخميس والتعشير والأجزاء والأحزاب.
ثم لم تلبث أن تجاوزت في القرن الخامس الهجري واتخذت شكل جداول وإطارات زخرفية تحيط بالمساحة المكتوبة من الصفحة، ويوجد في متاحف العالم مصاحف ترجع إلى القرون الأولى وفيها شتى ألوان الحلي الغنية بالزخارف المذهبة.
انتشر المصحف الشريف في أرجاء الأرض وكان الخطاطون والمذهبون قد برعوا في إتقان خطوطه وتذهيبه وإضفاء الحلة القشيبة على مظهره الداخلي والخارجي، وظلت الزخارف بالذهب واللون الأزرق توشح الصفحات وتكسوها مظهراً رائعاً، ولم يكتف المسلمون بذلك، بل ابتكروا فنوناً وحروفاً جديدة خدمة للقارئ والحافظ لكتاب الله، فصنعوا الرحلة كرسي المصحف، وابتكروا له شكلاً جميلاً وهو عبارة عن لوحين من الخشب يتادخلان من الوسط بطريقة التعشيق، وكأنهما كفان قد شبكت أصابعهما وزين الكرسي بزخارف هندسية عجيبة نجمية وهندسية ونباتية، ونجحوا نجاحاً منعدم النظير في حفر الزخارف بعدة طبقات بعضها فوق بعض، وطعموها بالعاج والصدف والقصدير والفضة والأبانوس.
ظلت المصاحف تكتب على الرق حتى ظهور الورق، وقد عرف الورق قديماً فاستعملوه في الكتابة إلا أنه لم ينتشر إلا بعد أن صنعوه بأيديهم، وقد أحدثت صناعته ثورة ثقافية نال منها المصحف الشريف الحظ الأكبر والأوفر، ورغم الأعداد الكبيرة التي كتبت في القرن الثاني والثالث الهجريين فإنه لم يصل سوى عدد قليل منها، ومنها مصحف " ابن البواب " من القرن الرابع الهجري، وتحتفظ به مكتبة " تشيستر بيتي " بدبلن بايرلندا.
إن ظهور الورق ساعد على تطور الكتابة والخط وكان لتطور الكتابة اللينة المذهل في الرسائل والدواوين كان له الفضل في ظهور خط نسخي شامي جميل، كتبت به المصاحف بعد أن غاب خط الكوفة الرصين، وكان " ياقوت المستعصمي " أحد الكتاب الذين طوروا في الخطوط اللينة وكتبوا المصاحف، وتبعه آخرون فسار المصحف يقف على قدر كبير من الإتقان والجمال.
وتضم متاحف العالم اليوم مجموعة كبيرة من المصاحف التي كتبت في القرون الخالية وفيها ما يدل على احترام وتقديس كلام الله عز وجل وإخراجه في أبهى زينة وأكمل منظر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:29 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (11)
ليس بين أشباه الجزر شبه جزيرة تنيف على شبه جزيرة العرب في المساحة، فهي أكبر شبه جزيرة في العالم، ويطلق عليها علماء العرب اسم جزيرة العرب، تحيط بها المياه من أطرافها الثلاثة، وقد قسم الإسلاميون جزيرة العرب على خمسة أقسام:
- الحجاز: والحجاز يمتد من أيلة العقبة إلى اليمن وسمي حجازًا لأنه سلسلة جبال تفصل تهامة وهي الأرض المنخفضة على طول البحر الأحمر عن نجد.
- وتهامة
- واليمن
- ونجد: وهو الجزء المرتفع الذي يمتد من جبال الحجاز ويسير شرقًا إلى صحراء البحرين وهو مرتفع فسيح فيه صحراوات وجبال.
- وأخيرًا العروض: وتتصل بالبحرين شرقًا وبالحجاز غربًا وسميت بالعروض لاعتراضها بين اليمن ونجد، وتسمى باليمامة أيضاً.
لقد تغلبت الصحراوية على شبه الجزيرة وظهر الجفاف لعوامل طبيعية وحوادث جيولوجية وبسبب الموقع الجغرافي، فكان ذلك كله سببًا في قلة نفوس جزيرة العرب في الماضي والحاضر، وفي سبب عدم نشوء مجتمعات حضارية وحكومات مركزية، وفي سبب تفشي البداوة وغلبة الطبيعة الأعرابية على أهلها، وبروز روح الفردية وتقاتل القبائل بعضها مع بعض، لذلك انحصرت القبائل في الأماكن الممطورة والأماكن التي تفجرت فيها الينابيع، وصارت الحياة قاسية تمثلت في القبيلة التي هي الحكومة والقومية في نظر البدوي.
ومن ناحية أخرى كان العربي مخلصًا مطيعًا لقبيلته كريمًا في الضيافة يعشق الحرية ويتغنى بها، في تلك المواضع التي توافرت فيها المياه من مطر وعيون وآبار ظهرت الحضارة على شكل قرى ومستوطنات، ونشأت مجتمعات لها طبيعة خاصة وشخصية مستقلة، متأثرة بطبيعة الجو وطبيعة الحرف والصناعات وطرق العيش التي يمارسها المجتمع.
ففي مكة مجتمع خاص له طابع مميز وكذلك لأهل الحيرة ولأهل يثرب وكان المجتمع اليمني من أغنى المجتمعات حضارة ورقيًا، واتفق الرواة وأهل الأخبار على تقسيم العرب لعرب بائدة وعاربة ومستعربة.
ومن حيث النسب لقحطانية في اليمن وعدنانية في الحجاز، ويقسمون العدنانيين لفرعين كبيرين هما ربيعة ومضر.
وقد امتازت الجزيرة العربية على سعتها وترامي أطرافها وتشتت قبائلها بوحدة اللغة، وهذا ما كان سببًا في تيسير مهمة الدعوة الإسلامية وسرعة انتشار الإسلام فيها وفهم لغة القرآن العظيم.
تبين من الآثار القديمة أن بلاد العرب كانت مأهولة منذ العصور البليوثية أي الحجرة المتقدمة، ومن أقدم الآثار التي عثر عليها آثار من أدوار العصر الحجري، وفي كتب أجوسوس فلافيوس الذي عاش بين سنة 37 و 100 للميلاد معلومات ثمينة وأخبار مفصلة عن العرب الأنباط، كما وردت في الكتب اليونانية واللاتينية أخبار كبيرة الخطورة، وفيها أسماء قبائل عربية كثيرة ومن أقدم من كتب عن العرب أخيلوس من خمسمائة وخمس وعشرين إلى أربعمائة وست وخمسين قبل الميلاد، وهيرودوت من أربعمائة وثمانين إلى أربعمائة وعشرين قبل الميلاد، وغيرهم كثير.
والصلات بين العرب والهند قديمة ووفيرة وتقوم على أساس التبادل التجاري والثقافي، لقد قصد سيدنا إبراهيم –عليه السلام- مكة وهي في وادي محصور بين جبال جرداء فرارًا من الوثنية ورغبة في تأسيس نقطة انطلاق لدعوة التوحيد، واشترك مع ابنه إسماعيل في بناء بيت الله، ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ? [البقرة: 127: 128].
كما دعا إبراهيم ربه بعد بناء البيت فقال: ? رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصْنَامَ (35) ? [الرعد: 35] كما قال: ? رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) ? [الرعد: 37].
(يُتْبَعُ)
(/)
وتحقق ما دعا به إبراهيم، وبارك الله في ذرية إسماعيل الذي صاهر قبيلة جرهم، حتى كان منه عدنان ومنه معدّ، ونبغ في أولاده مضر ونبغ من أولاد فهر بن مالك، وسمي أولاد فهر بن مالك بن النضر قريشًا وغلب الاسم فسميت القبيلة بقريش، وكانوا أصحاب سيادة وفصاحة اللغة ونصاعة البيان وكان من أولاد فهر قصي بن كلاب، ظل أمر مكة لجرهم حتى غلبهم خزاعة وكانت سدانة البيت فيهم، إلى أن عظم شأن قصي وانضمت له قريش وأجلوا خزاعة عن مكة وتم له أمر مكة وكان سيدًا مطاعًا إليه حجابة البيت وعنده مفاتيحه وتنبل في أولاد عبد مناف.
وكان هاشم أكبر أبناء عبد مناف وعنده السقاية والرفادة وهو والد عبد المطلب جد الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان بنو هاشم واسطة العقد في قريش يتصفون بعلو الهمة والبعد عن الظلم وينصرون الضعيف ويدعون إلى مكارم الأخلاق بالرغم من مسايرة قومهم في عقائد الجاهلية وعبادتها.
بقيت قريش متمسكة بدين إبراهيم وإسماعيل، متمسكة بالتوحيد، وهذا ما سمي بالحنيفية، حتى كان عمرو بن لُحِيّ الخزاعي الذي جلب بعض الأصنام من بلاد الشام بعد أن فُتِنَ بها، ونصبها حول الكعبة وأمر الناس بعبادتها.
إلى جانب عبادة الأصنام ظهرت في بلاد العرب عبادة النجوم والكواكب وخاصة في حران والبحرين والبادية، وانتشرت هذه العبادة في قبائل لخم وخزاعة وعُبدتْ الشمس في بلاد اليمن، قال تعالى: ? إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ ? [النمل: 23: 24].
كما تسربت بعض فرق المجوسية الفارسية إلى بلاد العرب، يقول ابن قتيبة: وكانت المجوسية في تميم، منهم زرارة وحاجب كما أخذ بعض القرشيين الزندقة من الحيرة، وكان الأقرع بن حابس ممن دان بالمجوسية قبل إسلامه وتسربت إلى هجر من البحرين، ودخلت اليهودية بلاد العرب وخيبر ووادي قربى وفدك وتيماء بصفة خاصة عندما نزح اليهود إليها.
ووصلت اليمن ودان بها ذو نواس الملك الحميري وحاول حمل النصارى على اعتناقها وانتشرت كذلك في بني الحارس بن كعب وكندا وكنانة، ودخلت بعض القبائل العربية في المسيحية لقربها من مراكز الحضارة كالغساسنة والمناذرة.
ومن أشهر الأديرة في الحيرة دير هند ودير لجو ودير حارة مريم، وفي جنوب الجزيرة كنيسة ظفار وأخرى بعدن، ولنصارى نجران قصة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن القبائل التي دانت بالمسيحية بنو أسد بن عبد العزى واعتنقها امرؤ القيس من تميم وبنو تغلب من ربيعة وبعض قبائل قضاعة، وعدي بن حاتم الطائي، ومن أبرز الذين دانوا بالحنيفية دين إبراهيم زيد بن عمرو بن نفيل ويروى أن ورقة بن نوفل خرج معه يبحثان عن دين صحيح فتنصر ورقة وسار زيد على دين إبراهيم.
ومنهم قس بن ساعدة الإيادي وأمية بن أبي الصلت ولبيد بن ربيعة وغيرهم كثير.
يظن كثير من الناس أن مكة كانت قرية صغيرة والحياة فيها بدائية وهي أشبه بمسكن للقبائل فيه مضارب شَعر وتسود فيها الخيام ومعاطن الإبل ومرابط الخيل والغنم ويتبلغ أهلها ببلغة العيش ويلبسون الخشن من اللباس لا يعرفون الأناقة ولين العيش.
وهذه الصورة لا تتفق مع الواقع التاريخي والمتناثر في بطون كتب التاريخ ودواوين الشعر من وصف مكة وأهلها خلال منتصف القرن السادس الميلادي.
والحق أنها انتقلت من منتصف القرن الخامس الميلادي من طور البداوة إلى طور الحضارة وكان ذلك على يد قُصيٍّ جد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الخامس، وكان عمرانها محصورًا في نطاق ضيق بين أخشبين هما جبل أبي قُبيس المشرق على الصفا وآخر يشرف على جهة قُعيقعان.
وكان لوجود البيت العتيق في هذا الوادي وما يتمتع به سكانه من شرف ومكانة وأمانة وطمأنينة سببًا في ازدياد العمران فحلت البيوت الحجرية والطينية، ونشأت مكة يحكمها القرشيون بما يملكون من حجابة وسقاية ورفادة.
وكانت لقريش رحلتان تجاريتان إحداهما للشام صيفًا وأخرى لليمن شتاء.
وأشهر الحج يعقدون فيها أسواقهم التجارية فكان منها سوق العطارين وسوق الفاكهة وسوق الرطب وأماكن لبيع الحنطة والسمن والعسل والحبوب، وأزقة للحذائين والحلاقين والحجامين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكانت اليمامة ريف مكة، ولأهلها منتجعات في الطائف، وكان سكان قريش يشتهرون بالأناقة في الملبس ويتجملون بالكسوة الفارهة، وكان تجار مكة ينشطون في إفريقية وآسيا ويحملون منها ما يستطرف ويستظرف فينقلون الصمغ والعاج والذهب وخشب الأبنوس ومن اليمن الجلود والبخور والثياب.
ومن العراق التوابل ومن حاصلات الهند الذهب والقصدير والأحجار الكريمة والعاج وخشب الصندل والتوابل والزعفران، من مصر والشام الزيوت والغلال والأسلحة والحرير.
وكانت من النساء تاجرات لهن نشاط في إرسال القوافل قال تعالى: ? لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ? [النساء: 32]، لقد أثرى كثير من أبناء مكة فكانت قوافلهم تنوف على الألف جمل، وكانوا يتعاملون بالعملة الرومانية البيزنطية والإيرانية الساسانية.
كما استعملوا الموازين والمكاييل وعندهم علم بالحساب أقرهم عليه القرآن العظيم في ذكر السهام والفرائض، لقد اشتهرت بيوت وأسر مكة بالثراء وسعة المال ورقة العيش، يمتاز فيها بنو أمية وبنو مخزوم يشربون بآنية من ذهب وينفقون أموالهم في الترف ومجال اللهو وأندية الشراب، وعامة مجالس أشرافهم ينشد فيها الشعر ويقبل عليها كبار شعراء الجاهلية كـ لبيد بن ربيعة وغيره، وكانوا يحتقرون صناعات يستخدمون لها الموالي والأعاجم ويستعينون بعمال الروم والفرس لبناء دورهم وبهذا المركز الديني والمكانة الاقتصادية وقيادة النشاط التجاري والتقدم في المدنية والآداب أصبحت مكة كبرى مدن الجزيرة العربية وبدأت تنافس صنعاء اليمن في زعامة الجزيرة، بل إنها تفوقت عليها بعدما استولت الحبشة على اليمن وتملك الفرس في منتصف القرن السادس الميلادي وفقدت مملكة الحيرة ومملكة غسان الشيء الكثير من العظمة والأبهة وهكذا غدت مكة عاصمة جزيرة العرب الروحية والاجتماعية من غير منافس.
حل القرن السادس الميلادي والحرب قائمة بين نصارى الشام والدولة الرومانية ونصارى مصر لاختلافهم حول طبيعة السيد المسيح -عليه السلام- في الدولة الرومانية الشرقية ساءت أحوال وقامت فتن وثورات وهلك عام خمسمائة واثنين وثلاثين للميلاد في القسطنطينية وحدها ثلاثون ألف شخص.
وفي مصر البيزنطية ساد الاضطهاد الديني والاستبداد السياسي والبؤس والفقر ولم ينقذهم من ذلك إلا المسلمون كما جاء في كتابة غوستاف لوبون، وفي سورية البيزنطية سادت المظالم إلى حد كبير اضطر كثير من السوريين لبيع أبنائهم لوفاء ديونهم، وفي أوربا والغرب كانت الحروب الدامية من أجل فلسفات لا تسمن ولا تغني من جوع، وفي بلاد فارس إيران المجوسية فقد كانت الزرادشتية حربًا على العقائد القديمة وظهرت فرق مجوسية عبدة النار.
ولما غزا الإسكندر المقدوني إيران في القرن الرابع قبل الميلاد اختفت الزرادشتية ولم تظهر إلا بعد خمسة قرون، وفي القرن الثالث قبل الميلاد ظهر ماني بمذهبه المزيج، وقتله الملك بهران، وفي الصين كانت ديانة لاتسو وكونفوشيوس والبوذية وعبادة أرواح الآباء وتسربت لمنهج الحياة الأوهام وعبادة السحر، ثم ما لبثت أن قفلت بعد أن سادت ألف سنة.
اللغة العربية من أغنى اللغات وأعرقها وأخلدها وأعذبها منطقًا وأسلسها أسلوبًا وأغزرها مادة.
اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية إلا أنها تمتاز عنهن جميعاً بأنها أقرب إلى السامية الأم، ويعود ذلك إلى أنها أحدث اللغات انفصالاً وإلى أنها كانت بعيدة عن مؤثرات الامتزاج والاختلاط بسبب هذا السياج الشائك المحرق الذي ضربته الصحارى والبحار من حول الجزيرة العربية، فامتنعت على المغيرين والغازين ومنعت العرب من الامتزاج العميق.
لقد امتازت اللغة العربية بأنها أرقى اللغات السامية وأفضلها، فقد اقتبست من أخواتها الساميات أفضل ما فيها من الألفاظ والمصطلحات وأخذت خير الخصائص والصفات فأصبحت لغة خصبة راقية، وكان لها من عوامل النمو ودواعي البقاء والرقي ما قلما يتهيأ لغير، وذلك لما فيها من اختلاف طرق الدلالة وغلبة التصريف والاشتقاق والنحت والقلب والإبدال والتعريب، وورود القرآن العظيم بلسانها، وما رواه لنا منها أئمة اللغة وجاء به القرآن العظيم والحديث النبوي هو نتيجة امتزاج لغات الشعوب التي سكنت الجزيرة العربية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا يعلم بالضبط متى كان الوقت والزمن التي نضجت به واكتملت وأصبحت لغة السحر والبيان، ولكننا نعلم أن الله -سبحانه وتعالى- قد أحاطت عنايته بها فجعلها لسان رسالته، ولغة قرآنه وكان لذلك من الأثر الجليل الخطير فوق ما نتخيل ونتصور.
فلم يكتف القرآن أن كان في صدر الإسلام سبيلاً لوحدتها، وطريقًا لصفائها وعاملاً أقوى في لم شعثها وإنما كان فوق ذلك الولي الأمين وكان من أثر القرآن العظيم في اللغة العربية أن ساعد على مد نفوذها وانتشار رقعتها فحملها معه إلى كل قطر ودخل بها كل بلد وأتاح لها الأجواء الواسعة والعوالم الجديدة ومكن لها أن تتفاعل مع اللغات الأخرى فازدادت ثروة وغنى.
العربية هي لسان القبائل التي تمتد على رقعة شبه جزيرة العرب، ولكل قبيلة لهجة خاصة بها إلا أن أرقى هذه اللهجات وأعذبها هي لهجة قريش مع أن لكل قبيلة هِنَةً أو أكثر.
والقبائل هي قضاعة وقبائل اليمن وحمير وهذيل وتميم وأسد وربيعة وكلب وشيحر وعمان وطئ وسعد والأجد وقيس والأنصار وغيرهم.
لقد استعمل العرب لغتهم في جزيرتهم لأغراض الحياة البدوية ووصف مرافقها من حل وترحال ونتاج حيوان وانتجاع كلأ واستدرار غيث وفي إثارة المنازعات والمشاحنات من إدراك الثأر والتفاخر بالانتصار والتباهي بكرم الأصل والنجار وفي شرح أحوال المشاهدات والإخبار عن الوقائع والقصص وغير ذلك مما يلائم بيئتهم ويناسب طباعهم، ولغة التخاطب عند العرب بعد أن توحدت لهجاتها هي اللغة المستعملة في الخطابة والشعر والكتابة.
لقد كان الشاعر لسان القبيلة، عنها يدافع ومن أجلها يقول الشعر ويخوض الخصومات، وهو أحد أعضاء الوفود، ومنزلة الشاعر من أرفع المنازل في القبيلة والأخبار تدل على ذلك، ولم يكن الشعر مظهرًا فنيًا فحسب وإنما كان المجتمع يحس أن وراء الشعر وشعره قوة جذب خاصة لا يتمتع بها الأفراد العاديون في القبيلة.
وللشعر قوة لا يمكن الوقوف عليها بشكل واضح وإنما يمكن تمثلها حين نذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رُميَ بأنه كاهن وساحر وشاعر، وبذلك رُميَ القرآن العظيم أيضاً فكأنما كان وراء هذه الكلمات إشارة إلى بعض هذه القوى الخفية والتي لم يستطع العربي إدراكها ولذلك جاء القرآن العظيم بلغة وكلام ظن فيها العرب السحر لما فيه من إعجاز وسحر بيان، وكذلك كانت الدعوة الإسلامية المتمثلة في القرآن العظيم المنعطف الأكبر في حياة العرب لقد كان العرب في جاهليتهم أممًا بدوية يعقدون الأسواق التجارية وفيها اللغة والجماعة والإذعان للأشراف والفصحاء والنبلاء من قريش وتميم وغيرهم.
وهذا ما هيأهم ليجتمعوا تحت لواء واحد ويتفاهموا بلسان واحد إن شيوع اللهجة القرشية واندماج سائر اللهجات العربية فيها بتأثير الأسواق والحج جعل القرآن بلغتهم والنبي فيهم وانتشار الدين على أيديهم.
لقد نزل القرآن العظيم: ? كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) ? [هود: 1] فيه آيات بينات ودلائل واضحات وأخبار صادقة ومواعظ وآداب وشرائع وأساليب، ? لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ? [فصلت: 42].
وكان له الأثر البين في توحيد اللغة ونشرها وترقيتها من حيث أغراضها ومعانيها وألفاظها وأساليبها، وقد أثر القرآن العظيم في اللغة تأثيرًا لم يكن لكتاب ذلك على مر التاريخ، لقد أصبحت اللغة بفضل القرآن العظيم حية خالدة من بين اللغات القديمة التي انطمست آثارها وصارت في عداد اللغات التاريخية الأثرية.
كما أن القرآن العظيم قد أحدث فيها علومًا جمة لم تكن لولاه ولم تكن لتخطر على قلبه وهي علوم اللغة والنحو والصرف والاشتقاق والمعاني والبديع والبيان والأدب والرسم والقراءات والتفسير والأصول والتوحيد والفقه.
وطبيعة لغة القرآن هي من النثر الذي لم يجرِ على مألوف العرب في النثر والسجع، بل هو آيات وفواصل فيه الذوق السليم بانتهاء الكلام الذي يضم جوامع الكلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخلو لنفسه في غار حراء وفي يوم الإثنين من شهر رمضان جاءه جبريل بغتة لأول مرة، تقول عائشة -رضي الله عنها-: (فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال له النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني، -أي ضمني وعصرني - حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: ? اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ? حتى بلغ ? مَا لَمْ يَعْلَمْ ? فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة مالي وأخبرها الخبر قال: قد خشيت على نفسي فقالت له: كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخو أبيها وكان امرأً تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً فقالت له خديجة: اسمع من ابن أخيك فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ما رأى فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني كنت فيها جذعًا أكون حيًا حين يخرجك قومك فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أومخرجي هم؟ قال ورقة: نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزراً، ثم لم ينشب ورقة أن توفي).
إن ظاهرة الوحي معجزة خارقة للسنن الطبيعية، إذ تلقى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- القرآن من جبريل -عليه السلام- وبالتالي فلا صلة لظاهرة الوحي بالإلهام أو التأمل الباطني، إن التحليلات التي قدمها المستشرقون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين لظاهرة الوحي متناقضة لا يمكن الوقوف عندها إذ إنهم لم يقدموا التفسيرات الصحيحة وإنما قدموا الاتهامات القديمة التي سبق أن قالها عرب الجاهلة في مكة عند نزول الإسلام مما رده القرآن.
قال تعالى يحكي تلك الاتهامات: ? إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ? [النحل: 103] وقال: ? إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ? [الفرقان: 4] وفي القرن العشرين يقول المستشرقون: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعلم من ورقة بن نوفل ومرة يقولون: من بحيرى الراهب وأحياناً يرددون أنه تعلم من يهود مكة ونحن نعلم أن مكة لم يكن فيها يهود، وأن لقاءه ببحيرى لو ثبت لا يعود الساعة أو الساعتين وهو غلام في الثانية عشرة من عمره وأن التوراة والإنجيل لم يترجما إلى العربية إلى بعد عدة قرون.
إن التشابه بين القصص في القرآن والتوراة والإنجيل يرجع إلى وحدة المصدر الإلهي، بالرغم من أهواء بعض الدارسين الذين يقولون بأن القرآن قد اقتبس قصصه من التوراة والإنجيل، أما قصة بحيرى فهي أن أبا طالب عم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قد اصطحبه في سفرة تجارية إلى الشام وكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صغيراً لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره على اختلاف الروايات وقد دعا راهب يدعى بحيرى في مدينة بصرى رجال القافلة القرشية إلى طعام، حيث تعرف على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من خلال صفاته وأحواله فعرف أنه يتيم وأنه يحمل خاتم النبوة بين كتفيه ورأى الغمامة تظله من الشمس وفيء الشجر يميل عليه عندما ينام إليها.
وتختم الرواية القصة بتحذير الراهب لأبي طالب عم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من اليهود والروم.
لقد حاول بعض المستشرقين أن يبني على هذه القصة اتهامات فيها مجازفة علمية حين زعموا أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تلقى علم التوراة عن بحيرى، فكيف يكون ذلك وهو لم يلتق به إلا في ساعة طعام ولم تكن التوراة قد نقلت إلى العربية وما بين بعثته -صلى الله عليه وسلم- ولقاءه ببحيرى أكثر من ثمانية وعشرين عاماً؟!!!
بالإضافة إلى أن المصادر لا تكاد تتفق على شيء بشأنه، وهي متضاربة في اسمه، فمرة هو جرجس وأخرى جورجوس ومرة أنه مشتق من الآرامية وأخرى من السريانية ومرة لعبد القيس ومرة هو نصراني وأخرى يهودي والأخبار متضاربة في هذه الرواية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن هناك تلفيقًا وتطويرًا حولها لا يمكن أن يطمئن له الإنسان إن أخضعه للبحث والدراسة.
إن القرآن العظيم هو أساس الإسلام وكتاب العربية الأول والأكبر وعليه يتوقف دين المسلمين ودنياهم وقد عظم الله -سبحانه وتعالى- حال القرآن: ? تَنْزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) ? [طه: 4]، وهو يعرض على الناس أحوال الأمم والفرق التي غبرت، وهو من الناحية الموضوعية يحرر الإنسان من ذل العبودية والخضوع للفرد إلى عبودية الله الواحد الجبار.
ولا ينافر العلم ولا يخاصمه ويعلي سلطان العقل ويحفز الناس للنظر والتفكير ليحفظهم من مزالق الخرافات والأوهام ويعتقهم من الجمود والرق، ويبث فيهم الشعور بالكرامة، وهو أطول الكتب السماوية التي تقدمت قال تعالى: ? وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) ? [الزخرف: 4].
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 06:37 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (12)
بزغت شمس الإسلام، وكان بزوغها إيذانًا بنهضة كتابية عظيمة تمثلت في حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تعلم الصحابة الكتابة وتدوين القرآن العظيم منذ فجر البعثة النبوية، ولم تكن الكتابة قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- منتشرة بين القبائل العربية وناضجة متطورة، وإنما كانت موجودة في الحواضر والمدن، وفيمن يسوس القوافل التجارية من القبائل كقبيلة قريش وبهذا يقول ابن فارس: " فإنا لم نزعم أن العرب كلها مدرًا ووبرًا قد عرفوا الكتابة كلها والحروف أجمعها وما العرب في قديم الزمان إلا كـ نحن اليوم فما كل يعرف الكتابة والخط والقراءة".
وتشير الرواية العربية أيضاً إلى ممارسات كتابية متعددة سواء في مدن الحجاز أو في الحواضر العربية في أطراف الشمال، ففي مكة حررت بعض العهود والمحالفات وفي أطراف الجزيرة العربية كانت الكتابة في إمارة المناذرة في الحيرة منتشرة وما قصة الشاعرين الملتمس وطرفة وكتاب ملك الحيرة للبحرين إلا دليل على ذيوع الكتابة في الحيرة والأنبار والبحرين.
وفي أطراف الشام كانت الكتب في أولاد جفنة الغساسنة وعمال قيصر معروفة.
وكذلك كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل أيلة وتيماء وجرباء وأذرح، وإلى ملوك حمير وإلى غيرهم وهذا كله يعطينا صورة واضحة على أن الكتابة في بلاد العرب ذائعة منتشرة بالرغم من قلتها لا من بداوتها.
إن أصل الكتابة العربية التي دُوِّنَ بها القرآن العظيم قد اختلف فيه الناس إلى عدة مذاهب، فمنهم من أوقفه إلى الله سبحانه وتعالى، ومنهم من نسبه لآدم وإلى شيث واعتبر "أبجد هوز حطي كلمن" أسماء قوم وضعوا العربية، ومنهم من سماه الجزم لأنه اقتطع من المسند الحميري، ومنهم من يرى انتقاله من اليمن للحيرة ثم إلى الطائف فقريش.
إن هذه الآراء لم تصمد أمام الدراسات البليوجرافية الحديثة التي نسختها، ومن ثم بينت بالبحث أن الكتابة العربية مشتقة من الكتابة الأنباطية وهي بدورها مشتقة من الآرامية.
إن الأبجدية العربية تشارك كثيرًا من الأبجديات السامية في ترتيب الحروف، وهناك دلائل تشير إلى أن العرب كانوا يسيرون على نهج أبجد هوز في الترتيب واستخدموها في أشعارهم وكذلك استخدموها قيمًا عددية في الحساب، وأما ترتيب الحروف العادي المألوف المتبع في زماننا الحاضر فهو ترتيب متأخر حدث في الإسلام ولذلك نجد أن الحروف الستة التي انفردت بها العربية عن أخواتها الساميات وسميت بالروادف وضعت في نهاية سلسلة أبجد، وهذا دليل على الرباط الذي يربط الكتابة العربية بالخطوط السامية الأخرى.
إن كثرة الكتب التي سطرها كتبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – إلى الملوك والأمراء والوفود تثير الانتباه وتوضح بما لا شك فيه ذيوع وانتشار الكتابة العربية.
فقد ذكر ابن سعد أكثر من مائة وعشرة كتب، وذكر الدكتور محمد حميد الله في كتابه مجموعة الوثائق السياسية مائتين وستة وأربعين كتابًا ورسالة ترجع للعهد النبوي.
وكل هذا جزء يسير مما روي في أمر الكتابة، ويقال إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يحتفظ بصندوق مليء بالعهود والمواثيق وقد احترقت سنة اثنتين وثمانين للهجرة.
ويبدو أن عامل التلف الذي أصاب تلك الوثائق يوضح لنا ندرتها وعدم وصولها إلينا، ويكفي أن نأخذ فكرة عن الكتابة مما وصل من نقود العصور الإسلامية لنتبين وضوح تطور الحرف الذي سار على هدي كتابة القرآن والتي تمت في مكة المكرمة وبين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم –.
يقسم العلماء الأصوات اللغوية إلى قسمين: أصوات صامتة وأخرى متحركة وكان نظام الكتابة عند الفينيقيين يتكون من اثنين وعشرين رمزًا تكتب منفصلة وتشير إلى الصوامت دون الإشارة إلى صوت حركي قصير أو طويل واستخدمت الفينيقية اللغة الآرامية ومع مرور الزمن ظهرت الحاجة لتمثيل الحركات، وتمكن نساخ الآرامية في القرن التاسع والثامن قبل الميلاد استخدام رمزي الياء والواو الصامتين، وتطورت الآرامية خلال عدة قرون دون أن تخطو في تمثيل الحركات، وعندما استخدم الأنباط الآرامية ورثوا النظام الصامتي مع الضمة والكسرة بالواو والياء وهذا ما يشير إليه نقش النمارة التي وردت فيه الكلمات: أبوجي أبوها مقيم مقيم وألول أيلول. وفي نقش أم
(يُتْبَعُ)
(/)
الجمال جزيمة وتنوخ وبنيه وروم وكل هذه الكلمات تشير إلى استخدام رمزي الواو والياء الصامتين للدلالة على الكسرة والضمة.
ونجد هذا أيضاً في جميع النقوش المكتشفة في بلاد الشام وفي ذلك دليل للرسم الإملائي القرآني الذي ورثته الكتابة الأنباطية عن الآرامية، وأما رمز الفتحة الطويلة فإن الكتابة الآرامية لم توفق كما هي في الضمة والكسرة لكن الكتابة الأنباطية استطاعت أن تستخدم رمز الألف للدلالة على الفتحة الطويلة في آخر الكلمات دون وسطها كحارثة ومالك وسلام ونزار ونجران وغير ذلك كما في النقوش.
وبذلك أخذت الكتابة العربية عن الأنباطية رموز تمثيل الحركات باستخدام رموز الصوامت الألف والواو والياء، نلاحظ ظاهرة أخرى في النقوش النبطية وهي ظاهرة كتابة التاء المبسوطة في حارثة وجزيمة وهي تاء تأنيث مما يؤكد ارتباط الكتابة العربية الوثيق بالأنباطية.
نتيجة لهذا الارتباط بين الكتابة العربية والكتابات السامية فقد حملت الكتابة العربية كثيرًا من ميزات وخصائص الكتابات السامية عامة والنبطية خاصة.
فهي تستعمل رمزًا واحدًا لعدة أصوات مختلفة، وقد ظل هذا الحال في الرسم ساريًا حتى منتصف القرن الهجري الأول حين استخدمت النقط للتمييز بين الرمز المتفقة في الرسم القرآني.
كان القرآن العظيم أهم شيء حمله المسلمون إلى البلاد التي وصلت إليها حركة الفتوح، وكانت تعلم القرآن وتلاوته أهم ما يشغل بال الداخلين في الدين الجديد فظهرت لذلك في الأمصار الإسلامية مدارس لتعليم القرآن وقراءته وازدادت حركة نسخ المصاحف ومرت سنوات والمصحف آخذ في تحسين الصورة الخارجية للكتابة العربية والرسم الإملائي، وكما اشتهر آمة بالإقراء في الأمصار كذلك كان من وجه عنايته للكتابة والرسم وضبط المصحف على ما جاء في المصحف الإمام.
وهكذا وصلتنا المصاحف المنسوخة من الأمهات كما هي في طريقة رسم الكلمات، وكان إمام الرسم الإملائي والكتابة في المدينة المنورة هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم المتوفى سنة تسع وستين ومائة هجرية وقد نقل عنه تلامذته ما رواه في رسم المصحف وكتبوه كما أشار.
وفي البصرة كان عاصم بن أبي الصباح الجحدري المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة هجرية، وفي الكوفة حمزة بن حبيب الزيات، وفي دمشق الشام كان أبو الدرداء الصحابي الجليل، وهؤلاء الأئمة هم عماد الرسم في كلمات المصحف العظيم.
لقد غَفِلَ بعض المستشرقين الذين تعرضوا لدراسة تاريخ القرآن العظيم عن حقيقة هامة حين درسوا مظاهر الكتابة هي أن القرآن العظيم لم ينزل كتابًا مخطوطا وإنما أنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- مشافهة، فكان يتلوه على الناس من حفظه لا من كتاب وهم يسمعونه ويحفظونه ولم تكن الكتابة هي الوسيلة في نشر القرآن وتعليمه رغم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حرص منذ البداية على كتابته وتدوينه، وهو حين أراد أن يعلم أهل المدينة القرآن قبل الهجرة لم يعطهم مصحفًا مخطوطًا يقرؤونه وإنما أرسل معهم مقرئًا يقرأ القرآن فيسمعونه، وحين طلب يزيد بن أبي سفيان من الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من يعينه على تعليم أهل الشام القرآن لم يرسل إليه عمر المصاحف مخطوطة يقرؤون فيها وإنما أرسل ثلاثة من كبار الصحابة.
والقراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، لقد غَفِلَ هؤلاء المستشرقون عن ذلك فظن بعضهم أن كثيرًا من القراءات جاءت نتيجة الرسم الإملائي العثماني وذلك لتجرده عن علامات الحركات وتمييز الحروف المتشابهة.
نشأت الدراسات العربية بفروعها المختلفة في أحضان القرآن العظيم، فكان المحور الذي دارت حوله الدراسات سواء التفسير منها أو ما يتعلق باللفظ وقامت دراسات لفهم مصدر التشريع والرسم الإملائي وكانت مظاهر أثر الإسلام على الكتابة العربية جليلة عظيمة نقلتها من كتابة محصورة في المعاملات التجارية لبضع جماعات من العرب إلى كتابة عالمية تخدم حاجات الدولة المترامية الأطراف وأصبحت خط أقوام انصهروا فيها لأنها كتابة القرآن واستبدلوها بكتاباتهم وخطوطهم وأصبح الخط العربي السيد المتربع على عرش الخطوط واللغات.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الرسم العثماني في الكتابة العربية يضع أمامنا النموذج الصادق لحال الكتابة والخط العربي في النصف الأول من القرن الهجري الأول، حين كان الناس لا يحسون بالفرق بين كتابتهم وما يجدونه في المصحف الشريف وكان أكثر الصحابة -رضوان الله عليهم - ومن وافقهم من التابعين وأتباعهم يوافقون الرسم العثماني المصحفي في جميع ما يكتبون ولو لم يكن قرآنًا ولا حديثًا.
واستمر ذلك حتى ظهر علماء البصرة والكوفة وأسسوا لفن الكتابة والخط ضوابط وروابط بنوها على أقيستهم النحوية وأصولهم الصرفية، وسموها علم الخط القياسي أو الاصطلاحي، وسموا رسم المصحف بالخط المتبع، وإن أكثر الظواهر الكتابية التي تظهر في الرسم العثماني مرسومة على قاعدتين قد مالت إلى التوحد.
وكان علماء العربية يرعون هذا الاتجاه ويضعون له القواعد والضوابط التي توضحه وتيسره.
إن ذلك الاتجاه أثر في ناحيتين واحدة في ظهور الكتب والرسائل التي توضح القواعد المتطورة لرسم الكلمات، والأخرى تصف كيفية رسم الكلمات في المصاحف كي يحافظ الناس في كتابتهم للمصاحف على صورة كتابة المدينة المنورة.
وقد ظهرت حركة التأليف في هذا الشأن منذ مطلع القرن الهجري الثاني ولعل التأليف في الرسم المصحفي سابق للتأليف في موضوع الإملاء يقول المستشرق بروكلمان: "بفضل القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعًا يؤمنون بأن العربية وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم، وبهذا اكتسبت العربية منذ زمن طويل مكانة رفيعة فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى التي تنطق بها شعوب إسلامية".
القرآن ولغته يصنعان وحدة وثيقة ممتدة هي وحدة الفكر والعقل والمشاعر بين مئات الملايين من المسلمين، لا في نطاق محلي أو قومي فحسب، ولكن في مختلف أرجاء الأرض، والحق أن القرآن ولغته يمكنان كل منهما للآخر، فهو يهذب العربية ألفاظاً وأغراضاً وعبارات وأفكاراً ويقوي سلطانها منطوقة ومكتوبة.
لقد وصل الخط العربي بفضل القرآن إلى أمم كثيرة فاستخدمته ونبذت حرفها، كما جرى في بلاد الفرس وأفغانستان وفي إفريقية في لغاتها البربرية والنوبية والسواحلية والحوسية والملجاشية والحبشية، وفي لغات الأتراك من عثمانية وتترية وقرمية وداغستانية، وفي الأردية الهندية والباكستانية والكشميرية، هذا هو القرآن قال تعالى: ? لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) ? [النحل: 103].
اختار الله - سبحانه وتعالى- لكتابه أسماءً لم تكن على مألوف العرب ولم تكن لتجري على ألسنتهم جملة وتفصيلاً وحملت تلك الأسماء جملة من أسرار التسمية وموارد الاشتقاق.
ولقد اشتهر من الأسماء التي اختارها - جل شأنه- الكتاب والقرآن وفي تسميته بالكتاب تنويه إلى جمعه في السطور، فالكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ، وفي تسميته بالقرآن إيماءة إلى حفظه في الصدور فالقرآن مصدر القراءة وفي القراءة استذكار.
وهذا الوحي العربي قد كُتب له من العناية والحرص ما جعله في مأمن وحزر ونجوى من عبث العابثين وتلاعب المحرفين، ولم ينقل كغيره من الكتب بالكتابة وحدها، ولا بالحفظ وحده بل وافقت كتابته تواتر إسناده، لقد وردت كلمة الكتاب في كلام الله - سبحانه وتعالى- في قرآنه العظيم مائتين وثلاثين مرة، قال تعالى: ? نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ? [آل عمران: 3] وقال: ? وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ? [النساء: 113] ووردت كلمة القرآن في كلامه - سبحانه وتعالى- سبعين مرة قال تعالى: ? وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6) ? [النمل: 6] وقال أيضاً ? أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) ? [الإسراء: 78]، وقال تعالى: ? قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) ? [الجن: 1].
(يُتْبَعُ)
(/)
إن كلمتي الكتاب والقرآن تعودان إلى أصل آرامي فالكتابة في الآرامية بمعنى رسم الحروف والقراءة بمعنى التلاوة وهذا يدل على امتياز الوحي بازدواجية الكتابة والقراءة في حفظ كلام الله - سبحانه وتعالى- المنقوش في السطور المحفوظ المجموع في الصدور.
لقد غلب لفظ القرآن على الكتاب وغيره من فرقان وذكر وتنزيل، وما ورد عن الزركشي في تعداد أسماء القرآن إذ بلغت خمسة وخمسين اسمًا لأن كلمة القرآن ٍأصبحت علمًا شخصيًا للكتاب العظيم.
ولابد أن نقف عندها لنعرف مصدر اشتقاقها ونردها إلى اللغة السامية الأم ونطلع على الألفاظ المشابهة لذات المعنى.
لقد ذهب العلماء في لفظ القرآن مذاهب شتى، فبعضهم يراه مهموزًا وبعضهم غير مهموز، كالشافعي والفراء والأشعري، فالقرآن عند الشافعي لم يؤخذ من قرأت ولكنه اسم خاص للقرآن مثل التوراة والإنجيل.
وعند الفراء مشتق من القرائن جمع قرينة، لآن آياته يشبه بعضها بعضاً، وعند الأشعري مشتق من قرن الشيء بالشيء إذا ضمه، لأن السور والآيات يضم بعضها بعضًا.
وممن رأى أن لفظ القرآن مهموز الزجاج واللحياني وجماعة غيرهم.
يقول الزجاج: لفظ القرآن مهموز على وزن فُعلان مشتق من القرء بمعنى الجمع.
ويقول اللحياني: إنه مصدر مهموز بوزن الغفران مشتق من قرأ بمعنى تلا، ورأي اللحياني هو الصائب فالقرآن هو مصدر القراءة قال تعالى: ? إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ? [القيامة: 17: 18].
ولقد عرف العرب لفظ " قرأ " ولكنهم استخدموه بغير معنى التلاوة، فقولهم الناقة لم تقرأ أي لم تحمل ولم تلد ولداً، وأما " قرأ " بمعنى تلا فقد أخذها عرب الجزيرة عن الآرامية وتداولوها، والآرامية تركت في العربية آثارًا وألفاظًا لا تنكر، لقد كانت الآرامية في الألف الأول قبل ميلاد السيد المسيح لغة التجارة والدبلوماسية وكان للآراميين دور فريد في الثقافة في بلاد الشرق القديم ولغتهم أوسع اللغات انتشارًا، وقد أصبح لها مع الزمن مجموعة من اللهجات منها الإمبراطورية الدولية التي نشأت في الإمبراطورية الآشورية ثم البابلية الجديدة الكلدانية والفارسية، وآرامية العهد القديم في التوراة والآرامية الفلسطينية المسيحية والآرامية السامرية والآرامية البابلية التي كتب بها التلمود البابلي.
والآرامية النبطية والآرامية التدمرية وآرامية كتابات الحضر، وعبر الآراميين أيضاً انتشرت كتابات الأبجدية الفينيقية الكنعانية وفي الإمبراطورية الشرقية كانت الآرامية بجانب اليونانية وفي بلاد فارس كانت الآرامية اللغة الرسمية في العهد الإخميني، وفي العصر الساساني استعار الفرس الكتابة الآرامية لكتابة لسانهم البهلوي، وكانوا يكتبون الكلمات بالآرامية ويلفظونها بالفارسية ولم تزل الآرامية حية حتى اليوم وهي السريانية العامية وهي غير مكتوبة ويتكلمها سكان قرى معلولة وجبعدين ونجع قرب مدينة دمشق.
لقد قدم الآرميين إلى سورية من الجزيرة العربية حوالي الألف الثاني قبل الميلاد واستقروا فيما بين دمشق وجبال توروس، وأسسوا عددًا من الممالك منها مملكة دمشق وهي أقوى الممالك، ومملكة سوبا في البقاع ومملكة حماة وغيرها.
إن ظهور الآراميين على مسرح التاريخ قبل الإسلام كان له الأثر الأكبر في توحيد المنطقة العربية حضاريًا لغة وفنًّا وفكرًا ولم يدرس تاريخهم حتى يومنا هذا من خلال الوثائق، والوثائق توضح الجوانب المظلمة من تاريخنا الحضري الذي سبق الإسلام.
وإن معظم من كتب وأرخ للآراميين اعتمد في كتابته على مصدرين رئيسيين هما التوراة والمصادر الأشورية وكتاب التوراة والأشوريون هم ألد أعداء الأراميين إن اعتماد التوراة مصدرًا تاريخيًا سليمًا هو من أخطر المخاطر فأحداثه دونت بعد زمن وقوعها وفي وقت متأخر جدًّا، وما ورد فيه من نصوص هو وصف لجوانب عدة من تراث منطقتنا العربية قبل الميلاد، وهو جزء من تراثنا القديم فلابد من التمحيص والتدقيق فيما ورد فيه، ولابد أن نعلم أن صلات اليهود القديمة مغرقة في العداء للآراميين، ونشبت بين الطرفين معارك عسكرية طاحنة، وتزعمت مملكة دمشق الدفاع عن الأراضي السورية وألحقت الهزيمة بمملكة إسرائيل في عهد الملك الآرامي حزائيل.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد قدم الآراميين أعظم إنجاز في بناء صرح الحضارة العربية قبل الإسلام، وتمثل هذا الإنجاز في لغتهم التي غزت أقاليم المنطقة العربية في غرب آسيا وفي مصر أيضاً، ممهدة في ذلك إلى انتشار اللغة العربية.
إن التداول العربي قبل الإسلام في الجزيرة للألفاظ الآرامية ومعانيها لدليل على غنى الأرامية وعلى أن حكمة الله - سبحانه وتعالى- قد هيأت الآرامية والأنباطية تمهيدًا لكتابه العزيز.
ولئن استعمل العرب لفظ قرأ الآرامي بمعنى تلا فإن استعماله في تسمية الكتاب العظيم لكافٍ لئن يجعله عربي الجذر والنشأة.
ومن أسماء القرآن العظيم الفرقان قال تعالى: ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ? [الفرقان: 1] لفظ القرآن في الأصل آرامي وتفيد مادته معنى التفرقة كأن في التسمية إشعارًا بتفرقة هذا الكتاب بين الحق والباطل.
ومن أسماء القرآن العظيم أيضاً الذكر، قال تعالى: ? وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ? [الأنبياء: 50] ولفظ الذكر عربي خالص معناه الشرف، ومنه قوله تعالى: ? لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ? [الأنبياء: 10] ومنها التنزيل: ? وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) ? [الشعراء: 192] وهو عربي خالص.
هذه الأسماء هي الشائعة المشهورة للقرآن العظيم والقرآن العظيم في الاصطلاح الشرعي: هو الكلام المعجز المنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- المكتوب في المصاحف المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته.
شاء الله تعالى أن يستمر الوحي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة بعثته يعلمه في كل مرة شيئًا جديًا ويرشده ويهديه ويثبته ويزيده اطمئنانًا وكان مظهر هذا التجاوب نزوله منجمًا بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، ولذلك قسم القرآن إلى تخميس وتعشير ووضعت علامات لذلك، وقد صحَّ نزول عشر آيات في قصة الإفك جملة واحدة وقد صح نزول عشر من أول سورة المؤمنون جملة واحدة وصح نزول: ? غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ? وحدها وهي بعض آية في سورة النساء في الآية الخامسة والتسعين في قوله: ? لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ? [النساء: 95] بهذا الشكل وبهذه الطريقة ظل القرآن العظيم ينزل نجومًا ليقرأه النبي -صلى الله عليه وسلم- على مكث ويقرأه الصحابة شيئًا بعد شيء يتدرج مع الأحداث والوقائع والمناسبات الفردية والاجتماعية التي تعاقبت في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- خلال ثلاثة وعشرين عامًا.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (بُعِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أُمِرَ بالهجرة عشر سنين ومات وهو ابن ثلاث وستين)
بدأ نزول القرآن العظيم في رمضان في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجمًا في أوقات مختلفة، قال تعالى: ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) ? [القدر: 1] وقال تعالى: ? وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ? [الإسراء: 106]، وقال تعالى ? شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ? [البقرة: 185]، إن نزول القرآن العظيم تدرجًا كان مثار اعتراض المشركين الذين ألفوا وتعودوا أن يسمعوا القصيدة الشعرية جملة واحدة، وسمع بعضهم من اليهود أن التوراة نزلت جملة واحدة، فأخذوا يتساءلون عن نزول القرآن نجومًا وودوا لو ينزل كله مرة واحدة، قال سبحانه وتعالى: ? وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) ? [الفرقان: 32: 33].
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 07:29 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (13)
(يُتْبَعُ)
(/)
ورد في الأحاديث الصحيحة ما يفيد أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صرح بنزول القرآن على سبعة أحرف، فقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: (سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكدت أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلم، ثم لببته بردائي فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت له: كذبت فوالله إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأها فانطلقت أقوده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أرسله يا عمر اقرأ يا هشام فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرأه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: هكذا أنزلت، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه).
إن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف مروي عن جمع كبير من الصحابة يصعب إحصاؤه ويميل جمهور العلماء إلى أن المصاحف العثمانية اشتملت على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة وقد أشرنا من قبل في حلقة ماضية إلى أن الله -سبحانه وتعالى- قد هيأ الرسم الإملائي المتطور عن الأنباط لحكمة أرادها في وجوه الرسم.
وعبارة الأحرف وهي جمع حرف الواردة في الحديث تقع على معانٍ مختلفة، لا سبيل إلى استعراضها في هذا المجال، وهي تفيد حصر لفظ السبعة رقمًا لا مجرد الكثرة، ولا تعني القراءات السبع، وليست الأحرف السبعة لغات قريش وهزيل وتميم وأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر وليست لغات قبائل مضر خاصة وهي هزيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسد بن خزيمة وقريش ففي القرآن العظيم ألفاظ من لغات قبائل أخرى، وهي أكثر من أربعين لغة، فكلمة ? اخسؤوا ? بمعنى اخزوا بلغة عذرة وكلمة ? بئيس ? بمعنى شديد بلغة غسان، وكلمة ? لا تغلوا ? بمعنى لا تزيدوا بلغة لخم، وكلمة ? حسرت ? بمعنى ضاقت بلغة اليمامة، وكلمة ? هلوعا ? بمعنى ضجرا بلغة خثعم، وكلمة ? الودق ? بمعنى المطر بلغة جرهم وغير ذلك كثير.
والمراد من الأحرف السبعة -والله أعلم- الأوجه السبعة التي وسع بها على الأمة فبأي وجه قرأ القارئ منها أصاب ولقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يصرح بهذا حيث قال: (أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستعيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف) فاللفظ القرآني مهما يتعدد أداؤه وتتنوع قراءاته لا يخرج فيه التغاير عن الوجوه السبعة التالية:
أولها: اختلاف في وجوه الإعراب سواء تغير المعنى كقوله تعالى: ? فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ? [البقرة: 37]، فقد قرئ ? فَتَلَقَّى آدَمَ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ ?
أم لم يتغير المعنى كقوله -عز وجل-: ? وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ ? [البقرة: 282]، فقد قرئ ? ولا يضاره ?
وثانيها: اختلاف في الحروف إما بتغير المعنى دون الصورة كاختلاف النقط في ? يعلمون ? و ? تعلمون ? أو في تغيير الصورة دون المعنى كما في ? الصراط ? و? السراط ? و? المصيطرون ? و? المسيطرون ?
وثالثها: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث، كقوله تعالى: ? وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ? [المؤمنون: 8]، قرئ ? لأمانتهم ? بالإفراد ورسمت في المصاحف العثمانية ? لأمانتهم ? لخلوها من الألف الساكنة، ومؤدى الوجهين واحد لأن في الإفراد قصدًا للجنس وفي الجنس معنى الكثرة، ولأن في الجمع استغراقًا للإفراد وفي الاستغراق معنى الجنسية فرعاية الأمانة كرعاية الأمانات تشتمل الكل والجزئيات.
ولأمر ما جاءت لفظة العهد مفردة على كلتا القراءتين وبكلا الحرفين فما قرئ ? والذين هم لأماناتهم وعهودهم راعون ? وما قرئ ? والذين هم لأمانتهم وعهودهم راعون ?.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ? [البقرة: 70]، ذُكِّرَ في حرف قصدًا للجنس وأنث في حرف قصدًا للجماعة، تشابه بعد حذف التاء تخفيفا فأصله تتشابه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ورابعها: الاختلاف بإبدال كلمة بكلمة كما قرئ ? وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ? [الواقعة: 29]، و ? طلع منضود ?.
وخامسها: اختلاف بتقديم وتأخير كقوله تعالى: ? إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ? [التوبة: 111]، قرئ ? فيُقتلون ويَقتلون ?.
وسادسها: اختلاف بشيء يسير من الزيادة والنقصان جريًا على عادة العرب في حذف أدوات الجر والعطف كقوله تعالى: ? وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ ? [التوبة: 100]، قرئ ? من تحتها الأنهار ? وهما قراءتان متواترتان، وقد وافق كل منهما رسم مصحف الإمام.
ومن النقصان قوله تعالى: ? وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا ? [البقرة: 116]، من سورة البقرة بغير واو كما في رسم المصحف الشامي.
وسابعها: اختلاف اللهجات في الفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والهمز والتسهيل وكسر حروف المضارعة وقلب بعض الحروف وإشباع ميم الذكور وإشمام بعض الحركات من ذلك قوله تعالى: ? وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ? [طه: 9]، وقوله ? بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ? [القيامة: 4]، قرئ بإمالة: أتي وموسي وبلي.
وقوله تعالى ? خَبِيرًا بَصِيرًا ? [الإسراء: 17]، بترقيق الرائين، والصلاة والطلاق بتفخيم اللامين.
وقوله تعالى: ? قَدْ افْلَحَ ? بترك الهمزة وهو ما يسمى بالتسهيل، وقوله تعالى: ? لِقَوْمٍ يِعْلَمُونَ ? [البقرة: 230]، ? نَحْنُ نِعْلَمُ ? [الإسراء: 47]، و? وَتِسْوَدُّ وُجُوهٌ ? [آل عمران: 106]، ? أَلَمْ اعْهَدْ ? [يس: 60]، بكسر المضارعة في جميع الأفعال، وقوله تعالى: ? حَتَّى حِينٍ ? [الصافات: 174]، فالهزليون يقرؤون عتى عين.
وقوله تعالى: ? عَلَيْهِمُ دَائِرَةُ السَّوْءِ ? [الفتح: 6]، ? وَمِنْهُمُ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ? [التوبة: 58]، بإشباع ميم جمع الذكور في كلتا الآيتين.
وقوله تعالى: ? وَغِيضَ الْمَاءُ ? [هود: 44]، بإشمام ضمة الغين مع الكسر، والحق أن هذا الوجه السابع أهم الأوجه فهو يبرز الحكمة من إنزال القرآن العظيم على سبعة أحرف ففيه تخفيف وتيسير على الأمة التي تعددت قبائلها فاختلفت بذلك لهجاتها، وتباين أداؤها لبعض الألفاظ، فكان لابد أن تراعى لهجاتها وطريقة نطقها، لأن الله -سبحانه وتعالى- اصطفى في قرآنه ما شاء، وتمثل في لغة قريش التي أصبحت صفوة العرب.
والقرشية باعتراف جميع القبائل هي الأغزر مادةً والأرق أسلوبًا والأغنى ثروةً والأقدر على التعبير الجميل الدقيق حتى إن الشاعر في العرب كان يتحاشى لغة قبيلته ويستعمل القرشية في شعره لهجة وتركيب جملة وانتقاء كلمة.
وإذا كانت الأوجه السبعة هذه التي ذكرناها هي التي عَنى بها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فإنها اجتمعت من مختلف القراءات التي أقرهم عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانتهى العلم بها إلينا، أحرف القرآن السبعة التي لم نعرفها إلا بطريق الاستنباط والاستقراء.
توه من كثيرون من القدامى والمحدثين أن الأحرف السبعة هي القراءات السبعة، ومصدر هذا الإيهام الإمام الكبير أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد، حيث قام سنة ثلاثمائة للهجرة يجمع سبع قراءات في بغداد لسبعة من أئمة الحرمين والعراقين والشام وكان جمعه محض مصادفة واتفاق، وعبارة القراءات السبع لم تعرف من قبل في الأمصار وإنما بدأت تشتهر بإقبال الناس على قراءة بعض الأئمة دون بعض، فاشتهرت بمكة قراءة عبد الله بن كثير الداري المتوفى سنة عشرين ومائة هجرية ولقي من الصحابة أنس بن مالك وأبا أيوب الأنصاري وعبد الله بن الزبير، واشتهرت في المدينة قراءة نافع بن عبد الرحمن من أبي نُعيم المتوفى سنة تسع وستين ومائة هجرية وتلقى القراءة عن سبعين من التابعين أخذوا عن أبي بن كعب وعبد الله بن عباس.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الشام قراءة اليحصبي المشهور بابن عامر المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة للهجرة وتلقى القراءة من المغيرة المخزومي عن عثمان بن عفان، وفي البصرة قراءة أبي عمرو بن العلاء المتوفى سنة أربع وخمسين ومائة هجرية، وفي الكوفة قراءة كل من حمزة وعاصم وحمزة هو ابن حبيب الزيات المتوفى سنة ثمان وثمانين ومائة هجرية، وعاصم هو ابن أبي النجود الأسدي المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة هجرية.
لقد حظيت قراءة هؤلاء السبعة من لدن ابن مجاهد بشهرة واسعة حتى توهم كثيرون أن المراد بالأحرف السبعة هي هذه القراءات، والحق أن ثمة ضابطاً إذا توفر في قراءة ما وجب قبولها، ويتوفر هذا الضابط في القراءات العشر والقراءات الأربع عشرة، وأما القراءات العشر فهي القراءات السبع مضافاً إليها قراءة يعقوب وخلف بن هشام ويزيد بن القعقاع والأربع عشرة فبزيادة الحسن البصري ومحمد بن محيصن ويحيى بن المبارك اليزيدي وأبي الفرج الشنبوذي، ولا تقبل قراءة مقرئ إلا إذا ثبت أخذه عمن أخذ بطريقة المشافهة والسماع حتى يتصل الإسناد بالصحابي الذي أخذ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
كما عني بعض اللغويين والنحاة بتتبع القراءات الصحيحة منها والشاذة، فألف ابن خالويه المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة وألف هجرية كتاباً في القراءات سماه المختصر في شواذ القراءات، وصنف ابن جني كتابه المحتسب في توجيه القراءات الشاذة، ووضع أبو البقاء العكبري كتاباً أوسع وأشمل سماه إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن.
إن تنوع القراءات في الحقيقة هو السبيل إلى فهم النصوص القرآنية وما دام القرآن قد أُنزل على سبعة أحرف فنحن ندرسها جميعاً في كل قراءة تواترت محتوية على حرف منها، وعمادنا الأصح في النقل ولأننا نجعل القرآن العظيم حكماً على قواعد اللغة والنحو، ولا نجعل القواعد حكماً على القرآن، فما استمد النحاة قواعدهم إلا من القرآن بالدرجة الأولى ثم من الحديث بالدرجة الثانية ثم بكلام العرب.
لكل حادثة سبب ولكل حدث مقدمة سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً لا شيء كالتاريخ يشهد بصدق هذه السنة وانطباقها على الأحداث، ولا يمكن للمؤرخ أن يجهل أسباب الحوادث إذا أراد الوصول إلى الحقيقة من خلال الوثائق، ففي الأدب لابد من معرفة أسباب القصيدة حتى يمكن للأديب شرحها مهما حمل في زاده ثروة لغوية وتميز بحس ناقد واغتنى بالمعرفة لأسرار الألفاظ، فأسباب القول وسبب القصيدة يميط اللسان عن غوامض كثيرة في فهم النص وما يريده الشاعر والأديب.
ولئن كانت معرفة جو القصيدة تعين على الفهم فإن معرفة قصة الآية والأسباب التي اقتضت نزولها في القرآن الكريم أعون على دقة الفهم وأدنى لاستلهام أرجح التأويل وأصح التفسير.
ونحن من القرآن العظيم أمام شيء يفوق اللغة وقواعدها وآدابها، ونحن من القرآن أمام شيء يفوق التأريخ نفسه، فإن وقفنا على أسباب النزول التاريخي فستبقى أشياء أخرى كثيرة تفوتنا لفهم النص ولتفسير الحدث.
لقد حرم علماؤنا المحققون الإقدام على تفسير كتاب الله لمن جهل أسباب النزول، فقال الواحدي: " لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
والتعبير عن سبب النزول في القصة ينم عن ذوق رفيع ويجعل القرآن في كل زمان ومكان يتلى بشغف وولوع، وكثيرًا ما يوقع جهل أسباب النزول في اللبس والإبهام، فتفهم الآيات على غير وجهها، ولا يصيب الحكمة من تنزيلها، كما حدث لمروان بن الحكم حين توهم أن قوله تعالى: ? لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ? [آل عمران: 188]، ظنه وعيدًا للمؤمنين فقال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: " لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا لنعذبن أجمعون" فقال ابن عباس: ومالكم ولهذه، إنما دعا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم ثم قرأ ابن عباس: ? وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ ? حتى قوله: ? يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن
(يُتْبَعُ)
(/)
يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ? [آل عمران: 187: 188]، فلم يُزَل الإشكال إلا بمعرفة سبب النزول، ولولا سبب النزول لظل الناس إلى يومنا هذا يبيحون تناول المسكرات وشرب الخمور أخذا بظاهر قوله تعالى في سورة المائدة: ? لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ? [المائدة: 93]، فقد حكي عن عثمان بن مظعون أنهم كانوا يقولون الخمر مباحة ويحتجان بهذه الآية، وخفي عليهما سبب نزولها فإنه يمنع من ذلك، وهو ما قاله الحسن وغيره لما نزل تحريم الخمر قالوا كيف بإخواننا لذين ماتوا وهي في بطونهم وقد أخبرنا الله أنها رجس فأنزل الله تعالى ? لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ?.
ولولا معرفة أسباب النزول لأباح الناس لأنفسهم التوجه في الصلاة إلى الناحية التي يرغبون عملاً بقوله تعالى: ? وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ? [البقرة: 115]، والذي يطلع على سبب نزول الآية سيدرك أن نفرا من المسلمين صلوا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في ليلة مظلمة فلم يدروا كيف القبلة فصلى كل رجل منهم على حاله تبعًا لاجتهاده فلم يضع الله لأحد منهم عمله وأثابه، ولو لم يتجه إلى الكعبة لأنه لا سبيل لذلك في ليل بهيم وإذا كانت الآيات قد نزلت جوابا لسؤال أو حادثة أو واقعة فإن كثيراً منها جاءت للإخبار والعبرة أو لتصوير قيام الساعة ومشاهد القيامة وأحوال النعيم والجحيم من غير ما سؤال أو حادثة.
فسبب سورة الفيل هي الإخبار عن وقائع ماضية كخبر نوح وعاد وثمود وبناء البيت وكذلك ذكره في قوله: ? وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ? [النساء: 125].
وينقسم تعريف المصطلح بأسباب النزول إلى قسمة ثنائية لآيات القرآن العظيم، فالأول معرفة السبب، والثاني لا علاقة له بسبب أو حادثة.
إن الحديث في أسباب النزول يحتاج إلى التحقق من وقوع المشاهدة والسماع للحادثة والسؤال الذي كان سبب نزول شيء من القرآن.
لذا قال الواحدي: ولا يحل القول في أسباب نزل الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلب.
ولقد تعرضت تصانيف القدامى في أسباب النزول للتمحيص الشديد من قبل المحدثين بالرغم من ورع مؤلفيها وحذرهم العلمي.
إن كثيراً من آيات القرآن الكريم وقصصه نزلت من غير حادثة أو سبب، وإنما للعبرة والعظة والإرشاد، ولا يمنع أن يكون لها سبب ولكنها تفهم من غير سبب، وكذلك كثير من الأحكام في القضايا التشريعية.
وما أكثر الآيات التي وضعت في السطور حسب الحكمة ترتيبًا وحفظت في الصدور حسب الوقائع تنزيلاً.
إن قوله تعالى في سورة النساء: ? أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ? [النساء: 51]، قد نزل في كعب بن الأشرف وكان قد قدم إلى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فسألوه: من أهدى سبيلاً المؤمنون أو هم؟ فتملق عواطفهم وقال: بل أنتم أهدى من المؤمنين سبيلا.
بعد هذه الآيات يتجه القرآن العظيم إلى نسق آخر يدور حول الأمانة وأدائها فيقول جل شأنه: ? إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ? [النساء: 58]، ويقول المفسرون: إن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة العبدري حاجب الكعبة لما أخذ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه.
وما دامت الآية هذه قد نزلت في الفتح وتلك نزلت في كعب عقب بدر فإن بينهما ست سنين، فلماذا جعلت الآية هذه إلى جانب تلك؟
إن موضوع الأمانة مشترك بين المقطعين، فأمانة المواثيق في أهل الكتاب خانها أصحابها وحالهم كحال الذين يحملون الأمانات ثم لا يحملونها.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف ختم سورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم)
وأخبر عبد الله بن مسعود قال: (كنا لا نعلم فصل ما بين سورتين حتى نزل بسم الله الرحمن الرحيم).
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم في مطلع كل سورة من سور القرآن العظيم التي بلغ عددها مائة وأربع عشرة سورة حرك لدى القارئ بالهيبة من جلال ذكر اسم الله بإيقاع منتظم في حياته، فقد استحبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي آية من آيات القرآن العظيم نستفتح بها ولها ارتباط مباشر بسلوك المسلم اليومي، يرددها عند دخوله منزله وفي بدء طعامه وشرابه ويكتبها في مطلع رسائله وعقود بيعه وشرائه، كل ذلك شغل الخطاط على مدى أربعة عشر قرنًا من الزمان، فما إن خطت الحروف الأولى للقرآن العظيم وبدأت ببسم الله حتى استفاض خيال الكاتب والخطاط في رسم حروف البسملة فرسم في البدء الحرف وأبدع في دراسة المسافة بين الحروف وعانق وشبك حرف السين ومطط في طولها وأطال المسافة فيما بين الحاء والياء والميم، وأعطى الألف شكلاً رخيمًا يعبر فيه عن عظمة الله وجلاله في الحرف الأول من اسمه جل شأنه.
ولم يمضِ القرن الهجري الأول حتى خُطت البسملة في المصاحف بأشكال وأفانين مختلفة، وأخذت أبعادًا فنية تحول فيه الخط من أسلوب كتابي إلى فن تشكيلي، وبالإضافة إلى الأشكال التزيينية التي رافقت كتابة اسم السورة بالذهب لتمييزها عن كتابة كلمات القرآن العظيم التي طور فيها الخطاط المسلم أشكال الحروف وأرسل لخياله العنان، فإن كتابة بسم الله الرحمن الرحيم أخذت أشكالاً لم تكن لتخطر على بال لولا عناية المسلمين بكتابهم العظيم.
لقد ظل المصحف الشريف يسير على نهج الكتابة اليابسة حتى القرن الخامس الهجري، ولم تكن الحروف على هذا المدى الطويل لتقف بجمود دون تطور، وإنما اتخذت فيها البسملة أشكالاً عديدة، ومن الخط اليابس الكوفي اشتقت خطوط ومن البسملة صيغت مئات الهيئات والأشكال في رسوم متناغمة متشابكة معشقة توحي بإبداع وخصب الخطاط المسلم الذي استمده من قرآنه العظيم الذي وجد فيه مادة غنية تعينه على فهم حياته وسر وجوده، فكان أن انطلق من روح شفافة ليكتب كلام الله في وحدات مبتكرة لم تكن موجودة من قبل.
لقد جاء القرن الخامس الهجري وتطورت الخطوط والكتابات ولم يعد للخط اليابس الكوفي شأن يذكر في كتابة المصاحف، وتحولت الخطوط اليابسة إلى خطوط لينة، فاستفاض خيال الخطاط المسلم ليبتكر من جديد في هيئات الحروف، ويضع النسب والمقاييس في كتابة البسملة وليحدد الأطوال والأبعاد والانضجاعات في تقعير النون وغير ذلك من الحروف، وتولدت خطوط لينة في العصر الأموي والعباسي والسلجوقي والزنكي والأيوبي والفاطمي والمملوكي والعثماني وجنح الخطاطون بخطوطهم لابتكار الأنواع والهيئات، فكان أن ولد الخط النسخي والثلث بحققه وجليه والمسلسل والإجازة والرقعة والتعليق وغير ذلك، وبهذه الأنواع توجت البسملة بأنواع لا حصر لها وأشكال لا عد لها، وحين وصل الخطاط إلى هذا القدر وهو يكتب كلام ربه - جل وعلا- ابتكر مجموعة من التركيبات حل بها البسملة فإذا هي مجموعة تارة مبسوطة أخرى، وفي كل ذلك تعبير عن روعة الحرف وعن قدسية وقداسة اسم الله في تركيب الخطوط.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 07:33 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (14)
تعود الصلات بين بلاد الشام والجزيرة العربية إلى أزمان بعيدة في التاريخ، ولقد تمثلت الصلات هذه في صورة شتى من العلاقات التجارية والفكرية والسياسية واتخذت بعض القبائل العربية أرض الأغوار الجنوبية في بلاد الشام مواطن لها في إمارات تتبع الدولة الرومانية وتخضع لسلطانها، وكان حكم الرومان في بلاد الشام حكماً ظالمًا جائرًا فرض فيه الحكام على أهل الشام كثيراً من الضرائب.
وما إن تسامع الناس في بلاد الشام بالإسلام ومبادئه حتى تداعوا إليه هربًا وخلاصًا من الظلم، وشرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن عقد الهدنة مع قريش في صلح الحديبية يبلغ الرسالة، فكتب إلى الملوك يدعوهم للدين الجديد، وبعث دحية الكلبي بكتاب إلى قيصر الروم يدعوه إلى الإسلام ولكن قيصر أبى واستكبر وفي السنة السابعة للهجرة أرسل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جيش الأمراء لبلاد الشام فكانت غزوة مؤتة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم غزا بعدها بزمن أرض تبوك، ولما عاد من حجة الوداع جهز جيشًا للشام بإمرة أسامة بن زيد، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لبث أن قُبض، فتوقف مسير جيش أسامة، واستُخلف أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وارتدت القبائل العربية وشغل الخليفة بحروب الردة، ومع ذلك أرسل جيش أسامة فأوقع بقبائل قضاعة ثم عاد بعد أربعين يوماً، وعبّأ أبو بكر -رضي الله عنه- الجيوش وأرسلها للشام في السنة الثالثة عشرة للهجرة، وأوصى يزيد بن أبي سفيان قائلاً: "إني قد وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك فإن أحسنت رددت إلى عملك وزدتك وإن أسأت عزلتك، فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك، وإن أولى الناس بالله أشدهم توليًا له، وأقرب الناس من الله أشدهم تقربًا إليه بعمله وقد وليتك عمل خالد فإياك وعدية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه، وإذا وعظتهم فأوجز فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضًا، وأصلح نفسك يصلح لك الناس، وصلي الصلوات لأوقاتها بإتمام ركوعها وسجودها والتخشع فيها، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم، وأقلل لبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ولا ترينهم فيروا خللك ويعلموا علمك، وأنزلهم في ثروة عسكرك، وامنع من قبلك من محادثتهم، وكن أنت المتولي لكلامهم، ولا تجعل سرك لعلانيتك فيخلط أمرك، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة، ولا تحزن عن المشير خبرك فتؤتى من قبل نفسك، واسمر بالليل في أصحابك تأتك الأخبار وتنكشف عندك الأستار، وأكثر حرسك وبددهم في عسكرك وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك، فمن وجدته غفل عن محرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة، فإنها أيسر همًّا لقربها من النهار ولا تخف من عقوبة المستحق ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها، ولا تخذلها مدفعًا ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسده، ولا تجسس عليهم فتفضحهم، ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتفِ بعلانيتهم ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء واصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس، واجتنب الغلول فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر، وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له".
وقبض أبو بكر -رضي الله عنه- وتولى الخلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وفتحت دمشق في السنة الرابعة عشرة للهجرة، وبعد وفاة واليها يزيد بن أبي سفيان تولى معاوية من قبل الخليفة عمر في السنة الثامنة عشرة للهجرة.
لما فتحت بلاد الشام كانت أشبه بنصف عربية، فقد حكمها الغساسنة في الجنوب والتنوخيون في الشمال، وكانت القبائل والبطون العربية في أرجاء تدمر والفرات وغزة وسيناء، وكان جبلة بن الأيهم من ملوك الغساسنة وقصة إسلامه وحجه وارتداده زمن سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- معروفة.
لقد جمع القرآن العظيم زمن أبي بكر -رضي الله عنه- وربط بخيط وسمي مصحفًا، وانتشر في الأمصار مع الفتوحات.
وفي زمن عمر -رضي الله عنه- فتحت بلاد فارس طولاً وعرضًا وفتحت الشام كلها ومصر كلها، ولم يبق بلد إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف، وقرأ الأئمة القرآن وعلموه الصبيان في المكاتب شرقًا وغربًا، لقد عمت المدارس زمن الخليفة عمر -رضي الله عنه- في البلاد المفتوحة، وكانت تعليم القرآن فيها ضرورة هامة.
ذكر القلقشندي في صبح الأعشى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أعرابيا هل تحسن القرآن؟ قال: نعم، قال فاقرأ أم القرآن فقال: والله ما أحسن البنات فكيف الأم؟ فضربه وأسلمه للكتاب، وأرسل يزيد بن أبي سفيان للخليفة عمر كي يعينه برجال يعلمون أهل الشام القرآن العظيم فبعث إليه عمر معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء -رضي الله عنهم-.
كان في فرق الجيش التي فتحت بلاد الشام كثير من الصحابة، كانوا يعلمون الجنود القرآن ويرتلونه بينهم في الحروب ليزيدوهم إيمانًا مع إيمانهم ويربطوا به على أفئدتهم في قتالهم للروم، ويحمسوهم على الجهاد في سبيل الله، ففي معركة اليرموك كان القارئ المقداد بن عمر الصحابي الجليل الذي شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الفارس المحنك، كان يقرأ سورة الأنفال عند اللقاء.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان للصحابة الثلاثة الذين أرسلهم الخليفة عمر إلى بلاد الشام نصيب وافر في تعليم أهل الشام القرآن العظيم، أما معاذ بن جبل المتوفى سنة ثماني عشرة فعلم أهل فلسطين القرآن، وأما عبادة بن الصامت المتوفى سنة أربع وثلاثين فعلم أهل حمص القرآن، وأما أبو الدرداء المتوفى سنة اثنتين وثلاثين فعلم أهل دمشق القرآن وكان أنشط الصحابة في تعليم أهل الشام مختلف العلوم الدينية والتاريخية والأدبية وكان كذلك في المدينة قبل أن ينزل دمشق فقد كان من أشهر علمائها.
روى الليث بن سعد عن عبد الله بن سعيد قال: "رأيت أبا الدرداء دخل مسجد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومعه من الأتباع مثل ما يكون مع السلطان بين سائل عن فريضة وبين سائل عن حساب، وبين سائل عن شعر وبين سائل عن حديث وبين سائل عن معضلة".
وكانت حلقته أكبر الحلقات بمسجد دمشق إذ كان يؤمها وينتظم فيها مئات التلاميذ، قال مسلم بن مشكم الدمشقي كاتب أبي الدرداء: "قال لي أبو الدرداء: اعدد من يقرأ عندنا، يعني في مجلسنا فعددت ألفًا وستمائة ونيفًا فكانوا يقرؤون ويتسابقون عشرة عشرة لكل عشرة منهم مقرئ وكان أبو الدرداء واقفاً يستفتونه في حروف القرآن يعني المقرئين فإذا أحكم الرجل من العشرة القرآن تحول إلى أبي الدرداء، وكان أبو الدرداء يبتدئ في كل غداة إذا انتهى من الصلاة، فيقرأ جزءًا من القرآن وأصحابه محدقون به يستمعون ألفاظه، فإذا فرغ من قراءته جلس كل رجل في موضعه وأخذ على العشرة الذين أضيفوا إليه.
وقال السويد بن عبد العزيز مولى بني سليم الدمشقي المتوفى سنة سبع وستين ومائة: كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- إذا صلى الغداة في مسجد دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه فكان يجعلهم عشرة عشرة وعلى كل عشرة عريفًا ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفهم، فإذا غلط عريفهم رجع إلى أبي الدرداء فسألهم عن ذلك وكان أبو الدرداء أكثر الصحابة أثراً في أهل دمشق، قال الذهبي: " كان عالم أهل دمشق ومقرئ أهل دمشق وفقيههم وقاضيهم، وقد نبغ في حلقته أهم القراء في أهل الشام وتقرأ فيها أحد القراء السبعة وهو عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي، ومن قراء الصحابة الشاميين الذين علموا أهل الشام القرآن فضالة بن عبيد الأنصاري الدمشقي المتوفى سنة 56، وأشار ابن النديم وغيره إلى أن عبد الله بن عامر اليحصبي سمع منه القرآن وأخذ عنه.
كان الخلفاء والأمراء الأمويون من قراء القرآن وحفظته على تفاوت بينهم في القراءة والحفظ وكان لبعضهم معرفة بالقراءات وقد وردت عنهم الرواية في حروف القرآن إذ كان معاوية بن أبي سفيان من كتاب الوحي، وكان يقرأ القرآن في كل يوم، قال المسعودي في مروج الذهب: كان إذا صلى الفجر جلس للقاص حتى يفرغ من قصصه ثم يدخل فيؤتى بمصحفه فيقرأ جزأه، وقال المدائني: كان مروان -أي ابن الحكم - من رجال قريش وكان من أقرأ الناس للقرآن وكان يقول: " ما أخللت بالقرآن قط أي لم آتِ الفواحش والكبائر قط".
وكان عبد الملك بن مروان من التالين للقرآن، قال نافع: " لقد أدركت المدينة وما فيها شاب أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان".
وقال ابن حبان: كان عبد الملك من فقهاء أهل المدينة وقرائهم قبل أن يلي ما ولي.
وكان الوليد بن عبد الملك كثير القراءة للقرآن فقيل: إنه لما ولي الخلافة كان يختم القرآن في كل ثلاث.
وكان عمر بن عبد العزيز قد جمع القرآن وهو صغير وكان يواظب على قراءة القرآن، قال ابن كثير: " كان يقرأ في المصحف كل يوم أول النهار ولا يطيل القراءة" وكان الخلفاء الأمويون المتأخرون مثل هشام بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد الملك، من أهل الصلاح والورع والتقوى وكانوا يحرصون على قراءة القرآن ولا ينقطعون عنها، ولا يفرطون فيها ومع أن الوليد بن يزيد كان مترفًا ومتنعمًا فإنه كان يقرأ القرآن وكان رفيقه في حله وترحاله، فعندما حوصر بقصر البخراء وأحاط به أعداؤه وعزموا على قتله واستيئس من النصر عليهم ألقى سلاحه وأخذ مصحفه يقرأ فيه ويقول: " يوم كيوم أمير المؤمنين عثمان".
(يُتْبَعُ)
(/)
إن القراء من الصحابة والتابعين الشاميين كانوا كثرة كثيرة وبذلوا جهدا كبيراً في إقراء القرآن، وكان القراء من الصحابة الشاميين يعلمون أهل الشام القرآن في مساجد أجناد فلسطين والأردن ودمشق وحمص، وكان لكل صحابي منهم تلاميذ يحيطون به ويأخذون القراءة عنه.
لقد اتصل نشاط القراء من التابعين الشاميين في إقراء القرآن وتعليمه لأهل الشام في مساجد الأجناد المختلفة، وكان نشاطهم في مسجد دمشق ومسجد حمص أقوى من نشاطهم في مسجد الرملة ومسجد بيت المقدس ومسجد طبرية، ففي دمشق وحمص توافر أشهر القراء وفيهما تخرج أكثر التلاميذ وكان التنافس بين قراء المسجدين وتلاميذهم شديداً وكان الخلاف بينهم لا يذكر، وكان قراء مسجد دمشق وتلاميذهم أكثر عدداً وأوسع أثراً، وفي الثلث الأخير من القرن الهجري الأول أصبح لمسجد بيت المقدس مكانة خاصة في القراءة، وعظمت مكانته في القرن الثاني إذ أخذ يؤمه بعض القراء من الصحابة الدمشقيين، كواثلة بن الأسقع الكناني وكانت أم الدرداء الصغرى تقيم به ستة أشهر وبدمشق ستة أشهر وكانت تقرئ فيه القرآن العظيم.
قُبض الرسول -صلى الله عليه وسلم- وانتقل إلى الرفيق الأعلى، بعد أن أتم الرسالة وبلغ الأمانة، قال تعالى: ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ? [المائدة: 3]، لقد انقطع الوحي وتمت كلمات الله ونسخ القرآن العظيم في السطور وحفظ في الصدور ولم يكن الخط في ذلك الزمن مكتملاً ناضجًا ولم يكن الكاتب والخطاط قد عُني بجمال شكل، وإنما كان نظام الكتابة ضرورة للقراءة من غير ما تذويق أو تجميل، وبدا الحرف في القرآن العظيم أجردًا من غير نقط أو شكل ولم تكن الفواصل بين الآيات إلا فراغًا أحيانًا كما الفواصل بين السور.
وانتشر الإسلام في الأرض، وكتاب الله السفير المعلم في الشعوب الداخلة في الإسلام، لقد تم للمسلمين فتح سورية والعراق ومصر ومنطقة الشمال الإفريقي زمن الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل -رضي الله عنهم-.
وفي زمن الخليفة الرابع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- نقلت العاصمة وأركان الدولة من المدينة المنورة إلى الكوفة التي مصرها سعد بن أبي وقاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما - في السنة السابعة عشرة للهجرة والتي توافق السنة الثامنة والثلاثين وستمائة من الميلاد.
وفتح المسلمون العرب بلاد فارس - إيران - ودخلت الجيوش العربية مدينة هارا سنة أربعين للهجرة الموافقة لسنة ستين وستمائة ميلادية، واستمرت في تقدمها حتى أشرفت على بلاد الهند، وكان أن استشهد سيدنا علي -رضي الله عنه- سنة أربعين هجرية وانتقلت الخلافة بعد زمن قليل إلى معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- مؤسس حكم الأسرة الأموية التي دامت من سنة أربعين حتى اثنتين وثلاثين ومائة هجرية الموافقة لسنة ستين وستمائة حتى سنة تسع وأربعين وسبعمائة ميلادية.
إن أول عمل قام به معاوية بن أبي سفيان أن نقل مركز الخلافة من الكوفة لدمشق الشام، وفي العصر الجديد هذا اتسعت رقعة الدولة العربية الإسلامية كثيراً وامتدت إلى جبال البرانيز في شمال إسبانيا وشاطئ المحيط الأطلسي غربًا وإلى حدود الصين شرقًا، لقد تميز هذا العصر بانصراف المسلمين بشكل عام إلى الحياة الدنيوية عكس ما كان عليه الحال في العصر الراشدي حيث تجنب العرب إلى درجة كبيرة البذخ والترف فتقدمت الفنون المعمارية ومال العرب إلى الخط والزخرفة فتطورت بعض الحروف العربية وبقيت حروف الباء والواو والياء والكاف والفاء كما هي دونما تطوير.
لقد عُني المسلمون بجودة الخط لخدمة كتاب الله -عز وجل-، ونتيجة لكتابة كلام الله المجيد والعناية به فقد تبوأ الخطاطون مكانة رفيعة مرموقة في العالم الإسلامي، لقد اشتهر في العصر الأموي خطاطون كُثر على رأسهم مؤسس الدولة معاوية بن أبي سفيان وخالد بن أبي الهياج الذي كان يكتب المصاحف ويتأنق فيها ويذهبها، وقد كتب في قبلة مسجد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في المدينة المنورة سورة والشمس وضحاها بالذهب.
وفي هذا ما يدل على نضج الخط واستخدمه في تزيين المساجد في وقت مبكر في تاريخ فن الخط عند المسلمين كما ورد عن محمد بن إسحاق أنه رأى مصحفا بخط ابن أبي الهياج.
(يُتْبَعُ)
(/)
وممن اشتهر أيضاً شهاب بن حمزة الكاتب المتوفى سنة اثنتين وستين ومائة للهجرة، وكان خطاطًا مجيدًا ماهرًا عرف بأناقة خطه وقوة حرفه واتزان فراغاته وسحر سطوره وكان يكتب للخليفة هشام بن عبد الملك كثيراً، بإملاء المحدث الزهري المتوفى سنة أربع وعشرين ومائة هجرية، وقد بقيت كتابات شعيب إلى القرن الثالث الهجري وروى الإمام أحمد بن حنبل المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائة هجرية أن كتابة شعيب مضبوطة مقيدة.
ومن مشاهير كتاب ونساخ وخطاطي المصاحف مالك بن دينار المتوفى سنة ثلاثين ومائة هجرية وكان يكتب المصاحف ويأخذ أجرها وفي ذلك ما يدل على أن حرفة النسخ بدأت تظهر في الدولة العربية الإسلامية.
أما قطبة المحرر المتوفى سنة أربع وخمسين ومائة هجرية فقد كان أكتب الناس على الأرض في العربية كما جاء في الفهرست لابن النديم وكان منقطعا للوليد بن عبد الملك يكتب له المصاحف وأخبار العرب وأشعارهم واستطاع أن يولد خطوطا أربعا منها الطومار والجليل.
لقد بلغ الخط العربي في العصر الأموي ومن خلال المصحف الشريق والقرآن العظيم مبلغًا عظيمًا، فقد أصبح الخطاط في المصحف يراعي المسافات بين الكلمات وبين الأسطر بشكل جيد وكذلك مراعاة المسافة بين الحرف والآخر الذي يليه مع الاهتمام في منح كل حرف نصيبه المعقول من الطول والقصر والدقة والغلظة وظهرت مدات في بعض الحروف المتصلة أضافت إلى الكتابة حسناً وتفخيما، وحافظت على جمال شكل السطر نتيجة لحسن استخدامها في بعض الحروف دون غيرها، وفي بعض الكلمات، واستخدمت المدات في نهاية الأسطر أحيانا لملء الفراغ الذي لا يفي كلمة أخرى، ومع ذلك فإن الأحرف في كلمة ما قد تنتقل إلى السطر الثاني من غير ما عنت أو كره، وقد يؤدي هذا أحيانا إلى اللبس في القراءة وهذا ما عنوه بالمشق في الكتابة، ويبدو أن المشق قديم في الكتابة العربية وكان مكروها لإفساده خط المبتدئ ولدلاته على تهاون الكاتب في معرفته لطول الكلمة لذلك قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- "شر الخطوط المشق".
وقد كره الأسلوب هذا في الكتابة وخاصة في المصاحف لأنه يؤدي إلى الخطأ والغلط أحيانا لقد فصل الخلفاء الأميون بين نوعين من الخطوط خط لشئون الدولة وشئون الرسائل وما تحتاجه الدواوين وخط جليل عظيم يأخذ هالة القدسية والجلال والعظمة يكتب به المصاحف.
وهذا ما أطلق عليه علماء الخط الخطَّ اليابس ثم وصفوه في العصر العباسي فيما بعد بالخط المحقق، إذا كان قد ظهر في الشام خط شامي لين لكتابة الرسائل وشئون وحاجات الدولة فإن طرقًا جديدة من الخط الكوفي اليابس قد ظهرت في الأقاليم المفتوحة وبكتابة المصاحف فمنذ افتتاح مصر سنة اثنتين وعشرين هجرية ودخول المصحف الشريف إليها بخط مدني رصين بدأ الخط يتطور ويأخذ أبعادًا جديدة.
وأنشأ عقبة بن نافع سنة خمسين للهجرة مدينة القيروان، وسرعان ما ظهر فيها الخط الكوفي القيرواني الذي تحدث عنه ابن النديم في فهرسه وأبو حيان في رسالته وابن خلدون في مقدمته.
وانتقال الخط إلى شمال إفريقية جاء عن طريق المدينة أولاً والشام ثانياً وليس عن طريق بغداد لأن الخط البغدادي والعراقي لم يظهرا إلا في منتصف القرن الثاني بعد تأسيس بغداد وتحول المنصور إليها في السنة السادسة والأربعين بعد المائة الهجرية، ومنذ تأسيس القيروان في سنة خمسين هجرية وحتى سقوط الدولة الأموية والخط القيرواني في تطور وثبات وتقدم.
لقد وصل إلينا من العهد الأموي جملة من صفحات المصاحف ونماذج تدل على طريقة كتابة المصاحف المتطور عما عليه زمن الخلفاء الراشدين، ففي متحف طبقابي مصحف برقم أربعين وقد كتب عليه أنه من السنة الثانية والخمسين للهجرة أي من القرن الأول وبخط عقبة بن عامر وما نلاحظه في هذا المصحف ما يومئ إلى أن التاريخ المكتوب والمخطوط والذي يعود إلى منتصف القرن الهجري الأول لا علاقة له بهذا المصحف لأن الكتابة أندلسية متطورة لا تنم ولا تعبر عن ذلك العصر، إذ الرموز في الخط متطورة والعلامات التي وضعت عليه متأخرة والشكل على طريقة الخليل مزاوجًا طريقة الدؤلي في بعض النواحي مع وجود رموز للقراءة لم تظهر إلا متأخرة في المصاحف.
(يُتْبَعُ)
(/)
كما أن طبيعة الخط تميل إلى الخطوط اللينة التي حافظ على هيئتها الأندلسيون المتأخرون في رسوم الكتابة، إن كتابة رأس اسم السورة بالذهب مع وجود هذه التقسيمات الزخرفية تبعث على الشك كل الشك بأن هذا المصحف متأخر ولا يمكن أن يعود لمنتصف القرن الأول الهجري، كما أن استخدام اللون الأزرق في تحلية الشكل وفي الأحزاب والأجزاء ورموز المدود ما كان ليظهر إلا بعد القرن الخامس الهجري كما أنه ينافي كل ماجاءنا من خطوط علامات الطريق والنقود وخطوط مسجد قبة الصخرة التي تعطينا صورة واضحة عن طبيعة الحرف الذي كان يستخدم أيام بني أمية في أواسط القرن الأول.
إن كتابة اسم السورة بالذهب وبخط كوفي متطور مع تبيان عدد الآيات لم يكن في في زمن معاوية، ونقرأ هنا في هذا المصحف بالكوفي وبالذهب سورة ? حم (1) عسق (2) ? [الشورى: 1: 2]، خمسون آية، وهذه السورة هي سورة الشورى وعدد آياتها ثلاث وخمسون آية وهذه الفوارق هي التي تسرب الشك لهذه الوثيقة التي يحتفظ بها متحف استانبول.
أن استخدام النقط الثلاث في فواصل الآيات لم يظهر أيضاً إلا في القرن الهجري الثاني، ونظرة أخرى إلى بداية سورة لنلاحظ البسملة وقد مد الكاتب حرف الحاء بدل السين، ليجعل التوازن ما بين بداية الكلام ونهايته، وهذا لم يكن في كتابات القرن الأول إذ لم ينضج بعد فن الخط إلى المستوى الذي يمكن أن يصبح فيه فنًّا.
ونقرأ ونلاحظ الرموز المتطورة في المدود ووضع رمز مد فوق الكلمات في قوله تعالى: ? حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلاَ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) ? [الشورى: 1: 7].
وفي متحف طوبقابي مصحف آخر كتب بخط حديج بن معاوية بن مسلمة الأنصاري وقد كتبه للأمير المستجاب عقبة بن نافع الفهري سنة تسع وأربعين للهجرة.
والمصحف مشكول بنقط حمراء وسورت ورقاته بالذهب، وخطه أقرب للنسخي المدور منه للكوفي وفي خطه خصائص واضحة لا توجد في المصاحف الأموية الأخرى، ونلاحظ فيه حرف الألف يميل إلى اليمين، وفي ذيله عطفة إلى اليمين وفي رأسه خط يميل إلى اليسار، وهذا تميز عن المصاحف التي جاءتنا من القرن الأول كما نجد هذا الخط الصغير في رؤوس اللامات كما أن حرف العين المتوسط مختلف تماماً عما هو عليه في الزمن المؤرخ وكما هي الطريقة فقد كتبت أسماء السور بالكوفي المسور بالذهب، وفي أول المصحف ذكر عدد حروف الهجاء في القرآن العظيم كله.
وفي متحف بغداد أوراق من مصحف على الرق من القرن الأول ليس فيه نقط ولا شكل وليس فيه نهايات الآيات.
لقد اتسقت الكتابة في عصر بني أمية وأصبح المصحف بشكله الأنيق الجميل غاية في الجمال والضبط، ولم تعد مشكلات الإعراب والوقف صعبة أمام القارئ المسلم من شعوب الأرض المختلفة.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 07:56 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (15)
(ملاحظة: سقطت من النص بعض الكلمات عند الحديث عن قصة يوسف عليه السلام)
قراءة القرآن العظيم عبادة يثاب عليها الإنسان وينال الأجر من الله -عز وجل- وهذه الخصوصية ليست لغيره من الكتب السابقة، قال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ? [فاطر: 29]، فقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعلمون القرآن عشر آيات منه فلا يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.
(يُتْبَعُ)
(/)
وروى عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا هذا القرآن فإنكم تؤجرون فيه بكل حرف عشر حسنات، أما إني أقول لكن "آلم" حرف ولكن ألف ولام وميم ثلاثون حسنة"، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاته بالستين آية أو أكثر.
فقد صح عن عائشة -رضي الله عنها- في كيفية قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: كان يصلي النافلة جالساً حين أسن فكان يقرأ قاعدًا حتى إذا أراد أن يركع قام وقرأ نحو من ثلاثين أو أربعين آية ثم يركع.
وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه".
عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسير فنزل ونزلت إلى جانبه فالتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ألا أخبرك بأفضل سورة في القرآن" قلت: بلى، فتلا: ? الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [الفاتحة: 2]، وقال عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: " الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " قال الله حمدني عبدي، فإذا قال: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ " قال: مجدني عبدي، وإذا قال: " إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ" قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".
إنها سورة فاتحة الكتاب مكية ومدنية لأنها نزلت مرتين في رأي بعض العلماء، الأولى بمكة حين فرضت الصلاة والثانية بالمدينة حين حولت القبلة، وهي سبع آيات وهي أم القرآن، والسبع المثاني، لقوله تعالى: ? وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ? [الحجر: 87]، ولا صلاة لمن لم يقرأ بها، لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب".
سورة البقرة مدنية إلا آية 281 فنزلت في حجة الوداع بمكة، وعدد آياتها 287 وهي أول سورة نزلت بالمدينة وأطولهن في القرآن العظيم، قال صلى الله عليه وسلم: "أعطيت مكان التوراة السبع الطوال" يعني البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، "وأعطيت مكان الزبور المئين وأعطيت مكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل"، وأما آل عمران فمدنية وعدد آياتها 200، قال عليه الصلاة والسلام: لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن" وقال عليه السلام: "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" آمن الرسول إلى آخر السورة.
عن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة -رضي الله عنها- أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: يا عائشة ذريني الليلة أتعبد لربي. قالت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلما يزل يبكي حتى بل حجره قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي -صلى الله عليه وسلم- حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال -عليه الصلاة والسلام-: أفلا أكون عبداً شكورا، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: ? إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ ? [آل عمران: 190] الآية كلها حتى قوله: ? إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ? [آل عمران: 194].
وجاء في فضل سورة الكهف وعدد آياتها 110 وهي من السور المكية إلا آية 38 ومن آية 83 إلى الآية الواحدة بعد المائة جاء في فضلها، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي سورة تبارك قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي ? تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ? [تبارك: 1]، من قرأ ? تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ? كل ليلة منعه الله -عز وجل- بها من عذاب القبر"، وكنا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نسميها المانعة.
فضل قراءة سورة التكوير والانفطار والانشقاق، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن ينظر إلي يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ ? إذا الشمس كورت ?، و? إذا السماء انفطرت ? و? إذا السماء انشقت?.
* فضل سورة الزلزلة
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "?إذا زلزلت ? تعدل نصف القرآن، و? قل هو الله أحد ? تعدل ثلث القرآن، و ? قل يا أيها الكافرون ? تعدل ربع القرآن".
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن، قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن، قال: ? قل هو الله أحد ? تعدل ثلث القرآن".
وفي رواية قال: "إن الله -عز وجل- جزأ القرآن بثلاثة أجزاء فجعل ? قل هو الله أحد ? جزءًا من أجزاء القرآن".
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ"قل هو الله أحد" فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك، فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبروه أن الله يحبه.
* فضل المعوذتين
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن، ? قل أعوذ برب الفلق ?، و ?قل أعوذ برب الناس ? وفي رواية لأبي داود قال: بينما أسير مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس، ويقول: "يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما". قال: وسمعته يأمنا بهما في الصلاة.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ يا جابر فقلت وما أقرأ بأبي أنت وأمي قال: ? قل أعوذ برب الفلق ?، و ? قل أعوذ برب الناس ?، فقرأتهما فقال: اقرأ بهما ولن تقرأ بمثلهما".
وعن عائشة -رضي الله عنها- كان إذا اشتكى -صلى الله عليه وسلم- يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وامسح بيده رجاء بركتها.
وعنها أيضاً كان -صلى الله عليه وسلم- إذا آوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما ? قل هو الله أحد ? و ? قل أعوذ برب الفلق ? و ? قل أعوذ برب الناس ?، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: أتى رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أقرئني يا رسول الله فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات "آلر" فقال: كبر سني واشتد قلبي وغلظ لساني، فقال: فاقرأ ثلاثًا من ذوات "حم"، فقال مثل مقالته، قال: اقرأ ثلاثًا من المسبحات، فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله أقرئني سورة جامعة، فأقرأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إذا زلزلت الأرض زلزالها" حتى فرغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبدًا، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفلح الرويجل، مرتين.
وسأل أحد الصالحين الإمام الشافعي -رحمه الله- شاكيًا علته فقال له الإمام: عليك بكتاب الله وآياته الشافيات الست قال السائل: وما هي؟ قال الإمام: اقرأ قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ ? [يونس: 58]، ? وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ? [الإسراء: 82]، و? وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ? [الشعراء: 80]، و ? قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ (15) ? [التوبة: 14، 15]، و? ثُمَّ
(يُتْبَعُ)
(/)
كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ? [النحل: 69]، و ? قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ? [فصلت: 44]، ثم قل: اللهم اشفني بشفائك وداوني بدوائك، واغنني بفضل عمن سواك فإنه لا يعينني على الحق إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، ثلاث مرات يذهب الله عنك ما ألم بك من داء.
? نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ? [يوسف: 3]، تناول القرآن العظيم في بيانه مجموعة من أخبار الأمم السابقة وعرض طائفة من أنبائهم وصور أحوالهم وأفاض حينًا في تصوير مجتمعاتهم وعقائدهم وأوجز في مكان آخر.
ولقد امتاز عرض القرآن العظيم للقصة بسمو الغاية وشرف المقصد، كي يذهب النفس وينشد الحكمة وما ذاك إلا للعبرة في وعيد وتهديد وتخويف وإنذار وبشارة وجائزة، كما تناول القرآن العظيم في قصصه أنباء الرسل مع شعوبهم وفي بيئتهم ومع حكامهم فشرح أخبارهم وصور العاقبة بلفظ رائع وأسلوب حكيم.
قال تعالى: ? تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ? [الأعراف: 101]، وقال أيضًا: ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ ? [غافر: 78]، وقال جل شأنه: ? وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ? [هود: 120].
لقد تناول القرآن العظيم في محكم آياته قصة الخلق خلق الأرض والجبال والسماوات والشمس والقمر وآدم وزوجه وأولادهما ونبأ ارتكاب أول جريمة على الأرض، وسرد القرآن العظيم قصة نوح وقومه الوثنيين الذين يعبدون الأصنام ودعوته ليلاً ونهاراً وسراً وإعلانا لعبادة الله الواحد، وأمرهم بالنظر إلى سر الوجود، وإبداع الكائنات، فاعرض من أعرض وآمنت فئة قليلة ونفذ صبر نوح فدعا ربه ? وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا (27) ? [نوح، 26، 27].
وكان الطوفان الذي أغرق الشر والشرك وطهر الأرض ليستعمرها قلة من المؤمنين.
? رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ? [هود: 47]، وقص القرآن العظيم نبأ هود وقومه من عاد بالأحقاف من أرض ما بين عمان واليمن، وصور النعمة التي عاشوا بها ولم يحفظوها أو يقدروها وعتوا فسادًا وإفسادًا وظلمًا وبغيًا ولم يلتفتوا إلى هود وعظاته فأخذهم الله بريح فيها عذاب أليم، وهلكت عاد بذنوبها، فأورث الله ثمود أرضهم وديارهم فاستعمروا الأرض وفجروا العيون وغرسوا البساتين والحدائق وكانت سيرتهم كسيرة عاد، فأرسل الله -سبحانه وتعالى- إليهم صالحًا وهو من أشرفهم نسبًا وأرجحهم عقلاً فدعاهم لعبادة الله والعبد عن الظلم والبغي وحضهم على فعل الخير فصمت آذانهم وعميت أبصارهم، وغلقت آذانهم، وطلبوا آية يتثبتوا من صدق ما يقول، وكانت الآية ناقة ضخمة وقال لهم: ? هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ? [الشعراء: 155]، ? فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ ? [الأعراف: 73]، ولكن نوازع الشر دفعتهم لعقر الناقة وخططوا لقتل صالح وأهله ففاجأتهم الصاعقة التي أذهبت نسلهم وحرثهم وقال صالح ? يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ? [الأعراف: 79].
ويقص القرآن العظيم سيرة إبراهيم مع أهل بابل ونمرودها وعبادة الأصنام ويصور إيمان إبراهيم العميق والشك الذي يداخله أحيانًا فيطلب من ربه أن يريه إحياء الموتى فيأمره بأخذ أربعة من الطير كي يزهق روحها ويمزق أجسادها ويجعل على كل جبل شلوًا ثم يدعوها فتأتيه ساعيةً قد دبت فيها الروح.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويحطم إبراهيم الأصنام ويعاقب بالإحراق، فيلقى في النار فإذا هي برد وسلام ويستمر الصراع بينه وبين النمرود في حوار فكري سلس رائع فيقول إبراهيم قال تعالى: ? أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ ? [البقرة: 258]، حاول إبراهيم عن طريق الحوار أن يقنع قومه بالرجوع إلى الله فلم يستجيبوا فضاقت نفسه ذرعًا وقرر الرحيل تاركاً وطنه وأهله وقومه.
ويعرض القرآن العظيم جوانب من حياة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم الخليل وما يتعرض له من محن في مصر وفلسطين فيتوجه إلى أرض الحجاز ليستقر به المقام في وادي غير ذي زرع مع ابنه إسماعيل.
ويبني البيت العتيق، قال تعالى: ? وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) ? [البقرة: 127، 128].
لما رحل إبراهيم عن أرض مصر كان بصحبته لوط قريبه، فافترقا كل في مكان وعاش لوط بين قوم لا يعرفون الخير، ويأتون الفاحشة في كل سبيل ومنها اقترافهم فاحشة لم يسبق إلى اجترامها، قال تعالى: ? وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ (28) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) ? [العنكبوت: 28: 30].
وضاقت بلوط السبل وسدت أمامه أبواب الأمل حين حاول قومه الاعتداء على أضيافه الذين لم يكونوا إلا من الملائكة الكرام.
قال تعالى: ? وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) ? [العنكبوت: 33، 34].
لقد أفرد القرآن العظيم في جملة أخباره وقصصه سورة كاملة قص فيها ما جرى ليوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ولعل الصلات التجارية التي كانت قائمة بين مصر وفلسطين كانت السبب في حبك وذيوع أحداث القصة التي ضمت في جوانبها الصورة والنوازع الإنسانية من حسد وغيرة وشر وخير وعشق وحب ومكر ومؤامرات وخداع ووفاء ولقاء.
وهي كما قال عنها -سبحانه وتعالى- في قرآنه العظيم: ? نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ? [يوسف: 3]، وتبدأ الحكاية بحلم رآه يوسف ويخبر أباه به، فينصحه يعقوب بكتمانه إلا أن الضغينة والحسد بين أبناء الضرائر يسوقهم إلى إلقاء يوسف في جب فتلتقطه قافلة تجارية أثناء رحلتها إلى أرض مصر، ويعود الأولاد بعد فعلتهم النكراء إلى أبيهم ليخبروه بأن الذئب قد أكل يوسف الصغير، قال تعالى: ? فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) ? [يوسف: 15: 18].
(يُتْبَعُ)
(/)
وتستقر به الأحوال في مصر بعد أن اشتراه عزيزها ويشب يوسف عن الطوق إنسان كاملاً جميلاً بهيج الطلعة يأسر الألباب بحديثه وتهيم النساء بجماله وتقع في هواه امرأة العزيز وتراوده عن نفسه ولكن الصلاح والتقوى والوفاء تعترض ما بينهما قال تعالى: ? وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ (24) ? [يوسف: 23، 24]، ويظهر سيد الدار العزيز ليرى ما يجري في داره ويسقط المكر والخداع وتشيع القصة بين نساء الطبقة الحاكمة فيلمن سيدتهن على عشقها فتبرر تباريحها بإخراجه لهن ليرين من هذا الذي هامت به حبًّا وعشقًا.
قال تعالى: ? وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) ? [يوسف: 30، 31]، وتتصعد جذوة
+++
+++
يوسف لربه ليصرف عنه السوء والفحشاء ? رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ? [يوسف: 33]، لما استيئست امرأة العزيز من فتاها آثرت أن تنتقم منه فحاكت له وزجته في السجن ردًّا على إعراضها عنها وفي السجن التقى بمظلومين وضعفاء ومجرمين وأشقياء وكان ممن التقى بهم ساقي الملك وخازن طعامه ورأى كل واحد منهما حلماً مفزعا فأسرعا إلى يوسف بعد أن عرف في السجن بصلاحه وتقواه ودعواه إلى فعل الخير ففسر الحلمين ورأى أن واحدًا سيعود لعمله والآخر سيصلب وتأكل الطير من رأسه، قال تعالى: ? وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ? [يوسف: 36]، فأولها لهما يوسف عليه السلام.
قال تعالى: ? يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ? [يوسف: 41]، وتصدق النبوءة ويرى الملك حلمًا ? وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ? [يوسف: 43]، ويطلب تفسيره، فيذكر ساقيه يوسف في السجن، ويذهب إليه فيفسر له الحلم بزرع سبع سنين يعقبهن قحط، ويعجب الملك بتفسيره وتنكشف قصة النسوة اللاتي قطعن أيديهن وقصة الظلم الذي حاق به من امرأة العزيز وحصص الحق ليصبح يوسف وزيرًا للمالية، وتدور الأيام والأفلاك على المنطقة ويرسل يعقوب أولاده إلى مصر يتسقطون الغذاء.
ويلتقي يوسف بأخوته دون أن يعرفوه فيكرم وفادتهم ويحسن إليهم ويتعرف على أحوالهم ويطلب منهم أن يأتوه بأخيهم الذي يرعى والدهم، ولكن يعقوب أوجس خيفة إلا أن الحاجة اضطرتهم للذهاب والعودة، وتعرف يوسف على أخيه ومكر بأخوته حين دس الصواع في رحل أخيه اتهمهم بالسرقة واحتجز أخاه عنده وعاد الركب إلى أبيهم ليخبروه بما حدث وإذا العزيز ابنه يوسف وتتحرك نوازع الأبوة في فؤاده بعد أن ابيضت عيناه وشاخ إلا أن إحساسه كان صادقًا فقال، قال تعالى: ? وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ ? [يوسف: 94]، وقال أيضاً: ? وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ? [يوسف: 100].
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[13 Aug 2007, 08:06 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (16)
تناول القرآن العظيم بين دفتيه مجموعة من الأخبار والأنباء والقصص كما بينَّا في الحلقة الماضية، وقد قص علينا أحوال شعوب سادت ثم بادت، منها ما بقيت آثاره ومنها ما اندثر وفني ولم يعد له وجود.
وقد أمرنا الله -عز وجل- لنسير في أرجاء الأرض نستكشف العوالم ونأخذ العبرة من الماضي الذي بقيت بعض شواهده، ومن ذلك أن عرب مدين الذين كانوا يسكنون أرض معان من أطراف الشام كانوا يعبدون الأيكة، الغابة من الشجر، ويشركون ويكفرون بالله الواحد القهار وكانوا يبخسون الناس أشياءهم وإذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، حتى بعث الله فيهم شعيبًا رسولاً وآزره بالمعجزات وأيده بالبينات.
فدعاهم لعبادة الله وترك الشرك، وأمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم وذكرهم بنعمة الله عليهم وخوفهم نقمته وعذابه فاستهزءوا به وتهكموا وقالوا له: يا شعيب لن نترك ما تعودنا عليه ونتبعك وما تدعونا إليه وما أنت إلا مشعوذ ساحر كذاب، وإن كنت صادقًا فيما تدعيه فاطلب من ربك أن ينزل العذاب لنرى.
استجاب الله دعاء شعيب الذي دعاه، وآزره الله بنصره فابتلاهم بارتفاع درجات الحرارة فلم يروهم ماء ولم يمنعهم ظل ففروا من ديارهم هاربين مسرعين من هول ما رأوه من العذاب، ورأوا سحابة فظنوها أنها ستقيهم من حر الشمس اللاهبة، واجتمعوا تحتها فجاءتهم الصيحة منها ورمتهم بشرر وشهب فأصبحوا أثرًا بعد عين، وقال: ? يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ? [الأعراف: 93].
ويطوف القرآن العظيم في سرد أخبار الأنبياء من الرسل، ويذكر بالتفصيل قصة سيدنا موسى -عليه السلام- وعناءه وتعبه مع قومه من بني إسرائيل في سورة القصص، يقول تعالى: ? طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) ? [القصص: 1 - 4]، ويذكر القرآن العظيم مولد موسى -عليه السلام- وخوف أمه عليه فتلقيه في اليم وتقص أخته أثره، ويحرم الله -سبحانه وتعالى- عليه المراضع فترضعه أمه ويتكفل فرعون بتربيته، ولما بلغ أشده آتاه الله العلم والحكمة، واتجهت إليه أنظار المستضعفين ليكون لهم نصيرًا.
ويخرج لأرض مدين بعد أن ائتمر به القوم ليقتلوه، وهناك يلقى الاطمئنان والاستقرار ويتزوج، ثم يجمع متاعه مع زوجه ويعود لمسقط رأسه ويلقى في طريقه نارًا من جهة الطُّور، وهناك يكلم رب العزة فيصبح كليم الله ويخصه الله بكرامة النبوة والخوارق والمعجزات، وكانت عصاه أولى الخوارق، ويدخل الأرض التي نشأ بها ليبدأ حوارًا مع فرعون وليدعوه لعبادة الله الواحد القهار، ويلقى ما يلقى من فرعون والسحرة، ويعاند فرعون أمام المعجزات والحقائق التي يراها، ويقرر البطش بموسى وقومه.
ويخرج موسى مع قومه فارًّا بدينه ويفرق الله له البحر وينطبق البحر على فرعون وتستقر عصا التسيار بموسى ومن معه بطور سيناء، وهناك يأخذ الألواح ويتبع قومه السامري فيعبدون العجل ثم يستغفرون ربهم ويتبعون موسى ويتيهون في الصحراء، ويمتحنهم الله سبحانه بذبح البقرة، ويلتقي موسى مع صاحب العلم الذي يصحبه في رحلة فيها من الأسرار ما يخفى على موسى الذي يتعلم من خلالها أن العلم واسع لا يمكن الإحاطة به مهما أوتي من نصيب، ? ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ? [الكهف: 82].
ويختار القرآن العظيم قصة قارون من قوم موسى فيحدثنا عما حل به، وكيف ينتهي الظالم المتكبر الذي يذل العباد إلى قرار الجحيم، كما ينبئنا القرآن العظيم عن خبر طالوت في سورة البقرة ولقائه مع داود الذي ألان الله له الحديد، قال تعالى: ? وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ? [الأنبياء: 80].
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي سورة الأنعام يأتينا خبر سليمان وبلقيس، وفي سورة ص والأنبياء يأتينا نبأ أيوب، وفي الصافات ذكر يونس -عليه السلام- وفي مريم ذكر زكريا ويحيى وفي سورة آل عمران والنساء ومريم والأنبياء والتحريم أخبار للسيدة مريم والمسيح عليهما السلام، إذ أنطق الله المسيح وهو طفل في المهد ليبين حقيقته وخلق أمه التي لم تأت بفاحشة ولم تك بغيًا ? قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ? [مريم: 30 - 33].
نشأ سيدنا عيسى -عليه السلام- في الناصرة، ورحل إلى القدس مع أمه في الثانية عشرة، وسعى ليرد اليهود عن زيغهم وضلالهم بعد أن حرفوا شريعة موسى السمحة وجعلوا همهم المال، وانغمسوا في ملذات الحياة الدنيا، فوجه دعوته إليهم ولم يجد أذنًا صاغية فحقدوا عليه وعقدوا العزم على قتله ولما فاجأه الجند رفعه الله إليه، وأمسكوا شبيهًا له ذاك الذي دلهم على مخبئه، فاستاقوه وصلبوه بين الصخب والضجيج.
قال تعالى في قرآنه العظيم: ? وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) ? [النساء: 157، 158].
لقد صور القرآن العظيم في آياته ذلك الغازي الفاتح المحارب الملقب بذي القرنين، وسرد بعضًا من سيرته وصلاحه وصنعه السد من قطع الحديد وذائب نحاس.
وصور أصحاب الكهف في سورة سميت باسمهم، وأصحاب الأخدود في سورة البروج التي جرت أحداثها على أرض نجران ولاقى فيها النصارى إبادة دينية عرقية كاملة على يد "دينواس".
وفي مجال تاريخ الحضارات القديمة تناول القرآن العظيم بين جنبيه قصة دولة سبأ التي قامت على أطلال دولة مَعِين باليمن، وقصة سد مأرب الذي أحال الله به البلاد اليمنية جنة خضراء، ثم تهدم بعد استكبار أهلها وكفرهم للنعمة التي أنعم الله عليهم، وأصبحت يبابًا بعد النعيم والخير الوافر، قال تعالى: ? وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ ? [سبأ: 17].
وفي سورة قصيرة أشار القرآن العظيم ببلاغته الموجزة وبيانه الرائع لأصحاب الفيل، حيث شد أبرهة الرحيل بجيشه لهدم البيت العتيق فأرسل الله إليه عذابًا من فوقه وجعل طير الأبابيل وسيلة من وسائل تشتت جمعه وعودته لليمن خائبًا.
ومن الأحداث التي جرت في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تناول القرآن العظيم عدة أمور أهمها الإسراء، سورة سميت بالإسراء، قال تعالى: ? سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ? [الإسراء: 1].
وتناول القرآن العظيم حدث الهجرة في سورة الأنفال والتوبة قال تعالى: ? وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ? [الأنفال: 30].
? وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) ? [النساء: 157، 158].
(يُتْبَعُ)
(/)
وتحدث القرآن العظيم عن غزوة بدر في سورة البقرة والأنفال، وعن غزوة أحد في آل عمران قال تعالى: ? وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ? [آل عمران: 152].
وفي سورة الحشر حديث عن جلاء يهود بني النضير، وفي سورة الأحزاب تفصيل ذلك الحدث قال تعالى: ? وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) ? [الأحزاب: 26، 27].
وفي سورة النور تناول القرآن العظيم قصة الإفك التي رميت بها زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- السيدة عائشة -رضي الله عنها- وقد برأها الله من إفك رميت به وهي الحَصَان.
حصان رزان ما تزن بريبة ** وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة حي من لؤي بن غالب ** كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها ** وطهرها من كل سوء وباطل
? إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (15) ? [النور: 15]
وصور القرآن العظيم في آيته وسوره المنافقين والفاسقين والمشركين في سورة المنافقين وسورة الحجرات.
وبشر في سورة الفتح بفتح مكة والنصر على العدو وسيادة الإسلام على أرض الجزيرة العربية وفي سورة التوبة عرض القرآن العظيم أحداث غزوة حنين وأشار إليها، والمسلمون بين الهزيمة والنصر، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين خاصته وأهل بيته الذين يهتفون بالمسلمين ويحثونهم على القتال.
? وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ? [التوبة: 25، 26].
هذا هو القرآن العظيم الذي وقف أمامه العرب مشدوهين في جديده وقصصه وتعبيره وتأويله، جاءهم بجديد في الأفكار والأساليب والأداء ليس هو بالشعر الذي عرفوه ولا النثر الذي ألفوه، إنه كلام عميق الدلالة بعيد الأفق واضح بين قصير الجمل، والجملة القصيرة فيه تختزن على قدرة كبيرة من الجزئيات، إنه الكتاب المعجز الذي تحدى الإنس والجن على أن يأتوا بآية من مثله فوقفوا عاجزين.
في العام العاشر الهجري أعلن النبي -صلى الله عليه وسلم- عزمه على الحج إلى بيت الله الحرام، وهي المرة الوحيدة التي حج فيها بعد الهجرة، وكانت حجته هذه هي خاتمة الرسالة، وكان الوداع للمسلمين الذين تقاطروا من أرجاء الجزيرة العربية للحج معه، وفي عرفة نزلت عليهم آية كريمة ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ? [المائدة: 3].
واستمع المسلمون إليه -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) وسمعوه في خطبته يوصيهم خيرًا بالنساء فيقول: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتن فروجهن بكلمة الله) وينتهي ليقول: (وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك وأديت ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك، فقال وهو يرفع سبابته إلى السماء: اللهم اشهد، اللهم اشهد).
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد عودته من حجة الوداع بثلاثة أشهر ألم به المرض عشرة أيام وانتقل إلى الرفيق الأعلى في يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول وهو ابن ثلاث وستين سنة، لقد انقطع الوحي وختم القرآن العظيم وتمت آياته، وغدا الدستور الخالد للأمة يحفظه الله على تعاقب الأزمان واختلاف السكان.
وقد استمر علماء المسلمين طيلة قرون يبذلون جهودًا عظيمة في خدمة المصحف، فنقطوه وأعربوه وعرفوا بمواضع الوقف والابتداء، ووضعوا العلوم المتنوعة لخدمته، وتكونت مكتبة نفيسة في علومه.
وقد أثار حفظه وتدوينه إعجاب المنصفين من علماء الغرب، قال "لوبلوا": من ذا الذي لم يتمن لو أن أحدًا من تلاميذ عيسى الذين عاصروه قام تدوين تعاليمه بعد وفاته مباشرة، لقد ظل القرآن العظيم يغذي عقول وأرواح المسلمين ويذكي فيهم الطموح إلى المعرفة والاندفاع لبناء الحضارة وتشييد المدنية، ويبين لهم أسباب ذلك بما حواه من قوانين الأخلاق ومبادئ الاجتماع وإقرار العدل وتحقيق السلام، قال دكتور "موريس بوكاي": إن القرآن أفضل كتاب أخرجته العناية الإلهية الأزلية لبني البشر.
لم يكن القرآن العظيم إلا كتاب فيه إرث ثقافي عظيم، إن أربع آيات من القرآن العظيم تبسط ما جاء به من إصلاح ثقافي وتربوي، قال تعالى في سورة البقرة: ? رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ? [البقرة: 129].
وقال أيضًا: ? كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ? [البقرة: 151].
وفي سورة آل عمران: ? لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ? [آل عمران: 164].
وفي سورة الجمعة: ? هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ? [الجمعة: 2].
وتنص هذه الآيات الأربع على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث ليتلو القرآن العظيم عليهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم.
لقد أنشأ النبي -صلى الله عليه وسلم- أول جامعة علمية هي مسجده في المدينة المنورة وأُجيز منها تلامذته وهم من الخلفاء الراشدين والعشرة المبشرة بالجنة، وآلاف الصحابة الذين نشروا الدعوة.
وكان مسجد الكوفة والبصرة ومسجد دمشق وبيت المقدس والفسطاط والقيروان موائل علم وثقافة في آسيا وإفريقية وأوروبا، ولما ضاقت المساجد بما رحبت كان لابد من إنشاء مدارس ودور للتعليم، وكانت بلاد ما وراء النهر أسبق البلاد الإسلامية في تأسيس المدارس الفقهية المنفصلة عن المساجد، فظهرت في حدود سنة 290 هجرية أقدم مدرسة منفصلة.
وبعدها كانت مدرسة النيسابور التي أسسها "حسان بن محمد الأموي"، وظهرت بعد ذلك أكثر من مائتي مدرسة في الشرق الإسلامي والعراق والجزيرة والأناضول، وازدهرت دمشق بمدارس القرآن العظيم والحديث وغير ذلك وتفردت من بين بغداد والقاهرة والقدس وجميع مدن العالم الإسلامي بكثرة المدارس ودور القرآن العظيم، إن أول مكان منفصل عن المسجد كانت تلقى فيه الدروس بدمشق ويخصص له المدرسون والأوقاف كان دار القرآن الرشائية، في أوائل القرن الخامس الهجري، وبذلك انفك الطلبة من الحلقة التي كانت تعقد في المسجد أمام سارية من سواريه أو في طرف من أطرافه.
وأول مدرسة بنيت في القاهرة هي المدرسة الناصرية المؤسسة سنة 566 هجرية، وأما بغداد فقد أسست فيها المدرسة النظامية سنة 459 هجرية، أي إن دمشق سبقت بغداد بنحو 60 سنة، وسبقت القاهرة بـ 166 سنة، وسبقتها بلاد ما وراء النهر بأكثر من 100 سنة.
إن مدارس القرآن العظيم التي أسست في دمشق كانت تنمو وتزداد كلما خطا الزمان خطوته، وبلغت الذروة في القرن التاسع أي في زمن المماليك، وقد عرضنا في حلقة ماضية كيف أن يزيد بن أبي سفيان أرسل للخليفة عمر كي يعينه بقراء يقرءون القرآن العظيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
إلا أن التدريس للقرآن العظيم بمفهوم التدريس لم يكن إلا في عهد عبد الملك بن مروان في الجامع الأموي قبل أن يُبنى، وكان موضع الجامع أيام الآراميين في الألف الثاني قبل ميلاد المسيح -عليه السلام- هيكل إله المزعوم "حدد" وكانت مساحته 380 بـ 300 متر، واتخذه اليونانيون معبدًا لآلهتهم الباطلة في العصر الهلنستي، وجاء الرومان فاتخذوه معبدًا لإلههم الخرافي "جوبيتر" وتهدم بعض المعبد أيام قيصر روما "تيدورز" فأقام فيه كنيسة ماريو حنا المعمدان.
ولما كان الفتح الإسلامي اتخذ المسلمون القسم الشرقي من المعبد مسجدًا، يقول الرحالة الفرنسي "أركولف" الذي زار دمشق سنة 50 هجرية أيام معاوية إن المسلمين والمسيحيين كانوا يدخلون من باب واحد ولكل معبده الخاص.
لقد قدم هشام بن إسماعيل المخزومي على عبد الملك فحجبه، فجلس هشام في مسجد دمشق بعد الفجر فقرأ القرآن وقرأ أهل المسجد بقراءته، فأقبل عليهم الضحاك بن عبد الرحمن أمير دمشق منكرا، وقال: إن هذا شيء ما سمعته ولا رأيته ولا سمعت أنه كان من قبل.
واستمرت بعد ذلك قراءة القرآن العظيم وتعليمه في الجامع الأموي قرونًا طويلة.
وذكر الأسدي أن الشيخ إبراهيم الصوفي كان مثابرًا على قراءة القرآن بالأموي بالرواق الثالث مقابل باب الخطابة، بكرة وعشية وحلقته مشهورة يحضرها خلق كثير يلقنون القرآن ويقرءونه، وختم القرآن في حلقته خلق كثير منهم ألف شخص اسم كل منهم "محمد" وفي مدارس القرآن العظيم كان يشترط بعضهم أنه إذا لم يحفظ الطالب القرآن العظيم غيبًا في مدة أقصاها ثلاث سنوات يقصى من المدرسة ويُؤتى بغيره، وكان أهل الشام يقرءون بقراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقينًا قريب الخمسمائة سنة، وكان ابن عامر إمام الأموي وشيخ القراء وقاضي دمشق في عصر بني أمية وقد توفي سنة 118 هجرية.
إلى جانب دور القرآن التي خصصت لحفظه وقراءته وعلومه في دمشق وعواصم العالم الإسلامي كان ضرب من دور الحديث والفقه لتعليم القرآن معًا، وكان نفر من الأغنياء يجعلون أوقافًا دورًا للقرآن أيضًا يبتغون من وراء ذلك نشر القرآن ونوال الثواب.
وكانوا يشترطون أن يقرأ فيها القرآن ويعلم بها، وإن لم تسم دارًا للقرآن، وكان وقف الملك الأشرف الأيوبي في دمشق مكانًا يُتَعلم فيه، وكان مشيخة الإقراء فيه أبو شامة، وكان من شرط التدريس أن يكون الشيخ المقرئ أعلم أهل البلد بالقراءات.
إن دور القرآن العظيم التي انتشرت في أنحاء العالم الإسلامي لم يكن منشأها الحكام والملوك والأمراء كما حدث في مدارس الفقه والحديث، وإنما كان العلماء والتجار هم الذين بنوا دور القرآن، كدار القرآن الدولمية التي بناها أحد بن زيد الدين دولامة البصري، أحد أعيان وتجار مدينة دمشق في منطقة الصالحية، والمدرسة أو دار القرآن كان لها مخطط معماري يحتوي إيناوات أربعة وباحة وقبة، وهي مستوحات من الفن الرافدي.
إن القرآن العظيم كان يدرس في كل مكان تقريبًا وليس في دور خاصة فحسب لشرف وعظمة القرآن ولكي يتخصص علماء القراءات في التفرغ لخدمة كتاب الله العظيم.
كان القرآن العظيم يدرس في المدارس الفقهية والخوانق والربط والزوايا، ولم يكن أحد من العلماء أو الطلاب يجهل القرآن العظيم مهما كانت المدرسة التي تخرج منها.
ولو استعرضنا جوانب المنشآت المعمارية عبر التاريخ الإسلامي بدمشق لشاهدنا أن عدد المدارس في عصر السلاجقة لم يتعد السبعة عشرة مدرسة وفي عصر نور الدين بلغت المدارس اثنتين وثلاثين، وفي القرن السابع صار العدد أكثر من تسعين، وفي القرن الثامن بلغت المدارس خمس عشرة ومائة مدرسة، وفي القرن التاسع وصل العدد إلى خمسين ومائة.
إن هذا العدد من المدارس ودور القرآن لم يجتمع لأية مدينة في الشرق الإسلامي كله، ونظرًا لأهمية دور القرآن العظيم في رحلة القرآن العظيم فإننا نعرض صورة مختصرة لوقفية توضح نظام التعليم في عصر المماليك.
أولاً: توزيع الحجرات، الإيوان القبلي مسجد لجميع المسلمين، ولا يحرم منه أحد، يخصص بيت غرفة ضمن المدرسة للإمام الشيخ، يخصص بيت لكل فقير من المتلقين للقرآن في المدرسة.
* المعلمون والإداريون وطرق التدريس
قارئ، إمام، ومؤذن، رجل مسلم حافظ للقرآن، يكون شيخًا للقراء يعلمهم ذلك في كل يوم من بعد صلاة الصبح إلى وقت الضحى، ومن بعد صلاة العصر إلى الغروب وعليه ملازمة هذين الوقتين في كل يوم، يلقن القراء ويسمع من كل منهم.
يأخذ كل فقير ثلاثين درهمًا في الشهر، وعلى كل فقير الحضور في الوقتين المذكورين، يشترط أن يكون الفقراء بالغين بذقون، بحيث لا يكون فيهم أحد أمرد ويقيمون في غرف المدرسة ليلاً ونهارًا.
مدة الدراسة ثلاث سنوات لحفظ القرآن العظيم، فمن حفظه من الطلاب في هذه المدة يعطى خمسين درهمًا مكافأة ويغادر الدار، ومن لم يحفظه يفصل منها بدون مكافأة ويؤتى بغيره.
يقيم في المدرسة أيضًا خمسة عشر يتيمًا في الطابق العلوي، يتعلمون القرآن العظيم على يد شيخ حافظ قارئ، ولكل منهم إجازة يوم واحد في الأسبوع وأيام العيدين والمواسم، تزاد المصاريف في الدار في أيام المواسم، يخصص قارئ للحديث الشريف يكون أهلاً لميعاد على الكرسي، ويشترط عليه الحضور في كل يوم سبت وأن يعمل ميعادًا يشتمل على شيء من التفسير والعلم، ويعين قارئ آخر ليومي السبت والثلاثاء.
لقد انتشرت قراءات القرآن العظيم في دور القرآن بدمشق، وكانت عناية الدماشقة بقراءة ابن عامر حتى ما بعد الخمسمائة، سائدًا حتى قدم سبيع بن المسلم إليها، فانتشرت قراءة أبي عمرو، ثم ظهرت الشاطبية فحفظها الناس، وفي العصر العثماني انتشرت في الشام رواية حفص عن عاصم وعندما انتشرت طباعة القرآن العظيم طبع بها في معظم أنحاء العالم الإسلامي وهي الرواية الغالبة اليوم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[13 Aug 2007, 08:51 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الكريم ..
جهد مشكور ومأجور بإذنه تعالى
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[13 Aug 2007, 10:37 م]ـ
أحسن الله إليكم يا أستاذ محمد على جهدكم وشكر الله سعيكم.
ـ[سلطان البحور]ــــــــ[14 Aug 2007, 12:37 ص]ـ
ما شاء الله
جزى الله د. عبد الرحمن وكذلك الأستاذ محمد خير الجزاء على هذا النقل الرائع
وجعل ذلك في موازين حسناتهم.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:24 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (17)
بلغ الخط العربي في أحضان المصحف الشريف من النفاسة والكمال والإتقان غاية كبيرة ولم يعد وسيلة لتسجيل الفكر وإنما غدا فنًّا من الفنون الجميلة والجليلة هذبته ألفاظ القرآن العظيم وشذبته فنال المكانة العالية الرفيعة.
ونظرة سريعة إلى التحولات التي طرأت على جسد الحرف لنرى سرعة التطور التي شبَّ بها وأصبح ذا قيمة فنية سامية.
والحق أن كتابة القرآن العظيم بخط عربي وتلاوته في المصاحف والتعبد بذلك قد أدى إلى إعزاز شأن الخط العربي وإجلاله، ذلك أنه صار يرتبط في أذهان المسلمين بالقراءة والتلاوة والتعبد ومن ثم لم يقف إعجاب المسلمين بالخط عند حد ما فيه من قيمة جمالية، بل صار يتصل أيضاً بالعاطفة الدينية، وهكذا صار المسلمون ينظرون إلى الخط من خلال المصحف نظرة إكبار وتقدير ويتذوقونه بمتعة روحية.
إن الخط في المصاحف الأولى التي جاءتنا من القرن الهجري الأول وفي وقت مبكر كان ينقصها التنسيق، ولكن الخط فيها ما لبث أن اتخذ أسلوبًا منسقًا في مدى فترة وجيزة نسبيًا، ويتضح هذا من استعراضنا لمجموعة من المصاحف لنشاهد فيها ما قلناه.
نشاهد الضغط فيما بين الأسطر وعدم العناية في كتابة الأحرف والانتقال من سطر لسطر مع تجزئة الكلمة الواحدة، ونقرأ في الأسطر الثلاثة الأولى من سورة يونس ? الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) ? [يونس: 17: 18]، ونلاحظ أن حرف النون جاء في بداية السطر الذي يليه وليس في ذلك غرابة زمنَ كتابة المصحف، إلا أن الإخراج والضبط تطور بعد سنوات في خط الكوفة المحقق، وأصبح تنسيق السطر والبعد بين الكلمات والأسطر موزونًا كما ي أوراق المصحف الذي يحتفظ بتسع وثلاثين ورقة منه متحف "طوبقابيبسراي" ونرى فيه رصانة الخط الكوفي وتنسيق العبارات والجمل والتباعد فيما بينها والتباعد بين الأسطر، وتحتوي الصفحة أواخر سورة التوبة، وفي أول الصفحة كلمة (رحيم)، وهي من آخر الآية التي قبلها ثم نقرأ قوله تعالى: ? فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ? [التوبة: 129]، وداخل الدائرة التي جردت من أشكال زهرة الزيتون عدد الآيات وهي كما جاءت هنا مائة وثلاثون، وسورة التوبة برواية حفص عن عاصم هي مائة وتسع وعشرون آية، وفي وسط الصفحة يوجد اسم السورة وقد كتب بالذهب "يونس مائة وتسع آيات" ونلاحظ في الداخل أشكالاً مجردة من عناقيد العنب ثم نشاهد تحت اسم السورة البسملة، ومن الغرابة أن كلمة الرحمن كُتبت بألف طويلة وهذا ما لا نراه في جميع مصاحف القرون الماضية ونقرأ بعدها: ? الر تِلْكَ آيَاتُ ? كتب هذا المصحف على الرق تبعًا لقواعد أبي الأسود الدؤلي فيه حركات الفتحة والخفضة والضمة بلون أحمر وفوق وتحت وبين يدي الحرف.
وننتقل إلى القرنين الخامس والسادس الهجريين لنشاهد تطور رسم الخط المصحفي وتطور الإخراج والتنسيق في مصحف يحتفظ به متحف "طبقابي سراي" أيضاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونقرأ فيه من سورة مريم ? عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ? [مريم: 49: 50]، لقد استطاع الخطاط أن يطور في رسم الحرف الكوفي البديع والذي أطلق عليه علماء الخط المستشرقون اسم الخط الكوفي المشرقي، وجنح إلى التزويق في الوصل فيما بين الحروف وجمل في حرف النون واللام ألف وحرف الدال والهاء وأخذ من سعف النخل أشكالاً لرسم دائرة يضع فيها الرقم على طريقة حساب الجمل.
فوضع في الدائرة العليا حرف نون دلالة على الرقم خمسين ووضع في الدائرة السفلى حرفين "نا" النون والألف دلالة على الرقم واحد وخمسين، وسور الكلام وجدوله ضمن أشكال منظمة مقتبسة مجردة من ورق التين، بالإضافة إلى استخدامه شكلاً واحداً من ثمر الرمان.
وفي هذا المصحف أيضاً تطور الرموز في الشكل بالرغم من استخدامها رموز الخليل بن أحمد الفراهيدي فقد وضع علامة الميزان فوق الراء والسين كما استعمل الألوان الحمراء للشكل والزرقاء للتزيين، وقد أطلق بعض الباحثين على هذا الشكل من الخط اسم الكوفي القرمطي، نسبة إلى القرامطة الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، وهذا منافٍ لبعض الاصطلاحات في الرسم والخط، إذ إن الرمطة تعني الدقة في تقارب الحروف ولذلك قال: علماء الخط السابقون" قرمط بين الحروف، إلا أن هذا النوع من الكتابة يعود إلى التحسين والتجميل في الخط الكوفي البديع ولا علاقة للقرامطة ولا القرمطة بين الحروف به.
ويوضح ذلك تأملنا في الحروف التي سنراها على جانب آخر من الغلظة في أسلوب آخر يحتفظ به مركز دراسات الحضارة والفنون الإسلامية بقصر رقادة بقيروان بتونس، ونقرأ فيه الآية الثانية عشرة بعد المائتين من سورة البقرة: ? وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللهُ ? [البقرة: 212]، وكتب هذا المصحف علي بن أحمد الوراق على خمسة أسطر على الرق لحاضنة المعز بن باديس الصنهاجي سنة عشر بعد الأربعمائة الهجرية، ثم حبسته الحاضنة على الجامع الأعظم بالقيروان.
إن مقارنة بسيطة في أسلوب الكتابة بين المصحفين تقودنا إلى أن استخدام الألوان في التشكيل كأنما كانت قاعدة في هذه المرحلة الزمنية من التاريخ، فاستخدام اللون الأحمر والأزرق يدلنا على أن رمز الألوان كان ناضجًا متطورًا في هذه الفترة المبكرة من الفن، وفي المصحف الذي تحتفظ به مكتبة طوبقابيبسراي بخط أبي بكر ابن أحمد بن عبد الله الغزنوي في المحرم من سنة ثلاث وسبعين وخمسائة هجرية نشاهد تطورًا بسيطًا في الكوفي البديع الذي رأيناه في المصاحف التي سبقته وخاصة حرف الصاد، كما نرى فيه تطورًا آخر في رموز الوقف أثناء القراءة. وهذه الشارات التي تدل على ذلك هي إشارات وضعها أبو الفضل محمد بن طيفور السجاوندي المتوفى سنة ستين وخمسمائة هجرية وعرفت باصطلاحات أو إشارات سجاوند في تلاوة القرآن العظيم.
وفي المصحف ما يخالف القواعد المتبعة في خطوط رؤوس الآيات، فلم يستخدم الخطاط في هذا المصحف الخط الكوفي المورق لرؤوس السور وإنما استبدله بخط لين من قلم التوقيع.
وذَهَّبّ الأسماءَ واستعمل الزخرفة المجردة من زهرة الرمان وأكسبها ألوانًا جديدة.
إن هذه العناية في كتاب الله -عز وجل- لاقت من المجتمع تقديرًا واحترامًا واندفع أصحاب الشأن ليكلفوا الخطاطين بكتابة المصاحف الشريفة، وكانت مصاحف الحكام والأمراء والسادة والتجار على جانب كبير من الذوق في التذهيب لقد ظل الخط الكوفي في المصاحف حتى القرن الخامس والسادس الهجريين يتناوب ما بين محقق وبديع مع العناية التامة بالتذهيب والزخرفة.
