" فنقلات الزمخشري "
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[26 Nov 2005, 12:55 م]ـ
إخوتي الأكارم
أين أجد التأصيل اللغوي لـ " فنقلات الزمخشري "؟
وجزاكم الله خيرا
ـ[المنصور]ــــــــ[27 Nov 2005, 12:38 م]ـ
أظنك تقصد قول الزمخشري - خصوصاً في أول تفسيره - فإن قيل، ثم يجيب عن ذلك.
وهذا لايحتاج لتأصيل لغوي.
لأنها إجابات الزمخشري عن أسئلة يوردها الزمخشري، وكثير منها، لاتتفق مع مذهب أهل السنة، بل هي استشكالات نتجت عن اعتقاد المعتزلة، وأرادوا تطويع القرآن لها.
وبالمناسبة، آمل أن تقرأ هذه المشاركة على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=39879
وجزاك الله خيراً.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[28 Nov 2005, 10:04 ص]ـ
القول بان فنقلات الزمخشري كثير منها او الكثير منها مما يخالف منهج اهل السنة قول متعجل يدل على ان السيد المعترض تصور ان الزمخشري ليس له شغل في تفسيره الا قضية الاعتزال وكثيرون للاسف يظنون هذا وهو بلا شك تعجل ووهم فان فيها ما هو كذلك واكثرها مما له تعلق بالتفسير من جهات البلاغة والنحو وقضايا التفسير الخاصة وارجو ان لا تحملنا مذاهبنا على الاغضاء عن فضائل الخصوم
ودمتم بخير حال
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[28 Nov 2005, 10:11 ص]ـ
وما ذكر عن السبكي في الرابط المشار اليه انما هو راي خاص ولو وافق الناس على ما ذهب اليه السبكي ما اعتنوا بالكشاف عناية فاقت عنايتهم بكثير من كتب التفسير
وانا ارى اليوم ان الهجوم على الزمخشري بهذه الطريقة غير مجد وكم اثنى ابن المنير على الزمخشري ومن جملة ما قاله في بعض فصول النقد (ان هذا الفصل من الزمخشري حري ان يكتب بالتبر لا بالحبر) ولعمري ان هذا لهو الانصاف
واقبلوا خالص التحيات
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[28 Nov 2005, 11:17 ص]ـ
جزاكم الله خيراً
ومن أفضل من تحدث عن منهج الزمخشري ـ رحمه الله ـ في تفسيره؟
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[29 Nov 2005, 09:54 ص]ـ
هناك كتابان لا اشك انهما من افضل أو قل ان شئت افضل كتابين عن الزمخشري الاول هو البلاغة القرانية في تفسير الزمخشري للعلامة الاستاذ الدكتور محمد محمد ابي موسى والثاني هو منهج الزمخشري في تفسير القران وبيان اعجازه للدكتور مصطفى الصادق الجويني
وهناك كتاب ثالث عنوانه الزمخشري لغويا وبيانيا لمرتضى اية الله شيرازي وكل من هذه الكتب رسالة علمية
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[29 Nov 2005, 11:54 ص]ـ
وعن دار الأندلس بحائل صدر كتاب (المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف للزمخشري في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنيّر) د. صالح الغامدي، وهي رسالة علمية من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود في السعودية، في مجلدين.
ـ[ش. م]ــــــــ[04 Dec 2005, 12:14 م]ـ
** ** **
هل يمكن أن نعرف دور نشر هذه الكتب وأخص منها ما أشار إليه الدكتور جمال؟
** ** **
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[04 Dec 2005, 03:12 م]ـ
كتاب ابي موسى مطبوع اكثر من طبعة بمكتبة وهبة بالقاهرة وكتاب الجويني مطبوع بمصر لكن غاب عني الان اين وكذلك الثالث فان كنت محتاجا اليها بحثت عنها واعلمتك اين ان لم يكن هناك من يقضي هذا الغرض فان التفتيش عليها عندي مجهد
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[05 Dec 2005, 09:39 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا أقضي لك هذا الغرض يا أبا حسان وأكفيك عناء التفتيش ففي الآتي بعض التفصيلات أخذتها من الكشاف الذي لم يخرج في صورته النهائية بعد، أما الرقم فيشير إلى رقم الكتاب في الكشاف لا لشيء آخر:
8777 منهج الزمخشري في تفسير القرآن وبيان إعجازه مصطفى الصاوي الجويني ماجستير جامعة الاسكندرية الآداب 1954
8947 منهج الزمخشري في أساس البلاغة زعل الغزالي رسالة ماجستير أسعد علي دمشق/ سوريا جامعة دمشق 1997م 9359 المسائل النحوية في الآيات القرآنية بين الزمخشري وابن هشام النحو والقرآن جبران بن أحمد آل صالح ماجستير عبد العظيم علي الشناوي الرياض/ السعودية كلية اللغة العربية/ قسم النحو والصرف وفقه اللغة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1983م 9934 الزمخشري ومنهجه في توظيف القراءات القرانية عبد الرحيم مرزوق دبلوم الدراسات العليا التهامي الراجي الرباط - المغرب كلية الآداب 1990
10200 التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسيره للكتاب العزيز - تقديم وتحقيق الزهراء الخوتاري دبلوم الدراسات العليا محمد اميم السماعيلي الرباط - المغرب كلية الآداب 1992
10525 "القرآن الكريم مصدرا للقوانين البلاغية عند
عبدالقاهر الجرجاني والزمخشري والسكاكي"
حسني يوسف" دكتوراه نورالدين عتر الأردن الجامعة الأردنية 2001 390 ورقة 8076 المحاكمات بين أبي حيان والزمخشري وابن عطية للشاوي: دراسة وتحقيق إلى - نهاية سورة يوسف أبوحيان النحوي , ت 745هـ - الزمخشري , ت 538هـ - ابن عطية , ت 542هـ - اللغة العربية - نحو - القرآن ناجي محمود حسين عبدالجليل دكتوراه محمد بن حمود الدعجاني الجامعة الإسلامية اللغة العربية / اللغويات 1420هـ 8094 المسائل النحوية في الآيات القرآنية بين الزمخشري وابن هشام القرآن - نحو - اللغة العربية - نحو - الزمخشري , ت 538هـ - ابن هشام , ت 761هـ جبران بن أحمد آل صالح ماجستير عبدالعظيم علي الشناوي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[08 Dec 2005, 01:37 م]ـ
كتاب الجويني طبعته دار المعارف في مصر سنة 1959 والكتاب ورقه أصفر ذكرني بأيام بدايات دراستنا في تلك الكتب التي للبحث فيها لذة خاصة
وأتذكر أيام ما كنا نبحث عن حديث في النسخة الوحيدة لمسند الإمام أحمد وكان البحث فيها جد ممتع
لدرجة أنا كنا إذا وجدنا الحديث ندعو أصدقاءنا لشرب الشاي على حسابنا فرحاً بذاك
رحمة الله عليك يا أستاذنا الدكتور وليد العاني وغفر لك
ـ[ش. م]ــــــــ[12 Dec 2005, 10:52 م]ـ
جزاكم الله خير الجزاء على ما تفضلتم به وجعله في موازين حسناتكم
أود من الدكتور جمال أن يخبرني كيف أستطيع الحصول على كتاب الأبحاث والدراساتالمهداة إلى الدكتور فضل، علما أنن ياتصلت برقم وجدته سابقا للأستاذ وجدي ولكن يظهر أنه خحارج الخدمة
وهل يمكن أن أعرف الوكيل الماشارك عن الدار في المعارض الدولية؟
وكتاب الشيخ صلاح الخالدي في الرد على الفرقان المزعوم أين يمكن أن أجده؟
بارك الله في الجميع(/)
سؤال لأهل التفسير
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[26 Nov 2005, 02:20 م]ـ
هل يوجد دراسات حول التفاسير المنظومة (شعرا) وما هي أشهر التفاسير المنظومة؟ وهل هناك ما هو مطبوع منها؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[26 Nov 2005, 02:26 م]ـ
أخي الكريم إبراهيم:
ربما يفيدك هذا ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=4237)، إن لم تكن اطّلعتَ عليه.
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[27 Nov 2005, 05:55 ص]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا على هذه الفائدة
ونرجو المزيد من الكعلومات في هذا الجانب من المشايخ الفضلاء
وجزاكم الله خيرا(/)
هل يوجد كتب تعتني بالدراسة الحديثية للإسرائليات الموجودة في التفاسير
ـ[عبدالمنعم]ــــــــ[27 Nov 2005, 04:33 م]ـ
هل يوجد كتب تعتني بالدراسة الحديثية للإسرائليات الموجودة في التفاسير؟
ارجو ارشادي إليها
واين اجدها سواء مطبوعة او على الانترنت.(/)
تصحيح لفظ رواية عن قتادة
ـ[مرهف]ــــــــ[27 Nov 2005, 08:04 م]ـ
روي عن قتادة أنه قال: (سورة النحل من قوله ? وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ .. ? الآية [النحل:41] إلى آخرها مدني،وما قبلها إلى [آخر] السورة مكي) 1وما بين [] يحتاج لتحرير فهي غير مستقيمة مع سياق الرواية، وقد راجعت في الإتقان المطبوع بعدة طبعات وجدتها هكذا، ولعلها [أول] بدل [آخر]،ويؤيد ذلك ما نقله الرازي في تفسيره قال: (وقال آخرون: من أولها إلى قوله كن فيكون مدني وما سواه فمكي، وعن قتادة بالعكس) 2 وعليه فما بين [] ينبغي أن يكون بدل (آخر): (أول) وحبذا لو يقوم بعض الأخوة بمراجعة طبعة الإتقان عنده وخاصة إذا كانت بتحقيق د مصطفى البغا فإنها أفضل الموجود بعلمي وهي ليست بمتناولي، ويخبرنا بالنتيجة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
1 ـ ذكره السيوطي في الإتقان 1/ 16 وذكر أن أبا الشيخ أخرجه.
2 ـ الرازي 19/ 173.(/)
مالمقصود بالتفسير العرفاني؟؟؟؟
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[27 Nov 2005, 11:12 م]ـ
السلام عليكم
تواجهني كثيرا هذه العبارة حال القراءة في تراجم بعض المفسرين
فماذا يقصد بالتفسير العرفاني؟؟؟
أفيدونا مأجورين ....(/)
النساء والتفسير؟؟؟
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[27 Nov 2005, 11:17 م]ـ
اخوتي في الله
عجبت كثيرا حين وجدت مؤلفا لامرأة في التفسير
ومن خلال الاستقراء لكثير من كتب التراجم لايوجد الكثير من هذه المؤلفات ...
ارجو إفادتي عن مدى صحة هذه المعلومة من طالب علم لازال في بداياته
وهل هناك مايمنع المرأة من التفسير، أم الأمر للرجال وللنساء على حد سواء إذا توفرت شروط المفسر
وفقكم الله لكل خير
ـ[مرهف]ــــــــ[28 Nov 2005, 12:49 ص]ـ
أخي طالب المعالي الأمور العلمية لا تختص بالرجال دون النساء أو العكس إنما الشأن شأن الأهلية وتوفر الشروط لا يوجد من النصوص ما يمنع فالسيدة عائشة رضي الله عنها من النساء وكانت من عالمات الصحابة وكان الصحابة يراجعونها ويسألونها من جميع العلوم وعدم عثورك على تفسير لامرأة لا يعني العدم بذاته ولو أن المراجع متوفرة بين يدي لبحثت لك وهذه فكرة جيدة تستأهل البحث وتكون مقالة أو بحث ترقية أو رسالة بعنوان تراجم المفسرات من النساء ودراسة منهجهن(/)
من هو هذا المؤلف؟
ـ[مروان الحسني]ــــــــ[28 Nov 2005, 04:48 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته , و بعد ,
ذكر جميل العظم في كتابه (المسارعة) تفسيرا للقرآن الكريم لإبن أبي الرّجا , فهل يعلم أحد منكم شيئا عن هذا الشخص و هذا التفسير؟
شكرا
ـ[مروان الحسني]ــــــــ[07 Mar 2006, 01:57 م]ـ
أفيدونا(/)
مجالس الشنقيطي في التفسير: عذب نمير لا فيه مجاز للتعكير.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[29 Nov 2005, 05:33 ص]ـ
صدرت قديما رسالة الإمام الشنقيطي-رحمه الله- "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز".
وصدرت حديثا أحاديثه في التفسير تحت عنوان: العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير بعناية الشيخ خالد السبت –حفظه الله-.
و هذا الإصدارالأخير قد يثير فضولا علميا-عندي على الأقل- من قبيل:كيف سيكون صنيع الشيخ-وهو المنكر للمجاز- أمام تفسير آيات يذهب في شأنها المفسرون إلى أن المجاز فيها ضربة لازب؟ وكيف سينفذ الشيخ عمليا في "مجالسه التفسيرية " ما تقرر عنده نظريا في "منع جواز المجاز".؟
وقد رافقت الشيخ الإمام عبر رحلته التفسيرية فما وجدته –قط- يعرج على المجاز أو يستظل به فضلا عن أن يرفع له شأنا أو يأبه لمن يدعي أن إنكار المجاز مكابرة وأن تفسير القرآن بدونه لا يستقيم ..... فقد استقام التفسير للشيخ وأمتعنا به أي إمتاع ووردناه عذبا نميرا وما كان المجاز إلا للتنحي غيرة على هذا الورد من التعكير.
ولعل استقراء المواضع كلها غير متاح , لكن لا ضير ... فحسبنا أن نضرب أمثالا ونعتبر المذكور دليلا على المطوي:
1 - تحليل الشنقيطي المعجمي ل"القتل" انطلاقا من تفسير قوله تعالى:"فاقتلوا أنفسكم":
قال-رحمه الله- (وقوله "فاقتلوا أنفسكم"كأنهم قالوا: بم نتوب إلى بارئنا توبة يقبلها منا؟ قيل لهم:"فاقتلوا أنفسكم"أو الفاء للتعقيب, لأن هذا القتل عقب الذنب هو الذي حصلت به التوبة.
وأصل "القتل " في لغة العرب:إزهاق الروح بشرط أن يكون من فعل فاعل ,كالطعن, والضرب, والخنق, وما جرى مجرى ذلك, أما إزهاق الروح بلا سبب من ضرب أو نحوه فهو موت وهلاك لا قتل.
وقد تطلق العرب مادة القاف والتاء واللام على غير إزهاق الروح, فتطلقه على التذليل, فالتقتيل: التذليل, وتطلق القتل أيضا على إضعاف الشدة , فمن إطلاق التقتيل على التذليل قول امريء القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل.
أي مذلل. وقول زهير:
كأن عيني في غربي مقتلة ... من النواضح تسقي جنة سحقا.
وكذلك يطلق القتل على كسر الشدة , ومنه قتل الخمرة بالماء, أي: كسر شدتها بالماء, كما قال حسان رضي الله عنه:
إن التى ناولتني فرددتها ... قتلت قتلت فهاتها لم تقتل.
يعني بقتلها:إضعاف شدتها بمزجها بالماء.)
ص95
يذكر الشيخ من معاني القتل ثلاثة:
- القتل بمعنى عام إزهاق الروح.
- القتل بمعنى عام هو إضعاف الشدة (التذليل صورة منه).
- القتل بالمعنى السابق لكنه خاص بالخمرة (اضعاف قوتها بالماء).
وقبل تحرير مسلك الشيخ نذكر ما يقرره أهل المجاز في مثل هذه الحالة تمهيدا للمقارنة بين التوجيهين:
سيقولون: القتل وضع لإزهاق الروح فقط .....
فإذا استعمل في غير أو أقل أو أكثر من إزهاق الروح فذالكم مجاز. وهكذا ف"القلب المقتل"عند امريء القيس مجاز حيث شبهت حالة الذل بحالة القتل وشبه المذل –بالكسر-بالقاتل.
والخمرة عند حسان "قتلت" ولما كان القتل لم يوضع إلا لزهق الروح كان التعبير بالخمرة المقتولة مجازا لا محالة: فالخمرة القوية التي ضعفت شدتها بالماء شبهت بالجسد الحي القوي المتحرك الذي نزعت منه الروح فأصبح خامدا خاملا. وهكذا يسلكون مع كل الاستعمالات الأخرى .....
تحت هذا التوجيه تكمن مسلمتان:
- القول بالأصل والفرع:
أي أن الألفاظ تنتظم في اللغة على شكل مشجر: أصل واحد هو المعنى الوضعي وفروع كثيرة هي المجازات .... ولا نعني بالتفرع هنا أن المعنى المجازي مشتق من المعنى الوضعي-كما قد يوهم التشبيه بالشجرة- بل نعني فقط وجوب لحاظ أو استحضار المعنى الوضعي كلما قلنا هذا مجاز .... وهذا ما يعبر عنه البيانيون باشتراط العلاقة في الدلالة المجازية ... فلو فرضنا وجود سبع مجازات فلا بد أن تكون لها كلها علاقة ما بمعنى وضعي وحيد.هذا ما أعنيه بالتشجير وهو قريب من عبارة القوم التي تنص على أن الحقيقة كالأصل للمجاز-ولا يقولون أصل-.
- القول بالسابق واللاحق:
(يُتْبَعُ)
(/)
أي أن هناك مسارا تاريخيا مرتبا:فقد حدث الوضع أولا ثم نشأ الاستعمال ثانيا, واختبار الاستعمال هو المحدد للمجاز: فإن استعملت اللفظة في المعنى الوضعي فهي حقيقة وإلا فهي مجاز. وهذا الترتيب لا بد منه فالبيانيون يقررون أن الكلمة بعد الوضع وقبل الاستعمال ليست حقيقة ولا مجازا.
من نافل القول أنه يكفي عدم التسليم بالمسلمتين السابقتين لنتخلص نهائيا من شبح المجاز .... هذا ما فعله الشيخ-رحمه الله- وله في سبيل ذلك عبارات مختارة بعناية ودقة تنم عن احتراس شديد:
-فالشيخ يجتنب كلمة "الوضع" ومشتقاته, ويوظف كلمة "الإطلاق " ومشتقاتها فيقول:
1. وقد تطلق العرب مادة القاف والتاء واللام على غير إزهاق الروح ...
2. فتطلقه على التذليل .....
3. فمن إطلاق التقتيل على التذليل قول امريء القيس ...
4. وكذلك يطلق القتل على كسر الشدة ....
واضح أن الأمر لا يتعلق بتفضيل أسلوبي فالشيخ يريد بالاطلاق الاستعمال وشتان بين الوضع والاستعمال.
فإن قيل: الشيخ يقول بالأصل أيضا ألم تر قوله: وأصل "القتل " في لغة العرب:إزهاق الروح بشرط أن يكون من فعل فاعل ..
قلنا ليس الأمر كذلك, ف"الأصل" هنا كما لا يخفى لا يراد به ما يبنى عليه غيره بل يريد به كثرة الاستعمال لا غير ..... والدليل على ذلك قوله بعد ذلك:
(وقد تطلق العرب مادة القاف والتاء واللام على غير إزهاق الروح, فتطلقه على التذليل, فالتقتيل: التذليل, وتطلق القتل أيضا على إضعاف الشدة .... )
وتصديره الكلام بعبارة "وقد" لا يفهم منه إلا التقليل أو التكثير ولا يفهم منه البتة ابتناء شيء على شيئ ....
ويؤول تحليل الشيخ إلى القول بتعدد الأصول-بمعنى الاستعمال- بدلا من الأصل الوحيد –بمعنى الوضع-.وإذا شئنا الدقة أكثر تخلينا عن مفهوم "أصول" الموهم وبدلناه بمفهوم "التوازي" ...... ولهذا المفهوم الجديد المقترح رصيد عال من الدقة فمن أهم دلالاته تخطي مسلمتي أهل المجاز المذكورتين سابقا:
-فليس عند الشيخ انبناء شاقولي لمعاني الألفاظ ..... كما في الصورة المشجرة .... وإنما هو تواز أو تجاور عرضي أفقي. فلم توضع كلمة" قتل" جذرا بمعنى ازهاق الروح وأرجعت إليها الفروع بملاحظة علاقة ما ولكن العرب تكلمت بهذا وهذا وهذا ..... ومن التحكم بمكان الادعاء أن هذا أصل وأن ذاك فرع ..... مع أن الجميع وصل إلينا بالاستعمال ... صحيح أن الاستعمال في معنى قد يكثر حسابيا بالمقارنة مع الاستعمال في معنى آخر لكن هذا لا يرتب المعنيين أصلا وفرعا .... والمجازيون أنفسهم لا يجعلون الكثرة معيارا فهم يتحدثون عن وجود مجاز لم يستعمل في الحقيقة أبدا –ويزعمون أن اسم "الرحمن "منه- فضلا عما سيترتب عن معيار الكثرة من قتل للمجاز نفسه فكلما كثر المجاز أصبح حقيقة وكلما ندر التعبير الحقيقي أصبح مجازا وهذا خبط واضح ...
-ومفهوم التوازي ينهي أيضا الرجم بالظن على الصعيد التاريخي ..... فلا تعاقب ولكنه التزامن في الاستعمال .... فقد استعملت العرب القتل بمعنى ازهاق الروح في تزامن مع استعمالها للقتل بمعنى التذليل وفي تزامن مع استعمالها له في كسر سورة الخمر ..... وهي العرب تقول ما تشاء ..... نعم , يجوز أن يسبق استعمال استعمالا آخر في الوجود لكن هذا لا يفيد شيئا ما دمنا لا نرد أحدهما إلى الآخر ... -وقد أثبت البنيويون أنه من المتعين دراسة اللغة بالنظر إلى المحور التزامني الذي يسمونه السانكروني وقد لا يفيد اعتبار المحور التاريخي الذي يسمونه الدياكروني.-ثم قبل هذا وبعد هذا من يا ترى سيثبت تاريخيا أن هذا المعنى سبق في الاستعمال ذلك المعنى الأخر .... إلا بضرب من الكهانة على حد تعبير شيخ الاسلام ابن تيمية-رحمه الله-.
يتبع .....
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[01 Dec 2005, 01:09 ص]ـ
2 - الاحتراس المنهجي والحساسية المفرطة من التأويل:
قال الشيخ في تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (48) سورة البقرة
(يُتْبَعُ)
(/)
والمراد باتقاء اليوم: اتقاء ما فيه من الأهوال والأوجال, لأن القرآن بلسان عربي مبين , والعرب تعبر بالأيام عما يقع فيها من الشدائد, ومنه "هذا يوم عصيب" [هود:88] لما فيه من الشدة, وهذا معنى قوله {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ... } (48) سورة البقرة. و (اليوم) مفعول به ل"اتقوا".وقيل المفعول محذوف, واليوم ظرف. أي: اتقوا العذاب يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا.
ص 68
لما فسر الشيخ "اتقاء" اليوم باتقاء ما فيه من الأهوال ذيل تفسيره بتعليلين أو –إذا تحرينا الدقة – بتعليل, وتعليل للتعليل.
-القرآن نزل بلسان عربي مبين.
-العرب تعبر بالأيام عما يقع فيها من الشدائد.
كل هذا "عادي" جدا لبادي الرأي .... ولكن النظرة الفاحصة لعارف بمنهج الشيخ في التفسير سيلمس تحت هذه الجمل العادية احتراسا منهجيا شديدا .... :
قد يقال مثلا:
هل يستدعي المقام التذكير بحقيقة بدهية من نوع: القرآن نزل بلسان عربي مبين؟
ثم قوله (والمراد باتقاء اليوم: اتقاء ما فيه من الأهوال والأوجال) أهو من الغرابة بحيث يستدعي تعليلا؟
ومن هذا المعترض البياني المفترض الذي أحوج الشيخ إلى تعليل قوله السابق العادي: "لأن القرآن بلسان عربي مبين؟ ".
لا جواب على هذه الأسئلة إلا باستحضار الخيار المنهجي للمفسر.
فقد اختارالشيخ الشنقيطي –رحمه الله- منهج السلف الذي بني على قاعدة الموضوعية الصارمة أعني عدم الاسترواح إلى اعتبارات الذات من ذوق وهوى واستحسان ... ومن هنا كان الشيخ –كأسلافه-مناوئا لكل تأويل ..... ويأتي على رأس القائمة التأويلية: المجاز. فلما قال الشيخ: "والمراد باتقاء اليوم: اتقاء ما فيه من الأهوال والأوجال." استشعر – برهافة احتراسه المنهجي-أنه "ارتكب " ما يشبه المحظور, أووقع في شائبة التأويل –شبح المجاز بدأ يطفو-.فكأن المعترض البياني واجه الشيخ بالسؤال التالي: كيف يقول الله "اتقوا يوما" وتحرفه أنت إلى "اتقوا ما فيه" .... أليس هذا من المجاز المرسل الذي تنكره بشدة: أطلق الظرف الزماني وأراد المظروف. ألم تقل في رسالتك المانعة للمجاز:"وأوضح دليل على منعه في القرآن إجماع القائلين بالمجاز على أن كل مجاز يجوز نفيه ويكون نافيه صادقا في نفس الأمر, فتقول لمن قال: رأيت أسدا يرمي ... ليس هو بأسد .. وإنما هو رجل شجاع ...... فيلزم على القول بأن في القرآن مجازا أن في القرىن ما يجوز نفيه .. "
أليس النفي ممكنا في تفسيرك , فيقال ليس هو باتقاء اليوم وإنما اتقاء ما فيه ..... ؟؟
للرد على كل هذا ومثله قال الشيخ الإمام:" والعرب تعبر بالأيام عما يقع فيها من الشدائد."
بمعنى أن "اليوم" دال بالقوة على معنيين:
-الظرف
-والمظروف.
والسياق هو الذي يظهر المعنى المراد بالفعل. ولما كان القرآن نازلا بلسان العرب جاز له ان يفهم أن المراد ب"اتقوا يوما" اتقوا ما فيه من أوجال.
يتبع .......
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[12 Mar 2006, 09:41 م]ـ
3 - ثنائية:الدلالة بالقوة والدلالة بالفعل.
يستهل الشيخ تحليله المعجمي للكلمات على وتيرة واحدة ... فهو يشير إلى بعض معاني الكلمة أو التعبير في القرآن الكريم أو اللسان العربي, ثم يقف عند المعنى الذي يراه هو المقصود في الآية ... وقد يسلك عكس هذا الترتيب ... وله هنا تعابير أثيرة متكررة منها (اقتصرنا على الاختيارمن بضع صفحات من تفسيره لسورة الانعام من المجالس):
-معروف في القرآن و في لغة العرب ...... [أن الفعل يسند إلى المجموع والمراد
بعض المجموع لا جميعهم.]
-[الهدى] ..... يطلق في القرآن إطلاقين: عام وخاص .....
-ومن أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن: [أن الشيء إذا كان قليل الجدوى أطلق عليه:لا شيء] ....
-وكثيرا ما يطلق القرآن اسم [الميت على الكفر] ..
-[مادة الطيرانٍ] قد تطلقها العرب على ... [الإسراع بالرجلين].
-[الضلال] جاء إطلاقه في القرآن وفي لغة العرب على [ثلاثة أنحاء متقاربة]
التحليل الأسلوبي للغة الشيخ يظهر:
- تفضيله لمادة [ط. ل.ق] حيثما يستعمل غيره مادة [و. ض.ع.]
-اعتماد التعابير التي تدل على التعددية الدلالية لمدلول الكلمة ..... ومن وسائله استعمال حرف"قد" العددية و"من" التبعيضية فضلا عن الصيغ والكلمات الدالة على الجمع والكثرة.
هذه الظاهرة الأسلوبية تدل على نظرية في اللغة يتبناها الشيخ من مفرداتها: الاستغناء عن المجاز في تفسير كلام العرب وبالتالي كلام الله تعالى ....
فبدل القول: هذا اللفظ وضع لهذا المعنى واستعمل مجازا في معنى آخر ....
فالشيخ يقول: هذا اللفظ يدل بالقوة -في اللغة-على كل المعاني الممكنة في الاستعمالات الصحيحة ..... ويدل بالفعل –في الاستعمال -على هذا المعنى الخاص استنادا إلى قرائن السياق ...
فكأن الشيخ رحمه الله جعل الدلالة بالقوة والدلالة بالفعل بديلا للدلالة الحقيقية والدلالة المجازية.
والله أعلم.
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[19 Mar 2006, 12:01 ص]ـ
مع تقديري لكم يا أبا عبدالمعز إلا أنني أرى أنكم تبالغون في نصرة مذهب نفي المجاز كما يدل عليه العنوان هنا، والأمر فيه سعة، وقد أخذ هذا الموضوع أكبر من حجمه الطبيعي - في نظري على الأقل.
والتوسط في الموضوع هو الذي يمكن أن تقبله الأدلة، فينفى المجاز في بعض المسائل الخاصة بصفات الله سبحانه وتعالى. ويبقى الأمر على ما هو عليه في اللغة، ومسألة الاصطلاح لا مشاحة فيها، وهي للتنظيم العلمي للمسائل. والله أعلم
انظر هذا الجواب للدكتور ناصر الماجد ففيه توسط في النظر للمسألة.
http://www.islamtoday.net/questions/show_question_content.cfm?id=62
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[19 Mar 2006, 01:30 ص]ـ
الأخ الناصر:
نظرية المجاز- عندي- مسألة علمية لا تعدو أن تكون بحثا في جانب من جوانب اللغة الإنسانية ومحاولة لفهم آلية الدلالة وكيف ينظم العقل البشري مفردات العالم بواسطة مجموعة من الدالات. وكيف يفك المتكلم رموز اللغة: عندما يسمع الشخص: رأيت أسدا يرمي ....... فماذا يحدث في ذهنه:
-هل يكتفي بالسياق اللفظي والحالي فيفهم أن المقصود رؤية رجل يرمي.
-أم لا بد من أن يستحضر صورة الأسد أولا ثم يفهم أن الأسد غير مقصود ثانيا ثم يصحح الفهم بملاحظة القرائن فيفهم أن المقصود رجل ثالثا.
أهل المجاز يقولون لا بد لفهم الجملة السابقة من المرور بالمراحل الثلاث.
ونحن نقول أن الأقرب هو الفرض الأول ..... وندعي أن المرحلة الأخيرة كافية للفهم دون سابقتيها.
المسألة عندي لا تأخذ إلا هذا الحجم ... وإن تعلقت بالقرآن والمذاهب الكلامية فبالقصد الثاني لا الأول.
وفي نيتي مواصلة البحث فيها .... وعندي خطاطة رد على الدكتور عبد العظيم المطعني بخصوص ردوده على ابن القيم و الشنقيطي في كتابه عن المجاز الذي يشتمل على 1147 صفحة بدون احتساب الفهارس (وكل ما كتبته في الموضوع قديما وحديثا لا يصل عشر معشار كتاب واحد)
وعندي مسودة حول تفسير البيانين للبسملة مدارها على المجاز أيضا.
أخي ناصر: إن ظهر لك أن مسألة المجاز مسألة اصطلاح فقط وأنها يمكن حلها بالتوافق أو التراضي أو التوسط فأنا لا أنازعك في اختيارك .....
لكني أعاتبك على قولك: وقد أخذ هذا الموضوع أكبر من حجمه الطبيعي ....
فلا أتبين قصدك بالحجم الطبيعي: الحجم على صفحات ملتقى التفسير أم الحجم في مساحته في تفكيري أم حجم المسألة العلمية التي هي المجاز.
مع التحية .......
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[20 Mar 2006, 03:10 ص]ـ
بل أقصد أنه أخذ مساحة من حجم تفكيرك الشخصي، وظهر بعضه على صفحات الملتقى. أضف إلى ذلك إثارة مشكلة المجاز دوماً في الوسط العلمي المتخصص على أنها مشكلة عقدية، وأن القول بالمجاز إما أنه دليل على سطحية القائل، أو عدم عنايته بالعقيدة. وأنا أختلف مع هذه النظرة المتطرفة للموضوع، ولا أراها إلا مسألة علمية كما تفضلتم. هذا كان سبب تعقيبي فحسب. وتقبل تحياتي واحترامي.(/)
من يفسر لي عبارة البيضاوي هذه في أول تفسيره مشكوراً؟
ـ[حافظ عبدالمنان]ــــــــ[29 Nov 2005, 10:07 م]ـ
قال البيضاوي رحمه الله في أنوار التنزيل:
وإنما كسرت الباء - في بسم الله - ومن حق الحروف المفردة أن تفتح لاختصاصها بلزوم الحرفية والجر، كما كسرت لام الأمر ولام الإضافة داخلة على المظهر للفصل بينهما وبين لام الابتداء ولام التأكيد. أهـ
ما هي هذه القاعدة في حركات الحروف المفردة، وما معنى اختصاصها، وما قصده بقوله: كما كسرت لام الأمر ....
إلخ.
أفيدونا بارك الله فيكم بسرعة إجابتكم
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[30 Nov 2005, 10:04 ص]ـ
قد اجاب عن هذا السؤال كل من اصحاب الحواشي على البيضاوي وبخاصه الشيخ زادة والشهاب الخفاجي وتجد جوابا مطولا فيهما والله اعلم واذا لم يسعفك الاطلاع فلعلي اشرح العبارة في لقاء اخر
ـ[حافظ عبدالمنان]ــــــــ[30 Nov 2005, 12:40 م]ـ
قد اجاب عن هذا السؤال كل من اصحاب الحواشي على البيضاوي وبخاصه الشيخ زادة والشهاب الخفاجي
الشيخ أبو حسان حفظك الله وجزاك خيرا
ما هي أسماء هذه الحواشي، وهل توجد منها على النت للتحميل؟؟
أفيدوني بارك الله فيكم
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[30 Nov 2005, 02:41 م]ـ
الحاشية الاولى اسمها حاشية الشيخ زادة على تفسير البيضاوي وهي مطبوعة في تركيا والثانية اسمها عناية القاضي وكفاية الراضي او حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي وهي مطبوعة في بيروت وهناك حاشية كبيرة طبعت من قريب واسمها حاشية القونوي على تفسير البيضاوي ومعها حاشية ابن تمجيد وهي مطبوعة في بيروت ايضا
ولا اعلم ايا من هذه الحواشي وضع على الشبكة العنكبوتية والله اعلم بحقيقة الحال
ـ[حافظ عبدالمنان]ــــــــ[01 Dec 2005, 04:46 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:28 ص]ـ
أخي حافظ
أصل الحروف التي يُتكلّمُ بها، وهي على حرف واحد، الفتحُ، لأنه - أي الفتح - أخف الحركات، فاختاروه لها، ولكن قد تكون علة تفارق الحركةُ من أجلها هذا الأصل، وهي اللبس.
فكسروا الباء الجارّة ليفرقوا بين ما يَجُرُّ، وهو حرف فقط، وبين ما يَجُرُّ وقد يكون اسمًا، كالكاف.
كما أنهم كسروا اللام في (لِزيدٍ) ليفرقوا بين لام التوكيد ولام الإضافة. فلو قلتَ: إنَّ هذا لِزيد، فاللام للمِلك. ولو قلت: إنّ هذا لَزيد، فهذه للتأكيد، مزحلقة.
وإذا قلتَ: لِتذهبْ، فهي لام الأمر، وهي مكسورة. وإذا قلتَ: لََتذهبُ، فهي لام التوكيد، وهي مفتوحة.
فخالفوا بين الحركات من أجل الفرق.
وقوله: ولام الإضافة داخلةً على المظهر، نحو: لِزيد، لأنك إن أدخلتها على المضمر فتحت، فتقول: لَه، إذ لا لبس في المضمر.(/)
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي (دراسة تفسيرية تحليلية)
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[30 Nov 2005, 04:32 ص]ـ
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي (دراسة تفسيرية تحليلية)
--------------------------------------------------------------------------------
منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي
(دراسة تفسيرية تحليلية)
للباحث: كامل محمود الشرباتي
تم في قسم القرآن والسنة بكلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية/الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا مناقشة رسالة الدكتوراة المقدمة من الباحث كامل محمود الشرباتي وهي بعنوان: (منهج القرآن الكريم في تأصيل أخلاق التعامل المالي (دراسة تفسيرية تحليلية)).وقد تألفت لجنة المناقشة من: الدكتور محمد بهاء الدين حسين – مشرفا، والأستاذ الدكتورسعاد يلدريم - مناقشا والدكتور ليث سعود جاسم – رئيسا ومناقشا، والدكتور سوهرين محمد صولحين – مناقشا. وبعد المناقشة منح الباحث درجة الدكتوراة بتقدير امتياز في التفسير وعلوم القرآن الكريم.
ويعزو الباحث سبب اختياره لهذا الموضوع إلى حاجة الواقع الإسلامي المعاصر إلى دراسة متخصصة تتعلق بجوانب التعامل المالي من وجهة نظر قرآنية، تسعى لتوضيح القيم الإسلامية الراقية المتعلقة بهذا المجال، وإلى حاجة مكتبة التفسير القرآني خصوصاً إلى دراسة موضوعية تحليلية تستقرئ آيات القرآن الكريم، وتبرز الأخلاق التي أكد عليها القرآن الكريم في موضوع التعامل المالي، والمنهج والأسلوب الذي اتبعه في تأصيل هذه الأخلاق وترسيخها في التعامل بين الناس.
ملخص الرسالة:
قام الباحث باستخدام المنهج الاستقرائي والتحليلي للدراسة ومن ثم قام بتقسيم الدراسة إلى بابين بالإضافة إلى الفصل التمهيدي والخاتمة والتوصيات وفهارس البحث، فبعد أن مهد للبحث، تناول الباحث في الباب الأول: العناصر النظرية لأخلاق التعامل المالي في القرآن، متناولا مفهوم المال في المنظور القرآني،وعناصر المنهج القرآني في بيان أخلاق التعامل المالي، و أساليب القرآن الكريم في الدعوة إلى أخلاق التعامل المالي.
أما الباب الثاني فقدم الباحث نماذج تطبيقية لأخلاق التعامل المالي في القرآن الكريم، وذلك من خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الكسب، كالوفاء بالكيل والميزان، و تحريم التعامل بالربا، و تحريم أكل المال بالباطل،والتحذير من الانشغال بالتجارة عن ذكر الله تعالى. ومن خلال أخلاق التعامل المالي في ميدان الإنفاق، كتحرّي الطيّب في الإنفاق، واجتناب المنّ والأذى، و الاعتدال في الإنفاق،وذم البخل والتنفير منه. وأشار الباحث أيضا إلى أهمية أخلاق التعامل المالي في المداينة،ككتابة الدَّيْن، والإشهاد على الدَّيْن.
وقد توصل الباحث في ختام الدراسة إلى النتائج التالية:
? اعتنت الدراسة بالبحث في الأحكام الخُلُقية؛ لأنها أقدر على ضبط السلوك الإنساني من الأحكام القانونية؛ ذلك أن النية أمر جوهري فيها؛ ومجالها أرحب وأوسع من مجال القانون؛ حيث تتوجه إلى الظاهر والباطن؛ ومصدر الإلزام فيها داخلي ذاتي؛ كما أنها تسعى إلى الإحسان، لا مجرد إقامة العدل.
? كانت مظاهر الفساد والظلم والانحراف في التعامل المالي منتشرة عند العرب الجاهليين إبان مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن الكريم، فقد كان المجتمع يعاني سوء توزيع الثروة، وسعة الهوة بين الأغنياء والفقراء، وانتشار التعامل بالربا، وظهور أشكال من الانحراف في شؤون البيع والشراء، كما كانت مظاهر الظلم فاشية في شأن أموال اليتامى والنساء وتقسيم الميراث. فكانت مهمة القرآن الكريم هي التصدي لهذه المظاهر ومعالجتها بأسلوبه المتميز، ومنهجه الفريد.
? اهتم القرآن الكريم بشأن المال، فذكره في مواضع عديدة من آياته، ونسبه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه العليّة تشريفاً وتكريماً، وتنويهاً بالمالك الحقيقي للمال، الذي له الحق في بيان أحكامه وأخلاق التعامل به. ومن مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالمال أمره بحفظه من الضياع والتلف، وتشريع أخلاق التعامل به كسباً وإنفاقاً واستثماراً وادخاراً، واتباع منهج حكيم في التأكيد على هذه الأخلاق وترسيخها في أذهان الناس.
(يُتْبَعُ)
(/)
? نظرة القرآن الكريم إلى المال نظرة واقعية متوازنة، فالمال مال الله تعالى، والعباد مستخلفون فيه، وهو قوام الحياة، وحبه فطري وغريزي في الإنسان، والمال في نظر القرآن الكريم خير فلا يذم لذاته، وإنما للعوارض التي تطرأ في استعماله، وهو وسيلة لا غاية، وهو متاع الحياة الدنيا وزينتها، وينطوي على عناصر الفتنة والابتلاء، والمال ليس أساس التفاضل بين الناس، ولا علامة رضا الله تعالى، كما أنه لا يُغني في الآخرة شيئاً، حيث ينتهي أثره بانقضاء الحياة الدنيا.
? ابتدأ القرآن الكريم خطواته في الحث على التزام أخلاق التعامل المالي بذم مظاهر الانحراف والفساد في السلوك البشري، ولم يترك البشر حيارى في هذا المجال، بل أرشدهم إلى البديل الفاضل، ودعاهم إلى التزام مكارم الأخلاق ومحاسنها، القائمة على الإحسان والتكافل والتعاون.
? تدرج القرآن الكريم في تشريعه لبعض أخلاق التعامل المالي، فاتخذ بشأنها إجراءات تمهيدية، بإيحاءات وإشارات إلى ما يتجه إليه أمر التشريع، وذلك لخلخلة ارتباط النفوس بما اعتادت عليه من مساوئ الأخلاق، خصوصاً تلك الأخلاق التي أصبحت جزءاً من واقع الحياة وسلوك الناس اليومي، بحيث يكون النهي عنه دفعة واحدة عسيراً على النفوس، وقد لا يحقق الهدف المنشود من التشريع، من حُسْن الالتزام وتنفيذ الأوامر.
? ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين العقيدة في كثير من المواضع، فالعقيدة هي الأساس الذي تنبني عليه جميع نظم الإسلام، وهي الدافع والباعث على الاستجابة والانقياد لأحكام القرآن الكريم، وقد جاء ذلك عن طريق التذكير بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، وتقرير زوال الدنيا وبقاء الآخرة، والأمر بالتقوى في ثنايا التوجيهات الخُلُقية المتعلقة بالشؤون المالية، والتذكير بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا في سياق الآيات وخواتيمها؛ بعثاً على استحضار عظمته وخشيته وقدرته ورقابته على جميع تصرفات الفرد.
? ربط القرآن الكريم بين أخلاق التعامل المالي وبين المقاصد التي تُحققها، والآثار التي تترتب على الالتزام بها، فالإنسان مجبول على تكرار السلوك الذي يحسّ بأثره في حياته وواقعه. والآثار التي أشار إليها القرآن الكريم لا تقتصر على الجانب الروحي الأخروي متمثلاً في الثواب وحُسْن العاقبة فحسب، بل تشمل الآثار القريبة المحسوسة في الحياة الدنيا، بما فيها مظاهر من الكسب المادي، والخير الدنيوي للفرد والمجتمع.
? أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق الأحكام التكليفية الأخرى؛ للتدليل على مساواتها مع بقية أحكام القرآن وتشريعاته، فهي في مستوى واحد من القوة التكليفية؛ ولبيان عدم إمكانية الفصل بين أحكام العبادات وأحكام المعاملات، وبين شؤون الدنيا وشؤون الآخرة.
? أدرج القرآن الكريم أخلاق التعامل المالي في سياق القصص القرآني؛ وذلك لفاعليه هذا الأسلوب وتأثيره في مشاعر الناس وأحاسيسهم، ففيه عناصر التشويق والإثارة، كما يعطي القدرة على استحضار المشاهد، واستذكار الأوامر والتوجيهات، وحُسْن الاعتبار والاتعاظ بمضامين القصص.
? استعمل القرآن الكريم أسلوب الترغيب والترهيب في دعوته لالتزام أخلاق التعامل المالي، فالإنسان ميّال بفطرته إلى جلب الخير لنفسه ودفع الشر عنها، وقد جاء الترغيب متعلقاً بالجانب المادي والجانب المعنوي لحياة الناس، ومرتبطاً بمنافع الدنيا وخيرات الآخرة.
? استخدم القرآن الكريم في حثه على التزام أخلاق التعامل المالي أسلوبي الأمر والنهي، فإن لهما قوة تكليفية واضحة، تدل على أن الفعل مطلوب طلباً جازماً، وذلك يدفع إلى تنفيذ الأوامر والمسارعة للعمل، وقد استعمل القرآن الكريم الأوامر والنواهي المباشرة وغير المباشرة، كما استعمل الإيحاءات والإشارات والدلالات الخفية، كل على مقتضى الحال والمصلحة.
? استعمل القرآن الكريم أسلوب التصوير بضرب الأمثال وسَوْق الاستعارات في مجال تأصيل أخلاق التعامل المالي، فالتصوير يقرّب المعاني للأذهان، ويحوّل المعاني اللغوية المجردة إلى مشاهد محسوسة، فيسهل استحضارها في الأذهان في أثناء التعامل اليومي، لا سيما وأن مجال التعامل بالمال محفوف بالغفلة والذهول عن الأوامر والنواهي.
? كرر القرآن الكريم بعض الأخلاق المتعلقة بشؤون التعامل المالي، تأكيداً عليها، وترسيخاً لها في الأذهان، فقد أثبت أسلوب التكرار جدواه في استحضار المعاني وتذكّرها، والاهتمام بالتوجيهات، وقد جاء ذلك عن طريق تكرار بعض المعاني المتعلقة بالتصرفات المالية، وعن طريق تكرار بعض القصص القرآني المتضمن عظات تتعلق بأخلاق التعامل المالي.