وكانت مصاحف الأندلس تميل نحو اللين في كتابتها اليابسة الكوفية مما أحدث طرازًا ونمطًا جديدًا في الخط العربي أطلق عليه اسم الخط الأندلسي، لقد كان للمسلمين فضل كبير في الأندلس في تطوير الكتابة، بالرغم من أن التاريخ يثبت أسبقية المغرب والقيروان للإسلام والعروبة، والفتوحات كانت من المغرب والمغاربة مع الفاتحين حملوا كتابتهم الأولى للأندلس، والتطورات التي حدثت في القيروان تأثر بها الأندلسيون من خلال روابط العلاقات الثقافية الوطيدة فيما بينهم، وكانت القيروان مركز عبور نحو الشرق ومنه، كما كان يقصدها من الأندلس
(يُتْبَعُ)
(/)
طلاب وعلماء للبحث والدراسة، إلا أن الحضارة التي عرفت باستقرار المسلمين في الأندلس جعلت التبعية في تطور الكتابة فيها لا للقيروان.
ونما الخط في الأندلس وتطور وقد وصلتنا نماذج تؤكد وتدل على ذلك، وتاريخها يعود للقرن الرابع الهجري ونحن نعلم أيضاً أن العلوم القرآنية في القرن الخامس قد بلغت مبلغًا عظيمًا من التقدم، فقد ترك أبو عمرو الداني - المتوفى سنة أربع وأربعين وأربعمائة هجرية - كتبًا قيمة عن نقط المصاحف وقراءاتها، يقول ابن خلدون: وأما أهل الاندلس فافترقوا في الأمصار عند تلاشي حكم العرب ومن خلفهم من البربر وتغلبت عليهم أمم نصرانية فانتشروا في عدوة المغرب وإفريقية من لدن الدولة اللمتونية إلى هذا العهد، وشاركوا أهل العمران بما لديهم من الصنائع وتعلقوا بأذيال الدولة فغلب خطهم على الخط الإفريقي وعفا عليه ونسي خط القيروان والمهدية بنسيان عوائدهما وصنائعهما، وصارت خطوط إفريقية كلها على الرسم الأندلسي بتونس وما إليها؛ لتوفر أهل الأندلس بها عند الجالية من شرق الأندلس.
ويقول أيضاً: وتميز مُلكُ الأندلس بالأمويين، فتميزوا بأحوالهم من الحضارة والصنائع والخطوط، فتميز صنف خطهم الأندلسي كما هو معروف الرسم لهذا العهد، لقد مال الخط الكوفي البديع القيرواني إلى الليونة في الأندلس وأصبح خط الأندلس هو القدوة للمغرب.
وفي مصحف ابن غطوس نشاهد التطورات التي جرت في أحضان المصحف في بلاد الأندلس فمن اليبوسة إلى الليونة، ومن القيرواني البديع إلى الأندلسي البهي الجميل، وابن غطوس من بلانسيا بالأندلس وخطاطها الشهير، كان وحيد عصره في كتابة المصاحف في الأندلس، فقد روي أنه كتب ألف مصحف وتعلم هذا الفن عن والده وأخيه الأكبر وعاهد الله ونفسه على ألا يكتب غير المصاحف، وكان يختلي في غرفته ولا يسمح لأحد بالدخول عليه، وقيل: إن مصحفه كان يباع بما يزيد على مائتي دينار، وقيل: إن رجلا جاءه من مكان قصي فاشترى منه مصحفًا فلما عاد إلى بلاده أدرك أن به بعض الأخطاء في الحركات فعاد إلى تلك المدينة البعيدة وطلب منه تصحيحها ولتكون بخطه.
وقد توفي ابن غطوس هذا سنة عشر وستمائة هجرية، وفي مصحفه المحفوظ بمكتبة جامعة استانبول قسم يالديز نشاهد سورة الفيل وسورة قريش إلى سورة الناس، وقد كتب بمداد بني فاتح على الرق، ووضعت إشارات الشد والجزم باللازاود وإشارات التشكيل الأخرى باللون الأحمر، وخصص اللون البرتقالي للهمزة وقام بتذهيبه وزخرفته وعلى الهامش علامات التخميس والتعشير.
كما نشاهد مصحفًا آخر في مكتبة سراي طوبقابي ونقرأ فيه من سورة مريم قوله تعالى: ? أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) ? [مريم: 94: 98]
لقد كتب هذا المصحف بالذهب المسور بالمداد الأسود وجاءت بعد كل آية دائرة محلاة كتبت داخلها كلمة آية، وجاءت علامة التخميس على شكل طرة وعلامات التأشير المستديرة وضعت بين الآيات في المكان المناسب، وفي الصفحات التي تضم تسعة أسطر جاءت علامات رؤوس السور والأجزاء والأحزاب في هامش المتن على شكل مرصعات محلاة.
وقد وضعت حروف ألف باللون الأحمر إشارة إلى المد خلافاً للرسم العثماني للمصفح ونشاهدها في السطور الخمسة الأولى وكتبت رؤوس السور باللون الأحمر، ثم سورت أطراف الحروف بالذهب، وأشير إلى الهمزات بنقط مستديرة خضراء فوق الحرف وحمراء تحته، أما الشدة وإشارة الجزم فهي باللون الأزرق بينما وضعت الحركات الأخرى باللون الأحمر.
ويوجد من هذا المصحف أوراق متفرقة وفي متاحف العالم بعض أوراق متفرقة منه. إن الأندلس بما طورته من كتابتها الأموية سبقت المشرق بقرون في استخدام الخط اللين بدل اليابس على صفحات القرآن العظيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
انبثق نور الإسلام من الجزيرة العربية فكان ثورة على الواقع الفاسد، رفع الظلم والاستغلال عن كاهل الإنسان وحث على طلب العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وانتشر دين الله وبسرعة في مناطق واسعة من العالم، ومصرت الأمصار وصارت المساجد الجامعة دورًا لحفظ القرآن العظيم، واختصت بعدها دور خاصة بذلك وازدادت العناية بخطوط ورسوم المصحف الشريف وتزيينه ولاحظنا من خلال الحلقات السابقة، مسيرة التطور واختراع الخطوط اليابسة واللينة وكان لاحتكاك العرب بغيرهم من الشعوب ودخول أمم جديدة في الدين الجديد أثر كبير على جمالية وقواعد الخط العربي ومن ذلك مصحف بالخط الكوفي البديع ومن القرن الخامس الهجري وهو بخط عثمان بن حسين الوارق الغزنوي والجديد في هذا المصحف أن تفسيرًا باللغة الفارسية وشرحًا للآيات جاء منتظمًا في سطور تحت الآية وبخط أصغر من الكلام الحق العزيز، ونقرأ في هذا المصحف من سورة مريم: ? أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) ? [مريم: 83: 85]، لقد كتبت الآيات بأحرف كبيرة وشكل مختلف ووضعت الحركات باللون الأحمر ووضعت الشدات والهمزات بالمداد الأخضر ووضعت النقاط مستديرة بقلم الذهب المسور باللون الأسود، ونرى كذلك بعض الحروف المهملة، وعلامة الميزان التي سبق وأشرنا إليها بأنها توضع فوق الرأي وفوق حرف السين نراها هنا وقد وضعت فوق حرف الدال أيضاً في نعد وعدًا ووفدًا.
ونذكر أن هذه العلامة كانت توضع فوق حرف الصاد أيضاً في القرن الرابع الهجري، كما نرى الأعداد وقد كتبت لغة داخل دوائر محلاة على الطريقة العشرية، وهذا نموذج فريد من المصاحف التي جاءتنا من هذه الفترة، كما نلاحظ الدوائر المرصعة التي تدل على التخميس والتعشير وقد وضعت على حاشية المصحف.
واستخدم الخطاط في هذا المصحف فواصل في نص التفسير بين الفقرات مستخدمًا نجمة محورة على شكل زهرة وهذا مما ليس موجودًا في مدونات القرن الخامس، لم ينقضِ القرن الخامس ولم تأفل شمسه بعد حتى كان الخط اللين قد حل بشرف مكان الحرف اليابس الكوفي، ولقد وصلتنا مصاحف جميلة الخط بهية الزخرفة من هذا الزمن، تدل على الذوق الرفيع الذي تحلى به الخطاط في عمله بالمصحف الشريف وكان ابن مقلة وابن البواب من قبل قرن من الزمان قد خطا بالنسخ القرآن العظيم.
وصلتنا من القرن السابع الهجري نسخة من المصحف بالخط الريحاني لياقوت المستعصمي، ويحتفظ بها متحف الآثار الإسلامية التركية وتمثل هذه النسخة الفريدة نموذجًا هاما للتطورات التي طرأت على توزيع وتنسيق الكتابة والخط في المصحف، فقد كتب بالخط الريحاني وعلى خمسة عشر سطرا لكل صحيفة وهذا من حسن التوزيع، إذ أصبح قاعدة لمن جاء من بعد لكتابة المصحف للحفاظ على نهج المستعصمين وتعد هذه النسخة تحفة فنية نادرة لما فيها من رونق التذهيب وجمال التجريد، وقد كتبت رؤوس السور بخط التوقيع الدقيق بمداد أبيض على أرضية مذهبة وشُعِّرتْ أطراف الكتابة بالمداد الأسود كما نرى علامات التخميس قد وضعت بعيدًا عن حيز الكتابة بدوائر وردية محلاة، ونقرأ في هذا المصحف في الصفحة الأولى سورة الفاتحة وثلاث آيات من سورة البقرة، وفي الصفحة الثانية وهي الأخيرة سورة الناس، ونشاهد حرف السين الذي سها عن كتابته ثم وضعه بعد التأطير في داخل الإطار وفي النهاية نقرأ، " وكتب ياقوت المستعصمي في سنة خمس وثمانين وستمائة بمدينة السلمي ببغداد حامدًا الله تعالى على نعمه ومصليًا على نبيه محمد وآله الطيبين الطاهرين ومسلماً ومن ذنوبه مستغفرًا".
(يُتْبَعُ)
(/)
ويعد ياقوت من الخطاطين المجودين الذين تركوا بصمتهم على تطور خط النسخ وقد توفي سنة ثمان وتسعين وستمائة هجرية، وتقول الروايات: إن ياقوت جمال الدين كان عبدًا مملوكًا للخليفة العباسي الأخير المستعصم بالله، نشأ في بلاطه وعرف بانتسابه له، وأتقن العربية والأدب وقرض الشعر، وقد عاش حياة فيها الرفاهية والرغد في ظل انتسابه للخليفة، واستطاع أن يستعيد منزلته بعد غزو المغول لبغداد سنة ست وخمسين وستمائة هجرية، وفي رواية: إن ياقوت لجأ إلى إحدى المآذن واختبأ بها عندما دخل هولاكو بغداد وأنه حتى في تلك الأيام الرهيبة لم ينقطع عن الكتابة.
وكانت الأقلام الستة قد بلغت شأوًا كبيراً من التطور قبله فجودها وحسنها ووصل بها إلى الوضع الأخير الذي كانت عليه قبل ظهور المدرسة العثمانية، واتخذ الخط المائل للقلم بدلاً من الخط المستوي فأضفى على خطوطه جمالاً آخر وقد أمضى حياته في بغداد حتى تحولت بفضل أعماله إلى مركز لفن الخط.
ومن المصاحف الجميلة التي وصلتنا من القرن الثامن مصحف تحتفظ به مكتبة سراي طوبقابي بخط أحمد بن السهروردي بقلم جلي المحقق، ومقاسه خمسون بخمس وثلاثون وقد كتبه للسلطان غازان محمود الخان سنة سبعين وستمائة هجرية ثم قام محمد بن أيبك بن عبد الله بتذهيب وزخرفة أجزائه جميعاً بأناقة حملت خصائص عصره، استخدم نبات زهر الرمان المحور ومراوح النخل وعسيبه وشكل الضفائر وخط رءوس السور بالخط الكوفي البديع المورق على أرضية زرقاء كامدة.
وسور آيات القرآن بتغييم زخرفي، وجعل في كل صفحة ثلاثة أسطر، ونقرأ فيه ? سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل للهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ? [البقرة: 142: 143]، إن أغلب الأجزاء من هذا المصحف وللأسف فقدت مع مرور الزمن والأجزاء المتبقية محفوظة منها ثلاثة في مكتبة سراي طبقابي وأربعة أخرى موزعة على إيران متحف بستان، وإيرلاندا مكتبة شيستر بيتي، وأميركا متحف المتروبوليتان وقد دام العمل في هذا المصحف سبع سنوات متواصلة حتى تم إنجازه، وأحمد بن يحيى السهروردي ولد في بغداد وكان يعرف بلقب ابن الشيخ وقد كتب في حياته ثلاثة وثلاثين مصحفًا وعددًا من خطوط الجلي على بعض عمائر بغداد لم يصل منها شيء، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة هجرية وكان هذا المصحف الذي شاهدناه آخر أعماله الفنية.
ومن المصاحف الجميلة التي كتبت بالخط الريحاني وصلنا من القرن الثامن الهجري مصحف بخط علي بن أبي سالم وقد أهدي لمكتبة الملك الناصر محمد الأول سنة أربع عشرة وسبعمائة هجرية، وكتب بمداد السناج، وكتبت رؤوس السور بخط التوقيع بمداد الذهب المسور بالمداد الأسود، وطريقة الكتابة فيه مخالفة لقواعد الكتابة التي عرفت زمن المماليك وهي طريقة ياقوت في كتابة المصحف على شكل جداول وأما التنسيق في تباعد الأسطر فقد أغفل تماماً ونلاحظ تقارب وتراصَّ الأسطر عكس ما هو معروف كما نرى على هوامش الصحيفة طررًا لعلامات التخميس ودوائر محلاة لعلامات التعشير وفصل فيما بين الآيات بدوائر وردية منتظمة متناسقة تشبه بعضها بعضُا، وقد ورد اسم المجلد والمزخرف وهو عبد الله الصفوي الحلبي وهذا المصحف نموذج هام نادر من المصاحف التي خطت وزخرفت في دمشق الشام، و نقرأ فيها من رأس الصفحة من آخر سورة المدثر: ? كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً (52) كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآَخِرَةَ (53) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَن
(يُتْبَعُ)
(/)
شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) ? [المدثر: 38: 56].
إن ما نراه في هذا المصحف مخالف لكل ما جاء من المصاحف التي كانت تكتب بالخط الكوفي وبالرسم العثماني، فقد خالف رسمه رسم المصحف بالرغم من أنه كُتبَ في القرن الثامن ولابد أن تعترضنا هنا مسألة هامة وهي أن مصحف ابن البواب جاء كذلك برسم مخالف ولكأن رسوم الخطوط اللينة لا توافق ما جاء في مصحف الإمام الذي كتب برسم إملائي وبخط يابس، لقد جاءت كلمة أصحاب في هذا المصحف بألف طويلة في السطر الأول بينما في مصحف الإمام لا وجود للألف وكذلك في الكلمات " جنات وأتانا وشفاعة والشافعين" ونلاحظ أيضاً الخلاف في الآيات ففي قوله تعالى: ? إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) ? [المدثر: 39: 41]، ثلاث آيات في مصحف الإمام ونراها هنا وقد دمجت في آية واحدة، إن الخلاف في الرسم الإملائي لم يكن له ضابط في العصر العباسي وما بعده ولم تكن رسوم المصحف في مشرق الأرض ومغربه لتلتزم بقواعد مصحف الإمام وهذا ما دعا الداني في محكمه لينوه عن ضرورة الالتزام برسم مصحف الإمام، وبقيت بلاد الأندلس والمغرب على تمسكها برسم الإمام حتى عصرنا الحاضر، بينما سعى أهل المشرق في منتصف القرن الماضي ليهذبوا مصاحفهم ويعيدوها إلى الكتبة الأولى، كتابة رسم زمن الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
ومن المصاحف الجميلة التي خطت في دمشق الشام مصحف تحتفظ به مكتبة جامعة استانبول، ويعود للقرن الثامن الهجري الموافق للرابع عشر الميلادي خطه وزخرفه عبد الله الأنصاري الذي يقول بأن نسبه يعود لأبي أيوب الأنصاري، ونرى من تنظيم الصحيفة أنه كتب سطرًا بخط المحقق بمداد أسود مسور بالذهب، ثم ثلاثة عشر سطرًا بالنسخ بمداد الذهب المسور بالحبر الأسود ثم سطرًا أخيرًا بالمحقق كما السطر الأول، أما علامات التشكيل فقد رسمت بالحبر الأحمر ولم يعتنِ جيدًا بتسوير الحروف ووضع في نهاية الحروف أشكالاً محلاة تشبه بعضها بعضًا.
أما علامات التخميس والتعشير فقد وضعها على هامش النص على شكل طرر ورصائع محلاة، وفي هاتين الصفحتين آيات من سورة الشعراء.
ومن المصاحف المملوكية الجميلة التي حفظ لنا الدهر بعضًا منها مصحف بخط علي بن محمد بن محمد بن زيد من أهل الموصل، وقد خُطَّ هذا المصحف بالذهب المسور بالمداد الأسود، ويحتفظ متحف الآثار التركية الإسلامية باستانبول بثمانية أجزاء منه، ويوجد أربعة أجزاء منه أيضاً في أماكن مختلفة من تركيا كما توجد بعض أوراق من الجزء السادس منه في إيرلاندا، والجزء الخامس والعشرون في انجلترا والثامن والعشرون في إيران والأجزاء الباقية مفقودة وقد شرع عليٌّ بكتابته بسرعة فائقة رغم العناء الذي كابده وهو يكتبه على خمسة أسطر فأتم الأجزاء الخمسة عشر الأولى في سنة واحدة، ثم توقف أربع سنوات وأعاد الكرة ليتم القرآن العظيم في سنة واحدة، وقد كُتبَ هذا المصحف لأمر السلطان الإلفاني أوليجاتو سنة ثمانين وستمائة هجرية ونلاحظ في جداول رؤوس السور أنها كتبت بخط التوقيع بمداد أبيض اللون، ثم سورت الكتابة مرتين بالذهب والمداد الأسود، ويوجد إلى جوار كل جدول رصيعة محلاة تدل على بداية السورة، أما الآية فقد فصلت بينها دوائر زخرفية بديعة كتبت في داخلها كلمة آية بينما تُركتْ أطراف الصحيفة بغير جدول ونلاحظ رموز علامة الميزان على حرف الراء، وإن نظرة إلى ما قام به من زخرفة على أرضية كتابة اسم السورة سنلاحظ العناية التامة في رسم الزخرفة المقتبسة المحورة من آيات القرآن العظيم، وإن التوريقات التي أخذت من نخيل وأعناب وزيتون ورمان لتدل دلالة واضحة بينة على خصب خيال الخطاط المسلم الذي اتخذ من القرآن وآياته إبداعًا جَمَّلَ به صفحات القرآن العظيم، واستخدامه على الإطار شكلاً مجرداً من نوى ثمرات النخيل وإعطاؤها لونًا أحمر يميل إلى اللون البني مما يوضح اتصال الخطاط المسلم بالألوان والأصباغ واستخدامها رموزًا تحدد هيكل ما يريد وما يبوح به، إنها سورة الرعد: ? المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ? [الرعد: 1].
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:32 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (18)
(يُتْبَعُ)
(/)
تطور الخط العربي في أحضان القرآن العظيم تطوراً مذهلاً سريعاً، وعني المسلمون به عناية فائقة، حتى أصبح تحفة فنية ثمينة.
وإذا ما أتيح للإنسان النظر والتأمل في مخطوط من مخطوطات المصحف، فإنه سيقف مجدوهاً لا يدري بأي شيء يعجب، ألجمال الخط ورشاقته، أم للدقة في رسم الزخارف المذهبة وروعتها، أم لتناسق الألوان واتساقها ونضارتها، أم لنقوش الغلاف الجلدي الذي حمل أساليب شتى من ضروب الفن!!
لقد كانت المصاحف الشريفة ميداناً لفن تجويد الخط وتنوعه، فقد كتبت المصاحف الأولى بالكوفي، بألوانه وأشكاله وتعدد أنماطه، حتى آذن فجر القرن الخامس الهجري بالمغيب، وتقدمت الخطوط اللينة، لتأخذ مكانها على صفحات المصحف من محقق وريحان، وتوقيع، ونسخ.
وبين أيدينا صفحة بخط نسخ بديع "ليحيى الصوفي" تعود لسنة 739 هجرية، يحتفظ بها متحف الآثار الإسلامية بتركيا، وهي إحدى صحيفتي الصدر في المصحف والتي اصطلح على تسميتها بـ"سار لوحة".
وداخل المصحف بدون تغييبه كتب على الطريقة ياقوت المستعصمي فجعل سطراً بالمحقق وأحد عشر سطراً ثم سطراً أخيراً بالمحقق، أما رؤوس السور فقد كتبت بخط التوقيع بمداد الذهب، كما كتبت أسماء السور وعدد آياتها بالخط الكوفي.
ومن المصاحف الجميلة التي وصلتنا من مدينة "هراه" مصحف بخط شمس الدين باسنقري، المتوفى سنة 850 ويحتفظ به متحف الآثار التركية الإسلامية، وفيه سورة الفاتحة وأول البقرة، وقد كتب المصحف بخط النسخ محاكاةً لياقوت المستعصمي، والمصحف هذا تحفة فنية رائعة نادرة في خطه وزخرفته على السواء.
وفرغ من كتابته في نفس العام الذي توفي به باسنقرى، ونلاحظ في صحيفتي صدر المصحف هاتين أنه كتب أسماء السور وعدد آياتها بالخط الكوفي، وزخرف نهاية الآيات بأشكال زخرفية رقيقة، بينما ملأ ما بين السطور بأشكال تشبه الغيوم، وبوحدات زخرفية نباتية.
وللمصحف ظهرية بديعة، والظهرية صحيفة أو أكثر تلي صحيفتي الصدر في المصاحف.
كما جاءتنا أوراق من مصحف جميل للغاية بخط المحقق والنسخ والثلث، وقد خطها على أسلوب ياقوت محمد بن سلطان شاه الهروي، سنة 890 في هراة، وتحتفظ به مكتبة سراي تبقابي ونقرأ فيه من أواخر سورة "يس" في رأس الصفحة:
? فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) أَوَ لَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) ? [يس: 75: 83].
إن جمال التنسيق والعناية البالغة في هذا المصحف جعلته من النوادر، بالإضافة إلى التنويع في أنماط الخط.
لقد ارتأى الخطاط الفنان أن يكتب السطر الأول بخط المحقق، ثم يكتب ستة أسطر بالنسخ، ثم سطراً بالثلث، ثم ستة أسطر بالنسخ، ثم سطراً بالمحقق، وآثر أن يكتب النسخ بالمداد الأسود، والمحقق والثلث بالذهب المسور بالأسود، ويدل هذا على ذوق رفيع وأناقة في توازن اللون على صفحات المصحف.
ثم انتقى اللون الأزرق والأسود ولون الزهر والأبيض للمرصعات والحليات والمسكاوات، التي حملت رموز التخميس والتعشير.
إن دقة التصوير للآيات التي كتبت بالذهب وتشغيرها يعطي الإنسان فكرة عن مقدار الصبر الذي تحلى به الخطاط بالإضافة إلى متانة اليد في رسم الخطوط، وملء الفراغات في الحروف باللون الأسود.
ونلاحظ أيضاً أنه ترك أربع مسافات على جوانب سطور النسخ مما أضفى على المصحف جمالاً وجاذبية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويتمم هذا الجمال والجاذبية ما نراه من زخارف لرءوس السور وعلامات التخميس والتعشير على جوانب المصحف، ونرى دوائر محلاة في نهاية الآيات يشبه بعضها بعضاً، وآثر أن يبتكرها من أسلوب الضفائر، ويمثل هذا المصحف طراز مدرسة هارات، الذي حافظ على بريقه في عصر حسين بيقرا سنة 875.
ولنفس الخطاط والمذهب مصحف آخر في مكتبة "جيستر بيتي" بدابلن بإيرلاندا.
ومن النماذج الجميلة والفريدة التي تعبر عن مدى تعلق الخط .. وأناقة إخراج المصحف الشريف ما صنعه حمزة الشرفي في القرن السابع الهجري حين ترك لنا أثراً فنياً مبهراً في كتابته للخط الكوفي.
ففي مكتبة سراي "طوبقابي" عشر ورقات من مصحف شريف لنموذج بديع للخط الكوفي المزخرف.
ونلاحظ فيه امتداد الأحرف والتزيينات لوحدات زخرفية هي من أهم العناصر في أسلوب التذهيب الإسلامي.
ونرى أيضاً التشغير بمداد السناج الأسود بالذهب، وكتابة علامات التشكيل باللون الأحمر مما أعطى الكتابة شكلاً جذاباً، ولقد حاكى فيه الخطاط أساليب المماليك في الكتابة الكوفية، كما حفظ جلد المصحف باللاك على أسلوب بلاد ما وراء النهر.
ومما يبهر في هذه الأوراق باللاك، دون أن يمس سطح الورقة بعد تشعيره بالذهب.
ويعني هذا أن الخطاط حمزة الشرفي قام بكتابة الخطوط أكثر من مرة، ويعد هذا نادرة من النوادر.
وغطى جلد المصحف أيضاً بفتات الصدف، وتعد هذه الأوراق تحفة رائعة في فن الخط والزخرفة، وفي ختام الصفحات كتب الخطاط منوهاً إلى أن هذه الصفحات مقدمة إلى السلطان قنصوا القوري، ونقرأ في هذه الصفحة:
? ... (10) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) ? [الفتح: 10: 12].
خط المصحف الشريف كما لاحظنا بالخط الكوفي في القرون الخوالي، ثم تشرف الخط اللين ليحتل المكانة الرفيعة في كتابة المصحف، وكان السبق لخط النسخ والمحقق، ثم كان للثلث والريحان مجال، إلا أن خط التعليق الذي تطور في بلاد فارس وأصبح له الشأن الأكبر لم تكتب به المصاحف ولم يتقدم خطاطو الفرس بنماذج من المصاحف بخط التعليق أو كما يسمى في بلاد ما وراء النهر بالنستعليق.
وفي مكتبة سراي طبقابي باسطنبول مصحف بالتعليق للشاة محمود نيسابوري من تبريز.
ونقرأ سورة الشرح وسورة التين، وسورة العلق، وفيها:
? اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَن رَّآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى (14) ? [العلق: 1: 14].
يعتبر هذا المصحف من أجمل المصاحف التي كتبت بخط التعليق، ومن المعروف أن هذا النمط من الخط لا يقبل التشكيل ولا العلامات؛ لأن أي إضافة عليه تفسد جماله وتناغمه، وبالرغم من ذلك فإن الخطاط هنا آثر أن يستعمل الرموز والشكل فجاءت الكتابة بهية الرونق جميلة الشكل رائعة المظهر، لقد كتب الشاه محمود هذا المصحف بطلب من شاه محمود بهادر خان، والذي قدمه بالتالي هدية للسلطان العثماني مراد الثالث.
وقد وقع الفراغ من كتابته في يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر المحرم، سنة 945 هجرية، والتي توافق سنة 1538 ميلادية.
وقام على تذهيبه أشهر المذهبين والنقاشين في ذلك العصر، وعلى رأسهم، المذهب والنقاش الشهير حسن البغدادي.
ويمثل جلد المصحف هذا نموذجاً بديعاً من التجليد في القرن العاشر الهجري.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد عرف شاه محمود بلقب زري القلم، أي صاحب القلم الذهبي، ولد في نيسابور، وتعلم قلم التعليق، وأخذه عن خاله عبدي نيسابوري، ثم عن الخطاط الشهير سلطان علي المشهدي، ويقال إن الشاه إسماعيل الصفوي كان يحبه ويجله، فلما وقعت الحرب بين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول وبين الصفويين بقيادة الشاه إسماعيل وخشي الشاه أن يفر محمود إلى جانب العثمانيين نظراً لأنه كان سنياً أخفاه مع الرسام بهزاد في إحدى المغارات.
وكان الشاه محمود يعمل خطاطاً في خزانة الكتب طه ماسيبر ابن الشاه إسماعيل.
ثم قضى بعد ذلك عشرين عاماً من حياته في مشد، عمل خلالها بالتدريس وقدم وهو في الثامنة والثمانين من عمره أعمالاً جميلةً لا تنسى، وقرض الشعر، وكان نابغةً عبقريةً قلّ نظيرها.
ومن النماذج الفريدة التي وصلتنا من خط المحقق، نسخة قرآن كريم تحتفظ بها مكتبة جامعة إسطنبول، وهي من أجمل النماذج في إتقان خط المحقق، وقد شرع في إنجازه عبد الله القرمي نسبة إلى بلاد القرم، ولكن العمر لم يسعفه فتولى تلميذه عمل ما تبقى.
عرف عبد الله بلقب التتري أو القرمي، نسبة إلى بلاد القرم التي نوح منها، وقد أخذ الأقلام الستة عن أستاذه درويش محمد بن مصطفى ددا.
فأتقنها وأجادها، وأصبح واحداً من الخطاطين البارزين، ونقرأ في هذه الوثيقة من أول سورة الأنعام:
? الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) ? [الأنعام: 1: 3].
إن ما نلاحظه في هذه الوثيقة هو العناية الفائقة بخط المحقق وترك توزيع الآيات وتنسيقها فلم يفصل بين الآيات، وإنما جاءت ملتفة مع بعضها دون توقف، وهذه من طبيعة نمط الخط الذي يكتب به.
ومن الغرائب أن هذا الخطاط شعر بدنو أجله فأعد قبره بنفسه، وكتب شاهدة قبره بخطه وأرخ سنة الوفاة فوضع على الشاهدة رقمي 9 متجاورين، وترك مكاناً فارغاً بينهما وقال: إن تلميذاً هو الذي سيضع التسعة الأخيرة.
وبالفعل كانت سنة وفاته سنة 999 هجرية، ولا تزال شاهدة قبره محفوظة في متحف الآثار الإسلامية التركية باسطنبول.
وفي مكتبة سراي طبغابي مصحف خط بالثلث والنسخ، ولم يبقى منه سوى تسع وسبعين ورقة وقد خطه أحمد قره حصاري المتوفى سنة 963 هجرية، والتي توافق سنة 1556 ميلادية.
ونشاهد في هذه الصفحة والوثيقة جمال خط الثلث المكتوب بالذهب المصور بالمداد الأسود، وفي الحروف تطور عما كنا نراه من قبل في الثلث والنسخ، بالإضافة إلى التفاف الكلمات وتوازنها والكتابة على طريقة التركيب.
وآثر الخطاط أن يفتتح الصفحة بالثلث لا بالكوفي، ولا المحقق، ثم أرسل قلمه إلى النسخ الواضح على طريقة ياقوت، وتجاوز عما كان عليه السلف في الكتابة والتوزيع، فقد كانوا من قبل يخشون أن تختلط أسماء السور بالكتابة، ويلجئون إلى تغيير نمط الخط حتى في المصاحف التي كتبت بالخطوط اللينة، فقد يأتي اسم السورة بالكوفي أو بالتوقية أو بأي نوع مخالف للنص.
ولكن القرة حصاري هنا كتب بذات الأسلوب الذي خطت فيه الآيات، فكلمة "سورة الفاتحة" وهي سبع آيات، وسورة الأنعام 165 آية هي من ذات السطر الأخير في الصفحة.
كما استخدم رموز التشكيل طريقة الخليل ولم يلتزم بإملاء وإشارات ورموز مصحف الإمام.
وفي المتحف الوطني بدمشق مصحف آخر لأحمد قرة حصاري كتب على ذات الطريقة والأسلوب.
مرت على تدوين القرآن العظيم قرون، وكان أن خطت حروفه الأولى على سعف النخل، والعظام والحجارة، والأقتاب والرقع وورق البردي، وكان الورق الذي تعلم العرب صناعته العامل الأكبر في انتشار العلوم والفنون وتدوين القرآن، وتسابق الخطاطون ليطوروا ويحسنوا ويجملوا شئون الكتابة، والقرآن العظيم غايتهم وكلام الله -عز وجل- دافعهم إلى الرفعة وبلوغ المرام.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتدرجت المصاحف عبر التاريخ في حلل شتى، وعني المسلمون بأنواع وأنماط الخطوط المختلفة من أجل قرآنهم العظيم عناية ما بعدها عناية، وكتبوه على صفائح الذهب والفضة، وعلى صفائح العاج، وطرزوا آيات القرآن العظيم بالذهب والفضة على الحرير والديباج، وزينوا بها محافلهم ومنازلهم ونقشوها على الجدران في المساجد والمكاتب والمجالس، ورسموه بكل الخطوط وأجملها على كل أصناف الرقوق والكواكد بالأدراج والكراريس والرقاع بأصناف المداد وألوانها.
وملئوا بين الآيات بالذهب، وكان الخلفاء والأمراء والسلاطين يتبركون بكتابة المصحف بأيديهم، ويحفظونها في المساجد أو نحوها.
وهكذا تحول المصحف الشريف من دستور حياة ومنهج عمل إلى وسيلة تزين بها الأماكن، ويتفاخر الناس به، بكتابته بالذهب والفضة، ونحن نعلم أن القرآن لم ينزل لهذا الأمر، ولقد عرضنا في الحلقات الأولى تاريخ ورحلة القرآن العظيم منذ أن دون في عصر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم في عصر الخلفاء الراشدين عصر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ثم زمن الأمويين والعباسيين، وفي الدولة الحمدانية والفاطمية والزنكية والأيوبية والمملوكية، وفي الصين والهند والتركستان وإفريقية والمغرب وبلاد الشام وفارس، وفي أسيا الوسطى، واعتنت هذه الشعوب التي دخلت بوتقة الإسلام بكتابها العظيم، وكل يريد أن ينال السبق والشرف في تعلمه وتجويده، وتجميل صفحاته وخطوطه.
قال -عليه الصلاة والسلام-: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
وصل القرآن بهذه الصورة البهية إلى العصر المملوكي، واشتغل المماليك بخطه ونقشه وزخرفته فبلغوا درجات الجمال وارتقوا سلم الكمال.
ولم يكن الصفويون في بلاد فارس بأقل منهم درجة وما إن سيطر العثمانيون السلاجقة الأتراك على البلاد وأنشئوها خلافة إسلامية حتى كان سلاطينهم وخلفاؤهم من أوائل من تذوقوا ورعوا كتابة المصاحف حتى نبغ فيهم أفاضل الخطاطين في كتابة القرآن العظيم.
ونحن نعلم أن الدولة العثمانية تأسست سنة 699 هجرية والتي توافق سنة 1341 ميلادية، وكانت متصلة بدولة سلاحقة الروم، ومنها أخذوا استقلالهم وثقافتهم، وتعلموا الخط على أيديهم ثم عن الفرس والعرب.
ولما فتحوا المدن مثل بروسا وأدرنه تقدموا في الثقافة والفن، ثم فتحوا القسطنطينية في سنة 857 هجرية، والتي توافق سنة 1453.
ويعد هذا التاريخ بداية تقدم خطوطهم في المصاحف، وما إن فتحت بلاد الشام في سنة 922 هجرية والموافقة لسنة 1517 ميلادية أيام السلطان سليم ياووز ثم مصر وبغداد، حتى حمل السلطان كنوزاً رائعة من المصاحف إلى عاصمته إسطنبول لتصبح موئل الفن في كتابة القرآن العظيم.
وبظهور حنظلة بن الشيخ سنة 833 هجرية الموافق لسنة 1429 ميلادية يصبح خط النسخ في المصاحف المتفرد الوحيد، وليتحول على يديه إلى تسميته خط المصحف.
إن حنظلة هو ابن مصطفى دداه، أحد أتراك بخارى الذين هاجروا إلى بلدة أناسيا في آسيا الصغرى، فقد اضطلع حنظلة على خطوط المستعصمي والصيرفي وأصبح نابغة في النسخ.
وحين كان السلطان بايزيد بن محمد الفاتح والياً على أماسيا تعرف على حنظلة وأخذ الخط على يديه، ولما صار سلطاناً بعد وفات أبيه ضمه إلى بلاطه في اسطنبول.
وكان السلطان بايزيد يجله إجلالاً كبيراً، ويمسك له الدواة وهو يكتب، ويجلسه في صدر المجلس ويقول: إن يداً تخط القرآن الكريم لابد أن نجلها ونحترمها ونعظمها، وتحتفظ مكتبة جامعة اسطنبول قسم يلدز بنسخة من مصحف جميل بخط النسخ، خطه على طريقته الخاصة، وعلى أحد عشر سطراً وهو واحد من سبعة وأربعين مصحفاً حطها الشيخ.
ونرى في الصفحتين الأخيرتين من مصحفه هذا آخر سورة المسد والإخلاص والفلق والناس.
ثم قيد الفراغ من كتابته، وقد نقش المصحف وزخرف على الطريقة التقليدية الرومية، ويظهر الأسلوب العثماني التقليدي فيه، والذي بدأ منذ هذا العهد من كتابة حنظلة.
كما نلاحظ أسلوبه في كتابة القرآن العظيم عند ابنه مصطفى ددا، الذي تعلم على يديه أيضاً في نسخة تحتفظ بها مكتبة جامعة اسطنبول، وهذه النسخة فريدة كتبها على أحد عشر سطراً مقلداً أباه في التنسيق والتحسين، ونلاحظ ذلك في هاتين الصفحتين.
(يُتْبَعُ)
(/)
? يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ? [الطلاق: 1، 2].
لقد حالت وفاة الشيخ حنظلة سنة 926 بينه وبين تعلم طريقته في الكتابة، فآثر أن يذهب إلى مصر ودرس نماذج وأسلوب خط والده في القاهرة، وحج إلى مكة المكرمة، وعاد إلى أسكودار في الطرف الأسيوي من اسطنبول، وتوفي وهو في قمة عطائه الفني ولم يترك سوى هذه النسخة الفريدة من القرآن العظيم.
ومن المصاحف التي خطت بقلم نسخي بديع مصحف "لشكر الله خليفة"، سنة 899 هجرية، والغريب وغير المألوف في المصحف هذا أنه خط أسماء السور وعناوينها بقلم التوقيع، وخصص لها مساحة كبيرة لم تكن من قبل في المصاحف، ونشاهد سورة العلق والقدر والبينة.
ونقرأ سورة القدر خمس آيات:
? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ? [سورة القدر].
لقد تحدثت المصادر عن براعة شكر الله خليفة في أستاذيته لقلم نسخ المصاحف، وهاتان الصحيفتان من مصحفه النادر الذي وصلنا عنه.
وسبب إطلاق اسم خليفة عليه إنما جاء من أنه كان من أبرز رواد مدرسة الشيخ حنظلة وخليفته في هذا الفن، ونلاحظ أيضاً أن رؤوس السور قد خطت بخط التوقيع وبمداد الذهب المصور، وعلى أرضية وردية، وهو أحد النماذج الفريدة في فن الخط والزخرفة العثمانية.
ونلاحظ على جوانبه ووروداً محلاةً استخدمت كعلامات لمواضع الأجزاء والأحزاب والسجود، وقد تمت زخرفتها بأشكال مختلفة جميلة.
أما إشارات التخميس والتعشير فلا وجود لها في هذا المصحف الشريف، وشكر الله من أناسيا بلدة الشيخ حنظلة أجاد الأقلام الستة على يديه وكتب هذا النموذج الفريد من القرآن العظيم، وكان يقوم على خدمة أستاذه وشيخه وتزوج من ابنته، ونهج على منهجه في أسلوب الكتابة وأسس لمدرسة تقوم على أسلوب حنظلة سار عليها ابنه وحفيده.
وفي متحف سراي طورقابي مصحف لأحمد حفيد شكر الله خليفة.
ونشاهد في هاتين الصفحتين من خط النسخ سورة الضحى والإنشراح والتين والعلق.
قدمها على طريقة آبائه في النسخ ولم يطور فيها شيئًا، إلا أننا نلاحظ ونشاهد في هذه النسخة رقة الزخارف التي أحاطت برؤوس السور وعلامات التعشير المحلاة على جانبيه.
وهي من أجمل ما جاءنا من هذا الزمن المبكر في أسلوب الزخارف العثمانية.
ومن عباقرة فن كتابة المصاحف الذين أصلوا نسخه وشذبوا وهذبوا في حروفه الجميلة في الدولة العثمانية: الحافظ عثمان.
وتحتفظ مكتبة جامعة اسطنبول بنسخة فريدة رائعة بديعة، نشاهد فيها أسلوبه المتميز الذي تفرد به عن سائر من كتب القرآن العظيم.
لقد ورد الحافظ عثمان في اسطنبول وألف 1052 هجرية والتي توافق سنة 1642 ميلادية، وحفظ القرآن وهو طفل صغير، فأطلق عليه لقب الحافظ وتعلم الأقلام الستة على يدي درويش علي، ثم نهج على أسلوب حنظلة الأناسي على يدي سيغول جيزادا ونفى الزاده ونال الإجازة منهما، ولم يك ليتم الثامنة عشرة من عمره.
وابتداءً من سنة 1090 تخلى الحافظ عثمان على كل أساليب من سبقه، وشرع يكتب المصاحف بطريقته الخاصة، وترك لنا خمساً وعشرين مصحفاً متميزاً على طريقته، منها هذه النسخة التي يحتفظ بها متحف طبقابي باسطنبول.
إن المصاحف التي طبعت في القرن العشرين في الأمصار العربية وبخاصة في دمشق الشام ولبنان ومصر في القرن الماضي هي بخط الحافظ عثمان، كانت السبب في ذيوع شهرته في الأمصار هذه وأصبح الناس والحفاظ لا يقتنون إلا مصحف الحافظ عثمان؛ لجمال خطه وجلال أسلوبه في تنسيق القرآن العظيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد عاش الحافظ عثمان ألمع مراحله الفنية في الفترة الواقعة بين أعوام 1009 هجرية و1110 هجرية.
وفي هذه الفترة الزمنية خط لنا أكثر من أربعين مصحفاً.
توفي الحافظ عثمان سنة 1110 في اسطنبول.
ومن الذين أجادوا في نسخ المصاحف من الأتراك العثمانيين: الخطاط إسماعيل زهدي.
وتحتفظ مكتبة سراي طوبقابي بنسخة جميلة من مصحف بخط نسخي بهيج.
وهذه النسخة من القرآن العظيم نموذج رائع على تطور خط النسخ بعد الحافظ عثمان، وتعود لسنة 1218 هجرية.
وقد أعطى الزهري في كتابتها قلمه حقه كاملاً في الدقة والغلظة، وهذا ما يمكن أن ندركه في استرسال الحروف، كما نلاحظ في هذا المصحف أن الأجزاء والإشارة إليها قد كتبت في رأس الصفحة، وليس على الجوانب.
ونشاهد ونقرأ من الجزء الرابع من سورة آل عمران:
? لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) ? [آل عمران: 92: 94]، وهكذا إلى نهاية الآيات.
إن آلاف المصاحف التي خطها خطاطو الدولة العثمانية بخط النسخ رسخت قواعد هذا الخط وجعلته مع العادة والمران خط القراءة السهل الذي يقبل شكل جميع الحركات، من فتحة وضمة وكسرة وتنوين وغير ذلك من شئون قواعد التجويد في الابتداء والوقف.
واكتمل النسخ على يد الحافظ عثمان وتطور على يد إسماعيل زهدي وأخيه راقم، ثم اتخذت قواعده في الكتب العادية ليكون الخط الأرفع الذي تكتب وتدار به شئون الدولة والعلم.
لقد ولد خط النسخ مع رسائل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتطور في أحضان القرآن العظيم منذ زمن بني العباس وأشرقت ألفاته على صفحاته القرآن العظيم زمن الأيوبيين في بلاد الشام ومصر، وتفرد وأصحب الآسر زمن العثمانيين ورافق كتابة المصحف العظيم.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:37 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (19)
منذ أن نسخ القرآن العظيم على الرق، وعلى الورق كانت الحاجة إلى التغليف حفظاً لصفحات القرآن العظيم من التلف والضياع، واختلاط الصفحات مع بعضها.
والتجليد هو أسبق الفنون التي ولدت في أحضان القرآن العظيم وأولها ظهوراً، وقد مر معنا من قبل أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- هو أول من جمع القرآن العظيم وربطه بخيط.
ومعنى هذا أن بذور الصناعة التجليد العربية وجدت منذ عهد أبي بكر -رضي الله عنه- وأن المصحف أو القرآن العظيم هو أول كتاب عربي مخطوط جلد بما تعنيه هذه الكلمة.
والتجليد مشتق من الجلد، ولم تكن الجلود قد استعملت في التغليف بعد، ولذلك عنينا بما تعنيه هذه الكلمة بمفهومها الواسع.
وكان التجليد أو طريقة الحفظ من قبل هي أن يوضع المخطوط بين لوحين من الخشب مثقوبين في مكانين متباعدين من ناحية القاعدة، ويمر بكل ثقب منهما خليط من ليف النخيل، وتثقب الأوراق وتعقد، وقد أخذ العرب هذه الطريقة البدائية عن الأحباش، وما زالت بعض المكتبات تحتفظ لنا بمخطوطات عربية وحبشية قديمة مجلدة بنفس الطريقة.
يقول القلقشندي في صبح الأعشى: وسمي المصحف مصحفاً لجمعه الصحف، والسبب في انفراد المصحف بهذا الشكل هو أن القرآن العظيم كان أول نص عربي قديم طويل يكتب، فلم تكن الكتابات قبل القرآن وحتى بعد نزوله بقرن أو أكثر سوى تآليف صغيرة على شكل رسائل يسهل طيها على هيئة لفافة أو درج.
والقرآن العظيم يحتاج في كتابته إلى عدد ضخم من اللفائف والدروج، خاصة كما شاهدنا في مصاحف القرون الأولى الكلمات وهي تكتب متباعدة وبحروف كبيرة، ففي الصفحات الواحدة لا تتجاوز الكلمات عن العشر، ولم تكن تجزئة القرآن العظيم مأمونة العواقب، فقد تختلط اللفائف، ويضطرب النص القرآني، ولذلك كان ظهور التجليد ضرورةً لحفظ نص القرآن العظيم.
ثم عممت الدفاتر بعد ذلك في سائر الكتابات التي تعالج شئون الحياة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الحبشة أتيح للعرب والمسلمين الذين هاجروا إليها من أن يطلعوا على كتب في شكل دفاتر وكراريس، فلم يكن غريباً أن يطوروا ويحسنوا في تجليد كتابهم الأقدس القرآن العظيم.
لقد نسخ المصحف زمن الخلفاء الراشدين وبقيت الدروج تستعمل في شكل دفاتر وكراريس في التآليف الصغيرة حتى زمن العباسيين، وحتى منتصف القرن الهجري الثاني، وليس للعرب من كتاب إلا القرآن العظيم.
لقد خرجت نسخ المصحف الشريف من المدينة المنورة إلى الأمصار، وكل واحدة منها بين لوحين بسيطين من الخشب لا فن فيهما ولا حلية ولا زخرفة، ثم لم يلبث العرب أن وجدوا عند أقباط مصر رقياً وازدهاراً في هذا الفن، فلم يجدوا بأساً في أن يقتبسوا من فنهم بعد أن دخلت مصر تحت راية الإسلام.
وكان أهل مصر يستعملون البردي كخامة جيدة للتجليد، وتغليف المصاحف الصغيرة منها والمتوسطة.
أما المصاحف كبيرة الحجم التي تنسخ للمساجد فلا مجال لاستخدام البردي لها.
منذ أواخر القرن الهجري الثاني على وجه التقريب، بدأ الجلد يدخل في صناعة التجليد العربية على استحياء، فاستعملت منه شرائط في لصق الكعبين، ثم كانت مرحلة التوسع والتفنن والزخرفة بحيث اكتسب قيمةً جمالية.
إن صناعة التجليد وجدت في بلاد العرب تربة خصبة تمدها بأسباب النمو والازدهار، ومع كثرة النساخ للقرآن العظيم، وكثرة النسخ تقدمت صناعة التجليد تقدماً مذهلاً.
يقول المقدسي في أحسن التقاسيم: وكذلك كانت الأدم تجلب من اليمن في عصر الجاحظ وقبل عصره، وكانت اليمن معدن العصائب والعقيق والأُدم والرقيق، واشتهرت مدن زبيد وصعدة بدباغة الجلود منذ العصر الجاهلي، وكانت الطائف بلد الدباغ، وامتازت عدن بجلود النمور التي كانت تجلب من إفريقية.
لقد استطاع المسلمون أن يتفوقوا على ما صنعه المسيحيون والمانوية والزردشتية في هذا المضمار.
وفي العراق وبلاد الشام ودمشق خاصةً وبلاد الأندلس كان الاهتمام بتجليد القرآن العظيم والكتب بالغاً وعظيماً، وقد حض أمراء المسلمين وسلاطينهم على ذلك، ودفعوا الجوائز والمكافئات للنسخ الجميلة بسخاء منقطع النظير، وإذ لم يبقى من تجليدات القرون الأولى للهجرة شيء ذا بال، إلا أنه من غير المعقول كما يقول جروهمن أن تزدان صفحات المصاحف الأولى والفواصل بين السور والآيات ومواضع السجدات بالزخارف الملونة، في حين تبقى جلودها عارية من الحلي والزخارف.
وبين أيدينا مصادر ونماذج ونصوص وأخبار تدل على أن التجليد العربي كان قد وصل إلى درجة عالية من التقدم والرقي على مشارف القرن الرابع الهجري، وفي المصاحف جميعاً.
فالخطيب البغدادي يذكر أن المصاحف كانت مبطنة بالحرير والديباج، مجلدة بالأديم الجيد ويحدثنا المقدسي أنه حين رحل إلى اليمن في القرن الرابع وجد الناس هناك يلسقون الدروج ويبطنون الدفاتر بالنشاة.
أما هو فكان قد تعلم الصنعة على يد أهل الشام، الذين كانوا يستعملون الأشراس بدل النشاة، والذين كانت صنعتهم أدق وأرقى، بدليل ما يذكره من أن أمير عدن بعث إليه مصحفاً يجلده له، وأن أهل اليمن كان يعجبهم التجليد الحسن، ويبذلون فيه الأجرة الوافرة، حتى لقد كان يعطى على تجليد المصحف الواحد ديناران.
وهكذا كان لأهل الشام طريقتهم في التجليد، ولأهل اليمن طريقتهم، ولا شك أن كل إقليم كانت له طريقته الخاصة في فن التجليد، ونستطيع أن ندرك جيداً إلى أي حد من الرقي وصل فن التجليد الإسلامي في المصاحف في تلك الفترة المبكرة إذا رجعنا إلى جلدتين من جلود المصاحف محفوظتين في مكتبة "ألبرتين" بفينا ضمن مجموعة الأرشدوق "رينر".
وهما من القرن الرابع الهجري، غنيتان بالزخرفة النباتية والهندسة الدقيقة، وتدلان على ما وصل إليه المسلمون من إتقان الصنعة منقطعة النظير.
إن الشرائط الزخارف النباتية كانت تشكل إطاراً لا غنى عنه في زخرفة جلود المصاحف، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا إنها كانت أساس جماليات المصحف.
وإنما يعرف بلسان المصحف الذي وجد ليقي المصحف من التمزق والبلى كان من صنع أهل الشام، وأصبح خاصة من خصائص التجليد في القرن الثالث الهجري.
وبدراسة الزخارف الموجودة على بطانات جلود المصاحف التي يمكن إرجاعها إلى القرنين الرابع والخامس نلاحظ أن بعض الأشكال كان يتكرر بحيث يملأ المساحة كلها.
(يُتْبَعُ)
(/)
لم يقنع المجلدون المسلمون برسم الزخارف والأشكال الهندسية والنباتية على الوجوه الداخلية للمصاحف، وإنما استعملوا طريقة أخرى تقوم على تخطيط المساحة أولاً، ثم عمل الزخارف على أوراق منفصلة، وقصها ولصق كل جزء منها في مكانه من الوجه الداخلي.
ولم يكد القرن الرابع الهجري يصل مداه حتى كانت صناعة التجليد قد بلغت من التقدم مبلغاً عظيماً وزخرفت الأغلفة من الخارج ومن الداخل وما زال العرب والمسلمون يتفنون ويبتكرون حتى وصلوا إلى درجة عالية من الأصالة الفنية.
وانتقلت صناعة التجليد إلى أوروبا في العصور الوسطى، فاقتدى المجلدون الأوروبيون بالمسلمين وجعلوهم النموذج الأعلى فمضوا يقلدون حيناً ويقتبسون حيناً آخر.
وكانت إيطاليا أول الدول الغربية التي تجاوبت مع التيار العربي الإسلامي بحكم العلاقات التجارية بينها وبين الشرق، وبحكم مجاورة بلاد الأندلس وبحكم الطبيعة الفنية التي كانت غالبةً عليها، ومن أجل هذا ظهرت مسحة شرقية على كتب القرن الخامس عشر للميلاد التي تم تصنيعها في البندقية.
وصلت الأغلفة التي حوت كلمات القرآن العظيم أوجها في العصر المملوكي، وعرف المجلدون في هذا العصر طرقاً مبتكرة في الرسوم الناثرة والغائرة على الجلد، حتى بدا غلاف المصحف لوحة فنية يعجز اللسان عن وصفها.
ولقد ورث العثمانيون فن التجليد عن الفرس، لا عن المماليك بعد القضاء على دولتهم.
يقول الدكتور زاره: إن العثمانيين تتلمذوا في فن التجليد على الإيرانيين الذين قدموا واستقدموا إلى اسطنبول وأدرنة، والواقع أن فن التجليد العثماني قام على أكتاف المجلدين الإيرانيين والشاميين، وفن التجليد العثماني ما هو إلا استمرار لما كان عليه في الأمم الإسلامية السابقة، فاستعمل العثمانيون صفائح الذهب أو الفضة في كسوة الأغلفة الثمينة، كما زينوا هذه الأغلفة بالأحجار الكريمة، وكانت هذه النسخ عادةً والمصاحف للسلاطين.
وفي متحف طوبقابي سراي مجموعة من أغلفة المصاحف تمثل النمط العثماني في التجليد الذي أخذوه عن بلاد الشام ومصر، واستخدم فنانو بني عثمان شرائح الجلد في كسوة الأغلفة الورقية، وزينوا وزخرفوا الشرائح الجلدية بالضغط، والختم أو التنقيب.
كما استخدموا طريقة القطع، ومن الطرق التي ورثها العثمانيون عن زملائهم المسلمين في هراة وبلاد ما وراء النهر هي طريقة القالب وطريقة الورق المضغوط المدهون باللك.
وتختلف الشرائح الجلدية المستعملة في تغليف الكتب والمصاحف في ألوانها، فبعضها يكون لونها أحمر قالم، أو أحمر قاتم، وبعضها يكون لونها أصفر في لون الحمص المقشور، وبعهضا يكون زيتونياً، ويعتبر استعمال هذه الألوان الثلاثة بمثابة تقدم في صناعة التجليد العثماني وتطور عما كانت عليه الكتب سابقاً.
إن تطور العثمانيين بفن التجليد لم يقف عند حد الإكثار من الألوان بل لقد ابتكروا طريقة جديدة استبدلوا فيها الجلد بالحرير وبالمخمل المطرز بالألوان المختلفة، فقد يستعمل في التطريز خيوط الذهب، وفي هذه الحالة يطلق على الغلاف في التركية كلمة "فردوز".
أما الزخارف التي تستعمل في التطريز سواء بخيوط الحرير أو الذهب فكانت آية من آيات الجمال الفني.
وأقدم جلود المصاحف العثمانية التي وصلت إليها واحدة محفوظة في متحف "طوبقابي" بسراي، وهي غلاف مصحف السلطان محمد الفاتح، وهي غير كاملة، ولم يبقى إلا جزء واحد، والغلاف مكسو بشريحة من الجلد تزدان بزخارف بسيطة تتوسطها سرة مستديرة، مكونة من أقواس متصلة ومملوءة بالزخارف النباتية، ويتصل بهذا الجزء رابط يتصل بدوره باللسان، واللسان امتداد لأحد الجزئيين الرئيسيين للغلاف في الاتجاه الأفقي، وزين بزخارف بسيطة.
ومن خصائص الفن الإسلامي الإكثار من الزخرفة والهروب من الفراغ، وفي عهد السلطان سليمان القانوني اشتهرت بفن التجليد أسرة كانت تعيش في اسطنبول منها: محمود شلبي، وسليمان ومصطفى، ومن خلال التجارب والمقارنة بينهم وبين الفرس نلاحظ أن أعمالهم تفوق أعمال الرسول -صلى الله عليه وسلم- جمالاً ومتانةً وحسن صنعة.
ومن عصر السلطان محمد الثالث أي أوائل القرن السابع عشر وصلت إلينا مخطوطة من مصحف جميل ومما يلفت النظر أن السرة الوسطى مملوءة بالزخارف النباتية التي تبدوا فيها الزهرة الصينية "بوني بال ميت".
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الزوايا الأربع لمتن الغلاف نرى الزخرفة الشبيهة بالسرة، وأما الربط فقط قسم الصفحة إلى أربعة أقسام متساوية، وفي أجزاءها وأطرافها الأربعة زخارف وأزهار جمالية من نبتة التوليب.
لم يكن محمد بن عبد الله أول نبي خاطب الناس باسم الوحي وأخبرهم بحديث السماء، وإنما كان من قبله أخيار اصطفاهم الله منذ نوح ليبلغوا رسالته، ويزرعوا الخير في الأرض وكان الوحي متماثلاً عند جميع الأنبياء فالمصدر والغاية واحدة، قال تعالى في سورة النساء:
? إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164) ? [النساء: 163، 164].
إن ما صرحت به الآية من أسماء أشهر أنبياء بني إسرائيل كان بسبب شهرتهم بين أهل الكتاب المجاورين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحجاز، ولذلك حرص القرآن العظيم على تسمية ما نزل على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- وحيًا؛ ليشبه لفظ الوحي عند جميع النبيين.
قال تعالى: ? وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) ? [النجم: 1: 4].
وقال: ? قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ? [يونس: 15].
وقال: ? وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُّؤْمِنُونَ (203) ? [الأعراف: 203].
لقد سمى القرآن العظيم هذا الدرب من الإعلام الخفي السريع وحيًا، ولم يبتعد عن معنى الأصل اللغوي لمادة الوحي والإيحاء، ومن معاني الوحي الإلهام الفطري للإنسان كقوله تعالى: ? وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ? [القصص: 7]، وقوله: ? وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) ? [المائدة: 111].
ومنه الإلهام الغريزي للحيوان كالذي في قوله تعالى: ? وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ? [النحل: 68]، ومنه الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيماء، كما في قوله عن زكريا: ? فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) ? [مريم: 11].
وعبر القرآن العظيم بالوحي عن وساوس الشيطان وتزيينه خوطر الشر للإنسان فقال: ? وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) ? [الفرقان: 31].
وقال: ? وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ ? [الأنعام: 121].
وعبر بالوحي عما يلقيه الله إلى الملائكة من أمره ليفعلوه كقوله: ? إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ? [الأنفال: 12].
أما تعبيره -سبحانه وتعالى- بالوحي عما يكلف الله الملك حمله إلى النبي من آية كتبه المنزلة فهو شديد الصلة بتعبيره بالوحي إلى النبي نفسه وما بين مدلولي التعبير من اختلاف لا يعدوا الوظيفة التي يتحملها ملك الوحي بالنقل الأمين، ويتحملها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوعي والحفظ والتبليغ.
قال تعالى: ? فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) ? [النجم: 10].
ومدلول الوحي في هذه الآية كمدلول النزيل الصريح في الآية الأخرى في قوله تعالى: ? وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) ? [الشعراء: 192: 194].
(يُتْبَعُ)
(/)
والقرآن العظيم عند مراعاته المعنى اللغوي الأصلي للإيحاء حين سمى ذلك وحيًا لم يقصر ذلك على الاتصال الغيبي الخفي بين الله وأصفيائه على تنزيل الكتب السماوية بوساطة ملك وحي بل أشار إلى صور ثلاث في آية واحدة:
إحداها: إلقاء المعنى في قلب النبي أو نفثه في روعه.
والثانية: تكليم النبي من وراء حجاب، كما نادى الله -عز وجل- نبيه موسى من وراء الشجر وسمع نداءه.
والثالثة: ما يفهمه الناس حين يلقي ملك الوحي المرسل من الله إلى نبي من الأنبياء ما كلف إلقاءه إليه سواء أنزل عليه في صورة رجل أم في صورته الملكية.
وبهذا نطقت الآية الكريمة: ? وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) ? [الشورى: 51].
إن ظاهرة الوحي في القرآن العظيم تختلف عن جميع مظاهر الوحي اللفظية التي استعملت قديماً وحديثاً، ولابد لنا من أن نستخدم الألفاظ كما هي في مدلولها، ولا نحور ما يشابه أو يشتبه بها، كالإلهام والحدس الباطني، واللاشعور، الشعور الداخلي، وطبيعة الحقائق الدينية والأخبار الغيبية في ظاهرة الوحي تأبى الخضوع لأساليب اللاشعور والحدس والفراسة.
لقد وصف النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فيما صح من حديثه طريقة نزول الوحي على قلبه فقال: (أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول).
لقد كشف النبي -صلى الله عليه وسلم- صراحةً عن صورتين من الوحي، إحداهما: عن طريق إلقاء القول الثقيل على قلبه، وعندها يسمع صوتاً متعاقباً كصوت الجرس المجلجل، والثانية: عن طريق تمثل جبريل له بصورة إنسان يشابهه في المظهر ولا ينافره، ويطمئنه في القول ولا يرعبه، ولا شك أن الصورة الأولى أشد وطأة كما قال الله -تعالى-: ? إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلاً (5) ? [المزمل: 5]، وكان يصحب ذلك رشح الجبين عرقاً كما قالت السيدة عائشة أم المؤمنين: (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً).
بل كانت وطأة الوحي في هذه الصورة تبلغ أحياناً أشد ثقلاً فتبرك راحلته للأرض إذا كان راكبها.
وأما الصورة الثانية فهي أخف وطأً وألطف وقعاً، فلا رشح ولا جلجلة، وفي الصورتين يحرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على وعي ما أوحي إليه، فقال في الأولى: (فيفصم عني وقد وعيت ما قال)، وفي الثانية: (فيكلمني فأعي ما يقول).
بهذا الوعي الكامل لم يخلط -عليه السلام- مرة واحدة بين شخصيته المأمورة المتلقية، وشخصية الوحي الآمرة المتعالية طوال مراحل التنزيل.
فهو واعٍ أنه إنسان ضعيف بين يدي الله، يخشى أن يحول الله بينه وبين قلبه، فيبتهل لربه: (اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك، اللهم يا مقلب القلوب ثبتي قلبي على دينك).
وكان أول عهده بالوحي يعجل بالقرآن مخافة النسيان، فيسر الله عليه حفظه وطمأن قلبه فقال: ? لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) ? [القيامة: 16: 19].
ونهاه عن العجلة التي لا مسوغ لها فقال: ? وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ? [طه: 114].
إن صورة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في القرآن هي صورة العبد المطيع الذي يخاف عذاب ربه إن عصاه، فيلتزم حدوده، ويرجو رحمته، ويعترف بعجزه المطلق عن تبديل حرف من كتاب الله: ? وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (16) ? [يونس: 15، 16].
(يُتْبَعُ)
(/)
إن في هذه الآيات فرقاً بين صفة الخالق وصفة المخلوق، وهذا المعنى كثيراً ما يتكرر في القرآن العظيم، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر مثل سائر البشر لكنه يوحى إليه، ليس عليه إلا البلاغ، ولا يزعم لنفسه صفةً ملكية تغاير صفة الإنسان، ولا يعلم الغيب، ولا يملك خزائن الأرض، قال تعالى في فصلت: ? قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ? [فصلت: 6]، وفي الأعراف: ? قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ? [الأعراف: 188]، وفي الأنعام: ? قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ ? [الأنعام: 50].
ولتصدير الآيات بعبارة "قل" مغزاً لطيف يفهمه العربي بالسليقة، وهو توجيه الخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- وتعليمه ما ينبغي أن يقول، فهو لا ينطق عن هواه، بل يتبع ما يوحى إليه.
ولذلك تكررت عبارة "قل" في القرآن العظيم أكثر من ثلاثمائة مرة، ليعلم القارئ أن محمد -صلى الله عليه وسلم- لا دخل له بالوحي، فلا يصوغه بلفظه ولا يلقيه بكلامه وإنما يلقى إليه الخطاب إلقاءً.
ويأتي الفرق واضحاً في الآيات التي يعتب فيها الله -سبحانه وتعالى- على نبيه، ففي غزوة تبوك يعاتبه بشأن من أذن لهم بالقعود فيقول جل شأنه في سورة التوبة: ? عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) ? [التوبة: 43]، والعتاب الشديد نقرأه في آيات الفداء في سورة الأنفال وقد جاء عنيفاً صادعاً منذراً متوعداً إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الذين أشاروا عليه بأخذ الفداء من أسرى بدر، مؤثرين عرض الحياة الفاني على نصرة الدين في أول معركة، وقد صيغ العقاب صياغة عامة تحدد صفات الأنبياء والرسل.
قال تعالى: ? مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) ? [الأنفال: 67، 68].
ويقرب من هذا العتاب ما أدب الله -سبحانه وتعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- حين جاءه الأعمى عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوا أكابر قريش للإسلام، ظناً منه بالاستجابة والإعلاء لدين الله بهم، ونزلت الآيات: ? عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الأعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) ? [عبس: 1: 11].
وأشد من ذلك كله ما يوجه للرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإنذار والتهديد في مثل قوله تعالى في سورة الإسراء: ? وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) ? [الإسراء: 74، 75].
وهذا الإنذار يبلغ القمة فيصغر بعده كل تهديد وكل وعيد حين يقول جل شأنه: ? وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ (44) لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) ? [الحاقة: 44: 47].
يتبين لنا من خلال هذه الآيات المتوعدة المنذرة والعاتبة المؤدبة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان كامل الوعي للفرق بين ذاته المأمورة وذات الله الآمرة، وبوعيده الكامل كان يفرق بين الوحي الذي ينزل عليه وبين أحاديثه الخاصة التي كان يعبر عنها بإلهام من الله.
قال تعالى: ? وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) ? [النجم: 3، 4].
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:41 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (20)
استقلت ظاهرة الوحي عن ذات النبي -صلى الله عليه وسلم- استقلالاً مطلقاً، وتفردت عن عوامله النفسية تفرداً كاملاً، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لا يملك حتى حق استخدام ذاكرته في حفظ القرآن العظيم، بل الله يتكفل بتحفيظه إياه، ولقد بطل هنا قانون التذكر، وعفا تجاه إرادة الله -عز وجل- ومع أن أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحاديثه المتعلقة بالتشريع توقيفية تلقى من الوحي مضمونها، فقد جردها الكتبة بالرغم من صلتها الشديدة بالآيات التي تفسرها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صاغها بأسلوبه وبينها بلفظه، وما كان لأسلوبه ولا لأسلوب أحد أن يختلط بأسلوب القرآن العظيم المعجز المبين، حتى الأحاديث القدسية رغم اعتراف العلماء بأن معناها لله، ومنزل من عند الله فقد فصلت عن القرآن العظيم وجردت.
وقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على عدم خلطها بكتاب الله بما كان يستهل به مطالعها من عبارات يشعر بها سامعيه أنه يصوغها بأسلوبه البشري.
وشتان بين أسلوب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو من أفصح البشر، وأسلوب منزل القرآن العظيم.
لذا وجب على كل مستشهد بحديث قدسي أن يستهل العبارة بقوله: «قال رسول الله فيما يرويه عن ربه» أو: «قال الله -تعالى- فيما رواه عنه رسوله»، أو: «قال تعالى في الحديث القدسي» بهذا التقييد والتحديد.
إن التفرقة بين كلام الله -سبحانه وتعالى- وبين كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ملحوظة مدركة بينة، وقد أكد ذلك في أحاديث كثيرة، فقال:
(إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعةً من النار)
، ومن المعروف أن بني أبيرق عمدوا إلى التضليل في قضية من قضايا السرقة، على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فدافعوا عن السارق حتى اقتنع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببراءته، ولام قتادة بن النعمان على اتهامه الأبرياء، فقال:
(يا قتادة: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير تثبت وبينة)، ثم لم يلبث أن نزل قوله تعالى:
? وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ? [النساء: 105].
وعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن بني أبيرق خانوه ولجئو إلى التضليل، فاستغفر الله مما وجهه إلى قتادة من العتاب والتوبيخ.
لقد كان النبي –صلى الله عليه السلام- مقتنعاً بأن التنزيل القرآني ليست له فيه إرادة، وليس له اختيار في ما ينزل أو ينقطع، فقد يتتابع الوحي ويحمى حتى يكثر عليه، وقد يفتر عنه في وقت أحوج ما يكون إليه.
إن الوحي ينزل على قلبه صلوات الله عليه وسلامه في أوقات مختلفة، إنه ليأوي إلى فراشه فما يكاد يغفوا إغفاءة حتى ينهض ويرفع رأسه مبتسماً، فقد أوحيت إليه سورة "الكوثر"، وإنه ليكون وادعاً في بيته وقد بقي من الليل ثلثه فتنزل عليه آية توبة في الثلاثة الذين خلفوا، قال تعالى:
? حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [التوبة: 118].
إن الوحي لينزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليل الدامس والنهار، وفي البرد القارص أو لظى الهجير، وأثناء السفر، وفي هدأة السوق أو وطيس الحرب، وحتى في الإسراء إلى المسجد الأقصى والعروج إلى السماوات العلى.
وها هو الوحي ينقطع عن النبي وهو أشد ما يكون له شوقاً فقد فتر ثلاث سنين بعد أن نزل عليه جبريل بأوائل سورة العلق، وحزن النبي -صلى الله عليه وسلم- حزنا كما قالت السيدة عائشة:
(غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بالذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: يا محمد أنت رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه).
وبينا هو ماشٍ ذات يوم إذ سمع صوتاً من السماء فرفع بصره، فإذا الملك الذي جاءه بحراء، فرعب منه فرجع إلى زوجته الوفية خديجة يقول: (زملوني) فأنزل الله:
(يُتْبَعُ)
(/)
? يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) ? [المدثر: 1: 5]
، فحمي الوحي وتتابع واستبشر النبي وتبدل انتظاره الحزين فرحةً غامرة، وأيقن أن الوحي خارج عن إرادته ومصدره الله علام الغيوم.
لقد أبطأ الوحي عليه شهراً كاملاً بعد حادثة الإفك، رمى به المنافقون زوجه بنت الصديق بالفاحشة وأثاروا الفضيحة وعصفت بقلب النبي -صلى الله عليه وسلم- الريبة، وقال لزوجه أم المؤمنين:
(أمَا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ).
مر شهر على النبي -صلى الله عليه وسلم- كالسنين الطويلة، فقد خاض المنافقون في الصديقة خوضاً باطلاً والنبي -صلى الله عليه وسلم- صامت لا يتكلم، وتنتابه نوازع الشك والقلق ينتظر خبر السماء، ونزلت بعدها آيات النور تبرئ أم المؤمنين، ولو كان الأمر بيده لما طالت المدة وطال الزمن، ولو كان القرآن من كلامه وصنعه لما بقي كل هذه الفترة والناس يخوضون في عرضه، إنه خبر السماء، وكلام رب العزة.
لقد كان النبي – صلى الله عليه السلام- يتحرق شوقاً إلى تحويل القبلة إلى الكعبة، وظل يقلب وجهه في السماء ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، لعل الوحي ينزل عليه بتحويل القبلة قِبَلَ البيت، ولكن الله -تعالى- لم ينزل في هذا التحويل قرآناً رغم تلهف رسوله الكريم إلا بعد قرابة عام ونصف العام.
ونزلت الآية:
? قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) ? [البقرة: 144].
إنه الوحي الذي ينزل على محمد حين يشاء رب محمد، ويفتر إذا شاء له رب محمد الانقطاع.
ولقد تحير العرب في الربط بين الذات الملقية والذات المتلقية فتخبطوا، وتبلبلت أذهانهم وتضاربت آراؤهم وصور الله حيرتهم.
قال تعالى:
? بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ? [الأنبياء: 5].
ردوا مصدر القرآن إلى رؤى النائم أو شطحات المجنون، وافتراءات المختلق، وتخرصات الكذوب، وإلى أخيلة الشاعر وسبحات الأديب، ونلاحظ في توالي حرف الإضراب "بل" ثلاث مرات تهكم لاذع باضطرابهم وتضاربهم، ألا ساء ما يحكمون.
إن أضغاث الأحلام التي تحدث عنها الجاهلون ردها وحي النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- منذ اللحظة الأولى التي خاطب الله فيها بقوله: "اقرأ" إلى أن نزلت الآية الأخيرة من القرآن ولحق بالرفيق الأعلى.
ومن الخطأ الجسيم أن يقع بعض المفسرين والكتاب المعاصرين عن حسن نية إلى تصوير النبي -صلى الله عليه وسلم- نائماً في غار حراء أول ما نزل عليه الوحي، مع أن رواية الصحيحين قاطعة في أن الوحي فاجئه وهو يقظ يلتمس الحقيقة ويتحنث لله، ولذلك رعب وجاء خديجة يرجف فؤاده، ولأمر ما قال القرآن:
? مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) ? [النجم: 11، 12].
لقد وصف القرآن العظيم نشأة الخلق الأولى ومصيره المحتوم، وفصل نعيم الآخرة وعذابها الأليم، وأحصى أبواب جهنم، والملائكة الموكلين بكل باب، وعرض هذا كله على العرب تحت سمع أهل الذكر وبصرهم ممن أوتوا الكتاب، وقال:
? وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ? [المدثر: 31].
من أين لمحمد - صلى الله عليه وسلم - تلك المعارف الغيبية الواسعة في مثل بيئة قومه الأميين الوثنيين؟
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد قص القرآن أحسن القصص عن أمم خلت، وصحح به أخطاءً وردت في الكتب السابقة تتناول عصمة الأنبياء، وفند بعض المغالطات التاريخية، قص قصة نوح، وفصل من أحوال موسى، وأسهب في سرد قصة يوسف، وكم من خبر كشف حجابه فتحقق ورأوه بأم أعينهم، فقد ذكر انتصار الروم على الفرس من بعد غلبهم في بضع سنين، وتم ذلك ورأوه رأي العين.
قال تعالى:
? الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ، للهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ (4) ? [الروم: 1: 4].
ولحقت بالمشركين هزيمة في بدر الكبرى في السنة الثانية للهجرة تصديقاً لآية في سورة القمر:
? سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ? [القمر: 45].
لقد سفه القرآن العظيم كل أمر حاول العرب أن يلصقوه بالوحي المنزل، وقال بلهجة قاطعة:
? وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُّفْتَرَى مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) ? [يونس: 37، 38].
وعجز العرب وهم أمة الفصاحة والبلاغة على أن يأتوا بسورة من مثله بعد أن تحداهم وتحدى العالم قائلاً في ثقة ويقين:
? قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) ? [الإسراء: 88].
بالأسلوب المعجز مس القرآن العظيم قلوب العرب من الوهلة الأولى التي سمعوه بها، وكانت الفترة المكية غنية بالصور والمشاهد، وكان الرفض من المعاندين الجاحدين من قبل أن تنزل آيات التشريع والنبوءات الغيبية والنظرة الكلية الكبرى إلى الكون والحياة والإنسان، ولو أتيح لمعاصري الوحي القرآني أن يطلعوا منه على الجانب العلمي كما أتيح لبعضنا اليوم وكان لهم من الثقافة ما يمكنهم من الحكم على حقائق التاريخ لأدركوا مثل جميع المنصفين عجز الزمان عن إبطال شيء منه، ولأيقنوا أن علوم الكون ستظل جميعاً في خدمته للكشف عن آيات الله في الآفاق والأنفس، كما قال -عز وجل- في سورة فصلت:
? سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ? [فصلت: 53].
إن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- تلقى الوحي بحواسه كلها، ومشاعره كلها، واعياً كل الوعي أنه عبد الله ورسوله الأمين.
وشاء الله أن يظل الوحي متجاوباً مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلمه في كل مرة جديداً ويرشده ويهديه ويثبته ويزيده اطمئناناً، وتجاوباً مع الصحابة -رضوان الله عليهم- يربيهم ويصلح عاداتهم ويجيب عن وقائعهم ولا يفاجئهم بتعاليمه وتشريعاته.
قال تعالى:
? طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَّخْشَى (3) تَنْزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا (4) ? [طه: 1: 4].
وقال أيضاً:
? وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ? [طه: 114].
مر تفسير القرآن العظيم بأطوار كثيرة حتى وصل إلى ما وصل إليه من تآليف غصت بها بطون الكتب والتصانيف ما بين مطبوع ومخطوط، ولقد نشأ التفسير منذ زمن مبكر ومن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أول شارح لكتاب الله يبين للناس ما نزل على قلبه؛ لأن الصحابة الكرام -رضوان الله تعالى عليهم- فما كانوا يجرئون على تفسير آية وهو – صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، فلما لحق بالرفيق الأعلى لم يكن بد للصحابة العلماء بكتاب الله الواقفين على أسراره من أن يقوموا بتوضيح ما فهموه.
والمفسرون من الصحابة كثيرون، إلا أن مشاهيرهم عشرة:
الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، والرواية عن الثلاثة قليلة جداً، وأن السبب تقدم وفاتهم، وأجدر العشرة جميعاً بلقب عالم التفسير هو عبد الله بن عباس، الذي شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعلم ودعا له بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) وقد لقب بـ "ترجمان القرآن".
لكن الناس تزيدوا في الرواية عن ابن عباس وتجرأ بعضهم على الوضع عليه، والدس في كلامه، حتى قال الإمام الشافعي: «لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث».
ومن الذين ورد عنهم شيء من التفسير من الصحابة غير العشرة أبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، والسيدة عائشة أم المؤمنين، وما روي عنهم قليل بالنسبة إلى العشرة، وتلقى نفر من التابعين أقوال الصحابة، فنشأت في مكة طبقة للمفسرين وفي المدينة طبقة ثانية، وفي العراق ثالثة.
قال ابن تيمية: «أعلم الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس»، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاووس، وغيرهم.
وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود وعلماء أهل المدينة في التفسير مثل زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد ومالك بن أنس.
وعن التابعين أخذ تابعوا التابعين، فجمعوا الأقوال ممن تقدمهم، وصنفوا التفاسير كما فعل سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون، وعبد بن حميد، فكانوا بذلك المعين الذي ربى منه ابن جرير الطبري، وجاء المفسرون من بعد ليأخذوا عن ابن جرير. بعد ذلك اتجه العلماء في تفاسيرهم اتجاهات متباينة فكان ما يسمى بالتفسير المأثور، وهو امتداد لما سبق، والتفسير بالرأي، تعددت فيه المناهج وتضاربت الأفكار، فحمد بعضه وذم بعضه.
وأجل التفاسير بالمأثور تفسير ابن جرير الطبري، ويسمى كتابه "جامع البيان في تفسير القرآن"، ومن خصائصه أنه عرض فيه لأقوال الصحابة والتابعين وتحرير أسانيدها، وترجيح بعضها على بعض، واستنباط الكثير من الأحكام، وذكر بعض وجوه الإعراب التي تزيد المعنى وضوحاً.
ويقرب من تفسير الطبري، وقد يفوقه في بعض الأمور تفسير ابن كثير، عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي المتوفى سنة 744 هجرية، ومن مزاياه بساطة العبارة والوضوح في الفكرة والدقة في الإسناد، وتبعا لذلك ألف السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة هجرية كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور".
إلا أن التفسير بالمأثور معرض غالباً للنقد الشديد؛ لأن الصحيح من الروايات اختلط بغير الصحيح، ولليهود وزنادقة الفرس باع طويل في الدس على الدين وتشويه تعاليمه.
بعد معرفتنا وعرضنا للتفسير بالمأثور لابد أن نتعرض للتفسير بالرأي الذي اختلف العلماء حوله، فمن محرم ومن مجوز، والمحرم سببه الجزم بمعنى قول الله في كتابه العظيم من غير برهان، أو محاولة التفسير مع جهل المفسر بقواعد اللغة وأصول الشرع، وتأييد بعض الأهواء بآيات القرآن العظيم زوراً وبهتاناً، أما إذا كانت الشروط المطلوبة متوافرة في المفسر فلا مانع من اجتهاده ومحاولته في التفسير بالرأي.
قال تعالى:
? أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) ? [محمد: 24].
وقال أيضاً:
? كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ (29) ? [ص: 29].
وأشهر التفاسير بالرأي التي تتوفر فيها الشروط الصحيحة تفسير الرازي المسمى "مفاتيح الغيب".
ويعنى ببحث الكونيات عناية خاصة، ويقسم الآية والآيات التي يفسرها إلى عدد من المسائل ثم يسترسل في تأويلها.
وتفسير آخر بالرأي للبيضاوي المسمى "أنوار التنزيل وأسرار التأويل"، ولا يفوته التنبيه على قواعد اللغة، وأكثر مروياته غير صحيح.
وتفسير آخر لأبي السعود، وهو "إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم" يعنى بالأبحاث المتعلقة بإعجاز القرآن، وهو جميل الأسلوب يتذوق بلاغة القرآن العظيم بشكل سليم.
وأما التفسير النسفي أبو البركات عبد الله بن أحمد المتوفى سنة 710 هجرية، فهو يرد على أهل الأهواء والبدع، وهو جامع لوجوه الإعراب والقراءات، وفيه إشارات لروائع البلاغة القرآنية في عبارة موجزة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وتفاسير الفرق الإسلامية المختلفة ترجع في الحقيقة إلى التفسير بالرأي، وتدخل في النوع المذموم، وأصحابها لم يؤلفوها إلا لتأييد أهوائهم، أو لانتصار لمواجيدهم، ومنها تفاسير المعتزلة والمتصوفة والباطنية.
ويغلب على تفسير المعتزلة الطابع العقلي، والمذهب الكلامي، تبعاً لقاعدتهم الشهيرة: «الحسن ما حسنه العقل والقبيح ما قبحه العقل».
وخير من يمثل هذه النزعة العقلية في التفسير محمود بن عمر الملقب بجار الله المتوفى سنة 538 المعروف بالزمخشري في تفسيره الكشاف.
ويغلب على تفسير المتصوفة الشطحات التي تبعدهم عن النسق القرآني وتجعل كلامهم غامضاً وغير مفهوم، فإن كان يبحث عن نكت بلاغية فسيعود إلى الزمخشري، وإن التمس المباحث الكلامية عاد إلى الرازي، وإن أراد إعراب القرآن فعليه بالبحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، المتوفى سنة 745 هجرية، ففيه كثير من المباحث النحوية، والمسائل المتعلقة بالقراءات.
لقد ألفت في القرن الأخير تفاسير لبعض العلماء فيما محاولة للتجديد، ولكن أغلبها قد أخفق وابتعد عن المعاني الصحيحة للقرآن العظيم.
القرآن يفسر بعضه بعضاً، عبارة يرددها المفسرون كلما وجدوا أنفسهم أما آية قرآنية واضحة، ولهم أن ينهجوا في تأويل القرآن هذا المنهج؛ لأن دلال القرآن تمتاز بالدقة والإحاطة والشمول.
لقد كانت هذه الدلالات شاملة جديرة بأن توحي للعلماء وضع مصطلحات خاصة يرمز بكل منها إلى السمة البارزة في كل فكرة يدعوا إليها القرآن العظيم وفي كل مشهد يصوره.
ومن هنا نشأت الدراسات الإسلامية، وفيها ما يسمى بمنطوق القرآن العظيم ومفهومه، وعامه وخاصه، ومطلقه، ومقيده، ومجمله، ومفصله، وعرفت هذه المصطلحات وأمثالها واستعرضت الشواهد الكثيرة الدالة عليها، وتباينت مناهج العلماء في دراستها.
فمنهم من يبحثها على أساس تشريعي وهم الأصوليون، ومنهم من ينظر إلى هذه المصطلحات من خلال الزاوية اللغوية والأدبية، ليتتبع بلذة وشغف طريقة القرآن في الأداء والتعبير.
لقد نزل القرآن العظيم بلسان عربي مبين يعبر عن العام بالألفاظ التي وضعها العرب لإفادة الشمول والاستغراق، وقد دل الاستقراء على أن ألفاظ العموم لا تخرج عن قوله تعالى:
? كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) ? [الرحمن: 26].
فلفظ ? كُلُّ ? فيها ما يدل على العموم، وفي ? هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ? [البقرة: 29]، ولفظ ? جَمِيعًا ? يدل على العموم، وفي قوله تعالى: ? ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ? [البقرة: 208]، فيها العموم في لفظ ? كَافَّةً ?.
هذا هو القرآن العظيم إنه وحي يوحى وتنزيل منزل.
لقد أقبل العلماء عليه مشغوفين بكل ما يتعلق به فأحصوا عدد آياته وحروفه وعدد ألفاظه المعجمة والمهملة وأطول كلمة فيه وأقصرها، وأكثر ما اجتمع فيه من الحروف المتحركة، واشتغلوا منه بأبحاث دون ذلك وزناً معتقدين أن لهم في كل هذا ثواباً عند الله وأجراً، ولقد بذل العلماء الجهد في تصنيف وتأليف وتبيين مجمل ما ولد من علوم في أحضان القرآن العظيم والدراسات التي دارت حول الذكر الحكيم فخدمت أغراضه وغاياته، وعبرت عن كلياته وجزئياته، وقد بذل أئمة الإسلام الجهد الضخم في تأصيل الأصول ووضع القواعد، فأنشأوا المدارس الفكرية وصنفوا الكتب العلمية، لقد نزل القرآن العظيم وفيه البيان للإنسان ليدرك حقيقته على هذه الأرض، فقد جعله الله خليفته على هذه الأرض التي يعيش فيها، فقال جل شأنه:
? وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) ? [البقرة: 30].
وبين له من خلال القرآن العظيم الحلال والحرام والحقائق الشرعية في العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والقوانين الدولية، وشئون السياسة والاقتصاد، وأحوال السلم والحرب، ووقائع المعارك والغزوات، ومواطن التقييد والإطلاق، وسرد له أسرار الكون وما فيها من خبر مضى وما هو آت ? إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) ? [النجم: 4].
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:44 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (21)
(يُتْبَعُ)
(/)
حمل المسلمون من جزيرتهم العربية وبلاد الشام قرآنهم العظيم إلى إفريقية، وكان مع الفاتحين في قراطيسهم وقلوبهم، يلهجون به ليلاً ونهاراً، ويطربون لسماعه في كل حين، وكان دوي صوتهم به يرعب الأعداء ويشفي صدور قوم مؤمنين، ولما كان هذا القرآن عربي اللسان صوتاً وخطاً فقد حمل حروفه الفاتحون إلى كل مكان وصقع حلوا فيه.
وفي سنة خمسين للهجرة وجه الخليفة معاوية بن أبي سفيان جيشاً لإفريقية على رأسه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري.
وانتصر عقبة على البربر، ودخل معه منهم من دخل في الإسلام، وعينه معاوية والياً على إفريقية، ففكر عقبة في إنشاء مدينة محصنة تكون مركزاً لعملياته الحربية وداراً للتموين والسلاح لمتابعة الفتح، وملجًأ أميناً للجند العربي من تآلب البربر، واختار لذلك مكاناً قريباً من تونس الحالية مملوءاً بالغابات وكانت مدينة القيروان.
واختط عقبة المدينة على نهج المدن المعسكرات، فاختط في وسطها المسجد الجامع، ثم دار الإمارة، ثم بيوت الجند، وبنا حولها صوراً متيناً، واستمر العمل في بنائها أربع سنوات، وكان اهتمام عقبة ببناء الجامع أكثر من بقية أحياء المدينة حتى قيل: لم يبني عقبة مدينة لها جامع بل بنى جامعاً له مدينة.
وقصد عقبة أن يكون الجامع قيرواناً، أي معسكراً وحصناً، واختار مكان قيروانه بعيداً عن شاطئ البحر ليكون المسلمون في مأمن من أسطول الروم وغارات الفرنجة التي كانت تنقض على تونس من صقلية وإيطاليا واليونان، فتحتل وتخرب مدن الساحل مثل سوسا وجربا.
وقد قال له أصحابه حين فتش عن مكان المدينة الجديدة: نحن أصحاب إبل، ولا حاجة لنا بمجاورة البحر.
وكانت الصحراء التي أنشأ فيها المدينة أشبه بصحراء جزيرة العرب، ولن يشعر الجندي العربي بالغربة فيها لما لها من مزايا البيئة الجغرافية العربية.
وبذلك أصبحت الغابة الكثيفة التي كانت مرتعاً للوحوش والزواحف، أرضاً مستوية تقوم فوقها تلك المدينة الزاهرة التي لا تزال آثارها قائمة حتى يومنا هذا.
وقد اتخذها الفاطميون في أول تأسيس دولتهم عاصمةً لهم، ثم انتقلوا إلى المهدية، فالقاهرة بعد أن أسسها لهم قائدهم "جوهر الصقلي".
ومن بعدهم اتخذها ملوك الصنهاجيين مقراً لهم، كما كانت منزلاً لأهل قريش من بني فهر وبني تميم وبني هاشم، وفيها مدافن عدد من الصحابة.
لقد كان سكان إفريقية الشمالية من البربر يعيشون على البداوة، وكان لهم بالرغم من بداوتهم كتابة تسمى "فيناج"، لم تزل مستعملة لدى الطوارق في الصحراء الجزائرية حتى الآن.
لم يمضي القرن الهجري الأول حتى كان الإسلام عزيز الجانب موطد الأركان في كل أنحاء المغرب، ودخل في الدين الجديد آلاف البربر، وشحذوا هممهم لتعلم القرآن العظيم، واستهل القرن الهجري الثاني وإذا أفواج من الدعاة والعلماء والفقهاء تفيد على أرض المغرب، فانصهر البربر في المجتمع الجديد، وتحولوا عن حروفهم ومعتقداتهم ونبذوها وراء ظهورهم، وتعلموا شريعة الإسلام، وهجروا حروفهم، وأقبلوا على حروف القرآن العظيم بخط عربي جميل، وبعشق يتناغم من الجدة في المعتقد ويتأصل مع كلام رب العالمين.
وتأسست في أواخر القرن الأول للهجرة جامعة ذائعة الصيت في القيروان، فقصدها طلاب من كل الأنحاء ووفد إليها علماء أجلاء من مدارس الكوفة والبصرة.
قال عنها المراكشي: وكانت القيروان هذه في قديم الزمان منذ الفتح إلى أن خربتها الأعراب دار العلم بالمغرب إليها ينسب أكابر علماءه وإليها كانت رحلة أهله في طلب العلم، ولئن كان التطور الحرف العربي، والخط العربي عبر ثلاثة قرون في أحضان المصحف، وكان تحوله من اليابس إلى اللين على يد الوزير أبي علي بن مقلة، فإن الليونة في الخط جاءت عبر رسائل التدوين التي خطت منذ القرن الهجري الأول وأخذت شكلها في القرن الخامس وتحولت إلى نسخ بديع.
ولئن كان ذلك قد حدث في مشرق العالم الإسلامي في حاضرة المسلمين بغداد، فإن الكتابة والخط المغربي اللين قد اشتق مباشرة من الخط الكوفي الجاف اليابس.
وكان هذا الاشتقاق في نفس الفترة الزمنية التي شاع فيها استعمال الخط اللين، المشرقي، ولم يكن لليونة المشرق أي أثر في ليونة المغرب، الذي ظل محافظاً على هيكل يبوسته حتى الآن.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد أصاب "هوداس" فيما ذهب إليه في بحثه محاولة في الخط المغربي من أن المغاربة مع اتصالهم بالمشرق لم يستجلبوا الخط اللين؛ لأنهم توصلوا إلى تبسيط خط الكوفة، وإخضاعه لأغراض تدوين القرآن العظيم.
ولأهل المغرب اعتزاز بما توصلوا إليه من تطوير في الخط الكوفي إلى اعتبار الخطوط المشرقية أقل مستوى من خطهم المغربي الذي تواءم مع إملاء مصحف الإمام، وخضع لتطورات الشكل بالنقط، وإلى استخدام ألوان مخالفة لما في المصحف الذي كتب ببغداد.
لم يرفض المغاربة كل ما جاء إليهم من المشرق، فقد قبلوا ترتيب الحروف الهجائية مع اختلاف يسير، واستعملوا نقط الإعجام، مع نقط القاف بنقطة واحدة من الأعلى والفاء بنقطة من الأسفل.
واستعملوا الشكل لبيان الحركات الإعرابية بطريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي، وانفردوا عن أهل المشرق بتجريد حرفي القاف والنون من النقط من الإفراد والتطرف؛ لأنهما لا يلتبسان بحروف أخرى، ولم يكتبوا أسماء السور كما عهدناه في المصاحف المشرقية بخط كوفي مورق مشجر وإنما ابتكروا له نوعاً خاصاً، أطلقوا عليه اسم "خط الثلث المولدي" من "خط الثلث المشرقي" مع استدارات تتواءم مع الخط المغربي.
وكما المشرق فقد ظلت المصاحف المغربية حتى القرن الخامس الهجري تكتب بخط كوفي يابس، أطلق عليه اسم الخط القيرواني، ونلاحظ فيه تطوراً واضحاً نحو ليونة الحرف مع استعمال اصطلاحات خاصة بالمغرب كجرة الوصل التي تثبت في المصاحف المغربية، ولو تتبعنا الخط اليابس في الكتابات المغربية في المصاحف وغيرها لملاحظة تطوره نحو الليونة المتفردة المستقلة لرأينا ذلك من خلال الوثائق التي ما زالت محفوظة في المكتبة الوطنية بتونس.
ونرى في الوثيقة هذه مثالاً لخطوط يابسة تعود لسنة أربعٍ وثلاثين وثلاثمائة، وفيها عرقات النون وأشباهها قد تقوست وخالفت أصلها اليابس في حرف السين والراء، في السطر الثاني من الوثيقة.
ولقد رسمت الألف على استقامة واحدة من دون عقفة نحو اليمين كما في الكوفي المشرقي المحقق، كما تنحدر الألف المنفصلة عن مستوى السطر فتكون زائدة كوفية، وهي من ميزات الخط المغربي الذي ما زال إلى الآن، ولعل ذلك راجع إلى رسمها من الأعلى، ولهذه الزائدة أصل في الكتابات الكوفية قبل القرن الثالث الهجري، والكتابات الأنباطية قبل ذلك.
وفي المكتبة الوطنية بتونس أيضاً أوراق من مصاحف عثر عليها في مسجد القيروان، تمثل بداية تحوير اليبوسة إلى الليونة، وفي هذه الوثيقة المكتوبة على الرق نقرأ: ? وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) ? [طه: 134، 135].
? اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ... ? [الأنبياء: 1: 2].
في هذه الوثيقة المكتوبة على الرق نشاهد بوضوح عراقات النون والياء وأشباههما بأشكال دائرية إلا أن الخطاط لم ينسى أصلهما الجاف، فاستعملهما عند الاضطرار لضيق في آخر السطر، ومثالهما في كلمتي "متربص" "السوي" من آخر السطر الأول والثاني.
أما اللام المتطرفة فلم يقع بها تغيير.
واستعمل هنا الشكل أبا الأسود الدؤلي ونقطه، فالنقطة الحمراء فوق الحرف للفتحة، وتحته للكسرة، والمتراكبتان للضم، والنقط الأخضر للهمزة، ولا وجود للإعجام إلا في حرف الياء من السطر الأخير "يلعبون" "لاهية".
كما تفصل الآيات دوائر فيما بينها، ويبدوا أنهم أجازوا نقط التاء والياء كما رواه الداني فقال: كان القرآن مجرداً في المصاحف فأول ما أحدثوا فيه: النقط على الياء والتاء، وقالوا: لا بأس به هو نور له، ثم أحدثوا فيها نقطاً عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم.
ونلاحظ في هذا المصحف أيضاً مخالفته للرسم العثماني الذي حافظ عليه المغاربة في كل عهودهم، وذلك في كلمتي "أصحاب" و"صراط".
(يُتْبَعُ)
(/)
والأصل في كتابتهما بالمحذوف، وفي الوثيقة التالية التي جاءتنا من مكتبة جامع القيروان وهي من مصحف لم يتبقى من أوراقه سوى ستمائة وألفي ورقة تحتفظ بها المكتبة الوطنية بتونس، وكتبت على خمسة أسطر وبالخط الكوفي القيرواني الريحاني.
وكتبها وجلدها علي بن أحمد الوراق القيرواني لفاطمة الحاضنة سنة 410 هجرية.
نلاحظ انسياب الحروف وجمالها، ودقة التوزيع والتنسيق فيما بين الأسطر، ونقرأ من سورة البقرة: ? اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ? [البقرة: 255].
إن أثر الجودة والعناية واضح في تنوع منبسطات الحروف مع الألفات الموزونة الطول ودقة الفراغ بين الصواعد وسائر الحروف.
وامتاز المصحف في أوراقه وحروفه بالشكل المثلث الكبير للحروف ذات الرؤوس كالواو والميم والهاء، وكذلك السين والدال، وليتحد شكلهما مع الحروف الأخرى، ورسمت عيون هذه الأحرف دوائر صغيرة مفتحة ومن ميزات هذا المصحف أننا نشاهد حرف الألف بعقفته نحو اليمين، ونرى الألف المتصلة، وحرف الدال وفيهما طرف ينحدر عن مستوى السطر، وعراقة الراء والميم خط دقيق بجانب القلم، وميل في ألف حرف الطاء وكأنما تشبه حرف الكاف، واستقامتها في ثلثها الأعلى، ونلاحظ أيضاً كبر رأس العين في جميع الحروف، وسيبقى هذا الأثر واضحاً في جميع المصاحف التي ستأتي من بعد.
وللألف لام ميلان نحو اليمين في الألف المركبة على اللام، ولقد اتبع الخطاط ابن الوراق في هذا المصحف طريقة الخليل بن أحمد في الشكل من ضم وفتح وكسر وشدة، وجعل رأس الهمزة رأس عين صغيرة. وابتكر للمدة صورة وضعها في رأس الألف في قوله: ? بِمَا شَاءَ ?، وابتكر للصلة جرة، جعلها إتباعاً لموقع الحركة، وهو ما تمتاز به المصاحف المغربية عن غيرها، وإن نظام بدايات السطور ونهاياتها واتزان الحروف واتصالها ببعضها لا يدل على تمكن يد الخطاط وذوقه الرفيع.
ويتجلى في رسم الحروف ذات الرؤوس في شكل مثلثات، وإخضاع حروف أخرى لهذا الشكل، والكلمات أيضاً، وابتكر ياءً راجعة في قوله ? الْعَلِيُّ ? بعد أن نسق الفراغ فيما بين أعلى الكلمة وأسفلها.
إن هذا الفراغ الذي يفصل الخطوط المستقيمة بدقة واستواء لهو امتحان لبراعة الكاتب وإجادته، وهذه القاعدة التي اتبعها في هذا المصحف من تنسيق البياض بين أجزاء الحروف الضخمة لهي من الأساليب المتبعة عند أهل المغرب، وفي كتاباتهم عبر الزمن الطويل.
ولقد كان للخط العربي تأثير في الكتابة الكوفية منذ عهد الأندلس، ومنهم شاع هذا التأثير في الأساليب الخطية الغربية اللاتينية، إنه القرآن المعجز في كل جوانبه.
تأخرت كتابة المصاحف الشريفة في المغرب والأندلس وتأخر تدوينها أكثر من قرنين من الزمان عن تدوينها في المشرق، وأقدم المصاحف التي جاءتنا من الأندلس أو المغرب لا يتعدى القرن الرابع الهجري، وكان أهل إفريقية والأندلس يسيرون في كتابتهم مسيرة أهل المشرق، ويحذون حذوهم في استخدام قلم الكوفة المحقق اليابس، وينقطون الحروف ويعجمونها على طرائق أبي الأسود الدؤلي والخليل بن أحمد الفراهيدي مع بعض التبديل والتغيير والتعديل.
ولما غدت القيروان حاضرة المغرب ومهبط الفن في إفريقية وشبه الجزيرة الليبيرية انتقل إليها كتاب وعلماء وفنانون ومزخرفون ومذهبون.
وقامت في المغرب نهضة خطية لا مثيل لها، وأسست مناهجه ومدارس ومذاهب في الكتابة لا علاقة للمشرق بها.
وتميزت بلاد الأندلس عما هو في بغداد في دخول المرأة هذا الميدان ونوالها شرف الكتابة، كتابة المصحف الشريف، وكانت النساء الأندلسيات في الدواوين يعملن كاتبات وخطاطات، يعملن مع لبنى بنت الخليفة المستكفي.
وكانت فاطمة العجوز تنسخ لها بخطها الجميل الكتب وتخرجها مذهبة رائعة.
وممن اشتهرت من النسوة ونالك شرف كتابة المصحف العظيم عائشة بنت أحمد وراضية مولاة عبد الرحمن الناصر لدين الله.
(يُتْبَعُ)
(/)
وجاء في تاريخ الموحدين لدوزي أنه كان فقط في الروض الشرقي من قرطبة مائة وسبعون امرأة لنسخ المصاحف، ومنهن من يتمتعن بالخط الجميل، ويحق أن يحملن لقب ميفنة.
لقد كان المغرب في النصف الثاني من القرن السادس الهجري تحت حكم الموحدين، بعد انقراض دولة المرابطين بقتل آخر ملوكهم "تاشفين بن علي" سنة 539 هجرية، والموافق لسنة 1145 ميلادية.
ويعد القرن الثاني عشر الميلادي عصر إمبراطورية الموحدين بلا جدال، أكبر إمبراطورية شهدها غرب البحر الأبيض المتوسط.
نشأت دولة الموحدين على يد محمد بن تومرت الملقب بالمهدي، ودعى إلى القضاء على دولة المرابطين، ولما توفي سنة 524 هجرية بايع أصحابه تلميذه عبد المؤمن بن علي الذي استولى على مراكش، وفتح بلاد إفريقية ومد نفوذه إلى برقة، وخرج للجهاد في بلاد الأندلس، وفي عهده أمر بإخراج المصحف الإمام من قرطبة سنة 552 هجرية، وهو أحد المصاحف الأربعة التي بعث بها سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى الأمصار.
وقد اعتنى به الموحدون كل الاعتناء، وأقاموا له كل زينة من تذهيب وكسوة، وقد تحدثنا عنه مفصلاً في حلقات سابقة.
نجح عبد المؤمن خليفة بن تومارت في أقل من ثلاثين سنة في توحيد المغرب وغزو الأندلس والسيطرة على بني هلال في الجزائر، وإعادة السلام إلى تونس، فأصبح يدعى له على المنابر من طرابلس حتى قشتالة، وسرعان ما وضع نظاماً إدارياً حازماً استمده من النظام الأندلسي.
ونشر الحضارة الإسلامية الأندلسية في شمال إفريقية وشجع خطاطي المصاحف وقدم لهم المكافآت المجزية، وشاع في عصره البنيان متألقا بطرازه الإسلامي واضحاً في هيئته ونمطه، ومثال ذلك مئذنة جامع القطبية، ومساجد تازة وتمال.
ووصل خلفاؤه صنعه، فأكمل أبو يعقوب المنصور قصرة مراكش وأنشأ الحصن الموحدي، وشرع في بناء مئذنة ومسجد حسان بالرباط، وخص الأندلس بأعمال بلغت حداً كبيراً من العظمة، مثل الخرالدا وسور القصر.
تولى الخلافة يوسف من سنة 558 هجرية، فسار للأندلس وقاتل الفرنجة، وتوفي فيها متأثراً بجراحه سنة 580 هجرية، وكان عالماً شديد الاحتفال بالعلماء ففي عهده ظهر ابن رشد الشهير، وجاء من بعده يعقوب وسار للأندلس مرتين انتصر فيهما في موقعة الأرك سنة 559 هجرية.
لم يكن الأمراء والموحدون من بعد يعقوب بمثل قوة آبائهم وشجاعتهم وجهادهم، فضعفوا وحل محلهم المرينيون في مراكش، ودولة بني عبد الواد في الجزائر، وبني حفص في تونس، ويمتاز عهد الموحدين في الأندلس منذ عبد المؤمن بشيوع كتابة المصاحف الشريفة، ونبوغ آل غطوس في فالنسيا كما شاهدنا ذلك في حلقات ماضية.
أفل في المغرب العربي قمر الموحدين، وسطعت شمس المرينيين، لتصور اللحظات الأخيرة للتجمع المغربي الأندلسي.
والمرينيون من زناتا، وينتسبون للأمير عبد الحق بن الأمير محيو، وهو أمير ابن أمير إلى جد مرين، دخل المغرب من الصحراء من ذا بإفريقية موضع إمارته عام 610، وانضمت إليه قبائل البربر مطيعين له، فعظم سلطانه واتسع ملكه، ودامت إمارته 22 سنة، وقتل سنة 614 هجرية.
وفي عهد حفيده علي تمت معاهدة الصلح مع الأسبان، اشترط فيها إعادة المخطوطات من المصاحف الثمينة والكتب إلى قرطبة وإشبيلية، ولما تسلمها حبسها على المدرسة التي أنشأها في فاس، واعتنى بتأسيس المدارس حول جامعة القرويين، واشتهر بنسخ ثلاث مصاحف أهداها للبيت الحرام، ومسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمسجد الأقصى.
ويذكر المقري نقلا عن ابن مرزوق أنه أهدى نسخة من المصحف الشريف بخطه للملك الناصر قلاوون.
لم يكن المغرب خلال هذه الفترة يسير على ما جاء به المشارقة من رموز في المصحف الشريف، وإنما كانت لهم شخصية مستقلة آثروا بها التميز في كتابة القرآن العظيم، وممن اشتهر منهم في قرطبة وكانت من أكثر البلاد التي استنسخ فيها القرآن العظيم محمد بن إسماعيل الذي يكتب المصحف في أسبوعين، ومنهم خلف بن سليمان وكان متخصصاً في نقط المصاحف لإتقانه علم القراءات.
وهذا يدل على أن نساخ المصاحف كانوا ينقسمون إلى فئات، فمنهم من يكتب الحرف، ويأتي من بعده من ينقط عن علم ودراية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وللنقط فنون وعلوم، والألوان فيها تأخذ جل المعاني فالأصفر والأخضر والأحمر واللازبرد وغير ذلك كل منها له دلالة ووظيفة، وكل دائرة لها معنى ولها اصطلاح واشتهر في طليطلة نصر المصحف، وابن مفضل من أهل مالقة الذي كتب سبعين مصحفاً كاملاً، ومحمد بن حكم بن سعيد الذي أجاد في كتابة مصاحفه، وكان الناس يتنافسون على اقتناء مصحف من خطه.
وأورد ابن الأبَّار المؤرخ الفلنسي عدداً كبيراً من كتبة ونساخ المصاحف من أهل فلنسيا وغرناطة في القرن السابع والثامن الهجريين، وتقول المصادر الأسبانية التي احتفظت بوثائق مصحفية مؤرخة سنة 900 وبعد أن انتهت حركة الاسترداد ظل بين ظهرانينا المورسكيون، الذين حافظوا على مصاحفهم، وتعليمهم الديني، وكتبهم ومخطوطات الأجداد التي تركوها، ولكن بقدر ما تسمح الظروف لهم، وبقدر الزمن الذي كانوا يعيشون فيه، وقد قاومنا مسألة تعليم القرآن مقاومة عنيفة، وأدت أوامر التحريم المتكررة اعتبار هذا الميل جريمة، وانتهى بطرد المورسيكون من أسبانيا، والموريس اصطلاح أسباني أطلق على اللاجئين المسلمين وهي مرادفة لاصطلاح المدجلين الذين استكانوا وبقوا بعد سقوط آخر دولة إسلامية في الأندلس.
لقد حفظ التاريخ لنا بعضاً من الوثائق والمخطوطات والمصاحف نرصد من خلالها مسيرة التطور في الرسم القرآني المصحفي المغربي والتي تختلف قليلاً عن مسيرة التطور في مصاحف أهل المشرق.
وبين أيدينا وثيقة من مصحف يعود لفترة ازدهار الحضارة في المغرب والأندلس، وتحتفظ به مكتبة الأوسكريال، وكتب على الرق وهو من القرن السادس للهجرة، ونقرأ في الوثيقة من سورة المرسلات ورأس سورة النبأ والبسملة: ? وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) ? [المرسلات: 42: 50]، سورة النبأ أربعون آية، بسم الله الرحمن الرحيم.
نشاهد في هاتين الصفحتين طرازاً جميلاً لحرف متطور عن الكوفي اليابس، وفيه من الليونة ما يدل على النظرية التي كنا قد أشرنا إليها فيما مضى، وهي أن الخط المغربي تحول مباشرة عن الكوفي اليابس، بعكس ما جرى مع المشرق حين تطور النسخ عن خط الرسائل اللين.
كما نشاهد في هذه الوثيقة الحفاظ على الرسم العثماني وهي ميزة تميزت بها المصاحف المغربية والأندلسية، فلم تخالف رسوم المصحف الإمام، وإنما بقيت محافظة عليه طيلة الزمن الطويل.
كتب هذا المصحف بمداد لون بني ووضع رسوم الشدة والسكون بلون أزرق.
وقد يتساءل المرء عن اختياره للشدة والسكون لوناً واحداً، وحين نعلم أن الخطاط كان على علم بالعربية والتجويد يزول التساؤل، وهذا من توافق المبنى مع المعنى، فالشدة عبارة عن حرفين ساكن فمتحرك، والسكون ساكن هادئ، فتوافقت الشدة وتآلفت معه؛ لأنها من ذوات الصوت الخفي، ولن ينسى الناسخ أن يضع حرف ميم للإقلاب، وبلون أزرق وهي توحي بالسكون أيضاً ففي قوله: ? هَنِيئًا بِمَا ? نلاحظ حرف الميم باللون الأزرق، وكذلك في قوله: ? حَدِيثٍ بَعْدَهُ ? ونشاهد في هذه الوثيقة أيضاً الخلاف في الرموز المشرقية، وهي الفوارق التي نأى بها المغاربة عن المشارقة فنقطت الفاء بنقطة من الأسفل، ونقطت القاف بواحدة، وأما الضمة فقد رسمت حرف راء بدل الواو، وهي مأخوذة من فعل "رفع"، وشكلت الحروف باللون الأحمر على طريقة الخليل، والفتحة رسمت مستقيمة، كما وضعها الخليل ألفاً مبطوحة مالت مع مرور الزمن، وأما الهمزة فقد رسمت نقطة صفراء برتقالية، ووضعت كلمة مد في ? هَنِيئًا ? رمزاً للمدة، ورسمت دوائر ثلاث فواصل بين الآيات وهي مضفورة تنبئ عن بداية تطور الفن الزخرفي، ورسم حرف الهاء بالذهب نهاية كل خمس آيات دلالةً على التخميس.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي الحاشية مرصعات أيضاً وضع في داخلها كلمة "خمس"، وذهب اسم الصورة بقلم الكوفي المتطور عن المحقق، ونشاهد حرف العين في أربعون مفتوحاً على سنة القرن الهجري الأول، ولتبيان حرف الألف المحذوف في رسم المصحف أضاف حرف ألف باللون الأحمر لضرورة النطق السليم، وهذا ما نلاحظه في ? وفواكه? و? كذلك? وفي ?الرحمن?.
ومصحف آخر يسير على نفس النسق مكتوب على الرق نقرأ فيه من سورة الأعراف: ? ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ (57) ? [الأعراف: 55: 57].
كتبت حروف هذا المصحف بمداد لون بني ضارب للحمرة وخطه أندلسي مغربي، استخدم فيه الخطاط دائرة خضراء للدلالة على همزة الوصل، وهو ما شاهدناه أيضاً في المصحف من قبل.
ونهج فيه ذات النهج فاستخدم الشدات والسكنات ورسمها بلون أزرق، في حين استخدم النقطة الصفراء لهمزات القطع، واستخدم النقطة الواحدة لتدل على نهاية الآية، ورسم على الحاشية ثلاث نقط دلالة على نهاية الآية، وبين أيدينا مصحف نادر جداً صغير الحجم كتب على الرق وبخط مغربي أندلسي وبالحبر البني الفاتح اللون، ويحتوي على ست صفحات مزخرفة بشكل هندسي ونباتي، وفيه من الدقة ما يعجب له الإنسان.
وأسماء السور في هذا المصحف كتبت بالخط الكوفي المغربي، وتنتهي برصائع على هامش الصفحة دائرية الشكل ملفوفة ببعضها، ونلاحظ الهامش وقد اكتظ بالأشكال، وهي تحمل شكل رأس السورة ورموز الأخماس والأعشار، وفي الصفحة اليمنى وفي القسم العلوي نشاهد شارة بدء العشر الثامن، وهذه التقسيمات التي اعتنى بها المسلمون عناية بالغة حين قسموا المصحف لأجزاء وأرباع وأحزاب، وقد رسم المذهب الشكل على شاكلة نافذة لتطل على العشر الثامن، وتحمل الحواشي أشكالاً هندسية ضمن دوائر تحمل رمز السجدة، وقد كتبت بالذهب على أرض زرقاء، ونلاحظ في هذه الصفحات بالرغم من صغرها دقة الفن في جماليات القرآن العظيم.
ونشاهد سورة العصر وسورة الهمزة، وسورة الفيل، وسورة قريش، وسورة الماعون، وسورة الكوثر، وسورة الكافرون، وسورة النصر، وسورة المسد، والإخلاص، والفلق، والناس.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 08:51 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (22)
قال تعالى: ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ? [الحجر: 9]، وعد إلهي ولا يخلف الله وعده بأن تظل كلمات القرآن العظيم محفورة في القلوب قبل أن تخط في الصحائف والسطور.
ولقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ بدء التنزيل بالرغم من حفظ آيات رب العرش العظيم في الصدور أن تخطى وتحفظ لتكون الكتابة صنو القراءة والحفظ.
ومرت الأيام سراعاً ودوِّن القرآن العظيم في السطور، وتطور الخط العربي في أحضانه وأصبح فناً لا يجارى، وولدت علوم وصنائع كان أهمها صناعة الكتاب وما احتواه من فن التجليد والتقشير ومن قبل صناعة الورق.
كل ذلك خدم الثورة الثقافية والدعوة للعلم التي جاء بها الإسلام، وكانت آياته الأولى التي تتنزل تدعو إلى ذلك ? اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) ? [العلق: 1]، ولم يمض نصف القرن حتى أصبح المصحف الشريف في لبوس موَشن يحفه الجمال والكمال في الهيئة التي صاغها الإنسان المسلم شرفاً وعزة وتعظيماً لكتاب الله -عز وجل-.
وكان أول من أجاد وحسن وطور في خط المصاحف خالد بن أبي الهياج، الذي كان منقطعاً لكتابة المصاحف للوليد بن عبد الملك، وجاء من بعده مالك بن دينار المتوفى سنة 131 هجرية، ثم جاء قطبة المحرر إلى أن ظهر ابن مقلة وطور في الخط اللين، وكتبت المصاحف بالخطوط اللينة، ولقد جاءنا من القرون الأولى مجموعة من المصاحف من مشرق الأرض ومغربها، استعرضنا أغلبها في الحلقات الأولى من البرنامج، وشاهدنا أجودها وأجملها ولاحظنا التطور الذي طرأ على رسوم العربية عبر القرون، وبين أيدينا صحيفة متبقية من مصحف شريف كتب على الرق بالخط الكوفي المحقق المذهب المسور بمداد السناج.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد استخدم فيه كاتبه قواعد أبي الأسود بالألوان، مما جعل الصفحة ذات بريق رائع وحسن أخاذ، كما تظهر في الصفحة فواصل الآيات، وقد زينت بشكل أزهار دائرية زرقاء، ونلاحظ علامة التعشير وهو حرف الياء في هذه الفواصل، وهذه الوثيقة من النوادر جداً، ومن المعروف أن الكتابة بالذهب كانت تقتصر على مصاحف الخلفاء والأمراء فحسب، ولقد ضاعت معظم صفحات الصحف، ولم يبق منها سوى هذه النادرة.
ونلاحظ دقة وإتقان الحروف التي توحي ولكأن كاتبها قد خطها بمسطرة.
ونقرأ في هذه الوثيقة من سورة "ق" ومن الآية السادسة من قوله تعالى: ? أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10) رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) ? [ق: 6: 14].
إن ما صنعه الخطاط في هذه الوثيقة أن أجرى تعديلاً وتطويراً في حركة التنوين حين يأتي مكسوراً، فقد نقطه باللون الأزرق وبدائرتين متجاورتين، وهذا ما لا نبصره في جميع المصاحف، إذ لم يقتصر على تغيير اللون فحسب، وإنما وضع النقطتين متجاورتين، وإن في هذه الصفحة من الإتقان ما هو عجيب ينم عن صبر طويل وجلد، فقد وضع في الصفحة عشرة أسطر، وانتقى الصفحات مستطيلة الشكل كما جرت العادة في المصاحف الأولى.
ومن المصاحف الكوفية المذهبة وصلتنا وثيقة هامة لما تحويه من غلظ القلم أثناء الكتابة وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذا المصحف كتب لأمير أو لسلطان طاعن في السن، ويدل عليه حجم القلم الذي كتب فيه كي يبصر القارئ بوضوح كلمات الله في كتابه المجيد.
وقد صورت الكلمات كما جرت العادة بمداد السناج وبلون بني.
وخطت الآيات على الرق، وجعلت الفواصل باللون الأزرق، وكتب بداخل الفاصلة رقم الآية حرف لام، ويوازي رقم ثلاثين في حساب الجُمَّل، ثم وضع الرقم كتابة على الحاشية، وهذا تطوير جديد في ترقيم المصحف، إذ كنا نشاهد فيما مضى علامات التخميس والتعشير فحسب، وليس من أرقام على صفحات القرآن العظيم.
ونقرأ في هذه الوثيقة آيات من سورة العنكبوت من قوله تعالى: ? وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) ? [العنكبوت: 31، 32].
تعود هذه الوثيقة إلى القرن الثالث الهجري وهي من القيروان، وقد مضى على كتابتها أكثر من ألف سنة، وما زالت تحتفظ ببريقها وجدتها، وكأنها كتبت حديثاً وذهبها يضيء ولكأنه ثقل حديثاً، وتوجد صفحة أخرى من هذا المصحف النادر الذي عفت عليه القرون وضاعت صفحاته ضمن مجموعة متحف مدينة "سان بيتر سبورج".
ومن الصفحات النادرة أيضاً التي جاءتنا من القرون الخالية صحيفة من مصحف شريف متميز بالخط الكوفي المذهب على الرق المصبوغ بالنيل الأزرق الداكن دون علامات تشكيل، ووضعت فواصل آياته على شكل دائرة بالفضة، وهذه الوثيقة فيها ملامح ومعالم بداية استقرار صنع الألوان المجردة التي ترمز إلى السماء الزرقاء، واستعمل الذهب للكتابة ليؤدي دور التضاد في اللون مما يبهج العين ويعجب به المتأمل.
وتعود هذه الصفحة للقيروان، ومن مطلع القرن الرابع الهجري، وينسبها بعض الخبراء للقرن الثالث، وقد خطت لأحد الحكام الفاطميين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونقرأ في هذه الوثيقة آيات من سورة آل عمران من قوله تعالى: ? لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) ? [آل عمران: 188: 192].
إن التناسق في ترتيب السطور جاء مدروساً بأبعاده وأحجامه، ولا شك أن الكاتب قد عانى في صبره وهو يخط هذه الآيات على أرضية زرقاء قاتمة، وكل ذلك تقرباً إلى الله -سبحانه وتعالى- في حفظ تدوين كتاب الله -عز وجل- بأبهى حلة وأجمل شكل.
وفي الوثيقة التي جاءتنا من القيروان وهي هامة؛ لأنها توضح كتابة وتدوين القرآن العظيم في الفترة التي سبقت تطوير الخط المغربي، ولأنها خطت بالخط الكوفي المغربي، ونلاحظ في حروفه هيكل الحرف الذي مال فيما بعد إلى الليونة.
خطت هذه الوثيقة على الرق، ودونت بمداد بني قاتم داكن، ولونت علامات التشكيل بالأحمر دون أن تكون هناك فوارق بألوان النقط، ونحن نعلم أن المغرب استعملت فيه النقطة الصفراء لهمزة القطع، ونراها في هذه الوثيقة وقد نقطت باللون الأحمر على طريقة أبي الأسود، وما هو جديد في حروف هذا الخط الكوفي المغربي أن الكاتب قد جنح إلى الليونة والانضجاع في حروف الياء والنون، ونقط الحروف المعجمة على طريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي مع شيء من التطوير.
ونقرأ في هذه الوثيقة من قوله تعالى من سورة هود: ? فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (30) ? [هود: 27: 30].
إن هاتين الصفحتين من القرآن العظيم هما في حالة حسنة، وهما ضمن مجموعة متحف مقاطعة "لوس أنجلوس".
وقد قامت الدراسات على هذه الوثيقة لتبيان التطورات التي جرت على رسوم الكتابة في المغرب العربي، والتي وصلت إلينا في هذا العصر على الطريقة اللينة المبسوطة.
ومن المصاحف النادرة التي خطت في العصر السلجوقي وصلتنا ثلاث صحائف من مصحف شريف كتب على الورق وبالخط الكوفي البديع، الذي يسميه علماء الكتابة من المستشرقين، الخط الكوفي المشرقي.
ونلاحظ في هذه الوثائق تغير قطع المصحف، وتطوره من شكل المستطيل الأفقي إلى الطولي، وفي الصفحة ستة أسطر، وقد أحيطت أسماء السور بزخارف ذهبية زاخرة، حيث تمتد أطرافها إلى هامش الصحائف بسعيفات ذهبية زرقاء.
انتشر هذا الخط الجميل في أحضان القرآن العظيم بعد ظهور الورق، ورافق تطوره تطور الزخرفة واتباع القطع الرأسي.
كل هذه التطورات بدأت منذ القرن الخامس الهجري، ونلاحظ في هذه الوثيقة مرصعة فيها نوع الصورة وهي مكية، كما نلاحظ جمال الخط الكوفي في رسم اسم السورة، وقد صاحبته الزخارف تنم عن ذوق رفيق لأشكال ورقة التين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونقرأ في الصفحة الأولى من نهاية سورة التحريم من قوله تعالى: ? وَمَرْيَمَ ابْنتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) ? [التحريم: 12]، ثم نقرأ اسم السورة التي تليها وهي سورة "الملك" ثلاثون آية، ثم بسم الله الرحمن الرحيم، وفي الصفحة الثانية نقرأ من نهاية سورة القلم من قوله تعالى: ? وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (52) ? [القلم: 51، 52].
ثم نشاهده شكلاً جمالياً زخرفياً وقد قسم إلى جدولين، في الجدول الأول اسم السورة "سورة الحاقة"، وفي الوسط كلمة "خمسون" وفي الجدول الثاني "وآية مكية" والسورة هي اثنتان وخمسون آية مكية على رواية حفص، ثم نقرأ من سورة الحاقة، بسم الله الرحمن الرحيم ? الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) ? [الحاقة: 1: 3].
وننتقل إلى الصفحة الثالثة ونشاهد فيها غنى الزخرفة في رأس السورة، وهذا يدل على أن القرآن هذا لو وجد لرأينا فيه غنى في الزخرفة الإسلامية؛ لأن المذهب استخدم أشكالاً لكل سورة يختلف فيها الاسم ضمن تكوينات جديدة ساحرة مذهبة.
كما نلاحظ المرصعات التي على حواشي المصحف، فاستخدم المذهب أيضاً فواصل مروحية بين الآيات، مستمدة من مراوح النخل، وفيها أرقام الآيات على حساب الجُمَّل.
ونقرأ في رأس السورة اسم سورة "الإنسان" ثلاثون، ثم ننتقل إلى الجدول الثاني الذي رسمه على شكل مثمن دائري وفيه وآية مكية وبذلك يكون عدد الآيات لهذه السورة إحدى وثلاثون.
ونقرأ في هذه الوثيقة بسم الله الرحمن الرحيم: ? هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ ... ? [الإنسان: 1، 2] لقد كتبت هذه الصفحات من هذا المصحف النادر بمداد لون بني قاتم، كما زاوج في شكله بين طريقتين ومنهجين حين قرن أسلوب أبي الأسود بأسلوب الفراهيدي، ونقط الكلمات باللون الأحمر، ووضع الشدات والسكون باللون الأزرق، صفحات من قرآننا العظيم تحدثت عنها القرون، وحملتها الصدور عبر ألف وأربعمائة عام.
ظهر في وقت متأخر مصطلح الرسم المصحفي والرسم العثماني في المؤلفات التي اهتمت بموضوع خط المصحف وصار مصطلح الرسم يهتم بكيفية كتابة الكلمات في المصحف، ولم يحدث لكتاب في تاريخ البشرية أن نقل عناية التامة والاهتمام من حيث كتابته ورسم حروفه ومن حيث تلاوته وتحقيق قراءته ومعرفة أحكامه وبيان معانيه كالقرآن العظيم.
فقد روى علماء الرسم وسجلوا في كتبهم وصف هجاء كل كلمة وردت في المصحف، خاصة تلك التي تميزت برسم معين، إذ ما إن وصلت المصاحف التي كتبت في المدينة في خلافة الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى الأمصار الإسلامية حتى سارع المسلمون إلى نسخ المصاحف منها حرفاً بحرف، وكلمة بكلمة، وإقامة مصاحفهم بعرضها عليها.
وكما اشتهر أئمة بقراءة القرآن العظيم وإقراءه في الأمصار كذلك اشتهر أئمة بضبط اسمه والكتابة على ما جاء في المصحف الإمام الذي وجه إليهم.
وبذلك قامت المصاحف المنسوخة من الأمهات مقام الأصول، وما إن بدأ عصر التدوين في القرن الثاني الهجري حتى سارع أئمة الضبط في رسم كلمات المصحف إلى تدوين هذا العلم، وتسجيل ذلك في كتب أصبحت الأساس لسور الكلمات في المصاحف، ومرجعاً لمن أراد أن يخط مصحفاً بالإضافة إلى ما تبقى من المصاحف المنسوخة.
وظهر علماء في مختلف الأمصار يعملون في ميدان علم رسم المصحف ويقارنون بين المصاحف المكية والمدنية، ومصاحف أهل الشام والعراق.
وظهر في كل مصر من الأمصار إمام روى ما جاء في مصحف بلده، وأئمة القراءات كانوا يروون كيفية رسم الكلمات إلى جانب روايتهم للقراءة، وكانت مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داراً للقرآن وقراءاته ورسمه، فكان ممن روي عنهم الرسم من أهل المدينة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، المتوفى سنة 117 هجرية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن أهم من نقل رسم كلمات القرآن العظيم إمام المدينة في الرسم نافع بن عبد الرحمن بن أبي النعيم، المتوفى سنة 169 هجرية، وهو أحد القراء السبعة الأعلم، وهو من أهم من نقل رسم المصحف.
ولد بالمدينة وأقرأ الناس بها بكثير من القراءات، وعاش عمراً طويلاً، وكان مصحف عثمان -رضي الله عنه- الذي أعطاه لأهل المدينة يحتفظ به عنده، وقد حفظه برسمه عن ظهر قلب، وقرأ عليه خلق كثير، فقد أقرأ الناس أكثر من سبعين سنة، وشرق تلامذته وغربوا، ونقلوا عنه علوم رسم كتابة المصحف.
ومنهم سليمان بن مسلم بن جماز، المتوفى سنة 170 هجرية، وإسماعيل بن جعفر المدني المتوفى سنة 180 هجرية، وعبد الله بن وهب المتوفى سنة 197 هجرية، والغازي بن قيس الأندلسي المتوفى سنة 199 هجرية، وعيسى بن مينا قالون المتوفى سنة 220 هجرية، وفي البصرة كان أبو عمرو بن العلاء المتوفى سنة 154 إماما في الرسم، وفي الكوفة كان أبي عمارة حمزة بن حبيب الزيات المتوفى سنة 156 من أئمة الرسم أيضاً، وفي دمشق كان أبو الدرداء المتوفى سنة 132 هجرية إماماً في الرسم.
أخذ عنه عبد الله بن عامر المتوفى سنة 118 هجرية، وجاء هشام بن عمار المتوفى سنة 245 فأخذ الرسم عن ابن عامر وكان إمام أهل دمشق في زمانه.
هؤلاء هم أئمة الرسم وعماد الرواية، ينقلون كلمات المصحف العظيم كما هي، وألف ابن عامر والكسائي والفراء كل منهم كتاباً في علوم فن رسم رموز وكلمات المصحف الشريف.
ظلت المصاحف إلى جانب روايات الأئمة المصدر لدراسة رسم كلمات المصحف، والمؤلفون يروون الروايات المتقدمة، ويعقبون بأنهم رأوا ذلك في مصحف بلدهم، والمصاحف المخطوطة في الزمن الأول خير شاهد ودليل، وأفضل معين وأصدق رواية عن طريقة رسوم كلمات المصحف العظيم، والتي لا يمكن أن يغفلها أمام روايات وكتابات المدونين لعلوم الرسم المصحفي.
يطلق على الرسم المصحفي الذي كتبت به حروف القرآن العظيم وكلماته اسم الرسم العثماني نسبة إلى سيدنا عثمان -رضي الله عنه- وهذا لا يعني أن الخليفة عثمان -رضي الله عنه- قد وضع رسوم المصحف وهيئة كلماتها، وإنما هو الذي أمر أن يجمع في عهده ويخط من المصحف الأم الذي خط زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجمع لأول مرة زمن الخليفة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ولا فضل لعثمان في الرسم إلا أمره بالجمع بعد أن أخذ مشورة الصحابة، وعلى رأسهم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، الذي كان يقول دائماً: «لا تقولوا في عثمان إلا خيراً فوالله ما فعل الذي فعل بالمصاحف إلا بأمر منا».
وفي الرسم هذا لا يطابق المنطوق المكتوب، والرسم يتحمل أكثر من وجه، وأكثر من صورة منطوقة، لقد ألفت كتب كثيرة في علم الرسم المصحفي هذا من حيث هو علم، وفي ذلك اهتمام عظيم للقرآن العظيم فهو كلام رب العرش -جل وعلا- الذي سيظل في الأرض حتى يرثها ومن معها.
ألف السجستاني أبو حاتم المتوفى سنة 255 هجرية كتاباً في اختلاف هجاء المصاحف، وألف أبو عمرو الداني المتوفى سنة 444 هجرية كتاب "المقنع والمحكم"، وألف سليمان بن نجاح المتوفى سنة 496 هجرية كتابه "التنزيل"، وألف أبو العباس المراكشي المعروف بابن البناء المتوفى سنة 721 هجرية سفره النفيس الذي يعد من أندر الرسالات في موضوعه وهو كتاب "عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل".
يقول ابن وثيق الأندلسي المتوفى سنة 654 هجرية: «اعلم وفقك الله أن رسم المصحف يفقتر إلى معرفة خمسة فصول عليها مداره أولها: ما وقع فيه من الحذف، وثانياً: ما وقع فيه من الزيادة، وثالثها: ما وقع فيه من قلب حرف إلى حرف، ورابعها: أحكام الهمزات، وخامسها: ما وقع فيه من القطع والوصل».
ويعرف الخط بأنه تصوير اللفظ بحروف هجائه، ومن هنا كان الأصل في كل مكتوب أن يكون موافقاً تماماً للمنطوق به زيادة ونقصاً وتغييراً، إلا أن هذا الأصل خولف كثيراً في المصحف المكتوب، وظل مصطلح الرسم القرآني مستقلاً بنفسه، جارياً في بعض ألفاظه على غير قياس، غير متأثر ببعض القواعد الهجائية القديمة أو المستحدثة، وقد نشأ بسبب اختلافات الرسم الإملائي لما هو منطوق علم الرسم القرآني و ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ? [الفرقان: 1]، بسورة الفرقان، و ? تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا ? [الفرقان: 10]، في سورة الفرقان، و ? فَتَبَارَكَ
(يُتْبَعُ)
(/)
اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ? [غافر: 64] بسورة غافر.
ونشاهد الألف المحذوفة في الآيات ? وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ ? [الرعد: 4]، في سورة الرعد، ? وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ ? [النحل: 11] في سورة النحل، ? وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ ? [النحل: 67]، في سورة النحل أيضاً، و? حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) ? [النبأ: 32] في سورة النبأ، وهي مثبتة في قوله تعالى: ? أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ? [البقرة: 266]، في سورة البقرة.
ونشاهد أيضاً حذف الألف في قوله تعالى: ? سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ? في كلمة ? سُبْحَانَكَ ? في الآية الثانية والثلاثين من سورة البقرة، وفي ? سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? [آل عمران: 191] في سورة آل عمران، وفي ? سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ? [الإسراء: 1]، في سورة الإسراء، وفي ? سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ ? [الإسراء: 43] في سورة الإسراء، وفي ? سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ? [الإسراء: 108] في سورة الإسراء أيضاً.
بينما نشاهد الألف مثبتة في قوله تعالى: ? قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ? [الإسراء: 93] في سورة الإسراء، ومما نشاهد في الاختلاف أيضاً كتابة حرف التاء، وفي أغلب المواضع تاءً مبسوطة في قوله تعالى: ? أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ ? [البقرة: 218] في سورة البقرة، و ? رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ? [هود: 73] في سورة هود، و ? ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ ? [مريم: 2] في سورة مريم، و ? إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ ? [الروم: 50] في سورة الروم، و ? أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ? [الزخرف: 32] في سورة الزخرف، و ? رَحْمَت رَبِّكَ ? [الزخرف: 32] في سورة الزخرف.
قال الزركشي: «إن اتباع حروف المصحف كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها، لقد تبع علماء الرسم المصحفي الكلمات التي يختلف رسمها عن نطقها، وعللوا لها بما يعرف منه أن مرجع الخلاف هو ما في الكلمات من قراءات يحتملها الرسم، أو ما فيها من قراءات واحدة يستدعى أن تكتب بسورتها التي لا تحتمل ما سواها.
وهذا نظام الدين النيسابوري ينقل عن جماعة من الأئمة قولهم: إن الواجب على القراء والعلماء وأهل الكتاب أن يتبعوا هذا الرسم في خط المصحف، فإنه رسم زيد بن ثابت، وكان أمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكاتب وحيه، وعالماً من هذا العلم بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يعلم غيره، فما كتب شيئاً من ذلك إلا لعلة لطيفة وحكمة بليغة، ألا ترى أنه لو كتب على صلواتهم أو إن صلاتك بالألف بعد الواو أو بالألف من غير واو لما دل ذلك إلا على وجه واحد وقراءة واحدة.
وكذلك ? وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ? [الرعد: 42] تكتب: "وسيعلم الكفر" بغير ألف ألف قبل الفاء ولا بعدها، ليدل على القراءتين.
وإن في الرسم العثماني المصحفي فوائد:
منها: الدلالة على الأصل والشكل والحروف لكتابة الحركات حروفاً باعتبار أصلها في نحو ? وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ? [النحل: 90]، و? سَأُرِيكُمْ ? و ? الصَّلاَةِ ? بالواو بدل الألف، و ? الزَّكَاةَ ? بالواو بدل الألف أيضاً.
ومنها: النص على بعض اللغات الفصيحة ككتابة هاء التأنيث تاءً مجرورة على لغة طيء، وكحذف ياء المضارع لغير جازم فيه ? يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ ... ? [هود: 105]، على لغة هذيل.
ومنها إفادة المعاني المختلفة بالقطع والوصل في بعض الكلمات في قوله تعالى: ? أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ? [النساء: 109]، و ? أَمَّن يَّمْشِي سَوِيًّا ? [الملك: 22]، فإن قطع "أم" عن "من" يفيد معنى "بل" دون وصلها بها.
وفي قوله: ? مَا كُنَّا نَبْغِ ? [الكهف: 64]، في سورة الكهف، فمع إجماع كتاب المصاحف على كتابتها بغير ياء بعد الغين، فقد اختلف القراء في إثبات الياء وحذفها، فأثبتها وصلاً نافع وأبو عمرو، وأبو جعفر، والكسائي، وأثبتها وصلاً ووقفاً ابن كثير ويعقوب، وحذفها وصلاً ووقفاً ابن عامر وعاصم وحمزة وخلف، وهذه الياء حذفت رسماً للتخفيف، فمن قرأ بحذفها وافق الرسم تحقيقاً، ومن قرأ بإثباتها وافق الرسم تقديراً، والأصل إثباتها؛ لأنها لام الكلمة.
وفي قوله تعالى: ? وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ ... ? [البقرة: 9] في سورة البقرة فيه اختلاف في القراءات فقرأها "يَخْدَعون" بفتح الياء، وإسكان الخاء، وفتح الدال، كل من ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وأبي جعفر ويعقوب، وقرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو "يُخَادِعون" بضم الياء وفتح الخاء وألف بعدها، وكسر الدال.
وفي قوله: ? وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ? [الأنعام: 115]، فقد اتفق كتاب المصاحف على كتابتها بحذف الألف بعد الميم، وبالتاء المبسوطة بعدها، واختلف فيها القراء، فقرأها عاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب بالإفراد "كلمة"، وقرأها بالجمع "كلمات" نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر.
هذا هو الرسم المصحفي خط ووصل عبر القرون بهذه الهيئة لحكمة أرادها الله.
? وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً ? [البقرة: 138].
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 09:01 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (23)
قال الله تعالى في كتابه العزيز: ? وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ? [المزمل: 4]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (زينوا القرآن بأصواتكم) وقال أيضاً: (ليس منا من لم يتغنى بالقرآن).
وعن عائشة قالت: (استبطأني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقال: ما حبسكِ؟ قلت: إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن، فأخذ ردائه وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة، فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك).
للقرآن أغراض منها: الإعلام والتنبيه، والأمر والنهي، والوعد والوعيد، ووصف الجنة والنار، والاحتجاج على المخالفين، والرد على الملحدين، والبيان عن الرغبة والرهبة، والخير والشر، والحسن والقبيح، ومدح الأبرار، وذم الفجار، إلى غير ذلك.
وليس طبيعياً أن نقرأ هذه الموضوعات بأسلوب واحد، وإذا كان ترنم الباكي مقبولاً في آيات التوبة والاستغفار فهو مقبول في غير ذلك، مما يسعد ويبهج ويبعث الطمأنينة في النفس البشرية.
وقراءة القرآن قرآءة معبرة أمر قديم.
قال الزمخشري في "أساس البلاغة": «ومن المجاز صوت حزين» أي رخيم.
يقول ابن قتيبة: «أول من قرأ بالألحان عبد الله بن أبي بكرة، وكانت قراءته حزناً» أي فيها رقة صوت ليست على شيء من ألحان الغناء، ولا الحداء.
وبكى الطبيب البصري ناصر جويه وهو يهودي حين سمع قراءة القرآن العظيم من أبي الخوخ المقرئ، فقيل له: كيف بكيت من كتاب الله ولا تصدق به؟ قال: إنما أبكاني المعنى في الشجا.
للقرآن العظيم تقطيعاته الخاصة به، وهي نابعة من ذاته، يدركها كل مقرئ ويشعر بها من فيض إحساسه، وهذا ما جعل العرب يحارون أثناء قراءته أو سماعهم له، فلم يعرفوا بما يصفونه، أسحر هو أم شعر، أم هو الشيء الذي يدخل القلوب فتخشع الذات له من غير استئذان، وهذا هو الإعجاز، وهذا هو الفن.
ومن بدائعه أن نرى في مضمونه دلائل فريدة تنبع من حروفه المتزنة العظيمة، فنرى فيه الانسجام وهو كما يقول عنه ابن أبي الإصبع: يأتي منحدراً كتحدر الماء المنسجم بسهولة سبك وعذوبة لفظ، وسلامة تأليف، حتى يكون للجملة من المنثور وللبيت من الموزون وقع في النفوس، وتأثير في القلوب.
وهو كما يقول السيوطي: لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه يسيل رقة.
وإذا قوي الانسجام في النثر جاءت قراءته موزونة من غير قصد.
ومن بلاغة القرآن العظيم ما نراه في الإبدال وهو إقامة بعض الحروف مكان بعض، ومنه قوله: ?انفَلَقَ? بدل "انفرق"، ولهذا قال: ? فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ ? [الشعراء: 63]، فالراء واللام متتابعان.
ومنه ? إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ? [ص: 32]، أي "الخيل" والتخفيف من بلاغة القرآن المنبعثة من داخله بمعانٍ شتى من المدح والوصف وغير ذلك من الفنون، كل جملة منفصلة عن أختها مع تساوي الجمل في الوزن، ومنه قوله تعالى في سورة الشعراء: ? الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) ? [الشعراء: 78: 81].
واستخدم القرآن العظيم في مفرداته التعداد كأسلوب جميل رائع، ونلاحظ اللفظة المفردة على سياق واحد، كقوله جل شأنه في سورة الحشر: ? هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ? [الحشر: 23]، وقوله في سورة التحريم: ? مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ? [التحريم: 5]، وقوله في سورة التوبة: ? التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ ? [التوبة: 112].
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي اختلاف اللفظين بحرف مقارب في المخرج سواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر كقوله تعالى في سورة الأنعام: ? وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ? [الأنعام: 26]، ومن بلاغة القرآن العظيم التي يتردد صداها في جوانبه ما عُرِفَ بحسن النسق وهو أن يأتي المتكلم بكلمات متتاليات معطوفات متلاحمات تلاحماً سليماً مستحسناً، ولو أن كل جملة قائمة بنفسها، ومنه قوله تعالى في سورة هود: ? وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) ? [هود: 44].
ونلاحظ في كتاب الله العزيز أسلوب المشاكلة وهو ذكر الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبته تحقيقاً أو تقديراً، كقوله -عز وجل-: ? تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ? [المائدة: 116]، ومن سورة آل عمران قوله: ? وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ? [آل عمران: 54]، و? وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ? [الشورى: 40]، وقوله: ? فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ? [البقرة: 194]، وقوله: ? وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ ? [الجاثية: 34]، وقوله: ? فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ ? [التوبة: 79]، وقوله: ? إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ (15) ? [البقرة: 114، 115].
ومن المماثلة في القرآن العظيم وهو تماثل الألفاظ كلها أو بعضها في الوزن دون التخفية كقوله تعالى: ? وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) ? [الطارق: 1: 4].
ومما يوفر للقرآن العظيم وقعه الذاتي أنه هو نفسه يوفر الانسجام بين ألفاظه وأصواته من طرق كثيرة منها:
• حذف ياء المنقوص المعرف كقوله: ? الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ? [الرعد: 9]. وفي قوله من سورة غافر قوله: ? يَوْمَ التَّنَادِ ? [غافر: 32].
• وحذف ياء الفعل غير المجذوم كقوله جل شأنه: ? وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) ? [الفجر: 4].
• وحذف ياء الإضافة كقوله: ? فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) ? [القمر: 16]، ? فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ? [الرعد: 32].
• ومن أسلوبه أيضاً: زيادة حرف المد كقوله: ? الظُّنُونَا ? [الأحزاب: 10]، ? الرَّسُولاَ ? [الأحزاب: 66]، ? السَّبِيلا ? [الأحزاب: 67] ..
• وصرف ما لا ينصرف في ? قَوَارِيرَ ? [الإنسان: 15] ..
• واختيار أغرب اللفظين نحو: ? قِسْمَةٌ ضِيزَى ? [النجم: 22]، ولم يقل: قسمة جائرة. وكذلك في قوله: ? لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ? [الهمزة: 4]، ولم يقل في جهنم، وفي سورة المدثر: ? سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) ? [المدثر: 26]، وفي المعارج: ? إِنَّهَا لَظَى ? [المعارج: 15]. وفي سورة القارعة ? فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) ? [القارعة: 9]]، وذلك مراعاة لفواصل كل سورة.
• وقد يكون العدول عن صيغة الماضي إلى صيغة الاستقبال كقوله تعالى: ? فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ? [البقرة: 87]، والأصل "قتلتم".
• وقد يطغى هذا الأسلوب لتغيير بنية الكلمة نحو ? وَطُورِ سِينِينَ (2) ? [التين: 2]، والأصل "سينا".
وقد كثر في القرآن العظيم ختم الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون، يقول السيوطي: «وحكمته وجود التمكن من التطريب بذلك» كما قال سيبويه: «إنهم إذا ترنموا يلحقون الألف والياء والنون؛ لأنهم أرادوا مد الصوت ويتركون ذلك إلى لم يترنموا، وجاء القرآن على أسهل موقف وأعذب مقطع».
والوقع في عبارة القرآن يسير المعاني فهو بإطلاق في التقريع والإعذار والإنذار، والتحذير والتخويف، ذو ألفاظ شديدة قابضة مزعجة، فإذا بشر ووعد وحمد، فألفاظه بإطلاق أيضاً باسطة بهيجة مشوقة، وقد قيل أن هذا الأسلوب في الأصوات القرآنية يلعب في تكييف عقل السامع وتهيئته لتلقي الدعوة دوراً هو فوق التعريف، وإن الجمال الفني في القرآن العظيم هو الذي جذب العرب إلى الإسلام.
إن أسلوب القرآن العظيم من دلائل إعجازه إذ أنه غير ما يكتب البشر، وما يقدمونه من نثر فني قد يعمد إليه بعضهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
فيضحي من أجله قليلاً أو كثيراً بدقة المعنى، والترتيل في القرآن العظيم إبراز الحروف ونطقها مع الفصاحة، وهو ما يساعد على السير في إبراز وقع النص القرآني، وهو غير تنغيم والترعيد الذي نهى جل العلماء عنه، والترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف، وقد كثر الاعتناء بالوقف وأماكنه في القراءة، عندما دخلت في الدين الجديد شعوب من الأعاجم.
وقد انتشر الاهتمام بتجويد الحروف ومعرفة الوقوف، وحث السلف عليه حتى إنهم ألزموا المستجيز أن يعرف الوقف والابتداء قبل أن يجاز في تلاوة القرآن العظيم، والقارئ المتقن يقف عند المقاطع، والجاهل يقف عند انقطاع نفسه، وقد يقف في موضع يضر الوقوف عنده، ويخل بالمعنى.
وقوقد حذر العلماء من الوقوف على المواضع التي لا يتم فيها الكلام والكثير من خط المصاحف وضع لفظ "لا" بالأحمر للتنبيه بعدم الوقوف، وقد يكون في الآية وقفان، وقد رمز بثلاث نقاط علامة لمنع الوقف بين الكلمتين وجواز الوقف على واحد منهما، كقوله تعالى: ? الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ? [البقرة: 3]، والوقف على ? غَيْرِ ? [الفاتحة: 7]، في الفاتحة.
والوقف والقطع والسكت يقصر بها النفس عند أكثر القراء، وتشدد القراء في الوقف ما لم يرد فيه قراءة معتمدة وأن يكون الوقف غير مخالف للإعراب. قال -صلى الله عليه وسلم-: (مثل الذي يقرأ القرآن حافظ له مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران).
لما بلغ الدين ذروة الكمال، وبلَّغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده وربى أمة تقلدت مهام النبوة ومسئولياتها من غير نبوة وكلفت النهوض بالدعوة وصيانة الدين من التحريف، فقال تعالى: ? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ? [آل عمران: 110].
وضمن الله لهذا القرآن العظيم الذي هو أساس الإيمان واليقين بالبقاء والنقاء فقال: ? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ? [الحجر: 9].
وأقر الله عين نبيه بدخول الناس في هذا الدين أفواجاً، وبدت طلائع انتشاره في العالم وظهوره على الأديان كلها، فقال: ? إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) ? [النصر].
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن العظيم، ولكنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك العام: (إنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي).
لما كان كل ذلك أذن الله لنبيه باللقاء الذي لم يكن أحد أشد شوقاً له منه، وقد أحب الله لقاءه كما هو أحب لقاءه، ومرت الأيام والشهور والسنون والقرون، وكتاب الله -عز وجل- الذي دارسه إياه جبريل، وحفظه صحابته عن ظهر قلب من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودونوه وخطوه ونسخوه في الرقوق وعلى العظام، والحجارة النحاف، وسعف النخل، والأقتاب والورق، مع دوران الشمس ودورة القمر في مشرق الأرض ومغربها، يأخذ حلته القشيبة، ويجلوا في بهاء وجمال وروعة مع كلمات الخالق البارئ المصور، فمن التنسيق في خطوطه وسطوره إلى التحسين في البنية الجمالية في الورق والتجليد والتذهيب.
ونشطت في أحضانه فنون وولدت علوم وابتكرت أنماط في الخطوط لم تكن من قبل، وظهر مئات الخطاطين النابغين المبتكرين عبر هذا الزمن الطويل، فرسموا آلاف المصاحف بخطوطهم الجميلة تقرباً إلى الله يرجون عفوه ومغفرته، ولم يقنعهم حبر سناج ومداد الورد والرمان، فطيعوا الذهب وكتبوا به، وحلوا فواصله بالفضة، وجلدوه بالديباج والحرير والجلد، واستخدوا اللك لبقائه ودوامه أطول مدة ممكنة، وولدوا آلاف الأشكال التي اقتبسوها مما أرشدهم إليها قرآنهم العظيم من الأزهار والنبات وبات المصحف العظيم موشاً في حلة بهية، يدهش الرائي لمرآه ويخشع القلب لنصه ومعناه.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبات كل مسلم في أقاصي الأرض يقرأ في سطوره ويتمتع بجمال الحرف العربي وإن كان أعجمي اللسان من الصين إلى الهند فآسيا وأوروبا وإفريقية، ودوى في السحر الحرف العربي تلهج به ألسنة المؤمنين بلكناتها من أسود وأبيض وأصفر.
وخلال هذه القرون الممتدة في الزمن البعيد القريب تبلورت الاتجاهات المختلفة لنوع الخط وطريقة الضبط في المصاحف وسارت في مذهبين:
الأول: ساد في المشرق ويمثله مصحف ابن البواب الذي كتبه سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة هجرية في مدينة السلام ببغداد، نموذجاً ممتازاً له، ويغلب عليه استعمال العلامات التي وضعها الخليل، واستعملها الكتاب وأهل اللغة.
والثاني: هو الاتجاه الذي امتاز باستعمال الخط المغربي، وأظهر ميلاً أكثر للإبقاء على العلامات القديمة، وقد ساد هذا الاتجاه في بلاد المغرب الإسلامي، ولا تزال آثار هذين الاتجاهين بادية ظاهرة على ما يطبع من مصاحف إلى اليوم.
مضت القرون والسنون، والمصحف ينسخ باليد كلمة كلمة، وحرفاً حرفاً وكان لظهور الورق وصناعته على أيدي العرب المسلمين وتطويره وصقله وتقهيره أثر كبير على مسيرة فن المصحف وفن الكتاب العربي، وبظهور الورق ظهرت المطبعة سنة 1431 ميلادية في أوربا، وكان لظهورها الأثر في تقدم الثقافة والعلوم ونشرها في مختلف الطبقات، وكان لظهور المطبعة سبب في ظهور المصحف المطبوع الذي غدا متناولاً عند كل الشعوب.
كان ظهور المصحف المطبوع في أوروبا قبل ظهوره في أي بلد مسلم، نتيجة التطور الصناعي الذي حظيت به تلك البلاد، وظهر على أيدي المستشرقين، ويجمع كل من درس تاريخ المصحف المطبوع، على أن أول مصحف أخرجته المطابع ورأى النور كان في سنة 1106 هجرية تقريباً، والتي توازي سنة 1694 ميلادية والذي وقف على طبعه المستشرق "هينكل مان" في مدينة "هامبورج" بألمانيا.
وقد طبع ذلك المصحف بطريقة تنضيد الحروف، وليس تصورياً لمصحف مخطوط، ويقع في 560 صفحة، في كل صفحة ستة عشر سطراً مع مقدمة في ثمانين صفحة باللاتينية، وعلى رأس كل آية رقمها مع علامة تدل على انتهائها.
وفي دار الكتب المصرية نسخة منه، ولقد عانى هذا المصحف مما تعانيه التجربة الأولى في الطباعة، وخاصة إذا كانت على يد رجل ليس له إلمام ومعرفة بالقرآن العظيم.
في النسخة أخطاء فاحشة، لا تكاد تخلوا صفحة منه، سواء من حيث الرسم أو الضبط، كوضع كلمة مكان أخرى، ووصل ما لا ينبغي أن يوصل، إلى أخطاء تدل على جهل وسقم بالعربية وقواعدها، وقد جرى ضبط المصحف على طريقة الخليل وأهل المشرق، فالفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف، والضمة واو صغرى فوق الحرف أيضاً، والكسرة مثل الفتحة تحت الحرف، والتنوين علامتان منها، والسكون دائرة مفرغة، والصلة رأس صاد، والشدة رأس شين، والهمزة رأس عين، والمدة بقية من كلمة مد، وقد جرى تنضيد حروفه على الإملاء الاصطلاحي، وتوالت طباعة المصاحف منذ ذلك التاريخ، ودخلت البلاد الإسلامية.
وأول طباعة إسلامية خالصة للقرآن العظيم ظهرت في "سان بيتر سبورج" بروسيا سنة 1787 قام بها مولاي عثمان، وظهرت المصاحف المطبوعة في دار الخلافة العثمانية ومصر والهند وغيرها من بلاد المسلمين ومن سواهم، ومنها مصحف طبع في قاذان سنة 1295 هجرية، والتي توافق سنة 1877 ميلادية، وهو مطبوع بالحروف مثل مصحف "هامبورج".
ورغم أنه لم يخلوا من الأخطاء إلا أن القائمين على طبعه قد حرصوا على الإشارة إلى مواطن الخطأ والصواب في خاتمة المصحف، وهو مضبوط على طريقة أهل المشرق تماماً، إلا في حالة الضمة والتنوين معها، فعلامة الضمة القصيرة فيه واو صغيرة مطموسة الرأس، والضمة الطويلة أكبر من القصيرة، وليس في المصحف أرقام للآيات.
لم تكن كل المصاحف المطبوعة تجري على طريقة تمضيد الحروف، بل الغالب هو تصوير مصحف مخطوط على الحجر أو بالزنك كالمصاحف التي طبعت في ألمانيا وفي "لايبزك".
وقد تمت طباعة مصحف للحافظ عثمان الشهير بقايد زاده كتبه سنة 1094 هجرية، ويعد هذا المصحف الذي طبع بطريقة التصوير من أجمل المصاحف إخراجاً وخطاً، وقد كتب بقلم النسخ، وكتبت رؤوس الآيات بخط التوقيع، وفي كل صفحة أحد عشر سطراً، ونهج في إملائه على طريقة ابن البواب، واستخدم طريقة المشارقة في الشكل.
(يُتْبَعُ)
(/)
والمدهش في هذا المصحف أن علامات التخميس والتعشير والأحزاب والأجزاء والأرباع قد رسمت كل واحدة منها بشكل مستقل تختلف عن أختها، ويدل هذا على خصب خيال المفن الذي ذهب ووشح هذا المصحف الشريف.
وبالرغم من أن الحافظ عثمان قد كتب أكثر من أربعين مصحفاً لم يبقى منها إلا القليل فإن هذه النسخة المتميزة تحمل أسلوبه في الكتابة، وتعبر عن السحر الحلال الذي وصل إليه خط النسخ حتى اختص بكتابة القرآن العظيم، واشتهر بمصر في أوائل القرن الهجري الحالي أواخر القرن التاسع عشر مصحف رضوان، الذي طبع سنة 1308 هجرية، الموافق لسنة 1890 ميلادية.
إلا أن المصحف الذي فاق كافة المصاحف المطبوعة شهرة هو المصحف الذي طبع في زمن ملك مصر فؤاد الأول، في اليوم السابع من شهر ذي الحجة لسنة 1342 هجرية، وقد كتب بخط النسخ الجميل، وصنعت حروفه بألمانيا، وضبط ضبطاً تاماً على ما يوافق رواية حفص بن سليمان بن مغيرة الأسدي الكوفي لقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي التابعي، وأخذ هجاؤه مما رواه علماء الرسم عن المصاحف التي بعث بها عثمان بن عفان إلى البصرة والكوفة والشام ومكة.
والمصحف الذي جعله لأهل المدينة، والمصحف الذي اختص به نفسه، وعن المصاحف المنتسخة منها.
وعلى الجملة كل حرف من حروف هذا المصحف موافق لنظيره في مصحف من المصاحف الستة السابق ذكرها.
والعمدة في بيان كل ذلك على ما حققه محمد بن محمد الأموي المشهور بالخراز، مع إبدال علامات الأندلسيين والمغاربة بعلامات الخليل ابن أحمد وأتباعه من المشارقة.
واتبعت في عد آياته طريقة الكوفيين، وآي القرآن على طريقتهم 6236 آية، وأخذ بيان أوائل أجزائه الثلاثين، وأحزابه الستين، وأرباعها من الصفاقسي وبيان مكيه ومدنيه من كتب القراءة والتفسير، وأخذ بيان السجدات ومواضعها من كتب الفقه، وبيان السكتات من الشاطبية، ووضع الصفر المستدير فوق حرف علة يدل على زيادة ذلك الحرف، فلا ينطق به في الوصل ولا في الوقف، نحو قوله تعالى: ? قَالُوا ? وقوله: ? يَتْلُو صُحُفًا ? وقوله: ? لأَذْبَحَنَّهُ ? وقوله: ? وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) ? وقوله: ? إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلَ ? وقوله: ? بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ ?. ووضع الصفر المستطيل القائم فوق ألف بعدها متحرك يدل على زيادتها وصلاً لا وقفاً، نحو ? أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ? وقوله: ? لَكِنَّ هُوَ اللهُ رَبِّي ? وقوله: ? وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ? وقوله: ? هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ ? وقوله: ? كَانَتْ قَوَارِيرَ (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ (16) ? وأهملت الألف التي بعدها ساكن نحو ? أَنَا النَّذِيرُ ? من وضع الصفر المستطيل فوقها، وإن كان حكمها مثل التي بعدها متحرك في أنها تسقط وصلاً وتثبت وقفاً لعدم توخم ثبوتها وصلاً.
ووضع رأس فاء صغيرة بدون نقطة فوق أي حرف ساكن نحو ? مِنْ خَيْرٍ ? ? وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ? ? بِعَبْدِهِ ? ? قَدْ سَمِعَ ? ? فَقَدْ ضَلَّ ? ? نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ? ? أَوَعَظْتَ ? ? خُضْتُمْ ? ? وَإِذْ زَاغَتِ ?.
وتعرية الحرف من علامة السكون مع تجديد الحرف التالي يد على إدغام الأول في الثاني إدغاماً كاملاً نحو ? أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ? ? يَلْهَثْ ذَلِكَ ? ? وَقَالَت طَّائِفَةٌ ? ? وَمَن يُكْرِهُّهنَّ ? ? أَلَمْ نَخْلُقكُّم ?.
وتعريته مع عدم تشديد التالي يدل على إخفاء الأول عند الثاني، فلا هو مظهر حتى يقرعه اللسان، ولا هو مدغم حتى يقلب من جنس تاليه نحو: ? مِن تَحْتِهَا ? ? مِن ثَمَرَةٍ ? ? إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ ?.
أو إدغامه فيه إدغاماً ناقصاً نحو: ? مَن يَقُولُ ? ? مِن والٍ ? ? فَرَّطتُمْ ? ? بَسَطتَ ?.
ووضع ميم صغيرة بدل الحركة الثانية من المنون أو فوق النون الساكنة بدل السكون مع عدم تجديد الباء التالية يدل على قلب التنوين أو النون نحو: ? عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ? ? جَزَاءً بِمَا كَانُوا ? ? كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) ? ? مِن بَعْدِ ? ? مُّنبَثًّا ?.
والحروف الصغيرة تدل على أعيان الحروف المتروكة في المصاحف العثمانية مع وجوب النطق بها نحو: ? ذَلِكَ الْكِتَابُ ? ? دَاوُدُ ? ? يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ ? ? يُحْيِي وَيُمِيتُ ? ? أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا ? ? إِنَّ وَلِيَّيَ اللهُ ? ? إِلَى الْحَوارِيِّينَ ? ? إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ ? ? إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ? ? بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ ? ? وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ?.
وكان علماء الضبط يلحقون هذه الأحرف بقدر الحروف الأصلية، ولكن تعسر ذلك في المطابع فاكتفي بتصغيرها في الدلالة على المقصود.
هذه هي بعض علامات التي تهتم بضبط القراءة من أجل النطق بقراءة صحيحة للقرآن العظيم.
ونشاهد الجهود التي بذلت من أجل إخراج النص على هذه الصورة البديعة، وقد خط حروف هذا المصحف الذي اعتمد عليه كل من خط أو طبع مصحفاً من بعد الأستاذ الشيخ محمد بن علي بن خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية.
وعرف المصحف في كل أصقاع العالم الإسلامي باسم مصحف الملك، وطبع منه ملايين النسخ، وأعيد طبعه مرات ومرات حتى كان طبع مصحف المدينة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[14 Aug 2007, 09:04 م]ـ
رحلة القرآن العظيم (24 والأخيرة)
دخلت المطابع البلاد العربية والإسلامية ونشطت طباعة القرآن العظيم تحت إشراف هيئات من العلماء بعد حوار طويل بين التحريم والتحليل.
وكانت مطبعة دير قزحية جنوب شرق طرابلس في بلدة إهدن من أقدم المطابع التي أنشئت في الشرق، وكان وجودها سنة 1610 ميلادية باعثاً على نشر الثقافة في المنطقة العربية.
وبدأت تطبع باللغة السريانية والحرف العربي الكرشوني، ثم باللغة العربية وبالحرف العربي.
ثم قامت في حلب المطبعة الملكانية بإشراف البطريق أثناثيوس الثاني دباس الأرثودكسي سنة 1710 ميلادية.
ثم مطبعة عبد الله زاخر سنة 1722 ميلادية، ثم تتالت المطابع بعدها، وحمل نابليون بونا بارت معه إلى مصر المطبعة سنة 1798ميلادية، وجهزها بحروف عربية وفرنسية.
وأفتى شيخ الإسلام من مقره اسطنبول 1716 بجواز استخدام حروف الطباعة، وأنشأت مطبعة بولاق سنة 1802، وفي حلب أيضاً أنشأ الوالي جودت باشا مطبعة فورات بالحروف العربية والتركية، وفي دمشق كانت مطبعة الدوماني التي توقفت سنة 1885 ميلادية، ثم المطبعة الرسمية سنة 1864 ميلادية.
وكانت تطبع بالعربية والتركية، وقامت الطباعة أول الأمر على الحجر الجيري اللين، واستخدام ألواح معدنية، ينفذ منها الرسم بقلم خاص مشبع بالمادة الدهنية.
وتمت طباعة المصاحف المحفوظة بأخذ صور منها على الحجر، وطباعة أنفسها وأضبطها للقراءة.
وخرج إلى النور طبعات من المصحف العظيم بخط الحافظ عثمان وغيره، وهي غاية في النفاسة والجمال.
وحرم العلماء في البدء طباعة القرآن العظيم بالحروف التنضيدية والسبب في ذلك وقوع أخطاء شنيعة كما حدث في مصحف هامبورج وغيره، وقد يسلم الخطأ إن كان المصحف مخطوطاً ونقل كما هو لطباعته، بالإضافة إلى كل ذلك فإن المصحف المخطوط يحمل سمات الجمال بالحرف والشكل والهيئة، وهي صفات قصر عنها الحرف الطباعي.
وفي الهند خط محمد روح الله اللاهوري مصحفاً عمد فيه إلى إعجاز تنسيقي في طريقة الكتابة، فجعل في الصفحة ثلاثة وعشرين سطراً، وهي سني البعثة التي دامت تأريخياً بدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والقرآن العظيم تنزل على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- خلال ثلاث وعشرين سنة، ثم التزم أن يكون أول كل سطر من القرآن كلمة أولها حرف ألف، وحرف الألف هو الذي يعد في الأبجديات كلها رقم واحد.
والمصحف هذا الذي خطه اللاهوري أخذت عنه صورة وطبع بالهند، ونلاحظ فيه خط النسخ المشرقي ويختلف هذا النمط عن النسخ الذي تطور على يد الحافظ عثمان، فرأس الواو عند الحافظ عثمان مفتوحة، وهي هنا مطموسة، وميزان الحروف مختلف عما هو في مصاحف الفترة العثمانية، ومما هو لطيف في هذا المصحف أن قام الخطاط بكتابة أنواع البسملة التي تطورت عبر التاريخ منذ بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحتى عصرنا الحاضر.
وكتب لكل صورة بسملة خاصة، وهذا يدل أيضاً على الغنى الفني الذي يأتي لمن يكتب أو يخط المصحف العظيم.
كما وضع أشكالاً لتقسيمات المصحف داخل إطار مزخرف وأسلوب المصحف هذا هو ما عُرف عند علماء الفن والرسم بخط بلاد ما وراء النهر.
وناسخ النسخة الحافظ محمد روح الله بن الحافظ محمد حسين اللاهوري الهندي هو من القلائل المبدعين الذين تفننوا في كتابتهم للمصحف، وكان بارعاً عجيباً في تراثه الذي تركه، فقد كتب في سنة 1109 هجرية مصحفاً شريفاً عدد أوراقه 305 ورقة صغيرة، مثمنة الأضلاع في خمسين يوماً.
وحلى أوله بالذهب، والألوان كما كتب مصحفين كل منهما في ثلاثين ورقةً، والتزم أن يكون أول كل سطر في صحائفها كلمة أولها حرف الألف.
وهذه النسخ تحتفظ بها دار الكتب العربية بالقاهرة.
لم يصمد المصحف المطبوع بطريقة التنضيد طويلاً، ولم تستسغه مشارب المسلمين في أصقاع الأرض، ولم يرقى إلى مرتبة المصحف المخطوط الذي يصور بطريقة الطباعة الحجرية أو بطرائق أخرى.
وصنع الصفائح المعدنية وإعدادها لتحمل جمال حرف القرآن، الذي خطه الخطاط المسلم بكل صفاء وحس واطمئنان.
(يُتْبَعُ)
(/)
ودارت عجلة الزمان، ودارت عجلات المطابع وتطورت طرق التصوير، فأخرجت لنا مصاحف من الأصل المكتوب على غاية من الروعة، وتكاد تكون أشبه بالنسخة المخطوطة، فقد ساد في أوائل القرن الماضي مصحف الحافظ عثمان في بلاد الشام والعراق ومصر، ثم انتصف القرن الماضي لتخرج لنا المطابع مصحفاً جميلاً خط بالنسخ الجميل، ولكن عرض القلم الذي كُتب به أكثر سمكاً من قلم الحافظ عثمان، مما جعل العامة يقبلون عليه لوضوح حرفه وسهولة قراءته بالرغم من أن آياته غير مرقومة.
خط هذا المصحف وعرف بمصحف مصطفى نظيف الشهير بقدر غالي، وطبع في ألمانيا بمطبعة تنو إيس.
في ذي الحجة الشريفة لسنة 379 بعد الألف الهجرية. بإشراف السيد عزيز بوز قوردوا إبراهيم برق ألب، خط المصحف على خمسة عشر سطراً.
ورتب على أن يكون نهاية آية، وهو سهل للحافظ كي يراجع فيه من حيث تقسيماته وترتيبه.
وقد خطت رؤوس الآيات فيه بقلم الإجازة، وكنا قد لاحظنا في المصاحف التي مررنا عليها في الحلقات الماضية أن الخطاط يخط رؤوس الآيات بقلم الكوفي أو بقلم التوقيع، ليميزها عن كتابة القرآن العظيم، وقد بقي هذا النظام سنةً متبعةً لخطاطي المصاحف، إذ لابد من تمييز رأس السورة بخط يخالف نص القرآن، وما نشاهده في هذا المصحف الجميل خلو علامات التخميس والتعشير بالرغم من عدم ترقيم الآيات، واكتفى بوضع مرصعات على الهامش تحمل علامات الأجزاء والأحزاب والسجدات، وميز كل واحدة بشكل يحمل سمات الزخرفة العثمانية التي تطورت من الدائرة تحتضنها بعض التشغيرات.
كما حمل المصحف رموز سجواند التي تدل على الوقف والابتداء، وطبعت باللون الأحمر فحرف الميم علامة على لزوم الوقف ولزوم اصطلاحي لا شرعي كلزوم الوقف على ? إِلاَّ اللهُ ? في قوله تعالى: ? وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ? [آل عمران: 7]. ثم يبتدئ بقوله: ? وَالرَّاسِخُونَ ? وحرف الطاء علامة على الوقف المطلق المجرد عن اللزوم والجواز، وحرف الجيم علامة على جواز الوقف والتخيير بين الوقف والوصل، لكن الوقف أولى.
وحرف الصاد علامة الرخصة فإذا ضاق نفس القارئ يقف ثم لا يعيد ويبتدئ مما بعدها، وحرف الراء علامة الجواز، والوصل أولى من الوقف، وحرف "لا" علامة على عدم جواز الوقف، ومعناها لا تقف فإن المعنى غير تام، ولو وقف بحسب الضرورة يعيد الكلمة الموقوف عليها، وإذا كانت "لا" في منتهى الآية فيقف ثم لا يعيدها.
وحرف "القاف" علامة الوصل عند أكثر القراء ويجوز الوقف، وكلمة "قف" أمر من الوقف، ومعناها "قف وقفة لطيفة". وهذا علامة على أن الوقف أولى من الوصل، إشارة إلى أن في الوقف فائدة في المعنى.
وحرف "عين" علامة على الركوع، يعني إن كان القارئ في الصلاة وأراد أن يركع فالمناسب له أن يركع في تلك العلامة؛ لأنها إشارة إلى تمام المعنى والموعظة أو القصة.
وعلامة النقاط المتراكبة الثلاث إشارة إلى وقوف المعانقة، والتالي إذا وقف في النقط الأولى لا يقف في الثانية، وإذا لم يقف في الأولى وقف في النقط الثانية، ليصح المعنى المقصود، وإذا وقف في كليهما لا يتم المعنى.
ولنقرأ في هذا المصحف ونشاهد رموز ساجاوند في سورة "ص": بسم الله الرحمن الرحيم ? ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنْذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ (7) أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) ? [ص: 1: 9].
ما من وسيلة أو رمز يخدم نص قراءة القرآن العظيم إلا وطرقه المسلمون بكل أمانة ودقة حفاظاً على سلامة نطق مخارج حروف العربية، من فيّ من إذا أراد أن يرتل القرآن ترتيلاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولو عندنا إلى القرنين الهجريين الأول والثاني، لرأينا نساخ المصاحف المسلمين يستخدمون نوعاً من المداد لكتابة النص وآخر لشكله، ورأينا اللون الأحمر الذي استخدمه أبو الأسود الدؤلي لشكل الحروف فعالج اللحن وضبط القراءة بعد أن ضبط الحروف، وعدت رموز وأشكال وألوان الدؤلي سنة يُقتدى بها في جميع المراحل التي دون فيها القرآن العظيم، ولاحظنا كيف أن المشارقة والمغاربة استخدموا النقاط الصحراء والخضراء والحمراء واللازوردية في ضبط آيات القرآن العظيم والغاية من ذلك كله الوصول إلى الترتيل في آي الذكر الحكيم، والترتيل هو معرفة الوقف وتجويد الحرف، ولقد استخدمت الصفراء علامة على همزة القطع، فتقرأ، وجعلت النقطة الخضراء لهمزة الوصل كي لا تُلفظ أثناء الوصل، وباتت الألوان اصطلاحاً يتعلمه جميع النساخ دون العبث به، وأصبح قاعدة لا يشذ عنها خطاطو المصاحف.
وفي منتصف القرن الماضي تقريباً طبع من المصحف الذي خطه مصطفى قدري غالي آلاف المصاحف، ولعدة طبعات، وانتشر في بلاد الشام والجزيرة العربية واليمن ومصر وتركيا، ونظر فيه الحفاظ فاستحسنوا خطه، وأعجبوا بحسن تنسيقه وتوزيع سطوره، فقام الحاج الحافظ علي أغورلي المغنيسي أصلاً والأنقروي إقامةً بعمل جديد ليسهل للقارئ الأعجمي اللفظ والنطق والقراءة فعمد لترميز اللون الأخضر الذي اتبع من قبل سنة في المصاحف كنقطة لهمزة الوصل، وجرد الحروف الشمسية وكساها اللون الأخضر في المصحف الذي خط على يد مصطفى نظيف سنة 1886 ميلادية.
ووسع بين سطور المصحف ووضع الأرقام المتسلسلة بين الآيات والسور والأجزاء، وحتى تسهل تلاوته على أصول التجويد لسنة 1384 من الهجرية النبوية من شهر رمضان المبارك.
ويعد عمل المغنيسي هذا أول عمل لوني في المصاحف اللينة، وأول خطوة لكتابة الحروف بالألوان وكل ذلك خدمة لكتاب الله -عز وجل-.
ونقرأ في هذا المصحف من سورة الفجر: بسم الله الرحمن الرحيم ? وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) ? [الفجر: 1: 14].
الله جميل يحب الجمال.
وقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان في أحسن تقويم، وجعله خليفته في الأرض وقال لملائكته: ? إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ? واصطفى من خلقه أنبياء واصطفى من الأنبياء محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ليكون خاتم الأنبياء، وليتشرف بتلقي كلماته وحفظها وتدوينها في أبدع صورة وأجمل حلة.
ألف وأربعمائة عام ونيف على منازل القمر والشمس تجري لمستقر لها، وكلام الله الذي استقبله نبيه الكريم بالحفظ والتدوين، لا تزال العناية الإلهية تحيط به، زمن طويل، مرت عليه شعوب وأقوام، وآلاف وملايين الأقلام، نحتت وهي تسجل كلمات الخالق العظيم على الرقوق والورق والحرير، وآلاف الآيات صيغت بأساليب فنية لتغدوا متعة للبصر، وراحة للقلب، وطمأنينة للنفس بمعناها ومبناها، ووصل كتاب الله إلى ما وصل إليه من الدقة والإتقان في ضبطه وكتابته.
لقد شعر الخطاط بالرهبة وهو يخط كلمات الله على الورق بحبر تارة، وبلازورد أخرى، وبذهب وفضة أحياناً.
لم يقبل لكلمات الله أن تخط على عجل وسرعة، ولكن بأناة وهدوء وتبصرة.
لقد كان كلام الله -عز وجل- وآياته مبعث بهجة في نفوس كتبته، فارتقوا بآياته واقتبسوا من نورانيته فصاغوا الأشكال والهيئات وطوعوا الحرف بالتفاتاته وانضجاعاته وبسطه وتطويره حتى وصل على أيديهم إلى الذروة من كمال الهيئة.
وبين أيدينا مصحف جميل الطباع أنيق التجريد رائع التنسيق، سليم التوزيع، بين الحرف بهي التذهيب، خطه الحاج الخطاط الحافظ محمد أمين الرشدي سنة 236 بعد الألف الهجرية، وقد خطه لوالدة السلطان عبد العزيز خان ابن السلطان محمود خان العثماني.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقامت وزارة الأوقاف بالعراق بتكليف خطاط العراق هاشم محمد البغدادي المتوفى سنة 1973 بالإشراف على تنقيحه وتزويقه.
فقام بالمهمة خير قيام، وأشرف على طباعته في ألمانيا حتى خرج على أكمل وجه وأتم إتقان.
يعد هذا المصحف من أجمل المصاحف المطبوعة في العصر الحديث، لم ينافسه مصحف آخر.
وذلك لرقة أسلوبه في الإخراج وعدم البذخ في تحليته بما لا يلزم، وقد ناجى الخطاط الرشدي الذي نسخه على منهج الحافظ عثمان الشهير بقايد زادة وسار على أسلوبه في الهجاء وعلى تقسيمته في توزيع الأجزاء والأحزاب والأرباع والسجدات وأسماء السور ونهايات الفواصل.
وأما ترقيمه فقد جرى على طريقة الكوفيين في تفصيل الآيات.
وتمت بيان علاماته على علامة الإمام أبي جعفر بن طيفور السجاوندي، وانتهى عمل الطباعة فيه سنة سبعين وثلاثمائة وألف جزرية وجرى تنقيح الضبط لقراءته ما يوافق رواية حفص ابن سليمان بن المغيرة الأسدي لقراءة عاصم بن أبي النجود.
خط المصحف بقلم النسخ البديع الجميل، وكتبت رؤوس السور بقلم الإجازة، وهو قلم متطور عن قلم التوقيع القديم، حيث مزج قواعد الثلث بالنسخ وأصبح ما يعرف بالإجازة، وذلك لأنهم يجيزون الخطاط بهذا النوع بعد أن تكتمل معارفه ويصبح معلماً يحق له أن يوقع باسمه تحت كتابته.
طبع المصحف على ورق من نوع شامواه، يميل لونه للصفرة، وذهب صفحته الأولى وخطها هاشم بقلمه، بعد أن وضع في وسط الصفحة الأولى مشكاة ركب في داخلها بخط الثلث المحكم قوله تعالى:
? إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ? [الحجر: 9].
وقسم الصفحة إلى مستطيل في الأعلى خط داخله آية بقلم الثلث المركب، وفيها: ? إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ? [الإسراء: 9]، ومستطيل في الأسفل كتب بداخله في خط الإجازة الإشراف وسنة الطبع.
والمصحف خال من علامات التخميس والتعشير وفيه مرصعات للأحزاب والأجزاء والسجدات، وفيه الفواصل بين الآيات وقد رسم لها زهرة دائرة بين ورقتين بالذهب المسور بالأسود، والدائرة بلون أزرق فيروزي ضم رقم الآية باللون الأبيض، وسجلت الأرقام العربية بفواصل الآيات، وهي التي يقال عنها بأنها هندية، ولا علاقة للهنود بهذا الشكل من الأرقام.
ضمت الصفحة المستطيلة أحد عشر سطراً خطت الكلمات فيه بارتياح تام؛ لأن الخطاط لم يلتفت لتوزيع الصفحة لتكون نهاية آية، وإنما استرسل بالخط وجعل أكبر همه إخراج نسخة رائعة يقدمها للسلطان وينال من الله العفو والغفران، كما نلاحظ في هذا المصحف أسلوب التعقيب في نهاية كل صفحة يمنى، وفي أسفلها على اليسار نقرأ الكلمة التي في رأس نقرأ الكلمة التي في رأس الصفحة المقابلة، وهذا الأسلوب كان متبعاً منذ القرن الخامس الهجري.
حتى لا تضيع الأوراق وتختلط ببعضها، كما نلاحظ في هذا المصحف علامات الأجزاء والأحزاب والسجدات ضمن الإطار الخارجي ولم تستقل بالهامش كما هو الحال في جميع المصاحف التي سبقته.
ونقرأ في هذا المصحف من الجزء الثلاثين من سورة التكوير، ونشاهد في الصفحة هذه ما يمكن أن ننعته بالراحة للرؤية البصرية، وبالسحر في علاقة التناغم بين كلام الله المنشأ بألفاظه والمخطوط بأحرفه.
قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم ? إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14) فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ? [التكوير: 1: 19].
ومن المصاحف الجميلة التي طبعت في القرن الماضي مصحف بنهاية آية للحفاظ وبخط الخطاط الشهير حسن رضا، ونلاحظ فيه نهج الحافظ عثمان أيضاً، من حيث طول الصفحة التي ضمت خمسة عشر سطراً، وتم ضبطه على طريقه الساجوند في الرموز.
(يُتْبَعُ)
(/)
كما خطت رؤوس السور بالإجازة مع رسوم مرصعات على الهوامش تحمل شارات الأجزاء والأحزاب والسجدات، وقد طبع هذا المصحف باسطنبول بإشراف سليمان سامي إجلين سو، في مطبعة بوس قورد سنة 1386.
كما طبع مصحف آخر لآخر خطاطي العهد العثماني حامد الآمدي، وقد طبع فيه لفظ الجلالة باللون الأحمر، ليظهر لفظ الجلالة واضحاً من خلال النص، وهذه السنة في التمييز كانت سائدة في المصاحف المملوكية، ولكنهم كانوا يحلون لفظ الله بالذهب المسور بمداد السناج.
تعد النسخة هذه التي كتبها حامد من النسخ البديعة الجميلة، والنسخ فيها يختلف عن أساليب من سبقوه، إذ خط كتابته بقلم النسخ المتوسط، ولم يغلظ في القلم، كما هو عند مصطفى نظيف، ولم يرقق كما هو الحال في مصاحف الحافظ عثمان وحسن رضا وشوقي وغيرهم، وإنما توسط في قطة قلمه، وليأتي المصحف على يديه بأسلوب تميز فيه عمن سبقوه، فخط أجمل الكلمات بأحلى الخطوط، وبأروع اتساع منظوم كالعقد الجمام.
إذا كانت آيات القرآن العظيم قد خطت منذ البعثة على مواد متفرقة ثم جمعت في مصحف فإن نساخ المصاحف لم يقتصروا في كتاباتهم على المصحف الشريف، وإنما أخذوا منه آيات الحكمة وهو كله حكمة، وأبرزوها ضمن لوحة أو صفحة خاصة لتكون متعة للتأمل والتبصر، وليرتفع مقدار الجمال عند الخطاط بكتابة آياته الكريمة ضمن تشكيلات وتكوينات جذابة رائعة.
فهذا هو حامد الآمدي الذي خط المصحف المذكور يترك لنا تراثاً هائلاً من كتابته لآيات القرآن العظيم، ليس في الصحف فحسب، بل وبلوحات مستقلة أيضاً تحمل البشرى أحياناً والوعيد أخرى.
ونقرأ في مصحف حامد المذكور:
بسم الله الرحمن الرحيم: ? وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9) ? [النازعات: 1: 9].
ونلاحظ أسلوب حامد في كتابة خط النسخ الذي مزج فيه بعدة أساليب ثم انفرد فيه بنكهة خاصة، دلت على تمكنه وعمقه في فن الخط المصحفي.
إن لوحة وبخط خطاط شهير تحمل آية من القرآن العظيم أصبحت اليوم تنافس أشهر لوحات فناني أوروبا بل وتفوقهم في سحر الجمال وجمال المادة.
لقد خط حامد سورة "الفاتحة" وقلد فيها راقماً وجاءت اللوحة على أتم الحروف وأكمل البنيان، وهي بالثلث الذي غدا أكثر الخطوط فناً ووقاراً وهيبة.
كما نلاحظ الجمال في حروف الثلث للوحة خطها الحاج أحمد الكامل، وفيها:
بسم الله الرحمن الرحيم ? إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) ? [القدر].
لقد كتب بقلم أغلظ من قلم الثلث، بل ويقابل الثلثين، ولا يعد هذا النوع من الكتابة ثلثاً وإنما يطلق عليه اسم الثلث المشبع.
وفي اللوحة ما هو تقليدي على أسلوب العثمانيين في الكتابة والزخرفة، التي غدت ترافق لوحات آيات القرآن العظيم في جميع ما يكتب.
آلاف اللوحات خطت بأقلام متعددة، وكلها يحمل آيات القرآن العظيم ضمن تشكيلات جميلة رائعة.
ولئن كان القرآن العظيم في القرون الخالية مخطوطاً ضمن صفحات المصحف الشريف فإنه ومع مرور الزمن فقد اعتلى جدران المساجد وأروقة البيوت، وغدا من أبرز العناصر الفنية التي استعملها الخطاط المسلم ضمن تشكيلات فيها الرونق والهيبة والإجلال والتعظيم.
هذا هو المصحف الشريف، وتلك هي رحلة القرآن العظيم، التي امتدت عبر قرون مر فيها على أصقاع الأرض، وامتلأت به خزائن متاحف الأرض.
طرز شتى، وخطوط شتى من يابس إلى لين ومن مبسوط إلى مقور، ومن كوفي محقق إلى نسخي بديع، ومن ريحان إلى توقيع، في كل حرف منه خلجة وبكل آية وقعة، ولكل سورة تأطير، إنه الوحي الذي سيظل في هذه الأرض تتردد أصداؤه بألسنة العباد، وتلهج له القلوب، في السحر والسمر .. ? وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) ? [الشعراء: 192: 194].
ـ[الجعفري]ــــــــ[15 Aug 2007, 05:39 ص]ـ
جزاكما الله خيرا(/)
همة عالية، ومشروع الكتروني لتفسير القرآن لم يكتمل
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 May 2007, 09:56 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وردتني رسالة على بريدي بتاريخ December 30, 2005 11:33 PM وهو يوافق الجمعة 28/ 11/1426هـ هذا نصها:
الاسم: عادل التركستاني
الرسالة: إخواني فى الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي استفسار عن رغبة شبكة التفسير والدراسات القرآنية فى التعاون فى إخراج موسوعة كتبها أحد عشرة باحثاً واستغرقت ثلاثة عشرة عاما وتتميز بتيسير فهم كتب أمهات التفسير ويتكلف إخراجها مبلغ خمسة مليون ريال سعودي؟
أرجو الاجابة والله يديم عليكم نعمه ورحماته.
أخوكم / عادل
فطلبت منه مزيداً من التفصيل حول هذه الفكرة، ومعلومات عن القائمين عليها، فأجابني بالرسالة التالية:
أخى الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالنسبة للتفصيل حول الموسوعة
فهي موسوعة فى تفسير القرآن الكريم بنيت على أساس تقسيم الكتابة فى التفسير بناء على نوع التفسير فمثلا عند رغبة القارئ معرفة معنى الآية فسيصل الى معنى الآية فقط دون أي شرح آخر واذا أراد ااستزادة فما عليه الا الطلب وكذلك لو أراد اعراب كلمة وليس لفظ فسيصل الى اعراب الكلمة فقط، واذا أراد معرفة الأحكام الفقهية من الآية فسيصل فقط للأحكام الفقهية وهكذا فكل نوع من أنواع التفسير مستقل بدراسة خاصة به.
وقد وضعت المعلومات بتوثيق من الكتب الأمهات.
وروعي فى هيكل الدراسة توافقه مع النشر على الانترنت وسهولة التوصل الى المعلومة اضافة الى سهولة اضافة دراسات جديدة اذا لزم الأمر.
أما بالنسبة للقائمين عليه
فقد قمت بإنشاء الفكرة واختيار المشرف والإنفاق المادي على الموسوعة حتى اليوم
أما الباحثين فيشرف عليهم شيخ سوري سبق له التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة و كذلك بالمدارس الحكومية ومنهجه منهج أهل السنة والجماعة وقد اختار الباحثين من طلبة العلم الذين درسو على يده
وأود أن أبين أن معالي الشيخ صالح بن حميد وعدد آخر من المشايخ والمتخصصين قد أطلعوا على تفسير جزء عم وأثبتوا أن العمل جيد ويستحق الإهتمام ولدي كتابات متعددة فى هذا الموضوع
أتمنى أن أكون قد أوضحت ما يجب ايضاحه
أخوكم /عادل التركستاني
فشكرته على فكرته، ورجوت له التوفيق حينها، وأخبرته أنه ليس لدينا من الإمكانيات المادية ما يؤهلنا لمساعدته. ومرت الأيام سريعاً ونسيت الأمر تماماً، حتى كان يوم الإثنين 27/ 4/1428هـ، وبعد أن أنهينا اجتماعاً في مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه في مقر الجمعية بكلية أصول الدين بالرياض، طلب منا زميلنا الكريم الأستاذ الدكتور عماد زهير حافظ أن نلتقي بأخ اسمه عادل تركستاني من أهل مكة المكرمة، وقد حضر من مكة لعرض مشروع علمي على الجمعية، ويرغب في مقابلة من يسمح له الوقت من أعضاء مجلس الإدارة، فكانت الفرصة مناسبة لبعضنا للحضور والمشاركة في اللقاء، فذهبت والدكتور مساعد الطيار والدكتور عادل الشدي والدكتور سالم الزهراني والدكتور العباس الحازمي والدكتور عماد زهير حافظ والدكتور إبراهيم الحميضي واجتمعنا بالأخ عادل تركستاني، وقد استغربتُ أنه يعرفني عندما قال له الدكتور عماد: عبدالرحمن الشهري. فقال: عبدالرحمن بن معاضة؟ قلت: نعم!
ثم بدأ الأخ عادل تركستاني بالتعريف بمشروعه، وأفاض في ذلك، وأنه منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً وهو ينفق على هذا المشروع من راتبه الخاص هو وزوجته معاً، وأنه انتهى الآن من المادة العلمية، وأصبح جاهزاً لإدخاله للحاسب الآلي، ونشره. ويرغب أن تتولى الجمعية الإشراف على هذا المشروع لكونها جهة ذات اختصاص، ولديها صبغة رسمية وعلمية تؤهلها لذلك بخلاف جهات كثيرة اعتذرت عن تبني هذا المشروع كما ذكر.
علماً أن الأخ عادل تركستاني متخرج من قسم الحاسب الآلي ثم درس بعد ذلك في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى، وعني بالتفسير وأحبه، فأحب أن يعمل في مشروع يجمع بين الحاسب الآلي والتفسير.
ثم دار نقاش طويل معه حول المنهجية، وتفصيلات كثيرة، ختمها الدكتور عادل الشدي نائب رئيس الجمعية بشكره، وأن هذا اللقاء سيكون بداية تعارف، وستدرس الجمعية طلبه وتجيبه لاحقاًُ إن شاء الله، وقد أعطى الجمعية نسخة من تفسير جزء عم في مجلد كبير أخذه الدكتور مساعد الطيار لينظر فيه ويقومه.
وقبل ثلاثة أيام وفي مكالمة هاتفية مع أخي الكريم الدكتور العباس الحازمي قال: هل تذكر الأخ عادل تركستاني الذي التقينا به؟
قلت: نعم.
قال: لقد توفي يوم أمس الثلاثاء 28/ 4/1428هـ بسكتة قلبية، وصلي عليه في مكة.
قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى.
أسأل الله للأخ الكريم عادل قربان تركستاني الرحمة والمغفرة، وأن يلهم أهله الصبر والاحتساب، وأن يجمعنا به في جنات النعيم.
لقد كان متحمساً لمشروعه، ويرغب في إنجازه في أقرب فرصة، ويطلب أن نبدأ في المشروع، وأنه لا داعي للتأجيل أكثر من ذلك، وأن هذا سيكون مشروعاً عالمياً على الانترنت ينتفع به كثيرون. ويمكن التوسع فيه مستقبلاً بحيث يكون موسوعة في التفسير على الانترنت تشتمل على كل جوانب التفسير. وقد توجس بعض الزملاء من استعجاله في البدء بالمشروع مع الجمعية، فلما سمعتُ نبأ وفاته، علمتُ أنه كان يدفعه دافع غريب إلى تسويق مشروعه ونشره قبل أن يطويه الموت، ويموت مشروعه بموته، حتى إنه تردد في تسليم نسخة تفسير جزء عم للجمعية ضناً بفكرته، ثم قرر في اللحظة الأخيرة أن يسلمه، ومات في اليوم التالي.
لقد عاش - حسب قوله - مع هذا المشروع، وسافر كثيراً من أجله، وأنفق كثيراً من أجله، ووصل الآن إلى مرحلة متقدمة، ولم يبق إلا أن يصمم الموقع على الانترنت، وتودع المادة العلمية المجموعة في الموقع.
رحمه الله، ولا حرمه أجر هذا العمل، وقيض لمشروعه من يكمله على أكمل وجه.
في 6/ 5/1428هـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الطبيب]ــــــــ[23 May 2007, 10:45 ص]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون ..
اللهم تغمده بواسع رحمتك ..
من الخسارة أن تضيع مشاريع عظيمة بذل فيها ما بذل بسبب وفاة القائمين عليها أو حتى مرضهم أو انشغالهم.
والسؤال المطروح الآن ما مصير مثل هذا العمل، وهل هناك جهة رسمية أو خيرية ممكن أن تتبنى إكمال هذا المشروع، ولو بعائد مالي عليها، كأن تشترية إحدى شركات البرمجيات المتخصصة وتجعل المشروع خدمة إضافية في منتجاتها.
أظن أن هذا يعتبر حلاً ممكناً لمثل حالتنا هذه.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[23 May 2007, 11:19 ص]ـ
اين هم اصحاب الاموال المكدسة الذين يتباكون على عدم وجود مشروعات تخدم الامة وانها لو وجدت سيكونون من المبادرين لاحيائها
انا اعتقد واجري على الله ان ثريا خليجيا واحدا وليس عشرة يكفي لنشر هذا المشروع واحيائه
اما صاحبه فله الرحمة واسال الله تعالى ان يجزيه بعمله خير الجزاء وان يعوض المسلمين عنه خيرا
ـ[مصطفى علي]ــــــــ[23 May 2007, 12:38 م]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها
هذا المشروع أحسن تقنية من جامع التفاسير
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=5181&highlight
نسأل الله أن يكون قد تغمده برحمته الواسعة
ولكن
يا أخوة يا كرام لي رأي لو تكرمتم
الأخ الكريم الفقيد
طلب ممن رأى أنهم قد يساهموا ويساعدوا، ولكن المقدرة المالية وقفت حائلاً لفقد الأمة لهذا الخير.
واستدراكي هنا وعذرًا نصيحة
أقول لا أستغرب عدم المقدرة.
ولكن مشروع مثل هذا يجب على كل من سمعه أن يحاول أن يزيل الصعاب حتى يتم.
كيف؟
أقل شيء بالمعارف فمثلاً الجمعية لن تقوم مثلاً لكن أظن أن عددًا بها له من المعارف ما يوصل ذلك لمجمع الملك فهد، أو للملك عبد الله أو لأحد المحسنين الذي ينفقون أموالهم حسبة لنشر العلم.
والآن ما الحائل
لو البيانات موجودة لدى أهله ويريدون وضعها على موقع
فبإذن الله الموقع إهداء لروحه الكريمة (إعداد واستضافة)
وسأسمي الموقع باسم
موسوعة عادل التركستاني لبرمجة التفاسير
وإن كان المطلوب برمجته على قرص وبيعه ويسمى برنامج ((موسوعة عادل التركستاني لبرمجة التفاسير))
فكذا المبرمج موجود ومجاني أقل شيء اعتراف للفقيد بفضله علينا وتصاغرنا نحو علمه
وهذه الخطوة هي التي أفضلها وبعد إعدادها توزعها شركة التراث على أن تكون هناك نسبة لأهله ونسبة لشركة للتراث.
وأرجو منا جميعًا أن نكون عمليين زيادة على ما نحن عليه فالعمر يجري
ـ[أبو المنذر]ــــــــ[23 May 2007, 02:15 م]ـ
اللهم اغفر لعادل التركستاني وارفع درجته واخلفه في أهله وأجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[23 May 2007, 03:28 م]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحمه الله، وأكرم مثواه.
لا أشك في أن هذا الشعور الغريب الذي كان يحركه، يخالج أيضا كثيرا منا. فكم من المشاريع والأفكار التي نشعر بقيمتها، ونعلم يقينا عدم القدرة على تحقيقها بمفردنا، غير اننا عندما نحاول إقناع الآخرين ودعوتهم إلى التعاون عليها، نصطدم بفتورهم وخذلانهم ..
ولست أدري إن كان الخطأ من صاحب الفكرة الأصلية، إذ لم يبذل الجهد الكافي لإقناع الآخرين، أو من هؤلاء إذ لم يتفاعلوا التفاعل المطلوب معه.
وفي كلتا الحالتين، فهذا درس من دروس الحياة: أن لا يضن أحدنا بأفكاره، ويعتبرها ملكه، وأن ننتقل جميعنا من التفكير الأناني في البحث العلمي إلى التفكير المؤسسي، الذي يحفظ الأفكار غير المنجزة من الاندثار بموت أصحابها.
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[23 May 2007, 04:35 م]ـ
رحمه الله رحمة واسعة واجزل له المثوبة ورزق أهله الصبر والسلوان، فلهم والله الفخر في مثل هذا الهم الذي يعيشونه جميعا ويبذلون له من أوقاتهم وأموالهم، في زمن تهافتت فيه الأسر على توفير مآكلهم ومشاربهم وما يلبسون!
وأعتقد أن رأي الشيخ مساعد سيكون له الأثر في تقدير هذا العمل والجهد المبذول فيه، ونحن ننتظره كأحسن ما يكون الرد والمكافأة لشيء من حق هذا الرجل وجهده.
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[23 May 2007, 04:51 م]ـ
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان، وأخلف على أهله وجبر مصابهم.
وأما المشروع فهو ضخم جدا ويحتاج إلى تكاليف مادية كبيرة كما أفادنا الفقيد نور الله قبره، ولعل الأخ الذي تولى إعداد المادة العلمية لهذا المشروع- لا أذكر اسمه الآن- يكمل المسيرة بعرضه على المختصين وإجراء ما يرونه من تعديلات وإضافات وعند اعتماده، سيجد من يحتسب في تمويله بإذن الله.
ـ[العيدان]ــــــــ[23 May 2007, 05:15 م]ـ
غفر الله له ..
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[23 May 2007, 05:58 م]ـ
اللهم أبلغه سلامي ..... اللهم أبلغه سلامي ..... اللهم أبلغه سلامي
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه.
ليس العيان كالخبر: هل عليه دين في هذا المشروع. من يوفي الدين إن كان عليه دين يا مسلمين.
هذا أهم في ظني مما ترك من مادة علمية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[24 May 2007, 12:12 م]ـ
ليس العيان كالخبر: هل عليه دين في هذا المشروع. من يوفي الدين إن كان عليه دين يا مسلمون.
نداء ثاني
ـ[قتيبة تركستاني]ــــــــ[29 May 2007, 06:44 م]ـ
رحم الله الفقيد
المهندس عادل تركستاني
والذي كان دائما الاخُ قبل القريب
وجزاكم الله خيرا ً على ما كتبتوه تجاه رجل حاول وحاول بأن ينجز ويكمل المشروع الذهبي
تقبلوا وافر شكري وامتناني
اخوكم
قتيبة تركستاني
ـ[صالح العبد اللطيف]ــــــــ[29 May 2007, 08:15 م]ـ
اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ياكريم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[11 Jun 2007, 09:45 ص]ـ
اطلعتْ إحدى المؤسسات الخيرية على خبر مشروع المهندس عادل تركستاني رحمه الله، فطلبت منا إيضاحاً حوله وتقويماً لفكرته رغبة في دعمه وتبنيه، فلعل الدكتور مساعد الطيار وفقه الله يتكرم بإنجاز النظر في الجزء الذي بين يديه مشكوراً، ولو تيسر للجمعية العلمية السعودية للقرآن وعلومه أن تشكل لجنة لمتابعة هذا الموضوع وتقويمه لكان أمراً حسناً.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.
في 25/ 5/1428هـ
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[11 Jun 2007, 10:23 ص]ـ
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته , والذي اقترحه ما يلي:
- التنسيق مع ورثة الميت خاصة زوجته المعينه له في هذا المشروع.
- توقيع اتفاقية مع الجهة الداعمة للمشروع لتتولى كل ما يتعلق به من مصاريف.
-تكوين لجنة إشرافية وإدارية.
- تكوين لجنة علمية لتقويم المشروع وتسديد الخلل إن وجد.
- مخاطبة الشركات المتخصصة في البرمجيات خاصة المتميزة منها كشركة حرف.
نسأل الله أن نرى المشروع بين أيدينا قريباً.
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[11 Jun 2007, 01:41 م]ـ
جزاك الله خيرا مشرفنا العزيز الدكتور عبد الرحمن الشهري على هذه البشرى
هذا وقد كنت أثرت هنا سؤالا عن دين الفقيد رحمه الله تعالى ووصلني منذ فترة الجواب على الخاص:
الأخ الفاضل أيمن صالح شعبان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لك نفسي: عبدالله قربان تركستاني، استاذ مساعد بجامعة الملك عبدالعزيز بقسم الاقتصاد في جدة. وأعمل حالياً مديرا لمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بالجامعة. ا
قرأت ما كتبتم عن أخي عادل قربان تركستاني، فجزاك الله خيرا وأحسن الله إليك
واسأل الله تعالى لموتى المسلمين المغفرة والرحمة
بخصوص ما ذكرته عن دين أخي عادل في مشروعه للتفسيبر، أحب أن اطمئنكم بأن لا دين والحمد لله، مع أن أخي قد صرف عليه مبلغاً كبيراً، ودخل معه بعض اقربائه مشاركة وليس إقرضاً بهدف خروج هذا المشروع للنور. ا
لا أدري ... ولكن شعرت بأنك قد تعرف أخي عادل؟ فهل هذا صحيح؟
أشكر لك تفاعلك، واطلب منك الدعاء لأخي بالمغفرة وللمشروع أن يخرج للنور. ا
ملاحظة: كنت أحاول التسجيل بالمنتدى، لكن وجدت أنه مقفل. ا
وشكراً
د. عبداللة قربان تركستاني
Dr. A Q Turkistani
aqt5030@hotmail.com
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[11 Jun 2007, 01:59 م]ـ
شكراً للأخ أيمن وفقه الله وللدكتور عبدالله قربان. وقد قمت بتسجيل الدكتور عبدالله تركستاني في الملتقى فحياه الله.
ـ[عاصي الهوى]ــــــــ[11 Jun 2007, 02:14 م]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحمه الله، وأكرم مثواه.
لا أشك في أن هذا الشعور الغريب الذي كان يحركه، يخالج أيضا كثيرا منا. فكم من المشاريع والأفكار التي نشعر بقيمتها، ونعلم يقينا عدم القدرة على تحقيقها بمفردنا، غير اننا عندما نحاول إقناع الآخرين ودعوتهم إلى التعاون عليها، نصطدم بفتورهم وخذلانهم ..
ولست أدري إن كان الخطأ من صاحب الفكرة الأصلية، إذ لم يبذل الجهد الكافي لإقناع الآخرين، أو من هؤلاء إذ لم يتفاعلوا التفاعل المطلوب معه.
وفي كلتا الحالتين، فهذا درس من دروس الحياة: أن لا يضن أحدنا بأفكاره، ويعتبرها ملكه، وأن ننتقل جميعنا من التفكير الأناني في البحث العلمي إلى التفكير المؤسسي، الذي يحفظ الأفكار غير المنجزة من الاندثار بموت أصحابها.
كلام قد يكون قاسيا ولكنها الحقيقة
اللهم اغفر لنا وله واسكنه فسيح جناتك واجعل ماقدمه في موازين حسناته
يااخوان دعوة للتفكر والتامل
لعل هذا الجزء جزء عم من ارجى الاخ عادل عند الله
وهو الذي راودته نفسه ان يغله ثم نهى النفس عن الهوى
فما بالكم لو ان بقية الاجزاء خرجت او حاول اخراج مايستطيعه
اي اجر واي غنيمة كانت ستكتب له
كتب الله له الاجر واجزل له المثوبة
مازال الاجر ينتظر صاحبه فاين اصحاب رؤوس الاموال
فهنا غنيمة باردة لمن تفكر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[11 Jun 2007, 03:11 م]ـ
الشكر موصول لأهله وحق أن يكون الشكر لفضيلة المشرف العزيز والإخوة المشرفين على ما يبذلونه من جهد. اللهم تقبل منا ومنكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو الفضل]ــــــــ[06 Oct 2007, 04:22 ص]ـ
هل من خبر عن المشروع ...
هل من جديد
نرجوا من المشايخ الفضلا أن يتابعوا الموضوع
أذهلني االامر و الله
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[06 Oct 2007, 05:55 م]ـ
لكم أحزنني هذا الموضوع وآلمني، وأسال الله الغني الرحيم في هذا الشهر المبارك الكريم؛ أن يتقبل الشيخ عادل بوافر رحمته وجزيل منه وإحسانه، وأشكر للشيخ عبدالرحمن طرح هذا الموضوع وإشهار هذا العمل الهام، وكل أملي أن يرى النور، لما فيه خدمة المسلم والإسلام، وأتسال مع الأخ (أبو الفضل) هل من بشارة تطمئن قلوبنا وتهدئ من روعنا، حول هذا المشروع الخيِّر.
ـ[مرهف]ــــــــ[07 Oct 2007, 03:10 م]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اغفر له وارحمه ووسع له مدخله وجاف الأرض عن جنبيه
مشروع جدير بالدعم والمتابعة ومن باب الوفاء لصاحب المشروع يحسن تسجيله باسمه كم اقترح الأخوة وضم صوتي لمقترحات الأخ د أحمد البريدي وأن يقيم المشروع أكثر من شخص حتى لا يكون رأيا واحداً، وفي هذا المشروع خير كبير للمسلمين ولغيرهم خاصة إذا طرح على الأنترنت.
أسأل الله أن يجعله صدقة جارية في صحيفة كل من يشتغل به محتسباً أو مأجوراً.
كم من مشروع مات مع صاحبه بسبب المادة أو التردد في القبول
ـ[الجخيدب]ــــــــ[07 Oct 2007, 10:29 م]ـ
حزنت وفرحت! حزنت لموته، وفرحت على ما قدم من مشروع، وأن هيأ الله له إخوة في هذا الملتقى يتمموا سيره، وينهوا مشروعه، فرحم الله عبده الفقير إليه عادل وألهم ذويه الصبر والسلوان.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[07 Oct 2007, 11:39 م]ـ
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته أرجو ان يكون الآن يقطف ثمرات مشروعه // نية المؤمن خير من عمله // ...
وأرجو أن يتحرك الإخوة القادرون للإسهام في إنجاز المشروع // وتعاونوا على البر والتقوى /
وفقكم الله لكل خير
ـ[عماد الدين]ــــــــ[08 Oct 2007, 04:02 م]ـ
إنا لله وإنا إليه راجعون
جزاه الله خيرا على جهوده
وبارك الله فيكم على ما تقدموه لخدمة كتاب الله العزيز
والحمد لله أن وجد في الأمة أمثالكم
بالأمس سمعت عن مواطن من دولة الإمارات العربية أنه اشترى
لوحة سيارة بمبلغ 25 مليون درهم
والله المستعان
ـ[معن الحيالي]ــــــــ[18 Oct 2007, 12:38 م]ـ
الحمد لله القائل في كتابه العزيز (الا الذين امنوا وعملوا الصالحات فلهم اجر غير ممنون) اي غير منقطع ... رحمه الله رحمة تغفر له الذنوب وتجاوز به الصراط ..............
وبارك الله بكل من له نية طيبة في اخراج هذا المشروع الى واقع الصدقة الجارية للاخ المهندس عادل الباكستاني.
وفي الامة الخير الكثير (لا تزال طائفة من امتي ظاهرين بالحق لا يضرهم من خذلهم).
حسبنا الله ونعم الوكيل
ليس مصابنا في فقد الاخ العزيز ولكن عظم المصاب ان لانجد من يكمل طريق الفقيد العزيز.
عسى الله ان يجمعنا في ملتقى الاخوان على سرر متقابلين في دار الحق والجزاء ..... امين
ـ[مستضيف]ــــــــ[09 Apr 2008, 08:43 ص]ـ
السلام عليكم أساتذتي الكرام
رحم الله عبده عادل تركستاني رحمة لا حد لها و رفعه إلى فردوسه الأعلى، آمين
قرأت هذا الموضوع أيضا: http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=11522
و أحببت المشاركة بهذه الكلمات
هل أكون متفائلا أكثر من اللازم إن دعوتكم إلى التوكل على الله و إعمال الهمم للبدء في تحقيق هذا المشروع الذي بمثله تنال الفردوس الأعلى و لمثله يجب إن يكون الطموح.
أتوقع أن يكلل الله الجهود إن تظافرت في مرضاته و أن ييسر لها الصعب و يسهل لها الحزن، فالعزم العزم يا أهل الخير.
من الناحية التقنية، و هي بإذن الله مجال عملي، أتوقع ان تحقيق مثل هذا العمل و إخراجه للناس بصورة لائقة لا هو بالصعوبة و الكلفة التي قل تلوح للبعض ولا هو (بكل اسف) بالسهولة و اليسر الذي نتمناه (إلا إن شاء الله له أن يكون)
أتوقع، أن الفكرة إذا بذل المختصون في التفسير جهدهم في إيصالها للمبرمج سنكون قد تجاوزنا حائلا شاهقا، حيث سيتمكن المبرمج من تحقيقها بحيث يقوم الفريق المشارك من المختصين بالتفسير (بعد تقسيم الأدوار) بإدخال المعلومات في أماكنها .. و اتوقع أنه خلال 12 - 18 شهرا يمكن ان نرى المشروع حيا ينتفع منه خلق كثير و يحصدون و نحصد بحول الله.
رؤيتي أنه بالإمكان تبني مبرمجين أو ثلاثة على الأكثر لإتمام مثل هذا العمل، و لا أدري كم من الأساتذة الكرام قد ييسر الله له المشاركة في بناء الصرح.
أرجو ألا اكون قد تجاوزت حدي بالاقتراح على اساتذة كرام، ندين لأمثالهم بالكثير.
أبو احمد
ـ[أبو عبيدة]ــــــــ[10 Apr 2008, 08:46 م]ـ
اللهم اغفر لعادل التركستاني وارفع درجته واخلفه في أهله وأجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها
ونسأل الله أن يقيض لهذا المشروع الضخم من يتمه ............
ـ[جنتان]ــــــــ[15 Apr 2008, 04:09 ص]ـ
اسأل العلي القدير ان يرزقه الفردوس الأعلى انه جواد كريم ..
يبقى السؤال جزاكم الله خيرا مشرفنا الفاضل .. هل من جديد بخصوص موضوع المشروع؟؟ أفيدونا عاجلا بوركتم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Apr 2008, 06:11 ص]ـ
نعم ما زال العمل جارياً على التحقق من بعض جوانب المشروع العلمية، وأرجو أن ييسر الله تحقيق هذا المشروع. وإنما تأخرنا في البدء لسفر الأستاذ الذي أشرف على فريق العمل وهو مقيم في سوريا وكبير في السن، ولم نستطع التوصل إليه إلا قريباً. نسأل الله التيسير والتوفيق، ورحم الله الأخ عادل رحمة واسعة.
ـ[جنتان]ــــــــ[16 Apr 2008, 03:53 ص]ـ
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
ـ[أبو زيد الشيباني]ــــــــ[21 Apr 2008, 02:40 م]ـ
لماذا لا يتبنى الملتقى نشر هذا المشروع أو جزءا منه هنا على الشبكة؟
ملتقى التفسير ينبغي أن يكون فيه تفسير للقرآن!
طبعا الأمر راجع إلى فضيلة المشرف وتقديراته
ولكن حبذا تكوين لجنة لدراسة ادراج مثل هذا المشروع أو القيام بمشروع مماثل يقدم فيه الملتقى تفسيرا للقرآن بمختلف المستويات ومختلف الاتجاهات (مستوى العامة والمتخصصين) والاتجاهات (ميسر وفقهي وعلمي وهكذا]
ـ[سُدف فكر]ــــــــ[19 Apr 2010, 02:22 ص]ـ
هل من جديد؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Apr 2010, 07:47 م]ـ
الحمد لله المشروع الآن تبنته مؤسسة الشيخ سليمان الراجحي الخيرية، وهم في إجراءات البدء فيه. ونسأل الله أن ييسر إنجازه على الوجه الأكمل. ورحم الله أخي عادل تركستاني وغفر له.
ـ[محب البشير]ــــــــ[27 Apr 2010, 08:01 م]ـ
الحمد لله، الحمد لله، {قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا}
أسأل الله لهم التوفيق و السداد، أما اخونا عادل فأسأل الله له المغفرة و الرحمة ...... آمين
ـ[التواقة]ــــــــ[27 Apr 2010, 08:04 م]ـ
الحمد لله وبشركم الله بالجنة شيخنا
ـ[علي عبد العزيز عدلاوي]ــــــــ[27 Apr 2010, 10:20 م]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على النبي محمد ومن والاه
هذه أول مشاركة لنا في هذا المنتدى الطاهر
ونسأل الله الكريم أن ننتفع وننفع
وبارك الله جهود كل المشاركين
وجزى الله خيرا كثيرا شيخنا عبد الرحمن الشهري(/)
هل هذه الحاشية حققت أم لا , ومن لي بترجمة المؤلف؟
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[23 May 2007, 06:09 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله , وبعد:
فأنا اسأل معاشر الفضلاء عن حاشية الكازروني على تفسير البيضاوي رحمه الله هل تم تحقيقها وإخراجها أم لا مع العلم أنها محفوظة في الأزهرية برقم 65 وتقع في 453 ورقة حسبما ذكر الدكتور علي شواخ, وأرغب في الحصول على ترجمة للكارزوني رحمه الله تعالى , والله يتولى الجميع باللطف والتسديد والإعانة ..
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[23 May 2007, 09:15 م]ـ
أخي الفاضل الكريم؛
انظر هذا الرابط هنا:
أسماء131 كتابا من كتب التفسير المطبوعة:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=107
وهذا الرابط:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=4945
ـ[منصور مهران]ــــــــ[24 May 2007, 12:24 ص]ـ
هذه الحاشية مطبوعة بدار الكتب العربية الكبرى - مصطفى البابي الحلبي وأخويه بكري وعيسى -
وبحثت عمن يكون حققها فلم يبلغ علمي شيءٌ
والكازَرُوني هو أبو الفضل القرشي الصديقي (كما ورد في صفحة الغلاف)؟
و سماه عمر رضا كحالة 1/ 753 (طبعة مؤسسة الرسالة): سديد الدين؟؟؟
ونقل ذلك عنه عبد الله محمد الحبشي في: (جامع الشروح والحواشي) 1/ 311؟ ولم أستطع الثقة في هذه التسمية
وبالله التوفيق.
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[24 May 2007, 05:50 م]ـ
أخي الكريم:
وهذا ما وجدته لك في كشف الظنون؛ لحاجي خليفة،
عند حديثه عن حواشي تفسير البضاويّ:
(وحاشية الفاضل أبي الفضل القرشي الصديقي الخطيب المشهور بالكازروني
المتوفى في حدود سنة أربعين وتسعمائة وهي حاشية لطيفة في مجلد
أورد فيها من الدقائق والحقائق ما لا يحصى
أولها الحمد لله الذي انزل آيات بينات محكمة الخ .... )
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[24 May 2007, 05:52 م]ـ
تفسير البيضاوي المسمى:
أنوار التنزيل وأسرار التأويل؛
وبهامشه حاشية العلامة أبي الفضل القرشي الصديقي
الخطيب المشهور بالكازروني
المؤلف: البيضاوي
تحقيق: عرفان بن سليم العشا حسونة
إشراف: مكتب البحوث والدراسات
عدد الاجزاء: 5، الطبعة رقم: 1،
الناشر: دار الفكر ...
ـ[منصور مهران]ــــــــ[24 May 2007, 06:13 م]ـ
سَلِمَت يمينك يا أخي الدكتور مروان
فتلك فائدة كانت منشودة وصارت ميسورة
ولك تحيتي وتقديري.
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[24 May 2007, 06:28 م]ـ
الحمد لله
منكم نستفيد ياأخي الحبيب اللبيب
الباحث المدقق الشيخ منصور
والله
أنا أحبك في الله
وأسجل ذلك هنا
وأنت تعلم ذلك
وجزاك الله خيرا
ـ[محمد سعيد الأبرش]ــــــــ[24 May 2007, 11:07 م]ـ
الفاضل الشنقيطي: تحقيقات دار الفكر لا تسمن ولا تغني من جوع بل وتنافس تحقيقات دار الكتب العلمية في السوء بل وتتغلب عليها أحياناً كثيرة، فإن كنت عقدت العزم على العمل في هذه الحاشية فتوكل على الله وجزاك الله كل خير، ولعلك تثنّي بحاشية الشهاب وتثلث بشيخ زاده والله الموفق.
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[26 May 2007, 05:36 ص]ـ
أكيد أخي الفاضل الكريم محمد سعيد الأبرش
تقصد دار الفكر في بيروت
وليس دار الفكر في دمشق
لأن دار الفكر في دمشق
من طلائع دور النشر في العالم قاطبة
ومشهود لها بالجودة والريادة
وشكرا
ـ[محمد سعيد الأبرش]ــــــــ[26 May 2007, 04:43 م]ـ
الفاضل الظفيري:
دار الفكر في دمشق ابتعدت عن خطها القديم منذ وقت طويل ومنشوراتها الحديثة بعيدة كل البعد عن التراث،
فأغلب كتب التراث من نشر دار الفكر في بيروت وهي المقصودة بتعليقي لأن الحاشية من طبعها، علماً أن صاحبي الدارين أخوان من أب وأم
والله أعلم.
ـ[المنصور]ــــــــ[28 May 2007, 08:47 ص]ـ
هناك باحث مصري قابلته في الرياض أخبرني أن الحاشية تطبع بتحقيقه
هذا الكلام كان قبل سنتين تقريبا
اسم الباحث: عبد الله أبو الحسن شبراوي
جواله في الرياض: 0562962918
هذا مالدي
وأدعو كل من يرغب تحقيق هذه الحاشية الاطلاع عليها أولا
فقد اطلعت عليها في الكتاب المستعمل يوما ما، ولم اشترها لكون المبلغ فوق طاقتي
ورأيي الشخصي أنها حاشية صرف الجهد في غيرها أولى منها
وفق الله الجميع
ـ[صالح الفايز]ــــــــ[29 May 2007, 12:43 ص]ـ
الكازروني نسبة إلى كازرون، وممن ينسب إليها محمد بن أحمد بن محمد بن محمود بن إبراهيم بن روزبة بن أحمد بن الصفي بن الجمال الكازروني () الأصل المدني الشافعي أبو عبد الله والملقب بالجمال.
وله كتاب مفتاح الأبواب في تفسير فاتحة الكتاب، وقد حققته والحمد لله(/)
كتب عن التأويل في كتب الغربيين
ـ[علال بوربيق]ــــــــ[24 May 2007, 02:14 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
أهل هذا الملتقى الطيب المبارك: أحد الإخوة يسأل عن عناوين كتب تناولت مسألة:" التأويل عند الغربيين."، فهل من مساعدة.
دمتم في رعاية الله وحفظه.
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[25 May 2007, 12:57 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فالتأويل عند الغربيين يندرج غالباً تحت مسمى الهرمينوطيقا: ويمكن للاستزادة الاطلاع على المؤلفات التالية:
وهي مصادر تتضمن نماذج من التأويل والتقويل في الفكر المعاصر الغربي ولدى بعض المنظرين العرب.
أمبرتو إيكو:
التأويل بين السيميائيات والتفكيكية – ترجمة سعيد بنكراد – المركز الثقافي العربي بيروت – الدار البيضاء ط 1/ 2000 م
د. مصطفى ناصف ":
نظرية التأويل – النادي الأدبي الثقافي بجدة – السعودية ط 1/ 1426 هـ 2000 م.
-?رولان بارت:
- درس السيميولوجيا – ترجمة عبد السلام بن عبد العالي – دار توبقال – المغرب ط 2/ 1986 م
- نظرية النص – ترجمة محمد خير البقاعي – مجلة العرب والفكر العالمي عدد 3/ 1988.
- لذة النص " ترجمة منذر عياشي – مركز الإنماء الحضاري – حلب – سوريا – ط 1/ 1992.
- هسهسة اللغة – ترجمة منذر عياشي – مركز الإنماء الحضاري – سوريا – حلب ط 1/ 1999
ج، ب براون ":
- تحليل الخطاب – ترجمة وتعليق د: محمد لطفي الزليطي د، منير التريكي – مطابع جامعة الملك سعود – دار السعودية د، ط / د / ت.
د. عبد العزيز حمودة ":
- المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك – عالم المعرفة – الكويت – 1998 م.
بول ريكور:
- من النص إلى الفعل – ترجمة: محمد برادة، حسان بورقية – عين للدرايسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية – القاهرة ط 1/ 2001 م.
- إشكالية ثنائية المعنى مقال في مجلة الهرمينوطيقا والتأويل تصدر عن ألف في الجامعة الأمريكية بالقاهرة – ترجمة فريالجبوري غزول
بييرف. زيما ":
- التفكيكية دراسة نقدية – تعريب: أسامة الحاج – المؤسسة الجامعية للدراسات وللنشر والتوزيع – بيروت – ط 1/ 1417 هـ 1996 م.
ميشال فوكو ":
- حفريات المعرفة – ترجمة د، سالم يفوت – المركز الثقافي العربي – بيروت – الدار البيضاء ط 2/ 1987.
- نظام الخطاب وإرادة المعرفة – ترجمة السلطاتي بن عبد العال – دار النشر الغربية 1985.
د. سيزا قاسم ":
- القارئ والنص – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2002 م.
جوليا كريسطيفا ":
- علم النص – ترجمة فريد الزاهي – دار توبقال للنشر – المغرب ط 2/ 1997.
ولا بد من ملاحظة مهمة وهي أن التأويل في الفكر الغربي ارتبط في حقبة زمنية بالكتاب المقدس فلما انفرط عقد الكتاب المقدس انفرط عقد التأويل فأصبح لوناً من التسلية أو التفكير الذي لا يرتبط بالنص وأفضل من رأيته عالج هذه المسألة هو امبرتو إيكو المصدر السابق. إن كل فكرة جديدة أصبح من الممكن ربطها بالكتاب المقدس مهما كانت مخالفة لتعاليمه وذلك حتى لا تغضب الكنيسة وثانياً حتى تروج دينياً وتلقى قبولاً ما وطبعاً لم يكن ذلك موفقاً دائماً فكان أغلب المؤولين حاربتهم الكنيسة تحت اسم الهرطقة ولذلك ربطتُ بين الهرطقة الهرمينوطيقا في بعض ما كتبتُ فالهرمينوطيقا هي التأويل المنفلت والذي اعتبرته الكنيسة هرطقة وتجديفاً. والله أعلم.
ـ[علال بوربيق]ــــــــ[25 May 2007, 01:16 ص]ـ
بارك الله في فضيلة الدكتور أحمد إدريس الطعان، فقد أجاد و أفاد
اللهم اجعل هذا الجهد المبارك في ميزان حسناته(/)
كتاب مجموع فتاوى القرآن الكريم من القرن (1 - 14)
ـ[ابن الجزري]ــــــــ[24 May 2007, 11:44 ص]ـ
ما رأي مشايخنا الفضلاء بكتاب مجموع فتاوى القرآن الكريم للدكتور محمد موسى الشريف
ومافائدته العلمية فقد ذكر في مقدمة كتابه أنه لأول مرة تجمع هذه الفتاوى
فقد جمع فيه الفتاوى المتعلقة بالقرآن ومايتعلق به وأيضا الفتاوى المتعلقة بكتب التفسير دون تفسير الآيات
مع تقديرنا للدكتور محمد موسى الشريف
أحببت أن أسمع نظرة المختصين
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[24 May 2007, 04:30 م]ـ
فتاوى القرآن بين "عوض الله" و "الشريف" ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=5562&highlight=%DD%CA%C7%E6%EC+%C7%E1%DE%D1%C2%E4)(/)
إلى مشايخنا الفضلاء .. ما الفرق بين النجوم والكواكب؟
ـ[صالح صواب]ــــــــ[25 May 2007, 04:37 م]ـ
إلى مشايخنا الفضلاء: ما الفرق بين النجوم والكواكب؟
بقول الله سبحانه: (إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت)، ويقول سبحانه: (إذا السماء انفطرت، وإذا الكواكب انتثرت).
وقد ورد ذكر النجم والكوكب في أماكن عدة في كتاب الله تعالى ..
وقد بحثت عن الفرق بين النجوم والكواكب، فلم أجد في ذلك شيئا، بل وجدت أهل اللغة يقولون في تعريف النجم: النجم: الكوكب، وفي تعريف الكوكب: الكوكب: النجم ..
ولم أجد من فرق بينهما، سوى أن النجم يعني عند الإطلاق: الثريا.
وأمر آخر وهو أن معنى (نجَم) طلع وظهر، ففيه مراعاة لمعنى من معاني النجوم والكواكب، وهو الظهور والطلوع .. أما الكوكب ففيه مراعاة لمعنى الإضاءة والبياض والعظمة .. فكل لفظ ورد لمراعاة صفة من صفات الكواكب والنجوم ..
والسؤال: هل وقف أحد من مشايخنا الكرام على فرق واضح يمكن التمييز بينهما بناء عليه، وهل هناك فرق بين لفظي النجوم والكواكب في قوله سبحانه: (وإذا النجوم انكدرت) وبين قوله: (وإذا الكواكب انتثرت)؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[25 May 2007, 05:29 م]ـ
لأبي هلال العسكري في فروقه اللغوية كلام حول هذا السؤال، حيث فرق بقوله: الفرق بين الكوكب والنجم أن الكوكب اسم للكبير من النجوم وكوكب كل شئ معظمه، والنجم عام في صغيرها وكبيرها. ويجوز أن يقال: الكواكب هي الثوابت، ومنه يقال فيه كوكب من ذهب أو فضة لأنه ثابت لا يزول، والنجم الذي يطلع منها ويغرب ولهذا قيل للمنجم منجم لأنه ينظر فيما يطلع منها ولا يقال له كوكب.
ويحضرني قول ربيعة بن عبدالرحمن الرقي يمدح العباس بن محمد أحد أمراء الرشيد رحمه الله:
وإذا الملوك تجمعوا في بلدة = كانوا كواكبها وكنت هلالها
ففرق بين الكوكب وبين الهلال.
وللدكتور زغلول النجار عناية بالتفريق بينهما من الوجهة العلمية، ونظر في الآيات القرآنية التي ورد فيها كل منهما. ولو رجعت إلى موقعه لوجدت كثيراً من الحديث حول هذا الموضوع.
ومثله بحث للدكتور ياسين محمد المليكي بعنوان (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) قدمه في المؤتمر الدولي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بدبي، تحدث فيه عن الفرق العلمي بينهما والآيات التي وردت دالة على ذلك فقال: (تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا". إن من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم هو التفريق بين النجم والكوكب والذي كان منذ أكثر من ألف وربعمائه عام وهو ما توصل إليه علماء الفلك الحديث بعد اكتشاف المناظير وإجراء الدراسات الفوتومتريه (الضوئية) والطيفية على النجوم والكواكب خلال القرون القليلة الماضية.
فالنجم ما هو إلا جسم سماوي متلألئ يشع الطاقة ذاتياً بينما الكوكب جسم سماوي ثابت الإضاءة يعكس الأشعة التي يتلقاها من النجوم والشموس وينطبق هذا على التوابع الطبيعية للكواكب (الأقمار). قد ذكر الحق تبارك وتعالى ذلك فقال- وهو الذي جعل الشمس سراجا والقمر نورا وقال تعالى "وجعلنا سراجاً وهاجاً " وسنتحدث في بحثنا هذا عن بعض الملامح (والتي رصدت بعدة أقمار صناعية تدور حاليا حول الشمس) التي جعلت من هذا الجرم (الشمس) سراجاً وكيف أن هذا السراج يضل متوهجاً نشطا لا يهدأ ولا يكل, وسنرى هل هذا التوهج ثابتاً أم أنه يزداد ويتغير خلال الأعوام.
والبحث مرفق بالمشاركة يا دكتور صالح إن شئت المزيد حول المسألة من جهة حدث الإعجاز العلمي.
ويبقى للحديث صلة إن شاء الله حول الموضوع.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[25 May 2007, 07:57 م]ـ
جاء في كتاب " الإعجاز العلمي في الإسلام " لمؤلفه: محمد كامل عبد الصّمد، ص60:
" السّماء وزينة الكواكب:
قال تعالى: " إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب " (سورة الصافات، الآية: 6)
أثبت العلم أن الكواكب السيارة أجرام سماوية غير ملتهبة، ما عدا الشمس المتوهجة ...
وأن هذه الكواكب تحتوي على مقادير هائلة من الصخور والمعادن، كما تحيط بمعظمها أغلفة جوية متباينة
التركيب.
وهي تعكس ضوء الشمس الساقط عليها، كما تعكس المرايا الضوء، ولكن بدرجات متفاوتة تتوقف على طبيعة
سطحها، وتراكيب أغلفتها الجوية، فتبدو مضيئة ...
وهذا ما يخالف الاعتقاد الذي كان سائدا إلى عهد قريب بأن للكواكب إضاءة ذاتية " اهـ
وقال الدكتور زغلول النجار في كتابه: " من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم " (1/ 59):
" فالنجم جرم سماوي متوهج، مشتعل، مضيء بذاته ومن مسببات هذا الاشتعال عملية الاندماج النووي في داخل
جسم النجم، فإذا تحول لب النجم بالكامل إلى حديد فالنجم يسلك مسلكا من اثنين حسب كتلته الابتدائية، فإما أن
ينفجر أو أن ينكدس على ذاته، فإذا تكدس على ذاته بلغ النجم من الكثافة مبلغا لا يسمح للضوء أن ينفلت من عقاله
فلا يُرى، ولكنه يمر قبل ذلك بمرحلة انكدار، ويظل هذا التوهج ينطفئ وينطفئ حتى يختفي النجم بالكامل.
والقرآن يصف هذه الحقيقة وصفا بديعا بقول الحق - تبارك وتعالى -: " وإذا النجوم انكدرت " وقوله - عز من قائل -:
" فإذا النجوم طمست " ونحن نرى ذلك من حولنا واقعا تمر به نجوم السّماء في دورة حياة سجلها علماء الفلك
في العقود المتأخرة من القرن العشرين. " اهـ
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[25 May 2007, 08:08 م]ـ
ويحضرني قول ربيعة بن عبدالرحمن الرقي يمدح العباس بن محمد أحد أمراء الرشيد رحمه الله:
وإذا الملوك تجمعوا في بلدة = كانوا كواكبها وكنت هلالها
ففرق بين الكوكب وبين الهلال.
.
ويحضرني قول النابغة:
فإنك شمس والملوك كواكب ** إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[26 May 2007, 01:50 م]ـ
الشيخ الفاضل صالح صواب
الذي ظهر لي أن هذين الاسمين يطلقان إطلاقًا متكافئًا، كما يقال: السيف هو الحسام والصارم، فالذات واحدة والوصف في كل اسم مختلف، وكلام أبي هلال يدخل في هذا الباب.
وإذا عُدتَّ إلى أصل لفظ النجم والكوكب بان لك الفرق بين الوصفين مع اتحاد المسمى فيهما، أما النجم فأصله ظاهر، وأما الكوكب فالذي يظهر لي أنه مأخوذ من الاستدارة، والله أعلم.
وأما تفريق بعض المعاصرين بناء على (علم الفلك المعاصر) فإنه يصح في ذلك العلم ولا يصح في القرآن ولا في لغة العرب، وانظر كم فرَّق الله بين هذه الأجرام ولم يجمعها تحت تلك المسميات المعاصرة، فإبراهيم عليه السلام رأى كوكبًا (بالتنكير لعدم تعينه) ورأى القمر والشمس (وأل للعهد فيهما)، ويوسف عليه السلام رأى أحد عشر كوكبًا ورأى الشمس والقمر، وقال تعالى: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ).
ولما كان النجم هو الكوكب قال: (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10))، وقال: (َلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18))، والبروج هي النجوم في أحد أقوال العلماء، وهو أحد أقوالهم في تفسير (النجم الثاقب) × أي: يثقب مسترق السمع فيخبله.
ـ[صالح صواب]ــــــــ[26 May 2007, 05:36 م]ـ
جزى الله كل من ساهم وأفاد خير الجزاء ..
وما ذهب إليه بعض علماء الفلك من التفريق بين (النجوم) و (الكواكب) بأن النجوم مضيئة بذاتها، وأن (الكواكب) أجسام معتمة تستمد ضوءها من الشمس، فهو تفريق غير صحيح ولا يجوز القول به في تفسير القرآن الكريم، ذلك أنه لا يجوز تفسير القرآن بما استحدث من المعاني اللغوية، بل لا بد من الاستناد إلى أقوال أهل اللغة في ذلك، ومثل ذلك لفظ: (الذرة)، و (السيارة)، ونحو ذلك من المصطلحات الحديثة.
بل إن أهل اللغة قد قالوا: (النجم: الكوكب)، كما قالوا: (الكوكب: النجم) ولم أجد ما يمكن الاعتماد عليه في التفريق بينهما تفريقا واضحا.
وما ذكره الشيخ الدكتور/ مساعد الطيار - حفظه الله - من الآيات دليل على استعمال أحد اللفظين مكان الآخر .. وكذا ما جاء في قوله سبحانه: (فلما رأى كوكبا)، وقوله صلى الله عليه وسلم (أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة) رواه مسلم.
فدل ذلك على أنه لا يصح التفريق بينهما بما سبق ..
وما ذكره الشيخ مساعد قول له وجاهته، ولكن لا أعتقد أن لفظا يقوم مقام آخر .. وهل يمكن وضع أحدهما مكان الآخر، في مثل قوله تعالى: (وبالنجم هم يهتدون)؟ وقوله: (فلما رأى كوكبا)؟
ولعل ما نقله الشيخ الدكتور/ عبدالرحمن الشهري عن أبي هلال العسكري هو الأوجه ..
ولكن يبقى للباحث مجال من خلال النظر في كتب اللغة فلعل الباحث يجد فيها ما يفيده ..
وما زلت منتظرا إجابة شافية كافية بإذن الله تعالى ...
وجزى الجميع خيرا ..
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[18 Aug 2007, 12:00 م]ـ
أري أنه يجب أن يستدل بآيات تؤكد ان كان هناك فرق أم لا!!
الشمس سراج ,نعم والنبي سراج ولكن الشمس سراجا وهاجا.
وعند اصطلاح علماء الفلك هل كل نجم ينتج الضوء بالاندماج النووى يمكن أن يسمى سراجا وهاجا؟! أم أن مسمى الشمس يطلق فقط على شمسنا السراج الوهاج .. وبالتالى فليس هناك شموس أخري.؟
وهل ما يصل الينا من ضوء النجوم البعيدة يسمى ضوءا أم نورا؟
وفى آية " ..... زينة الكواكب * وحفظا من كل "هل الكواكب فى الآيه لها مهمتين:زينة وحفظ ,أم أن الذى يقوم بالحفظ شيىآخر؟
" ..... بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين " المصباح معروف فهل هو النجم؟ ولو جمعنا مدلول الآيتين لقلنا أن الذى يقوم بالحفظ هى المصابيح وليس الكواكب التى هي زينة. وما يسمى كوكب فى علم الفلك الحديث يصعب علينا ان نسلم أنه زينة حيث أنا لا نراه فكيف يكون زينة
وانى ممن يرون أنه لاترادف, وبالتالى أرى أنه طالما أنهما اسمين مختلفين فلابد أن يكون المسميين أيضا مختلفين وخلاصة القول من وجهة نظري أن الشمس والكوكب والنجم والنجم الثاقب وربما أسماء أخري مثل الخنس هى كلها أنواع مما يسمى فى المصطلح الفلكى -النجوم- ويبقى ما اصطلح على تسميته بالكوكب مثل المريخ وغيره فماذا عسي أن يكون أسمه؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد عطا عمر]ــــــــ[19 Aug 2007, 01:36 ص]ـ
الله أعلم أن الكواكب اسم لكل شيء مجتمع صغيرا كان أم كبيرا ولذلك جاء معه هو عكسه وهو قوله (إذا الكواكب انتثرت) ونقول أيضا كوكبة من الشباب، كوكبة من كذا وكذا ..
وأما النجوم فاسم لكل ما هو لامع أو ظاهر ومعروف ولذلك يقال للمشهورين من الناس نجوم .. إلخ، والصفاء والمعان يقال في المرآة والماء وعكسه الانكدار، يقال تكدرت المرآة وتكدر الماء بمعنى ذهب اللمعان والصفاء الذي كان فيه، وجاء مع ذكر النجوم في الآية الانكدار قال تعالى (وإذا النجوم انكرت.
والله أعلم.)
ـ[ابراهيم عبد القادر]ــــــــ[24 Oct 2008, 06:35 م]ـ
دائما دكتور صالح مواضيعك تحمل الفوائد القيمه الذهبيه جزيت عني خيرا
لكن المسكين اللي ما يطلع على المواضيع ويجعل نفسه عابر سيبل من دون استفاده
فانقل لكم الفوائد حول (الفرق بين النجوم والكوكب) نقلا من أحد المواقع الاسلاميه ونقلا من أحد الاعضاء المشاركين لكن أحسبها شافيه ومؤديه للغرض المطلوب ان شاء الله
فاليكم:
قال أبو هلال:
الفرق بين الكوكب والنجم: أن الكوكب إسم للكبير من النجوم وكوكب كل شئ معظمه، والنجم عام في صغيرها وكبيرها، ويجوز أن يقال: الكواكب هي الثوابت ومنه يقال فيه كوكب من ذهب أو فضة لانه ثابت لا يزول والنجم الذي يطلع منها ويغرب ولهذا قيل للمنجم منجم لانه ينظر فيما يطلع منها ولا يقال له كوكب.
وفي العلم الحديث يفرقون بين النجم والكوكب، فيقولون أن الكوكب هو الجرم السماوي المنطفئ الذي لانور فيه، أي أنه يعكس ضوء الشمس، ويعدون القمر وسائر الكواكب السيارة في هذا الجنس، ويطلقون كلمة نجم على الشموس البعيدة لأن أ نورها منبعثة منها وليست انعكاس لضوء الشمس كما هو الحال في الكواكب، ونقلا عن أحدهم بأن العرب لم تفرق بين النجم والكوكب،وقد وجدت في لسان العرب شيء من ذلك فقد فسر الكوكب بأنه النجم والنجم بأنه الكوكب، وهناك كتاب اسمه (الأنواء في مواسم العرب) لابن قتيبة، مفيد جدا جدا، وأظنه تطرق إلى هذه المسألة بشيء من التفصيل 0000000000 وهذا هو رابط الكتاب
http://www.almeshkat.net/books/open.php?cat=16&book=784))
وبالله التوفيق(/)
أخوف آيه وأرجى آيه وأخشى آيه
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[25 May 2007, 05:41 م]ـ
أخشى آيه في القرآنالعظيم (قال جل وعز وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)
أرجى آيه في القرآن الكريم {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفرالذنوب جميعا إنه هوالغفور الرحيم}
أخوف آيه في القرآن المجيد {وقدمنا إلى ما عملو من عمل فجعلنه هباء منثورآ}
ـ[المهدي محمد]ــــــــ[29 May 2007, 07:00 ص]ـ
أخشى آيه في القرآنالعظيم (قال جل وعز وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)
أرجى آيه في القرآن الكريم {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفرالذنوب جميعا إنه هوالغفور الرحيم}
أخوف آيه في القرآن المجيد {وقدمنا إلى ما عملو من عمل فجعلنه هباء منثورآ}
جزاك الله خيرا أخي الكريم شعيب ومزيدا من التقدم فعلى بركة الله(/)
العدول في حروف المعاني مظهر من مظاهر الإعجاز البياني في القرآن الكريم "5"
ـ[د عبدالله الهتاري]ــــــــ[26 May 2007, 03:47 م]ـ
ثالثاً: العدول في حروف النفي
نجد أن التعبير القرآني قد خالف في الاستعمال بين أداتي النفي بـ (ما) و (إِنْ)، فعدل في الأسلوب عن (ما) إلى (إنْ) كثيراً.
وقد ذكر النحاة أنَّ (إنْ) (): حرف نفي يدخل على الجملة الفعلية والاسمية، نحو قوله تعالى: ?وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ? [التوبة: 107]. أي: ما أردنا إلا الحسنى. وقال مجاهد (ت 103هـ): "كل شيء في القرآن (إنْ) فهو إنكار" ().
وقال الراغب (ت 502هـ) في (إنْ) هذه (): "وأكثر ما يجيء يتعقبه (إلا) نحو:
?إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً? [الجاثية: 32]. و: ?إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ? [المدثر: 25]. و: ?إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ? [هود: 54] ".
وكذلك الحال مع حرف النفي (ما) فهو يدخل على الجملة الفعلية والاسمية. ويذكر النحاة أن (إنْ) بمنزلة (ما) في نفي الحال ().
ويقول برجشتراسر (): "و (إنْ) تكاد تطابق (ما) في وظيفتها، وأكثر وقوعها قبل (إلا) للجناس بينهما نحو ? إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ? [يوسف: 40] ".
ويذكر أحمد ماهر البقري في أساليب النفي في القرآن أنه (): "لا نكاد نجد فرقاً بين (إنْ) و (ما) إذ هما لنفي ما في الحال غالباً".
والحقيقة أن التعبير القرآني قد فرق بينهما في الاستعمال من خلال ما نلحظه من المخالفة بينهما، والعدول عن حرف إلى آخر منهما.
وقد تتبع فاضل السامرائي المخالفة بين الأداتين في الاستعمال القرآني فوجد أن النفي بـ (إن) آكد من (ما) (): "يدل على ذلك اقترانها الكثير بـ (إلا)، وهذا ما يعطيها قوة وتأكيداً، فإن في القصر قوة"، وذلك نحو قوله تعالى: ? إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا? [إبراهيم: 10].
وقوله تعالى: ?وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ? [الإسراء: 44].
ونضيف إلى ما قاله السامرائي أن (ما) قد تأتي مقترنة بـ (إلا)، ولكن هذا ليس هو الغالب في استعمالها، في حين أن (إن) النافية غالب في استعمالها اقترانها بـ (إلا)، والقصر بـ (إلا) يرد للتأكيد، وذلك يوحي بقوتها في التأكيد أكثر من (ما).
ومن خلال السياقات القرآنية التي وردت فيها (إن) النافية، نجد أن النفي بها آكد وأقوى، وهذا يفسر لنا دلالة المخالفة في السياقات القرآنية التي ورد فيها العدول عن (ما) إلى (إن)، نحو قوله تعالى على لسان النسوة: ?مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ? [يوسف،31].
فقد جاء النفي ابتداء بـ (ما) فقال: "ما هذا بشراً" ثم عدل عنه إلى النفي بـ (إن) فقال: "إن هذا إلا ملك كريم"، ولم يطرد السياق على نمط واحد من النفي فيكون "ما هذا بشراً ما هذا إلا ملك كريم"؛ وذلك لأن نفي البشرية عنه أهون من إثبات وصف الملائكية له، فأتى بـ (إنْ) فيما هو آكد، إمعاناً في تأكيد صفة الملائكية له في الحسن والهيئة ونفي ما سواها عنه.
إذ القصر بـ (إلا) يفيد دلالتي النفي والإثبات معاً ()، فقد أثبت له صفة الملائكية، ونفى عنه ما دونها.
و منه قوله تعالى: ?قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ? [يس: 15].
فأتى بحرف النفي (ما) ابتداء فقال: "ما أنتم إلا بشر .. وما أنزل الرحمن"، ثم عدل بعد ذلك إلى (إن) فقال: "إن أنتم إلا تكذبون" ولو جرى السياق على نسق واحد لكان "وما أنتم إلا تكذبون".
ويرجع هذا إلى أن "نفي الثاني أقوى فجاء به بـ (إنْ) فإن الأول إثبات البشرية، والثاني الكذب، وهم بشر لا شك في ذلك فجاء به بما، والثّاني إثبات الكذب للرسل -عليهم السلام- وإنكار أن يكونوا صادقين وهو يحتاج إلى توكيد أكثر فجاء به بـ (إنْ) " ().
وهذا الأمر يطرد في التعبير القرآني، فحيثما وجد النفي بـ (إن) فهو آكد من النفي بـ (ما).
ومنه ذلك أيضاً قوله تعالى: ? وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ? [الجاثية: 24].
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد اطرد النفي بـ (ما) في السياق كله إلا قوله: "إن هم إلا يظنون"، فقال: "ما هي إلا .. وما يهلكنا .. وما لهم بذلك .. وإن هم"، وسبب هذا العدول إلى (إن) النافية هنا، أن هذا التعقيب هو رد من المولى -عزوجل- على كلامهم السابق، فناسب ذلك الإمعان في التأكيد على مرحلتين: الأولى: بالنفي بـ (ما) في قوله: "ما لهم بذلك من علم" بدليل مجيء (من) للتأكيد في قوله: "من علم"، فأفادت نفي وجود أي شيء لهم من العلم، ثم ارتقى التأكيد بالنفي -في المرحلة الثانية- إلى مستوى أعلى من سابقه، فقال: "إن هم إلا يظنون" فكانت (إن) هنا أنسب في التأكيد من (ما).
وهو ما يظهر لنا جلياً أيضاً في خطاب نبي الله شعيب عليه السلام لقومه، بقوله: ?وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ? [هود:88].
فعدل في النفي عن (ما) إلى (إن) فقال: "إن أريد إلا الإصلاح"، ولم يقل: "وما أريد إلا الإصلاح" فيطرد النفي بـ (ما)؛ لأن نبرة التأكيد قد ارتفعت لدى نبي الله شعيب عليه السلام فأمعن في التأكيد لقومه المكذبين له بقوله: "إن أريد إلا الإصلاح"، مؤكداً بذلك هدفه من رسالته ودعوته.
ويستوقفنا في هذا المقام قول المولى -عزوجل- مخاطباً نبيه - (صلى الله عليه وسلم) - بقوله: ?وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ? [فاطر: 22 - 23].
فلم يطرد النفي بـ (ما) فيكون "وما أنت إلا نذير" كما قال "وما أنت بمسمع من في القبور"؛ وذلك لأن النفي في الأولى "وما أنت بمسمع من في القبور"، أمر مسلم به فلا يحتاج إلى مزيد تأكيد، فإسماع الموتى أمر مستحيل تصوره وحصوله، سواء أكانوا موتى القلوب أم موتى الأجساد، لكنه عدل بعد ذلك إلى (إن)، فقال: "إن أنت إلا نذير"؛ لأن المولى -عزوجل- أراد في هذا السياق الإمعان في التأكيد لنبيه - (صلى الله عليه وسلم) - أنه نذير فحسب، ولا يملك القدرة على هداية قلوب الخلق، وإنما وظيفته الإنذار.
والرسول - (صلى الله عليه وسلم) - يعلم أنه نذير، فما دلالة التأكيد بالقصر في هذا السياق؟
والجواب: "أنهُ نزّلُ الرسول - (صلى الله عليه وسلم) - منزلة من يعتقد أنه يملك مع صفة الإنذار القدرة على هداية الناس؛ لأنه لما كان جاهداً في دعوة القوم، شديد الحرص على هدايتهم، صار في حكم من يظن أنه يملك مع صفة الإنذار صفة الهداية، فجرى الأسلوب كما يجري في خطاب الشك فقيل: "إن أنت إلا نذير" ().
وقد يرد العدول في النفي متمثلاً في المخالفة بين (لم) و (ما)، وعلماء النحو يذكرون أن (لم) تدخل على المضارع فتقلب زمانه إلى الماضي، و (ما) تنفي الفعل الماضي، فتقول: (لم أذهب) و (ما ذهبت) فيفيدان الدلالة على المضي.
ولكن هل النفي بـ (لم) و (ما) يتماثلان، فيكون النفي في (لم أذهب) هو معنى النفي (ما ذهبت)؟ وأن جملة (لم أذهب) هي في المعنى (ما ذهبت) لتحول الفعل المضارع إلى الماضي مع (لم)، أم أن هناك فرقاً دلالياً بينهما؟(/)
لمن يريد تأسيس مكتبة في التفسير
ـ[أبو طلال العنزي]ــــــــ[26 May 2007, 05:55 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
يراودني تفكير منذ فترة في تأسيس مكتبة في التفسير تنضم إلى ما جمعته في
اللغة العربية، لكن تقف في وجهي عقبة تعود إلى كثرة المؤلفات في التفسير.
وثانية تقع في المدة التي أنوي تأسيس المكتبة خلالها، وهي تفوق الخمس سنوات
وهذه مدة طويلة تحتاج إلى أوراق تبين الكتب التي اشتريت والطبعات التي اقتنيت، حتى يسلم المؤسس من التكرار
كما أن التأسيس الذي أريد أن أبتدئ فيه أحب أن يكون زمانيا ينطلق من المؤلفات الأولى في التفسير سواء كانت
مخطوطة أو مطبوعة.
هل يوجد من جمع المكتبة هذه في أوراق بحيث أستفيد منها، خاصة أننا بين علماء التفسير؟
أو أمر آخر: أن يذكر الرواد لهذا المنتدى المبارك طرقهم في جمع كتب التفسير حتى يتسنى للجميع الاطلاع على التجارب العملية لهذا الجمع
والمعاناة التي كابدوها حتى استقامت مكتباتهم الخاصة على سوقها.
بارك الله في الجميع
ـ[العاصمي النجدي]ــــــــ[27 May 2007, 02:04 ص]ـ
كلام جميل ...
أما أنا فمكتبتي هي:
تفسير ابن سعدي و تفسير الجلالين و أيسر التفاسير ثم
تفسير البغوي.
تفسير إبن كثير.
تفسير القرطبي.
أضواء البيان.
ابن جرير الطبري.
فليسى لدي بغيتك .. وإنا منتظرون
ـ[العاصمي النجدي]ــــــــ[27 May 2007, 02:05 ص]ـ
نسيت تفسير فتح القدير للشوكاني!!
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 May 2007, 06:04 ص]ـ
بارك الله فيكم أخي الكريم عوض وأسأل الله لي ولك ولجيمع إخواني العلم النافع، والانتفاع بما في المكتبة الإسلامية من نفائس المؤلفات على الوجه الأكمل.
لدي مكتبة خاصة فيها معظم كتب الدراسات القرآنية، مع العناية بالطبعات والتحقيقات القيمة. وقد بدأت في إدخالها للحاسب الآلي، وسأضعها بإذن الله بعد الانتهاء منها في ملف في الملتقى لينتفع بها كل من يرغب بناء مكتبته الخاصة أو غيرها في الدراسات القرآنية واللغوية خاصة. وستكتمل بإضافة كل واحد من الزملاء ما عنده حتى تكون مكتبة جامعة شاملة لكل ما طبع في الدراسات القرآنية أولاً، ثم ما تيسر من المخطوطات والرسائل الجامعية ثانياً. والله الموفق والميسر سبحانه لا إله غيره.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[29 May 2007, 08:34 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
جزاك الله خيرا يا اخ عبد الرحمن و يسر الله لك اتمام هذا العمل الرائع، فعجل به بارك الله فيك لينتفع به المسلمون و خاصة في الجناح الغربي منه و انت تعلم لماذا؟ وفقك الله و سدد خطاك
ـ[أبو طلال العنزي]ــــــــ[01 Jun 2007, 12:06 ص]ـ
أنا أنتظر عملك يا شيخ عبد الرحمن.
ـ[عبدالرحمن شاهين]ــــــــ[04 Jun 2007, 02:19 م]ـ
وأنا كذلك يا شيخ عبد الرحمن(/)
المتضاد
ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[26 May 2007, 07:34 م]ـ
المتضاد نوع من المشترك، ويقال له: الأضداد، والتضاد.
أولاً: تعريفه:
أ - المتضاد في اللغة: أصل المادة: ضَدَدَ: وضد الشيء خلافه، والجمع أضداد، وقد ضادَّه فهما متضادان، والتضاد مصدر [1].
ب - وفي الاصطلاح: 1 - هو دلالة اللفظ الواحد على معنيين متضادين.
مثاله: الجون: يطلق على الأسود، والأبيض.
2 - وهناك تعريف آخر وهو: الكلمات التي تؤدي إلى معنيين متضادين بلفظ واحد.
3 - وقال ابن فارس -رحمه الله-: (ومن سنن العرب في الأسماء أن يسموا المتضادين باسم واحد) [2].
4 - وقيل: هو أن يطلق اللفظ على المعنى وضده [3].
ثانياً: الفرق بين المشترك والمتضاد: 1 - أن المشترك أعم من المتضاد؛ فالمتضاد نوع منه، فكل متضاد مشترك، ولا عكس.
2 - أن المشترك يدل على عدة معان، ولا يلزم أن تكون متضادة.
أما المتضاد فيدل على معنيين، ولا بد أن يكونا متضادين.
فمثلاً: كلمة (العين) تدل على معانٍ عديدة، ولا يلزم منها التضاد؛ فهي -بهذا الاعتبار- مشترك، لا متضاد.
وكلمة الغابر: تطلق على الماضي وتطلق على الباقي؛ فهي بهذا الاعتبار متضاد؛ لأنها دلت على معنيين متضادين.
ثالثاً: كيف يفهم المراد من اللفظ إذا كان متضاداً؟
يفهم من خلال السياق، مثال ذلك كلمة: (جلل) فهي تدل على الشيء اليسير الحقير، وتدل على الشيء العظيم.
فمن الأول: قول لبيد -رضي الله عنه-:
كل شيء ما خلا الله جلل = والفتى يسعى ويلهيه الأملومن الثاني قول الشاعر:
قومي هُمُ قتلوا أميمَ أخي = فإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللاً = ولئن سطوت لأوهنن عظمي
فمن خلال سياق الكلام في البيت الأول نعلم أن المقصود بـ: (الجلل): الأمر اليسير الحقير، ومن خلال السياق في البيتين الأخيرين نعلم أن المقصود بقوله: (جللاً) أنه الأمر العظيم؛ لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير وهكذا. . . [4]
وهذا ما أجاب به ابن الأنباري عن اعتراض من اعترض على وجود الأضداد؛ حيث قال -رحمه الله-: (ويظن أهل البدع والزيغ، والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم؛ لنقصان حكمتهم، وقلة بلاغتهم، وكثرة الالتباس في محاوراتهم وعند اتصال مخاطباتهم؛ فيسألون عن ذلك، ويحتجون بأن الاسم منبئٌ عن المعنى الذي تحته، ودالٌ عليه، وموضحٌ تأويلَه، فإذا اعتورَ اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطب أيهما أراد، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على المسمى.
فأجيبوا عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الأجوبة:
أَحَدُهن: أن كلام العرب يصحح بعضه بعضاً، ويرتبط أوله بآخره، ولا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه، واستكمال جميع حروفه؛ فجاز وقوع اللفظة على المعنيين المتضادين؛ لأنها يتقدمها، ويأتي بعدها ما يدل على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر، ولا يراد بها في حال المتكلم والإخبار إلا معنىً واحدٌ) ([5]).
ثم ضرب مثالاً لذلك، وهو من الأبيات الآنفة الذكر.
وضرب أمثلة أخرى من القرآن الكريم فقال: (وقال الله - عز وجل - وهو أصدق قيل: [الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ] أراد الذين يتيقنون ذلك؛ فلم يذهب وهمُ عاقلٍ إلى أن الله - عز وجل - يمدح قوماً بالشك في لقائه) ([6]).
رابعاً: الخلاف في وقوع الأضداد:
اختلف العلماء في وقوع الأضداد:
1 - فمنهم من قال بإمكان وقوعها، وعدَّ وضْعَها في مألوف القوانين اللغوية، والمواضعات الاصطلاحية؛ وذلك لأن المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهية.
وذكروا من عللها وأسبابها وشواهدها الشيء الكثير.
ومن هؤلاء: الأصمعي، وأبو عبيدة، وابن السِّكِّيت، وقطرب، وابن فارس، وابن الأنباري وغيرهم - رحمهم الله -.
2 - ومنهم من أنكر الأضداد، وتأول ما ورد منها في اللغة، ونصوص العربية.
وأشهر هؤلاء: ابن دَرَسْتَويْه -رحمه الله- فإن له مصنفاً في إبطال الأضداد.
قال السيوطي -رحمه الله-: (قال ابن درستويه في شرح الفصيح: النوء: الارتفاع بمشقة وثقل، ومنه قيل للكوكب: قَدْ ناء: إذا طلع.
وزعم قوم من اللغويين أن النوء السقوط - أيضاً - وأنه من الأضداد.
وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا في إبطال الأضداد. انتهى.
فاستفدنا من هذا أن ابن درستويه ممن ذهب إلى إنكار الأضداد، وأن له في ذلك تأليفاً) [7].
(يُتْبَعُ)
(/)
3 - ومنهم من قال بوجود الأضداد إلا أنهم عدوها منقصة للعرب، ومثلبة من مثالبهم، واتخذوها دليلاً على نقصان حكمتهم وقلة بلاغتهم، وزعموا أن ورودها في كلامهم كان سبباً في كثرة الالتباس عند المخاطبات.
وهؤلاء هم الشعوبية، أو من يسميهم ابن الأنباري (أهل البدع والزيغ والإزراء بالعرب).
وقد مر في الفقرة الماضية رده عليهم.
وممن رد على هؤلاء ابن فارس حيث قال: (وأنكر ناس هذا المذهب، وأن العرب تأتي باسم واحد لشيء وضده.
وهذا ليس بشيء؛ وذلك أن الذين رووا أن العرب تسمي السيف مهنداً، والفرس طِرْفاً هم الذين رووا أن العرب تسمي المتضادين باسم واحد.
وقد جرَّدنا في هذا كتاباً ذكرنا فيه ما احتجوا به، وذكرنا ردَّ ذلك، ونقضه؛ فلذلك لم نكرره) [8].
4 - ومنهم من قال بوقوعه، وأنكر على من تعسف في إنكاره، غير أنه يرى أن وروده لم يكن بتلك الكثرة التي ذهب إليها من يراه بإطلاق؛ ذلك أن كثيراً من الأمثلة التي ظن هذا الفريق أنها من قبيل الأضداد يمكن تأويلها على وجه آخر يخرجها عن هذا الباب.
ففي بعض الأمثلة قد استعمل اللفظ في ضد ما وضع له لمجرد التفاؤل كالمفازة في المكان الذي تغلب فيه الهلكة؛ فقد سميت بذلك تفاؤلاً، وكالسليم للملدوغ، وكالريان والناهل للعطشان.
وفي بعضها قد استعمل اللفظ في ضده لمجرد التهكم، أو لاتقاء التلفظ بما يُكره التلفظ به، أو بما يمجه الذوق، أو بما يؤلم المخاطب.
وذلك كإطلاق لفظ العاقل على المعتوه أو الأحمق، والخفيف على الثقيل، وهكذا ...
وقد مال إلى هذا الرأي بعض المحدثين كالدكتور علي عبدالواحد وافي [9].
خامساً: المؤلفات في الأضداد: حاول العلماء حصر كلمات الأضداد، وجمعها من كلام العرب في شعرهم ونثرهم، وفيما ورد منها في القرآن، والحديث، ثم أفردوها بالتأليف والتصنيف، وأصبحت مصدراً أصيلاً من مصادر المعجمات.
وممن ألف في الأضداد - كما ذَكر السيوطيُّ - قطربٌ، والتوزيُّ، وأبو البركات ابن الأنباري، وابن الدهان، والصغاني [10].
هذا عدا الفصول التي وردت في كتاب الجمهرة لابن دريد، والغريب المصنف لأبي عبيد، والصاحبي لابن فارس، والمخصص لابن سيدة، وفقه اللغة للثعالبي، وديوان الأدب للفارابي، والمزهر للسيوطي [11].
ولكن أعظم هذه الكتب خطراً، وأوسعها كَلِماً، وأحفلها بالشواهد، وأشملها للعلل هو كتاب أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري المعروف بابن الأنباري [12] ت327هـ.
حتى قيل: إن كتاب أبي بكر بن الأنباري لم يؤلف مثله في الأضداد.
وقد اشتمل الكتاب على 357 لفظاً من الأضداد؛ فأتى على جميع ما ألف قبله، وأربى عليه، وجاء بالعجيب من أراجيز العرب، وشواهد القرآن والحديث والشعر في كثرة بالغة، وإسهاب كثير، مع عذوبة المورد، ووضوح التعبير، وإشراق الدلالة، واطراد التنسيق.
وقد أعانه على ذلك كثرة محفوظه، ووفرة روايته، ووضوح الفكرة في عقله مع دقة التعليل، وقوة الحجاج.
وقد قدم لكتابه ببحثٍ ضافٍ شامل انتصر فيه للعرب فيما أورد على ألسنتهم من ألفاظ الأضداد، وأبان عن حكمتهم فيما أرادوا، وعلل ذلك تعليلاً دقيقاً أميناً؛ فجاء كتابه أشمل كتاب، وأوفاه في هذا الموضوع [13].
والكتاب يقع في مجلد واحد وفي 517 صفحة، وبتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ومن مطبوعات المكتبة العصرية - بيروت.
سادساً: أمثلة وشواهد للأضداد: هذه أمثلة للأضداد مختارة باختصار دون تفصيل من كتاب الأضداد لابن الأنباري-رحمه الله-.
1 - القرء: حرف من الأضداد، يقال: القرء للطهر وهو مذهب أهل الحجاز، والقرء للحيض، وهو مذهب أهل العراق.
2 - عسعس: يقال: عسعس الليل إذا أدبر، وعسعس إذا أقبل.
3 - المولى: المُنْعِم المُعْتِق، والمولى: المُنْعَم عليه المُعْتَق.
4 - بسل: للحلال، وللحرام.
5 - اشتريت: بمعنى قبضته وأعطيت ثمنه، وبمعنى بعته.
6 - بعت: على المعنى المعروف عند الناس، وبعت الشيء إذا ابتعته أي اشتريته.
7 - السارب: المتواري والظاهر.
8 - عَنوة: إذا أخذ الشيء غصباً وغلبة، ويطلق على ما إذا أخذه بمحبة ورضاً.
9 - الصريخ والصارخ: للمغيث، وللمستغيث.
10 - الدائم: يقال للساكن دائم، وللمتحرك دائم.
11 - الصريم: يقال لليل: صريم، وللنهار: صريم؛ لأن كل واحد منهما يصرم صاحبه.
12 - طرب: إذا فرح، وطرب إذا حزن.
13 - السليم: يقال: سليم للسالم، وسليم للملدوغ.
(يُتْبَعُ)
(/)
14 - السُّدْفة: بنو تميم يذهبون إلى أنها الظلمة، وقيس يذهبون إلى أنها الضوء.
15 - الناهل: للعطشان، وللريان.
16 - أمَمَ: يقال: أمر أمم إذا كان عظيماً، وأمر أمم إذا كان صغيراً.
17 - خائف: يقال: رجل خائف إذا كان يخاف غيره، وسبيل خائف إذا كان مخوفاً.
18 - الحميم: للحار، والحميم للبارد.
19 - عزَّرت: يقال: عزرت الرجل إذا أكرمته، وعزرته إذا لُمته وعنَّفته.
20 - قَلصَ: يقال: قلص الشيء إذا قَصُر وقل، وقلص الماء إذا جمَّ وزاد.
21 - الغريم: الذي له الدَّيْن، والغريم: الذي عليه الدَّيْن.
22 - الحزوَّر: يقال للغلام اليافع الذي قارب الاحتلام: حزوَّر، ويقال للشيخ: حزوَّر.
23 - التلعة: يقال لما ارتفع من الوادي وغيره: تلعة، ويقال لما تسفَّل وجرى الماء فيه؛ لانخفاضه: تلعة.
24 - البَعْل: يقال لما تسقيه السماء: بعل، ويقال لما يشرب بعروقه: بعل.
25 - بلهاء: يقال: امرأة بلهاء: إذا كانت ناقصة العقل، فاسدة الاختيار.
وامرأة بلهاء: إذا كانت كاملة العقل عفيفة صالحة لا تعرف الشر، ولا تعلم الرِّيب.
26 - الخابط: النائم، والخابط الذي يخبط بيده ورجليه.
27 - نسيت: يكون بمعنى غفلت عن الشيء، ويكون بمعنى: تركت متعمداً من غير غفلة لحقتني فيه، فيكون بمعنى الغفلة فلا يُحتاج فيه إلى شاهد.
وكونه بمعنى الترك شاهده قول الله - عز وجل -: [نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ] معناه: ترك إثابتهم ورحمتهم؛ لأنه قد جل وعلا عن الغفلة والسهو.
28 - أفاد: يقال: أفاد الرجلُ مالاً إذا استفاده هو، وقد أفاد مالاً: إذا كسَّبه غيره فهو مفيد في المعنيين.
ــــــــــــــــــــــ
[1] انظر لسان العرب مادة ضدد 3/ 263 - 264.
[2] الصاحبي ص60.
[3] انظر فقه اللغة د. وافي ص148.
[4] انظر الأضداد لابن الأنباري ص1 - 2.
[5] الأضداد ص3.
[6] الأضداد ص3.
[7] المزهر 1/ 396.
[8] الصاحبي ص60.
[9] انظر كتابه فقه اللغة ص149 - 150.
[10] انظر المزهر 1/ 397.
[11] انظر مقدمة محقق الأضداد ص ب - ج، وتاريخ آداب العرب 1/ 198 - 199.
[12] أبو بكر بن الأنباري غير أبي البركات بن الأنباري، وكلاهما ألف في الأضداد إلا أن الأخير لم يصل إلينا كتابه.
[13] انظر مقدمة الأضداد ص ج.
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[27 May 2007, 06:33 ص]ـ
بحث رائع ومفيد
جزاك الله خيرا أخانا الكريم
وتتميما للفائدة
من الذين وضعوا معجمات الأضداد: الأصمعي، والسجستاني، وابن السكّيت وقطرب، وأبو الطيب اللغوي، وابن الدهان، والصغاني، وابن الأنباري. وقد قام المستشرق أوغست هفنر بتحقيق كتب الأضداد التالية:
- الأضداد - تأليف الأصمعي. "ت- 215هـ"
- الأضداد -تأليف ابن السكّيت "ت- 244هـ"
- الأضداد- تأليف السجستاني "ت- 255هـ"
ونشرها معاً في بيروت سنة 1913م، ونشر هفنر أيضاً كتاب الصغاني في الأضداد في السنة ذاتها وجعله ذيلاً للكتب الثلاثة.
وأعادت طباعتها تصويرا دار الكتب /اللاعلمية
أما كتاب قطرب "الأضداد" فقد حققه المستشرق هانس كوفلر ونشره عام 1931 في مجلة " ISLAMICA" المجلد الخامس.
وحقق الدكتور عزة حسن كتاب أبي الطيب اللغوي: "الأضداد في كلام العرب" ونشره المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1382هـ - 1963م.
وتولى تحقيق كتاب ابن الدهان "الأضداد في اللغة" محمد آل ياسين ونشرته مكتبة النهضة في بغداد ط2 سنة 1382هـ- 1963م.
أما كتاب الأضداد لابن الأنباري محمد بن القاسم، فقد صدر في طبعة حديثة أولى في القاهرة سنة 1325هـ "اعتنى بضبطها بالشكل وتصحيحها -حضرة- ملتزم طبعها الشيخ محمد عبد القادر سعيد الرافعي، صاحب المكتبة الأزهرية مع العلامة اللغوي الشيخ أحمد الشنقيطي بعد مقابلتها على نسخة قديمة من خط المؤلف- يعني: ابن الأنباري ..
وصدر هذا الكتاب أيضاً في الكويت، بتحقيق "محمد أبو الفضل إبراهيم" -التراث العربي عام 1960.
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[09 Sep 2007, 01:47 م]ـ
مازلت أري أن حجة المعترضين اقوى وليست الحجة بكثرة الكتب انما بالدليل القاطع وهو مالم أقرأه حتى الآن وأريده واضحا من القرآن لكى يكون أصل فى المسألة
ونقلك--ما أجاب به ابن الأنباري عن اعتراض من اعترض على وجود الأضداد؛ حيث قال -رحمه الله-: (ويظن أهل البدع والزيغ، والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم؛ لنقصان حكمتهم، وقلة بلاغتهم، وكثرة الالتباس في محاوراتهم وعند اتصال مخاطباتهم؛ فيسألون عن ذلك، ويحتجون بأن الاسم منبئٌ عن المعنى الذي تحته، ودالٌ عليه، وموضحٌ تأويلَه، فإذا اعتورَ اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطب أيهما أراد، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على المسمىلماذا هم أهل بدع على الرغم من أن البديهى ألا يحمل لفظ معنيين مختلفين وما نقله -رحمه الله- من حجتهم واضح القوة
لنناقش مثلا مما ذكر:"الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم " قال أن الظن بمعنى اليقين.حملا على المعنى العقائدى ولا مجال لمناقشته الآن ولكن من الناحية اللفظية ثم الدلالية ما الدافع لقول أن ظنن= يقن.وهل يحق لقائل أن يقول لأخيه المدرس مثلا -ظننتك طبيبا ,اذ رآه يضمد جرحا ,ويحمل المعنى على أنه على يقين من هذا.
وهل اذ قال قائل لفظ ما بدلالة غير المتعارف عليها يجب عليه أن يشرح هذا أولا ويقدم بين يدى كلامه المبررات لاستخدام هذا الضد والا لا لوم على السامع اذ لم يفهم الضد وعمل على الضد الذى لم يقصده القائل
ومثال مما ذكرت:- اشتريت: بمعنى قبضته وأعطيت ثمنه، وبمعنى بعته. كيف والقرآن فيه شرى واشترى
وخلاصة ما أذهب اليه أنه بدلا من القول بالتضاد ,نبحث عن الدلالات الدقيقة والفروق الدقيقة فالألفاظ كالأعداد غير متناهية وخاصة فى العربية ودلالتها دقيقة دقة كأنها رقمية وتحتاج لمزيد جهد مع الغواص بحثا عن صدفات البحر الذي يخبأ الدر فى أحشائه.(/)
أرجو من مشايخنا الأفاضل الرد برد علمي
ـ[العاصمي النجدي]ــــــــ[27 May 2007, 01:56 ص]ـ
بينما كنت أنظر في فتوى رضاعة الكبير ...
والتي أخذت إنتشاراً عظيماً عبر الفضائحيات ...
لفت إنتباهي عندما كنت أقراء في مسلم في كتاب الرضاعة عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ سَالِمًا، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ - تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ". فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ.
وكذلك عند إبن ماجه للسندي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عندما ذكرت أن آيات الرضاعة كانت في صحيفة تحت سريرها فأكلتها ربيبة كانت لها يعني شاة.
وذكر هذا الكلام كذلك إبن الجوزي في الناسخ والمنسوخ في القرآن.
لذلك أرجو من مشايخنا الأفاضل الرد برد علمي يزيل الشبهة التي لدى الناس وكذلك ليتسنى لنا نقل الرد الشافي الوافي الى الناس كلاً من منبره.
وجزاكم الله خيراً .... والله من وراء القصد
ـ[العاصمي النجدي]ــــــــ[27 May 2007, 02:23 ص]ـ
هذ رد وإنما نريد الزيادة في التوضيح (سهلة بنت سهيل) اختلف العلماء في هذه المسالة. فقالت عائشة وداود: تثبت حرمة الرضاع برضاع البالغ، كما تثبت برضاع الطفل، لهذا الحديث وقال سائر العلماء من الصحابة والتابعين وعلماء الامصار الى الان: لا يثبت الا بارضاع من له دون سنتين، الا ابا حنيفة فقال: سنتين ونصف. واحتج الجمهور بقوله تعالى: والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاع، وبالحديث الذي ذكره مسلم بعد هذا " انما الرضاعة من المجاعة ". وحملوا حديث سهلة على انه مختص بها وبسالم. وقد روى مسلم عن ام سلمة وسائر ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم انهن خالفن عائشة في هذا. (ارضعيه) قال القاضي لعلها حلبته ثم شربه من غير ان يمس ثديها، ولا التقت بشرتاهما. وهذا الذي قاله القاضي حسن. ويحتمل انه عفي عن مسه للحاجة، كما خص بالرضاعة مع الكبر].(/)
علم مقاصد السور [1] (مدخل)
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[27 May 2007, 11:26 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد /
فإن علم المقاصد من أجل العلوم المعينة على فهم كتاب الله تعالى، بل هو عمدة في فهمه، قال الشاطبي رحمه الله: "قال تعالى {أفلا يتدبروا القرآن} [النساء: 82]، التدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد" ([1]).
ومن أبواب هذا العلم المتعلقة بكتاب الله تعالى علم مقاصد السور ([2]).، والذي يمكن لنا أن نعده علماً من علوم القرآن، وأن نعتمده في تفسير كتاب الله تعالى، فيكون منهجاً من مناهج التفسير، ومنطلقاً أساساً لفهم كلام الله تعالى.
وقد وفقني الله تعالى للوقوف على هذا العلم والتعرف عليه من خلال بحثي في رسالة الدكتوراه وهي في (السياق القرآني وأثره في التفسير دراسة نظرية تطبيقية على سورتي الفاتحة والبقرة)، وقد بذلت الجهد في تتبع الدراسات الخاصة بهذا العلم فلم أجد من تطرق له كدراسة نظرية مستقلة سوى ماذكره البقاعي في مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور من كلام مختصر، وما وجدته في دراسات علمية تطرقت للموضوع من خلال الحديث عن الوحدة الموضوعية للسورة، فعزمت على الكتابة فيه فوفقني الله لذلك.
ويسر الله لي المشاركة بإلقائه بعد ذلك في برنامج (أفانين القرآن) في قناة المجد، كما يسر لي المشاركة فيه كورقة علم في مؤتمر (القرآن الكريم ومناهج دراسته) في المغرب في تاريخ 12 - 23/ 4/1428هـ ([3]) ..
وأحببت بعد ذلك أن أعرضه في هذا الملتقى المبارك على حلقات لأستفيد من رأي الأخوة ونقدهم لتقويم هذا البحث وإخرجه بعد ذلك بإذن الله تعالى.
ولعلي أعرض ابتدأً لخطة البحث لعرض صورة عامة عن الموضوع، فقد قسمت البحث إلى مقدمة، وسبعة مباحث وخاتمة:
المقدمة: وهي مدخل للبحث.
المبحث الأول: التعريف بمقاصد السور.
المبحث الثاني: أهمية مقاصد السور.
المبحث الثالث: أقوال العلماء في علم مقاصدالسور واعتباره.
المبحث الرابع: تأصيل علم مقاصد السور وأدلته.
المبحث الخامس: عناية العلماء والمفسرين بمقاصد السور ومناهجهم في عرضها، والكتب والتفاسير المؤلفة فيها.
المبحث السادس: طرق كشف مقاصد السور.
المبحث السابع: منهج مقترح في دراسة التفسير من خلال مقاصد السور.
الخاتمة: وفيها خلاصة البحث.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً وأن ينفعني به أولاً، وأن يحقق فيه الأمل بالنفع العام والقبول. كما أسأله تعالى الصواب والتوفيق في القول العمل، والعفو والتجاوز عن الخطأ والخلل، هو حسبي ونعم الوكيل، عليه توكلت وإليه أنيب.
سأتابع عرض هذه الموضوع في حلقات متتابعة بإذن الله تعالى لعرض كل مبحث على حدة ليكون أدعى لقراءته، ولينال حقه من الرأي والنقد. والله ولي التوفيق.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ((الموافقات)) (3/ 383).
([2]) قولنا علم لايعني أنه علم مستقل بذاته، وإنما هو علم من علوم القرآن.
([3]) حرصت على أن أرسم منهجاً عملياً للموضوع من خلال دروس علمية، فجعل درساً في التفسير في سور المفصل معتمداً على هذا العلم، فرأيت في هذا المنهج قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد، وظهر لي من خلال ربط آيات السورة بمقصدها معاني عظيمة ودقيقة لا تتحقق إلا بمراعاة ذلك. أسأل الله تعالى أن يحقق لي تمام ما وفقني له، وقد يسر الله تعالى تسجيل حلقات هذا الدرس في موقع البث الإسلامي.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[27 May 2007, 05:45 م]ـ
وفقك الله دكتور محمد , ونحن منتظرون بقية البحث فموضوع كهذا يستحق قراءته أكثر من مرة.
ـ[علال بوربيق]ــــــــ[27 May 2007, 11:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة و السلام على النبي المصطفى الأمين، أما بعد
فهذه مشاركة تصب في هذا الموضوع الشيق، كنت قد كتبتها منذ فترة، نرجو من الدكتور الفاضل: محمد بن عبد الله الربيعة، تقييمها وتقويمها.
ودمتم في خدمة كتابه الكريم، ودينه القويم.
المشاركة على هذا الرابط: http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=26227#post26227
ـ[الإسلام ديني]ــــــــ[28 May 2007, 09:44 ص]ـ
===================
أقول:
===================
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله (صحبه و اتباعه أجمعين)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك يا شيخي الحبيب
وفقك الله تعالى
و بإنتظار حلقات هذا البحث الرائع
/////////////////////////////////////////////////
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[28 May 2007, 06:21 م]ـ
أشكر الأخوة الفضلاء الدكتور أحمد البريدي والأخ الإسلام ديني على تفاعلهم
وأشكرك أخي صادق الرافعي على ماأرشدتني إليه، وأبشرك أخي بأن مشاركتك كانت من المصادر الرئيسة التي رجعت إليها في البحث، والتي سأذكرها في نهاية عرض الموضوع بإذن الله تعالى.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو طلال العنزي]ــــــــ[29 May 2007, 12:25 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوقفتني الحاشية الثانية في الموضوع لأنني فهمت منها أن ((علم مقاصد السور)) يسمى علما تجوزًا وإلا فهو من فروع علوم القرآن الكريم فهل نستطيع أن نخترع مصطلحا يكون أقل من كلمة ((علم)) ليطلق على ما هو دون العلم بالشيء، ويكون حقيقا على الفرع من فروع العلم هل يمكن التفريق مثلا بين الفن والعلم؟ وأيهما أوسع من الآخر؟ وهل نطلق كلمة (فن) على مقاصد السور؟
هل يمكن هذا؟
أرجو أن أجد إجابة حول هذه القضية.(/)
نموذج من تفسير الامام عبد الحميد بن باديس
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[27 May 2007, 08:43 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
من ابرز الآثار التي تركها الإمام عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تفسيره للقرآن الكريم الذي امتد على فترة زمنية تقدر بربع قرن بالجامع الأخضر– و هو من أكبر المساجد بقسنطينة عاصمة الشرق الجزائري -، وقد كتاب مجالس معدودة من تلك الدروس، على شكل فواتح لأعداد مجلته "الشهاب" بعنوان "مجالس التذكير".