? تراوح أسلوب القرآن الكريم في بيانه لأخلاق التعامل المالي بين الإجمال والتفصيل، فأجمل بيانه في القضايا التي تقبل التطور، ويدخلها الاجتهاد، وتختلف باختلاف الزمان والمكان، فأشار في هذا المجال إلى المبادئ الكلية، والقواعد الأساسية، بينما فصّل القول في المجالات المالية التي لا تقبل الاجتهاد والتطور، ولا يدخلها التجديد، ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، فاتبع أسلوب التفصيل الدقيق في هذا المجال.
? تبين من الدراسة التطبيقية أن القرآن الكريم اتبع منهجاً واضح المعالم، حكيم الإجراءات في تأصيله لأخلاق التعامل المالي، وقد ظهرت مفردات هذا المنهج في النماذج التي تمت دراستها، ولم يكن من ضرورات المنهج انطباق جميع عناصره وأساليبه على كل خُلُق من أخلاق التعامل المالي، بل إن اطراد المنهج في مجمل القرآن الكريم دليل كافٍ على وجوده.(/)
صدور تفسير ابن الأمير الصنعاني (مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن)
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[30 Nov 2005, 08:02 م]ـ
صدر كتاب تفسيرابن الأمير الصنعاني المسمى (مفاتح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن) لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله.
دراسة وتحقيق هدى بنت محمد بن سعد القباطي رحمه الله في مجلدين. وهي رسالة ماجستير في قسم التفسير من جامعة صنعاء، وحصلت الباحثة على تقدير ممتاز.
وقد احتوى المجلد الاول على ترجمة للصنعاني مع دراسة للكتاب، والمجلد الثاني على تحقيق المخطوط.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Jan 2006, 02:24 م]ـ
جزاكم الله خيراً أخي العزيز أبا المعتز على هذه الفائدة النفيسة. وشكر الله لك إهدائك الكريم.
http://www.tafsir.net/images/redwan.jpg
سلك ابن الأمير الصنعاني في تفسيره هذا الذي احتوته هذه المخطوطة مسلكين:
- حيث بدأ في تفسيره بتفسير سورة الفاتحة آية آية، ثم انتقل إلى سورة البقرة مفسراً منها الآيات المائة والسبع الآيات الأولى آية آية كما هو نهج أكثر المفسرين.
- ثم تحول إلى أسلوب التفسير الموضوعي في بقية تفسيره. وذلك بانتقائه آيات معينة وتفسيرها لما تشتمل عليه من موضوعات. حيث جمع آيات القرآن الخاصة بالموضوع الواحد والتي تتفرق بين سور القرآن وربما توزعت في السورة الواحدة، وذلك بحسب ما يقتضيه أسلوب القرآن المعجز في تناول الموضوعات.
وابن الأمير بأسلوبه هذا يهدف إلى استخراج مراد القرآن، وقولته النهائية في مسألةٍ، أو موضوعٍ من الموضوعات صعبةِ التحقيق، أو كَثُرَ فيها الكلامُ، وتشعب فيها الخلافُ بين المتناولين لهذا الموضوع أو ذاك، فيربط بين الآيات والحوادث والروايات والآثار ويستنبط ويدلل.
إن معظم ما جاء من تفاسير تعتمد المنهج الموضوعي كان في الجانب الفقهي، أما تفسير ابن الأمير رحمه الله تعالى فمباحثه تميزت أنها لم تقتصر على الجانب الفقهي فحسب. فقد تناول الموضوعات العقائدية: (رؤية الله، لا يسأل عما يفعل، عصمة النبي صلى الله عليه وسلم (في موضوع قصة الغرانيق)، أفضلية النبي صلى الله عليه وسلم على بقية الأنبياء).
كما تناول ابن الأمير رحمه الله تعالى في تفسيره تاريخ الأمم وقصص النبيين والأمم السابقة (قصة موسى مع قومه، وقصة آدم عليه السلام وإبليس، وخروج آدم عليه السلام وزوجه من الجنة).
انظر: تفسير ابن الأمير الصنعاني - القسم الدراسي 1/ 294 - 295
وقد نهج ابن الأمير رحمه الله تعالى في تفسيره هذا منهج تفسير القرآن بالقرآن، وما أثر في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وتابعيهم. وعنوان كتابه يعلن عن هذا المنهج ابتداء، وبذا فيفترض أنه لا يخرج عن روح التفسير الذي يعتمد أولاً وآخراً معاني القرآن ومراد الله تعالى من كلامه ولا يحمل نصوص القرآن وآياته من العلوم العقلية والفلسفية ما يخرجه عن كون كتابه كتاب تفسير، فتفسيره لا يخلو من بعض غرائب التفسير التي يوردها مستنداً على الآثار والأخبار التي ينقلها دون تحري صحتها أو الإشارة إلى التوقف فيها، بل قد يكتفي بقوله: بلغنا، أو: يروى، وقد يكون ذلك في أمور غيبية أو مما لا مجال للرأي فيه.
ولولا ذلك لكان اعتماد ابن الأمير على تفسير القرآن بالقرآن له دلالة متميزة، حيث يتصف ذلك المنهج بالدقة والإحاطة والشمول، قلما نجد فيه عاماً أو مطلقاً أو مجملاً ينبغي أن يخصص أو يقيد أو يفصل. إلا تم في موضع آخر ما ينبغي له من تخصيص أو تقييد أو تفصيل ... وابن الأمير قد جمع في تفسيره بين التفسير بالرواية والتفسير بالدراية، فتوسع وأجاد لولا ما ذكرناه .. وقصة تأليفه للتفسير تدل على عنايته بالتفسير بالمأثور، حيث ألف تفسيره هذا حينما كان يدرس تفسير البغوي.
انظر: تفسير ابن الأمير الصنعاني - القسم الدراسي 1/ 300 - 301
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[15 Jan 2006, 09:58 م]ـ
وإياك شيخنا أبا عبد الله
ـ[روضة]ــــــــ[16 Jan 2006, 07:36 ص]ـ
بارك الله فيكم على هذه الفائدة، ويا حبذا لو تزودونا بترجمة المفسر، وكيف يمكننا الحصول على التفسير [اسم دار النشر].
وجزاكم الله خيرا
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[16 Jan 2006, 02:33 م]ـ
طُبع الكتاب بمركز الكلمة الطيبة للبحوث والدراسات العلمية
(يُتْبَعُ)
(/)
الجمهورية اليمنية - صنعاء -
هاتف وناسوخ (009671253460) ص. ب (14420)
البريد الإلكتروني: alalema4@hotmail.com
والكتاب يباع بمكتب الأسدي بمكة
أما ترجمة المؤلف:
فهذه نتف منها من مقدمة محققة التفسير وتحقيق محمد صبحي حلاق لسبل السلام:
اسمه ونسبه:
هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي ... وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وتسمى عائلته بعائلة الأمير، ويطلق عليها الأمير الصنعاني
مولده:
ولد ابن الأمير في كحلان، وهي مدينة جبلية في الشرق الشمالي من حجة بمسافة (17 كم).
ولد ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة عام 1099 هـ.
نشأته:
نشأ وترعرع في كنف أسرة كريمة، كانت المدرسة الأولى له، وتعلم القرآن وحفظه، وتلقى علومه على يدي أبيه، ثم أسلمه إلى النحارير من أهل العلم حتى تخرج عالماً فاضلاً يشار إليه بالبنان.
مشايخه:
1 - القاضي العلامة علي بن محمد العنسي
2 - العلامة عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد الوزير
3 - العلامة صلاح بن الحسين الأخفش
4 - العلامة أبو الحسن محمد السندي
5 - العلامة عبد الخالق الزبيدي
6 - القاضي العلامة الحسين المغربي
وغيرهم
مؤلفاته:
ذكرت محققة التفسير أربعاً وستين كتاباً لابن الأمير الصنعاني، وأحالت في الأُخر لمقالة الأستاذ عبد الله الحبشي بعنوان (مؤلفات محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني) وقد نشرت في مجلة الإكليل السنة الأولى العدد رقم (2) والتي تصدرها وزارة الإعلام والثقافة بصنعاء. وكذلك كتابه مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن. ومن مؤلفاته:
- إسبال المطر على قصب السكر
- تحقيق عبارات قصص القرآن المسمى (الإيضاح والبيان)
- تطهير الاعتقاد من درن الإلحاد
- توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار في علوم الآثار
- ديوان ابن الأمير الصنعاني
- جواب لسؤال: هل التحدي بالقرآن مستمر، أم يرتفع إذا اختلت اللسان
- رفع الأستارلإبطال أدلة القائلين بفناء النار
- سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام
وفاته:
توفي يوم الثلاثاء من شهر شعبان عام 1182 هـ عن 83 عاماً
ولأخينا الشيخ المنصور نظرة في نسبة هذا التفسير للصنعاني، يا حبذا لو يتحفنا بها ..
ـ[روضة]ــــــــ[16 Jan 2006, 03:33 م]ـ
شكر الله لك اهتمامك وبارك فيك
ـــــــــــــــــــ
اللهم أكرمنا بأنوار الفهم
وأجرنا من ظلمات الوهم
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[17 Jan 2006, 04:02 ص]ـ
وبارك الله فيكِ
ـ[عبدالله الحضرمي]ــــــــ[17 Jan 2006, 06:50 ص]ـ
جزاك الله خير اخي القرشي
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[17 Jan 2006, 10:05 م]ـ
وإياك أخي عبد الله
ـ[المنصور]ــــــــ[21 Jan 2006, 12:57 م]ـ
السؤال المهم:
هل هذا المطبوع هو كامل ماوجد من التفسير؟
إذ إن المطبوع مجلد واحد فقط، أما الآخر فكله دراسة.
هذا هو محل الإشكال عندي حول المطبوع، ولاأشكك في نسبته للصنعاني، بل أشكك في كون هذا المطبوع هو كل ماعثر عليه من مخطوطات الكتاب.
وشكر الله تعالى لكم،،،
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[22 Jan 2006, 02:02 م]ـ
شَكرَ اللهُ للشيخ المنصور هذا التعليق
ـ[أبو إياد]ــــــــ[29 Jan 2006, 05:41 م]ـ
الحمد لله وحده،
أول من حقق جزءاً من كتاب مفاتح الرضوان هو د. عبد الله بن سوقان الزهراني في رسالته في مرحلة الماجستير ونوقش عام 1410هـ (في غالب الظن)، حيث حقق من سورة الشعراء إلى نهاية سورة الروم، ثم تلته الباحثة هدى القباطي في اليمن في رسالتها الماجستير، ويعمل الآن على تحقيق ما تبقى منه ثلاثة باحثين: طالبان في مرحلة الماجستير، أحدهما من أول سورة لقمان إلى نهاية سورة الصافات، والثاني من أول سورة ص إلى نهاية سورة الدخان، وأما الباحث الثالث فيعمل على تقديمه بحثَ ترقية، وثلاثة الباحثين من قسم التفسير في كلية القرآن بالجامعة الإسلامية بالمدينة.
وينتهي الكتاب في وسط سورة الفتح، وهل كتب المؤلف بعدها شيئاً؟ الله أعلم، إلا أنه أرخ تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم في شهر صفر 1180هـ، ووفاته كانت عام 1181هـ،
أما نسبة الكتاب إلى مؤلفه فغلبة الظن أنه للصنعاني صاحب سبل السلام، وهذا الظن يكاد يصل إلى اليقين، فإنه عزا في مفاتح الرضوان إلى كثير من كتبه الأخرى كالأنفاس الرحمانية، والسيف الباتر، وسبل السلام، وإيقاظ الفكرة، كما أن من يعرف أفكار الصنعاني -التي يدندن عليها كثيراً- يجزم أن الكلام كلامه، وأن الأسلوب أسلوبه، ولا مجال لسرد هذه الأفكار هنا،
ومن باب العلم بالشيء فقد كان الشيخ حماد الأنصاري تغمده الله برحمته ينكر نسبة هذا الكتاب إلى الصنعاني إنكاراً شديداً، وذلك لأن إبراهيم بن محمد بن إسماعيل الأمير (ابن صاحب سبل السلام) لما الف ترجمة والده -الروض النضير- لم يذكر له هذا الكتاب، وكذلك الشوكاني في البدر الطالع لم يذكر هذا الكتاب، والجواب عندي أن الكتاب -في غالب ظني- لم يبيض، فإن أسلوب المؤلف في بعض المواضع ركيك يدل على أنه لم يعتن بعبارته ولم يجودها، وترك تخريج بعض الأحاديث بياضاً فيقول مثلاً: أخرجه ....... ، كما أنه ترك تفسير بعض الآيات ولم يتعرض لها، وكأنه أراد الرجوع إليه بعد الانتهاء من إلقاء دروسه فوافته المنية -كما أشرت إلى تأخر تأليفه لهذا الكتاب-.
هذا وأرجو ممن عنده علم بهذا الكتاب أن يطلعني عليه، شاكراً ومقدراً وداعياً له بالتوفيق والغفران.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[29 Jan 2006, 10:33 م]ـ
أخي أبا إياد، جزاك الله خيرا
ـ[أبو محمد الريشي]ــــــــ[30 Jan 2006, 01:39 ص]ـ
كما أفيد الإخوة الكرام أن الجزء الذي تقدم بتحقيقه د. عبدالله بن سوقان الزهراني قد طبع أيضا في مجلدين وذلك منذ مايزيد على سنتين.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[30 Jan 2006, 11:17 م]ـ
حياك الله أبا محمد، وياليتك تفيدنا أين طبع تحقيق الدكتور عبد الله الزهراني؟
ـ[أبو إياد]ــــــــ[31 Jan 2006, 10:30 م]ـ
أخي أبا محمد، عفا الله عنك! د. عبد الله سوقان الزهراني لم يطبع ما حققه من كتاب مفاتح الرضوان، بتاتاً إلى هذه الساعة التي أكتب فيها، وأنا أعرف ما أقول.
ـ[أبو عبيد الله]ــــــــ[05 Feb 2006, 09:24 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع بكم(/)
دراسة نقدية لتأويل معنى " يَسْتَفِزَّهُمْ " في الآية 103 من سورة الإسراء
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[01 Dec 2005, 05:18 م]ـ
مقدمة
حين يستشكل فهم المراد من آية في القرآن الكريم، عند قراءة المسلم لكتاب الله تعالى. فإن أول ما يخطر بباله هو التوجه إلى كتب السادة المفسرين ـ رحمهم الله تعالى ـ.
وغالب كتب السادة المفسرين مبنية على ما قبلها، إما اختصاراً أو شرحاً .. مع فوائد جديدة تحددها نظرة المفسر إلى الغاية من ذلك التفسير، هل هي العناية بالتفسير بالمأثور أو البلاغي أو الفقهي أو الاجتماعي ..
وكثيراً ما ينقل المفسر عمن سبقه دون كثير تدبر، ثقةً بمن سبقه، وتقليداً من التلميذ لشيخه علامةً على التقدير والاحترام.
ولما صار القرآن الكريم محل نقدٍ وفحص لغير المؤمنين بإلهية مصدره ـ بل عده كثيرون كأي دراسات أدبية تخضع للنقد، دون وقوف عند قدسية النص [1]ـ وجب على المفسرين التفكير بروية فيما ينقلونه عن السادة العلماء السابقين من تفسيرٍ لآيات القرآن الكريم، خشية تحميل القرآن الكريم أخطاءَ بشر يصيبون ويخطئون.
ومثال ذلك تفسير السادة المفسرين لمعنى الاستفزاز في قوله تعالى في سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
حيث ذكر المفسرون أن المقصود بالاستفزاز: الإخراج.
فأصبح تفسير الآية الكريمة: فأراد (فرعون) أن يخرجهم (بني إسرائيل) من الأرض (أرض مصر).
وهذا يخالف إجماع كتب التاريخ والقصص القرآني أن فرعون رفض إخراج بني إسرائيل من مصر، وأن الخروج من مصر كانت غاية أمنيات بني إسرائيل المستعبدين في الأرض. [2]
بل إن القرآن الكريم يقرر أن سيدنا موسى ـ عليه السلام ـ جعل إخراج بني إسرائيل من مصر من أولويات دعوته.
قال تعالى في سورة الأعراف: " وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) ".
فلا يُعقَل أن يُلام فرعون على تنفيذه طلب سيدنا موسى، وما طلب سيدنا موسى ذلك إلا بوحي من الله تعالى.
لهذا جاءت هذه الدراسة لتزيل شبهة أن يكون ذلك التفسير سبباً في نقد القرآن الكريم، واتهامه بالوقوع في أخطاء تاريخية، متفق على صحتها.
وذلك بيان المعنى الأصح للاستفزاز في الآية الكريمة، انتصاراً للقرآن الكريم، ورداً لما قد يثار حوله من شبهات، بالدليل العلمي المنهجي.
وسيتم ذلك بتتبع وعرض الآيات الكريمة التي ذكرت الكلمات التي اشتقت من الجذر (فزز). ثم استخدام المنهج الإستقرائي؛ لاستقراء ما ورد في كتب المفسرين حول معنى الاستفزاز في الآيات الكريمة. ثم استنباط المعنى الصحيح للاسفزاز. وذلك بما لا يخالف اللغة وسياق الآيات الكريمة، وما قرره الإسلام من عقائد وأحكام.
تمهيد
لعرض صورة واضحة عن الشبهة محل الرد في هذه الدراسة، يجب بيان ما يلي:
أ) ما اشتق من الجذر " فزز " في القرآن الكريم:
تكررت الكلمات المشتقة عن الجذر (فزز) ثلاث مرات في القرآن الكريم، وجميعها في سورة الإسراء:
الآية الأولى: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) ".
الآية الثانية: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) ".
الآية الثالثة ـ محل هذه الدراسة ـ: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
(يُتْبَعُ)
(/)
والضمير في الآية الأولى يعود على: إبليس، والثانية: على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والثالثة: على فرعون.
ب) عرض معنى " الاستفزاز " في الآيات الثلاث في كتب التفسير:
1. الاستفزاز في الآية الأولى: " وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) ".
اتفق المفسرون على أن المقصود بالاستفزاز هنا: " الاستخفاف ". بحسب التفصيل التالي:
ـ ما ورد في تفاسير أهل السنة:
استفزِزْ: استخفهم بذلك [3]، واستزل واستخف، وأصله القطع. ومنه: تفزز الثوب، إذا انقطع. والمعنى: استزله بقطعك إياه عن الحق. واستفزه الخوف: أي استخفه. وقعد مستوفزاً: أي غير مطمئن. واستفزز أمر تعجيز، أي: أنت لا تقدر على إضلال أحد، وليس لك على أحد سلطان فافعل ما شئت. [4]
وفيه تهديد ووعيد من الله تعالى إلى الشيطان: " استزعج واستخف من استطعت من بني آدم، والمعنى: استخفهم بصوتك داعياً لهم إلى معصية الله ". [5]
فقوله: " واستفزز " أي: استخف من استطعت أن تستفزه منهم، فالمفعول محذوف لدلالة المقام عليه والاستفزاز الاستخفاف ". [6]
ـ ما ورد في تفاسير الشيعة:
واستفزز: أي: اخدع [7]، واستزِل [8]، واستخِف [9].
وفي هذه الآية: " الاستفزاز بالصوت: كناية عن استخفافهم بالوسوسة الباطلة " [10].
كل هذا يبيِّن اتفاق العلماء على تفسير الاستفزاز في الآية الأولى بالاستخفاف.
وواضح أن الاستفزاز (الاستخفاف) صادر من إبليس إلى أبناء آدم عليه السلام .. وهو استخفاف ناجح مع أوليائه منهم، وغير ناجح مع عباد الله المخلصين.
فعلاقة الشيطان بأوليائه علاقة استخفاف من سيد لعبيده، فهو لا يحترمهم بل يسوقهم كما تُساق الأنعام.
2. تفسير الآية الثانية: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) ".
ـ ما ورد في تفاسير أهل السنة:
كثير من المفسرين اكتفوا بدلالة: " لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا " على تفسير المراد بالآية دون بيان معنى الاستخفاف فيها. [11]
إلا أن شيخ المفسرين الطبري [12] جعل الاستفزاز في الآية الكريمة مقدمة للإخراج، لا عَين الإخراج. حيث قال: " يقول عز وجل: وإن كاد هؤلاء القوم ليستفزونك من الأرض. يقول: ليستخفونك من الأرض التي أنت بها، ليخرجوك منها ". [13]
ومنهم من جَعَل المقصود: الإزعاج مقدمةً للإخراج: " ليزعجوك بمعاداتهم .. ليخرجوك منها ". [14]
وهناك من حملها على المعنى الظاهر للاستفزاز وهو الاستخفاف: كأن المشركين أرادوا " أن يستخفوه من أرض العرب بتظاهرهم عليه ". [15]
ـ ما ورد في تفاسير الشيعة:
بعض كتب التفسير ذكرت عدة معانٍ لمعنى الاستفزاز دون أن ترجح أحدها، فقد ذكر تفسير التبيان: القتل، الاستخفاف بالانزعاج، الإخراج من جزيرة العرب (لا مكة فقط). [16]
بينما رجح أكثرها تفسير الاستخفاف بالإزعاج. [17]
وذكر المفسر الشيعي المعاصر محمد جواد مغنية في تفسيره الكاشف كلاماً جديراً بالتأمل، فهو مفيد هنا: " لما عجز المشركون عن استدراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المساومة، حاولوا أن يستخفوه ويزعجوه بكل وسيلة ليخرجوه من مكة ... ولو أن المشركين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وقسراً، بحيث يصبح .. لا يدري أين يتجه، لعجَّل الله في هلاكهم. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، إنما خرج منها بأمر الله سبحانه وتعالى إلى قوم يفدونه بالأنفس والمال والعيال ". [18]
وبهذا يتضح أن الاستفزاز هو الاستخفاف والإزعاج مقدمةً للإخراج، وليس بمعنى الإخراج.
وأن محاولة الاستفزاز (الاستخفاف) هنا صادرة من كفار مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها لم تنجح؛ فهم كادوا يستفزونه ولكنهم لم يستفزونه.
3. تفسير الآية الثالثة: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
ـ ما ورد من تفسير في كتب السنة: اختلفوا في تفسير ذلك إما بالإخراج أو القتل أو الاستخفاف ثم الإخراج.
أ) الإخراج:
أراد فرعون أن يُخرج موسى عليه السلام وبني إسرائيل من أرض مصر [19]، ويخليهم عنها. [20]
(يُتْبَعُ)
(/)
والاستفزاز: الاستخفاف، وهو كناية عن الإبعاد. [21]
ب) القتل: يعني: إخراجهم عن هذه الحياة الدنيا بالقتل، إن لم يخرجهم من أرض مصر بالإجلاء.
يستفزكم: يستخفهم ويقلعهم إما بقتل أو بإجلاء. [22]
ج) الاستخفاف ثم الإخراج:
فالآية تبين أن فرعون أراد أمرين: " أن يستخف موسى عليه السلام وقومه، وينفيهم من الأرض ـ أرض مصر ـ ". [23]
وجاء في تفسير روح المعاني ذكر المعاني الثلاثة مع ترجيح القتل:
" وأصل الاستفزاز الإزعاج، وكنى به عن إخراجهم. (من الأرض) أي: أرض مصر التي هم فيها، أو من جميع الأرض. ويلزم إخراجهم من ذلك قتلهم واستئصالهم، وهو المراد ". [24]
ـ ما ورد في تفاسير الشيعة
أراد فرعون أن يخرجهم منها. [25]
وقيل: يخرجهم منها بالنفي والقتل والإزعاج كرهاً. [26]
ومنهم من جعل النفي والقتل هو عين الاستخفاف، لا مرحلة سابقة له.
جاء في تفسير مجمع البيان: " يزعج موسى ومن معه من أرض مصر وفلسطين والأردن بالنفي عنها، وقيل: أن يقتلهم ". [27]
ويتضح من سياق الآية الكريمة، أن الاستفزاز صدر عن فرعون إلى سيدنا موسى عليه السلام وبني إسرائيل، وهذا الاستفزاز لم يتمّ؛ بسبب إغراق الله سبحانه وتعالى لفرعون .. " أَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ ".
ج) تحرير محل النزاع:
يرى أكثر المفسرين ـ رحمهم الله تعالى جميعاً ـ حَمْل الاستفزاز الوارد في الآية الكريمة (103 من سورة الإسراء) على الكناية ـ كناية عن الإخراج، القتل .. ـ.
بينما يرى الباحث أن الحق إبقاء معنى الاستفزاز على معناه الحقيقي: (الاستخفاف)؛ فهو الأصل، وما يوافق القرآن الكريم وسياق الآية الكريمة وما أجمع عليه المؤرخون. [28]
وهذا يوافق اللغة العربية، بحسب ما ورد في كتب الغريب والمعاجم، كما سيتبين قريباً.
معنى الاستفزاز في كتب الغريب واللغة
يستفزهم من الأرض: أي: يزعجهم، وفزني فلان، أي: أزعجني، والفز: ولد البقرة، وسمي بذلك لما تصور فيه من الخفة، كما يسمى عِجلاً لما تصور فيه من العجلة. [29]
لا يَسْتَفِزُّه: أي لا يَسْتَخِفُّه. ورَجُلٌ فَزُّ: أي خفيف. وافْزَزْتُه اذا ازعَجْتَه وافْزَعْتَه. [30]
وجاء في الجامع الصحيح: " بَاب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ .. وَاسْتَفْزِزْ: اسْتَخِفَّ ". [31]
وفي معجم مقاييس اللغة: " (فز) الفاء والزاء: أُصَيلٌ يدلُّ على خفّةٍ وما قاربَهَا. تقول: فَزَّهُ واستفزَّه، إذا استخفَّه. قال الله تعالى: " وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْض " [الإسراء 76]، أي يحملونك على أن تَخِفَّ عنها. وأفزَّه الخوفُ وأفْزَعَه بمعنىً. وقد استفَزَّ فُلاناً جهْلُه. ورجل فَزٌّ: خفيف. ويقولون: فزَّ عن الشيء: عدل. والفَزُّ: ولَد البقرة. ويُمكن أن يسمَّى بذلك لخفَّة جسمِه. قال:
كما استغَاثَ بسيءٍ فَزُّ غَيْطَلَةٍ خافَ العُيونَ ولم يُنظُرَ به الحَشكُ [32] ". [33]
وبالعودة إلى أصل معنى (فزّ) يتبين ما أراد فرعون من بني إسرائيل: فقد أراد كل واحد منهم خائفاً فزِعاً كابن الظبي أو البقر الوحشي " الفرير ". [34]
وفز الظبي: فزِع. [35]
وهل هناك أفزع منه؟!
معنى " الاستخفاف " في القرآن الكريم
في البداية ينبغي الإشارة إلى أن أول ما يقوم به المفسر عند تفسيره، هو تفسير القرآن بالقرآن. وبما أنه تم ترجيح تفسير (الاستفزاز) بالاستخفاف. وجب بيان معنى الاستخفاف في القرآن الكريم.
وبتتبع الآيات الكريمة التي تتحدث عن الاستخفاف، تبين ورود آيتين كريمتين تذكران معنىً مقارباً لمعنى الاستفزاز (موضع الدراسة)، والآيتان:
1. قال تعالى: " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم: 60].
2. قال تعالى: " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " [الزخرف: 54].
والضمير في الآية الأولى يعود على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والثانية يعود على فرعون.
وهنا ينبغي الإشارة إلى عودة الضمير في الآية الثانية موضع الدراسة (آية: 76) من سورة الإسراء على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والثالثة (آية: 103) على فرعون.
وقد فسر أكثر العلماء الاستخفاف في الآيتين الكريمتين بـ " الاستفزاز ". [36]
ومما ورد في بيان ذلك في كتب اللغة:
(يُتْبَعُ)
(/)
لا يستخفنك: لا يستفزنك، ولا يستجهلنك. [37]
واستخفه: استفزه. [38]
وعلى هذا:
فالاستفزاز = الاستخفاف.
والاستخفاف = الاستفزاز.
عند تفسير القرآن بالقرآن، نجد ..
ـ في خطاب الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
" وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ". [الإسراء: 76].
" فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم: 60].
ـ وفي سياق الحديث عن فرعون، وعلاقته بكل من بني إسرئيل وقومه (المصريين):
بني إسرائيل: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا " [الإسراء: 103].
المصريين: " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ " [الزخرف: 54].
العلاقة بين فرعون وبني إسرئيل قبيل خروجهم من مصر
بعد هذه الجولة في معنى كل من الاستفزاز والاستخفاف في كتب التفسير واللغة، معززاً ذلك بتفسير القرآن للقرآن .. ينبغي لفت الانتباه إلى الأجواء الختامية لقصة سيدنا موسى عليه السلام وقومه مع فرعون.
يبين القرآن الكريم أن فرعون قد خاف أن يؤمن بنو إسرائيل بدعوة سيدنا موسى عليه السلام مما يهدد مركزه الاجتماعي والديني في مصر.
وزاد هذا الخوف بعد أن دخلت الدعوة إلى المصريين أنفسهم، فآمن السحرة [39] .. وكذا الرجل المؤمن من آل فرعون [40].
عندها عبَّر الملأ من حول فرعون عن طبيعة الخطر الذي سيلحق به وبهم، فخوفوه من أن دعوة موسى وأخيه هارون عليهما السلام هي دعوة تمكين للمستضعفين، وتحرير للناس من عبادة غير الله تعالى. بينما دعوة فرعون هي دعوة عبودية له، واستخفاف بهم.
فخاطبوهما على مسمع فرعون: " قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ". [يونس: 78] والكبرياء هنا: المُلك والسلطان. [41]
وظلوا يخوفونه من تهديد الدعوة الجديدة على سلطانه، فاستخدم التهديد والوعيد ليستخف ببني إسرائيل " وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ " [الأعراف: 127].
من هنا بدأت مناورات الاستفزاز والحرب النفسية من فرعون وملئه بأتباع الدعوة الجديدة، والتي عبَّر عنها القرآن الكريم: " َمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ " [يونس: 83].
وخوفاً من تأثير استخفاف فرعون ببني إسرائيل (كما استخفَّ قومَه فأطاعوه) فكان الرأي السديد لسيدنا موسى عليه السلام الهجرة من مصر مع أتباع دعوته، ليجدوا أرضاً (يتمكنوا) فيها؛ ليقيموا فيها شعائر دينهم الحق بلا وجل ولا استخفاف. [42]
لذا خرج بهم سراً في الليل (الإسراء) دون أن يشعر بهم فرعون، " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ " [الشعراء: 52].
ثم تبين سورة الشعراء مشهد لحوق فرعون وجيشه بهم: " فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) ".
وعلم فرعون بتلك الهجرة متأخراً، بدليلين:
الأول: أن الجمعين شاهد كل منهما الآخر، وهذا يكون نهاراً .. وبني إسرائيل ساروا ليلاً " أَسْرِ ".
الثاني: أن موسى عليه السلام وقومه وصلوا شاطئ اليم، بعيداً عن العمران.
كل هذا يؤكد أن الإخراج لم يكن عن طيب خاطر من فرعون، وإلا لتركهم يذهبون. بل العكس من ذلك، لحق بهم؛ لأنه أراد إبقاءهم للخدمة والعبودية.
معنى " مِنْ " في الآية الكريمة
(يُتْبَعُ)
(/)
قد يتساءل سائل: إن سلَّمنا بأن الاستفزاز بمعنى الاستخفاف، فما معنى حرف الجر " مِنْ " في قوله تعالى: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا "؟
وجواب ذلك في إنابة بعض حروف الجر عن بعض، حيث إن بعض حروف الجر، تفيد معانٍ عدة (منها معاني حروفٍ أخرى)، ويُفهَم المعنى من السياق. [43]
مثلاً الباء: تفيد عدة معانٍ:
في: كقوله تعالى: " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ". [آل عمران123].
عن: كقوله تعالى: " الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ". [الفرقان: 59].
على: كقوله تعالى: " مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ". [آل عمران: 75].
مع: كقوله تعالى: " فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ". [طه: 78].
من: كقوله تعالى: " عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ". [الإنسان: 6].
إلى: كقوله تعالى: " وَقَدْ أَحْسَنَ بِي". [يوسف: 100].
والآن إلى موضع الشاهد هنا:
قوله تعالى: " فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الأرْضِ " [الإسراء: 103].
الراجح أن " مِنْ " هنا تفيد معنى الظرفية: (فِيْ)، بدليل أن من معاني (في): التبعيض أو البيان (مِن).
فمن الممكن أن يدل أحدهما على معنى الآخر ... وذلك بحسب الأمثلة التالية:
أولاً: " فِيْ " بمعنى " مِنْ ": [44]
- قوله تعالى: " وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِيْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيْدَاً ". [النحل: 89].
أي: من كل أمة. انظر ما قبلها: " وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) ". والنساء: " فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) ".
- وقول امرئ القيس [45]:
أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ فِيْكَ بِأَمثَلِ
أراد: منك.
- وقوله:
وَهَل يَعِمَن مَن كانَ أَحدَثُ عَهدِهِ ثَلاثينَ شَهراً في ثَلاثَةِ أَحوالِ
أراد: من ثلاثة أحوال.
ثانياً: " مِنْ " بمعنى " فِيْ ": [46]
- قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ .. ". [الجمعة: 9].
أي: في يوم الجمعة.
- وقوله تعالى: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ .. ". [فاطر: 40].
أي: في الأرض.
- ومثله للشاعر الجاهلي: [47]
عَسى سائِلٌ ذُو حاجَةٍ إِن مَنَعتَهُ مِن اليَومِ سُؤلاً أَن يَكون لَهُ غَدُ
أي: في اليوم.
بهذا يتبين أنه يجوز لـ (مِنْ) أن تحمل معنى الظرفية (فِيْ) , بالإضافة إلى ما تتميز به من معان أخرى.
الصواب في تفسير الآية الكريمة
قال تعالى في سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) ".
وفرعون حين أراد الاستخفاف ببني إسرائيل لم يشأ أن يستخفهم ليخرجهم، بل ليرهبهم ويسهل انقيادهم له عبيداً أذلاء؛ كما أنه حين استخف بقومه لم يرد إلا ذاك .. لم يُرد إلا أن يستخف بكل من في مصر: المصريين (ونجح في ذلك) وبني إسرائيل .. ولا يُعقَل أن يتمنى خروجهم.
أراد الله جل جلاله للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل العلو والتمكين في الأرض، ولا يتحقق ذلك وهم يتعرضون لاستفزاز فرعون وملئه صباح مساء.
والتمكين عكس الاستفزاز والاستخفاف، ويكون جائزة الصبر والتوكل على الله تعالى.
جاء في مدارج السالكين: " فمن وفَّى الصبر حقه، وتيقن أن وعد الله حق، لم يستفزه المبطلون، ولم يستخفه الذين لا يوقنون. ومتى ضعف صبره ويقينه ـ أو كلاهما ـ استفزه هؤلاء واستخفه هؤلاء، فجذبوه إليهم، بحسب ضعف قوة صبره ويقينه. فكلما ضعف ذلك منه، قوي جذبهم له. وكلما قوي صبره ويقينه، قوي انجذابه منهم، وجذبه لهم ". [48]
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا الذي تم، التمكين والاستخلاف للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل بسبب صبرهم ورفضهم الاستفزاز: " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ". [الأعراف: 128].
وتمت سنة الله الكونية الثابتة فيهم بسبب عدم خضوهم للاستفزاز: " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ " [الأعراف: 137].
وبهذا وعد الله جل جلاله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده إن لم يستخفهم مشركو قريش: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .. ". [الروم: 55].
ثم تمت سنة الله الكونية الثابتة فيهم بسبب عدم خضوعهم للاستفزاز: " وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا " [الأحزاب: 27].
ومن المُلاحَظ أن التمكين والاستخلاف تم بعد الهجرة، سواء في زمن موسى عليه السلام أو محمد صلى الله عليه وسلم.
كما تقرر الآيات الثلاث الكريمة في سورة الإسراء أهمية عزة المؤمن، واستعلائه على الباطل الذي يريد استفزازه وجعله مطية له (جناً كان أم إنساً). وتحقير من رضي لنفسه أن يكون (فزاً وفريراً ... ) سواء للشيطان الجن أو شياطين الإنس.
وعدم الرضوخ إلى ترهيبه وترغيبه، فما هي إلا (استفزازات) و (استخفافات) لا تليق بالمؤمنين المخلصين، ولهذا حذرهم من أن يكون مصيرهم كمصير قوم فرعون الذي كما قادهم في الدنيا إلى الهلاك، سيقودهم أيضاً في الآخرة إلى العذاب ..
" يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ " [هود: 98].
الخلاصة
كانت إرادة فرعون أن يستخدم البطش والتهديد ليستخف بفئتي المجتمع في مصر: المصريين، وبني إسرائيل. لتسهل السطيرة عليهم، وليستتب له الحكم بلا معارضة.
وقد نجح في ذلك مع قومه المصريين، حيث استخفهم فأطاعوه. ولكن الله جل جلاله يريد للطائفة المؤمنة أن تكون عزيزة أبيَّة، لا تخضع للترغيب والترهيب على حساب دينها، ومعيقة لها عن وظيفة تحقيق العبودية لله وحده في الأرض، ولا يتحقق هذا بلا تمكين.
لذا كانت معية الله سبحانه وتعالى للطائفة المؤمنة من بني إسرائيل، حيث بدت السنة الإلهية في نصر وتمكين العباد المؤمنين، حين أراد فرعون الاستخفاف ببني إسرائيل .. ولكن دائرة السَّوء جاءت عليه، وانقلب كيده إلى نحره، حيث غرق في اليم. فانقلب المستخِفُّ مسخفَّاً به.
ذاك هو الحق الذي بينته سورة الإسراء: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) ".
صدق الله العظيم
الهوامش:
================================================== =
1) قال د. نصر أبو زيد: " القرآن ينتمي إلى ثقافة البشر ". انظر كتابه: مفهوم النص - دراسة في علوم القرآن، ص: 27.
2) انظر: تاريخ الأمم والملوك، الطبري 1/ 240. والبداية والنهاية، ابن كثير 1/ 249. والمنتظم، ابن الجوزي 1/ 339.
(يُتْبَعُ)
(/)
3) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: 3/ 50. وتفسير الجلالين، جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي، ص: 373. وزاد المسير، ابن الجوزي: 5/ 58.
4) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 10/ 288.
5) فتح القدير، الشوكاني: 3/ 241.
6) أضواء البيان، الشنقيطي: 6/ 498.
7) تفسير القمي: 2/ 22.
8) التبيان، الخوئي: 6/ 498.
9) جوامع الجامع، الطبرسي: 2/ 336.
10) الميزان، الطباطبائي: 13/ 154.
11) انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: 3/ 45. وأضواء البيان، الشنقيطي: 3/ 175. تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص: 464.
12) هو محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الإمام العلم المجتهد عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة من أكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال وكان من أفراد الدهر علماً وذكاء وكثرة تصانيف، قل أن ترى العيون مثله. (ت310هـ) انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي: 14/ 267.
13) جامع البيان، الطبري: 15/ 132.
14) أنوار التنزيل، البيضاوي: 3/ 461.
15) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي:10/ 301.
16) انظر: التبيان، الطوسي: 6/ 507.
17) انظر: جوامع الجامع، الطبرسي: 2/ 340. والصافي، الكاشاني: 3/ 206. والميزان، الطباطبائي: 13/ 185.
18) الكاشف، محمد جواد مغنية: 5/ 72.
19) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي:10/ 338. وانظر: مفاتيح الغيب الرازي: 21/ 56. وتفسير الجلالين، ص: 337. والوجيز، الواحدي: 2/ 650. ومدارك التنزيل، النسفي: 1/ 269. وتيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص: 468.
20) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير: 3/ 68.
21) التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور: 11/ 2507.
22) والمحرر الوجيز، ابن عطية: 3/ 490. وانظر: الكشاف، الزمخشري: 2/ 271. وفتح القدير، الشوكاني: 3/ 263.
23) أنوار التنزيل، البيضاوي: 3/ 470.
24) روح المعاني، الآلوسي: 5/ 396.
25) تفسير القمي: 2/ 29. والميزان، الطباطبائي: 13/ 234.
26) التبيان، الطوسي: 6/ 529.
27) مجمع البيان، الطبرسي: 3/ 443.
28) وهو أن فرعون إنما أراد إبقاء بني إسرائيل لاستعبادهم (الاستخفاف بهم)، وأن آخر ما كان يتمناه خروجهم من مصر.
29) المفردات، الراغب الأصفهاني: 2/ 260.
30) النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير الجزري: 3/ 443. وقبله في تفسير معنى (حليم): 1/ 434: " الحَليمُ، هو الذي لا يَسْتَخِفُّه شيء من عِصْيان العباد, ولا يستفِزُّه الغضب عليهم ".
31) الجامع الصحيح، البخاري: 3/ 1192 (كتاب بدء الأرض). وانظر أيضاً: 4/ 1742 (كتاب تفسير القرآن ـ باب سورة بني إسرائيل الإسراء).
32) البيت لزهير بن أبي سلمى، انظر: ديوانه، ص: 177. قال ابن دريد، في كتابه: " الاشتقاق "، ص: 168: " الغيطلة: البقرة الوحشية، والفز ولدها ". والسيء: اللبن اليسير الذي يخرج من الضرع قبل الحلب. انظر: لسان العرب، ابن منظور: 1/ 99 (سيأ). والحشك: ترك اللبن حتى يتجمع. انظر: لسان العرب، ابن منظور: 10/ 412 (حشك).
ويقصد بالتشبيه في البيت: التشبيه بابن بقرة وحشية يلعق السيء، دون انتظار تجمع اللبن في الضرع؛ خوفاً من عيون الناس.
33) معجم مقاييس اللغة، ابن فارس: 4/ 343.
34) انظر: لسان العرب، ابن منظور: 5/ 52 (فرر). ومنه أطلقت العرب على الهروب جُبناً " الفرار ".
35) القاموس المحيط، الفيروزآبادي: 1/ 669.
36) لبيان معنى الاستخفاف في سورة الروم، انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 14/ 49. وفتح القدير، الشوكاني: 4/ 232. والوجيز، الواحدي: 2/ 842. وزاد المسير، ابن الجوزي: 6/ 163. والتبيان، الطوسي: 8/ 267. ومجمع البيان، الطبرسي: 4/ 311.
ولبيان معنى الاستخفاف في سورة الزخرف، انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: 16/ 101. والجلالين، ص:652. وزاد المسير، ابن الجوزي: 7/ 322. وجوامع الجامع، الطبرسي: 4/ 515.
37) القاموس المحيط، الفيروز آبادي: 1/ 1042 (خفف).
38) أساس البلاغة، الزمخشري: 1/ 445 (خفف). وانظر: لسان العرب، ابن منظور: 9/ 88 (خفف).
39) انظر: سورة الأعراف، الآيات: 120 - 126.
40) انظر سورة غافر (المؤمن)، الآيات: 39 - 45.
41) انظر: جامع البيان، الطبري:11/ 147.
(يُتْبَعُ)
(/)
42) مدح القرآن الكريم هذا العلاج لمن يخشى على دينه من التأثر السلبي لاستفزاز الظالمين، قال تعالى: " وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [النساء: 100]. بل ذم من لم يستخدم ذلك العلاج، وعدَّه معصية: " الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " [النساء: 97].
43) من أشهر الكتب التي تناولت ذلك بالتفصيل كتابي: الجني الداني في معاني حروف المعاني للمرادي، ورصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي.
44) انظر: تناوب حروف الجر في لغة القرآن، د. محمد حسن عواد، ص: 35.
45) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، أشهر شعراء العرب على الاطلاق. يماني الاصل، كان أبوه ملك أسد وغطفان. قصد الحارث ابن أبي شمر الغساني (والي بادية الشام) فسيره هذا إلى قيصر الروم في القسطنطينية، فولاه فلسطين، ولقبه فيلارق أي الوالي، فرحل يريدها. فلما كان بأنقرة ظهرت في جسمه قروح، وما لبث أن توفي؛ ولذلك عُرف بذي القروح، وكذلك: الملك الضليل. انظر: الأعلام، الزركلي: 2/ 14.
46) انظر: تناوب حروف الجر في لغة القرآن، د. محمد حسن عواد، ص: 28.
47) ورد هذا البيت في قصيدتين: الأولى: لأبي اللحام حُريث بن اللحام التغلبي، ومطلعها:
عمرتُ وأَطولتُ التَّفَكُّرَ خالياً وَساءَلت حَتّى كادَ عُمري يَنفَدُ
والثانية: لعدي بن زيد بن حماد التميمي، ومطلعها:
أَتَعرِفُ رَسمَ الدارِ مِن أُمِّ مَعبَدِ نَعَم وَرَماكَ الشَوقُ قَبلَ التَجَلُّدِ
انظر: موسوعة الشعر العربي، المكتب الثقافي، أبو ظبي، قرص حاسوبي ( Cd ).
48) مدارج السالكين، ابن قيم الجوزية: 3/ 215 (أول باب التمكُّن).
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[04 Dec 2005, 07:00 م]ـ
ولما كان الإسلام دعوة عالمية، لابد للدعاة من ترجمة صحيحة لمعاني القرآن الكريم وذلك للقيام بفريضة التعريف بهذا الدين العظيم.
ولا يجوز أن يتهاون من تصدى للترجمة في البحث عن أقرب الترجمات إلى الصحة من أجل بيان المعنى المراد.
وبما أن الترجمة عمل إنساني يشوبه ما يشوب المترجم مما طبعَ الله الناسَ عليه من خطأ ونقص ..
لا ينبغي أبداً الركون إلى تراجم من سبقنا (على شرفها وفضلها وهم مأجورون مشكورون عليها) بل ينبغي مراجعتها مراتٍ ومراتٍ ... لألا تكون الترجمة سبباً في الطعن بكتاب الله سبحانه وتعالى .. تنزيهاً له عن رميه بما ليس فيه.