وإليكم نموذجا من تفسيره للآية 36 من سورة الإسراء:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36).
العلم الصحيح، والخلق المتين، هما الأصلان اللذان ينبني عليهما كمال الإنسان، وبهما يضطلع بأعباء ما تضمنته الآيات المتقدمة، من أصول التكليف؛ فهما أعظم مما تقدمهما من حيث توقفه عليهما. فجيء بهما ليكون الأسلوب من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى. ولما كان العلم أساس الأخلاق قدمت آيته على آيتها تقديم الأصل على الفرع.
آية العلم:
(القفو): اتباع الأثر، تقول قفوته أقفوه، إذا اتبعت أثره. المتبع لأثر شخص موال في سيره لناحية قفاه؛ فهو يتبعه دون علم بوجهة ذهابه، ولا نهاية سيره. فالقفو: اتباع عن غير علم، فهو أخص من مطلق الاتباع، ولذلك اختيرت مادته هنا. ولكونه اتباعا بغير علم، جاء في كلام العرب بمعنى قول الباطل قال جرير:
وطَالَ حذاري خِيفة البين وأُحْدُوثة من كاشحٍ متقوفِ
(والعلم) إدراك جازم مطابق للواقع عن بينة، سواء أكانت تلك البينة حساً ومشاهدة، أو كانت برهاناً عقلياً: كدلالة الأثر على المؤثر، والصنعة على الصانع. فإذا لم تبلغ البينة بالإدراك رتبة الجزم فهو ظن. هذا هو الأصل. ويطلق العلم أيضا على ما يكاد يقارب الجزم ويضعف فيه احتمال النقيض جداً. كما قال تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام: {وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين} (يوسف: 83) فسمى القرآن إدراكهم لما شاهدوا علماً؛ لأنه إدراك كاد يبلغ الجزم لانبنائه على ظاهر الحال، وإن كان ثم احتمال خلافه في الباطن، لأنه احتمال ضعيف بالنسبة لما شاهدوه.
(والسمع): القوة التي تدرك بها الأصوات بآلة الأذن. (والبصر): القوة التي تدرك بها الأشخاص والألوان بآلة العين. وقدم السمع على البصر، لأن به إدراك العلوم وتعلم النطق، فلا يقرأ ولا يكتب إلا من كان ذا سمع وقتاً من حياته.
والفؤاد: القلب، والمراد به هنا العقل من حيث اعتقاده لشيء ما. وإطلاق لفظ الفؤاد والقلب على العقل مجاز مشهور. وكان تفيد ثبوت خبرها لاسمها، وكونها على صورة الماشي لا يدل على انقضاء ذلك الارتباط. ومثل هذا التركيب يفيد في استعمال استحقاق الاسم للخير؛ فالجوارح مستحقة للسؤال، ويكون ذلك بالفعل يوم القيامة. (والمسؤول): الموجّه إليه السؤال ليجيب.
(وأولئك): إشارة إلى هذه الثلاثة. وضمير كان عائد على كل، وضمير (عنه) عائد على ما، وضمير مسؤولا عائد على ما عاد عليه ضمير كان. والتقدير: كل واحد من هذه الثلاثة: السمع، والبصر، والفؤاد، كان مسؤولاً عما ليس لك به علم.
العقل ميزة الإنسان وأداة علمه:
يمتاز الحيوان عن الجماد بالإدراك، ويمتاز الإنسان عن سائر الحيوان بالعقل، وعقله هو القوة الروحية التي يكون بها التفكير. وتفكيره هو نظره في معلوماته التي أدرك حقائقها، وأدرك نسب بعضها لبعض إيجاباً وسلباً، وارتباط بعضها ببعض نفياً وثوتاً. وترتيب تلك المعلومات بمقتضى ذلك على صورة مخصوصة، ليتوصل بها إلى إدراك أمر مجهول.
فالتفكير اكتشاف المجهولات من طريق المعلومات، والمفكر مكتشف ما دام مفكراً. ولما امتاز الإنسان عن سائر الحيوان بالعقل والتفكير – امتاز عنه بالتنقل والتحول في أطوار حياته، ونظم معيشته بمكتشفاته ومستنبطاته: فمن المشي على الأقدام، إلى التحليق في الجو، مثلا. وبقي سائر الحيوان على الحال التي خُلق عليها دون أي انتقال. وبقدر ما تكثر معلومات الإنسان، ويصح إدراكه لحقائقها ولنسبها، ويستقيم تنظيمه لها – تكثر اكتشافاته واستنباطاته في عالمي المحسوس والمعقول، وقسمي العلوم والآداب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا كما كان العرب والمسلمون أيام، بل قرون مدنيتهم: عربوا كتب الأمم إلى ما عندهم، ونظروا وصححوا واستدركوا واكتشفوا؛ فأحيوا عصورهم علم من كانوا قبلهم، وأناروا بالعلم عصرهم. ومهدوا الطريق ووضعوا الأسس لما جاء بعدهم؛ فأدوا لنوع الإنسان بالعلم والمدنية أعظم خدمة تؤديها له أمة في حالها وماضيها ومستقبلها.
وكما نرى الغرب في مدنيته اليوم:
ترجم كتب المسلمين فعرف علوم الأمم الخالية التي حفظتها العربية وأدتها بأمانة. وعرف علوم المسلمين ومكتشفاتهم، فجاء هو أيضا بمكتشفاته العجيبة التي هي ثمرة علوم الإنسانية من أيامها الأولى إلى عهده وثمرة تفكيره ونظره فيها.
وقد كانت مكتشفاته أكثر من مكتشفات جميع من تقدمه – كما كانت مكتشفات صدر هذا القرن أكثر من مكتشفات عجز القرن الماضي – لتكاثر المعلومات؛ فإن المكتشفات تضم إلى المعلومات، فتكثر المعلومات، فيكثر ما يعقبها من المكتشفات على نسبة كثرتها. وهكذا يكون كل قرن – ما دام التفكير عمّالاً – أكثر معلومات ومكتشفات من الذي قبله. فإذا قلت معلوماته قلّت اكتشافاته. وهذا كما كان النوع الإنساني في أطواره الأولى. وإذا كثرت معلوماته وأهمل النظر فيها .. بقي حيث هو جامداً، ثم لا يلبث أن تتلاشى من ذهنه تلك المعلومات المهملة حتى تقل أو تضمحل؛ لأن المعلومات إذا لم تتعاهد بالنظر زالت من المحافظة شيئاً فشيئا. وهذا هو طور الجمود الذي يصيب الأمم المتعلمة في ايامها الأخيرة، عندما تتوافر الأسباب العمرانية القاضية – بسنة الله – بسقوطها.
وإذا لم يصح إدراكه للحقائق، أو لنسبها، أو لم يستقم تنظيمه لها – كان ما يتوصل إليه بنظره خطأ في خطأ وفساداً في فساد. ولا ينشأ عن هذين إلا الضرر في المحسوس، والضلال في المعقول. وفي هذين هلاك الفرد والنوع جزئياً وكلياً من قريب أو من بعيد. وهذا هو طور انحطاط التام، وذلك عندما يرتفع منها العلم، ويفشو الجهل، وتنتشر فيها الفوضى بأنواعها، فتتخذ رؤوساً جهالاً لأمور دينها وأمور دنياها، فيقودونها بغير علم، فيضلون ويُضلون، ويهلكون ويُهلكون، ويفسدون ولا يصلحون. وما أكثر هذا – على أخذه في الزوال بإذن – في أمم الشرق والإسلام اليوم.
الحلقة الثانية
قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36).
العلم وحده الإمام المتبع في الحياة في الأقوال والأفعال والاعتقادات
سلوك الإنسان في الحياة مرتبط بتفكيره ارتباطا وثيقاً: يستقيم باستقامته ويعوج باعوجاجه، ويثمر بإثماره، ويعقم بعقمه؛ لأن أفعاله ناشئة عن اعتقاداته، وأقواله إعراب عن تلك الاعتقادات، واعتقاداته ثمرة إدراكه عن تفكيره ونظره. وهذه الإدراكات الحاصلة عن التفكير والنظر ليست على درجة واحدة في القوة والضعف فمنها ما هو قوي معبر، ومنها ما هو ضعيف ساقط عن الاعتبار.
فالأول: العلم وهو إدراك أمر على وجه لا يحتمل أن يكون ذلك الأمر على وجه من الوجوه سواه، وهو علم الاعتبار. ويليه الظن، وهو إدراك لأمر على وجه هو أرجح الوجوه المحتلة، وهو معتبر عندما تتبين قوة رجحانه فيما لا يمكن فيه إلا ذاك. وهذه هي الحالة التي يطلق عليه فيها لفظ العلم مجازاً.
والثاني: الوهم، وهو إدراك الأمر على الوجه المرجح.
والشك، وهو إدراك الأمر على وجهين، أو وجوه متساوية في الاحتمال، وكلا هذين لا يعول عليه.
ولما كان الإنسان – بما فطر عليه من الضعف والاستعجال – كثيراً ما يبني أقواله وأفعاله واعتقاداته على شكوكه وأوهامه، وعلى ظنونه حيث لا يكتفي بالظن، وفي هذا البناء الضرر والضلال .. بيّن الله تعالى لعباده في محكم كتابه أنه لا يجوز لهم، ولا يصح منهم البناء لأقوالهم وأعمالهم، واعتقاداتهم إلا على إدراك واحد وهو العلم، فقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} أي لا تتبع ما لا علم لك به فلا يكن منك اتباع بالقول، أو بالفعل، أو بالقلب، لما لا تعلم، فنهانا عن أن نعتقد إلا عن علم أو نفعل إلا عن علم، أو نقول إلا عن علم.
(يُتْبَعُ)
(/)
فما كل ما نسمعه وما كل ما نراه نطوي عليه عقد قلوبنا، بل علينا أن ننظر فيه، ونفكر، فإذا عرفناه عن بينة اعتقدناه، وإلا تركناه حيث هو، في دائرة الشكوك والأوهام، أو الظنون التي لا تعتبر. ولا كل ما نسمعه أو نراه نتخيله نقوله. فكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع، كما جاء في الصحيح.
بل علينا أن نعرضه على محك الفكر، فإن صرنا منه على علم قلناه، مراعين فيه آداب القول الشرعية، ومقتضيات الزمان والمكان والحال، فقد أمرنا أن نحدث الناس، بما يفهمون – وما حدث قوم بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان عليهم فتنة –وإلا طرحناه. ولا كل فعل ظهر لنا نفعله. بل حتى نعلم حكم الله تعالى فيه، لنكون على بينة من خيره وشره، ونفعه وضره. فما أمر تعالى إلا بما هو خير وصلاح لعباده، وما نهى تعالى إلا عما هو شر وفساد لهم، أو مؤد إلى ذلك.
وإذا كان من المباحات نظرنا في نتائجه وعواقبه ووازنا بينها، فإذا علمنا بعد هذا كله من أمر ذلك الفعل ما يقتضي فعله فعلناه وإلا تركناه. فلا تكون عقائدنا –إذا تمسكنا بهذا الأصل الإسلامي العظيم- إلا حقاً. ولا تكون أقوالنا إلا صدقاً. ولا تكون أفعالنا إلا سداداً.
ولعمر الله إنه ما دخل الضلال في عقائد الناس، ولا جرى الباطل والزور على ألسنتهم، ولا كان الفساد والشر في أفعالهم، وإلا بإهمالهم، أو تساهلهم في هذا الأصل العظيم.
المعنى:
نهينا عن أن نتبع ما ليس لنا به علم، فالذي نتبعه هو ما لنا به علم؛ أي لنا به علم يقتضي اتباعه بأن يكون من عقائد الحق، وأقوال الصدق، وأفعال السداد. فأما كان من عقائد الحق في أمر الدين، أو في أمر الدنيا، فلا حظر في اعتقاد شيء منه. وأما ما كان من أفعال السداد فكذلك. وأما ما كان من أقوال الصدق ففيه تفصيل: إذ ليس كل قول صدق يقال.
فالنقائص الشخصية في الإنسان لا تقال في غيبته: لأنها غيبة محرمة، ولا يجابه بها في حضوره لأنها أداة؛ إلا إذا ووجه بها على وجه النصيحة بشروطها المعتبرة، التي من أولها ألا تكون في الملأ. وهكذا يحدث في مثل هذه الأصول الكلية عندما يتفقه فيها، أن ينظر فيما جاء من الآيات والأحاديث مما في البيان لها، والتفصيل في مفاهيمها.
تفريع:
الفرع الأول:
من اتبع ما ليس به علم فاعتقد الباطل في أمر الدين، أو في حق الناس، أو قال الباطل كذلك فيهما، أو فعل المحظور .. فهو آثم من جهتين:
1. اتباعه ما ليس له به علم.
2. واعتقاده أو قوله للباطل وفعله للمحظور.
ومن اعتقد حقاً من غير علم، أو قال في الناس صدقاً عن غير علم، أو فعل غير محظور عن غير علم فإنه –مع ذلك- آثم من جهة واحدة، وهي اتباعه ما ليس له به علم، ومخالفته لمقتضى هذا النهي.
الفرع الثاني:
المقلد في العقائد الذي لا دليل عنده أصلاً، وإنما يقول: سمعت الناس يقولون فقلت. هذا آثم لاتباعه ما ليس له به علم. فأما إذا كان عنده دليل إجمالي كاستدلاله بوجود المخلوق على وجود خالقه فقد خرج من الإثم، لتحصيل هذا الاستدلال له العلم.
والمقلد في الفروع دون علم بأدلتها متبع لمفتيه فيها، يصدق عليه باعتبار الأدلة التي يجهلها أنه متبع ما ليس له به علم، ولكنه له علم من ناحية أخرى وهي علمه بأن التقليد هو حكم الله تعالى في حق مثله من العوام، بما أمر تعالى من سؤال أهل العلم، وما رفع عن العاجز من الإصر، وهو من العامة العاجزين عن درك أدلة الأحكام.
نصيحة على هذا الفرع:
أدلة العقائد مبسوطة في القرآن العظيم بغاية البيان ونهاية التيسير. وأدلة الأحكام أصولها مذكورة كلها فيه، وبيانها وتفاصيلها في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسل ليبين للناس ما نزل إليهم.
فحق على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامة لعقائد الدينية، وأدلة تلك العقائد من القرآن العظيم؛ إذ يجب على كل مكلف أ يكون في كل عقيدة من عقائده الدينية على علم. ولن يجد العامي الأدلة لعقائد سهلة قريبة إلا في كتاب الله، فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا في تعليم العقائد للمسلمين إليه. أما الإعراض عن أدلة القرآن والذهاب مع أدلة المكلفين الصعبة ذات العبارات اصطلاحية، فإنه من الهجر لكتاب الله وتصعيب طريق العلم إلى عباده وهم في أشد الحاجة إليه. لقد كان من نتيجة ما نراه اليوم في عامة المسلمين من الجهل بعقائد الإسلام وحقائقه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما ينبغي لأهل العلم أيضا –إذا أفتوا أو أرشدوا- أن يذكروا أدلة القرآن والسنة لفتاويهم ومواعظهم، ليقربوا المسلمين إلى أصل دينهم ويذيقوهم حلاوته، ويعرفوهم منزلته، ويجعلوه منهم دائماً على ذكر، وينيلوهم العلم والحكمة من قريب، ويكون لفتواهم ومواعظهم رسوخ في القلوب، وأثر في النفوس. فإلى القرآن والسنة –أيها العلماء- إن كنتم للخير تريدون.
الفرع الثالث:
المجتهد إذا أفتى مستنداً إلى ما يفيد الظن من أخبار الآحاد، أو الأقيسة أو النصوص الأخرى الظنية الدلالة – هل هو متبع لغير العلم؟
الجواب لا؛ بل هو متبع العلم، وذلك من ثلاثة وجوه:
الأول: أن كل دليل يكون ظنياً بمفرده –يصير يقيناً إذا عرض على كليات الشرع ومقاصده، وشهدت له الصواب، وهذا هو شأن المجتهدين في الأدلة الفردية.
الوجه الثاني: أن المجتهد يعتمد في الأخذ بالأدلة الظنية لما له من العلم بالأدلة الشرعية الدالة على اعتبارها.
الوجه الثالث: أن تلك الأدلة بمفردها تفيد الظن القوي، الذي يكون جزماً ويسمى –كما تقدم- علما، فما اتبع المجتهد إلا العلم.
الفرع الرابع:
لا تعتمد في إثبات العقائد والأحكام على ما ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم من الحديث الضعيف؛ لأنه ليس لنا علم به. فإذا كان الحكم ثابتاً بالحديث الصحيح مثل قيام الليل، ثم وجدنا حديثاً في فضل قيام الليل يذكر ثواب عليه مما يرغب فيه –جاز عند الأكثر أن نذكره مع التنبيه على ضعفه الذي لم يكن شديداً على وجه الترغيب. ولو لم يكن الحكم قد ثبت لما جاز الالتفات إليه، وهذا هو معنى قولهم: (الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال)، أي في ذكر فضائلها المرغبة فيها لا في أصل ثبوتها. فما لم يثبت بالدليل الصحيح في نفسه، لا يثبت بما جاء من الحديث الضعيف في ذكر فضائله، باتفاق من أهل العلم أجمعين.
الفرع الخامس:
أحوال ما بعد الموت كلها من الغيب، فلا نقول فيها إلا ما كان لنا به علم: بما جاء في القرآن العظيم، أو ثبت في الحديث الصحيح. وقد كثرت في تفاصيلها الأخبار من الروايات مما ليس بثابت، فلا يجوز الالتفات إلى شيء من ذلك. ومثل هذا كل ما كان من عالم الغيب مثل الملائكة والجن والعرش، والكرسي، واللوح، والقلم، وأشراط الساعة، وما لم يصل إليه علم البشر.
سؤال الجوارح يوم الهول الأكبر:
{إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}. من قال ما لم يسمع، سئل يوم القيامة سمعه فشهد عليه. ومن قال: رأيت ولم ير سئل بصره فشهد عليه. ومن قال: عرفت، ولم يعرف، أو اعتقد ما لم يعلم، سئل فؤاده فشهد عليه: لأنه في هذه الأحوال الثلاثة قد اتبع ما ليس به علم. وهذه الشهادة كما قال تعالى: {يوم يشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} (النور: 2) هذه الثلاثة تسئل على وجوه منها ما تقدم، وهو الذي يرتبط به هذا الكلام بما تقدم من النهي.
ومنها سؤال السمع: لم سمع ما لا يحل؟ ولم لم يسمع ما يجب؟
وسؤال البصر: لم رأى ما لا يحل؟ وعن جميع أعمال البصر، من نظر البغض والاحتقار ونحو ذلك؟ وسؤال الفؤاد: عما اعتقد؟ وعما قصد؟ وجميع أعمال القلوب؟
فوائد ختام الآية:
فختام لطرق العلم، وتنبيه على لزوم حفظها واحدة واحدةً. وترهيب للإنسان من اتباع ما لم يعلم بما يؤول إليه أمره من فضيحة يوم القيامة، وخزي بشهادة جوارحه عليه. فالله نسأل أن يجعلنا متبعين للعلم في جميع ما نعمل، ويثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
----------
المصدر: موقع الإمام ابن باديس http://www.binbadis.net/Benbadis/madjalis.htm(/)
كنوز من الظلال .. موضوع تفاعلي ..
ـ[أبو عبادة الهاشمي]ــــــــ[28 May 2007, 09:58 م]ـ
الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله حمد الشاكرين .. والشكر له شكر الحامدين
والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين .. وبعد:
فيا أيه السادة الكرام .. والأساتذة العظام ..
في ملتقى التفسير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أَشْرُفُ هنا بمشاركتي الأولى في هذا الصرح الكريم المبارك
كيف لا .. وهو يستلهم بركته وكرمه من بركة هذا القرآن وكرمه .. ((فلا أقسم بمواقع النجوم .. وإنه لقسمٌ لو تعلمون
عظيم .. إنه لقرآنٌ كريم
اللهم أكرمني وأحبتي بكتابك الكريم
أيه الأحبة المباركون:
سيد قطب ..
رجل أديب عاش مع القرآن بثقافته الشرعية البسيطة لكنه استخرج من القرآن كنوزاً ماعرفها الكثير
ان السر العجيب ليس فى بريق الكلمات وموسيقى العبارات
انما هو كامن فى قوة الايمان بمدلول الكلمات وما وراء المدلاولات
انه فى ذلك التصميم الحاسم على تحويل الكلمة المكتوبة
الى حركة حية والمعنى المفهوم الى واقع ملموس
يقول سيد وقد عاش (15) عاماً في ظلال القرآن حياة رفيعة سامية، قال عنها: "الحياة في ظلال القرآن
لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه والحمد الله".
عشت في ظلال القرآن هادئ النفس، مطمئن السريرة، قرير الضمير
لا أطيل عليكم أيه الأحباب
أريد من خلال هذا الموضوع أن نستخرج أبرز كنوز الظلال التي أبدع فيها سيد غاية الإبداع في بعض آيات الكتاب
حيث أنه قد فُتِح عليه في بعض الآيات فتحاً عجيباً
قد تصل إلى الذهول وأنت تقرأ له .. وتعيش حياة مع القرآن تشعر أنها نعمة من الله قد خصك الله بها
من أراد أن يعيش مع القرآن ويتدبر القرآن ويشعر بروعة القرآن فلا يحرم نفسه من قراءة الظلال
أدعو نفسي وإخوتي من هذا الموضوع بأن نتعاون على استخراج كنوز الظلال ونحيل عليها
وأبدأ أنا:
من أروع وأرق ما قرأت لسيد وقفته العجيبة مع قوله تعالى:
((مايفتح الله للناس من رحمةٍ فلا ممسك لها .. وما يمسك فلا مرسل له من بعده .. )) بداية سورة فاطر
وننتظر تفاعلكم أيه الكرام ..
أبو عبادة الهاشمي
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[29 May 2007, 05:59 ص]ـ
هذه ومضة كما سماها سيد قطب رحمه الله عند قوله تعالى {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم}. .عرضت له فيها نفحة روحية فانسكبت معها عبارات نفيسة
يقول رحمه الله في هذه الومضة النفيسة التي تملأ القلب إيماناً وطمأنينة: ((في هذه الآية الثانية من السورة صورة من صور قدرة الله التي ختم بها الآية الأولى. وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعاً.
إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله. وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله. وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله. وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض وتشرع له طريقه إلى الله.
ورحمة الله تتمثل في مظاهر لا يحصيها العد؛ ويعجز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه، وتكريمه بما كرمه؛ وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته؛ وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير.
ورحمة الله تتمثل في الممنوع تمثلها في الممنوح. ويجدها من يفتحها الله له في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حال، وفي كل مكان. . يجدها في نفسه، وفي مشاعره؛ ويجدها فيما حوله، وحيثما كان، وكيفما كان. ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان. . ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حالة، وفي كل مكان. ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان!
وما من نعمة يمسك الله معها رحمته حتى تنقلب هي بذاتها نقمة. وما من محنة تحفها رحمة الله حتى تكون هي بذاتها نعمة. . ينام الإنسان على الشوك مع رحمة الله فإذا هو مهاد. وينام على الحرير -وقد أمسكت عنه فإذا هو شوك القتاد. ويعالج أعسر الأمور برحمة الله فإذا هي هوادة ويسر. ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت رحمة الله فإذا هي مشقة وعسر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام. ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار!
ولا ضيق مع رحمة الله. إنما الضيق في إمساكها دون سواه. لا ضيق ولو كان صاحبها في غياهب السجن، أو في جحيم العذاب أو في شعاب الهلاك. ولا وسعة مع إمساكها ولو تقلب الإنسان في أعطاف النعيم، وفي مراتع الرخاء. فمن داخل النفس برحمة الله تتفجَّر ينابيع السعادة والرضا والطمأنينة. ومن داخل النفس مع إمساكها تدب عقارب القلق والتعب والنصب والكد والمعاناة!
هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب، وتوصد جميع النوافذ، وتسد جميع المسالك. . فلا عليك. فهو الفرج والفسحة واليسر والرخاء. . وهذا الباب وحده يغلق وتفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع. وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء!
هذا الفيض يفتح، ثم يضيق الرزق. ويضيق السكن. ويضيق العيش، وتخشن الحياة، ويشوك المضجع. . فلا عليك. فهو الرخاء والراحة والطمأنينة والسعادة. وهذا الفيض يمسك. ثم يفيض الرزق ويقبل كل شيء. فلا جدوى. وإنما هو الضنك والحرج والشقاوة والبلاء!
المال والولد، والصحة والقوة، والجاه والسلطان. . تصبح مصادر قلق وتعب ونكد وجهد إذا أمسكت عنها رحمة الله. فإذا فتح الله أبواب رحمته كان فيها السكن والراحة والسعادة والاطمئنان.
يبسط الله الرزق مع رحمته فإذا هو متاع طيب ورخاء؛ وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة. ويمسك رحمته، فإذا هو مثار قلق وخوف، وإذا هو مثار حسد وبغض، وقد يكون معه الحرمان ببخل أو مرض، وقد يكون معه التلف بإفراط أو استهتار.
ويمنح الله الذرية مع رحمته فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع، ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله. ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء، وسهر بالليل وتعب بالنهار!
ويهب الله الصحة والقوة مع رحمته فإذا هي نعمة وحياة طيبة، والتذاذ بالحياة. ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي، فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح، ويدخر السوء ليوم الحساب!
ويعطي الله السلطان والجاه مع رحمته فإذا هي أداة إصلاح، ومصدر أمن، ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر. ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما، ومصدر طغيان وبغي بهما، ومثار حقد وموجدة على صاحبهما لا يقر له معهما قرار، ولا يستمتع بجاه ولا سلطان، ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار!
والعلم الغزير. والعمر الطويل. والمقام الطيب. كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال. . مع الإمساك ومع الإرسال. . وقليل من المعرفة يثمر وينفع، وقليل من العمر يبارك الله فيه. وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة.
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله! فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك. ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة. ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة. وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة. ... ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال. وجدها إبراهيم عليه السلام في النار. ووجدها يوسف عليه السلام في الجب كما وجدها في السجن. ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث. ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه. ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور. فقال بعضهم لبعض: {فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته} ووحدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار. . ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها. منقطعاً عن كل شبهة في قوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصداً باب الله وحده دون الأبواب.
أية طمأنينة؟ وأي قرار؟ وأي وضوح في التصورات والمشاعر والقيم والموازين تقره هذه الآية في الضمير؟!
آية واحدة ترسم للحياة صورة جديدة؛ وتنشئ في الشعور قيماً لهذه الحياة ثابتة؛ وموازين لا تهتز ولا تتأرجح ولا تتأثر بالمؤثرات كلها. ذهبت أم جاءت. كبرت أم صغرت. جلت أم هانت. كان مصدرها الناس أو الأحداث أو الأشياء!
صورة واحدة لو استقرت في قلب إنسان لصمد كالطود للأحداث والأشياء والأشخاص والقوى والقيم والاعتبارات.
ويبقى أن أتوجه أنا بالحمد لله على رحمة منه خاصة عرفتها منه في هذه الآية. .
لقد واجهتني هذه الآية في هذه اللحظة وأنا في عسر وجهد وضيق ومشقة. واجهتني في لحظة جفاف روحي، وشقاء نفسي، وضيق بضائقة، وعسر من مشقة. . واجهتني في ذات اللحظة. ويسر الله لي أن أطلع منها على حقيقتها. وأن تسكب حقيقتها في روحي؛ كأنما هي رحيق أرشفه وأحس سريانه ودبيبه في كياني. حقيقة أذوقها لا معنى أدركه. فكانت رحمة بذاتها. تقدم نفسها لي تفسيراً واقعياً لحقيقة الآية التي تفتحت لي تفتحها هذا. وقد قرأتها من قبل كثيراً. ومررت بها من قبل كثيراً. ولكنها اللحظة تسكب رحيقها وتحقق معناها، وتنزل بحقيقتها المجردة، وتقول: هأنذا. . نموذجاً من رحمة الله حين يفتحها. فانظر كيف تكون!
إنه لم يتغير شيء مما حولي. ولكن لقد تغير كل شيء في حسي! إنها نعمة ضخمة أن يتفتح القلب لحقيقة كبرى من حقائق هذا الوجود، كالحقيقة الكبرى التي تتضمنها هذه الآية. نعمة يتذوقها الإنسان ويعيشها؛ ولكنه قلما يقدر على تصويرها، أو نقلها للآخرين عن طريق الكتابة. وقد عشتها وتذوقتها وعرفتها. وتم هذا كله في أشد لحظات الضيق والجفاف التي مرت بي في حياتي. وهأنذا أجد الفرج والفرح والري والاسترواح والانطلاق من كل قيد ومن كل كرب ومن كل ضيق. وأنا في مكاني! إنها رحمة الله يفتح الله بابها ويسكب فيضها في آية من آياته.)) (في ظلال القرآن) [5/ 2921]
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبادة الهاشمي]ــــــــ[29 May 2007, 05:01 م]ـ
د. محمد بارك الله فيك
أشكر لك إضافتك
وإحالتك للمقطع
وسؤالي بارك الله فيك
هل أجد كتاب الظلال على الانترنت حتى يتسنى لي نقل المقاطع التي أريد منه
ولك وللإخوة جزيل الشكر
أبو عبادة الهاشمي
ـ[أبو عبادة الهاشمي]ــــــــ[29 May 2007, 05:04 م]ـ
من كنوز الظلال أيضاً
وقفة سيد رحمه الله مع قوله تعالى
((ونيسرك لليسرى)) في سورة الأعلى
روووووووووعة
أبو عبادة الهاشمي
ـ[أبو عبادة الهاشمي]ــــــــ[06 Jun 2007, 11:29 م]ـ
أين تفاعل الأحبة
من كنوز الظلال
أنظر كلام سيد رحمه الله
في قوله تعالى ((واستغفره)) في سورة النصر
أبو عبادة الهاشمي
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[07 Jun 2007, 02:41 م]ـ
استهلال كريم يا أبا عبادة وموضع حسن مفيد
ولقد عزمت منذ مدة أن أجمع كتاباً بعنوان (لطائف من تفسير في ظلال القرآن) أضمنه ما حواه هذ التفسير المبارك من لطائف وفوائد ومواعظ وهدايات فتح الله بها على مؤلفه رحمه الله فصائغها ببيان ساحر وذوق رفيع.
ولعل الله تعالى يعين على تحقيق هذه الرغبة.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[07 Jun 2007, 03:14 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
ومن روائع هذا المجاهد رحمه الله تعالى:
إنَّ هذا القرآن لا يعطي سرِّه إلا للذين يخوضون به المعركة، ويجاهدون به جهاداً كبيراً أعلام الدعوة والحركة الإسلامية (671) عبد الله العقيل.
* وقال أيضاً: إنَّ هَذا القُرْآن لا يَمْنَحُ كنُوزَه إلاّ لمن يُقْبلُ عَلَيْهِ
معالم في الطريق (18).
والصحيح أن في ظلاله رحمه الله، لفاتٌ وأي لفتات.
رحمه الله رحمة واسعة.(/)
مقتطفات من تفسير مجهول لسورة الأعلى
ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[28 May 2007, 10:16 م]ـ
الحمد لله
هذه مقتطفات من تفسير مخطوط جهل مصنفه من آثار البتر والسوس الكثير الواقع فيها .. والرجاء من الإخوة الأفاضل إفادتنا حول صاحب هذا التفسير إن علم. وقد نقلت تفسير أوائل سورة الأعلى لسلامته من السوس والبتر الذي أتلف غالب المخطوط.
بسم الله الرحمن الرحيم
الْأَعلى
مقصودها:
إيجاب التنزيه للأعلى سبحانه عن أن يلحق شاهق عظمته شيء من شوائب النقص، كاستعجال في أمر من إهلاك الكافرين أو غيره، أو العجز عن البعث، أو إهمال الخلق سُدًى يبغي بعضهم على بعض بغير حساب، أو أن يتكلم بما لا يطابق الواقع، أو يتكلم بما يقدر أحد أن يتكلم بمثله.
(سَبِّحِ) أي نزِّه وبرِّئ تنزيهًا وتبرئةً عظيمةً عن كل ما لا يليق (اسْمَ رَبِّكَ) المحسن إليك بعد إيجادك على صفة الكمال بتربيتك على أحسن الخِلال، حتى كنت في غاية الجلال والجمال.
والتنزيه هنا إما متعلِّق بأسمائه تعالى أو بذاته عز وجل:
وعلى الأول يكون المعنى: نزّه وقدِّس اسم ربِّك الدالِّ على ذاته وصفةٍ من صفاته كالعليم والرحمن، أو فعلٍ من أفعاله كالخالق والرازق وغيرها من كلِّ ما نطق به الكتاب والسنة أو أجمعت على إطلاقه الأمة.
وتنزيهُ أسمائه تعالى يكون عن أمور:
ـ تنزيه عن الإلحاد والميل عن الحق فيها إلى الباطل.
وهو على قسمين:
1 ـ إلحاد في ألفاظها، ويكون بوجوه، منها ذِكرُها على غير وجه التعظيم، وإطلاقها على غيره سبحانه زعمًا أنها فيه سواء، والتنزيه عن الأول يكون بعدم ذكرها على وجه الاستخفاف، وفي محل لا يليق به كالخلاء أو غيره من كل موطن مستكره أو قذر، والتنزيه عن الثاني بعدم إطلاق أسمائه تعالى على غيره بأن لا تستعمل فيه بوجه يشعر العقلَ بتشاركه تعالى وذلك الغير في تلك الأسماء، كأن يوصف أحد غيره تعالى بأنه خالق لفعله أو موجد له من العدم إلى الوجود.
2 ـ والإلحاد في معانيها. ويكون بوجوه:
أ ـ منها صرفها عن معانيها الظاهرة الحقّية من غير موجب لذلك، كاعتقاد أن معنى اسمه العالِم دالٌّ على ذاته من غير صفة علم زائدة على ذاته بشُبهة استلزام ذلك تعدد القدماء.
ب - ومنها إبقاؤها على ظواهرها إذا كانت تلك المعاني الظاهرة غير مناسبة ولا لائقة بذاته تعالى، كاعتقاد أن معنى اسمه الرحيم دالٌّ على أن له قلب رقيق وأن له تأثر وانفعال.
والتنزيه عن الأول يكون بدفع الشُّبَه المقتضية لصرفها عن معانيها الحقية،
وعن الثاني بالاحتكام إلى المحكمات من النصوص القرآنية والبراهين العقلية النافية للمشابهة والمثليّة.
وعلى الثاني، وهو أن متعلق التنزيه المسمَّى لا الاسم، أي ذاته تعالى لا الألفاظ الدالة عليه، يكون المعنى: نزِّه ذاته تعالى عن كل نقص وعن كل ما لا يصح من الأوصاف باعتقاد قِدمه وبقائه ودوامه ووجوب اتصافه بجميع صفات الكمال.
والوصف الكريم الذي هو (الْأَعْلَى) إما مجرور على أنه صفة موضحة للربِّ المضاف إليه ضميره صلى الله عليه وسلم، وهو الأظهر لسلامته من المانع، أو صفة للاسم المضاف لعنوان الربِّ فيكون منصوبا، وضُعّف باستلزامه الفصل بين الصفة وموصوفها بصفة غيره؛ إذ يصير التركيب كقولك: جاء غلام هند العاقل الحسنة، فيفصل بالعاقل بين هند وصفتها.
(الَّذِي خَلَقَ) كل بسيط ومركب وملَك وفلَك وإنسي وجني وغيرها من سائر العلويات والسفليات من العرش إلى الفرش بأن أوجده من العدم وأخرجه إلى فضاء الوجود على نحو ما سبق العلم بخلقه، (فَسَوَّى) بقدرته وتخصيص إرادته وأتقن بكمال علمه ما خَلقه وأبدعه بأن أعطاه ما به يتيسر له تحصيل كماله وتمامه على ما يليق بحاله.
(وَالَّذِي قَدَّرَ) سبحانه وتعالى المخلوقات بإيقاع كل منها على مقدار مخصوص من طول وقصر وكبر وصغر وغيرها، وقدّر أحجامها المنتهية إليها وحدودها المقصورة عليها وأعمارها المعينة لها، فلا تزيد عليها ولا تنقص عنها، فالتقدير هنا بمعنى جعل الشيء على مقادير مخصوصة.
(فَهَدَى) كل واحد واحدٍ من مخلوقاته إلى ما ينبغي له ويصلح في حقه، فهيأه لما خُلق له من خير أو غيره ويسّره له، كما هدى سبحانه بأن أرشد المكلفين بنصب الدلائل الأنفسية والآفاقية والآيات التكوينية على وحدته تعالى وقدمه ووجوب وجوده واستحالة عدمه وغيرها من أوصاف الكمال الدالة عليها أفعاله، وهدى أيضا بأن أنزل الآيات التشريعية الناطقة بالتقديس والتمجيد، وبقدرته تعالى على بعث الأموات ووقوعه في آخر الأوقات، وبأن محط التكليف ومنتهى التوظيف المجازاة على الأعمال في دار البقاء بعد الانتقال من دار الزوال، وبأن ما هذه الحياة الدنيا إلا متاع.
انتهى النقل.(/)
تفسير سورة ق للشيخ عبدالكريم الخضير بحائل يوم 13/ 5/1428هـ
ـ[احمد بن حنبل]ــــــــ[29 May 2007, 03:18 م]ـ
الدورة العلمية المكثفة لفضيلة الشيخ د. عبدالكريم بن عبدالله الخضير حفظه الله.
المتن: تفسير سورة ق
الوقت: العصر والمغرب.
المدينة: حايل.
التاريخ: الأربعاء 13/ 5 والخميس 14/ 5/1428 هـ
المدة: يومان
المكان: جامع خادم الحرمين الشريفين.
النقل: 1. ستنقل الدورة باذن الله تعالى في موقع البث الاسلامي www.liveislam.net
2 . وفي غرفة رياض المسك الرئيسية.
ـ[قتيبة تركستاني]ــــــــ[29 May 2007, 07:05 م]ـ
اخوي احمد
جزاك الله خير على تذكير للموعد
وتمنيت ان اكون في السعوديه لكي اتمكن من حضورها
اخوي احمد
هل الموقع ينقلها مرئيه ام مسموعه؟؟
تقبل مروري وتعليقي
وتقبل الله طاعاتنا واعمالنا
اخوك
قتيبة
ـ[احمد بن حنبل]ــــــــ[31 May 2007, 05:08 م]ـ
أخي قتيبة نفع الله بك ونفعك ..
النقل صوتي فقط لأن الشيخ لايرى التصوير ويحرمه بجميع اشكاله وصوره.(/)
هل تأتي "ظن" بمعنى اليقين في القرآن الكريم؟ "موضوع للنقاش"
ـ[د عبدالله الهتاري]ــــــــ[30 May 2007, 05:44 ص]ـ
أريد من الإخوة الأفاضل في المنتدى أن نتثير معهم موضوع "ظن" في القرآن الكريم، وهل ترد بمعنى اليقين؟
فأريد أن نشبع هذا الموضوع بحثا ومناقشة، ولي رأي سأذكره متأخرا بعد أن أقف على ما عند الإخوة الفضلاء
ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[30 May 2007, 01:10 م]ـ
الأستاذ الفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم نحن في شوق لرؤيتك التي ستطرحها وليتها سبقت الردود والمناقشات , ولكني سأطرح بين يديكم بعض المواطن التي أرى أن تفسيرها بغير اليقين غير صحيح, لكني أعتقد أنه يلزم تفسيرها باليقين وإلا كان المعنى غير لائق - في نظري -ولعلكم تزيلون بجديدكم الذي ارتأيتموه هذا الاعتقاد, وحبذا لو أجبتم عليها واحداً تلو الآخر لتتحقق الفائدة ويتضح المراد , ومن تلك المواضع:
(يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) فإن لم يكن معهناها هنا اليقين كان ذلك مدحاً من الله لمن كفر به حين شك في لقائه, وتعالى الله عن ذلك.
(وظن أنه الفراق) وهذه الساعة يسلم فيها لشدة هولها الكافر ويذعن فيها الفاجر , لشدة اليقين الحاصل عنده بالموت ألا ترى إلى فرعون حين عاينها كيف أسلم وقال (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل) وقد كان من قبلُ يقول (ما علمتُ لكم من إله غيري) فما الذي غيره إلا يقينه بالموت معاينته له , وما العلة في عدم قبول توبة من يعيشها إلا تكشف الغيوب له واطلاعه على المغيبات التي أراد الله منه أن يؤمن بها غيباً, فكيف نفسر كل ذلك أنه شك لا يقين .. ؟
(وظنوا ما لهم من محيص) فهذا واقع حقيقي لا يمكن - في نظري - تفسيره بالشك أبداً لأنه كائن منهم يوم البعث الذي يتبرأ فيه المتَّبَعون من المتبِعين, وهذا اليوم الذي يوقن فيه كل شاك , لا يتصور أن يبقى أحد فيه شاكا.
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[30 May 2007, 04:29 م]ـ
أخي الكريم د / عبدالله علي الهتاري
جزاك الله خيرا .. وإثارة جيدة، لموضوع هام
فيه من الطرافة اللغوية، مصاحبا للضدّ في اللغة العربية
وقد جاء في كتاب:
الإتقان في علوم القرآن؛ لجلال الدين السيوطي:
(ظن أصله للاعتقاد الراجح كقوله تعالى - إن ظنا أن يقيما حدود الله - وقد تستعمل بمعنى اليقين كقوله تعالى - الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم. أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن مجاهد قال: كل ظن في القرآن يقين، وهذا مشكل بكثير من الآيات لم تستعمل فيها بمعنى اليقين كالآية الأولى. وقال الزركشي في البرهان: للفرق بينهما في القرآن ضابطان. أحدهما: أنه حيث وجد الظن محموداً مثاباً عليه فهواليقين، وحيث وجد مذموماً متوعداً عليه بالعقاب فهوالشك. والثاني: أن كل ظن يتصل بعده أن الخفيفة فهوشك نحو بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول - وكل ظن يتصل به أن المشددة فهويقين كقوله (إني ظننت أني ملاق حسابيه - وظن أنه الفراق - وقرئ: وأيقن أنه الفراق. والمعنى من ذلك أن المشددة للتأكيد فدخلت على اليقين، والخفيفة بخلافها فدخلت في الشك، ولهذا دخلت الأولى في العلم نحو فاعلم أنه لا إله إلا الله - وعلم أن فيكم ضعفاً - والثانية في الحسبان نحو وحسبوا أن لا تكون فتنة - ذكر ذلك الراغب في تفسيره، وأورد على هذا الضابط - وظنوا أن لا ملجأ من الله. وأجيب بأنها هنا اتصلت بالاسم وهوملجأ، وفي الأمثلة السابقة اتصلت بالفعل، ذكره في البرهان. قال: فتمسك بهذا الضابط فهومن أسرار القرآن. وقال ابن الأنباري: قال ثعلب: العرب تجعل الظن علماً وشكا وكذباً فإن قامت براهين العلم فكانت اكبر من براهين الشك فالظن يقين، وإن اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك، وإن زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب، قال الله تعالى - إن هم إلا يظنون أراد: يكذبون انتهى .... )
ولي عودة ـ بمشيئة الله ـ مع كتب اللغة
ـ[مهند شيخ يوسف]ــــــــ[31 May 2007, 06:17 م]ـ
أرى أن (ظن) في القرآن أتت على ثلاثة معان: اليقين - ورجحان الاعتقاد - والوساوس والخطرات القهرية.
ففي اليقين قوله تعالى: "وعلى الثلاثة الذين خلفوا .. " إلى قوله: "وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم .. " الظن هنا اليقين، لأن الله تعالى لا يتوب على غير الموقنين.
وتأتي بمعنى رجحان الاعتقاد كما في: "بل ظننتم ألن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا .. "
وتأتي بمعنى الوساوس كما في: "وتظنون بالله الظنونا"، لا تفسر إلا بذلك لأن المؤمنين لم يشكوا في الله.(/)
الحواشي والاختصارات والدراسات حول تفسير ابن كثير (ضع ما تجده هنا)
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[30 May 2007, 11:21 ص]ـ
لا يخفى على الباحثين ما حظِي به بعض الأعلام من الدراسات الكثيرة، ومن هؤلاء الإمام ابن كثير الدمشقي صاحب التفسير الشهير.
وقد مرَّت مشاركات كثيرة فيها تعلق بهذا التفسير بين مختصرات ذُكِرت، ودراسات عليه حُرِّرت، فرأيت أن نشترك معًا في جمعها هنا لتكون في متناول دارسي هذا الإمام رحمه الله تعالى، وأبتدئ هذه المشاركة بحاشية على تفسير ابن كثير عنوانها (العلم الغزير في تفسير ابن كثير، لإسماعيل الزرعي / خطيب جامع الديلع، والمخطوط موجود في (الرباط / تريم 52 [269].
ـ[عبدالرحمن المحيميد]ــــــــ[30 May 2007, 05:21 م]ـ
استجابة لطلب شيخنا الفاضل الدكتور أبي عبد الملك أقول:
هناك رسالتان علميتان في دراسة منهج ابن كثير في التفسير أحدهما لشيخي أ. د. سليمان اللاحم رسالة ماجستير في جامعة الإمام، مطبوعة في مجلد واحد.
والأخرى ل د. مطر الزهراني رسالة ماجستير في جامعة أم القرى ولم تطبع حسب علمي.
كما قدم عنه دراسة وافية وحقق جزء منه د. محمد الفالح في رسالة دكتوراه في جامعة الإمام.
وأما المختصرات فهي كثيرة جدا منها:
1/عمدةالتفسير لأحمد شاكر 2/ مختصر الصابوني 3/تيسير العلي القدير لمحمد نسيب الرفاعي 4/ مختصر محمد كريم راجح5/ لباب التفسير لعبد الله آل الشيخ.
وهناك مختصر مخطوط مفقود للكازروني.
ـ[أبوخطاب العوضي]ــــــــ[30 May 2007, 09:23 م]ـ
بارك الله فيك على جهودك الطيبة ...
1 - أحاديث سورة الكهف من تفسير ابن كثير - تحقيق وتخريج ودراسة , للباحث: محمد عبده عبدالرحمن , رسالة دكتوراه بكلية الحديث الشريف - الجامعة الإسلامية 1404 هـ.
2 - استدراكات ابن كثير على ابن جرير في تفسيره , للباحث: أحمد عمر عبدالله , رسالة دكتوراه بكلية القرآن الكريم - بالجامعة الإسلامية 1405 هـ.
3 - الكفاية في التفسير لأبي عبدالرحمن النيسابوري الحيري "من أول سورة الأنفال إلى نهاية سورة طه" -تحقيق ودراسة مع المقارنة بتفسير ابن كثير , للباحث: عبدالله بن عواض بن لويحق المطيري , رسالة دكتوراه بكلية القرآن الكريم - الجامعة الإسلامية 1416 هـ.
كنت أتمنى أن اتحفكم بالمزيد ولكن جهازي به عطل وغداً سأضع بقية العناوين إن شاء الله ...
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[30 May 2007, 11:09 م]ـ
بضاعة مزجاة
تخريج أحاديثه أكثر من 6000 حديثا ملف ورد بحاجة للمراجعة هل يصلح!!
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[31 May 2007, 01:45 ص]ـ
أخي عبد الرحمن المحيميد
مخطوط الكازروني بين يدي، وليس مفقودًا، وقد تفضل بإهدائه لي الأخ الفاضل طارق الفارس أحد الدارسين في الدراسات العليا بجامعة أم القرى، وقد قدمه لقسم الكتاب والسنة لكنهم لم يقبلوه موضوعًا للتحقيق.
أخي أبا الخطاب العوضي
منكم استفدت هذه الفكرة لما طرحتم ما يتعلق بابن جرير الطبري، والفضل للمتقدم.وهذا رابط فكرتكم في ابن جرير الطبري ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=2012 ) ، وأتمنى أن تشاركني ـ تكرمًا لا أمرًا ـ فتفعل مثل ما فعلت في ترتيب البحوث التي عن ابن جرير، حتى تكون في مشاركة واحدة، ولك مني الدعاء.
ـ[ابن الجزري]ــــــــ[31 May 2007, 10:35 ص]ـ
رسالة علمية
للشيخ عبدالله عبد العزيز العواجي حفظه الله
في منهج ابن كثير في الجامعة الإسلامية وحسب علمي أنها لم تطبع بعد
وأخوه شيخنا د. محمد العواجي مشارك في هذا الموقع عله يفدنا مأجورا
ـ[شعلة]ــــــــ[01 Jun 2007, 12:22 ص]ـ
1. ابن كثير ومنهجه في التفسير، إسماعيل سالم عبد العال، رسالة دكتوراه، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
2. حياة ابن كثير ومنهجه في تفسير القرآن العظيم، محمد بن عبد الله بن صالح الفالح، سنة: 1420هـ، رسالة دكتوراه بإشراف: د. محمد الشايع، كلية أصول الدين، جامعة الإمام بالرياض.
3. تخريج أحاديث سورة الرعد من تفسير ابن كثير، محمد عبده عبد الرحمن الكحلاني سنة 1400هـ، رسالة ماجستير. الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
4. ترجيحات الحافظ ابن كثير لمعاني الآيات في تفسيره عرض ودراسة، عبد القادر منصور، رسالة ماجستير.
5. استدراكات ابن كثير على ابن جرير في تفسيره، أحمد عمر عبد الله الغاني سنة 1402هـ، رسالة دكتوراه، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
6. تخريج أحاديث سورة الكهف من تفسير ابن كثير، محمد بن عبده بن عب الرحمن الكحلاني،سنة: 1404 هـ، رسالة دكتوراه، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
7. موقف الإمام ابن كثير من الإسرائيليات في ضوء تفسيره، محمد بن إبراهيم تراوري سنة: 1407هـ، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
8.المقارنة بين منهج الإمامين ابن جرير وابن كثير في التفسير، محمد مختار بن طالب آل نوح، رسالة ماجستير، بإشراف عبد الفتاح عاشور، كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، وهي منشورة.
9. استدراكات ابن كثير على ابن جرير في تفسيره، شايع عبده شايع الأسمري، رسالة دكتوراه.
10.الحافظ بن كثير وجهوده في الجرح والتعديل في تفسيره، عبد العزيز بن عبد الله الزير.
سنة: 1418هـ، رسالة ماجستير، جامعة الملك سعود، كلية التربية، قسم الدراسات الإسلامية
11. البغوي وابن كثير ومنهجهما في التفسير. دراسة وتحقيق، زينب عبد الرحمن الدخيل.رسالة دكتوراه.
12. المقارنة بين منهج ابن عطية الأندلسي وابن كثير في تفسيرهما، أحمد بن عبده بن الهادي الازيبي، رسالة دكتوراه.
13. منهج ابن كثير في تفسير آيات الأحكام، ياسر بن إسماعيل راضي، رسالة ماجستير.
14. منهج ابن كثير في نقد الروايات من خلال تفسيره للقرآن، خيري قدري أيوب، رسالة ماجستير.
15. ترجيحات ابن كثير رحمه الله لمعاني الآيات في تفسيره: عرضا ودراسة من أول سوره يونس إلى آخر القرآن الكريم، عبد الله بن عبد العزيز العواجي، رسالة دكتوراه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن المحيميد]ــــــــ[01 Jun 2007, 03:15 م]ـ
الأخ ابن الجزري السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رسالة شيخنا الفاضل الدكتور عبد الله بن عبد العزيز العواجي بعنوان (ترجيحات ابن كثير رحمه الله لمعاني الآيات في تفسيره: عرضا ودراسة من أول سوره يونس إلى آخر القرآن الكريم) وشكرا
ـ[محمد العواجي]ــــــــ[06 Jun 2007, 06:24 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
مختصر الكازروني لابن كثير ليس مفقوداً بل موجود في مكتبة نور عثمانية باستانبول
وقمت بتحقيق المقدمة والفاتحة منه، وجزء عمّ كاملاً
ولا زلت أواصل العمل به لإبراز مميزاته وفروقه عن الأصل وعن مختصر العمدة لأحمد شاكر
ثم في النية مقارنته ببقية المختصرات
للعلم والإحاطة ولكم جزيل الشكر
والكلام على تفسير ابن كثير ذو شجون ولا زلت أتأمله منذ عشرين سنة
لأمور مهمة جدا
1 - كثرة نسخه المخطوطة
2 - سعة انتشارها في بلاد المسلمين
3 - اختلافها اختلافا واضحا بالزيادة والنقص
4 - القبول الذي وضعه الله له في الأرض
وغيرها
وأرى أن هذا يستدعي إقامة ملتقى علمي للمهتمين يخرج بتوصيات هامة (من نشر بعض الرسائل المتميزة حوله) أو تحقيق نسخه وتواريخها (أطوار كتابته وتدريسه في حياة المؤلف وبعد موته وأسباب ذلك ... الخ
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[12 Feb 2009, 07:30 ص]ـ
من الاختصارات:
فتح القدير تهذيب تفسير ابن كثير للقاضي محمد أحمد كنعان، وهو من أحسنها
(اليسير في اختصار تفسير ابن كثير) بإشراف الشيخ صالح بن حميد ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=21351#post21351)
ـ[محمد بن زايد المطيري]ــــــــ[21 Feb 2009, 12:04 ص]ـ
وهذه مجموعة من الدراسات والرسائل العلمية التي تدور حول تفسير ابن كثير , تُضاف إلى ما ذكرهُ الإخوة من قبل , والله الموفق.
1 ـ اختيارات الإمام ابن كثير في تفسيره , أنس صالح أحمد رضا , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين، 2000 - رسالة ماجستير.
2 ـ اختيارات الإمام ابن كثير في تفسيره من الآية (46) فصلت إلى آية (96) الواقعة , التيجاني علي أدم إدريس , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين , 1999 - رسالة ماجستير.
3 ـ اختيارات الإمام ابن كثير في تفسره من سورة يوسف إلي الكهف , سيف راشد الجابري , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين، 1998 - رسالة ماجستير.
4 ـ اختيارات الإمام ابن كثير في تفسيره من الآية (29) الحديد – آخر الناس , مهدي عبد الله أحمد أبكر , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين، 1998 - رسالة ماجستير.
5 ـ اختيارات الإمام ابن كثير في تفسيره من الجزء العاشر إلي الجزء الثاني عشر (دراسة تحليلية) , فاطمة عبد القادر الخضر , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين، 1999 - رسالة ماجستير.
6 ـ اختيارات الإمام ابن كثير في تفسيره , محمد سعيد إبراهيم محمود , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين، 1999 - رسالة ماجستير.
7 ـ اختيارات الإمام ابن كثير في تفسيره من الآية (20) الفرقان – آية (30). نهى عبد الرحيم علي , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين، 1999 - رسالة ماجستير.
8 ـ ترجيحات الحافظ ابن كثير لمعني الآيات في تفسيره: عرضا ودراسة , آدم عثمان علي , إشراف محمد أيوب محمد يوسف , الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة , قسم التفسير، 1997 - رسالة ماجستير.
9 ـ منهج ابن كثير في التفسير , للباحث سليمان إبراهيم عبد الله اللاحم , إشراف محمد عبد الرحمن الراوي , جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1981 - رسالة ماجستير.
10 ـ الإمام ابن كثير ومنهجه في التفسير , خالد حسن عبد الرحيم , السودان: كلية القران الكريم , القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، 1996 - رسالة ماجستير.
11 ـ ابن كثير ومنهجه في التفسير , فرمان إسماعيل إبراهيم , جامعة بغداد , كلية العلوم الإسلامية، 1990.- رسالة ماجستير.
12 ـ الإمام ابن كثير ومنهجه في تفسير القرآن العظيم. فوزية أحمد الحسن طه , السودان: كلية القران الكريم - القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، 1990 - رسالة ماجستير.
(يُتْبَعُ)
(/)
13 ـ تخريج الأحاديث الواردة في تفسير ابن كثير , المجلد 2 (1338 حديث) , الحسن أفقيرن , إشراف المكي أحمد أقلاينة , جامعة محمد الخامس , كلية الآداب والعلوم الإنسانية , قسم الدراسات الإسلامية، 1995 - رسالة ماجستير.
14 ـ تخريج الأحاديث الواردة في تفسير ابن كثير: المجلد الأول (يشتمل على 727 حديث) , حميد العبادي , إشراف المكي أحمد أقلاينة , جامعة محمد الخامس , كلية الآداب والعلوم الإنسانية , قسم الدراسات الإسلامية، 1995 - رسالة ماجستير.
15 ـ الإسرائيليات في تفسير ابن كثير , عبد الرحمن السيد محمد أحمد , جامعة أم درمان الإسلامية , كلية أصول الدين، 2000 - رسالة ماجستير.
16 ـ منهج الإمام ابن كثير في روايته ونقده للإسرائيليات , مصطفى محمد مصطفى الخان , إشراف ياسر أحمد الشمالي , جامعة آل البيت , كلية الدراسات العليا، 2004 - رسالة ماجستير.
17 ـ ابن كثير المفسر , مطر أحمد مسفر الزهراني , جامعة أم القرى , كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 1982, رسالة ماجستير.
18 ـ منهج الحافظ بن كثير في نقد المرويات من خلال تفسيره للقرآن. خيري قدري أيوب محمود، جامعة القاهرة ,كلية الآداب، 1997 , رسالة ماجستير.
19 ـ الصناعة الحديثية عند الحافظ إسماعيل بن كثير في كتابه تفسير القرآن العظيم , للباحث: ياسر الشمالي , إشراف: حسيب حسن السامرائي , جامعة آل البيت , كلية الفقه والقانون، 2001 - رسالة ماجستير.
20 ـ تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير من أول القرآن إلى آخر الجزء الأول: دراسة وتحقيق محمد عبد الله صالح الفالح , إشراف محمد عبد الرحمن صالح الشايع.- الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1999 - رسالة دكتوراه.
21 ـ الروايات المسندة عند ابن كثير من كتب التفاسير المفقودة , غالب محمد هوايش , إشراف أمين محمد عطية باشا , جامعة أم القرى , 1994 - رسالة دكتوراه.
22 ـ التراث الأدبي في تفسير ابن كثير: دراسة فنية , عبد المنعم علي عثمان , إشراف محمد علي رزق الخفاجي؛ قرشي عباس دندراوي , قنا: جامعة جنوب الوادي - كلية الآداب، 1994 - رسالة ماجستير.
23 _ الإمام ابن كثير وأثره في علم الحديث رواية ودراية , مع دراسة منهجية تطبيقية على تفسير القرآن العظيم , د عدنان بن محمد بن عبدالله آل شلش , دار النفائس للنشر والتوزيع
أصل الكتاب: رسالة دكتوراه من جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في السودان.
ـ[ماجد مسفر العتيبي]ــــــــ[21 Feb 2009, 02:06 م]ـ
http://www.alkutubiyeen.net/image.php?object_type=product&image_id=209
ربما لا يخفى على مشائخنا (المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير) لمجموعة من العلماء
تحت اشراف الشيخ صفي الرحمن المباركفوري من اصدارات مكتبة دار السلام.
ـ[فهد الجريوي]ــــــــ[22 Feb 2009, 03:24 م]ـ
من الاختصارات:
تهذيب تفسير ابن كثير للدكتور صلاح الخالدي.
ومن الدراسات:
تعقبات الحافظ ابن كثير على المفسرين لهاني الحاج.
ـ[عبدالله العمري]ــــــــ[23 Feb 2009, 08:08 ص]ـ
من باب المشاركة
فقد اقتنيت قبل فترة اختصاراً لتفسير ابن كثير:
اسمه / فتح الجواد الكريم في اختصار وتحقيق تفسير القرآن الكريم للحافظ ابن كثير.
اختصار / أبي عبد الرحمن محمد بن إبراهيم بن عطية.
وقد قدم لهذا العمل الجليل / سماحة الشيخ / محمد عبد الله بن الصديق الشنقيطي، مفتي محكمة أبو ظبي الشرعية.
وقد اطلع المُختصِر على المُختصرات السابقة – كما ذكر في المقدمة – وذكر نقده لها نقداً علمياً، كمختصر العلامة / أحمد شاكر، ومحمد الرفاعي، ومحمد الصابوني، ومحمد راجح، وكذلك المصباح المنير الذي أشرف عليه / المباركفوري.
وقد اجتهد المُختصر في تحقيق الكتاب وتخريج نصوصه تخريجاً وافياً بما يراه القارئ.
وقد خرج في طبعة ممتازة للغاية في أربع مجلدات.
أما أنا فقد قارنته مع بعض المختصرات الأخرى فوجدته أفضلها بلا مقارنة.
جزاه الله عنّا ألف خير.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[24 Sep 2010, 06:27 م]ـ
للرفع، للإفادة في هذا الموضوع
ـ[عبدالرحمن المشد]ــــــــ[24 Sep 2010, 07:45 م]ـ
لفضيلة الشيخ أبى إسحاق الحوينى تحقيق وتعليق على تفسير ابن كثير طبع منها الجزء الأول (المقدمة وسورة الفاتحة)، وذكر الشيخ أنه انتهى من سورة البقرة فى سبع مجلدات، وعمل الشيخ فى هذا التحقيق على خمس وعشرين مخطوطة كما ذكر فى المقدمة، ولكن جرى فى تحقيقه-حفظه الله - للكتاب على معاملة الأسانيد والحكم عليها كالأسانيد الحديثية، والكلام فى هذا معروف لدى المتخصصين.(/)
هل توحيد مناهج العلوم في كليات الجامعات والدراسات العليا مطلب صحيح وممكن؟
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[30 May 2007, 04:44 م]ـ
من الملاحظ أن التعليم في الفترة الأخيرة في المملكة العربية السعودية يدخل منعطفًا تاريخيًا، وذلك بإنشاء جامعات جديدة، ودمج كليات المعلمين وكليات البنات بالجامعات.
وقد أحدث هذا التطوير والتغيير النوعي نظرًا جديدًا في المناهج التي تُدرَّس للطلاب.
ولئن كان الباعث لكتابتي هذه ما ذكرته، فإن ما أتساءل عنه يفيدنا نحن المسلمين في شتى أقطار الأرض.
وإن مما يلاحظ في تكوين المناهج ثم تقويمها أنها تقوم على عدد من الأعضاء قد لا يتجاوزون العشرة، وهؤلاء يقررون مصير المقررات الدراسية، ويضعون ما يرونه صالحًا للتدريس، وليس في هذا غضاضة إذا كان القائمون عليها ممن عُرفوا بالعلم وحسن النظر والتخطيط، لكن الأمر المهم في هذه القضية ـ وهو الذي لا يكاد يوجد ـ أنه بعد إقرار هذه المقررات وتدريسها فإنه قد يظهر خلل في بعضها يحتاج إلى تغيير مفردة في مقرر، أو تبديل مقرر بمقرر، أو حذف مقرر بكلمله لعدم مناسبته للطلاب فلا يكون متيسرًا بل يلزم أن يمرُّ بمرحلة طويلة جدًا، وقلَّما يُستصلح منها شيء؛ وإذا رأيت الإجراءات التي قامت للتغيير رأيتها أشدَّ من مرحلة تقريره أول مرة.
ولأجل هذا فإنني أضع تساؤلات حول هذا الموضوع، ولعله يحظى بمشاركات فعالة من الأعضاء الكرام.
أولاً: هل توحيد المقررات على الأقسام المتناظرة في كليات الجامعات مطلب صحيح أو لا؟
ثانيًا: لو كان هذا المطلب صحيحًا، فهل يمكن تطبيقه؟
ثاثًا: إذا أمكن تطبيقه، فمن الجهة المخولة بهذا؟
رابعًا: إ ذا بان لنا الجهة المخولة بهذا، فماهي الآلية المناسبة للقيام بهذا المشروع؟
خامسًا: ألا يحسن أن تُحدَّد المناهج الجامعية ومناهج الدراسات العليا بسنتين أو ثلاث سنين، ثم يعاد فيها النظر مرة أخرى للتعديل أو التبديل إن كانت تحتاج لذلك؟
ولا شكَّ أن ههنا سؤالٌ كبير، وهو مالفائدة من توحيد المناهج؟
فأقول: لا يخلو تطبيق منهج ما من فوائد، ومن فوائد توحيد المناهج أن الطالب يمكنه التنقل من جامعة إلى جامعة دون أن يخسر ساعات أو فصلاً أو فصولاً بسبب عدم ملاءمة مواده للمواد التي تُدرَّس في تلك الجامعة، مع أن مسمى التخصص واحدٌ.
هذه فكرة طرأت عليَّ، ولعل في نقاشها نفعل لمن يتولون زمام إعداد المناهج، وهناك أفكار أخرى لعلي أطرحها إن شاء الله كلما منِّ الله بصفاء الذهن وانعدام الشغل إن شاء الله.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[02 Jun 2007, 02:23 م]ـ
حينما تكتب بعض الموضوعات تتوقع أن تجد من الردود الكثير، بل تتوقع أن يكون من الكثير كثيرٌ يفيدك في ذلك الموضوع، ولكن ....
لقد كنت منذ زمن تساورني هذه الفكرة، وكانت تستجدُّ حينما أرى طالبًا جاء من جامعة ما يريد الانضمام إلى القسم الذي أُدرِّس فيه، ويطلب معادلة المواد، وكانت تستجدُّ حينما يُعرض عليَّ منهجٌ لمركز علميِّ خيري أو جهة تعليمية رسمية، ثم سرعان ما أنصرف عنه نسيانًا له إذ تتراكم عليه المشاغل والمشكلات الحياتية والعلمية فيذهب في غورٍ بعيد.
ولما أردت أن أسطِّر هذه الفكرة كنت على عجل، فقلت في نفسي إما أن تُطرح لعل الله يبعث من يدرسها، وإما أن تعود إلى مدفنها مرة أخرى، فاخترت الأولى، وكتبت رأس الفكرة لكي لا تندَّ، وكم أتمنى ـ إن كانت الفكرة ذات بال ـ أن تناقش وتُدرس من قِبَل المتخصصين.
لقد دعيت في هذا الفصل من أكثر من جهة رسمية وخيرية إعداد مناهج أو تعديلها، فأحسست بأن ما سأطرحه في هذه القضية أمر مهم، وجدير بالدراسة من جهتين:
الأولى: توحيد مفردات بعض المناهج:
إن توحيد بعض المقررات له سابقة في تاريخ التعليم الإسلامي منذ نشوء الجامعات والمراكز الإسلامية منذ القرن الرابع.
وإن إلقاء نظرة على على بعض كتب التفسير التي لقيت عناية من الشيوخ أو من مدارس العلم الإسلامي تعطيك فكرة عما أريد أن أطرحه هنا.
وانظر مثالاً لذلك: تفسير الزمخشري، وتفسير البيضاوي، وتفسير الجلالين، والشاطبية والمقدمة الجزرية، فهذه الكتب صارت محلاًّ للدراسة والتعليق والشرح والاستدراك.
الثانية: تعليل اختيار المفردات:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن التفسير وعلوم القرآن لا يمكن أن يؤخذ كاملاً في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، بل سيكون في الأمر اختيار، وهذا الاختيار أليس حقيقًا بأن يُنظر فيه وتعدَّ له الأهداف والخطط؟
أليس حقيقًا بأن تكون لهذه الاختيارات علل مكتوبة من قِبَل من كتب هذه المناهج ليكون التالي على بيِّنة مما عمل الأول، وأن يعرف سبب ذلك الانتقاء، فالقائمون على المناهج يدرسون اختيارهم وتكون بينهم جلسات عاصفة بالتفكير والتحليل والنظر فيما يناسب تلك المرحلة العمرية التي ينتقون لها المناهج، وإذا لم تُكتب علل تلك الاختيارات فإنه يذهب جزء مهم من بناء المناهج.
ومما له علاقة بموضوع المناهج أمورٌ،منها:
1 ـ تكرار موضوعات علم قائم بنفسه في مادة أخرى يمكن الاستغناء عنها بأصل ذلك العلم ودراسته، ومثال ذلك مادة (آيات الأحكام) التي تكون ـ في الغالب ـ آيات مختارة، وعلى تكوين هذه المادة ملاحظات، منها:
أولاً: أن الأخذ بالآيات واجتزاءها من سياقها ليس منهجًا جيدًا، ولا يعطي صورة واضحة للتفسير.
فإن قلت: إنما الغرض بيان الأحكام لا التفسير.
فالجواب: إن بيان الأحكام لا يؤخذ من آيات الأحكام؛ لأن ما فيها جزء من أحكام الشريعة، ولابد من السنة في هذا، وهذا ما عمله الفقهاء من النظر في هذين الاصلين وترتيب أبواب الفقه على ماورد فيهما، ومعنى هذا أن كتب الفقه هي الأولى ببيان الأحكام وآيات الأحكام، وليس كتب (آيات الأحكام).
وإذا نظرت إلى تقريرات كتب الأحكام وجدتها تقريرات فقهاء، ولا يذكر فيها مفسرون إلا إذا كان لهم رأي فقهي، وهذا يعني أنهم يُعدون في طبقة الفقهاء وإن كانوا تميزوا بالتفسير كجمع من علماء الصحابة والتابعين، وكالطبري وغيره من المفسرين.
فإن قلت: إذن كيف يمكن أن نُدرِّس الطالب آيات الأحكام؟
فالجواب: إنما يكون ذلك بأخذ سورة كاملة تتضمن أحكامًا؛ كسورة النساء، وسورة النور، وسورة الطلاق، وغيرها.
وبهذا يمكن الجمع بين الأمرين:
الأمر الأول: إعطاء التفسير حقه وحظه من التفهيم والتدريس.
الأمر الثاني: بيان منازع الأحكام من الأدلة، واستعراض آراء الفقهاء في ذلك.
وبهذا يكون جمع بين الحسنيين، فلا يقع إغفال جانب التفسير بسبب اعتماد جانب الفقه.
ثانيًا: إن الطالب يأخذ فقه آيات الأحكام أخذًا مبسوطًا في مادة الفقه، ولا معنى لتكرارها عليه هنا؛ إذ لا ثمرة في عرض آيات الأحكام سوى النظر في اختلاف الفقهاء في انتزاع الأحكام، ثم الرأي الراجح، وذلك يأخذه مبسوطًا في أصول الفقه وفي علم الفقه.
2 ـ عدم الاستفادة المثلى من التداخل الشديد في العلوم؛ لذا تجد أن العلم الذي سبق بالتأليف يسيطر على مباحث علوم القرآن المشتركة، وتختفي خصائص هذه الأنواع في التطبيقات القرآنية.
وإذا نظرت إلى أنواع علوم القرآن فإنه يمكن تقسيمها إلى أقسام ثلاثة:
القسم الأول: علوم القرآن التاريخية، ويدخل في ذلك كل علم له صبغة تاريخية مثل النشأة والتطور والكتب، ومثل المكي والمدني وأسباب النزول وغيرها، ويربط بين هذه العلوم أنها منبثقة من القرآن ولا يمكن دراستها في غيره لاختصاصها به.
القسم الثاني: علوم القرآن المرتبطة بالدلالة اللفظية الأصولية، كالعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، وغيرها.
القسم الثالث: علوم القرآن ذات الصبغة العربية والأدبية؛ كالنحو القرآني البلاغة القرآنية، وغريب القرآن، وإعجاز القرآن، وتوجيه متشابه القرآن اللفظي، والقصص، والأمثال، وغيرها.
والمشكل في هذا هو ما يتعلق بالعلوم المتداخلة، وعلى وجه الخصوص العلوم المرتبطة بعلم الأصول من النسخ والعموم والإجمال والإطلاق والمنطوق والمفهوم، إذ إنها تُدرس في كتب علوم القرآن دراستها في كتب أصول الفقه التي تُعنى بالتنظير للأحكام الفقهية، فتكون أغلب أمثلتها مرتبطة بالأحكام الفقهية، مع أنه يمكن إيجاد أمثلة في الأخبار، فتكون تفسيرية بحتة، فمثال المنطوق والمفهوم في الأخبار الاستدلال برؤية الباري من قوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذلمحجوبون) فمنطوقها يدل على حجب الكفار عن رؤية الله تعالى، ومفهومها يدل على رؤية الأبرار.
3 ـ مما يحسن التنبه له أنَّ مجال التطبيقات في علوم القرآن مجال رحب جدًا (سواءٌ في القرآن أو في كتب التفسير)، وهو أنفع من كثير من التنظيرات، وبقاؤه في أذهان الطلاب أكبر من بقاء كثيرٍ من المعلومات النظرية، بل فيه دعوة إلى تدبر القرآن وتأمله، وذلك مطلب يتفق عليه الجميع.
ومع ذلك فإنك لا تجد في مناهجنا القصد إلى ذلك، وأغلب ما يقع من ذلك يكون باجتهاد الأستاذ.
والمقصود من ذلك أن يقع النص في مناهجنا على ذلك، وتذكر له بعض الأمثلة ليهتدي إلى الفكرة من لم يكن له بها بصر.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:30 م]ـ
أستسمح الدكتور مساعد الطيار بطرح بعض الملاحظات رغبة في توسيع دائرة النظر:
1 - أرى ضرورة الاستفادة من تجارب الجامعات غير الدينية، ليس في العالم العربي فقط، وإنما أيضا في الدول الغربية، نظرا لتقدمها الكبير في طرح موضوع (توحيد المناهج)، وإن كنت أرى من خلال تجارب كليات الإدارة في أمريكا الشمالية، صعوبة توحيد المناهج، وقصر الجهد على التنسيق والتأكد من عدم تعارض المناهج.
2 - في تقديري، فإن الأولى هو التوجه إلى توحيد الأهداف والتوافق على قواعد عامة مساعدة على تحقيق هذه الأهداف، مع الاهتمام بوضع آليات وأطر لقياس مردودية الجامعات وومدى نجاحها في تحقيق الأهداف المرحلية.
في كليات الإدارة على المستوى الدولي، مثلا، تم تطوير جهاز إشراف أكاديمي دولي يشرف على نظام تقييم جودة المناهج وقياس مردوديتها عوضا عن مطالبة الجامعات باعتماد نفس المنهج. وهذا الجهاز يقوم كل سنتين بتجميع المعطيات الإحصائية من كليات الإدارة على المستوى الدولي، ويقوم بتحليلها ومقارنتها، ثم يقوم بترتيب الكليات ومنح أفضلها شهادة جودة تسمى اختصارا AACSB تشهد لمناهج الكلية الممنوحة بانسجامها مع المعايير العلمية المتوافق عليها دوليا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[تاج الروح]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:49 م]ـ
لقد كنت منذ زمن تساورني هذه الفكرة، وكانت تستجدُّ حينما أرى طالبًا جاء من جامعة ما يريد الانضمام إلى القسم الذي أُدرِّس فيه، ويطلب معادلة المواد
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته أستاذنا الفاضل
بارك الله في جهودكم ونفع بكم
ما تفضلتم به أعلاه أحد الأسباب الرئيسية التي تستوجب توحيد مناهج العلوم
عندما يحول طالب من جامعة لأخرى، يخسر بعض المواد التي درسها بسبب المعادلة، وهذا يعني ضياع جهده وتأخر تخرجه، وأيضاً حرمان طالب مستجد من التسجيل ..
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[03 Jun 2007, 05:10 م]ـ
أخي محمد بن جماعة
أشكرك على هذه الإضافة المهمة جدًا، وما طرحت الموضوع إلالمثل هذا فكم تغيب عن الناظر الفرد جوانب مهمة في الموضوع، فإذا شاركته عقول إخوانه أنارت له الطريق وأبانت له ما كان خافيًا، وأنا أؤيدك في طرحك هذا، ولازلت أطمح بالمزيد من النقاش الذي يثري الموضوع.
الأخ تاج الروح
أشكرك على تجاوبك، وتأكيدك على أهمية هذه الفكرة بسبب تلك الإشكالية التي وافقتني عليها , إني أتمنى لمن كان له مشكلة في هذا الموضوع أن يطرح رأيه في الموضوع.
ـ[غانم قدوري الحمد]ــــــــ[03 Jun 2007, 08:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع توحيد مناهج الأقسام العلمية المتناظرة مهم جداً، وقد أحسن الأخ الدكتور مساعد الطيار في عرضه في الملتقى، على الرغم من عدم التجاوب معه، ولعل كثيراً من الإخوة مروا به وأفادوا منه، ولكن أهمية الموضوع جعلتهم يتريثون في التعليق عليه، ودفعني للتعليق أمران:
الأول: التأكيد على أهميته، وتأييد عرضه ومتابعة مناقشته.
الثاني: تلخيص تجربة سابقة في توحيد مناهج الأقسام العليمة في الجامعات العراقية.
وتتلخص في النقاط الآتية:
(1) توحيد مناهج الدراسات الأولية، دون الدراسات العليا.
(2) خضوع المناهج للمراجعة والتقويم كل أربع سنوات دراسية.
(3) تشكيل ثلاثة أنواع من اللجان:
اللجنة العليا، يرأسها وزير التعليم العالي، وأعضاؤها رؤساء الجامعات.
اللجان الرئيسية: يرأسها أحد رؤساء الجامعات، وأعضاؤها عمداء الكليات المتناظرة (عمداء كليات التربية مثلاً).
اللجان الفرعية: ويرأسها أحد عمداء الكليات المتناظرة، وأعضاؤها رؤساء أحد الأقسام العلمية المتناظرة (قسم اللغة العربية في كليات التربية مثلاً)، وهي التي تضطلع بالعمل الأساسي في وضع المناهج أو مراجعتها.
ويأخذ العمل الخطوات الآتية، بعد وضع الخطوط العريضة للمناهج من قبل الجهات المختصة في الوزارة، مثل الأهداف العامة، والحدود العليا والدنيا للوحدات الدراسية لكل قسم علمي، وعدد المواد الدراسية في كل سنة:
الخطوة الأولى: تعمل اللجان الفرعية على إعداد مناهج القسم العلمي من حيث: تسمية المواد، والساعات أو الوحدات، والمفردات العلمية لكل مادة، وتسمية الكتاب المنجهي والكتب المساعدة.
الخطوة الثانية: ترفع اللجان الفرعية توصياتها إلى اللجنة الرئيسية لأقسام الكلية المعينة، وتقرها اللجنة.
الخطوة الثالثة: ترفع اللجان الرئيسية توصياتها إلى اللجنة العليا لإقرار المناهج بصورتها النهائية، وإصدارها في مطبوعات مستقلة بحسب الكليات.
وأفاد توحيد المناهج الدراسية الكليات الناشئة، التي لا تملك الملاكات العلمية ذات الخبرة الكافية لأعداد مناهج جديدة، كما يسر توحيد المناهج انتقال الطلبة بين الكليات المتناظرة، كما أشار الدكتور مساعد.
وقد تمخض عن هذه التجربة شعور بأن التوحيد الكلي للمناهج يقيد الأقسام العليمة في التميز، والمواكبة السريعة لتطور العلوم، ومن ثم فإن المراجعة المستمرة للمناهج أعطت فرصة للأقسام المتناظرة للتميز من خلال تثبيت مادة أو مادتين في كل سنة دراسية تحت عنوان (اختياري) يترك للقسم العلمي اختيار المادة العلمية المناسبة.
ولا شك في أن لتوحيد المنهج إيجابياته، كما أن له سلبياته، فهناك من يرى أن تحديد المفردات والكتاب لا يناسب التعليم الجامعي، ويقيد الأستاذ والطالب، لكن البعض يرى في ذلك ضماناً لتحقيق الحد الأدنى من المقررات الدراسية، ولعل المرونة في تطبيق توحيد المناهج يحقق الإيجابيات ويتجنب السلبيات.
هذه خلاصة تجربة موجزة كل الإيجاز، عسى أن تكون مفيدة، والله أعلم.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[04 Jun 2007, 04:30 م]ـ
أشكر أستاذنا غانم قدوري الحمد على هذه المشاركة البناءة، وثمت فكرة مرتبطة بترتيب المقررات تتعلق بمناهج التفسير وعلوم القرآن، وهي مرتبطة بالجانب التطبيقي، وتكمن الفكرة في إمكانية بناء مفردات مقرر التفسير على مفردات مقرر علوم القرآن، لكي تكون مفردات مقرر التفسير شاملة لتطبيقات مفردات مقرر علوم القرآن.
ولتمثيل هذه الفكرة أقول:
لو درس الطالب في مقرر من مقررات علوم القرآن موضوع القصص أو القسم أو الأمثال، فإنه يحسن أن يدرس في مقرر التفسير الذي يليه سورًا تحتوي على جملة من هذه الموضوعات لتكون محلاً لتطبيق ما أخذه في علوم القرآن، كأن يدرس سورة يوسف في مادة التفسير بعد أن يكون أخذ مادة علوم القرآن قبلها، وتكون هذه السورة تطبيقات على القصص القرآني، أو أي سورة تشتمل على القصص، وقس على ذلك.
وبهذا يكون التفسير محلاً لتطبيق التنظيرات في علوم القرآن، إضافة لما فيه من الفوائد والمعلومات.(/)
خواطر حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
ـ[د. مصطفى مسلم]ــــــــ[30 May 2007, 10:19 م]ـ
خاطرات حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم
محاضرة ألقاها الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنه من دواعي سعادتي أن ألتقي على مائدة القرآن الكريم، بكوكبة من أساتذة الجامعة الإسلامية، وطلاب دراساتها العليا، ونخبة من العلماء الأفاضل وطلبة العلم.
فأقدم الشكر والحمد لله سبحانه وتعالى أولاً على ما أنعم به وأولاني وإخوتي وزملائي بنعمة الإسلام والعلم الشرعي وخدمة كتابه العظيم.
ثم أقدم شكري للقائمين على هذا اللقاء الكريم والندوة العلمية، الذين تفضلوا عليّ فوقع اختيارهم عليّ للحديث في هذا الجمع الكريم.
أيها السادة والسيدات الكرام الأماجد:
إن الحديث عن القرآن الكريم وتفسيره حديث متجدد لا يَمَلّ سامعه، ولا تنتهي غرائبه، وكلما غاص الباحث في أعماقه استخرج اللآلي والدرر من لجج بحاره.
ونحن اليوم بصدد الحديث عن ألوان تفسيره الذي لم تجتمع كلمة الباحثين على منهج موحد له، ولا زالت الآراء تتباين حول طرق تناوله.
فهناك مناهج متفقٌ عليها بين المفسرين في التفسير التحليلي والإجمالي والمقارن.
أما التفسير الموضوعي، فلم تتوحد الكلمة حوله على الرغم من قلة الباحثين والكاتبين حول منهجه، حيث لم تتجاوز الكتابات في ذلك مجموع أصابع اليدين.
وليس الاختلاف بين الباحثين محصوراً في مناهج التفسير الموضوعي بل الاختلاف في أصل وجوده وتعريفه.
واسمحوا لي أيها السادة أن أعرج في لمحات سريعة من خلال عرض تاريخي على ألوان من التفسير الموضوعي، ولو لم تأخذ هذا المسمى أو هذا المصطلح.
وأقول باختصار: (ما التفسير الموضوعي إلا تفسير القرآن بالقرآن.)
فالموضوع الواحد كثيراً ما يعرضه القرآن بأساليب مختلفة: بالإجمال تارة وبالتفصيل أخرى، وربما جاء الحث عليه بأسلوب الترغيب فيه وبيان ثمراته الطيبة وفلاح العاملين له والمتصفين به، وربما بأسلوب النهي عن ضده وذكر الخذلان وسوء العاقبة لمن تخلى عنه ..
ولم يخلُ عصر من العصور الإسلامية بعد نزول القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ومارس علماء المسلمين هذا المنهج في تفسير القرآن – أعني تفسير القرآن بالقرآن.
أمثلة على تفسير القرآن بالقرآن:
1 - روى الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية ? (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم.). ?الأنفال/82. شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح ? (إن الشرك لظلم عظيم ?) لقمان/ 13.إنما هو الشرك.
2 - وفسّر رسول الله صل1 مفاتح الغيب في قوله تعالى ? (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) ? فقال: مفاتح الغيب خمس: (?إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير?) لقمان/34.
3 - ونقرأ قوله تعالى في سورة المائدة: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم?) المائدة/1. ونقرأ تفصيل هذا الاستثناء في السورة نفسها: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق) ?المائدة/3.
كما نقرأ في سورة البقرة قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) ?البقرة /173،172.
(يُتْبَعُ)
(/)
4 - جاء في قوله تعالى في سورة البقرة: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوفى بعهدكم وإياي فارهبون) وجاء تفصيل العهدين المتقابلين في قوله تعالى في سورة المائدة: (ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنيْ عشر نقيباً وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً، لأكفرنّ عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل) المائدة/12.
ولم يكتف السلف الصالح باللجوء إلى تفسير القرآن بالقرآن من خلال مصنفاتهم، بل جمعوا الآيات التي تتحدث عن شيء واحد في مؤلفات مستقلة وتحدثوا عن تفسيرها ما يدفعنا إلى القول: إن هذه المؤلفات تشكل النواة الأولى لما نطلق عليه اليوم التفسير الموضوعي.
أ- فصنيع الفقهاء رحمهم الله تعالى بجمع النصوص المتعلقة بالصلاة تحت عنوان (كتاب الصلاة) والآيات والأحاديث التي تتعلق بالزكاة والحج والمواريث وغيرها.
كل ذلك يعتبر نواة للتفسير الموضوعي.
ب-كما أن صنيع اللغويين يعتبر لوناً من ألوان التفسير الموضوعي فمثلاً:
كتب الأشباه والنظائر لمقاتل بن سليمان البلخي المتوفى 150.هـ.
نزهة الأعين النواضر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي المتوفى 597هـ.
إصلاح الوجوه والنظائر للدامغاني المتوفى 478هـ.
وكلها تتحدث عن كلمات قرآنية اتحدت في اللفظ واختلفت في الدلالة.
جـ-ولون ثالث من المؤلفات تعتبر من الخطوات الأولى في التفسير الموضوعي مثل كتب:
الناسخ والمنسوخ التي جمع فيها مؤلفوها الآيات التي اعتورها النسخ مثل كتاب الناسخ والمنسوخ لابي عبيد القاسم بن سلاّم المتوفى 224هـ.
و كتب أحكام القرآن للجصاص وابن العربي والكياّ الهراسي في القرن الرابع والخامس للهجرة وكذلك كتب مشكل القرآن، ومجاز القرآن، وأقسام القرآن وأمثال القرآن.
كل ما تقدم وغيره يعطينا دلالة واضحة، على أن تفسير الآيات المتعلقة بموضوع واحد أو يضمها إطار واحد، ثم الحديث عنها، قام به سلف الأمة.
واليوم توضع ضوابط ومناهج لمثل هذا العمل تحت مسمى التفسير الموضوعي.
ولا غرابة أن يوجد العلم ويُماَرس عملياً قبل أن يطلق عليه مصطلح أو عنوان فعلم الاستنباط من الأدلة الشرعية مارسه صحابة رسول الله صل1 ومن بعدهم وقعّد قواعده الإمام الشافعي في نهاية القرن الثاني للهجرة.
وعلم قواعد اللغة العربية (النحو والصرف) طبقه العرب في جاهليتهم وفي الإسلام إلى أن وضع نواته الإمام علي وأبو الأسود الدؤلي-رضي الله عنهما- في القرن الأول للهجرة وعلم العروض مارسه الشعراء في الجاهلية والإسلام إلى أن وضع بحوره خليل بن أحمد الفراهيدي. إذن نستطيع القول: إن نواة التفسير الموضوعي، وممارسة العلماء له قديمة ولكن برزت الحاجة إليه في عصرنا هذا لأكثر من سبب.
السبب الأول: مجاراة الأحداث والوقائع المتجددة في حياة الإنسان: من المعلوم أن نصوص الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة محدودة العدد، ...
والأحداث والوقائع متجددة مستمرة، فمن المستحيل أن نجد نصاً على كل حادثة في حياة الناس.
- ولكن النصوص الكريمة من الكتاب والسنة قد نصت على المباديء والقواعد العامة التي يمكن استنباط الأحكام منها، لتغطي هذه الحالات المستجدة. وهذا سر عظمة التشريع الإسلامي وخلوده واستمراره.
- إن إدراك مقاصد الشريعة الإسلامية من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، يعطي العالم الفقيه زاداً لا ينفذ وثروة لا تنتهي، لمعرفة حكم الإسلام في كل قضية مستجدة. ولا يتم له ذلك إلا عن طريق التفسير الموضوعي فالتفسير الموضوعي كما عرّفه بعضهم:
(هو علم يتناول القضايا حسب المقاصد القرآنية من خلال سورة أو أكثر).
- من خلال علل النصوص وهداياتها العامة ودلالاتها وظلالها، يستطيع الباحث أن يصل إلى أنوارٍ كاشفةٍ ترسم له الطريق، وتحدد معالم الرؤية الشرعية لكل مستحدث جديد. وبالتالي يدرك معالجة الإسلام لكل مشكلة أو معضلة معاصرة.
السبب الثاني: إن علوماً وقضايا نعايشها، ولها وجود فاعل في حياتنا، بل قوام الأمم والشعوب المعاصرة عليها. فلا بد من تأصيلها، وصياغة نظرية إسلامية لها. فمثلاً علم الاقتصاد:
(يُتْبَعُ)
(/)
يحتار كثير من علمائنا المعاصرين في تصنيف الاقتصاد الإسلامي هل هو اقتصاد حر أو اقتصاد موجه.
إن علم الاقتصاد والنظريات الاقتصادية المعاصرة تلعب دوراً في تحديد مصير الأمم والشعوب، وقد شهد القرن الماضي – القرن العشرون – إنهيار دول، وتخلف دول عن ريادة التقدم الحضاري بسبب فشلها الاقتصادي وقفزت دول إلى مقدمة الدول التي تسمع لها كلمة بسبب ازدهارها الاقتصادي.
لا يكفي مطلقاً كلما قلنا الاقتصاد الإسلامي: أن نرجع إلى كتاب الخراج لأبي يوسف أو كتاب الأموال لأبي عبيد.
إن الاقتصاد الإسلامي له ملامحه الخاصة كما هو الشأن في كل التشريعات الإسلامية، فلا مكان للربا، ولا مكان للغش والخداع والاستغلال ولا مجال لإتلاف الثروات بقصد الحفاظ على الأسعار العالمية المرتفعة.
إن صياغة نظرية للاقتصاد الإسلامي، تحتاج إلى علماء راسخين في علوم الشريعة الإسلامية. وفي نفس الوقت راسخين في علم الاقتصاد المعاصر. وعلى ضوء نصوص القرآن الكريم وهدايات السنة النبوية المشرفة، ومقاصد الشريعة العامة، يستطيعون أن يحددوا معالم النظرية الإسلامية في الاقتصاد.
ومثال آخر: الإعلام:
إن النظريات السائدة في الإعلام المعاصر، منطلقاتها الترويج للاستهلاك، وإشباع الغرائز البهيمية المنحطة، والدعوة إلى ترسيخ الحكم للسلطة الحاكمة.
أما الجوانب الثقافية أو العلمية أو الدعوية. فلا تأخذ إلا حيزاً محدوداً جداً فهل هذا الواقع للإعلام يتناسب مع تطلعات الأمة الإسلامية وعقيدتها وأهدافها ...
إذن فما النظرية الإسلامية للإعلام. وما منطلقاتها وما أهدافها وما وسائلها ...
مثال ثالث: علم النفس:
إننا في غفلة عن الثروة القرآنية والكنوز الهائلة في الحديث عن النفس الإنسانية ولقد أبدع علماؤنا من السلف الصالح كالإمام الغزالي وعبد القادر الجيلي أو الجيلاني وابن القيم وغيرهم في الكشف عن أسرار النفس الإنسانية، وكانت منطلقاتهم القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وعصرنا الحاضر عصر التقعيد والتأصيل ضمن أطر عامة.
إننا بحاجة اليوم لتأصيل هذه العلوم وغيرها على ضوء الكتاب والسنة.
إن البشرية ستبقى في شقاء وتعاسة ما دامت تجارب علماء النفس تجرى على الفئران والقردة .. ثم يحاولون تطبيقها على البشر.
إنهم سيبقون عاجزين عن الوصول إلى حقائق النفس البشرية لأنهم لم يدخلوا البيوت من أبوابها، ولم يستخدموا في فتح الأبواب المفاتيح المناسبة.
- إن الدخول إلى عالم النفس البشرية لا يكون إلا عن طريق بوابة الوحي الإلهي عن طريق الكتاب والسنة، فالذي خلقها وأودع فيها أسرارها هو الذي أخبر عنها وتحدث عن أحوالها، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/ 14.
هذه نماذج للعلوم التي فرضت نفسها في واقع حياتنا، وتحتاج إلى تأصيل إسلامي لها.
السبب الثالث: تصحيح مسار بعض العلوم الإسلامية:
هنالك علوم إسلامية عريقة، وكتب فيها الأوائل، ولكنها أخذت منحى معيناً يحتاج إلى تعديل في مساره، فمثلاً:
- علم التاريخ: منذ أن كتب الواقدي مغازيه والطبري تاريخه إلى عصور متأخرة جداً، والتاريخ يسجل الوقائع والأحداث، وخاصة أحداث الخلافة، أو البلاط، والحروب والخارجين على الدولة وقمع الحركات. أي الأوضاع السياسية والعسكرية في الدولة.
فيا ترى هل هذا هو التاريخ؟!.
إن النظرية القرآنية للتاريخ أشمل وأعم من ذلك،القرآن الكريم يستعرض لنا سنن الله في المجتمعات لأخذ العظات والعبر منها ولنتعرف على عوامل نهوضها وتقدمها ومقومات سعادتها، وربط كل ذلك بالإيمان بالله واليوم الآخر.
المؤرخون يذكرون إلى يومنا هذا الحضارة الفرعونية والرومانية وحضارة عاد بالاحقاف وثمود ومدين وصالح بالتعظيم. لما تركت من آثار تدل على التقدم العمراني والهندسة المتطورة، ولكن نظرة القرآن إلى مثل هذه الحضارات تختلف، إنها حضاراتٌ سخرت الطاقات البشرية والعلمية إلى تقديس أفراد وتأليههم:
- الحضارة الفرعونية والاهرامات: ما نتائجها وما مردودها على سعادة البشرية. الفراعنة بنوا الاهرامات وأزهقت عشرات الألوف من النفوس وأهدرت الأموال الطائلة لإقامة أضرحة للفراعنة ليُدفنوا فيها.
قارن هذا بحكم الإسلام في تسوية القبور والنهي عن تجصيصها والبناء عليها.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد رفع القرآن من شأن حضارة ذي القرنين، لأنها كانت حضارة راشدة مهتدية لاحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس: (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوماً قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً، قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً، وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً).?الكهف/86 - 88.
ووضع نصب عينيه دفع الفساد عن الرعية وإقامة المشاريع العامة لحماية الضعفاء وتحقيق الأمن والطمأنينة للرعية، من غير أن يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق مصالح خاصة له أو لبطانته أو أن يملأ خزائن دولته بالكنوز والأموال، من تعب وشقاء الضعفاء (ثم أتبع سبباً حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً، قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) الكهف/94،93.
هم يعرضون عليه أن يدفعوا له ضرائب وجزءاً من خراج أرضهم مقابل بناء السد لمنع إفساد يأجوج ومأجوج – القبائل الهمجية المتوحشة عنهم.
ولكن الدولة الراشدة لا يكون همها ملء الخزائن، فكان جواب ذي القرنين (قال ما مكني فيه ربي خيرٌ، فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً، آتوني زُبَرَا الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً، فما اسطاعوا أن يَظهروه وما استطاعوا له نقباً. قال هذا رحمةٌ من ربي .. ) ?الكهف/98،95.
نسب الفضل إلى الله جل وعلا الذي وفقه لإقامة هذا المشروع العملاق، ولم يتباه بالإنجاز الذي قدمه لرعيته، ولم يستغله لأمجاد شخصية.
شتان بين هذا الحاكم وبين من بنى سداً في بلده، وفي حفل افتتاح السد أعلن تمرده على الله سبحانه وتعالى، وقال: إننا لم نعد تحت رحمة السماء، لأن هذا السد سيغنينا عن الأمطار، فمنعوا القطر خمس سنوات عجاف ...
- الرومان ومدرجاتهم: كانت لإقامة حفلات القياصرة بانتصاراتهم على أعدائهم، ووضع الأسير في حلبة الصراع مع وحش مفترس جائع، والقيصر مع حاشيته، يستمتعون بمنظر الوحش الكاسر والأسير الذي يتشبث بالحياة ليدافع عن نفسه.
قارن هذا بأمر القرآن الكريم (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً) ?الدهر/9،8.
إن هذه الحضارات التي يعظمها الناس قال عنها القرآن الكريم (ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبا لمرصاد) الفجر/14،6.
إن الحضارة التي تحذف من اعتباراتها قضية الإيمان بالله واليوم الآخر، والتي لا تقيم لكرامة الإنسان وزناً.
تلك الحضارات تسبب الشقاء والتعاسة للإنسان وليست جديرة بالتعظيم والثناء ...
- إن علم التاريخ والحضارة يحتاج إلى تصحيح مسار في دراساتنا وبحوثنا والموازين التي نصل إليها علينا أن نستنبطها من القرآن الكريم ومن السنة النبوية ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق التفسير الموضوعي.
هكذا كثير من علومنا الإسلامية ـــ تحتاج إلى إعادة نظر في مساراتها ومناهجها. حتى علم الفقه يحتاج إلى صياغة تربوية هادفة تذكر باليوم الآخر، وتبين حكمة التشريع، لا أن يكون قوالب جامدة ...
قارن مثلاً بين كتاب الصوم في أي كتاب فقهي وبين الآيات في الصوم في القرآن الكريم وبين كتاب الجهاد والسير في كتب الفقه وبين سورة الأنفال والتوبة.
السبب الرابع:
إن الدراسات حول الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع واحد كشفت لنا عن وجوه جديدة في الإعجاز القرآني.
فالدراسات التي أجريت حول دلالات الآيات الكريمة في الرياح والسحب والأمطار والآيات التي تحدثت عن النبات والثمار ... والتي تحدثت عن حواس الإنسان، وعن النشأة الجنينية وغيرها .. أبرزت وجوهاً من الإعجاز القرآني في هذا العصر الذي تقدمت فيه هذه العلوم المادية لهذه الأسباب وغيرها، نجد أن هذا اللون من التفسير، أعنى التفسير الموضوعي هو اللون السائد في هذا العصر.
لئن كان التفسير يعكس ثقافة كل عصر واهتمامات كل جيل من الأجيال من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم لمعرفة هداياته في حل مشاكل ذاك العصر.
(يُتْبَعُ)
(/)
- فظهر التفسير اللغوي في العصر العباسي، والتفسير الفقهي في القرن الرابع إلى السابع الهجري، وتفاسير علماء الكلام في بعض الأجيال.
فإن التفسير الموضوعي يعكس ثقافة هذا العصر من خلال تناول الموضوعات المختلفة في ضوء القرآن الكريم.
أنواع التفسير الموضوعي
أيها السادة والسيدات:
قلت في مقدمة كلامي إن هذا اللون من التفسير، يعتبر من ألوان التفسير المعاصر على الرغم من وجود نواته الأولى في العصور الإسلامية الأولى.
وقلت إن نتائج دراسته لم يتفق عليها بعد بين الباحثين لذا وُجد اختلاف بين الكاتبين في مناهج التفسير الموضوعي حول أنواع هذا اللون أو أقسامه:
- فهناك من قسمه إلى ثلاثة أنواع ومنهم من اكتفى بنوعين:
الأول: تناول موضوع من خلال القرآن الكريم.
الثاني: تناول مصطلح من خلال القرآن الكريم.
الثالث: تناول تفسير سورة تفسيراً موضوعياً.
ونظراً لضيق الوقت، وخوفاً من السآمة والملل ألقي بعض النظرات وأتناول لفتات حول النوع الثالث وهو: تناول السورة على طريقة التفسير الموضوعي.
وقبل الخوض في التفاصيل أحب أن أنبه إلى بعض القضايا التي ينبغي أن نعتبرها من المسلمات في التفسير:
أولاً: إن لكل سورة قرآنية شخصيتها، وملامحها، وأسلوبها الخاص تتميز بها عن بقية سور القرآن الكريم.
لذا نجد مزايا وخصائص لبعض سور القرآن الكريم ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى – كقوله عن سورة الفاتحة: إنها أم الكتاب، وإنها أفضل سور القرآن الكريم. وعن سورة البقرة إنها ذروة سنام القرآن وفيها آية هي سيدة أي القرآن – آية الكرسي – وعن سورة البقرة وآل عمران أنهما الزهراويان، وأنهما تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة، وعن سورة الكهف وخاصة الآيات العشر الأولى منها وفي رواية العشر الأواخر منها من قرأهما كانت له وقاية من فتنة الدجال. وعن سورة الملك إنها تعصم صاحبها من عذاب القبر ... إذن لكل سورة شخصيتها ...
ثانياً: لكل سورة محورها وهدفها. ونقصد بالمحور القضية الأساسية، أو الموضوع الأساس الذي تهدف السورة على إبرازه.
وكل ما يرد في السورة من قصص، وتشريع، وأحداث غيبية تصب كلها في إبراز هذا المحور.
وكذلك الأساليب المستخدمة في التعبير عن تلكم القضايا كلها تساعد في ترسيخ الموضوع أو بيان معالم المحور.
ثالثاً: إن التعرف على المحور قضية اجتهادية لدى المفسر ولكن هنالك معالم يستطيع الباحث أن يتعرف على المحور من خلالها فمثلاً: يمكنه التعرف على محور السورة من خلال:-
أ- وقت النزول: إذا عرف أن السورة مكية، فإذن لا بد أن يكون محورها: في قضية الألوهية، أو يكون في الإيمان باليوم الآخر، أو في النبوة، أو في الدعوة إلى أمهات الأخلاق وأصول العبادات فهذه القضايا الأربع لا تخلو سورة مكية مهما طالت أو قصرت من واحدة أو أكثر منها.
- أما إذا كانت السورة مدنية أي نزلت بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة، فيضاف إلى الأهداف الأربعة السابقة، ثلاثة أهداف أخرى: البناء: أي بناء المجتمع الإسلامي بالتشريعات التفصيلية. المتعلقة بالعبادات والمعاملات ...
- والحماية: بتشريعات الجهاد وتكوين العلاقات الدولية وغيرها لحماية المجتمع الإسلامي.
- والصيانة: حماية المجتمع الإسلامي من الداخل من الأعداء الذين يعايشون المسلمين كالمنافقين، والذين يتربصون بالمسلمين الدوائر من غير المسلمين فلا تخلو سورة مدنية من أحد هذه الموضوعات السبعة.
وقد تشمل السورة الطويلة على أكثر من موضوع منها.
ب- ويمكن التعرف على محور السورة من خلال الأحداث والمقاطع والقصص في السورة. فعرض قصص منوعة في سورة واحدة غالباً ما يجمع بينها محور أو هدف لسياقها كما في سورة الكهف. وتناول تشريعات لشريحة أو أكثر تبرز علاقةً بين هذه التشريعات أو هذه الفئات في المجتمع كما هو الحال في سورة النساء أو في سورة المائدة ...
جـ- ويمكن التعرف على محور السورة من خلال عنوانها، (اسم السورة) وخاصة الأسماء التوقيفية للسورة التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فهنالك مناسبة بين الاسم والمحور قد تكون ظاهرة وقد تكون دقيقة خفية.
بعد هذه القضايا النظرية لنأت إلى مثال تطبيقي، ونكتفي بعمومات في هذا المثال ولن نخوض بالتفاصيل.
المثال هو سورة البقرة:
(يُتْبَعُ)
(/)
والجوانب التي نتناولها هو التعرف على محور السورة، والمناسبات فيها. وأسارع إلى القول بأني لن أطيل الحديث عن تفصيلات في السورة فقد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسطاط القرآن، والفسطاط المدينة الكبيرة. ولو ذهبنا نتجول في أرجاء المدينة في ساحاتها ومنتزهاتها ومخازنها وقصورها وحوانيتها لطال بنا التجوال.
وقبل البدء أثير تساؤلات لكي تشاركوني في البحث ما الحكمة من تسميتها بسورة البقرة؟!
ومن المعروف أن حادثة ذبح البقرة وتكليف بني إسرائيل بها للتعرف على القاتل وردت في السورة، فقد يقول قائل لأن القضية غريبة وفيها دلالة على عظيم قدرة الله تعالى بإحياء الموتى فكانت الحكمة بتسمية السورة بهذه الحادثة، حادثة البقرة.
ولكن الحوادث الغريبة في السورة الكريمة – بل الحوادث التي هي خارقة للعادة، ما يسميه العلماء المعجزات، أكثر من عشر حوادث ومن هذه الخوارق خمس فيها إحياء الموتى.
واسمحوا لي أن أمر سريعاً على الحوادث الخمس في إحياء الموتى التي ذكرت في سورة البقرة.
ذبح البقرة:
قد يكون من الحكم لاجتثاث حب العجل من قلوبهم ? (ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ? ? وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين?) البقرة/93،92.
1 ً- في قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرَى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) ?56،55.
2 ً- وقوله تعالى (وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) ?73،72.
3 ً- وقوله تعالى (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) ?243.
4 ً- وقوله تعالى (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) ?259.
5ً- وقوله تعالى (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم) ?26. .
خمس حوادث في إحياء الموتى، ولم تختر حادثة منها اسماً للسورة سوى حادثة ذبح البقرة.
فما السر وما الحكمة؟
إن المناسبات في السورة سواء ما كان منها بين اسم السورة ومحورها أو بين مقاطع السورة ومحورها أو بين افتتاحية السورة وخاتمتها. كل ذلك وثيق الصلة بالمحور وتحديده.
لذا اسمحوا لي أن أرجيء ذكر الحكمة في اختيار هذا الاسم للسورة إلى ما بعد استعراض مقاطع السورة بشكل سريع:
يمكننا تقسيم سورة البقرة – وهي أطول سور القرآن الكريم 286 آية: إلى أربعة مقاطع:
أولاً: الافتتاحية:
وتبدأ من أول السورة إلى نهاية الآية 39 وذكر فيها: بيان مكانة القرآن الكريم ومواقف الناس منه: المؤمنون وبعض صفاتهم، والكافرون وبعض صفاتهم، والمنافقون وبعض أساليبهم.
?ثم توجيه النداء إلى الناس عامة للقيام بالمهمة التي خلقوا من أجلها (يا أيها الناس اعبدوا ربكم ... )
وذكرت دواعي هذا الطلب: وهو كون الله خالقاً لهم رازقاً منعماً كما بيّن أن طريق الإيمان برسول الله ? هو هذا الكتاب المنزل عليه من ربه الذي تحداهم وأعجزهم عن الإتيان بمثل سورة منه.
فمن لم يؤمن به فمصيره إلى النار التي وقودها الناس والحجارة، وأما المؤمنون به المتبعون لهداياته فلهم البشرى بجنات تجري من تحتها الأنهار فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ?ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون? ثم جاء الحث على الإيمان بالله الخالق الذي سخر للإنسان ما في السماوات ومافي الأرض.
(يُتْبَعُ)
(/)
? ثم يأتي الحديث عن خلق آدم، وإسجاد الملائكة له وإباء إبليس، وإسكان آدم الجنة وإغواء إبليس له وإهباطهما إلى لأرض وإنزال الهدايات وبيان سنة الله تعالى ? (فمن تَبِعَ هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفرواوكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ?.)
ثانياً: المقطع الأول (أو القسم الأول). الحديث عن بني إسرائيل.
فبعد الافتتاحية وبيان نزول الهدايات وأمر الناس باتباعها كان لا بد لشرائع الله من أمة تقوم عليها:
اعتقاداً وتطبيقاً عملياً في حياتها وتبليغها إلى الناس فكان بنو إسرائيل من الأمم التي اختيرت، وأسندت إليها القوامة على دين الله. فبدأ الحديث عنهم من الآية (4.) في قوله تعالى ? (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ?). ويستمر الحديث عن بني إسرائيل من الآية (40.) إلى الآية (123) من السورة وتذكر فيها انحرافات بني إسرائيل في العقيدة وفي كتمان الحق وتحريف شرائع الله، وقتل النبيين، وتقاعسهم عن الجهاد في سبيل الله، ... على الرغم من منِّ الله عليهم بإنقاذهم من بطش فرعون وجبروته، وإنزال المنّ والسلوى عليهم ورزقهم من الطيبات وقبول توبتهم المرة تلو الأخرى.
وذكرت في هذه الآيات الكريمة التي نيّفت على الثمانين آية أربعون مثلبة من مثالب بني إسرائيل وجرائرهم.
وحادثة البقرة إحدى هذه المثالب، ولكنها جسّدت جميع المثالب لبني إسرائيل، فكانت القصة رمزاً لصفات بني إسرائيل التي كانت سبباً في عزلهم عن القوامة على دين الله وسلبها منهم.
ففي هذه القصة: بيان:
أ -الاستهزاء بقول نبيهم موسى عليه السلام، وهم يعتقدون نبوته وهو في موقف القضاء، وينسب الحكم والأمر إلى الله ? (وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزواً ?.)
ب -الاستهتار بأوامر الله والاستخفاف بشرائعه، والوقاحة في مخاطبة النبي عليه السلام ? (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ?.)
لم يقولوا سمعنا أمر ربنا وأطعنا وإنما يريدون البيان أولاً فإن وافق عقولهم الكليلة نظروا في التنفيذ وإن لم يوافقها رفضوها.
ثم ما هذه الوقاحة ادع لنا ربك، أهو رب موسى وليس ربهم أليسوا مؤمنين بموسى رسولاً من الله تعالى إليهم.
جـ- المماطلة والمجادلة بالباطل ? .. قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ... ?.
لعلهم يجدون ثغرة في عدم الاستجابة لاستفساراتهم فيتخلون عن التنفيذ.
د- الإقدام على التنفيذ وهم مكرهون، بعد أن يئسوا من التهرب بالأساليب الملتوية ? .. فذبحوها وما كادوا يفعلون ?.
إن حادثة البقرة تجسد خصال بني إسرائيل التي بسببها سلبت منهم القوامة على دين الله.
ولكن لا بد لدين الله من أمة تقوم بالقوامة عليه كما قلنا اعتقاداً وتطبيقاً ودعوة. ويأتي القسم الثاني من السورة ليتحدث عن البديل (عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم):
فيبدأ الحديث عنها من الآية 123 – 283. ويبدأ الحديث عن جذور هذه الأمة التاريخية، وصلتها بدوحة الأنبياء إبراهيم عليه السلام ? (وإذ ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.) .. ?.
- ثم دعاء إبراهيم وإسماعيل بالرزق لسكان الحرم، وأن يبعث من ذريتهما رسولاً منهم يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة. ? .. (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتناأمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم.) ?.
- يقول رسول الله ?: أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى. لأن عيسى عليه السلام قال (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) الصف/6.
إذن هذه الأمة عريقة في نسبها عراقة بني إسرائيل فهم صنوان من دوحة النبوة فأولئك – بنو إسرائيل – من جذع إسحاق. وهذه الأمة من جذع إسماعيل. عليهم الصلاة والسلام جميعاً.
ثم يأتي الجانب التكويني لهذه الأمة في العقيدة والشرائع التعبدية والتشريعات في المعاملات والهدايات الخلقية ...
في أربعين باباً من أبواب الفقه.
لاحظوا مثالب بني إسرائيل (أربعون مثلبة).
(يُتْبَعُ)
(/)
وبناء شخصية أمة محمد ? وتكوينها في أربعين باباً. وهذا احصاءاً وحصراً.
وإذا علمنا أن سورة البقرة امتد نزولها عشر سنوات مدة الفترة المدنية في نزول الوحي، إذ إن الآيتين الكريمتين في قوله تعالى (? يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) ?218،217.
نزلتا في سرية عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة لرصد قافلة قريش وكان ذلك في السنة الأولى للهجرة النبوية. وأشكل عليهم يوم آخر رجب مع أول شعبان، وهم يرون القافلة تمر بهم فإن تركوهم هذا اليوم دخلت القافلة أرض الحرم، فلا يستطيعون قتالهم فيه، وإن قاتلوهم في هذا اليوم هناك شبهة قتالهم في الشهر الحرام. ثم أقدموا على قتالهم فعيّرت قريش المسلمين أنهم استباحوا الشهر الحرام.
ولم يكن قد نزل شيء في ذلك، فعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل السرية وقال ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، حتى نزل عذرهم في الآيتين السابقتين وفيهما الرد على مشركي قريش.
هذه الحادثة كما قلت كانت في السنة الأولى للهجرة.
ومن المعلوم أيضاً أن آخر آية نزلت من القرآن على الإطلاق قوله تعالى ? (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ?) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوها بعد الآية (280) من السورة التي تذكر فيها البقرة. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها ببضع ليال قيل ثلاث وقيل سبع وقيل ثمان ليالٍ.
إذا أدركنا هذا الامتداد لنزول سورة البقرة وهي تكوّن شخصية هذه الأمة التي أسندت إليها القوامة على دين الله بعد أن سلبت من بني إسرائيل.
أدركنا جانباً من سر ختم سورة البقرة بهذه الآيات الثلاث وفيها الشهادة لهذه الأمة بأنها الأمة التي حققت في نفسها مقومات القوامة وشهدت بأنها الأمة المرحومة التي استسلمت لأوامر ربها، فرفع الله الإصر والأغلال عنها مما كان مفروضاً على الأمم السابقة واقرءوا معي هذه الشهادة الربانية أيها السادة: (? لله ما في السماوات وما في والأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ?).
أيها السادة والسيدات:
أرجو أن أكون قد تمكنت من رسم المخطط العام لهذه السورة العظيمة سورة البقرة ذروة سنام القرآن، وفسطاط القرآن.
وأرجو أن أكون وفقت في إبراز المناسبة بين اسمها وبين محورها.
وأنا أتساءل الآن: هل أستطيع أن أقول:
إن محور سورة البقرة:
القوامة على دين الله. عزل وتعيين
عزل بني إسرائيل عن القوامة بعد أن بينت مبررات العزل وهي أربعون مأخذاً.
وعينت أمة محمد صلى الله عليه وسلم في منصب القوامة بعد أن ربيت لمدة عشر سنوات، ومن خلال تشريعات بلغت أربعين باباً من أبواب الفقه والأحكام الشرعية.
ثم كانت الشهادة الربانية لها بالفلاح والاستقامة والرحمة والنصر والتمكين.
أيها الأخوة كان هذا أنموذجاً لتفسير سورة تفسيراً موضوعياً ولكل نوع من الأنواع الأخرى منهجه في البحث لا يتسع المقام لعرضها الآن.
وأعود لأقول إن كتاب الله لا تنتهي أسراره وعجائبه وكلما تدبره الدارس من خلال تحديد زاوية معينة تتفتح أمامه مجالات لا تخطر له على بال.
فعليكم أيها الأخوة بكتاب الله، مائدة الله على الأرض حبل الله المتين أوله بين أيديكم وآخره في الجنة.
وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[15 Jun 2007, 02:35 م]ـ
موضوع شيق جزاك الله خيراً فضيلة الدكتور ...
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[05 Sep 2010, 10:32 ص]ـ
هذا موضوع قيم جدًا بارك الله بالدكتور مصطفى على ما أتحفنا به وأسال الله تعالى أن يبارك له في علمه ويزيده من فضله.
ـ[هاني درغام]ــــــــ[05 Sep 2010, 05:08 م]ـ
جزاكم الله خيرا كثيرا دكتورنا الفاضل وبارك الله لكم في علمكم وأوقاتكم(/)
تعريف بكتاب (نصوص في علوم القرآن) مع عرض فكرة مشروع جماعي
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[30 May 2007, 11:57 م]ـ
وأنا أطالع ما كتبه الدكتور مساعد الطيار اليوم بعنوان (الحواشي والاختصارات والدراسات حول تفسير ابن كثير (ضع ما تجده هنا) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=8579))، تذكرت كتابا كنت قد وجدته في أحد المواقع الشيعية منذ بضعة أشهر، بعنوان (نصوص في علوم القرآن) من تأليف علي الموسوي الدارابي، بإشراف محمد واعظ زاده الخراساني، مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الاسلامية وأستاذ علوم القرآن والحديث بكلية الالهيات والمعارف الاسلامية بجامعة مشهد.
والكتاب ـ كما يدل عليه اسمه ـ يضم مجموعة من النصوص في علوم القرآن مرتبة ترتيبا زمانيا، منذ القدم وحتى العصر الحاضر.
وقد ذكر في مقدمته ما يلي:
وأما البحث حول هذا الكتاب فكما يلي: يضم هذا الكتاب بين دفتيه ـ كما تقدم ـ مجموعة نصوص في علوم القرآن، مدرجة حسب الترتيب الزمني، اعتبارا من القرن الثالث الهجري حتى العصر الحاضر. ونعني بالنصوص هنا جميع الأقوال والروايات الموجودة في كتب التفسير وعلوم القرآن وفي كتب الحديث وتاريخ القرآن وغيرها من الكتب المؤلفة في هذا المضمار، سواء كانت مدونة من قبل أهل السنة أم من قبل الشيعة، ولا يمتاز بعضها عن بعض إلا بميزة الزمان والقدم. وطبيعي أننا لا نوافق جميع ما نقل عنها، خاصة في بدء الوحي.
ولعل قائلا يقول: إن تلك الآراء والروايات قد وردت في بعض الكتب المشهورة في علوم القرآن ككتاب (الإتقان في علوم القرآن) للعلامة السيوطي المتوفى عام (911 هـ) فما الفائدة من جمعها وتصنيفها من جديد؟ نقول: إن من يتصفح الكتاب يلمس سقم هذا الرأي، لأن أغلب النصوص الواردة في كتب الحديث والتفسير تخص علوم القرآن، بيد أنها لم تجمع في مصنف إلى الان. علاوة على أن أكثرالمؤلفين في هذا الميدان هم من السنة، وجل هؤلاء لم يطلعوا على روايات الشيعة وآراءهم، وخصوصا الشيعة الإمامية. ولذا عمدنا في هذا الكتاب إلى إرداف هذه الآراء بآراء علماء السنة جنبا إلى جنب، وهو نهج قويم في المقارنة بين آراء هذا المذهب وسائر المذاهب الأخرى في مضمار علوم القرآن، وفي الحقيقة يعد هذا الكتاب دراسة مقارنة في هذا الميدان.
ونهدف من وراء تأليف الكتاب إلى جمع الآراء ومد يد العون إلى المحققين والباحثين فحسب، لكي تكون في متناول أيديهم، دون أن يتجشموا عناء البحث ويضيعوا الوقت عبثا، لأن الحجر الأساس للتحقيق في كل علم من العلوم وخصوصا في العلوم النقلية هو آراء المتقدمين وما أثر عنهم، ولابد أن يؤخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار في كافة العلوم النقلية.
ومن البديهي أن أكثر الأقوال توجد في مقدمات التفاسير وفي كتب علوم القرآن، إلا أنها لا تفي بالغرض، إذ ينبغي الرجوع إلى كافة كتب التفسير والبلاغة والتاريخ والفهارس، وخصوصا الكتاب القيم فهرست ابن النديم الذي ألف عام (377ه) واقتباس كل نص يتعلق بمبحث من المباحث القرآنية من طيات هذه الكتب، وهذا ما عملنا به في هذا الكتاب.
ومن المسلم به أن عملا شاملا ومتشعبا كهذا لا جرم أن يؤلف وفق نظم خاص، كتبويب مواضيعه وتنظيم مواده، وهذا ما تم هنا بالفعل، فقسمنا الكتاب إلى أقسام، فالقسم الأول يبحث حول نزول القرآن، وفيه ثلاثة أبواب، الأول: كيفية النزول، والثاني: بدء الوحي وأول وآخر ما نزل، والثالث: أسامي القرآن والسور وترتيب مكيها ومدنيها. ثم يتلوه في القسم الثاني والأقسام الأخرى بحث جمع القرآن والمصاحف وكيفية القراءات، وغيرها من المواضيع المذكورة في الفهرس العام للكتاب.
وكان لابد بعد ذلك من ترتيب النصوص المتعلقة بالموضوع بحسب الترتيب الزماني الذي انتهجناه في كل مبحث، ابتداء من أقدم نص وانتهاء بأحدث نص حرر في العصر الحاضر، وهذا ما حصل في كل فصل خاص بذكر رأي كل علم من الأعلام. إلا أن ما ينقل عن عالم لا يعني أنه يمثل جميع آرائه الشخصية، بل يتضمن أقوال الآخرين إضافة إلى قوله. ولذا وضعنا لكل فصل عنوانا جامعا يشمل جميع الآراء والأقوال، فمثلا ذكرنا في باب (كيفية النزول): فصل ما عند البخاري، فصل ما عند الطبري، وهكذا في سائر الفصول.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويحدث أحيانا أن يلفق بين آراء عالمين أحدهما مؤلف كتاب والثاني معلق عليه وكانا يعيشان في زمانين، كما فعلنا ذلك في تفسير الكشاف للزمخشري المتوفى عام (538 هـ) وشارحه السيد الشريف المتوفى عام (816 هـ)، إذ لم يراع هنا عامل الزمان. لأنه كان يستلزم التفريق بين النصين.
وقد ذكرنا مصادر الكتاب وأشفعناها بترجمة إجمالية لأصحاب الكتب التي استقينا منها عند الابتداء بكل نص، إضافة إلى ما ذكرناه في فهرس الأعلام والمصادر بتفصيل أكثر.
إن أحد المشاكل التي يعانيها من أراد جمع النصوص بأسرها في مواضيعها هو تكرارالمطالب الواردة في الكتب المختلفة بلفظ واحد أو بألفاظ متفاوتة. وقد تجاوزنا بعون اللّه هذه المشكلة بحذف المكررات إلى حد لا يخل بمحتواها، ثم التنبيه على ورود النص في ما تقدم في الكتاب من أقوال المتقدمين مع تعيين الجزء والصفحة، لكي يسهل الرجوع إليه بيسر وسهولة. ويستثنى من ذلك بعض النصوص التي يؤدي حذفها اعتمادا على ما تقدم إلى إحداث خلل في الموضوع، فنحجم عندئذ عن ذلك اضطرارا، ونأتي بالنصوص عينا من أجل تفاوت بيّن بينها وبين ما سبقها من النصوص ولو كانت تبدو مكررة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة حين البحث عن الكتب المؤلفة في هذا الميدان إلا أننا لم نعثر على بعضها، مما حدا بنا أن نضع مستدركا لنصوصها في المستقبل، ولكننا قد نهلنا قدرالمستطاع من المصادر الأصلية المهمة.
والموجود من الكتاب حاليا على الإنترنت هو القسم الأول من هذه الموسوعة، وهو يجمع النصوص الخاصة بأسباب النزول.
وكما قلت، فقد تذكرت هذا الكتاب وأنا أطالع دعوة الدكتور مساعد الطيار لجمع الحواشي والاختصارات والدراسات حول تفسير ابن كثير، فقلت: إن فكرة جمع كل النصوص المتعلقة بعلوم القرآن من الكتب السابقة، ووضعها في كتاب واحد مرتب بطريقة منهجية، قد يكون من أفضل المشاريع المساعدة لتطوير الدراسات القرآنية.
وإن رغبتم في وضع الكتاب هنا للتحميل، فبإمكاني ذلك، حيث قمت بإعادة تصفيفه بشكل أفضل مما هو عليه في نسخته الإلكترونية الأصلية، غير أن الملف ظل غير خال من الأخطاء.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[31 May 2007, 12:01 ص]ـ
وهاكم محتويات القسم الأول المتعلق بأسباب النزول:
تصدير
المدخل في أقسام الكتاب
الفصل الأول: ما عند البخاري
الفصل الثاني: ما عند الطبري
الفصل الثالث: ما عند ثقة الإسلام الكليني
الفصل الرابع: ما عند الشيخ الصدوق
الفصل الخامس: ما عند الشريف المرتضى
الفصل السادس: ما عند البيهقي
الفصل السابع: ما عند الشيخ الطوسي
الفصل الثامن: ما عند الواحدي
الفصل التاسع: ما عند الميبدي
الفصل العاشر: ما عند الشيخ أبي الفتوح الرازي
الفصل الحادي عشر: ما عند الزمخشري
الفصل الثاني عشر: ما عند الطبرسي
الفصل الرابع عشر: ما عند الفخر الرازي
الفصل الخامس عشر: ما عند أبي شامة
الفصل السادس عشر: ما عند القرطبي
الفصل السابع عشر: ما عند البيضاوي
الفصل الثامن عشر: ما عند النيسابوري
الفصل التاسع عشر: ما عند ابن جزي الكلبي
الفصل العشرون: ما عند أبي حيان
الفصل الحادى والعشرون: ما عند ابن كثير
الفصل الثاني والعشرون: ما عند الزركشي
الفصل الثالث والعشرون: ما عند ابن حجر العسقلاني
الفصل الرابع والعشرون: ما عند السيوطي
الفصل الخامس والعشرون: ما عند القسطلاني
الفصل السادس والعشرون: ما عند شيخ زاده
الفصل السابع والعشرون: ما عند الخطيب الشربيني
الفصل الثامن والعشرون: ما عند ملا فتح اللّه الكاشاني
الفصل التاسع والعشرون: ما عند الشيخ على دده
الفصل الثلاثون: ما عند صدر المتألهين
الفصل الحادي والثلاثون: ما عند ملا صالح المازندراني
الفصل الثاني والثلاثون: ما عند الطريحي
الفصل الثالث والثلاثون: ما عند الفيض الكاشاني
الفصل الرابع والثلاثون: ما عند البحراني
الفصل الخامس والثلاثون: ما عند العلامة المجلسي
الفصل السادس والثلاثون: ما عند البروسوي
الفصل السابع والثلاثون: ما عند شبر
الفصل الثامن والثلاثون: ما عند الألوسي
الفصل التاسع والثلاثون: ما عند البروجردي
الفصل الاربعون: ما عند الاصفهاني
الفصل الحادي والاربعون: ما عند السيد رشيد رضا
الفصل الثاني والاربعون: ما عند ابن باديس
الفصل الثالث والاربعون: ما عند الزنجاني
الفصل الرابع والاربعون: ما عند النهاوندى
الفصل الخامس والاربعون: ما عند النهاوندي
الفصل السادس والاربعون: ما عند المراغي
الفصل السابع والاربعون: ما عند سيد قطب
الفصل الثامن والاربعون: ما عند الزرقاني
الفصل التاسع والاربعون: ما عند عزه دروزة
الفصل الخمسون: ما عند الشعراني
الفصل الحادي والخمسون: ما عند مالك بن نبي
الفصل الثاني والخمسون: ما عند الشيخ أبي زهرة
الفصل الثالث والخمسون: ما عند العلامة الطباطبائى
الفصل الرابع والخمسون: ما عند الشهيد مطهري
الفصل الخامس والخمسون: ما عند السبكي
الفصل السادس والخمسون: ما عند الاشيقر
الفصل السابع والخمسون: ما عند الشيخ خليل ياسين
الفصل الثامن والخمسون: ما عند الدكتور صبحي الصالح
الفصل التاسع والخمسون: ما عند الدكتور حجازي
الفصل الستون: ما عند الخطيب في (التفسير القرآني للقرآن)
الفصل الحادي والستون: ما عند الدكتور العطار
الفصل الثاني والستون: ما عند الشيخ معرفت
الفصل الثالث والستون: ما عند الاصفي
الفصل الرابع والستون: ما عند الدكتور أبي شهبة
الفصل الخامس والستون: ما عند الدكتور خليفة
الفصل السادس والستون: ما عند القطان
الفصل السابع والستون: ما عند الدكتور حجتي
الفصل الثامن والستون: ما عند الشيخ محمد الغزالي
الفصل التاسع والستون: ما عند الشيخ الزفزاف
الفصل السبعون: ما عند السبحاني
الفصل الرابع والسبعون: ما عند الملكي
الفصل الخامس والسبعون: ما عند السيد الحكيم
الفصل السادس والسبعون: ما عند (البوطي)
الفصل السابع والسبعون: ما عند الدوزدوزاني
الفصل الثامن والسبعون: ما عند السيد مير محمدي
الفصل التاسع والسبعون: ما عند الصابوني
الفصل الثمانون: ما عند الابياري
الفصل الحادي والثمانون: ما عند الشرقاوي
الفصل الثاني والثمانون: ما عند الدكتور على الصغير
الأعلام والمصادر
الهوامش
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[04 Jun 2007, 10:58 م]ـ
توجد نسخة إلكترونية من هذا الكتاب على هذا الرابط ( http://www.alwihdah.com/books/open.php?cat=2&book=870).
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Jun 2007, 11:51 م]ـ
جزاكم الله خيراً يا أستاذ محمد على هذه الفوائد، وفكرة الكتاب قيمة حقاً.(/)
تقرير عن أعمال الملتقى الثالث للقرآن الكريم
ـ[محمد البويسفي]ــــــــ[31 May 2007, 07:33 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير عن أعمال الملتقى الثالث للقرآن الكريم
في إطار الاحتفاء بالقرآن الكريم، نظم المجلس العلمي المحلي بمكناس الملتقى الثالث للقرآن الكريم في موضوع: " النص القرآني: القراءة والتأويل"، تحت شعار: " أفلا يتدبرون القرآن؟ " أيام 09/ 10/11 جمادى الأولى 1428هـ. الموافق ل: 26/ 27/28 ماي 2007م. بقاعة ملحقة الإسماعيلية – الهديم- والمسجد الأعظم. وقد عرفت هذه التظاهرة العلمية مشاركة ثلة من العلماء والأساتذة الجامعيين والقراء المتميزين على المستوى المحلي والوطني، وتابع أشغالها جمهور من الأساتذة والخطباء والمرشدين وطلبة العلم وعموم المواطنين.
وتوزعت أعمال الملتقى – بالإضافة إلى الجلسة الافتتاحية- على ثلاث ندوات، ومحاضرتين، وصبحية وأمسية قرآنيتين.
وكان الافتتاح الذي حضره السيد المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية لجهة مكناس تافيلالت، بمحاضرة للسيد رئيس المجلس العلمي المحلي بمكناس الدكتور فريد الأنصاري، أكد فيها أن هذا الملتقى جاء احتفاء بالقرآن الكريم، وتشجيعا للناس على الاشتغال به، وتنبيها إلى مركزيته في العمل الإصلاحي، وبين أن وظيفة القرآن الكريم هو إحياء الأمة، وأن الاشتغال بالقرآن ولو في أدنى مستوياته يؤثر في حياة المسلمين، وينبت الخير في النفوس، ويقضي على الشرور فيها. ودعا إلى التداول الاجتماعي للقرآن الكريم، تعلما وتعليما.
وفي الفترة المسائية من يوم السبت 26ماي 2007 كانت الندوة الأولى في محور: قراءة النص القرآني: المفهوم والقضايا، تناول فيها المشاركون قضايا الخطاب القرآني بين حسن الفهم والاجتهاد في التطبيق، حيث ركز د عمر جدية على ضرورة التمكن من اللغة العربية وعلوم القرآن ومقاصد الشريعة ليستقيم الفهم، وركز على ضرورة فقه الواقع ومراعاة مآلات الأفعال أثناءتطبيق النص على الواقع.
وتناول الدكتور عبد الرحمن بودراع في موضوعه مفهوم السياق ضرورة الاستفادة من مناهج البحث الحديثة، بعد استصلاحها والإبقاء على الجوانب العلمية مجردة عن الإديولوجية، مؤكدا أن اللسانيات الحديثة تقدم منهجا متكاملا في فهم النص ومقاصد المتكلم، ومن ذلك مفهوم السياق بما هو بيئة لغوية وتداولية عامة، وباعتباره إطارا للفهم العام للخطاب القرآني، واضعا شروط إعماله في التفسير، والتي حددها في: ضرورة مراعاة اللغة المتداولة في عصر التنزيل بعيدا عن تغير دلالات الألفظ الذي حدث فيما بعد، ومجاوزة مدلول الكلمة إلى مركب الكلام بما يتيح لنا الوقوف على معنى اللفظة في السياق العام للكلام، ثم تتبع الكلمة القرآنية في مواردها المختلفة، كما تجلى ذلك في تفسير القرآن بالقرآن.
فيما تحدث د آيت سعيد الحسين عن قضايا قرآنية في قوله تعالى:" إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم". بين فيها أن هذا القرآن يهدي للتي هي أحسن في بناء الإنسان وتكوينه، ويهدي للتي هي أقوم في الصدع بالحق، ويهدي للتي هي أقوم في الأخلاق والمعاملات.
وفي صبحية الأحد 27ماي 2007 كانت الندوة الثانية في محور: اتجاهات ومناهج تأويل النص القرآني: رؤية نقدية. تناول فيها المتدخلون بالدراسة والنقد مناهج القراءات الجديدة للقرآن الكريم، وهكذا تحدث د سعيد شبار عن الخلفيات الموجهة للقراءات الجديدة للقرآن بين فيها أن أصحاب القراءات الجديدة تحكمهم خلفيات فكرية وإيديولوجية في قراءتهم للنص القرآني منها أن الحقيقة الدينية واحدة عند جميع الأديان، وأن ما أصاب الكتب المقدسة من تحريف مصيب القرآن الكريم. وأن هناك من يريد أن ينزع القداسة عن النص القرآني ليبقى نصا كباقي النصوص الأدبية من شعر ونثر. أما مصدر هذه المقولة فلخصها في ثلاثة مصادر:
- حركة النقد التي تعرضت لها الكتب المقدسة في الغرب، ورائد ذلك اسبنوزا الذي استطاع أن يقدم نقدا قويا لكتب العهدين القديم والجديد، فنزع القدسية عن هذه الكتب، وأصبح كل شيء قابل للتجربة. وهذا ما يحاوله بعض المفكرين العرب.
- الرؤية الاستشراقية التي ركزت على التشكيك في مصادر القرآن وأنه منقول عن الكتب اليهودية والنصرانية.
- مدرسة الحداثة وما بعد الحداثة التي قدمت رؤية قوية في تأويل النصوص، ودعت إلى أنسنة النص الديني.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما الدكتور محمد خروبات فتحدث فقدم نماذج تأويلية للقراءات الحديثة حيث تحدث عن كتاب:" تاريخ القرآن" لتيودور نولدكيه.
وتحدث الدكتور يحيى رمضان عن القراءة الهرميسية للوحي التي ألغت مقاصد صاحب النص، وأن اللغة عاجزة عن الإحاطة بدلالات النفس، وأن لا نهاية للدلالة. فتصبح النتيجة إلغاء النص وإفراغ ألفاظه من كل معنى.
ودعا المحاضرون في هذه الندوة إلى تقديم قراءة خاصة بالمسلمين للنص القرآني، وعدم الاكتفاء بنقد ما قدمه الآخر. وإلى ضرورة العمل الجماعي في الدراسات القرآنية.
وفي الفترة المسائية من نفس اليوم كانت الندوة الثالثة، ومحورها: مقاصد القرآن الكريم. تحدث فيها المحاضرون عن مقاصد القرآن في الإصلاح والتربية، وحفظ مصالح العباد في العاجل والآجل، وتحدث د زيد بوشعرة عن التسلسل المقاصدي في القرآن الكريم.
أما المحاضرات فتضمن الملتقى محاضرتين ليليتين:
- محاضرة ليلة السبت26 ماي2007 للشيخ محمد التجكاني، رئيس رابطة أئمة بلجيكا في موضوع: مقاصد القرآن، أبرز فيها أن هذا القرآن أنزل ليكون هدى للناس، وأن الذين يهتدون به هم المؤمنون به، ولذلك قال تعالى: "هدى للمتقين".ووقف طويلا على كيف استخرج القرآن هذه الأمة من الجاهلية والتخلف وجعلها خير أمة أخرجت للناس. وأثار الشيخ انتباه الحضور إلى واقع المسلمين اليوم، هل فعلا في مستوى الخيرية والشهادة على الناس؟ ونبه إلى أن الغربيين ينظرون إلى واقع المسلمين وحالهم مع القرآن الكريم، لا إلى ما يقوله المسلمون عن القرآن.
ودعا الشيخ التجكاني إلى الاشتغال بالقرآن الكريم تعلما وتعليما، والاستفادة من المؤسسات التي تسهر على تحفيظه وتعليمه.
- محاضرة ليلة الأحد 27 ماي2007 للدكتور الشاهد البوشيخي في موضوع: "الهدى المنهاجي في القرآن الكريم". تحدث فيها عن حاجة الأمة إلى الهدى المنهاجي لتنتقل من واقع التخلف إلى موقع الريادة والشهادة على الناس .. وأن استنباط هذا الهدى ضروري لتستأنف الأمة السير الحضاري وتقوم بوظيفتها في تيسير الذكر وتعمير الأرض وتسخير الكون. ثم تحدث عن لوازم الاستنباط التي تتلخص في التمكن من مقال النص القرآني ومقامه. ويتجلى ذلك في التمكن من اللسان العربي عبر التمكين للعربية في التعليم والإعلام والإدارة و الحياة العامة، إضافة إلى التحقق والتخلق بصفة الإيمان، ثم فقه الواقع لينزل النص التنزيل الصحيح.
ودعا الدكتور البوشيخي في نهاية محاضرته إلى التركيز على الهدى المنهاجي في الملتقيات العلمية والدراسات القرآنية.
هذا وقد كان كلام المحاضرين بليغا مؤثرا في قلوب الحاضرين الذين استمعوا وكأن على رؤوسهم الطير.
و في أمسية اليوم الثالث – الاثنين 28 ماي 2007 كان الجمهور المكناسي مع موعد مع أمسية قرآنية شارك فيها مجموعة من المقرئيين المتميزين على المستوى المحلي والوطني حيث شنفوا أسماع الحاضرين بقراءات عطرة خشعت لها القلوب، ثم وزعت شهادات تقديرية على ثلاث مؤسسات لتحفيظ القرآن والتعليم العتيق.(/)
ريشة الخطاط تفسر آية
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[01 Jun 2007, 06:37 ص]ـ
عندما يتحول القلم إلى مفسر.
هذه اللوحة تقليد لما خطه الخطاط البارع محمد بن سعيد الشريفي في مصحف الجزائر الوطني رواية ورش من طريق الأزرق.
احتضن نون من كلمة عليها.
ولم يكن ذلك نهج الخطاط في رسمه أبدا. بل صنعه في موطنين مع لفظ الجلالة ومع رأس الآية عندما يضيق السطر.
وتكرر منه هذا في عدة مواضع.
لكنه في هذا الموطن خالف وقد عشت مع هذا المصحف أحاكي خطه أكثر من عام ووقفت عند هذا الموطن قرابة الساعة أفكر لماذا خالف والسطر مريح!!!!!!.
وأخذت أقرأ الآية مرة تلو الأخرى حتى علمت بكونه أبدع في رسمها ليفسر:
من كان يوما عليها عليها تحت ومن فوق كحالنا. يضحك ويلهو ويجمع ويخاصم ويفعل ويفعل.
ثم هو فان سيكون تحتها. هذا هو المآل باعتبار ما سيكون من فعلا بمنطوق الآية سيصبح تحت عليها
http://www.tafsir.org/vb/attachment.php?attachmentid=849&stc=1&d=1180667624
ـ[عبد الحي محمد]ــــــــ[02 Jun 2007, 11:17 ص]ـ
سبحان الله(/)
نُكَتٌ .. ومُلَحٌ .. وفَوائِدٌ مِنْ أَخبَارِ المفَسِّرِين
ـ[أبو العالية]ــــــــ[01 Jun 2007, 03:58 م]ـ
نُكَتٌ .. ومُلَحٌ .. وفَوائِدٌ مِنْ أَخبَارِ المفَسِّرِين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
إن النظر في كتب التراجم والسِّير عظيمة النفع، وعلى النَّفس كبيرة الوقع؛ ذلكم أنها وسيلة لغاية سامية، وطريق إلى مقاصد غالية، سيَّما وأنَّ ربط المسلمين بعلمائهم يدخل من أفضل الأعمال؛ كيف لا، والغاية المنشودة من جرّاء ذلك أن ينتفع العباد من العلماء؛ فينتفعون من عِلْمِهم، و هَدْيِهم، وسَمْتِهم، وأخلاقهم، ويعرفون شيئاً عن عبادتهم، وتعظيمهم لربهم؛ فهم بحق أولى الناس إلى أن يُلتفت حولهم، ويُقبل عليهم، لعلّ الله أن يكتب نجاة عبدٍ من عباده بسبب كلمة سمعها وانتفع بها من هؤلاء العلماء؛ فالله درُّهم؛ أعلى الله شأنهم، وأشهدهم مع ملائكته في توحيده، والذي من أجله كان إرسال الرسل؛ فقال عزَّ من قائل:
(شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران: 18)
وإني في هذا المقام مَثَلي كمثل الحافظ بنِ خلِّكان رحمه الله حين قال في كتابه الماتع الرائع " وَفَيَات الأعيان " (1/ 20)
" ولكن ذكرتُ جماعة من الأفاضل الذين شاهدتهم، ونقلتُ عنهم أو كانوا في زمني ولم أرهم "
ثم قال مبيناً الحكمة من ذلك فقال: " ليطَّلِع على حالهم من يأتي بعدهم "
وقال أحد المؤرخين:
" إنَّ أحسن ما يجب أن يُعتنى به، ويُلم بجانبه بعد الكتاب والسنة؛ معرفة الأخبار وتقييد المناقب والآثار؛ ففيهما تذكرة وتقلُّب الدهر بأبنائه، وتنبيه أهل العلم الذي يجب أن تتبع أثارهم، وتُدَوَّن مناقبهم وأخبارهم؛ فيجِدّ الطالب ليلحق بهم " (موسوعة أعلام القرن الرابع عشر والخامس عشر للحازمي (1/ 3))
وقال آخر: " إنَّ في ذكر تراجم العلماء وأحوالهم، ومناقبهم ومراتبهم فوائد نفيسة ومهمات جليلة "
وما كل هذا " إلا ليُقتدي بهم، ويُنسج على منوالهم، نسيج العلماء الفقهاء، مذكراً بمآثرهم وفضلهم، ومبيناً لمعالم القدوة في مسلكهم؛ ليكونوا منارات هدى، ومصابيح دجى، لما في سيرهم من آدابٍ، وعلومٍ، وفوائدَ، وأوابدَ، لا تجدها في الموسوعات ولا في المطوَّلات، ولما في مواقفهم من آثار خالدات، تحي القلوب وتشحذ الهمم ". (الجواهر الإكليلية في أعيان علماء ليبيا من المالكية للشريف (7))
وبعد هذا النقل:
فالحديث عن أهل العلم والعلماء والعناية بجانب حياتهم، وما فيه من العِبَر والدروس حديث ذو شجون؛ فمن أحوالهم نستفيد العِبر، ومن علمهم نستفيد الخبر، وما زال أهل العلم والعلماء في السلف والخلف يُصنِّفون ويُؤلِّفون في تراجم العلماء وأهل الفضل والمنقبة، بل لقد تنوَّعت تصانيفهم، وتلوَّنت مشاربهم في التأليف والكتابة.
فذا عالم يُؤلِّف عن مجموعة من العلماء في عصر من العصور.
وذاك يُسطِّر مصنفاً خاصاً كاملاً عن حياة عَلَمٍ من ا لأعلام.
وآخرُ ينفرد بتصنيف تراجمَ لعلماء برزوا في علوم خاصة؛ كالمحدِّثين، والفقهاء، والقضاة والقرّاء، وغيرهم، ومن طالع كتب السِّير والتراجم، يعلم صحة ما قيدته.
فمن الأول، " سير أعلام النبلاء " للإمام الحافظ الذهبي رحمه الله.
ومن الثاني، " العقود الدُّرِّية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيميّة " لتلميذه الحافظ محمد بن عبد الهادي الحنبلي رحم الله الجميع.
ومن الثالث؛ " ففي علماء القرّاء صنف الذهبي رحمه الله كتابه الموسوم " معرفة القراء الكبار "، وفي علماء الفقه من الفقهاء صنَّف العلماءُ، وتنوَّعت تصانيفهم؛ فتارة من جمع الفقهاء جملة وتفصيلا، وتارة من جمع علماء كلِّ مذهبٍ على حِدَةٍ.
فأبو الحسنات الَّلكْنَوي الحنفي رحمه الله صنَّف في علماء الحنفية في كتابه " الفوائد البهية في تراجم الحنفية "
ومن المالكية جاء ما صنَّفه القاضي عياض المالكي رحمه الله في كتابه " ترتيب المدارك وتقريب السالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك "؛ فأبدع فيه أيما إبداع.
والإمام السُّبكي الشافعي رحمه الله صنَّف في " طبقات الشافعية الكبرى ".
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن علماء الحنابلة سطَّرت يراعُ القاضي أبي يعلي رحمه الله في مصنفه " طبقات الحنابلة " وذيّل عليه الحافظ بن رجب الحنبلي رحمه الله " ذيل طبقات الحنابلة ".
إلى غير ذلك من التصانيف والمؤلفات التي عُنيت يتراجم العلماء وأهل المنقبة في الإسلام في شتى فنون العلم.
وأياً كان؛ فإن الغاية والثمرة المرجوَّة من معرفة سير الرجال والعلماء الأفذاذ هي:
التطلع إلى شيء من أخبار القوم وأحوالهم الذين كان لهم قدم سبق في نصرة هذا الدين وإعزازه، وتعلُّمه وتعليمه، ودعوة الناس إليه، بل والإقتداء بهم في جانب علمهم، وسلوكهم، وهديهم، وسمتهم، وعبادتهم لربهم تعظيمهم إياه.
ومعلوم أنَّ النفس قد يصعب عليها أن ترتقي في درجات العلوّ والكمال جملة واحدة من أول وهلة، ومن دون سابق عِلْمٍ لها في ذلك، أو بمن فعل ذلك وحصّل ما حصّل؛ فإذا كرَّرتْ النظر، وقلَّبتْ البصر في تراجم علماء هذا حالهم، وتلك سيرهم؛ جاهدت نفسَها؛ للحاق بهم؛ فجدّت وسعت بكل ما أُتِيت من قوةٍ ونشاطٍ؛ لتحصيل ما حصّلوه، وما نَعِموا به من حلاوة العبادة، ولذة العلم، والأنس بالله جل في علاه.
أولئك أبائي فجأني بمثلِهُمُ إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وإذا كانت الحاجة ماسة في معرفة حال العلماء قاطبة؛ فإنه يظهر لي أن الحاجة أمس إلى معرفة علماء بذلوا أوقاتهم في خدمة كتاب الله، وعاشوا سنين عمرهم حُلْوها ومُرِّها، في عافيتها وسقمها، مع خير الكلام قاطبة؛ فامتثلوا أحكامه، وشرائعه في سلوكهم، ومعيشتهم، وسائر حياتهم.
تالله إن من خير ما يجب أن يُعتنى به من التراجم؛ تراجم المفسرين.
وإذا كان ذلك كذلك.فهذه سلسلة من النكت والفوائد من كتاب (طبقات المفسرين للداودي رحمه الله تعالى) أنهيت قراءته كاملاً والفضل لله وحده؛ فزخرتُ بنفائس عالية قيدتها في مبحثٍ مستقل؛ وسأنزله على حلقات هنا ليعم نفعها إن شاء الله، وهذه النكات هي حسب ما ظهر لي، فقد يقرأ آخر ويجد ما خفي علي، فيزيد لنفسه أو هنا.
ومنهجي في التقييد:
1_ تسمية الفائدة
2_ نقل النص بحروفه.
3_ تعليق إن كان حاجة إليه.
وليت الإخوة ينشطون لجرد كتب في موضوعات التفسير وعلوم القرآن وإثباتها على شكل دروس وعبر وفوائد.
والله الموفق لكل خير
ـ[يسري خضر]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:08 ص]ـ
موضوع طيب وممتع بارك الله فيك وسددخطاك
ـ[أبو العالية]ــــــــ[02 Jun 2007, 12:14 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
1 _ (2) (*) إبراهيم بن أحمد بن علي بن أسلم، أبو إسحاق الجبنياني البكري المالكي رحمه الله (ت 396هـ)
_ حرصه على طلب العلم والسهر فيه واختيار أجود الأوقات النافعة:
قال الداودي رحمه الله عنه: (لم يترك حظَّه من دراسة العلم بالليل إلا عند ضعفه قبل موته بقليل) (1/ 4)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له: فيه تمهيد وفوائد:
فضبط (الجبنياني): الجِبْنِياني؛ كذا قال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه.
الأولى: شدة الحرص على طلب العلم، والمداومة عليه، والعجب من ذلك أن سنَّهُ تسعون سنة!
فلله ما أعلى الهمَّة، وما أصدق الطلب، رحمه الله رحمة واسعة من مُتَعَبِّد المغرب قاطبة.
الثانية: فيه دلالة على حسن اختيار أفضل الأوقات في المدارسة والطلب.
وهذا دأب كثير من أهل العلم؛ إذ يعود الحرص على ذلك؛ لصفاء العقل، وقوة التأمَّل سِيَّما عند خلو الذهن من المشاغل التي عادة ما تكون بالنهار.
2_ _ روائع كَلِمِهْ رحمه الله تعالى:
قال الداودي رحمه الله عنه: ((وكان قلَّما يترك ثلاث كلمات جامعة للخير؛ وهي:
اتَّبِع ولا تبتدع، اتَّضِع ولا ترتفع، من ورع لم يقع)) (1/ 4)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له: فيه فوائد:
لله أبوه رحمه الله؛ فقد حاز بهاته الكلمات الثلاث، جماع الخير.
الأولى: فالاتباع وترك الابتداع؛ هو حبل النجاة الموصول إلى الجنة بإذنه سبحانه، وهو ملاك كل خير، وقد أحسن من قال: (وكل خير في اتباع من سلف)
والثانية: التواضع ملاك الأخلاق. وفضيلة بارزة في كتب السنة والآخلاق.
والثالثة: الورع الورع. ويكأنها ترجمة لحديث النعمان بن بشير: (الحلال بيِّن، والحرام بين .. ) الحديث.
2_ 1_ العناية بحمل الذرية على الخير:
قال الداودي رحمه الله عنه: ((وكان له سبعة من الولد كلهم على الخير)) (1/ 4)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له، فيه فائدة عظيمة النفع في الدنيا والآخرة:
وتأمل قوله: (كلهم على الخير) فهي لعمري إشارة إلى أهمية الاعتناء بالذرية وحملهم على الخير والتقوى والصلاح. وهذا مما يغفل عنه اليوم كثير من الدعاة وللأسف!
فتجده شعلة من النشاط في الدعوة والخير خارج المنزل، وإذا دخل لا تجد نصف ذلك والله المستعان؛ ولذا فلا عجب أن تجد من ولد بعض أهل العلم والصلاح على غير الهدى والصلاح. (وليس القول لمن بذل جهده ووقته وجد في حمل ولده على ذلك؛ فالهداية أمرها لله، وهذا حاله معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون)
ولكن التفريط والله المستعان موجود والواقع يصدِّق ذلك.
فخذْها أخي الداعية من سيرة إبي إسحاق الجِبْنِياني رحمه الله فائدة طيبة مباركة، وتأسَّ به؛ فلقد قال عنه أبو الحسن القابسي رحمه الله: (الجِبْنِياني إمام يُقتدى به)
فنفع الدنيا: قرة العين، والمعين على الخير والصلاح.
وفي الآخرة: الولد الصالح الذي يدعو لك.
فهنيئاً لمن كانت ذريته على طاعة الله ورسوله حذو القذة بالقذوة، والويل لمن كان هو سبباً في دخول الناس إلى الجنة، وكانت ذريته سبباً في سوقه إلى النار والعياذ بالله.
وأخيراً:
فإني أحث القوم إلى النظر في سيرة هذا العالم العابد؛ ففي سيرته روائع ودرر من باقي المصنفات، والمنهج هنا مقتصر على الطبقات، وحسبنا هنا دلالات وإشارات.
والله يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه
والله أعلم
_________
(*) الرقم الأول تسلسلي للمشاركات هنا، والرقم الثاني رقم الترجمة في الكتاب، والرقم الثالث عقب القول العزو للطبقات.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو العالية]ــــــــ[03 Jun 2007, 11:32 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
2 _ (4) إبراهيم بن أحمد بن محمد بم معالي بن محمد بن عبد الكريم الرَّقِّي الحنبلي الزاهد العالم، القدوة الرباني، أبو أسحاق رحمه الله (647_ 703هـ)
_ نفعه للعباد وقضاء الحوائح:
قال الداودي رحمه الله عنه: (كان رجلاً صالحاً، عالماً، كثير الخير، قاصداً للنفع) (1/ 6)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه سِمةٌ طيبةٌ مباركةٌ، قد صحَّ الحديثُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُ النَّاسِ؛ أنفعُهم للنَّاسِ)
وهاته السمة الإيمانية قليلة الوجود اليوم عند العلماء؛ فقلِّب النظر فيمن حولك من العلماء تجد صحة ذلك.
لذا كان تمييز هذا العالم بهذه الصفة حاكية واقعه بحق؛ فرحمه الله رحمه واسعة.
وسبحان ربي؛ فإنَّ من وهبه الله هذه الخصلة الفاضلة؛ لتجده من أنعم خلق الله عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأطيبهم نفساً، وهذا يصدق في حق العلماء الربانيين، لا حرم الله الأمة منهم.
ولعظيم هذه الخصلة الإيمانية، صنَّف المحدِّثون، أجزاء حديثية، أوْدَعُوها تحت باب (فضل قضاء الحوائج)
فطوبى لمن كان مفتاحاً للخير، يٌجري الله على يديه فتح ما أغلق على العباد.
جعلنا الله وإياكم منهم.
والله أعلم.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[05 Jun 2007, 11:42 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
3 _ (14) إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكتاني الحموي الأصل ثم المقدسي
رحمه الله (725_ 790هـ)
1. حرصه على الكتب والمخطوطات وهمته العالية في التحصيل:
قال الداودي رحمه الله عنه: (اقتنى من الكتب النفيسة بخطوط مصنفيها وغيرهم ما لم يتهيَّأ لغيره) (1/ 15)
وقال أيضاً: (وخلَّف من الكتب النفيسة ما يعز اجتماع مثله لغيره؛ لأنه كان مغرماً بها) (1/ 15)
وقال أيضاً: (اقتنى بخطوط المصنفين ما لا يعبَّر عنه كثرة) (1/ 15)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لذة اقتناء الكتب تفوق كل لذة!
وأعظم ما تكون روعة، حين يشتد الطلب للكتاب، ويطول البحث طويلاً، فتسمع خبره في بلد؛ فتشتاق الروح إليه، ويصبح هجِّيراه كيف الحصول عليه، وعندي أن هذه اللذة أنفع وأحلى ممن طلب عروساً في بلدة اخرى!
واسمع قالات العلماء في هذا الباب؛ فستجد عجباً، ودونك منها:
قال الجاحظ: " من لم تكن نفقته التي تخرج في الكتب ألذ عنده من إنفاق عُشّاق القِيان، والمستهترين بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغاً رضياً.وليس ينتفع بإنفاقه حتى يؤثر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابي فرسَه باللبن على عياله وحتى يُؤمِّل في العلم ما يؤمل الأعرابي في فرسه " [الحيوان 1/ 55]
وقال سلمان الحموي الحنبلي _ من شيوخ الحافظ ابن حجر _:
وقائلةٍ أنفقتَ في الكتب ما حوت يمينك من مالٍ فقلت: دعيني
لعلِّي أرى فيها كتاباً يدلني لأخذ كتابي آمناً بيميني
2_ من قواعد شراء الكتب العلمية، والعناية بتعدد النسخ للفائدة:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وكان يشتري النسخة من الكتاب التي إليها المنتهى في الحسن، ثم يقع له ذلك الكتاب بخطِّ مصنفه فيشتريه ولا يترك الأول) (1/ 15)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه قاعدة نفيسة في شراء الكتب، وهذا علمٌ وفنٌ يجب على طالب العلم العناية به، والاعتناء بالنسخ الجيدة الأصيلة ولو طار سعرها، وهجر النسخ الردئية ولو قل ثمنها.
فروعة العلم ولذته لا تفوقها لذة.
ومتى ما فرطَّت في هذه النكتة؛ فسيجني عليك اقتناؤك للرخيص حسرة وندامة، حين يعرض لك، ما يُشْكِل، أو ثمة تحريف، أو سقط؛ فحينها تودُّ لو أنك بألف درهم تنفقها لتعرف ما غمض عليك في آنه.
ومن فوائد هذه النكتة:
أولاً: العناية بالكتب المحققة تحقيقاً علمياً جيداً، سيما الرسائل العلمية (في الأغلب)
ثانياً: العناية بتحقيقات أعلام التحقيق وفرسانه المتقدمين المهرة.
ثالثاً: عليك باقتناء النسخ المحققة من ذوي الاختصاص؛ فهذا مأمن من عجائب المحققين (وما أكثر عجائبهم، ولو كان ابن الجوزي رحمه الله في عصرنا لصنَّف فيهم كتاباً يُسْمِه: (نفائس المحققين الخرقاء!)
(يُتْبَعُ)
(/)
رابعاً: إن استطعت الجمع بين جيد الإخراج وجودة التحقيق فحسن، فإن لم؛ فلا يغُرَّنك بهاء حلته سوء بضاعة محققه (أو عدمه)؛ فيُنسِيك جودة التحقيق بالإخراج العتيق!
وهذه رتوش.
وفي ما ذكر كفاية.
فرحم الله ابن جماعة رحمة واسعة، ونفعنا بعلومه ومصنفاته الكثيرة، إنه سبحانه خير مسؤول.
وإلى ترجمة اخرى إن شاء الله
والله أعلم
ـ[أبو العالية]ــــــــ[06 Jun 2007, 10:34 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
4_ (24) إبراهيم بن يحيى بن المبارك اليَزِيدِي، أبو إسحاق بن أبي محمد النحوي بن النحويّ (ت 225هـ)
1. وجوب العناية بالمؤلَّفات وإدامة النظر فيها (دعوة للتريث في التأليف):
قال الداودي رحمه الله عنه نقلاً عن الخطيب: (وصنَّف: (ما اتفق لفظه واختلف معناه) ابتدأ فيه وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمل فيه إلى أن أتت عليه ستون سنة!) (1/ 26)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
فيه دعوة إلى وجوب الاعتناء بالمصنَّفات، وإدامة النظر فيها، وعدم الاكتفاء بطبعها، ومن ثمَّ التفرغ لمشاريع علمية اخرى؛ ولذلك جملة من الفوائد:
أولاً: أن العلم بحر كبير، ولا يزال الناهل منه كل يوم يُبْدى له الكثير الكثير؛ فيحسن به أن يعيد النظر في كتابه، ما بين تنقيح، أو حسن ترتيب، أو إضافة.
ثانياً: قد يكون المؤلف أثبت مسألة (على أنها من أحسن ما عنده من العلم) ومع المطالعة والنظر تبيَّن له رجحان ما ظنَّه راجحاً؛ فيعمد إلى التصويب والتغيير للدليل الأقوى والأصوب الصحيح.
ثالثاً: أن في مداومة النظر في المصنفات، بقاء المسائل في الرأس!
ولا تعجب من هذه النكتة؛ فقد غدا اليوم أصحاب المؤلفات الكثيرة!! (عفواً المسروقة) يجهلون بعض ما في مصنفاتهم اليسيرة (كتيبات صغيرة!!)، والطامة أنها حديثة عهد بنشر!!
فقلي بربك: أهذا يُصدَّق أنه هو من ألَّف؟!
ما أعرفه وتعلمته من مشايخي ومن أهل العلم _ وما رست بعضه _ ان المؤلَّف كالابن، يعرف صاحبه كل صغيرة وكبيرة فيه؛ من طول النظر، وإنعام الفكر، وكثرة البحث والجلد في كتابه.
وكنت أعجب أحياناً من بعض كبار مشايخنا، نسيانهم بعض المسائل والنُّكات العلمية، مع أنهم أودعوها في مصنَّفاتهم؛ فكنت ألتمس العذر لهم بتقدم العمر، وتقدم سنة الطبع، غير أني لهذا الفعل غير مقتنع! والأولى تعاهد المؤلِّف لمؤلَّفه؛ ليكن على استحضار تام بما كتب؛ فإنه يعيب على من كتب في باب أن ينسى ما في هذا الباب!
والله أعلم
ـ[أبو العالية]ــــــــ[07 Jun 2007, 11:28 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
4_ (25) أحمد بن إبراهيم بن الزُّبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي، أبو جعفر الأستاذ رحمه الله (627_ 708هـ)
صاحب: (ملاك التأويل)
1. النُّصْحُ في الطَّلب:.:
1_ قال الداودي رحمه الله عنه: (أقرأ القرآن، والنحو، والحديث بمالقه، وغرناطة وغيرهما، وكان كثير الإنصاف، ناصحاً في الإقراء)) (1/ 27)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه نكتةٌ عالية عزيزة؛ فالنصح من أبرز سمات المؤمنين، وهي سمة رفيعة عالية، يُوْدِعُها الله في قلوب أوليائه.
ولا يطيقها إلا من رزقه الله خيراً كبيراً، ولا تأتِ إلا بعد مجاهدة وصدق مع الله تبارك وتعالى، ولذا كان من جملة ما بايع جرير رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن قال: (والنصح لكل مسلم) وهذه إشارة لنقاء القلب من الغل والغش، وسلامة الصدر للمسلمين، وهي مرتبة شريفة، لا توجد في القلب إن كان فيه دخن الغل والحقد للمسلمين.
وهذه السمة الإيمانية لعلو رتبتها ومكانتها؛ ما دفع جرير رضي الله عنه أن يَعُدّها من جملة الأعمال الكبيرة الفضل، والتي قرنها مع الصلاة والزكاة.
هذا في حق النصح عموماً.
وأما النصح في الطلب؛ فيكون في أمور:
أولاً: النصح في اختيار الشيخ، والدِّلالة على الأعلم، والأفضل، والأجود المُتقِن، والأَخْيَر من ذلك: (الأتقى)
ثانياً: في اختيار الرفيق في الطلب؛ فالصاحب الطيب المبارك في الطلب من أعظم الأسباب لنيل العلم والتزود منه. وقصة ابن عباس مع صاحبه خير شاهد.
وقد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله، حين سأله أحد تلامذته عن طلب العلم؛ فقال: خير، ولكن انظر من يصحبك فيه؟!
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثاً: في اختيار المادة العلمية، وهذا مطلب عزيز اليوم؛ فبعض أهل العلم في عصرنا إن أتاه من يرغب في الطلب (وهذا بعد إلحاح وجهد جهيد إن وافق!!)
يقول لهم اختاروا كتاباً! والمُشكِل إن كانوا في بداية الطلب! فقد لا يحسنوا اختيار الكتاب، وقد يكون مكروراً عليهم، وهذا من جملة الأخطاء في الطلب.
نعم قد يكون حرصهم على التتلمذ على الشيخ، واللحاق بشرف ذلك! ولكن لا ينبغي لهم العدول عن الأهم
والوقوع في أمر لا يجنون منه كبير فائدة.
وقد قال أحد السلف: (من اشتغل بغير المهم، أضرَّ بالمهم)
وهذا الخطأ يكثر عند الشباب إبان انعقاد الدورات العلمية؛ فتجد حالهم بين أمرين:
الأول: من يشارك في حضور درس أعلى منه في المستوى، ولم يصل لمرتبة، وقد يكون متخصصاً دقيقاً؛ فهذا مضيعة وقت في حقه، ولا يجني الكثير.
والثاني: من سبق له أخذ هذا الدرس، وربما عن أكثر من شيخ، ولكن يواظب على حضوره، وهذا أيضاً مضيعِ لوقته في المفضول لا الفاضل، والأولى أن يلتفت لدورس جديدة؛ ليواصل الرُّقِيَّ في العلم والازدياد منه.
إلا رجلاً يرى أن في حضور درس سبق أخذه فائدة، وذلك:
_ إما مراجعة لما سبق والحضور يعينه على ذلك ويأنس به.
_ أو أن يكون المحاضر صاحب اختصاص لما يشرح، بخلاف من سبق، وهذا مندوحة للحضور.
_ أو يكون عرف عن المحاضر حسن العرض، وجدَّة المعلومات، ونفاسة الفوائد.
وأياً كان؛ فاالأَوْلَى بالشيخ الكريم أن يسألهم تلاميذه، ماذا عندكم من العلم في هذا الفن أو الباب؟
ماذا قرأتم قبل هذا؟
ومن خلال ذلك يختار معهم ما يكون نفعه كبيراً إن شاء الله.
هذه من جملة النصح في الطلب.
ورحم الله أبا جعفر الغرناطي على هذا النكتة في سيرة.
وأحثٌّ الأحبة إلى القراءة والنظر في سيرة هذا العالم ففيها نفائس كبيرة.
والله أعلم ذلك:
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[07 Jun 2007, 02:30 م]ـ
شكرك الله سعيك أبا العالية
لله درك على هذه النفائس الغالية.
ولقد أعجبني ـ فوق ما نقلت ـ التعليق المليح من يراعك اللطيف.
وكم يفرح طالب العلم بصيد تعليقٍ نفيس في كتب التراجم، قد تفك مبهمًا، أو تدل على فضل، أو تهدي إلى علم.
سر واستعن بالله، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
ـ[أحمد العاني]ــــــــ[07 Jun 2007, 06:41 م]ـ
جزاكم الله خيرا.
في كتاب أبي شامة المقدسي في البدع صورة مشرقة من أمر الشيخ أبي إسحاق الجبنياني بالمعروف و نهيه عن المنكر و غيرته على عقيدة التوحيد، رحمه الله تعالى.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[09 Jun 2007, 08:22 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
6_ (35) أحمد بن حسين بن علي بن رسلان، الشيخ شهاب الدين الرَّملي، الشهير بانب رسلان الشافعي رحمه الله (775_ 804هـ)
1. الأخفياء:
قال الداودي رحمه الله عنه: (يدعو إلى الله سراً وجهراً، ويأخذ على أيدي الظلمة، مع محبة الخمول، والشغف بعدم الظهور!) (1/ 39)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لله درُّه؛ فإنَّ من نال من العلم ما ناله، وبرع وبرز فيه حتى صار إماماً في كلِّ فنٍّ وعلم؛ يَصعُب عليه جداً أن تبرز عنده هذه الخصلة الرفيعة، بل الأعجب من ذلك: (الشغف بها)!
نعم، إنَّ من جملة أفضل الأعمال، متابعة أعمال القلوب، والحرص على تعاهدها وتنقيتها من كل ما يشوبها، ومتى ما خالفت الجادَّة؛ كَبَحَ جِمَاحها، وكسر علياءَها، وأمسك بلجامها ومرَّغه في عَتَبات العبوديَّة، حتى تقهر وتنقى وتصفى، وإلا جنت عليه كل مصيبة من جرَّاء هذا الداء الخطير.
صاننا الله وإياكم من أهواء القلوب وزلاته.
إِيْهِ أيُّها الشيخ العارف، لقد أتعبت من بعدك.
إنَّ مثل هذه الأخلاق العالية، والسِّمات المؤمنة الرفيعة، تبرز عند أصحاب القلوب الحيَّة، والذي أكبر هَمِّهِم (رضى المولى تبارك وتعالى عنهم) فهم لا يُبَالون بنظر الناس إليهم، ويْكَأنَّ لسان حالهم يقول: (لا يضيرنا إن خَفِينا على الناس، ما دام الله مُطَّلعاً علينا)
فأنعم وأكرم بها من روحٍ نقية، ونفوسٍ سويَّة، وهِمَمٌ عليَّة.
ومما يَندى له الجبين، أن تجد العكس على التمام؛ فإنك قد تُطالع _ وهو من عجائب الدنيا اليوم _ من لم يبلغ عُشر معشار هذا العالم في العلم، والدعوة إلى الله تعالى، وتجد عنده من حبٍّ الظهور، والتعالي على الناس، والأَنَفَة من مخالطة عوام المسلمين وفقرائهم، العجب الأشد!
بَيْنَا تجده راغباً، ومستجيباً سريعاً، هيناً، ليناً، مع أهل الدُّثور، والغنى، والسلطان!!
فجمع بين آفتين، نسأل الله السلامة والعافية.
وأصل ذلك كله كما قيل:
حُبُّ الظهورِ على ظهو * * * ر الناسِ مَنْشَأُه الغرورُ
2_ من روائع نظمه:
لفاتحة أسماء عشر وواحد * * * فأم كتاب والقرآن ووافيه
صلاة مع الحمد الأساس ورقية * * * شفاء كذا السبع المثاني وكافية
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذا في حدِّ علمه رحمه الله، وإلا فأسماء السورة أكثر من ذلك أوصلها السوطي إلى نيِّف وعشرين ما بين أسماء وصفات وألقاب وردت عن السلف رحمهم الله. (انظر: أسماء سور القرآن وفضائلها (98))
وله أيضاً:
تواضع وكن في الناس سهلاً ميسراً * * * لتلقى لهم من فيك دراً وجوهراً
وإيَّاك ويبس الطبع فيهم ترفعاً * * * عليهم فتُرمى بالقبيح وتُزدرى
رحمه الله رحمة واسعة
وإلى نكتٍ ومُلَحٍ مع عالم آخر إن شاء الله
والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو العالية]ــــــــ[10 Jun 2007, 12:16 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
7_ (42) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن تيمية الحرَّاني رحمه الله (661_ 728هـ)
الأُعْجُوبَة
1. الهمَّة العالية في طلب العلم (أنموذج مشوِّق للقراءة):
قال الداودي رحمه الله عنه: (وعني بالحديث، وسمع المسند مرات!! والكتب الستة، ومعجم الطبراني الكبير، وما لايحصى من الكتب والأجزاء) (1/ 47)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
سبحان الله! أيُّ عالم كان ابن تيميَّة رحمه الله؟!
سمع المسند مرات! الله أكبر.
إيه أيتها النفس التَّواقة الأبيَّة؛ فلا عجب من ذلك؛ فقد قال تلميذه النجيب ابن قيم الجوزية رحمه الله يحكي عن حال شيخه في القراءة:
_ " وحدثني شيخنا قال: ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطبيب:
إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك.
أليست النفس إذا فرحت وسُرّت وقويت الطبيعة فدفعت المرض؟ فقال: بلى.
فقلت له: فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحةً.
فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا." (روضة المحبين 70)
_وقال تلميذه الحافظ ابن عبد الهادي رحمه الله في العقود الدرية صـ (5):
" لا تكاد نفسُه تشبع من العلم، ولا تروي من المطالعة، ولا تملّ من الاشتغال، ولا تكلُّ من البحث، وقلّ أن يدخل في علمٍ من العلوم في بابٍ من أبوابه إلا ويُفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حذاق أهله."
نم، لقد كان هذا هو دأب العلماء السابقين في القراءة، وتكرارها، والشغف فيها.
ومنفعة التكرار ظاهرة في تثبيت الفائدة، وقد سُئِلَ الإمام البخاري رحمه الله عمَّا يعين على الحفظ؛ فقال: إدامة النظر! (كثرة المطالعة)
وتأمل ما ذكره السُّبكي رحمه الله في طبقاته (2/ 99) عن الربيع المزني _ تلميذ الشافعي رحمه الله _ قال: أنا أنظر في كتاب الرسالة منذ خمسين سنة، ما أعلم أني نظرت فيه مرة إلا وأنا استفيد شيئاً لم أكن عرفته "
وبهذا تعلم أهمية العناية بكثرة المطالعة في الكتب وتكرارها، وقد قيل: (قراءة كتاب واحد، أنفع من قراءة ثلاثة كتب)
ومن أجمل المصنَّفات في القراءة والتشويق إليها، كتاب: (المشوق إلى القراءة) للشيخ المحقق علي العمران نفع الله به؛ فهو نفيس في بابه، وسيمر عليك من النماذج والعجائب، ما يجعلك تقف معها أياماً!
2. تيميَّاتٌ نفيسة:
قال الداودي رحمه الله عنه ناقلاً عن الذهبي رحمه الله: (برع في تفسير القرآن، وغاص في دقيق معانيه بطبعٍ سيَّال، وخاطرٍ إلى مواقع الإشكال ميَّال، واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها، وبرع في الحديث وحفظه، فقلَّ من يحفظ ما يحفظه معزواً إلى أصوله وصحابته، مع شدَّة استحضار له وقت إقامة الدليل) (1/ 48_ 49)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
فيه مسائل:
الأولى: (واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها)
أما هذه المسألة؛ فقد كان لشيخ الإسلام استنباطات فائقة، واختيارات رائقة، تنبئ عن علم غزير، ونظر ثاقب نحرير، وفي كتابه: (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء) تحريرات نفيسة، وأجوبة عالية الفائدة؛ فرحمه الله من عالم بارع نادر، كما قال عنه المصنِّف: (نادرة دهره)!
والثانية: (فقلَّ من يحفظ ما يحفظه معزواً إلى أصوله وصحابته)
وهذه نكتة مفيدة، في أهمية العناية بجانب الحفظ في طلب العلم:
والحفظ يكون على فنون:
_ حفظ القرآن، وفهمه ومعرفة معانيه. وفي هذا طرائق وأساليب ومهارات، وأهمها (الإخلاص في الحفظ، والصدق على ذلك)
_ حفظ السنة، وشرحها. مراعية التدرج المفيد لطالب العلم.
_ حفظ الأشعار الدّالة على معنى نفيس، والمؤيدة له (الشواهد) وما يلحقها من أمثال نافعة. تنفع في الاستشهاد بها في الكلمات والمحاضرات والخطب.
_ حفظ قالات العلماء النفيسة، ذات الدلالات الصحيحة الواضحة.
ورحم الله الرَّحبي حين قال في منظومته (الرَّحبية في الفرائض):
فاحفظ؛ فكل حافظ إمام
والثالثة: (مع شدَّة استحضار له وقت إقامة الدليل)
وإذا كان للحفظ أثر كبير، ومنفعة عظيمة؛ فإنَّ أعظم ثمار هذا الحفظ، أن يقدر طالب العلم على استحضار الأدلة وقت الحاجة.
وهذا ما تميز به الشيخ الأعجوبة ابن تيمية رحمه الله تعالى.
وهذه ميزة ينبغي أن تكون ظاهرة عند طلبة العلم، و تحصل هذه الميزة بجملة من الأمور:
1. كثرة المطالعة في كتب الأدلة؛ كالمنتقى، (والبلوغ، وهو وصية سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله)
2. حفظ المسألة بدليلها. فمتى ما استظهرت المسألة، اقترن دليلها معها، وهذا نافع أيما نفع، ومن جرب عرف معنى ذلك.
فمن لم يُجؤِّب ليس يعرف قدره * * * فجرِّب تجد تصديق ما ذكرناه.
3. تمرين الذهن بعرض المسائل بينه وبين نفسه، أي: إنْ عرضت له مسألة لنفسه؛ فلا يخلص مباشرة للحكم (يجوز، لا يجوز ... ) لا، بل ليجري مناظرة بينه وبين نفسه في خاطره بعرض الأدلة ومناقشتها، وكدِّ الخاطر في استدعاء الأدلة؛ ففي هذا المِران، تعويد الذهن على هذا، ومراجعة أصول المسائل بأدلتها، ومتى ما فعلت؛ فقلَّ أن تخونك الأدلة وقت حاجتك إليها.
ولذا؛ فلا تعجب من أن يبيت الشافعي، وقبله أبو حنيفة رحمهم الله في تأمل مسألة، هي من قبيل هذا النوع من المران والعصف الذهني!
4. والأخير، والأولى أن يكون مقدماً؛ الإخلاص والصدق مع الله في الطلب. وهذا أعجوبة العجائب.
هذا ما سنح البال، والله سبحانه أعلم وأحكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو العالية]ــــــــ[10 Jun 2007, 05:34 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
نسيت أن أذكر في خاتمة ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنفس الكتب التي ترجمت له، وعنيت بسيرته، وهو كتاب:
(الجامعُ لسيرةِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة خِلالِ سَبعةِ قُرونٍ)
تصنيف وجمع وإعداد
الشيخ محمد عزيز شمس والشيخ علي بن محمد العمران
وبتقديم فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد
تفضل: حمِّله الآن من هنا! ( http://www.waqfeya.com/open.php?cat=17&book=1225)
وإلى نكتٍ مع عالم آخر.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[11 Jun 2007, 06:43 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
8_ (63) أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس، أبو جعفر النّحاس المعروف بابن المُرَادي، المصري النحوي حمه الله (ت 338هـ)
1_ الحياء لا يمنع من العلم:
قال الداودي رحمه الله عنه فيما نقله عن الزُّبيدي: (وكان واسع العلم، غزير الرواية، وكان لا يتكبَّر أن يسأل الفقهاء وأهل النَّظرِ، ويُناقشهم عمَّا أشكل عليه في تأليفاته) (1/ 69)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه نكتة من نفائس النُّكت، بل من أجودها.
فإن الذي يجب أن يتحلَّى به كل طالب علم؛ أن يكون هذا دأبه في كافة مسائل العلم؛ فالعلم مفاوز، ومراحل، وأشبار، وصعوبات؛ فمن ظن أنه استغنى بما عنده من العلم، أو الفهم، او التحصيل؛ فقد ركب مركب الجهل والصَّفاقة.
فالعلم لا يُشبع منه؛ نيلاً، ونهلاً، ومدارسة، ومذاكرة، ومراجعة، ومناقشة، وكافة لوازم إثباته وتجويده.
أقضى بياض نهاري في الدروسِ وسل * * * يا أيها الشمسُ نجم الليل عن سهري
ألا إنَّ من أفسد الأخلاق على رحلة العلم، وأخطر الأدواء على القلب؛ خطر الكِبْر؛ والاستحياء المذموم؛ فالكِبْر يمنعه من أن يذلَّ بين يدي العالِم، ولو كان عالماً، أو سلطاناً، أو ذا جاهٍ.
لن أخرق الأرض أو أرقى الجبال عُلىً * * * فإنما قيمة الإنسان بالفِكَرِ
والاستحياء، يمنعه من السؤال عن المُشْكِل؛ بزعمه حياءً!!
وما أحلى قول أمي وأمك الصدِّيقة عائشة رضي الله عنها: «رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن»
إن من الجهل أن يظن المرء أن في سؤاله لأهل العلم _ ولو كان عالماً _ منقصة؛ فذا لا ينال العلم، وقد جاء عن أبي العالية _ رُفيع بن مهران _ رحمه الله أنه قال: (لَا يَتَعَلَّمُ مُسْتَحٍ و لَا مُتَكَبِّر) كما في الحلية لأبي نُعيم رحمه الله.
فمن رام العلم؛ فليجعل مع قراءته كُنَّاشاً للمشكلات؛ فمتى ما توفرت فرصة للقاء عالم أو شيخ، سارع للسؤال؛ فاستفاد وأفاد.
غير أنه أشكل علي قوله: (ويُناقشهم عمَّا أشكل عليه في تأليفاته) وقلت كيف يستشكل ما في تأليفاته، وكتبه؟ وإذا كان قد استشكلها؛ فلم أثبتها؟
ومعلوم أن الذي يؤلِّف يودع في كتابه ما يراه صحيحاً؛ فبحثتُ هنا وهناك؛ لعلني أجد شرح ما أغلق في كتاب آخر؛ فلم أجد في بحثي!
فقلتُ: قد يكون تصحيفاً، ولكن تواطأت المصنَّفات على القول (بتأليفاته) وتارة (مصنَّفاته) فاندفعت شبهة التصحيف.
فلم يبق لي إلا أن أقول:
هذا من قبيل أن يكون قد أثبت أحسن ما عنده، ثم ناقشه غيره فيه؛ فبان وجه الاستشكال بعد أن كان خافياً؛ فجعل يستوثق أكثر وأكثر في ذلك كلما لاحت له فرصة في لقاء فقيه أو عالم؛ فيعمد بعد ذلك للتصحيح والتحرير.
أو أن هذه الاشكالات كانت أثناء تبييض المؤلَّفات؛ فقد يعرض له دليل يعارض ما ذهب إليه في تصنيفه؛ فيسأل أهل الفقه والنظر في الجواب عنه.
هذا ما ظهر لي.
فمن ظهر له توجيه غير هذا؛ فلْيَجُدْ به على أخيه.
والله أعلم وأحكم
وإلى ترجمة اخرى إن شاء الله.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[12 Jun 2007, 11:32 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
9_ (89) أحمد بن يحيى بن زيد بن سيَّار الشيباني، الإمام العلامة المحدِّث شيخ اللغة والعربية، أبو العباس ثعلب (200 _ 291هـ)
1_ زاد العالم في الفُتْيا (فكيف بطالب العلم؟):
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقال أبو عمر الزاهد:
سُئِل ثعلب عن شيءٍ؛ فقال: لا أدري.
فقيل له: أتقول (لا أدري) وإليك تُضربُ أكباد الإبل من كل بلد؟!
فقال: لو كان لأمِّك بعدد ما لا أدري بَعْرٌ لاستغنت.) (1/ 98)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه نكتة جليلة القدر، عظيمة الخطْر.
وهذا هو نهج العلماء الربانيِّين من عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فقلي بربك: فأي درس نستفيده إن خرجت من إمام العربية وشيخها.
لله درُّه رحمه الله.
يقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: ((ومن أعظم ما يجب على المُعَلِّمين: أن يقولوا لما لا يعلمونه: ((الله أعلم)) وليس هذا بناقصٍ لأقدارهم، بل هذا مما يزيد قدرهم، ويُستدلُّ به كمال دينهم، وتحرِّيهم الصواب. وفي توقفه عمَّا لا يعلم فوائد كثيرة:
منها: أن هذا هو الواجب عليه.
ومنها: أنه إذا توقف وقال: الله أعلم، فما أسرع ما يأتيه علم ذلك من مراجعته أو مراجعة غيره؛ فإنَّ المتعلم إذا رأى معلمه قد توقف؛ جدَّ واجتهد في تحصيل علمها وإتحاف المعلم بها، فما أحسن هذا الأثر.
ومنها: إذا توقف فيما لا يعلم؛ كان دليلاً على ثقته وأمانته وإتقانه فيما يجزم به من المسائل، كما أن من عُرف منه الإقدام على الكلام فيما لا يعلم؛ كان ذلك داعياً للرَّيب في كل ما يتكلم به، حتى في الأمور الواضحة.
ومنها: أن المعلم إذا رأى منه المتعلمون التوقف فيما لا يعلم؛ كان ذلك تعليماً لهم وإرشاداً لهذه الطريقة الحسنة، والاقتداء بالأقوال والأعمال أبلغ من الاقتداء بالأقوال))
[الفتاوى السعدية ص (628 - 629)
ورحم الله العلاّمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فقد كان كثيراً ما يمتثل قول القائل:
إذا ما قتلتَ الشيء علماً فقل به * * * ولا تقلِ الشيءَ الذي أنتَ جاهلُهْ
فمَنْ كان يهوى أن يُرى متصدراً * * * ويكره ((لا أدري)) أُصِبتْ مقاتلُهْ
العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1/ 53).
والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[موتمباي رجب مسامبا]ــــــــ[12 Jun 2007, 04:11 م]ـ
فمَنْ كان يهوى أن يُرى متصدراً * * * ويكره ((لا أدري)) أُصِبتْ مقاتلُهْ [/ align][/color]
[/QUOTE]
جزاك الله خيرا على هذه الكلمات الطيبات، و هي كلها تدخل فيما يعرف في علم التربية: بالتعلم عن طريق القدوة
الصواب في البيت السابق: أُصِيْبَتْ مَقَاتِلُهْ؛ حتى يستقيم الوزن.
وبعد: فإن الكلام في " لا أدري " لا ينتهي، و قد أفاض أهل العلم فيها، فانظر في ذلك جامع بيان العلم و فضله للحافظ النَّمَري، إن الكلام العلامة السعدي عن فوائد قول " لا أدري " كلام نفيس جدا، و أضيف إليها ما ذكره العلامة أبو غدة في تعليقاته على رسالة الحارث المحاسبي - نقلا- عن بعض العلماء - من أن قول " لا أدري " يكسر من شوكة النفس؛ لأنها شديدة و صعبة عليها، و النفس لا تتحمل الأمور الشاقة
ـ[أبو العالية]ــــــــ[12 Jun 2007, 05:08 م]ـ
الحمد لله، وبعد.
أحسنت يا شيخ رجب.
والخطأ مني في النقل، جزاك الله خيراً.
وننتظر روائع النكت منك.
ـ[النجدية]ــــــــ[16 Jun 2007, 08:15 م]ـ
بداية أسأل الله العظيم ان يجعل هذا الملتقى منبراً يهتدي به الخلق، و أن يتقبلني الأساتذة الكرام، طالبة علم تتطفل على موائدهم الثرية بالفوائد.!
و هذه أول مشاركة لي؛ أستفسر فيها عن الفوائد التي تنبع من هذه الناحية من الملتقى،
فأين غابت عنا فوائدكم السامية، يا شيخنا (أبو العالية)؟
ـ[أبو العالية]ــــــــ[17 Jun 2007, 11:27 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
10_ (91) أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين، الإمام العلامة الزاهد الكبير موفق الدين أبو العباس الموصلي الكوَاشي الشيباني الشافعي (591_ 680هـ)
1_ عناية العالم بأحوال القلوب له ولتلاميذه:
قال الداودي رحمه الله عنه: (قال الشيخ تقي الدين أبو بكر المقصَّاتي:
قرأتُ على الشيخ موفق الدين تفسيره؛ فلما بلغتُ إلى (والفجر) منعني من إتمام الكتاب، وقال أنا أجيزه لك، ولا تقول قرأته كله على المصنِّف؛ يعني أن للنفس في ذلك حظاً) (1/ 101)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
يا لله ما أروع هذه النكتة السامية! ويُستفاد منها ما يلي:
أولاً: قوله (ولا تقول قرأته كلَّه على المصنِّف) فهذه فائدة غاية في النَّفاسة، وتظهر في أبواب:
أولاً: باب الإجازة وأحوال المجيزين اليوم.
فإنَّ من أعجب الأمور عند طلبة العلم المعتنين بالإجازات! حرصهم الشديد عليها، والتفاخر بها، وهذا عمل حسن جداً فيما لو عرف المرء قيمة هذه الإجازات، وهَيْبتها، ومقدار شرفها الذي تحمَّله؛ والأهم من هذا كله؛ ما يجب عليه أن يمتثله في سلوكه، وسمته، وهديه، وجميع شؤون حياته؛ ليكون أهلاً لهذه الإجازة التي تلقَّاها عن شيوخه؛ فيكون قراناً يمشى على وجه الأرض، كما كال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرعيل الأول.
ولكن يطالعنا اليوم ممن ينادي بنفسه بكثرة الإجازات والإهالات، ولكن دونما عملٍ، أو تحقيقٍ لمقصودها، أو التأسِّي بما تنادي به مما يجب عليه أن يكون عليه حامل هذه الإجازة من العلم، والتقوى، والصلاح، والخلق الحسن؛ فتعجب من سوء صنيع كثير ممن حمل هذه الإجازات.
ونظرة سريعة لمن يفاخر أنه قد أجازة الشيخ المقرئ في قراءة كذا.
أو من أجازه في كتاب معين أو قل (سلسلة كتب يقرأ أولها فقط!!!) ويجيزه في البقية دونما عرضه أو تحقيق لضبطه، وما يتبع ذلك.
وأصبحت القضية جمع الكثير منها، والمباهاة فيها؛ فخرجت عن مقصدها الشريف، وهدفها النبيل من دلالة على العلم، والضبط، والإتقان، وأصحبت _ والحق فيها _ أنها لا تغني ولا تُسمن من جوع، ومن حرص عليها؛ فكما يقال (للبركة!) (في الغالب!!)
وعليه؛ فلا تعجب أن تجد من المجازين، من ليس بضابطٍ، ولا متقنٍ، وهذه من المشكلات حقيقة؛ فلن يُمَيَّز الضابط من غيره، إن عُلِّق الأمر بالشهادات، دون التلاوات. والله المستعان.
غير أني أقول:
أنه مما ينبغي على المُجيِِِزِين، أن يعتنوا بطالب الإجازة، وأن يُفَرِّغوا له الوقت المناسب، الذي به يتحقق معرفة قدر ضبط الطالب من عدمه.
وكنت قديماً أحرص في الإجازة عل شيخ _ هو في محلَّتنا _ من أعلى القُرَّاء سنداً، واشترطتُ أن أقرأ تفسيراً معها.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولكن ما دفعني لترك ذلك، ما لحظته من أمورٍ غريبة، أبرزها:
أن الإجازة بالتلاوة تكون في الطريق، وعند الإشارة، وفي سيارة الأجرة، وفي السوق!!
وكنت أقول للشيخ: يا شيخ أنا لا أرغب بالإجازة بهذه الطريقة!
فقال: استغلالاً للوقت.
فقلت: يا شيخ، أي استغلال هذا الذي يجعلني مشوش الفكر، ولا يجعلك مُتيقِّظ لي ولقراءتي! فالعبرة الضبط والإتقان، وبصراحة لا أحرص على غيره.
فكان أن قال: هذا ما عندي، ولا وقت لدي! والطلاب كُثُر، وكلهم يقرأ على هذه الطريقة.
فشكرتُه، وسلمت عليه، وقلت أما أنا فلا حاجة لي بإجازة كهذه!
هذه صورة من الصور المحزنة للأسف.
نعم إن الإجازة مسلك محمود، ولكن ليكن بأصوله، وضوابطه، وعلى منهاج العلماء الربانيين؛ الذين يعرفون للقرآن هيبته ومكانته، وكيفيَّة تلقِّيْهِ، نسأل الله العليَّ من فضله.
ثانياً: باب الإجازة في الكتب:من العجب أن تجد بعض الشيوخ اليوم في الحديث خاصة، يقرأ عليه الطالب طليعة الكتاب من أحاديث قليلة لا تجاوز أصابع اليد الواحدة، وتجده يقول لك: الشيخ المحدِّث المسند أجازني في الكتب الستة، والتسعة، والطبراني (الثلاثة) ويحشد لك حشداً من كتب السنة، لو أجهد نفسه في قراءاتها منذ ولد لما بلغ نصفها؛ فضلاً على أن يختمها؛ فضلاً على أن يختمها عند هذا الشيخ الوقور!
والعجب لو سألته عن حديث في الأبواب الأولى، ربما لم يقدر على قراءته صحيحاً فضلاً عن أن يعرفه!!
فبالله عليكم، أهذا يستحق أن ينال إجازة!! الله المستعان
وثانياً: في قوله: (يعني أن للنفس في ذلك حَظاً)
فهي من أعز النُّكت في مراعاة قلب التلميذ، من حب الثناء، والشرف به، والمفاخرة على الأقران، ولمَّا كان خوف الشيخ على تلميذه من الوقوع في ما لا تُحمَد عقباه (من مأثمٍ، أو خشية تدليسٍ) جاء بالنُّصح له في عدم التحديث بالختم عليه.
وهي وإن كانت كالشرح للجملة السابقة، إلا أن فيها مزيد فائدة من أنه ربما بهذا الأثر على النَّفس قد يصيب منها مقتلاً؛ وحينها يصعب الفكاك منه، والنُّكات السود على القلب خطرها جسيم، وداء القلب إن تناساه المرء خلَّف أضراراً كبيرة.
أسأل الله لي ولكم الوقاية من ذلك، وأن يقينا وإياكم مفسدات القلوب.
إنه سبحانه خير مسؤول
هذا ما سنح الآن في البال، والله أعلم
ـ[أبو العالية]ــــــــ[19 Jun 2007, 10:55 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
11_ (103) إسماعيل بن عمر بن كثير، الحافظ عماد الدين، أبو الفداء (591_ 680هـ)
المفسِّر المشهور صاحب (تفسير القرآن العظيم)
1_أهمية حفظ المتون لنيل الفنون:
قال الداودي رحمه الله عنه: (أخذ الكثير عن ابن تيمية، وقرأ الأصول على الأصفهاني، وسمع الكثير، وأقبل على حفظ المتون، ومعرفة الأسانيد، والعِلل، والرجال، والتاريخ، حتى برع في ذلك وهو شاب) (1/ 112)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
ينبغي لطالب العلم أن يعتني بالحفظ أيما عناية، في كل الفنون، ومتى ما أحكم في كل فنٍِّّ متناً أو أكثر، وضبطه حفظاً وفهماً، قَدِر على تكوين الملكة التصورية الكاملة في ذهنه لأيِّ فنِّ من هذه الفنون.
ولكم قال أهل العلم قديماً، وتلقيناه عن شيوخنا أثناء الطلب، ولا زالوا يكررونه لنا: (من حفظ الأصول مُنِح الوصول)
ولذا فلا عجب من الشيخ أبي الفداء رحمه الله أن يبرز في العلوم لشدة عنايته بالمتون وحفظها؛ حتى قال عنه الحافظ شهاب الدين بن حِجي: (كان أحفظ
من أدركناه لمتون الحديث، وأعرفهم بتخريجها، ورجالها، وصحيحها، وسقيمها، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك) أهـ
وأيضاً: هذا الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، حين صنَّف كتابه الفريد (بلوغ المرام في أدلة الأحكام) قال في مقدمته مشيراً إلى فائدة الحفظ:
(وحرَّرتُه تحريراً بالغاً؛ ليصير من يحفظه من بين أقرانه نابغاً)
إذن الحفظ مرقاة من مراقي النبوغ والفلاح؛ فلا ينبغي بطالب العلم التقصير فيه ألبتة.
وهنا أنصح بالعناية في معرفة المتون وضبطها، بكتابين:
(يُتْبَعُ)
(/)
الأول: الدليل إلى المتون العلمية، للشيخ القاسم فهو نفيس جداً. و يُضفي على معرفة الطالب علماً جمَّاً، وكتب مقدمة نافعة في أهمية المتون والعناية بها، وأوقات الحفظ، وما يعين عليه، وبعض النفائس التي يفتقر إليها كل من رغب في العلم.
والثاني: جامع المتون العلمية، للشيخ الشمراني؛ فقد ضبط المتون ضبطاً جيداً، وأراه من أفضل الموجود؛ اعتماداً على أنقح الطبعات وبعض المخطوطات.
وأهيب بالإخوة الفضلاء، العناية بالمتون المختصَّة بالتفسير وعلوم القرآن، سيَّما مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (طبعة د. زرزور أضبطها) فمن حفظها واعتنى بها ستسهل عليه كثيراًمن مسائل هذا الفن.
ومنظومة الزمزمي، ثم منظومة الشيخ المتفنن خطيب الحرم الشيخ سعود الشريم؛ والأخيرة رائعة جزلة لطيفة.
ولو أضاف بعض الأبيات هنا وهناك في أبواب معينة مثلاً من علوم القرآن أو قواعد التفسير لكان حسناً، مثل الأبيات التي صاغها السيوطي في آيات النسخ (وشرحها الشيخ الشنقيطي رحمه الله) أو بعض أبيات في سور القرآن مثلاُ (كمنظومة الترتيب) أو في موافقات عمر
والشواهد كثيرة جداً (خاصة في كتب التراجم)، فإن تمكَّن طالب التفسير منها، ظهرت ملامح البروز والتميز في سيرته إن شاء الله. والموفق من وفقه ربه.
2_أهمية العناية باللقاءات والحرص على الاستفادة منها:
قال الداودي رحمه الله عنه متمماً كلام الحافظ شهاب الدين السابق: (ويشارك في العربية مشاركة جيدة، وينظم الشعر، وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدتُ منه) (1/ 113)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه لفتة طيِّبة موفقة؛ فيها فائدتان:
الأولى: الحرص الشديد على الاعتناء بلقاء العلماء، والتفنُّنِ في اقتناص الفوائد، وهذا يحتاج إلى ذِهْن متفتِّحٍ، وفراسة قوية، وحُسْن إدراكٍ، وقبل هذا كلّه، الرغبة في الفائدة؛ فطالب العلم يستفيد من العالم في كل شيء، في جلوسه، وقيامه، ومشيته، ونظره، ووقوفه، وكلامه، ودعابته، ومزاحه، ولو كان في غير العلم؛ فثمة فوائد لطيفة تنبع من وراء ذلك، لمن أحسن النظر، وأجال الفِكَر، وهو بهذ يتحاج لمنقاشٍ صحيح، يُحسِن به إبراز النكتة، ويجيد وضعها في المكان المناسب من النَّفس للتَّأسي بذلك.
ولقد ضرب أهل الحديث في هذا الشان روائع وعجائب؛ فكان أحدهم يكتب كل شيءٍ عن شيخه في حلِّه وترحاله! وقد يعيب عليهم من أقرانهم من ليس بنابهٍ مثلهم! بيد أنهم قد فُوفِّقُوا لذلك وانتفعوا به، وأحسنوا توظيف الفوائد في سلوكهم، وحياتهم، ومعاشهم؛ فرحمهم الله تعالى.
ورزقنا فهماً كحسن فهم، وحرصاً كحرصهم، وصلاحاً كصلاحهم.
الثانية: مما يجب على طالب العلم، الحريص على وقته، أن يستغل مثل هذه اللقاءات، لا أن تكون خالية من الفائدة، والعلم، وتبادل المعرفة؛ فهذا يُضَيِّع كثيراً من الوقت (وكم ضيعنا كثيراً نسأل الله السلامة والعافية والمغفرة)، وسيسأل عنه يوم القيامة. فالله الله في اللقاءات معاشر المفسرين.
وقد كنتُ أسمع عن الشيخ العلامة الدكتور بكر أبو زيد أمده الله بالعافية، موقفاً عجباً، أثَّر ذلك علىَّ كثيراً؛ فحين زاره بعض الإحبَّة للقائه والجلوس معه، يخبرني أحدهم فيقول:
جلسنا مع الشيخ وكان كلامنا:
كيف حال الشيخ؟
وعلوم الشيخ؟
ونحبك في الله يا شيخ.
وأخبار الشيخ؟
ولا أسئلة عندنا!!)
فلمَّا طال الجلوس بلا مسائل علمية يقول صاحبي:
فقال الشيخ: هل عندكم أسئلة، أو مسائل في العلم؛ فننتفع، وإلا فهناك ما يشغلني من العلم، وبعض الأمور بحاجة لإتمام.
يقول صاحبي: فتقطَّعنا حياءً، واعتذرنا من الشيخ وسلمنا عليه، وانصرفنا. أهـ
فما زالتُ أنتفع بهذا الموقف من سنين؛ فجزى الله الشيخ الذي بمثل هذا الحرص أخرج لنا درراً نافعة طيبة، كانت ثمرة لجرد مطولات لا تكون إلا بالحرص على الأوقات.
وجزى الله صاحبي فقد استفدتُ منه درساً طيباً.
فاللهَ أسألُ أن يجعل أعمالنا صالحة في رضاه، وأن يجعل لقاءنا في مرضاته، إن خير مسؤول، وهو بكل كفيل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وأقف بهذه الترجمة؛ لحين العودة من السفر إن شاء الله
فنستودع الله أهل الملتقى الأخيار الذي لا تضيع ودائعه.
ـ[أحمد العاني]ــــــــ[22 Jun 2007, 05:27 م]ـ
جزاكم الله تعالى خيرًا أخي المبارك، فوائد عذاب أسأل الله تعالى أن ينفع بها جامعها و قارئها.
ـ[النجدية]ــــــــ[27 Jun 2007, 09:16 ص]ـ
أستاذنا الفاضل ...
إن ما حفظناه و تعلمناه عن تاريخ ولادة العلامة (ابن كثير)، أنها كانت سنة (700ه)، و وفاته سنة (774ه)! - والله أعلم -
سؤالنا: هل ما قيدتموه من أن حياته كانت بين (591 - 680ه)، هي الأصح الراجح؟ أم أن هناك خطأ مطبعيا؟
أفيدونا ... جزيتم خيرا
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو العالية]ــــــــ[03 Jul 2007, 06:35 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
أحسنت أيتها الفاضلة، وجزيت خيراً.
ما دُوِّن كان سهواً مني، والتصحيح كما يقول صاحب الترجمة
11_ (103) إسماعيل بن عمر بن كثير، الحافظ عماد الدين، أبو الفداء (701_ 774هـ)
ـ[أبو العالية]ــــــــ[07 Jul 2007, 03:29 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
12_ (127) الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل، الحافظ العلامة المقرئ، شيخ الإسلام؛ أبو العلاء الهَمَذَاني العطَّار (483 _ 569هـ)
1_توضيح غريب، معنى (الدَّرْج):
قال الداودي رحمه الله عن أحد تلاميذه يحكي سعة علمه: (ولقد كان يوماً في مجلسه، فجاءته فتوى في عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فكتب من حفظه ونحن جلوسٌ دَرْجَاً طويلاً في أخباره) (1/ 133)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
والمراد بالدَّرْج: تارة يطلق على الكتب عامة، وتارة يطلق على ما يوضع فيها الأشياء كحقيبة مخصصة لورق وغيرها، وتارة يُقيَّد بالورق بالمستطيل مخالفاً لوصف الكتاب العام، وهو الصحيح؛ وهذا مصطلح معروف عند المحدثين.
يقول القَلْقَشَنْدِي في صبح الأعشى (1/ 138 ط: دار الكتب المصرية 1340هـ)
(والمراد بالدَّرْج في العرف العام: الورق المستطيل المركَّب من عدَّة أوصال، وهو في عُرف الزمان عبارة عن عشرين وصلاً متلاصقة لا غير.
قال ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب: وهو في الأصل اسم للفعل أخذاً من درجت الكتاب أُدْرِجه دَرْجاً، إذا أسرعت طيِّه، وأدرجته إدراجاً؛ فهو مُدرج إذا أعدته على مطاويه) أهـ.
2_ من آداب نيل العلم (الآداب الخارجية) وربانية العالِم:
قال الداودي رحمه الله عن أبي الفضل الأديب: (رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد؛ يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عالياً؛ فعُظِّم بعد ذلك شأنه في القلوب، حتى إنه كان يمرُّ في همَذان؛ فلا يبقى أحدٌ رآه إلا وقام ودعا له حتى الصبيان واليهود!!
وربَّما كان يمضي إلى بلدة مُشْكَان؛ فيصلي بها الجمعة؛ فيتلقَّاه أهلا خارج البلد؛ المسلمون على حدة، واليهود على حدة!! يدعون له إلى أن يدخل البلد))
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لله درُّه رحمه الله؛ ففي هذا النص جملة من الفوائد:
الأولى: يكتب وهو قائم.
وهذه همَّة عالية منه رحمه الله؛ فلا غرو فهو أبو العلاء، وله من اسمه نصيب.
وهذا يُعَدُّ اليوم من آداب الطلب الخارجية؛ أعني تهيئة المكان المناسب للطلب، ومن جملة ذلك تهيئة الإنارة المناسبة الكافية؛ ذلكم حتى لا يُرْهق العين ويجهدها في حال إخفات الضوء أو ضموره.
وهذه من جملة الأداب في الطلب.
أيضاً: نكتة اخرى، وهي مدعاة للضبط، والتحقيق والتنقيح في الكتابة، والأمانة فيها وعدم القصور في الضبط، ولو أدَّى ذلك إلى تعب الجسد؛ فالعلم لا يستطاع براحة الجسد؛ ولأجل إخلاصه وصدقه في نيل العلم، جعل الله له لسان صدق في حياته وبعد مماته؛ فعظَّمتْهُ القلوب، الأحباب والخصوم؛ فجزاه الله خيراً
الثانية: عجب اليهود منه والدعاء له:
وهذه عجيبة غريبة؛ فإن ملة من أسوء الملل وأشدها خبثاً وأكثرها حقداً على المسلمين، يكون منها هذا! لهي دلالة على ربانية هذا العالم العامل الذي أثر عِلْمه، وعَمَلُه، وهَدْيه، وسَمْته في أعداء الإسلام، ليس هذا فحسب، بل إن تمسكه بالسنة في سائر حياته، والدَّرج على هدي الإسلام في عمره ومعاشه هو ما حمل اليهود على حبه والدعاء له.
بل حتى الفرق الضالة (كالمعتزلة) وهم أهل خوارزم يقول المصنِّف عنهم:
(تألَّفت القلوب على محبته، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم؛ الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبيلة!)
ألا فأين العلماء من الاقتداء بمثل هذا العالم العامل الناصح حسن الخلق.
والله إن مثل هذه السيِّر لنادرة، وينبغي لطالب العلم أن يعتني برجالات الملة الذين هذا حالهم؛ فهم مفخرة للإسلام وأهله، وفي سيرهم ومناقبهم ما يروق لكل مؤمن من عجائب الأحوال، وروائع الخِلال.
الثالثة: يدعون له إلى أن يدخل البلد.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن العالم الرباني إذا دخل قرية استبشر أهلها بذلك؛ لِمَا يُجري الله من الخير والرزق لأهل تلك المحلَّه لنزول العالم فيها، وذلك لكرامة العلماء على ربهم، ومن هنا فلا تعجب إن مرَّ عليك مثل هذه القصص، كل ذلك رجاء بركة العالم وخيره على أهل البلد، سواء كان بالعلم او بالرزق الذي يمنحه الله لهم، ولذا كانت من حِكَم استغفار النملة والحيتان والدواب للعلماء لما يجري الله الخير والرزق عليهم بسببهم.
وفي الختام؛ فإني أنصح الأحبة في النظر في سيرة أبي العلاء الهمَذَاني ففيها نفائس وفوائد جليلة.
جعلنا الله وإياكم ممن يقتدي بالعلماء الربانيين العاملين الناصحين.
والله أعلم.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[12 Jul 2007, 12:40 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
13_ (141) الحسن بن محمد بن عبد الله، شرف الدين الطِّيْبِي (ت 743هـ)
1_آية في الاستنباط:
قال الداودي عنه فيما نقله عن الحافظ ابن حجر رحمهم الله: (كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن) (1/ 146)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
فيه إشارة إلى أهمية استفراغ الوُسْع، وكدِّ الخاطر، وجهد العلم في استنباط الدُّرر والمسائل من كتاب الله تعالى.
وهذا الأمر له شروط وأسباب، ومن أعظمها:
1_ (ترك الذنوب ما استطاع) وتكفيك قصة الإمام الشافعي رحمه الله ونظمه: (شكوت إلى وكيع سوء حفظي .. )
2_ الدعاء بأن يفتح الله عليك، ولقد كان الشيخ الأعجوبة ابن تيمية رحمه الله يضع خده على التراب ويقول: (اللهم يا مُعلِّم إبراهيم عَلِّمنِي، ويا مُفَهِّم سليمان فهَّمنِي) فيفتح الله عليه جُمَلاً من الفتوح وهو الفتَّاح العليم.
3_ الإخلاص والصدق مع الله لنفع النفس أولاً، وللأمَّة ثانياً، وقد قال ابن الجوزي رحمه الله: (إنمَّا يتعثَّر من لَمْ يُخْلِص)
4_ التَّحصيل والإلمام بقواعد الاستنباط المنثورة في طَيَّات الكتب، ويمكن الرجوع للتالي:
أ. الإكليل لاستنباط التنزيل للسيوطي رحمه الله (واقتنِ طبعة دار الأندلس الخضراء (رسالة علمية) فقد اعتنى بها المحقق وفقه الله أيَّما اعتناء، وفهرس في الخاتمة فهارس جيدة) وهذا الكتاب يُعين على معرفة كيفية الاستنباط بالأمثلة.
2 _ قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله. فيه نفائس عالية، ولو هُذِّب واختصر لخرج بأبسط وأيسر مما خرج.
3_ (يترقب) رسالة الشيخ فهد الوهبي وفقه الله الموسومة بـ: (منهج الاستنباط من القرآن الكريم) وستطبع في معهد الإمام الشاطبي بجدة؛ فيسَّر الله لها ذلك.
2_أخلاق عالية:
قال الداودي رحمه الله عنه: (ملازماً لأشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع، بل يخدمهم ويعينهم، ويُعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم، مَنْ يَعْرِف ومَنْ لا يَعْرِف) (1/ 146)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
مِنْ أجمل ما تراه العين، أن تَنْعم بالعالِم العامل ذي الخلق الحسن.
ويَنْعم النَّظرُ أكثر حين تجد الشيخ كبير القدْر، عظيم العلم؛ جميل التواضع، حسن الأخلاق، سهل المنال، يسير المطلب، مِعْواناً، باذلاً لطلاَّب العلم ما يُقرِّبُهم نحو الله، من العلم، والنصح، بل حتَّى النفقة لو تطلَّب ذلك.
كم يفرح طالب العلم حين يجد أهل العلم على هذه السِّمَة الطيِّبة؛ فلا حرمنا الله منها، ونسأله المزيد من فضله الكريم.
إن مثل هذه المواقف لتُؤثر في نفس التلميذ أيَّما تأثير، وتُحبِّبُه بالعلم وأهله، وقد كان من حال شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الباب ما يُذهل العقل، خاصة مع خصومه؛ فرحمه الله رحمة واسعة وبرَّد ضجيعه.
فهذه دعوة لسماحة الخُلق، ولين الجانب، وبذل النفس، وخدمة الإخوان، وقبل هذه كلِّه إخلاص العمل له سبحانه، والموفَّق من وفقه ربه.
3_ حاشيته على الكشَّاف:
قال الداودي رحمه الله عنه: (شرح (الكَشَّاف) شرحاً حسناً كبيراً) (1/ 147)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
أما شرحه هذا؛ فهو حاشيته المسمَّاة: (فُتُوحُ الغَيْبِ في الكَشْفِ عن قِنَاعِ الرَّيْب)
وهي حاشية نفيسة، غدت أميز وأنفس الشروح على الكشاف.
ولا تعجب فلها سِرٌّ مليح، وقصةٌ لطيفة!
(يُتْبَعُ)
(/)
فقد ذكر الداودي رحمه الله عنه: (أنه قُبَيل الشروع في هذا الشرح، رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النَّوم، وقد ناوله قدَحاً من اللبن؛ فشرب منه) (1/ 147) وقارن ذلك مع قصة عمر تُدرك أن الله قد فتح عليه حظاً وافراً.
تنويه: اللبن في المنام ليس بِمُطَّردٍ على الدوام في ذلك، و رُؤَى كل إنسان تختلف عن غيره؛ لمناسبة أمره، وهذا يعرفه المُعبِّرون. فنسأل الله الكريم من فضله
وانظر هنا زادك الله علماً وعملاً صالحاً عن (فُتُوحُ الغَيْبِ) ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=6115&highlight=%C7%E1%D8%ED%C8%ED)
4_ الجَلد في التَّعْلِيم وحُسْن خاتمةٍ في انتظار الصَّلاة:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وعقد مجلساً لقراءة صحيح البخاري، وكان يشتغلُ في التفسير من الشروق إلى الزوال، ومن ثَمَّ إلى العصر في البخاري إلى يوم مات.
فإنه فرغ من وظيفة التفسير، وتوجَّه إلى مجلس الحديث؛ فصلَّى النافلة، وجلس ينتظر الإقامة للفريضة؛ فقضى نحبه، متوجِّهاً إلى القِبلة) (1/ 147)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهنا جملة من الفوائد:
الأولى: النَّفس الطويل في التعليم والمدارسة.
وهذا لا زال معمولاً به عند كبار أهل العلم يبدؤون من الفجر وحتى الزوال أو قبيل الزوال، يتناولون جملة من العلوم والفنون، ومن هؤلاء شيخنا العلامة الدكتور عبد الله بن جبرين حفظه الله؛ فقد حضرتُ بضعة أيام عنده متفرقات وكان يشرح في العقيدة، والتفسير، والنحو، والمصطلح، والفقه، والحديث، وكتب شيخ الإسلام، والشيخ حفظه الله يُعَلِّق على ما يُقرأ.
وحدثني شيخنا العلامة أ. د عمر الأشقر حفظه الله عن دروس سماحة الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله التي حضرها؛ بمثل هذا، وكان أكثر مدة ربما تصل إلى الظهر، وكان أعجوبة في الحفظ الاستظهار، فرحمه الله تعالى.
ومن أعجب ما قرأتُ في الْجَلَدِ على القراءة في التفسير والعناية به، ما قاله الشيخ ابن حميد في ترجمته للشيخ عبد الله بن فائز أبا الخيل _ المتَوَفَّى سنة (1251) أحد علماء نجد _:
(وله مدارسة في القرآن العظيم مع جماعة في جميع ليالي السنة، ويقرءون إلى نحو نصف الليل عشرة أجزاء وأكثر.
وأعرف مرة أنهم شرعوا من سورة الفرقان بعد العشاء وختموا! وكنتُ أحضر وأنا ابن عشر مع بعض أقاربي فيبلغني النوم؛ فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعر، وكان مع القراءة يراجع «تفسير البغوي» والبيضاوي كل ليلة رحمه الله تعالى»
نعم، الموفق من وفقه ربه والله. نسأل الله العلي من فضله.
الثانية: حسن خاتمة هذا الإمام رحمه الله رحمة واسعة، فقد كانت بعد مجلس التفسير، وقبل مجلس الحديث، وفي انتظار الصلاة، فهنيئاً له يبعث يوم القيامة على أشرف حال، وأهنئ مقام، وأجره في انتظار الصلاة إلى قيامة الساعة.
وما كل أحد يُوفَّق لخاتمة حسنة، فمن يعمل صالحاً في حياته يوفق لها، وإلاَّ والعياذ بالله تكون خاتمة على غير مَحْمَدٍ.
أسأل الله لي ولأحبتي في الملتقى حسن الخاتمة.
والله أعلم.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[26 Jul 2007, 07:20 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
14_ (154) الحسين بن مسعود بن محمد، أبو محمد البغوي الفقيه الشافعي، محيي السنة (ت 516هـ)
صاحب: (معالم التنزيل)
1_النية الحسنة في التصنيف سبب للقبول:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقد بُورِك له في تصانيفه، ورُزِق فيها القبول الحسن؛ بِنِيَّتِه) (1/ 162)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لله درُّ الإخلاص، ما أَعْجَبه! فهو الإِكْسِير المُذْهِل!
فالإخلاصُ خُلُقٌ عظيم، وكنزٌ رفيع، ولا يُوَفَّق له كل أحد بعد حُسْنِ المعْتَقَد، بل هو من أشدّ الأخلاق على العارفين معالجة له، ولَكَمْ اجتهد السلف رضوان الله عليهم في إخلاص نياتهم، وما هذا إلاّ لأنَّ صلاح الأعمال موقوفٌ على الإخلاص؛ فهو عزيز، نسأل الله الكريم من فضله.
وهذه قاعدة عظيمة النفع جداً؛ فإنه ينبغي على طالب العِلْم؛ متى ما رُزِق فَتْحاً وتفنُّنَاً في بابِ التَّصنِيف والتَّألِيف، أن يتعاهد هذا الأمر ويعتني به عنايةً فائقة جداً؛ ومتى ما فعل ذلك؛ فليُبْشِر بالفُتُوحاتِ الإلهية، والمِنَح الربَّانية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن هنا كان الإمام البغوي رحمه الله مُوفَّقاً في تصانيفه؛ لِحُسْن نيته، ونقاءِ سريرته، ولذا يقول الإمام الذهبي رحمه الله عن مُصنَّفاته:
(بُورِك له في تصانيفه، و رُزِق فيها القَبول التام؛ لِحُسْن قصْدِه، و صِدْق نِيَّته. و تنافس العلماءُ في تحصِيلِها) السِّير (14/ 439)
وهكذا كان السلف رحمهم الله تعالى في أعمالهم العلمية والعبادية.
ودونك نماذج من سِيَرِهم، وعلى رأسهم أنموذج من حياة شيخ المفسرين:
_الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، فها هو يحكي حاله عن تفسيره فيقول: (استخرتُ الله، و سألتُه العون على ما نويته من تصنيف التفسير قبل أن أعمله بثلاث سنين فأعانني)
الله أكبر.
ثلاث سنوات يستخير قبل التأليف! إنها هِممٌ كالجبال.
نعم، إنه همُّ من يريد نفع الإسلام وأهلِهِ بأكبر قدْرٍ، وأعظم نفعٍ؛ فأحسنَ قصدَه، وأنبلَ مَرْماه؛ فجاءت مجالسه بأعظم كتاب في التفسير؛ فرحمه الله رحمة واسعة.
_ وإمام الأئمة ابنُ خزيمة رحمه الله، يُسطِّرُ للتاريخ فيحدِّث قائلاً شأنه في التَّصنِيف:
(كنتُ إذا أردتُ أن أصنِّف الشيءَ، أدخلُ في الصلاة مُستخيراً حتى يُفتَح عليَّ، ثم أبتدئُ التصنيف) السير (14/ 396)
_ وأَيْنَك من الإمام مالك، صاحب الموطأ، فقد قيل له حين عزم على جمعه وتصنيف، أتُؤلِّف موطأً والموطَّآت كثيرة؟
فقال قولته الشهيرة: (ما كان للهِ فَسيَبْقَى، وما كان لِغَيره؛ فَسيَضْمَحِل)
فليت شعري، أين الموطَّآت الآن أمام موطأ الإمام مالك رحمه الله؟
إنه وربي الإخلاص؛ فأعْظِم به من عملٍ جزيل، يقود لرضى الجليل.
إن من أعظم معايير القبول وأسباب النفع: الإخلاص لله تعالى، والتجرد للحق، وقصد النفع للإسلام والمسلمين، فمن يكتب؛ فليكتب لهذه وإلا فلا يتعب، إذ لن يجني من عمله سوى الكدّ، والتعب، ورداء الفكرة. (ومن يهن الله فما له من مكرم)
ويقول ابن القيم رحمه الله: ((وقد جرت عادة الله التي لا تُبدّل وسنّته التي لا تحوّل؛ أن يُلْبَس المخلص من المهابة، والنُّور، والمحبَّة في قلوب الخلق، وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه، ونِيَّته ومعاملته لربه، ويُلْبَس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقْتِ، والمهانة، والبُغْضة ما هو اللائق به؛ فالمخلص له المهابة والمحبة، وللآخر المقت والبغضاء)) إعلام الموقعين (6/ 106)
فَإِنْ أَرَدْتَ أَحْسَنَ التَّوَاصِي * * * فَطيِّبِ الأَعْمَالَ بالإِخْلاَصِ
2_عالمٌ لَمْ يَحُجّ:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقد جاوز البغوي الثمانين ولم يَحُجّ) (1/ 162)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
عالمٌ خدم الكتاب والسنة، ولم يتسنَّ له الخروج للحج.
أفلا يحج عنه أحد أبناء المسلمين تقديراً لجهوده العلمية المباركة.
ولَإن كان ابن حزم رحمه الله لم يحج على _ الصحيح _ فقد حج عنه غير واحدٍ من المعتنين بكتبه وبمذهبه؛ فهلَّا حج عن الإمام البغوي أحد محبيه، ومنتفعي كتبه؟
ـ[أبو العالية]ــــــــ[28 Jul 2007, 03:03 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
15_ (162) خلف بن هشام (150 _ 229هـ)
1_النفقة في العلم:
قال الداودي رحمه الله عن المقرئ فيما يحكيه عنه: (أشكل عليَّ بابٌ من النحو؛ فأنفقتُ ثمانين ألف درهم، حتى حَذِقْتُه) (1/ 168)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه إشارة طيبة إلى باب أهمية النفقة، وحمل النفس عليه؛ باب النفقة في العلم وللعلم، وإن كثرت.
ولا يصل لهذه المرتبة الكريمة، إلا رجل قد شغف حب العلم قلبه وروحه، وخالط دمه، سيما في عصرنا هذا.
فعِدَّةُ طالب العلِم اليوم من بيت رحب، و كتب، وأرففٍ، وورق، وملزمات، وأقلام، وتجليد، وتصوير أوتغليف، ومقتنيات العصر وتكنولوجياته (حاسوب، طابعة، ماسح ضوئي و. . و .. )، أصبحت حاجة ماسة للاستزادة والاستفادة من العلم وتقريبه.
وكل هذا يدخل في النفقة في العلم وللعلم، ومتى ما أحسن المرء النية، وعقد القلب في بذل جميع ذلك تقرباً إلى الله تعالى، هانت عليه الأمور، وذلَّل الله له الصعاب.
ومن طالع سير أهل الحديث على الخصوص، وجد أمراً عجباً في النفقة على طلب الحديث، تبلغ مئآت الآلاف؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم.
وقد قال الحسن: أعظم النفقة؛ النفقة في العلم.
قال حبَّان بن موسى: (عوتب ابن المبارك فيما يُفرِّق من المال في البلدان دون بلده.
فقال: إني أعرف مكان قوم، لهم فضل وصدق , طلبوا الحديث فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم.
احتاجوا!
فإن تركناهم ضاع علمهم , وإن أعنَّاهم بثُّوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أعلمُ بعد النُّبوَّة أفضل من بثِّ العلم.).تاريخ دمشق (32/ 455)
لله درُّ هذا الإمام العالم العامل المجاهد، وفي هذه القصة فوائد وشجون، وخلاصة المعادلة:
الفقر = العلماء؛ فأين من يعتني بأهل العلم، ويقدِّر جهودهم وصنيعهم، ويكفل أمر معاشهم؛ ليتفرَّغوا لخدمة الدين وأهله. نسأل الله الكريم من فضله.
2_تكميلُ نقصٍ، وتوضيحُ نصٍ:
قال الداودي رحمه الله عنه يحدِّث عن نفسه: (أعدتُ الصلاة أربعين سنة) أهـ (1/ 168)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
هذا النقل في الطبقات ناقص، والقارئ يستشكل سبب ذلك، ولن يعرف سببه أوالمراد منه لو اقتصر عليه، وحين يقارن مع كتب التراجم الأُخر يجد ما يزيل الإشكال.
والعبارة مع التكميل كالتالي: (أعدتُ الصلاة أربعين سنة؛ كنت أتناول فيها الشراب على مذهب الكوفيين) انظر: السِّير (10/ 576) وغيرها
وذلك لأن مذهب الكوفيين أن الخمر فقط من العنب! ولذا فقد رد القرطبي عليهم قالته ومذهبهم فقال:
(الأحاديث الواردة عن أنس وغيره، على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب , وما كانت من غيره فلا تسمى خمرا ولا يتناولها اسم الخمر , وهو قول مخالف للغة العرب، والسنة الصحيحة، وللصحابة)
وتفصيل هذه المسألة في كتب الفقه، والمراد هنا توضيح المُشْكِل.
والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو العالية]ــــــــ[07 Aug 2007, 12:43 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
16_ (168) ربيع بن سليمان بن عطاء الله، أبو سليمان القطَّان (288_334هـ)
1_لقاءٌ باطلٌ بالأَدِلَّةِ:
قال الداودي رحمه الله عنه: (ويقال: أنه كان يجتمع بالخضر!)) (1/ 177)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذا اللقاء باطل؛ فقد ثبت بالأدلة المستفيضة؛ بالمنقول والمعقول أنه قد مات، وأن ما يزعمه بعض الروافض، والصوفية، من اللقاء وما يزعمونه من بركات (وجُلُّها هرطقات) غير صحيح.
(والعجب أن في محلَّتنا، وفي الدراسات العليا، يُدَرَّس كتاب في حياة الخضر! والقائم علي تدريسه ممن ينتسب للمذهب الأشعري!!) فإلى الله المشتكى.
ومن أحسن من كتب رداً من السابقين على ذلك، شيخ الإسلام، وتلميذه ابن قيم الجوزية، وابن الجوزي رحمهم الله.
وأما من المعاصرين فكثر، وهناك فتاوي كبار العلماء والمجامع الإسلامية الفقهية الكبرى في ذلك تفيد بوفاته عليه السلام.
وهذه بعض النقول في المسألة:
يقول العلامة ابن قيِّم الجوزية رحمه الله:
(الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد.
كحديث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ; كان في المسجد؛ فسمع كلاماً من ورائه؛ فذهبوا ينظرون؛ فإذا هو الخضر!
وحديث: يلتقي الخضر وإلياس كل عام.
وحديث: يجتمع بعرفة؛ جبريل وميكائيل والخضر. الحديث المفترى الطويل.
_ وسُئِل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق؟
فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.
_ وسُئِل البخاري عن الخضر وإلياس؛ هل هما أحياء؟
فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى على رأس مئة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد)
_ وسُئِل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ; ويجاهد بين يديه، ويتعلم منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ; يوم بدر: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.
وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ.
_ وقال أبو الفرج بن الجوزي:
والدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء؛ القرآن، والسنة، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقول.
أما القرآن؛ فقوله - سبحانه وتعالى -;: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] فلو دام الخضر كان خالداً.
وأما السنة؛ فذكر حديث: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو اليوم عليها أحد". متفق عليه.
وفي صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ; قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم، قبل موته بقليل: "ما من نفس منفوسة يأتي عليها مئة سنة وهي يومئذ حية".
وأما إجماع المحققين من العلماء؛ فقد ذُكِر عن البخاري، وعلي بن موسى الرضا، أن الخضر مات.
وأن البخاري سُئِل عن حياته، فقال: وكيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ;: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة منها لا يبقى ممن على ظهر الأرض أحد".
قال: وممن قال إن الخضر مات إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين بن المنادي، وهما إمامان وكان ابن المنادي يُقبِّحُ قول من يقول: إنه حي.
وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب أحمد.
_ قال أبو الفرج ابن الجوزي:
وما أبعد فَهْم من يثبت وجود الخضر، وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة.
أما الدليل من المعقول؛ فمن عشرة أوجه:
أحدها، أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد لوجهين:
أحدهما، أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يوحنا المؤرخ ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر.
والثاني، أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعموا وأنه كان وزير ذي القرنين فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا بل مفرط في الطول والعرض.
وفي الصحيحين، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -;، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -; أنه قال: "خلق الله آدم طوله ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص بعد"
وما ذكر أحد ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس.
(يُتْبَعُ)
(/)
الوجه الثالث، أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة، ولم يَنقل هذا أحدٌ.
الوجه الرابع، أنه قد اتفق العلماء أن نوحاً لما نزل من السفينة مات من كان معه، ثم مات نسلهم، ولم يبق غير نسل نوح، والدليل على هذا قوله - سبحانه وتعالى -;: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] وهذا يبطل قول من قال إنه كان قبل نوح.
والوجه الخامس، أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر ومولده قبل نوح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع لأنه من أعظم آيات الربوبية.
وقد ذكر الله - سبحانه وتعالى -; من أحياه ألف سنة إلا خمسين عاماً وجعله آية، فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر؟! ولهذا قال بعض أهل العلم: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان.
والوجه السادس، أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن.
أما المقدمة الثانية فظاهره، وأما الأولى فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة، فهذا كتاب الله - سبحانه وتعالى -;، فأين فيه حياة الخضر؟ وهذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -;، فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه؟ وهؤلاء علماء الأمة، هل أجمعوا على حياته؟
الوجه السابع، أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته، حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر!!
فيا لله العجب، هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه؟ وكثير من هؤلاء يغتر بقوله أنا الخضر، ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله، فأين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب؟
الوجه الثامن، أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه، وقال له: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]
فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرون جمعة، ولا جماعة، ولا مجلس علم، ولا يعرفون من الشريعة شيئاً، وكل منهم يقول:
قال الخضر!
وجاءني الخضر!
وأوصاني الخضر!
فيا عجباً له يفارق كليم الله سبحانه وتعالى ;، ويدور على صحبة الجهال، ومن لا يعرف كيف يتوضأ، ولا كيف يصلي!.
الوجه التاسع، أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول أنا الخضر، لو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -; يقول كذا وكذا، لم يلتفت إلى قوله، ولم يحتج به في الدين؛ إلا أن يقال إنه لم يأت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ;، ولا بايعه أو يقول هذا الجاهل إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.
الوجه العاشر، أنه لو كان حياً لكان جهاده الكفار، ورباطه في سبيل الله، ومقامه في الصف ساعة، وحضوره الجمعة، والجماعة، وتعليمه العلم، أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له".
انظر: المنار المنيف لابن القيم (67) بتصرف
وكذا كتاب أراء وروايات باطلة في سير الأنبياء. للشيخ عبد العزيز السدحان، وفيه جواب لفتوى لشيخ الإسلام في ذلك_ إن صحت _.
والله أعلم
ـ[النجدية]ــــــــ[08 Aug 2007, 07:56 ص]ـ
أستاذنا الفاضل ...
جزاكم الرحمن صالحة؛ على ما أفدتنا به!
ـ[أبو العالية]ــــــــ[20 Aug 2007, 02:50 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
17_ (185) سعيد بن مَسْعدة، أبو الحسن الأَخْفَش (215 هـ)
1 _ مذهبه الاعتزالي:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وكان معتزليَّاً) (1/ 191)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وسبب اعتزاله أنه لَزِم أستاذَه أبا شِمْر الحنفي المعتزلي (زعيم الشِّمْرية)؛ فتأثَّر به، وأخذ عنه الاعتزال، وقد قرَّر مذهبه في كتابه معاني القرآن؛ ولأجله ذكره المرتضى في كتاب طبقات الاعتزال ًصـ (131) ولم يذكر له قالات في الاعتزال تختصُّ به.
2_ بين الأَخْفَش الأَوسط والكِسَائي، مُنَاطَحَةُ عِلْمْ، وأَدبٌ جَمّ:
قال الداودي رحمه الله يحكي عن الأخفش قائلاً: (فوردت بغداد؛ فرأيت مسجد الكِسَائي؛ فصلَّيتُ خلفه الغداة؛ فلما انفتل من صلاته، وقعد بين يديه الفرَّاء، والأحمر، وابن سعدان، سلَّمتُ عليه وسألته عن مِئة مسألةٍ؛ فأجاب بجواباتٍ خطَّأتُهُ في جميعها؛ فأراد أصحابه الوثوبَ عليَّ؛ فمنعهم مني، ولم يقطعني ما رأيتُهم عليه مما كنتُ فيه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولما فرغتُ قال لي: بالله أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة؟
فقلتُ: نعم؛ فقام إليَّ وعانقني، وأجلسني إلى جنبه، ثم قال لي: أولادي أُحِبُّ ان يتأدَّبوا بك، ويتخرَّجوا عَلَيْك، وتكون معي غير مفارقٍ لي؛ فأجبته إلى ذلك.) (1/ 192)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهنا فوائد عزيزة:
الأولى: سعة عِلْم الأخفش؛ مما جعله يُصَوِّبُ خَطَأَ الإمام الكِسَائي؛ ومعلوم أنَّ الكِسَائي إمامٌ في اللغة والنحو؛ كيف لا والشافعي _ وهو من هو في اللغة ولسان العرب _ يقول: (من أراد أن يتبحَّر في النَّحْو؛ فهو عيالٌ على الكِسَائي) تاريخ بغداد (11/ 407)
وهذا ثعلب؛ شيخ العربية يقول عن الكِسَائي: (أجمعوا على أن أكثر الناس كلَّهم رواية، وأكثرهم عِلماً هو الكِسَائي) مراتب النحويين (120)
فرجلٌ يُصَحِّحُ جوابَ عالمٍ هذا وصفه، في مئة مسألة، لدليلٌ على سعة عِلْمه، ووَفْرة معارفه.
الثانية: حرص الكِسَائي على العلم؛ ولو كان هذا العلم الذي يحتاجه، ممن أفحمه؛ فهو لا ينظر لهذا الأمر بقدر ما ينظر للفائدة والتحصيل النافع، وهذا خُلُق العالم الرباني، ينتهز الفُرص؛ لينتفع، ومتى ما كانت هذه السِّمة في طالب العلم أو العالم انتفع أيما انتفاع، ولذا اسمع ما يقول ابن الأنباري في الإمام الكِسَائي: (اجتمع للكِسَائي أمور لم تجتمع لغيره، وكان من أعلم الناس بالنَّحْو، وواحدهم في الغريب) تاريخ بغداد (11/ 414) بتصرف
ومن قارن موقفه وموقف أصحابه عرف عقل الكِسَائي وحرصه على العلم؛ فلذلك نال ما نال من العلم، ولأجله منع أصحابه من الأخفش؛ فرحمه الله من عالم رباني.
الثالثة: حرص الكِسَائي على تعليم ولده، وهذا حقٌّ، وواجبٌ، ودَيْنٌ في أعناق الوالدين.
يقول سفيان الثوري رحمه الله: " ينبغي للرجل أن يُكْرِهَ ولده على العلم؛ لأنه مسؤول عنه " السير (7/ 273)
يقول ابن الحاج رحمه الله في مدخله (1/ 209):
(وينبغي له أن يتفقَّد أهله بمسائل العلم فيما يحتاجون إليه؛ لأنه جاء من تعليم غيرهم طلباً لثواب إرشادهم؛ فخاصَّته ومن تحت نظره آكد؛ لأنهم من رعيته ومن الخاصة به كما في الحديث: " كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته " فيعطيهم نصيبهم؛ فيبادر لتعليمهم لآكد الأشياء في الدِّين أولاً، وأنفعها وأعظمها؛ فيعلمهم الإيمان، والإحسان، والإسلام، ويجدد عليهم علم ذلك وإن كانوا قد علموه، ويعلمهم الإحسان، ويعلمهم الوضوء، والإغتسال، وصفتهما، والتييم، والصلاة وما في ذلك كله؛ من الفرائض، والسنن، والفضائل، وكل ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم الأهم فالأهم)
الرابعة: تسميته بالكِسائي؛ فسببه أَنَّه أَحْرَم في كِسَاءٍ؛ فسمِّي به. قاله الداودي عنه في ترجمته (1/ 405)
3_ التصنيفُ والتأليف عند أهل العلم له أسباب:
قال الداودي رحمه الله يتابع حادثة الأخفش والكِسَائي: (فلما اتصلت الأيام بالاجتماع، سألني أنْ أُءَلِّفَ له كتاباً في معاني القرآن؛ فألَّفتُ كتاباً في المعاني) (1/ 192)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهنا مسألتان:
الأولى: متعلقة بكتابه المشهور (معاني القرآن)
والكلام عليه من وجوه:
أولاً: طبعاته: طبع عدة طبعات.
أجودها عندي:
طبعة الدكتور عبد الأمير الورد. عن دار عالم الكتب في مجلد. الأولى 1424هـ (وسبق وطبع في مجلدين) وهو رسالة علمية. (وجهده متميز، وقدَّم له بمقدمة طيبة، وقام بدراسته ومقارنته مع ثلاثة كتب هي: كتاب (المعاني) للفرَّاء (وقد اتَّكأ على كتاب الأخفش، ثم كتاب الكسائي كما أفادة الداودي في طبقاته 1/ 192) وكتاب أبي عبيدة (مجاز القرآن) وكتاب (الكتاب) لسيبويه وهذا في صـ (76) والحقيقة أن الجهد المبذول كبيرٌ جداً فجزاه الله خيراً.
والطبعة الثانية تحقيق الدكتورة هدى قراعة (ويذكر أن تحقيقها من أجود التحقيقات في مجلدين) وتصفحته سريعاً في إحدى المكتبات الخاصة.
وهناك طبعات سقيمة أو بلا تحقيق ولا ضبط فلا حاجة لذكرها.
ثانياً: بيان حال هذا الكتاب:
فقد قال أبو حاتم السجستاني رحمه الله: (كتابُه في المعاني صُويلح، إلا أن فيه مذاهب سُوْءٍ في القَدَر) السير (10/ 207) وهذا في باب الاعتقاد فقد نصر مذهبه الاعتزالي.
(يُتْبَعُ)
(/)
وينظر في هذا الكتاب النفيس (مناهج اللغويين في تقرير العقيدة) للدكتور محمد الشيخ عليو محمد صـ (467) وما كتبه الشيخ الدكتور مساعد في التفسير اللغوي (311)
وأما عن قيمة الكتاب من حيث هو كتاب معاني أو كتاب نحْوٍ؛ فيطالع مقدمة الدكتور عبد الأمير الورد في مقدمة تحقيقه صـ (18) المادة العلمية للكتاب.
وأيضاً ما قيَّده الشيخ الحبيب الدكتور مساعد الطيار في رسالته: (التفسير اللغوي) صـ (304 _ 314) ولا عطر بعد عروس.
والثانية: أسباب التأليف والتصنيف عند أهل العلم:
لقد دأب العلماء رحمهم الله على التصنيف والتأليف، وجل التصانيف تكون لأسباب، والقليل منها يكون لغرض مجرد التأليف فقد.
ومن أحسن ما يوقف عليه في هذا الباب:
الأول: مقدِّمات الكتب؛ فإنها تشتمل على نفائس وأسرار أودعها المؤلفون فيها، وكم فيها من اللطائف والأخبار الممتعة.
والثاني: كتاب لطيف فريد في بابه _ فيما أعلم _ فرحت جداً أن وقفت عليه؛ فقرأته في مجلس واحد، وقيَّدتُ عليه ما كنت قد قرأته في المقدمات او بين طيات الكتب.
ذلكم كتاب: (دوافع البحث والتأليف عند المسلمين) للشيخ المحقق محمد خير رمضان يوسف. طبع عن دار ابن حزم.1426هـ وأنصح باقتنائه.
فقد جملة من الأسباب في التأليف:
وها أنا أسوقها مختصرة، وتحتها فرائد وفوائد عزيزة
_ عدم ذكر السبب.
_ أكثر من سبب.
_ الإهداء
_ استجابة طلب أو سؤال = طلب الكسائي تأليف الأخفش للمعاني
_ أجوبة مسائل
_ التحدَّي!
_ البحث والتحرِّي
_ الرؤيا
_ الشكر والاعتراف بالفضل
_ طلب الأجر والثواب من الله
_ الحاجة والأهمية والضرورة
_ الإحاطة والاستبصار والتحذير تجنباً للوقع في الخطأ والزيغ
_ النصيحة والإصلاح والتربية وبثُّ الوعي
_ التأثر والشعور بالمسؤولية
_ قيد العلم لدم النسيان أو الضياع
_ نشر العلم والخوف من آثار كتمه
_ إحياء علم أو فضيلة
_ نشر الأمن والطمأنينة
_ حب العلم والتأليف
_ الانشغال بأفضل العلوم وأهم الأعمال. انظر: سبب تفسير القرطبي.
_ التعليم. انظر: سبب تفسير ابن كثير.
_ تكملة نقص، واستدراك ما فات. انظر: سبب قطف الأزهار في كشف الأسرار للسيوطي (في لغة القرآن)
_ التوضيح والبيان. انظر: سبب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي.
_ الانتخاب والاختصار والوسطية. انظر: سبب الطراز في شرح ضبط الخراز.
_ جمع ما تفرَّق.
_ الأعمال الجامعية والموسوعية للاستغناء بها عن غيرها.
_ حب الشيء والاعجاب به (هواية وتسلية)
_ الانتصار للمبدأ أو المذهب
_ الأغراض والخفايا
- الفائدة والانتفاع
_ العبرة
_ بيان حكم الوقائق الجديدة (النوازل)
_ التصدِّي للمنكرات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
_ شبهات وردود ودفع مطاعن. انظر: سبب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
_ نقد وتمحيص وتصحيح أخطاء.انظر: سبب نواسخ القرآن لابن الجوزي
_ حسم الخلاف.
_ موضوع أ تصنيف جديد.
_ أسلوب جديد.
_ إثارة النفس وتحريك الفكر وترويح البال (الإثارة والتشويق)
_ التجارب والرحلات والاكتشافات والمذكرات.
هذا ما ذكره، وقد يدخل بعضها في بعض، وقد يزيد أخر زيادات وإضافات.
4_ قِرَاءةُ السِّر ما شأنها؟:
قال الداودي رحمه الله: (وقرأ عليه الكِسَائي كتاب سيبويه سِرَّاً!) (1/ 192)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
والسِّرُّ هنا له سِرٌّ!
ولكن إن عرفنا بعض الأمور أنجلى السر:
فمن ذلك:
1_ أن الأخفش هو أحفظ من أخذ عن سيبويه. كما يقول المبرِّد
2_ كل من روى كتاب سيبويه (الكتاب) فمن طريقه؛ لأنه أخرجه بعد وفاته.
وعليه؛ فقد يقال هنا:
أن الكِسَائي حرص في القراءة عليه لأنه الطريق الوحيدة عن سيبويه، ولكن مال بال السر؟!
الذي يظهر لي بعد نظر في التراجم:
أن الكسائي محمود العقيدة على اعتقاد السلف الصالح في مسائل العقيدة، والأخفش سيء العقيدة على مذهب لاعتزال؛ ولأجل هذا _ قد _ يقال:
لحرصه على العلم وأخذه بالسند العالي الضابط، هو ما دفعه للإفادة من الأخفش؛ ولأنه معتزلي العقيدة، والسلف ينهون عن الأخذ عمن اتهم في عقيدته؛ فلعله استحسن ذلك سراً؛ فلا يفوته شيءٌ.
هذا ما ظهر لي. والله أعلم.
5_ الأخافشة، ومن تسمى بذلك:
(يُتْبَعُ)
(/)
قال القنوجي في أبجد العلوم (3/ 41) في ترجمة الأخفش الأوسط:
والأخافش ثلاثة:
الأكبر: عبد الحميد بن عبد المجيد.
الأوسط: هذا السعيد.
الأصغر: علي بن سليمان.
وقيل: أربعة:
والرابع: أحمد بن عمران.
وقيل: أحد عشر:
الخامس: أحمد بن محمد الموصلي.
السادس: خلف بن عمرو.
والسابع: عبد الله بن محمد.
الثامن: عبد العزيز بن أحمد.
التاسع: علي بن محمد المغربي الشاعر.
العاشر: علي بن إسماعيل الفاطمي.
الحادي عشر: هارون بن موسى بن شريك.
وقد ذكرهم السيوطي في بغية الوعاة أيضاً.
وقد نظمهم الشيخ العلامة محمد الحسن بن أحمد الخديم الشنقيطي في منظومته "هداية السعاة إلى معرفة النحاة"
فقال عن الأخفش الأكبر:
الاَخفشُ الاَكبرُ أبو الخطابِ عبدُ الحميد سيدُ الأقطاب
أفادَ يونسَ أبا عبيدهْ معَ الكسائيِّ وعمرٍو فيْدَهْ
قد فاق في دين وعلم وورعْ وما دريتُ موتَه متى وقعْ
وقال عن الأخفش الأوسط:
وانمِ إلى مَسعدةٍ أبا الحسنْ الاَخفشَ الاَوسطَ سعيدًا، وأسنّْ
مِن سيبويه كانَ، لكنْ أفلحا بالأخذِ عنه قبلَ موتٍ (ربِحَا)
فكانَ من أحفظِ أهلِ الأدب وزادَ في العَروضِ بحرَ الخببِ
وقال عن الأخفش الأصغر:
وابنُ سليمانَ علِي أبُو الحسنْ الاَخفشُ الاَصغرُ، به ضِيق عَطَنْ
وثعلبًا صحبَ والمبرِّدَا ولم يَجدْ إلى المماتِ (سَيِّدَا)
ثم يقول عن التسعة الباقين:
هذا وبالأخفشِ لُقبَ أحدْ عشرَ، منهمُ الثلاثةُ تُعدّْ
والأحمدان: نجلُ عمرانَ علي وابنُ محمدِ الإمامُ الموصلي
وخلَفُ بنُ عُمرٍ، وانسُبْ إلى محمدٍ عبدَ الإله ذا العَلا
عبدُ العزيز نجلُ أحمدَ، علِي ابنُ محمدٍ له الشعرُ العلِي
كذا عليٌّ بنُ إسماعيلَ قدْ عُدَّ، وهارونُ بنُ موسى قدْ وَقَدْ
والنظم في رسالة مطبوعة بتحقيق وإشراف الأستاذ محمد سالم بن محمد الحسن، وتقديم الدكتور أحمد جمال ولد الحسن، وقد نشرتها مطبعة النجاح الجديدة في الدار البيضاء في طبعتها الأولى عام 1415هـ/1994م.
والله أعلم
ـ[النجدية]ــــــــ[22 Aug 2007, 09:34 ص]ـ
جزاكم الرحمن خيرا أستاذنا الفاضل؛ على هذه المعلومات القيمة، فإن في سير العلماء، تهذيب و تأديب لطلاب العلم ... فأسأل الله أن يعظم لكم الأجر!!
أستاذنا، عندي بعض التعليقات، و الأسئلة فأرجو أن يتسع وقتكم لها، و أن تتحمل -حضرتك -أسئلتي واعتبرني بمقام ابنتكم (العالية) -حفظها الله -!!
قول الأخفش: "ثم قام إلي، و عانقني، و أجلسني إلى جنبه" ... نستنبط منه أدب السلف مع العلماء، فهم كانوا يرفعون من شأن العلم و أهله، و أما في أيامنا؛ فلا يخفى على حضرتكم الكريم ما يلاقي العلماء، خصوصا علماء العلم الشرعي -إلى الله المشتكى!!
قوله: "تكون معي غير مفارق لي؛ فأجبته" ... سرعة إجابة العالم الرباني، لكل من هو بحاجة للتعلم؛ بتواضع!!
فإن فُتح للعالم الرباني باب خير؛ يوصل من خلاله النفع و الإفادة للخلق؛ يسارع إليه مفكرا بالأجر من الله وحده، فحسب!!
في قولكم: " إن الكسائي محمود العقيدة على اعتقاد السلف الصالح في مسائل العقيدة، و الأخفش سيء الغقيدة على مذهب الإعتزال ... " أستاذنا -رعاكم الله -قد يعترض أحدهم على هذا بقوله: "كيف تتهم عالم من كبار العلماء بعقيدته؟؟ " ولا أخفيكم فقد اعتُرض علي يوما بهذا، حينما كنت أتحدث عن تفسير الزمخشري، و ما فيه من اعتزاليات .. و قيل لي: "أصلا هؤلاء لم يفهموا قواعد الإعتزال، و لم يستقوها إلا من النص القرآني!! .. " فكيف تجيب حضرتكم؟ أعانكم الله على الخير!!
أخيرا .. اقبلوا من ابنتكم الإعتذار؛ للإطالة!!
و دمتم في حفظ الله ...
ـ[موتمباي رجب مسامبا]ــــــــ[22 Aug 2007, 10:42 م]ـ
أخي الحبيب أبا العالية، نشكرك على هذه الفوائد و النكت و الملح
ذكرت أخي الفاضل طبعتين للكتاب، و قلت أن طبعة عبد الأمير هي أجود الطبعات عندك، ثم ذكرت عن بعضهم أن تحقيق هدى من أجود التحقيقات.
و لي هنا كلمة: أخي الفاضل، ما زلت كما عهدتك في أمانتك العلمية، فدم على ما أنت عليه بارك الله فيك.
أخي الفاضل هناك طبعة لمعاني القرآن لم تذكرها تضاهي، بل قد تفوق طبعة عبد الأمير (عدا دراسة عبد الأمير و مقدمته) في نظري، إنها طبعة الدكتور فائز فارس
أما طبعة قراعة فهي دونهما في الجودة، و كنت قد عقدت قديما مقارنة بين طبعات المعاني، أتمنى لو يسعفني الوقت لكتابتها هنا
ما شاء الله أخي أبا العالية، هذا جواب جميل جدا، و لكن ثمة جواب آخر هو أن الكسائي كان رأس مدرسة الكوفة في النحو، و سيبويه زعيم البصريين في النحو (و المناظرة في المسألة الزنبورية بينهما معروفة) و كان بينهما منافسة شديدة، فلم يشأ الكسائي الكوفي أن يقال عنه إنه يعتمد على كتاب خصمه سيبويه؛ لذا كان يقرأه سرا. و كذلك كان يحيى بن زياد الفراء الكوفي (و هو زعيم الكوفيين بعد شيخه الكسائي) يقرأ كتاب سيبويه سرا.
و ما قراءتهما للكتاب سرا، و استفادتهما منه إلا لأنهما يعلمان أنه لم يؤلف في العربية مثل كتاب سيبويه. رحم الله الجميع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 Aug 2007, 11:58 م]ـ
أحسن الله إليك يا أبا العالية ووفقك لكل خير، فقد أفدت وأجدت فواصل بارك الله فيك وسددك.
ولعل مما له صلة بطبعات كتاب معاني القرآن للأخفش التي تفضلتم بذكرها في المشاركة 29 أعلاه ما سبق ذكره هنا ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=2229) .
ـ[الجكني]ــــــــ[23 Aug 2007, 01:15 ص]ـ
قال أخي " أبو العالية " حفظه الله:
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذا اللقاء باطل؛ فقد ثبت بالأدلة المستفيضة؛ بالمنقول والمعقول أنه قد مات، وأن ما يزعمه بعض الروافض، والصوفية، من اللقاء وما يزعمونه من بركات (وجُلُّها هرطقات) غير صحيح.
لا أوافق أخي حفظه الله على جعل القول بحياة الخضر عليه السلام أنه من زعم الروافض والصوفية وأنه "هرطقات "، فهذا تصوير للمسألة بغير صورتها الحقيقية في الواقع، فهناك أئمة ليسوا بصوفية ولا روافض ولم يصفهم أحد من عصرهم إلى يومنا هذا ب " الهرطقة " ذهبوا إلى القول بحياة الخضر عليه السلام، بل استدلوا له بمفهوم بأحاديث شريفة،
قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (13/ 360 ط: التركي):
" قلت - القرطبي - وإلى هذا - القول بوفاته - ذهب البخاري واختاره أبو بكر بن العربي، و (الصحيح) القول الثاني:وهو أنه (حي): (ثم ذكر حديث مسلم رحمه الله وفيه "لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد .. الخ) ثم قال: " ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول: إن الخضر حيُّ لعموم قوله " ما من نفس منفوسة " لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصاً فيه، بل هو قابل للتخصيص، فكما لم يتناول عيسى عليه السلام فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه ... ثم ذكر كلاماً طويلاً موثقاً بأدلته كلها تؤكد أن القول بحياة الخضر ليس من مزاعم الروافض والصوفية.فليراجع.
ثم قال أخي أيضاً:
(والعجب أن في محلَّتنا، وفي الدراسات العليا، يُدَرَّس كتاب في حياة الخضر! والقائم علي تدريسه ممن ينتسب للمذهب الأشعري!!) فإلى الله المشتكى حقيقة لم أفهم محل العجب وسببه في هذا؛ فإن كان في قضية الخضر والمقصود كتاب تفسير القرطبي، فهذا العجب نفسه، وعجبك هذا من أعجب العجب.
وإن كان العجب من تدريس " الأشعري " فهذا قول عجب أيضاً.ومنذ متى كان تدريس " الأشاعرة " فيه العجب؟؟؟؟
وعفواً على المداخلة المتأخرة حيث لم أطلع على هذا الكلام إلا هذه اللحظة،وليس تعليقي لنصرة أحد القولين بقدر ما هي " نقد " لهذا المنهج الذي أصبحت ألاحظه عند كثير من الباحثين وهو طرح مسائل مختلف فيها، ثم تقوية وترجيح ما يذهبون إليه بادعاء أنه هو القول الصحيح الذي يجب قبوله والمصير إليه وأن ما خالفه هو قول:
1 - تارة ليس لأهل السنة والجماعة
وتارة هو قول للروافض والصوفية
والله أعلم ماذا ستكون "التارة " القادمة.
وأقترح على نفسي أولاً ثم على من أراد من إخواني أهل الملتقى أن تعرض المسائل مسندة إلى أصحابها وبيان أنها اختيارات لهم ولا تنسب للمذهب، أي مذهب إلا إذا كان أهل ذالك المذهب أو جلهم يقول بها، وقبل هذا كله: أن يكون القول المخالف مصادماً صراحة للنصوص، وأعني بالنصوص:
كتاب الله تعالى
2 - السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي لا مجال للرأي والتأويل فيها
أما أقوال العلماء فليس علماء أولى من علماء طالما أثبتنا العلم والورع والفهم وقبول الأمة لهم.
وإن كنت انتقدت هذا الموضوع من أخي " أبو العالية " فقد استفدت منه كغيري من فوائده الأخرى، وأضم صوتي لبقية الأخوة الكرام بمواصلتك لهذه الدرر والفوائد أخي " أبو العالية"
والله من وراء القصد
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[23 Aug 2007, 10:25 ص]ـ
انا اضم صوتي الى صوت الدكتور الجكني واثني اولا على عمل الاخ الفاضل ابي العالية
وارى في هذا الاطار ان ينزه اهل العلم وطلابه اقلامهم عن اشياء يفوقهم فيها من لا علم عنده
والسلام عليكم ورحمة الله
ـ[د. أنمار]ــــــــ[23 Aug 2007, 02:59 م]ـ
جملة من الأسباب في التأليف:
وها أنا أسوقها مختصرة، وتحتها فرائد وفوائد عزيزة
_ عدم ذكر السبب.
_ أكثر من سبب.
_ الإهداء
_ استجابة طلب أو سؤال = طلب الكسائي تأليف الأخفش للمعاني
_ أجوبة مسائل
_ التحدَّي!
_ البحث والتحرِّي
(يُتْبَعُ)
(/)
_ الرؤيا
_ الشكر والاعتراف بالفضل
_ طلب الأجر والثواب من الله
_ الحاجة والأهمية والضرورة
_ الإحاطة والاستبصار والتحذير تجنباً للوقع في الخطأ والزيغ
_ النصيحة والإصلاح والتربية وبثُّ الوعي
_ التأثر والشعور بالمسؤولية
_ قيد العلم لدم النسيان أو الضياع
_ نشر العلم والخوف من آثار كتمه
_ إحياء علم أو فضيلة
_ نشر الأمن والطمأنينة
_ حب العلم والتأليف
_ الانشغال بأفضل العلوم وأهم الأعمال. انظر: سبب تفسير القرطبي.
_ التعليم. انظر: سبب تفسير ابن كثير.
_ تكملة نقص، واستدراك ما فات. انظر: سبب قطف الأزهار في كشف الأسرار للسيوطي (في لغة القرآن)
_ التوضيح والبيان. انظر: سبب عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين الحلبي.
_ الانتخاب والاختصار والوسطية. انظر: سبب الطراز في شرح ضبط الخراز.
_ جمع ما تفرَّق.
_ الأعمال الجامعية والموسوعية للاستغناء بها عن غيرها.
_ حب الشيء والاعجاب به (هواية وتسلية)
_ الانتصار للمبدأ أو المذهب
_ الأغراض والخفايا
- الفائدة والانتفاع
_ العبرة
_ بيان حكم الوقائق الجديدة (النوازل)
_ التصدِّي للمنكرات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
_ شبهات وردود ودفع مطاعن. انظر: سبب تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
_ نقد وتمحيص وتصحيح أخطاء.انظر: سبب نواسخ القرآن لابن الجوزي
_ حسم الخلاف.
_ موضوع أ تصنيف جديد.
_ أسلوب جديد.
_ إثارة النفس وتحريك الفكر وترويح البال (الإثارة والتشويق)
_ التجارب والرحلات والاكتشافات والمذكرات.
هذا ما ذكره، وقد يدخل بعضها في بعض، وقد يزيد أخر زيادات وإضافات.
ومما قد يدخل في أكثر من غرض مما سبق أو يزاد عليها ما ذكره الأشموني صاحب منار الهدي:
(أما بعد) فيقول العبد الفقير القائم على قدمي العجز والتقصير الراجي عفو ربه القدير أحمد ابن الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الكريم عامل الله الجميع بفضله العميم وأسكنهم من إحسانه جنات النعيم هذا تأليف لم يسألني فيه أحد لعلمهم أني قليل البضاعة غير دريّ بهذه الصناعة فإني والله لست أهلاَّ لقول ولا عمل وإني والله من ذلك على وجل لكن الكريم يقبل من تطفل ولا يخيب من عليه عول فإني بالعجز معلوم ومثلي عن الخطأ غير معصوم وبضاعتي مزجاة وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه فشرعت فيما قصدت وما لغيري وجدت وذلك بعد لبثي حيناً من الدهر أتروى وأتأمل وأنا إلى جميع ما تشتت من ذلك أميل قادني إلى ذلك أمل ثواب الآخرة سائلاً من المولى الكريم الصواب والإعانة متبرئاً من حولي وقوتي إلى من لا حول ولا قوة إلاَّ به والمأمول من ذي العزة والجلال أن ينفع به في الحال والمآل وأن يكون تذكرة لنفسي في حياتي وأثر إلى بعد وفاتي
اهـ فلله دره
ـ[د. أنمار]ــــــــ[23 Aug 2007, 03:09 م]ـ
قال أخي " أبو العالية " حفظه الله:
لا أوافق أخي حفظه الله على جعل القول بحياة الخضر عليه السلام أنه من زعم الروافض والصوفية وأنه "هرطقات "، فهذا تصوير للمسألة بغير صورتها الحقيقية في الواقع، فهناك أئمة ليسوا بصوفية ولا روافض ولم يصفهم أحد من عصرهم إلى يومنا هذا ب " الهرطقة " ذهبوا إلى القول بحياة الخضر عليه السلام، بل استدلوا له بمفهوم بأحاديث شريفة،
ومن القائلين بحياته على الأقل حتى بعد وفاة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقد روى ابو نعيم وغيره بسند صحيح عن رياح بن عبيدة قال خرج عمر ابن عبد العزيز إلى الصلاة وشيخ متوكىء على يده فقلت في نفسي إن هذا الشيخ جاف فلما صلى ودخل لحقته فقلت أصلح الله الأمير من الشيخ الذي كان يتكىء على يدك قال يا رياح رأيته قلت نعم قال ما أحسبك إلا رجلا صالحا ذاك أخي الخضر أتاني فأعلمني أني سألي أمر هذه الأمة وأني سأعدل فيها
وذكره بسنده ابن كثير في البداية والنهاية (ج 9 ص 222) من غير مروره بأبي نعيم الصوفي
فقال: قال أبو بكر بن المقري: ثنا أبو عروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني، ثنا أيوب بن محمد الوزان، ثنا ضمرة بن ربيعة، ثنا السري بن يحيى، عن رياح بن عبيدة بمثله
ولا أظن عمر بن عبد العزيز رافضيا ولا مهرطقا،
وروى ابن حبان في صحيحه بإسناد صحيح عن معمر أنه قال: يرون أن الرجل الذي يقتله الدجال ثم يحييه الخضر،
ج 15 ص 213 من الإحسان
بل قال ابن كثير في البداية
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم
http://www.al-eman.com/IslamLib/viewchp.asp?BID=251&CID=18
وقال ابن حجر في الإصابة:
اختلف في نسبه وفي كونه نبيًا وفي طول عمره وبقاء حياته وعلى تقدير بقائه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحياته بعده فهو داخل في تعريف الصحابي على أحد الأقوال ولم أر من ذكره فيهم من القدماء مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره وبقائه وقد جمعت من أخباره ما انتهى إلى علمه مع بيان ما يصح من ذلك وما لا يصح
http://al-eman.com/Islamlib/viewchp.asp?BID=397&CID=26
وأذكر أن ابن الصلاح والنووي قالا بحياته.
فغاية ما في الأمر ذكر الخلاف، حتى لو كان للشخص رأي يؤمن به في المسألة، خاصة أن اطلاع الناس على الرأي الآخر صار متاحا، فلماذا يجعل الواحد نفسه موضعا للارتياب أو التشكيك في المصداقية؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. أنمار]ــــــــ[23 Aug 2007, 04:21 م]ـ
نقل ابن كثير في البداية والنهاية أنه مذهب الجمهور فقال:
وأما الخلاف في وجوده إلى زماننا هذا، فالجمهور على أنه باق إلى اليوم ..
http://www.al-eman.com/IslamLib/viewchp.asp?BID=251&CID=18
ثم مال إلى ترجيح القول الآخر كما يعلم من بقية كلامه رحمه الله تعالى
==================================
وللشيخ ابن تيمية قولان أحدهما في الفتاوى 4/ 338 – 340
وقد سئل عن الخضر فكان مما قال:
وأما حياته فهو حي، والحديث المذكور- يعني: حديث (رحم الله أخي الخضر لو كان حيا لزارني) - لا اصل له ولا يعرف له إسناد بل المروي في مسند الشافعي وغيره انه التقى بالنبي. ومن قال انه لم يجتمع بالنبي فقد قال ما لا علم له به، فانه من العلم الذي لا يحاط به.ومن احتج على وفاته بقول النبي ((أرأيتم ليلتكم هذه، فانه على راس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد)) فلا حجة فيه فإنه يمكن أن لا يكون الخضر إذ ذاك على وجه الأرض. ولان الدجال وكذلك الجساسة كان حيا موجودا على عهد النبي وهو باق إلى اليوم لم يخرج، وكان في جزيرة من جزائر البحر. فما كان الجواب عنه، كان هو الجواب عن الخضر. وهو أن يكون لفظ الأرض لم يدخل في هذا الخبر، أو يكون أراد النبي في الآدميين المعروفين. وأما من خرج عن العادة فلم يدخل في العموم، كما لم تدخل الجن، وان كان لفظاً ينتظم الجن والإنس. وتخصيص مثل هذا من مثل هذا العموم كثير معتاد. والله اعلم))
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=7005
قال جامع الفتاوى ابن قاسم في حاشية: هكذا وجدت هذه الرسالة.اهـ
أقول لأن له قولا آخر يعارض هذا المذكور
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[23 Aug 2007, 05:43 م]ـ
موضوع رائع يستحق التثبيت
ـ[أبو العالية]ــــــــ[26 Aug 2007, 11:12 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
سعِدْتُ بمرور المشايخ الفضلاء، وطلبة العلم على هذه النُّكَت.
وأُثمِّنُ وأُقدِّر تَشجيعهم، ودُعائهم، وملحوظاتهم، وأرائهم. جزاهم الله خيراً؛ فلا حرمني ربي عِلْمهم، وفضلهم، ونُصحهم؛ فدُمْتُم لأبي العالية فُضلاءَ، نُبلاءَ، مُعلِّمين، مُرْشِدين.
بَيْد أنَّ لي بعض الأجوبة على ما قيَّده الفضلاء النبلاء، وسأخص هنا ما له علاقة بموضوع النكت أصلاً، اما ما يتفرع عن نقاش في بعض المسائل (كمسألة الخضر) فسأجيب عن كل ما ذكره الفضلاء في موضوع مستقل وأشير لرابط عليه هنا؛ وما هذا إلا لتتابع النُّكت، ووأن يكون النقاش والردود والبيان العلمي في زاوية اخرى.
أولاً: أخي الحبيب (رجب) حفظه الله:
1_ أما طبعة د. فائز فارس؛ فيفيدك بها الشيخ الحبيب الدكتور عبد الرحمن في مشاركته؛ إذ فيها مزيد فائدة. (فانظر مشاركته).
هنا لو تكرمت ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=2229)
وذكرت رضي الله عنك أنَّك: (عقدتَ قديماً مقارنة بين طبعات المعاني).
فهذا أمر مُفْرِح وعمل مفيد؛ فلعلَّك تُعجِّل به نفع الله بك؛ لننتفع.
2_ أما بالنسبة لجواب قراءة السِّرِّ؛ فهي محاولة من أخيك، في فَهْم ذلك، وأتمنى من عنده جواب أحسن منه أن يَجُدْ به علينا؛ إذ الحق أحق أن يتَّبع.
وأما جوابك؛ فعندي _ بحكم تخصصك ودراستك اللغوية؛ وقد تقف على ما لم أقف عليه _ أنه أجمل من جوابي، بل قد يكون الأَلْيَق والأصح، لكن ثمة أمر يُعَكِّرُ عليه؛ وهو إثبات أنَّ الفراء فعلاً قرأ الكتاب سِرَّاً؛ فإني كرَّرت البحث في ذلك كثيراً ولم أجد أحداً ذكر ما ذكرته؛ فإنْ وجدته وأثبته؛ فهو الأحقُّ أن يكون تفسيراً للسِّرِّ لا ما ذكرتُهُ أنا. وأتمنى أن تُوَفَّق أخي الحبيب.
ـ[موتمباي رجب مسامبا]ــــــــ[28 Aug 2007, 08:38 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخي أبا العالية، تجد في ترجمة الفراء في كتاب مراتب النحويين لأبي الطيب ما ذكرته
ـ[أبو العالية]ــــــــ[28 Aug 2007, 09:58 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
أخي الحبيب (رجب) وفقه الله لكل خير.
إن قصدتَ ما يذكرونه أنه مات وتحت رأسه كتاب سيبويه؛ (مقدمة عبد السلام هارون 1/ 28 وعزاها للمراتب) فهذه دِلالتها غير ما نبغي.
وثانياً: موقف الفراء من سيبويه معروف، وقد نقل العلامة عبد السلام هارون رحمه الله في مقدمة تحقيقه لكتاب (الكتاب) لسيبويه (1/ 17) عن الفراء قوله:
(ويذكرون أن الفراء يقول في شأن سيبويه: فأتيته؛ فإذا هو أعجم لا يفصح، سمعته يقول لجارية له: هاتِ ذيَّك الماء من ذاك الجرَّة؛ فخرجت من عنده ولم أعد إليه)
فما ترى في طَيَّاتِ هذا؟ وقارن مع (1/ 35)
أَدِمْ فِكْرك، وحبِّر الكاغد.
و نقل العلامة ابن هارون رحمه الله أيضاً _ بَعْدُ_ عن الجاحظ؛ أنه اشترى كتاب سيبويه من ميراث الفراء؛فهذا يدل على اقتناء الفراء للكتاب ومطالعته فيه، ولكن هل ثبت أنه فعلاً قرأه على الأخفش كما فعل شيخه الكسائي، هنا مناط المسألة.
ولا زال الدعاء لك بالتوفيق قائماً.
فَأَفِدْنَا نفع الله بك، وحرِّر أكثر، وليتك تطالع شرح السيرافي على الكتاب؛فلعله ذكر هذا في مقدمته؛ فالكتاب بعيد عني الآن.
والسلام.
محبك
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[31 Aug 2007, 05:46 م]ـ
موضوع رائع جدا، بارك الله فيك
ـ[أبو العالية]ــــــــ[01 Sep 2007, 11:27 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
هذا من فضل ربي.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[01 Sep 2007, 11:28 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
18 _ (186) سفيان بن سعيد بن مسروق، الإمام شيخ الإسلام، الفقيه، الحافظ، الحجَّة، العابد، أبو عبد الله الثوري (97_ 161هـ)
1_ تفسيره:
قال الداودي رحمه الله عنه: (صاحب التفسير المشهور، الذي رواه عنه أبو حذيفة موسى بن مسعود النَّهْدِي) (1/ 193)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وتفسيره طبع في الهند 1385هـ بمعاونة وزارة المعارف، بعناية وتصحيح وترتيب وتعليق إمتياز علي عرشي، مدير مكتبة رضا، وعليه اعتمدت دار الكتب العلمية في طبعتها.
2_ توظيف كلمة (لا أدري) في حياة الربانيين:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقال القطَّان: ما رأيت أحفظ منه، كنت إذا سألته عن حديثٍ ليس عنده؛ اشتدَّ عليه) (1/ 194)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذه سِمَةُ أهل التقوى والعلم النَّافع ممن يرجون بِعلْمِهم الله والدار الآخرة.
فهو مثال واضح، لما قرَّره الشيخ العلامة عبد الرحمن السَّعدي رحمه الله _ وقد سبق في نكت الداودي في المشاركة التاسعة _ حين قال:
((ومن أعظم ما يجب على المُعَلِّمين: أن يقولوا لما لا يعلمونه ((الله أعلم)) وليس هذا بناقصٍ لأقدارهم؛ بل هذا مما يزيد قدرهم، ويُستدلُّ به كمال دينهم، وتحرِّيهم الصواب. وفي توقُّفِه عمَّا لا يعلم فوائد كثيرة، ثم ذكر ما يشهد لهذا الموقف؛ فقال:.
ومنها: أنه إذا توقف وقال: الله أعلم، فما أسرع ما يأتيه علم ذلك من مراجعته أو مراجعة غيره؛ فإنَّ المتعلم إذا رأى معلمه قد توقف؛ جدَّ واجتهد في تحصيل علمها وإتحاف المعلم بها، فما أحسن هذا الأثر.) إلى آخر كلامه النفيس رحمه الله؛ فانظر غير مأمور في (الفتاوى السعدية (628)
3_ البعد عن الذنوب:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقال عبد الرزاق: قال سفيان: ما استودعتُ قلبي شيئاً قط فخانني) (1/ 194)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
لله دَرُّه ما أعظم توقيره لربِّه، وحفظه لمَحَارِمه.
فهذا الإمام الهُمام، قال عنه أحد المحدِّثين: (يبلغ حديثه ثلاثين ألفاً)
الله أكبر .. ثلاثون ألف حديث يعرف أسانيدها، ومتونها، وعللها.
فيا ترى ما الذي أكسبه هذا الحفظ وهذا العلم؟
ولأيِّ شيء قال فيه غير واحد: (من أخبرك انه رأى مثل سفيان؛ فلا تصدِّقه)؟
وهل سمعت بقولة الإمام أحمد حين قال عنه: سفيان: لم يتقدَّمه في قلبي أحد!
الإمام سفيان أيُّ عالم كان؟
وما هي الصفات النبيلة الظاهرة فيه رحمه الله.
إن أردتَ أن تعلم هذا؛ فلتعلم أنه البُعْد عن الذنوب؛ فإنَّ الذنب يحرم العلم، واللذة فيه. وهو أساس كل مصيبة ورذيلة، صاننا الله وإياكم من شر ذلك كله.
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله، في بيان خطر الذنوب على القلب:
(وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله فمنها:
حرمان العلم؛ فإنَّ العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطْفِيء ذلك النور.
ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فَهْمِه؛ فقال: إِنِّي أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً؛ فلا تُطْفِئه بظلمة المعصية.
وقال الشافعي:
شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفْظِي ** فأَرْشَدني إلى تَرْك المعاصِي
وقال اعْلم بِأنَّ العِلْم نورٌ * * ونُوْرُ اللهِ لا يُؤْتَاه عَاصِي) الداء والدواء (31)
ومن هنا تميز هذا العَلَمُ الحَبْر رحمه الله بالعلم والحفظ، مما جعل الإمام العالم العامل المجاهد ابن المبارك رحمه الله _ وَهُوَ مَنْ هُوَ _ يقول عنه: كتبتُ عن ألف شيخ ومئة شيخ، ما فيهم أفضل من سفيان.
بل يقول شعبة الحافظ أمير المؤمنين في الحديث: سفيان أحفظ مني.
فتأمل أيها الطالب عِظَم هذه النكتة الكبيرة، فإن أردت العلم والنور والحفظ؛ فإيَّاك والذنوب.
جعلني الله وإياك ممن رُزِق إنقاذ نفسه. اللهمَّ آمين.
4_ التفسير الصحيح في آيات العقائد (المعية العامة):
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقد صحَّ عن الثوري في قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُم) قال: عِلْمه، وهذا جاء عن جماعة من المفسرين.) (1/ 194)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
أولاً: في الكتاب: (وَهُوَ مَعَكُم) قال: عَمَله!! وهذا تصحيف شنيع! والصواب عِلْمه.
كما هو مشهور (معيَّة العلم) وانظر:
خلق أفعال العباد للبخاري (8) والأسماء والصفات للبيهقي (2/ 341) تحقيق الحاشدي، وكتبٌ كثيرة.
هذا وإنَّ بعض المفسرين شطح فقال: المراد بالمعيَّة هنا، معية ذات! وختم قوله: (فإذا كانت المعية بالعلم لَزِمَ أن تكون بالذات؛ فافهم، وسلِّم إن لم تذق!!) أهـ
وقال أحدهم يسأل غيره: كيف تعتقد: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم}؟ فقال: بالذات؛ فقال له: أشهد أنَّك من العارفين!!) أهـ
فما أعجب ابن عجيبة رحمه الله؛ فقد أصبح للذوق طريق إلى مسائل الاعتقاد.
تالله هذا خلط فظيع من أهل التصوف المذموم، (وسبقهم الجهمية بذلك). نسأل الله السلامة والعافية.
ثُمَّ المعيةُ معيَّتان:
1_ معية خاصة لأوليائه بالحفظ، والنُّصرة، والتَّأْيِيد.
ومعيَّة عامَّة بالسمع، والبصر، والعلم.
وكلام أهل العلم في علم هذه المسألة مبسوط في كتب العقائد.
وأنصح بمطالعة: (الآثار المروية في صفة المعية) للشيخ د. محمد بن خليفة التميمي؛ فقد أجاد وأفاد.
ومما فيه:
لمطلب الأول: آيات المعيَّة.
المطلب الثاني: أقوال السلف في تفسير آيات المعيَّة العامة.
المطلب الثالث: أقوال السلف التي تجمع بين صفتي العلو والمعيَّة.
المطلب الرابع: أقوال الناس في صفة المعيَّة.
وحسب الإشارة هنا كافية.
والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[النجدية]ــــــــ[01 Sep 2007, 12:30 م]ـ
جزاكم الله خيرا، أستاذنا.
بالنسبة لقول العلماء:" لا أدري" ...
ففي حقيقة الأمر، تجد العلماء الربانيون يبذلون قصارى جهدهم في مسائل العلم؛ دراسة، و بحثا و تنقيبا ...
فإن أعياهم شيءٌ، بعد الدراسة و البحث ... وقد سئلوا عنه؛ قالوا: "لا أدري"!!
سبحان الله؛ الذي أبدع!!
و لنا في قصة ابن جرير الطبري -رحمه الله- عبرة؛ فقد سئل مرة عن علم العروض - إن لم تخني الذاكرة- و ما كان يعلم عنه شيئا؛ فطلب من السائل مهلة ... حتى جاءه في اليوم التالي بعد أن أمضى ليلته؛ مبحرا في علم العروض، فأجابه على سؤاله ... (فرب همة؛ أحيت أمة!!)
فلم يقل هنا:" لا أدري"؛ لأنه لم يبذل الجهد في البحث و التعلم، و لما فعل؛ أجاب و أجاد و أفاد!! -رحمه الله -
و دمتم بخير ...
ـ[النجدية]ــــــــ[04 Sep 2007, 08:15 م]ـ
بسم الله ...
بينما كنت أرتب أوراقي، وقعت هذه النبذة القصيرة عن تفسير الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى، فتذكرت أسرتي في هذا الملتقى؛ و ها أنا أقيدها لكم هنا ...
و أرجو أن يعذرنا أستاذنا (أبو العالية)؛ لأني أستغل زاويته الطيبة لوضع هذه الفائدة ....... فاعذروني ما أود إلا إفادتكم، رعاكم ربي!!
تفسير سفيان الثوري (161ه)
روى عنه التفسير (أبو جعفر محمد حذيفة النَّهري) -عنه مباشرة -، و رتبه و صححه و علَّق عليه (امتياز علي عرشي)، و يتكون التفسير من مجلد واحد.
هو خير تفسير بالأثر؛ إذ إن التفسير لم يكن فيه إلا ما يرويه سفيان عن النبي صلى الله عليه و سلم، و الصحابة و التابعين، و يذكر معاني نصوص بسيطة من غير رواية.
التفسير مرتب على السور و الآيات القرآنية، و هو لا يرى جواز تفسير القرآن بالرأي. و كان يسمي أحيانا بعض السور بغير أسمائها المكتوبة بالمصحف.
و هو أقدم تفسير وصل إلينا بعد التفسير المروي عن ابن عباس.
المصدر: مناهج المفسرين؛ مساعد آل جعفر، دار المعرفة، بيروت، سنة1980م. صفحة 49 - 52 باختصار.
و دمتم في حفظ ربي!!
ـ[أبو العالية]ــــــــ[08 Sep 2007, 10:17 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
جزاك الله خيراً، والموضوع متاح لكل من يُدْلِي بفائدة، أو يناقش مسألة؛ فالنفع للجميع.
1_ أما الفائدة الأولى حول (لا أدري) فهذه فائدة جيدة لو وجدنا بالاستقراء هذا الذي ذكرت أحسن الله إليك، لكن ما نفعل بالنصوص الكثيرة التي تدل على أجوبة كثير من العلماء لمسائل لم يبحثوا فيها، ولم تَرِد على أذهانهم، وإنما حين سألهم السائل قالوا _ لورعهم وخوفهم من الله تبارك وتعالى _ (لا أدري)، لا تدل هذه الكلمة _ كما أفهم _ إلا على أنهم أمسكوا عمَّا لا يعلموا عنه مزيد علم، وبعد هذا السؤال، يتوجه بالبحث والتنقيب، وهل قصة الإمام مسلم رحمه الله إلا خير شاهد في البحث والتقيب عن مسألة عرضت له في مجلسه؛ فحين دخل على أهله أمرهم بمنع الدخول عليه × فقالوا جاءنا سلة تمر هدية من آل فلان فقال: قربوها؛ فما طلع الصبح حتى وقف على الجواب وانتهت السلة! وكانت وفاته رحمه الله.
2_ أما ما ذكرته بقولك: (روى عنه التفسير (أبو جعفر محمد حذيفة النَّهري) -عنه مباشرة)
فهذان رجلان مختلفان لا رجلا واحداً.