هذا إن كان في وقت الراحة والركون والسكون ...
فكيف بنا في هذا الوقت الذي لا تهدأ أمواجه المتلاطمة ورياحه العاصفة .. ولا ترتاح ((الدراسات)) الناقدة لمصدر وتأريخ وموضوعات وأسلوب القرآن الكريم بمختلف جنسيات ولاة أمر معاهد الاستشراق .. وأنواع العملات التي صُرِفت .. وألوان بشرات وعيون الشخوص الذين شمروا عن سواعدهم لذاك ..
في تكالب أكلةٍ على قصعتها لم يعرف التاريخ له مثيلاً لأمة من الأمم أو لكتاب من الكتب منذ بدء التاريخ حتى الآن!!
لا يجوز لنا أن نقدم ما يسبب الطعون لكتاب الله جل جلاله هدية مجانية ولقمة سائغة يستقبلها كل أولئك الناس في غفلة منا
إن استمر جهِلنا بها فتلك مصيبة .. وإن علِمنا بها وجبُنا (أو في أحسن الأحوال تجاهلنا) فالمصيبة أعظم.
كل تلك المقدمة لبيان خطورة ما قد تثيره ما سأذكره أدناه، من نماذج لترجمات معتمدة للآية 103 من سورة الإسراء .. من شبهات حول القرآن الكريم
فجميعها قالت إن فرعون أحب، أراد، رغِبَ في .. إخراج بني إسرائيل من مصر، بينما الحق الذي بيَّنه القرآن الكريم وأجمَعَت عليه كل كتب التاريخ وبما يوافق اللغة: أن فرعون أحب، أراد ... الاستخفاف ببني إسرائيل وإبقاءهم عبيداً عنده ..
وإليكم نماذج من تلك الترجمات ..
الإنجليزية:
he resolved to remove them from the face of the earth: but We did drown him and all who were with him
الفرنسية:
- ( Pharaon) voulut donc les expulser du pays. Alors Nous les noyâmes tous lui et ceux qui étaient avec lui
التركية:
Derken, Firavun onlar ülkeden ç karmak istedi. Bu yüzden biz onu ve maiyyetindekilerin hepsini (denizde) bo ً duk
الألمانية:
Und Pharao wollte die Kinder Israel aus dem Land verscheuchen. Da lieen wir ihn und alle, die mit ihm waren, ertrinken
فهذا رجاء ونداء لكل مؤسسة تُعنى بترجمة القرآن الكريم أن تنظر إلى كتاب الله سبحانه وتعالى بمزيد من العناية .. فلا يؤتيَن كتاب الله من قِبَلها.
كتاب الله المجيد له حق علينا .. ولا يليق بنا التفكير بأنانية، بمعنى: التفسير لأجل العرب المسلمين، بل ينبغي علينا التفكير الجدي و (الوعي) بأن كل حرف نكتبه (وبخاصة إن تعلّق بالقرآن الكريم) فإن عدداً من مراكز البحث ستتلقف ما يُكتَب .. وتعكف عليه دراسةً وتحليلاً
مرة أخرى أخي الغيور على كتاب الله " فلا يؤتَيَنَّ من قِبَلك ".(/)
أهل القرآن .. وصناعة الحياة!
ـ[أبو مالك البكاري]ــــــــ[02 Dec 2005, 12:24 ص]ـ
هم من يملكون أقوى سلاح في التأثير!
هم من يحملون أروع نور لهداية الحائرين!
هم من يرفعون أعلى راية في الدلالة للغافلين!
هم من يحملون بين جنوبهم وحي السماء الذي به قرع النبي صلى الله وسلم العقول المتحجرة فتصدعت، والقلوب القاسية فلانت، والجوارح الآثمة فآبت!
أهل القرآن وخاصته!!
أين هم من المشاركة في صنع الحياة!
أين هم من امتلاك الحجة التي استقوها من أساليب القرآن الكريم وهو يجادل الملحدين ويقنع بالدليل الدامغ الكافرين ويعالج تخبط المنافقين وغفلة العاصين!
أين هم من أساليب الترغيب والترهيب!
أين هم من النزول إلى ميدان الحياة بنورهم وضيائهم وبقوتهم وعزمهم وبحلمهم وبعلمهم!
إن الحياة لا يصنعها إلا أهل القرآن الكريم
لا بكثرة بحوثهم ولا بتنوع مشاركاتهم وكتاباتهم فقط
بل بقيادتهم للناس إلى الجنة
وبتأثيرهم فيمن حولهم بالقدوة
وبتصديهم لتيارات التفسخ ومذاهب الإنحلال بصناعة الجيل المؤمن المتمسك بكتاب ربه وسنة نبيه علما صحيحا وفهما سليما وعملا على المنهج الواضح!
إننا بحاجة إليكم يا أهل القرآن
لا لتقبعوا خلف أوراق الكتب ودوواين العلم فقط - وإن كانت هامة جدا -
ولا لتثروا مكتبات العلم بالجديد من البحوث فقط - وإن كان هذا مهم جدا -
ولا لتتحاورا في مسائل الخلاف الذي لا يفسد للود قضية فقط
بل تضيفوا إلى ذلك الجلوس خلف نفوس ظامئة تحتاج إلى من يسقيها الماء وأي ماء أرق وأعذب واحلى من القرآن للنفوس!
بل لتثروا المجتمع بنسخ من النفوس التي تشربت القرآن وكانت إيمانيا حيا يحيي بحياته أمة من الناس!
وبل لتتحاوروا مع الغافلين والشاكين ولتنقذوا الغارقين!
فإن كنتم يا أهل القرآن تعرفون بليلكم إذا الناس نائمون وبدموعكم إذا قست القلوب وبذكركم إذا الناس غافلون
فلتكونوا أيضا ممن سينتجون جيلا مثلكم أو أفضل منكم يعرفون بأفضل مما عرفتم به
وهم من ستورثون نسخا بشرية مؤمنة لكم أجرهم لا ينقطع
والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم!!
(فليفض القرآن على قلوبنا ونفوسنا وننطلق به إلى واقع حياتنا لنتحرك به، ولنحرّك به واقعنا، ونقوم به اعوجاجنا، ونستدرك به نقصنا، ونكمل به ما وقع من خلل في حياتنا، وذلك هو التأثير المنشود الذي عندما فقدنا كثيراً منه ظلّ القرآن في حياتنا، كأنما هو غائب شاهد، وكأنما هو قد عطل في واقع نفوسنا وقلوبنا فتعطل في واقع حياتنا وأحوالنا)
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[02 Dec 2005, 12:35 ص]ـ
أحسنت مقالاً، ونسأل الله لنا تطبيقها بالفعال الصادقة الناصحة، فما احوجنا لمثل هذه التنبيهات القيمة.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[02 Dec 2005, 10:21 ص]ـ
جزاك الله خيراً على هذا التذكير والنصح
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يجعلنا من أهل القرآن حقاً العاملين به، الداعين إليه.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[02 Dec 2005, 09:30 م]ـ
شكر الله لك هذه المقالة الرائعة فلقد ذكرتني بموقف الصحابي الجليل عندما كان حاملاً للراية يوم الردة فقيل له: الله الله أن نؤتى من قبلك فقال: بئس حامل القرآن أنا إن أُتِيْتُمْ من قبلي.
ـ[أبو مالك البكاري]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:13 م]ـ
شكر الله لكم مشائخنا الفضلاء على مروركم وتعقيباتكم التي أعتز بها كثيرا
وكلي أمل أن نجد منكم كل نصح وتسديد
والله يرعاكم
ـ[ش. م]ــــــــ[04 Dec 2005, 12:12 م]ـ
شكر الله لكم هذه الكلمات الصادقة
فصناعة الحياة إن لم تكن بأيدي أهل القرآن فلن تكون ناجحة
فالقرآن هو المصلح وليس الغاية من حفظه أن نقول نحن أهل القرآن ونقعد
فما هكذا فقط يكون أهل القرآن
فغاية الحفظ العمل وتهذيب الخلق وأن نكون كما كانوا: قرآنا يمشي على الأرض
لتجد ثمرة القرآن (الإصلاح) النور في هذه الأرض فتستضيء بها
ـ[عيسى الدريبي]ــــــــ[04 Dec 2005, 06:36 م]ـ
شكرالله لك هذه الكلمات الضافية أبامالك،والتي تستحث أهل القران الذي أخذواعلى عاتقهم خدمة كتاب الله وأن يحييوا قلوب الناس بهذا النور،كيف لا ونحن نقرأأن كتاب الله نوروكثير من ابناء هذه الامة يعيش في ظلمات الجهل والمعصية والتخلف،ونقرأ أنه موعظة وكثير منا يحتاج الى وعظ،وغالب من يتصدى للوعظ يتخذ بضاعة أغلبها يخلو من الوعظ القرآني، وباختصار نحن- كما ذكر أخي -بحاجة الى أن ننطلق من القران لتتغير ماانحسر من مظاهر هذا الدين في حياتنا الخاصة وفي حياةالامة،وعلى سبيل المثال خطب الجمعةماأعظم تأثيرها -ان كانت قرآنية- وماأسهل فهمها على المتلقين وهذا من خلال تجربة،
ودروس وحلقات التفسيرفي القنوات الفضائية ينبغي لاهل القران أن يكون لهم مشاركة فيها ومن سمع شيخنا الشيخ محمدالراوي يدرك أثر الدروس القرآنية،ولايخفى على كثير من الافاضل روعة الوقفات التي كان يمتع بها الشيخ الشعراوي مستمعيه
شكرا أبامالك مرة بعدأخرى على هذه الاطلالة ونتمنى أن لاتحرمنا منها بين فترة واخرى
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك البكاري]ــــــــ[06 Dec 2005, 12:38 ص]ـ
الأخ ش. م
شكر الله لك حضورك ومرورك
ومداخلتك القصيرة الجميلة
ونرجو ألا تحرمنا من حضورك الدائم
ـ[أبو مالك البكاري]ــــــــ[06 Dec 2005, 12:46 ص]ـ
أخي وشيخي أبا عبدالمحسن
لا زلت أتذكر ذلك الدرس الإيماني السلوكي الذي أتحفتنا به مرة
والذي كان بعنوان (صفات الملتزمين)
لا زالت ترن كلماته في أذني حين نقلتنا من واقع المعرفة إلى إشكالية التطبيق
وماسطر هنا لعله يكون نسخة تغيرت ألفاظها وعباراتها وبقي جوهرها ومعناها
شكر الله لك على حضورك الذي استقطعت به شيئا من وقتك
وكتبت إيجازا مركزا وردا أنيقا كأناقتك
حفظك الله وسدد خطاك ورفع قدرك ونفع بك(/)
ساعدونى فى فهم قواعد الترجيح .............
ـ[إلهام سيد أحمد]ــــــــ[03 Dec 2005, 12:58 ص]ـ
السلام عليكم
انا اختكم اشكل على مبحث قواعد الترجيح فمن يستطيع مساعدتى فليمدنى بمراجع فى الموضوع ومن يملك كتاب الدكتور حسين الحربى المسمى بقواعد الترجيح فليضعه فى المنتدى اذا امكن وكذلك من يملك اى مرجع اخر فلايبخل به علينا وجزيتم خيرا
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:37 م]ـ
راجعي أختي الكريمة:
- مقدمة تفسير: (التسهيل) , للإمام ابن جزي.
- وفصول في أصول التفسير, للشيخ مساعد الطيار.
- ومجاز القرآن, للعز بن عبد السلام, ففيه إشارة جامعة.
وابحثي في هذا الملتقى عن كلمة: (الترجيح) , فستجدين فائدة إن شاء الله.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[08 Dec 2005, 12:47 م]ـ
قواعد الترجيح عند المفسرين للشيخ حسين الحربي احسن ما كتب في هذا الباب وهي رسالة ماجستير
وهي عندي. ولكن أين تكون حقوق المؤلف لو انزلناه هنا؟
هل تقبل الدار الناشرة.
ممكن نفيد ببعض المسائل أما غير ذلك فاظنه صعباً
وكذا كتاب قواعد التفسيرللشيخ الدكتورخالد السبت حفظه الله، ينظر في بعض القواعد المرجحة في التفسير فهو مهم.
وهناك قواعد قمة في الروعة في كتب الشيخ الشنقيطي رحمه الله (الأضواء _ العذب النمير) فحبذا لو نالها طالب علم فجعلها دراسة عليا ففيها نفائس عالية.
والله اعلم
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[08 Dec 2005, 01:16 م]ـ
يا ليت أحد الأعضاء يخاطب الدكتور حسين الحربي بإعادة طبع الكتاب مرة أخرى ونشره في الأسواق(/)
هل من دال على هذا الكتاب؟ الخواطر السوانح في أسرار الفواتح لابن أبي الأصبع؟
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[03 Dec 2005, 02:36 م]ـ
الأحباب الكرام:
هل من دال على هذا الكتاب؟
الخواطر السوانح في أسرار الفواتح لابن أبي الأصبع؟ أين طبع وأين يتوفر
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[03 Dec 2005, 04:45 م]ـ
أشار إليه د. حفني محمد شرف محقق (تحرير التحبير) له، ونقل منه في ص 52 عند تعريفه بكتاب ابن أبي الإصبع (الميزان في الترجيح بين كلام قُدامة وخصومه).
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[03 Dec 2005, 08:40 م]ـ
وقال د. حفني محمد شرف أيضاً في تحقيقه لكتاب ابن أبي الأصبع (بديع القرآن) ص 94 هذا الكتاب فقال عنه:
(لم يسعدني الحظ بالعثور على هذا الكتاب، ولعل موضوعه الكلام على معاني أوائل السور، والمراد منها ما ذكره المؤلف في كتابه (بديع القرآن) كما ذكر السيوطي [الإتقان1/ 9] أنه من الكتب التي اطلع عليها وتأثر بها واستمد منها في كتابه الإتقان).
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[03 Dec 2005, 09:12 م]ـ
لقد ذكر ه بعض المؤلفين في ثبت المراجع التي اعتمد عليها.
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[03 Dec 2005, 11:24 م]ـ
أشاروا في موقع مجمع الملك فهد إلى أنه مطبوع.
ولأن الداخل إلى الموقع يقطع مفاوزَ ومهامهَ حتى يصلَ إلى الصفحة صوّرتُ المعلومة على الرابط التالي:
http://www.arab7.com/up/file/1133641303615.jpg.
ـ[المنصور]ــــــــ[04 Dec 2005, 09:14 ص]ـ
الكتاب موجود في مكتبة جامعة الأمام محمد بن سعود(/)
أين أجد مقدمة جامع التفاسير للراغب الأصفهاني؟
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[03 Dec 2005, 09:14 م]ـ
أين أجد مقدمة جامع التفاسير للراغب الأصفهاني؟
هل من دال يدلني أو يساعدني في الحصول على هذا الكتاب
مقدمة جامع التفاسير للراغب الأصفهاني
أين يباع؟
فإن لم يكن فهل بالإمكان تصويره من مكتبة عامة أو من أي مكان
وجزاكم الله خيرا
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[04 Dec 2005, 09:49 ص]ـ
طبع الكتاب في الكويت على ما اظن بتحقيق الاستاذ الدكتور احمد حسن فرحات وهو متوفر في الاسواق البيروتية والشامية
ـ[ابن الشجري]ــــــــ[04 Dec 2005, 06:19 م]ـ
كما ذكر الدكتور جمال سلمه الله
الكتاب بحمد الله ضمن خزينة كتبي
والموجود منه تفسير الفاتحة ومطالع البقرة
طبع دار الدعوة بالكويت، تحقيق الدكتور أحمد حسن فرحات الطبعة الأولى عام 1405
وبعد اطلاعي على الملصق الذي يحمله الكتاب والمبين عليه ثمنه، والذي عادة ما يحمل اسم المكتبة التي باعته
بادرت بالاتصال بتلك المكتبة فور الاطلاع على استفسارك، فعلمت أنه لم يبق إلا نسخة واحدة، ولعلمي بالشغف الشديد والنهم الذي يصيب طالب العلم وعشاق الكتب في البحث عن كتاب، حاولت حجز تلك النسخة فلم أوفق لذلك، فلعلك تسارع لشرائها، وستجد اسم المكتبة في بريدك الخاص إن شاء الله.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[05 Dec 2005, 12:55 م]ـ
أضافة إلى ما ذكر ابن الشجري، فإن الدكتور عادل الشدي قد طبع الجزء الذي حققه من الكتاب، وهو يتضمن (سورة آل عمران ـ آية 113 من سورة النساء).(/)
" فَمَنْ تَمَتّعَ بٍالعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيٍ ".؟
ـ[أبو زينب]ــــــــ[04 Dec 2005, 09:03 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أجاز العلماء تكرار العمرة في السنة الواحدة بل و في السفر الواحد.
و لكن هل يجوز – في أشهر الحج – تكرارها للمتمتع؟
فإذا جاز فما معنى الآية: " فَمَنْ تَمَتّعَ بٍالعُمْرَةِ إلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيٍ "؟
وهل يجب هدي على كل عمرة كما هو مفهوم من المعنى الظاهر للآية؟
و جزاكم الله أفضل الجزاء(/)
كتب في البيان القرآني والتفسير البياني
ـ[ش. م]ــــــــ[04 Dec 2005, 12:19 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
هل يمكن أن نذكر بعض أسماء الكتب التي تتحدث في بيان القرآن؟
وهل من كتب تخصصت في التفسير البياني ولو لسورة أو جزء من القرآن؟
أرجو أن نسجل هنا كل ما يعرفه أساتذتي الأفاضل والشيوخ الأكارم من الكتب القديمة والحديثة في مجال التفسير البياني وبيان القرآن وبلاغته
جزاكم الله خيرا
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[05 Dec 2005, 09:22 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي السائل الحبيب
الكتب التي كتبت في البيان القرآني كثيرة جدا، والتفاسير التي ركزت على الجانب البياني كثيرة كذلك، واختصارا أبدأ بذكر التفاسير التي ركزت على الجانب البياني لا حصرا ولا استقراءا وإنما ذكرا لأهمها:
- تفسيرالكشاف، للزمخشري (438هـ).
- وتفسير البيضاوي.
- وتفسير أبي السعود.
- وتفسير الألوسي.
وقد كان الزمخشري مرجعا لمن بعده في هذا الميدان.
أما الكتب فلعلي اذكر لك من العناوين ما هو ألصق بالمطلوب:
- التفسير البياني للقرآن الكريم، لبنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن) رحمها الله 2 ج
فسرت مجموعة من سور جزءي تبارك وعم.
- البيان القرآني، للدكتور محمد رجب البيومي.
- هنالك كتب في نظم القرآن منها نظم القرآن لمحمد السيد شيخون.
- البلاغة فنونها وأفنانها للدكتور فضل عباس فقد فصل فيه القول وأورد فيه الكثير من الامثلة القرآنية على أصناف البيان.
وعموما فلعلك أخي السائل تستطيع قريبا الوصول إلى اسماء الكتب والرسائل والمقالات في مثل هذه المجالات من خلال الكشاف الذي وعدنا به
ـ[ش. م]ــــــــ[12 Dec 2005, 10:00 م]ـ
شكر الله لكم أخي الفاضل ويسر لكم ما تريدون تنفيذه وأثابكم عليه
عندي بفضل الله معظم ما أِرتم إيله وأرجو الاستزادة مما عندكم من العناوين الجديدة للكتب الحديثة خاصة فإنني في عجلة من أمري بسبب قرب انتهاء معرض الكتاب عندنا
وأريد من يدلني على كتاب بحوث ودراسات مهداة للدكتور فضل عباس، من أي دار نشر هو؟ ومن وكيلهم؟
جزيتم خيرا أجمعين(/)
سؤال حول وضع المصحف وسورة البقرة أسفله!
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[04 Dec 2005, 08:54 م]ـ
الإخوة الكرام والمشايخ الأفاضل:
جاءني سؤال من قبل إحدى طالبات العلم، تعمل معلمة في دار للتحفيظ، تقول ما مفاده أن توجيهاً جاءها بما يلي:
- منع الطالبات من وضع المصحف بحيث تكون سورة البقرة في أسفله وسورة الناس في أعلاه، بل ليكن العكس.
- المنع من وضع الحقيبة التي فيها المصحف على الظهر أو في الأرض.
- المنع من وضع خط أسفل الكلمة التي تخطئ فيها الطالبة لمراجعتها وتذكر الخطأ لاحقاً.
فهل سمع أحد الإخوة في هذه المسائل شيئاً وبالأخص الأولى؟
وماذا يقول المشايخ الفضلاء في هذه المسائل؟
وجزاكم الله خيراً ..
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[06 Dec 2005, 10:52 ص]ـ
ما وجه المنع في كُلٍّ؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[06 Dec 2005, 01:56 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
المسائل الثلاث تشترك في أمر واحد، وهو تعظيم المصحف، وهو أهل للتعظيم والاحترام، وكل ما يوهم امتهانه فهو منهي عنه، ولا أشك أن قصد من منع من هذه الأمور يرمي إلى تربية النشء على تعظيم قدر كتاب الله في النفوس. غير أن الخروج عن حد الاعتدال في ذلك يوجب الحرج والمشقة، ولا سيما الطلاب والطالبات الذين يحتاجون إلى حمل المصحف كله أو شيء منه إلى المدرسة للنظر والقراءة فيه كل يوم تقريباً، وفي إلزامهم بالتزام ما ورد في الأسئلة مشقة وعسر، لا يتهيأ لكل أحد أن يلتزم بها، ولا يخل بشيء منها على طول التعامل مع المصحف.
فأما المسألة الأولى، وهي (النهي عن وضع المصحف بحيث تكون سورة البقرة في أسفله وسورة الناس في أعلاه) فلعل مَنْ نَهى عن ذلك نظر إلى موضوع ترتيب السور في المصحف، وأنه يجب أن يوضع المصحف في موضعه على هذا الترتيب بحيث تبقى الفاتحة والبقرة أعلاه، غير أنه لا دليل على ذلك فيما أعلم، ولم أجد أحداً ممن تكلم عن آداب التعامل مع المصحف تعرض لهذا، ولذلك فلعل الصحيح عدم اعتبار هذا الأمر في وضع المصحف في موضعه. وهذا ليس داخلاً في مسألة ترتيب المصحف مع غيره من الكتب التي تكلم العلماء عنها، بحيث يكون المصحف أعلاها.
وأما المسألة الثانية وهي (النهي عن وضع الحقيبة التي فيها المصحف على الظهر أو في الأرض) فقد ورد سؤال للشيخ حسين المغربي رحمه الله تعالى: ما قولكم فيمن ربط المصحف بشيء، ووضع ذلك الشيء على كتفه، فصار القرآن خلف ظهره، هل يعد ذلك من الامتهان المحرم أم لا؟ فأجاب:
في (الزرقاني [أي شرح الزرقاني للموطأ]) أن هذا ليس من الامتهان المحرم والله أعلم.
وجاء في الفتاوى البزازية: لو وُضعَ المُصحفُ في الخُرْجِ وركب عليه في السفر لا بأس به، كوضع المصحف تحت رأسه للحفظ، ولغيره يكره).
انظر: مجموع فتاوى القرآن الكريم جمع وتحقيق د. محمد موسى الشريف 1/ 259 - 260
وأما المسألة الثالثة، وهي (النهي عن وضع خط أسفل الكلمة التي تخطئ فيها الطالبة لمراجعتها وتذكر الخطأ لاحقاً) فقد ورد كلام لبعض العلماء عن جواز الكتابة على المصحف، بحيث لا يكتب إلا المهم المتعلق بلفظ القرآن دون القصص والأعاريب الغريبة، ولم أجد من أشار إلى حكم وضع علامات على الكلمات التي يكثر الخطأ في قراءتها للتنبه إليها مستقبلاً كما في السؤال. والذي يبدو لي والله أعلم أن التأدب مع المصحف بعدم الكتابة عليه هو الأولى، حتى يستقر في نفوس الطلاب منذ الصغر تعظيم هذا الكتاب، غير أنه يمكن أن يعفى عن مثل هذا في الأجزاء الخاصة بالطلاب كجزء عم، أو ربع يس الذي يتعلم فيه الطلاب في المراحل الأولية، وتعتبر هذه النسخة من القرآن للتعليم خاصة بالطالب أو الطالبة فقط، فيعفى عن مثل هذه العلامات التي تكون معينة للطالب أو الطالبة على حسن القراءة والمراجعة، على أن يكون ذلك في حدود ضيقة والله أعلم.
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[06 Dec 2005, 06:35 م]ـ
فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن الشهري وفقه الله ..
(يُتْبَعُ)
(/)
شكر الله لكم وأجزل ثوابكم فقد أفدتم وأجدتم، وليس مثلي من يقيم قولكم، وقد قرأت للتو ردكم، وكنت قد كتبت جواباً قبل أن أقرأ ماسطرتم، ولعله يتفق في مجمله مع ما قررتموه وإن أعوزني ما تفضلتم به من نقل. وقد عزمت على إرساله للقائمات على الأمر نصحاً لهن، فأذن لي بتعليقه هنا من أجل تصويبه بتسديداتكم وتسديدات المشايخ الفضلاء، أو نقاشها.
مع عظيم الشكر والامتنان لما بذلتموه من وقت في الكتابة والنقل، فجزاكم الله خيراً.
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[06 Dec 2005, 06:46 م]ـ
الشيخ الفاضل أبو بيان، شكر الله لك المرور، وما عجبتَ منه عجبتُ منه، وقبل أن أنصح المانع سألت النصيحة، فأجزل الله ثواب من أجاب ونصح، ومن تفاعل وشارك.
أما الجواب الذي كتبته فنصه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن تعظيم كتاب الله عزوجل مطلوب، وقد أجمعت الأمة على وجوب تعظيم القرآن على الإطلاق وتنزيهه وصيانته، كما نقل النووي وغيره، قال الله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، قال القرطبي: "الشعائر جمع شَعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعَر به وأعلم"، وقال سبحانه في آية قبلها: (ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير خير له عند ربه)، قال الشوكاني: "قال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، وهي في هذه الآية ما نهي عنها، ومنع من الوقوع فيها. والظاهر من الآية عموم كل حرمة في الحج وغيره كما يفيده اللفظ وإن كان السبب خاصاً، وتعظيمها ترك ملابستها".
فإذا تقرر هذا بقي الحديث عن الضابط الذي يعرف به الفعل هل هو من التعظيم للحرمات أو الشعائر أم لا؟
وبيانه أن الفعل إما أن يكون مأثوراً عن السلف فعله أو تركه، أو لايكون.
فإن لم يكن فإما أن يكون للقياس فيه مدخل أو لايكون.
فإن لم يكن للقياس فيه مدخل فإما أن يدل العقل أو العرف أو تدل اللغة على أنه من جملة التعظيم أو لايدل.
فأما إن أثر شيء عن السلف –فعل أو ترك- فرأيهم خير لنا، وفهمهم مقدم على فهمنا، ولاسيما إن كانوا من جملة القوم الذين شهدوا الوحي، وعاينوا التنزيل، وعاش بينهم صاحب الوحي المُسَدَّد المُسَدِّد صلى الله عليه وسلم.
وأما إن لم يؤثر عن الصدر الأول شيء فينظر هل للفعل في القياس مدخل أو هو عبادة محضة، ليس للقياس فيها مدخل؟ فمن أمثلة الذي ليس للقياس فيه مدخل، القول بتقبيل بقية أركان البيت تعظيماً، قياساً على ما ثبت بالتوقيف وهو تقبيل الحجر الأسود الذي لاينفع ولايضر بذاته، ولم تجر عادة تعظيم الجمادات بتقبيلها، كما أن التقبيل ليس طريقاً للتعظيم مطرداً بل قد يكون وقد لايكون، ولذا كان تقبيل الحجر الأسود عبادة محضة، كعدد الصلوات وتحديد شهر رمضان دون غيره بالصيام ونحو ذلك مما لاتدرك علته فلايمكن القياس عليه.
فإن كان للقياس فيه مدخل بأن أمكن إلحاقه بحكم شرعي ظاهر العلة ثبت أنه تعظيم ألحق به.
كقول من قال بجواز الصلاة لبعض الآيات كالزلازل قياساً على الكسوف أو الاستسقاء الذي شرع لأجل طلب رزق أو دفع ضر، مع اندراجه في عمومات الشريعة المرشدة إلى الفزع إلى الصلاة، والصحيح أنه لم يثبت في صلاة الزلزلة شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم، والله أعلم.
وكذلك قول بعضهم بجواز إخراج زكاة الفطرة بقيمتها النقدية قالوا لاعتبار المعونة فيها والمال قد يكون أجدى في تحقيقها.
وأظهر من هذا المثل بل أصح الهدية، كالقول باستحسان إهداء عرض معين وتفضليه على غيره وإن كان أقل ثمناً أو قيمة، إذا كان أكثر تعبيراً عن علتها كالمحبة إذا كانت هي الدافع للإهداء، أو الصداقة أو غيرهما، والقول بمنع إهداء شيء بعينة إن كان يعود على التحاب بالإبطال.
ومن الأمثلة التي تتعلق بموضعنا (تعظيم كتاب الله جل وعلا) وضع المصحف على وسادة أو حامل أو نحوهما مما يمنع مباشرته الأرض، قياساً أولوياً على وضع التوارة في الكرسي كما جاء في الأثر وقد صححه جمع من أهل العلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
أو القول بجواز تقبيله قياساً بوضعه على الوجه كما رُوي عن عكرمة. أما قياسه على تقبيل رأس الوالد تعظيماً له فمحتمل، لأن تقبيل رأس الوالد طريق يشعر به الولد والده بتعظيمه إياه، ويستدل به الوالد على تعظيم ابنه له. إلاّ أنه قد يقال ينبغي أن يكون التقبيل لليد أو الرأس إجلالاً وتعظيماً عند من يعقل معناه، لا من عداه، ويشكل عليه تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون –رضي الله عنه- لما مات، وتقبيل أبوبكر –رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم لما مات، وقد يجاب عليه بأن العرف جرى بأن تقبيل الصالح أو من له حق فضلاً عن النبي من جملة إجلاله، أو هو من قبيل الشفقة كما في فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعثمان، أو التبرك كما فعل أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو هو خاص بمن يبلغه السلام حياً وميتاً عليه الصلاة والسلام.
وفرق بين بني آدم وسائر السائمة والجمادات وإن جلت، ولعله لأجل هذا المعنى قال عمر رضي الله عنه قولته المشهورة عند تقبيله الحجر الأسود إذ هي محض عبادة. وكذلك إنكار ابن عباس على معاوية رضي الله عنهما تقبيله بقية الأركان.
ومن نحو ذلكً وضع المصحف على العينين، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: "وعنه التوقف فيه [يعني التقبيل] وفي جعله على عينيه قال القاضي في الجامع الكبير إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله، وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال لا تضر ولا تنفع ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك. وكذلك معاوية لما طاف فقبل الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس, فقال: ليس في البيت شيء مهجور. فقال: إنما هي السنة. فأنكر عليه الزيادة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم". أهـ المراد.
أما إن كان الفعل عبادة محضة، ولم يرد بخصوصه أثر-وبعضهم شرط نقل الفعل وإلاّ عد متروكاً، ولعله ليس بسديد- فالصحيح أنه إما أن يندرج تحت نص عام أو لايندرج.
فإن لم يندرج منع.
وإن اندرج ساغ.
ومن طريق معرفة اندراجه تحت النص العام من عدمه اللغة أو العرف أو العقل.
فما لم تدل اللغة أو العرف أو العقل على اندراجه ضمن عموم المأمور به أو المنهي عنه فلا يقال بتناوله له، ولهذا لم يقل أحد من أهل العلم فيما يظهر بندب تقبيل البُدن أو الهدي مع أن البدن أو الهدي أول ما يندرج في قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
ولكن ليس تقبيل البدن المهداة من تعظيم الشعيرة لا لغة ولا عقلاً ولا شرعاً، بخلاف تسمينها فإنه يندرج تحت تعظيمها لغة وعقلاً وشرعاً.
أما عد تقبيل المصحف تعظيماً بعموم النص فبابه العرف إذا جاء عملاً بمجرد العموم، أو القياس على ما مضى ذكره.
فإذا تقرر مما سبق من أنه لاسبيل لعد الفعل تعظيماً بغير ما ذكر بل لعل في بعض ما ذكر ما يخالف بعض أهل العلم في اعتباره طريقاً صحيحاً للتعظيم المشروع.
إذا تقرر هذا فإن القول بأن من تعظيم المصحف وضعه على جنبه بحيث تكون سورة الناس في أسفله وسورة البقرة في أعلاه، أو القول بأن من تعظيم الحرمات عدم وضعه بحيث تكون سورة الناس في أعلاه. قول محدث لم يقل به أحد من السلف في قرونهم المفضلة الأول، ولايدل عليه قياس، ولايندرج أحد الفعلين لغة ولا عرفاً ولا عقلاً تحت مسمى التعظيم. سواء على القول بأن ترتيب المصحف توقيفي، أو اجتهادي، فليس في وضع المصحف على أحد جنبتيه تغييراً لذلك الترتيب.
وقد علم أن من نشر مصحفاً أمامه يقرأ فشقه الأيمن يكون أعلاه آخره من حيث ترتيب السور، فهل يقال: إذا قرأ قل هو الله أحد والمعوذتين ساغ ذلك فإذا فرغ منهما فقلب الصفحة لم يسغ؟
وإن زعم بأن وضعه بهذه الصفة دليل على عدم العناية، فلا يسلم، فما الذي جعل قارئا متدبراً ختم الكتاب ثم أغلقه وقبله ووضعه أمامه، غير معتنياً به، والآخر الذي طبق دفتيه مستعجلاً على الجنب الذي تذكره كان معتنياً متأدباً! بل ما يفيد العناية والأدب أمور أخرى قد تقترن بكلا الفعلين السائغين الجائزين.
ولو قال قائل وضع الكتاب على الصفة التي أنكرت أحرى وأولى ليكون فهرس السور بآخره أقرب للقارئ فيكون رجوعه إلى الصفحة التي أراد أسرع لكان لقوله وجه.
وبالجملة فإن الإلزام بوضع المصحف على أحد شقيه تحكم وإلزام بغير ملزم وأخشى أن يكون إلى البدع المحدثة أقرب، والله أعلم.
وأما المسألة الثانية:
وهي النهي عن وضع المصحف في الحقيبة ثم وضعها في الأرض أو على الظهر.
فلعلها كالسابقة إلاّ إن كان في الحقيبة غير المصحف معه ثم وضع بحيث يكون فوقه فهذه الأولى أن تترك. وإنما قال أهل العلم بكراهة وضع المصحف مباشراً للأرض ولم يره آخرون كذلك إذا كان على غير وجه امتهان، وإلاّ فهو كفر عند جميعهم.
وأما المسألة الثانية:
فلعل الأولى تركها، والأخطاء يمكن تحديدها بكتابة رقم الآية والسورة في ورقة، ولا يلزم وضع خط تحتها، فقد جاءت في النهي عن الخط آثار عن بعض السلف ولم تثبت إلاّ أن الأمر بتجريد القرآن وكراهتهم خلطه بغيره ثابتة، وقد قال بعضهم بالتفريق بين ما يسهل تمايزه عن القرآن، وبين ما هو من القرآن، وبين الكلام الذي قد يختلط به، إلاّ أن الخروج من الخلاف أولى ولاسيما إذا كان ليس ثم ما يأطر إلى الدخول فيه.
وعليه فإني أوصي الأخوات في الجمعية بأن لايجعلوا هذه المسائل محل تعنت وإلزام، ولاسيما المسألة الأولى.
وأن يحرصوا على الإلزام بما ثبت أنه من التوقير والاحترام، والنهي عن ما ورد أنه من ما لاينبغي فعله وهذا كثير مفصل في مظانه، وقد ذكر القرطبي جملة منه في مقدمة تفسيره.
والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[06 Dec 2005, 06:54 م]ـ
ينظر كذلك:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=237680
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[07 Dec 2005, 04:50 م]ـ
وفقك الله وأحسن إليك، وجوابك فيه تأصيلٌ وتفصيلٌ لم يبلغه علمي، وقد استفدتُ منه كثيراً، وبعضنا يكمل بعضاً، والحمد لله على فضله وإحسانه.
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[07 Dec 2005, 06:05 م]ـ
شكر الله لكم تواضعكم، وزاد في رفعتكم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[14 Dec 2005, 01:36 م]ـ
هذا مما له صلة بموضوع السؤال أيضاً، كتبه الشيخ عبدالله بن يوسف الجديع عن تكريم المصحف حيث قال:
(كلُّ فعلٍ لم تنهَ عنهُ الشريعةُ، مِمَّا يُقصد به تكريمُ المصحف، وتعظيمهُ فهوحَسَنٌ مقبولٌ؛ لأن ما كان من الأفعال مباحاً في الأصل إذا استُعملَ للتوصل به إلى مشروعٍ فهو مشروعٌ بهذا الاعتبار، ما لم يعتقد صاحبُه أَنَّه سنةٌ لذاته، أو مطلوبٌ لذاته؛ خشيةَ أن يضيف لدين الإسلام ما ليس منه.
ومن هذا ما يتصلُ من الأفعال بتعظيم المصحف، فإن ذلك من الإيمان ... والله تعالى يقول: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32]، وهذا عامٌّ في كل ما أشعر الله به عباده وأعلمهم، كل ذلك تعظيمه من التقوى.
وهذا بابٌ مرجعنا فيه إلى عموماتِ النصوصِ، ولا يُطلبُ له النصُّ الخاص من الهدي النبوي؛ لأنَّ المصاحف لم تكن وجدت يومئذٍ، فإذا صح ذلك كان مقتضى العموم إباحةَ كُلِّ فعلٍ يَحصلُ به التعظيمُ، غير أَنَّ من الناس من قد يصيرُ إلى التكلف فيه، لذا وجب أن يُضبطَ بضابطٍ، وأحسنُ ما نراه ضابطاً لذلك هو: أن يكون الفعل الذي قُصِدَ به تعظيمُ المصحفِ مِمَّا أُثِرَ عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ولسنا نعني بذلك التخصيصَ للعام بأفعالهم، أو الاحتجاج بها، وإنما قصدنا إلى منع التكلف، وهو مقصود شرعي صحيحٌ، وهديُ السلفِ أَبعَدُ عن التكلفِ مع شدة تعظيمهم للقرآن، والمصاحف كثرت في أزمانهم، فما وجدناه من الأفعال منقولاً عنهم، أو وجدنا عنهم نظيره، فهو الذي ينتهى إليه، وما لم ينقل عنهم ولم نجد له نظيراً في هديهم فيُتَركُ. وإنما دعانا إلى هذا التنبيه أن وجدنا من الناس من يتكلف أموراً يتدين بها مما يعدها من تعظيم المصحف، والعمل بها من التنطع في الدين، والمشقة على النفس وعموم المسلمين، مثل:
- قيام الشخص للمصحف إذا أحضر.
- وإذا كان المصحف في جهة فإنه لا يستدبره، فإذا كان في موضع فأراد الخروج منه، استقبل المصحف ورجع القهقرى حتى يفارق في الموضع ... )
تجد ذلك في كتابه المقدمات الأساسية في علوم القرآن 562 - 563
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[17 Dec 2005, 09:54 ص]ـ
شكر الله لكم، وكلام الشيخ عبدالله الجديع -وفقه الله- جيد في عده هذا ضابطاً يعرف به ما يصح أن يكون تعظيماً، ولكن ألا ترون أن حصر الشيخ -سدده الله- ما يعرف به حد التعظيم بما ورد عن السلف يعود على العموم بنوع إبطال، وعلى التعظيم بنوع تقييد.
وهذا يحتاج إلى مزيد بحث وتأمل، فمبناه على عدم النقل، وقد تقرر أن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، فيبقى العام على عمومه، والمطلق على إطلاقه. ولا يعرتض بأن العبادات توقيفية هنا كما هو ظاهر لأن النص موجود، ولاعتبارات أخرى أشار إليها الشيخ إشارة يسيرة.
ولكن الإشكال في سبيل تحرير ما يشمله لفظ التعظيم، وسبيل معرفته، وإذا تحرر فبضدها تتبين الأشياء وينضبط بذلك طريق معرفة المتكلف بغير تقييد بغير تقييد لمطلق بما لا يصح مقيداً.(/)
نحو ببلوغرافية متكاملة في الاستشراق والقرآن
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[05 Dec 2005, 09:54 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الكرام
لقد قمت بفضل الله تعالى - بحصر الجهود المكتوبة حول القرآن من قبل المستشرقين، وكذلك ما كتب حول المستشرقين ومسائل تخص القرآن حيث يضم المحصور
الكتب والرسائل العلمية والمقالات،
سواء في مجال الترجمة ام في مجال التحقيق ام في مجال علوم القرآن والتفسير أم غير ذلك
إلا أنني أهيب بالاخوة الاكارم أن لا يبخلوا علينا بكتابة كل عنوان له صلة بالموضوع في هذا المكان من أجل ان يكون هناك تكامل في العمل، ولعلنا نستدرك ما قد فاتنا، وارجو ان أعرض ما ساقوم بتصنيفه حسب الموضوعات على هذا الموقع لاحقا
وجزاكم الله خيرا
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[06 Dec 2005, 11:25 ص]ـ
أخي الفاضل
جزاك الله خيراً على جهودك
تستطيع الاستعانة بالكَرَكي " د. مازن مطبقاني " في مركزه
http://mazen-center.8m.com/
mazen_mutabagani@hotmail.com
كما تستطيع الافادة من قاعدة البيانات الضخمة لمركز الملك فيصل للبحوث
http://www.kfcris.com/
أعلى الشاشة - يسار (قواعد المعلومات)
مع محبتي
ـ[موراني]ــــــــ[06 Dec 2005, 12:32 م]ـ
عبد الله الجيوسي المحترم
هل تريدون عناوين المقالات والدراسات باللغات الأصلية كما نشرت في المجلات الاستشراقية؟
ـ[مرهف]ــــــــ[06 Dec 2005, 01:04 م]ـ
حبذا لو فعلت ذلك د. موراني حتى نستفيد نحن أيضاً ويسر الله لك أخانا الدكتور عبد الله الجيوسي لما تقوم به وأمدك بالوقت والقوة
ـ[د. عبد الله الجيوسي]ــــــــ[06 Dec 2005, 03:19 م]ـ
حبذا فعلا لو زودتنا بجهودهم كما هي باللغة الأصلية ولو كان بالامكان ترجمة بعض العناوين
مع جزيل الشكر
ـ[موراني]ــــــــ[06 Dec 2005, 05:40 م]ـ
تم تصوير أكثر من 200 عنوان للدراسات وللمقالات التي نشرت بين 1905 و1955 في المجلات الاستشراقية غير أنني لا أستطيع تحميلها بعد ما قمت بمحاولتين في التحميل
الآن سأحاول التحميل مرة أخرى
... لا يتم التحميل
ـ[مازن مطبقاني]ــــــــ[14 Nov 2010, 08:31 م]ـ
الكَرَكِي مولدا المديني أصلاً يا أخا العرب، والموقع هو مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق والعنوان هو
www.madinacenter.com (http://www.madinacenter.com)
وأنتظر جهودكم في رصد ما كتب باللغات الأوروبية حول القرآن الكريم، ولو كان لي وصول إلى قواعد معلومات فعليكم بما يسمى
Index Islamica ولكن قاتل الله بُخْل الجامعات التي لا توفر لنا هذه المصادر وإلاّ فما أسرع أن تعرف ما كتب عن الإسلام والمسلمين حتى الساعة ولكم التحية ولي عودة إن شاء الله
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[14 Nov 2010, 08:40 م]ـ
تم تصوير أكثر من 200 عنوان للدراسات وللمقالات التي نشرت بين 1905 و1955 في المجلات الاستشراقية غير أنني لا أستطيع تحميلها بعد ما قمت بمحاولتين في التحميل
الآن سأحاول التحميل مرة أخرى
... لا يتم التحميل
لعلك يا دكتور تحاول رفعها على مركز تحميل الملفات في الموقع هنا فقد تنجح المحاولة. هنا
http://tafsir.net/mlffat/index.php
ـ[موراني]ــــــــ[15 Nov 2010, 12:09 ص]ـ
السيد الكريم مازن:
هذا الكلام غريب علي وهو ليس في محله: ولكن قاتل الله بُخْل الجامعات التي لا توفر لنا هذه المصادر وإلاّ فما أسرع أن تعرف ما كتب عن الإسلام والمسلمين حتى الساعة ...
عليك بمراقبة النشاطات العلمية في الاستشراق من الطريق المتاح في الشبكة ... ليس هناك أسرار أو معلومات يبخلها عليه أحد. أنظر المشروع في جامعة برلين حول القرآن وأنظر وتابع المجلات العلمية التي قد تجد فيها مقالات حول القرآن <
أما الجامعات، إن كنت تقصد الجامعات الألمانية خاصة أو الغربية (كما يقال) عامة، فليس لديها دخل في أمور المنشورات. هذا أمر لدى ادارة المجلات. وهي من جانبها ليس صاحب الإعلان والاشهار.
موراني(/)
ذَهَبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[05 Dec 2005, 01:14 م]ـ
يوم أمس تمثلت كأمي السيدة عائشة رضي الله عنها، بيتَ لبيد: " ذَهَبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم ".
بعد أن انحبست دموعي في عيناي بصعوبة حين وقعتا على رسالة ماجستير في الفلسفة أشرف عليها طيب تيزيني عام 2004 تمجِّد طروحات أركون حول: ((النص)) القرآني.