وإنما (أبو جعفر؛ واسمه محمد) رواه عن (أبي حذيفة؛ واسمه موسى بن مسعود النَّهْدِي)
والله أعلم
ـ[أبو العالية]ــــــــ[08 Sep 2007, 03:22 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
19_ (187) سفيان بن عُيَيْنَة بن أبي عمران ميمون، الإمام، المجتهد، الحافظ، شيخ الإسلام أبو محمد الهلالي الكوفي (107_ 198هـ)
1_ الحج للقاء ابن عيينة:
قال الداودي رحمه الله عنه: (فقد كان خلقٌ يحجُّون؛ والباعث لهم؛ لقي ابن عيينة؛ فيزدحمون عليه في أيام الحج) (1/ 197)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
الله اكبر.
قطعٌ للفيافي والمفاوز، وتكلف شديد عجيب؛ لِلُقيا عالم!
أي شغف بالعلم والعلو فيه هذا.
إن عالماً بلغ هذه المنزلة؛ لمنزلته عالية، ورتبته منيفه على أهل عصره، وعلماء وقته.
إيه يا بن عيينه، رحمك الله، وبرَّد ضجيعك.
(يُتْبَعُ)
(/)
لذا؛ فلا تعجب أن تجد كلام أهل العلم الكبار الثقات الفحول يقولون فيه ما يقولون؛ فالقول كما شاهدوا؛ فلا يهوِلَنَّك ذلك؛ فالرجل قد بلغ، وقد أخلص، وما على المُخْلِص إلا التوفيق من العلي القدير.
ودونك بعضاً من كلامهم في أبي محمد الهلالي محدِّث الحرم المكي، ولا فخر.
أ. قال الإمام الشافعي رحمه الله: (ما رأيت أحداً فيه من آلة العلم ما في سفيان، وما رأيت أحداً أكفَّ عن الفتيا منه، وما رأيت أحداً أحسن لتفسير الحديث منه)
ب. قال الإمام أحمد رحمه الله: (ما رأيت أعلم بالسنن منه)
ج. قال الشيخ العجلي رحمه الله: (كان ابن عيينة ثبْتاً في الحديث، وحديثه نحو سبعة آلاف، ولم يكن له كتب)
د. قال ابن مهدي رحمه الله: (عند سفيان بن عيينة من المعرفة بالقرآن، وتفسير الحديث مالم يكن عند الثوري)
هـ. قال حمَّاد بن يحيى: سمعتُ ابن عيينة يقول: رأيت كأنَّ أسناني سقطت؛ فذكرته للزهري؛ فقال: يموت أسنانك وتبقى؛ فمات أسناني، وبقيت؛ فجعل الله كل عدو لي محباً)
وأما سبب هذا الزَّحام على ابن عينة رحمه الله؛ فيقول الإمام الذهبي في ترجمته: (ولقد كان خلق من طلبة الحديث، يتكلَّفون الحج، وما المحرِّك لهم سِوَى لقي سفيان بن عيينة؛ لإمامته وعلو إسناده) السير (8/ 457).
2_ هل العِلْم يضر؟:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقال: العلم إذا لم ينفعك ضرك) (1/ 198)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
سبحان الله!
العلمُ يَضُرُّ؟
كيف والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا ممن ثلاث: وذكر: علم نافع)
يفهم من هذا، أن هناك علماًَ غير نافع.
تأمَّل _ نفعني الله وإياك _ هذه المقولات الرائقة في بيان العلم:
1_ قال الحسن: العلم علمان؛ فعلم في القلب؛ فذلك العلم النافع، وعلم على اللسان، فذلك حجة الله على بن آدم. (مجموع الفتاوى 18/ 303 وجامع العلوم والحكم 343)
والمراد: بعلم القلب؛ ما دفعك للخشية من ربك، وزانك بالصالحات والقربات والطاعات.
لا العلم الذي تكون فيه مكثاراً باللسان، مقلاً بالأركان.
ولأجله قال كثير من أهل العلم الكبار: ليتنا ما علمنا، ولا تعلَّمنا، ولا تكملنا في العلم!
وهذا معلوم عند كل ذي بصيرة أنه محمول من باب شدة خوفهم وورعهم رحمهم الله تعالى، وخشية أن يكونوا قد قصَّروا في جنب الله، أو أفتوا بالخطأ.
وعلمهم وعملهم بين الأجر والأجرين رحمهم الله تعالى.
فإن علومهم من خير العلوم في تفسير كتاب الله وسنة نبينه صلى الله عليه وسلم؛ فالزم هُدَاهُم، وبِهُداهُم اقْتَدِه.
2_ قال مطر: خير العلم ما نفع؛ وإنما ينفع الله بالعلم من عَلِمه ثم عمل به؛ ولا ينفع به من عَلِمه ثم تركه. (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/ 90)
3_ قال مالك بن دينار: إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد به فجوراً أو فخراً. (اقتضاء العلم العمل 32)
ومراده رحمه الله بكسر العلم له: أن يتواضع فلا يتعاظم ويتكبر ويشمخ بنفسه ويزدري عباد الله.
فليكن لسان حاله:
إن حفظتُ القرآن يكون ماذا؟
وإن حفظتُ الصحيحين أي شيء في هذا؟
وإن بلغتُ الدرجات العليا من الشهادات أي شيء كائن فيه؟
تالله إنها زيادة حجة وتكليف لا تشريف.
وهكذا النَّبِيه؛ يوظف العلم لخدمة نفسه ونفعها لا لهلاكها، ورمُتك عاقلاً أيها القارئ؛ فمثلك فَطِنٌ.
4_ قال الحسن: تعلَّموا ما شئتم أن تعلموا؛ فلن يجازيكم الله على العلم حتى تعملوا؛ فإن السفهاء همتهم الرواية، وإنَّ العلماء همتهم الرعاية. (اقتضاء العلم العمل 35)
5_ قال مالك بن دينار: سألت الحسن عن عقوبة العالم، قال: موت القلب، قلت: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة) (الزهد 265)
6_ وما أحسن كلام الخطيب رحمه الله حين قال في (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) (1/ 77 - 78) في سمة طالب العلم:
(يُتْبَعُ)
(/)
(والواجب أن يكون أكمل الناس أدباً، وأشدُّ الخلق تواضعاً، وأعظمهم نزاهة وتديُّناً، وأقلهم طَيْشاً وغضباً؛ لدوام قرع أسماعهم بالأخبار المشتملة على محاسن أخلاقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وآدابه، وسيرة السلف الأخيار من أهل بيته وأصحابه، وطرائق المحدثين ومآثر الماضين؛ فيأخذوا بأجملها وأحسنها ويصدفوا عن أرذلها وأدونها.
إلى أن قال: عن أبي عاصم أنه قال: (من طلب هذا الحديث؛ فقد طلب أعلى أمور الدنيا، فيجب أن يكون خير الناس).
وقال: عن سفيان بن عينية أنه كان يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر؛ فعليه تُعْرَض الأشياء، على خُلُقه، وسيرته، وهديه؛ فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل) (1/ 79) بتصرف يسير
فيا أيها الطَّالب للعلم، المريد نفع نفسه، هذه قالات أهل العلم في العلم ومنفعته، فإيَّاك يا هذا أن يضرَّك علمك، فتحرم الخير الكثير، والأجر الكبير.
واعلم_ علّمني الله وإيَّاك _ أن أسباب مضرة العلم كثيرة (وحين توجد الأسباب، تتبعها النتائج؛ فتنفذ إرادة الله، و تحقُّ كلمته) (الظِّلال 4/ 2218):
ومن جملة الأسباب ما يلي:
1. عدم العمل بالعلم؛ لأن عدم العمل ذهاب للعلم. (هتف العلم العمل؛ فإن أجابه وإلا ارتحل) والعمل من أعظم مثبِّتات العلم.
وانظر توبيخاً نافعاً لمن رام نصح نفسه من العلامة السَّعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى: (لِم تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون) فطالعه، وكرِّره عند كل علم صغير وكبير، وخاطب نفسك به يُفِدْك كثيراً!
فمن لم يجرب ليس يعرف قدره * * * فجرِّب تجد تصديق ما ذكرناه.
2. الحرص عن الشهرة وحب الظهور. وهذا داء فتَّاك، وسُمٌّ عُضال. وقد قيل: (حب الظهور، يُقصِم الظهور) وهذا في كل علم قُصِد به الدنيا، لا لله من علوم الشريعة الغراء.
3.السكوت عن فعل الباطل؛ لأن فيه سرعة انتشاره ولا نكير من أهل العلم والخير والصلاح؛ فقلي بربك: أيُّ منفعة لصاحب العلم بعلمه إن لم يُنْكِر على أهل الباطل باطلهم؟
4.مداهنة أهل الباطل سِيَّما أهل الرياسات والمناصب؛ خشية فوات فتات الدنيا، وهذا حال من تكون نفسه الطيبة الصالحة (الَّلوامة) تبين له في قرارة نفسه فساد فعله، وتقول له:
(هذا لا يجوز؟
وهذا فعل شائن بالدِّين.
وينبغي عليك الإنكار (وقد وثق بك فلان؛ فلا تسكت فيظن فعله مباحاً! بسكوتك)
لا تقعد معهم.
ويلك فِرَّ منهم!
و هو يكبح نصحها، ويدسُّ صوتها خشية أن يسمع نصحها أحد بجواره ويقول:
فيه خلاف!
المصلحة تقتضي هذا!
الضرورات تبيح المحظورات!
بعدين أنصحه!
بيني وبينه في السر (فالنصيحة على ملآ فضيحة كما يقول الإمام الشافعي!!)
أما سمعتي: تعمدني بنصحك بانفرادي .. )
ولكنك سرعان ما تراه ينخرط في صفوف أهل الباطل؛ مشاركاً، ونادباً، ومثنياً، وربما عازماً! نسال الله السلامة والعافية
نعوذ بالله من علماء السوء، وأهل السوء، ومن علم لا ينفع.
وارزقنا اللهم العلم النافع، والعمل الصالح.
فيا هذا قد نصحتك، والله حافظي وحافظك.
والسلام.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[27 Dec 2007, 06:13 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
سلمان بن ناصر بن عمران، بن ميمون بن مهران، أبو القاسم الأنصاري النَّيْسابوري (512هـ)
1_ العالم النِّحْرير:
قال الداودي رحمه الله عنه: (قال عبد الغافر: كان نحرير وقته في فنِّه)) (1/ 200)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
فيه مسائل:
الأولى: من هو عبد الغافر الذي يَكثر ذكره، لا سِيَّما في تراجم النَّيْسابوريين؟
- هو أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، له: (تذييل تاريخ نيسابور)) ويذكر تارة: قال عبد الغافر، وتارة عبد الغافر الفارسي. انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (21/ 477)
الثانية (معنى: النحرير):
قال ابن فارس في مادة (نحر): ((والعالم بالشّيء المجرِّب نِحْرِير، وهو إن كان من القياس الذي ذكرناه، بمعنى أنّه ينحر العلمَ نحراً، كقولك: قَتلتُ هذا الشَّيءَ عِلْماً)
وقال ابن الأثير في النهاية: (وفي حديث حذيفة [وُكِّلَت الفِتْنَة بثلاثةٍ: بالحادِّ النِّحْرير] هو الفَطِنُ البصيرُ بكل شيء)) (5/ 28)
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال المناوي في التوقيف: (النِّحْرِير العالم المُتْقِن، من نحر الأمور عِلْماً؛ إذا أتقنها كما يقال: قتلها)
والنّحْريرُ ليس من كلام العرب وهي كلمة مولّدة، كما قال الأصمعي (أفادة السيوطي في المزهرفي النوع الحادي والعشرين: معرفة المولَّد)
فرحم الله أبا القاسم الأنصاري أي علم مَلَك؟
وهذا مما دعى الحافظ ابن عساكر في تاريخه: (21/ 477) أن يصفه بقوله: (وهو من جملة الأفراد في علم الأصول والتفسير) أهـ
فلمَّا تميَّزفي علمه، وعلت رايات الغزارة والتمكُّن؛ كان من أفراد أهل العلم المتقنين له.
2_ تبيين مُبْهم:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وكانت معرفته فوق لسانه، ومعناه أكثر من ظاهره) (1/ 200)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
كنت قد قيدتُ على نسختي عند هذه الفقرة، عنوانا ً؛ وهو: أهمية جوامع الكلم للعالم. وهذا بداهة.
وكنت أحسب أنها: من سعة علم هذا العالم النحرير، أن كلامه موجز، ولكن يحمل في طياته معارف كثيرة وعلوماً متنوعة. وهذه صفة مدح ولا شك.
نعم، قنعت بهذا التفسير، ثم لمَّا قلبَّتُ النظر في النص، احتجت للرجوع لأكثر من مصدر لأستوثق صحة فهمي من خطئه.
فوجدت ابن عساكر يقول في تاريخه قبل هذا النص أعلاه: (كان بصيراً بمواضع الإشكال، مع قصور في تقرير لسانه)
فانكشف لي خلاف ما ظننت وبهذا النص بُيِّن ما أستشكلته.
وحينها خطر على خاطري بعض أهل العلم في عصرنا ممن يحسن التصنيف، وسكب المؤلفات، وترصيع الكلمات، ولكنه إن حاضر أو تكلم، ربما كان في حديثه بعض قصور، بخلاف سلاسة قلمه في أوراقه.
فقلت لعل هذا من ذلك، وكل يجود بما لديه، مما فتح الله عليه. والله أعلم.
3_ الدِّين من أجلِّ سمات الواقف على الكتب والمكتبات:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وأُقْعِد في خِزانة الكتب بنظامية نَيْسابور اعتماداً على دينه) (1/ 200)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
ما أعزَّها من نكتة.
تالله إن هذه السمة من أهم ما ينبغي أن يُعْتنى بها؛ فالعالِم مستأمنٌ على العلم، ولا ينفع للعلم فاقد الدِّين، مهما علا كعبه، وارتفع صيته _ في الغالب _
وأيننا اليوم من هذه السُّنَّة الموؤدة!
حتى خرجت علينا دور النشر والمكتبات تنادي على نفسها بأن جعلت القيِّم على تراثها ربما لا يُحْسِن التعامل معها، فضلاً عن معرفة موضوعها، وتصنيفها، أو الاهتمام بتحقيقها، وتخريجها، وحسن إخراجها، وفك مخطوطاتها.
لقد بات الأمر عندهم _إلا من رحم الله _ مادياً (الأقل راتباً)، ولو كان الأسوء تحقيقاً وتنقيحاً وتدقيقاً. وإلى الله المشتكى
فهذه دعوة إلى اختيار العالم ذي الدِّين المحقِّق النِّحرير المدقِّق حتى نتخلص من عبث الكثير في تراثنا العلمي الزاخر.
4_ عالم يخاطب الجن:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وقال أبو نصر عبد الرحمن بن محمد الخطيبي:
سمعتُ محمود بن أبي توبة الوزير يقول: مضيتُ إلى باب بيت أبي القاسم الأنصاري؛ فإذا الباب مردود، وهو يتحدَّث مع واحدٍ؛ فوقفتُ ساعة، وفتحت الباب؛ فما كان في الدار غيره!
فقلت: مع من كنت تتحدَّث؟
فقال: كان هنا واحدٌ من الجن، كنت أكلِّمه)
) (1/ 200)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
وهذا من ظريف ولطيف هذا العالم، وقد كان بعض العلماء يُسْأل من قِبَل إخواننا من الجن.
وقد وقع مثل هذا كثيراً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بل كان بين الجن وبعض العلماء مودَّات ومناصرات ودعوات، وهذا مشهور معروف في سير العلماء وكتب التراجم.
والله أعلم
ـ[أبو العالية]ــــــــ[20 Jan 2008, 08:31 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
21_ (191) سُلَيم بن أيوب بن سُلَيم، أبو الفتح الرَّازي (447هـ)
1_ طلب العلم في الكبر:
قال الداودي رحمه الله عنه: (تفقَّه وهو كبير) (1/ 202)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
والسِّنُّ لا مدخل له في العلم، والصغر والكِبَر على السَّواء في الطلب، بيد أنَّه في الصغر أنفع وأثبت وأقوى، وإنما العبرة في أمرين:
الأول: البراعة في العلم والتمكُّن منه والاحتياج إليه.
الثاني: الإذن من أشياخه.
وهذا ما عُرِف عن أهل العلم في السابق؛ فلم يجيزوا لأحد بالتَّحديث أو الإفتاء ما لم يحصل على أحد هذين الشرطين.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا ليس على العموم، بل هو حسب الأشخاص، وحسب الجدِّ والاجتهاد.
فإن قال قائل: جاء في بعض كتب الحديث أن السنَّ الذي يُشترط فيه التحديث بلوغ الخمسين! ولا بأس بالأربعين؟
فيقال: هذا غير مُسلَّم؛ فكم هم العلماء الذي حدَّثوا وصنَّفوا وانتفعت الأمة بهم وماتوا ولم يبلغوا الأربعين وهل أدل على ذلك من إمام الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله توفِيَّ وعمره 36سنة.
ومن علماء التفسير علوم القرآن:
ابن معاذ الجهني الأندلسي توفي وعمره 28 سنة، حتى قال فيه الداني: (كان حافظاً ضابطاً ثقة، تصدَّر في العربية وفي الفرائض والحساب)
ومن مصنفاته المشهورة: البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان بن عفان.
وهو في فن كليات الرسم فيقول فيها (صـ 20): (إن ما): جميع ما في كتاب الله عز وجل من قوله (إنما) فهو في المصحف موصولاً إلا في موضع واحدٍ، وهو قوله في الأنعام (إن ما توعدون لآت) فإنه مقطوع .. إلخ ما ذكره هنا)
وأيضاً: كل ما في القرآن من ذكر المرأة؛ بالهاء إلا في سبعة مواضع ... وذكرها) (32)
وقد طبع هذا الكتاب النافع في كليات الرسم بتحقيق الدكتور غانم قدوري الحمد عن دار عمار.
ومن علماء القراءات أيضا: الإمام شُعْلَة. توفي وعمره 33 سنة.
واسمع ما قال الذهبي رحمه الله فيه: (الإمام المقرئ العلامة، الذي اختصر الشاطبية، كان شاباً فاضلاً صالحاً محققاً، يتوقَّد ذكاءً، عاش ثلاثاً وثلاثين سنة)
ومن مصنفات غير شرح الشاطبية: الناسخ والمنسوخ في القرآن.
قال ابن رجب عنه: (وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 256)
وأختم بالثالث: الإمام أبي الفتح السِّيرافِي توفي وعمره 28 سنة.
يقول الزِّرِكْلي (7/ 96): (فهذا عالم مفسِّر، عالم بالنحو)
وقال صاحب هِدْية العارفين (6/ 142): (صنَّف (تقريب التفسير) في تلخيص الكشاف)
فقلي بربك: ومن يقدم على تقريب الكشاف إلا قد بلغ في العلم شأواً عالياً.
ثم هذا القول اعترض عليه أكابر أهل العلم.
_ يقول القاضي عياض رحمه الله: (هذا لا يقوم له حجة بما قال، وكم من السلف المتقدمين، ومن بعدهم من لم ينته إلى هذا السنِّ، ولا استوفى العمر، ومات قبله، وقد نشر من العلم والحديث ما لا يحصى) الإلماع (200)
_ وقال الحافظ ابن حجر: (أما الأداء؛ فقد تقدَّم أنه لا اختصاص له بزمن معين، بل يقيد بالاحتياج، والتَّأهُّل لذلك، وهو مختلف باختلاف الأشخاص) نزهة النظر (206)
وفيما ذكر كفاية، والحمد لله.
وانظر بتفصيل ماتع وجميل: كتاب العلماء الذين لم يتجاوزا سِنَّ الأشُدِّ للشيخ المحقق علي العمران نفيس (ومنه غالب النقل).
وممن طلب العلم وهو كبير:
_ صالح بن كيسان،قال الحاكم فيه: (ابتدأ التعليم وهو ابن سبعين سنة) تهذيب التهذيب (4/ 400)
_ الكسائي: قال عنه الفرَّاء: إنما تعلم الكسائي النحو على كِبَر. (انظر: السير 9/ 131) وتاريخ بغداد (11/ 321)
_ القفَّال: طلب العلم وهو ابن ثلاثين سنة. انظر السير (17/ 405)
_ ابن حزم وطلبه وعمره (26 سنة). انظر: السير 18/ 184)
_ العِزّ بن عبد السلام: لم يشتغل بالعلم إلى على كِبَر. طبقات المفسرين (1/ 231) وفيه قصة.
وانظر مقالة فائقة رائقة من كتاب المنفلوطي (الأربعون) من النظرات (3/ 254)
بعض الأعمار عندهم بالنسبة إليهم كبير، وفي زماننا ربما ليس بالكثير، فسبحان من قسَّم العلوم كما قسم الأرزاق، فاللهم ارزقنا علماً كعلمهم، ونفعاً كنفعهم، وصلاحاً كصلاحهم.
2_ قيمة الوقت عند العالم:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وكان ورِعاً زاهداً، يحاسب نفسه على الأوقات، لا يدعُ وقتاً يمضي عليه بغير فائدة) (1/ 202)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
ما أحلى اغتنام الوقت في طاعة الله تعالى. وما ألذ صيد ذلك والتفنن في استغلاله.
ومن أحوال أبي الفتح في استغلاله الوقت:
(يُتْبَعُ)
(/)
1_ كان سليم ببغداد في حال طلبه العلم تَرِدُ عليه كتب من الري، فلا يقرأ شيئاً منها، ولا ينظر فيها، ويجمعها عنده، إلى أن فرغ من تحصيل ما أراد، ثم فتحها فوجد في بعضها ماتت أمك، وفي بعضها ما يضيق له صدره، فقال: لو كنت قرأتها قطعتني عن تحصيل ما أردت. مختصر تاريخ دمشق (3/ 413)
2_ حدَّث عنه أبو الفرج الإسفراييني: أنه نزل يوماً إلى داره ورجع فقال: قرأت جزءاً في طريقي.
3_ وحدَّث المؤمل بن الحسن: أنه رأى سُليماً وقد جفا عليه القلم؛ فإلى أن قطّه جعل يحرك شفتيه؛ فعلم أنه يقرأ أثناء إصلاحه القلم؛ لئلا يمضي عليه زمان وهو فارغ، أو كما قال. مختصر تاريخ دمشق (3/ 413)
نعم، فإن اشتغلت اليدان؛ فالقلب واللسان في شغل أيضاً.
4_ قال سهل الإسفرائيني: حدثني سليم أنه كان في صغره بالري، وله نحو عشرين سنين، فحضر بعض الشيوخ وهو يلقن فقال لي: تقدم فاقرأ. فجهد أن أقرأ الفاتحة فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني.
فقال: لك والدة؟ قلت: نعم.
قال: هل تدعو لك أن يرزقك الله قراءة القرآن والعلم. قلت: نعم.
فرجعت فسألتها الدعاء؛ فدعت لي. ثم إني كبرت ودخلت بغداد وقرأت بها العربية والفقه، ثم عدت إلى الري، فبينا أنا في الجامع أقرأ بمختصر المزني وإذا الشيخ قد حضر وسلم علينا وهو لا يعرفني. فسمع مقابلتنا وهولا يعلم ما نقول، ثم قال: متى يتعلم مثل هذا؟ فأردت أن قول له: إن كانت لك والدة قل لها تدعو لك، فاستحييت منه، أو كما قال. تاريخ الإسلام للذهبي (7/ 149)
نعم، لقد ضرب السلف رحمهم الله تعالى أروع النماذج في ذلك، حتى أصبحت تطالع في المصنفات ما يجعلك تكثر من الترحم عليهم؛ فأي رجال هم، تالله إنهم مفخرة وأي مفخرة.
أولئك أبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وإليك طرفاً من أقوال السلف الصالح رحمهم الله في اغتنام أوقاتهم:
_ قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء، ندمي على يومٍ غربت في شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزددْ فيه عملي. (قيمة الوقت لأبي غدة (27)
_ _وقال الحسن: أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصا على دراهمكم و دنانيركم. (قيمة الوقت لأبي غدة (27)
_ وانظر في الحادثة العجيبة مع أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله، وهو في النزع يشغف بالعلم (قيمة الوقت لأبي غدة (28)
_ والأَعجب أنه حين توفي ابنه أوكل من يقوم على تجهيزه ودفنه؛ لأنه يحضُر درساً لأبي حنيفة، فخشي أن يتحسَّر على ذلك. (قيمة الوقت لأبي غدة (30)
فالنماذج تطول.
وإياك أيها البطَّال من تضييع وقتك؛ فتغرم، أو تضييع أوقات أهل العلم؛ فتأثم.
ومن رام الزيادة؛ فلينظر لجمل الكتب في الإفادة (قيمة الوقت للشيخ العلامة أبي غدة رحمه الله)
3_ أجوبة العالم المفحمة:
قال الداودي رحمه الله عنه: (وسأله شخصٌ: ما الفرق بين مصنفاتك، ومصنفات رفيقك المحاملي؟ _ مُعرِّضاً بان تلك أشهر.
فقال: الفرق أن تلك صُنِّفت بالعراق، ومصنفاتي صنفت بالشام) (1/ 203)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
فيه مسائل:
الأولى: من هو المحاملي وما قيمة مصنفاته؟
هو أبو الحسن أحمد بن محمد الضبي المحاملي شيخ الشافعية (ت 415هـ) كان منقطع النظير في الذكاء. من شيوخه أبو حامد الإسفرائيني، حتى قال عنه: هو اليوم أحفظ للفقه مني. تاريخ بغداد (4/ 373)
والمحاملي نسبة إلى عمل المحامل الذي يركب فيها في السفر.
وهو يُعدُّ من قران أبي الفتح سليم الرازي، وهما معاً أخذا الفقه عن أبي حامد ولكل منهما تعليقه عنه
ومصنفاته: المجموع، والمقنع، والقباب، وهي كلها في فقه الشافعية. وصنف في الخلاف أيضا ًً
وقد ترجم له السُّبكي في طبقاته، وعَدَّ له من الغرائب في المذهب؛ فطالعه (4/ 48) برقم (265)
الثانية: فطنة العالم من الوقوع في أقرانه وأهل الفضل:
لقد كان الشيخ أبو الفتح الرازي رحمه الله فطناً في هذا السؤال؛ فقد يكون هذا السائل أراد سوءً ووقيعة بأهل العلم؛ لينتقص منهم؛ ولكنَّ جلالة العلم وحرمته وقفت سداً منيعاً أما هذا السائل، وجعلته لا يظفر بمراده، وفيه بيان صرف النظر عن مثل هذه الأمور التي لا تنفع في المقارنة بين أهل العلم؛ فحسب أن العلم قَسْمٌ، يُقسِمهُ الله بين عباده، والله يوفق لكلٍّ بابه في منفعة الإسلام والمسلمين.
فرحم الله أبا الفتح، ما أسدَّ رأيه، وأبعد نظره، وهكذا فليكن علماء هذا الزمان.
الثالثة: في الحكم على الكتب:
ينبغي لطالب العلم قبل أن يحكم على الكتب، أن يعرف الملابسات التي كانت تحفُّ به وقت تأليفه؛ وزمنه، فقد تلومه وله عذر في ذلك.
وما أروع قول ابن الأثير حين اعتذر عن أبي عبيدة حين ألف أوراقاً في غريب الحديث قال: (ولم تكن قِلَّتُهُ لجهله بغيره من غريب الحديث، وإنما كان ذلك لأمرين:
أحدهما: أن كلَّ مبتدئ لشيء لم يسبق إليه، ومبتدعٍ لأمر لم يُتقدَّم فيه عليه؛ فإنه يكون قليلاً ثم يكثر، وصغيراً ثم يكبر.
والثاني: أن الناس يومئذ كان فيهم بقية وعندهم معرفة؛ فلم يكن الجهل قد عمَّ، ولا الخطب قد طمَّ.) النهاية (1/ 5)
والكلام في هذا الأدب يطول، وحسب المقام التنويه.
الرابعة: من أمثلة الإجابات المفحمة:
ما ذُكِر أن رجلاً قال لعلي رضي الله عنه:
ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية، وخلافتك أنت وعثمان منكدرة؟
فقال رضي الله عنه للسائل: لأني كنتُ أنا وعثمان من أعوانِ أبي بكر وعمر.
وكنتَ أنتَ وأمثالك من أعوانِ عثمان وأعواني. مرآة الجنان (1/ 54)
والله أعلم
وإلى مشاركة قادمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الونشريسي]ــــــــ[30 Jan 2008, 10:16 ص]ـ
يالك من رائع أبا العالية: أنا عاجز عن مكافأتك إلا أن أقول لك: جزاك الله خيرا، فإن الموضوع أعجبني كثرا واستفدت منه. أخو: أبو حذيفة جلول، (أكتب باسم بو سنيان)
ـ[أبو العالية]ــــــــ[06 Aug 2009, 01:43 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
22_ (194) سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطير، أبو القاسم الطبراني (360هـ)
(المحدث صاحب المعاجم الثلاثة)
1_ أهمية عناية المؤلف بمصنَّفه وحرصه على تجويده:
قال الداودي رحمه الله عنه معدداً تصانيفه:: «والمعجم الأوسط» في ست مجلدات كبار على معجم شيوخه، يأتي فيه عن كل شيخ بما له من الغرائب والعجائب، فهو نظير كتاب «الأفراد» للدارقطني، بيَّن فيه فضيلته وسعة روايته، وكان يقول: هذا الكتاب روحي؛ فإنه تعب عليه وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر» (1/ 204)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
هنا تمهيد ومسألتان:
فالتمهيد: هذا نص الإمام الذهبي رحمه الله في تذكرة الحفاظ (3/ 912) عن الطبراني نقله عنه الداوودي رحمه الله.
أما المسألة الأولى:
فالأولى: قوله: (وكان يقول: هذا الكتاب روحي!)
ما أحلاه من وصف للكتاب، وما أروع شجون النفس تجاه محبوبها.
ولماذا لا يكون الكتاب روحه، وقد اتعب نفسه في تحريره وتجويده، وهو الذي روى عن أكثر من ألف شيخ، فإذا كان لكل شيخ من شيوخه غريبة أو عجيبة، فدونك ألف عجيبة، ولكن الكتاب ينبيك أن في طياته أكثر من ذلك.
لا يسعني القول إلا: إنهم القوم بذلوا الغالي والنفيس في سبيل هذه الكتب وما احتوته من العلم، حتى تراهم يصبحون ويمسون وديدنهم النظر فيها ما بين بيان مبهم، أو فتح مغلق، أو شرح، أو نظم، أو اختصار وتهذيب وتجريد، وغير ذلك.
والعزيز الذي عند القوم وفقدناه _ إلا من رحم الله _ أنهم يعتنون بكتبهم ومصنفاتهم عناية شديدة ويديمون النظر فيها ولو تأخرت سنين ـ كيف لا وهي تصقل العقول صقلاً، فالعبرة عندهم دقة التحرير، وقوة الضبط، لا كثرة النشر والبشر والفشر! كحال كثير ممن يتسلقون على جهود غيرهم زاعمين أو موهمين القارئ الكريم انها نتاج علمي رصين متين ... إلى آخر هرطقاتهم.
إيه والله أقول وكلي هم وغم وحزن وأسف من واقع المكتبات اليوم وهي ترمي لنا بكتب ورسائل يكاد القلب يعتصر دماً مما خرج، فالله المستعان.
ولاحقاً لسابق، فقد علَّقت في ترجمة إبراهيم بن يحيى المبارك، أبو إسحاق النحوي رحمه الله (225هـ) عنايته بذلك وما يستفاد منها، وحسبي هنا من التذكير بقوله، فقد نقل الداوودي عن الخطيب قائلاً: (وصنَّف: (ما اتفق لفظه واختلف معناه) ابتدأ فيه وهو ابن سبع عشرة سنة، ولم يزل يعمل فيه إلى أن أتت عليه ستون سنة)
فانظر إلى هذه الهمم كيف تحيي قلوباً ميتة، وتشحذ نفوساً كسلى!
وهذا أمر ليس بغريب عن ذاك الرعيل الماجد، فإن مما يذكر عنهم أيضاً:
_ السَّمين الحلبي حين قال عن كتابه: «الدر المصون»: (هذا الكتاب ذخيرة عمري)
وقال ابن اليزيد في «صلة الصلة» بعد أن ذكر كتاب ابن عبد الملك المراكشي، قال وعلى هذا الكتاب_ أي: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة _ عكف عمره)
وقال الصالحي عن كتابه: (سبل الهدى والرشاد): (نتيجة عمري وذخيرة دهري)
فبالله عليك أرنا في هذا الزمان من كان مثل صنيعهم، وقليل ما هم.
وأما المسألة الثانية: فهي قوله: (وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر)
وسبب ذلك أن هذا الكتاب مهم جداً للمتخصصين في علل الأحاديث، فإنَّ الطبراني رحمه الله، وهو المحدِّث الماهر، كان مقصده جمع غرائب وفرائد شيوخه في مكان، مع بيان وجه ذلك، ولذا وصفه الذهبي رحمه الله وهو الخبير بصناعة الحديث: (وفيه كل نفيس وعزيز ومنكر)
وقرَنه أيضاً ابن حجر رحمه الله لما ذكر كتاب البزار فقال: «من مظان أحاديث الأفراد «مسند» أبي بكر البزار؛ فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في «المعجم الأوسط».
وقال السيوطي في طبقاته نقلاً: «أتى عن كل شيخ بما له من الغرائب فهو نظير الأفراد للدارقطني»
لذا فعلى طالب علم الحديث عامة والعلل خاصة أن لا ينثني عن هذا السِّفر النفيس.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد حُقِّق تحقيقاً كاملاً و طبعته دار الحرمين بالقاهرة بتحقيق الشيخ طارق عوض الله وعبد المحسن الحسيني جزاهما الله خيراً.
2_ تفسيره الكبير:
قال الداودي رحمه الله عنه من جملة تصانيفه: «وله تفسير كبير» (1/ 205)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
يكاد يجمع كل من ترجم لأبي القاسم الطبراني أنَّ له تفسيراً كبيراً، وأشرأبت نفوس كثير من الباحثين والمتخصصين بكل شغف إلى خروج هذا التفسير.
وإذ بناشر يرفع عقيرته زاعماً أنه حقق الأمنية، وسهل الصعب، وقرب البعيد، فأخرج لنا تفسيراً في ست مجلدات طرز على طرته: (التفسير الكبير) هكذا سماه، وفي تسميته بهذا الاسم شك عندي ليس هذا محلّه.
فَسُوِّق الكتاب واخذ مهيعاً طويلاً عريضاً ما بين مثبت ونافٍ، وكتبت المقالات والردود، والقارئ الكريم _ غير المتخصص _ حائراً مما يرى.
وطالت القضية، وبلغت التجهيل، وعدم الديانة، والأمانة العلمية، وما وراء ذلك. والله المستعان.
لكن الذي أود أن أنصح القارئ به، وهو خير ما بحث في المسألة العالقة وحسم نزاعاً كبيراً، هو ما سطره باحث جادُّ في بحث نشرة في مجلة «بصائر» في عددها الثاني لعام (1430هـ)، ولا أملك إلا الدعاء له بالتوفيق، والسداد، والحث على إتمام الصورة بجلاء أكثر ليكون بحول الله حجة قاطعة.
فدونك الرابط، وانتفع منه، واعرف الفضل لأهله.
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=82384#post82384
والحمد لله على توفيقه.
3_ عناية الأب بتعليم ولده:
قال الداودي رحمه الله عنه: «وحرص عليه أبوه في صباه» (1/ 205)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
هذا مسلك طيب مبارك، وحرص ديني كبير، فإن الأباء والأمهات، حفظوا لنا بحسن تنشأتهم لأولادهم أفذاذاً من كبار علماء الدنيا، كالإمام أحمد، والإمام سفيان، وهنا الإمام الطبراني، وغيرهم كثير، فرحم الله الجميع.
إن حسن الرعاية للولد في منشأه وصباه له اكبر الأثر في صياغة شخصيته وصبغها بالفطرة المحمدية والاقتفا على الآثار العلية، فينشأ الابن معتنياً بالوحي وما يخدم مسائل الوحي من علوم الألة والوسائل الواصلة للمقاصد.
ولله در ابن الجوزي رحمه الله حين قيَّد رسالة وجيزة في نصيحته لولده يحثه على العلم والعناية به، فهي على وجازتها من احب النصائح إلى القلب؛ لما احتوت على درر قيمة، ومسائل قلَّ من يتفطن لها، فأهداها لنا الحافظ رحمه الله، فلعلنا ننتفع بها في حياتنا.
وعليه فالسؤال: لماذا يقل اهتمام كثير من الدعاة وطلبة العلم اهتمامهم بذويهم بدأ من زوجاتهم وأولادهم وأهلهم. لا شك أن التقصير كبير، والواقع يصدق هذا ويثبته، ورحم الله الإمام سفيان حين قال: ينبغي للرجل أن يُكره ولده على العلم؛ لأنه مسؤول عنه.
نسأل الله تعالى أن يصلح حالنا ومآلنا إنه خير مسؤول.
4_ لذة العلم تفوق كل لذة (هذا يومك يا أبا القاسم):
قال الداودي رحمه الله عنه: «
قال ابن فارس صاحب اللغة: سمعتُ الأستاذ ابن العميد يقول:
ما كنت أظنُّ في الدنيا كحلاوة الوزارة والرياسة التي أنا فيها، حتى شاهدتُ مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجُعابي بحضرتي، وكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلبه بفطنته، حتى ارتفعت أصواتهما، إلى أن قال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي.
فقال: هات.
قال: أنا أبو خليفة، أنا سليمان بن أيوب، وحدَّث بحديث.
فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب، ومني سمعه أبو خليفة؛ فاسمعه مني عالياً؛ فخجل الجعابي.
فوددتُ أنَّ الوزارة لم تكن، وكنتُ أنا الطبراني وفرحت كفرحه» (1/ 206)
قال مُقَيِّدُه غفر الله له:
فيه مسائل:
الأولى: أهمية الحفظ والفطنة للعالم، وهذا يأخذ من غلبة كل عالم لأخيه، فلو اجتمعتا في عالم أو طالب علم وصحبه توفيق الله تعالى، فقلَّ أن يغلب.
الثانية: لذة العلم تفوق والله كل لذة، ومن أحسن ما قرأت في لذته، قول الجاحظ في «الحيوان» (1/ 55)
في فصل (السماع والكتابة): «فالإنسان لا يعلمُ حتى يكثُرَ سماعُه، ولا بُدَّ من أن تكون كتبُه أكثرَ من سَمَاعِه، ولا يعلمُ ولا يجمع العلم ولا يُخْتَلَف إليه حتى يكون الإنفاقُ عليه من ماله ألذَّ عندَه من الإنفاق من مال عدوِّه، ومَن لم تكن نفقتُه التي تخرج في الكتب ألذَّ عنده مِن إنفاق عُشَّاق القيان والمستهتَرين بالبنيان لم يبلغ في العلم مبلغاً رضِيّاً، وليس يَنتفِع بإنفاقِه حتَّى يؤثِر اتِّخاذَ الكتبِ إيثارَ الأعرابي فرسَه باللبن على عياله، وحتَّى يؤَمِّل في العلم ما يؤَمِّل الأعرابي في فرسه) أ. هـ
و قول أبي حنيفة رحمه الله: إذا أخذته هزة المسائل يقول: أين الملوك من لذة ما نحن فيه؟ لو فطنوا لقاتلونا عليه.
وللقنوجي في أبجد العلوم كلام عن لذة العلم لا يحضرني الان، فليرجع إليه من أراد الزيادة.
هذا ما سنح في البال الان، وأرى يوسف يمشى رويداً نحو والده، فلا يسعني إلا الختام، والنوم معه في وئام، والسلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خلوصي]ــــــــ[10 Aug 2009, 12:59 م]ـ
موضوع ممتع نافع مدهش يا سيدي ..
ذكرني أيام كنت شغوفا بوضع الخطط و العناوين لتأليف كتب ... كان منها
كتاب " أخبار العلم و العلماء "
و كانت النية أن يكون ترجمة من نوع فريد لا للعلماء فردا فردا .. !
بل لطبقات العقود طبقة طبقة فيكون أشبه بتأريخ لحركة العلم في فنونه المتنوعة!؟ و ما يبينه ذلك من توضيح لطبائع العلوم و مقاصدها و أضرار الجهل بها لمن يهجم على مسائل الأمة بغير علم فيها ...
مع مئات الأفكار الجانبية البديعة الغريبة!
فلو كنت عندك أخي العزيز لأهديتك المشروع على أن تدعو لي بتيسير قيام الليل الذي لا زلت ألاحقه فيمتنع!!
و يا ليتك تجعل الخط أكبر حجم 6 مثلا و من نوع خطي هذا فهو أجمل: traditional لو تكرمتم ...
بارك الله فيكم جميعا.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[23 Dec 2009, 12:26 ص]ـ
وكم في أخبار أولئك الأعلام من فوائد وعبر!!
وكم في هذا الموضوع من وقفات تحتاج إلى انتباه والتفات!!(/)
هنا منظومة جيدة في ترتيب سور القرآن الكريم
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[01 Jun 2007, 09:24 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه قصيدة شعرية من أروع ماكتب في ترتيب سور المصحف الكريم وقد نالت إعجاب الكثير من أهل التخصص وأهل ألإبداع في هذا المجال ولعلها تنال إعجابكم وهو أقل شئ أقدمه لكم في هذا الملتقى الذي يزخر بثلة عملاقة من أصحاب هذالفن فهو مجمع في نظري قد جمع أفذاذ المجتمع فلا عجب فإن مشرفهم فضيلة الشيخ د/أبو عبد الله عبد الرحمن الشهري الذي عرف بالنشاط فضائيا ومحليا فجزاه الله عنا خيرا فإلى بيت القصيد ولب الموضوع.
بالحمد نبدأ كل فعل طيب = ثم الصلاةعلى ابن عبد مناف
بقر لعمران وبعض نسائه = وموائد ألأنعام بالأعراف
يا رب أنفلني بتوبة يونس = هود ويوسف طاهر ألأطراف
بالرعد إبراهيم خاف بحجره = والنحل أسرى للكهوف يواف
وبمريم العذراء طه بعدها = أكرم بكل الأنبيا الأشراف
للحج يرنو المؤمنون بنوره = بالذكر وألأشعار في إلحاف
والنمل تقصص والعناكب حولها = والروم يا لقمان رهن تلاف
لم يسجد الأحزاب من سبإ ولم = تحنو الجباه لفاطر الأسلاف
يس صافات وص والزمر = ياغافرا فصلت لي أوصافي
وتشاور في زينة من زخرف = بدخانهم وجثوا على الأحقاف
ومحمد بالفتح جاء مبشرا = في حجرة ألقى عليه بقاف
بالذاريات الطور أشرق نجمه = قمرا من الرحمن ليس بخاف
وقع الحديد فلا جدال ببأسه = في الحشر يمتحن ألأنام مكاف
بالصف صف المسلمون لجمعة = واخو النفاق لغبنه متجاف
قد طلق الأخرى فحرم ربه = ملك الجنان عليه دون خلاف
قلم يحق له العروج إلى العلى = يا نوح إن الجن غير خواف
وتزملت وتدثرت لقيامة ألأ = نسان أرسل صيحة استعطاف
نبأ عظيم زاد فيه نزاعهم = عبسوا له متكور الأعطاف
وتفطرت أجسادهم من هوله = قد طففوا المكيال في إسراف
وانشقت الأبراج بعد طوارق = سبح فإن الغاشيات تواف
والفجر أشرق في البلاد وشمسنا = غابت فحل الليل ذوالأطياف
أضحى الضحى فاشرح فؤادك تاليا = بالتين إقرأ ذاك قدرٌ كاف
بالبينات تزلزلت عادية = بقوارع ألهت عن الإسعاف
والعصر يمضي وهو يهمز فيله = لقريش في صخب وفي إسفاف
من يمنع الماعون ينحر نفسه = والكفر ولى بعد نصر شاف
تبت يدا من لايوحد ربه = فلق الصباح وجاد با لألطاف
عذ بالإله من الوساوس وادعه = يغفر لناظم هذه الأصداف
ثم الصلاة على النبي محمد = والآل والأصحاب والأسلاف
تلك هي المنظومة التي حوت ترتيب السور القرآن لعلها تحظى بإعجابكم أو نقد بنآء وهي للشاعر محمود إبراهيم اليمني
ـ[ابن الجزري]ــــــــ[02 Jun 2007, 12:13 ص]ـ
قصيدة جميلة بارك الله في كاتبها وناقلها
ولعل البيت
وتشاور من زينة في (زخرف)
ـ[تاج الروح]ــــــــ[02 Jun 2007, 12:25 ص]ـ
قصيدة جميلة
هذا الشطر رائع: والنمل تقصص والعناكب حولها
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[02 Jun 2007, 03:53 ص]ـ
قصيدة جميلة بارك الله في كاتبها وناقلها
ولعل البيت
وتشاور من زينة في (زخرف)
جزاك الله خيرآ وشكرالله سعيك وشرفتنا بمرورك الكريم
ولك أن أعدل
ـ[معروفي]ــــــــ[02 Jun 2007, 04:55 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[02 Jun 2007, 05:18 ص]ـ
بارك الله فيك أخي العزيز شعيب فهي أبيات جميلة تعين على مراعاة ترتيب سور القرآن للحفاظ.
ـ[رحمة]ــــــــ[02 Jun 2007, 12:07 م]ـ
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
ـ[أبو العالية]ــــــــ[02 Jun 2007, 12:39 م]ـ
الحمد لله، وبعد ..
ويكأنها من قصيدة للعلامة إبراهيم الأنصاري الذي قطن قطر رحمه الله
فهي قصيدة ماتعة ورائعة.
ـ[علال بوربيق]ــــــــ[02 Jun 2007, 12:54 م]ـ
أعجبني قوله:
أَضْحَى الضُّحَى فَاشْرَحْ فُؤَادَكَ تَالِيًا ... بِالتِّينِ إِقْرَأْ ذَاكَ قَدْرٌ كَافٍ
بارك الله فيه وفيكم
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[02 Jun 2007, 01:07 م]ـ
قصيدة جميلة جدًا، وياحبذا لو كانت الأسماء الدالة على السور باللون الاحمر، لكان أجمل.
وحبذا لو عرِّفت بالناظم.
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:36 م]ـ
قصيدة جميلة
هذا الشطر رائع: والنمل تقصص والعناكب حولها
حي الله مرورك الكريم وتعليقك اللطيف
ومااعجبك من القصيدة قد أعجبني كذالك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:38 م]ـ
جزاكم الله خيراً
وإياك وشرفتنا بمرورك _اشكرك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[05 Jun 2007, 08:36 ص]ـ
بارك الله فيك أخي العزيز شعيب فهي أبيات جميلة تعين على مراعاة ترتيب سور القرآن للحفاظ.
وبارك الله فيك شيخنا الجليل ومما زاد القصيدة تزكية استحسانك لها
وشرفتنا واكرمتنا بتعليقك وتشجيعك
تلميذك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[05 Jun 2007, 08:38 ص]ـ
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا
وفيك بارك الله يارحمه
سدد الله خطواتك واشكرلك مرورك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[05 Jun 2007, 08:40 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
ويكأنها من قصيدة للعلامة إبراهيم الأنصاري الذي قطن قطر رحمه الله
فهي قصيدة ماتعة ورائعة.
حي الله ابو العاليه وشكر الله لك مرورك الكريم
وتشجيعك
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[05 Jun 2007, 08:41 ص]ـ
أعجبني قوله:
أَضْحَى الضُّحَى فَاشْرَحْ فُؤَادَكَ تَالِيًا ... بِالتِّينِ إِقْرَأْ ذَاكَ قَدْرٌ كَافٍ
بارك الله فيه وفيكم
صادق الرافعي شرح الله فؤادك ونور دربك
وشكرا على تعليقك واعجابك فذالك البيت دلالة على ذوقك الرفيع
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[05 Jun 2007, 08:44 ص]ـ
قصيدة جميلة جدًا، وياحبذا لو كانت الأسماء الدالة على السور باللون الاحمر، لكان أجمل.
وحبذا لو عرِّفت بالناظم.
طرت فرحا حين رأيت تعليقك ياشيخ مساعد ضمن القائمه
فاحترت ماالذي سيوفي امثالك فلا اقول الا رفع الله قدرك ورفع الله ذكرك على هذا التواضع
اما الناظم فلا اعرف عنه شيئا ولكن ان وجد شيئا سأوافيك به
شرفتني بتعليقك اللطيف واقتراحك الطيب
سلمت اناملك وتحياتي لك
تلميذك
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[06 Jun 2007, 11:34 م]ـ
لا أجد سببا لهذا الإطراء على هذه القصيدة، لقد قرأتها أكثر من مرة، فما وجدت ما يدعو إلى الإعجاب ..
مثال:
بقر لعمران وبعض نسائه
وموائد ألأنعام بالأعراف
ما الجميل في هذا البيت .. وأي معنى فيه؟ إنه بلا معنى، بل لو أخذناه على حالته لخرجنا بكلام لا يليق بالقرآن .. هل تدبر المعجبون كلمات البيت؟
بقر لعمران ..
وبعض نسائه ..
وموائد الأنعام .. بالأعراف.
أنا أفضل أن أحفظ هذه السور بأسمائها بعيدا عن كل هذا التكلف. فاسم السورة الأولى الفاتحة، وقد اختار الناظم وليس الشاعر كلمة الحمد لسهولتها، ثم اسم السورة التالية البقرة وليست بقر (قد يأتي جيل قادم فيحسب أن اسم السورة كانت بقر وحرفت إلى البقرة، واسم السورة التالية آل عمران وليست عمران، والتالية النساء وشتان ما بين النساء وبعض نسائه ...
والسؤال إلى علمائنا الأجلاء: هل يجوز التحريف في أسماء سور القرآن لضرورة الشعر أو لتسهيل الحفظ؟
مثال آخر:
للحج يرنو المؤمنون بنوره
بالذكر وألأشعار في إلحاف
لنتأمل كلمات الشطر الأول:
يرنو المؤمنون للحج بنوره ... بالذكر والأشعار ...........
لقد اضطر الناظم إلى استخدام غير سليم لأحرف الجر أدى إلى معنى ليس مقصودا ..
وهل يرنو المؤمنون بالأشعار؟ واسم السورة هي الشعراء وليست الأشعار. (إذا لم يكن لدى القارئ معلومات مسبقة فكيف سيعرف الخطأ من الصواب؟).
مثال آخر:
والنمل تقصص والعناكب حولها
والروم يا لقمان رهن تلاف
اسم السورة هنا القصص وليست تقصص، والتالية هي العنكبوت وليست العناكب .. كما أن البيت لا معنى له.
مثال آخر:
لم يسجد الأحزاب من سبإ ولم
تحنو الجباه لفاطر الأسلاف
ما معنى " لم يسجد الأحزاب من سبأ " ..
هل المهم أن اجمع كلمات يسجد، الأحزاب، سبأ، في شطر من بيت، بأي شكل؟ وأن أستخدم حرف الجر " من " من أجل الوزن الشعري؟
مثال آخر:
والفجر أشرق في البلاد وشمسنا
غابت فحل الليل ذوالأطياف
وهل يشرق الفجر؟ والسورة التالية هي البلد وليست البلاد ..
مثال آخر:
بالبينات تزلزلت عادية
بقوارع ألهت عن الإسعاف
وهنا أيضا شتان ما بين الزلزلة وتزلزلت، وما بين العاديات وعادية (بتشديد الياء للوزن) وما بين بقوارع والقارعة ..
جملة القول:
لا يكاد بيت يخلو من مأخذ، الغرض نبيل ولكن أسلوب النظم هذا قد فشل في تحقيق الغرض المطلوب، ولا مبرر لكل هذا التحريف في أسماء سور القرآن على نحو يصعب أن يتبينها غير أولي العلم والخبرة. وليس ببعيد أن يؤدي هذا الأسلوب إلى الخلط عند طلبة العلم. ولعل البعض يستنتج غدا حكما شرعيا بجواز استبدال اسم السورة بأي رمز قد يوحي إليها.
والله أعلم
ـ[المستكشف]ــــــــ[07 Jun 2007, 01:40 م]ـ
قال عبد الله جلغوم: (لا أجد سببا لهذا الإطراء على هذه القصيدة، لقد قرأتها أكثر من مرة، فما وجدت ما يدعو إلى الإعجاب)
قلت: يبدو أن صاحب الرياضيات المعجزة لا يعرف ضوابط النظم التعليمي، لا بأس فلكل فن رجاله.
وصحيح أن هذا النظم المليح لا يدخل الرؤوس الممنطقة بواحد زايد واد يساوي اثنين.
قال عبد الله جلغوم: ((قد يأتي جيل قادم فيحسب أن اسم السورة كانت بقر وحرفت إلى البقرة، واسم السورة التالية آل عمران وليست عمران، والتالية النساء وشتان ما بين النساء وبعض نسائه ... )
قلت: لا أدري: هل منطقك الرياضي يوصلك إلى هذا الاحتمال السقيم. الناس ستترك الآثار، وما اعتادت عليه من التسميات وستنشغل بهذه المنظومة؟!
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[07 Jun 2007, 02:31 م]ـ
وأنا أتفق مع أخي عبد الله جلغوم في أن هذه القصيدة لا ترقى إلى مستوى الحفاوة التي أبداها الزملاء الكرام مع احترامنا وتقديرنا لقائلها وناقلها.
إن الحافظ للقرآن لا يحتاجها ألبته، وأما غير الحافظ فالأولى له أن يصرف ما يبذله في في حفظها في حفظ ما يتيسر له من القرآن فهو خير وأبقى. مع أن ترتيب سور القرآن ليس بعسير ولله الحمد اللهم إلا في آخر المفصل لغير الحفاظ.
ولقد عجبت كثيرا من تعقيب أخي عبد الله جلغوم كيف كتبه بهذه اللغة النقدية الجزلة وهو صاحب نظرية الأعداد المثيرة!
فسبحان العليم الخبير.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[07 Jun 2007, 03:15 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
ترفقا بأخيكم؟؟؟
جزى الله اخي ناقل هذه المنظومة و جزى الله ناظمها، كان بودي ان يكون رد الاخوين أقل حدة لكي لا يفسدا على اخينا فرحته كما كتب:" - طرت فرحا - " بعد ما قرأ كلمات الاطراء و التشجيع من السادة المشرفين والاساتذة الفطاحل،
و أنا بدوري اعبر له عن امتناني و تشجيعي له فهي قصيدة فيها عبق شاطبي، و شاعرية حسانية، و احاسيس ايمانية و جهد يشكر عليه، فرفقا باحاسيس المسلمين لان قلوبهم رقيقة رهيفة حساسة مثل الزجاجة الشفافة تنكسر لادنى شئ يصيبها فالرفق طيب و ما " دخل الرفق أمرا الا زانه ... " أو كما قيل (أعذروني ان أخطأت او ألحنت فأنا دراستي كلها باللغة لفرنسية و قد اجتهدت في تعلم العربية حبا في القرآن الكريم)، لكن لا يعني هذا معارضتي لنقدكما البناء و الهادف، لكن اسلوب و طريقة النقد فيها نوع من الشدة فقط.
بارك الله فيكم كلكم و وفقكم الله و سدد خطاكم
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Jun 2007, 04:50 م]ـ
هذه منظومة تقريبية للحافظ فحسب، في عباراتها إشارات لأسماء السور، وهي على منوال قصيدة (غرامي صحيح والرجا فيك معضل) لمن يعرفها، وأخي الكريم شعيب ناقل للمنظومة بارك الله فيه، وهي تصلح لضعيفي الذاكرة من أمثالي، ممن قد يهم في ترتيب سور جزء عم.
ـ[الجكني]ــــــــ[07 Jun 2007, 09:53 م]ـ
أخي "المستكشف" حفظك الله: "ما هكذا تورد الإبل "؟؟
أضم صوتي لصوت الأخ "جلغوم" حفظه الله،فقد ظهر أنه "أديب " أيضاً،والأدب ليس حكراً على صاحب "الشريعة والعلوم الدينية،وإلا لضاع الجمال والذوق.
هناك "قصيدة أدبية راقية رائعة لأحد علماء الأندلس نسيت اسمه الآن لكنه صاحب قصيدة "الحلة السيرا" ابن جابر الأعمى رحمه الله مطبوعة مع شرحها لصديقه الأعمى أيضاً وشارح قصيدته "الحلة".
سأوثق المعلومة لا حقاً إن شاء الله.
ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[07 Jun 2007, 11:37 م]ـ
جزاكم الله خيرا الناظم والناقل والمادح والناقد
أما ما أراه فكما قال الأخ عبدالله جلغوم والدكتور إبراهيم الحميضي والدكتور الجكني
وأما ما تفضل به المادحون فلما ظهر لهم من مقصد الناظم لهذه الأبيات حيث لم يقصد جودة النظم واختيار الألفاظ المنمقة وإنما أراد تقريب الفكرة عند المتلقي ولو كان القصد مدح القصيدة من الناحية الشعرية لرأيت للجهوي كلاما آخر كيف وقد عرفته وعرفت ذائقته الأدبية، وهو الدكتور الطيار ممن يعلمون الأدب هنا ويختارون العبارات التي تقرب ولا تبعد وتجمع ولا تفرق، وليت كل من في الملتقى يحاسب نفسه قبل غيره هل ما كتبه يرضى الله تعالى ويخدم كتابه او قال ليقال قال فلان
لا ينغي أن يجتمع كثير من أهل الأهواء على كلمة أو مقال باطل ويفترق أهل القرآن وكل يرمي الآخر بكلام يوغر الصدور ويشمت بنا من يفرح بفرقتنا والله المستعان
ـ[الجكني]ــــــــ[07 Jun 2007, 11:50 م]ـ
أخي د/فاضل الشهري حفظه الله وبارك فيه:
والله لقد نصحت فصدقت:
"لا ينغي أن يجتمع كثير من أهل الأهواء على كلمة أو مقال باطل ويفترق أهل القرآن وكل يرمي الآخر بكلام يوغر الصدور ويشمت بنا من يفرح بفرقتنا "
نفعنا الله وإياكم والجميع بتقوى الله وطاعته.
ـ[المهدي محمد]ــــــــ[08 Jun 2007, 02:53 ص]ـ
لا أجد سببا لهذا الإطراء على هذه القصيدة، لقد قرأتها أكثر من مرة، فما وجدت ما يدعو إلى الإعجاب ..
مثال:
بقر لعمران وبعض نسائه
وموائد ألأنعام بالأعراف
ما الجميل في هذا البيت .. وأي معنى فيه؟ إنه بلا معنى، بل لو أخذناه على حالته لخرجنا بكلام لا يليق بالقرآن .. هل تدبر المعجبون كلمات البيت؟
بقر لعمران ..
وبعض نسائه ..
وموائد الأنعام .. بالأعراف.
أنا أفضل أن أحفظ هذه السور بأسمائها بعيدا عن كل هذا التكلف. فاسم السورة الأولى الفاتحة، وقد اختار الناظم وليس الشاعر كلمة الحمد لسهولتها، ثم اسم السورة التالية البقرة وليست بقر (قد يأتي جيل قادم فيحسب أن اسم السورة كانت بقر وحرفت إلى البقرة، واسم السورة التالية آل عمران وليست عمران، والتالية النساء وشتان ما بين النساء وبعض نسائه ...
والسؤال إلى علمائنا الأجلاء: هل يجوز التحريف في أسماء سور القرآن لضرورة الشعر أو لتسهيل الحفظ؟
(يُتْبَعُ)
(/)
مثال آخر:
للحج يرنو المؤمنون بنوره
بالذكر وألأشعار في إلحاف
لنتأمل كلمات الشطر الأول:
يرنو المؤمنون للحج بنوره ... بالذكر والأشعار ...........
لقد اضطر الناظم إلى استخدام غير سليم لأحرف الجر أدى إلى معنى ليس مقصودا ..
وهل يرنو المؤمنون بالأشعار؟ واسم السورة هي الشعراء وليست الأشعار. (إذا لم يكن لدى القارئ معلومات مسبقة فكيف سيعرف الخطأ من الصواب؟).
مثال آخر:
والنمل تقصص والعناكب حولها
والروم يا لقمان رهن تلاف
اسم السورة هنا القصص وليست تقصص، والتالية هي العنكبوت وليست العناكب .. كما أن البيت لا معنى له.
مثال آخر:
لم يسجد الأحزاب من سبإ ولم
تحنو الجباه لفاطر الأسلاف
ما معنى " لم يسجد الأحزاب من سبأ " ..
هل المهم أن اجمع كلمات يسجد، الأحزاب، سبأ، في شطر من بيت، بأي شكل؟ وأن أستخدم حرف الجر " من " من أجل الوزن الشعري؟
مثال آخر:
والفجر أشرق في البلاد وشمسنا
غابت فحل الليل ذوالأطياف
وهل يشرق الفجر؟ والسورة التالية هي البلد وليست البلاد ..
مثال آخر:
بالبينات تزلزلت عادية
بقوارع ألهت عن الإسعاف
وهنا أيضا شتان ما بين الزلزلة وتزلزلت، وما بين العاديات وعادية (بتشديد الياء للوزن) وما بين بقوارع والقارعة ..
جملة القول:
لا يكاد بيت يخلو من مأخذ، الغرض نبيل ولكن أسلوب النظم هذا قد فشل في تحقيق الغرض المطلوب، ولا مبرر لكل هذا التحريف في أسماء سور القرآن على نحو يصعب أن يتبينها غير أولي العلم والخبرة. وليس ببعيد أن يؤدي هذا الأسلوب إلى الخلط عند طلبة العلم. ولعل البعض يستنتج غدا حكما شرعيا بجواز استبدال اسم السورة بأي رمز قد يوحي إليها.
والله أعلم
السلام عليكم استاذنا القدير والناقد البصير
قرأت تعليقك اللطيف ونقدك الذي تعدى مرحلة النقد الخفيف , فكما انك انتقدت ا لأخوة الكرام على كثرة الاطراء
فأنا انتقدك على قسوة يسيرة في نقدك ولعلك اسهبت قليلا في نقد المنظومه ولكن نقدك ياشيخنا الفاضل لم ينظر الى هذه المنظومة من جميع النواحي النقديه كما هو معروف عند رواد الأدب فالنقد الأدبي عادة مايشتمل على المحاسن وعلى بعض الأخطاء برؤية نقدية عامه ولاتخلو مثل هذه المنظومه من محاسن وفوائد وكما قال الدكتور عبدالرحمن الشهري انها منظومة تقريبية لقليلي الفهم ومع تواضع شيخنا الكريم فقد نسب نفسه اليهم وحاشاه والكل يعرف الشيخ
ونقدك اخي الكريم لو خالطه شيء من الرفق لكان احرى فماكان الرفق في شيء الا زانه
ولعل هذه النصيحه قد سبقني بها اخي الجزائري
ولعلك تعيد النظرفي المنظومة مرات شريطة ان تكون نظرات نقديه مراعيا فيها ذكرالجانبين
وبارك فيك وجزاك الله خيرا السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[08 Jun 2007, 05:13 ص]ـ
لا أجد سببا لهذا الإطراء على هذه القصيدة، لقد قرأتها أكثر من مرة، فما وجدت ما يدعو إلى الإعجاب ..
مثال:
بقر لعمران وبعض نسائه
وموائد ألأنعام بالأعراف
ما الجميل في هذا البيت .. وأي معنى فيه؟ إنه بلا معنى، بل لو أخذناه على حالته لخرجنا بكلام لا يليق بالقرآن .. هل تدبر المعجبون كلمات البيت؟
بقر لعمران ..
وبعض نسائه ..
وموائد الأنعام .. بالأعراف.
أنا أفضل أن أحفظ هذه السور بأسمائهأشكرك أخي الكريم على هذا التعليق لو لا أنه كان رأيي أن تضع هذا الجهد في شيء تنفع فيه ألأمه فالأمه بحاجة في هذا الزمان إلى من يعرفها بأمر دينها وأما بالنسبه للمنظومه فقد علق عليها ألأديبان الدكتور عبدالرحمن والدكتور مساعد الطيار فلم يقولا عنها شيئا وفهموا المقصد من المنظومه لأنها كما قال الدكتور تقريبيه وتشير إشارات إلى أسماء السور ولم أدري ما هذا الفهم لمثل هذه المنظومه التي لا يحتاج لها تفسير فالأمر واضح جلل!!!!!!؟؟؟؟ فاترك السيف لفارسه والقوس لباريها مع أن كلامك لايخلوا من الحق أشكرك}
ا بعيدا عن كل هذا التكلف. فاسم السورة الأولى الفاتحة، وقد اختار الناظم وليس الشاعر كلمة الحمد لسهولتها، ثم اسم السورة التالية البقرة وليست بقر (قد يأتي جيل قادم فيحسب أن اسم السورة كانت بقر وحرفت إلى البقرة، واسم السورة التالية آل عمران وليست عمران، والتالية النساء وشتان ما بين النساء وبعض نسائه ...
(يُتْبَعُ)
(/)
والسؤال إلى علمائنا الأجلاء: هل يجوز التحريف في أسماء سور القرآن لضرورة الشعر أو لتسهيل الحفظ؟
مثال آخر:
للحج يرنو المؤمنون بنوره
بالذكر وألأشعار في إلحاف
لنتأمل كلمات الشطر الأول:
يرنو المؤمنون للحج بنوره ... بالذكر والأشعار ...........
لقد اضطر الناظم إلى استخدام غير سليم لأحرف الجر أدى إلى معنى ليس مقصودا ..
وهل يرنو المؤمنون بالأشعار؟ واسم السورة هي الشعراء وليست الأشعار. (إذا لم يكن لدى القارئ معلومات مسبقة فكيف سيعرف الخطأ من الصواب؟).
مثال آخر:
والنمل تقصص والعناكب حولها
والروم يا لقمان رهن تلاف
اسم السورة هنا القصص وليست تقصص، والتالية هي العنكبوت وليست العناكب .. كما أن البيت لا معنى له.
مثال آخر:
لم يسجد الأحزاب من سبإ ولم
تحنو الجباه لفاطر الأسلاف
ما معنى " لم يسجد الأحزاب من سبأ " ..
هل المهم أن اجمع كلمات يسجد، الأحزاب، سبأ، في شطر من بيت، بأي شكل؟ وأن أستخدم حرف الجر " من " من أجل الوزن الشعري؟
مثال آخر:
والفجر أشرق في البلاد وشمسنا
غابت فحل الليل ذوالأطياف
وهل يشرق الفجر؟ والسورة التالية هي البلد وليست البلاد ..
مثال آخر:
بالبينات تزلزلت عادية
بقوارع ألهت عن الإسعاف
وهنا أيضا شتان ما بين الزلزلة وتزلزلت، وما بين العاديات وعادية (بتشديد الياء للوزن) وما بين بقوارع والقارعة ..
جملة القول:
لا يكاد بيت يخلو من مأخذ، الغرض نبيل ولكن أسلوب النظم هذا قد فشل في تحقيق الغرض المطلوب، ولا مبرر لكل هذا التحريف في أسماء سور القرآن على نحو يصعب أن يتبينها غير أولي العلم والخبرة. وليس ببعيد أن يؤدي هذا الأسلوب إلى الخلط عند طلبة العلم. ولعل البعض يستنتج غدا حكما شرعيا بجواز استبدال اسم السورة بأي رمز قد يوحي إليها.
والله أعلم
أشكرك أخي الكريم على هذا التعليق وأقول
أما بالنسبه للمنظومه فقد علق عليها ألأديبان الدكتور عبدالرحمن والدكتور مساعد الطيار فلم يقولا عنها شيئا وفهموا المقصد من هذه المنظومه التي لا يحتاج لها تفسير لأنها كما قال الدكتور تقريبيه وتشير إشارات إلى أسماء السور فالأمر واضح جلل!!!!!!؟؟؟؟ ولا أظنه يعمى على رواد هذا المنتدى الكبير, وكلامك أخي الكريم لايخلوا من الحق كما أن المنظومه لاتخلو من الفوائد الكثيره
ولا أنسى هنا أن أشكر الإخوه الذين تفضلوا بزيارة الموضوع وعلقوا عليه وفي الأخير أسئل من الله أن يجعل كل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم
ـ[المستكشف]ــــــــ[08 Jun 2007, 03:09 م]ـ
(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا)
أشكر الدكتور الجكني على تنبيهه، وأستغفر الله لي ولإخواني.
وأسجل إعجابي بالنظم مع المعجبين.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[08 Jun 2007, 06:16 م]ـ
قراءة نقدية في المنظومة:
إن على الناقد وهو يفكك نصا ما أن يكون حياديا، فلا مجال للمحاباة أو المجاملة، فما بالكم إذا كنا نتعامل مع نص له علاقة بالقرآن الكريم؟
لم نتجاهل الغرض من وراء هذه المنظومة بل وصفناه بالنبيل، كما أننا في نقدنا فصلنا تماما بين النص وصاحبه وناقله ولم نعكر صفوهما، نحن نحترم الناظم ونحترم الناقل ونحترم المستحسن، ولكننا نفصل أيضا بين احترامنا ورؤيتنا للنص. وهو ما يفتقر إليه البعض فأوسعونا تجريحا .. [لقد جعلني المستكشف أحسب انه الناظم]
أقول:
لقد اختار الناظم حرف الفاء قافية لمنظومته وبحر الكامل وزنا، وأيا كان سبب الاختيار، فقد اختار قالبا صعبا وعليه أن يفصل منظومته حسب مقاساته. ولعل ما ترتب على ذلك في النهاية: إنتاج نص مرهق غلبت عليه الصناعة والتكلف والحشو والتضحية بالمعنى .. وهذه الأخيرة هي أهمها. (ولولاها ما أبديت رأيا]
لقد كان من الممكن أن يلجأ الناظم إلى تعدد القوافي ويتحرر من هذا القيد فيجد سعة في جمع مائة وأربعة عشر اسما في نص – نظم – لا مجال فيه للعاطفة وحرية الحركة. [إن التنوع في أسماء السور يستدعي تنوعا في القوافي لاستيعابها دون إخلال بالمعاني] إن عدم تحرره من هذا القيد قد اضطره أن يتخلى عن أسماء سور القرآن المعروفة بها مستبدلا إياها بإشارات أو إيحاءات بعيدة التقطها من ألفاظ قريبة من أسماء السور على نحو ما (فيها بعض حروفها)، ولا حاجة لإيراد الأمثلة فهي وفيرة ....
(يُتْبَعُ)
(/)
السؤال الذي طرحته: - غير متجاهل الغرض النبيل للناظم (التسهيل على الحفاظ) - هل يسوغ لنا الهدف النبيل للناظم التضحية بأسماء سور القرآن الكريم، والذي وصل في بعضها إلى حد العبث؟ (بقر لعمران وبعض نسائه) ..
هل يجوز لنا أن نغض الطرف عن هذا التجاوز محاباة للناظم أو الناقل على حساب القرآن؟
المسألة الأخرى التي يطرحها هكذا موضوع: إلى أي مدى يمكننا أن نتساهل في التضحية بالمعنى لحساب الألفاظ؟
قلنا أن الناظم قد اضطر لاستخدام بدائل لأسماء السور هي ألفاظ فيها بعض حروف من اسم السورة،وقد يتساهل البعض مع هذا التجاوز ولا يجد ما يمنع قبوله ما دام لا يؤدي إلى معنى بعيد أو غير مقبول أو مستساغ .. فإن نتج عن هذا الاستخدام معان غير مستساغة، فما موقفنا منها؟
لنتأمل بحيادية تامة المعاني التي يمكن ملاحظتها في كثير من الأبيات ..
- قال الناظم: أشرق نجمه، وفي مكان آخر: أشرق الفجر ..
فهل يشرق النجم؟ وهل يشرق الفجر؟
- وقال:
قلم يحق له العروج إلى العلى
يا نوح إن الجن غير خواف
وتزملت وتدثرت لقيامة الإ
نسان أرسل صيحة استعطاف
ما معنى الجن غير خواف؟ هل يعني ظاهرون؟
وفي قوله: وتزملت وتدثرت، التاء في الفعلين ساكنة بدليل الوزن الشعري، فمن التي تزملت وتدثرت؟ هل هي الجن؟ (المزمل والمدثر معلوم لدينا) ومن الذي أرسل صيحة الاستعطاف وهل يكون الاستعطاف بالصياح؟
-وقال:
والنمل تقصص والعناكب حولها
والروم يا لقمان رهن تلاف
أليس من الواضح أن الألفاظ لم تترك للمعنى مكانا؟ هل أصبح الهدف المحافظة على الوزن بأي مفردات؟
لو أن الناظم لجأ إلى التنوع في القافية كما هو الحال عند أصحاب هذا الفن، لأمكنه هنا أن يقول مثلا:
فالنمل فالقصص التي عبرت
فالعنكبوت، تليها الروم، لقمان
(لاحظ المحافظة على أسماء السور دون التضحية بالمعنى)
الخلاصة:
بغض النظر عما يراه البعض من فائدة في هذه المنظومة (التسهيل على حفظ ترتيب السور) فإن ما جاء فيها من تكلف بين , وصناعة غير موفقة , أدى إلى معان مشوهة غير مقصودة، وتضحية بأسماء سور القرآن مما يوجب الحذر في قبولها. بالنسبة لي: إن من المقبول لدي أن أضحي بالقصيدة بدل التضحية بأسماء سور القرآن والإشارة إليها من مسافة بعيدة.كما لا يجوز اعتبار هذا الرأي – كما فهمه البعض – انتقاصا من قدر الناظم أو الناقل، إن عليهم أن يفصلوا بين النص وصاحبه.
ولما كانت هذه القصيدة تتناول موضوعا قرآنيا فلا مجال للمحاباة والمجاملة. إن نقدي للقصيدة لا علاقة له من قريب أو بعيد بالأخ الذي نقلها [فلماذا يستاء مني؟] ولا بمن استحسنها. ولو افترضنا أن قول الناظم:
بقر لعمران وبعض نسائه
وموائد الأنعام بالأعراف
مقبول ومستحسن على عجيب معناه. فقولنا التالي:
إن النساء موائد النعم
والعرف أنفال لذي الشمم
هي توبة من يونس هادت
وليوسف كالرعد في القمم
يصبح مقبولا، ففيه إشارات إلى عشر سور، كما انه بوزن وقافية، ولست أراه كذلك رغم انه من صناعتي.
ـ[أحمد شكري]ــــــــ[09 Jun 2007, 12:51 م]ـ
اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية كما قيلوما أجمل أن يحصل الاختلاف - وهو شيء لا بد منه - منضبطا بأصول وقواعد هذا الدين العظيمولا أظن شيئا سينجو من النقد واختلاف زاوية النظر كما حصل لهذه القصيدة فمن نظر إليها بعين الرضا أعجبته وتغاضى عما في أبياتها من إشكالات عديدة وسامح ناظمها معتبرا أن الحسنات فيها طغت على السيئات.
ومن نظر بعين النقد والتمحيص والتدقيق بدا له فيها شيء بل أشياء.
وبالنسبة لمسألة تغيير أو تحوير بعض أسماء السور لمناسبة النظم فهذا عند علماء التجويد والقراءات والرسم كثير، ونظرة عجلة على مقدمة ابن الجزري ترينا أمثلة عديدة وكذلك بعض أبيات الشاطبية ومورد الظمآن ونحوها، ومن أمثلته تسمية سورة العنكبوت: العنكب، وسورة الصافات: اليقطين، أو الكواكب، وسورة البقرة: البكر، وهكذا، وهذا فعل تلقي بالقبول لضرورة الشعر.
«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®» وأرجو من إخواني جميعا مراجعة العبارات قبل اعتماد المشاركة وأن يضع كل واحد منا نفسه مكان القارئ أو المخاطب وحين يرضى عن المشاركة فليعتمدها، والله الموفق. «®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»
ـ[عاصي الهوى]ــــــــ[09 Jun 2007, 01:30 م]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولا هذا نظم والنظم غالبا لايلتزم بقافية اواصول وقواعد للنقد الادبي
وقد يكون مهلهلا ركيكا ولكن يتغاضى عنه لاجل الهدف الذي وضع من اجله
وقلما تجد نظما جزلا
ولعل اجزل المنظومات في نظري متن الشاطبيه ولك ان تقارن بينها وبين الطيبة او الجزرية لترى الفرق
واترككم هنا مع الامام الشاطبي في رده على من انتقده او سينتقده
74 - أَقُولُ لِحُرٍ وَالْمُرُوءةُ مَرْؤُهَا لِإخْوَتِهِ الْمِرْآةُ ذُو النُّورِ مِكْحَلاَ
75 - أَخي أَيُّهَا الْمُجْتَازُ نَظْمِي بِبَابِهِ يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوْقِ أَجْمِلاَ
76 - وَظُنَّ بِهِ خَيْراً وَسَامِحْ نَسِيجَهُ بِالأِغْضاَءِ وَالْحُسْنَى وَإِنْ كانَ هَلْهَلاَ
77 - وَسَلِّمْ لِإِحْدَىا الْحُسْنَيَيْنِ إِصَابَةٌ وَالأُخْرَى اجْتِهادٌ رَامَ صَوْباً فَأَمْحَلاَ
78 - وَإِنْ كانَ خَرْقُ فَأدرِكْهُ بِفَضْلَةٍ مِنَ الْحِلْمِ ولْيُصْلِحْهُ مَنْ جَادَ مِقْوَلاَ
79 - وَقُلْ صَادِقًا لَوْلاَ الْوِئَامُ وَرُوحُهُ لَطاَحَ الْأَنَامُ الْكُلُّ فِي الْخُلْفِ وَالْقِلاَ
80 - وَعِشْ سَالماً صَدْراً وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ تُحَضَّرْ حِظَارَ الْقُدْسِ أَنْقَى مُغَسَّلاَ
81 - وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتِي كَقَبْضٍ عَلَى جَمْرٍ فَتَنْجُو مِنَ الْبلاَ
82 - وَلَوْ أَنَّ عَيْناً سَاعَدتْ لتَوَكَّغَتْ سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيماً وَهُطّلاَ
83 - وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهاَ فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِى سَبَهْلَلاَ
84 - بِنَفسِي مَنِ اسْتَهْدَىَ إلى اللهِ وَحْدَهُ وَكانَ لَهُ الْقُرْآنُ شِرْباً وَمَغْسَلاَ
85 - وَطَابَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ فَتفَتَّقَتْ بِكُلِّ عَبِيرٍ حِينَ أَصْبَحَ مُخْضَلاَ
86 - فَطُوبى لَهُ وَالشَّوْقُ يَبْعَثُ هَمُّهُ وَزَنْدُ الْأَسَى يَهْتَاجُ فِي الْقَلْبِ مُشْعِلاَ
87 - هُوَ المُجْتَبَى يَغْدُو عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ قَرِيباً غَرِيباً مُسْتَمَالاً مُؤَمَّلاَ
88 - يَعُدُّ جَمِيعَ النَّاسِ مَوْلى لِأَنَّهُمْ عَلَى مَا قَضَاهُ اللهُ يُجْرُونَ أَفْعَلاَ
89 - يَرَى نَفْسَهُ بِالذَّمِّ أَوْلَى لِأَنَّهَا عَلَى المَجْدِ لَمْ تَلْعقْ مِنَ الصَّبْرِ وَالْأَلاَ
90 - وَقَدْ قِيلَ كُنْ كَالْكَلْبِ يُقْصِيهِ أَهْلُهُ وَمَا يَأْتَلِى فِي نُصْحِهِمْ مُتَبَذِّلاَ
91 - لَعَلَّ إِلهَ الْعَرْشِ يَا إِخْوَتِي يَقِى جَمَاعَتَنَا كُلَّ المَكاَرِهِ هُوّلاَ
92 - وَيَجْعَلُنَا مِمَّنْ يَكُونُ كِتاَبُهُ شَفِيعاً لَهُمْ إِذْ مَا نَسُوْهُ فَيمْحَلاَ
93 - وَبِاللهِ حَوْلِى وَاعْتِصَامِي وَقُوَّتِى وَمَاليَ إِلاَّ سِتْرُهُ مُتَجَلِّلاَ
94 - فَيَا رَبِّ أَنْتَ اللهُ حَسْبي وَعُدَّنِي عَلَيْكَ اعْتِمَادِي ضَارِعاً مُتَوَكِّلاَ
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:16 م]ـ
جزاكم الله خيرا الناظم والناقل والمادح والناقد
أما ما أراه فكما قال الأخ عبدالله جلغوم والدكتور إبراهيم الحميضي والدكتور الجكني
وأما ما تفضل به المادحون فلما ظهر لهم من مقصد الناظم لهذه الأبيات حيث لم يقصد جودة النظم واختيار الألفاظ المنمقة وإنما أراد تقريب الفكرة عند المتلقي ولو كان القصد مدح القصيدة من الناحية الشعرية لرأيت للجهوي كلاما آخر كيف وقد عرفته وعرفت ذائقته الأدبية، وهو الدكتور الطيار ممن يعلمون الأدب هنا ويختارون العبارات التي تقرب ولا تبعد وتجمع ولا تفرق، وليت كل من في الملتقى يحاسب نفسه قبل غيره هل ما كتبه يرضى الله تعالى ويخدم كتابه او قال ليقال قال فلان
لا ينغي أن يجتمع كثير من أهل الأهواء على كلمة أو مقال باطل ويفترق أهل القرآن وكل يرمي الآخر بكلام يوغر الصدور ويشمت بنا من يفرح بفرقتنا والله المستعانجزاك الله خيرآ ونفعنا بعلمك وحلمك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:19 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولا هذا نظم والنظم غالبا لايلتزم بقافية اواصول وقواعد للنقد الادبي
وقد يكون مهلهلا ركيكا ولكن يتغاضى عنه لاجل الهدف الذي وضع من اجله
وقلما تجد نظما جزلا
ولعل اجزل المنظومات في نظري متن الشاطبيه ولك ان تقارن بينها وبين الطيبة او الجزرية لترى الفرق
(يُتْبَعُ)
(/)
واترككم هنا مع الامام الشاطبي في رده على من انتقده او سينتقده
74 - أَقُولُ لِحُرٍ وَالْمُرُوءةُ مَرْؤُهَا لِإخْوَتِهِ الْمِرْآةُ ذُو النُّورِ مِكْحَلاَ
75 - أَخي أَيُّهَا الْمُجْتَازُ نَظْمِي بِبَابِهِ يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوْقِ أَجْمِلاَ
76 - وَظُنَّ بِهِ خَيْراً وَسَامِحْ نَسِيجَهُ بِالأِغْضاَءِ وَالْحُسْنَى وَإِنْ كانَ هَلْهَلاَ
77 - وَسَلِّمْ لِإِحْدَىا الْحُسْنَيَيْنِ إِصَابَةٌ وَالأُخْرَى اجْتِهادٌ رَامَ صَوْباً فَأَمْحَلاَ
78 - وَإِنْ كانَ خَرْقُ فَأدرِكْهُ بِفَضْلَةٍ مِنَ الْحِلْمِ ولْيُصْلِحْهُ مَنْ جَادَ مِقْوَلاَ
79 - وَقُلْ صَادِقًا لَوْلاَ الْوِئَامُ وَرُوحُهُ لَطاَحَ الْأَنَامُ الْكُلُّ فِي الْخُلْفِ وَالْقِلاَ
80 - وَعِشْ سَالماً صَدْراً وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ تُحَضَّرْ حِظَارَ الْقُدْسِ أَنْقَى مُغَسَّلاَ
81 - وَهذَا زَمَانُ الصَّبْرِ مَنْ لَكَ بِالَّتِي كَقَبْضٍ عَلَى جَمْرٍ فَتَنْجُو مِنَ الْبلاَ
82 - وَلَوْ أَنَّ عَيْناً سَاعَدتْ لتَوَكَّغَتْ سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيماً وَهُطّلاَ
83 - وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهاَ فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِى سَبَهْلَلاَ
84 - بِنَفسِي مَنِ اسْتَهْدَىَ إلى اللهِ وَحْدَهُ وَكانَ لَهُ الْقُرْآنُ شِرْباً وَمَغْسَلاَ
85 - وَطَابَتْ عَلَيْهِ أَرْضُهُ فَتفَتَّقَتْ بِكُلِّ عَبِيرٍ حِينَ أَصْبَحَ مُخْضَلاَ
86 - فَطُوبى لَهُ وَالشَّوْقُ يَبْعَثُ هَمُّهُ وَزَنْدُ الْأَسَى يَهْتَاجُ فِي الْقَلْبِ مُشْعِلاَ
87 - هُوَ المُجْتَبَى يَغْدُو عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ قَرِيباً غَرِيباً مُسْتَمَالاً مُؤَمَّلاَ
88 - يَعُدُّ جَمِيعَ النَّاسِ مَوْلى لِأَنَّهُمْ عَلَى مَا قَضَاهُ اللهُ يُجْرُونَ أَفْعَلاَ
89 - يَرَى نَفْسَهُ بِالذَّمِّ أَوْلَى لِأَنَّهَا عَلَى المَجْدِ لَمْ تَلْعقْ مِنَ الصَّبْرِ وَالْأَلاَ
90 - وَقَدْ قِيلَ كُنْ كَالْكَلْبِ يُقْصِيهِ أَهْلُهُ وَمَا يَأْتَلِى فِي نُصْحِهِمْ مُتَبَذِّلاَ
91 - لَعَلَّ إِلهَ الْعَرْشِ يَا إِخْوَتِي يَقِى جَمَاعَتَنَا كُلَّ المَكاَرِهِ هُوّلاَ
92 - وَيَجْعَلُنَا مِمَّنْ يَكُونُ كِتاَبُهُ شَفِيعاً لَهُمْ إِذْ مَا نَسُوْهُ فَيمْحَلاَ
93 - وَبِاللهِ حَوْلِى وَاعْتِصَامِي وَقُوَّتِى وَمَاليَ إِلاَّ سِتْرُهُ مُتَجَلِّلاَ
94 - فَيَا رَبِّ أَنْتَ اللهُ حَسْبي وَعُدَّنِي عَلَيْكَ اعْتِمَادِي ضَارِعاً مُتَوَكِّلاَجزاك الله خيرا على هذا النقل الطيب
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:24 م]ـ
وأنا أتفق مع أخي عبد الله جلغوم في أن هذه القصيدة لا ترقى إلى مستوى الحفاوة التي أبداها الزملاء الكرام مع احترامنا وتقديرنا لقائلها وناقلها.
إن الحافظ للقرآن لا يحتاجها ألبته، وأما غير الحافظ فالأولى له أن يصرف ما يبذله في في حفظها في حفظ ما يتيسر له من القرآن فهو خير وأبقى. مع أن ترتيب سور القرآن ليس بعسير ولله الحمد اللهم إلا في آخر المفصل لغير الحفاظ.
ولقد عجبت كثيرا من تعقيب أخي عبد الله جلغوم كيف كتبه بهذه اللغة النقدية الجزلة وهو صاحب نظرية الأعداد المثيرة!
فسبحان العليم الخبير. جزاكم الله خيرا على هذه المشاركات الطيبه وسدد خطاكم
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:32 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
ترفقا بأخيكم؟؟؟
جزى الله اخي ناقل هذه المنظومة و جزى الله ناظمها، كان بودي ان يكون رد الاخوين أقل حدة لكي لا يفسدا على اخينا فرحته كما كتب:" - طرت فرحا - " بعد ما قرأ كلمات الاطراء و التشجيع من السادة المشرفين والاساتذة الفطاحل،
و أنا بدوري اعبر له عن امتناني و تشجيعي له فهي قصيدة فيها عبق شاطبي، و شاعرية حسانية، و احاسيس ايمانية و جهد يشكر عليه، فرفقا باحاسيس المسلمين لان قلوبهم رقيقة رهيفة حساسة مثل الزجاجة الشفافة تنكسر لادنى شئ يصيبها فالرفق طيب و ما " دخل الرفق أمرا الا زانه ... " أو كما قيل (أعذروني ان أخطأت او ألحنت فأنا دراستي كلها باللغة لفرنسية و قد اجتهدت في تعلم العربية حبا في القرآن الكريم)، لكن لا يعني هذا معارضتي لنقدكما البناء و الهادف، لكن اسلوب و طريقة النقد فيها نوع من الشدة فقط.
بارك الله فيكم كلكم و وفقكم الله و سدد خطاكمحفظك الله ياأبا مريم وأشكرك على تعليقك الطيب الرفيق المنمق وزادك الله علما وبصيره وأجزل لك المثوبه إنه جواد كريم أشكرك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:41 م]ـ
هذه منظومة تقريبية للحافظ فحسب، في عباراتها إشارات لأسماء السور، وهي على منوال قصيدة (غرامي صحيح والرجا فيك معضل) لمن يعرفها، وأخي الكريم شعيب ناقل للمنظومة بارك الله فيه، وهي تصلح لضعيفي الذاكرة من أمثالي، ممن قد يهم في ترتيب سور جزء عم. حاشاك يا شيخنا أن تكون من الذين وصفتهم وجزاك الله خيرا على تعليقك العلمي سددالله خطاك لكل خير ونفعنا بعلمك تلميذ ك
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:46 م]ـ
(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا)
أشكر الدكتور الجكني على تنبيهه، وأستغفر الله لي ولإخواني.
وأسجل إعجابي بالنظم مع المعجبين.آمين آمين سددالله خطاك لكل خير ونفعنا بعلمك تلميذك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:55 م]ـ
قراءة نقدية في المنظومة:
إن على الناقد وهو يفكك نصا ما أن يكون حياديا، فلا مجال للمحاباة أو المجاملة، فما بالكم إذا كنا نتعامل مع نص له علاقة بالقرآن الكريم؟
لم نتجاهل الغرض من وراء هذه المنظومة بل وصفناه بالنبيل، كما أننا في نقدنا فصلنا تماما بين النص وصاحبه وناقله ولم نعكر صفوهما، نحن نحترم الناظم ونحترم الناقل ونحترم المستحسن، ولكننا نفصل أيضا بين احترامنا ورؤيتنا للنص. وهو ما يفتقر إليه البعض فأوسعونا تجريحا .. [لقد جعلني المستكشف أحسب انه الناظم]
أقول:
لقد اختار الناظم حرف الفاء قافية لمنظومته وبحر الكامل وزنا، وأيا كان سبب الاختيار، فقد اختار قالبا صعبا وعليه أن يفصل منظومته حسب مقاساته. ولعل ما ترتب على ذلك في النهاية: إنتاج نص مرهق غلبت عليه الصناعة والتكلف والحشو والتضحية بالمعنى .. وهذه الأخيرة هي أهمها. (ولولاها ما أبديت رأيا]
لقد كان من الممكن أن يلجأ الناظم إلى تعدد القوافي ويتحرر من هذا القيد فيجد سعة في جمع مائة وأربعة عشر اسما في نص – نظم – لا مجال فيه للعاطفة وحرية الحركة. [إن التنوع في أسماء السور يستدعي تنوعا في القوافي لاستيعابها دون إخلال بالمعاني] إن عدم تحرره من هذا القيد قد اضطره أن يتخلى عن أسماء سور القرآن المعروفة بها مستبدلا إياها بإشارات أو إيحاءات بعيدة التقطها من ألفاظ قريبة من أسماء السور على نحو ما (فيها بعض حروفها)، ولا حاجة لإيراد الأمثلة فهي وفيرة ....
السؤال الذي طرحته: - غير متجاهل الغرض النبيل للناظم (التسهيل على الحفاظ) - هل يسوغ لنا الهدف النبيل للناظم التضحية بأسماء سور القرآن الكريم، والذي وصل في بعضها إلى حد العبث؟ (بقر لعمران وبعض نسائه) ..
هل يجوز لنا أن نغض الطرف عن هذا التجاوز محاباة للناظم أو الناقل على حساب القرآن؟
المسألة الأخرى التي يطرحها هكذا موضوع: إلى أي مدى يمكننا أن نتساهل في التضحية بالمعنى لحساب الألفاظ؟
قلنا أن الناظم قد اضطر لاستخدام بدائل لأسماء السور هي ألفاظ فيها بعض حروف من اسم السورة،وقد يتساهل البعض مع هذا التجاوز ولا يجد ما يمنع قبوله ما دام لا يؤدي إلى معنى بعيد أو غير مقبول أو مستساغ .. فإن نتج عن هذا الاستخدام معان غير مستساغة، فما موقفنا منها؟
لنتأمل بحيادية تامة المعاني التي يمكن ملاحظتها في كثير من الأبيات ..
- قال الناظم: أشرق نجمه، وفي مكان آخر: أشرق الفجر ..
فهل يشرق النجم؟ وهل يشرق الفجر؟
- وقال:
قلم يحق له العروج إلى العلى
يا نوح إن الجن غير خواف
وتزملت وتدثرت لقيامة الإ
نسان أرسل صيحة استعطاف
ما معنى الجن غير خواف؟ هل يعني ظاهرون؟
وفي قوله: وتزملت وتدثرت، التاء في الفعلين ساكنة بدليل الوزن الشعري، فمن التي تزملت وتدثرت؟ هل هي الجن؟ (المزمل والمدثر معلوم لدينا) ومن الذي أرسل صيحة الاستعطاف وهل يكون الاستعطاف بالصياح؟
-وقال:
والنمل تقصص والعناكب حولها
والروم يا لقمان رهن تلاف
أليس من الواضح أن الألفاظ لم تترك للمعنى مكانا؟ هل أصبح الهدف المحافظة على الوزن بأي مفردات؟
لو أن الناظم لجأ إلى التنوع في القافية كما هو الحال عند أصحاب هذا الفن، لأمكنه هنا أن يقول مثلا:
فالنمل فالقصص التي عبرت
فالعنكبوت، تليها الروم، لقمان
(لاحظ المحافظة على أسماء السور دون التضحية بالمعنى)
الخلاصة:
بغض النظر عما يراه البعض من فائدة في هذه المنظومة (التسهيل على حفظ ترتيب السور) فإن ما جاء فيها من تكلف بين , وصناعة غير موفقة , أدى إلى معان مشوهة غير مقصودة، وتضحية بأسماء سور القرآن مما يوجب الحذر في قبولها. بالنسبة لي: إن من المقبول لدي أن أضحي بالقصيدة بدل التضحية بأسماء سور القرآن والإشارة إليها من مسافة بعيدة.كما لا يجوز اعتبار هذا الرأي – كما فهمه البعض – انتقاصا من قدر الناظم أو الناقل، إن عليهم أن يفصلوا بين النص وصاحبه.
ولما كانت هذه القصيدة تتناول موضوعا قرآنيا فلا مجال للمحاباة والمجاملة. إن نقدي للقصيدة لا علاقة له من قريب أو بعيد بالأخ الذي نقلها [فلماذا يستاء مني؟] ولا بمن استحسنها. ولو افترضنا أن قول الناظم:
بقر لعمران وبعض نسائه
وموائد الأنعام بالأعراف
مقبول ومستحسن على عجيب معناه. فقولنا التالي:
إن النساء موائد النعم
والعرف أنفال لذي الشمم
هي توبة من يونس هادت
وليوسف كالرعد في القمم
يصبح مقبولا، ففيه إشارات إلى عشر سور، كما انه بوزن وقافية، ولست أراه كذلك رغم انه من صناعتي.
جزاك الله خيرا على هذه الفوائد الطيبه وأنا لم أستاءفلكل نظرته وكل يؤخذ من قوله ويرد سدد الله الجميع للصواب ولما فيه صلاح ألأمه {ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ألآيآت}
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 08:11 م]ـ
اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية كما قيلوما أجمل أن يحصل الاختلاف - وهو شيء لا بد منه - منضبطا بأصول وقواعد هذا الدين العظيمولا أظن شيئا سينجو من النقد واختلاف زاوية النظر كما حصل لهذه القصيدة فمن نظر إليها بعين الرضا أعجبته وتغاضى عما في أبياتها من إشكالات عديدة وسامح ناظمها معتبرا أن الحسنات فيها طغت على السيئات.
ومن نظر بعين النقد والتمحيص والتدقيق بدا له فيها شيء بل أشياء.
وبالنسبة لمسألة تغيير أو تحوير بعض أسماء السور لمناسبة النظم فهذا عند علماء التجويد والقراءات والرسم كثير، ونظرة عجلة على مقدمة ابن الجزري ترينا أمثلة عديدة وكذلك بعض أبيات الشاطبية ومورد الظمآن ونحوها، ومن أمثلته تسمية سورة العنكبوت: العنكب، وسورة الصافات: اليقطين، أو الكواكب، وسورة البقرة: البكر، وهكذا، وهذا فعل تلقي بالقبول لضرورة الشعر.
«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®» وأرجو من إخواني جميعا مراجعة العبارات قبل اعتماد المشاركة وأن يضع كل واحد منا نفسه مكان القارئ أو المخاطب وحين يرضى عن المشاركة فليعتمدها، والله الموفق. «®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®» "نعم كما قلت شيخنا وأقول الخلاف واقع ولا مفر منه لاكن لايعني هذا أن نقيم عليها الولاء والبرآء فهي مسائل فروع وليست أصول كما فعل الجهال من الناس والله الهادي إلى سوآء السبيل والموفق والمعين ,ولا يسعني هناإلاأن أشكر الدكتور أحمد على هذه النصيحه الموفقه وأقول جزاك الله خير الجزاء على ماقدمت نفعنا الله بلمك وحلمك تلميذك
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[11 Jun 2007, 08:17 م]ـ
أخي "المستكشف" حفظك الله: "ما هكذا تورد الإبل "؟؟
أضم صوتي لصوت الأخ "جلغوم" حفظه الله،فقد ظهر أنه "أديب " أيضاً،والأدب ليس حكراً على صاحب "الشريعة والعلوم الدينية،وإلا لضاع الجمال والذوق.
هناك "قصيدة أدبية راقية رائعة لأحد علماء الأندلس نسيت اسمه الآن لكنه صاحب قصيدة "الحلة السيرا" ابن جابر الأعمى رحمه الله مطبوعة مع شرحها لصديقه الأعمى أيضاً وشارح قصيدته "الحلة".
سأوثق المعلومة لا حقاً إن شاء الله.جزاك الله خيرا أفدنا بما عندك
ـ[عبدالمنعم الغرياني]ــــــــ[13 Jun 2007, 11:29 ص]ـ
السلام على الجميع ورحمة الله وبركاته
أما أنا فقد أفدت من الجميع قائلا وناقلا وناقدا وناقد ناقد فجزى الله الجميع خير الجزاء
والسؤال هو هل من نظم أو شعر غير ما قيل يكون أحسن مما قيل ويسهل على متعلم القرآن ترتيب سوره وخاصة
قصار المفصل منها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[شعيب عبداللطيف]ــــــــ[16 Jun 2007, 01:24 م]ـ
[ QUOTE= عبدالمنعم الغرياني;38242] السلام على الجميع ورحمة الله وبركاته
أما أنا فقد أفدت من الجميع قائلا وناقلا وناقدا وناقد ناقد فجزى الله الجميع خير الجزاء
والسؤال هو هل من نظم أو شعر غير ما قيل يكون أحسن مما قيل ويسهل على متعلم القرآن ترتيب سوره وخاصة
قصار المفصل منها
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [/ QUOT
E] أقول جزاك الله خيرا على مرورك الكريم وعلى تعليقك اللطيف وهذاهو المقصد من النقاش هو الإستفاده
ـ[الجكني]ــــــــ[16 Jun 2007, 03:47 م]ـ
للشيخ الأديب النحوي ابن جابر الأعمى رحمه الله (ت 780) قصيدة ورّى فيها بسور القرآن الكريم على ترتيب السور،فجاء فيها بالحسن النادر والمعنى الغريب،وهي من الضرب الأول من البسيط،وهو المخبون على عروض مخبونة مثله،وقافيتها من المتراكب،ورويها مطلق؛لأن الروي فيها هي الراء وهي متحركة،وأما الهاء فهي وصل ساكن،وقد جمع في القصيدة بين الوصل بهاء التأنيث الساكنة وبين الوصل بهاء الضمير وذلك جائز.
والقصيدة طويلة جداً في (48) بيتا ثم (7) أبيات خاتمة ذكر فيها العشرة المبشرين بالجنة وبعض زوجات النبي صلى الله عليه وسلم،وهذه نماذج من هذه القصيدة:
في كل "فاتحة " للقول معتبرة
حق الثناء على المبعوث ب"البقرة"
في "آل عمران" قدماً شاع مبعثه
"نساؤهم"والرجال استوضحوا خبره
قد مدّ للناس في نعماه"مائدة"
عمّت فليست على "الأنعام" مقتصرة
"أعراف " رحماه ما حلّ الرجاء بها
إلا و "أنفال " ذاك الجود مبتدرة
ومنها:
"قد أفلح" الناس ب "النور " الذي شهدوا
من نور "فرقانه " لما جلى غرره
أكابر "الشعراء" اللسن قد خرسوا
ك "النمل " إذ سمعت آذانهم سوره
ومنها:
ل "غافر" الذنب في تفصيله سور
قد "فصلت " بمعان غير منحصره
"شوراه " أن تهجر الدنيا ف"زخرفها"
مثل "الدخان" فيغشى عين من نظره
عزّت "شريعته " البيضاء حين أتى
"أحقاف " بدر وجند الله قد حضره
فجاء بعد "القتال " "الفتح" متصلاً
فأصبحت "حجرات "الدين منتصرة
ومنها:
في "الحشر" يوم "امتحان " الخلق يقبل
في "صف" من الرسل كل تابع أثره
ومنها:
و"الكافرون " "إذا جاء" الورى طردوا
عن حوضه فلقد "تبت" يد الكفرة
"إخلاص " أمداحه شغلي فكم "فلق "
للصبح أسمعت فيه "الناس" مفتخره
أما الخاتمة فهي:
أزكى الصلاة على الهادي وعترته
وصحبه وخصوصاً منهم العشرة
صدّيقهم عمر الفاروق آخرهم
عثمان ثم علي مهلك الفجرة
سعد سعيد زبير طلحة وأبو
عبيدة وابن عوف عاشر البررة
وفي خديجة والزهرا وما ولدت
لديّ مدح سأهدي دائماً درره
عن كل أزواجه أرضى وأوثر من
أضحت براءتها في الذكر مستطرة
أولئك الناس آل المصطفى وكفى
وصحبه المهتدون السادة الخيرة
أقسمت لا زلت أهديهم شذا مدح
كالروض ينشر من أكمامه زهره
والقصيدة كاملة مذكورة في كتاب "طراز الحلة وشفاء الغلة " لأبي جعفر الرعيني (ت 779)،وهو – الكتاب – شرح لبديعية ابن جابر،والرعيني صديقه الحميم،وترجمتهما يستحسن الرجوع إليهما لطرافتها.
والله أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[17 Jun 2007, 12:51 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
جزاكم الله خيرا فقد اتحفتموني علما و ادبا و شعرا، و معاملات و في آخر مشاركة " قطعت جهيزة قول كل خطيب "
فبارك الله فيكم كلكم و غفر الله لكم و لوالديكم و لمشايخكم و لجميع المسلمين.
ـ[عبدالرحمن الجزائري]ــــــــ[17 Jun 2007, 07:34 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
المنظومة من نظم الحافظ السيوطي جلال الدين
وقد كنت حملتها منذ مدة من أحد المنتديات وساعدتني لحفظ ترتيب السور و الذي كنت أجد بعض الصعوبة في ترتيبها لأني حفظت معظم القرآن على كبر من المصحف كما قمت بطباعتها و قدمتها لزاوية من زوايا تحفيظ القرآن هنا في الجزائر و استحسنها القائمون عليها و ادرجت ضمن المتون اللتي تحفظ في علوم القرأن
و الحمد لله رب العالمين
ـ[الجكني]ــــــــ[17 Jun 2007, 07:38 م]ـ
عفواً أخي "طالب 457":
هل تقصد المنظومة التي ذكر كاتب هذه الحروف نماذج منها أم تقصد منظومة أخرى؟
الأبيات المذكورة لاشك أنها لابن جابر الأعمى رحمه الله، وهي مذكورة في كتاب صاحبه وهما الإثنان توفيا قبل مولد السيوطي رحمه الله.
ـ[عبدالرحمن الجزائري]ــــــــ[17 Jun 2007, 08:58 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
المقصود النظم الذي رفعه الأخ الفاضل شعيب عبد اللطيف جزاه الله كل خير
منظومة في ترتيب سور القرآن للجلال السيوطي
بالحمد نبدأ كل فعل طيب ... ثم الصلاة على ابن عبد منافِ
بقر لعمران وبعض نسائه ... وموائد الأنعام بالأعرافِ
يارب أنفلنى بتوبة يونس ... هود ويوسف طاهرا الأطرافِ
و الحمد لله رب العالمين
ـ[عبدالرحمن الجزائري]ــــــــ[17 Jun 2007, 10:46 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
عذرا فناظم منظومة ترتيب سور القرآن اللتي وضعها الأخ الفاضل شعيب عبد اللطيف هو:
أبو منذر محمد أحمد شحاته الألفي الأزهري السكندري. و ليس الإمام السيوطي
الحمد لله رب العالمين
ـ[تاج الروح]ــــــــ[18 Jun 2007, 02:55 م]ـ
والنمل تقصص والعناكب حولها
زادك الله أدباً وحُسن خُلق
لا زلت أرى أن الشطر أعلاه رائع ومن أجمل ما كُتب في المنظومة(/)
نظام التجانس: قانون الحالات الأربع لسور القرآن
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[01 Jun 2007, 11:49 م]ـ
(1) قانون الحالات الأربع لسور القرآن (نظام التجانس)
[ملاحظة: سأطرح الموضوع مختصرا ما أمكن وأستبعد الجداول والاحصاءات]
الجزء الأول:
تمهيد - تحديد المفاهيم:
القرآن الكريم: كتاب ختم به الله الكتب السماوية , أنزله على نبي ختم به الأنبياء بدين عام خالد ختم به الأديان. وهو حجة الرسول صلى الله عليه وسلم وآيته الكبرى (معجزته) يقوم شاهدا ناطقا بنبوته، دليلا على صدقه وأمانته.
ولما كان الإسلام خاتمة الأديان، فقد اقتضت حكمة الله أن تكون معجزته " القرآن "صالحة للبقاء إلى قيام الساعة،فأودع فيه من أسرار الإعجاز ما لا يمكن لجيل من الأجيال، أو لعصر من العصور الإحاطة بها .. فلكل جيل فيه نصيب، ولكل عصر فيه نصيب. يذهب جيل ويأتي جيل، وتتطور المعارف والعلوم، ويظهر في كل جيل من وجوه إعجاز القرآن ما لم يكن معروفا من قبل. ويظل التحدي قائما، وإعجاز القرآن شاهدا ودليلا على أن القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعم المرتابون والمشككون بالقرآن، إنما هو تنزيل من حكيم حميد
[لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (فصلت 41/ 42)
عدد سور القرآن 114 سورة:
يتألف القرآن – على النحو الذي وصلنا عليه – من 114 سورة، أوله سورة الفاتحة المؤلفة من 7 آيات وآخره سورة الناس المؤلفة من 6 آيات، أما مجموع أعداد الآيات في سوره فهو: 6236 آية. وتتفاوت أعداد الآيات في سوره طولا وقصرا، فأقصرها سورة الكوثر المؤلفة من 3 آيات، وأطولها سورة البقرة المؤلفة من 286 آية.
ومن المعلوم أن القرآن نزل مفرقا في 23 سنة حسب الأحداث والوقائع وحاجات الناس، ثم جمع في النهاية على نحو مغاير تماما لترتيب نزوله.
ولعل السؤال الأهم الذي أثارته هذه المسألة: ما الحكمة من ترتيب القرآن على غير ترتيب نزوله؟ لقد كان من الممكن أن ينزل القرآن مفرقا حسب الأحداث والحاجات وأن يرتب أولا بأول. فلماذا لم يكن ذلك؟
لماذا رتبت سورة الفاتحة في بداية المصحف وهناك من السور ما نزل قبلها؟ لماذا عدد آياتها سبع؟ لماذا كانت سورة البقرة هي الثانية؟ ولماذا عدد آياتها 286 آية وليس 287؟ لماذا جاءت بهذا العدد الكبير من الآيات وهناك سور قصيرة جدا؟ لماذا تم تجميع السور القصيرة في نهاية المصحف والطويلة في أوله وليس العكس؟ لماذا افتتحت من بين سور القرآن 29 سورة بالحروف الهجائية المقطعة وليس 30 سورة؟ لماذا فصلت سورة القلم وهي إحدى السور المفتتحة بالحروف عن أخواتها في ترتيب المصحف، فرتبت في النصف الثاني من القرآن على حين جاء ترتيب السور الثماني والعشرين الأخرى في النصف الأول؟ ..
الأسئلة في هذا الباب كثيرة، ولا شك أن الذي انتهى إلى القول أن ترتيب القرآن لا يخضع إلى أي نظام عقلي أو منطقي قد طرح هذه الأسئلة أو مثلها على نفسه وهو يتفرس في طريقة ترتيب سور القرآن وآياته، ولما لم يجد جوابا لأي منها خلص إلى القول بأن ترتيب القرآن فوضوي.
ليس هدفنا هنا أن نكرر ما قيل في هذه المسألة قديما كان أو حديثا، ما نود قوله هنا: لماذا لا يكون ترتيب القرآن وجها من وجوه إعجازه؟ أليس من المنطق أن يليق ترتيب القرآن بصاحبه؟ وهل من المنطق أن نلمس سمة الترتيب المحكم في كل مظاهر الكون وأن نفتقدها في القرآن؟ أليس خالق الكون هو منزل القرآن؟ فهل يرتب الله كل شيء فيه ابتداء من الذرة وانتهاء بالمجرة ويستثني من ذلك كتابه الكريم؟ 000
في هذا البحث رؤية جديدة تكشف عن بعض أسرار القرآن في ترتيبه، وتؤكد أن اللغة والترتيب وجهان لإعجاز القرآن لا ينفصل أحدهما عن الآخر, فكما أن القرآن معجز في لغته وبيانه معجز في ترتيب سوره وآياته، وأن هذا الوجه (الجديد) من الإعجاز لا يقل أهمية عن أي وجه آخر، بل لعله الوجه المناسب لتقديم القرآن إلى الآخرين باللغة التي يفهمها الجميع كل بلغته.
ولا يعني ذلك أنه بديل لما هو معروف من وجوه الإعجاز، بل هو إغناء لتلك الوجوه.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد وجد الذين عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم في لغة القرآن وبيانه المعجز، الدليل على صدق النبوة، فآمنوا بما جاء به، ورغم تلك المعاصرة فإنها لم تمنع البعض – وهم من أهل اللغة والفصاحة - من الزعم أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فما بالك في هذا العصر وقد ابتعد العربي عن لغته، وفقد الناس صلتهم بالبيان والفصاحة، وتعددت اللغات والشعوب؟ وازداد أعداء القرآن وخصومه والمفترون عليه عددا و شراسة؟
لقد تولى القرآن الرد على المفترين والمشككين زمن نزول القرآن في أكثر من آية وتحداهم أن يأتوا بعشر سور وبسورة مثله، من ذلك قوله تعالى:
[أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين
(هود 11/ 13)
(ملاحظة: سأتناول إعجاز الترتيب في بعض الايات مستقبلا أمثلة على الترتيب على مستوى الآية)
وفي النهاية أقر الجميع بعجزهم وآمنوا بمحمد ورسالته ..... وأيقنوا أن هذا القرآن كتاب الله الكريم الذي:
?? ?
السؤال الذي يطرح نفسه هنا:
ما رد القرآن على المشككين فيه بعد خمسة عشر قرنا من نزوله؟ على فئات جديدة من المشككين، فئة متسلحة بجهلها العربية لغة القرآن، وأخرى ابتعدت عن أسباب البيان والبلاغة،وأخرى لا تعترف إلا بعلوم هذا العصر ومعارفه، ولا تجد في لغة القرآن سببا مقنعا للإيمان به،وفئة تجد القرآن فوضوي الترتيب، لا يستند إلى أي معيار عقلي أو منطقي يناسب عقولنا اليوم.
بكل بساطة: الرد القرآني على كل هؤلاء يكمن في ترتيب سوره وآياته، حيث أن لغة هذا الوجه هي لغة الأرقام، اللغة العالمية المشتركة بين الناس جميعا.لغة الأدلة المادية الملموسة، فالعالم اليوم يتكلم لغة واحدة هي لغة الأرقام، وقد ادخر القرآن لهذا العصر – في ترتيبه - وجه الإعجاز الذي يناسبه، خطابا يفهمه الجميع كل بلغته .. العربي بالعربية، والفرنسي بالفرنسية، والإنجليزي بالإنجليزية ..
لقد أودع الله سبحانه في ترتيب سور القرآن وآياته ما يكفي من الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، براهين قاطعة تنهار معها كل المحاولات للطعن في القرآن أو نسبة تأليفه إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وبالتالي فإن في وسعنا أن نقدم القرآن للآخرين من خلال ترتيبه، كما نقدمه من خلال لغته، كما نقدمه من خلال سلوكنا كمسلمين .. وأي وسيلة أخرى ممكنة.
عدد سور القرآن 114 سورة:
من المعلوم أن عدد سور القرآن 114 سورة. ليس 113 أو 115 أو 116. فإذا كان القرآن – كما يزعم المشككون – قصصا وأقاويل ونصوصا جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، على فترات متقطعة – امتدت 23 سنة هي فترة الدعوة والرسالة - حسب الأحداث والوقائع وحاجات الناس، جمعها من هنا وهناك، زاعما أن الله قد أوحى إليه بها، فمن المستبعد جدا في هذه الحالة أن يأتي ترتيب هذه الأقوال والنصوص وفق أنظمة وعلاقات رياضية محكمة، مع ما نعلمه أيضا من ترتيب هذه النصوص في المصحف على نحو مغاير تماما للترتيب الزمني الذي ظهرت فيه. وإذا كان كذلك – كما يزعم المفترون – فانتهاء القرآن إلى 114 سورة، هذا العدد دون سواه،كان مجرد مصادفة ..
أما إذا كان اختيار العدد 114 عددا لسور القرآن اختيارا إلهيا، فالله لا يختار شيئا عبثا أو دون قصد، وبالتالي فلا بد أن يخفي هذا الاختيار للعدد 114 أهدافا ومقاصد، ولا عجب حينئذ أن نكتشف في ترتيب القرآن التوازن والتناسق والإحكام الذي لا مثيل له، وما يؤكد أنه كتاب إلهي لا تطاله الشبهات ولا الافتراءات في أي عصر.
الحالات الأربع لسور القرآن:
المدخل لفهم ترتيب سور وآيات القرآن الكريم يكمن في الفكرة البسيطة التالية:
يتألف القرآن – على النحو الذي وصلنا عليه – من 114 سورة، أوله سورة الفاتحة المؤلفة من 7 آيات، وآخره سورة الناس المؤلفة من 6 آيات ..
انطلاقا من هذه الفكرة، وباعتبار قانون الزوجية (العدد إما زوجي وإما فردي)،فسور القرآن الكريم باعتبار أعداد آياتها، إما أن تكون زوجية الآيات وإما أن تكون فردية الآيات .. وباعتبار الأرقام الدالة على مواقع ترتيبها فهي إما زوجية الترتيب وإما فردية الترتيب ..
[ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون] (الذاريات 51/ 49)
(يُتْبَعُ)
(/)
بهذين الاعتبارين فالسورة القرآنية واحدة من أربع:
1 - زوجية الآيات زوجية الترتيب، ومثال ذلك سورة البقرة:
عدد آياتها: 286 عدد زوجي، ورقم ترتيبها: 2 عدد زوجي.
2 - فردية الآيات فردية الترتيب، ومثال ذلك سورة الفاتحة:
عدد آياتها: 7 عدد فردي، ورقم ترتيبها:1 عدد فردي.
3 - زوجية الآيات فردية الترتيب، ومثال ذلك سورة المائدة:
عدد آياتها: 120 عدد زوجي، ورقم ترتيبها: 3 عدد فردي.
4 - فردية الآيات زوجية الترتيب، ومثال ذلك سورة الأنعام:
عدد آياتها: 165 عدد فردي، ورقم ترتيبها:6 عدد زوجي.
بعد هذا التوضيح للحالات الأربع لسور القرآن،نطرح الأسئلة التالية:
ما عدد سور القرآن زوجية الآيات؟
ما المواقع التي رتبت فيها على امتداد المصحف؟
ما عدد السور فردية الآيات؟ ما المواقع التي رتبت فيها؟
هل هناك علاقة بين ترتيب هذه السور وأعداد آياتها؟
لكي نتمكن من الإجابة على هذه الأسئلة كان لا بد من إعداد عدد من الجداول الإحصائية بحالات سور القرآن –وقد اعتمدت للقيام بهذا العمل المصحف برواية حفص عن عاصم " مصحف المدينة النبوية " - حيث ظهر لنا: .....................
سور القرآن وقانون الزوجية:
السور زوجية الآيات – السور فردية الآيات
سور القرآن فردية الآيات:
أظهر الإحصاء أن عدد سور القرآن فردية الآيات 54 سورة لا غير. وحينما تأملنا الأرقام الدالة على ترتيب هذه السور في المصحف اكتشفنا النظام التالي:
إن من بين هذه السور 27 سورة (النصف) فردية الترتيب، وأما السور ال 27 الباقية (النصف) فهي زوجية الترتيب ..
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من رتب هذه السور على امتداد المصحف بحيث يجيء نصفها 27 سورة فردية الترتيب ونصفها الثاني27 سورة زوجية الترتيب على هذا النحو من التناسق والتوازن؟ هل يمكن رد هذا التوزيع إلى المصادفة؟ أليس من الواضح أن زيادة أو نقصان آية في أي سورة كان كافيا لإخفاء هذا التوازن؟
(انظر الجدولين رقم 1 و 2 في نهاية البحث).
سور القرآن زوجية الآيات:
سور القرآن الباقية وعددها 60 سورة جاء كل منها من عدد زوجي من الآيات.
(انظر الجدولين 3 و 4)
فإذا توقفنا عند الأرقام الدالة على مواقع ترتيبها على امتداد المصحف، فإننا سنقف على ظاهرة مماثلة للظاهرة التي شاهدناها في السور فردية الآيات .. فكأنها تأكيد لها ودليل عليها، وابتعاد بها عن شبهة المصادفة والعشوائية.
: إن من بين السور الستين زوجية الآيات 30سورة (النصف) زوجية الترتيب، أما السور الباقية وعددها 30 سورة فهي فردية الترتيب.
هل يمكن رد هذا النمط من التوزيع إلى المصادفة؟ أليس من الواضح أن زيادة أو نقصان آية في أي سورة كان كافيا لإخفاء هذا التوازن والتناسق؟
(انظر الجدولين رقم 3 و 4 في نهاية البحث).
نعيد طرح السؤال السابق: ومن رتب السور زوجية الآيات على امتداد المصحف بحيث جاء نصفها تماما 30 سورة فردية الترتيب، والنصف الآخر 30 سورة زوجية الترتيب؟
هل أحصى الصحابة- رضي الله عنهم - أعداد الآيات في سور القرآن سورة سورة،ثم رتبوها على هذا النحو مراعين هذه العلاقة؟ بالتأكيد لا. فلم تكن هذه المسائل من مشاغلهم ولم يزعم أحد أنهم تحروا هذه العلاقة حينما جمعوا القرآن .. كما لا يمكن أن نفسر أن هذه الحقائق جاءت بفعل مصادفة عمياء. فمن يكون إذن صاحب هذا الترتيب؟ ومن حدد أعداد الآيات في هذه السور بهذه الصورة والتي أدت إلى هذا النمط من الترتيب؟
الإحصاء القرآني:
لقد طرحنا في بداية هذا المبحث السؤال عن عدد سور القرآن فردية الآيات وعدد السور زوجية الآيات، وبعد عملية الإحصاء اللازمة اكتشفنا عددهما. فهل نحن أول من أحصى عدد هذه السور؟
إذا تأملنا معادلتي الترتيب القرآني، سنكتشف أننا لسنا أول من أحصى حالات سور القرآن، لقد سبقنا القرآن إلى ذلك .. وأودعه لنا في معادلتين على نحو يمكننا اكتشافه بالتدبر.
(المعادلتان هما: 19 × 6 = 114، 19 × 3 = 57)
وأساسهما العدد 114 عدد سور القرآن الكريم.
المعادلة الأولى: 19 × 6 = 114.
19 = 9 + 10 (9 أكبر الأرقام: عدد فردي+ 10 أصغر الأعداد: عدد زوجي).
لنتأمل كيف خزن القرآن إحصاءه لحالات سور القرآن:
(يُتْبَعُ)
(/)
إن حاصل ضرب الرقم 9 (العدد الفردي) في 6 = 54 وهذا هو عدد السور فردية الآيات.
إن حاصل ضرب العدد 10 (العدد الزوجي) في 6 = 60 وهذا هو عدد السور زوجية الآيات.انتهى الإحصاء.
هل هذه مصادفة؟
لماذا لم تتدخل المصادفة هنا فتزيد آية في أي سورة أو تنقص آية لتخل بهذا الإحكام؟ إن زيادة أو نقصان آية في إحدى السور زوجية الآيات سيجعل منها سورة فردية الآيات وهذا يكفي لاختفاء هذا الترتيب المحكم المتوازن. فلماذا لم يحدث ذلك؟
أليس من الواضح أن أعداد الآيات في سور القرآن محددة ومحسوبة على نحو يترتب عليه أن تأتي منسجمة تماما مع القانون الذي تمثله معادلة الترتيب 19×6 والتي هي صورة العدد 114 عدد سور القرآن؟
أليس واضحا أن هناك من أودع سر العددين 60 و 54 عددي السور زوجية الآيات والسور فردية الآيات في المعادلة 19 × 6، ليكون ذلك حين اكتشافه بعد زمن ما من نزول القرآن دليلا على صحة أعداد الآيات في تلك السور وأنها لم تأت هكذا مصادفة أو دون حساب؟
كيف نفسر مجيء أعداد الآيات على هذا النحو المحكم مع ما نعلمه من نزول القرآن مفرقا حسب الحاجات والوقائع خلال ثلاث وعشرين سنة، وترتيبه على نحو مختلف تماما عن ترتيب النزول؟
أليس ما نكتشفه الآن حقيقة لا مجال لإنكارها؟ هذا هو القرآن بين أيدينا وبإمكان أي كان أن يتأكد من صحة الإحصاء الذي ادخره القرآن لنا.
المعادلة الثانية: (19 × 3 = 57).
(يتألف العدد 114 من: 57 عددا زوجيا + 57 عددا فرديا، وهذا هو أساس المعادلة الثانية: 57 = 19 × 3).
والآن لنتأمل الإحصاء التفصيلي المخزن في المعادلة الثانية:
إن حاصل ضرب الرقم 9 (العدد الفردي) في 3 = 27 وهذا هو عدد السور فردية الآيات فردية الترتيب،وهو كذلك عدد السور فردية الآيات زوجية الترتيب.
إن حاصل ضرب العدد 10 (العدد الزوجي) في 3 = 30. وهذا العدد هو عدد السور زوجية الآيات زوجية الترتيب، وهو كذلك عدد السور زوجية الآيات فردية الترتيب.
وبماذا نفسر هذه الحقيقة؟
هل جاءت أعداد الآيات في سور القرآن على هذا النحو مصادفة أيضا؟ هل قامت بترتيب نفسها بنفسها؟
ما معنى أن تصلنا سور القرآن بهذه الأعداد من الآيات؟ وفق نظام رياضي واضح لا مجال للتشكيك فيه؟
التفسير الوحيد لما اكتشفناه أننا في رحاب واحد من أنظمة الحماية التي أحاط الله بها كتابه الكريم، يستحيل معها إحداث أي تغيير أو تبديل في مواقع سور القرآن أو أعداد آياتها، والمحافظة على هذا النظام ..
ويمكننا التأكد من ذلك بتغيير موقع أي سورة من سور القرآن، كأن نقدمها على السورة التي تليها في ترتيب المصحف، أو نزيد في عدد آياتها آية، لا نعني بالزيادة أن نأتي بآية من عندنا، ما نعنيه أن نقسم آية إلى آيتين وبذلك تحصل الزيادة .. لو حدث شيء من هذا لما اكتشفنا هذا النظام ولما وصل إلينا على هذا النحو ..
إن زيادة آية أو إنقاص آية في سورة زوجية الآيات سيجعلها فردية الآيات، كما أن زيادة أو إنقاص آية في سورة فردية الآيات سيجعلها زوجية الآيات، وفي الحالين سيختل هذا البناء المحكم. (انظر الجدول رقم 5)
والسؤال هنا: ما معنى أن يصلنا القرآن بهذا الترتيب وبهذه الأعداد، إلا أن يكون محفوظا كما وعدنا الله؟
مواقع ترتيب سور القرآن:
عرفنا أن عدد سور القرآن زوجية الآيات 60 سورة، وعدد السور فردية الآيات 54 سورة،وقد تم تخزين الإشارة إلى هذين العددين في معادلة الترتيب الأولى 19 × 6.
السؤال الآن: ما المواقع التي رتبت فيها هذه السور على امتداد المصحف؟
: من المعلوم أن عدد سور القرآن 114 سورة، معنى ذلك أن كل سورة من سور القرآن تحمل واحدا من الأرقام 1 - 114 رقما دالا على موقع ترتيبها.
إن مجموع هذه الأرقام ال 114 (1+2+3+4 .. 114) هو: 6555.
العدد 6555 يساوي: 19 × 345.
(انظر الجدول رقم 6) ..
ما السر في هذين العددين 19 و 345؟
إن حاصل ضرب الرقم 9 (العدد الفردي) في 345 = 3105. هذا العدد هو مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب السور فردية الآيات في القرآن كله وعددها- كما مر- 54 سورة.
وإن حاصل ضرب العدد 10 (العدد الزوجي) في 345 = 3450.
هذا العدد هو مجموع الأرقام الدالة على ترتيب السور زوجية الآيات في القرآن وعددها 60 سورة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وبماذا نفسر هذه الحقيقة أيضا؟ هل تحتمل اختلافا في التفسير؟
أليس من الواضح أن مواقع ترتيب سور القرآن محددة أيضا وفق نظام رياضي أساسه العدد 114 وهو العدد الذي اختاره الله عددا لسور كتابه الكريم؟ ما معنى أن يأتي مجموع الأرقام الدالة على مواقع السور فردية الآيات 3105 والذي هو حاصل ضرب 9 (العدد الفردي) في 345 ومجموع الأرقام الدالة على مواقع السور زوجية الآيات 3450 والذي هو حاصل ضرب (العدد الزوجي) 10 في 345.
(ومن السهل ملاحظة أن الفرق بين المجموعين هو: 345) ..
معناه أن مواقع تلك السور محددة وفق العلاقة الموجودة في العدد 114، واكتشافنا الآن يعني أنه لم يطرأ على مواقع تلك السور أي تغيير منذ أن نزل القرآن.
والسؤال هنا: من واضع هذا النظام؟ أهناك غير الله سبحانه وتعالى؟ إن تحديد مواقع سور القرآن قد تم وفق قانون ونظام محكم لا يمكن نسبته إلى الاجتهاد أو المصادفة، فهو ترتيب إلهي محكم هادف ناطق بمصدر القرآن وإعجاز ترتيبه.
والسؤال هنا: ألا يكشف لنا هذا الترتيب عن الهدف (الحكمة) من وراء توجيهات جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم أن يضع هذه الآية هنا وتلك هناك وهذه السورة هنا وتلك هناك؟
الحكمة هي: الوصول بترتيب القرآن المعد سابقا والمخطط له بتدبير إلهي إلى النحو الذي نكتشفه الآن؟.
ولو لم يكن هذا الترتيب مقصودا لتم ترتيب القرآن أولا بأول، ولما كانت هناك حاجة إلى توجيهات جبريل عليه السلام ...
كانت الآيات أو السورة تنزل، ويحدد جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم موقعها سلفا (أي قبل اكتمال نزول القرآن) في الترتيب النهائي للقرآن، والذي سيتم نقله بالتدريج.
أما ظهور هذا الترتيب، فهو مرتبط باكتمال نزول القرآن ولن يظهر قبل ذلك.
نهاية الجزء الأول من الموضوع الأول
(ملاحظة: الاعجاز العددي موضوع جديد والمواقف منه متباينة تصل عند البعض الى رفض الموضوع لمجرد مشاهدة العدد 19، وقد وصل الامر عند بعضهم إلى التمسك بالقول ان ترتيب القرآن اجتهادي رافضا أي رأي آخر، والبعض رفض الروايات التي تقول ان جبريل كان يعين للرسول صلى الله عليه وسلم موقع الآية والسورة، وبعضهم ادعى ان هذا الحساب ليس اكثر من مصادفات يمكن وجودها في أي كتاب، وبعضهم احتج بأن هذا الحساب لا ينطبق على جميع المصاحف باعتبار القراءات، والبعض يطالب بالتأصيل والضوابط ..........
أحببت ان أذكر هذه الملاحظات وانا اعلم أنني في ملتقى له مكانته وفيه الخيرة من اهل القرآن، ولا أتوقع احدا سيقول لي - كما قال الكثيرون من أهل القرآن أيضا - لماذا 114 = 19 × 6؟ لماذا لا تكون (3 + 7 + 9) × 6. ..
وكما نبهت في البداية: موضوع ترتيب القرآن موضوع طويل جدا، وليس من الحكمة المبادرة الى رفضه لأي سبب دون الاطلاع عليه كاملا .. في حالة واحدة يكون الرفض مقبولا: إذا وجد في هذا البحث وما سيتبعه خطأ في الحساب او مخالفة لمسألة متفق عليها].
بانتظار تعليقاتكم
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[02 Jun 2007, 01:07 ص]ـ
قرأت وما زلت أقرأ الكثير من البحوث التي تحاول أن تطبق على القرآن الكريم مجموعة من القواعد الحسابية والرياضية. ولست أدري ما هي الفائدة العملية التي نجنيها من وراء مثل هذا الاتجاه في البحث؟ هذا إذا سلمنا بصحة الإحصائيات المستعملة.
والأسئلة المطروحة بجدية على مثل الأبحاث هي التالية:
1 - ما مدى مصداقية هذه الإحصائيات، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار اختلاف العلماء في أمرين:
- كم عدد آيات القرآن؟
- هل كان ترتيب سور القرآن توقيفيا أم اجتهادا؟
2 - ما مدى الفائدة المجنية معرفيا وعمليا من وراء مثل هذه البحوث؟
3 - هل يندرج هذا الموضوع ضمن مسائل الإعجاز القرآني أم لا؟
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[02 Jun 2007, 10:24 ص]ـ
/ يتبع الجزء الأول:
ومما يتصل بمواقع سور القرآن الملاحظة التالية في سورة المدثر:
من أسرار القرآن في الآية 30 سورة المدثر:
" عليها تسعة عشر "
الآية 30 من سورة المدثر هي الآية التي ُذكر فيها العدد 19 صراحة في القرآن , وحدة البناء في العدد 114 (114 = 19 × 6).
لنتأمل كيف تختزن هذه الآية الإشارة إلى أرقام ترتيب سور القرآن:
تتألف الآية من ثلاث كلمات , تحت كل كلمة عدد حروفها:
عليها تسعة عشر
(يُتْبَعُ)
(/)
5 4 3 (تأمل العدد الذي شكلته الآية: 345)
نلاحظ أن الآية التي تذكر العدد 19 ترسم حروف كلماتها العدد: 345!
إشارة واضحة إلى مجموع أرقام ترتيب سور القرآن والذي هو: 6555 ويساوي 19 × 345 - كما سبق توضيحه _.
كما أننا نجد في آية البسملة " بسم الله الرحمن الرحيم " المؤلفة من أربع كلمات و 19 حرفا , الإشارة إلى العدد 345 نفسها المخزنة بالصورة التالية:
عدد حروف البسملة: 19 عدد كلماتها: 4.
الإشارة: (19 + 4) × (19 – 4) = 345.
(وفي كلا الآيتين من إعجاز الترتيب ما يأخذ بالألباب وهذا موضوع غير ما نحن بصدده)
العدد 345:
لماذا العدد 345؟
العدد 345 هو علاقة رياضية طبيعية موجودة في العدد 114. ولنتبين حقيقة العدد 345، يمكننا أن نكتب الأعداد المتسلسلة من 1 - 114 .. سنجد أن هذه الأعداد تتألف من 19 مجموعة كل مجموعة من ستة أعداد، مجموعها هو: 345.
ولمعرفة هذه المجموعات: نجمع الأعداد الثلاثة الأولى + الأعداد الثلاثة الأخيرة هكذا:
1+2+3+114+113+112= 345.
المجموعة الثانية: 4+5+6+111+110+109 = 345
المجموعة الثالثة: 7+8+9+108+107+106= 345.
وهكذا حتى نصل الى المجموعة التاسعة عشرة ..
النتيجة: ليست مصادفة أن تختزن كلا الآيتين: الآية عليها تسعة عشر " والآية " بسم الله الرحمن الرحيم " إشارة مخبأة إلى العدد 345. وليست مصادفة أن يكون عدد سور القرآن 114 سورة وليس 113.
(إن من المستحيل أن يكون عدد سور القرآن 113 كما ظن البعض، ولا 116 كما زعم البعض، ليس لهذا السبب بل لأسباب كثيرة، وهذه إحدى فوائد البحث.
تنبيه:
أنبه هنا إلى التفريق بين السور زوجية الآيات والسور زوجية الترتيب. فعدد السور زوجية الترتيب 57 مجموع أرقام ترتيبها 3306 وهذا أمر طبيعي وهو من خصائص العدد 114 وليس هو موطن الإعجاز، وعدد السور زوجية الآيات 60 سورة مجموع أرقام ترتيبها - كما مر - 3450.
وكذلك: عدد السور فردية الترتيب 57 وليس هنا موطن الإعجاز، مجموع أرقام ترتيبها 3249. وعدد السور فردية الآيات هو 54 سورة مجموع أرقام ترتيبها 3105.
[الموضوع التالي: رائعة الترتيب القرآني: السور المتجانسة .......... ]
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[02 Jun 2007, 02:27 م]ـ
قرأت وما زلت أقرأ الكثير من البحوث التي تحاول أن تطبق على القرآن الكريم مجموعة من القواعد الحسابية والرياضية. ولست أدري ما هي الفائدة العملية التي نجنيها من وراء مثل هذا الاتجاه في البحث؟ هذا إذا سلمنا بصحة الإحصائيات المستعملة.
والأسئلة المطروحة بجدية على مثل الأبحاث هي التالية:
1 - ما مدى مصداقية هذه الإحصائيات، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار اختلاف العلماء في أمرين:
- كم عدد آيات القرآن؟
- هل كان ترتيب سور القرآن توقيفيا أم اجتهادا؟
2 - ما مدى الفائدة المجنية معرفيا وعمليا من وراء مثل هذه البحوث؟
3 - هل يندرج هذا الموضوع ضمن مسائل الإعجاز القرآني أم لا؟
الأخ الفاضل:
أفضل انتظار ردود العلماء الأفاضل واهل الاختصاص أولا، ثم سأرد على أسئلتك (ولعل هناك من يشاركك فيها]، وسأفرد كل سؤال بمقالة خاصة إن شاء الله.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[16 Jun 2007, 05:03 م]ـ
نقد متهافت لا قيمة له:
تكرم احد الأفاضل مشكورا فأبدى رأيه في غير هذا المكان مصرحا انه لا يريد قوانيني ولا حالاتي ..
(يقصد قانون وحالات سور القرآن الأربع)
طبعا: هي ليست قوانيني ولا حالاتي ولا أريد أن ازيد .............
مثل هذا القول يدفعني إلى التساؤل: هل المسألة صعبة إلى درجة أن احدا في المنتدى لم يصرح بفهمها؟
هل مسائل الحساب معقدة إلى هذا الحد؟
أيها الأفاضل:
العدد 114 العدد الذي اختاره الله سبحانه عددا لسور كتابه الكريم (والله لا يختار شيئا عبثا) يتألف من 57 عددا زوجيا + 57 عددا فرديا.
[هذه الحقيقة لا يجوز أن تكون موضوع اختلاف، وهي لا تقبل ذلك، انها اللغة العالمية المشتركة بين الناس جميعا. لا يجوز أن يخرج علي احد الآن ليقول لي لماذا العدد 114 = 57 عددا زوجيا + 57 عددا فرديا؟ ماذا تريد من هذه القسمة؟ أكيد في ذهنك شيء ما ...
هذا كلام فارغ لأنه لن يغير من الحقيقة شيئا ... هذا ليس نقدا وليس ردا ..
(يُتْبَعُ)
(/)
كل شيء في الكون محكوم بقانون الزوجية (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) الذاريات 51: 49 ..
حسب قانون الزوجية فالعدد إما زوجي وإما فردي ... هذا قانون لا مجال للتشكيك فيه ..
وحينما أقول أن العدد 19 يتألف من:
9 أكبر الأرقام (1 , 2 , 3 , 4 ......... 9: عدد فردي]
10 أصغر الأعداد [العدد هو الصفر مع باقي الأرقام .... : 10 عدد زوجي]
هذه حقيقة علمية لا تحتمل الشك والاتهام والتكلف وبقية الصفات التي يتمترس خلفها بعض الجهلة ..
[إذا كان في نفسك شك أو موقف تجاه العدد 19 فليس مبررا ان تتنكر للحقيقة، ربما اذا سئلت ما مجموع 12 + 7 ستقول: 20 حتى لا تذكر العدد 19 ......... هذا غير معقول ..
وحينما أقول:
السورة القرآنية باعتبار ترتيبها إما:
فردية الترتيب وإما زوجة الترتيب.
فهذا كلام علمي ولا يمكن ان تكون السورة غير ذلك .. وهذه المسالة لو قلتها لأي كان بغض النظر عن لغته وعقيدته فلن يشكك فيها. ومن الجهل ان يخرج علي المسلم المحب للقرآن رافضا متنكرا .. ماذا يريد؟ هل هناك حالة ثالثة؟؟؟؟؟
وحينما أقول:
السورة القرآنية باعتبار عدد آياتها إما:
زوجية الآيات وإما فردية الآيات ..
فهذا حقيقة لا تقبل الجدل ولا المناقشة. فكيف بوصفها بالتكلف وغير ذلك من الأوصاف التي تدل على الجهل ..
أيضا: هل توجد حالة ثالثة؟ هذه مسلمات ...
وحينما أقول:
بهذين الاعتبارين فالسورة القرآنية واحدة من أربع:
زوجية الآيات زوجية الترتيب
زوجية الآيات فردية الترتيب
فردية الآيات فردية الترتيب
فردية الآيات زوجية الترتيب.
أيضا هذه مسلمة. حقيقة علمية. لا تقبل التشكيك ولا الجدال ..
ترتيب سور القرآن وآياته تم وفق قانون الزوجية، المشاهد في كل ما في الكون، ووفق العلاقات الرياضية المجردة في العدد 114 العدد الذي اختاره الله عدد ا لسور كتابه الكريم ......
وقبل أن أبدأ بالشرح: يخرج بعضهم بكلام فارغ لا قيمة له.
هذا المنتدى المبارك يضم نخبة من العلماء الأجلاء والرواد المتخصصون وأهل العلم ...
وننتظر منهم كلاما علميا ليس فيه محاباة لأحد ..
هدفنا هو الدفاع عن القرآن وخدمة اهله ...
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[02 May 2009, 03:21 م]ـ
الأخ الفاضل:
أفضل انتظار ردود العلماء الأفاضل واهل الاختصاص أولا، ثم سأرد على أسئلتك (ولعل هناك من يشاركك فيها]، وسأفرد كل سؤال بمقالة خاصة إن شاء الله.
مثل هذه العبارات يجب تجنبها بين الإخوة المسلمين، فالأخ الفاضل - مع أني لا أعرفه - ولكن يظهر من تعليقه أنه من أهل الاختصاص فلماذا ترد عليه هذا الرد سامحك الله تعالى؟
ألأنه لا يوافقك على هذا الطرح الذي ما فتئت تدعو له، وتحاول جاهدا غرسه في عقول المشاركين في هذا الملتقى المبارك، بدليل أو بغير دليل؟
أم لأنك لم تحاول أن تصارح نفسك وتنشغل بما هو أكثر فائدة من هذه الأمور التي يبدو من خلال كتاباتك أنك أذكى وأعقل من أن تشغل وقتك بها، حتى ولو زخرفها لك واضعوها ومحدثوها.
والله يا أخي الكريم ما كتبت هذا إلا محبة لك وإعجابا بكتاباك في الملتقى وهي لا تحتاج إلى تزكية من أمثالي، فأنصحك "والدين النصيحة" أن ترتفع عن هذه الأمور وتتخصص في علم من علوم القرآن المفيدة وإذا قرأت شيئا من هذه العلوم المحدثة فعليك بأمور منها:
أ - أن تحكم شرع الله فيها - أعني فهم السلف الصالح لكتاب الله تعالى ومجمل أمورالدين.
ب - أن تكثر من تلاوة كتاب الله تعالى وتكراره.
ج - أن تحذر من قراءة كل شيء والاطرع على كل شيء، فأخطر ما يصيب الأذكياء هو حرصهم على الاطلاع، وخاصة على كتابات من لم تتأكد من دينه وورعه.
حفظك الله وبارك في علمك.
ـ[أبو الحارث العامودي]ــــــــ[02 May 2009, 06:30 م]ـ
الأخ الفاضل إبراهيم الحسني
هذه الملتقى مليء بالمداخلات المتعلقة بالعدد، وقد قمت بالرد على مداخلات جديدة هي تكرار للماضي. والعجيب أنك تنصح الأخ عبد الله بنبذ مثل هذا الأمر ثم تقوم بإحياء مداخلات مضى عليها ما يقرب من سنتين. أرجو من الأخ عبد الله أن لا يتورط بالرد فنعود إلى الدائرة نفسها.(/)
علم مقاصد السور [2] (التعريف)
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[02 Jun 2007, 09:34 ص]ـ
التعريف بعلم مقاصد السور.
المسألة الأولى: التعريف:
المقصد: يرجع إلى مادة (ق ص د) وهي تدور على معنى التوجه والنهوض نحو الشيء.
قال ابن جني: أصل مادة " ق ص د " ومواقعها في كلام العرب: التوجه والنهوض نحو الشيء، هذا أصله في الحقيقة". ([1]).
فالمقصد هو العمدة الذي يتوجه إليه الكلام ويرجع إليه.
ويعرّف الفراهي المقصد الأساسي أو عمود الكلام كما يسميه في كتابه نظام القرآن بأنه: " جماع مطالب الخطاب، فإليه مجرى الكلام، وهو المحصول والمقصود منه، فليس من أجزائه الترتيبية، ولكنه يسري فيه كالروح والسر، والكلام شرحه وتفصيله، وإنتاجه وتعليله، وربما يحسن إخفاؤه، فلا يطلع عليه إلا بعد استيفاء الكلام والتدبر فيه" ([2]).
ويقول: " إن النظر في آيات السور لا يدع شكاً في أن عمود الكلام ليس إلا الأمور الكلية التي لا تتعلق بوقت ولا زمان " ([3]).
ويمكن أن نخلص من كلامه أن ضوابط المقصد:
1 - أنه جامع مطالب الخطاب الذي يمثل الأمور الكلية للسورة، وهو المحصول والمقصود الأساسي منه.
2 - أنه يمثل الروح الذي يسري في كيان السورة، فيربط بين أجزائها، ويجعل كل جزء فيها آخذاً بالآخر، في سبيل تحقيق المقصد الأعظم.
3 - أنه معنى خفي يحتاج إلى تدبر واستيفاء الكلام كله.
وعليه فيمكن أن نحدد مقصد السورة بأنه (مغزى السورة الذي ترجع إليه معاني السورة ومضمونها، ويمثل روحها الذي يسري في جميع أجزائها).
وإذا تبين هذا فيمكن أن نعرف علم مقاصد السور بأنه (علم يعرف به مغزى السورة الجامع لمعانيها ومضمونها).
وقد عرف البقاعي هذا العلم فقال: " هو علم يعرف منه مقاصد السور، وموضوعه: آيات السور، كل سورة على حيالها " ([4]).
المسألة الثانية: مرادفات مصطلح مقاصد السور:
مصطلح مقاصد السور مصطلح متأخر، لذا نجد التفاوت في التعبير عنه عند المتأخرين.
فقد يعبر عنه بسياق السورة، وغرض السورة، والوحدة الموضوعية، الوحدة السياقية للسورة، وموضوع السورة العام، وعمدة السورة، وهدف السورة، ومحور السورة، ومضمون السورة، ومدار السورة، وفلك السورة، وجو السورة، وشخصية السورة، وروح السورة.
وكلها تصب في معنى واحد هو أن تكون السورة ترجع إلى معنى واحد يجمعها، هو مراد الله تعالى ومقصوده فيها.
المسألة الثالثة: الفرق بين موضوعات السورة ومقصدها
هناك فرق بين موضوع السورة ومقصدها، فالموضوع أو الموضوعات هي المعنى أو المعاني الظاهرة التي تمثلها الأحكام والقصص ونحوها، وأما المقصد فهو معنى خفي يجمعل تلك الموضوعات.
فمثلاً سورة البقرة: نجد أن موضوعاتها تركز على الأحكام الكلية للشريعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" وقد ذكرت في مواضع ما اشتملت عليه سورة البقرة من تقرير أصول العلم و قواعد الدين" وأما غرضها فهي في بناء نظام الدولة المسلمة، وإعداد الأمة لحمل أمانة الدين وتبليغها بعد تخلي بني إسرائيل عنها. ويؤكد ذلك تسميتها بالبقرة وتضمينها لقصة البقرة الدالة على تحذير الأمة من مشابهة بني إسرائيل في تلقي الأحكام والتشريعات ولذلك اختتمت بقوله (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون) .... إلى قوله (وقالوا سمعنا وأطعنا) وجاءت آخر جملة منها دالة على التبيلغ بقوله (أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين). فتأمل الفرق والعلاقة بين الموضوع والمقصد، تجد أن بينهما فرق كما أن بينهما ترابط لازم. إذ أن الموضوع دال على المقصد. والله أعلم.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ((لسان العرب)) (3/ 353)
([2]) ((دلائل النظام)) ص16.
([3]) المصدر السابق ص62.
([4]) ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) (1/ 155).(/)
قانون الحالات الأربع لسور القرآن / الجزء الثاني
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[02 Jun 2007, 02:13 م]ـ
قانون الحالات الأربع لسور القرآن / الجزء الثاني
ونصل هنا إلى اكتشاف رائعة الترتيب القرآني، مجموعتين من سور القرآن تختزنان السر في عدد آيات القرآن وعدد سوره، متجانسة وغير متجانسة، عدد سور كل مجموعة 57 سورة.
السور المتجانسة 57 سورة:نعني بالسورة المتجانسة ما كان رقم ترتيبها وعدد آياتها فرديين أو زوجيين مثال: سورة
الفاتحة 1/ 7 سورة البقرة 2/ 286).
بهذا الاعتبار عدد السور المتجانسة: 57 سورة مؤلفة من مجموعتين:
السور زوجية الآيات زوجية الترتيب وعددها: 30 سورة.
السور فردية الآيات فردية الترتيب وعددها: 27 سورة.
المفاجأة الكبرى هنا:
إن مجموع أعداد الآيات في السور المتجانسة هو: 2933 آية.
مجموع الأرقام الدالة على ترتيبها هو: 3303
مجموع العددين: 6236 وهذا هو عدد آيات القرآن الكريم.
نكتشف هنا العلاقة الواضحة التي لا ريب فيها بين مواقع ترتيب سور القرآن وأعداد آياتها على نحو تشمل سور القرآن كلها، ونفهم أن مواقع هذه السور وأعداد آياتها قد حددت وفق نظام رياضي بحيث يختزن في النهاية الإشارة إلى العدد 6236 عدد آيات القرآن الكريم،والإيحاء بأن هذا العدد هو العدد الصحيح لآي القرآن الكريم. (على النحو المعتبر في مصحف المدينة النبوية)
ولعله من الواضح أن أي تغيير في مواقع هذه السور أو أعداد آياتها سيخل بهذا النظام المحكم. ولنتبين دقة هذا النظام:
نأخذ مثالا سورة البقرة:
سورة البقرة هي إحدى السور المتجانسة فهي زوجية الآيات زوجية الترتيب. إن زيادة أو نقصان آية فيها سيجعلها سورة فردية الآيات زوجية الترتيب، وسيؤدي هذا التدخل إلى أن يصبح عدد السور فردية الآيات 55 سورة بدل 54، والسور زوجية الآيات 59 سورة بدل 60.
كما أن هذا التدخل سيخل بحالة التماثل في العدد 2690 - على النحو الذي سيأتي بعد - ولو قمنا مثلا بإجراء تغيير في موقع سورة البقرة وليكن مثلا مع سورة آل عمران وكلاهما زوجية الآيات ..
سيؤدي هذا التدخل إلى أن تصبح سورة البقرة زوجية الآيات فردية الترتيب (بدل زوجية الآيات زوجية الترتيب) وأن تصبح سورة آل عمران زوجية الآيات زوجية الترتيب (بدل زوجية الآيات فردية الترتيب) ..
في ظاهر الأمر قد يبدو أننا حافظنا على أن تظل مجموعة السور المتجانسة كما هي، إلا أن هذا التدخل سيؤدي إلى أن يصبح مجموع أعداد الآيات في السور المتجانسة 2847 بدل 2933 (بسبب الاختلاف بين عددي الآيات في سورة البقرة 286 وعدد الآيات في سورة آل عمران 200) ولن يعود مجموع أعداد الآيات ومجموع أرقام ترتيب هذه السور يؤدي إلى الناتج: 6236 عدد آيات القرآن على النحو الذي أوضحناه.
كما سينتج عن هذا التدخل خلل آخر في السور غير المتجانسة.
والسؤال هنا: من حدد أعداد الآيات في هذه السور وعين لها مواقعها على امتداد المصحف بحيث يؤدي ذلك إلى هذه العلاقة بين أعداد الآيات في سور القرآن ومواقع ترتيبها والإشارة في النهاية إلى العدد 6236 عدد آيات القرآن الكريم؟
أليس واضع هذا النظام يهدف إلى إخبارنا بأن كل ما في القرآن قد تم بحساب وتقدير، وأنظمة تؤكد أنه غير قابل للزيادة أو النقصان؟
(انظر الجدولين رقم 7 و 8)
السور غير المتجانسة 57 سورة:
السورة غير المتجانسة هي: ما كان رقم ترتيبها زوجيا وعدد آياتها فرديا أو العكس .. بهذا الاعتبار عدد السور غير المتجانسة 57 سورة.
(مثال: سورة آل عمران 3/ 200 الأنفال 8/ 75) وهي مؤلفة من مجموعتين:
السور زوجية الآيات فردية الترتيب: 30 سورة.
السور فردية الآيات زوجية الترتيب: 27 سورة.
المفاجأة الثانية:
حينما نتأمل الجداول الإحصائية التي أعددناها للسور غير المتجانسة سنكتشف أن مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيبها في المصحف هو: 3252
مجموع أعداد آياتها هو: 3303
مجموع هذين العددين هو: 6555 .. هذا العدد هو مجموع الأرقام المتسلسلة من 1 – 114.
وهي الأرقام الدالة على مواقع ترتيب سور القرآن ..
بعبارة أوضح: إن لغة الأرقام هنا تؤكد أن عدد سور القرآن 114 سورة لا زيادة ولا نقصان.
ونفهم هنا أيضا أن مواقع هذه السور وأعداد آياتها قد حددت وفق نظام رياضي بحيث يختزن الدليل على أن عدد سور القرآن 114 سورة.
(انظر الجدولين رقم 9 و 10)
العلاقة الرياضية بين ترتيب سور القرآن وعدد آياته:
كشف لنا نظام التجانس أن الفرق بين مجموع أرقام ترتيب سور القرآن وهي الأعداد المتسلسلة من 1 – 114 وعدد آيات القرآن هو: 319.
6555 – 319 = 6236.
ومعنى ذلك أن العدد 319 هو الرابط بين ترتيب سور القرآن وأعداد آياتها، وفي ترتيب القرآن من الأدلة ما يكفي لإثبات هذا الرأي. (كما أن هذا العدد هو الرابط بين ترتيب سور القرآن وأعداد آياتها ومجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب آيات القرآن كلها والذي هو: 333667 .. موضوع لا مجال له هنا)
ما أود أن ألفت الانتباه إليه هنا ملاحظة العدد 319 في معادلة الترتيب الثانية:
57 = 19 × 3 ..
[ملاحظة: سأفرد العدد 319 بمقالة خاصة مستقبلا إن شاء الله].
يتبع / الجزء الثالث ....(/)
قانون الحالات الأربع لسور القرآن / الجزء الثالث
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[02 Jun 2007, 07:03 م]ـ
قانون الحالات الأربع لسور القرآن: الجزء الثالث:
ترتيب السور زوجية الآيات في نصفي القرآن:
عرفنا أن عدد سور القرآن زوجية الآيات 60 سورة وأنها مجموعتان:
30سورة زوجية الآيات زوجية الترتيب +30 سورة زوجية الآيات فردية الترتيب.
السؤال الذي نود طرحه هنا:
كيف وزعت هذه المجموعة من السور بين نصفي القرآن؟
(النصف الأول من القرآن: السور من 1 - 57، والنصف الثاني: السور من 58 –114)
سنجدها على النحو التالي:
27 سورة جاء ترتيبها في النصف الأول من القرآن،وسنجد أن مجموع أعداد آياتها هو: 2690.
33 سورة رتبت في النصف الثاني من القرآن , والمفاجأة هنا: سنجد أن مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب هذه السور هو: 2690 أيضا.
السؤال هنا: كيف نفسر حالة التماثل في المجموعين، مجموع أعداد الآيات في السور المرتبة في النصف الأول من القرآن يساوي مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب السور المرتبة في النصف الثاني؟
أليس في هذا التماثل برهان على أن تحديد أعداد الآيات في هذه السور وتحديد مواقع ترتيبها قد تم وفق نظام رياضي بديع؟ نظام يربط بين أعداد الآيات في سور القرآن ومواقع ترتيبها .. بحساب بالغ الإتقان.
(انظر الجدولين 11 و 12)
تجميع السور القصيرة في نهاية المصحف:
من الملاحظ في سور القرآن الكريم أن السور المرتبة في النصف الثاني من القرآن تمتاز بقصرها، في حين أن السور المرتبة في النصف الأول تمتاز بطولها، هذه الملاحظة كانت موضع تساؤل البعض ..
بعد هذا الاكتشاف فإن في وسعنا الآن أن نفسر السر في تجميع السور القصيرة في نهاية المصحف والطويلة في أوله وارتباط ذلك بنظام محدد بعيد عن المصادفة،ذلك أن السورة المرتبة في النصف الأول من القرآن ستأخذ أحد الأرقام من 1 – 57 رقما دالا على ترتيبها (الأرقام الأصغر: 1 - 57). والسورة التي يتم ترتيبها في النصف الثاني من القرآن ستأخذ أحد الأرقام من 58– 114 للدلالة على موقع ترتيبها وهي (الأرقام الأكبر)،ولتحقيق حالة التماثل في المجموع 2690 (الربط بين مواقع السور وأعداد آياتها) لا بد من ترتيب السور الطويلة في النصف الأول، والسور القصيرة في النصف الثاني. هذه هي الحالة الوحيدة التي يمكن أن تحقق التماثل بين مجموع أعداد الآيات في مجموعة من السور ومجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب مجموعة أخرى.
ولو افترضنا العكس، أي ترتيب السور القصيرة في النصف الأول والطويلة في النصف الثاني، فإنه من المستحيل أن يأتي مجموع الأرقام الدالة على السور المرتبة في النصف الأول مماثلا لمجموع أعداد الآيات في سور النصف الثاني، ذلك أن مجموع الأرقام في النصف الأول كلها هو 1653 (1 + 2 + 3 ... + 57).
وفي هذا دليل آخر على أن ترتيب هذه السور يخضع لأنظمة وعلاقات وحساب وتدبير وتخطيط وأهداف، وأن مواقع هذه السور وأعداد آياتها قد حددا وفق نظام محكم لم يزعم أحد من البشر أنه صاحبه.
[وهنا إحدى الفوائد التي نجنيها من البحث: التفسير العلمي لمسألة ترتيب السور القصيرة في نهاية المصحف - للموضوع تفاصيل اخرى]
في العدد 3303 ونظام التجانس:
العدد 3303 هو: مجموع أعداد الآيات في السور غير المتجانسة هو 3303، وهو كذلك مجموع الأرقام الدالة على ترتيب السور المتجانسة فهو أيضا 3303. النظام نفسه المشاهد في توزيع السور زوجية الآيات بين نصفي القرآن.
وهنا ملاحظة في غاية الأهمية:
في الحالة الأولى جاء التماثل في العدد 2690 على النحو التالي:
مجموع أعداد الآيات في السور زوجية الآيات المرتبة في النصف الأول من القرآن: 2690، مماثل لمجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب السور زوجية الآيات المرتبة في النصف الثاني من القرآن، فهو أيضا: 2690.
قد يقول قائل هنا: نزيد في سورة زوجية الآيات آيتين ولنفترض في سورة البقرة
(لتظل زوجية الآيات) وننقص من سورة زوجية الآيات آيتين ولنفترض في سورة آل عمران (لتظل زوجية الآيات) ونبقي على حالة التماثل رغم هذا التدخل.
(يُتْبَعُ)
(/)
هنا تأتي حالة التماثل الثانية في العدد 3303 لتكشف هذا التدخل .. فمجموع الآيات في السور غير المتجانسة سيصبح 3301 بسبب النقص في عدد آيات سورة آل عمران.
نظام لا يترك مجالا لأي تدخل في مواقع أو أعداد الآيات في أي سورة من سور القرآن الكريم.
إن من السهل أن نستنتج هنا أن هناك علاقة قوية محكمة تربط بين مواقع ترتيب سور القرآن وأعداد آياتها. فكل سورة في القرآن جاءت في موقع مرسوم ومحدد ومن عدد من الآيات كذلك، على النحو الذي هي عليه في المصحف.
القرآن منزل من عند الله:
نظام التجانس أو قانون الحالات الأربع لسور القرآن دليل آخر – يضم إلى غيره من الأدلة – على أن القرآن من عند الله وليس من تأليف النبي صلى الله عليه كما يزعم الملحدون والمشككون بالقرآن.
ميزة هذا الدليل أنه بلغة هذا العصر لغة الأرقام والحساب، اللغة العالمية المشتركة بين الناس كافة، المسلم وغير المسلم العربي وغير العربي ..
هذا الترتيب هو استمرار لتحدي القرآن لنا في هذا الزمان ووجه آخر من وجوه إعجازه،وهذا لا يعني أنه بديل لما هو معروف من وجوه إعجاز القرآن الأخرى، وإنما هو إغناء لتلك الوجوه. ميزة هذا الوجه أنه بلغة الأرقام، بلغة الحقائق المادية الملموسة اللغة العالمية المشتركة بين الناس كافة، والتي لا تختلف حولها الآراء. وهي كذلك لغة الأدلة التي لا يمكن إنكارها أو الزعم بجهل دلالاتها .. ثم إن ما قدمناه في هذا البحث ما هو إلا جانب من جوانب ترتيب القرآن، وهناك جوانب أخرى [النظام العددي - نظام ظاهرة التفاوت: سنفردها بمقالات منفصلة إن شاء الله بعد أن نرى ردود أهل الاختصاص] تزيده قوة وتأكيدا .. وتزيدنا ثقة واطمئنانا ..
دلالات ونتائج:وأخيراً نخلص من هذا البحث إلى النتائج التالية:
1 - ترتيب سور القران الكريم هو توقيفي، إذ لا يعقل أن تأتي هذه البنية الرياضية مصادفة. وإلى هذا ذهب جمهور أهل السنة والجماعة.
2 - عدد آيات كل سورة هو أيضاً توقيفي، وهذا لا يعني أن الأقوال الأخرى في العدد غير صحيحة، لإمكان احتمال الأوجه المختلفة كما في القراءات.
3 - ما نحن بصدده هو اكتشافات معاصرة، وبذلك يتجلى الإعجاز القرآني بثوب جديد. و لا ننسى أن عالم العدد هو عالم الحقائق، وأن لغته هي الأكثر وضوحا والأشد جزما.
4 - بذلك تنهار كل المحاولات الاستشراقية التي حاولت أن تنال من صِدقيّة ترتيب المصحف الشريف.
5 - يمكن أن يكون مثل هذا البحث مفتاحا لدراسات تتعامل مع النص القرآني بعيداً عن الجانب التاريخي، الذي يستغله أهل الباطل للتشويه والتشويش. وبالطبع فإننا لا نقصد أن نهمل الجانب التاريخي، وإنما نضيف إليه إثباتاً منفصلاً.
6 - يلحظ القارئ أن القضية استقرائية وليست قضية اجتهادية، ومن هنا لا مجال لرفضها أو إنكارها إلا باستقراء أدقّ يُثبت عدم واقعية النتائج.
[هذا التعليق للشيخ بسام جرار حيث قام مركز نون للدراسات القرآنية في رام الله - فلسطين بتدقيق البحث والإحصاءات ووجده في غاية الدقة] ..
ملاحظة:
هذا ملخص لقانون الحالات الأربع لسور القرآن، وإلى جانبه تعمل انظمة اخرى تشمل سور القرآن كلها، ومن إعجاز الترتيب أنها تعمل دون أدنى تعارض بينها .. علما ان ما تم طرحه حتى الآن هو مما يمثل الترتيب القرآني على المستوى العام .. ولكن هناك مستويات اخرى: مستوى الكلمة - مستوى الآية - مستوى المجموعة -.(/)
أريد أصولاً في هذا الجانب؛ مشكورين مأجورين!
ـ[رشا الزيد]ــــــــ[03 Jun 2007, 01:15 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي في ملتقى أهل التفسير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , وبعد:
تعلمون - أهل التفسير - بأن أكثر كتب التفسير - وخاصة الحديثة منها - قبل شروعها في تفسير الآيات؛ تتناول حديثاً سريعاً عن موضوع السورة المراد تفسيرها , وعن آياتها وأسباب نزولها في إيجاز ربما لايتجاوز الصفحة!
سؤالي - رعاكم الله تعالى -:
هل توجد كتب متخصصة تتناول الحديث المفصل عن موضوع كل سورة وآياتها وأسباب نزولها , بحيث يعد مصدراً أولياً يحسن للباحث الرجوع إليه دون الكتب المختصرة المرجعية!
ربما يتعلق هذا بعلوم القرآن الكريم , ولبعدي عن ذلك وددت من أهل العلم أن يدلوا بدلوهم هنا؛ حيث إني شارعة في رسالتي , وأحببت أن يكون كلامي متأصلاً في المسألة , قبل الشروع في التحليل البلاغي.
فهل من كتب عملاقة وجديرة تدرس مواضيع السور ومقاصدها وعدد آياتها وأنواعها بنوع من التفصيل؟
ولكل ساعٍ دعوة في ظهر الغيب.
بورك فيكم ,,,
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[03 Jun 2007, 06:35 ص]ـ
تستطيعين الرجوع إلى كتابي:
جمال القراء وكمال الإقراء، لعلم الدين السخاويّ، المتوفى سنة 643 هـ
وهو في مجلدين، كما أنه بتحقيقنا ..
طبع دار المأمون بدمشق سنة 1988 م
ثم أعيد طبعه بعد عشر سنوات على نفقة أولاد الشيخ حمدان آل نهيان ـ رحمه الله ـ
ووزع مجانا آنذاك / أكثر من عشرة آلاف نسخة
ولو عندي نسخ زيادة؛ لرسلتها لك هدية
وأنا الآن بصدد إعادة طبعه، وأبحث له عن ناشر جديد
ودمت سالمة
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[03 Jun 2007, 12:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم.
الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخت الفاضلة: يراع العربية ـ حفظها الله ـ.
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فإني أحمد الله إليكن أن وفقكن للبحث في القرآن الكريم، شاكرا لكن اهتمامكن و حرصكن على امتلاك ثقافة رصينة مؤصلة. وجوابا على سؤالكن هناك كتاب متميز لشيخنا فضيلة الدكتور عبد الله شحاتة ـ رحمه الله ـ و عنوانه:
أهداف كل سورة و مقاصدها في القرآن الكريم.
و يقع في أربعة أجزاء، طبع بالهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1978 م.
وتفضلن بقبول خالص تحياتي و تقديري.
و السلام عليكن و رحمة الله و بركاته.
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[04 Jun 2007, 01:20 م]ـ
أختي الكريمة أنت تبحثين عن كتاب جامع محرر يعطي تمهيدا عن كل سورة:
1 - أسمائها
2 - فضلها
3 - سبب نزولها
4 - عدد آياتها
5 - أغراضها ومقاصدها
6 - المناسبات بين آياتها
7 - مكان نزولها
قد لا تجدين كتابا واحدا يحوي هذه الأمور جميعا، لكن هناك كتب عديدة في أسباب النزول وفضائل السور ومقاصدها مذكورة في هذا الملتقى، ومن الكتب التي تناسبك في رأيي: أسماء السور وفضائلها للدكتورة منيرة الدوسري، حيث تذكر فيه اسم كل سورة ومكان نزولها وعدد أياتها ومقاصدها وفضائلها.
ـ[رشا الزيد]ــــــــ[04 Jun 2007, 11:11 م]ـ
تستطيعين الرجوع إلى كتابي:
جمال القراء وكمال الإقراء، لعلم الدين السخاويّ، المتوفى سنة 643 هـ
وهو في مجلدين، كما أنه بتحقيقنا ..
طبع دار المأمون بدمشق سنة 1988 م
ثم أعيد طبعه بعد عشر سنوات على نفقة أولاد الشيخ حمدان آل نهيان ـ رحمه الله ـ
ووزع مجانا آنذاك / أكثر من عشرة آلاف نسخة
ولو عندي نسخ زيادة؛ لرسلتها لك هدية
وأنا الآن بصدد إعادة طبعه، وأبحث له عن ناشر جديد
ودمت سالمة
بارك الله تعالى فيكم , سأبحث عن الكتاب وسأحاول اقتناءه بإذن الله تعالى.
شاكرة لكم حسن التعاون , وأسأله تعالى ألا يحرمكم وافر الأجر والمثوبة , وكلي طمع بالمزيد؛ شرط أن يكون أبعد عن الحديث قدر المستطاع.
جزاكم الله خيراً , ونفع بعلمكم الإسلام والمسلمين.
ـ[رشا الزيد]ــــــــ[04 Jun 2007, 11:15 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم.
الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخت الفاضلة: يراع العربية ـ حفظها الله ـ.
السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
أما بعد فإني أحمد الله إليكن أن وفقكن للبحث في القرآن الكريم، شاكرا لكن اهتمامكن و حرصكن على امتلاك ثقافة رصينة مؤصلة. وجوابا على سؤالكن هناك كتاب متميز لشيخنا فضيلة الدكتور عبد الله شحاتة ـ رحمه الله ـ و عنوانه:
أهداف كل سورة و مقاصدها في القرآن الكريم.
و يقع في أربعة أجزاء، طبع بالهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1978 م.
وتفضلن بقبول خالص تحياتي و تقديري.
و السلام عليكن و رحمة الله و بركاته.
بورك فيكم , لعل هذا الكتاب طيبٌ - من عنوانه - أسأل الله تعالى أن أنتفع به , جزاكم الله خيراً.
ولو أسدلتم لي عنواين أكثر لكنت لكم من الشاكرين؛ حيث يستحسن أن يكون البحث شاملاً للمعلومات الطيبة قدر استطاعة الباحث , وقبل ذلك توفيق الله تعالى إليه.
أشكركم شكراً جزيلاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[رشا الزيد]ــــــــ[04 Jun 2007, 11:25 م]ـ
أختي الكريمة أنت تبحثين عن كتاب جامع محرر يعطي تمهيدا عن كل سورة:
1 - أسمائها
2 - فضلها
3 - سبب نزولها
4 - عدد آياتها
5 - أغراضها ومقاصدها
6 - المناسبات بين آياتها
7 - مكان نزولها
قد لا تجدين كتابا واحدا يحوي هذه الأمور جميعا، لكن هناك كتب عديدة في أسباب النزول وفضائل السور ومقاصدها مذكورة في هذا الملتقى، ومن الكتب التي تناسبك في رأيي: أسماء السور وفضائلها للدكتورة منيرة الدوسري، حيث تذكر فيه اسم كل سورة ومكان نزولها وعدد أياتها ومقاصدها وفضائلها.
كلامكم سليم؛ - بورك فيكم - وهذا ما جعلني أطمع في أسماء كثيرة من الكتب المتفرقة التي ربما لا تغني الواحدة منها عن الآخرى , بل وربما يكتمل البحث بالجمع والترتيب بين طيِّب كلامها , وهذا ما أريده وأطمح إليه بمعونة الله تعالى.
وسأرجع لكتاب الدكتورة منيرة بإذن الله تعالى , شاكرة لكم حسن استجابتكم ووافر تعاونكم النبيل.
شكراً لكم , وجزاكم الله خيراً , ونفع بعلمكم الأرجاء.
ومازلت طامعة وبشدة , علني أحظى بالفريد الأصيل , وسأبحث من لدني وسأضع هنا مارأيت فيه من الفرادة والتميز بإذن الله تعالى , استكمالاً لرسالة هذا الملتقى , وطمعاً في أجر المولى سبحانه , وسامحوني إن قصرت مع هذه الدوحة المباركة , أدعو الله تعالى أن تكون رسالتي قابعة هنا؛ لينتفع بها من أراد , ولأكون من أهل القرآن وخاصته بفضل من الله وتوفيق.
شكراً للجميع ,,,(/)
إعجاز الترتيب في الآية 88 سورة الإسراء: قل لئن اجتمعت الإنس ....
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[03 Jun 2007, 11:11 ص]ـ
إعجاز الترتيب القرآني في الآية 88 سورة الإسراء
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)
الآية 88 سورة الإسراء رقم السورة 17 عدد آياتها 111
(بانتظار ردود السادة الأفاضل على موضوع قانون الحالات الأربع لسور القرآن، وقبل طرح موضوع النظام العددي , لا بأس من طرح مثال على إعجاز الترتيب القرآني على مستوى الآية , وموضوع مثالنا الآية التي لا تخفى على مسلم:آية التحدي الكبرى .. ولا بأس من التذكير أن المصدر الوحيد لأبحاثي هو القرآن الكريم، كما أنني لا أستخدم ما يعرف بحساب الجمل، كما أن الأعداد التي أذكرها موجودة في المصحف ومن السهل التأكد منها)
الملاحظة الأولى: (موقع ترتيب آية التحدي)
تأتي هذه الآية في سورة الإسراء في موقع الترتيب الذي يدل عليه الرقم 88 أي: 11 × 8. ليس الرقم 87 أو 89 ..
(لاحظوا أن مجموع العددين 11 و 8 هو: 19 كما أن عدد كلمات الآية هو أيضا: 19).
هل هي مصادفة أن تأتي هذه الآية في هذا الموقع بالذات؟ هل نخسر شيئا لو قمنا بتغيير موقعها كأن نجعلها الآية 89؟ علما أن عدد كلماتها لن يتأثر بهذا التغيير ولن يترتب عليه
زيادة أو نقصان في كتاب الله (بقاء نفس العدد من الكلمات) ..
الملاحظة الثانية: (فاصلة بين مجموعتين من الآيات)
بما أن عدد آيات سورة الإسراء 111 آية، فالآية رقم 88 تفصل آيات السورة إلى
مجموعتين. 87 آية قبلها، و 23 آية بعدها. نلاحظ أن الفرق بين العددين هو 64 أي: 8 × 8.
الملاحظة الثالثة: (عدد كلمات الآية)
موضوع الآية هو التحدي. والعبارة التي تمثل المتحدى به هي (بمثل هذا القرءان) عبارة مؤلفة من ثلاث كلمات. إذا تأملنا عدد الكلمات التي قبلها سنجدها 8 , كما أن عدد الكلمات التي بعدها هو أيضا: 8
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا (8 كلمات)
بمثل هذا القرآن (موضوع التحدي)
لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (8 كلمات).
الملاحظة الرابعة: (عدد الحروف)
إذا تأملنا عدد الحروف في الآية، نجدها:
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا ب:. (32 حرفا أي 4 × 8)
مثل هذا القرءان (موضوع التحدي) ..
لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا: 32حرفا أي: 4 × 8.
الملاحظة الخامسة: (رقم سورة الإسراء)
تأتي هذه الآية في سورة الإسراء السورة رقم 17: عدد يتألف من رقمين مجموعهما: 8
الملاحظة السادسة: (عدد السور قبل سورة الإسراء)
عدد سور القرآن في ترتيب المصحف قبل سورة الإسراء 16 سورة أي: 8 + 8.
الملاحظة السابعة: (عدد السور بعد سورة الإسراء)
عدد السور بعد سورة الإسراء في ترتيب المصحف: 97 سورة. عدد
يتألف من رقمين مجموعهما: 16 أي: 8 + 8
الملاحظة الثامنة: (مجموع الآيات في السور ال 97)
وهي لمن بقي في نفسه شيء من الشك بإعجاز هذا الترتيب (من المسلمين قبل غيرهم) وبأن الباحث لا يتكلف كما يزعم البعض , إذا أحصينا أعداد آيات القرآن في السور التي جاء ترتيبها بعد سورة الإسراء وحتى نهاية المصحف، وعددها 97 سورة سنجدها: 4096 آية.
هذا العدد = 8 × 8 × 8 × 8 ..
أما مجموع الأرقام الدالة على ترتيب السور ال 97 فهو: 6402. هذا المجموع هو من مضاعفات العدد 97 (66 × 97). (97: عدد السور)
تعليق:
أليس واضحا أن أعداد الآيات هنا محسوبة آية آية؟ وأي تأكيد أكثر من تكرار العدد 8 أربع مرات؟
ما الذي نخسره لو أن ترتيب هذه الآية جاء في الموقع 89؟ أو أن عدد آيات سورة الإسراء 110 آيات؟ هذا الإحكام في ترتيب القرآن سيختل أو يختفي.
بالمقابل: ما الفائدة من ترتيب الآية موضوع البحث في الموقع 88؟
الجواب لتكون دليلا على إعجاز القرآن في ترتيبه، ودليلا على أن هذا القرآن هو كتاب الله المحفوظ لم يتعرض لزيادة أو نقصان، ولو حدث شيء من ذلك لما اكتشفنا هذا الترتيب المحكم ..
الملاحظة التاسعة: (سورتا الإسراء والنحل)
(يُتْبَعُ)
(/)
عرفنا أن عدد السور في ترتيب المصحف قبل سورة الإسراء هو 16 أي (8 + 8) وأن عدد السور المرتبة بعدها حتى نهاية المصحف هو 97 عدد يتألف من رقمين مجموعهما 16 (8 + 8).
يخطر بالبال سؤال: ما السورة التي تحمل الرقم 16 أي 8 + 8 رقما دالا على ترتيبها في المصحف؟ هل نجد فيها شيئا له علاقة بهذا الترتيب؟
سورة النحل هي السورة رقم 16 في ترتيب سور القرآن، المفاجأة أن هذه السورة تأتي من عدد من الآيات هو 128. هذا العدد هو = 8 × (8 + 8).
نعود إلى سورة الإسراء فنلاحظ أن رقم ترتيبها هو 17 وعدد آياتها هو: 111 .. من السهل أن نلاحظ أن مجموع العددين هو 128 أيضا ..
(إن في كلا السورتين ما يدل على الأخرى).
ومن الاكتشافات العلمية المذهلة: أن عدد الكروموسومات في النحل – المسماة باسمه - هو 16).
إضافات: 1 ا
لملاحظة العاشرة:
ويخطر بالبال سؤال آخر: هل توجد بين آيات القرآن آية مؤلفة من 88 كلمة؟ وإذا وجدت مثل تلك الآية ففي أي سورة؟
الإجابة على هذا السؤال تتطلب عد كلمات آيات القرآن كلها. نفعل ذلك بمنهج واضح محدد، والنتيجة التي وصلنا إليها: نعم توجد آية واحدة لا غير مؤلفة من 88 كلمة .. قد يكون هذا الأمر عاديا، ولكن أين جاءت هذه الآية: إنها الآية رقم 12 في سورة النساء، في السورة المؤلفة من 176 آية .. من عدد هو حاصل ضرب: 2 في 88.
الملاحظة الحادية عشرة: (أطول آية في القرآن)
وعن أطول آية في القرآن كان سؤال آخر. وكانت الإجابة: أطول آية في القرآن هي الآية رقم 282 من سورة البقرة , عدد كلمات هذه الآية المميزة بين آيات القرآن كلها
هو: 128 كلمة: أي 8 × (8 + 8).
الملاحظة الثانية عشرة: (سورة مؤلفة من 88 آية)
ومن الطبيعي أن نتساءل: هل توجد في القرآن سورة مؤلفة من 88 آية؟ فإن كان، فهل لذلك علاقة بموضوع هذا الحديث؟
الجواب: نعم، من بين سور القرآن سورتان تتألف كل منهما من 88 آية وهما من سور النصف الأول من القرآن هاتان السورتان هما:
سورة القصص: وهي السورة رقم 28 وعدد آياتها 88.
سورة ص: وهي السورة رقم 38 وعدد آياتها: 88.
ما علاقة ذلك بالعدد 88؟
إن مجموع أعداد الآيات في سور النصف الأول من القرآن هو: 5104، فإذا استثنينا من هذا العدد عددي آيات السورتين المؤلفة كل منهما من 88 آية، فالناتج هو: 4928: مجموع أعداد الآيات في باقي السور ..
المفاجأة: هذا العدد = 56 × 88. (7 × 8) × 88.
وبعد،
أليس هذا دليلا آخر على أن أعداد الآيات في سور القرآن محسوبة آية آية؟ وأن ترتيب آية التحدي المعروفة، في رقم الترتيب 88 في سورة الإسراء يختزن الدعوة للتدبر في هذا العدد؟ والذي سيقودنا إلى اكتشاف إعجاز الترتيب القرآني؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: بماذا نصف هذا الترتيب؟ هل جاء هكذا مصادفة؟ هل هو ترتيب اجتهادي من عمل الصحابة؟ أم انه تدبير إلهي محكم؟
هل يمكن نسبة هذا الترتيب إلى غير الله؟
[في حوار لي مع احد المشايخ الأفاضل أصر بصورة عجيبة على ان ترتيب سور القرآن اجتهادي وحجته اختلاف مصاحف الصحابة، وحينما جئته بأقوال العلماء المعاصرين ازداد إصرارا .... أليس هذا غريبا؟)
ألا يعني أن موقع هذه الآية محدد بتدبير إلهي حكيم؟ بعيد عن المصادفة والفوضى؟
هناك من يزعم أن القرآن تعرض للزيادة والنقصان والحذف .. لو كان شيء من ذلك فهل نكتشف هذه العلاقات؟
المؤسف أن بعض أهل القرآن لا يرون في هذا الترتيب شيئا من الإعجاز .. ويقولون أنه مما يمكن أن يقع في كتب البشر، متجاهلين الطريقة التي نزل بها القرآن، مفرقا منجما حسب الوقائع والأحداث والحاجات وانتهائه بعد اكتمال نزوله إلى النحو الذي هو عليه الآن ..
فأي مؤلف يمكنه أن يبدأ بتأليف كتاب، حسب الوقائع والأحداث والحاجات فإذا انتهى منه وجدنا فيه عبارة تقدم لنا إحصاء بمواضيع كتابه وعباراته؟
أليس في هذه العلاقات وأمثالها ما يكشف عن الحكمة من ترتيب القرآن على غير ترتيب نزوله؟ وما يؤكد أن ترتيب سور القرآن وآياته قد تم بالوحي؟ وأن وراء كل ذلك حكمة وأهدافا سامية؟ ..
[هناك من قال: يمكنني أن أضع كتابا وأضمنه مثل هذه العلاقة .... الخ: أحب التنبيه إلى أن مسألة ترتيب القرآن ليست على النحو الذي يتصوره الكثيرون. لاحظوا هنا مثلا ارتباط الآية بعدد السور قبلها وبعدها وبعدد الآيات قبلها وبعدها، لكأنها تقدم إحصاء لعدد سور القرآن وآياته .... حينما نأتي للبحث في آية اخرى او في سورة أخرى، نجد الإحكام ذاته والدقة ذاتها دون أن يحدث أدنى تعارض بين هذا وذاك ...
المسألة الأخرى التي أحب التنبيه إليها: هناك من لا يجد ما يبرر رفضه لهذا الإعجاز فينادي: ما هي ضوابط هذا الحساب؟ هذا الحساب لا ضوابط له، ولم يعرفه السلف الصالح، فهو بدعة ..........
أقول: ليس من حق احد أن يضع ضوابط لهذا الحساب، فالله سبحانه يرتب كتابه كيفما يشاء، بعلم قد نعرفه وبعلم لا نعرفه (وهنا قد يبدو لنا بعضه غير مألوف) المطلوب: وضع ضوابط للبحث في الترتيب لا ضوابط للترتيب نفسه) ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[03 Jun 2007, 02:06 م]ـ
الله أكبر اكتشافات علمية مذهلة
يا أخي القرآن الكريم لم ينزل لتحسب حروفه وتجمع وتطرح بل نزل لتتدبر آياته ويهتدى بها ويعمل بما فيها.
وقد تقدم الحديث في هذا الملتقى عن الإعجاز العددي في القرآن، والملاحظ أن عامة المشتغلين به ليسوا من أهل العلم.
وإذا كان أصحاب النحلة البهائية الباطلة قد اخترعو فرية العدد 19 المعظم عندهم، فما أدري ما سر الاهتما برقم 8
إن كل من يعرف مبادئ الحساب يستطيع أن يكتشف وجوها جديدة ومذهلة للإعجاز العددي ليس في القرآن فحسب بل في مقامات الحريري وحكايات ألف ليلة وليلة.
ـ[صالح صواب]ــــــــ[03 Jun 2007, 05:00 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد:
فلست من الذين ينكرون الإعجاز العددي فيزعمون أنه بدعة .. ولست من الذين يحصرون إعجاز القرآن في جانب معين ... بل إنني أراه أحد أنواع الإعجاز العددي .. ولكن مع ذلك لا بد من ضوابط لهذا النوع من الإعجاز، ولعل من أهم هذه الضوابط: أن يكون في الأمور المسلمة ..
وأن يكون اختيار الآيات والكلمات - المختارة في العدد - مبرَّرا، وليس اجتهاديا يختلف من شخص إلى آخر، خاضعا للنتائج المرادة مسبقا ... وما ذكرته في هذه المقالة لا ينضبط بضوابط الإعجاز العددي الذي يرقى إلى التسليم والاعتراف ...
وسأورد على ملاحظاتك بعض الملاحظات التي أرجو أن أوفق في عرضها باختصار:
الملاحظة الأولى: قلتَ بأن العبارة المتحدى بها هي: (بمثل هذا القرآن)، ولقائل أن يقول: إن العبارة المتحدى بها: (مثل هذا القرآن) أو (هذا القرآن) أو (يأتوا بمثل هذا القرآن) .. وحينئذ فسيكون عدد الكلمات التي قبلها والكلمات التي بعدها مختلفين زيادة ونقصا ... وهذا مما يضعف الاستدلال في هذا الموضع.
الملاحظة الثانية:لا بد من وضع قاعدة لعد الحروف، فهل المعتمد هو الأحرف المكتوبة أم المنطوقة؟ وهل العبرة بالكتابة الإملائية الحديثة أم بالرسم العثماني ... وكم حرفا نعد كلمة: (يأتوا) وهل يعتبر الألف حرفا أم لا؟ وماذا عن الأحرف المنطوقة دون المكتوبة مثل: الألف في (الرحمن)؟ وهل يبقى الأمر لاخيار الكاتب بحيث يتوافق مع النتيجة التي يرجو الحصول عليها؟
ولاحظ أن قلت بأن المتحدى به: (بمثل هذا القرآن) ثم قلت بأن عدد الحروف قبل المتحدى به (اثنان وثلاثون) وعدد حرف (الباء) من الكلمة الأولى (بمثل)؟
الملاحظة الثالثة:
نظرت إلى ما قبل سورة الإسراء باعتبار جمع (8+8) بينما نظرت إلى ما بعدها باعتبار مجموع الرقمين، وقسمتهما على (2) وهذا خلل في تطبيق القاعدة ...
الملاحظة الرابعة:
وهي لمن بقي في نفسه شيء من الشك بإعجاز هذا الترتيب ... وهو إحصاء عدد آيات القرآن في السور التي جاء ترتيبها بعد سورة الإسراء .. والسؤال على هو على حساب الكوفيين أم البصريين أم المدنيين؟ وماذا عن عدد الآيات عندهم؟
إن منهج الانتقاء في الأعداد، والكلمات، وطريقة الحساب ما بين جمع أحيانا، وقسمة أحيانا أخرى، والنظر أحيانا إلى رقم السورة، وأحيانا إلى رقم الآية، وهكذا بطرق مختلفة ...
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[03 Jun 2007, 07:28 م]ـ
الله أكبر اكتشافات علمية مذهلة
والقادم اكبر
يا أخي القرآن الكريم لم ينزل لتحسب حروفه وتجمع وتطرح بل نزل لتتدبر آياته ويهتدى بها ويعمل بما فيها.
لقد نزل القرآن لنتدبر آياته: " أفلا يتدبرون القرآن .... " ما الذي تدعو اليه الآية؟؟ هل تحدد الوجه الذي يجب ان نتدبره؟ هل يمكن ان يكون معنى الآية: تدبروا كل ما في القرآن إلا ترتيبه وأعداد ه فهذه المنطقة محرمة؟
القرآن ترك الباب مفتوحا ولم يحدد الوجه الذي علينا ان نتدبره والوجه الذي لا نتدبره، فلماذا تريد أن تضيق علينا؟
وإذا كان أصحاب النحلة البهائية الباطلة قد اخترعو فرية العدد 19 المعظم عندهم، فما أدري ما سر الاهتما برقم 8
" حملة العرش ثمانية " وأنا مثلك لا ادري لماذا ثمانية وليس عشرة ... ترتيب الآية هو هكذا فاسأل من رتبها كذلك ..
لو احدثك عن الترتيب في سورة الفاتحة فسيكون محور الترتيب العدد 7، وأكيد ستسأل لماذا 7 ... وإذا حدثتك عن سورة الرعد ستجد أن محور الترتيب هو العدد 13. ستقول لماذا 13 ..
(يُتْبَعُ)
(/)
إن كل من يعرف مبادئ الحساب يستطيع أن يكتشف وجوها جديدة ومذهلة للإعجاز العددي ليس في القرآن فحسب بل في مقامات الحريري وحكايات ألف ليلة وليلة.
يسرنا ان تأتينا بمثال .. ومادام ذلك موجود في حكايات الف ليلة وليلة فلا بد ان يكون موجودا في احد مؤلفاتك، ننتظر مثالا ..
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[03 Jun 2007, 07:55 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
فلست من الذين ينكرون الإعجاز العددي فيزعمون أنه بدعة .. ولست من الذين يحصرون إعجاز القرآن في جانب معين ... بل إنني أراه أحد أنواع الإعجاز العددي .. ولكن مع ذلك لا بد من ضوابط لهذا النوع من الإعجاز، ولعل من أهم هذه الضوابط: أن يكون في الأمور المسلمة ..
وأن يكون اختيار الآيات والكلمات - المختارة في العدد - مبرَّرا، وليس اجتهاديا يختلف من شخص إلى آخر، خاضعا للنتائج المرادة مسبقا ... وما ذكرته في هذه المقالة لا ينضبط بضوابط الإعجاز العددي الذي يرقى إلى التسليم والاعتراف ...
من بين ايات القرآن تلك التي تذكر التحدي وترد على شبهة الافتراء والمشككين بالقرآن، هذذا هو سبب التفاتي الى هذه الايات وقد وجدت انها موقع مميزة لدراسة الترتيب القرآني. بالنسبة لي فليس في ذهني نتائج مسبقة، ولذلك حينما بدأت بدراسة الترتيب القرآني لم أضع أمامي اختلاف العلماء في كثير من المسائل المتعلقة بعلوم القرآن.
وسأورد على ملاحظاتك بعض الملاحظات التي أرجو أن أوفق في عرضها باختصار:
الملاحظة الأولى: قلتَ بأن العبارة المتحدى بها هي: (بمثل هذا القرآن)، ولقائل أن يقول: إن العبارة المتحدى بها: (مثل هذا القرآن) أو (هذا القرآن) أو (يأتوا بمثل هذا القرآن) .. وحينئذ فسيكون عدد الكلمات التي قبلها والكلمات التي بعدها مختلفين زيادة ونقصا ... وهذا مما يضعف الاستدلال في هذا الموضع.
ليكن، ما المانع المهم ما الذي سيتم اكتشافه. وعلى اي حال هناك قرائن، ترجح احد تلك الأقوال. فيما ذهبت انا اليه أليس عدد الكلمات قبل " بمثل هذا القرآن " 8 وبعد 8؟ أليس ذلك صحيحا؟
الملاحظة الثانية:لا بد من وضع قاعدة لعد الحروف، فهل المعتمد هو الأحرف المكتوبة أم المنطوقة؟ وهل العبرة بالكتابة الإملائية الحديثة أم بالرسم العثماني ... وكم حرفا نعد كلمة: (يأتوا) وهل يعتبر الألف حرفا أم لا؟ وماذا عن الأحرف المنطوقة دون المكتوبة مثل: الألف في (الرحمن)؟ وهل يبقى الأمر لاخيار الكاتب بحيث يتوافق مع النتيجة التي يرجو الحصول عليها؟
بالنسبة للعد فانا اعتمد الرسم العثما ني (علما أن ابحاثي في مسالة عد الحروف نادرة، الموضوع الرئيسي بالنسبة لي هو ترتيب سور القرآن وآياته) ..
ولاحظ أن قلت بأن المتحدى به: (بمثل هذا القرآن) ثم قلت بأن عدد الحروف قبل المتحدى به (اثنان وثلاثون) وعدد حرف (الباء) من الكلمة الأولى (بمثل)؟
السبب في الملاحظة الولى كان العد باعتبار عدد الكلمات وفي الثانية باعتبار عد الحروف فالباء تحتسب مع المجموعة الأولى.
الملاحظة الثالثة:
نظرت إلى ما قبل سورة الإسراء باعتبار جمع (8+8) بينما نظرت إلى ما بعدها باعتبار مجموع الرقمين، وقسمتهما على (2) وهذا خلل في تطبيق القاعدة ...
هذا هو الحال الموجود في المصحف. نحن لا نضع قاعدة نلزم ترتيب القرآن ان يأتي وفقها.
الملاحظة الرابعة:
وهي لمن بقي في نفسه شيء من الشك بإعجاز هذا الترتيب ... وهو إحصاء عدد آيات القرآن في السور التي جاء ترتيبها بعد سورة الإسراء .. والسؤال على هو على حساب الكوفيين أم البصريين أم المدنيين؟ وماذا عن عدد الآيات عندهم؟
المصحف المعتمد في ابحاثي هو مصحف المدينة النبوية، وعدد الآيات المعتبر فيه حسب عد الكوفيين 6236 آية.
وأعلم ان هناك أعدادا أخرى. السؤال إذا قمت بالتاكد من الأعداد التي ذكرتها ستجدها صحيحة. فما الخلل هنا أنها لا تنطبق على رواية اخرى؟ رغم أي شيء فهي حقيقة موجودة في المصحف، لا يحق لأحد رفضها ما دامت صحيحة ..
مسألة اختلاف الأعداد باختلاف القراءات مسألة اخرى، ربما يحتمل اختلاف العدد تعددا في الاعجاز او لا , هذا مرهون باجراء دراسات مماثلة ..
إن منهج الانتقاء في الأعداد، والكلمات، وطريقة الحساب ما بين جمع أحيانا، وقسمة أحيانا أخرى، والنظر أحيانا إلى رقم السورة، وأحيانا إلى رقم الآية، وهكذا بطرق مختلفة ...
ليس لدي انتقاء. أنا اذكر ما أراه أمامي. ليس من حق احد أن يضع ضوابط لله يرتب كتابه وفقها , الله يرتب كتابه كيفما يشاء، نحن نضع ضوابط للبحث.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[03 Jun 2007, 09:03 م]ـ
الله أكبر اكتشافات علمية مذهلة
إن كل من يعرف مبادئ الحساب يستطيع أن يكتشف وجوها جديدة ومذهلة للإعجاز العددي ليس في القرآن فحسب بل في مقامات الحريري وحكايات ألف ليلة وليلة.
هكذا يقول اهل العلم
لا تعليق؟!!!!!!!!!!!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[03 Jun 2007, 11:11 م]ـ
الأخ عبد الله جلغوم تحية طيبة لك
ولكنك لم ترد على الملاحظات التي ذكرها لك الأخ صالح صواب وأمثالها كثير فهناك انتقائية واضحة في التنقل والنظر ولا توجد لديك قاعدة ثابتة في القياس وهذا لون من العشوائية التي ننزه عنها كتاب الله جل وعلا فمرة قسمة ومرة جمع ومرة ضرب ومرة تحذف حرف وأخرى تثبته لكي يستقيم الحساب وهذا ليس منهجاً مجدياً في الاستدلال والله أعلم ..
ـ[تاج الروح]ــــــــ[04 Jun 2007, 12:11 ص]ـ
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الأخ عبد الله جلغوم
هل تعتبر ما كتبت ردوداً ومناقشة لبحثك؟! يسرنا ان تأتينا بمثال .. ومادام ذلك موجود في حكايات الف ليلة وليلة فلا بد ان يكون موجودا في احد مؤلفاتك، ننتظر مثالا ..
تركت مادة البحث وتنتظر مثالاً من حكايات ألف ليلة وليلة، مع العلم انها تتبع نسقاً وتنظيماً لا يتغير بعكس بحثك
ليس لدي انتقاء. أنا اذكر ما أراه أمامي. ليس من حق احد أن يضع ضوابط لله يرتب كتابه وفقها , الله يرتب كتابه كيفما يشاء، نحن نضع ضوابط للبحث.
بالضبط: ليس من حق أحد أن يضع ضوابط لله عز وجل، هل تتكرم وتشرح ضوابط بحثك بالتفصيل لو سمحت؟ وعلى ماذا اعتمدت؟
هكذا يقول اهل العلم
لا تعليق؟!!!!!!!!!!!!
من صفات أهل العلم بعد علمهم الغزير الذي ننهل منه جزاهم الله عنا خير الجزاء، قوة الحجة، التواضع، ولين الجانب مع الحزم ..
يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا, ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, ويعرف لعالمنا حقه"
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[04 Jun 2007, 12:48 ص]ـ
الأخ عبد الله جلغوم تحية طيبة لك
ولكنك لم ترد على الملاحظات التي ذكرها لك الأخ صالح صواب وأمثالها كثير فهناك انتقائية واضحة في التنقل والنظر ولا توجد لديك قاعدة ثابتة في القياس وهذا لون من العشوائية التي ننزه عنها كتاب الله جل وعلا فمرة قسمة ومرة جمع ومرة ضرب ومرة تحذف حرف وأخرى تثبته لكي يستقيم الحساب وهذا ليس منهجاً مجدياً في الاستدلال والله أعلم ..
الأخ الفاضل:
هل أفهم من كلامك أن ما ذكرته من إعجاز الترتيب في الآية 88 هو انتقائية؟
ما السبيل الى دراسة موقع آية أو موقع سورة؟ امامنا عدد الايات قبلها وبعدها في السورة، عدد الآيات قبلها وبعدها في القرآن كله، عدد السور قبلها وبعدها في النصف الأول من القرآن، عدد السور قبلها وبعدها في القرآن كله، ما يمكن ان يشترك معها في عدد ...
وهذا ما بحثت عنه في الآية. لم يكن في ذهني العدد 8 ولا العدد 88 حينما بدأت التدبر في موقع وترتيب الآية .. الملاحظات جاءت بعد. فأنا لا آتي بشيء من عندي، هذا هو الحال الموجود في القرآن وأظن ان فيما ذكرته ما يدل على ان ترتيب الآية قد تم بتقدير وحساب بعيد عن المصادفة ..
اما عن العشوائية ففي رأيي أن ما ذكرته ليس كذلك، هناك تصور في أذهاننا عن شكل للترتيب نحن نفترضه، حسب معرفتنا، إلا أن ترتيب سور القرآن وآياته غير ذلك .. ولو افترضنا ان بعض ما ذكرته غير مقبول، فبعض الملاحظات لا يمكن ردها وتكفي دليلا ..
اما عن ملاحظات الأخ صالح صواب فأعتقد أنني رددت عليها.
أما قولك: لا توجد لدي قاعدة ثابتة في القياس، فأنا لا أضع قاعدة لكتاب الله يتم الترتيب على أساسها ولا ألجأ إلى التكلف لضبط الحساب، أنا فقط أسجل ما ألاحظ.
يا حبذا أن نعرف تعليقك على موضوع قانون الحالات الأربع لسور القرآن .....
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[04 Jun 2007, 12:53 ص]ـ
[ QUOTE= تاج الروح;37708] سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الأخ عبد الله جلغوم
هل تعتبر ما كتبت ردوداً ومناقشة لبحثك؟!
تركت مادة البحث وتنتظر مثالاً من حكايات ألف ليلة وليلة، مع العلم انها تتبع نسقاً وتنظيماً لا يتغير بعكس بحثك
معنى كلامك أن سمة الترتيب والتنسيق والنظام في حكايات ألف ليلة وليلة ملاحظة اكثر مما هي في القرآن ..
يسرني ثانية ان تاتيني بمثال لأرى هذا النظام الذي تتحدث عنه.
ـ[تاج الروح]ــــــــ[04 Jun 2007, 01:15 ص]ـ
معنى كلامك أن سمة الترتيب والتنسيق والنظام في حكايات ألف ليلة وليلة ملاحظة اكثر مما هي في القرآن ..
يسرني ثانية ان تاتيني بمثال لأرى هذا النظام الذي تتحدث عنه.
لا يا أخي هدانا الله وإياك، لا تقولني ما لم أقله
"القرآن الكريم - كما قال شيخنا الفاضل سفر الحوالي حفظه الله - كتاب عزيز: غالٍ نفيس، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإنما يأتي الباطل إلى أفكار الناس من قبل الشياطين والأهواء والأنفس، أما القرآن فلا يأتيه الباطل"
ما قصدته - ولا أقصد المقارنة بين كتاب الله وقصص ألف ليلة وليلة - بل بين ترتيبك وترتيب قصص ألف ليلة وليلة
قصص ألف ليلة وليلة - بعيداً عن محتواها - تتبع افتتاحية معينة وتسلسل أحداث يتكرر وطريقة سرد ثابتة .. هل فهمت؟
أنت تُخضع الآيات والحروف بما يتناسب مع تصوراتك وعملياتك الحسابية، بمعنى لا قاعدة ثابتة تسير عليها
الآن رجاء: لا تقفز وترد على ردي، بل جاوب على أسئلة الأساتذة الأفاضل حفظهم الله، وعلى أسئلتي أعلاه
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[04 Jun 2007, 11:25 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فما وضع هذا الملتقى إلا للمناقشة العلمية الهادفة، وعرض أخينا عبدالله لهذا البحث إنما هو من باب عرض فكرته على طلاب العلم من أمثالكم، ومما رأيته في مناقشاتكم وردوده عليها بعض التجاوز غير المقصود
مطالبته بتوضيح المنهج الذي سار عليه مطلب رشيد لا ينبغي أن يستغرب، ولكني أيضا أعتب على الدكتور إبراهيم قوله: هذا اكتشاف علمي ... ، وكذلك تمثيل تاج الروح بكتاب ألف ليلة وليلة، لا أراه يناسب المقام، ونعذر أخانا لو رد بما يراه الإخوه ولعل الوصول إلى الحق هو مطلب الجميع، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
هذا ماأحببت أن أشارك به وآمل قبوله.
ـ[تاج الروح]ــــــــ[04 Jun 2007, 01:49 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فما وضع هذا الملتقى إلا للمناقشة العلمية الهادفة، وعرض أخينا عبدالله لهذا البحث إنما هو من باب عرض فكرته على طلاب العلم من أمثالكم، ومما رأيته في مناقشاتكم وردوده عليها بعض التجاوز غير المقصود
مطالبته بتوضيح المنهج الذي سار عليه مطلب رشيد لا ينبغي أن يستغرب، ولكني أيضا أعتب على الدكتور إبراهيم قوله: هذا اكتشاف علمي ... ، وكذلك تمثيل تاج الروح بكتاب ألف ليلة وليلة، لا أراه يناسب المقام، ونعذر أخانا لو رد بما يراه الإخوه ولعل الوصول إلى الحق هو مطلب الجميع، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
هذا ماأحببت أن أشارك به وآمل قبوله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وهو كذلك ..
أعتذر لتدخلي وأنسحب من الموضوع
وفقتم وهديتم
ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[04 Jun 2007, 09:26 م]ـ
وفقك الله أخي تاج الروح ولا يستغرب اعتذارك فأنت صاحب أدب وعلم وكم سرني ما قلته أنت وأعتذر أيضا لو كنت قسوت في نقدي
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[05 Jun 2007, 01:12 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فما وضع هذا الملتقى إلا للمناقشة العلمية الهادفة، وعرض أخينا عبدالله لهذا البحث إنما هو من باب عرض فكرته على طلاب العلم من أمثالكم، ومما رأيته في مناقشاتكم وردوده عليها بعض التجاوز غير المقصود
مطالبته بتوضيح المنهج الذي سار عليه مطلب رشيد لا ينبغي أن يستغرب، ولكني أيضا أعتب على الدكتور إبراهيم قوله: هذا اكتشاف علمي ... ، وكذلك تمثيل تاج الروح بكتاب ألف ليلة وليلة، لا أراه يناسب المقام، ونعذر أخانا لو رد بما يراه الإخوه ولعل الوصول إلى الحق هو مطلب الجميع، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
هذا ماأحببت أن أشارك به وآمل قبوله.
الأخ الفاضل
لا أخفي عليك أن تدخلك قد سرني كثيرا، ولا املك إلا أن أشكرك جزيل الشكر .. وأقول كما قلت: الوصول إلى الحق مطلب الجميع، يجمعنا الإسلام والهدف الواحد، خدمة القرآن واهله والعمل الذي يرضي الله ... ولكن،
إن ما يقابلني البعض به - بحسن نية أو بغيرها - هو احيانا مما يصعب احتماله، قليل من الأخوة من ينتظر النهاية، وما حدث هنا لا يقاس بما حدث في غير هذا الملتقى، فبعضهم دعا الله ان يعوض على أمي!!! لماذا؟ وبعضهم بالغ في السخرية إلى درجة لا أصدق معها أنه يدين بالإسلام ولو كان كذلك ...
لا أريد أن أسرد ما حدث معي، أريد شيئا واحدا: أن يأتي احد ما فيقول لي لقد اكتشفنا خطأ في حساباتك ..
المصحف الذي اعتمدت عليه في جميع أبحاثي هو مصحف المدينة النبوية، يرفض البعض ما أذكره - على قلته - بحجة أنه لا ينطبق على المصحف الفلاني ... !! هذا يعني لو انني قمت بدراسة لمسألة الترتيب القرآني في المصحف المتداول برواية ورش (المغرب العربي] سيقول لي، هذا لا ينطبق على المصحف برواية حفص ... وهكذا ..
إذا قلت أن عدد حروف البسملة 19، خرج من يقول بل 23 وحساباتك خطأ!!!! إذا قلت عدد آيات سورة البقرة 286، خرج أحدهم ليقول بل 287 .......... أهذا معقول؟
العدد الذي أذكره هل هو موجود في المصحف الذي قمت بدراسته أم لا؟
ومن أغرب ما حدث معي: رجل من اهل العلم وله تلاميذ واتباع يصر على ان ترتيب سور القرآن تم باجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم ويستدل على ذلك باختلاف مصاحف الصحابة الشخصية، بل وينكر أن جبريل عليه السلام كان يعين للرسول موقع الآية والسورة ..
الأخ الفاضل:
لقد ابتدأت هذا البحث منذ 15 عاما، وكنت انقطع عنه بسبب هذه الانتقادات غير المنطقية!! كان أولها حينما أردت إصدار أول كتاب لي عام 1994، حول الكتاب إلى أستاذ جامعي فنصح بعدم نشر الكتاب، لماذا؟ لأن الكتاب قد يؤدي إلى تقديس الأرقام!!! هل هذا معقول؟ ويؤسفني القول أنني ذهبت إلى الجامعة التي يعمل بها الأستاذ الفاضل غاضبا وواجهته بعدد من الأسئلة امام حشد من الزملاء لم يجب على أي منها، وأجبرني على إحراجه، حتى قال: إن تخصصه في الحديث ... ونشر الكتاب ومدحه كثيرون من اهل الاختصاص ..
أشكرك ثانية، وللعلم، لقد نشرت حتى الآن في هذا الملتقى موضوعين عن آيتين ولن ازيد عليهما .. الموضوع المهم هو: ترتيب سور القرآن وآياته (ورأيي فيه أنه ترتيب قد تم بالوحي ومن عند الله بل وأرى أنه وجه من وجوه إعجاز القرآن] وقد طرحت في المنتدى موضوع قانون الحالات الأربع لسور القرآن، ويا حبذا أن نقرأ لكم تعليقا عليه .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد العواجي]ــــــــ[05 Jun 2007, 10:09 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
إخواني الكرام
نشكر لكم اهتمامكم بكتاب الله تعالى
والإعجاز ليس مقصوداً لذاته ولا يقول بهذا عاقل
بل هو مراد لهدف مذكور في الآيات الواردة في التحدي المكي والمدني على حد سواء
ولذا فإن خوضكم في هذا الموضوع وطرح الأخ الكريم يخرجنا عن الهدف
والجدال إن لم يكن لتحقيق الهدف وملتزم بالأدب فهو مذموم شرعا وعقلا
وطرح الأخ الفاضل مجانب للصواب
فالقرآن كتاب عربي مبين لايحتاج إلى قواعد ومنطلقات وفلسفه بل هو ميسر للناس جميعا
ونزل على رجل أمي وأمة أمية يخاطبهم بما يعرفون ويعون لا بمنطلقات حسابية تختلف معاييرها بحسب الأهواء
فلنتق الله جميعا
ولا نقول على الله بلا علم ولاحجة بينة ظاهرة ومن نحن حتى نقول على الله ما نهواه ونشاؤه
فإن تلك من كبائر الذنوب
وليسعنا ما وسع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يومنا هذا
أستغفر الله العلي العظيم
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[05 Jun 2007, 12:01 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
إخواني الكرام
نشكر لكم اهتمامكم بكتاب الله تعالى
وطرح الأخ الفاضل مجانب للصواب
فالقرآن كتاب عربي مبين لايحتاج إلى قواعد ومنطلقات وفلسفه بل هو ميسر للناس جميعا
ونزل على رجل أمي وأمة أمية يخاطبهم بما يعرفون ويعون لا بمنطلقات حسابية تختلف معاييرها بحسب الأهواء
فلنتق الله جميعا
الأخ الفاضل:
ما الذي تجده في كلامنا مجانبا للصواب؟
يا حبذا أن تقرأ ما كتبناه تحت عنوان قانون الحالات الأربع لسور القرآن، والنظام العددي ...
أخي الكريم:
نحن لسنا وحدنا في هذا العالم، هناك غيرنا، وما قد يكون مقنعا لنا ليس بالضرورة ان يكون مقنعا للآخرين، فمن واجبنا ونحن نقدم القرآن للآخرين على أنه الكتاب المحفوظ بتعهد من الله، أن نبحث عن كل ما يؤكد هذه الحقيقة، فإذا كان في ترتيب القرآن ما يؤكدها فلماذا لا تكون من بين أسلحتنا ..
وإذا كنا نؤمن ان الله سبحانه قد رتب كل شيء في هذا الكون من الذرة إلى المجرة، أليس ترتيب القرآن أولى؟
رغم مرور خمسة عشر قرنا على نزول القرآن ونحن تائهون لا ندري هل تم ترتيب سور القرآن بالوحي ام باجتهاد الصحابة .. هذه مشكلة بسيطة , لعلك قد وجدت الحل الذي ترضاه لنفسك: فسواء اكان ترتيب سور القرآن توقيفي ام اجتهادي فيجب احترامه , أو أن القرآن كتاب الله الكريم سواء أكان ترتيبه كذا ام كذا .... أليس هذا ما تريده ..
اكرر: هناك غيرنا ويجب ان نخاطبهم بما يناسبهم، ليس من المعقول أن تظل إجابتنا على من يسأل عن ترتيب سور القرآن:
لقد اختلف العلماء في ترتيب سور القرآن على ثلاثة أقوال، هي كذا وكذا وكذا ......
يجب أن نتفق على رأي ونقتنع به حتى نتمكن من نقله إلى غيرنا والدفاع عنه ... كيف يمكننا ان ننقل شيئا إلى غيرنا ونقنعه به ونحن غير مقتنعين به؟
اجمع ما كتبه الباحثون والدارسون في هذه المسألة: ستجد التكرار الممل لما رواه السيوطي أو غيره ...
لقد عاش السيوطي زمنه، جمع وألف ودون ... نحن ماذا دورنا؟ هل هو تكرار القديم لا أكثر؟ أتريد أن نورث الأجيال كل ما ورثناه دون ادنى رأي لنا؟
أخي الفاضل:
أنت تعلم أن هناك من يزعم ان القرآن تعرض للزيادة والنقصان، هناك من يزعم وجود سور غير ما هو عليه الان، هناك من يزعم ان القرآن لا يخضع في ترتيبه لأي منطق عقلي؟ هناك من يزعم ان ترتيب القرآن فوضوي .. والشبهات التي تثار كثيرة .. نحن نؤمن ان القرآن كتاب الله الكريم غير قابل للزيادة أو النقصان وأنه محكم الترتيب (ترتيب يليق بصاحب الكتاب) فإذا اكتشفنا في ترتيب القرآن ما يؤكد هذه الحقائق بالأدلة المادية الملموسة فلماذا نرفضها؟؟؟
إذا اكتشفنا ما نرد به على الشبهات التي تثار حول القرآن، فلماذا نرفضه؟
أنا شخصيا أجزم ان ترتيب سور القرآن توقيفي ومن عند الله. المطلوب مني الأدلة من القرآن، إن آتيت بها أو جاء بها غيري يصبح في وسعنا أن نتفق على رأي واحد، وأن لا نظل رهن التكرار الذي تحفل به كتبنا ... بعد ذلك يصبح لدينا موقف واضح يمكننا ان ندافع عنه ...
(يُتْبَعُ)
(/)
في النهاية: موضوع قانون الحالات الأربع كان سببا في إسلام أحدهم، هذا الكلام نقله اكثر من شخص لي .. نفس الموضوع كان سببا في عدة رسائل وصلتني يؤكد أصحابها رغبتهم في معرفة المزيد وقد جعلهم الموضوع اكثر اقترابا من القرآن ....
ترتيب القرآن إحدى الوسائل التي يمكن استخدامها وتوظيفها في خدمة القرآن، إن بوسعنا التعاون جميعا في تقديم القرآن للآخرين، من خلال لغته، من خلال ترتيبه، من خلال إعجازه العلمي، من خلال سلوكنا كمسلمين، بكل وسيلة ممكنة .. لا أن يحارب أحدنا ما يجهل فنتفرق شيعا ..
ونسأل الله أن يوفقنا ...
ـ[محمد كالو]ــــــــ[05 Jun 2007, 01:56 م]ـ
النقد هدية .. فاعرف كيف تقدّمها؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحبتي في الله
إن من أخطر الإصابات التي لحقت العقل المسلم فحالت بينه وبين التدبر، التوهم بأن الأبنية الفكرية الاجتهادية السابقة هي نهاية المطاف، وفي هذا محاصرة للنص القرآني، وقصر فهمه على رؤية عصر معين، ولعل ترسب هذه القناعة هي من الأقفال التي يجب كسرها، لينطلق الفهم من قيوده وأغلاله، ولأن هذه القناعة إذا استمرت سوف تلغي الحاضر والمستقبل، وتسقط عن القرآن صفة الخلود الزماني، والامتداد المكاني، ويتحول القرآن إلى الركود والتحنط في بطون التاريخ.
وقد تتأتى فهوم مستقبلية أكثر وعياً وإدراكاً للنص القرآني، قال عليه الصلاة والسلام:
(بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) (فرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ) ولا ندعو بهذا إلى القفز فوق الفهوم التاريخية للقرآن، بل نفخر بهذا الميراث الثقافي الفكري، ونريد أن نحرر العقل من قيوده، حيث نصطحب الاجتهادات السابقة، ولكن لا نقتصر عليها، فلكل عصر رؤيته في ضوء مشكلاته ومعطياته.
صحيح أن القرآن الكريم لم ينزل لتحسب حروفه وتجمع وتطرح بل نزل لتتدبر آياته ويهتدى بها ويعمل بما فيها، ولكن الإعجاز العددي جانب هام من جوانب الإعجاز في كتاب الله عز وجل
وخاصة في عصرنا الراهن، وعرض أخينا عبدالله جلغوم لهذا البحث إنما هو من باب عرض فكرته على طلاب العلم عسى أن يتنبه أحدهم لشيء غفل هو عنه فقط.
وأرى كلام الأخ عبد الله جيد ومفيد ولو من زاوية ضيقة، وكلٌّ يخدم كتاب الله عز وجل من ناحية.
من جانب آخر، لم أر رداً علمياً على كلامه، سوى مطالبته بالضوابط، وقد قال: بأنه لا يلجأ إلى التكلف لضبط الحساب، وإنما فقط يسجل ما يلاحظ. فما العيب في هذا؟!
وإذا كان الوصول إلى الحق مطلب الجميع فلماذا ركز الجميع على الجانب السلبي للبحث دون الجانب الإيجابي؟!
وأخيراً:
«أحبّ إخواني مَنْ أهدى إليَّ عيوبي» لقد اعتبر الإسلام النقد والمؤاخذة على الخطأ (هدية) وترحّم على مهديها قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "رحم الله مَنْ أهدى إليَّ عيوبي" لكي يكون النقد مقبولاً ومرحباً به، بل يُقابل بالشكر والابتسامة.
والهدية ـ كما هو معلوم ـ تجلب المودة قال عليه السلام: «تهادوا تحابّوا» فإذا صغت نقدك بأسلوب عذب جميل، وقدّمته على طبق من المحبّة والإخلاص، وكنت دقيقاً ومحقاً فيما تنقد، فسيكون لنقدك وقعه الطيب وأثره المؤثر على نفسية المنقود أو المهدى إليه الذي سيتقبّل هديتك على طريقة " ووفقني لطاعة مَنْ سدّدني ومتابعة مَنْ أرشدني".
فالمطلوب من الأخ عبد الله أن يكون واسع الصدر لتقبل النقد، وعلى الجميع إحسان النقد بطريقة علمية وجدية.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[05 Jun 2007, 05:46 م]ـ
النقد هدية .. فاعرف كيف تقدّمها؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحبتي في الله
إن من أخطر الإصابات التي لحقت العقل المسلم فحالت بينه وبين التدبر، التوهم بأن الأبنية الفكرية الاجتهادية السابقة هي نهاية المطاف، وفي هذا محاصرة للنص القرآني، وقصر فهمه على رؤية عصر معين، ولعل ترسب هذه القناعة هي من الأقفال التي يجب كسرها، لينطلق الفهم من قيوده وأغلاله، ولأن هذه القناعة إذا استمرت سوف تلغي الحاضر والمستقبل، وتسقط عن القرآن صفة الخلود الزماني، والامتداد المكاني، ويتحول القرآن إلى الركود والتحنط في بطون التاريخ.
وأرى كلام الأخ عبد الله جيد ومفيد ولو من زاوية ضيقة، وكلٌّ يخدم كتاب الله عز وجل من ناحية.
من جانب آخر، لم أر رداً علمياً على كلامه، سوى مطالبته بالضوابط، وقد قال: بأنه لا يلجأ إلى التكلف لضبط الحساب، وإنما فقط يسجل ما يلاحظ. فما العيب في هذا؟!
وإذا كان الوصول إلى الحق مطلب الجميع فلماذا ركز الجميع على الجانب السلبي للبحث دون الجانب الإيجابي؟!
فالمطلوب من الأخ عبد الله أن يكون واسع الصدر لتقبل النقد، وعلى الجميع إحسان النقد بطريقة علمية وجدية.
سلم فوك، وسلمت يداك، وبارك الله فيك وبأمثالك ..
كلامك والله يكتب بماء الذهب ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[05 Jun 2007, 07:08 م]ـ
السلام عليكم فضيلة الدكتور عبد الله جلغوم حفظه الله
كيف الحصول على محاضرة سيادتكم المعنونة بـ (أسرار الترتيب القرآني للسور والايات من الناحية الرقمية)
وتفضل بقبول وافر الاحترام والتقدير
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[05 Jun 2007, 07:20 م]ـ
السلام عليكم فضيلة الدكتور عبد الله جلغوم حفظه الله
كيف الحصول على محاضرة سيادتكم المعنونة بـ (أسرار الترتيب القرآني للسور والايات من الناحية الرقمية)
وتفضل بقبول وافر الاحترام والتقدير
أخي الفاضل:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولا: أشكرك لاهتمامك.
ثانيا: انا لا احمل لقب الدكتور.
ثالثا: سأرسل لك المحاضرة على ايميلك.
مع فائق التقدير والاحترام.
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[05 Jun 2007, 07:27 م]ـ
أشكر فضيلة الأستاذ عبد الله جلغوم على سرعة استجابته.
ـ[محمد العواجي]ــــــــ[06 Jun 2007, 05:54 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
الأساتذة الفضلاء
سؤالي هل تبحث عن الحق في هذا الباب أم تريد اللجاج؟
الحق واضح كالشمس لايحتاج إلى خمسة عشر عاماً حتى تقيم الحجة على سلامة القرآن وصحته بضرب أخماس بأسداس
ومن يُسلم لك بصحة قوانينك الأربعة؟
ولماذا هذا القانون في سور دون أخرى
أخي قرأنا كلامك .. ولكن أيضاً قرأنا كلام الأئمة الجابذة النقاد .. ولنا عقول نفكر بها .. وندعو للإبداع لكن بالعقول لا بالترهات والمستحيلات
ولا يلزم من اكتشافك الجواب عليه واقرأ كتاب الله بتدبر وتأمل في معانيه السهلة الواضحة التي تشترك فيها مع غيرك ممن يخاطبهم القرآن
وهذا آخر تعقيب للإيضاح فقط .. وإلاّ فلن أطاولك النقاش بهذه الفلسفة والسفسطة .. وخيراً فعل إخواني بترك الموضوع
واللهم هل قد بلغت
أنت حسبي ونعم الوكيل
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[06 Jun 2007, 01:16 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
الأساتذة الفضلاء
سؤالي هل تبحث عن الحق في هذا الباب أم تريد اللجاج؟
ما جئت الا من اجل الحق والايمان به والسعي اليه، فأما اللجاج فليست من مفردات قاموسي.
ومن يُسلم لك بصحة قوانينك الأربعة؟
ولماذا هذا القانون في سور دون أخرى
أية قوانين أربعة تتحدث عنها؟
أنا ذكرت قانون الحالات الأربع لسور القرآن، اما سؤالك لماذا هذا القانون في سور دون اخرى؟ فغريب أيضا: إنه شامل لكل سور القرآن الكريم ..
بصراحة من حقي ان أشك أنك قد قرأته ..
ثم لقد طرحت القانون الثاني تحت اسم النظام العددي ولم اكمله بعد ...
فإذا كنت تريد الحق وليس اللجاج كما بدأت: فقل لي هل وجدت خطأ في كلامي؟ هل وجدت فيه مخالفة علمية او شرعية لما هو متفق عليه؟ هل وجدت فيه ما يخالف القرآن؟ هات لي شيئا ما أوردته وعلق عليه .. هذا هو الحق ..
[sأخي قرأنا كلامك .. ولكن أيضاً قرأنا كلام الأئمة الجابذة النقاد .. ولنا عقول نفكر بها .. وندعو للإبداع لكن بالعقول لا بالترهات والمستحيلات [/ shr7]
ماذا تعني بالترهات والمستحيلات؟
واما عن العقل فما اكتبه دليل واضح على ان الله وهبني عقلا يفتقر اليه الكثيرون وأنا أعتبر نفسي من المبدعين، وإن كنت تستطيع ان تثبت غير ذلك فتفضل.
[ shr7= وهذا آخر تعقيب للإيضاح فقط .. وإلاّ فلن أطاولك النقاش بهذه الفلسفة والسفسطة .. وخيراً فعل إخواني بترك الموضوع
واللهم هل قد بلغت
أنت حسبي ونعم الوكيل [/ shr7]
وأقول كما قلت: اللهم قد بلغت، اللهم قد بلغت ..
حسبي الله ونعم الوكيل.
والله يا أخي الكريم لولا اعتقادي بأنه لا يحق لي ان اخفي هذا العلم وقد هداني الله إليه لما طرحته لا في هذا الملتقى ولا في غيره .. لقد عانيت الكثير من أمثالك وأنا مضطر ان أصبر على أذاكم، هذا هو قدري، .........
" فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[06 Jun 2007, 03:25 م]ـ
إضافة جديدة ...
تتفاوت آيات القرآن الكريم باعتبار أعداد كلماتها طولا وقصرا , فمنها ما يتألف من كلمة واحدة , ومنها ما يتألف من كلمتين اثنتين , ومنها ما يتألف من ثلاث كلمات .. إلى أن نصل إلى أطول آية في القرآن الكريم: الآية رقم 282 في سورة البقرة , حيث يبلغ عدد كلماتها: 128 كلمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
الأسئلة المطروحة هنا: هل يختفي وراء تماثل الآيات في عدد كلماتها سر من أسرار القرآن الكريم في ترتيبه؟ هل تم ذلك وفق نظام ما , أم أن حالة التماثل جاءت على صورة عادية كما هو سائر الكلام؟
للإجابة على هذه الأسئلة , علينا أن نقوم بعمل إحصائي كبير جدا: إحصاء عدد كلمات كل آية في القرآن , ثم ترتيب هذه الآيات في مجموعات حسب أعداد الكلمات فيها , الآيات المؤلفة من كلمة واحدة نضعها في مجموعة , والآيات المؤلفة كل منها من كلمتين نضعها في مجموعة , والآيات المؤلفة كل منها من ثلاث كلمات نضعها في مجموعة .... وهكذا , ثم نرى ماذا تحصل لدينا , بعد ذلك يمكننا أن نحكم إن كانت حالة التماثل قد تمت وفق نظام ما أم غير ذلك.
بعد أن قمنا بعملية الإحصاء المطلوبة – والتي استغرقت ما يزيد على ثلاث سنوات من العمل والمراجعة – وجدنا أن آيات القرآن الكريم وعددها 6236 آية جاءت باعتبار أعداد الكلمات فيها من: 74 مجموعة تتألف الآيات في كل مجموعة من عدد متماثل من الكلمات.
(انظر التفاصيل على موقع الأرقام: فهارس القرآن / عبدالله جلغوم)
ما نود الإشارة إليه هنا:
ذكرنا في حديثنا عن إعجاز الترتيب في الآية 88 سورة الإسراء أن الآية الوحيدة المؤلفة من 88 كلمة تأتي في سورة النساء (الآية رقم 12) في السورة التي عدد آياتها 176 أي 2 × 88 ..
كما أن أطول آية باعتبار عدد كلماتها هي الآية رقم 282 في سورة البقرة وعدد كلماتها 128 كلمة ..
وخلصنا إلى أن في هذا الترتيب إعجاز (وهو ما لم يقره البعض) ..
[الآية 88 تفصل الايات في سورة الإسراء إلى مجموعتين الفرق بينهما 64، كما ان الآية الأطول تتألف من عدد من الكلمات هو 2 × 64، كما ان مجموع العددين الدالين على ترتيب سورة الإسراء وعدد آياتها هو 2 × 64 .......... ونكتشف في النهاية ان عدد الأعداد المستخدمة في القرآن للدلالة على اعداد الآيات في سوره من داخل السلسلة 1 - 114 هو فقط: 64 ... الفائدة: العلاقة الحسابية في القرآن هي علاقة متشابكة متصلة معقدة]
لنتأمل ما يلي فلعله يعين على توضيح المسألة:
الملاحظة الأولى:
آية التحدي تأتي في رقم الترتيب 88 ..
نلاحظ أن آيات القرآن تتدرج باعتبار أعداد كلماتها من العدد 1 إلى أن تصل إلى العدد 88 (عدد كلمات الآية 12 سورة النساء)، هنا يتوقف مجيء آيات من الأعداد التالية وعددها 39 عددا [مما يعني تميز العدد 88]، أي لا توجد آية مؤلفة من 89 كلمة أو 90 أو 91 أو 92 وحتى نصل إلى الآية 282 سورة البقرة، تأتي الآية الأطول من عدد محدد من الكلمات ب 128، والعدد 128 هو مجموع العددين الدالين على موقع ترتيب سورة الإسراء وعدد آياتها (17 + 111 = 128).
وهذا يعني أن من بين آيات القرآن آيتين فقط واحدة مؤلفة من 88 كلمة وعندها يتوقف مجيء آيات مؤلفة من الأعداد ال 39 التي تلي العدد 88، وواحدة مؤلفة من 128 كلمة هي الأطول.
(العدد 39 محور مهم في الترتيب القرآني وقد نتحدث عنه لاحقا) ..
الملاحظة الثانية:
عدد كلمات الآية إما أن يكون عددا زوجيا وإما أن يكون عددا فرديا.
بعد أن نقوم بتحديد الأعداد المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الكلمات في آياته سنجد أن: مجموع الأعداد الزوجية المستخدمة هو: 1444 وهذا العدد يساوي 4 × 19 × 19.
كما أن مجموع الأعداد الفردية المستخدمة هو أيضا: 1444 [لاحظوا العدد نفسه 1444] [يرى البعض أن زوال دولة إسرائيل يرتبط بهذا العدد، ما يعنينا نحن هو الترتيب] .. هنا نفهم ما معنى أن يكون عدد كلمات الآية 282 هو 128 كلمة وليس 127، مجموع الأعداد المستخدمة كلها هو: 2888 (19 × 19 × 8) .. [رغم الاختلاف البسيط بيني وبين مركز نون في عدد كلمات القرآن فالعدد 1444 متفق عليه في النهاية] ..
الملاحظة الثالثة:
تتدرج أعداد الكلمات من 1 (كلمة) إلى العدد 55 .. حينما نصل إلى العدد 56 لا نجد في القرآن آية مؤلفة من 56 كلمة، أي أن العدد 56 هو أول عدد يصادفنا لا توجد آية مؤلفة منه ..
نلاحظ أن العدد 56 = 2 × 28. لنتأمل الأرقام هنا: نلاحظ الإشارة المخبأة فيها إلى العدد 282 واضحة .. رقم الآية الأطول.
(قد يستغرب البعض هذا الحساب ومرد ذلك في رأيي هو قياس الحساب القرآني على البشري، ونقول ليس من الضروري أن يأتي الحساب القرآني وفق ما نعرف من قواعد الحساب المألوفة لدينا) ..
ـ[عاصي الهوى]ــــــــ[07 Jun 2007, 12:51 ص]ـ
ثم ماذا؟
ماانزل القران لهذا
اذكر اني قرات قصة ولكن ليست في الف ليلة وليلة
ولك منها العبرة
جاء شخص الى الخليفة هارون الرشيد
ونظم امامه الف ابرة كل واحدة في سم الاخرى يرميها رميا في خرم الابرة
حتى انتظمت الابر ببعضها
فاعطاه 1000 دينار
لموهبته
و1000 جلدة
لانه جعلها فيما لا ينفع
والسلام عليكم ورحمة وبركاته
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[07 Jun 2007, 02:14 ص]ـ
ثم ماذا؟
ماانزل القران لهذا
اذكر اني قرات قصة ولكن ليست في الف ليلة وليلة
ولك منها العبرة
جاء شخص الى الخليفة هارون الرشيد
ونظم امامه الف ابرة كل واحدة في سم الاخرى يرميها رميا في خرم الابرة
حتى انتظمت الابر ببعضها
فاعطاه 1000 دينار
لموهبته
و1000 جلدة
لانه جعلها فيما لا ينفع
والسلام عليكم ورحمة وبركاته
المقارنة خاطئة يا صاحبي،- على افتراض أن قصتك حقيقية -
ذلك أن ما أقدمه جليل النفع، ولكن ليس مع كل الناس، فبعض الناس تفهم من اللمحة الدالة، وبعض الناس من أصحاب العقول المقفلة يجدون مشقة في الفهم .. أرجو ان لا تفهمني خطا وتحسبني أقصدك بهذا الكلام ..
ألا ترى أن أكثر الناس في هذا الكون غير مؤمنين؟ لم ينفع معهم كل ما بذله العلماء المسلمون لهدايتهم مما تعترف به، فهل نعتبر أن ما بذلوه غير نافع؟ العيب ليس فيما يقدم، العيب في الناس وفي أفهامهم ..
ثم يا أخي:
هل قرأت ما كتبته عن قانون الحالات الأربع لسور القرآن وعن النظام العددي؟ هل وجدت فيه خطا؟ هل وجدت فيه تكلفا؟ هل وجدت فيه ما يخالف القرآن؟ إن كان ذلك فدلني وانا على استعداد ان اتراجع عن الخطأ ..
فإن لم تجد، فأي حجة لديك وما ماخذك علي؟
واعلم يا اخي الكريم أننا في هذه المسألة مازلنا على الشاطيء ولم نزل بعيدين عن الأعماق ... إن كلامك يجعلني اكثر ثقة بنفسي وبكل ما قلت، وحتى أسهل عليك الأمر أذكر لك فائدة واحدة:
اختلف علماء المسلمين في ترتيب سور القرآن على ثلاثة أقوال واظن انك تعرفها .. العبد الفقير لله يجزم ويقطع بأن ترتيب سور القرآن هو ترتيب توقيفي ما كان إلا بالوحي ومن عند الله بل ويذهب إلى أن هذا الترتيب وجه من وجوه إعجاز القرآن .. هذه فائدة، حسم هذا الاختلاف لدى المسلمين كمرحلة أولى، ننتقل بعدها إلى مرحلة أخرى ..
إن كنت تملك أن تثبت غير ذلك فتفضل ..
والسلام عليكم
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[09 Jun 2007, 08:10 ص]ـ
إضافة جديدة:
عرفنا أن سورة الإسراء هي السورة رقم 17 وأن عدد آياتها 111 آية.
وقلنا إن العدد 17 يتألف من رقمين مجموعهما 8.
لنتأمل سور القرآن التي يدل على ترتيبها في المصحف عدد من مضاعفات العدد 17. إنها السور ذوات الأرقام: 34 و 51 و 68 و 85 و 102 .. (خمس سور]
1 - السورة رقم 34 هي سورة سبأ: نلاحظ أن عدد آياتها 54، عدد يشكل مع العدد 34 العدد 88 (34 + 54 = 88).
2 – السورة رقم 51 هي سورة الذاريات: نلاحظ أن عدد آياتها 60، عدد يشكل مع العدد 51 العدد 111، وهذا هو عدد آيات سورة الإسراء.
3 – السورة رقم 68 هي سورة القلم: نلاحظ أن عدد آياتها 52 آية، عدد الفرق بينه وبين العدد 68: 16، أي: 8 + 8.
[من الجدير بالذكر هنا أن سورة القلم هي السورة الوحيدة من بين سور الفواتح المرتبة في النصف الثاني من القرآن: نلاحظ أن رقم ترتيبها عدد من مضاعفات العدد 17 (4 × 17)، وأنها فصلت عن أخواتها بفاصلة من السور عددها 17، وأن من بين آياتها 4 آيات لا غير تتألف كل منها من عدد من الحروف هو 17، وأن عدد ما ورد في الآيات الأربع من الحروف الهجائية من غير تكرار هو 17، ....... ]
4 – السورة رقم 85 هي سورة الطارق: نلاحظ أنها السورة الوحيدة في القرآن المؤلفة من 17 آية.
5 – السورة رقم 102 هي سورة التكاثر: نلاحظ أن عدد آياتها هو: 8.
إنه اهتمام القرآن بأدق التفاصيل وأخفاها .. هذا هو تفسير هذه الظاهرة.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[09 Jun 2007, 09:46 ص]ـ
ثم ماذا؟
ماانزل القران لهذا
اذكر اني قرات قصة ولكن ليست في الف ليلة وليلة
ولك منها العبرة
جاء شخص الى الخليفة هارون الرشيد
ونظم امامه الف ابرة كل واحدة في سم الاخرى يرميها رميا في خرم الابرة
حتى انتظمت الابر ببعضها
فاعطاه 1000 دينار
لموهبته
و1000 جلدة
لانه جعلها فيما لا ينفع
والسلام عليكم ورحمة وبركاته
الأخ الفاضل:
أولا: كيف تصدق هذه الكذبة الكبرى وتستشهد بها؟ ألا فكرت قليلا .. هل جربت أن تؤدي هذه المهارة بإبرتين وليس بألف؟ حاول فإن نجحت فأخبرنا ..
ثانيا: قل قرأت عن معاناة كوبرنيكوس وغاليلو مع رجال الكنيسة وموضوع كروية الأرض؟
سؤالي لك: أترى اننا نمر بما يشبه تلك الظروف؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثا: هل تجد تعارضا بين أن يكون القرآن كتاب هداية وتشريع وأن يكون منظما في غاية الإحكام والإتقان؟
رابعا: لعلك إمام أحد المساجد - هكذا اظن - لو قال لك أحد الحضور: إن ترتيب القرآن فوضوي، لا يخضع لأي نظام عقلي او منطقي يناسب عقولنا اليوم، فبماذا ستجيبه؟
خامسا: إذا لم ترد على أسئلتي ردا معقولا ومقبولا، فسأشكوك إلى هارون الرشيد.
ـ[عاصي الهوى]ــــــــ[09 Jun 2007, 02:01 م]ـ
اضحك الله سنك يا استاذ عبدالله كما اضحكتني
كيف ومن اين لك قولك اني امام مسجد
هل هناك قانون جديد لاكتشاف مااذا كان العضو امام مسجد او لا؟
ثم كاني بك لم ترض عن ردك الاول ففكرت وقدرت وبحثت في الف ليلة وليلة فلم تجد القصة
فحاولت جاهدا ان تنظم ابرة في سم الاخرى فلم تستطع فكذبت القصة واستشطت غضبا
فاقول لك بارك الله فيك
ان ناظم الابر لديه موهبة في نظم الابر لاتتوفر لدي ولا لديك=====>لاني حاولت ان انظمها فلم استطع
ومثل هذا الموهبة التي لديك في اختراع القوانين العددية
فصاحب الابر لايملك موهبتك والا لاوسعه هارون ضربا ولم يكتف ب1000جلدة
ولاتؤاخذني على مزحي الثقيل فيما سبق
فانا قلت لك من القصة العبرة حتى وان كانت مكذوبة الا انني لم ابتدعها ولكن قراتها فيما قرات
وانا قلت رايي فيما قرأت من قوانينك
وكلامي صواب يحتمل االخطأ وكلامك خطأيحتمل الصواب
ثم ماصاحب المنظومة في سور القران باشد تكلفا منك
وقرأت عن جاليليو الا انه لارهبانية في الاسلام ولاكنيسة تضاد العلم
ولا اجد تعارضا فيما ذكرت الا ا - ي ارى ان الاتقان والاحكام ليس فيما ذكرته من ارقام واعداد
وترتيب القران ليس بفوضوي وانما جاء مرتبا على ماجاء في العرضة الاخيرة
ولايهمني ان كان هذا وافق قانونك او لم يوافقه
وان لم يعجبك ردي فاشكني لهارون الرشيد او لمن شئت من السلف
ولاتنس اصطحاب قوانينك ودفنها حيث تجد هارون الرشيد
اعذرني على مزاحي الثقيل مرة اخرى
اخيرا انا قلت رايي ولك الاخذ به من عدمه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[09 Jun 2007, 03:42 م]ـ
فاقول لك بارك الله فيك
ان ناظم الابر لديه موهبة في نظم الابر لاتتوفر لدي ولا لديك=====>لاني حاولت ان انظمها فلم استطع
ومثل هذا الموهبة التي لديك في اختراع القوانين العددية
فصاحب الابر لايملك موهبتك والا لاوسعه هارون ضربا ولم يكتف ب1000جلدة
ثم ماصاحب المنظومة في سور القران باشد تكلفا منك
لا أخفي عليك انني حزين جدا لهذه النهاية التي انتهيت إليها ..
ليس من أجلي
بل من اجل هذه الأمة التي يبدو انها قد تحتاج إلى جيل جديد من البشر ... أناس يملكون القدرة على تحرير عقولهم من أغلالها، وفك أسرها، والبدء باستخدامها فيما خلقها الله سبحانه من اجله.
" فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "
ـ[عاصي الهوى]ــــــــ[09 Jun 2007, 11:45 م]ـ
الحمد لله اولا واخرا انني انتهيت الى النهاية التي مات عليها سلف الامة
وفي الذي اورثوه لنا خير كثير لمن تامل
ولن يضيرني انا وغيري الا نعرف قوانينك
ثم قولك ان الامة تحتاج الى جيل جديد من البشر ... أناس يملكون القدرة على تحرير عقولهم من أغلالها، وفك أسرها، والبدء باستخدامها فيما خلقها الله سبحانه من اجله
فنعم ولكن جيل جديد يتدبر ويتفكر في القران ويعمل به كما كان السلف
لا كما اتيت به من قوانين
ولا اصدق من قول الله تعالى الذي ختمت به كلامك
" فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "
ولا ارى مااتيت به الا جفاء كجفاء السيل
ولا اراك الا متعب نفسك فيما لا طائل من ورائه
ختاما
اكن لك تقديري واعجابي بمواهبك المتعددة وتمنيت كثيرالو صرفت جهدك فيما هو انفع لكان اولى
واشكر لك جهدك وحماسك ولكن كما يقول المثل الشعبي
ماكل مجتهد مصيب
ولا اخفيك انك جعلت من المنتدى شعلة حماس وعملت فيه عصفا فكريا وانتظر انا واخواني المزيد
وفقني الله واياك لما يحب ويرضى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[10 Jun 2007, 01:15 ص]ـ
عاصي الهوى;
الحمد لله اولا واخرا انني انتهيت الى النهاية التي مات عليها سلف الامة
وفي الذي اورثوه لنا خير كثير لمن تامل
(يُتْبَعُ)
(/)
لماذا يا صديقي العاصي كل هذا العناد وهذه المكابرة؟ إنك تناطح بقرنين من الطين، ما الذي يضطرك ان تخدع نفسك
وأن تكذب عينيك وقلبك وعقلك؟ لعلك تظن نفسك تدافع عن حمى القرآن، والله ما ضيعنا إلا التعصب الأعمى والجمود والانغلاق والتنكر للإبداع والجديد.
ما لك وسلف الأمة: إننا ما زلنا نعيش على فتات موائدهم، لقد كانوا عباقرة، عاشوا زمنهم، جمعوا ودونوا وصنفوا وأورثونا كنوزا .. نحن ما دورنا؟ هل نحن أشرطة تسجيل؟ أم ببغاوات حسنة الصوت والمظهر، لا نتقن الا الاجترار والتكرار والبكاء على الأطلال ..
أهذا ما يرضيك؟ أيعجبك صوت الببغاء إلى هذا الحد؟
لماذا لا يكون لنا دور في إكمال ما بداه السلف؟ لماذا لا نعيش عصرنا كما عاشوا عصرهم؟ لماذا لا تكون لنا كلمة من بنات افكارنا؟
لعلك تحسب وهكذا غيرك من المفلسين أن من يتكلم عن السلف ويجعلهم على لسانه انه يقدم للناس شهادة حسن سلوك، واتهاما مبطنا لخصمه، بينما هو أبعد الناس عن فكر السلف ونهج السلف وإبداع السلف ..
لو ملك السلف الذين تتحدث عنهم اجهزة كمبيوتر وحاسبات لما تركوا لنا شيئا؟ لقد استخدموا حبات الشعير في العد والإحصاء ووصلوا إلى نتائج مذهلة .. لقد فكروا وهم يعيشون في القرن التاسع بعقلية القرن الخامس عشر , وانت ياابن القرن الخامس عشر ركنت إلى الراحة والسكون وتعطيل العقل، وتسمرت في مكانك، تعيش في زماننا ولكنك تفكر بعقلية القرن السابع ..
واعلم يا صاحبي أنني ما كنت لأرد عليك، ولكنني سأعتبر كلامي رسالة لأمثالك من العاجزين على مغادرة مقاعد التفرج إلى مرحلة المشاركة والتفاعل. هذه الفئة التي أقامت حجرا على العقل المسلم وكبلته بالأغلال والقيود ..
ولن يضيرني انا وغيري الا نعرف قوانينك
أولا هي ليست قوانيني. وثانيا لا تتكلم بلسان غيرك ولا تدعي أنك تمثلهم. أما أن تلك القوانين لن يضيرك جهلها، فهي أيضا لن يضيرها جهلك بها، إن وجود الجهل في الحياة ضروري ومهم، كيف سنميز الأذكياء إن لم يكن هناك جهلاء، وكيف نميز الحكمة إن لم يكن الجهل موجودا؟ إن وجود الجاهلين حتى والمجانين نعمة من نعم الله تذكرنا بحمد الله على ما انعم علينا.
ولا ارى مااتيت به الا جفاء كجفاء السيل
ولا اراك الا متعب نفسك فيما لا طائل من ورائه
إن ما جئت به واقع ثابت في المصحف الذي تحتفظ به في بيتك، فراجعه.
كما أن ما أورده وما قد أورده هو مما لم يسبقني مخلوق إليه، وهذا فضل من الله أعتز به ..
وإن كنت بحجم ألفاظك، فأرني والمشاركين في هذا المنتدى المبارك إن شاء الله، مهارتك في إقامة الدليل على مزاعمك الفاسدة ..
سأورد الان مثالا مختصرا مما أسميته بقوانيني:
النظام العددي:
يتألف العدد 114 من 57 عددا زوجيا + 57 عددا فرديا.
استخدم القرآن للدلالة على اعداد الآيات في سوره من بين الأعداد الزوجية 32 عددا وترك 25.
واستخدم من بين الأعداد الفردية 32 عددا وترك 25. [لاحظ حالة التماثل]
من بين الأعداد الفردية في السلسلة 1 - 57 استخدم 20 عددا وترك 9 ..
من بين الأعداد الزوجية في السلسلة 58 - 114 استخدم 9 وترك 20. [لاحظ التماثل والمقابلة]
من روائع القرآن أن مجموع الأعداد التسعة الأولى التي لم يستخدمها هو: 319 ...
حاصل طرح العدد 319 من مجموع أرقام ترتيب سور القرآن هو: 6555 - 319 = 6236 وهذذا الناتج هو عدد آيات القرآن ..
هذه فقرة من النظام العددي الجزء الأول ..
تفضل أيها السيد وأرني والمشاركين والزائرين لماذا ترى هذا الترتيب جفاء كجفاء السيل؟؟
[لقد تسبب نقدك - إن صح التعبير - في تأخير الجزء الثاني من النظام العددي]
اكن لك تقديري واعجابي بمواهبك المتعددة وتمنيت كثيرالو صرفت جهدك فيما هو انفع لكان اولى
واشكر لك جهدك وحماسك ولكن كما يقول المثل الشعبي
وأنا ادعوك بدل مهاجمتي دون حق ودون حجة ودون دليل اللهم الهوى (رغم أنك عاصي الهوى] أن تفتح المصحف على أي آية تتحدث عن الافتراء .. أحضر ورقة واكتب الآية ثم تدبر عدد السور التي قبلها والتي بعدها والأرقام التي يمكن أن ترتبط بها .. ستجد عجبا.
وثق أيها الفاضل: إنني واسع الصدر أتقبل النقد والمعارضة المبنية على أساس وحجة ودليل .. أما أن تخرج علي أنت او غيرك حبا في المعارضة فلا. أليس في قاموس احدكم غير كلمة " التكلف "؟
لقد قلت: أول القرآن 7 آيات وآخره 6 ومجموعهما 13، [العلاقة الرياضية بين اول القرآن وآخره] فإذا تدبرنا ورود العدد 6 في القرآن نجده قد ورد في 7 آيات [لاحظ العلاقة ذاتها] ولدفع شبهة المصادفة نجد ان مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب الايات ال7 هو 169 أي 13 × 13، أما مجموع اعداد الآيات في السور السبع فهو 619، العدد 619 هو العدد 114 في ترتيب الأعداد الأولية ...
دلني والمشاركين والزائرين أين التكلف هنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هل هذا جفاء كجفاء السيل؟
هل تدري ما الذي تقوله؟ أنت في رحاب حساب عظيم وتدبير حكيم ..
ولا اخفيك انك جعلت من المنتدى شعلة حماس وعملت فيه عصفا فكريا وانتظر انا واخواني المزيد
وفقني الله واياك لما يحب ويرضى
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته]
تنتظر ماذا؟ مزيدا من جفاء السيل ام مزيدا من التكلف؟
على أي حال سأقبل اعتذارك إذا احببت أن تكون شجاعا، ومن قبل عليك ان تعتذر لترتيب القرآن الذي اهنته دون علم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[10 Jun 2007, 01:02 م]ـ
إضافة جديدة:
4 – السورة رقم 85 هي سورة الطارق: نلاحظ أنها السورة الوحيدة في القرآن المؤلفة من 17 آية.
.
تنويه من عبدالله جلغوم: تصحيح الفقرة الرابعة
السورة رقم 85 هي سورة البروج وليست سورة الطارق وعدد آياتها هو 22 (85 + 22 = 107، 7 + 10 = 17] أما سورة الطارق فهي السورة رقم 86 وهي الوحيدة المؤلفة من 17 آية ..
في الترتيب التنازلي تحتل سورة الطارق موقع ترتيب سورة البروج ..
وتفاصيل هذا الموضوع كثيرة (ظاهرة التفاوت)
نعتذر عن هذا الخطأ غير المقصود.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[11 Jun 2007, 10:09 ص]ـ
مزاعم عاصي الهوى:
زعم زميلنا عاصى الهوى أن ما قدمته من مشاركات في هذا المنتدى هو: جفاء كجفاء السيل ..
فاوردنا مثالين وطلبنا من الأخ الكريم أن يشرح لنا وللزملاء وللزائرين أين جفاء السيل فيهما. ولا بأس لدينا أن يستعين أخونا بمن يريد ..
فإن لم يستطع: فليعلم الجميع اننا في رحاب ترتيب إلهي محكم، لا يجوز وصفه بجفاء السيل ...
ومن كرم الأخلاق أن يتراجع زميلنا عن اتهامه ويقر بهزيمته ويعتذر لنا ولترتيب القرآن ..
المثال الأول:
النظام العددي:
يتألف العدد 114 من 57 عددا زوجيا + 57 عددا فرديا.
استخدم القرآن للدلالة على اعداد الآيات في سوره من بين الأعداد الزوجية 32 عددا وترك 25.
واستخدم من بين الأعداد الفردية 32 عددا وترك 25. [لاحظ حالة التماثل]
من بين الأعداد الفردية في السلسلة 1 - 57 استخدم 20 عددا وترك 9 ..
من بين الأعداد الزوجية في السلسلة 58 - 114 استخدم 9 وترك 20. [لاحظ التماثل والمقابلة]
من روائع القرآن أن مجموع الأعداد التسعة الأولى التي لم يستخدمها هو: 319 ...
حاصل طرح العدد 319 من مجموع أرقام ترتيب سور القرآن هو: 6555 - 319 = 6236 وهذذا الناتج هو عدد آيات القرآن ..
هذه فقرة من النظام العددي الجزء الأول ..
تفضل أيها السيد وأرني والمشاركين والزائرين لماذا ترى هذا الترتيب جفاء كجفاء السيل؟؟
المثال الثاني:
لقد قلت: أول القرآن 7 آيات وآخره 6 ومجموعهما 13، [العلاقة الرياضية بين اول القرآن وآخره] فإذا تدبرنا ورود العدد 6 في القرآن نجده قد ورد في 7 آيات [لاحظ العلاقة ذاتها] ولدفع شبهة المصادفة نجد ان مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب الايات ال7 هو 169 أي 13 × 13، أما مجموع اعداد الآيات في السور السبع فهو 619، العدد 619 هو العدد 114 في ترتيب الأعداد الأولية ... دلني والمشاركين والزائرين أين التكلف هنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ هل هذا جفاء كجفاء السيل؟
وأعدك إن استطعت أن أعلن براءتي مما كتبت في الجريدة الرسمية وأعتذر لك ولكل المسلمين.
ـ[عاصي الهوى]ــــــــ[11 Jun 2007, 01:53 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
انا لم ازعم ان ترتيب القران جفاء كجفاء السيل بل ارى انه توقيفي
ولكن ادين الله بان قوانينك وحالاتك جفاء كجفاء السيل
وان ماينفع الناس هو مايمكث في الارض
ولا ارى علمك هذا الا كمثل تفسير الجواهري
الذي ماملكت نفسي يوم ان قرأت فيه الا ان ضحكت
فأين تفسير الجواهري اليوم واين من يرجع اليه او يستشهد به؟
وهذا مآل كتاباتك وقوانينك ان شاء الله
وانظر لمن عاصروا الجواهري والفوا في التفسير وغيره من علوم القران والعلوم الاخرى
فأربأبك ان تكون عاملا ناصبا
فيارعاك الله انا قلت وجهة نظري ولم الزمك انت ولا غيرك
فالقران عندي ماانزل لنستنبط مسائلك وحسابات الرياضية
وانما انزل للتعبد والتفكر ولا تقل لي ان من التفكر التفكر في قوانينك العددية
وقولك ان من كرم الاخلاق ان اتراجع فنعم ان عرفت انني على خطا
ولكن ماهكذا تورد الابل
فبامكاني ان اقول ان من كرم الاخلاق ان تتراجع عن قوانينك وتعترف بهزيمتك ولازمه ان لم تتراجع فانت لست بكريم اخلاق ولا شجاع
فمعنى كلامك بارك الله فيك اعتذر او انت لست بكريم اخلاق ولا شجاع
ختاما مازال امامي من تراث السلف ماهو انفع لي من قوانينك ان كان فيها نفع
فاتركك وقوانينك واتركني وما وجدت من تراث
ولاتنزل وتتنزل بارك الله فيك لامثالي لتطعمهم من مائدتك
فحسبنا مايقيم صلبنا من فتات موائد السلف
فوالله لان اجتر تراثهم خير لي من ان اكل مائدتك التي وضعت
اعتذر ان كنت اخطأت في حقك
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد الا اله الا انت استفقرك واتوب اليك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[11 Jun 2007, 07:27 م]ـ
[عاصي الهوى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
انا لم ازعم ان ترتيب القران جفاء كجفاء السيل بل ارى انه توقيفي
هكذا أصبت ونحن متفقان. أنا منذ ما يزيد على عشر سنوات وانا أقاتل لأقنع بعض المغفلين ان ترتيب سور القرآن وآياته توقيفي، وما استطعت. ما رأيك ان نتعاون معا في هذه.؟
ولكن ادين الله بان قوانينك وحالاتك جفاء كجفاء السيل
قلت لك يا عاصي: لا تقل قوانينك وحالاتك، فهي ليست قوانيني ولا حالاتي، ولم آت بها من داري .. إنها واقع موجود في المصحف لا مجال لانكاره. لعلمك إن أحد المواقع المعادية للقرآن تحاربني بنفس الأسلوب ..
ثم يا اخي الحبيب: إذا كنت تعتقد أن ترتيب القرآن توقيفي (يعني بالعربي من عند الله] فما العجب أن يكون هذا الترتيب رياضيا؟ بل ومعجزا؟ أليس ترتيبا إلهيا؟ ومن المنطق أن يليق الترتيب بصاحب الترتيب ..
لقد رتب الله حبات الذرة الصفراء في كوز الذرة .. رتب حبات القمح في سنبلة القمح .. علم النحل كيف ترتب قرص العسل .. رتب أصابع يديك في راحتك على نحو بالغ الإحكام ...
كل شيء في الكون عليه بصمة من الله ..
فهل يترك ترتيب كتابه المعجزة للناس ... ؟!
وختاما،
كنت أحب أن تشرح لي وللقراء كيف ترى ما نكتبه جفاء، وما يحملك على هذا الموقف، ولكنك لم تفعل.
لقد سبقك بعضهم إلى وصف ما اكتبه بالحيل الرياضية، وألعاب السيرك، ليس هذا هو المهم، المهم عندي ما الدليل؟
أريد ردودا تغني الحوار وتجعله ذا فائدة. وان لا نفسر الماء بعد الجهد بالماء.
لك ولكل المعارضين كل الشكر ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[13 Jun 2007, 11:04 م]ـ
إضافة:
(قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).الإسراء 17: 88.
ومن زاوية أخرى نلاحظ أن:
1 - عدد كلمات الآية 19 كلمة.
2 - عدد حروفها: 76 حرفا أي: 4 × 19.
3 - لو استثنينا المكرر فعدد ما ورد في الآية من حروف اللغة هو: 19.
4 - لو عدنا إلى العدد 88 نلاحظ انه يساوي 11 × 8، عددان مجموعهما 19.
5 - لدفع الشبهة عن العلاقة 11 × 8، إذا تأملنا الحروف ال 19 الواردة في الآية سنجدها مجموعتين:
11 حرفا من بين حروف الفواتح وهي: ا. ل. م. ر. ك. هـ. ي. ع. س. ق. ن.
8 أحرف الباقية وهي: و. ذ. ب. ت. ج. ض. ث. ظ.
أين المتدبرون؟
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[16 Jun 2007, 04:29 م]ـ
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد كالو
النقد هدية .. فاعرف كيف تقدّمها؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحبتي في الله
إن من أخطر الإصابات التي لحقت العقل المسلم فحالت بينه وبين التدبر، التوهم بأن الأبنية الفكرية الاجتهادية السابقة هي نهاية المطاف، وفي هذا محاصرة للنص القرآني، وقصر فهمه على رؤية عصر معين، ولعل ترسب هذه القناعة هي من الأقفال التي يجب كسرها، لينطلق الفهم من قيوده وأغلاله، ولأن هذه القناعة إذا استمرت سوف تلغي الحاضر والمستقبل، وتسقط عن القرآن صفة الخلود الزماني، والامتداد المكاني، ويتحول القرآن إلى الركود والتحنط في بطون التاريخ.
وأرى كلام الأخ عبد الله جيد ومفيد ولو من زاوية ضيقة، وكلٌّ يخدم كتاب الله عز وجل من ناحية.
من جانب آخر، لم أر رداً علمياً على كلامه، سوى مطالبته بالضوابط، وقد قال: بأنه لا يلجأ إلى التكلف لضبط الحساب، وإنما فقط يسجل ما يلاحظ. فما العيب في هذا؟!
وإذا كان الوصول إلى الحق مطلب الجميع فلماذا ركز الجميع على الجانب السلبي للبحث دون الجانب الإيجابي؟!
إن عدم وجود رد علمي منطقي، هو في النهاية لصالح البحث وليس ضده.
لعل من وصف هذا المبحث بالتكلف ظن انه اجهز عليه بالضربة القاضية. مثل هذا الكلام هو لصالح البحث وليس ضده.
كما ان من زعم إمكانية وجود مثل هذا الحساب في غير كتاب الله، هو لصالح البحث وليس ضده.
كما ان من زعم ان التدبر المطالب به في القرآن يستثني ترتيب القرآن، هو في صالح البحث وليس ضده ..
كما ان من زعم الانتقائية - حسب فهمه - سمة في البحث هو في صالح البحث وليس ضده.
الأخوة الأفاضل:
رضي من رضي وغضب من غضب، ترتيب سور القرآن وآياته هو أحد وجوه إعجاز القرآن التي ادخرها لمخاطبة اهل هذا العصر .. ما كتبته حتى الان هو اليسير جدا مما يثبت هذا الرأي ..
لقد اضطر القدماء إلى التضحية بترتيب القرآن قرونا - بسبب تضارب الآراء في هذه المسألة - واستبعاده من وجوه إعجاز القرآن، وليس بالضرورة ان يكون موقفنا الحالي هو موقف تكرار القديم دون ادنى مراجعة، ما دام في وسعنا ان نقدم الأدلة الكافية على ما نذهب إليه ..
اللهم قد بلغت فاشهد.(/)
اذكر بعض الأفكار النافعة لإضفاء الحيوية على درس التفسير للعامة
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[03 Jun 2007, 07:33 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد،
من المعلوم أهمية دروس التفسير لعامة الناس، وطريقة تناولها في الغالب تقتصر على بيان معاني المفردات ثم بيان المعاني الإجمالية للآيات، وقد انتهى بعض الإخوة من تفسير جزء عم للحضور في مسجده، ويطلب مشورتكم في إضفاء الحيوية على الدرس عن طريق إرشاده إلى بعض الأفكار النافعة التي تجعل الدرس ممتعا للحاضرين ومفيدا لهم
خاصة أنه بشروعه فيما بعد ذلك من الأجزاء يستشعر أنه في واد والناس في واد لقلة حفظ الناس لما فوق جزء عم
فما هي أفكاركم؟
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Jun 2007, 10:02 م]ـ
الاهتمام بهدايات الآية وربطها بواقع الناس مما يضفي على الدرس التفسيري نكهة خاصة فيما أحسب.
ـ[عبدالعزيز اليحيى]ــــــــ[04 Jun 2007, 02:15 ص]ـ
إضافة لما ذكره الشيخ أحمد أقول:
- عدم التقيد الدقيق بتفسير الآيات_ سيما والخطاب للعامة_ بل يجعلها منطلقا لحديثه لتوجيه الناس وتعليمهم .. (لاحظ أن كثيرا من المفسرين لم يقتصروا على التفسير فقط فالقرطبي مثلا يتكلم عن أحكام الحيات عند حديثه عن قصة وسوسة إبليس لأبينا أدم عليه السلام بالأكل من الشجرة ودور الحية في ذلك) وهذا منهج يناسب العامة جدا.
- العناية بالاستشهاد بالقرآن والسنة وشيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح. وللقصص دور كبير في التأثير وإضفاء الحيوية (لاحظ حجم القصص في الخطاب الرباني القرآن الكريم)
- ذكر الفوائد واللطائف التي تناسب المقام.
- إظهار إعجاز القرآن وعظمته كلما سنحت فرصة.
- اقترح ألا يلتزم بترتيب المصحف بالتفسير بل يفسر أولا الآيات التي يكثر تكرارها في الصلاة وفي الأوراد كآية الكرسي وسورة الكهف .. لحاجة الناس لفهمها وتشوقهم لذلك.
ـ[مجاهدالشهري]ــــــــ[05 Jun 2007, 12:12 ص]ـ
لعل أسلوب القصة من أنفع الأساليب لتوصيل المعلومة أو التفسير للعامة ولعله يكون بذكر أسباب النزول الثابت الصحيح ثم الإختصار قدر الإمكان
ـ[خلوصي]ــــــــ[30 Jun 2010, 02:03 ص]ـ
و هنا فكرة بديعة نافعة بإذن الله:
ما الذي يزرعه القرآن في القلوب؟ ( http://www.tafsir.net/vb/t20339.html)
ـ[محمد نصيف]ــــــــ[30 Jun 2010, 06:08 ص]ـ
1 - أن يكون همه الأكبر أن يستضيء هو قبل السامعين بأنوار القرآن.
2 - أن يتعايش مع الآيات فقد قيل: " ألفاظه تؤخذ من حفاظه، ومعانيه تؤخذ ممن يعانيه".
3 - ضرورة الاستماع لدروس التفسير الصوتية لأنها ترتقي بأسلوبك إلى الأحسن، وتجنبك خطأ غيرك - أيضاً-.
4 - تحديد نقاط عملية لتطبيق الآيات في نهاية الدرس، وتعليق تلك النقاط في المسجد بحيث تمر على المصلين عدة مرات - إن كان الدرس في مسجد-.
5 - إن كان عند الناس تفاعل فيمكن القيام بخطوات عملية جماعية - وهذا قد يناسب الأطفال أكثر لبراءتهم الفطرية-، فمثلاً تتحدث الآيات عن خلق الإسان في أحسن تقويم فنشاهد سوياً فيلمًا عن ذلك، أو تتحدث الآيات عن اليتيم فنذهب سوياً لزيارة بعض الأيتام ... إلخ.
6 - مشاركة الناس في نهاية الدرس بأن يعطوا بعض الفوائد من الآيات ويعلق الشيخ بما يراه مناسباً.
7 - الحرص على الاستطرادات الوعظية المناسبة - وقد نبه على هذا بعض الأخوة قبلي-.
8 - توزيع أوراق فيها خلاصة الدرس ومعاني بعض الكلمات الصعبة ... إلخ قبل بدء الدرس بخمس دقائق - إن كان الزمان والمكان مناسبين -.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[04 Jul 2010, 10:45 م]ـ
شكر الله لكل الإخوة المشاركين في هذا الموضوع على طرح هذه الأفكار المفيدة
ويضاف إلى ما سبق:
1) الابتعاد عن ذكر الاختلاف
2) تجنب العبارات غير المألوفة والغريبة على أسماع الناس
3) التفاعل عن طريق تحول الدرس من الطريقة الإلقائية إلى الطريقة الحوارية التي تعتمد الحوار والسؤال والجواب(/)
مناقشة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في عدد تنزلات القرآن
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Jun 2007, 08:17 م]ـ
القرآنُ كلام الله تعالى تَكلَّمَ به حقيقةً، ونَزَلَ به الرُّوحُ الأمين جبريلُ ? على النبيِّ ? مُفرَّقًا مُنذ بِعثته إلى وفاته، قال الله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} (الاسراء:106)، وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان:32).
وكَوْنُ القرآنِ نَزَلَ مُفرَّقًا حقيقةٌ مَقْطوعٌ بها عند أهل الإسلام؛ ولِذا لا بُدَّ مِن معرفةِ معنى الإنزال في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: من الآية 185) وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (الدخان: من الآية3) وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1).
قالَ الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1):" الصحيحُ أنّ معناها: ابتدَأْنَا إنْزالهُ في ليلةِ القدْرِ، وليلةُ القَدْرِ في رمضان لا شَكَّ ". ()
وعند تفسيره لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: من الآية 185)
قال:" وهل المرادُ بـ {الْقُرْآنُ} الجِنْس، فيشملُ بعضه؛ أو المرادُ به العمومُ فيشملُ كُلَّهُ؟ قال بعض أهل العلم: إنّ " ال " للعمومِ فيشملُ كُلَّ القرآنِ؛ وهذا هو المشهور عند كثيرٍ مِن المفسِّرينَ المتأخِّرينَ؛ وعلى هذا القَوْلِ يُشْكِلُ الواقع؛ لأنّ الواقعَ أنّ القرآنَ نَزَلَ في رمضانَ، وفي شوالَ،وفي ذي القعدة، وفي ذي الحجّة ... في جميعِ الشُّهور؛ ولكن أجابوا عن ذلك بأنّه رُوي عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ القرآنَ نَزَلَ مِن اللوْحِ المحفوظ إلى بيتِ العِزَّة في رمضان، وصارَ جبريلُ ? يأخذهُ مِن هذا البيت، فيَنْزِلُ به على رسول الله ? (1)، لكنْ هذا الأثر ضعيفٌ؛ ولهذا الصحيحُ أنّ " ال " هنا للجِنْس؛ وليستْ للعمومِ؛ وأنّ معنى {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} أيْ اُبْتُدِئَ فيه إنْزَالُه، كقوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (الدخان: من الآية3)، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1) أيْ ابْتَدَأْنَا إنْزَالهُ ". ()
ومِمّا تقدَّمَ يتبيَّنُ أنّ الشيخَ رحمه الله يرى أنّ للقرآنِ نُزولاً واحدًا فقط، ويؤيِّدُ ذلك تَضْعِيفهُ لأثر ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما في كلامه السابق؛ وأصْرَحُ مِنه ما جاء في جوابه على سؤالٍ وُجِّهَ له: حيث قالَ السائل:يُنْسَب إليكم أنّكم ضعَّفْتُم قول ابنَ عبّاسٍ رضي الله عنهما بأنّ القرآنَ أنْزَلَهُ الله في رمضانَ جُمْلَةً واحدةً إلى السماءِ الدنيا، فهل هذا صحيح؟ وهل مِن دليلٍ على خِلافه؟
فأجابَ بقولهِ:"نعم، الأدلّةُ على خِلافه؛ أنّ الله ? يتكلَّمُ بالقرآنِ حين إنْزالِه على محمد ?، والدليلُ على أنّه يتكلَّمُ به حين إنْزالِه أنّه يتكلَّمُ ? عن حوادِثَ وقعتْ مِثل قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} (آل عمران: من الآية121) و {إِذْ} ظَرْفٌ لِمَا مَضَى يتحدَّثُ الله ? عن شيءٍ مَضَى مِن الرسولِ عليه الصلاة والسلام،وقوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (المجادلة: من الآية1) هل يصحُّ أنْ يُقال: قد سمع بشيءٍ لَمْ يُخلَقْ صاحبه بَعْدُ؟ لا يكونُ سَمْعٌ إلاّ بعدَ صَوْتٍ، وهذا يدلُّ على أنّ الله تكلَّمَ بهذه الآيةِ بعد أنْ تكلَّمَتْ التي تُجادل، {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} (آل عمران: من الآية181) لقد سَمِعَ، واللاّمُ مُؤَكِّدَةٌ، والقَسَمُ مُؤَكِّدٌ أنّه سمعَ قَوْلَ الذينَ قالوا إنّ الله فقيرٌ ونحنُ أغنياء،فتكونُ هذه الآيةُ نزلتْ بعد قَوْلِهم، وأمْثَالِ ذلكَ مِن السياقاتِ الدّالّةِ على أنّ الله تعالى تكلَّمَ بالقرآنِ حينَ إنْزالِه على محمدٍ ?.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذا هو الذي يجعلُنِي أشكُّ في صحّةِ الحديث المرْوِيِّ عن ابنِ عبّاسٍ ? وعن أبيه أنّ القرآنَ نَزَلَ جُمْلَةً واحدةً إلى السماءِ الدنيا في بيتِ العزَّةِ، وهذا يحتاجُ إلى أحاديثَ صحيحة لا شكَّ فيها حتّى نضطرَّ إلى تأويلِ الآياتِ التي تدلُّ على أنّ القرآنَ نَزَلَ بعد حُدوثِ الحوادث التي يتكلَّمُ الله عنها ". ()
ولِيَ مع كلامِ الشيخِ المتقدِّم الوَقَفاتُ التالية:
الوقفة الأولى: اختياره أنّ المرادَ بالإنزالِ هو: ابتداءُه، هو أحد الأقوالِ في معنى النزولِ للجمعِ بينَ ما تقرَّرَ مِن إنْزالِ القرآنِ مُنَجَّمًا وبينَ الآياتِ الدّالّةِ على إنْزالِه في ليلةٍ واحدةٍ، وهو قَوْلُ الشعبيِّ () رحمه الله (). وهو جَمْعٌ حَسَنٌ به تجتمعُ الأدلّةُ، لكنه لا يُعارِضُ أثرَ ابنَ عبّاسِ رضي الله عنهما؛ كما سيأتي.
الوقفة الثانية: أثرُ ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما صحيحُ الإسْنادِ، صحّحهُ جَمْعٌ مِن الأئمةِ كما تقدّم في تخريجه، ومِثْلُه إخبارٌ بأمرٍ غَيْبِيٍّ لا يُصارُ إلى مِثْله إلاّ بِتَوْقِيفٍ فلهُ حُكْمُ الرَّفْعِ (). ولِذا فانتقادُ الشيخِ ابن عثيمين رحمه الله للأثرِ إنّما هو مِن جهة مَتْنِه كما دلَّ على ذلك كلامُه، وعندي أنّ هذا الانتقادَ لا يُسلَّم؛ لأنّه ليس في أثرِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما ما يدلُّ على أنّ الله لَمْ يتكلَّم بالقرآنِ حالَ إنْزالِه؛ بل غايةُ ما فيه أنّ للقرآنِ تَنَزُّلان:
الأول: مِن اللّوحِ المحفوظ إلى السماء الدنيا.
وهذا يكون مِن مَكْتُوبٍ إلى مَكْتُوب فلا إشكال فيه ولا فَرْقَ بين أنْ يكون في اللوح المحفوظ أو يكونَ في السماء الدنيا ثمّ يتكلَّمُ الله به ? إذا أرادَ إنْزالَهُ.
الثاني: الوحْيُ؛ وهو إنْزالُه إلى محمدٍ ? بواسطةِ جبريلَ ?؛ كما قال ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنهما في إحدى الرواياتِ للأثرِ السابق:" فكانَ الله إذا أرادَ أنْ يوحِيَ مِنه شيئًا أوْحَاه ". ()
فدلَّ هذا الأثرُ على أنّ الله تعالى يتكلَّمُ به حقيقةً حينَ إنْزالِه، ولِذا فإنّ تضْعِيفَ الشيخِ ابن عثيمين لهذا الأثرِ يسْتقِيمُ لو دلَّ على أنّ الله لا يتكلَّمُ بالقرآنِ حالَ إنْزالِه؛ أما وقد ورَدَ الأثرُ بخلافه أو على الأقلِّ عدَمَ التعرُّضِ لطريقةِ إنْزالِه إلى النبيِّ ? فلا يستقِيمُ ما أوْرَدَهُ وبالله التوفيق.
الوقفة الثالثة: سببُ رَدِّ الشيخِ ابن عثيمين رحمه الله لهذا الأثرِ هو جانبٌ عَقَدِيٌّ؛ حيثُ ظنَّ طائفةٌ مِن المتكلِّمينَ وغيرهم مِمّنْ ينفونَ صفة الكلام عن الله ? أنَّ لهم في هذا الأثرِ مُسْتَمْسكًا إذْ أثبتوه وفهموا مِنه أنّ للقرآنِ نُزولَيْن:
الأول: مِن اللوحِ المحفوظ إلى السماء الدنيا جُملةً واحدة.
الثاني: مِن السماء الدنيا إلى الأرض على النبيِّ ? مُفرَّقًا بواسطة جبريلَ ?.
ورَجَّحَ هذا الفَهْمَ أكثرُ مَن تكلَّمَ في علومِ القرآنِ كالزركشيِّ ()، وابن حجرٍ ()، والسيوطيِّ ().
ومِن المعاصرين: الزرقانيُّ ()، ومحمد أبو شهبة ().
ولعلَّ سببَ فهمهمْ ورُودُ بعضِ الرواياتِ بـ[ثُمَّ] الدّالّةِ على التعقيب والترتيب؛ حيث أوْرَدَ السيوطيُّ نقلاً عن ابن أبي شيبةَ () في فضائل القرآن () الروايةَ التالية: " دُفعَ إلى جبريلَ ? في ليلةِ القدْر جُملةً واحدة فوضعهُ في بيتِ العزَّةِ، ثُمَّ جعلَ يُنَزِّلُهُ تنزيلاً ". ()
وهذه الرواية وأمْثالها مُعارَضةٌ برواياتٍ أخرى تدلُّ على أنّ النزولَ الثاني إنّما كانَ وَحْيًا مِن الله تعالى؛ ولِذا فقوْلُنا بصحّةِ الحديث ليس معناه القوْلُ بصحّةِ جميع ألفاظه الواردة في رواياته وطُرُقِه.
وعليه فلا يصحُّ أنْ يُفهم أنّ النزولَ الثاني كانَ مِن السماء الدنيا كما تدلُّ عليه هذه الرواية، بلْ ولا مِن اللوحِ المحفوظ، بلْ الحقُّ والذي تدلُّ عليه الدلائلُ مِن الكتاب والسنّة أنّ الله تكلَّم بالقرآنِ حقيقةً وأوْحاهُ لنبيّه ? بواسطة جبريلَ ?.
(يُتْبَعُ)
(/)
فعن عبد الله بن مسعود ? قال: قال رسول الله ?: [إذا تكلَّمَ الله بالوحْيِ سمعَ أهلُ السماءِ للسماءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ على الصَّفا، فيُصْعقُونَ فلا يزالون كذلك حتّى يأتيهم جبريلُ، حتّى إذا جاءهم جبريلُ فُزِّعَ عن قلوبهم، قالَ: فيقولونَ: يا جبريل ماذا قالَ ربُّكَ؟ فيقولُ: الحقَّ، فيقولونَ: الحقَّ الحقَّ] ().
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" بيّنَ الله في غيرِ مَوْضعٍ أنّه – أيْ القرآن –
مُنَزَّلٌ مِن الله، فمن قالَ: إنّه مُنزَّلٌ من بعض المخلوقاتِ كاللوحِ والهواءِ فهو مُفْتَرٍ على الله مُكَذِّبٌ لكتابِ الله، مُتَّبِعٌ لغيرِ سبيل المؤمنين ". ()
الوقفة الرابعة: بما أنّه قد صحَّ عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما نُزولُ القرآنِ إلى السماء الدنيا فيكونُ معنى الإنْزالِ المذكورِ في القرآنِ أمْران ():
الأول: ما دلَّ عليه أثرُ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما مِن نُزولِه إلى السماء الدنيا في ليلةِ القدْر، وقد نَقل القرطبيُّ الإجماعَ عليه. ()
الثاني: ابتداءُ إنْزالِه في ليلةِ القدْر.
وبهذا نعلمُ أنّه لا تعارُضَ بينَ أثرِ ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما وبينَ أنّ القرآنَ أُبْتُدِأَ إنْزالُهُ في رمضان.
وخُلاصة ما تقدّم أنّ للقرآنِ نُزولَيْن:
النزول الأول: مِن اللوحِ المحفوظ إلى السماء الدنيا جُملةً واحدة، فهو إنْزالٌ مِن مَكْتوبٍ إلى مَكْتوب، ولَمْ يَرِدْ في الروايات أنّه يقتضي أنّ الله تكلَّمَ به في هذا الإنْزال، بلْ كَوْنُه مَكتوبًا قبل في اللوحِ المحفوظ لَمْ يقتضِ ذلك.
النزول الثاني: إنْزالُ القرآن على النبيِّ ? مُفرَّقًا بواسطةِ جبريلَ ?، وقد دلّت النصوصُ على أنّه وَحْيٌ، وأنّ الله يتكلَّمُ بالقرآنِ حينَ إنْزالِه.
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية بعدَ أنْ قرَّر أنّ الله تكلَّمَ بالقرآنِ حينَ إنْزالِه:" وهذا لا يُنافي ما جاء عن ابنِ عبّاسٍ وغيره: أنّه أُنْزِلَ في ليلةِ القدْر إلى بيتِ العزَّةِ في السماء الدنيا ولا يُنافي أنّه مَكتوبٌ في اللوحِ قبلَ نُزولِه سواء كتَبَهُ الله قبلَ أنْ يُرسل به جبريلَ أوبعده، فإذا أُنْزِلَ جُملةً إلى بيتِ العزَّةِ فقد كتَبَهُ الله كُلَّه قبلَ أنْ يُنزلَه والله يعلم ُما كانَ وما يكونُ وما لا يكونُ لو كانَ كيفَ يكون، وهو قد كتَبَ المقاديرَ وأعمال العباد ِقبل أنْ يعملوها ثُمَّ يأمُرُ بكتابتها بعد أنْ يعملوها فيقابل بين الكتابةِ المتقدّمة والمتأخرّة فلا يكون بينهما تفاوتٌ هكذا قال ابنُ عبّاسٍ وغيره، فإذا كانَ ما يَخْلُقه بائنًا عنه فقد كتَبَه قبلَ أنْ يَخْلُقه فكيفَ لا يكْتُب كلامه الذي يُرسل به ملائكته قبل أنْ يُرسلهم؟
ومَن قال إنّ جبريلَ أخذهُ عن الكتاب لَمْ يَسْمعه مِن الله فهو باطلٌ مِن وجوه ... " ثم ذكرها.
....................
(1) الأثر مَرْويٌّ مِن وجوه متعدّدة عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، انظرها في: فضائل القرآن لأبي عبيد صـ (367)، المصنّف لابن أبي شيبة (6/ 144)، تفسير ابن جرير (30/ 258)، تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2690)، المستدرك للحاكم (2/ 578) وقال:" حديثٌ صحيحٌ على شَرْطِ الشيخين ولَمْ يُخرِّجاه "، السنن الكبرى للبيهقي (4/ 504)، الوسيطُ للواحديِّ (4/ 532)، المرشد الوجيز لأبي شامة صـ (20).