كتبَ الطالب مقدمتها (طبعاً لا بسملة ولا حمدلة .. ) وقال في أول سطور " رسالته " مسرعاً ـ قبل أن يخطفه الموت ـ ناصحاً كل جسد (ذات) عربية أن تلحق بركب الحضارة: " .. ولا بد من النظر لتراث هذه الذات، وكيف تجعله مطية لحاضرها، لا حجر عثرة .... فاحتقرتُ التراث ـ الدين ـ[كذا] وتجاوَزته دون نقده ... ".
هذه خزعة من أباطيل وأسمار مقدمة الرسالة التي خرجت من أكناف بيت المقدس!! تلك التي رجَعَ فيها (الباحث) إلى 52 مرجعاً .. المرجع رقم 1 كتاب لأدونيس حول المنهجية الصحيحة لفهم نصوص القرآن الكريم ... أما المرجع رقم 52 والأخير فهو كلمة واحدة مكتوبة بالقلم الجاف ـ لا طباعة ـ وهي: " القرآن ".
يحتقر ما يسميه " تراث " وهو لم يتجاوز الثلاثين!! في بداية رسالته ونهايتها أما ما بينهما فيحتاج مجلدات!!
دعوت لأستاذي الدكتور شحادة العَمْري .. الذي علمنا هذا البيت ونحن في بدايات الطلب بجامعة اليرموك .. حين كان يدرسنا أصول منهجية الرد على أمثال أولئك .. في زمان كانوا لا يتجاوزون عدد أصابع اليد، وكنا نرد على هجومهم غير المباشر على القرآن الكريم بحماس الشباب .. وكنا في راحة نفسية لأن (ظهرنا) محمي بأمثاله بارك الله بعمره ووقته.
- قلت في نفسي: لو كان أنور الجندي بيننا هل سيسكت على قول (المفكر الإسلامي الكبير كما وصفته قناة العربية) نصر حامد أبو زيد في (مفهوم النص) ص27 - 30: " المصدر الإلهي للقرآن، لا يلغي كون آياته نصوصاً لغوية مرتبطة بالزمان والمكان، ولا يهمنا هذا المصدر الإلهي، وكل حديث فيه يجرنا إلى الخرافة والأسطورة ".
وص156: " القرآن لا يختلف عن بقية النصوص الأدبية، بدليل أن العرب لم يكونوا قادرين على استيعاب المغايرة بين القرآن وغيره، وكانوا يريدون جره إلى نصوصهم كالشعر والكهانة والسجع وغير ذلك ".
من هواننا على الناس يصرخ بلا وجل في (نقد الخطاب الديني) ص206: " إننا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية ".
- ماذا كان أحمد شاكر سيقول حين يسمع قول خليل عبد الكريم في (مجتمع يثرب) ص75: " عندما تتأزم المشكلات ويقع كبراء الصحابة في ورطة، يسعفهم محمد بالحل، بأن يتلو عليهم آيات من القرآن، تأتي بالفرج بعد الشدة "؟!
وحين يتتبع عناوين فصول ما يسميه: السفر الأول من (النص المؤسس ومجتمعه). الفصل الأول: " آيات أشرقت تحقيقاً لرغبة القائد ". والفصل الثاني: " آيات ظهرت تلبيةً لرَجاواتِ تَبَعِهِ ". الفصل الثالث: " آيات هلَّت موافقةً لعباراتٍ فَاهَ بها بعض الصحابة ".؟!
- هل كان محمود شاكر سيطالب بإبطال الباطل بإهماله (!!) حين يقرأ أن أولئك الكُتاب العرب ينادون جهاراً نهاراً أن القرآن الكريم ما هو إلا (نص) أو (خِطاب) أو (الخطاب النبوي).
أو وصف القرآن الكريم بأوصاف مستوردة من لاهوت أهل الكتاب مثل: (الكتاب المقدس) أو (النص المقدس) أو (التبشير القرآني) أو (التبشيرية القرآنية) أو (الخطاب التبشيري) أو (سفر الخروج القرآني) .. وفي ذلك تملق واضح لأهل الكتاب، الذين فرحوا أيما فرح، وحفلوا بما يكتبون أيما احتفال.
والمصحف: (المدونة القرآنية) أو (المدونة النصية القرآنية) أو (المدونة الرسمية) أو (النص الرسمي القانوني).
أما الآيات الكريمة فتسمى (مقاطع) أو (وحدات نصية) أو (منطوقة لغوية) أو (علامات)؟!!
أخطر ما في الأمر أن وسائل الإعلام تتملق لهم ولأسيادهم .. وسيمر وقت غير قليل حتى يترسخ في العقل اللاواعي لابني وابنك أن تعريف القرآن الكريم أيسر مما تعلمناه.
فما القرآن إلا: " الكلام الذي قال به محمد ". كما يُعرِّفه أركون!! وما آباءهم إلا مجموعة من الرجعيين الذين يربطون أقدامهم بصخور أفكار وتصورات سلفهم الأقدمين .. كما يرددون في شتى المنابر.
هل سيطول بنا الزمان قبل أن يتولى وزارة الأوقاف أو التعليم والمعارف أحد أقطاب ما يسمى: " اليسار الإسلامي "؟؟
أليس من بِرِّنا لأبنائنا أن نقدم لهم دراسات نقدية علمية لمثل تلك الطروحات .. كما قدم لنا آباؤنا نقدا لطروحات آباء أولئك كطه حسين ومحمد خلف الله ... ؟!
قد يقول أحد الأحبة: أوجعت رأسنا بهذا .. فمكانه ليس عندنا بل في منتديات الحوار الديني.
لكن ..
إن لم يدافع عن القرآن الكريم أهل الله وخاصته .. فمن؟!!
هيا اتركوا المجال لـ (الفلاسفة) .. أشغلوا أوقاتكم، أفنوا أعماركم .. وابحثوا في أمور (أهم) من نصرة القرآن الكريم ..
قدموا لهم ما يريدون .. لن تؤثروا بهم، سواء كان محياكم أم حين يطويكم التراب .. ويفارقكم الأهل والأحباب
سيكتبون ويكتبون ونحن نقدم لهم هروباً (مجانياً) من ساحة المواجهة، بمبررات جاهزة ..
وَإِذا ما خَلا الجَبانُ بِأَرضٍ ### طَلَبَ الطَعنَ وَحدَهُ وَالنِّزالا
ولتحذر أخي أن تكون " الرجل الصِّفْر " .. الذي مات دون أن يزد شيئاً على الدنيا .. فكان زائداً عليها .... كان!!
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[08 Dec 2005, 01:53 م]ـ
حين بحثتُ في مصادر شبهات مواقع الإنترنت التنصيرية تبين أنها متنوعة من غلاة المستشرقين وكتاب عرب وأحاديث ضعيفة وموضوعة وبتر للنصوص الصحيح وأقوال المفسرين .. إلخ
وعندما بدأت بإحصاء أسماء وأعداد المستشرقين الذين تحفل بهم تلك المواقع، لم يكن غريباً كثرة اعتمادهم على إخوانهم في الدين ..
لكن المفاجئ أكثر أن ذكرهم للكتاب العرب أكبر بكثير
فعملت نسبة بين أعداد شواهدهم بكلام المستشرقين، وكلام الكتاب العرب فوجدتها 88.957
% لصالح الكتاب العرب.
* تكرر اسم الماركسي سيد القمني [يطلقون عليه لقب: المفكر الإسلامي] في تلك المواقع 22 مرة!!
لكن، لم يكن غريباً احتفاء مواقع الإنترنت التنصيرية بكلام أبناء دينهم المستشرقين، ولكن ما سبب الاحتفاء أكثر بأولئك الكتاب العرب؟
الاستناد على أسماء كُتاب عرب، أسماؤهم كأسمائنا .. سيلقى قبولاً عند عوام المسلمين ـ أكثر رواد شبكة الإنترنت ـ ..
لكن هل هذا هو السبب الوحيد؟
حين أردتُ البحث في سبب غرام المنصرين بالماركسيين!! وجدته ليس حباً من طرف واحد، بل هو عشق متبادل بين من ينكر كل غيبي، ومن أفرَط في شركه!!!!
تأمَّل الغزل بعقائد النصارى في المقارنة التي عقدها محمد أركون: " إن الشيء الذي يقابل يسوع في الإسلام هو: القرآن، بصفته الكتاب المقدس الذي يحتوي على كلام الله الموحى به. وأما يسوع المسيح بصفته تجسيداً لكلمة الله، فإنه يشبه المصحف الذي تجسد فيه كلام الله ". [1]
ووافقه نصر أبو زيد .. بل زاد: تشبيه سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمريم!! بأبلغ أنواع التشبيه (التشبيه البليغ)
" القرآن كلام الله، وكذلك عيسى ابن مريم: " رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ " [النساء: 171] وقد كانت البشارة لمريم: " .. إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ " [آل عمران: 45] .. أي محمد = مريم، والوسيط في الحالتين واحد هو الملَك جبريل الذي تمثل لمريم بشراً سوياً، ولمحمد في صورة أعرابي .. في الحالتين صار الإلهي بشرياً، وتأنَّس الإلهي ". [2]
هذا بيبين سبب أخذ مواقع الإنترنت غير الإسلامية الإكثار من تلمس الشبهات من تلاميذ غلاة المستشرقين [3] (الملحدين) من كُتاب عرب من جلدتنا، يتسمُّون بأسمائنا، ويتحدثون بألسنتنا. [4]
لقد حفظ المستشرقون غير الموضوعيين الود لأولئك الكتاب، وبادلوهم الإعجاب!
فهذا المستشرق (برنارد لويس) يطالب الباحث في الاستشراق " مازن مطبقاني " في رسالة بتاريخ 8/ 8/1988م أن يتبيَّن ويَعي المقالات (المشوقة) لكاتبَين هما: صادق جلال العظم، وفؤاد زكريا، قبل أن يسمح له بلقائه. [5]
ما الذي جعَل مستشرقاً معروفاً باعتزازه بيهوديته ودفاعه العلني عن الصهيونية يطالب بقراءة طروحات كتاب يعلنون صراحة أنهم (ماركسيون) ملحدون؟!
أليس في دفاعه عن طروحاتهم بل وعمل دعاية لها .. إقرار لاتفاقه معهم على (أمور مشتركة)؟!
سبحان الله .. مهما افترقوا تجمعوا لهدفهم المشترك ...
ولله در المودودي: " الإسلام ليس كالألعوبة في أيدي الأطفال، يجوز لكل مَنْ شاء للناس أن يعبث بأحكامه وتعاليمه، ويصدر فيها آراءه .. وإذا لم يكن مقبولا ولا معقولا أن يدعي المرء أنه مرجع في أمر من أمور الدنيا من غير علم به، فما بالنا إذن نقبل في أمر الدين هؤلاء القوم الذين يتكلمون فيه من غير معرفة بأصوله ومبادئه ". [6]
هوامش:
===================
[1] في كتابه: القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة: هاشم صالح، ص 24.
[2] في كتابه: نقد الخطاب الديني، ص 205. وانظر ما ذكره العشماوي في أصول الشريعة، ص 69، وطيب تيزيني في النص القرآني، ص372.
[3] يلاحَظ العدد الكبير من المستشرقين الذين استشهد بهم الكاتب (طيب تيزيني) في كتابه: " النص القرآني ". انظر مثلاً الصفحات (63، 67، 75، 79، 87، 110، 113، 117، 147، 148، 190، 255، 382، 386). خرج منها بنتيجة وهي: أنه ليس صحيحاً أن القرآن لم يطرأ عليه أي تغيير (انظر ص: 253)؛ بحجة أنه جُمِع في ظروف سياسية قاسية أدت إلى اختراق المتن القرآني اختراقات هائلة ـ زيادة ونقصاً ـ (ص: 63، 65، 147، 329، 386) واختزالاً وتصحيفاً وإتلافاً (ص: 52، 120، 121).
[4] عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ: " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي .. قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا .. ". رواه البخاري في المناقب باب علامات النبوة في الإسلام (3606).
[5] انظر الملحق الثاني من كتابه: " الاستشراق والاتجاهات الفكرية في الدراسات الإسلامية "، ص 590.
[6] نظرية الإسلام وهديه في السياسية، المودودي، ص 244
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[08 Dec 2005, 02:58 م]ـ
احسنت عبد الرحيم في هذا الطرح، وأتمنى أن يوجد طرح علمي أوسع لهذه الفئة التي تتنامى في عالمنا الإسلامي، وتتلقف الصحف وغيرها من وسائل الإعلام أقوالهم بالتلقي والقبول، وتعرض لهم المقابلات تلو المقابلات.
وهؤلاء انطلقوا من منطلقين ـ فيما يبدوـ:
الأول: كسر الثوابت الدينية في نفوسهم، فصاروا يقولون في أمور الشريعة بلا قيود، لذا لا يتحرج مثل حامد نصر أبو زيد من أن يذكر إجماع المفسرين واللغويين على معنى اَقرأ بأنه (اتل) ثم يصنع من كيسه قولاً جديدًا، وهو أن المعنى (ردد)، فمن ذا الذي يستطيع الانفلات من الإجماع إلا إذا كان يرى نفسه ليس ملزمًا به؟
الثاني: الاعتماد على بعض النظريات الغربية في القراءة للنصوص، التي تعطي قارئ النص الحق المطلق في تفسيره كما يراه هو، لا كما أراده كاتبه.
ويبدو لي أن ظهور كثير من هؤلاء كان لأسباب منها:
1 ـ انفتاح باب الشهوات في هؤلاء القوم، فتراه يرى من العلماء الآمرين الناهين أو من المجتمع ردًّا عليه إما قولا وإما فعلا وإما ضمنًا فتراه يتبرم من مجتمعه الذي يعتمد على ثوابت لا تعطيه الفرصة في شهواته فيبدأ بالانفلات شيئًا فشيئًا، فإن كان الله وهبه عقلا بدأ يستخدمه ضد كل ما يراه عائقًا عن شهواته، حتى يصير رأسأ في الشبهات.
2 ـ أن يكون ممن وهبه الله عقلا، لكنه اصطدم ببعض المواقف مع بعض الأشياخ، فلم يحسنوا معاملته فيبدأ بالبعد عنهم وعن ما يحملونه من العلم شيئًا فشيئًا حتى يصير رأسا في باب الشبهات والإلحاد والعياذ بالله.
3 ـ أن يُخذل في بداية عمره بمن يدله على هذا الطريق المنحرف، فلا تراه يستطيع التعامل مع الصالحين، فيبدا بالانحسار والعيش مع هؤلاء الموبوئين، حتى يصير بفضل دعمهم له رأسأ في الإلحاد والزندقة.
والعجيب أن هؤلاء يقدسون كل ما هو غربي، ويرونه دينًا يدينون به، وعقيدة يلتزمونها، بل لا ترى بعضهم ينقد أسفار بني إسرائيل مثل ما ينتقد كتاب الله وسنة رسوله، بل تراه يفعل ذلك بكل حقد وبغض!
والبحث في أسباب وقوع هؤلاء في هذه الانحرافات مما يحتاج إلى بحث واستقراء للاستفادة منها في عدم الوقوع فيها لاحقًا.
كما أن البحث في طريقة ردهم وصدهم من واجبات العلماء والمفكرين، فكم من هؤلاء لما بدأ لم يكن يؤبه له، فلما صار ذا شأن ابتدره العلماء والمفكرون بالرد، ولو كان صده من بداياته لكان فيه خير، والله أعلم بقدره كيف يكون؟
وإن التقليل اليوم من شان هذه الانحرافات ليس سبيلا صحيحًا، فالإنسان يستطيع نشر خرافاته وانحرافاته بكل يسر وسهولة، وتراها تنتشراسرع من انتشار النار في الهشيم، وليس عندنا قدرة في أن نعرف أثر هذه او تلك في المستقبل، فوجب التصدي لمثل هذه الانحرافات خشيت نموها وترعرها، حتى يكو ن لها شأن، فيصعب اجتثاثها.
ونحن أمام معركة علمية وفكرية خطرة، كما أننا أما معركة الشهوات التي تُقذف علينا من كل جانب، أسأل الله أن يحمينا من فتنة الشهوات وفتنة الشبهات، وأن يجعلنا ممن اصطفاهم لحمل كتابه والذب عنه.
وأحب أن أذكر بأمر قد يغيب عن بعضنا، وهو أن الدعوة إلى صد هؤلاء ليست واجبًا على الجميع، بل من آنس من نفسه قدرة وتخصص في هذا المجال، فذلك هو المطلوب، وليس من الحكمة أن نجر المسلمين كلهم إلى معركة واحدة كما يظهر من كلام بعض من يتحدث في هذه الأمور، وأضرب مثالاً لذلك:
لقد صدر كتاب يزعم فيه كاتبه أن يعارض القرآن وسماه بما سماه، فتصدى له نفر من المسلمين، فكفوا في هذا الجانب، ولو اتجه علماء المسلمين ومفكروهم إلى تفنيد هذا الكتاب لما كان ذلك من العقل، لأن المشكلات اكثر وأكبر من أن نصرف لها الجهود كلها مرة واحدة، لكن إذا كان مبدأ التنوع في العمل الإسلامي، فإننا سنستطيع ـ بإذن الله ـ أن نتفاعل مع واقعنا، ونقود الدفة من جديد، فالعلماء كل في مجاله، والمفكرون كل في مجاله، والمجاهدون كل في مكانه، والاقتصاديون .... الخ، فتتكامل هذا الجهود، وتنمو المجتمعات الإسلامية بإذن الله.
ومتى احسسنا بنقص في مجال ما، فإن علينا التذكير به، ودعمه بالطاقات وبما يحتاج.
وأكتفي بهذا فالقلم لو تركته يسيل بما في الذهن في هذا الموضوع لخرجت عن مقصود المشاركة، فأسأل الله ان يطرح فيه البركة، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[08 Dec 2005, 04:12 م]ـ
شكر الله لكما ما سطرتما , والذي أراه في مثل هذه المواضيع البدأ بخطوة عملية وتتمثل من وجهة نظري في فتح منتدى خاص بما يثار حول القرآن من شبهات ,واقترح اسمه: منتدى الانتصار للقرآن.
نعم لن يستطاع الرد عليهم في يوم وليلة , لكن لنبدأ وسنرى النتيجة فعالة بإذن الله , فالعبرة بتمام النهايات لا بنقص البدايات , وليكن هذا المنتدى من مراجع الأخوة الذين نذروا انفسهم لمقارعة أمثال هؤلاء , فما رأيكم؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[08 Dec 2005, 05:08 م]ـ
شكر الله لكم جميعاً وإن كان لي رأي فما أشرتم به هو الرأي. ربما كان تأثر طلاب العلم وحملته بأمثال ما يقوله هؤلاء ضئيلاً -إن كان- أما أثرهم في بعض العامة فقد يكون عظيماً.(/)
وقفات مع أطروحة علمية بعنوان (التضمين النحوي في القرآن الكريم) لـ د. محمد نديم فاضل
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[05 Dec 2005, 02:58 م]ـ
بقلم
أ. د.أحمد بن محمد الخراط
وكيل مركز الدراسات القرآنية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف.
بسم الله الرحمن الرحيم
يستوقف البحث العلمي في أدوات العربية مسألة دقيقة تحتاج إلى تأمل وبصيرة وفقه نافذ، وقد تناولها أهل العلم بالعربية، واختلفت فيها مذاهبهم، وتفرع على ذلك اختلافهم في وظيفة الكلم، وتعدد دلالاتها، ويتأكد البحث في المسألة أكثر إذا علمنا اتصالها بتفسير آي الذكر الحكيم، وهي مسألة: التضمين في الأفعال والحروف من خلال سياقها الدلالي.
وثمة دراسة علمية متميزة تمت مناقشتها أطروحة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بالخرطوم أعدها الباحث: محمد نديم فاضل، بعنوان ((التضمين النحوي في القرآن الكريم)).
http://www.mojama.net/files//tadhmin-nahoy.jpg
وقد طبعت مؤخراً، ونشرتها مكتبة دار الزمان بالمدينة المنورة في مجلدين. ولا أعلم دراسة علمية في المكتبة اللغوية القرآنية تناولت موضوع التضمين بمثل هذا السبر العميق، والاستعراض النظري ثم التطبيقي، مع المرور بطائفة واسعة من المظان الأصيلة التي ألمَّت بالمسألة.
من المعروف في أساليب العربية أن كل فعل من أفعالها يختص بتعدٍ معينٍ إلى حرف جر فلا يتجاوزه، ويطرد استعمال هذا الحرف مع ذاك الفعل في أساليب الفصحاء والبلغاء، وقد يقبل الفعل على نُدْرةٍ التعدّيَ إلى حرفيْ جر، ومن هنا حرصت المعاجم العربية منذ نشأت حركة التأليف المعجمي على رصد هذا التعدي، والنص عليه في مفردات المواد التي تستوعبها، فإذا أشكل على مستخدم للفعل تعيين هذا الحرف مع الفعل المعني عاد إلى المعجم، أو إلى ضرب من ضروب السماع الفصيح: من قرآنٍ كريم وحديثٍ شريف وشعرٍ وقولٍ منثورٍ يعود إلى عصور الاستشهاد اللغوي السالفة.
بيد أن ملاحظة تستحق النظر وتستوقف القارئ في كتاب الله إذ يجد أن الأفعال التي ترد في كثير من الآيات تخالف في تعديها إلى حرف الجر ما نصّت عليه معاجم اللغة، مع أن هذا الكتاب العزيز يمثل أعلى مراتب الفصاحة والبيان، فيلحّ عليه إشكال يتشوَّف إلى حلّه.
ذهب مصنفو كتب الأدوات العربية ومنها " رصف المباني " للمالقي و " الجنى الداني " للمرادي، و" مغني اللبيب " لابن هشام، و" مصابيح المغاني " للموزعي، ومعهم علماء الكوفة [1] وآخرون ممن سماهم ابن قيم الجوزية [2] بظاهرية النحاة إلى أن حرف الجر في هذه الظاهرة تضمَّن معنى حرف جر آخر، فالفعل إذاً باق ٍ على معناه المعهود، ولم تنتقل دلالته المعنوية إلى معنى فعل آخر، واختلاف المعنى محصور في الحرف، إذ اكتسب معنى حرف آخر يستحق هذه التعدية.
وممّن ينحو هذا المنحى في التفسير الإمام ابن قتيبة في كتابه " تأويل مشكل القرآن " [3] وقد عقد باباً بعنوان " دخول بعض حروف الصفات مكان بعض " [4]، ويستشهد على ذلك بقوله تعالى: ((ولأصلبنكم في جذوع النخل)) [5] فيرى أن حرف الجر " في " بمعنى " على "، والمعنى: على جذوع النخل، وبقوله تعالى: ((فاسأل به خبيراً)) [6] أي: عنه، وبقوله تعالى: ((وما ينطق عن الهوى)) [7] أي بالهوى، فحرف الجر " عن " بمعنى الباء.
أما ابن هشام في " مغني اللبيب " فقد عبّر عن هذا الباب بالمرادفة [8]، وأورد طائفة من الآيات على هذا المصطلح. ومن ذلك قوله تعالى: ((وهو الذي يقبل التوبة عن عباده)) [9] ويرى أن الحرف " عن " مرادف للحرف الآخر " من ". ويسير وَفق هذا الفهم ثلّة من أهل العلم الذين لا يتأمّلون في الفعل الذي سبق حرف الجر، ولا يرونه متجاوزاً دلالته المعنوية وإنما يرون حرف الجر قد تعاور حرفاً آخر.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما المذهب الثاني فهو الذي يُطْلق على هذه الظاهرة مصطلح " التضمين "، ويرى أن الفعل قد تضمّن معنى فعل آخر، وحرف الجر مَسُوق لإتمام معنى هذا الفعل. والتضمين لغة [10]: الإيداع. يقولون: ضمن الشيء الوعاء أي: جعله فيه، وأودعه إياه، وهو اصطلاحاً [11]: إيقاع لفظٍ موقع غيره ومعاملته معاملته، لتضمنه معناه، واشتماله عليه، أو هو إشراب فعلٍ أو مشتقٍ أو مصدرٍ معنى فعل آخر أو مشتق أو مصدر، ليجري مجراه في التعدي والمعنى، مع إرادة معنى المتضمن. والغرض منه إعطاء مجموع المعنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى واحد. ويجري على التضمين بهذه الدلالة كثير من أفعال القرآن الكريم. ومن ذلك قوله تعالى: ((أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم)) [12] فلو بحثنا في المعاجم العربية عن مادة (الرفث) لوجدنا: رفثت بالمرأة، وليس فيها: رفثت إلى المرأة. ولما كان الرفث في معنى الإفضاء، والفعل (أفضى) يتعدى بـ " إلى " جاءت " إلى" إذاناً بأنه في معناه [13]. يقول الدكتور: محمد نديم فاضل [14]: " فتضمين الرفث وهو مقدمات المباشرة أو المباشرة ذاتها معنى الإفضاء، والمتعدي بـ " إلى "، يمنح العلاقة بين الزوجين لمسة إنسانية تترفع بها عن عالم الحيوان، لمسة حانية، فيها من الرفق والنداوة والشفافية مثلما فيها من سمو المشاعر، وتحسر " إلى " هذه عن مسافر وجهها الجميل لتحكي ما اشتملت عليه المشاعر حين جمعت الرفث إلى الإفضاء في ما أحل الله للزوجين في شهر الصيام لتنأى بهما عن عرام الجسد، والحبيس في الرغبات المكبوتة في اللحم والدم بعد أن تستتبع خلفها معنى الستر، يتدثر به كل من الزوجين، وتتصل بأفق أرفع من الأرض وبغاية أسمى من اللذة، ترقُّ وترْقى إلى معارج عليا .... وحَسبُ التضمين أنه جعل في لفظ الرفث نداوة يخضرّ بها، ويرمي ظلاله، ولمسة رفافة تنأى عن عرام الجسد تبتغي الإعفاف والإنجاب، وتوقظ معنى الستر في هذا الحرف " إلى "، فجمع من صنوف البيان ما ذاع صيته على كل لسان.
وانتصر كثيرون لنظرية التضمين في الأفعال لا الحروف، ومنهم ابن العربي الاشبيلي [15]، يقول: " وكذلك عادة العربي أن تحمل معاني الأفعال على الأفعال لما بينهما من الارتباط والاتصال، وجهلت النحوية هذا، فقال كثير منهم: إن حروف الجر يبدل بعضها من بعض، ويحمل بعضها معاني البعض، فخفي عليهم وضْعُ فعلٍ مكان فعل وهو أوسع وأقيس، ولجؤوا بجهلهم إلى الحروف التي يضيق فيها نطاق الكلام والاحتمال ".
وممن قال بالتضمين في الأفعال ابن هشام [16]، مع أنه خرج كثيراً من الشواهد على طريقة تضمين الحروف، يقول: " قد يشربون لفظاً معنى لفظٍ فيعطونه حكمه، ويسمى ذلك تضميناً، وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين نحو قوله تعالى: ((وما يفعلوا من خير فلن يكفروه)) [17] ضُمِّن معنى تُحرموه فعدّي إلى اثنين ".
وكذلك الحافظ السيوطي [18] إذ يقول: " إيقاع لفظ موقع غيره لتضمن معناه ".
والدكتور فاضل معنيّ ببيان صحة المذهب الثاني مشغول بهذا البيان شديد الحماسة له، يرفض رفضاً باتاً أيَّ دعوى أو حجة لتضمين الحروف، وكانت اطروحته في تعزيز ما اعتقده، وقد حشد أدلته للوفاء به، وكانت في جزئين: القسم النظري، ثم القسم التطبيقي. وقد أشار إلى خطر اللغة وأهميتها ضمن القضايا الإنسانية الكبرى، وخَلُصَ إلى أنها الكفيلة بإيضاح حقائق القرآن الكريم، والإفصاح عن خفايا التأويل، وإظهار دلائل الإعجاز، وشرح معالم الإيجاز، وعن طريق التضمين في الأفعال تنحلُّ كثيرٌ من العقد يقول [19]: " ترى الحرف مع الفعل فيوحشك الحرف، ويبقى الفعل قلقاً، فإذا حَملته على التضمين تمكّنَ الفعل وآنسك الحرف ".
والتضمين عند الباحث [20] مفتاح هذه اللغة الشريفة: وسرٌّ من أسرارها، يفْتَرُّ عن بديعةٍ، ويُفضي إلى لطيفة، وهو من طريف ما استوْدعتْه هذه اللغة، لأنه أذهب في الإيجاز، وأجمع لخصائص الصنعة، وفيه من الإيماء والتلويح ما ليس في المكاشفة والتصريح، وذلك أحلى وأعذب.
(يُتْبَعُ)
(/)
والرسالة في الحقيقة مثالٌ حيّ على هذه الحماسة العالية التي كان يُبديها الباحث لموضوعه ورفض أي وجهة يُولّيها غيره وهو لا ينفك عن إيراد الأمثلة وأقوال أهل العلم الذين يذهبون مذهبه، وعن رميْ الوجهة الأخرى بالضعف والفتور.
وهو في سبيل إبطال التضمين في الحروف يلجأ إلى مناقشة مستفيضة لوظيفة كل قسمٍ من أقسام الكلمة الثلاثة: الإسم والفعل والحرف. يقول [21]: " المعنى الإفرادي للإسم والفعل هو في أنفسهما، والمعنى للحرف هو في غيره، فالباء مثلاً لا تدل على معنى حتى تضاف إلى الإسم الذي بعدها، لا أنه يُتحصّل منها منفردةً فلا بيئة للحروف خارج سياقها، والعربي في العصور الأولى إذا تجاوز في استعماله هذه الروابط فإن سبب عدوله من حرف إلى حرف هو السياق إذا، وهو الذي وضع الفعل في معنى معيّن وخصصه به، وعداه بحرف يناسبه، فإبدال حرف مكان حرف، أو قيام حرف مقام حرف، وتضمين الحروف كثير الإيهام ولا حقيقة تحته ".
ويرى الباحث أن النحاة حين يقولون: إن " إلى " بمعنى اللام والباء بمعنى "في "، و"عن" بمعنى " على " ثم يردد المفسرون أو أكثرهم، لم يسألوا عن سبب تناوب هذه الحروف، ولم يتعرضوا للعلّة التي من أجلها جرى التعاور فليس التناوب في الحروف إلا أسلوباً من الهروب في مواجهة المشكلة، وإن الفكر باعتماده على الهوية المجردة للحروف أو الأداة أو اللفظ دون ربطه بالنص وبواقعٌ له زمان ومكان، وبظروفٍ اجتماعية وتاريخيةٍ ونفسيةٍ معنيةٍ ينتهي إلى تأملات مجردة وهذا من مخاطر العقلية المثالية [22].
ويستعين الباحث بطائفة واسعة من الآيات الكريمة التي تدعمه في إجلاء نظريته، كما يستعين بهذه الأساليب الأدبية العالية التي أوتِيها في التعبير الفني.
وفي القسم النظري من الرسالة يشير الباحث إلى الغرض من التضمين وفائدته، يقول [23]: " فالغرض من التضمين إفراغ اللفظين إفراغاً، حتى كأن أحدهما سبك في الآخر، فالمعنى لا يأتيك مصرحاً بذكره، مكشوفاً عن وجهه، بل مدلولاً عليه بغيره. وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين، فالكلمتان مقصودتان معاً قصداً وتَبَعاً.
وأشار الباحث إلى مسألة: هل التضمين سماعيٌ أو قياسي؟ ويستعرض أقوال العلماء الذين ذهبوا إلى أنه سماعي [24]، وذكر آخرون أنه قياسي. وقد رجح الباحث هذا المذهب، وأجاز استعماله للعارفين بدقائق العربية وأسراراها، والبلغاء يستعملونه في كلامهم بلا حرج فكيف نسد بابه في اللغة، وهو يرجع إلى أصول ثابتة فيها.
ويتحدث الباحث عن أوجه استعمال التضمين فهو يكون في الأفعال، ومن أمثلته [25] قوله تعالى: ((قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره)) [26] فالفعل (يخالفون) يتعدى بنفسه وبـ إلى، وحين عدي " بعن" تضمن معنى صدَّ أو أعرض. وتعبير التسلل يتمثل فيه الجبن عن المواجهة، وحقارة الشعور المرافق له في النفوس. والفعل (خالف) بمعنى (حاد) لتصوير الحالة النفسية للنماذج البشرية حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتحذير الرهيب من الله أن تصيبهم فتنة في الدين أو الدنيا، التحذير لا لمن خالف وإنما لمن حاد عنها، والحيدان أدنى درجات المخالفة عن المنهج الرباني. ولم جاء التعبير بالمخالفة؟ الحيدان قد يكون سهواً وغفلة، وأما المخالفة فإنها تصدر عن تصميم وقصد وعدم مبالاةٍ بالأوامر شأن المنافقين الذين يتسللون ويذهبون بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يكمن الخطر، تلك الآداب التي تنتظم بين أفراد الجماعة يستقيم أمرها بوقار قائدها وهيبته، وباستقرار هذه المشاعر في أعماق ضميرها تصبح قانوناً نافذاً في حياتها، وإلا أصابتهم فتنة يختلط فيها الحق بالباطل.
ومن أمثلة التضمين في الفعل قوله تعالى [27]: ((وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم)). الفعل (خلا) يتعدى بالباء تقول: خلا به أي: انفرد. ولعل تضمين (خلا) [28] معنى ارتاح إليه وسكن أقرب إلى السياق، فخلوُّهم إلى بعض يجدون فيه السكينة والطمأنينة والارتياح، وفي خلواتهم هذه ما شئت من وسائل الكيد والفتنة.
(يُتْبَعُ)
(/)
كما يكون التضمين في الأسماء نحو قوله تعالى [29]: ((من أنصاري إلى الله)) فقد ضمن النصرة معنى الولاء أو التوجه أو القصد. أما التضمين في الحروف فقد رفضه الباحث واستقبحه واستضعفه.
وقد جاء القسم التطبيقي محصوراً في القرآن الكريم وفق عنوان الرسالة، بيد أننا كنا نتمنى أن يعرج على أنواع السماع الفصيح الأخرى، فيستقي لنا نماذج وافية من الحديث الشريف - لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي من الفصاحة وجوامع الكلم وطرق البيان - ونماذج من الشعر العربي وأقوال العرب وأمثالهم وخطبهم ومنثور الفصحاء والبلغاء وذلك ليدعم مذهبه الذي دافع عنه من ناحية، ولإثبات استعمال العربية لها من ناحية ثانية.
وأما عنوان الكتاب فنحن نرى أن فيه نظراً، وذلك لأن قوله ((التضمين النحوي)) يشير إلى قضايا ومسائل تتصل بالنحو العربي من خلال أبوابه المعروفة، ثم يتبين لنا أن القضية محصورة في تضمين الفعل معنى فعل آخر أو في تعدي الأفعال إلى حروف جر معينة، فالموضوع الذي يطرحه يتصل بدلالاتها ومعانيها وما تستحقه من حروف جر، وما تحتمله من خلال السياق، ويبدو أن الدكتور فاضل لحظ هذا في خاتمة بحثه، واقترح أن يكون عنوان طبعة الكتاب الثانية: ((ظاهرة التضمين في القرآن الكريم))، وهذا العنوان في الحقيقة أنسب وأوعب بمضمون الكتاب ومناقشاته، كما نأمل أن يستوفي في الطبعة التالية التوثيقات العلمية في حواشي الكتاب وتحرير الاقتباسات والأقوال من مضانّها الأصلية، والإشارة إلى ذلك، ليستكمل منظومة المنهج العلمي في التعامل مع المصادر.
* * * * * *
---الحواشي ----
[1] انظر: الجنى الداني 46، البرهان في علوم القرآن 3/ 43
[2] بدائع الفوائد: 920
[3] تأويل مشكل القرآن: 567
[4] ويعني بها الحروف
[5] سورة طه الآية 71
[6] سورة الفرقان الآية: 95
[7] سورة النجم الآية: 3
[8] مغني اللبيب: 1/ 148
[9] سورة التوبة الآية: 104
[10] انظر: اللسان (ضمن)
[11] الكشاف: 2/ 481، شرح المفصل لابن يعيش: 8/ 15، النحو الوافي، المعجم الوسيط.
[12] سورة البقرة الآية: 187
[13] الخصائص: 2/ 308، الأمالي الشجرية: 1/ 147
[14] التضمين النحوي في القرآن الكريم: 1/ 367
[15] أحكام القرآن: 1/ 177
[16] مغني اللبيب: 2/ 762
[17] سورة آل عمران: 115
[18] معترك الأقران: 398
[19] التضمين النحوي: 10
[20] التضمين النحوي: 20
[21] التضمين النحوي: 60
[22] التضمين النحوي: 82
[23] التضمين النحوي: 106
[24] حاشية ياسين: التلويح على التصريح 1344س
[25] التضمين النحوي: 318
[26] سورة النور الآية: 63
[27] سورة البقرة الآية: 76
[28] التضمين النحوي: 362
[29] سورة آل عمران الآية: 52
[ line]
أشكر أخي الكريم الدكتور حسان محمد فاضل ابن مؤلف الكتاب الذي بعث لي بهذه المقالة وأسأل الله له ولوالده الدكتور محمد فاضل التوفيق والسداد.
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[02 Jan 2006, 08:15 ص]ـ
بارك الله فيه، وفي الدكتور أحمد الخراط، وشكر الله لك يا أبا عبد الله هذا النقل الموفق.
عرفت الدكتور نديمًا قبل سنوات، من خلال اشتراكه مع أستاذنا العلامة بقية المحققين الكبار د. فخر الدين قباوة في تحقيق الجنى الداني للمرادي، رحمه الله.
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[22 Jan 2006, 03:46 م]ـ
شكراً لكم أخي الدكتور عبدالرحمن على هذا الخبر الرائع، وهذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي كنت ولا زلت أتمنى الاطلاع على كتاب يفي ببحث جوانبها ولم أجده بعد، والآن أطلعتنا عليه مشكوراً، ولكن يا ترى كيف نحصل عليه في المكتبات؟، إذ أعلم أنه لا يمكن إهدائه إلى الجميع كما أهدي إليكم أخي عبدالرحمن.
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[22 Jan 2006, 08:40 م]ـ
موضوع قيّم، أجزل الله لك وللباحث المثوبة. ولو سمحت لي ببعض التعليقات اليسيرة، فهو موضوع يستحق التأمل:
1 - ممن سلك سبيل تضمين الحروف، بدلاً من الأفعال، اللغوي ابن فارس في كتاب "الصاحبي"، وحشد لذلك الشواهد من أشعار العرب وكلامهم.
2 - إن نظرية "التضمين النحوي" هذه ربما جعلتنا نعيد النظر في كثير من خلافات المفسرين حول بعض الآيات، وذلك من حيث حصر الاختلاف، وتسهيل ترجيح الأقوال بعضها على بعض، والأمثلة التي نقلتها أخي عبدالرحمن من آيات أُفرِغًت دلالات أفعال بعضها في بعض مما يؤيد هذا.
3 - "يقول الدكتور: محمد نديم فاضل [14]: " فتضمين الرفث وهو مقدمات المباشرة أو المباشرة ذاتها معنى الإفضاء، والمتعدي بـ " إلى "، يمنح العلاقة بين الزوجين لمسة إنسانية تترفع بها عن عالم الحيوان .. "
قلت: وربما نستطيع التوسع في موضوع التضمين، فندرج ما يمكن ان نسميه "الاعتضاد" بمعنى مماثل في سياق مشابه، اعتضاد كاعتضاد الحديث بالشواهد مثلاً، ومن ذلك مثلاً معنى الرفث أعلاه إذ قد جاءت أية اخرى مصرحة ب"الإفضاء"، كما في قوله تعالى (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً).
4 - ربما فتح التضمين، باب التفسير على مصراعيه لأرباب اللغة، وخاصة إذا علمنا أن التفسير بمقتضى اللغة سائغ عند بعض الأصوليين والفقهاء، قال في مختصر التحرير، ص99 ((ويحرم تفسيره برأي واجتهاد بلا أصل، لا بمقتضى اللغة))، أي بمجرد اللغة لمن كان عالماً بها.
و جزاك الله خيرا يا دكتور عبدالرحمن على هذا الطرح الموفق.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[17 Jul 2007, 08:44 م]ـ
جزاكم الله خيرا
هل ذكر مؤلف الكتاب أول من استعمل مصطلح (التضمين) من النحويين؟
الذي أظنه أن معنى المصطلح معروف من أيام الخليل وسيبويه والفراء وغيرهم، لكن المصطلح نفسه لم أقف على أول من استعمله، فهل من فائدة؟
وتنبيه آخر كذلك
وهو أن العلامة ابن السيد البطليوسي نقل الإجماع من جميع من قال بالتضمين - سواء تضمين الحروف أو الأفعال - على أنه سماعي لا قياسي.
وأما من يوهم كلامه أنه يقول بقياسية ذلك، مثل (ابن جني) ومثل (ابن هشام) وغيرهم فكلامهم ليس على ظاهره، والدليل على ذلك أنهم هم أنفسهم رفضوا التضمين في كثير من المواضع، مما يدل على أنهم يقصرونه على المسموع.
ـ[ناصر الماجد]ــــــــ[21 Jul 2007, 02:59 ص]ـ
بسم الله
بارك الله فيك أخي
لقد بحثت عن أول من قال بالتضمين في لغة العرب فلم أهتد إليه، فهل نص أحد من أهل العلم على أول من قال به؟(/)
أين أجد القطعة المخطوطة من تفسيرابن المنذر على الشبكة؟ فإن لم يكن فهل
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[06 Dec 2005, 01:24 ص]ـ
السلام عليكم
أين أجد القطعة المخطوطة من تفسيرابن المنذر على الشبكة؟
فإن لم يكن فهل يساعدني أحد الأفاضل ممن عنده هذا القطعة مطبوعة بالنظر في تفسير الم آل عمران.
هل ذكر ابن المنذر قول الشعبي عن الفواتح: لله في كل كتاب سر وسر القرآن فواتح السور. فإن ذكره فلينقله لي مشكورا كما ذكره ابن المنذر
أرجو المساعدة
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[06 Dec 2005, 02:08 م]ـ
راجعت أخي الكريم الموضع المذكور ولم يذكر ابن المنذر قول الشعبي الذي سألتم عنه في تفسيره لأوائل سورة آل عمران.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[06 Dec 2005, 06:59 م]ـ
بارك الله فيك وسدد على الخير خطاك ولقاك نضرة وسرورا
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[06 Dec 2005, 08:41 م]ـ
بيد أنه ذكره غيره تارة عن الشعبي بنحوه أو معناه، وتارة يذكرونه عن أبي بكر رضي الله عنه، ولم أجده مسنداً، ومن جملة من ذكره -حسب بحث بعض الموسوعات الحاسوبية:
- فمنهم القرطبي في تفسير سورة الصافات:123، وكذلك الأزهري في تهذيب اللغة، والأشموني في منار الهدى.
-ونسبه الرازي لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في تفسير سورة البقرة.
-وكذلك أبو السعود.
-والثعالبي.
-والخازن.
-ومراح لبيد.
-والنظام في الغرائب.
- وابن عادل.
-وابن سعد الغرناطي.
-وابن عجيبة.
-وكذلك البغوي ونقل عن الشعبي نحوه مرسلاً فقال: "وقال داود بن أبي هند: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور فقال: يا داود إن لكل كتاب سرا وإن سر القرآن فواتح السور فدعها وسل عما سوى ذلك".
- قال السيوطي في الدر: "وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ بن حبان في التفسير عن داود بن أبي هند قال: كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور قال: يا داود إن لكل كتاب سرا وإن سر هذا القرآن فواتح السور فدعها وسل عما بدا لك".
-وابن الجوزي في زاد المسير وقال: وإلى هذا المعنى ذهب الشعبي، وأبو صالح، وابن زيد.
وغيرهم.
وقد حكاه شيخ المفسرين عن بعضهم.
وليس لواحدة منها سند كما سلف.
======================================
إذا كان غرضك من تفسير ابن المنذر المخطوط قد انتهى فالحمد لله وإلاّ فإيسرني أن أعلقه لك هنا مصوراً وحجمه ليس بالقليل.
ـ[الأزهري الأصلي]ــــــــ[09 Dec 2005, 05:29 م]ـ
السلام عليكم:
حتى لا نفتح موضوعا جديدا فهذا هو الموضوع المناسب للسؤال عما خفي في كتب ابن المنذر وبخاصة تفسيره.
هل من أخ كريم يساعدنا على إيراد الأثر التالي بسنده حتى نستطيه دراسة السند:
قال السيوطي في الدر المنثور (5/ 41):
وأخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم.
حيث قال ابن حزم عن هذا الأثر وآثار أخرى عن الصحابة:"هذا عنهم في غاية الصحة"؟؟
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[09 Dec 2005, 11:26 م]ـ
جزاك الله خيرا
يا ليتك تتفضل بوضع الجزء المخطوط من تفسير ابن المنذر
ـ[الأزهري الأصلي]ــــــــ[12 Dec 2005, 02:00 م]ـ
هل من مساعد؟
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[12 Dec 2005, 02:53 م]ـ
أخي الأزهري:
الموضع الذي تسأل عنه ليس موجوداً في القطعة الموجودة من تفسير ابن المنذر
فالموجود في القطعة المخطوطة التي عثر عليها يبدأ من قوله تعالى " ليس عليك هداهم " وينتهي عند قوله تعالى " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا "
وفقك الله
ـ[الأزهري الأصلي]ــــــــ[14 Dec 2005, 01:35 ص]ـ
جزاكم الله خيرا أخي.
هل من مزيد؟ هل هناك من لديه شئ يفيدنا فيه؟
ـ[حارث الهمام]ــــــــ[17 Dec 2005, 10:59 ص]ـ
حاولت إرفاق شيء من المخطوط لكن يبدو أن هذا متعذر، فأرجو المعذرة.(/)
قال تعالى (أن بورك من في النار) آية أشكل علي فهمها!!!