والأثرُ صحيحٌ صحَّحهُ غيرُ واحدٍ: مِنهم الحاكمُ وأبو شامة في الموضعين السابقين، والزركشيُّ في: البرهان (1/ 290)، وقال السيوطيُّ:" أسانيدها كُلُّهَا صحيحةٌ " انظر: الإتقان (1/ 130)، وابنُ حَجَرٍ في: فتح الباري (10/ 5). وانظر: مجمع الزوائد (7/ 140). وقد تتبّع طُرقه د. محمد با زمول وحكم عليها في كتابه: القراءات وأثرها في الأحكام (1/ 35) وخَلُصَ إلى صِحَّةِ الحديث
ـ[صالح الفايز]ــــــــ[03 Jun 2007, 11:17 م]ـ
يا فضيلة الدكتور: وازن كثيرا بين المصالح والمفاسد المترتبة على طرح الموضوع أو عدمه قبل طرحه، فكم طعن في علماء الأمة ودينها بسبب الغفلة وحسن النية.من بعض العلماء وطلاب العلم.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[04 Jun 2007, 12:30 ص]ـ
الدكتور الكريم: شكر الله لك تنبيهك , ولا أظن أن مناقشة الموضوع فيها طعن أو أن تكون سبباً للطعن , وقول الشيخ موجود ومتداول في كتبه فهو ليس سراً من الأسرار وفقك الباري.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[04 Jun 2007, 10:12 ص]ـ
الحمد لله، وبعد ..
جزاك الله خيراً يا دكتو أحمد وقفة موفقة منك نفع الله بك.
وشيخنا حبيب إلينا ولكن حب الحق أحب إلينا.(/)
إعجاز الترتيب في الآية 13 سورة هود
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[03 Jun 2007, 08:23 م]ـ
إعجاز الترتيب القرآني في الآية 13 سورة هود
[هذا مثال آخر على إعجاز الترتيب في الاية القرآنية، نلاحظ فيه ان لا وجود للعدد 8 الذي ذكرناه في الآية 88 سورة الإسراء، والذي جعل أحد الأخوة يتساءل ما سر الرقم 8، ومشيرا الى العدد 19 .... ما اود قوله لكل آية نظامها ومحورها وترتيب القرآن لا يتوقف عند العدد 19 كما يحسب البعض، العدد 19 هو احد المحاور الرئيسة]
في الآية 13 من سورة هود رد القرآن على الزاعمين بافتراء القرآن حيث طالبهم أن يأتوا بعشر سور مثله، فالنبي صلى الله عليه وسلم من البشر , وهم كذلك , فإن كان هو من ألف القرآن كما يزعمون , فإن بإمكانهم أن يؤلفوا عشر سور، وأن يدعوا الناس إلى تصديقهم , فإن لم يستطيعوا , فهو دليل على أن القرآن ليس من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم , وإنما هو كتاب الله الكريم.
ما نود التوقف عنده في هذه الآية هو المطالبة ب " عشر سور ". هل في ترتيب هذه الآية مراعاة للعدد " 10 " الذي تحدده الآية؟
نص الآية: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعو من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين)
(هود: 11: 13)
(رقم ترتيب سورة هود: 11 عدد آيات سورة هود: 123 آية).
الملاحظة الأولى:
تطالب الآية 13 من سورة هود الزاعمين بأن القرآن كتاب مفترى، من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم أن يأتوا بعشر سور مثله.
نلاحظ هنا أن سورة هود حيث الآية المطالبة بعشر سور هي السورة رقم 11 في ترتيب المصحف، أي أنها تأتي في ترتيب سور القرآن الكريم بعد 10 سور. (عدد السور قبلها في ترتيب المصحف هو 10).
فهل هي مجرد مصادفة؟ قد نفترض ذلك إذا لم نجد ما يعزز هذه الملاحظة ويبتعد بها عن شبهة المصادفة .. ولكن،
الملاحظة الثانية:
نلاحظ في ترتيب الآية موضوع الحديث أنها تأتي في سورة هود في الرقم 13، ليس في الرقم 10 مثلا أو 12. ما السر في موقعها هذا؟ بما أن عدد آيات سورة هود 123 آية، فهذا يعني أنها تأتي قبل نهاية السورة ب: 110 آيات. أي عدد هو من مضاعفات العدد 10، وهو كذلك من مضاعفات العدد 11 (10 × 11) وبذلك، فهو يختزن إشارة مركبة إلى العددين: 10
عدد السور المتحدى بها، 10 عدد السور ما قبل سورة هود في ترتيب المصحف و 11: موقع ترتيب سورة هود.
إن موقع الآية محدد بتدبير وعناية وقصد، تجتمع فيه لغة العدد ولغة الحروف في تناسق تام بعيد عن المصادفة.
الملاحظة الثالثة:
لنتدبر عدد كلمات الآية:
المقطع الأول: (أم يقولون افتراه قل فأتوا). عدد كلمات هذا المقطع 5 كلمات، أي نصف العدد 10.
المقطع الثاني هو موضوع التحدي: بعشر سور مثله. 3 كلمات مجموع حروفها 11 والرقم 11 هو رقم ترتيب سورة هود.
المقطع الثالث: مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صدقين. عدد كلمات هذا المقطع هو: 10.
الملاحظة الرابعة:إذا ابتدأنا العد من الآية الأولى في سورة الفاتحة، فرقم ترتيب الآية 13 هود في تسلسل آيات القرآن هو الرقم: 1486. نلاحظ في هذا العدد عددين هما 86 و 14، ومجموعهما: 100. عدد هو حاصل ضرب 10 في 10.
الملاحظة الخامسة:
مجموع أعداد الآيات في السور ال 11الأولى في ترتيب المصحف (سورة الفاتحة – هود) هو: 1596.
هذا العدد يساوي: 14 × 114.
نلاحظ في هذه المعادلة إشارتين، إشارة واضحة إلى عدد سور القرآن. وإشارة ثانية إلى العدد 10 الملاحظة في الفرق بين العددين 114 و 14. فحاصل طرحهما هو: 100 أي: 10 × 10.
(وفي هذه الملاحظة ما يؤكد الملاحظات السابقة)
[يحتج البعض على مثل هذه العملية طرح العددين 114 و 14، نحن نتحدث عن حساب قرآني من الطبيعي ان لا ياتي وفق ما نعرف. لو جمعنا العددين فالناتج هو 128 سيأخذنا الى الآية 88 الإسراء، ولو أخذنا العدد 14 سيأخذنا الى عدد الفواتح والحروف المقطعة .. ]
الملاحظة السادسة:قلنا أن الآية 13 في سورة هود هي الآية رقم 1486 في الترتيب التسلسلي لآيات القرآن ابتداء من الآية الأولى في سورة الفاتحة، نستنتج أن باقي عدد آيات القرآن بعد هذه الآية وحتى نهاية المصحف هو: 4750. (6236 – 1486).
هذا العدد هو من مضاعفات العدد 10. (475 × 10)
الملاحظة السابعة:
عدد آيات سورة هود 123 آية.
السؤال هنا: كم آية من بين آياتها مؤلفة كل منها من 10 كلمات؟
قد يظن البعض أن العدد هو 10 فهو متناسب تماما مع العدد 10 المذكور في السورة، إلا أن إحصاء عدد الكلمات في آيات السورة يكشف لنا أن عدد الآيات المؤلفة كل منها من 10 كلمات هو 9.
هذه الآيات هي ذوات الأرقام: 1/ 11 / 33/ 39 / 95/ 97 / 105/ 111 / 118 /.
ما السر المخبأ هنا؟ (لاحظ أن الآية الأولى في السورة تبدأ بعدد من الكلمات هو 10)
إن مجموع أرقام ترتيب هذه الآيات المميزة هو 610، عدد هو من مضاعفات العدد 10.
وبما أن عدد آيات السورة هو 123 فهذا يعني أن العدد الباقي هو: 114.إشارة مكررة واضحة إلى عدد سور القرآن الكريم. (123 – 9) ..
ماذا يعني هذا إلا أن مواقع هذه الآيات وأعداد كلماتها محددة بتدبير وإحكام؟(/)
إلى معارضي إعجاز الترتيب القرآني: ما تفسيركم؟
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[03 Jun 2007, 10:57 م]ـ
إلى معارضي إعجاز الترتيب القرآني: ما تفسيركم؟
من المؤسف أن يقول إخوان لنا من أهل القرآن وعلمائه: إن ما يزعم من إعجاز عددي في القرآن هو مما ثابت وجوده في حكايات ألف ليلة وليلة وفي مقامات الحريري وأي كتاب آخر .. لا أريد أن أناقش هذا الرأي رغم استنكاري الشديد له بخاصة انه صادر عن فئة أقل ما يقال فيها أنها من أهل العلم والاختصاص ..
سأورد فيما يلي عددا من اللطائف القرآنية راجين من بعض هؤلاء أن يفسروا لنا علة وجودها في ترتيب القرآن، ونحن احرص الناس على قبول الحق والالتزام به، ولا يسرنا أن ندافع عن القرآن أو نتحدث عنه ونظن أنفسنا على صواب ولسنا كذلك ..
الملاحظة الأولى: مجموع أعداد الآيات في السور زوجية الآيات المرتبة في النصف الأول من القرآن هو 2690، وهذا العدد هو نفسه مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب السور زوجية الآيات التي جاء ترتيبها في النصف الثاني من القرآن، فهو أيضا 2690.
الملاحظة الثانية:
مجموع أعداد الآيات في السور غير المتجانسة وعددها 57 سورة هو 3303. وهذا العدد هو نفسه مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب السور المتجانسة فهو أيضا: 3303.
الملاحظة الثالثة: عدد سور القرآن 114 سورة.
من بين سور القرآن خمس سور مميزة بأن مجموع رقم ترتيب السورة وعدد آياتها هو: 114 أي بعدد سور القرآن. هذه السور هي: الحجر 15/ 99 الزمر 39/ 75 المعارج 70/ 44 الغاشية 88/ 26 الماعون 107/ 7.
مجموع الأرقام الدالة على ترتيب هذه السور هو: 319.
إذا طرحنا هذا العدد من 6555 والذي هو مجموع أرقام ترتيب سور القرآن كلها فالناتج هو: 6236 .. وهذا العدد هو عدد آيات القرآن الكريم.
الملاحظة الرابعة:
تتألف الآية الأولى في القرآن من 19 حرفا (بسم الله الرحمن الرحيم)، وتتألف الآية الأخيرة من 13 حرفا (من الجنة والناس). إذا قمنا بصف العددين على النحو التالي:
1913 وعكسه: 3191، فمجموع العددين: 5104 ..
العدد 5104 هو مجموع أعداد الآيات في النصف الأول من القرآن (السور السبع والخمسون الأولى ترتيبا).
الملاحظة الخامسة:
تتألف سور القرآن من مجموعتين:
29 سورة مفتتحة بالحروف.
85 سورة الباقية.
مجموع أعداد آياتها: 6236.
- إن مجموع تربيع رقمي العدد 29 هو 85. (9 ترتبيع + 2 تربيع: 81 + 4 = 85.
- أيضا إن مجموع تربيع أرقام العدد 6236 هو: 85 (36 + 9 + 4 + 36 = 85) ..
العلاقة الرياضية بين الأعداد الثلاثة طبيعية. ما معنى أن تأتي سور القرآن وعدد آيات القرآن وفق الأعداد الثلاثة؟ لماذا لم يكن عدد سور الفواتح 28؟
الملاحظة السادسة:
العدد 29 هو عدد سور الفواتح.
العدد 114 عدد سور القرآن (19 × 6) ويتألف من 57 عددا زوجيا + 57 عدد فرديا. (19 × 3).
العدد 29 = (19 – 6) + (19 – 3).
الملاحظة السابعة:
العدد 29 عدد سور الفواتح.
29 × (9 + 2) = 319.
319: هو الفرق بين مجموع أرقام ترتيب سور القرآن وعدد آياته.
(6555 – 319 = 6236)
الملاحظة الثامنة: مجموع أعداد الآيات في سور الفواتح 2743 آية.
إن مجموع تربيع أرقام العدد 2743 هو 78. (9 + 16 + 49 + 9 = 78).
العدد 78 هو مجموع الحروف المقطعة في أوائل السور التسع والعشرين.
(العلاقة بين مجموع الآيات ومجموع الحروف)
الملاحظة التاسعة:
العدد 286 هو أكبر عدد مستخدم في القرآن للدلالة على عدد آيات سورة (البقرة)
286 = (19 – 6) × (19 + 3).
العدد 3 هو اصغر عدد مستخدم عددا لآيات سورة (الكوثر)
3 = (19 + 6) – (19 + 3).
الملاحظة العاشرة:
أول آية في القرآن مؤلفة من 19 حرفا.
آخر آية مؤلفة من: 13 حرفا.
أول آية مؤلفة من 19 كلمة تأتي في رقم الترتيب 13 (13 سورة البقرة)
آخر آية مؤلفة من 19 كلمة تأتي في السورة الوحيدة المؤلفة من 13 آية وفي الرقم 13 ......
ننتظر تفسيركم ..
ولدينا مائة ملاحظة أخرى من هذا النوع. علما أن بعض الملاحظات ليست أكثر من مدخل لدراسة ظاهرة محددة.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[05 Jun 2007, 01:23 م]ـ
أخي الكريم تم الحديث عن هذه القضية في عدد من المشاركات منها:
بحث مختصر في مسألة الإعجاز العددي في القرآن الكريم ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=617)
من يعلم شيئا عن موضوع نقد الإعجاز العددي فليفدنا ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=436)
ـ[أحمد شكري]ــــــــ[09 Jun 2007, 01:22 م]ـ
لا شك عند كل مسلم أن القرآن معجز
ولكن الخلاف حصل في تحديد أوجه الإعجاز، وكل صادق بذل جهدا لخدمة هذا الكتاب الكريم وإظهار إعجازه فعمله مبرور وأجره حاصل بإذن الله تعالى. ومن هذه الجهود ما يبذله الأخ الفاضل عبد الله جلغوم وعدد من الإخوة الكرام لإثبات اللإعجاز من خلال الأرقام والأعداد.
وبعد قراءتي مشاركة الأخ الفاضل عبد الله جلغوم حفظه الله تذكرت بعض ما سبق لي مناقشته في كتب الإعجاز العددي قبل مدة، وأريد أن أطرح بعض التساؤلات حول طريقة استخدام الأرقام والأعداد فقد لاحظت عدم السير على طريقة واحدة في البحث، فأحيانا استخدام مربع الرقم، وأحيانا استخدام معكوس الرقم، وأحيانا تفكيك الرقم لتصبح خانة العشرات مثل خانة الآحاد فتجمع معها، وهذا التنقل في طرق الحساب يسبب إشكالا عندي وأمثالي، وأنا أعلم صدق توجه الأخ عبد الله وحسن نيته وإخلاصه، ولكنني وجدت عند غيره من توصل بهذه الأرقام إلى تغيير المعنى المجمع عليه لبعض الآيات، وزعم التوصل إلى معلومات وحقائق كانت مستورة خفية. ولذا حصل مني ومن غيري تخوف من التوسع في الموضوع خشية الخطأ، والله الموفق.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[09 Jun 2007, 07:40 م]ـ
أخي الفاضل الدكتور احمد شكري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعلك تذكر في ندوة الإعجاز العددي في دبي ما قلته: قلت ماذا بوسعي أن أقدم في نصف ساعة؟ إنني بحاجة إلى مائة ساعة أو يزيد ..
وأكرر الكلام نفسه هنا، يحتاج موضوع ترتيب سور القرآن وآياته إلى عدد كبير من المشاركات، وقد تحتاج ملاحظة يبديها أحد القراء إلى عدة مشاركات للإجابة عليها، وفي جميع الأحوال يخرج الموضوع ممزقا متناثرا قد يخفى أكثره على البعض. فإذا أضفنا إلى ذلك تسرع بعض الأخوة بأحكامهم انطلاقا من أفكار مسبقة لديهم أو حبا في المعارضة والمناكفة أو حتى حسدا أو جهلا أو لأي سبب، يزداد الأمر صعوبة، بل ويجعلني أفكر بترك الموضوع .. لا يمنعني من ذلك إلا لأنني على ثقة مما لدي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى - وقد وفقني الله سبحانه إلى اكتشاف الكثير وغير المسبوق من أسرار القرآن في ترتيبه - أن اخفي ذلك عن المسلمين.
ما أود قوله: إن ترتيب سور القرآن وآياته غير ما يتخيله حتى أهل العلم والاختصاص، ما السبيل إلى توضيح هذه الحقيقة؟ بعض من حاورني – في المنتديات – من أهل العلم يرى أن ترتيب سور القرآن اجتهادي مستشهدا باختلاف مصاحف الصحابة، البعض يستخدم اختلاف القدماء في عدد آيات القرآن سلاحا يحاربني به، البعض يجادلني بأن عدد سور القرآن 113 سورة!!، البعض ليس في قاموسه غير كلمة واحدة هي " التكلف ". لو قلت له 1 + 1 = 2 لقال هذا تكلف ...........
بصراحة: لقد نفد صبري ..
إجابة على تساؤلك باختصار: أساس الترتيب القرآني هو العدد 114 العدد الذي اختاره الله سبحانه عددا لسور كتابه الكريم. (العلاقات التي أثارت تساؤلك هي علاقات طبيعية في العدد 114 وقد جاء ترتيب القرآن وفقها)
كيف يكون العدد 114 أساسا وقاعدة للترتيب القرآني؟
المطلوب مني أن أثبت ذلك بما يكفي من الأدلة، أليس هذا هو المطلوب؟
كيف؟ في المنديات؟ في الصحافة؟
الوسيلة المعقولة – إذا كان هناك من تهمه الحقيقة ويهمه القرآن – أن تتبنى بحثي مؤسسة أو جامعة وتشكل فريقا من أهل الاختصاص تناقش الموضوع بحيادية وبنزاهة، إن ما يصرف لحساب الإعجاز العلمي يقدر بالملايين، لماذا لا نقتطع منها الفتات لأبحاث الإعجاز العددي وأبحاث الترتيب القرآني، وإذا كان المانع خوفنا من مصداقية هذه الأبحاث فمن السهل التأكد منها .. ورأيي الشخصي إن ما اكتبه عن إعجاز القرآن في ترتيبه – بغض النظر عن الموقف المعارض – هو خير من كثير مما يكتب عن الإعجاز العلمي. ولن يعيب المسلمين أن يجتهد أحدهم فيخطئ، العيب أن يكون هو المصيب الوحيد بينهم. وليس من باب التعصب: إن ما أكتبه مختلف تماما عما يكتبه الآخرون في هذا الباب ..
أعود إلى تساؤلك:
معادلة الترتيب القرآني الثانية هي: 19 × 3 = 57 ..
المعادلة 19 × 3 تؤدي إلى 319 ..
أرقام العدد 319 تشكل الأعداد: 19 و 91 و 13 و 31 و 93 و 39 ..
إضافة إلى 319 و 139 و ............
هنا نصل إلى أهم محاور الترتيب القرآني .. 19 و 13 و 31 و 39 ..
وهنا نصل إلى فهم: لماذا بدأ القرآن بآية مؤلفة من 19 حرفا؟ ولماذا انتهى بآية مؤلفة من 13 حرفا؟. لقد جاء ذلك وفق العلاقات الرياضية الموجودة في العدد 114.
نفهم: لماذا تكررت الآية " فبأي آلاء ربكما تكذبان " 31 مرة والمرة الأولى في الرقم 13 .. لماذا جاءت الآية التي تشرح الحكمة من ذكر العدد 19 في القرآن في الرقم 31 .. لماذا استخدم القرآن 13 عددا أكبر من العدد 114 للدلالة على أعداد الآيات ..
أخي الفاضل:
كل سطر كتبته لك يحتاج توضيحه إلى صفحات ..
ترتيب القرآن بسوره وآياته توقيفي لا مجال فيه للاجتهاد، وهو ترتيب رياضي، أتمنى أن يدرك علماء المسلمين هذه الحقيقة قبل غيرهم ..
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[10 Jun 2007, 04:34 م]ـ
الأستاذ عبد الله جلغوم وفقه الله, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعجبني فيما تكتب صدق اللهجة, وسموّ الغاية, وقدراً من الإلحاح والإصرار, وأجمل ما أراه في عقول الرياضيين عشق التفكير, والتسلسل, والثبات على الحقيقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وشعرت أثناء قراءتي لعدد من موضوعاتك هنا أن لديك فكرة واضحة في ذهنك لم يتيسر لك إيضاحها بالطريقة السهلة التي يفهمها كل أحد, ومن ثم تباعدت الأفكار المطروحة, وتناثرت الردود عليها من كل طرف بلا نظام واضح, وزاد الأمر تعقيداً استرسالك في طرح أسرار الأعداد قبل التمهيد لها بقواعد علمية مقبولة.
وفي سبيل التقريب بين هذه الأشتات سألخص لك أخي الحبيب جملة ملاحظات الإخوة على ماتكتب في هذا الباب؛ لتتمكن من الرد عليها بيسر وتسلسل, وسأعقب بشيء من الإشارات المنهجية في طريقة الطرح, وأعلم أن مقصودك الحق ايَّاً كان وممَّن كان:
أولاً: جملة الملاحظات:
أثار الإخوة الكرام جملة من الملاحظات والتعليقات على موضوعاتك ألخصها في هذه التساؤلات:
1 - ما هي القاعدة المتبعة في عَدِّ سور القرآن عندك؟ وهل هي محل اتفاق؟ ولماذا اخترتها؟
2 - ما القاعدة المتبعة في عَدِّ الحروف: هل المعتمد الأحرف المكتوبة أم المنطوقة؟ وهل العبرة بالكتابة الإملائية الحديثة أم بالرسم العثماني؟ وما سبب الاختيار؟
3 - ما القاعدة المتبعة لديك في إحصاء عدد آيات القرآن: هل هو على حساب الكوفيين أم البصريين أم المدنيين؟ وما سبب الاختيار؟
4 - ما تفسير منهج الانتقاء في الأعداد، والكلمات، وطريقة الحساب في عامة موضوعاتك عن أسرار الأعداد في القرآن الكريم؟
5 - ما تفسيرك سلمك الله لمن توصل بهذه الأرقام وبنفس طريقتك إلى نتائج فاسدة مثل: تغيير المعنى المجمع عليه لبعض الآيات، وزعم التوصل إلى معلومات وحقائق هي من أعظم الباطل؟
ثانياً: إشارات منهجية:
أولاً: لا بد من صحة الطريقة الموصلة إلى النتيجة؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة, ولا يكفي شرعاً أن تكون النتيجة حسنة طيبة تبين وجهاً من الإعجاز حتى نتأكد ونطمئن من صحة طريق ثبوتها. وأكثر حديثك أخي الكريم عبد الله عن النتائج الطيبة التي توصلت إليها, وأكثر حديث الإخوة المتعقبين عن الطريقة التي توصلت بها إلى تلك النتائج؛ والتي لوحظ عليها تلك الملاحظات المؤثرة. وحبك للخير أخي الحبيب وقصدك له يزكي لنا مقصدك ولا يزكي لنا الوسيلة التي اتبعتها.
ثانياً: لا بد من صحة الأصل قبل البناء عليه, وقديماً قيل: (ثبت العرش ثم انقش). والأصل الذي بُنيَت عليه هذه الأسرار لديك أخي الحبيب هو: مصحف مجمع الملك فهد رحمه الله, وأن عدد سور القرآن 114 سورة. وكلاهما ليس فيصلاً في حديث طويل متشعب عن الإعجاز, يبني أصولاً ويهدم أصولاً.
ثالثاً: الانتقائية في التطبيق من أبرز عيوب البحث العلمي, وقد تكررت هذه الملاحظة بوضوح في تعقيب عددٍ من الإخوة على هذه الموضوعات, فليس هناك سمتاً واحداً متبعاً في هذه الأسرار, وعدم ثبات طريقة الاستخراج يضعف المعلومة المستخرجة مهما كانت.
رابعاً: ليكن هدينا في هذا الباب هدي سلفنا في كل باب, وهو: الاستدلال ثم الاعتقاد؛ فإن من الخطأِ المؤثر في الإخلاص وصدق النية أن تُبحَث المسألة مع استصحاب رأيٍ سابقٍ فيها ولو كان مخالفاً لأدلتها الظاهرة, فيؤدي بالباحث في هذه الحال إلى اعتساف الأدلة وتأويلها والانتقاء منها لتوافق ذلك الرأي المسبق.
خامساً: المعجزة هي ما يعجز البشر عن الإتيان بمثله, ومن اليسير جداً على أي بشر أن يأتي بمثل هذه النتائج التي توصل إليها أخي العزيز عبد الله. وهذا مراد الأستاذ الفاضل الذي ذكر مقامات الحريري وألف ليلة وليلة وغيرها.
فهذه الإشارات التي توصلت إليها أخي الكريم لا ترقى بأي حال أن تكون معجزة, وإنما غايتها إن صحت واطَّرَدَت أن تكون ظواهر عددية في القرآن الكريم, لا مانع من التنبه إليها, كما أنه لابد لقبولها أيضاً من شروط ووقفات, وهذا ما سأشير إلى بعضه إن أحببت وفقك الله.
هذه أهم الملاحظات والإشارات المتعلقة بتناول أخينا الكريم الأستاذ عبد الله جلغوم, وأسأل الله أن ييسر له الإبانة بوضوح عن رأيه فيها ليتيسر لنا فهم مراده منها, وأتمنى أن يكون ذلك بالتسلسل الذي ذكرت فيه. وبالله تعالى التوفيق.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[10 Jun 2007, 10:27 م]ـ
الأخ الفاضل " أبو بيان "
[ملاحظة: الأسئلة: اللون الأحمر]
1 - ما هي القاعدة المتبعة في عَدِّ سور القرآن عندك؟ وهل هي محل اتفاق؟ ولماذا اخترتها؟
(يُتْبَعُ)
(/)
عدد سور القرآن 114 سورة وهذا هو العدد المعتبر في المصحف. هل العدد محل اتفاق؟ إن كنت تشير بذلك إلى الروايات التي تنقص سورة أو تزيد سورتين، فالنظام القرآني هو الرد على مثل تلك الروايات.
2 - ما القاعدة المتبعة في عَدِّ الحروف: هل المعتمد الأحرف المكتوبة أم المنطوقة؟ وهل العبرة بالكتابة الإملائية الحديثة أم بالرسم العثماني؟
وما سبب الاختيار؟
القاعدة المتبعة لدي: عد الكلمات والحروف كما هي مكتوبة بالرسم العثماني وفق منهج ثابت لا أحيد عنه. ورغم أنني أعددت بهذا العمل مصنفا أسميته المعجم الإحصائي 1990 وهو منشور في موقع الأرقام فأبحاثي حول ترتيب سور القرآن وآياته بعيدة عن ذكر أعداد الكلمات والحروف. كل ما أشرت إليه: ثلاث آيات فقط.
3 - ما القاعدة المتبعة لديك في إحصاء عدد آيات القرآن: هل هو على حساب الكوفيين أم البصريين أم المدنيين؟ وما سبب الاختيار؟
المعتمد لدي هو العد الكوفي وعدد آيات القرآن حسب عدهم 6236 آية. أما سبب الاختيار فلم يكن مقصودا اللهم أن المصحف المتوفر لدي كان هو مصحف المدينة النبوية وبدأت دراستي عليه ووجدت أن العد والترتيب الذي هو عليه جاء وفق نظام محدد وواضح.
4 - ما تفسير منهج الانتقاء في الأعداد، والكلمات، وطريقة الحساب في عامة موضوعاتك عن أسرار الأعداد في القرآن الكريم؟
ليس لدي انتقائية. ولست أفهم ما الذي يجعلك تظن ذلك؟
(يا حبذا لو اعطيتني مثالا لأتمكن من إجابتك)
هل تعني لماذا الآية 88 سورة الإسراء وليس غيرها؟ لماذا الفاتحة وليس غيرها؟ من خلال تعايشي مع القرآن وصلت إلى أن هناك إشارات تختزن الدعوة إلى التدبر، تلك الإشارات هي موجهي إلى البحث هنا وليس هناك ..
أمثلة:
لاحظت أن سورة القلم هي السورة الوحيدة من بين سور الفواتح المرتبة في النصف الثاني: هذا الفصل للسورة عن أخواتها فهمته على أنه دعوة للتدبر في ترتيب سورة القلم .. والنتيجة غالبا كما أتوقع.
- دعوة التدبر في سورة البقرة: الطول المميز والعدد 286.
- دعوة التدبر في سورة الطارق.: التوسط في النصف الثاني.
- دعوة التدبر في سورة العنكبوت: التوسط في النصف الأول.
- دعوة التدبر في سورة المدثر: الآية عليها تسعة عشر.
- في سورة الفاتحة: أول القرآن.
- في سورة الناس: آخر القرآن. .................
في النهاية توصلت إلى وجود نظام رياضي هو عبارة عن نسيج من العلاقات المتصلة المتشابكة بين سور القرآن كلها، وأن لهذا الترتيب عدة مستويات. وليس على النحو الذي يفترضه الكثيرون.
أما عن طريقة الحساب فلا أعلم ما العيب فيها، أنا لا أفرض نمطا ما أو نظاما ما يجب على القرآن أن يلتزم به. وهذه في رأيي مسألة مهمة في ترتيب القرآن: فالله يرتب كتابه كيف يشاء وليس من حقنا أن نضع له الضوابط التي تروق لنا ونطالبه بالتزامها .. نحن نضع ضوابط للباحث وليس لنظام القرآن ..
وعودة إلى سؤالك (أنا لم أحاسبك على الصياغة)
تقول: منهج الانتقاء في الأعداد والكلمات ..
أي كلمات تعني؟ في كل مشاركاتي لم أذكر سور أن عدد كلمات المقطع الأول من الآية 88 هو 8 ..
5 - ما تفسيرك سلمك الله لمن توصل بهذه الأرقام وبنفس طريقتك إلى نتائج فاسدة مثل: تغيير المعنى المجمع عليه لبعض الآيات، وزعم التوصل إلى معلومات وحقائق هي من أعظم الباطل؟
في حدود علمي لا توجد هناك أبحاث كأبحاثي وبنفس طريقتي ..
ثانية: أعطني بحثا لباحث يتبع طريقتي في البحث ..
لماذا هذا الخلط؟
هل تعني بحثي " قانون الحالات الأربع لسور القرآن " وبما أنك قرأت 19 × 6، تحول ذهنك إلى العدد 19 وما يتصل به ..
العدد 19 هو محور رئيسي في ترتيب القرآن وهناك الأعداد 13 و 6 و 7 .. وأساسها كلها العدد 114 .. أن يكون هناك من استخدم العدد القرآني بصورة خاطئة يوجب علينا أن ندرس العدد حتى نبين للناس الخطأ من الصواب، إن الانحراف سبب لمزيد من البحث لا سبب لترك البحث للفاسدين. كثير من الباحثين يظن أن إعجاز الترتيب القرآني محصور في العدد 19 وهذا خطأ.
إشارات منهجية:
(يُتْبَعُ)
(/)
ثانياً: إشارات منهجية: أولاً: لا بد من صحة الطريقة الموصلة إلى النتيجة؛ فالغاية لا تبرر الوسيلة, ولا يكفي شرعاً أن تكون النتيجة حسنة طيبة تبين وجهاً من الإعجاز حتى نتأكد ونطمئن من صحة طريق ثبوتها. وأكثر حديثك أخي الكريم عبد الله عن النتائج الطيبة التي توصلت إليها, وأكثر حديث الإخوة المتعقبين عن الطريقة التي توصلت بها إلى تلك النتائج؛ والتي لوحظ عليها تلك الملاحظات المؤثرة. وحبك للخير أخي الحبيب وقصدك له يزكي لنا مقصدك ولا يزكي لنا الوسيلة التي اتبعتها.
ليس لدي غير التدبر والملاحظة والمصحف الذي بين يدي .. أوصلني كل ذلك إلى أن العدد 114 وقانون الزوجية هما أساس الترتيب القرآني.
ثانياً: لا بد من صحة الأصل قبل البناء عليه, وقديماً قيل: (ثبت العرش ثم انقش). والأصل الذي بُنيَت عليه هذه الأسرار لديك أخي الحبيب هو: مصحف مجمع الملك فهد رحمه الله, وأن عدد سور القرآن 114 سورة. وكلاهما ليس فيصلاً في حديث طويل متشعب عن الإعجاز, يبني أصولاً ويهدم أصولاً.
هل أفهم أن هناك شك في صحة المصحف الذي اعتمدت عليه؟ أم انك تشير إلى ما يخالف هذا المصحف في عدد الآيات؟
مع وجود أعداد أخرى لا ينقض ما اكتشفته في مصحف المدينة النبوية ذلك أنه واقع موجود في المصحف .. مسألة اختلاف العدد تحتاج إلى دراسة، قد يكون هناك تعدد في الإعجاز، بتعدد الأعداد كما هو الحال في القراءات، قد يكون كل منها صحيح باعتبار ما ..
ثالثاً: الانتقائية في التطبيق من أبرز عيوب البحث العلمي, وقد تكررت
هذه الملاحظة بوضوح في تعقيب عددٍ من الإخوة على هذه الموضوعات, فليس هناك سمتاً واحداً متبعاً في هذه الأسرار, وعدم ثبات طريقة الاستخراج يضعف المعلومة المستخرجة مهما كانت.
قلت لا انتقائية في أبحاثي. هكذا هو ترتيب المصحف. كل ما ذكرته موجود ومن السهل التأكد من صحته. واكرر: هاتوا لي مثالا على الانتقائية.
رابعاً: ليكن هدينا في هذا الباب هدي سلفنا في كل باب, وهو: الاستدلال ثم الاعتقاد؛ فإن من الخطأِ المؤثر في الإخلاص وصدق النية أن تُبحَث المسألة مع استصحاب رأيٍ سابقٍ فيها ولو كان مخالفاً لأدلتها الظاهرة, فيؤدي بالباحث في هذه الحال إلى اعتساف الأدلة وتأويلها والانتقاء منها لتوافق ذلك الرأي المسبق. أنا لا أصطحب رأيا مسبقا. درست ترتيب القرآن فوجدته لا يكون كذلك إلا إذا كان قد تم بالوحي ومن عند الله.
خامساً: المعجزة هي ما يعجز البشر عن الإتيان بمثله, ومن اليسير جداً على أي بشر أن يأتي بمثل هذه النتائج التي توصل إليها أخي العزيز عبد الله. وهذا مراد الأستاذ الفاضل الذي ذكر مقامات الحريري وألف ليلة وليلة وغيرها.
القول من اليسير على البشر أن يأتي بمثل ترتيب القرآن قول غير صحيح.وعلى من يقول بذلك ان يضع في اعتباره الطريقة التي نزل بها القرآن. لقد نزل القرآن مفرقا ثم جمع على نحو مغاير لترتيب النزول، وجاء في غاية الترتيب والإحكام ..
اجمع من شئت واصنعوا نصا يوافق الحاجات والوقائع والأحداث وحاجات الناس وبعد زمن ما اجمعوا ما كتبتم، هل سيأتي مرتبا على النحو الذي هو عليه القرآن؟ إنه المستحيل؟
ثم:
ما الذي نعرفه عن ترتيب القرآن حتى الآن؟ إننا لا نكاد نعرف غير النزر اليسير، منذ عام 1994 طالبت بتشكيل فريق عمل من أهل الاختصاص لبحث هذه المسألة، ولا حياة لمن تنادي ...
أحدهم طالبني بدراسة الترتيب القرآني باعتبار الأعداد الأخرى والقراءات الأخرى .. هذا العمل يحتاج إلى فريق ومؤسسة تتبناه وليس في وسع فرد واحد أن يقوم به. لقد قمت منذ عام 1990 بعد كلمات القرآن وصنفت ذلك في كتاب، واستغرق العمل سنوات، ولما انتهيت منه: كانت مكافأتي: ما الفائدة من هذا العمل؟ حتى أجيب على هذا السؤال علي تأليف كتاب آخر .....
في هذا المنتدى: تحدثت عن الحالات الأربع لسور القرآن وعن النظام العددي الجزء الأول وعن الآية 88 سورة الإسراء ...
حتى يكون النقد مقبولا: أريد من يكتشف فيما كتبت خطأ أو مخالفة لما هو في القرآن أو لما هو متفق عليه ..... فإن لم يجد ...
لعلك تعلم أن من القدماء ومن المتأخرين وحتى ساعتنا هذه من يقول: أن ترتيب سور القرآن اجتهادي ومن الصحابة (اجتهاد شخصي)
أقول: إن ترتيب سور القرآن على النحو الذي هو عليه في المصحف دليل قاطع على انه ترتيب توقيفي ..
ما موقفنا؟ ألسنا أهل الحق؟ إذن المطلوب هو قبول الحق حتى وإن كان الباحث غير مسلم. والله يا أخي الكريم لو جاءت أبحاثي من مستشرق لتسابقت مؤسساتنا وجامعاتنا وكل أجهزتنا الإعلامية لاستقباله والترحيب به.
وختاما: حسبي الله ونعم الوكيل.(/)
إعجاز الترتيب في سورتي الفاتحة والماعون
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[04 Jun 2007, 01:28 ص]ـ
إعجاز الترتيب في سورتي الفاتحة والماعون:
سورة الفاتحة،هي السورة الأولى في ترتيب المصحف، والسورة التي نتلوها في كل ركعة، عدد آياتها سبع، وعدد كلماتها 29، وعدد حروفها 139 حرفا. على النحو الذي هي عليه في المصحف الذي بين أيدينا " مصحف المدينة النبوية ". فلا عجب أن تكون هذه السورة ملأى بالأسرار العددية، ومفتاحا لكثير من أسرار القرآن في ترتيبه، وأن تتعدد الاكتشافات فيها بتعدد الباحثين واختلاف مناهجهم.
الرقم 7:
للرقم 7 دلالات كثيرة في الكون والحياة، ففي الكون: جعل الله عدد السماوات سبع، وعدد الأراضين سبع. وأبواب جهنم سبع.
كما أن عدد أيام الأسبوع سبعة , وعدد العلامات الموسيقية سبعة, وعدد ألوان الطيف الضوئي المرئي هو سبعة. وقد اكتشف علماء الأرض حديثاً أن الكرة الأرضية تتكون من سبع طبقات، كما أن الذرة التي تعد الوحدة الأساسية للبناء الكوني تتألف من سبع طبقات إلكترونية ..
وفي الحج حيث تمثل هذه العبادة الركن الخامس من أركان الإسلام. في هذه العبادة يطوف المؤمن حول بيت الله الحرام سبعة أشواط. ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضاً، ويرمي سبع جمرات. وقد ورد ذكر هذا الرقم في أكثر من آية في القرآن الكريم. (لمزيد من التفاصيل حول الرقم 7 انظر:
(إشراقات الرقم سبعة: جائزة دبي – عبد الدائم الكحيل)
ما يعنينا هنا أن عدد آيات سورة الفاتحة المميزة في القرآن – التي نتلوها في كل ركعة – قد حدد برقم مميز جدا في القرآن والكون هو الرقم 7. هل في ذلك إشارة إلى خصوصية في سورة الفاتحة؟
ارتباط سورة الفاتحة بالعدد 7:
يلاحظ الرقم 7 في سورة الفاتحة في أكثر من صورة. فعدد آياتها 7، وعدد ما ورد فيها من الحروف الهجائية 21 حرفا أي: 3 × 7 , ومن السهل أن نستنتج أن عدد الأحرف العربية التي لم ترد في السورة هو أيضا: 7 أحرف هي (ث. ج. خ. ز. ش. ظ. ف) علما أن هذه الملاحظة هنا هي مما تنبه إليه القدماء.
الحروف المقطعة:
افتتحت من بين سور القرآن 29 سورة (بعدد كلمات سورة الفاتحة) بأحرف عرفت بالحروف المقطعة أو النورانية , عدد هذه الحروف من غير تكرار 14 حرفا (2 × 7)، الملاحظة هنا أن جميع هذه الحروف قد وردت في سورة الفاتحة، وإذا أحصينا عدد تكرار هذه الحروف في السورة سنجدها 119 حرفا أي 7 × 17. (لاحظ أن عدد الحروف الواردة في الفاتحة 21 وأنها: 14 عدد الحروف المقطعة + 7 عدد الحروف الباقية).
علاقات كثيرة تربط سورة الفاتحة بالرقم 7. وقد تحمس من المعاصرين لهذا العدد الباحث المهندس عبد الدائم الكحيل الذي أورد كثيرا من العلاقات الجديدة لسورة الفاتحة بالرقم 7 ......
كل هذا كان الموجه لنا لطرح الأسئلة التالية: ما عدد سور القرآن التي عدد آيات كل منها اقل من 7 آيات , عدد الآيات في سورة الفاتحة؟ هل بين سور القرآن سورة مؤلفة من 7 آيات غير الفاتحة؟ ما علاقة ترتيب سورة الفاتحة بغيرها من سور القرآن؟
بين سورتي الفاتحة والماعون:
تبين لنا بعد البحث أن من بين سور القرآن سورة أخرى فقط تتألف من 7 آيات غير سورة الفاتحة، إنها سورة الماعون، ما السر في ذلك؟ هل هي دعوة القرآن لنا للتدبر في ترتيب هذه السورة؟
لقد فهمتُ الإشارة على هذا النحو، وبعد البحث كانت الملاحظات التالية:
1 - أول ما يلفت الانتباه هنا أن سورة الماعون قد رتبت في المصحف في موقع الترتيب 107، وبذلك يشير مجموع الرقمين الدالين على عدد آياتها وموقع ترتيبها إلى العدد 114 (7 + 107)، وهذا هو عدد سور القرآن الكريم.
2 - الملاحظة الثانية إن عدد السور التي جاء ترتيبها في المصحف بعد سورة الماعون هو 7 سور فقط، ملاحظة ثانية تدفع عن سابقتها شبهة المصادفة.
3 - الملاحظة الثالثة " إحدى روائع القرآن في ترتيبه ": إن مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب السور السبع هو: 777 " ثلاث سبعات " وهذا العدد يساوي: 111 × 7. وتقودنا هذه الملاحظة إلى ملاحظة أخرى بالغة الإحكام:
4 - من المعلوم أن مجموع أرقام ترتيب سور القرآن وهي الأرقام من 1 إلى 114 هو 6555، ماذا نكتشف لو استثنينا العدد 777 (مجموع أرقام ترتيب السور السبع) من هذا العدد؟ سنجد أن مجموع أرقام ترتيب سور القرآن الباقية وعددها 107 هو: 5778.
هذا العدد يساوي: 54 × 107 ..
(نلاحظ هنا أن مجموع عددي الكلمات في سورتي الفاتحة والماعون هو 54 كلمة (29 + 25).
إن لغة الأرقام هنا تتفوق على لغة الكلمات. والسؤال هنا؟ من حدد عدد آيات سورة الماعون بسبع وعين لها موقعها هذا في ترتيب المصحف وقدر عدد كلماتها ب 25؟ (لاحظ أن عدد كلمات الفاتحة بدون البسملة 25). (السور السبع هي: الكوثر 108/ 3 الكافرون 109/ 6 النصر 110/ 3 المسد 111/ 5 الإخلاص112/ 4 الفلق 115/ 5 الناس 114/ 6).
5 - الملاحظة الخامسة هي: إن عدد السور الفاصلة بين سورة الفاتحة بعدد آياتها ال 7 وسورة الماعون الوحيدة المؤلفة من عدد من الآيات هو 7 والمرتبة قبل نهاية المصحف بعدد من السور هو 7، هو 105 سور، وهذا العدد يساوي 15 × 7. ومن الإحكام في الترتيب القرآني أن مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيب هذه السور يأتي عددا من مضاعفات الرقم 7 (5670 أي: 810 × 7).
6 - الملاحظة السادسة: العدد 107 هو عدد أولي، وسنجد إذا قمنا بإحصاء الأعداد الأولية أن ترتيب العدد 107 يأتي في الرقم 28 أي في موقع يدل عليه رقم من مضاعفات العدد 7.
ألا تؤكد كل هذه العلاقات وهذا الترتيب أن عدد آيات سورة الفاتحة هو 7؟ كما أن عدد آيات سورة الماعون هو 7 أيضا؟
(و لديناالمزيد] ..(/)
أفكارٌ إداريةٌ للدوراتِ القرآنية (لأحمد العساف)
ـ[إيمان]ــــــــ[04 Jun 2007, 03:49 ص]ـ
أفكارٌ إداريةٌ للدوراتِ القرآنية
أ حمد العساف
العملُ لدينِ الله خيرُ ما يشغلُ الأوقاتِ وتفنى فيه الأعمار؛ وتعليمُ القرآنِ والعملُ به ونشرُه بينَ الناسِ على اختلافِ أعمارهم عملٌ عظيم كبيرٌ لا يُقدِّره حقَّ قَدْره إلاَّ مَنْ تأمَّلَ حالَ المجتمعاتِ الإسلامية التي هجرتْ القرآنَ في مناهجِ تعليمها وفي المساجدِ وحِلَقِ العلمِ والحفظ.
ومن فضلِ الله علينا في هذه البلاد أنْ احتسبَ أناسٌ منَّا القيامَ بهذا الأمر حتى انتشرتْ حلقُ تحفيظِ القرآن الكريم والدورُ النسائيةُ وأخيراً الدوراتُ الرمضانية والصيفية المكثَّفةُ لحفظِ وتعليمِ القرآنِ الكريم؛ وَكمْ تركَ الأولُ للآخر.
وحتى تنجحَ هذه الدوراتُ لا بدَّ لها من ترتيباتٍ ليست بعسيرةِ المنالِ على مَنْ حملوا همَّ الدِّين والتربيةِ والدعوة بعدَ توفيقِ الله وتسديده وفضله. ومن هذه الجوانبِ المهمةِ للدورات القرآنية: حُسنُ الإدارةِ وجودةُ الأداءِ ودقةُ التنظيم، وهو ما سيكونُ محورَ حديثنا في هذه الورقةِ بإذن الله.
وحتى تنجحَ هذه الدوراتُ لا بدَّ لها من ترتيباتٍ ليست بعسيرةِ المنالِ على مَنْ حملوا همَّ الدِّين والتربيةِ والدعوة بعدَ توفيقِ الله وتسديده وفضله
أولاً: قبل الدورة القرآنية:
1. الاستفادةُ من تجرِبة العام الماضي بتكرارِ إيجابياتها والابتعاد عن جوانبِ القصور فيها؛ فإن لم يكنْ ثمت تجربةٌ سابقة أو أنها لم تُسجَّلْ أو توثق فيمكنُ الانتقالُ حينَها للخطوةِ الثانية.
2. الاستنارةُ بتجارِب الآخرين خاصةً مع الدورات القرآنية المتشابهة في البيئة والأحوال والسمات البشرية.
3. تحديدُ أهداف الدورة القرآنية بواقعيةٍ ووضوح على أنْ تكونَ قابلةً للقياس وتُنقل لكل راغبٍ في التسجيل مع طريقة ونظام الدورة.
4. اختيارُ الطرقِ المناسبة لتحقيق هذه الأهداف على الوجه الأكمل، ومنها اختيارُ المسجدِ الأمثل لإقامة الدورة القرآنية.
5. البحث عن جهةٍ أو شخص يرعى الدورةَ القرآنيةَ مالياً؛ ويجبُ ألاَّ تكونَ الرعايةُ الماليةُ على حسابِ أهدافِ الدورة القرآنية؛ كما ينبغي البراعةُ في تسويقِ هذه الفكرةِ على الأثرياء من خلالِ البناء على قيمِ المتبرع التي لا غضاضةَ فيها من الناحية الشرعية.
6. تنظيم إدارة الدورة والإشراف عليها؛ وتسمية اللجان وتحديد مهامها وصلاحياتها؛ وتوضيح العلاقة الإدارية الصاعدة والنازلة والبينية من خلال هيكل إداري سهل الدلالة، وينضاف لذلك وضع سياساتٍ وإجراءاتٍ للعملِ بموجبها.
7. اختيار المدرسين والإداريين المناسبين لتحقيق أهداف الدورة بأقلِّ تكلفةٍ وأجودِ منتج.
8. تحديد البرامج الملائمة التي تخدم العملية التعليمية والتربوية ووضعها في جدول زمني.
9. الإعلان عن الدورة القرآنية بشكل جذاب غير مبالغ فيه ليعطي صورةً ذهنية إيجابية؛ وتُذكرُ فيه الجهةُ المشرفة على الدورة والفئةُ المستهدفة والفوائدُ العائدة عليهم من المشاركة إضافةً إلى كيفية الالتحاق بها؛ مع ضرورة الإشارة إلى الراعي الرسمي إلا إذا رغبَ في إخفاء إحسانه.
ثانياً: خلال الدورة القرآنية:
1. تنفيذ ما اتفق عليه من أهداف وبرامج حتى لا تكونَ مجرَّد تنظيرٍ ماتع أو ترفٍ ذهني لا يتجاوزُ عالمَ الخيال.
2. المتابعة؛ وهي سرُّ نجاحِ أكثرِ الأعمال، فبالمتابعة يتألقُ المجتهدُ ويجتهدُ المقَصِّر.
وإنَّ هذه الجهود المباركة غرسٌ طيب في أرضٍ مباركة ولا بدَّ من حِياطتها والقيامِ عليها من قبلِ خيارِ الناسِ حتى تستوي قائمةً
3. المراجعة في أثناء العمل حتى لا يقعَ خطأٌ ما بسب مخالفةِ السياسات والإجراءات النظامية والمحدَّدة سلفاً.
4. تطبيق الجودة في كلِّ خطوةٍ ومنشط وبرنامج، والجودةُ التي نعنيها هي باختصار أداءُ العملِ الصحيح بطريقةٍ صحيحة من المرَّة الأولى في كلِّ مرَّة.
5. توثيق العمل حتى يسهلَ تقويمه ومن ثمَّ الاستفادة منه مستقبلاً؛ وفي التوثيق مصالح تسويقية ونظامية وتربوية وأمنية.
ثالثاً: بعد الدورة القرآنية:
1. تقويم التجربة وتحديد عوامل نجاحها أو أسباب فشلها – لا قدر الله-.
2. نشر التجارب الناجحة والأفكار الإبداعية حتى يستفيد منها الآخرون.
3. استمرار العناية بالطلاب المتميزين.
4. استثمار المدرسين والإداريين والتواصل الدائم معهم.
5. كتابة تقرير موثق وشامل للراعي الرسمي.
6. كتابة تقرير رسمي موثق للجهة المسؤولة.
7. إقامة حفل ختامي غير مكلِّف على أن تستضاف فيه شخصيات عامة مؤثرة ورسمية.
8. توجيه الشكر وبذل الدعاء لكل من ساهم في نجاح الملتقى.
رابعاً: توصيات مهمة:
1. الحرص على التجديد والإبداع في كلِّ دورة؛ والمجال فسيح لا يضيق على العقول المبتكرة.
2. أهمية الضبط الإداري والتعليمي والتربوي للدورة القرآنية منعاً لأي خلل؛ وما أكثر الصيادين في الشاطئ العكر.
3. الحرص على الجوانب الاجتماعية للطلاب وللمدرسين والإداريين؛ مع أهمية التواصل مع أولياء أمور الطلاب.
4. بذل شيء من الجهد في سبيل تربية الطلاب وتعزيز القيم الدينية والأخلاق الإسلامية في نفوسهم، كما يُشار إلى ضرورة تقديم برنامجٍ نافع للمسجد الذي أُقيمت فيه الدورة.
5. إيَّاكم والشوك والمتاهات الفكرية والسياسية؛ فهذه الدورات لحفظ القرآن وتعليمه ولا مكان فيها لمنحرف أفرط أو فرَّط.
وإنَّ هذه الجهود المباركة غرسٌ طيب في أرضٍ مباركة ولا بدَّ من حِياطتها والقيامِ عليها من قبلِ خيارِ الناسِ حتى تستوي قائمةً فيستفيد المجتمعُ منها منافعَ شتى في أمور دينهم ودنياهم.
نقلاً عن موقع المسلم ......
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله الوائلي]ــــــــ[04 Jun 2007, 11:05 ص]ـ
بارك الله فيك نصائح طيبة .. خصوصا وإنا مقبلون إن شاءالله على عمل نادي صيفي للطلاب في دور تحفيظ القرآن ..
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Jul 2009, 01:10 م]ـ
بارك الله فيكم أختي الكريمة على هذا النقل، وهي أفكار جيدة أرجو أن ينفع الله بها من يقومون على تنظيم الدورات القرآنية.(/)
إعجاز الترتيب في: أول القرآن وآخره - هام
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[04 Jun 2007, 09:28 ص]ـ
إعجاز الترتيب في: أول القرآن وآخره - هام
[هذا الموضوع مدخل لبحث النظام العددي والذي سأفصله لاحقا]
يبدأ القرآن ترتيبا بسورة الفاتحة، عدد آياتها 7 وينتهي بسورة الناس: عدد آياتها: 6.
محورالعلاقة الرياضية بين اول القرآن وآخره ترتيبا العددان 7و6 ... ومجموعهما: 13.
العدد 6 في القرآن:
يرتبط العدد 6 في القرىن بموضوع واحد هو خلق الكون وقد ورد في اللفظ " في ستة أيام " في 7 آيات ..
لاحظوا جيدا: العدد 6 في 7 آيات في 7 سور (لم يرد في 8 أو 9 .. العلاقة نفسها بين اول القرآن وآخره ..
لكأن العلاقة تقول: منزل القرآن هو خالق الكون ...
هل هي مصادفة؟
بعد أن نحدد الآيات السبع نجد ان:
مجموع الأرقام الدالة على مواقع ترتيبها في المصحف هو 169 أي 13 × 13 .. (لاحظوا ان مجموع العددين 6 و 7 هو: 13).
إذا أحصينا اعداد الآيات في السور السبع حيث وردت الآيات السبع نجد أن مجموع آياتها هو: 619 ...
ماذا تلاحظون؟
نحن في رحاب إحدى روائع القرآن في ترتيبه ...
لماذا؟
لنلاحظ اولا العددين 169 و 619 (إن أساسهما واحد هو العدد 114 عدد سور القرآن. فالعدد 114 = 19 ×6 ..
هل هناك من شك؟
إذن اعلموا ان العدد 619 (مجموع اعداد الايات) هو العدد 114 في ترتيب الأعداد الأولية ........................
ما أرقام ترتيب السور السبع؟
إن مجموعها هو 192 ....
نلاحظ أن مجموع العددين 192 و 169 هو 361 وهذا العدد يساوي 19 × 19 ..
19 محور ريسي في ترتيب القرآن ..
المحاور الأخرى هي: الأعداد 6و7و13 وقد خزنها القرآن لنا في أول وآخر القرآن ترتيبا ... ودعانا الى التدبر.
وللحديث عودة ..
يا حبذا أن نرى ردودا من الأخوة على هذا الموضوع، فإن كانوا يرونه غير ما نراه فما فائدة الاستمرار؟
هذذا هو ترتيب القرآن، لا يجري وفق القواعد المألوفة لديكم، إنه اكثر إحكاما وإتقانا ..(/)
أو تسمع لهم ركزاً
ـ[روضة]ــــــــ[04 Jun 2007, 05:28 م]ـ
قال تعالى في ختام سورة مريم:
{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً}
أصل الركز الخفاء، فالركز الصَّوْت الخفىّ، وسُمِّى المال المدفون رِكازاً لأَنَّه دُفن فى خفاءٍ، وركز الرمح، غيّب طرفه في الأرض.
و (ركزاً) في قوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} تعني الصوت الخفي، قال ابن عطية رحمه الله: و (الركز) الصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم، وإنما هو صوت الحركات وخشفتها، ومنه قول لبيد:
فتوجست ركز الأنيس فراعها **** عن ظهر غيب والأنيس سقامها أ. هـ.
وعلى هذا فالمراد من الآية الكريمة أحد معنيين:
الأول: أنهم ماتوا ونُسي ذكرهم، فلا يُخبر عنهم مخبِر، ولا تجد من يذكرهم بصوت خفي.
الثاني: أهلكناهم جميعاً، واستأصلناهم، فلم يبقَ لأحد منهم كلام، ولا صوت خفي لهم، فضلاً عن أن يكون جلياً، فإذا زال الصوت الخفي دلّ على زوال غيره بطريق الأولى، كما قال الألوسي.
وتظهر هنا بلاغة القرآن باختيار الألفاظ، فاختيار كلمة الركز دون غيرها، كالصوت مثلاً؛ للإشعار بشدة العذاب الذي حلّ بهم واستئصالهم، بحيث يفهم السامع فناءهم بالكلية، وانتهاء وجودهم، فلا أثر لهم ولا ذكر.
ولم يصرّح باضمحلال وجودهم، بل "كنى باضمحلال لوازم الوجود عن اضمحلال وجودهم"، كما قال ابن عاشور، وهذا أبلغ في التعبير، وأوقع في النفس.
والله تعالى أعلم.
ـ[مجاهدالشهري]ــــــــ[05 Jun 2007, 12:05 ص]ـ
جزاك الله خيراً أختي الكريمة وأجارنا وإياكم من عذاب القبر
ـ[روضة]ــــــــ[08 Jun 2007, 09:17 م]ـ
شكراً على مروركم أستاذ مجاهد، وأجاب الله دعاءكم(/)
برنامج (الشفرة الرقمية للقرآن الكريم)؟
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[04 Jun 2007, 06:37 م]ـ
قرأت هذا الخبر المنقول عن هذا الرابط ( http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1180421287299&pagename=Zone-Arabic-Shariah%2FSRALayout)، ثم بحثت في شبكة الإنترنت علي أجد معلومات إضافية، فلم أجد .. فهل لديكم فكرة عن هذا البرنامج؟
===
الشفرة القرآنية
من جهة أخرى شهدت جلسة مجمع البحوث الإسلامية تفجير قضية الشفرة الرقمية للقرآن الكريم؛ والتي أعلنت لجنة شرعية مكونة من الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق، والدكتور عبد الله النجار، والدكتور محمد الشحات الجندي، الأعضاء بمجمع البحوث الإسلامية، جوازها.
حيث قال شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي: "إن برنامج الشفرة الرقمية القرآنية - والذي أثير في وسائل الإعلام أن الأزهر أباحه - لا علم له به، كما أنه لا صلة لمجمع البحوث الإسلامية بإجازته من قريب أو بعيد".
أما الدكتور عبد الله النجار عضو المجمع فأفاد أن الشفرة الرقمية عبارة عن برنامج رياضي يعطي لكل لفظ قرآني شفرة تمنع تغييره أو تبديله عند الطباعة، ويتيح تصحيح القرآن بأسلوب عصري وليس يدويا، ويمكن به كشف الأخطاء الطباعية سريعا وبما يتناسب مع وسائل الطبع الحديثة.
على الجانب الآخر أكد الدكتور عبد الفتاح الشيخ عضو المجمع أن البرنامج أثبت أن البسملة آية في أول كل سورة، وهو ما يعني أن صلاة من لا يقولون بالبسملة فيها - كالمالكية - باطلة.
وأضاف أن "مسألة الأرقام كلام فارغ، وأن القرآن ليس بحاجة إلى إثبات إعجازه بالأرقام، كما أنها تؤدي إلى حذف بعض الآيات من القرآن من أجل مطابقة نظرية الأرقام، وعليه فإن اللجنة الشرعية التي قالت بجواز هذه الشفرة هي التي تتحمل مسئولية ذلك".
في حين لفت الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق، إلى أن برنامج الشفرة الرقمية الذي أجازته اللجنة الشرعية سليم؛ ولم يتعرض من قريب أو من بعيد لإنكار عذاب القبر أو الشفاعة.
وشدد على أن "من يقول بأن البرنامج يؤدي إلى ذلك فهو تزيد، ولقد فحصت البرنامج بنفسي، وتابعناه، وإن أي زيادة أو نقصان في البرنامج يؤدي إلى فساده".
وأوضح أن هدف البرنامج هو حفظ القرآن من التحريف والتزييف، والتأكيد على أنه معجز في ذاته، وأنه لا يستطيع أحد تزويره، وهو أحد الوسائل العصرية لإظهار أن ما ورد في القرآن الكريم معجز ومحكم."
ـ[الكشاف]ــــــــ[07 Jun 2007, 06:58 ص]ـ
ليتكم تزيدون الأمر إيضاحاً مشكورين، فهذا أمر فيه غرابة ونريد معرفة التفاصيل إن أمكن.
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[07 Jun 2007, 11:34 م]ـ
قرأت تحقيقا صحفيا ذكر فيه - نقلا عن أصحاب برنامج تلك الشفرة؛ تدعيما منهم لدعوى صحته - أنهم أجروا اختبارا له على نص من التوراة، و غيّروا هم فيه كلمة " إسحاق " فجعلوها " إسماعيل ": فجاءت الشفرة خاطئة و غير صحيحة.
- فهذا المثال وحده يدل على قيام ذلك البرنامج على أسس لا يمكن الركون إليها و الاعتداد بها؛ حيث اختبروا صحته بشئ مشكوك و مطعون في صحته بقول الله تعالى: " مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ " [النساء: 46]
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[12 Jun 2007, 10:07 ص]ـ
وعن الموضوع ذاته قرأت هذا التحقيق:
تمكن عدد من الباحثين الإسلاميين، في إحدى شركات البرمجيات المصرية، من التوصل لكشف علمي جديد، يؤكد أن القرآن الكريم نزل من عند الله تعالى يحمل "شفرة رقمية 6" على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يستحيل معها على الإنس والجان التعرض لآيات القرآن الكريم بأي تأويل أو تحريف، مصداقاً لقوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، وهو ما أقره الأزهر الشريف من خلال إجازة هذا الكشف عبر اللجنة الشرعية بالأزهر.
وأكد الباحثون، في بيان أصدروه ونشرت صحيفة "المصري اليوم"، نسخة منه، أنه على مدار 11 سنة من البحث الدءوب في مقر الشركة بمدينة "سرس الليان" بمحافظة المنوفية شمال مصر، التي يرأسها رجل الأعمال الدكتور إبراهيم كامل، توصل الباحثون "لكشف الشفرات الربانية التي يخاطبنا بها الله تعالى في آيات القرآن الكريم حتى اليوم وإلى يوم القيامة".
(يُتْبَعُ)
(/)
وقالت هناء جودة سيد أحمد، نائب رئيس مجلس إدارة الشركة، توصلنا بعد 11عاماً من البحث الدءوب لفك الشفرات الربانية للقرآن الكريم، التي تركزت في رقم 19 من خلال قوله تعالى «عليها تسعة عشر» (المدثر 30). وأضافت: "حينما قرأنا الآية القائلة « .. ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون .. » (المدثر 30)، وجدنا مجموع حروفها «57» وأنها تقبل القسمة على «19». [الصواب: 57 كلمة وليس 57 حرفا]
ثم بحثنا في ترتيب نزول سورة «المدثر» فوجدناها الرابعة، ثم السورة التالية «الفاتحة»، التي وجهنا المولى عز وجل لأن نجعلها فهرس القرآن لقوله تعالي «ولقد آتيناك سبعاً من المثاني»، فقمنا بجمع حروف القرآن والآيات الشفع والوتر، فظهرت لنا أرقام تقبل القسمة على 19، وإذا أضفنا لها مجموع حروف «بسم الله الرحمن الرحيم» (3 + 4 + 6 + 6)، فوجدناها تقبل القسمة أيضاً على 19.
وتابعت هناء: "إن هذا الاكتشاف العلمي يمثل طفرة تؤكد استحالة تحريف القرآن الكريم، وإمكانية كشف حدوث أي تحريف عن طريق هذه الشفرات الربانية، وكذلك يمكن استخدامها في كشف التحريف في الكتب السماوية الأخرى، وقمنا بالفعل بتطبيق ذلك على 200 صفحة الأولى من التوراة فوجدنا حدوث تحريف في النص، وحينما حذفت كلمة "إسحاق" ووضعنا بدلاً منها "إسماعيل"، تم ضبط الشفرة ومطابقتها للنص وأوضحت أنه ثبت لديهم يقين رياضي بالإعجاز العددي في القرآن الكريم، مما يؤكد دون أدنى شك أنه مُنزل من عند الله تعالى، ويستحيل على البشر أو الجن الإتيان بمثله، منوهة إلى أن الشفرات الربانية رجحت احتمال وجود «نموذج رياضي معجز للقرآن الكريم»، وأنهم يجرون بحوثهم حالياً لكشف أسرار هذا النموذج الرياضي.
وأشارت هناء إلى أنه تم تسجيل الكشف الجديد بحقوق الملكية الفكرية الدولية، باستخدام البصمة الرقمية من خلال اللجنة الشرعية، التي يرأسها الدكتور نصر فريد واصل، مفتي الجمهورية الأسبق، وضمت الدكتور محمد الشحات الجندي العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة حلوان، والدكتور عبد الله مبروك النجار أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، وقام بالإشراف على جميع مراحل التدقيق لجنة المصحف الشريف بمجمع البحوث الإسلامية برئاسة الدكتور أحمد المعصراوي أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر، وشيخ عموم المقارئ المصرية.
[ملاحظة: لي دراسة حول إعجاز الترتيب في سورة المدثر] .........(/)
ما سر العدد 333667؟
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[05 Jun 2007, 03:12 ص]ـ
ما السر في العدد 333667؟
عدد سور القرآن 114 سورة ..
عدد آيات القرآن 6236 آية (حسب طريقة الكوفيين في العد وهو الحال المعتبر في مصحف المدينة النبوية).
مجموع أرقام ترتيب سور القرآن: 6555. (1 + 2 + 3 + 4 وإلى أن ننتهي إلى العدد 114) ..
الفرق بين مجموع أرقام ترتيب سور القرآن وعدد آياته هو: 319 (6555 – 6236 = 319).
ما سر العدد 333667؟
قلنا أن عدد آيات القرآن 6236 آية , ومن المعلوم أن كل آية في القرآن تحمل رقما دالا على ترتيبها في السورة التي وردت فيها .. إذا قمنا بجمع الأرقام الدالة على ترتيب الآيات ال 6236 فالناتج لدينا هو العدد: 333667.
(توضيح: عدد آيات سورة الفاتحة 7، فمجموع أرقام الآيات هو: 1 + 2 + 3 + 4 + 5 + 6 + 7 = 28. ونحصل على المجموع بالصورة: 1 + 7 × 7 ÷ 2 = 28 .. مجموع أرقام الآيات في سورة البقرة هو: 1 + 2 + 3 + 4 وإلى أن نصل إلى العدد 286 والناتج سيكون 41041، ونحصل عليه بالعملية التالية:
1 + 286 × 286 ÷ 2 = 41041 ... وهكذا في جميع سور القرآن، والناتج النهائي سيكون: 333667).
السؤال الآن:
هل هي مجرد مصادفة أن يكون مجموع أرقام آيات القرآن البالغة 6236 آية هو 333667؟
لاحظوا لو افترضنا أن عدد آيات القرآن 6235 أو أي عدد آخر فالناتج لن يكون 333667 ..
ما السر المخبأ في هذا العدد؟
لنتأمل:
حاصل ضرب الرقم الأول في الثاني: 7 × 6 = 42.
حاصل ضرب الرقم الثاني في الثالث: 6 × 6 = 36.
حاصل ضرب الرقم الثالث في الرابع: 6 × 3 = 18.
حاصل ضرب الرقم الرابع في الخامس: 3 × 3 = 9.
حاصل ضرب الرقم الخامس في السادس: 3 × 3 = 9.
المفاجأة (وأرجو التدبر فيها جيدا):
إن مجموع الأعداد الستة: 42 + 36 + 18 + 9 + 9 = 114 ..
114: عدد سور القرآن الكريم.
أي مصادفة تأتي بهذا الإحكام؟ ولمن ننسب هذا الترتيب؟
لم يجد أحدهم ما يصف به ما نشاهده هنا غير القول: هذا هو التكلف! والتحايل! وشبهه بألعاب السيرك (أليس من العجيب أن يصدر مثل هذا الكلام عن ....
ما دور الباحث هنا غير الملاحظة والتدبر؟ هل هو من حدد أعداد الآيات على النحو الذي هي عليه لتأتي وفق هذه الصورة العجيبة؟ فكيف يكون متكلفا؟
(أنا أعتبر هذا الاكتشاف نعمة من الله وفضل علي)؟
في العدد 319:
قلنا أن الفرق بين مجموع أرقام ترتيب سور القرآن وعدد آيات القرآن هو 319 (6555 – 6236 = 319 (موضوع العدد 319 طويل وسنفرده بمقالة خاصة) ..
الملاحظة هنا:
إذا قسمنا العدد 333667 على 6555 (مجموع أرقام آيات القرآن على مجموع أرقام سور القرآن) فالناتج 50 عددا صحيحا والباقي: 5917 ..
المفاجأة الثانية:
الفرق بين العددين 6236 و 5917 هو: 319 أيضا .........
فائدة:
العدد 319 هو الرابط بين عدد سور القرآن وعدد آياته ومجموع الأرقام الدالة على ترتيب تلك الآيات.(/)
النظام العددي في القرآن: الجزء الأول
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[05 Jun 2007, 11:25 ص]ـ
النظام العددي في القرآن الكريم
ماذا نعني بالنظام العددي:
النظام العددي هو: استخدام القرآن لأعداد بعينها للدلالة على أعداد الآيات في سوره من داخل السلسلة 1 - 114 ومن خارجها. وهو أحد أنظمة الحماية التي أحاط الله سبحانه بها كتابه الكريم أدلة على حفظه وإعجازه ومصدره ونزاهته من أي تحريف. ويعمل هذا النظام إلى جانب الأنظمة الأخرى – وأولها نظام التجانس وقانون الحالات الأربع لسور القرآن - على نحو يجعل من محاكاة القرآن في ترتيبه أمرا فوق طاقة البشر .. وأول ما يفهم من هذا التعريف أن ترتيب سور القرآن وآياته هو ترتيب إلهي معجز وقد بدأ مع بدايات نزول القرآن من خلال الأوامر والتوجيهات التي كان ينقلها جبريل عليه السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واكتمل باكتمال نزول القرآن وانقطاع الوحي .. فأما ما جاء في الروايات من القول أن ترتيب سور القرآن أو بعضها اجتهادي – بمعنى من عمل البشر وعلى هواهم ومن دون ضوابط معروفة لديهم - وما أشبه ذلك فليس أكثر من اجتهادات ولأصحابها أجرهم عليها.
أعداد الآيات في سور القرآن:
من المعلوم أن كل سورة في القرآن تحمل واحدا من الأرقام ال 114 (1 - 114) رقما دالا على موقع ترتيبها في المصحف. فحين نقول السورة رقم 2 مثلا نعرف أنها سورة البقرة وحين نقول السورة رقم 114 نعرف أنها سورة الناس.لا وجود لسورتين تحملان الرقم نفسه .. في حين نجد في سور القرآن ما يشترك في العدد نفسه للدلالة على عدد الآيات , ومثال ذلك سور العصر والكوثر والنصر فكل منها يتألف من ثلاث آيات ..
السؤال هنا: ما الأعداد المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الآيات في سوره؟
هل استخدمت في القرآن الأعداد من 1 - 114 كلها أو بعضها؟ هل استخدمت أعداد من خارج السلسلة 1 - 114؟ كم عددا؟ وما السر في كل ذلك؟
العدد 114 أساس الأنظمة في ترتيب القرآن:
يتألف العدد 114 من مجموعتين من الأعداد:
1 - مجموعة الأعداد الزوجية وعددها: 57 عددا.
2 - مجموعة الأعداد الفردية وعددها: 57 عددا.
أولى المفاجآت التي تنتظرنا: سنكتشف بعد أن نقوم بعمليات الإحصاء اللازمة أن القرآن قد استخدم من بين الأعداد الزوجية 32 عددا وترك 25 .. ومن بين الأعداد الفردية استخدم 32 عددا وترك 25 أيضا ..
وذلك يعني في النهاية: أن الأعداد المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الآيات في سوره، من بين سلسلة الأعداد 1 - 114: 64 عددا وأن الأعداد غير المستخدمة: 50 عددا. (قانون محكم).
(من العجيب هنا أن العدد 64 هو عبارة عن 8 × 8. إنه يذكرنا بالآية 88 في سورة الإسراء).
إن لغة الأرقام هنا تتفوق على لغة الحروف حين يكون الموضوع هو ترتيب سور القرآن وآياته .. الأرقام هنا تنطق أن شيئا كهذا لا يمكن أن تأتي به مصادفة عمياء ولا يمكن نسبته إلى أحد من الناس , ولو كان الصحابة رضي الله عنهم حينما جمعوا المصحف ورتبوه قد فكرروا بمثل هذه العلاقة لوصلنا عن ذلك خبر ما. هذا التساوي في الأعداد المستخدمة , أليس قانونا عاما في كل ما خلق الله؟ أليس هو قانون الزوجية المشاهد في كل شيء؟ ألا يعني تطبيقه هنا أن خالق الكون هو منزل القرآن وهو من أراده بهذا الترتيب وبهذه الأعداد؟
كيف نفسر استخدام القرآن ل 32 عددا زوجيا من بين الأعداد الزوجية ال 57 لا غير، ومثلها تماما 32 عددا فرديا من بين الأعداد الفردية ال 57؟
[لنلاحظ هنا أيضا أن هذا النظام يشمل جميع سور القرآن، كما أن النظام الأول (قانون الحالات الأربع) يشمل هو الاخر جميع سور القرآن .. دون ادنى تعارض بين النظامين]
إشارة مخبأة في العددين 25 و 32:
ونلاحظ في تفاصيل هذين العددين الإشارة إلى العدد الأساس: فمجموع الرقمين في العدد 25 هو:7 , ومجموع الرقمين في العدد 32 هو: 5 , يشير ناتجا هذه الملاحظة إلى العدد: 57 .. إنهما يعودان بنا الى أساس الظاهرة , وما كان ذلك ليكون لو افترضنا أن العددين هما مثلا: 24 و 33 فمجموعهما 57 ولكنهما لا يختزنان الإشارة إلى العدد 57 ..
الإحصاء القرآني:
(يُتْبَعُ)
(/)
هل هي مصادفة أن يكون عدد الأعداد المستخدمة 64 والمتروكة 50؟ أم هو النظام والتقدير الإلهي؟ هل نحن أول من أحصى هذه الأعداد؟
لنتأمل الملاحظة التالية قبل أن نحاول الإجابة على هذا التساؤل:
قلنا أن العدد 114 يتألف من مجموعتين من الأعداد: 57 + 57 .. لنتأمل:
57 + 7 = 64 هذا العدد هو مجموع الأعداد المستخدمة في القرآن.
57 – 7 = 50 وهذا هو عدد الأعداد غير المستخدمة في القرآن.
(توضيح: من بين الأعداد من 1 - 114 هناك 50 عددا لا نجد في القرآن سورة مؤلفة من أي واحد منها) ..
إحصاء قرآني لا يقبل الخطأ .. لقد تم حساب كل رقم في القرآن قبل أن نتعلم الحساب. لقد تم تخزين هذه الحقيقة بصورة تشير إلى صانع هذا الترتيب ومدبره. ومن يكون غير الله؟
إحصاء آخر في معادلة الترتيب الأولى:
معادلة الترتيب الأولى هي: 19 × 6 وهي الدالة على عدد سور القرآن .. وقد رأينا في قانون الحالات الأربع لسور القرآن أن أعداد الآيات في سور القرآن تأتي وفق هذه المعادلة ..
فهل فيها ما يشير إلى النظام العددي – على النحو الذي أوضحناه -؟
الجواب: نعم، لنتأمل:
19 × 6 = 114، 19 – 6 = 13 ..
(أساس العدد 13 وهو محور أساسي في بناء الترتيب القرآني) ..
الأعداد الناتجة: 19 و13 و 6.
19 + 13 = 32. وهذا هو عدد الأعداد الزوجية المستخدمة في القرآن وهو كذلك عدد الأعداد الفردية ..
19 + 6 = 25. وهذا هو عدد العداد الزوجية غير المستخدمة في القرآن وهو أيضا عدد الأعداد الفردية غير المستخدمة.
13: ماذا عن العدد 13؟
العدد 13 هو عدد الأعداد المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الآيات من خارج السلسلة 1 - 114 أي: كل منها أكبر من العدد 114. (نحو، العدد 286 عدد آيات سورة البقرة، والعدد 200 عدد آيات سورة آل عمران، وقد نشأ عن هذه الأعداد ال 13 مجموعة من السور هي الأطول على الإطلاق بين سور القرآن، وقد رتبت هذه السور في مواقع بحيث جاء مجموع الأرقام الدالة على ترتيبها هو 169 أي 13 × 13، وقد مر القول أن الآيات السبع حيث ورد العدد 6 في القرآن رتبت في مواقع مخصوصة أيضا بحيث جاء مجموعها 169 أي 13 × 13 ... وهذا موضوع طويل قد أفرده بمقالة خاصة) ..
مجموع الأعداد المستخدمة:
وهكذا يصبح مجموع الأعداد المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الآيات في سوره هو: 77 عددا:
64 عددا من داخل السلسلة 1 - 114.
13 عددا من خارج السلسلة (كل منها أكبر من العدد 114).
(فائدة: كلمة جهنم تكررت في القرآن 77 مرة!) ..
عدد سور القرآن والأعداد المستخدمة:
عرفنا أن عدد الأعداد المستخدمة كلها في القرآن هو 77 عددا، ومن المعلوم أن عدد سور القرآن هو 114 سورة، فلو افترضنا أن كل عدد يدل على عدد الآيات في سورة واحدة، فهذا يعني أن لدينا 37 سورة ستتم تغطية أعداد الآيات فيها بتكرار بعض الأعداد المستخدمة ...
ما الأعداد التي كرر استخدامها؟
كيف وزعت على امتداد المصحف؟
هذا هو موضوع الجزء الثاني إن شاء الله ....
[يا حبذا أن نرى ردودا على هذا الموضوع والموضوع الأول: قانون الحالات الأربع لسور القرآن .. ]
ـ[أحمد شكري]ــــــــ[08 Jun 2007, 06:35 م]ـ
الأخ الفاضل عبد الله جلغوم
استجابة لطلبك المشاركة حول الموضوع يسرني أن أكتب كلمات تعقيبا على مقالكم بعد أن أذكر أني سعدت بالتعرف إليكم شخصيا - بعد أن تعرفت إليكم من خلال المؤلفات - في ندوة الإعجاز العددي التي أقامتها جائزة دبي للقرآن الكريم، وللأسف كان اللقاء قصيرا وكان الوقت ضيقا لا يسمح بالتعمق في التحاور والتحدث كثيرا، وقد استمعت إلى ما ورد في كلمتكم في الندوة وأن بعض البسطاء من الناس كان موقفهم من طرحكم الصد والإعراض دون تأمل ولا تفكر، بل زاد بعضهم في الألفاظ وقال كلاما قاسيا، ولعل من أسباب ردة الفعل السليبة في موضوع الأرقام والإحصاء عند الناس وجود تحريفات وأخطاء عند بعغض الباحثين، ووجود تطاول من بعضهم أوصلهم - في ظنهم - إلى تفسير آيات والإتيان بما لم يأت به الأولون في الموضوع، فتوجس الناس خيفة من كل طارح للموضوع، ولا شك أنه يمكننا أن نخدم كتاب الله تعالى ونزداد يقينا به من خلال وسائل عديدة، قد يكون منها هذه الحسابات، وهي تؤكد والأمر مؤكد من قبل أن ترتيب السور توقيفي لا اجتهاد فيه. ولن أخوض في تفاصيا ما أوردته من أرقام وحسابات فأنت فارس هذا الميدان، المهم عندي وعندك وعند جميع الباحثين عن الحق: التريث وعدم التعجل في إصدار أحكام ونتائج، والله الموفق.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[08 Jun 2007, 10:56 م]ـ
الأخ الفاضل عبد الله جلغوم
استجابة لطلبك المشاركة حول الموضوع يسرني أن أكتب كلمات تعقيبا على مقالكم بعد أن أذكر أني سعدت بالتعرف إليكم شخصيا - بعد أن تعرفت إليكم من خلال المؤلفات - في ندوة الإعجاز العددي التي أقامتها جائزة دبي للقرآن الكريم، ................... هذه الحسابات، وهي تؤكد والأمر مؤكد من قبل أن ترتيب السور توقيفي لا اجتهاد فيه. ولن أخوض في تفاصيل ما أوردته من أرقام وحسابات فأنت فارس هذا الميدان، المهم عندي وعندك وعند جميع الباحثين عن الحق: التريث وعدم التعجل في إصدار أحكام ونتائج، والله الموفق.
أشكرك اخي الفاضل على مرورك وتعقيبك .. هذا اولا
كما أسعدني التعرف إليك، وودت لو سمحت الظروف بلقاء نتجاذب فيه اطراف الحديث، آمل أن يحدث ذلك يوما.
أما عن أولئك الجاهزون دائما لمحاربة كل جديد او إبداع، لا لشيء اللهم لأنه لا يروق لهم او انه يخالف راسخا لديهم، فهم اعداء ما جهلوا .. ولعلها عداوة لا تدوم طويلا حينما يتبين لهم الأمر على حقيقته وتنقشع الغشاوة عن عيونهم.
إن من المحزن جدا أن البعض لا يفرق بين غث وسمين او بين جيد ورديء.
وأقول ما قلت في تعقيبك:
الحق وخدمة القرآن هدفنا الأول والأخير .. ومن لديه مأخذ علي فالقرآن بيني وبينه ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[11 Jun 2007, 09:09 م]ـ
الأخ الفاضل:
سألتني عشرة أسئلة، ولي سؤال واحد:
لعلك قرأت ما كتبته عن النظام العددي الجزء الأول، وهذا ملخصه (علما أنه لم يكتمل طرحه في المنتدى بعد - بقي توزيع الأعداد المكررة - الأعداد الأولية المستخدمة في القرآن - إعجاز العدد 227]
النظام العددي:
يتألف العدد 114 من 57 عددا زوجيا + 57 عددا فرديا.
استخدم القرآن للدلالة على اعداد الآيات في سوره من بين الأعداد الزوجية 32 عددا وترك 25.
واستخدم من بين الأعداد الفردية 32 عددا وترك 25. [لاحظ حالة التماثل]
من بين الأعداد الفردية في السلسلة 1 - 57 استخدم 20 عددا وترك 9 ..
من بين الأعداد الزوجية في السلسلة 58 - 114 استخدم 9 وترك 20. [لاحظ التماثل والمقابلة]
من روائع القرآن أن مجموع الأعداد التسعة الأولى التي لم يستخدمها هو: 319 ...
حاصل طرح العدد 319 من مجموع أرقام ترتيب سور القرآن هو: 6555 - 319 = 6236 وهذا الناتج هو عدد آيات القرآن ..
بعض الأخوة وصف هذا الكلام وغيره بالمفردات التالية: ترهات - مستحيلات - التكلف - اللجاج - الزبد والجفاء ..
هل تراه انت كذلك؟
هل إدراك الإعجاز، أو النظام المحكم في اختيار هذه الأعداد، صعب عل الأفهام؟
إذا كان الجميع يفكر بهذه الطريقة فما فائدة الاستمرار بالطرح؟
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[29 Jun 2007, 11:06 م]ـ
يتبع / النظام العددي
قلنا ان عدد الأعداد المستخدمة للدلالة على أعداد الآيات في سور القرآن 77 عددا [64 من داخل السلسلة 1 - 114، و 13 عددا من خارج السلسلة أي أكبر من العدد 114 ... مجموع الأعداد ال 13: 2195 وفي هذا المجموع سر رائع من أسرار الترتيب القرآني يكشف عن العلاقة بين الأعداد المستخدمة لأعداد الايات والأعداد المستخدمة لأعداد الكلمات في جميع آيات القرآن البالغة 6236 آية]
الملاحظة التي أود ذكرها هنا:
بما أن عدد سور القرآن 114 سورة وعدد الأعداد المستخدمة 77، فهذا يعني أن السور الباقية وعددها 37 سورة (114 - 77) ستحمل نفس الأعداد المستخدمة .. أي سنجد مجموعة ما من السور تشترك في العدد الواحد من الآيات ..
مثال: سور النصر والعصر والكوثر كل منها يتألف من 3 آيات .. وهكذا ..
السؤال: ما عدد الأعداد التي كرر القرآن استخدامها وكيف وزعت في القرآن وفي أي سور؟
الجواب: لقد كرر القرآن استخدام 24 عددا لتغطية اعداد الآيات في 37 سورة وقد وزعت في القرآن على النحو التالي:
7 أعداد مكررة في النصف الأول من القرآن. [لاحظوا العدد 7 في العدد 57]
5 أعداد مشتركة بين نصفي القرآن، أي اشتركت في العدد الواحد سور بعضها مرتب في النصف الأول وبعضها في النصف الثاني [لاحظوا العدد 5 في العدد 57]
12 عددا مكررة في النصف الثاني [لاحظوا أن العدد 12 هو 7 + 5]
أذكركم بأن:
عدد الأعداد المستخدمة من السلسلة 1 - 114 هو 64: أي 57 + 7.
عدد الأعداد غير المستخدمة 50 عددا أي: 57 - 7 ..
نفهم أن عدد الأعداد المستخدمة وعددالأعداد غير المستخدمة وعدد الأعداد المكررة في النصف الأول من القرآن والمشتركة وفي النصف الثاني ... كل ذلك مخزن في العدد 57 ...
أليس من الواضح أن تحديد أعداد الآيات في سور القرآن تم وفق نظام محدد؟ هل في ما ذكرته من النظام العددي [باعتبار أعداد الآيات] ما يمكن اعتباره تكلفا؟
يتبع /
الأعداد من 1 - 114 أعداد أولية وأعداد غير أولية. كيف استخدمت ا الأعداد الأولية في القرآن؟ هل هو استخدام وفق نظام أم غير ذلك؟ ما معنى أن نجد نظاما رائعا في استخدام تلك الأعداد؟ هل يتفق ذلك مع رأي القائلين بأن ترتيب سور القرآن اجتهادي؟
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[05 Jul 2007, 01:23 م]ـ
عدد كلمات القرآن والنظام العددي:
مما لاشك فيه أن هذا الموضوع طويل جدا، ولعل البعض - عادة - يتجاهل كل شيء ويطرح عددا من الأسئلة تدور حول المنهج المتبع في عد كلمات القرآن , لا أريد الخوض في هذه المسألة - على الأقل حاليا _ الهدف من المشاركة هو التنبيه على ان اعداد الكلمات في آيات القرآن تخضع لنظام عددي، كما أن أعداد الآيات في سور القرآن تخضع لنظام عددي .. هما نظام واحد أساسه وقاعدته العدد 114.
(يُتْبَعُ)
(/)
أذكركم بالأعداد المستخدمة في القرآن للدلالة على اعداد الآيات:
عدد الأعداد المستخدمة من السلسلة 1 - 114 هو 64: أي 57 + 7.
عدد الأعداد غير المستخدمة 50 عددا أي: 57 - 7 ..
السؤال ما عدد الأعداد المستخدمة من السلسلة 1 - 114 للدلالة على اعداد الكلمات في آيات القرآن؟
الجواب: 73 عددا لاغير.
نستنتج أن عدد الأعداد غير المستخدمة: 41 عددا (114 - 73 = 41] .. (توضيح: هناك 41 عددا لا توجد آية في القرآن مؤلفة من أي عدد منها].
لنتأمل الآن الإحصاء القرآني للأعداد المستخدمة وغير المستخدمة:
العدد 57 = 19 × 3 [المعادلة الثانية]
(19 × 3) - (19 - 3) = 41 هذا هو عدد الأعداد غير المستخدمة.
(19 × 3) + (19 _ 3) = 73 هذا هو عدد الأعداد المستخدمة.
بين النظامين:
عدد الأعداد المستخدمة لأعداد الآيات 64 ولأعداد الكلمات 73: لاحظوا أن الفرق 9.
عدد الأعداد غير المستخدمة لأعداد الآيات 50 ولأعداد الكلمات 41. لاحظوا ان الفرق 9 أيضا ...
سؤال مهم جدا:
سؤال: هل استخدم القرآن عددا لعدد كلمات آية من غير سلسلة الأعداد 1 - 114؟
الجواب نعم ..
عدد واحد فقط هو العدد 128 عدد كلمات الآية الأطول بين آيات القرآن , إنها الآية رقم 282 في سورة البقرة ...
بهذا العدد يصبح عدد الأعداد المستخدمة أعدادا للكلمات 74 عددا لا غير ..
ونلاحظ الإحصاء القرآني في العدد 57 بالصورة التالية:
مربع الرقم 7 + مربع الرقم 5
49 + 25 = 74 ..
ما الأعداد الفردية المستخدمة؟
ما الأعداد الزوجية؟ ما سر الإعجاز فيهما؟
ما سر الإعجاز في العدد 128؟ عدد كلمات الآية الأطول في القرآن؟ هل يصلح ان يكون عدد كلماتها 127 أو رقم ترتيبها غير ما هو عليه الرقم 282؟ ..
ما العلاقة بين النظام العددي لأعداد الايات والنظام العددي في أعداد الكلمات؟
الإجابة على هذه الأسئلة في مشاركة قادمة إن شاء الله ... إذا وجدت من يهمه ذلك.
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[07 Jul 2007, 12:22 م]ـ
عدد كلمات القرآن والنظام العددي:
ما الأعداد الفردية المستخدمة؟
ما الأعداد الزوجية؟ ما سر الإعجاز فيهما؟
ما سر الإعجاز في العدد 128؟ عدد كلمات الآية الأطول في القرآن؟ هل يصلح ان يكون عدد كلماتها 127 أو رقم ترتيبها غير ما هو عليه الرقم 282؟ ..
ما العلاقة بين النظام العددي لأعداد الايات والنظام العددي في أعداد الكلمات؟
الإجابة على هذه الأسئلة في مشاركة قادمة إن شاء الله ... إذا وجدت من يهمه ذلك.
يبدو أن أحدا لا يهمه أن يعرف عدد الأعداد المستخدمة، والسؤال: هل يحق لي أن أخفي هذه المعلومات؟ والكثير مما وفقني الله سبحانه لاكتشافه؟ .. [لا بأس: إنها ضريبة الإبداع والجديد]
بعيدا عن التفاصيل:
مجموع الأعداد الفردية المستخدمة للدلالة على اعداد الكلمات في آيات القرآن كلها هو: 1444.
هذا العدد يساوي: 4 × 19 × 19.
مجموع الأعداد الزوجية المستخدمة: هو أيضا: 1444 ..
من السهل ان نستنتج أن مجموع الأعداد الفردية والزوجية المستخدمة هو: 2888 2888.
تأملوا إحدى روائع الترتيب القرآني:
مجموع الأعداد الزوجية المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الآيات في سور القرآن هو: 2888 أيضا ..
هذه الملاحظة دليل قاطع على أن كل عدد في القرآن بحساب وتدبير إلهي حكيم ...
ودليل على دقة وصحة الإحصاء الذي قمت به .. [المعجم الإحصائي: كتاب مخطوط للباحث 1990 م منشور في موقع الأرقام]
إن أي تبديل أو تدخل ما في عدد آيات القرآن سيخل بهذا النظام .. ومعنى وصوله إلينا على هذا النحو تأكيد على ان القرآن محفوظ بتعهد من الله ..
ليختلف الناس في عدد آيات القرآن وفي عدد كلماته وفي وفي: القرآن محفوظ ولا بد ان يكون فيه ما يؤكد هذه الحقيقة للمسلم ولغير المسلم باللغة التي يفهمها كل منهم ..
ولعل من يتساءل: وماذا بشأن الأعداد الفردية؟ هل نجد فيها هي الأخرى إعجازا؟
الجواب نعم ...
في مشاركة قادمة إن شاء الله ..
[فائدة: لعل في الملاحظة التالية ما يعين البعض على رؤية الحقيقة ويسحبون اتهامهم لنا بالتكلف:
ورد لفظ الجلالة " الله " في 41 سورة فردية الآيات وفي 44 سورة زوجية الآيات ...
تأملوا العددين: 41 .. 44 [تأملوا ثانية العدد 1444] ..
(يُتْبَعُ)
(/)
عدد الآيات التي لم يرد في أي منها لفظ الجلالة: 4414 .... تأملوا هذا العدد جيدا ثم تأملوا ثالثة العدد 1444 ....
عدد السور فردية الآيات التي ورد في كل منها لفظ الجلالة: 41 سورة ..
عدد الأعداد التي لم يستخدمها القرآن أعدادا لأعداد الكلمات: 41 عددا ....
عدد فواتح السور: 14 فاتحة ..
عدد الحروف في الفواتح: 14 حرفا ..
عدد سور القرآن: 114 سورة .......
تأملوا هذه الأعداد .. وفقكم الله وهداكم.] ..
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[09 Jul 2007, 01:18 ص]ـ
بعيدا عن التفاصيل:
مجموع الأعداد الفردية المستخدمة للدلالة على اعداد الكلمات في آيات القرآن كلها هو: 1444.
هذا العدد يساوي: 4 × 19 × 19.
مجموع الأعداد الزوجية المستخدمة: هو أيضا: 1444 ..
من السهل ان نستنتج أن مجموع الأعداد الفردية والزوجية المستخدمة هو: 2888 2888.
تأملوا إحدى روائع الترتيب القرآني:
مجموع الأعداد الزوجية المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الآيات في سور القرآن هو: 2888 أيضا ..
ولعل من يتساءل: وماذا بشأن الأعداد الفردية؟ هل نجد فيها هي الأخرى إعجازا؟
الجواب نعم ...
قلنا أن العدد 114 وهو العدد الذي اختاره الله عددا لسور كتابه الكريم هو أساس وقاعدة العلاقات الرياضية بين سور القرآن ..
وقلنا إن عدد الأعداد المستخدمة أعدادا للآيات من خارج السلسلة 1 - 114 هو 13 عددا نشأ عنها مجموعة السور ال 13 الأطول في القرآن .. مجموع أعداد آياتها: 2195 ..
وقلنا أن العدد الوحيد المستخدم من خارج السلسلة عددا لأعداد الكلمات في آيات القرآن هو العدد 128، عدد آيات الآية رقم 282 سورة البقرة.
النتيجة: مجموع الأعداد المستخدمة كلها من خارج السلسلة [أكبر من العدد 114] هو: 2323 (2195 + 128) ..
المفاجأة: العدد 2323 هو مجموع الأعداد الفردية المستخدمة في القرآن للدلالة على أعداد الايات ...
نلاحظ في العدد 2323 أنه يتألف من العدد 23 مرتين، وأنه من مضاعفات العدد 23، ومن المعلوم أن العدد 23 مرتبط بفترة الدعوة والرسالة .. فهي 23 سنة.
ليس مصادفة أن يكون عدد كلمات الاية 282: 128 كلمة [أشرنا إلى هذا العدد في حديثنا عن الآية 88 سورة الإسراء].
فائدة: أثناء عدنا لكلمات الآيات , العدد الأول الذي يصادفنا لا نجد آية عدد كلماتها مؤلفة منه هو العدد: 56؟
العدد 56= 2 × 28 .. ايحاء واضح لرقم الاية المميزة بالأطول الآية رقم 282 ..
ولو قلبنا العدد: 28 × 2، نلاحظ العدد 228 والذي يساوي: 2 × 114 عدد سور القرآن.(/)
دراسات تاريخية عن القرآن الكريم و علومه في الجزائر
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[06 Jun 2007, 12:33 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
يشرفني أن أنقل لكم سلسلة من المقالات التاريخية عن تفسير القرآن الكريم و علومه في الجزائر من كتاب " التاريخ الثقافي للجزائر " من تأليف الدكتور أبو القاسم سعد الله، فإن رأيتم أن هذا النقل مفيد لهذا الملتقى المبارك و إلا فنبهوني لأتوقف عن نقل الباقي و بارك الله فيكم.
أولا: التفسير
... يمكن أن نتناول التفسير من ناحيتين ناحية التدريس و ناحية التأليف أما تدريس التفسير فقد كان شائعا بين العلماء البارزين و من الذين اشتهروا بذلك محمد بن علي أبهلول و ابن للو التلمساني و عبد القادر الراشدي القسنطيني و أبو راس الناصر و رغم أننا لا نملك الوثائق الآن فإن أمثال سعيد قدورة و أحمد بن عمارة و سعيد المقري (1) ربما تناولوا أيضا التفسير في مجالس دروسهم التي اشتهروا بها و من الطبيعي أن نقول إنه ليس كل من تناول التفسير أجاد أو جدد فيه ذلك أن ظاهرة التقليد و الحفظ كانت مسيطرة على العلماء في جميع الميادين و من بينها ميدان التفسير فنحن نتصور أن معظم المفسرين للقرآن الكريم في مجالس الدروس كانوا يكررون في غالب أقوال المفسرين المتقدمين و قلما يخرجون عليها برأي جديد يتلائم مع العصر.
و من جهة اخرى فإن الوثائق تعوزنا في الوقت الراهن فليس هناك ما يدل على نوع الطريقة التي كان يستعملها أمثال أبهلول و ابن للو و الراشدي أثناء درس التفسير فقد روى سعيد قدورة أن الرحال كانت تشد إلى شيخه محمد بن علي أبهلول لشهرته في علوم التفسير و الحديث و ما شابهها و روى قدورة أيضا أن شيخه قد وصل في تفسيره إلى سورة الإسراء قبل أن يقتل سنة 1008 (2) فهل كان الشيخ أبهلول يملي تفسيره إملاء أو كان يلقيه إلقاء على طلابه هذا ما لا تفصح عنه الوثائق و الظاهر أن الشيخ كان يفسر باللسان و لا يسجل بالقلم ذلك أن الذين ترجموا له تحدثوا عن براعته في عدة علوم أخرى و لكنهم لم يتحدثوا عن كتب أو تقاييد له فهو إذن من المدرسين في التفسير و ليس من المؤلفين فيه و لا نتوقع أن يكون تفسير أبهلول تفسيرا حيا أو مبتكرا و إنما نتوقعه تفسيرا تقليديا منقولا عن السابقين مع قليل من ذلاقة اللسان و بيان العبارة لأن الشيخ كان مشهورا أيضا بحذق العروض و المنطق و النحو و هي علوم تساعد على فهم القرآن و جودة تفسيره.
و عندما ترجم أبو حامد المشرفي لابن للو التلمساني قال عنه إنه قد ختم تفسير القرآن الكريم في الجامع الأعظم بتلمسان و كان والد المشرفي معاصرا أو قريبا من زمن ابن للو فهو الذي حدث ابنه أبا حامد بأن ابن للو قد فسر القرآن حتى ختمه و قد عرفنا في الجزء الأول أن ابن للو كان غير راض على الأوضاع السياسية بتلمسان و أنه كان ساخطا على العثمانيين حتى انه أمسك بلحية القائد حفيظ التركي ورد عليه هديته من السمن و الدقيق و يكفي ابن للو أنه كان أستاذا لعدد من الطلاب الناجحين و على رأسهم الشيخ محمد الزجاي (3) الذي اشتهر أمره أيضا أوائل القرن الثالث عشر و نحن لا نستغرب أن يعمد ابن للو إلى تفسير القرآن الكريم و يتصدى لذلك حتى يختمه بالجامع الأعظم فقد عرف عنه أيضا أنه كان من الأدباء الحاذقين حتى أن أبا حامد المشرفي جعله "خاتمة أدباء تلمسان
هوامش:
(1) ذكر ابن حمادوش في رحلته أنه حين زار الشيخ أحمد الورززي المغربي مدينة الجزائر سنة 1159 اجتمع إليه الطلبة (العلماء) و طلبوا منه أن يريهم كيف يبتدئ المدرس درس التفسير ففعل و كان ذلك في الجامع الكبير انظر التفاصيل و الدرس الذي ألقاه في رحلة ابن حمادوش من تحقيقنا نشر المكتبة الوطنية الجزائر 1983.
(2) سعيد قدورة مخطوطة رقم 422 مجموع الكتب الوطنية تونس انظر أيضا أبو حامد المشرفي (ياقوتة النسب الوهاجة) ستأتي ترجمة قدورة في الفصل التالي.
(3) عن محمد الزجاي انظر فصل السلك الديني و القضائي في جزء واحد.
ـ[مروان الظفيري]ــــــــ[06 Jun 2007, 05:13 ص]ـ
جزاك الله خيرا ياأخانا الكريم أابا مريم الجزائري
تابع
فنحن بحاجة إلى مثل هذه الدراسات
وإن كان الكتاب على النت
فضع رابطه هنا
لكي يستفيد منه الجميع
وشكرا
ـ[يسري خضر]ــــــــ[06 Jun 2007, 09:02 ص]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
جزاك الله خيرا علي هذه المعلومات ونحتاج الي المزيد
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[06 Jun 2007, 01:29 م]ـ
وفقك الباري وهذا محله الملتقى العلمي لا المفتوح فقمت بنقله هناك.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[06 Jun 2007, 08:47 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
جزاكم الله خيرا على تفاعلكم معنا، و اعلم أخي الكريم مروان أن الكتاب غير موجود على النت، فأنا أقوم باستعارته من المكتبة يوميا و أكتب هذه الورقات على جهازي لأنقلها لكم، فأدعو لي معكم.
ملاحظة: ما بين معقوفتين [] من زياداتي
تتمة:
... حتى أن أبا حامد المشرفي جعله "خاتمة أدباء تلمسان المتأخرين" (1) و هذا يؤكد ما قلناه من أن الذين تناولوا التفسير كانوا من أبرز العلماء و من أكثرهم إلماما بمختلف العلوم الشرعية و العقلية و الظاهر أن ابن للو لم يكن يحتفظ بتقييد لما كان يفسره و لم يهتم أحد من تلاميذه بجمع ما ألقاه و لو فعلوا ذلك لوصل إلينا نموذج من تفاسير و لعل منهج ابن للو في تفسير القرآن كان يعتمد على المعاني الظاهرية كما كان يعتمد طريقة القدماء في الإستدلال و الإستنتاج.
و من الذين تناولوا التفسير تدريسا أيضا عبد القادر الراشدي القسنطيني (2) و رغم شهرة الراشدي في وقته فإن حياته ما تزال غامضة و ليس لدينا منها سوى نبذة متفرقة هنا و هناك و الذي يهمنا هنا ليس حياته و إنما مساهمته في تفسير القرآن الكريم ذلك أن مترجميه قد تحدثوا عن انه كان يعقد مجالس للفتوى و التفسير غير أننا لا نعرف ما إذا كانت هذه المجالس للتدريس أو مجالس إجتماعية يحضرها الوالي و العلماء و المعروف أن الراشدي كان قد تولى الإفتاء و التدريس بجامع سيدي الكتاني و مدرسته و كلامهما من آثار صالح باي [حاكم قسنطينة في العهد التركي] كما أن للراشدي بعض التآليف و لكننا لا نعرف ما إذا كان تفسيره قد جمع في كتاب فلعله لم يكن يتناول التفسير بصورة منتظمة و إنما كان يتناول بعض الآيات في المناسبات المعينة و يعرضها و يحللها و نحن نتصور أنه كان إلى حد ما متحررا في فتاويه و آرائه ذلك أن سيرته تشير إلى أنه قد واجه بعض التحدي نتيجة آرائه فقد قيل عنه أنه كان يقول بالتجسيم و أن بعض علماء وقته قد حكموا عليه بالزندقة و الكفر و كادوا ينجحون بالفتك به لو لا تعاطف صالح باي معه كما أنه قد ألف رساله في تحريم شرب الدخان و كل هذه المواقف و الآراء تجعلنا نتصور انه كان في تفسيره شيء من الخروج عن المألوف و عدم التقيد الرتيب بنصوص و آراء الأقدمين.
أما أحمد المقري فقد عرف عنه كثرة المحفوظ في مختلف العلوم و الفنون و كثرة التأليف في الأدب و التاريخ و الحديث و لكن لم يعرف عنه أنه كان من مدرسي القرآن الكريم و قد أخبر عبد الكريم الفكون (3) ان المقري قد نصب للتدريس في الجامع الأعظم بمدينة الجزائر فقد توجه عندما أخرجته الظروف السياسية من المغرب [الى الجزائر] و أن من جملة ما درس هناك التفسير و لكن إقامة المقري لم تطل بالجزائر فقد توجه إلى المشرق حيث درس الحديث و الأدب و تاريخ الأندلس و العقائد و لكن مترجميه لم يذكروا أنه درس هناك التفسير أيضا و يبدوا أن ما قيل من أن العقائد كانت مهنة أهل المغرب و أن التفسير فن أهل المشرق قول فيه كثير من الصحة و الدليل على ذلك قلة التفاسير عند المغاربة مع كثرتها في المشرق بينما الأمر بعكس ذلك بالنسبة للعقائد و نحوها و مهما كان الأمر فإن أحمد المقري غزير المعرفة يتمتع بحافظة قوية و لم يكن يعوزه التأليف في التفسير فما بالك التدريس فيه و نحن نعتقد أنه لو ألف فيه لأجاد فيما ألف في العلوم الأخرى كما نفهم من نقد الفكون له أن طريقة المقري في التفسير كما هي في علومه الأخرى طريقة كلية لا جزئية تعتمد على التعميم و تبتعد عن الدقة و هو لكونه أديبا كان يزوق الألفاظ و يستعمل العبارات المبهمة و قد أخذ عليه الفكون حين سأله عن إعراب ابن عطية للآية " ... لأتم نعمتي عليكم" تهربه من الإجابة العلمية.
(يُتْبَعُ)
(/)
و لا بد من الإشارة أيضا إلى أن هناك غير هؤلاء فالوزان و الأنصاري و عيسى الثعالبي كانوا أيضا من مفسري القرآن الكريم في دروسهم و قد روى محمد بن ميمون أن القاضي أبا الحسن علي كان بارعا في تفسير القرآن حتى أشتهر به و تسابق الناس إلى درسه في الجامع الكبير [لا يزال هذا الجامع يحمل نفس الإسم بالجزائر العاصمة] كما اشتهر بعلوم اللسان و كذلك قال ابن ميمون (4) عن المفتي مصطفى بن عبد الله البوني بأنه تناول تدريس الثعالبي "على سبيل التفقه" و أنه أجاد فيه و من جهة أخرى ذكر ابن زاكور (5) في رحلته أن شيخه أبا عبد الله بن خليفة الجزائري قد ختم القرآن الكريم تدريسا.
أما التفسير تأليفا فالخوض فيه قليل و رغم شهرة مدرسة تلمسان العلمية فإنها لم تنتج مفسرون للقرآن الكريم جديرين بالإشارة حتى العالم المعروف أحمد الونشريسي و ابنه عبد الواحد لم يعرف عنهما التأليف في التفسير و نفس الشيء يقال عن مدرسة بجاية و قسنطينة فرغم شهرة عمر الوزان و عبد الكريم الفكون (الجد) خلال القرن العاشر فإننا لم نعثر لهما على تأليف في التفسير و اعتنى عبد الرحمان الأخضري بمختلف العلوم شرعية و عقلية و لكننا لم نعرف عنه انه حاول التفسير.
و هكذا ينتهي القرن العاشر (16م) دون أن نسجل تأليفا واحدا في تفسير القرآن الكريم غير انه يقال إن محمد بن علي الخروبي (6) قد وضع تفسيرا أثناء إقامته بالجزائر فإذا صح هذا فإنه يكون أمرا غريبا من شيخ لا هم له عندئذ سوى نشر الطريقة الشاذلية و خدمة الدعاية العثمانية و التأليف في التصوف و مهما يكن من أمر فنحن لم نطلع على هذا التفسير و لا تؤكد مصادر الخروبي وجوده و قد روى عبد الكريم الفكون (الحفيد) أن جده قد وضع "تقييدا" جمع فيه الآيات من القرآن الكريم لا تعني العناية بالتفسير كعلم قائم بذاته ثم إن الرواية تشير إلى أن الشيخ الفكون قد جمع الآيات و لم تقل إنه فسرها أو علق عليها و من ثمة يظل هذا التقييد خارج النطاق الذي تناوله ذلك أن الفكون (الجد) كان مهتما اهتماما خاصا بعلم البيان و كان جمعه للآيات من مطول التفتزاني لا يخرج عن حبه للبيان.
هامش
(1) أبو حامد المشرفي (ذخيرة الأواخر و الأول) مخطوط ص 12.
(2) أبو القاسم الحفناوي (تعريف الخلف برجال السلف) 2/ 219 و قد أخبر
الكتاني (فهرس الفهارس) 1/ 172 أن ترجمة الراشدي كان قد أجاز
الزبيدي بالمراسلة [وسيأتي ذلك في فصل الإجازات].
(3) عبد الكريم الفكون (منشور الهداية) الخاتمة.
(4) ابن ميمون (التحفة المرضية) مخطوط 48 و 235 من المطبوع.
(5) ابن زاكور (الرحلة31) و كان ابن خليفة من الذين أجازوا ابن زاكور اثناء زيارة هذا للجزائر و قد توفي ابن خليفة سنة 1094.
(6) أشار إليه صاحب (الإعلام بمن حل مراكش واغمات من الإعلام) 4/ 150.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[07 Jun 2007, 02:15 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
... تتمة:
و قد أنجب القرن الحادي عشر مجموعة من العلماء المشار إليهم من أمثال سعيد المقري و ابن أخيه أحمد المقري [التلمساني نسبة الى مدينة تلمسان بالغرب الجزائري و هو مؤلف الكتاب الأدبي " نفح الطيب ' المشهور] و سعيد قدورة و ابنه محمد و عيسى الثعالبي و مع ذلك لا نجد أحدهم قد ترك تأليفا في علم التفسير (1) و في ترجمة علي بن عبد الواحد الأنصاري ذكر المحبي أن للأنصاري عملا في التفسير بلغ فيه إلى قوله تعالى "و لكن البر من اتقى" (2) و قد قام يحي الشاوي بوضع أجوبة على اعتراضات أبي حيان على ابن عطية و الزمخشري و يبدو أن أجوبة الشاوي كانت ضخمة إذا حكمنا من حجم عمله (3) و لم نطلع على هذا العمل حتى نحكم على منهج صاحبه و لكننا نعرف أن يحي الشاوي كان من أبرز علماء عصره تجربة و ثقافة و نقدا و قد ألف في علوم أخرى كالتوحيد و الفقه سنعرض إليها و نود هنا أن نذكر بما قلناه عنه من أنه كثير النقد لعلماء عصره و غيرهم و أنه كان يعتبر هذا النقد - رغم ما فيه من تعرض للأخطار و المشاكل - مصدر ثواب لذلك فنحن نتصور أن أجوبته على تفاسير غيره ستكون مشبعة بالآراء المستقلة التي كانت تهدف إلى فهم القرآن [الكريم] في ضوء مصالح المسلمين في وقته.
(يُتْبَعُ)
(/)
و من العلماء الذين ألفوا في التفسير خلال القرن الثاني عشر أحمد البوني [نسبة الى مدينة بونه و هو الاسم القديم لمدينة عنابة و تقع في أقصى الشرق الجزائري) و حسين العنابي و عنوان تأليف البوني هو (الدر النظيم في فضل آيات القرآن العظيم) (4) و يبدو من هذا العنوان أن البوني لم يتناول التفسير بالمعنى المتعارف عليه و إنما خص بعض الآيات من القرآن [الكريم] مستخرجا منها المعاني التي تناسب الزهد و التصوف و الآداب العامة.
أما [حسين] العنابي فقد تولى الإفتاء عدة مرات في الجزائر و كان من ابرز علماء الحنفية و إذا كانت حياته في الوظيفة معروفة من خلال سجلات الإدارة العثمانية [سنقدم ترجمة موجزة له و لباقي العلماء بإذن الله] فإن حياته العلمية ما تزال غير معروفة و لا نكاد نعرف عنها أكثر مما ذكره حفيده محمد بن محمود بن العنابي الذي ذكر في تأليفه أن لجده تفسيرا للقرآن الكريم و قد نقل عنه عدة مرات مستشهدا بكلامه و لم يصل تفسير حسين العنابي إلينا و لكن إشارات حفيده تفيد بأنه أتم تفسيره كاملا فهو يقول "قال مولانا الجد الأكبر حسين بن محمد رحمه الله في تفسيره" و مما نقل عن تفسيره لقوله تعالى "نحن أولياؤكم" حيث قال حسين العنابي "أي تقول لهم الملائكة عند نزولهم للبشرى نحن أولياؤكم أي أنصاركم و أحبائكم في الحياة و الدنيا فنلهمكم الحق و نحملكم على الخير و في الآخرة بالشفاعة و الكرامة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة ... " (5).
و لم يذكر ابن العنابي عنوانا لتفسير جده و لا حجمه و لكن عبارته تدل على أنه كان يملك نسخة منها يستعملها عند الإستشهاد و لم نطلع نحن على عمل آخر لحسين العنابي حتى يساعدنا في الحكم على تفسيره و الظاهر أنه تفسير ديني بالدرجة الأولى.
و هناك عالمان متعاصران ألف كلامهما في التفسير و هما أبو راس الناصر محمد الزجاي و كلاهما أيضا جمع إلى الثقافة الدنيوية ثقافة صوفية و دينية قوية فأما أبو راس فقد ذكر أنه قد وضع تفسيرا للقرآن الكريم في ثلاثة أسفار و أنه جعل كل سفر يحتوي على عشرين حزبا و سماه (التيسير إلى علم التفسير).
هامش:
(1) ذكر محمد بن عبد الكريم (المقري و كتابه نفح الطيب ص280): إن للمقري تأليفا عنوانه (إعراب القرآن) و أنه في المكتبة الوطنية بباريس.
(2) المحبي (خلاصة الأثر) 3/ 173.
(3) محمد بن عبد الكريم (مخطوطات جزائرية في مكتبات إسطنبول) ص 11 – 12 فقد ذكر أن نسخة من هذه الأجوبة (الحاشية) تبلغ 718 ص و أن نسخة أخرى منها تبلغ 810 ص، وانظر أيضا مجلة (المورد) العراقية 7 (1978) 313 فقد ذكر هنا أن عدد الأوراق 259 ورقة.
(4) المعرض الخامس لجائزة الحسن الثاني للمخطوطات 1973 ضمن مجموع رقم 406 ر انظر أيضا (غريب القرآن) لمحمد بن عبد الله المجاسي (المجاجي) الجزائر 413 بروكلمان 2/ 987.
(5) انظر كتاب (مفتي الجزائر ابن العنابي) ص 100 ط 2 منه.
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[08 Jun 2007, 10:39 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
...... تتمة – لم انقل كل المقال و ذلك في انتظار فتح صفحة ثانية حتى لا تطول هذه الصفحة بارك الله فيكم -
و مما لا شك فيه أن هناك أعمالا أخرى في التفسير لم نهتد إليها و في هذا الصدد نذكر أن ابن على الشريف الشلاطي (محمد بن على) قد ذكر أن من بين تآليفه عملا بعنوان (تفسير الغريب للمبتدئ القريب) و هو عنوان غامض لا نفهم منه بالضرورة أنه في تفسير القرآن الكريم كما لا نفهم منه أنه موجه إلى الطلاب المبتدئين في هذا الميدان فإذا صح أن هذا العمل هو تفسير للقرآن بطريقة بسيطة فإن مؤلفه قد يكون لجأ فيه إلى المعلومات التاريخية و الفلكية لأنه قد الف أيضا في التاريخ الإسلامي و الفلك كما أن الشيخ عمر بن محمد المحجوب المعروف بالبهلول الزواوي قد كتب تفسيرا للقرآن يبدو أنه أنتهى منه حتى أصبح يعرف بـ (تفسير البهلول) و قد قيل عن البهلول و تفسيره هذه العبارة " .... و كان رجلا عاميا كتب في التفسير بما عن له من عبارت و كلام بعضه لا صلة له بالتفسير و انما هو جمع لأقاويل فقهية و حديثية .. " و الظاهر أن كلمة "عاميا" إنما تعني أنه قد أملى تفسيره على تلاميذه بشيء من البساطة في العبارة أو أنه كان غير عميق في معانيه فظهر لمن اطلع عليه أن صاحبه عامي الثقافة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[10 Jun 2007, 09:51 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
..... تتمة
.... وهناك شيخ آخر قيل انه ختم القرآن الكريم بالجامع الأعظم بتلمسان [مدينة في الغرب الجزائري]. ولا ندري متى كان ذلك بالضبط. ومهما كان الأمر فان هذا الشيخ هو علي البودلميى بن محمد، وهو من الذين جمعوا بين العلم والتصوف. فقد درس على ابن باديس في قسنطينة، ثم توجه الى جامع الزيتونة بتونس، ثم إلى القرويين بالمغرب، وتحصل على شهادات في العلوم الإسلامية وفي الحديث بالخصوص، وكان هذا الشيخ رحماني الطريقة، ثم مال إلى العليوية (الشاذلية) وتوظف عند الإدارة الفرنسية إذ ولته وظيفة مدرس بجامع تلمسان، بعد مسابقة جرت في وهران سنة 1942. وكان مفتي وهران عندئذ هو الشيخ حسن بو الحبال (1).
جمع الشيخ علي البوديلمي الى نشاطه المذكور نشاطه في الصحافة أيضا. فقد كان من جهة مدرسا، كما تقظي وظيفته الرسمية،ولكنه أسس أيضا زوايا بنشر التعليم العربي، اما قناعة منه أو منافسة لمدارس جمعية العلماء وكذلك كان مديرا لمدرسة سيدي بومدين.
ونشرى البوديلمي صحيفة بعنوان (الذكرى) في تلمسان لا ندري كم دامت. وأثناء هذا النشاط، وربما أثناء القائه دروس الوعظ والإرشاد في الجامع الأعظم ختم الشيخ تفسير القرآن، حسبما ترجم له عبد الغني خطاب ونقل ذلك عنه الشيخ الهاشمي بكارن وقيل ان حفل كبير أقيم بهذه المناسبة القيت فيه الخطب والقصائد. وربما يوجد في الصحف المعاصرة وصف لهذا الحفل، ووصف لمنهج التقسير الذي سار عليه الشيخ. ومهما كان الأمر فان هذا الختم كان شقويا وتيس كتابيا، أي أنه نتيجة دروس كان الشيخ بلقيها مدة طويلة، اذ قيل أن وجوده في المهنة قد دام اكثر من قرن (2). ولا ندري هل تأثر الشيخ البودلمي في تفسيره ابن باديس وبعض شيوخ الزيتونة والقرويين، أو تأثر بشيخه ابن عليوة وبعض الشيوخ الآخرين. وربما يكون في صحيفة (الذكرى) أو غيرها بعض نماذج تفسيره.
و في (المرآة الجلية) بعض التفاصيل عن حياة البوديلمي نذكر منها أن والده كان من أتباع الرحمانية و من تلاميذ عبد القادر المجاوي في العلم، وقرأ في بجاية على السعيد الحريزي (الاحريزي)، واختلف إلى زوايا ومعاهد زواوة، منها معهد اليلولي ومعهد أحمد بن يحي، وسافر (أي الوالد) إلى المشرق وتجول فيه، وتوفي سنة 1943 عن 96 سنة. كما أن والدة علي البوديلمي كانت من أصول صوفية إذ ترجع إلى سيدي علي الطيار بقرب برج بوعريريج. وكان والده مدرسا في زاويتهم بالمسيلة قرابة أربعين سنة، وكان له معاونون من العلماء والمرشدين.
أما علي البوديلمي نفسه فقد درس في زاوية أبيه بالمسيلة، ثم رحل إلى زاوية الهامل بقسنطينة حيث درس على ابن باديس والحبيباتني والطاهر زقوطة ويحي الدراجي وغيرهم. ثم قصد تونس فدرس على مشائخ الزيتونة أمثال معاوية التميمي وأبي الحسن النجار، والطاهر بن عاشور. كما زار المغرب وأخذ علم الحديث هناك، وحصل على إجازات من شيوخه سواء في قسنطينة أو تونس أو في المغرب. وبعد رجوعه إلى زاويتهم بالمسيلة تولى التدريس بها ثم في غيرها مثل زاوية بوجملين، والجعافرة بزواوة، ثم اتجه غربا نحو غيليزان ثم مستغانم حيث درس وتتلمذ على الشيخ ابن عليوة الذي كان شاذليا – درقاويا. ولم يتفاهم مع خلفاء هذا الشيخ بعد وفاته سنة 1934، ولذلك أسس البوديلمي زاوية خاصة به في تلمسان، وجعلها للتدريس والتصوف، كما فتح زوايا أخرى في غير تلمسان ومنها واحدة في وهران. وكان فتح الزوايا لا يتم إلا بموافقة السلطات الفرنسية طبعا! وقد كان الشيخ البوديلمي موظفا رسميا عندها منذ 1942، كما ذكرنا. ولعل اهتمامه بالتصوف وقبوله الوظيف الرسمي هما اللذان حالا دونه ودون الإنضمام إلى جمعية العلماء [المسلمين الجزائريين] وبرنامجها الإصلاحي والتعليمي. ولنا أن نتصور الشيخ البوديلمي الذي كان - رغم علمه - من خصوم جمعية العلماء. وقد كان نشاطه في تلمسان في الوقت الذي كان فيه الشيخ الإبراهيمي هناك ممثلا للجمعية (3). ولا نحسب أنهما كانا على وفاق، رغم أنهما من جهة واحدة.
(يُتْبَعُ)
(/)
كان البوديلمي يلقي دروسه في التفسير والحديث بالجامع الأعظم بتلمسان. ويهمنا الآن تفسيره للقرآن في دروسه. ولا نعرف أن تفسيره كان مكتوبا. وكان يخلط الدرس ربما بآراء في التصوف، وكانت تعقد احتفالات سنوية يحضرها تلاميذه وأنصاره وأشباهه من العلماء. وقد عبر عنها صاحب (المرآة الجلية) بأنها نوع من سوق عكاظ حيث يلقي الشعر والخطب ومما يدل على الخلط بين العلم والتصوف أن ابن عبد الحكيم يقول إن الاحتفال يشبه ما كان يلقيه ابن عليوة أثناء حياته. وقد نوه أحد رحالة المغرب، وهو الشيخ الوارزقي بدروس البوديلمي في الجامع الأعظم في الأخلاق والدين، وأخبر أن الناس كانوا يحترمونه ويلتفون حوله لتقبيل رأسه ويده. ولا شك أن هذا أيضا من تقاليد المتصوفين (4).
و للبوديلمي عدد من المؤلفات لم نطلع عليها، وليس لها عنوان في تفسير القرآن الكريم، وقد ذكرها له صاحب (المرآة الجبلية) (5).
أما المفتي الحنفي محمد العاصمي فقد كان يلخص تفسيره لبعض الآيات في مجلة (صوت المسجد)، ولعله كان يلقي دروسا في الجامع الجديد، حيث مقر الشيخ الحنفي. وكان العاصمي من العلماء الأدباء، وقد اشتهر عندما كان يكتب المقالات الصحفية ويستنهض الهمم في العشرينات والثلاثينات.
ويبدو أنه لم يبقى على ذلك التيار الفكري بعد ان اصبح من الموظفين الرسميين. ومهما كان الأمر، فقد لاحظنا أنه كان يعرض لبعض الآيات ويفسرها تفسيرا ملخصا موجزا بعبارات بسيطة كانها موجهة للعامة وللمبتدئين، ومعظمها في معاني دينية واخلاقية. ونعترف أننا لم نطلع على كل ما لخصه في التفسير، ولكن المجلة ظهرت في خريف 1948 لتعبر عن حالة *رجال الديانة الاسلامية* الموظفين لدى الادارة الفرنسية. واستمرت بضع سنوات.
وقد وصلتنا أعداد من (صوت المسجد) من سنة 1949 - 1951، فوجدنا افتتاحياتها تحمل هذا العنوان الطويل: (عرض وتلخيص واستنساخ من تفسير الذكر الحكيم) بقلم محمد العاصمي. وطريقة ذلك انه يذكر آية ثم يعرض معناها ويلخصه ويستنتج منه باختصارن وليس في* الاستنتاج*، بمعنى الاستنبا ط،ما يذكر هنا. فالمساحة لكل ذلك عبارة عن صفحة. وقلما يسقط معنى الآية على الأوضاع الحاضرة، ورغم بساطة الأسلوب فانالمعنى يظل بعيدا عن الوا قع. ومهما كان الأمر فان ما كتبه العاصمي في هذا الصدد لا يخرج عن مهنة الوعظ والارشاد التي كان يقوم بها في حدود ما تسمح به الظروف الإدارية.
وقد ثبت أيضا أن العلماء الآتية أسماؤهم قد مارسوا التفسير في دروسهم أيضا – دون التأليف – وهم:
- محمد مولود بن الموهوب، أحد علماء قسنطينة في أول هذا القرن (توفي 1939).
- الهاشمي بن الحاج اليعلاوي.
- الفضيل إسكندر، أحد علماء المدية.
هوامش
(1) انظر عنه محمد الهادي السنوسي (شعراء الجزائر) فهو فيه أحد الشعراء خلال العشرينات.
(2) الهاشمي بكار (مجموع النسب)،ص 174 - 176. انظر أيضا الجيلاني بن عبد الحكيم وكتابه (المرآة الجلية)،المطبعة الخلدونية،تلمسان، 1953. اذ ترجم فيه للشيخ البودلمي ص 351 - 357. ونشر الشيخ الهاشمي كتابه حوالي 1961، وعندما يقول * الى الآن * لا ندري هل يشير إلى التاريخ المذكور أو إلى تواريخ سابقة.
(3) اعتقل الإبراهيمي سنة 1940 في الوقت الذي توفي ابن باديس. ونفي الإبراهيمي إلى آفلو حيث بقي إلى 1943 (سنة توظيف البوديلمي رسميا).
(4) ابن عبد الحكيم (المرآة الجلية)، ص 351 - 357 عن مقالة نشرت في جريدة (النجاح) 8ديسمبر 1951. وذكر ابن عبد الحكيم بعض القصائد التي قيلت في إحدى هذه المناسبات العكاظية.
(5) - (المرآة الجلية). لاندري هل هذه المؤلفات مطبوعة أو مخطوطة ولا محتوياتها. ويبدو أنها من نوع الوعظ والإرشاد والردود. وهي:
– إماطة اللثام.
- رفع التلبيس عن وساوس إبليس.
- حاجة البشرية إلى الدين.
- الرسالة الديلمية في صيانة العائلة الإسلامية.
- كشف الغيم في قضية عيسى بن مريم [عليه السلام].
- رماح علماء السنة المحمدية. (وربما كان هذا انتصارا لجمعية علماء السنة التي نافست جمعية العلماء برئاسة ابن باديس بعض الوقت 1932 - 1934).
- ديوان في المدح و الأذكار.
يتبع ان شاء الله
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[12 Jun 2007, 12:49 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
... تتمة
وقد نسبت بعض الكتب إلى الشيخ أحمد بن عليوة تفسيرا لبعض الآيات والسور، فقد ذكر الباحث الإنجليزي (مارتن لانغز) الذي أصبح من أتباع ابن عليوة، أن هذا [القطب الصوفي] فسر آيات من سورة ? البقرة ? ووصل الى الآية الأربعين منها. وقال (لانغز) إن هذا التفسير قد شاهدته بنفسي وان مخطوطته الوحيدة موجودة في زاوية مستغانم [مدينة بالغرب الجزائري و لا زالت بها هذه الزاوية تنشط و لها مريدين الى يومنا هذا [العليوة. كما ذكر لانغز إن ابن عليوة قد فسر سورة ?والعصر? تفسيرا فيه تصوف، ومن ذلك فسر معنى *الخسر* بأنه *إشارة الى حالة الإنسانية البدنية على الأرض بالقياس الى حالته الروحية الصرفة في السماء بعد خلقه، ولكن قبل تصويره*. وهناك إشارة ثالثة الى اهتمام ابن عليوة بالتفسير اذ نسب إليه لانغز أيضا كتابا بعنوان (لباب العلم في تفسير سورة النجم) كتبه سنة 1915 (1).
وبقطع النظر عن روح التصوف التي تشيع في مؤلفات وآراء الشيخ احمد ابن عليوة، فان ما نسبه له مارتن لانغز ليس تفسيرا بالمعنى الدقيق للكلمة، سوءا بمنهج القدماء أو بمنهج المحدثين. وإنما هو فهم وتدريس وبيان لمعاني بعض الآيات من هذه السورة أو تلك. [و مع الاسف فان جميع المحاولات التي قام بها الباحثين و العلمائ للاطلاع على المخطوط الذي أشار إليه لانغز باءت بالفشل لرفض القائمين على الزاوية السماح برؤية المخطوط بل و نكران وجوده] و الاطلاع وحده يمكننا التعرف على طريقة ابن عليوة في تناول بعض آيات سورة البقرة. وربما يكون [و هذا على عادة الصوفية] قد كتب مقدمة لهذا المخطوط يذكر فيها دوافعه وأهدافه ومنهجه من التفسير.
هامش:
(1) مارتن لانغز (الشيخ أحمد العلوي) بيروت،1973،ص 222.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[12 Jun 2007, 10:30 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله
نتطرق اليوم الى الحديث عن علماء أشتهروا بكتابة و تأليف تفاسير للقرآن الكريم وهم:
- محمد بن عبد الكريم المغيلي و تفسيره المسمى " البدر المنير في علم التفسير ".
- ابو جميل ابراهيم بن فائد الزواوي ذكر ان له تفسير مكتوب أيضا.
- محمد بن علي الخروبي ذكر ان له تفسير مكتوب أيضا.
- عبد الرحمن الثعالبي و تفسيره "الجواهر الحسان في تفسير القرآن".
ولنبدأ بعالم الجزائر و مسندها ودفينها الشيخ أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي الجزائري المغربي المالكي (786 - 875 ه = 1384 - 1470 م).
فتفسير الثعالبي نال شهرة في الجزائر و العالم الإسلامي شماله وجنوبه وحظي بالطبع فى الجزائر فى أربعة أجزاء سنة 1956م إلا أن هذه الطبعة نفذت منذ زمان، وقد قرأت في إحدى المشاركات لا اذكرها الآن أن مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ببيروت قد أعادت طباعته. وتوجد مخطوطات عديدة لهذا التفسير منها مخطوط المكتبة الوطنية بباريس - فرنسا- تحت رقم 460 في جزئين (شاهدها الدكتور ابو القاسم سعد الله و ذكرها في كتابه "تاريخ الجزائر الثقافي ج1) كما ذكر الشيخ المهدي البوعبدلي في محاضرة له قائلا:" وقد عثرنا على نسخة من هذا التفسير أي "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" منذ سنوات قليلة بمكتبة الجامع الجديد المعروف بالجامع الحنفي، لفت انتباهي إليها استجازة صاحب النسخة وفي أسفلها إجازتان بخط المؤلف الشيخ عبد الرحمن الثعالبي يرجع عهدهما إلى حوالي ثلاثين سنة قبل وفاة المؤلف، وأهم ما في هذه الوثيقة ذكر المستجاز طريقة نشر تأليف الثعالبي خصوصا في التفسير، وهذا نص ما كتبه المستجاز بخطه على ظهر النسخة المذكورة من الجواهر الحسان فقال: ((قرأت على الشيخ العالم المتفنن المحدث الزاهد سيدي محمد بن الشيخ الصالح الزاهد سيدي مخلوف نفعني الله بجميعهم وأعاد علي من بركاتهم، ختمت عليه من تأليفه النفيسة وتصانيفه الرفيعة التي أقام الله بها الدين وأوضح بها السبيل للسالكين، قصد بذلك وجه الله فبلغه من ذلك مناه، وأظهر صدق نيته [كلمات ممحوة في الأصل] عادة الله في أهل العلم المصنفين أن تظهر تصانيفهم بعد وفاتهم على حسب الميراث، وأن في شيخنا هذا وفي تأليفه لسرا بديعا وأمرا رفيعا، لقد ظهرت تأليفه في حياته وسارت بها الركبان في الآفاق مع وجوده، وما ذلك إلا لسر أودعه الله فيه ولم يطلع عليه أحد من خلقه، مع صدق نيته وصدق النفع لعباد الله أمة رسوله وربما يكون في أثناء بعض تصانيفه والناس يختطفونه من يده ويتتبعونه بالنسخ حتى ربما أدركه النساخ قبل أن يستكمل الكراسة فينظرونه، سر إلهي لم يتسن لمن سبقه كالغزالي وغيرهم من أئمة الهدى على علو قدرهم، فأحرى أن يتسنى لمن بعده، جزاه الله عن المسلمين خيرا، ونفعنا به وأعاد علينا من بركاته، وهي عديدة مختلفة الأجناس متباينة الأنواع لم أقم بمعرفتها، فالذي ختمته عليه منها ورويته "تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن"، و"الدر المنتقى" و"كتاب الأذكار والدعوات" و"كتاب الأنوار المضيئة الجامعة بين الشريعة والحقيقة"، وكتاب "العلوم الفاخرة في أحوال الآخرة")).
وكتب الشيخ عبد الرحمن الثعالبي تحت استجازة تلميذه ما يلي: ((بلغ قراءة تفهم وبحث من أول هذا السفر إلى هنا، وكتب عبد الرحمن بن محمد الثعالبي لطف الله به وجعله من خير الفريقين، والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. في أواخر ذي القعدة عام سبعة وأربعين وثمانمائة)).
وكتب المجيز أي الثعالبي بخطه أسفل الاستجازة ما يلي: ((الحمد لله سمع علي الفقيه المحب الفاضل إسماعيل بن إبراهيم السنجاسني جميع هذا السفر إلى سورة سبأ وأجزته أن يرويه عني ويقرئه متثبتاً ومتحرياً بالوقف على الخوض فيما لم يصل إليه فهمه ... الخ)).
إني أضفت ترجمة الثعالبي إلى من ذكرتهم قبله ولو حظي تفسيره بالطبع إذ اغتنمت فرصة تحرير هذه الدراسة فأثبت ما اكتشفت من هذه النسخة الأصلية التي عليها إجازته بخطه، وقد كتبها قبل وفاته بثمان وعشرين سنة، إذ كتبها سنة 847هـ، وتوفي سنة 875هـ.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان الثعالبى إماماً علاَّمة مُصَنِّفاً في التفسير و القراءت و الحديث الشريف يدل على ذلك ما خلَّفه للناس من كُتب كثيرة نافعة، منها: "الجواهر الحسان فى تفسير القرآن" وهو التفسير الذى نحن بصدده، وكتاب " المختار من الجوامع، في محاذاة الدرر اللوامع " [طبع بالمطبعة الثعالبية بالجزائر سنة 1324 هـ لصاحبها أحمد بن مراد التركي]
و هو تقييد جمع فيه فوائد وشروح للأرجوزة الشهيرة في القراءات
" الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع " لأبي الحسن علي بن بري التازي.
و " الذهب الإبريز فى غرائب القرآن العزيز"، و" تحفة الإخوان فى إعراب بعض آيات القرآن"، وكتاب " جامع الأُمهات فى أحكام العبادات "، وغير ذلك من الكتب النافعة فى نواح علمية مختلفة.
* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
(( ... نستطيع أن نأخذ فكرة عامة واضحة عن هذا التفسير من كلام مؤلِّفة نفسه الذى ذكره فى مقدمته وخاتمته. ثم قال: "وما نقلته من الأحاديث الصحاح والحسان عن غير البخارى ومسلم وأبى داود والترمذى فى باب الأذكار والدعوات، فأكثره من النووى وسلاح المؤمن. وفى الترغيب والترهيب وأصول الآخرة، فمعظمه من التذكرة للقرطبى، والعاقبة لعبد الحق. وربما زدت زيادة كثيرة من مصابيح البغوى وغيره، كما ستقف إن شاء الله تعالى على كل ذلك معزواً لمحاله. وبالجملة فكتابى هذا محشو بنفائس الحِكَم، وجواهر السُنن الصحيحة، والحسان المأثورة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وسميته بالجواهر الحسان فى تفسير القرآن" ... )) (الدكتور محمد حسين الذهبى - التفسير و المفسرون ص 38)
و قد انتهى من تأليفه في 25 ربيع الأول سنة833 هـ، كما جاء في آخر الجزء الثاني، و معنى هذا ان الثعالبي قد عاش 40 سنة بعد تأليفه مما يعني أنه من أوائل تآليفه و هذا مما يدعو الى الاستغراب و التأمل كيف استطاع و هو في مقتبل العمر أن يحمع كل هذه المعارف و العلوم التي نقل منها في تفسيره أو أشار اليها، فبالرغم من أنه أعتمد كما ذكر في مقدمة تفسيره على تفسير ابن عطية و تفسير الطبري، لكن المطالع لتفسيره يجد انه يرجع الى ما بقارب المئة (100) كتاب و مرجع اكد على هذا الرقم في مقدمة تفسيره، وقد التزم رحمه الله بكل ما تعهد به في المقدمة بحيث أنه لا ينقل شيئا إلا بلفظ صاحبه خشية الوقوع في الخطأ و هذا ما نسميه في عصرنا اليوم بالأمانة العلمية، و قد قال في مقدمة تفسيره بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنى قد جمعت لنفسى ولك فى هذا المختصر ما أرجو أن يقر الله به عينى وعينك فى الدارين، فقد ضمَّنته بحمد الله المهم مما اشتمل عليه تفسير ابن عطية، وزدته فوائد جمَة، من غيره من كتب الأئمة، وثقات أعلام هذه الأُمَّة، حسبما رأيته أو رُوِيته عن الإثبات وذلك قريب من مائة تأليف، وما فيها تأليف إلا وهو لإمام مشهور بالدين ومعدود فى المحققين، وكل مَنْ نقلت عنه من المفسِّرين شيئاً فمن تأليفه نقلت، وعلى لفظ صاحبه عوَّلت، ولم أنقل شيئا من ذلك بالمعنى خوف الوقوع فى الزلل، وإنما هى عبارات وألفاظ لمن أعزوها إليه، وما انفردتُ بنقله عن الطبرى، فمن اختصار الشيخ أبى عبد الله محمد ابن عبد الله بن أحمد اللخمى النحوى لتفسير الطبرى نقلت، لأنه اعتنى بتهذيبه".
و المطالع لهذا التفسير يكتشف تصوف الثعالبي المبكر، اذ انه يحتوى على رؤى صوفية و منامات، و مواعظ اشتهر بها رجال التصوف، فقد ذكر الثعالبى أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم عدة مرات أثناء أشتغاله بالكتاب، و أنه آكله و زار بيت كتبه و دعا له، و ذكر في مقدمة تفسيره: " اني رأيت لكتابي هذا المسمى الجواهر الحسان فى تفسير القرآن .. عجائب و أمور مباركة لا يمكنني الآن استيفاء جمعها ... ، و اخشى ان يكون من باب افشاء أسرار الله التي لا يمكن ذكرها الا باذن من أهلها، أهل الذوق" أ. هـ (1).
لكنه يبقى من التفاسير المفيدة الممتعة و الذي احتوى على فوائد جمة كما انه يمتاز عن غيره من تفاسير عصره بخلوه من الحشو المُخِل، والاستطراد المُمِل وهذا حسب رأي الشخصي مع علمكم بأن بضاعتي مزجاة، والله أعلم.
هوامش
(1) مخطوط المكتبة الوطنية ببارس - فرنسا- تحت رقم 460 في جزئين، و هو من أقدم نسخ هذا التفسير و أجودها.
(يُتْبَعُ)
(/)