ـ[ابوبنان]ــــــــ[07 Dec 2005, 01:56 م]ـ
وجدت أكثر كلام المفسرين على أن المقصود بالنار هنا هو حجاب الله النور
وسمعت توجيه آخر من أحد طلبة العلم أن معنى الآية بورك المكان الذي فيه النار
أحبتي الكرام الإشكال مازال موجودا أفيضوا علينا مما وهبكم الله من العلم والفهم لكتابه
محبكم أبو بنان
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[07 Dec 2005, 03:04 م]ـ
أخي الكريم أبا بنان
قال ابن جُزَي في التسهيل 3/ 201:
" مَن في النار: يعني مَن في مكان النار، ومَن حولها: مَن حول مكانها، يريد الملائكة الحاضرين وموسى، عليه السلام.
قال الزمخشري: والظاهر أنه عام في كلِّ مَن كان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وما حوله من أرض الشام".
وفي الآية أقوال ذكرها ابن جرير والبغوي والقرطبي وغيرهم.(/)
الزيادة على القرآن في المصاحف
ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[09 Dec 2005, 02:22 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فأود أن أطرح هذه القضية (إثبات مازاد على القرآن في المصحف) على بساط البحث، لأننا نعلم أنه يوجد في أثناء المصاحف التي بأيدي المسلمين اليوم زيادات ليست من القرآن، وليست في المصاحف العثمانية أيضا، ومن ذلك:
1. أسماء السور.
2. بيان المكي والمدني
3. عدد الآيات
4. تقسيم القرآن بالأجزاء والأحزاب والأثمان.
وتطور الأمر في بعض المصاحف فكتب على حواشيها:
5. تفسير المفردات.
6. بيان أحكام التجويد.
وأخشى إن طال بالناس زمان أن يتجاوز الأمر دلك إلى وضع بعض الصور أو الخرائط التوضيحية، أو الإحالة على بعض مواقع الإنترنت التي لها صلة بالآيات، أو غير دلك مما لانعلمه اليوم.
وقد أثر عن بعض السلف النهي عن ذلك، ومنه ماجاء عن أبي بكر السراج قال: قلت لأبي رزين (مسعود بن مالك) – وهو ثقة من كبار التابعين -: أكتب في مصحفي سورة كذا وكذا؟ قال: لا، إني أخاف أن ينشأ قوم لا يعرفونه، فيظنوا أنه من القرآن. أخرجه أبو عبيد في "الفضائل" (ص:241).
وقد اختلفت الأنظار في هده المسألة بين متشدد ومتساهل، فأرجو إحالتي إلى بحث في الموضوع، وهل سبق نقاشها في الملتقى؟.
وجزاكم الله خيرا،،،،.
ـ[أيمن صالح شعبان]ــــــــ[09 Dec 2005, 08:32 م]ـ
السلام عليكم: نعم أخي الكريم القضية بحاجة إلى وقفة وإجماع علمي ومخاطبة الجهات المسئولة عن إصدار المصاحف ونشرها ومراجعتها فقد هالني أن رايت في إحدى المكتبات مصحفا يجمع فيه القراءة بين حفص وشعبة والدوري والسوسي بواسطة تمييز لون النص القرءاني. وللأسف صادر عن إحدى الدور الشامية على نسخة قديمة بخط الخطاط عثمان طه _ أظن الخطاط حفظه الله بعيد كل البعد عن هذا الفعل _ فإنا لله وإنا إليه راجعون وقد تثبت من أمر هذا المصحف فعلمت عدم إجازته من لجنة مراجعة المصحف الشريف بالازهر.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 Dec 2005, 04:57 م]ـ
موضوع الكتابة الزائدة على النص القرآني في المصاحف وليست منه، موضوع قديم، ولا أذكر أنني وجدت بحثاً أو كتاباً خص هذا الموضوع بالبحث، إلا شذرات من الأقوال والفتاوى حوله عند القدماء والمحدثين، ومن هذه المصادر:
- البرهان في علوم القرآن للزركشي 2/ 166
- الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/ 11
- مناهل العرفان للزرقاني 2/ 233
- مجموع فتاوى القرآن الكريم من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر، جمع وترتيب د. محمد موسى شريف 3/ 989 وما بعدها. ففيه كثير من فتاوى العلماء حول هذه المسألة.
- التقرير العلمي حول مصحف المدينة النبوية، فقد أطال الدكتور عبدالعزيز القارئ القول في هذه المسألة.
- ما كتبه الدكتور محمد إبراهيم خليفة في بعض بحوثه، فقد خص هذا الموضوع بحديث طويل.
- المتحف في أحكام المصحف للدكتور صالح بن محمد الرشيد 238، 249، 250 - 252 وفيه كلام جيد في الموضع الأخير تحت عنوان «تحشية المصاحف».
ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[23 Dec 2005, 01:26 م]ـ
الأخ الكريم أيمن شعبان: أشكرك على مداخلتك، ولاشك أن إدارات المصاحف هي المسؤولة عن المراقبة.
الشيخ عبد الرحمن: جزاك الله خيرا على هده الإفادة، وهكدا تعودنا منك، ولكن (التقرير العلمي) للشيخ القاري أين نجده؟.
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[23 Dec 2005, 02:24 م]ـ
يبدو لي أن هناك فرقا بين ما يكتب بخط المصحف ورسمه في مربع يحيط به، وبين ما يكتب في حواشيه بغير رسمه وخطه كما هو الحال في التفاسير المختصره فليس هنا محظور ظاهر، واللبس والحالة هذه مأمون، اللهم أن يكون ذلك في المصاحف المخصصة للأطفال والمبتدئين ونحوهم فينبغي أن تصان عن ذلك، والله أعلم.
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[22 Jan 2006, 03:52 م]ـ
هذه طرفة أذكرها على سبيل المذاكرة مما يتعلق بالموضوع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ذكر أحمد أمين رحمه الله في كتابه (حياتي) ص 146 عندما كان قاضياً في بلدة نائية في صحراء مصر في الواحات الخارجة، أنه دخل ليرى كُتَّاب القرية، قال (ورأيت الأطفال يقرأون في ألواح من الصفيح طليت بالطَّفل - لا أعرف معناه -، وهم يطلونها كلما مسحوا اللوح وجددوا الكتابة، ولفت نظري طفل كبير، أخذت لوحه فوجدته قد كتب فيه المعوذتين، وبعدهما: (وقد تم طبع هذا المصحف الشريف في مطبعة كذا) وهو يحفظه على أنه من القرآن الكريم!
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[23 Jan 2006, 10:07 ص]ـ
لا يؤخذ كلام أو حكايات أحمد أمين - في كل ما يذكر - على محمل الجد، إذ له غمز و لمز - في بعض كتاباته، كفجز الإسلام، و كضحاه، تأثرا بالمستشرقين - مثله مثل طه حسين في كتابه " الأيام "،
و مما يوهن من حكايته تلك أن الشيخ صاحب الكتاب - بضم الكاف و تشديد التاء - و كان يلقب من طلبته و أهلهم ب " سيدنا " - كان هو الذي يملي آي القرآن، و يرددها الأطفال وراءه عدة مرات بصوت عال جماعة، حتى يتأكد من حفظهم لها و يصوب نطقهم و أخطاءهم، و كذا كان يفعل نائبه و مساعده " العريف " - بتشديد الراء - و لم يكونا يقرآن أو يمليان من مصحف مطبوع، و إنما كانا يفعلان ذلك من حفظهما - المحفوظ في الصدور - الآخذين له بالتلقي مشافهة من شيوخهما في الأزهر و ما شابهه من معاهد العلوم الشرعية.
- و أما ما ذكر من إضافة أسماء السور، و ترقيم الآيات، و و ضع علامات الأحزاب و الأجزاء و نحو ذلك، فلا بأس به، إذ تلقاه المسلمون بالقبول - من غير إنكار على مدى العصور - و هي مما لا يتوهم نسبته إلى أصل المصحف و نصه، و إنما وضعت - أو وضع معظمها - لأغراض أوضحها العلماء،
أما ما قد يوضع في الحواشي من تفاسير، فهو مكتوب خارج نطاق النص القرآني، مما يؤمن الخلط فيه بينه و بين أصل النص، و ما دام مميزا منه و منفصلا عنه - بشكل واضح لا لبس فيه - فلا بأس إن شاء الله، و مثل ذلك يضاف و يقال له إنه مصحف مع التفسير، مثل ما فعلت دار الشروق بالقاهرة في إصدارها " مصحف الشروق المفسَر الميسَر " مع مختصر تفسير الطبري - لابن صمادح الأندلسي - الذي وضع على جانبيّ النص القرآني بشكل جليّ لا لبس فيه،
- و مما قد يدل على جواز مثل هذا ما فعله بعض الصحابة من كتابة بعض تفاسير الآيات في نسخ مصاحفهم التي كتبوها لأنفسهم، مما ذكر العلماء أن تلك القراءات الشاذة التي بها كامات غير موجودة بالمصحف العثماني أنها ليست من أصل النص القرآني المتواتر، و إنما هي تفاسير أدرجت مع الآيات، و ليست منها بحال،
و مثل هذا يؤمن إذا وضعت منفصلة انفصالا تاما عن أصل النص، و الشاهد منه جواز كتابة التفاسير مع النص في المصحف، مع مراعاة ما أشرنا إليه
و العلم عند الله
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[02 Jan 2009, 09:42 م]ـ
ومن الطرائف العجيبة التي سمعتها بنفسي، أني كنت في روضة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بجواري قارئ سوداني يقرأ القرآن عن ظهر قلب بترتيل سريع، وكان كلما انتهى من سورة قرأ بعدها بنفس قراءته المرتلة: (سورة ... مكية وآياتها ... ) ويذكر اسم السورة وما كتب بعدها في المصاحف.
ـ[ناصر محمد حسان]ــــــــ[08 Feb 2009, 07:23 م]ـ
أقول وبالله تعالي التوفيق والسداد بأن الأخ السوداني ما أظن أنه قد تلقي القرآن علي يد شيخ لأنه لو تلقاه علي يد شيخ مارأيناه يتبع في حفظه ماسمعناه (سورة مكية) ومن الجدير بالذكر أن هذا القرآن كان علامة أوصفة من صفات هذه الأمة (أناجيلهم في صدورهم) أسأل الله أن يحفظ أهل القرأن وأن يرزقهم العمل به إنه ولي ذلك والقادر عليه.(/)
تفسير واستفسار
ـ[أبو أحمد عبدالمقصود]ــــــــ[13 Dec 2005, 09:53 م]ـ
قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى
الأسئلة الأول والثاني والثالث من الفتوى رقم (2229):
س 1: تفسير قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن الآية.
ج 1: تفسير قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتزوجوا المشركات غير الكتابيات: يهوديات، أو نصرانيات، بدليل قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخدي أخدان الآية، فأحل جل شأنه بآية المائدة للمؤمنين أن يتزوجوا الكتابيات المحصنات: وهن العفيفات الحرائر يهوديات أو نصرانيات، فدل ذلك على أنهن لم يدخلن في عموم المشركات في آية البقرة، كما لم يدخل أهل الكتاب في المشركين في آية: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ولا في آية: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة أو يقال: إنهن دخلن في عموم المشركات في آية البقرة، غير أن آية المائدة دلت على استثناء الكتابيات من عموم آية البقرة.
وعلى كلا الاحتمالين أو القولين لا تعارض بين الآيتين، فإن آية النهي محمولة على نوع من الكفار، وآية الحل محمولة على نوع آخر منهم، وبهذا قال جمهور الصحابة رضي الله عنهم إن لم يكونوا أجمعوا عليه، فقد ذكر ابن جرير في تفسيره إجماعهم على الجواز، وحكم بضعف إنكار عمر رضي الله عنه على طلحة بن عبيد الله تزوجه يهودية، وعلى حذيفة بن اليمان تزوجه نصرانية من جهة سنده ومن معارضة الأقوى منه له. وذكر أن كراهيته وكراهية ابنه عبد الله رضي الله عنهما ذلك قد تكون خشية أن يتمادى المسلمون في نكاح الكتابيات ويتتابعوا في ذلك; اقتداء بمثل حذيفة وطلحة وعثمان رضي الله عنهم، ويعرضوا عن الزواج بالمسلمات، وفي ذلك مخالفة لنصح النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يتخيروا من النساء ذوات الدين ولا شك أن المسلمة خير من الكتابية دينا.
س 2: هل الشرك المذكور في الآية الكريمة يشمل هؤلاء المسلمين الذين يتبعون بعض الطرق كالتيجانية والقادرية والذين يعلقون على أجسامهم تمائم من القرآن وغير القرآن والذين يتبعون الإسلام ولهم عادات وثنية؟
ج 2: الشرك المذكور في الآية يشمل من يستغيث بغير الله من الجن والأموات والغائبين عنه، كما يشمل من لهم عادات وثنية كعادات أهل الجاهلية الأولى من التقرب إلى غير الله بالنذر لهم وتقديم الذبائح وسائر القرابين لهم، والضراعة لهم والتمسح بهم والطواف حول قبورهم رجاء نفع أو كشف ضر، فمن فعل ذلك فهو داخل في عموم المشركين والمشركات في الآية لا يحل أن ننكحهم المؤمنات حتى يؤمنوا إيمانا خالصا ويتوبوا مما ذكر من البدع الشركية وأمثالها من نواقض الإيمان، ولا يجوز للمؤمن أن يتزوج نساءهم المبتدعات البدع الشركية حتى يتبن منها ويقلعن عنها.
ـ[أبو أحمد عبدالمقصود]ــــــــ[13 Dec 2005, 10:08 م]ـ
ثانيا الاستفسار
لقد قال تعالى (لقد كفرالذين قالوا ان الله هوالمسيح ابن مريم) وقال جل شأنه (لقد كفر الذين قالو ان الله ثالث ثلاثة) فكيف ابيح الزواج من أهل الكتاب بنص أية المائدة مع أن الله نعتهم بالكفر وحرم في ايات البقرة والممتحنة (ولاتمسكو بعصم الكوافر) أرجو أن تنفسح صدوركم لى
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[13 Dec 2005, 11:14 م]ـ
الأخ أبا أحمد:
لك أن تنظر في هذا الحوار ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=810).(/)
سؤال عن كتاب (علوم القرآن من خلال مقدمات التفسير)
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[16 Dec 2005, 07:48 م]ـ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
إخواني
ما رأيكم بكتاب (علوم القرآن من خلال مقدمات التفسير) وهو رسالة علمية
ـ[الراية]ــــــــ[16 Dec 2005, 09:47 م]ـ
معلومات مختصرة عن الكتاب من موقع ثمرات المطابع
http://www.thamarat.com/images/BooksBig/moh-1477-k.jpg
علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير
تأليف: محمد صفاء شيخ إبراهيم حقي
الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان
رقم الطبعة: الأولى، تاريخ الطبعة: 2004
نوع التغليف: مقوى فاخر (فني) كعب مسطح
عدد الأجزاء: 2
عدد الصفحات: 529
مقاس الكتاب: 17 × 24 سم
السعر: 60.0 ريال سعودي ($16.00)
نبذة عن الكتاب:
يدرس هذا الكتاب مضامين مقدمات التفاسير من نشأتها إلى نهاية القرن الثامن الهجري , خاصة المطبوعة , ويبين ما تضمنته من خلاصة أفكار المفسرين وزبدة آرائهم حول كثير من مسائل علوم القرآن ومباحثه , وهي آراء لم تطرق بعضها للبحث والنقاش. ولهذه الدراسة أهمية أخرى تكمن في معرفة تطور علوم القرآن ومباحثه عند المفسرين , كما تبين تأثر المفسرين بعضهم ببعض. وغير ذلك مما يتبين منه للقارئ تطور هذه المسائل عند المفسرين , ثم إن المقدمات هي أول المصنفات التي جمعت أكثر من موضوع من موضوعات علوم القرآن في موضع واحد , فهي النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن , وهذا جانب هام.
ويتكون هذا البحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة وفهارس.
· المقدمة:بيان أهمية الموضوع , وأسباب اختياره وخطة البحث.
· التمهيد: أهمية مقدمات التفاسير , والتعريف بها ونشأتها.
· الباب الأول:علوم القرآن دراسة تاريخية:
**الفصل الأول: تعريف عام بعلوم القرآن ونشأته.
1 - علوم القرآن بالمعنى اللغوي.
2 - علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي.
3 - نشأة علوم القرآن.
**الفصل الثاني: التأليف في علوم القرآن:
1 - المرحلة الأولى: من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري.
2 - المرحلة الثانية: من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر الهجري.
3 - المرحلة الثالثة: من بداية القرن العاشر إلى العصر الحالي.
الباب الثاني: مقدمات التفاسير:
تناول المؤلف في هذا الباب جميع التفاسير المطبوعة التي لها مقدمات من بداية التفسير إلى نهاية القرن الثامن الهجري , وهي:
1 - تفسير القرآن العزيز لعبد الرزاق الصنعاني.
2 - جامع البيان عن تأويل القرآن لابن جرير الطبري.
3 - تفسير القرآن العظيم لأبي الليث السمر قندي.
4 - النكت والعيون في تأويل القرآن الكريم لابن حبيب الماوردي.
5 - الوسيط في تفسير القرآن المجيد لأبي الحسن الواحدي.
6 - معالم التنزيل لأبي محمد البغوي.
7 - المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز لابن عطية الأندلسي.
8 - زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي.
9 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.
10 - تسهيل السبيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي.
11 - لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن.
12 - البحر المحيط في التفسير لأبي حيان.
13 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
* وجعل المؤلف كل كتاب في مبحث مستقل , وتناول فيه النقاط التالية:
1 - التعريف بالتفسير والمقدمة والمؤلف.
2 - عرض موضوعات المقدمة.
3 - منهج المؤلف في مقدمته.
4 - مصادر المؤلف في مقدمته.
5 - مدى التزام المؤلف في تفسيره بما ذكره في مقدمته.
6 - أهم مزايا المقدمة.
7 - أظهر المآخذ عليها.
· الباب الثالث: الموضوعات التي تناولتها مقدمات التفاسير:
- الموضوع الأول: نزول القرآن.
- الموضوع الثاني: جمع القرآن وترتيبه.
- الموضوع الثالث: رسم المصحف ونقطه وشكله ووضع الأخماس والأعشار.
- الموضوع الرابع: سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه.
- الموضوع الخامس: أسماء القرآن وأسماء سوره.
- الموضوع السادس: فضائل القرآن وخواصه وآداب تلاوته.
- الموضوع السابع: المكي والمدني.
- الموضوع الثامن: التفسير والتأويل.
- الموضوع التاسع: بيان شرف التفسير والحاجة إليه.
- الموضوع العاشر: أوجه التفسير وطرقه وأنواعه.
- الموضوع الحادي عشر: العلوم التي يحتاجها المفسر.
- الموضوع الثاني عشر:مراتب المفسرين.
- الموضوع الثالث عشر: الاختلاف بين المفسرين وقواعد الترجيح.
- الموضوع الرابع عشر: الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن.
- الموضوع الخامس عشر: الظهر والبطن والحد والمطلع.
- الموضوع السادس عشر: ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.
- الموضوع السابع عشر: الوقف والابتداء.
- الموضوع الثامن عشر: إعجاز القرآن.
وتناول المؤلف هذه الموضوعات من خلال المقدمات , وذلك بدراستها دراسة موضوعية مقارنة.
· الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
· الفهارس:
فهارس شاملة للآيات القرآنية , والأحاديث النبوية , وآثار الصحابة , والأعلام , والأشعار , والأماكن والبلدان , والفرق والقبائل , والمراجع , والموضوعات.
http://www.thamarat.com/index.cfm?faction=BookDetails&Bookid=8353
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[16 Dec 2005, 09:56 م]ـ
جزاكم الله خيراً. وقد سبق أن طُلِبَ مني تلخيص للكتاب، فنقلت منه بعض المقتطفات، أورد منها غير ما تفضل بنقله الأخ العزيز الراية من خطة البحث ما يأتي.
* أهمية مقدمات التفاسير:
اهتم العلماء منذ القديم بمضامين مقدمات التفاسير، فقد ضمنوها خلاصة أفكارهم، وزبدة آرائهم حول كثير من مسائل علوم القرآن ومباحثه، وهي أراء لم تطرق بعضها للبحث والنقاش، وعلوم القرآن إنما يعتنى بها، وتعطى هذه المكانة والأهمية لأنها توصل إلى معرفة مراد الله تعالى من كلامه للعمل بمقتضاه، ولكون المفسر قد طرق هذه الأبواب، وأدلى بدلوه في بيان معاني الآيات، كان من الضروري دراسة هذه المقدمات دراسة جادة، ومحاولة الغوص فيها لإبراز الدقائق العلمية في ثناياها، ومن ثم معرفة مواقف المفسرين من مسائل علوم القرآن ليتبين مدى معرفة المفسر بالعلوم المعينة على فهم كتاب الله الفهم الصحيح، وليتبين بالتالي مدى إصابة المفسر القول في بيان مراد الله.
ولهذه الدراسة أهمية أخرى تكمن في معرفة تطور علوم القرآن ومباحثه عند المفسرين، وذلك لأن المفسر قد ضمن مقدمته رأيه في بعض المسائل، فجاء اللاحق ليتابع السابق فيما قاله وأثبته، وليستدرك عليه ما لم يقله مما هو مطلوب قوله، كما يبين تأثر المفسرين بعضهم ببعض، وغير ذلك مما يتبين منه للقارئ تطور هذه المسائل عند المفسرين.
ثم إن المقدمات هي أول المصنفات التي جمعت أكثر من موضوع من موضوعات علوم القرآن في موضع واحد، فهي النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن، وهذا جانب هام.
ولاشك أن بحثاً يضم مثل هذه المعلومات، ويبين ما كتبه علماؤنا الأجلاء يسهل على طلبة العلم الراغبين في فهم القرآن كثيراً من الوقت والجهد، ويضع بين أيديهم بإذن الله جهداً جاداً في بيان بعض الموضوعات التي كثر الجدل حولها، وتباينت الآراء بشأنها.
وبإيجاز يمكن القول: إن أهمية مقدمات التفاسير تنبع من الآتي:
1 - أنها النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن.
2 - أنها تضمنت كثيراً من الأحاديث والآثار المتعلقة بعلوم القرآن، والتي رواها المفسرون بأسانيدهم.
3 - أنها حوت أقوال وآراء المفسرين في كثير من علوم القرآن ومسائله.
4 - أنها تضمنت ردود ومناقشات المفسرين المتأخرين لآراء وأقوال أسلافهم المتقدمين، فكان في ذلك تحرير لكثير من المسائل المختلف فيها، وسيمر بالقارئ في الباب الثالث، كثير من تلك المناقشات.
5 - التسهيل والتيسير على القارئ في التفسير، حيث يجد القارئ مبتغاه وما أشكل عليه من مراد المؤلف بين يديه، فلا يلجأ إلى غيره لتوضيح ذلك.
6 - أنها تقوي المعارف لدى القارئ لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز، دون الحاجة إلى الخوض في غمار المطولات من المصنفات.
7 - أنها علامة هامة في بيان تطور علوم القرآن.
* الخاتمة ونتائج الدراسة:
ما سبق جولة في بطون العديد من المصنفات، استغرقت مني ما يقرب من نيف وثلاث سنين، بذلت خلالها من الجهد ما الله به عليم، ولا شك أن هذه الجولة الطويلة في بطون المصنفات والمراجع، والعيش مع العلماء بمعايشة سيرتهم وتتبع أخبارهم، ثم تكرار النظر وإدامته في مقدمات تفاسير من شملتهم الفترة المقررة لهذا البحث من المفسرين، كل تلك الأمور جعلتني أخرج بنتائج عديدة ولله الحمد، وأذكر من تلك النتائج:
1 - إن نشأة العلوم الإسلامية كانت مواكبة للدعوة، على خلاف ما يذكره جل المصنفين من تأخره إلى القرنين الثاني والثالث، فرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن صدع بوحي الله تبارك وتعالى، وتحدث عن نزول الآيات، نشأ علم نزول الوحي، وعلم أسباب النزول، نشأ علم صفة حال النبي صلى الله عليه وسلم حين نزول الوحي عليه، وغير ذلك من العلوم التي نشأت فيما بعد مواكبة للدعوة.
(يُتْبَعُ)
(/)
2 - تَمَّت الكتابة في جملة من علوم القرآن في عهد النبي، وسجل الصحابة كثيراً من الذي تلقفوه من في رسول الله فيما يتعلق بالآية ونزولها وترتيب الآيات وغير ذلك، ونقصد بالكتابة التسجيل من إملاء رسول الله أو إملاء أحد الصحابة. أما تدوين تلك العلوم، أعني نقل تلك المعلومات المكتوبة من قبل الصحابة وترتيبها فقد تأخر إلى القرن الثاني الهجري، وكذا التصنيف وهو التدوين بعد إدخال عناصر جديدة.
3 - إن النصوص المنقولة إلينا تؤكد أن أول من استعمل مصطلح علوم القرآن هو الإمام الشافعي رحمه الله.
4 - إن الاهتمام بالتصنيف الموضوعي في علوم القرآن والتأليف فيه كان متقدماً على التصنيف الموسوعي، والذي نقصد به جمع الحديث عن أكثر من علم في تصنيف واحد، وكان أول من صنف فيه هو الحارث المحاسبي.
5 - إن التصنيف الموسوعي في علوم القرآن وصل إلى الذروة في العقد الثاني من القرن الثامن الهجري، وذلك حين صنف السيوطي كتابه التحبير والإتقان.
6 - إن ثلة من أهل العلم المتخصصين في عصرنا الحالي استطاعوا أن يقدموا بحوثاً جادة في جملة من الموضوعات الهامة في علوم القرآن، وأن لأقسام الدراسات العليا في الجامعات المتخصصة دور كبير في تطوير هذا العلم ونمائه.
7 - إن مقدمات التفاسير احتوت مادة علمية قيمة، لم يعتمد منها المصنفون في علوم القرآن إلا القليل، كما أن تلك المقدمات قد احتوت آراء المفسرين في كثير من المسائل والموضوعات وهي آراء من الأهمية بمكان، ورغم ذلك لم توضع للبحث والنقاش كما ينبغي.
8 - إن توزيع مادة المقدمات ونثرها حسب الموضوعات في هذا البحث وضح لنا نشأتها، وأظهر لنا تطور علوم القرآن ومباحثه عند المفسرين، وذلك لأن المفسر قد ضمن مقدمته رأيه في بعض المسائل، فجاء اللاحق ليتابع السابق فيما قاله وأثبته، وليستدرك عليه ما لم يقله مما هو مطلوب قوله، وهو أمر يسد حاجة القارئ ويغنيه من الرجوع إلى المقدمات نفسها.
9 - إن المفسرين تأثر بعضهم ببعض في ذكر الموضوعات التي تذكر في المقدمة، كما تأثروا في ذكر أدلة تلك الموضوعات المطروقة، ولهذا لم يتطور هذا الفن كثيراً بالمقارنة بالعلوم الأخرى.
10 - إن أكثر الموضوعات التي أولاها المفسرون اهتمامهم هي تلك الموضوعات المتعلقة بأصول التفسير، وأنواعه ومراتب المفسرين، وجمع القرآن وتدوينه، مع الاهتمام الخاص بموضوع الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، وكذا فضائل القرآن.
11 - إن تفسير الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، بسبع قراءات قرآنية هو الأقرب والأصح في اعتقادي، إذ هو الموافق للأحاديث والآثار الواردة، كما أنه هو التفسير الذي يسلم من الاعتراضات التي ترد على غيره من التفسيرات.
12 - وغير ذلك من النتائج التي لا يعدم الناظر في هذا البحث من الوقوف عليها.
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[18 Dec 2005, 10:22 م]ـ
يوجد تكملة لهذه الدراسة، ولا أعلم هل تمت ام لا؟؟؟
ـ[أم عاصم]ــــــــ[21 Dec 2005, 09:51 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب "علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير (من نشأتها إلى نهاية القرن الثامن الهجري) " لمحمد صفاء شيخ إبراهيم حقي كتاب مفيد .. وقد فاجأني عنوانه حينما اطلعت عليه بعد مدة من مناقشتي للدكتوراه، فهو يشبه عنوان رسالتي: علوم القرآن من خلال مقدمات كتب التفسير (دون تحديد المدة الزمنية).
ونظرا لعدم تحديد المدة الزمنية وما في استقصاء جميع التفاسير من صعوبة .. فقد تم اختيار نماذج فقط من مقدمات كتب التفسير وحرصت أن تكون من أشهر وأهم كتب التفسير مع التنويع قدر المستطاع وذلك لغرض التعرف على الأنواع المختلفة من المقدمات بناء على اختلاف مذاهب أصحابها أو اختلاف اتجاهاتهم في التفسير ...
والنماذج المختارة من المقدمات هي لكتب التفسير التالية:
1 - المجاز في تفسير القرآن لأبي عبيدة
2 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري
3 - النكت والعيون للماوردي
4 - التبيان في تفسير القرآن للطوسي
5 - الكشّاف للزمخشري
6 - المحرر الوجيز لابن عطية
7 - مجمع البيان لعلوم القرآن للطبرسي
8 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
9 - غرائب القرآن ورغائب الفرقان للنيسابوري
10 - لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن
11 - البحر المحيط لأبي حيان
12 - كتاب التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي
13 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير
14 - روح المعاني للآلوسي
15 - التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور
وقد أشرت إلى مقدمات أخرى في البحث مثل مقدمة الجواهر الحسان للثعالبي (فقد نقلها الثعالبي من مقدمة ابن عطية)، ومقدمة معالم التنزيل للبغوي (فهي الأصل الذي نقل منه الخازن مقدمة تفسيره مع إضافات تتعلق بعلوم القرآن).
ولا أدعي بأني قد وفقت في اختياري لهذه النماذج بل إن كنت قد قصرت فالتقصير من سمات البشر.
وقد ذكرت هذا لمناسبة تشابه عنوان الرسالتين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد صفاء حقي]ــــــــ[06 Jan 2006, 05:56 م]ـ
أشكر الأخوة الافاضل على عرضهم لموضوعات الكتاب. وإن ما قدمته في هذا الكتاب هو جهد مقل معترف بالتقصير، وما ظهر فيه من القبول في بعض الجوانب فإنما هو نتيجة حتمية لتوجيهات شيخي الفاضل الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع يحفظه الله، الذي كان له الأثر الواضح في كل كلمة سطرتها طيلة أربع سنوات قضيتها مع فضيلته، وإن كنت في الوقت ذاته أقر بأن شيخي الجليل وكما عرف عنه لا يقر لطلابه الإطناب ولا يشجعهم على ذلك، بل يميل إلى الكتابة العلمية الدقيقة الموجزة،وهو امر افتقده بحق، ولهذا كثيرا ماكان يلجم قلمي، ويضع جهد أيام من البحث والتفكير والصياغة بين المعقوفتين ثم بإشارة إكس بجانبها، وكان علي في هذه الحالة أن ألغي مقطوعات طويلة من النصوص التي صغتها بتأن وتلوتها بإعجاب على بعض رفقاء الدرب، فكان إلغاء المشار إليه خضوعا لأمره، واستجابة لتوجيهه، وقد أتعبني ذلك حقيقة،وأضعف من همتي عزيمتي في أحايين كثيرة ولولافضل الله تعالى ثم التشجيع الذي كنت القاه من فضيلته،من الإعجاب ببعض الجوانب والأفكار، وبالعبارة وإسلوب الصياغة، لربما فترت الهمة وقصر العمل ولم أنجز ما أنجزته .. لقد ألغى الشيخ الجليل كثيرا من المكتوب والمسطور، وكم مرة سلمته كراسات مسودة فأعادها إلي صفحات محمرة بالمعقوفات، غفر الله للشيخ ولي أنا .. ثم إنني أعترف بأن غالب المحذوف هو في الجانب الوصفي.
عموما خرج المدون وهوالآن بين يدي العلماء وطلبة العلم، ورجائي وأملي أن يرحموا الكاتب الفقير، وأن يغفروا له الزلات فهو يلتمس العذر، لقد حاول جاهداً ان لا يخرج كثيرا عن العبارة المألوفة، وبعبارة أخرى كثيرا ما غير العبارة ليكون هادئاً في الطرح ورقيقا في الاختلاف ..
ولاأتواضع فأقول إنني لم أقدم شيئاً جديداً، أوأنني لم أظهر رأياً معتبراً للقارئ ولو كان مسبوقا وتبينته أنا في هذا الكتاب ... ، أبدا فهناك جملة من الأفكار والآراء أعتقد أنني سلطت الضوء عليها بنور كاشف هادئ لا يؤذي الناظر، وأحسبني توفقت إلى حد كبير في مسألة تدوين التفسير وتاريخه وأمية العرب وكتابتها، وفي الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن، وفي جمع القرآن ... الخ وأقولها بوضوح أكثر لولا الخشية من الجرأة على علمائنا الأفاضل ولولا الاعتبار لشريحة كبيرة من طلبة العلم لا ترى الاجتهاد ولا الرأي الجديد بل تلزم بالاتباع للمتقدم وتردد عبارة (ماترك الأول للآخر شيء)، ثم لولا القناعة بأننا نحن المبتدئون لا يحق لنا ما يحق للعلماء الأجلاء وطلبة العلم الفضلاء من الاجتهاد .. ، لولا كل ذلك لربما استطعت أن أطرح بعض الأفكار التي يمكن أن يدور بحث ونقاش حولها، وهو ما عزمت على طرحه في هذا الملتقى المبارك قريباً، وذلك بطرح بعض ماكتبه أستاذ فاضل وشيخ جليل، عرفته باجتهاده وقوة رأيه وبعد نظره في كثير من القضايا،درس التفسير وعلوم القرآن لعقود، وعرفه طلبته بهدوئه في الطرح، وقوة الدليل،وجمال العبارة، وأمانة النقل، والجرأة في الحق، وقبول المخالف، وحلو المعشر، قبله الكثير، واعترض عليه أكثر، لم يمل من تكرار الطرح ولم ييأس وهو إلى اليوم مع كونه في وضع صحي يسأل الدعاء غير أنه لا زال متفائلا بأن ما توصل إليه سيلقى القبول لدى شرائح كثيرة، وان مسألة تبني أفكاره العلمية إنما هي مسألة وقت .. لقد استأذنته في طرح جملة من بصائره في ملتقى أهل التفسير للبحث والنقاش فرحب بذلك وفرح فرحا شديدا، وزودني بما دون من تلك البصائر وهي في ازدياد، وإن كنت اتحفظ على جملة من آرائه إما لعدم قناعتي بها أو ربما لغرابتها وعدم قبولها من مثلي ممن تربى في مدرسة سلفية أحسبها خير المدارس على الإطلاق غير أنني وسيرا على نهج السلف رضوان الله عليهم لا أجد غضاضة في طرحها كما هي، من غير أن أتبنى مضامينها، فإن كانت صوابا فبالتأكيد سيجد التأييد، وإن كانت الآراء غريبة سيكون الرد بيانا وهداية، وإن كان فيه وفيه فالحق بيان ذلك، أرجو الله ان يوفقنا جميعا للخير ويسدد خطانا .. والحمد لله رب العالمين ..
بقي أن أشير إلى ماكتبته الاستاذة الفاضلة ام عاصم فقد وصل إلي صورة من كتابتها واتصلت بالجامعة التي تخرجت منها وبالكلية ذاتها، ولم اتمكن من الاتصال بها شخصيا لتناول بعض الأفكار حول الموضوع، وقد تبين أن الأخ الدكتور المشرف على رسالتها هو اخونا الدكتور محمد الطلحاوي المتخرج في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والحاصل على درجة الماجستير فيها من كلية اللغة العربية، ولي معرفة بفضيلته، وكتابي الذي بين يديها تم تسجيله كموضوع عام 1412 هـ وأجيز من القسم عام 1416هـ وإلى هذا التاريخ لم تكن الأخت الكريمة قد بدأت الدراسة فهي قد حصلت على الدكتوراة عام 1425 هـ، وكان من المفترض السؤال في الجامعات عن الرسائل المسجلة كي لا يتكرر العمل، كما يفعله طلابنا في جامعة الإمام محمد بن سعود .. وعلى العموم فللحق إن نهج الاخت الفاضلة نهج مخالف ومغايير لما سرت عليه في كتابي .. هذا والله اعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أم عاصم]ــــــــ[07 Jan 2006, 02:08 ص]ـ
- أشكر الأخ الفاضل الدكتور محمد صفاء حقي على كل حال .. وإشارتك إلى ضرورة السؤال في الجامعات عن الرسائل المسجلة، إشارة مهمة كي لا يتكرر العمل كما ذكرت. ومن المعلوم أنه قبل سنوات لم يكن الاطلاع على موضوعات الرسائل المسجلة بمختلف الجامعات ميسرا كما هو الحال اليوم (على الأقل حسب معلوماتي المتواضعة) ..
- حينما اقترح علي أحد الأساتذة الفضلاء وهو الدكتور إبراهيم بنصديق رحمه الله موضوع رسالتي وقال بأنه موضوع مهم وجديد، استشرت أساتذة آخرين فعبروا عن أهمية الموضوع ولم يكن لأحد علم بأنه قد سجل من قبل .. فسجلته في البداية تحت إشراف أحد أساتذتي ثم تحول الإشراف إلى الأستاذ الطلحاوي ..
- وأحب أن أضيف معلومة حول تاريخ التسجيل. صحيح أني قد حصلت على الدكتوراه عام 1425 هـ ولكن تاريخ التسجيل كان في أبريل 1994م (الموافق لعام 1414هـ) كموضوع لنيل دبلوم الدراسات العليا، ثم تم التحويل إلى موضوع لنيل الدكتوراه (بعد صدور نظام جديد للدكتوراه) عام 1997م ..
- وأختم بقولي: لا مانع لدي من تناول أو مناقشة أية فكرة حول الموضوع.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Jan 2006, 02:22 م]ـ
أشكر الأخوين الكريمين الدكتور محمد صفا والدكتورة أم عاصم - وفقهما الله ونفع بهما - على هذه التعقيبات الموفقة.
ومن وجهة نظري أن تناول الموضوع الواحد من أكثر من باحث يفتح آفاقاً علمية وفكرية، ويثري البحث من جوانب كثيرة. وقديماً قيل: (تَرى عَيْنٌ ما لا تَرى عَيْنٌ)، فالباحثون يتفاوتون في خلفياتهم العلمية والبحثية، وفي قدراتهم الذهنية في التحليل والاستنباط، مما يجعل لكل باحث جهده الذي يشكر عليه. وقد قرأت الرسالتين ولله الحمد، وانتفعت بهما كثيراً، ووجدت في كل منهما ما ليس في الأخرى، وليت الدكتورة أم عاصم تنشر رسالتها حتى ينتفع بها الباحثون.
وأما مسألة التنسيق بين الباحثين والمعاهد والمراكز البحثية رغبة في استثمار جهود الباحثين وأوقاتهم فلا شك أنه مهم، والغرض الرئيس منه هو الالتفات إلى تراث الإسلام الذي لم ير النور بعد لتحقيقه ونشره، وإلى الموضوعات المهمة التي تحتاج إلى بحث، ولم يسبق بحثها لتبحث وتعطى حقها. وليس - في نظري - من أغراض هذا التنسيق عدم بحث موضوعات متشابهة لذات هذا السبب، فإن الأقسام العلمية تشترط على من يريد أن يبحث موضوعاً سبق بحثه أن يمر على ذلك مدة زمنية محددة، أظنها عشر سنوات أو خمس، مع تقديم تقرير بالزيادات التي يرى الباحث أنه سوف يضيفها على البحث السابق.
وأرجو أن يكون هذا الملتقى العلمي من وسائل التواصل العلمي بين الباحثين كما حدث في مثل هذا الموضوع ولله الحمد والشكر.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[26 Jan 2006, 04:57 م]ـ
أحسنت التعقيب أبا عبد الله
وأنا معك في أنه لا ضير أن يبحث الموضوع أكثر من باحث، إذا لم يُوجد موافقة ومواطاة بينهما، والقارئ هو الحكم في هذه الحالة، وليس البحث ولا عنوانه حكرًا على فلان أو علان، وها نحن نرى في كتب اهل العلم من كتب غريب القرآن أو غيره الكثير، توافقت أسماؤها واختلفت طرائقها وفوائدها، وكذا نرى في بحوث المعاصرين كذلك.
وكونه قد يتفق الباحثان ـ من غير مواطاة ـ على مسائل في البحث، فإن هذا مما يعزز القيمة العلمية للمعلومة المتفق عليها، ويجعل المرء يفرح بهذاالاتفاق ويغتبط له؛ لأنه لم يكن قوله واستنتاجه بدعًا من القول، بل هناك من يوافقه فيه.
ولا أدري يا أخي عبد الرحمن، هل مرور عشر سنوات يسمح للباحثين بإعادة الكتابة في الموضوعات بشروط؟ أنا سمعت هذا لكن لا أدري أهو مما اتفق عليه ضمنًا، أم هو مما نصَّت عليه لوائح الدراسات العليا؟ فياليت أحدًا يفيدنا في هذا.
ـ[محمد صفاء حقي]ــــــــ[27 Jan 2006, 08:47 م]ـ
شكر جزيل لك أيها الشيخ الفاضل على ما تقدمه للعلم وطلبته في هذا الموقع العظيم، والشكر موصول لفريق العمل المبارك الذي سخر كثيرا من وقته لإدارة الموقع وتقديم المفيد وتقويم المنشور،فبارك الله فيكم جميعا.
أخي العزيز الدكتور عبد الرحمن واشكرك ثانيا على النسخة المصورة التي أرسلتها لي من بحث الأخت الفاضلة الدكتور أم عاصم، بارك الله فيها، وقد قرات الرسالة كلها وكما ذكرت من قبل فإن كتابتها تختلف من حيث المنهج والطريقة والمحتوى عن منهجي وطريقتي وما ضمنته تأليفي من معلومات، وهذا ما صرحت به في تعليقي الأول على الموضوع، وقد استفدت كثيرا من رسالة الدكتورة،وما كان اتصالي بالجامعة إلا لقصد إتمام الفائدة ومحاولة التفاهم والتعاون لخدمة العلم.
أما بخصوص كتابة أكثر من باحث في الموضوع الواحد فأنا من أنصار هذه الفكرة، وارى أن هذا النهج من شأنه أن يمنح الباحثين عدة رؤى مما يزيد الموضوع وضوحا وبيانا، وأعتقد جازما بأننا لو أستطعنا أن نتخلص من حظوظ النفس وأن نؤمن بأن الناس يتفاوتون في العطاء وفي القدرات، وأن المتأخر قد يأتي بما يأتي به المتقدم فإننا بهذا سنستطيع تقديم الجديد والمفيد وتطوير علومنا بشكل مشرف والقضاء على الجمود الحاصل من قرون .. وفي هذا الشأن يسرني أن أشيد بجهود أخي الدكتور مساعد الطيار وما يقدمه من أفكار وأطروحات هي جديرة بالنظر والتدقيق وأملي أن اشارك في هذا المنتدى العظيم قريبا وأكون عضدا لأخي الدكتور مساعد فهو قد طرق بابا وشرع في رحلة أعتقد أنه سيجد جمهورا من طلبة العلم يسيرون خلفه وعلى نهجه قريبا، تماما كالإمام الذي صلى بالناس أول الوقت ولما سلم وجد صفوفا من المؤمنين خلفه يأتمون به .. بارك الله في أخي الدكتور مساعد وفيكم جميعا وتحياتي للدكتورة الفاضلة أم عاصم والتي أثبتت أن همَّ طلبة العلم واحد سواء في المشرق أو المغرب، ولا أدري هل اطلعت على كتابي واقتنت نسخة منه فإن كان الجواب بالنفي فيسرني أن أهديها نسخة رجاء دعوة صادقة ونصيحة خالصة ..
ارجو الله التوفيق للجميع ....
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أم عاصم]ــــــــ[31 Jan 2006, 12:51 ص]ـ
أتقدم بجزيل الشكر للإخوة الذين أفادونا ومازالوا يفيدوننا بالعلم النافع والنصيحة الخالصة والتوجيه السديد، وأخص بالذكر الشيخين الفاضلين الدكتور عبد الرحمن الشهري والدكتور مساعد الطيار اللذين أفدت من كتاباتهما ومقالاتهما وتوجيهاتهما .. فجزاهما الله خيرا ونفع بهما. كما أشكر الأخ الفاضل الدكتور محمد صفاء حقي على تعقيبه الطيب وكرمه، أسأل الله أن يبارك في مجهوده ويوفقه لما يحب ويرضى. ورسالته قد قرأتها بعد أن تكرّم أخ فاضل كريم فأرسل لي قبل بضعة أشهر نسخة منها، بارك الله في الجميع. وأفدت منها كثيرا خصوصا في المباحث التي لم أتناولها بإسهاب وتوسع أو لم أتطرق إليها. أما طلب الأخ الدكتور الشهري بنشر رسالتي فأتمنى أن يتحقق ذلك قريبا إن شاء الله.
واسمحوا لي بطرح أسئلة كانت تجول في خاطري وأثارتها بعض العبارات التي أوردها الأخ محمد صفاء في قوله:
.. وكان علي في هذه الحالة أن ألغي مقطوعات طويلة من النصوص التي صغتها بتأن وتلوتها بإعجاب على بعض رفقاء الدرب، فكان إلغاء المشار إليه خضوعا لأمره، واستجابة لتوجيهه، وقد أتعبني ذلك حقيقة،وأضعف من همتي عزيمتي في أحايين كثيرة ..
- هل للأستاذ المشرف على البحث أن يتدخل في البحث بالتغيير أو الحذف إن كان الباحث لا يرى ذلك؟
- وماذا لو كان الأستاذ المشرف غير ملمّ بجزئيات في البحث فخطّأ الباحث فيها ظنا أو جهلا أو نحو ذلك؟
- وماذا لو اختلفت منهجية البحث بين الباحث والمشرف على بحثه، فهل يخضع الباحث لاجتهاد المشرف مع عدم اقتناعه بذلك، أم يتبع ما يراه هو صوابا خصوصا إذا كان بعد استشارة أساتذة آخرين؟
ولا علاقة بهذه الأسئلة بما كتبه د. حقي، فمن يقرأ ما كتبه قبل العبارات التي اقتبستها أو بعدها يدرك فضل أستاذه عليه، كما أن إثارة هذه الأسئلة ليس الغرض منها الانتقاص أو توجيه النقد لأحد بل أنوه بمجهودات الأساتذة الذين يشرفون على البحوث لاسيما الأساتذة المعروفين بجدهم ورغبتهم في الارتقاء بالبحث العلمي إلى أعلى مستوى .. ولكن هناك حالات قد يقع فيها نوع من التقصير أو الخطأ .. فالكمال لله وحده. وأعتذر للدكتور حقي لأني استعملت عباراته في غير ما قصده منها.
ـ[محمد صفاء حقي]ــــــــ[01 Feb 2006, 09:31 م]ـ
بسم الله والحمد لله أما بعد: فقد دونت بيانا شافيا لأسئلة الاخت الكريمة ثم عدلت عن تحميله هنا رغبة بأن يأتي الجواب والبيان من الشيخ الجليل الذي أعمل قلمه مراراً في حبس زياداتي وبعض عباراتي وربما شيئاً من اجتهاداتي ليس بقصد مصادرة الراي وحرية التعبيركما قد يفهم البعض، فهو من زرع في نفسي حب القراءة الفاحصة، بل بقصد التوجيه والإرشاد وذلك ببيان العور والخلل، فشيخي الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع هو فارس في ميدان منح حرية التعبير والاجتهاد لطلابه بل يتربع بارتياح على القمة في هذا الخصوص ولا يعني هذا انه لا يلجم قلما أراد الجنوح، أو فكرا ربما تأثر في لحظة ضعف برأي كان مصدره خضراء الدمن وفات على بعض طلبته اكتشاف الخلل أو الوقوف على العلل، وهذا أمر يعرفه كل من عرف الشيخ الحكيم، وللحق مرة أخرى فلا أذكر أنه الزمني رأياً، فقد كان نهجه في التوجيه اتباع الدليل والشاهد، ولم أكن ولن أكون في يوم ما بإذن الله تعالى من اؤلئك النفر الذين يتمسكون بآراء لا يؤيدها الدليل وإلا كيف أدعي أنني متبع لسلف الأمة، أليس الدليل هو الفيصل في الرأي ..
إنني هنا أطلب من فضيلة الدكتور الشايع أستاذ الدراسات العليا أن يتكرم ويتفضل فيبين لقراء الملتقى الكرام وللأخت الفاضلة أم عاصم مدارات المشرف والواجب عليه تجاه الباحثين .. توجيها وتدخلا .. بارك الله في جهود القائمين على الملتقى ..(/)
سؤال عن كتاب الزيادة والإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة، وصدوره محققاً أخيراً
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[18 Dec 2005, 10:29 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
ارجو إفادتي إخوتي في الله عن منهج المؤلف (ابن عقيلة المكي في كتابه)
وهل هو مجدد ام ناقل عمن سبقه؟؟
وهل الكتاب مطبوع ام لا؟؟؟
وأين أحصل عليه؟؟؟؟
ـ[محمد بن علي]ــــــــ[19 Dec 2005, 08:19 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الكتاب لم يطبع،وقدم منذ سنين خلت في جامعة الإمام كاطروحة ماجستير بين مجموعة من الطلاب.
وقد رأيته في جامعة الشارقة عن طريق استاذنا الفاضل د. مصطفى مسلم، وكما اسلفت لم يطبع بعد، ولكن هناك جهود حثيثة لطبعه.
والذي رأيته حوالي 10 مجلدات ضخمة طبعت بالآلة الكاتبة، وعليها التخريجات والتعليقات.
هذا مالدي عن الكتاب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[19 Dec 2005, 02:26 م]ـ
كتاب (الزيادة والإحسان في علوم القرآن) لمحدث الحجاز محمد بن أحمد بن سعيد المعروف بابن عقيلة المكي الحنفي المتوفى سنة 1150هـ. حقق في خمس رسائل علمية للماجستير في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كما تفضل أخي الكريم محمد بن علي - وهؤلاء الباحثون هم:
1 - محمد صفاء بن شيخ إبراهيم حقي (1) من أول الكتاب إلى آخر النوع (45) عام 1407هـ والدكتور محمد أحد أعضاء الملتقى، وإن لم أكن واهماً أنه أخبرني أن الكتاب الآن تحت الطبع.
2 - فهد بن علي العندس (2) من أول النوع (46) إلى آخر النوع (90) عام 1407هـ
3 - إبراهيم محمد المحمود (3) من أول النوع (91) إلى آخر النوع (119) عام 1407هـ
4 - مصلح بن عبد الكريم السامدي (4) من أول النوع (120) إلى آخر النوع (143) عام 1407هـ
5 - خالد بن عبد الكريم بن محمد اللاحم (5) من أول النوع (144) إلى آخر الكتاب عام
1408هـ
وجميع هذه الرسائل كانت تحت إشراف الدكتور محمود محمد شبكة.
[ line]
وأما هذا الكتاب فهو كتاب ضمنه مؤلفه مائة وأربعة وخمسين (154) نوعاً من علوم القرآن الكريم، واعتمد على كتاب الإتقان للسيوطي كما ذكر في مقدمته حيث أثنى على الإتقان ثم قال: «حداني ذلك إلى أن أحذو على منواله، وأنسج كتاباً على مثاله، فشرعت في هذا الكتاب، وأودعت فيه جل ما في الإتقان وزدت عليه قريباً من ضعفه من المسائل الحسان، واخترعت كثيراً من الأنواع اللطيفة والفوائد الشريفة، هذا على سبيل الإدماج والإجمال، ولو فصلتها لزادت على أربعمائة نوع».
وسبب كثرة أنوع علوم القرآن عنده أنه بسط وعدد النوع الواحد عند السيوطي، فمثلاً نوع (كيفية إنزال القرآن) هو النوع السادس عشر عند السيوطي جعل منه ابن عقيلة المكي ثمانية أنواع. ومثله نوع (معرفة الوقف والابتداء) وهو النوع الثامن والعشرون عند السيوطي جعل منه ابن عقيلة ثلاثة أنواع. وهكذا.
ولم يلتزم في سرد أنواعه ترتيب السيوطي، بل قدم وأخر، ويذكر في مقدمة كل نوع من أفرده بالتأليف كما صنع الزركشي والسيوطي من قبله.
وقد وازن الدكتور حازم حيدر بينه وبين البرهان للزركشي والإتقان للسيوطي فقال: «وقد اعتمد على مصادر أخرى كالنشر لابن الجزري، ولطائف الإشارات للقسطلاني، وإتحاف فضلاء البشر لشيخه الدمياطي وغيرها. وسلك الطريقة السردية في تناول جل مباحث الأنواع التي أودعها كتابه، ولم ألحظ لديه ملكة التجديد والابتكار، بل كرر معظم ما ذكره السيوطي بنزعة فيها شيء من المغايرة في العرض، والترتيب، والتعديد».
انظر: علوم القرآن بين البرهان والإتقان ص640
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[19 Dec 2005, 05:43 م]ـ
اثابكم الله
ـ[محمد صفاء حقي]ــــــــ[06 Jan 2006, 06:48 م]ـ
نعم أخي الدكتور الكتاب يحضر للطباعة وقد دفع إلى أستاذنا الدكتور مصطفى مسلم محمد الأستاذ بجامعة الشارقة وسيقوم بالإشرف على إخراج الكتاب وعملية التنسيق والطباعة بنفسه، وأرجو ان يكون قريبا بين ايدي الباحثين واعتقد ان ابن عقيلة قد قدم شئا جديدا وأضاف أنواعا لطيفة، والجيد في العمل هو ان تحقيقه يعتبر تحقيقا علميا لكتاب البرهان للزركشي والاتقان للسيوطي وسيجد الباحث فيه تخريجا وتوثيقا لأكثر الآثار والنصوص التي وردت في مصنفات علوم القرآن، إضافة إلى تعليقات أحسبها مفيدة على تلك القضايا الشائكة والعالقة ..
ـ[الكشاف]ــــــــ[16 Jan 2006, 07:03 ص]ـ
هذه بشرى سارة لطلاب العلم، وأتفق مع الدكتور محمد صفاء أحد المشاركين في تحقيق الكتاب في قوله (والجيد في العمل هو أن تحقيقه يعتبر تحقيقاً علميا لكتاب البرهان للزركشي والاتقان للسيوطي، وسيجد الباحث فيه تخريجاً وتوثيقاً لأكثر الآثار والنصوص التي وردت في مصنفات علوم القرآن) ولا سيما أن الإتقان للسيوطي لم يخرج بعدُ محققاً تحقيقاً علمياً وإن كنا في انتظار خروجه عن مجمع الملك فهد.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[16 Mar 2006, 10:46 م]ـ
استمعت لأستاذي الفاضل الدكتور مصطفى مسلم الليلة (ليلة الجمعة 16/ 2/1427هـ) - في مداخلته الهاتفية في برنامج (مبادئ العلوم) على قناة المجد العلمية، في حلقة عن (مبادئ علوم القرآن) وكان ضيف الحلقة الأستاذ الدكتور فهد بن عبدالرحمن الرومي حفظه الله - وهو يبشر الباحثين بأن (كتاب الزيادة والإحسان) سيكون بين أيدي الباحثين مطبوعاً بعد حوالي الشهرين من الآن إن شاء الله. وقد تولت طباعته جامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة. فالحمد لله على هذا وشكر الله لكل من شارك في هذا المشروع العلمي خير الجزاء.
ـ[عدنان البحيصي]ــــــــ[16 Mar 2006, 11:25 م]ـ
الحمد لله
إن كتباً كهذه تستحق من الباحثين الجهد والتعب
وكل ذلك أجر عند مليك مقتدر
نسأل الله أن يجعلنا جميعاً خدمة لكتابه
بارك الله فيكم
ـ[محمد صفاء حقي]ــــــــ[17 Mar 2006, 05:54 م]ـ
اتقدم بالشكر الجزيل لأستاذنا القدير فضيلة الدكتور مصطفى مسلم محمد الأستاذ بجامعة الشارقة على ترشيحه لهذا الكتاب لطباعته من قبل الجامعة ولا شك أن هذا الأمر أظهر اهمية الكتاب كما بين الجهد العظيم الذي بذل في تحقيقه وإخراجه، وقد تشرفت بزيارة فضيلة الدكتور في مركز تنسيق بحوث الكتاب والسنة في جامعة الشارقة ورأيت بأم عيني الجهود المباركة التي تبذل في تلك الجامعة الفتية خدمة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحق يقال فإن للمركز نشاط مشهود منظم يهدف لاختيار الكتب النافعة وطباعتها وتوزيعها لتكون بين أيدي طلبة العلم فجزا الله القائمين عليها خير الجزاء.
وقد أسند الإخوة المحققون أمر إخراج الكتاب إلى فضيلة الدكتور مصطفى مسلم فتولى مع فريق من الأساتذة المختصين في العلوم الشرعية مراجعة التحقيقات كلها والتنسيق بينها وحذف المكرر من التخريجات والتراجم والتعليقات والتعريفات وغير ذلك،والاكتفاء بما لا يثقل الكتاب من الحواشي، ليكون سهل التداول، وتفضل فضيلته مشكورا بكتابة مقدمة للطبعة بين فيها ما قامت به اللجنة من عمل.
وكما أخبرني فضيلة الدكتور وكما سمعتم فقد دفع الكتاب إلى المطبعة وسيكون بين ايدي طلبة العلم في حدود الشهرين، أرجو الله ان ينفع به وسيكون لي عودة للتعليق على ما قامت به اللجنة ومقدار الحذف والاختصار للحواشي ومن ثم تقييم العمل سلبا أو إيجابا ..
ـ[محمد صفاء حقي]ــــــــ[27 Apr 2006, 03:57 م]ـ
أسمى آيات الشكر والتقدير أرفعها باسمي وباسم الإخوة المحققين لكتاب الزيادة والإحسان وباسم كل طالب علم، إلى جامعة الشارقة المباركة وإلى لجنة تنسيق بحوث الكتاب والسنة، وإلى كل من كان له جهد أو رأي أو توجيه لخدمة هذا الكتاب، وأدعو الله سبحانه أن يجعل الخير في عملهم وأن يبارك في أعمارهم وأن يتقبل منهم، ويجعل ما بذلوه رسولا لهم وشاهدا يوم لقاء ربهم.
وأبشر الإخوة الكرام بأن الزيادة والإحسان قد صدر اليوم في حلة بهية وفي 10 مجلدات وبمقدمة رائعة للأستاذ الدكتور مصطفى مسلم محمد، وستوزع نسخ منه داخل جامعة الشارقة في مناسبة علمية خلال الايام القليلة المقبلة. ويسرني هنا أن انبه إلى أمرهام وهو أنه قد تم الاتفاق مع لجنة الكتاب والسنة في جامعة الشارقة على عدة أمور بخصوص التحقيق،منها أن الزملاء قد أذنوا للجنة_ بالأغلبية_ باختصار الحواشي وحذف المكرر من التخريجات والتعليقات والتراجم وغيرها من الأمور التي خدمت المحققين في الغاية المرجوة من التحقيق أثناء فترة عملهم كباحثين وهي الدربة على التحقيق والتخريج والتعليق، وقد تحقق ذلك بحمد الله، ووجدت اللجنة أنه يمكن الاستغناء عن بعض تلك الأمور في طباعة الكتاب وإخراجه حتى يكون خفيفا سهل المنال والاقتناء من قبل طلبة العلم، فالكتاب في نسخه المحققة كرسائل بلغت أكثر من 25 مجلداً، وهو أمر ليس بالسهل، وقد شكلت لجنة علمية من اساتذة مختصين في جامعة الشارقة لهذا الغرض واعتبرت آراؤهم وتوجيهاتهم بخصوص الحذف والاثبات، كما وضعت أسماؤهم على غلاف الكتاب ..
عموما الكتاب أصبح متوفراً ونأمل من جميع الأخوة تزويدنا بملحوظاتهم وآرائهم حول العمل، سائلين الله سبحانه أن نكون قد قمنا بعمل يرضي الله عنا، ويضيف جديدا إلى مكتبة علوم القرآن .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[27 Apr 2006, 08:11 م]ـ
ارجو الافادة، اين اجد هذه المجلدات وفي اي مكتبة؟؟؟
ـ[محمد صفاء حقي]ــــــــ[27 Apr 2006, 08:21 م]ـ
اخي الكريم الكتاب لم يصل إلى الأسواق بعد وأعتقد أن الحصول عليه عن طريق جامعة الشارقة سيكون أفضل فلديهم دار نشر حسب علمي سيقوم بتوفيره في بعض المكتبات ولا أعلم عن مندوب لهم خارج الشارقة.ربما يكون الطلب أسرع عن طريق موقع الجامعة ولو كنت اعلم الرابط لوضعته ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[28 Apr 2006, 02:14 م]ـ
أشكر أخي العزيز الدكتور محمد صفا حقي على هذه البشرى بصدور الكتاب مطبوعاً في عشرة مجلدات، ولعله بهذا يكون أوسع كتب علوم القرآن المنشورة. نسأل الله أن ينفع به طلاب العلم، وأن يجزي القائمين على تحقيقه ونشره خير الجزاء.
ـ[منصور مهران]ــــــــ[28 Apr 2006, 09:38 م]ـ
أهيب بأهل البر أن يشتري الراغب في الكتاب نسختين يتسلم إحداهما ويتصدق بالأخرى على طالب علم لا يستطيع اقتناءه، على أن يتولى التوزيع شخص غير المحققين ولا يعرفه كثير من الناس حفظا لماء الوجه وإخفاء للصدقة، ولا مانع أن يختار المحققون أشخاصا يعرفون أحوالهم وليكن ذلك في أي بلد، لعل الله ينفع بعلم المؤلف والمحققين أهل هذه الملة القويمة.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[11 Jun 2006, 05:36 م]ـ
عن صدور الكتاب وكيفية الحصول عليه ينظر ..
صدر حديثاً كتاب (الزيادة والإحسان في علوم القرآن) لمحمد بن أحمد بن عقيلة المكي (1150هـ) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?p=24108)(/)
فوائد من فتح الباري , كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: [بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[20 Dec 2005, 02:11 م]ـ
فوائد من فتح الباري 13/ 522ـ 526. باب قول الله تعالى: [بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ]
بسم الله الرحمن الرحيم
غرضنا من هده المشاركة زيادة بيان وإيضاح لكلام نفيس ساقه ابن حجر العسقلاني رحمه الله بشأن اختلاف مواقف العلماء من مسألة تحريف التوراة والإنجيل.
وموضع الشاهد عندنا هو قول البخاري: [[باب قوله تعالى: [بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ] , [والطور وكتاب مسطور]. قال قتادة: مكتوب, يسطرون: يخطون. في أم الكتاب: جملة الكتاب وأصله. ما يلفظ من قول: ما يتكلم ب من شيء إلا كتب عليه. وقال ابن عباس: يكتب الخير والشر.
يحرفون: يزيلون, وليس أخد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عزو جل ولكنهم يحرفونه: يتأولونه عن غير تأويله.]] انتهى كلام البخاري المراد الحديث عنه في هده الدراسة.
فلكي تكون دراساتنا إن شاء الله دات فائدة نرجوا من الإخوة الدين تهمهم هده المسألة الرجوع لفتح الباري ج13 وقراءة من ص 523 سطر18 حتى السطر الأول من ص 525. ليكون لديهم الوقت لتدبرالقضية عن كثب وروية وليسجلوا ملاحظاتهم, قصد الاستعداد لمسايرتنا في ما سنعرضه إن شاء الله تباعا من تفاصيل دقيقة في هده الدراسة. وفي انتظار دلك سأقوم في مشاركة قريبة بتزويد أعضاء الملتقى بما تحصل لدي حول المسألة.
نفعنا الله وإياكم. وكتب سمير قدوري
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[20 Dec 2005, 06:38 م]ـ
وفقك الله أخي سمير
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[22 Dec 2005, 08:08 م]ـ
أخي أبو بيان وفقنا الله وإياكم لكم ما تحبون في الرابط http://tafsir.org/vb/showthread.php?p=17162#post17162(/)
ما مدى صحة هذه العبارة: الإِحكام والتشابه من صفات الآيات التي لها دلالة لفظية ....
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[20 Dec 2005, 09:30 م]ـ
السلام عليكم
أشكلت علي هذه العبارة فهل من مساعد في بيانها وما لها وما عليها
قال الطباطبائي أثناء كلامه عن الأقوال الواردة عن الحروف المقطعة " والحق أن شيئاً من هذه الأقوال لا تطمئن إليه النفس:
أما القول الأول - يقصد القول بأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه - فقد تقدم في بحث المحكم والمتشابه في أوائل الجزء الثالث من الكتاب أنه أحد الأقوال في معنى المتشابه، وعرفت أن الإِحكام والتشابه من صفات الآيات التي لها دلالة لفظية على مداليلها، وأن التأويل ليس من قبيل المداليل اللفظية بل التأويلات حقائق واقعية تنبعث من مضامين البيانات القرآنية أعم من محكماتها ومتشابهاتها، وعلى هذا فلا هذه الحروف المقطعة متشابهات ولا معانيها المراد بها تأويلات لها.
والذي فهمته من هذه العبارة أنه يريد القول بأن الحروف المقطعة لا معنى لها وأيد هذا برأيه في معنى المحكم والمتشابه وأنهما- أعني المحكم والمتشابه - مختصان بما له دلالة لفظية، والحروف المقطعة ليس لها ملولات لفظية وبالتالي فهي خارجة عن وصفها بالإحكام أو التشابه.
فهل ما فهمته صحيح؟ وهل أصاب هو في هذه العبارة؟
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[21 Dec 2005, 08:08 ص]ـ
؟؟؟؟؟؟
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[22 Dec 2005, 11:28 ص]ـ
هل من مجيب؟؟
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[22 Dec 2005, 03:47 م]ـ
أبا صفوت
العبارة فيها غموض، وهي تحتاج إلى قراءة كلامه في تفسير الجزء الثالث الذي أشار إليه،
وليس في قوله جديد ـ إذا كان ما فسرت به كلامه صحيحًا ـ سوى الإغراق في مثل هذه المصطلحات،وتعقيد العبارات حتى غمض كلامه.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[22 Dec 2005, 04:57 م]ـ
جزاك الله خيرا شيخنا الحبيب
قصدت أن قوله " الإحكام والتشابه من صفات الآيات التي لها دلالة لفظية على مداليلها "
إن كان صحيحا فهذا يقوي قول من قال: إن الحروف المقطعة لا معنى لها
فما رأيكم(/)
أرجو ذكر السند أو الأسانيد التي ساقها الثعلبي في الكشف والبيان لعكرمة عن ابن عباس
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[21 Dec 2005, 10:27 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا ليت أحد الإخوة خصوصا من عملوا في تحقيق تفسير الثعلبي أن يتكرم علي بذكر الأسانيد أو الإسناد الذي ساق به الثعلبي أقوال ابن عباس من طريق عكرمة، فمن المعلوم أنه قد ذكر أسانيد ما يرويه مفصلة في أول الكتاب ثم اختصرها بعد ذلك
والمعذرة فالكتاب ليس عندي
ـ[ناصر المنيع]ــــــــ[21 Dec 2005, 11:12 ص]ـ
أورد الثعلبي تفسير عكرمة عن ابن عباس من طريق واحد هو:
حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن النيسابوري لفظا قال: أنا أحمد بن محمد بن إبراهييم الصريمي المروزي قال نا أبو العباس أحمد بن الخضر الصيرفي قال أنا أبو داود سليمان بن معبد السنجي قال نا علي بن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس .. (ص 257) الكشف والبيان مقدمة المصنف رسالة دكتوراه القسم الأول للدكتور خالد العنزي
وأما تفسير عكرمة الخاص به فلم أجد له اسنادا في المقدمة مع انه ذكر أقوالا عن عكرمة في ثنايا الكتاب
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[21 Dec 2005, 12:05 م]ـ
جزاك الله خيرا يا دكتور ناصر ونفع بك
وهناك إسناد آخر ذكره لي أخ يعمل في تحقيق جزء من الكشف والبيان:
حدثناأبو محمد المخلدي أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي حدثنا حفص بن عمر حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس
فهل من مزيد
وهل أطمع في أن يوثق لي أحد الأعضاء من الكشف والبيان قول ابن عباس في طسم الشعراء " عجزت العلماء عن علم تفسيرها " ذاكرا رقم الجزء والصفحة التي ورد فيها هذا القول، ودار النشر وتاريخ الطبع
بورك فيكم
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[21 Dec 2005, 12:06 م]ـ
إلى الشيخ الكريم أبي صفوت:
يمكنك تحميل مقدمة تفسير "الثعلبي" من الروابط التالية:
http://www.ammar-ca.com/1.pdf
http://www.ammar-ca.com/2.pdf
حاولت إرفاق الملفات في الملتقى لكني لم أفلح .... ولذلك رفعتها على الموقع أعلاه.
ملاحظة: ستكون روابط الملفات صالحة لمدة أسبوع كامل ثم ستلغى بعد ذلك.
وإن واجهتك مشاكل في فتح الملفين أرجو أن تراسلني على الخاص لأساعدك بما أستطيع.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[22 Dec 2005, 11:32 ص]ـ
جزاك الله خيرا يا شيخ عمار ونفع بك
وقد حملت الملفين فعملا بفضل الله
لكن هل بإمكانك ذكر طبعة الكتاب ودار نشره وسنة النشر
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[22 Dec 2005, 05:10 م]ـ
نعم أبشر .... هي طبعة دار الكتب العلمية 1425هـ تحقيق سيد كسروي في 6 مجلدات.
وفقكم الله.
ـ[أبو صفوت]ــــــــ[22 Dec 2005, 09:16 م]ـ
جزاك الله خيرا وأنا شاكر لك صنيعك وأسأل الله جل وعلا أن ييسر لك أمرك وأن يرفع قدرك وأن يبارك فيك(/)
شَمِرُ بنُ حَمْدَويَه وكتابه (الجيم) وعنايته بتفسير السلف [إهداء للدكتور مساعد الطيار]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[22 Dec 2005, 12:09 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الإمامُ أبو منصور الأزهري (ت370هـ) في مقدمته لكتابه (تهذيب اللغة) طبقات علماء اللغة الذين أُخذتْ عنهم اللغةُ، فذكر منهم أبا عمرو شَمِرَ بنَ حَمدَويهِ الهرويَّ (ت255هـ)، وذَكَرَ أَنَّهُ كانت له عنايةٌ صادقةٌ بعلم اللغة، ورحلَ من أجل ذلك إلى الأقاليم. إلى أن قال في ترجمتهِ: (ولَمَّا ألقى عصاه بِهراةَ أَلَّف كتاباً كبيراً في اللغات أَسَّسه على الحروف المعجمةِ، وابتدأ بحرفِ الجيم، فيما أخبرني أبو بكر الإيادي وغيره ممن لقيه، فأَشبعهُ وجَوَّدَهُ، إِلا أنه طَوَّلَهُ بالشواهدِ والشعرِ والرواياتِ الجَمَّةِ عن أئمةِ اللغة وغيرهم من المُحدثين، وأَودَعهُ من تفسير القرآنِ بالرواياتِ عن المفسرينَ، ومن تفسير غريبِ الحديثِ أشياءَ لم يسبقهُ إلى مثلهِ أحدٌ تقدَّمه، ولا أَدركَ شأوهُ فيه مَن بعدهِ). التهذيب 1/ 25
غير أَنَّ أبا عمرو شَمرَ بن حَمدَويه كان ضنيناً بكتابهِ هذا، فلم يأذن لأحد قطُّ بنسخه حرصاً عليه، وحباً له. قال الأزهري في ذلك: (ولَمَّا أكملَ الكتابَ ضَنَّ به في حياته ولم يُنْسِخْهُ طُلابَهُ، فلم يُبارَك له فيما فعله حتى مضى لسبيلهِ، فاختزلَ بعضُ أقاربه ذلك الكتابَ من تركته، واتصل بيعقوب بن الليث السجزي، فقلَّدهُ بعضَ أعماله واستصحبه إلى فارس ونواحيها، وكان لا يفارقه ذلك الكتابُ في سَفرٍ ولا حَضرٍ. ولَمَّا أناخَ يعقوبُ بنُ الليث بسيب بني ماوان من أرض السوادِ وحَطَّ بِها سواده، وركب في جماعةِ المقاتلة من عسكره مقدراً لقاء الموفق وأصحاب السلطان، فجر الماء من النهروان إلى معسكره، فَغَرِقَ ذلك الكتابُ في جُملةِ ما غَرِقَ مِن سواد العسكر!
ورأيت أنا – والكلام للأزهري- من أول ذلك الكتابِ تفاريقَ أَجزاءٍ بِخطِّ محمد بن قسورة، فتصفحتُ أبوابَها فوجدتُها على غايةِ الكمال، واللهُ يغفر لأبي عمرو ويتغمد زلته، والضَّنُّ بالعلم غَيرُ مَحمودٍ ولا مُباركٍ فيهِ). أهـ كلام الأزهري.
وقبل أن يترجم الأزهري لأبي عمرو شمر بن حمدويه، كان قد ذكر من طبقات اللغويين السابقين له أبا عمرو الشيباني إسحاق بن مرار العالم الراوية المشهور المتوفى سنة 213هـ تقريباً. صاحب كتاب (الجيم) في اللغة، فذكره وصحف اسمه فقال: «إسحاق بن مراد». بالدال، ولم يذكر له من المصنفات إلا كتاب النوادر، وأغفل ذكر كتاب الجيم. وقد ذكر ياقوت الحموي أن الأزهري أخطأ في اسم أبيه عندما سماه مراد وإنما هو مِرَار. وقد حاول القفطي أن يطعن في ما ذكره الأزهري في التهذيب من تصنيف أبي عمرو شمر بن حمدويه الهروي لكتاب الجيم، وزعم أنه لأبي عمرو الشيباني وليس لشمر بن حمدويه، واستدل بـ:
الأول: أن الأزهري أخطأ في اسم أبي عمرو الشيباني مع شهرته.
الثاني: أنه لم يذكر له من الكتب إلا كتاب النوادر مع شهرة كتاب الجيم.
الثالث: أن الأزهري قد خرج من قولته بزعمه أن الكتاب قد غرق، ولم يبق منه شيء.
يقول القفطي في ترجمة أبي منصور الأزهري في باب الكنى لشهرته بكنيته. في إنباه الرواة 4/ 178. قال: (وشرع في تصنيف كتابه المسمى بـ (تهذيب اللغة) وأَعانَهُ في جَمعهِ كثرة ما صنف بخراسان من هذا الشأن في ذلك الوقت وقبله بيسير، كتصنيف أبي تراب وأبي الأزهر، وغيرهما مما اعتمده الجمع الكثير. وكان رحمه الله مع الرواية، كثير الأخذ من الصحف، وعاب هذه العلة على غيره في مقدمة كتابه، ووقع فيها، والدليل على ذلك أنه لما ذكر أبا عمرو الشيباني في مقدمة كتابه، قال: (هو إسحاق بن مراد، فصحف مراداً، وإنما هو مرار، بإجماع نقلة العلم، ولم يذكر له إلا كتاب النوادر، وذكر رجلاً آخر اسمه أبو عمرو الهروي، ونسب إليه كتاب الجيم، وإنما الجيم لأبي عمرو إسحاق بن مرار، وهو كتاب مشهور.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم قال: إن أبا عمرو سماه الجيم، وبدأ فيه بحرف الجيم، وهذا غلط فاحش وإنما بدأ فيه بالألف على ترتيب حروف المعجم، وسَمَّاهُ الجيمَ لِسرٍّ خَفِيٍّ تشهدُ عليه مقدمةُ الكتابِ، ولقد بلغني أَنَّ أولاد الرؤساء بمصر، سألوا ابنَ القَطَّاعِ اللغويَّ الصقليَّ عند تكرارهم إليه بحلقته عن السبب الموجب لتسمية الكتابِ بالجيم، وأوله الألف، فقال: مَنْ أرادَ علمَ ذلك فليعطني مائةَ دينارٍ لأعلمهُ به، فما في الجماعة مَنْ تَكَلَّمَ بعد ذلك».
ثم قال القفطي: «ولما وَهِمَ أبو منصور رحمه الله في نسبة هذا الكتاب إلى شَمِر، وغلط في ترتيب حروفهِ، وأَحسَّ من نفسه أَنَّه ليس على حقيقةٍ مِمَّا ذَكَرَهُ، فتحمَّل حديثاً طويلاً آخره، عُدْمُ الكتابِ المذكورِ بالغَرَقِ، تَجاوزَ الله عنا وعنه».
ولما عوتبَ القفطيُّ في قوله هذا من بعض طلاب العلم، وقال له: إنه يحتمل أن يكون هذا الاسم قد أطلق على الكتابين، فقال القفطي: «الذي يبعد الاحتمال أنه لو كان ذكر في ترجمة أبي عمرو إسحاق بن مرار كتابه الجيم، كان ذَكَرَ ذلك لِشَمِر بن حَمدويه، وما عَلِمَ أَنَّ لإسحاق كتاباً اسمه الجيم، فقد وَهِمَ من أبي عمرو إسحاق إلى أبي عمرو شَمِر، وهذا ظاهرٌ يشهدُ لنفسهِ). انتهى كلام القفطي.
وكتاب أبي عمرو شَمِر بن حَمدويه يُعَدُّ عند الدارسين - على الرغم من ضياعه - من أول الكتب اللغوية التي عنيت بأقوال المفسرين من السلف، وأكثرت من الاستشهاد بالشعر على ذلك، يقول الدكتور مساعد الطيار: «ويظهر أن أبا عمرو – أَي شَمِر بن حَمْدَوَيْه – وأبا إسحاق الحربي من أكثر اللغويين اعتناءً بأقوال المفسرين، ونقلها في دلالة ألفاظ اللغة، والله أعلم». التفسير اللغوي 437 الحاشية رقم 2 قال ذلك اعتماداً على ما نقله الأزهري في تهذيب اللغة.
وكتاب الجيم الذي نسبه الأزهري لِشَمِر بن حَمدَويه، قد دارَ حول نسبتهِ جدل قديم – كما تقدم وسيأتي - حيث نسبه الأزهريُّ لشَمِر بن حَمدويه، في حين نسبه القفطي لأبي عمرو الشيباني فحسب، ونفى أن يكون لشمر بن حمدويه كتاب بهذا الاسم.
وقد أفاض الدكتور حازم سعيد يونس في هذا الموضوع في دراسته وجمعه لمرويات شمر بن حمدويه اللغوية.
http://www.tafsir.net/images/shamir.jpg
فقال عند حديثه عن مؤلفات شَمِر بن حَمدَويه: (الجيم: دار جَدَلٌ في حقيقة هذا الكتاب قديماً وحديثاً، والأزهري من أوائل اللغويين الذين ذكروه، وأشاروا إلى قصته في مقدمة التهذيب) ثم نقل كلام الأزهري السابق.
ثم قال: «وكان كلامُ الأزهريِّ هذا أساساً لكلِّ مَن تَرجَموا لِشَمر بعدَهُ، وذكروا هذا الكتاب، ولم يزد أحدٌ منهم عليه شيئاً غير اختصاره أو إعادة ترتيبه من جديد، كابن الأنباري (ت557هـ) ([1])، وياقوت الحموي (ت622هـ) ([2])، والقفطي (ت646هـ) ([3])،والفيروزأبادي (ت817هـ) ([4])، والسيوطي (ت911هـ) ([5])، وحاجي خليفة (ت1036هـ) ([6]). قلتُ: والصفدي. ([7])
وقد ذكر القفطي أن الجيم لأبي عمرو الشيباني، لا لأبي عمرو شمر بن حمدويه، وأنه قد اشتبه الأمر على الأزهري لاتفاق كنية الرجلين. وقد أيد الدكتور رشيد العبيدي -وهو باحث عراقي درس في رسالته للدكتوراه منهج الأزهري في تهذيب اللغة، وهو الذي أخرج المستدرك على التهذيب في طبعته المحققه - دعوى القفطي، ودافع عنها، ورأى أنها التفاتةٌ بارعةٌ وذكيةٌ منه، وأنها الحقيقة التي لم ينتبه لها الدارسون، فلو كان لشمر كتاب باسم الجيم، لتردد ذكره في كتب اللغة، فالأزهري لم يورد منه شيئاً في أي مادة لغوية فسرها خلال التهذيب، بل ذكره في كتب أخرى، وهذا مما يدل على أنَّ نِسبتَه إلى شَمِر من قبيل الوهم. ([8])
ومع هذ فقد نسب بعض المحدثين الكتاب إلى شمر، ومنهم:
بروكلمان ([9])، والزركلي ([10])، وعمر رضا كحالة ([11])، وفرنرديم، الذي ذكر أن شمراً تأثر بعنوان كتابه، وربما بمادته أيضاً بالشيباني وابن شميل، لأنه درس على أساتذة كانوا من طبقتهم، وأنه كان مرتباً ترتيباً أبجدياً، ومنهم الدكتور عبدالحميد الشلقاني، الذي ذهب إلى أبعد من المتابعة، فدافع عن حقيقة الكتاب بقوله: (لولا شهادة العيان هذه لساورنا شك في هذا الكتاب الذي يتشابه اسمه مع كتاب آخر لأبي عمرو الشيباني). ([12])
(يُتْبَعُ)
(/)
انظر: مرويات شمر بن حمدويه اللغوية (المتوفى 255هـ) للدكتور حازم سعيد يونس البياتي، نشر مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، الطبعة الأولى من صفحة 25 - 27
غير أن الذي يقرأ كتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني رحمه الله، لا يجد فيه ما ذكره الأزهري في كتاب أبي عمرو شمر بن حمدويه من العناية بتفاسير السلف للقرآن الكريم، وإن كان كثير الاستشهاد بالشعر في معجمه، بل إن مفردات معجمه منتزعة من شواهد الشعر الذي حفظه عن قبائل العرب، التي جمع أشعار ثمانين قبيلة منها.
ثم إن الدليل الذي استند له ياقوت الحموي ومن بعده القفطي وهو أن الأزهري أخطأ في كتابة اسم أبي عمرو الشيباني، فكتبه بالدال (مراد) ولم يكتبه (مرار)، ففي رأيي أنه أمر قد يقع فيه اللبس في الخط، لتقارب الحرفين في الرسم في خط الكثير من الناس، وليس دليلاً قاطعاً على أن الأزهري يجهل اسم أبي عمرو الشيباني، ولو كان الأزهري ضبط الاسم بالحروف لكان يمكن أن يصلح حجة للحموي والقفطي.
ثم إن الأزهريَّ صرَّحَ أَنَّه قدر رأى تفاريق من الكتاب بعينه، وأنه وجده بالصفة التي ذكرها، ثم ما هي المصلحة التي يرجوها الأزهري على فضله وسعة علمه باللغة باختلاق مثل هذا الكتاب، ونسبته لأبي عمرو شَمِر بن حَمْدَويه، إن لم يكن رآه بعينه.
وقد عجبتُ من تأييد الدكتور العُبيديِّ لرأي القفطي، لمجرد عدم نقل الأزهري من هذا الكتاب في التهذيب، فربما يكون قد نقل منه ولم يصرح باسمه أو اسم مؤلفه شمر بن حمدويه، وهذا كثير في التهذيب وغيره.
وقد أعجبني ما ذهب إليه الأستاذ إبراهيم الأبياري محقق كتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني من الاعتذار لشمر بن حمدويه في عدم السماح بانتساخ كتابه حيث قال: «وما نظن شمر بن حمدويه كان ضنيناً به كما يقولون، ولكن الذي نظنه أن الكتاب لم يكن قد استوى الاستواء الأخير، من أجل هذا كان حرص شمر على ألا يرويه عنه أحد حتى يتم، ثم فسر هذا على أنه ضن منه به». الجيم للشيباني 1/ 42 من التقديم
أهدي هذه اللفتة إلى أخي العزيز الدكتور مساعد الطيار وفقه الله لعنايته بالتفسير اللغوي للقرآن الكريم، ومعرفته الواسعة بمعاجم اللغة، وعناية مؤلفيها بتفسير القرآن الكريم، ومنه استفدنا كثيراً من العلم. وأنتظر تعقيبه وتصويبه لما تقدم.
--الحواشي ---
([1]) نزهة الألباء 151
([2]) معجم الأدباء 11/ 275
([3]) إنباه الرواة 2/ 77
([4]) البلغة في تاريخ أئمة اللغة 95
([5]) بغية الوعاة 2/ 4 - 5
([6]) كشف الظنون 2/ 1410
([7]) الوافي بالوفيات 9/ 125
([8]) انظر: مشكلات في التأليف اللغوي لرشيد العبيدي 100 وما بعدها.
([9]) تاريخ الأدب العربي 2/ 201 - 202
([10]) الأعلام 3/ 253
([11]) معجم المؤلفين 4/ 306
([12]) دراسة في المعاجم العربية 44
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[22 Dec 2005, 02:30 م]ـ
أخي الفاضل الدكتور عبد الرحمن
أشكرك كثيرًا على هذا الإهداء اللطيف، وأرجو أن يشارك الإخوة في إبداء الرأي، وسأعقب بما تحب ـ إن شاء الله ـ أيها الأخ الحبيب، فهاأنذا أسطر بعض الفوائد المتعلقة بهذا الموضوع.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[09 Sep 2006, 03:05 ص]ـ
أشكر أخي المفضال أبا عبد الله على هذه التحفة اللطيفة، والهدية المنيفة، ولقد كتبت هذا التعليق إثر كتابته لهذا المقال، ثم تركته لعلي أزيد فيه، وطال علي الأمد فنسيته، ولما وجدته رأيت أن أعرضه على ما هو عليه خشية فوته ونسيانه مرة أخرى.
ولقد كنت أزوِّر في نفسي تعليقًا ينطلق من أن من رأى حجة على من لم ير، فوجدته قد أشار في مقاله إلى هذا فقال: (ثم إن الأزهريَّ صرَّحَ أَنَّه قد رأى تفاريق من الكتاب بعينه، وأنه وجده بالصفة التي ذكرها، ثم ما هي المصلحة التي يرجوها الأزهري على فضله وسعة علمه باللغة باختلاق مثل هذا الكتاب، ونسبته لأبي عمرو شَمِر بن حَمْدَويه، إن لم يكن رآه بعينه).
ومن ثَمَّ، فإني أقول معلقًا على ما أتحفنا به أخي عبد الرحمن، ومضيفًا إليه ما له علاقة بهذا المقام:
(يُتْبَعُ)
(/)
أولاً: هذا يدخل في قول العلماء: من علم حجة على من لم يعلم، وأنت ترى الحال أن الأزهريَّ يحكي ما رأى، فإن كان وقع الكذب، فإنه لا يكون من عنده، بل لعله من عند من أخبره زاعمًا أن شمرًا كتب كتابًا سمَّاه (الجيم)، وأن ما أُريه فإنه من هذا الكتاب، وهذا التخريج للظنِّ الحسن بالأزهري الثقة، فإنه من المستبعد ـ على من عرف حاله ـ أن يكون صنع هذا الخبر.
ووصف الأزهري لكتاب شمرٍ لا يتناسب مع كتاب (الجيم) لأبي عمرو الشيباني، فليس مليئًا بالشواهد، ولا هو مليء بتفسير السلف ولا غريب الحديث.
وهذا الانفراد ـ أي: انفراد الأزهري بنقل خبر هذا الكتاب ـ كان مدعاة للطعن على الأزهري في نقله، وليس الأمر كذلك، إذ وجود كتاب لشمر بهذا العنوان ليس بمحال، كما أنه ليس محالاً أن يطلع عليه النادر من الناس، وذلك معروف عند من يتتبع أخبار الكتب، إذ لا زال الباحثون يذكرون كتبًا لأعلام من العلماء لم يرها غيرهم، ولم تُعرف إلا من طريقهم، ونقد الأزهري من هذه الجهة يحتاج إلى إعادة نظر.
ثانيًا: إن هذه القضية تعطينا التدريب العملي للتعامل مع الأخبار في كتب التراجم، فنحن بين إسناد ومتن، وغالبًا ما تكون أخبار كتب التراجم مرسلة، وكثيرٌ منها يكون من قبيل تحديث معاصرٍ للحدث، وتختلف الكتب الناقلة للخبر، فهناك من بنى كتابه على التراجم، واستفاد من كتبها، وهناك من استند إلى النقل الشفاهي، وهناك من ينقل عن كتب الأدب ... الخ من مصادر الترجمة.
ولا شكَّ أنه يُتسامح في نقل هذه الأخبار ما لا يُتسامح في نقل الآثار، فضلاً عن أحاديث النبي المختار صلى الله عليه وسلم.
لكن لا يعني هذا عدم الدخول إلى نقد تلك الأخبار الواردة في كتب التراجم، التي غالبُ ما يأتيها النقد من جهة المتن؛ إذ ليس كل الأخبار ينطبق عليها اتصال السند وصحته، وليس السند هو الوحيد في إسقاط خبرٍ ما من أخبار كتب التراجم.
ويمكن أن نفترع تقسيمًا للأخبار الواردة في أحوال الرجال ـ من حيث الجملة ـ إلى أقسام:
القسم الأول: ما ورد في تراجم علماء الحديث النبوي لنَقَلَةِ الآثار النبوية.
القسم الثاني: ما ورد في كتب التاريخ والتراجم.
القسم الثالث: ما ورد في كتب الأدب.
القسم الرابع: ما ورد من الإخبار في غير مظانه من الكتب.
وكل قسم من هذه الأقسام يحتاج إلى استقراء وتفصيل في مجال تحليل الأقوال ونقلها ونقدها، ويمكن الإشارة إلى بعضها بما يأتي:
القسم الأول: ما ورد في تراجم علماء الحديث النبوي لنَقَلَةِ الآثار النبوية.
وهؤلاء النقاد قد بلغوا من الأمانة والدقة في النظر مبلغًا عظيمًا، ولا يدركه إلا من قرأ في سيرهم، ونظر في أخبارهم، وتعلَّم طرقهم في نقد الرجال، وها أنت تقرأ في موضوع (علل الأحاديث) ما يذهب بِلُبِّك من دِقِّة كشفهم عن علله.
والحديث عن هؤلاء وطرائقهم في نقد الرجال ليس هذا محلُّ تفصيله، وله رجاله الذين قاموا ببيانه.
وإن من أكبر أسباب قوة هؤلاء ـ في نسب الأخبار إلى أصحابها أو نقدها ـ أنهم يقومون على حفظ الشريعة والدين، فتراهم يتحرَّون في المعلومة أيَّما تحري، ويتمهلون في الحكم؛ لأن حكمهم يُبنى عليه حكم شرعي، وقبول أثر نبوي أو رفضه، فحينما ينسبون خبرًا إلى رجل، ويقوم على هذا الخبر تعديل أو جرح، فإنهم يتحرون في الحالين، ولا يكاد رجالاتهم المشهود لهم بالعلم بالرجال ـ جيلا بعد جيل ـ يخطئون في هذا.
القسم الثاني: ما ورد في كتب التاريخ وكتب تراجم العلماء من نحاة ولغويين وأدباء وغيرهم.
وهذه الكتب لا تلتزم صحة الأخبار، وقد يقع فيها ما هو مكذوب، مع ملاحظة عدم شمولها لجميع أخبار الناس وتراجمهم، بل يغلب على كتب التاريخ الحديث عن الأحوال السياسية وما يدور في فلكها، وعلى كتب التراجم الترجمة للملوك والأمراء والوزراء والكبراء والعلماء.
وقد يكون في هذه الكتب غمط للمخالفين، وغضُّ الطرف عن الموافقين، خصوصًا إذا كان صاحب الكتاب يتمذهب بمذهب فقهي أو عقدي أو نحوي أو غير ذلك.
القسم الثالث: ما ورد في كتب الأدب.
وهذه الكتب تحمل جملة من الأخبار والأشعار، بل هي قوام كتب الأدب، وهي تعتمد على ذكر نوادر الأخبار عن من هو معروف من الأعلام، وعن من هو غير معروف.
(يُتْبَعُ)
(/)
والأخبار في هذه الكتب من أقل درجات الأخبار المقبولة، بل يمكن القول بأنها ليست عمدة؛ لأنه يدخلها الوضع والتندر بالناس من المخالفين وغيرهم، وكم من خبر تجده في كتب الأدب المتقدمة معزوًا لفلان، ثم تراه قد تحول في روايات المتأخرين إلى غيرهم، بل قد تجد الخبر فيه قضية من القضايا، وإذا انتقل إلى أهل مذهبِ مخالفٍ ادخلوا فيه اعتقاداتهم، كما ورد في بعض كتب الأدب خبر عن مزبد المدني، وفحواه أنه صار على المدينة النبوية ريح شديدة وريح حمراء، فخرج الناس في الصباح الباكر يصيحون: القيامة، القيامة، فأطل عليهم وقال: يا جماعة، قيامة بلا مسيح دجال ولا مهدي؟!
وقد نقل بعض الرافضة في كتبهم الأدبية هذه الرواية، وجاء فيها: ((فقال مزبد: هذه قيامةٌ على الريق بلا دابة الأرض والدجال ولا القائم)).
ولعل القارئ الكريم لا يخفى الفرقة التي تؤمن بالقائم (المهدي المنتظر عند الرافضة الإمامية الإثني عشرية).
القسم الرابع: ما ورد من الإخبار في غير مظانه من الكتب.
في هذا القسم قد نجد المعلومة في ترجمة علمٍ في كتب رجال الحديث، وهي أخص به في كتب طبقات النحويين أو اللغويين أو الأدباء، فتدخل في هذا القسم؛ إذ المفترض ـ مثلاً ـ أن نجد في ترجمة علمٍ من الأعلام بأن له كتابًا في النحو في تراجم النحويين، فإذا وجدناها في كتاب تاريخ ـ مثلاً ـ، وكذا الأصل أن نجد في أعلام الحديث النبوي ما يتعلق بتوثقيهم وتجريحهم أو ما يتعلق بذلك في كتب التراجم الخاصة بهم، كتهذيب الكمال وأمثاله.
ومن أمثلة ما ورد في غير مظانه مما هو متعلق بالجرح والتعديل في الرجال؛ ما ورد كتاب البدء والتاريخ المنسوب لمطهر بن طاهر المقدسي (ت: 507)، فقد ورد فيه معلومة نفيسة تتعلق بمقاتل بن سليمان (ت: 150) وعلاقته بالضحاك بن مزاحم (ت: 105)، حيث نفى بعض علماء الحديث أن يكون قد سمع الضحاك،ويشهد بهذا ما ورد في كتاب البدء والتاريخ، قال المؤلف: ((ذكر ما جاء في خراب البلدان: في كتاب أبي حذيفة عن مقاتل أنه قال: قرأت في كتب الضحاك بعد موته ـ وهي الكتب المخزونة عنده ـ في قوله عز وجل .... )). وهذا يفيد بأن رواية مقاتل عن الضحاك كانت من طريق الوجادة، ولم يسمع من الضحاك.
وكان من المتوقع في هذه المعلومة أن تكون في كتب تراجم رجال الحديث، وليس في مثل كتاب البدء والتاريخ.
وبعد هذا التقسيم، فإن المقصود من ذلك أننا نحتاج إلى ضوابط للتعامل مع الأخبار في هذه الكتب، فهل يقال:
الأصل في ذلك قبولها إلا إذا ورد في ذلك أمارات تدلُّ على عدم قبولها؟
أو يقال: إنها لا تقبل ولا تردُّ إلا بدلائل؟
إن الأصل الذي سار عليه العلماء هو الأول، وهو (قبولها إلا إذا ورد في ذلك أمارات تدلُّ على عدم قبولها).
وهذا يعني أننا لا نمتنع من نقد مثل هذه الأخبار ـ كما هو الحال في خبر كتاب الجيم لشمر ـ، لكن ما هي مقومات نقد الأخبار؟
1 ـ إذا ورد الخبر عن ثقة، فإن الأصل قبوله، كما هو الحال في نقل الأزهري لخبر كتاب شمر، فليس هناك من الدواعي ما يدعو إلى الكذب في هذا الخبر.
2 ـ إذا ورد الخبر عن من عُرِف بالكذب فإنه لا تُقبل روايته له، بل تُعدُّ ساقطة، وأحوال هؤلاء معروفة في كتب التراجم، ومنه من يكون له باع في العلم والمفاكهة والمسامرة، كما هو الحال في عيسى بن يزيد بن دأب، فقد ورد في ترجمته في (مراتب النحويين): ((كان يضح الشعر وأحاديث السمر كلاً ما ينسبه للعرب فسقط علمه وخفيت روايته وكان شاعراً وعلمه بالأخبار أكثر)).
وخبر مثله لا شكَّ أنه يسقط، حتى إنه من شدة معرفة الناس له صار مضربًا للمثل، فقد أورد الفراء في تفسير قوله تعالى: (إلا اماني): (( ... والأماني أيضًا: أن يفتعل الرجل الأحاديث المفتعلة، قال بعض العرب لابن دأب ـ وهو يحدث الناس ـ: أهذا شيءٌ رويته أم تمنَّيته؟ يريد: افتعلته ... )) (معاني الفراء: 1: 50).
(يُتْبَعُ)
(/)
3 ـ إذا ورد الخبر في نقد أحد الأقران، مع وجود نزاع بينهما، فإن الأصل عدم قبوله، كما هو الحال في نقل الأزهري عن شيخه ابن عرفة (المعروف بنفطوية) في حقِّ ابن دريد، قال الأزهري في كتابه (تهذيب اللغة 1: 31): ((وممن ألَّف في عصرنا الكتب، فوُسِم بافتعال العربية وتوليد الالفاظ التي ليس لها أصول، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم = أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي صاحب كتاب الجمهرة، وكتاب اشتقاق الأسماء، وكتاب الملاحن.
وحَضَرْتُه في داره ببغداد غير مرة، فرأيته يروي عن أبي حاتم والرياشي وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي. فسألت إبراهيم بن محمد بن عرفه الملقب بنفطوية عنه، فاستخفَّ به، ولم يوثقه في روايته)).
وكلام نفطويه فيه من قبيل كلام الأقران، وكان بينهما من التنازع ما يجعل قول نفطوية لا يُقبل فيه، ويتبعه الأزهري الذي كان تلميذًا بارًّا لنفطويه، فإنه لم يستطع أن يتغلب على نفسه في التغلب لشيخه، وابن دريد من العلماء الثقات، فقد وثقه آخرون، وكتاب (جمهرة اللغة) مما ارتضاه اللاحقون، واعتمدوا عليه، فضلا عما كان يتَّسِم به ابن دريد من التورع في نقل اللغة ونقل معاني القرآن، وهذا المنهج في التورع موجود بكثرة في كتاب الجمهرة، فتجده يكثر من قوله: (والله اعلم)، ويقول: ولا أتحقق صحته ... الخ من مثل هذه الأساليب. ينظر في ذلك (مقدمة البعلبكي حقق كتاب الجمهرة)
4 ـ إذا خالف الأحوال المعروفة للعالم، فإنه لا يقبل.
ومن ذلك ما حكاه ابن بطوطة في رحلته الماتعة المشهورة، حكى عن شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال: ((وكان دخولي لبعلبك عشية النهار وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق وصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ست وعشرين وسبعمائة غلى مدينة دمشق الشام فنزلت فيها بمدرسة المالكية المعروفة بـ (الشرابيشية))) إلى أن قال: ((وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون إلى أن قال فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من المنبر فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ... )).
وهذا فيه مخالفتان:
الأولى: ما عُرف من حال شيخ الإسلام من نفي التجسيم عن الرب سبحانه، وإنما يقع من مخالفيه هذا الزعم لإثباته للصفات.
الثانية: التاريخ، فقد ذكر ابن بطوطة أنه دخل دمشق في (9 رمضان سنة 726)، وشيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك الوقت كان محبوسًا في القلعة كما ذكر ذلك العلماء الثقات كتلميذه الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي والحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب في طبقات الحنابلة قال في ترجمة الشيخ من طبقاته المذكورة مكث الشيخ في القلعة من (شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين)، وزاد ابن عبد الهادي أنه دخلها في سادس شعبان.
5 ـ إذا خالف التاريخ المعروف للعالم، فإنه لا يقبل، كخبر أخذ حنين بن إسحاق عن الخليل بن احمد، قال ابن جلجل في كتابه (طبقات الأطباء والحكماء: ص: 68 ـ 78): ((حنين بن إسحاق تلميذ يوحنا بن ماسويه، عالمًا بلسان العرب، فصيحًا باللسان اليوناني جدًّا، بارعًا في اللسانين بلاغة بلغ بها تمييز علل اللسانين، ونهض من بغداد إلى أرض فارس، وكان الخليل بن أحمد النحوي رحمه الله بأرض فارس، فلزمه حنين حتى برع في لسان العرب، وأدخل كتاب العين بغداد)).
وقد علق المحقق فؤاد سيد على كلام ابن جلجل هذا بكلام ردَّ فيه هذا الخبرالغريب، واعتمد في ذلك على التاريخ، فالخليل مات سنة 175 على الأكثر، وحنين ولد 194، فانظر كيف يتهاوى هذا الخبر أمام التاريخ؟!
وليس العجب هنا فقط، بل الأعجب أن يأتي معاصرون، ويزعمون أن الخليل بن أحمد قد أخذ ترتيب معجم (العين) من اليونانية، وقد استفادها من حنين بن إسحاق!
(انظر في نقد هذه المعلومة: أصالة علم الأصوات عند الخليل بن أحمد من خلال مقدمة كتاب العين، للدكتور أحمد محمد قدُّور ص: 16، وانظر المراجع التي أعاد إليها أيضًا).
(يُتْبَعُ)
(/)
6 ـ إذا ورد في الخبر مبالغات مخالفة لما اعتاده الناس من أحوالهم، ولا تكاد تصدق، فإنه يتوقف في قبولها، وهذا يكثر في أخبار المتصوفة.
7 ـ إذا ورد في الأخبار ما يخالف ما اتفقت عليه الشرائع؛ ككشف الغيب لبعض الناس، وهو مما اختص الله به، وذلك يكثر في تراجم المتصوفة.
ومن ذلك ما ذكره العيدروس في كتابه أنوار السافر، قال: (( ... وحكى لي حفظه الله وأبقاه والإشارة بذلك إلى المجد المذكور. إنه دخل في بعض السنين مدينة قم فسمعت بأن كتبا تعرض للبيع فذهبت إلى بيت صاحبها فأدخلني وأحضر الكتب بين يدي ومددت يدي إلى كتاب منها وفتحته فإذا هو بخط أبي فقلت هذا خط والدي فقال: ما أسم والدك؟ فقلت يعقوب بن إبراهيم الفيروز أبادي. قال فقام الرجل إلي وقبل راسي وقال: صدقت كأن جاءني والدك في بعض السنين إلى غار من مغارات هذا الجبل وأنا من قطع إلى الله فيه للعبادة فأقام عندي أياما ونسخ لي هذا الكتاب فيه وكان يخدمني ويتعبد معي فاتفق في بعض الأيام أن قلت له: يا شيخ يعقوب ما ترى ننزل إلى المدينة فندخل الحمام ونتنظف فقال: الأمر إليك في ذلك فنزلنا فلما دخلنا الحمام قلت له هات ظهرك لأحكه فامتنع علي وقال: أنا أولى بخدمتك فلازمته على ذلك وهو يتمنع فرأيت الحيلة في ذلك إن قلت له لتصل بركة يدي إلى ظهرك فهنالك أعطاني ظهره فسمعت حسك في ظهره فقلت له: يا يعقوب في ظهرك أولاد فقال ما يدريك قلت أحسست بهم قال كم هم قلت أربعة قال: سمهم فقلت على الفور محمد ويوسف وعلي وحسن قال ثم: فارقني وفارقته فمن أنت منهم؟ قال شيخنا مجد الدين أنا محمد قال: هل لك أخوة فقلت نعم كما ذكرت يوسف وعلي وحسن قال وكلهم في الحياة قلت لا توفي علي وحسن فقال: الحمد لله فتعجبت من كشفه ومن غريب الاتفاق قال: واسم هذا الرجل أيضا مجد الدين وهو من عباد الله الصالحين أنتهى. قلت: وقريب من هذا أن ابن شيخ ابن الشيخ عبد الله العيدروس تمن. فقال: ما أريد إلى البركة والدعاء لي بذرية صالحة فقال له: يا عبد الله سيلد لك من الأولاد الذكور فلان وفلان وفلان وسماهم أبو بكر وشيخ وحسين وكان إذ ذاك جدي لم يتزوج بعد ثم خرج إلى حضرموت بعد وفاة عمه المشار إليه وتزوج بها أمرأة فولدت له أولادا كما ذكر وسماهم بتلك الأسماء التي سماهم بها الشيخ ثم ولد له بعد الثلاثة ولد سماه محمدا. أخبرني بهذه الحكاية الثقة سالم بن علي باموجه رحمه الله وقد سمعها من سيدي الوالد قدس الله روحه بلفظ قريب من هذا)). كتاب (النور السافر في إخبار القرن العاشر)،لعبد القادر العيدروس، وهو مليئ بمثل هذه الأخبار.
8 ـ كل ما لا يقوم به علم يجوز نقله وحكايته، وإن كان القارئ يجزم بأن هذه الحادثة لم تقع لفلان؛ لأن المراد معنى الخبر وحكايته، وليس نسبة الحدث لمن ذُكِرُوا في الخبر، ويكثر هذا في كتب الأدب، وهي تتفاوت في ضبط الأخبار، فكلما كان الكتاب متقدمًا كان أكثر ضبطًا من المتأخر؛ لقربه من الحدث، وكثيرًا ما يقع ذكر قصة واحده لرجلين مختلفين، وتكاد تجزم بوقوع اللبس في نقل أحد الكتابين.
ومن ذلك ما رواه الطبري في التاريخ بسنده، قال: ((حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا أبو عبيدة عن أبي يعقوب الثقفي عن عبدالملك بن عمير، قال:
لما ثَقُلَ معاوية، وحدَّث الناس أنه الموت، قال لأهله: احشوا عيني إثمداً، وأوسعوا رأسي دهنًا، ففعلوا، وبرقوا وجهه بالدهن، ثم مُهِّدَ له، فجلس، وقال: أسدوني، ثم قال: ائذنوا للناس، فليسلموا قياما، ولا يجلس أحد. فجعل الرجل يدخل فيسلم قائما، فيراه مكتحلاً مدهنًا، فيقول: يقول الناس هو لمآبه، وهو أصح الناس.
فلما خرجوا من عنده قال معاوية:
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
قال: وكان به النفاثات، فمات من يومه ذلك)).
ثم تجد هذه الرواية في (مرآة الجنان وعبرة اليقظان، أبي محمد عبدالله بن أسعد بن علي اليمني المعروف باليافعي) بهذا النص: (( ... ما يحكى أن معاوية بن أبي سفيان لما اشتد مرض موته وحصل اليأس منه = دخل عليه بعض ذرية علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه يعوده، فوجده قد استند جالساً متجلداً، ثم ضعف عن القعود فاضطجع، وأنشد:
وتجلدي للشامتين أريهم ** * أني لريب الدهر لا أتضعضع
فأنشد العلوي عند ذلك:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
فتعجب الحاضرون من جوابه)).
تامل الفرق بين النصين، وانظر كيف انحرف الثاني عن الأول، وصارت فيه زيادات لا يخفى على لبيب كيف دخلت!
وإذا أردت أن تستفيد من هذه الرواية في موعظة أو حكمة أو غير ذلك، فإنك لو لم تذكر معاوية، وجعلت بدلاً عنه عبارة (أحد الملوك) لكفى في إيصال ما تريد.
لكن لو كنت تترجم لمعاوية، وتريد أن تذكر هذا الخبر، فلا شكَّ أن ما رواه الطبري هو المقدَّم، بخلاف رواية من جاء بعده لما فيها من الزيادات التي لا تخفى، وهي تحمل تحت طياتها إشارة إلى خلاف تاريخي لا يحسن ذكره بمثل هذه الأخبار المرسلة، بل لا بد من صحة الخبر في ذلك.
وبعد، فهذه بعض اللفتات في قضية قبول الأخبار أو ردها، وهي تحتاج إلى بحث متوسع، لكني اكتفي بذكر هذه القضايا مع أمثلتها لعل غيري يتحفنا بمزيد بحث ونقد لهذه الفكرة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[09 Sep 2006, 05:17 م]ـ
بارك الله فيك يا أبا عبدالملك على هذه الفوائد العلمية حول منهجية تلقي أخبار كتب التراجم، وهو موضوع علمي ذو شجون، والتعامل معه يحتاج إلى بصيرة وخبرة من طالب العلم، حتى يضع كل ترجمة وكل خبر في مكانه الصحيح. ورحم الله شمر بن حمدويه والإمام الأزهريَّ فما علمنا عليهم إلا خيراً، وكم انتفعنا بكتاب (تهذيب اللغة) للأزهري، وكم له عند طلاب العلم من يد.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[14 Apr 2007, 10:17 م]ـ
أحسن الله إليكم وجزاكم خير الجزاء
وهناك مسألة مهمة جدا في معرفة صحة الأخبار وقبولها من عدمه، وتقديم قول على قول
وذلك بمعرفة مقادير أهل العلم واختلافها، ومن عرف بالتبحر منهم ممن لم يعرف به، ومن عرف بالتدقيق والتحقيق ممن لم يعرف.
وإذا نظرنا إلى هذا الأمر في هذه المسألة وجدنا التفاوت كبيرا بين الأزهري والقفطي، فالأزهري عالم متبحر جهبذ حافظ محقق مدقق لا يقبل إلا ما صح، ومن يتأمل في كتابه (تهذيب اللغة) يجده أفضل الكتب بلا نزاع من ناحية التحقيق اللغوي، بخلاف القفطي الذي كان يضمن كتابه من الأخبار التي سمعها من هنا وهناك بغير أن يتحقق منها.
وهذا يذكرني بقول ابن حبان في بعض المواضع من صحيحه عند ترجيحه رواية على أخرى: (وفلان يساوي مائتين من فلان!!)
فهذا وجه مهم جدا ينبغي أخذه في الاعتبار عند ترجيح قول على قول، فقول الطبري مثلا في التفسير لا يعادله قول الثعلبي أو الزمخشري.
وقول البخاري ومسلم لا يعادله قول ابن ماجه
وقول أبي حاتم وأبي زرعة لا يعادله قول الطبراني والعجلي
وهكذا في كل علم من العلوم
فإذا لم يكن طالب العلم متنبها لهذه المسألة من تفاوت مراتب أهل العلم وتقديم بعضهم على بعض، أصابه خلل عظيم
والله تعالى أعلم
ـ[فاضل الشهري]ــــــــ[15 Apr 2007, 12:40 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء على هذا البحث القيم،وهذا ما يحتاجه أمثالي ممن يرتاد هذا الملتقى.
وأنتما كالغيث، وكأني بكما وقد أراد كل منكما أن يهدي للآخر هذه الثمار الطيبة، ولكن أبى طبعكما إلا أن يعم النفع للجميع وليت كل سر تجاوز صاحبيه أن يكون كهذا.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Apr 2007, 05:30 م]ـ
الأخوين الفاضلين أبا مالك وأبا صالح رعاهما الله: شكر الله لكما تعقيبكما الكريم.
وأما ما ذكره أخي أبو مالك حول أهمية معرفة مبلغ العلماء من العلم، وطبقاتهم، للاستئناس بذلك في التحقق من نسبة الكلام لهم أو نحو ذلك فلا شك في أهميته، وأنه قرينة قوية في هذا الأمر. ومع أن الموازنة بين أبي منصور الأزهري (ت370هـ)، بالقفطي (ت646هـ) فيها شيء من التجوز لا ختلاف ميدان جمع اللغة عن ميدان تراجم الرجال، فالأول ميدان الأزهري اللغوي، والثاني ميدان القفطي المؤرخ. وفي الحق إن كلاً منهما مجيد في بابه، فكتاب القفطي في تراجم النحويين والشعراء من أجود الكتب، ولا يخلو من الأوهام التي لا يكاد يسلم منها مؤلف لا الأزهري ولا غيره.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[16 Apr 2007, 02:31 م]ـ
لقد صدر للشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني كتاب (إضاءات بحثية في علوم السنة النبوية وبعض المسائل الشرعية) فيه سلسلة من مقالاته العلمية بعناية تلميذه هاني السويهري، وفيه بحث بعنوان (نقد أسانيد الأخبار التاريخية / ضوابطه وأحواله) وقد نشره في (9: 1: 1423)، وهو يصبُّ في الفكرة التي تطارحناها في هذه المشاركة، وقد أخذ أخي عبد الرحمن من الشيخ الشريف ـ أثناء لقائنا به ليلة البارحة (27:3: 1428) وعدًا بأن يرسل له البحث على هيئة إلكترونية ليضيفه هنا لتعم الفائدة في ذلك.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Apr 2010, 07:12 م]ـ
طلبتُ اليوم -الثلاثاء 13/ 5/1431هـ - مرةً أخرى من الدكتور حاتم الشريف نسخةً إلكترونيةً من بحثه الذي أشار إليه الدكتور مساعد الطيار لنشره لكم هنا وقد كلَّف - مشكوراً - تلميذه الذي أشرف على إخراج كتابه الأخ الكريم هاني السويهري وفقه الله بإرساله، فأرسله لي مشكوراً على هيئة PDF وهو مرفق لكم مع هذه المشاركة أرجو أن ينفعكم الله بقراءته وتأمله.
وأشكر الدكتور حاتم الشريف والأخ هاني السويهري على استجابتهم جزاهما الله خيراً.
ـ[عدنان أجانة]ــــــــ[29 Apr 2010, 02:09 ص]ـ
مذاكرة علمية ماتعة، ومن تتمة القول في كتاب "الجيم" ومعناه، ما ذكره الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز، فإنه قال: قال أبو عمرو الشيباني: الجيم في لغة العرب الديباج، ثم عقب الفيروز آبادي بقوله: وله كتاب في اللغة سماه الجيم، كأنه شبهه بالديباج لحسنه. اهـ
انظر كتاب: معجم المعاجم للأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال. ص243 طبعة دار الغرب الإسلامي.(/)
وقفة مع الآية: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة"
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[22 Dec 2005, 07:36 ص]ـ
أجد في بعض الشروح أن معنى الصلاة من الله هو: الرحمة وليس الثناء، عندها أسأل نفسي ... إذا فسّرنا الصلاة بالرحمة فكيف نفسر قول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة} 157 {: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة "؟!
هل يكون معنى الآية: أن عليهم رحمة من ربهم ورحمة! وعلى هذا يكون اللفظ مختلفا والمعنى واحد تأكيدا وإشباعا للمعنى
كما ذكر ذلك القرطبي –رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية.
وهذا بعض ما قاله المفسرون في تفسيرهم لمعنى الصلاة في هذه الآية:
* الرازي: "الصلاة من الله هي الثناء والمدح والتعظيم."
* الطبري: " وصلوات الله على عباده: غفرانه لعباده"
* القرطبي: "وصلاة الله على عبده: عفوه ورحمته وبركته وتشريفه إياه في الدنيا والآخرة ..... وكرر الرحمة لما اختلف اللفظ تأكيدا وإشباعا للمعنى"
* ابن كثير: "} أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة {أي ثناء من الله عليهم.
* ابن عاشور: "فكانت الصلاة إذا أسندت إلى الله أو أضيفت إليه دالة على الرحمة وإيصال ما به النفع من رحمة أو مغفرة"
فهل يمكن الاستدلال بهذه الآية على أن المراد بالصلاة من الله هو الثناء وليس الرحمة؟ وهل تعليل القرطبي – رحمه الله – يعتبر كافيا لرد الاستدلال بها إن أمكن؟
(أرجو من مشايخنا الكرام التعليق)
ـ[سلطان الفقيه]ــــــــ[27 Dec 2005, 09:36 م]ـ
الاخ عمار: هناك خلاف بين المفسرين في تفسير هذه الاية، لكن والله اعلم أن تفسيرها بالثناء عليه أقرب الى الصواب، وليس كما ذكرت بتفسيرهابالرحمه، كما رجحه ابن كثيرونقله عن ابي العاليه، وكذلك الشوكاني في فتح القدير، وابن عثيمين في الشرح الممتع. وكذلك الخلاف في تفسيرالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره ابن كثيرفي تفسيرقوله تعالى {ان الله وملائكته يصلون على النبي000}
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[28 Dec 2005, 03:46 ص]ـ
الأخ الكريم سلطان الفقيه:
جزاك الله خيرا على المشاركة، لكن يبدو لي أنك لم تدقق في كلامي بارك الله فيك.
.................................................. ..............................................
أخي الفاضل:
أولا: أخوك العبد الفقير يميل إلى الرأي القائل بأن معنى الصلاة من الله هو الثناء وليس الرحمة.
ثانيا: الخلاف بين المفسرين معلوم ولذا أوردتُ بعضَ أقوالهم في موضوعي للاستئناس
بها فقط، وليس الغرضُ هنا حصر أقوالهم ومناقشة ما ذهبوا إليه، وإنما معرفة مدى إمكانية الاستدلال بتلك الآية على أن المعنى الصحيح هو الثناء وليس الرحمة.
وخلاصة ما أريد قوله هو أنني استنكرتُ -بيني وبين نفسي - أنْ يكون معنى الآية أنّ عليهم رحمة من ربهم ورحمة! على فرض أننا فسَرناها بالرأي المرجوح (لم أرجح من عندي وإنما نقلتُ هذا عن بعض مشايخنا)
ولذا أردت معرفة رأي المشايخ الكرام لأعرف ما إذا كان استنكاري في محله أم أنّ توجيه
الإمام القرطبي - رحمه الله تعالى - مقبول.(/)
المصحف المكتوب بطريقة (برايل) للأكفاء،هل له حكم المصحف المعروف؟
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[22 Dec 2005, 07:41 ص]ـ
المصحف المكتوب بطريقة (برايل) للأكفّاء،هل له حكم المصحف المعروف؟
تساؤل أحسبه طريفاً ..
ولضيق الوقت عندي ـ هذه الفترة بالذات ـ أحببت الإطلالة على أحبتي بهذا التساؤل.
ولعلي أذكر ما بدا لي في الجواب ـ على سبيل المذاكرة ـ لأني لم أبحث فيه،ولم يمر علي مثله من قبل،وهو: أن المصحف المكتوب بطريقة (برايل) للمكفوفين له حكم المصحف المعروف لما يلي:
1 ـ أن هذا مصحف مكتوب،وبحروف،فهو ـ بهذا ـ يقابل المداد الذي سطرت به المصاحف المعروفة،وحروفه ـ التي كتب بها ـ اصطلح على أنها عربية،لكن كتبت بطريقة تناسب هذه الفئة.
ولهذا ترى الكفيف الماهر يقرأ من هذا المصحف وكأنك ترى مبصراً يقرأ من مصحف.
2 ـ أنه مصحف خالص،فليس فيه تفسير ولا ما يخرجه عن حد المصحف ـ حسب معلوماتي الأولية ـ.
وإذا كان الأمر كذلك،ثتبتت له أحكام المصحف الشرعية،وقد كتب في ذلك رسالة علمية لأحد الباحثين (نسيت اسمه كاملاً)،وإن لم تخني الذاكرة فهو: عبدالله بن صالح الرشيد،وهي مطبوعة في مجلد ضخم،والله أعلم.
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[22 Dec 2005, 02:46 م]ـ
الأخ الفاضل عمر
الكتاب الذي ذكرته بعنوان (المتحف في أحكام المصحف) للكتور صالح بن محمد الرشيد، وهو في ثلاثة أجزاء يجمعها مجلد واحد، وهو يتميز بالجمع، وفيه قضايا كثيرة تحتاج إلى تحرير، كما أن فيه قضايا يبدو انها زائدة على العنوان، فهي تدخل في أخباره، وليست في أحكامه.
وهناك كتابان آخران:
ـــ الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن الكريم، للدكتور عبد العزيز بن محمد بن عبدالله الحجيلان.
ـــ فيض الرحمن في الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن، للدكتور أحمد ملحم.
أما المسألة التي ذكرت، ففيها جانبان:
الأول:هل يمكن للمصحف المكتوب على طريقة (برايل) اتباع الرسم العثماني، وهذه مسألة نازلة، وكأني سمعت عن مجمع الملك فهد ـ رحمه الله ـ للمصحف الشريف أن لهم نية في إخراج مصحف لهؤلاء.
الثاني الأحكام الشرعية المتعلقة بالطهارة، والآداب العامة المتعلقة بالمصحف، والذي يظهر أنه يلحق بالمصحف المكتوب بالطريقة المعروفة، فالمصحف هو المصحف، وإن اختلفت طريقة رسمه لأجل هذا الظرف المتعلق بمن فقد بصره، والله أعلم.
ـ[مرهف]ــــــــ[22 Dec 2005, 04:45 م]ـ
وجهة نظر للمناقشة:
المصحف كتاب جمع بين دفتيه كلام الله المكتوب، وهذه الثقوب التي في المصحف لا تتعدى الدلالة على كلام الله، وخاصة إذا عتبرنا أن رسم القرآن حكمه توقيفي، وهذه الثقوب اجتهادية قابلة للتغيير ولذلك أرى والله أعلم أنه لا يأخذ حكم المصحف والله أعلم
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[22 Dec 2005, 06:38 م]ـ
وأنا من وجهة نظري القاصرة أرى ما يراه الأخ الكريم مرهف، وأقيسُه على الشريط والقرص المدمج.
ـ[عبدالله الشمراني]ــــــــ[26 Dec 2005, 11:02 ص]ـ
أما أنا فأرى أن مصحف برايل له حكم المصحف المعروف من حيث الآداب والأحكام وغيرها، وأقول لو أن رجلاً كتب بعض السور في ورقه أفلا يكون لها حكم المصحف من ناحية الطهارة والإحترام؟ فمن باب أولى لو كان مصحفاً جمع كامل كلام الله تعالى بين دفتيه؟
وبالنسبة لإتباعه للرسم العثماني فإلى الآن غير ممكن خاصة في بعض الأحرف التي تزاد مثل:الواو والياء وبعض الهمزات وغيرها، لكنه يعتبر على الرسم الإملائي (وكتابة القرآن بالرسم الإملائي فيها كلام من بعض علماء الرسم).لكن هذا الممكن إلى الآن بالنسبة للإخوة المكفوفين.
ـ[مرهف]ــــــــ[06 Jan 2006, 01:28 ص]ـ
أقامت جمعية المحافظة على القرآن الكريم مشروعاً للمكفوفين من أجل متابعة قراءة القرآن وحفظه وقد نشرت الجمعية خبراً عنه على موقعها على النت وعرفت بلغة برايل (فالحكم على الشيء فرع عن تصوره) وللفائدة أنقل منه الآتي ثم لكم الحكم بعد زيادة البحث في الموضوع:
حروف لغة بريل:
لغة بريل لغة محسوسة، وهي عبارة عن نقاط بارزة مرتبة على شكل مربع أو على شكل خلايا مربعة، وبين كل نقطة وأخرى مسافة قصيرة.
تقوم كتابة (بريل) في الأساس على ست نقاط أساسية ثلاثة على اليمين وثلاثة على اليسار كما يلي:
* *
* *
* *
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن هذه النقاط الست تتشكل جميع الأحرف والاختصارات والرموز، ومع دخول الكمبيوتر إلى عالمنا دخل نظام الثماني نقاط في نظام الكمبيوتر ليعطي مجالاً لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الإشارات والرموز، ولكن هذا النظام ظل مستخدماً فقط في الكمبيوتر ولم يوسع لغيره.
أما طريقة قراءة هذه الأحرف فتتم من اليسار إلى اليمين حيث إن النقطة العليا إلى اليسار تسمى رقم (1) والتي تحتها (2) والتي تحتها (3) تم ننتقل إلى الصف الثاني، فالعليا نسميها (4) والتي تحتها (5) والتي تحتها (6) وهي كما في الشكل التالي:
4 * * 1
5 * * 2
6 * * 3
وعلى هذا الأساس تم وضع حروف اللغة العربية جميعها.
وقد تنبهت جمعية المحافظة على القرآن الكريم ممثلة في فرع الزرقاء إلى أهمية إيصال رسالة القرآن الكريم إلى هذا القطاع الكبير من المجتمع في الأردن والذي يتجاوز العشرين ألف كفيف، وتداعى الفرع المذكور وآخرون من المسلمين والمحسنين إلى البدء بإعداد المصحف الشريف بطريقة بريل للارتقاء بمستواهم الثقافي والروحي، وبدأ العمل في عام 1995، حيث جرى إعداد هذا المشروع وفق المراحل الآتية:
1 - المرحلة الأولى:
تولّت دار حوسبة النص العربي وعلى نفقتها يعاونها مندوب متخصص من اللجنة إدخال نص القرآن الكريم على الحاسوب وتدقيق النص الإملائي للقرآن الكريم أكثر من عشرين مرة.
2 - المرحلة الثانية:
تم تطوير برنامج تحويل النص الإملائي إلى طريقة بريل فأصبح لدينا برنامجاً خاصّاً للقرآن الكريم على نظام التشغيل Windows. وكذلك تكفلت دار حوسبة النص العربي بهذا الجهد. كما تم خلال هذه المرحلة تشكيل لجنة علمية لمعالجة بعض القضايا الفنية والعلمية التي يحتاج إليها الكفيف عند القراءة واعتمدت أسساً محددة يُلتزم بها عند الإنتاج.
3 - المرحلة الثالثة:
إنتاج النسخة الأولى بطريقة بريل ومراجعتها وتدقيقها وتصويبها، وتم عرضها على وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن حيث قامت مشكورة بتدقيقها وأجازت طباعتها.
كما عرضت على دائرة المطبوعات والنشر الأردنية حيث تمت إجازة طباعتها.
4 - المرحلة الرابعة:
بُدئ بالإنتاج باستخدام طابعة بريل شخصية ومتواضعة في إنتاجها، وقد تعطلت هذه الطابعة بعد إنتاج ثلاثين نسخة فقط، وأصبحت تحتاج إلى صيانة مستمرة بكلفة عالية.
5 - المرحلة الخامسة:
البحث عن وسائل لتأمين طابعة ذات جهد كبير ومقص للورق، وقد يسّر الله لنا الأمر فقامت لجنة الرحمة العالمية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية – الكويت - بالتبرع للجمعية بالطابعة والتي بلغت كلفتها خمسين ألف دولار أمريكي حيث تم شراء طابعة Braille Place وهي ذات جودة عالية وتقنية حديثة، كما تم شراء مقص للورق خاص نوع ( Duplo-V-760 ).
6- المرحلة السادسة:
أ - في هذه المرحلة تم الاتفاق مع (شركة الزغل وحمدان وسارة) للتجليد، وقد قامت الشركة بتصميم غلاف مناسب يليق بالقرآن الكريم، علماً بأن التجليد يدوي في مراحله الأساسية حيث لا يمكن استخدام الآلات حرصاً على الأحرف البارزة.
ب- وبما أن هذه الطريقة تحتاج إلى تدقيق كامل لكل نسخة فقد تم تدقيق ثلاثين نسخة تدقيقاً كاملاً على أيدي مكفوفين مهرة من هذا البلد العزيز، والتدقيق مستمر لأنه ضرورة ملحة وأساسية لكل نسخة مع وجود بعض الصعوبات المتعلقة بالزمان والمكان والتفرغ والتمويل.
7 - المرحلة الحالية:
بعد الاطلاع على نتائج الإحصاء السكاني لعام 2002م، تبيّن أن في الأردن حوالي (24.000) أربعة وعشرين ألف كفيف وكفيفة من بينهم على الأقل عشرة آلاف كفيف وكفيفة يقرؤون بطريقة بريل. وعليه فإن مخططنا الأولي إنتاج (3000) ثلاثة آلاف نسخة لتوزيعها داخل الأردن و (2000) ألفي نسخة خارجه (للعالم العربي والإسلامي خاصة ولبقية دول العالم)، وسنخص أهلنا وأحبتنا المكفوفين في فلسطين بحاجتهم كاملة إن استطعنا إن شاء الله. هذا وقد بدأنا بمحاولات للحصول على التمويل اللازم للإنتاج، وستطلق الحملة الرئيسية - إن شاء الله - بعد حفل الإعلان عن بدء مرحلة الإنتاج.
وبفضل من الله تعالى فقد تم طباعة عدد (139) نسخة من مصحف بريل، ولكي تكتمل الفرحة بهذا الإنجاز أقامت الجمعية احتفالاً كبيراً بإصدار الطبعة الأولى من هذا المصحف وذلك بتاريخ (22/ 11/2005) في قاعة المؤتمرات التابعة للمركز الثقافي الملكي في عمان، وبرعاية من سمو الأمير رعد بن زيد – كبير الأمناء.
المصدر: http://www.itimagine.com/hoffaz/MASHARE3/PREL.HTM
فمن أهم الملاحظ في هذه الطريقة:
القراءة من اليسار إلى اليمين
زيادة بعض النقاط على غير ما هو شائع في لغة برايل العادية وذلك لضرورة العمل وطبيعته والأمر قابل للتغيير لأنه اجتهاد.
وهاتين الملاحظتين تخالف تماماً ما تميزت به المصاحف العثمانية من وقفية الرسم وكيفية القراءة. والله أعلم وجزى الله خيراً الجمعية على مشروعها ولنا أن نوجه هذا السؤال للمختصين فيها من العلماء ليعطونا حكم ذلك
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مرهف]ــــــــ[06 Jan 2006, 01:29 ص]ـ
أقامت جمعية المحافظة على القرآن الكريم مشروعاً للمكفوفين من أجل متابعة قراءة القرآن وحفظه وقد نشرت الجمعية خبراً عنه على موقعها على النت وعرفت بلغة برايل (فالحكم على الشيء فرع عن تصوره) وللفائدة أنقل منه الآتي ثم لكم الحكم بعد زيادة البحث في الموضوع:
حروف لغة بريل:
لغة بريل لغة محسوسة، وهي عبارة عن نقاط بارزة مرتبة على شكل مربع أو على شكل خلايا مربعة، وبين كل نقطة وأخرى مسافة قصيرة.
تقوم كتابة (بريل) في الأساس على ست نقاط أساسية ثلاثة على اليمين وثلاثة على اليسار كما يلي:
* *
* *
* *
ومن هذه النقاط الست تتشكل جميع الأحرف والاختصارات والرموز، ومع دخول الكمبيوتر إلى عالمنا دخل نظام الثماني نقاط في نظام الكمبيوتر ليعطي مجالاً لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الإشارات والرموز، ولكن هذا النظام ظل مستخدماً فقط في الكمبيوتر ولم يوسع لغيره.
أما طريقة قراءة هذه الأحرف فتتم من اليسار إلى اليمين حيث إن النقطة العليا إلى اليسار تسمى رقم (1) والتي تحتها (2) والتي تحتها (3) تم ننتقل إلى الصف الثاني، فالعليا نسميها (4) والتي تحتها (5) والتي تحتها (6) وهي كما في الشكل التالي:
4 * * 1
5 * * 2
6 * * 3
وعلى هذا الأساس تم وضع حروف اللغة العربية جميعها.
وقد تنبهت جمعية المحافظة على القرآن الكريم ممثلة في فرع الزرقاء إلى أهمية إيصال رسالة القرآن الكريم إلى هذا القطاع الكبير من المجتمع في الأردن والذي يتجاوز العشرين ألف كفيف، وتداعى الفرع المذكور وآخرون من المسلمين والمحسنين إلى البدء بإعداد المصحف الشريف بطريقة بريل للارتقاء بمستواهم الثقافي والروحي، وبدأ العمل في عام 1995، حيث جرى إعداد هذا المشروع وفق المراحل الآتية:
1 - المرحلة الأولى:
تولّت دار حوسبة النص العربي وعلى نفقتها يعاونها مندوب متخصص من اللجنة إدخال نص القرآن الكريم على الحاسوب وتدقيق النص الإملائي للقرآن الكريم أكثر من عشرين مرة.
2 - المرحلة الثانية:
تم تطوير برنامج تحويل النص الإملائي إلى طريقة بريل فأصبح لدينا برنامجاً خاصّاً للقرآن الكريم على نظام التشغيل Windows. وكذلك تكفلت دار حوسبة النص العربي بهذا الجهد. كما تم خلال هذه المرحلة تشكيل لجنة علمية لمعالجة بعض القضايا الفنية والعلمية التي يحتاج إليها الكفيف عند القراءة واعتمدت أسساً محددة يُلتزم بها عند الإنتاج.
3 - المرحلة الثالثة:
إنتاج النسخة الأولى بطريقة بريل ومراجعتها وتدقيقها وتصويبها، وتم عرضها على وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن حيث قامت مشكورة بتدقيقها وأجازت طباعتها.
كما عرضت على دائرة المطبوعات والنشر الأردنية حيث تمت إجازة طباعتها.
4 - المرحلة الرابعة:
بُدئ بالإنتاج باستخدام طابعة بريل شخصية ومتواضعة في إنتاجها، وقد تعطلت هذه الطابعة بعد إنتاج ثلاثين نسخة فقط، وأصبحت تحتاج إلى صيانة مستمرة بكلفة عالية.
5 - المرحلة الخامسة:
البحث عن وسائل لتأمين طابعة ذات جهد كبير ومقص للورق، وقد يسّر الله لنا الأمر فقامت لجنة الرحمة العالمية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية – الكويت - بالتبرع للجمعية بالطابعة والتي بلغت كلفتها خمسين ألف دولار أمريكي حيث تم شراء طابعة Braille Place وهي ذات جودة عالية وتقنية حديثة، كما تم شراء مقص للورق خاص نوع ( Duplo-V-760 ).
6- المرحلة السادسة:
أ - في هذه المرحلة تم الاتفاق مع (شركة الزغل وحمدان وسارة) للتجليد، وقد قامت الشركة بتصميم غلاف مناسب يليق بالقرآن الكريم، علماً بأن التجليد يدوي في مراحله الأساسية حيث لا يمكن استخدام الآلات حرصاً على الأحرف البارزة.
ب- وبما أن هذه الطريقة تحتاج إلى تدقيق كامل لكل نسخة فقد تم تدقيق ثلاثين نسخة تدقيقاً كاملاً على أيدي مكفوفين مهرة من هذا البلد العزيز، والتدقيق مستمر لأنه ضرورة ملحة وأساسية لكل نسخة مع وجود بعض الصعوبات المتعلقة بالزمان والمكان والتفرغ والتمويل.
7 - المرحلة الحالية:
بعد الاطلاع على نتائج الإحصاء السكاني لعام 2002م، تبيّن أن في الأردن حوالي (24.000) أربعة وعشرين ألف كفيف وكفيفة من بينهم على الأقل عشرة آلاف كفيف وكفيفة يقرؤون بطريقة بريل. وعليه فإن مخططنا الأولي إنتاج (3000) ثلاثة آلاف نسخة لتوزيعها داخل الأردن و (2000) ألفي نسخة خارجه (للعالم العربي والإسلامي خاصة ولبقية دول العالم)، وسنخص أهلنا وأحبتنا المكفوفين في فلسطين بحاجتهم كاملة إن استطعنا إن شاء الله. هذا وقد بدأنا بمحاولات للحصول على التمويل اللازم للإنتاج، وستطلق الحملة الرئيسية - إن شاء الله - بعد حفل الإعلان عن بدء مرحلة الإنتاج.
وبفضل من الله تعالى فقد تم طباعة عدد (139) نسخة من مصحف بريل، ولكي تكتمل الفرحة بهذا الإنجاز أقامت الجمعية احتفالاً كبيراً بإصدار الطبعة الأولى من هذا المصحف وذلك بتاريخ (22/ 11/2005) في قاعة المؤتمرات التابعة للمركز الثقافي الملكي في عمان، وبرعاية من سمو الأمير رعد بن زيد – كبير الأمناء.
المصدر: http://www.itimagine.com/hoffaz/MASHARE3/PREL.HTM
جزى الله خيراً الجمعية على مشروعها ومن ساهم معهم،ولنا أن نوجه هذا السؤال للمختصين في الجمعية من العلماء ليعطونا حكم ما نحن بصدده فهم أخبر به. فهلا قام بذلك أحد الأخوة المشاركين في الملتقى من الأردن ويخبرنا بالإجابة؟.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[06 Mar 2006, 11:40 م]ـ
هذا جواب لسماحة شيخنا ابن باز ـ نقله أخونا المسيطير في ملتقى أهل الحديث ـ يثري الموضوع،ولا يقطع البحث:
ففي محاضرة ألقاها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى في معهد النور للمكفوفين بعنوان: (فإنها لا تعمى الأبصار)، وقد سجلتها تسجيلات البردين بالرياض جاء هذا السؤال:
قال السائل:
سماحة الشيخ: من المعلوم أن المصحف المكتوب بطريقة برايل يشتمل على رموز واصطلاحات بارزة خاصة بالمكفوفين، فهل ينطبق عليه ما ينطبق على المصحف من أحكام، مثل الوضوء وغيره؟.
فقال رحمه الله تعالى:
ليس بقرآن هذا، هذا شبه ترجمة؛ فلا ينطبق عليه أحكام المصحف.
يجوز لمسه للمحدث والجنب، ولا بأس أن يقرأ فيه المحدث والجنب، لأن هذا شبه الترجمة، وشبه التفسير، بل هذا أشبه شيء بالترجمة، ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية.
ثم سأل سائل من الحضور عن قراءة الجنب للقرآن؟.
فقال رحمه الله تعالى:
(إذا قرأ؛ فلا يقرأ وهو جنب، لكن مجرد اللمس له حكم الكتب الأخرى المترجمة.
أما إذا أراد أن يقرأ فلا يقرأ وهو جنب، يقرأ في حالة الطهارة من الحدث الأكبر، لكن مجرد اللمس وتعداد الحروف فلا بأس أن يلمسه بيده وإن كان على غير طهارة.
المهم أنه ليس بمصحف، ولكنه مترجم) أ. هـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68713&highlight=%DA%E3%D1+%C7%E1%E3%DE%C8%E1
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[18 Mar 2006, 08:16 م]ـ
هذا ليس ترجمة بل هو قرآن عربي، لكن كتب بأحرف جديدة، أي أنه مثل القرآن العربي الذي يكتب بأحرف لاتينية. فيأخذ حكم القرآن أي لا يمسه إلا طاهر.
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[20 Mar 2006, 03:15 ص]ـ
شكراً لصاحب الموضوع. وهذه معلومات طريفة وجدتها في أحد المواقع، تبين كيفية طباعة المصحف برموز برايل، لعلها تضيف شيئاً للموضوع من بُعْدِه التقني، ولو لم تناقش الحكم الشرعي الذي أشار إليه الشيخ عمر.
يقول أحمد عبد الله مدير المطبعة بالمركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين ان المركز به واحدة من أكبر المطابع في مصر وهي الوحيدة من نوعها المتخصصة في الطباعة بطريقة برايل حيث ان مهمتنا الأساسية هي طباعة كافة المناهج التعليمية المصرية لمختلف مراحل التعليم في مصر بطريقة برايل وذلك لحوالي 22 مدرسة للمكفوفين الموجودة بمختلف محافظات مصر ولأن هدفنا هو مساعدة الكفيف في الاعتماد على نفسه في القراءة والتعليم كان لابد أن يكون لنا دور أيضا في تعليمه أمور دينه لذلك فكرنا في تقديم مصحف شريف مطبوع بالخط البارز «طريقة برايل» تيسير للكفيف القراءة فيه بنفسه في أي وقت يشاء دون الاعتماد على الغير، ويضيف في بداية الأمر اعترضتنا عقبة هي أصطدامنا بطريقة كتابة المصحف الشريف بالرسم العثماني حيث ان امكانيات طريقة برايل لا يمكنها الوفاء بكل ما جاء بالرسم العثماني لذا فقد لجأنا الى الأزهر الشريف لحل هذه المشكلة فقام بتشكيل لجنة من مكفوفي البصر المتخصصين في علم القراءات والمتقنين لطريقة برايل واتفق الجميع على أن يكتب المصحف بالرسم الاملائي في المواضع التي لا يمكن فيها تنفيذ الرسم العثماني بطريقة برايل واستندت اللجنة في ذلك الى بعض فتاوى السلف في امكانية كتابة القرآن الكريم بالرسم الاملائي «الكتابة العادية» اذا كان الهدف من ذلك التعليم أو تيسير القراءة على المسلمين مع التقيد بجميع العلامات الواردة في المصحف الشريف والتي يمكن تنفيذها بطريقة برايل مثل الجائز والممنوع والحزب والجزء وكتابة أرقام الآيات وبذلك حصل المركز على تصريح رسمي من الأزهر الشريف بعد مراجعة اللجنة المشار اليها بامكانية طباعة القرآن بطريقة برايل والمصحف المطبوع بالخط البارز لايمكن طباعته بحجم صغير مثل المصاحف العادية حيث ان طريقة برايل تقتضي مساحة أكبر وورقاً سميكاً وثقيلاً من نوع معين يتراوح وزن الورقة الواحدة منه بين 150 أو 160 غراما في حين أن مثيلتها من الورق العادي لا تزيد على 80 غراما للورقة الواحدة حتى تكون النقط بارزة عليه بشكل واضح يمكن قراءتها بالأنامل بسهولة كما أن الكتابة بطريقة برايل تزيد من سمك المجلد نتيجة بروز الحروف حيث ان الحروف بهذه الطريقة «برايل» عبارة عن ست نقاط بارزة وبالتبادل
(يُتْبَعُ)
(/)
والتوافيق تشكل الحروف والأرقام وتكتب بعدة لغات وتقرأ من اليسار الى اليمين حتى العربية منها لذا طبع القرآن الكريم بهذه الطريقة في 6 مجلدات أبعاد صفحتها تبلغ حوالي 3525سم كل مجلد به خمسة أجزاء حيث ان أقصى مايمكن أن يكتب في السطر بطريقة برايل لا يتعدى 36 حرفا بما في ذلك الفراغات ولأن القرآن الكريم لابد من قراءته بالتشكيل لذا فالسطر المكتوب بالخط البارز يكتب فوقه سطر أخر للتشكيل بينما عدد حروف السطر العادي للمبصر يكون مابين 90 الى 120 حرفا.
ويشير مدير المطبعة الى أن مراحل طباعة المصحف الشريف بطريقة برايل تبدأ بترجمة كتابة القرآن الكريم الى الكتابة البارزة على الواح صفيح وذلك بتلاوة القرآن الكريم على أحد المكفوفين المتخصصين في الكتابة بطريقة برايل الذي يحول ما يسمعه الى حروف مكتوبة بالخط البارز ثم يتم ادخال النسخ المكتوبة الى المكابس أي آلة الطباعة ثم يتم بعد ذلك تجميع الملازم وخياطة المجلدات وتجليدها .. ويوضح أحمد عبد الله أن ذلك المصحف استفاد منه جميع المسلمين المكفوفين في مختلف أنحاء العالم حيث طلب منا بعض النسخ للمسلمين المكفوفين بالمأنيا كذلك تم ارسال نسختين الى مكتبة الكونغرس بالولايات المتحدة الأميركية والمكتبة القومية بالسويد وبعض المراكز الاسلامية في الكثير من الدول الأفريقية بالاضافة الى العديد من الدول العربية والاسلامية وقد شجعنا طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل على طباعة العديد من الكتب الدينية الأخرى خاصة كتب التفسير والاحاديث النبوية الشريفة منها تفسير جزء عم وجزء تبارك وجزء قدسمع وكتاب رياض الصالحين والذي صدر في 4 مجلدات ويتضمن مختلف أنواع الحديث النبوي الشريف مرتبة حسب أبواب الفقه وكذلك طباعة كتاب بلوغ المرام في مجلدين وبعض كتب الاحاديث المنتجة مثل كتاب خمسون حديثا لابن تيمية وكتاب أنبياء الله لأحمد بهجت في خمسة أجزاء والاسراء والمعراج وخواطر حول القرآن ومعجزة القرآن للشيخ محمد متولي الشعراوي والعبقريات لعباس محمود العقاد وانسانيات محمد لخالد محمد خالد هذا الى جانب أننا نقوم أيضا بطباعة بعض الكتب الثقافية مثل بعض المراجع في النحو والأدب ومؤلفات كبار الكتاب في مختلف المجالات مثل نجيب محفوظ والذي أصدرنا له اللص والكلاب وباقي من الزمن ساعة وحكايات حارتنا وخان الخليلي وأصدرنا لتوفيق الحكيم يوميات نائب في الأرياف ولمصطفى محمود رحلتي من الشك الى الايمان ولغز الموت والشيطان يحكم ولأنيس منصور حول العالم في 200 يوم ولأحمد شوقي مجنون ليلى، بالاضافة الى العديد من الكتب في الدين والتاريخ والتراث والموسيقى والأدب والفن.
ويؤكد مدير المطبعة أن كافة مطبوعات المركز متاحة لأي كفيف أو هيئة وذلك بأسعار مدعمه من قبل المركز خدمة للدين لهم حيث ان ثمن المجلد الواحد من المصحف الشريف يبلغ 10 جنيهات للمجلد العادي وحوالي عشرين جنيها للتجليد الفاخر ويبلغ سعر تفسير الجزء الواحد من القرآن سبعة جنيهات أما أسعار باقي الكتب الأخرى في كافة المجالات فلا يزيد سعر الواحد على عشرة جنيهات، ويصدر المركز مجلتين شهريا احداهما للكبار والأخرى للأطفال.
كما يقوم باهداء بعض النسخ من مطبوعاته الى الحالات التي لا تستطيع الشراء بالسعر المدعم خاصة الكتب الدينية. كما تقوم وزارة التربية والتعليم سنويا بتوزيع المصحف الشريف المطبوع بطريقة برايل على الطلبة الدارسين لمدارس المكفوفين مجانا.
وأوضح أحمد عبد الله أن معظم العاملين بالمطبعة من المكفوفين لذلك فان ماكينات المطبعة روعي فيها عوامل الأمن الصناعي فهي مزودة بخلايا ضوئية تفصل أوتوماتيكيا اذا ما اقترب العامل من أماكن الخطر كما أنها مجهزة لتلائم عمل الكفيف فقبل نهاية السطر وأيضا قبل نهاية الصفحة عند الكتابة يسمع العامل جرس تنبيه.
قال فهد: وأظن أن لمجمع الملك فهد جهد في هذا السبيل ليته يبين ويوضح.
ـ[لطفي الزغير]ــــــــ[21 Mar 2006, 07:19 ص]ـ
بارك الله في هذا الجمع المشارك في هذه المناقشة العلمية في نازلة فقهية قرآنية، وأراني أميل إلى ما ذكره الدكتور مساعد الطيار في هذا الصدد، بدليل أنك لو أعطيت هذا المصحف المكتوب بطريقة بريل إلى كفيف لقرأ لك قرآناً وليس ترجمة، أما أحكامه من حيث الآداب ولمسه للجنب فهنا ينطبق على من يعرف أنه مصحفاً، فكثير من الناس يجهلون أن هذه الأوراق المخرمة أهي مصحف أم لا، وهنا يبرز حكم آخر وهو لو أن إنساناً ألقى هذه الأوراق أو داسها دون أن يدرك أنها مصحف فلا شيء عليه نظلراً لجهله بهذا الأمر، لأما من يعرف وقام بأيٍّ من هذه الأعمال فحكمه كحكم من امتهن مصحفاً والله أعلم.
ـ[أبو عمر الطباطبي]ــــــــ[22 Mar 2006, 04:06 م]ـ
الأرجح لدي قول من جعل أحكام المصحف المكتوب بطريقة برايل أوأي طريقة أخري هي أحكام المصحف المكتوب بلغة عربية بالرسم العثماني
فالأحرف المكتوبة هي رموز للدلالة على الكلام المنطوق وقد تتغير الرموز ويبقى الكلام المنطوق بدون تغيير وإجلال المصحف وتقديره يقتضي معاملته بذلك بإي طريقة كتب
والله تعالى أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خالد الباتلي]ــــــــ[18 Jul 2006, 10:42 م]ـ
هذه المسألة تتعلق بضابط (المصحف) ماهو؟، وقد رأيت الشيخ/ عبد الله الجديع ذكر ضابطا حسنا فقال في (المقدمات الأساسية) ص154:
"المصحف: هو المكتوب بين اللوحين على الرسم العثماني".
وبناء على هذا يكون المكتوب على طريقة برايل ليس بمصحف اصطلاحا، فلا يأخد أحكام المصحف الفقهية، والله أعلم.
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[19 Jul 2006, 01:57 م]ـ
لا يوافق على هذا الضابط من حيث التعريف، والمصاحف موجودة قبل وجود الرسم العثماني. وهناك فرق بين وجوب الالتزام بالرسم العثماني وبين ثبوت أحكام المصحف للقرآن المكتوب.ولذلك أنا أميل إلى رأي من يقول إن هذا المصحف له أحكام المصحف العثماني، والله أعلم.
ـ[إبراهيم الحميضي]ــــــــ[19 Jul 2006, 02:11 م]ـ
لا يوافق على هذا الضابط من حيث التعريف، والمصاحف موجودة قبل وجود الرسم العثماني. وهناك فرق بين وجوب الالتزام بالرسم العثماني وبين ثبوت أحكام المصحف للقرآن المكتوب. ولذلك أنا أميل إلى رأي من يقول إن مصحف المكفوفين (برايل) له أحكام المصحف، والله أعلم.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[21 Aug 2006, 12:20 م]ـ
للاطلاع بحث بعنوان:
كتابة القرآن الكريم بنظام برايل للمكفوفين*
د. عبد الله الخميس
http://www.almoslim.net/rokn_elmy/show_article_main.cfm?id=1658
ـ[المسيطير]ــــــــ[10 Aug 2007, 04:39 م]ـ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
س 3. هل مصاحف (البرايل) المكتوبة بنقاط (البرايل) للمكفوفين لها نفس الحرمة للمصاحف المكتوبة باللغة العربية للمبصر؟
ج 3: لا يظهر أن المصاحف المكتوبة بطريقة برايل لها حكم المصاحف المكتوبة بالحروف العربية.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو صالح الفوزان
عضو عبد الله بن غديان
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
http://www.alifta.com/Search/ResultDetails.aspx?view=result&fatwaNum=&FatwaNumID=&ID=11203&searchScope=3&SearchScopeLevels1=&SearchScopeLevels2=&highLight=1&SearchType=EXACT&bookID=&LeftVal=18359&RightVal=18360&simple=&SearchCriteria=Allwords&siteSection=1&searchkeyword=216168216177216167217138217132#first KeyWordFound
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[03 Jan 2010, 12:14 م]ـ
بارك الله فيكم.
القول بأنه له حكم المصحف بل هو مصحف هو قول وجيه قوي، لكن العلماء لهم مهابة!
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[03 Jan 2010, 11:05 م]ـ
ما المقصود بقولهم "له حكم المصحف" إذا كان من حيث اشتراط الطهارة لمسه؛ فأرجح قولي أهل العلم في ذلك أن المصحف العربي يجوز أن يمسه غير المتطهر ولا دليل تركن إليه النفس في اشتراط الطهارة له.
وإن كان المقصود أن له حكم المصحف من حيث الاحترام؛ وكفر من ألقاه مستهزءا به ونحو ذلك؛ فالظاهر أن المصحف المكتوب بأي لغة مهما كانت غير اللغة العربية لا يعتبر مصحفا، ولا يطلق عليه اسم المصحف لا لفظا ولا معنى.
والله تعالى أعلم.(/)
سؤال عن ابن زنجلة
ـ[رجاء]ــــــــ[22 Dec 2005, 08:01 م]ـ
أريد معلومات عن الامام ابن زنجلة وكتابه الحجة منهجه فيه غير ما كتبه محققه الافغاني
واللهم أعن من أفاد وأجزه عني خيرا
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 Dec 2005, 11:47 م]ـ
هناك رسالة دكتوراه بعنوان:
حجية القراءات لأبي زرعة:دراسة تحليلية صوتية صرفية
للباحث هشام سعيد محمود النعيمي، بكلية الآداب بجامعة بغداد، ولا أدري عن كيفية الحصول عليها.(/)
(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) تأمل في استنباط ...
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[23 Dec 2005, 01:21 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أيها الإخوة الأكارم لا شك أن العناية بمدلولات القرآن الكريم ومستنبطاته أمر مهم للغاية فهو من عبادة النظر والتدبر التي أمر الله بها عباده: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) ...
إلا أن من المهم أيضاً الحرص على عدم ربط شيء بالقرآن إلا عند التأكد من سلامة دلالة النص القرآني على ذلك المعنى المراد ربطه بالقرآن ..
ولقد استمعت لحديث لأحد الفضلاء عن معنى مستنبط من قوله تعالى: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) [البقرة: 127].
وكان الحديث عن أول من بنى البيت العتيق ..
وكان الاستدلال بهذه الآية على أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليس أول من بنى البيت وإنما رفع قواعده الموجودة من قبل .. ويكون البيت مبنياً قبلُ ...
وعند تأمل هذا المعنى المستنبط من هذه الآية فإنه يمكن مناقشته كما يلي:
فالقواعد: هي الأساس قاله أبو عبيدة والفراء.
وقال الكسائي: هي الجدر.
قال الشوكاني: " والمراد برفعها: رفع ما هو مبني فوقها لا رفعها في نفسها، فإنها لم ترفع لكنها لما كانت متصلة بالبناء المرتفع فوقها صارت كأنها مرتفعة بارتفاعه، كما يقال: ارتفع البناء، ولا يقال: ارتفع أعالي البناء ولا أسافلة ".
وفي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: " قال: فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتاً، وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني ... " الحديث.
والذي يظهر عند تأمل الآية أنه ليس هناك إشارة إلى وجود القواعد قبل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بل هي تنص صراحة على رفع القواعد ولا يدل ذلك على عدم وضعه لها فقد يكون قد وضع القواعد ثم رفع فوقها الحجارة ورفع البناء.
والمقصود هنا أن الاستدلال بهذه الآية لا يكفي لإثبات هذا المعنى فربطه بالنص القرآني غير صحيح ـ في نظري ـ ويمكن إثبات ذلك من غير الآية والحديث هو في دلالة الآية على المعنى فقط دون النظر لغيرها ..
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما النوع الثاني: فهو الذي يَشْتَبِهُ كثيراً على بعض الناس، فإن المعنى يكون صحيحاً لدلالة الكتاب والسنة عليه، ولكن الشأن في كون اللفظ الذي يذكرونه دلَّ عليه، وهذا قسمان:
أحدهما: أن يقال أن ذلك المعنى مرادٌ باللفظ، فهذا افتراءٌ على الله ... ".
وللحديث بقية إن شاء الله ...
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[24 Dec 2005, 09:04 ص]ـ
الشيخ الكريم فهد
هل حج الأنبياء أو بعضُهم قبل إبراهيم، عليه السلام؟
ومسألة أول من بنى البيت مما اختُلف فيه، وقد ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وتفسيره، وكذلك القرطبي، وابن حجر في الفتح، والأزرقي في أخبار مكة، والمحب الطبري في القِرى، وغيرهم.
ـ[عبدالرحيم]ــــــــ[25 Dec 2005, 02:31 م]ـ
كما بنى عليها كثير من العلماء
أن المسجد الأقصى بنته الملائكة، لما ورد في الصحيح: حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صل الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس، فقال عليه الصلاة والسلام: ((المسجد الحرام)) قلت: ثم أي؟ قال: ((المسجد الأقصى)) قلت: كم بينهما؟ قال: ((أربعون عاماً))
رواه البخاري في (أحاديث الأنبياء) باب قول الله تعالى: "ووهبنا لداود سليمان " برقم 3425، ومسلم في (المساجد مواضع الصلاة) أول الكتاب، باب برقم 520
ـ[يوسف الشحي]ــــــــ[29 Nov 2007, 12:37 م]ـ
الشيخ الكريم فهد
هل حج الأنبياء أو بعضُهم قبل إبراهيم، عليه السلام؟(/)
هل هناك فرق بين علوم القرآن وأصول التفسير؟؟؟؟
ـ[طالب المعالي]ــــــــ[24 Dec 2005, 08:48 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
إخوتي في الله
اطلعت على بعض المؤلفات في أصول التفسير فوجدتها تضم أبوابا لبعض علوم القرآن
فهل هما مترادفان؟؟؟؟
وإذا كان هناك فرق بينهما فما هو؟؟
أحسن الله إليكم
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[24 Dec 2005, 09:59 م]ـ
أصولُ التفسير أَحَدُ علومِ القرآنِ الكثيرةِ التي قامت لخدمة القرآنِ، فهو جُزْءٌ مِن كُلّ بل هو أهمُّ علوم القرآن وأبرزها؛ ولذا فمن أهل العلم مَن ألَّفَ فيه استقلالاً، ومِنهم مَن ضَمَّنَ مباحثَ أصولِ التفسير ضِمْنَ كتابهِ في علومِ القرآن
ولم تُحدد مَوضوعاتُ علمِ أصولِ التفسير بِدِقَّةٍ، فتجدُ مُؤَلَّفاتٍ تحمل عنوانَ: أصولُ التفسير؛ وقد اشتملتْ على جملة مِن علومِ القرآن الأخرى، وهذا يعود إلى أمرين:
- إمّا أنّ مُؤلِّفَ الكتاب يرى أنّ ما أدخَلهُ ضِمْنَ كتابه مِن المواضيع هي مِن علم أصولِ التفسير.
- أو يرى جوازَ إطلاقِ ذلكَ مِن باب إطلاقِ الجزْءِ على الكُلِّ.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[25 Dec 2005, 08:05 ص]ـ
سبق طرح السؤال بنصه ..
الفرق بين أصول التفسير وعلوم القرآن؟ ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=1060)(/)
عرض موجز لكتاب (أسباب النزول) لبسام الجمل
ـ[عبدالعزيز الضامر]ــــــــ[25 Dec 2005, 12:29 ص]ـ
تلقيت مُكالمةً هاتفيةً من المشرف العام لهذا الملتقى المبارك مفادُها التأنيب والعتاب من قلب أخٍ مُحب عن هذا الانقطاع الطويل الذي حال عن المُشاركة في المُلتقى , فلم أملك إلاَّ أن أستجيب لإشارته في الحال وأشارك بهذا العرض السريع.
http://www.tafsir.net/images/asbabnzool.jpg
( أسباب النزول) رسالةٌ علميةٌ تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراة من كلية الآداب بمنّوبة في تونس , وقد أشرف عليها الأستاذ: عبد المجيد الشرفي. وصدرت عن المركز الثقافي العربي سنة (2005م).
وقد قسَّم الباحث هذه الدراسة إلى مُقدمة وأربعة أبواب وهي الآتي:
الباب الأول: علم أسباب النزول منزلةً ونشأةً ومدوَّنة.
الباب الثاني: أخبار أسباب النزول- بنيتها وصناعتها.
الباب الثالث: أثر أسباب النزول في علوم القرآن.
الباب الرابع: المتخيّل والتاريخي في أسباب النزول.
وقد انطلق الباحث في كتابة هذه الدراسة من خلال المنهج النقدي للتأريخ الذي يقوم على النقد التام للنص وتشريحه دون النظر في قدسيته من عدمه , أو صحته وضعفه , وكذلك النقد التام للأشخاص دون التفريق لمن لهم مكانة في الشرع كالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته من غيرهم.
(1) - تمَّ عرض المادة بطريقة متميزة وجذابة وهذا راجع إلى حُسن الطباعة وجمال الإخراج , وبهذه المُناسبة فإني أهيب بالأخوة المصنفين بأن يعتنوا غاية العناية بطريقة العرض والتصميم؛ لأنَّ جمال الكتاب وحسن عرضه دليل على علو ذوق صاحبه.
(2) - كُتب البحث بلغةٍ مُعاصرةٍ وهذا جيد إلاَّ أنني أُخالفه في المُبالغة –أحياناً- في نحت بعض المصطلحات واختيار العبارات الفلسفية.
(3) - قراءته الناقدة والمستوعبة لكتابي أسباب النزول للواحدي ولباب النقول للسيوطي.
(4) - اعتماده على إحصائيات وجداول ونسب أثرت المادة البحثية.
قسَّم الدراسات الحديثة التي تكلمت عن أسباب النزول إلى ثلاثة أقسام وهي الآتي:
- الأول: الموقف التمجيدي: وهو ما يقوم به الدارسون المعاصرون من ترديد آراء القدامى في أسباب النزول كالزرقاني وصبحي الصالح والطاهر بن عاشور , وبيَّن أنَّ هذا الموقف هو السائد والمنتشر في العالم العربي.
- الثاني: الموقف النقدي: وهم الذين يتبعون المنهج النقدي للتراث مُلغين مسألة الثوابت وأنَّ كلَّ شيء قابل للنقد ومنهم حسن حنفي , ونصر أبو زيد , ومحمد أركون وغيرهم.
الثالث: الموقف الاستشراقي.
يرى الكاتب أن تسعة أعشار المصحف ليست لها أسباب النزول.
يرى الكاتب بأنَّ أسباب النزول شارك القُصاص في نسجها لاسيما في ما يتعلق بالسيرة والمغازي.
تجرأ على النبي صلى الله عليه وسلم واتهمه بأنه كاد أن يحكم بالهوى دون تحكيم كتاب الله. (ص:241 - 242).
تجرأ على ابن عباس رضي الله عنه واتهمه بوضع أسباب النزول لأنه أكثر من روى أسباب النزول رغم أنه لا يُعدُّ شاهداً حقيقياً على نزول الوحي , إذ لم تكن سِنُّه تسمح له بأن يكون صحابياً بالمعنى الدقيق للصحبة وشاهداً موثوقاً به على أحداث فترة الوحي و لا يُستبعد أن يكون قد اختلق عدداً منها , لكن لا أحد يجرؤ أن يقول هذا الكلام في جد الدولة العباسية!! (ص:134 - 136)
وختاماً:
فإنَّ الكتاب يُحتاج إلى قراءةٍ مُتأنية , ومراجعة ما احتواه من آراء جريئة , وأفكارٍ خطيرة.
حُرِّر في ليلة الأحد 21/ 11/1426هـ
ـ[عماد الدين]ــــــــ[25 Dec 2005, 01:01 م]ـ
أشكرك على جهودك .. والموقع يحتاج لأمثالك
لا أخفيك أنه ضاق صدري من هذا الرجل الذي تنقل لنا ملخص كتابه. بل اشمأز قلبي منه ومن أمثاله.
واسمح لي أخي العزيز على المصارحة.
ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[25 Dec 2005, 09:08 م]ـ
سبحان الله!!
كأن المؤلف لن يصل إلى الحقيقة مع تعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن الكريم,
ما أقبحها من موضوعية مزعومة.
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[26 Dec 2005, 10:20 ص]ـ
هذا شان المتعلمين بعيدا عن حلقات العلم في المساجد ولا حول ولا قوة الا بالله
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[26 Dec 2005, 03:43 م]ـ
شيخ المؤلف عبد المجيد الشرفي ..... واحد من الطابور" التنويري "المعروف الذين يريدون "هدم" الاسلام من الداخل أو"الاستشراق من الداخل"- لو سمحتم لي بهذه التسمية- وقد استضافته قناة تلفزية عندنا مع "رفاق له " ولم استطع متابعة البرنامج بسبب الغثاء الذي يرغم على الغثيان ..
فحسبنا الله ونعم الوكيل.
هؤلاء الناقدون لكل شيء ...... لم يخطر ببالهم أبدا أن ينقدوا "نقدهم" ...... مع أن فطرة الإنسان تقتضي أن يفرك المرء عينيه قبل تصويبهما للإبصار ...... لكن هؤلاء الذين ابتلينا بهم تغمر أعينهم الأقذاء والعمش فيرون القاذورات في كل مكان .... فهل من مبلغ لهم عن الموطن الحقيقي للخلل؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Apr 2006, 02:41 م]ـ
هذا موضوع له صلة بالكتاب وموضوعه، للكاتب أيمن حاج أسد، يعطينا أبعاداً أخرى لنظرة بعض الكتاب لكتاب الجمل ومنهجه فيه.
ثمانية أعشار آيات المصحف ليست لها أسباب نزول، ولا شك في أن هذا يطعن في رأي بعض المعاصرين حول اقتران آيات القرآن الكريم كلها بأسباب نزول تاريخية، والتي يعمدون إليها كمدخل لقراءة تاريخانية للنص، كما أن ثمانين في المئة من الأسباب تتعلق بآيات الأخبار، وهو مخالف للانطباع الشائع عند القدامى من اختصاص أسباب النزول ببيان ما في بعض الآيات من أحكام قرآنية.
وكانت أسباب النزول تعكس تارة متخيلاً إسلامياً لا يرى حرجاً في تحدي قانون السببية، سواء أكان متعلقاً بالعجيب والغريب كالكائنات اللامرئية من جن وملائكة أم بالعناصر الطبيعية، وتعكس تارة أخرى مظاهر محدودة من التاريخ الإسلامي الأول، وبخاصة المغازي وصلة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالصحابة وبزوجاته (رضي الله عنهم)، كما تهم عدداً من الصحابة في تعبدهم ومعاشهم. ومن الطبيعي والحال هذه أنها لا تكفي في تبين كل ما يطمح الباحث في النص القرآني إلى معرفته على وجه الدقة، ولذا كان الرأي الذي استقر عليه المؤلف هو قلب طريقة علماء القرآن والمفسرين في التعامل مع أسباب النزول رأساً على عقب، فبدلاً من أن نقرأ مثلهم آيات المصحف بعيون الأخبار فإنه ينبغي قراءة الأخبار بتحكيم الآيات فيها تحكيماً نقدياً، هذه النتيجة التي خلصت إليها دراسة الباحث التونسي بسام الجمل «المؤسسة العربية للتحديث الفكري والمركز الثقافي العربي 2005» عن «علم أسباب النزول» بوصفها العلوم التي ظهرت نتيجة لبحث المفسر عن الظروف الحافة بآيات المصحف الشريف وعن مناسباتها والأشخاص المعنيين بها زمن الوحي.
إن البواعث التي تدفع للخوض والبحث في أسباب النزول، تتمثل في الحضور البارز لاسباب النزول في كتب التفسير، وفي وجود قراءتين قاصرتين علمياً وان كتب لهما الرواج على نطاق واسع، أولاهما قراءة إيمانية متشفية في المؤلفات القديمة سلم اصحابها بكل مرويات أسباب النزول وقبلوها على علاتها دون ادنى سؤال عن حقيقتها التاريخية ودون الجرأة على الطعن فيها بسبب ضوابط سطروها في التعامل مع إخبار أسباب النزول، إما القراءة الثانية فهي الاستشراقية الوضعية، وقد حكم فيها ممثلوها قواعد المنهج الوضعي في مقاربتهم اهم المفاهيم المؤسسة للفكر الإسلامي، ولم يعترفوا عند نظرهم في نص المصحف بصفة «المفارق» فيه، وكذلك عدم وجود دراسات عربية حديثة تصدت لمبحث أسباب النزول تصدياً علمياً موسعاً وأثارت قضاياه المنهجية والمعرفية، أو أجابت عن ابرز اشكالياته على نحو يجعلنا ندرك كيفيات اشتغال الفكر الإسلامي وآلياته في شأن نص المصحف من خلال أسباب النزول.
غير أن أهم من ذلك كله أن أسباب النزول تمثل قراءة تاريخية للقرآن تحمس لها بعض الباحثين العرب «نصر حامد أبو زيد على وجه الخصوص» لإثبات وضعيته أو على الأقل عدم الجدوى من الاستفادة منه في الحاضر والراهن.
ثمة قراءتين تناولتا علم أسباب النزول، القراءة التاريخية والقراءة الآنية، حيث تمتد القراءة التاريخية من أوائل القرن الثاني الهجري إلى بداية القرن العاشر، لا يمكن لهذه القراءة أن تكون مستمدة من مصدر واحد، كما أن الباحث في علوم أسباب النزول يحتاج إلى رصد ما يمكن أن يطرأ عليها من ضروب التغير في الرواية وأشكال التبدل في الدلالة، أما القراءة الآنية فلا بد من الاستئناس بها في انجاز عرض نقدي للمؤلفات الحديثة الدائرة على مباحث أسباب النزول.
وكما يذهب الكاتب بسام الجمل في دراسته المذكورة آنفاً، فإن استعراض الدراسات الحديثة في أسباب النزول يفضي إلى رصد موقفين متقابلين موقف تمجيدي اكتفى أصحابه باجترار ما انتهى إليه القدامى من نتائج في هذا العلم، فانعدم الحس النقدي في تلك الأعماق انعداماً كلياً، ومن هؤلاء صاحب كتاب «مناهل العرفان» و «مباحث في علوم القرآن»، وموقف نقدي لم يأت أصحابه إلا ببعض الملاحظات الجدية، لم تصل إلى مرحلة البحث المتكامل من منظور نقدي، استرشد ممثلوه بالمكاسب المعرفة والمنهجية المستفادة من العلوم الإنسانية وعلوم اللسان والانثروبولوجيا، من هؤلاء حسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد، وفي هذا
(يُتْبَعُ)
(/)
السياق لم يغفل الكاتب الدراسات الاستشراقية وسبب اهتمامهم بعلوم القرآن، التي تقوم على منهجين: المنهج الوضعي الذي كان قاصراً في تدبر المفاهيم المحورية المؤسسة للرسالة المحمدية مثل الوحي والنبوة والقرآن، ثم المنهج الفيلولوجي الذي كلف أصحابه بتتبع تاريخ المصحف والمراحل الكبرى للوحي، ووضع ترجمات للقرآن الكريم والخوض في بعض مسائل علوم القرآن ومنها أسباب النزول.
عمل الجمل على دراسة تاريخ علم أسباب النزول والكشف عن أهم عوامل تكون هذا العلم وتشكله وهي عوامل ثقافية (دور القصاص في الاهتمام بأسباب نزول بعض الآيات المتصلة بالسيرة النبوية والمغازي) ومعرفية (معرفة تاريخ نزول أي القرآن والخوص في الأحكام الناسخة والمنسوخة) وايديولوجية (تنازع المذاهب في تأويل النص الديني تعويلاً على أسباب النزول).
بعد دراسة بنية أخبار أسباب النزول وتبين طرق صناعتها ينتهي الجمل أن القسم الأكبر من مادة أسباب النزول مختلفة، ومشكوك في صحتها، وعدم ملاءمتها لمنطوق نص المصحف ولمقاصد الرسالة المحمدية، وهذا الاختلاق كانت وراءه دواع سياسية، ومذهبية، وبيئية، حتى قد تكون لعقد صلة بين آيات المصحف وما شاع من أخبار سيرة الرسول ومغازيه انطلاقاً من مجالس القصاص والإخباريين. ابن عباس مثلاً الذي استأثر برواية أكثر من ثلثي المرويات لا يعتبر شاهداً حقيقياً على مرحلة الوحي إذ لم تكن سنه – وهو في سن الثانية عشرة عند وفاة الرسول – تسمح له بأن يكون صحابياً بالمعنى الدقيق للصحبة وشاهداً موثوقاً به على أحداث فترة الوحي، ولكن من يجرؤ في ظل الدولة العباسية على تكذيب «جد الخلفاء» وقتها أو التشكيك في سلامة رأيه، كما أن جل التابعين رواة الأخبار من الموالي، ومن المعروف أن مناهضة بني أمية للموالي سيدفع بالعديد منهم إلى الرغبة في التفوق على العرب في الميادين التي كانوا يترفعون عنها، ومنها مجال العلوم عموماً كعلوم الدين واللغة وما شاكلها.
ولعل المفسرين استغلوا أسباب النزول لاستعادة طور متميز من تاريخ الإسلام، هو طور النبوة، فأعادوا بناء علاقة الرسول بالوحي، بخاصة لحظة تقبله التنزيل، ولقد أسسوا تصوراً للوحي لا يعكس إخباراً بما حصل في الواقع التاريخي وقتئذ من علاقة الرسول بالمفارق بقدر ما يترجم عن تمثلهم الخاص للوحي، وقاموا بتبرير القراءات الموافقة للمصحف العثماني في غالب الأحيان، والمخالفة له في بعض الأوقات، ووظفت تلك الأخبار لإقامة الدليل على صحة مقالاتهم في النسخ، وحسبما يرى المؤلف فإن ذلك التوظيف لم يقم على معايير مقنعة في تصور العلاقة بين أسباب النزول والنسخ، وان جل العلماء قاموا بهذا التطويع المقصود على رغم الشبهات العالقة به، من جهة الرواية وطرقها ومرجعيتها التاريخية ومدى صلتها بمقاصد النص الديني ورهانات الرسالة المحمدية.
الواقع أنه كثيراً ما يجد الباحثون المعاصرون حرجاً في التصدي بروح نقدية لجوانب من منظومة العلوم الإسلامية الأساسية التقليدية، ذلك أن عناصرها متضافرة، يعضد بعضها بعضاً، خشية أن تنهار المنظومة برمتها فيما إذا تبين الخلل في فرع من فروعها، ولهذا فهم مترددون بين الإثبات والنفي، بين الجرأة والخوف، بين مقتضيات المعرفة الحديثة ومقتضيات الوفاء لجهود القدماء، وتحتل دراسة المحاور العلمية التي ما فتئت تشغل المفسرين منذ استقام التفسير القرآني فناً ذا ملامح محددة، ومكانة متميزة، وقد تبلورت هذه المحاور بصفة تدريجية وتنوعت بتنوع اهتمامات المفسرين، كما تدل على ذلك مقدمات كتبهم، إلى أن جمعت في فترة متأخرة في «برهان» الزركشي و «إتقان» السيوطي، وقد عمل كلاهما على تصنيفها ضمن ما أصبح معروفاً بـ «علوم القرآن». وكانت وظيفتها الرئيسة توفير المعطيات التي تعين المفسر على فهم النص فهماً صحيحاً بحسب معايير المدرسة الفكرية والمذهبية التي ينتمي إليها.
ما تخلص إليه هذه الدراسة فإن جل مادة أسباب النزول لا تصلح لأن تكون معرفة إسلامية موثوقاً بها ومؤهلة بحق للإجابة عما طرحه العلماء المسلمون من أسئلة في مباحث السيرة والمغازي والحديث والوحي والفقه والقراءات والتفسير ... فهذه الأخبار ليست سوى تمثل القدامى لمرحلة الوحي، وهو تمثل متأثر بأحوالهم التاريخية وناطق بهمومهم الثقافية عموماً.
(يُتْبَعُ)
(/)
موضوعات كثيرة تشترك مع أسباب النزول في مراوحة بين قراءة تاريخية وأخرى تاريخانية (مثل: الناسخ والمنسوخ والتخصيص والقراءة الفيلولوجية) تثار كلما أعيد الحديث عن القرآن وتاريخه وعلومه، تماماً كما يمكن أن نراها في كتاب تيودور نولكه «تاريخ القرآن» الذي نشر أخيرا (2004) وأثار حماسة بعض الحداثويين العرب من جديد ليتخذه دليلاً على أن العالم العربي أصبح أمام الحقيقة التاريخانية للقرآن بعد الدراسة «العلمية» لنولكه! فيما استثار حفيظة البعض الآخر (هاشم صالح مثلاً) ان يمنع الكتاب من التداول في أهم عاصمة النشر العربية (بيروت) ويصبح ذلك دليلاً على ان العالم العربي غير قادر على مواجهة الحقيقة التاريخانية للقرآن الذي يؤمن في شكل مطلق غير مخلوق ولا علاقة له بالنص البشري لا من قريب ولا من بعيد. والواقع أن تاريخانية هاشم صلاح وزملائه لا يدركون في شكل جيد أنهم يؤمنون بالمثل وفي شكل حقيقة مطلقة وغير قابلة للنقاش أن القرآن مخلوق وهو جزء من التاريخ البشري!
إن كتاباً يبحث في تاريخ القرآن سيبقى مهماً حتى لو كان استشراقياً ولكن كتاب نولكه – على رغم انه يمثل تحولاً في دراسة الاستشراق للقرآن إلا أن علله الكثيرة لا تجعلنا نذهب إلى القول بحماسة (كما ذهب هاشم صالح): «انه يمثل الثورة الكوبرنيكية بالنسبة إلى الدراسات القرآنية»، بقدر ما تجعلنا على اطلاع بتاريخ الدراسات الاستشراقية ومسارها المضطرب مع القرآن الكريم.
منقول.
قلتُ: كتاب تاريخ القرآن لنولدكه يبين مدى الضعف الذي قامت وسارت عليه الدراسات الاستشراقية، وهذا الكتاب عمدة من كتب بعد ذلك في تاريخ القرآن، وقارئه يوقن بضعف الجانب العلمي والنقدي لدى المؤلف، وقلة بصره بالقرآن ولغة القرآن وتاريخه، ونشره باللغة العربية مؤخراً يفتح الباب للمتخصصين في الدراسات القرآنية لبيان ضعفه وتهافته، حيث كانت الدراسات النقدية السابقة له تنقل آراء بعض من اطلع عليه في لغته الأصلية، فلم تكن تلك الآراء موفقة فيما ذهبت إليه. فليت بعض الباحثين المتخصصين في الدراسات القرآنية يتولى ذلك.
ـ[محمد بن جماعة]ــــــــ[16 Jun 2008, 08:25 م]ـ
لدي نسخة PDF من الكتاب بإمكاني وضعها هنا لو رغبتم في الاطلاع عليه.
وأصل الكتاب رسالة دكتوراه، وهو جدير بالاطلاع والنقد من قبل المتخصصين، لكثرة الشبهات والطرح العلماني الذي يصبغ جميع محتوياته.
==
وهذا مقال آخر يعرض كتابا آخر لبسام الجمل بعنوان: "ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ" لبسام الجمل
"ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ" لبسام الجمل
08 تشرين الأول 2007
عفاف مطيراوي - الأوان
تناول بسّام الجمل مبحث ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ في كتاب له يحمل نفس العنوان (ط 1، مؤسسة القدموس الثقافيّة،2007) ضمن اهتمامه بمجال الإسلاميّات التطبيقيّة ومساهمة منه في تبيّن منزلة المتخيّل في الفكر الإسلاميّ خاصّة والمتخيّل الدينيّ عامّة.
وما يمكن ملاحظته أنّ المتخيّل كان حاضرا بقوّة في أخبار أسباب نزول سورة القدر كما كان جليّا في الأخبار الّتي تروي فضائل ليلة القدر علاوة على مثوله جليّا في المرويات الّتي تحكي علامات ليلة القدر.
أمّا في ما يتعلّق بأسباب النّزول فقد تعدّدت تلك الأسباب وتعدّدت صيغ المرويّات للسبب الواحد. غير أنّ الجامع بين تلك الأسباب حضور العجيب والغريب والخارق في تلك الروايات. روايات رويت وأخبار أعيدت روايتها حتّى أضحت جزءا لا يتجزّأ من المتخيّل ومن اللاوعي الجمعيّ الإسلاميّ. و"غير خاف أنّ تعاقب الرواة في رواية هذا السبب من أسباب نزول السورة يرسّخ في ضمير المسلم " الصحّة التّاريخيّة" للسبب وموافقته للسورة المتعلّقة به في الآن نفسه".
ومن المعلوم أنّ البحث في أسباب النّزول هو من أبواب التفسير القرآنيّ، و غير خاف أنّ كتب التفسير مشبعة بالمتخيّل والعجيب و لغريب.
وما لوحظ من عجيب ومتخيّل في الأخبار الّتي تفسّر أسباب نزول سورة القدر يمكن ملاحظته بجلاء كذلك في الأخبار المتعلّقة بفضائل ليلة القدر.
ومن أطرف تلك الأخبار ما يتعلّق بوصف الملائكة ووصف سدرة المنتهى ووصف الروح "هيأة وأعمالا" وصفا مبالغا فيه تدقيقا وتفصيلا يوهم بالمصداقيّة والموضوعيّة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وما يمكن قوله إجمالا حول فضائل ليلة القدر "أنّ "الحركة" و"الفعل" و"الوصف" تنتمي إلى عالم متخيّل فضاء وزمانا وأعمالا و فواعل أسطوريّة بالمعنى الأنُروبولوجي لمفهوم الأسطورة" على حدّ قول بسّام الجمل.
والطريف في الأمر أنّ ناقلي تلك الأخبار والروايات اكتفوا بإعادة تناقلها دون إعمال عقل أو إبداء رأي أو محاولة نقد أو تأويل رغم ما فيها من غريب وعجيب يأبى العقل البشريّ تصديقه. "وهكذا فإنّ مختلف الأخبار الدائرة على فضائل ليلة القدر متّصلة وثيق الاتّصال بالمجرّد واللامرئيّ بالنسبة إلى المسلم. ولكنّه يعتقد اعتقادا راسخا وجودها حقيقة في الواقع التّاريخيّ الّذي ينتمي إليه وينخرط فيه ويتفاعل معه بوجه من الوجوه".
وممّا ل اشكّ فيه أن اللاوعي الجمعيّ الإسلاميّ هو الّذي خلق هذا العالم المفارق للواقع التّاريخيّ والمتحكّم فيه في آن. عالم تتقاذف فيه الملائكة والشياطين الإنسان. وبذلك ساهمت هذه الأخبار المتعلّقة بفضائل ليلة القدر في إنتاج عالم لامرئيّ غير أنّ العقل الإسلاميّ مصدّق له ومسلّم بوجوده تسليما تامّا.
ولئن "كانت مرويّات فضائل ليلة القدر نزّاعة في مضامينها إلى عالم اللامرئيّات"، فإنّ الأخبار الّتي تروي علامات ليلة القدر ترتبط بعالم المحسوسات أو المرئيات. و بذلك، حسب بسام الجمل، انشدّت تلك العلامات "مرجعيّا إلى الحواسّ التالية:
- البصر: رؤية الشمس طالعة بيضاء لا شعاع لها.
- اللمس: أثر مصافحة جبريل للمؤمنين.
- السمع: سماع سلام أو خطاب الملائكة.
- الذوق: تذوّق ماء البحر ليلة القدر» الّتي يضحى فيه ماء البحر عذبا سلسا.
والملفت للانتباه أنّ المتخيّل الشعبيّ يعتقد جازما في ليلة القدر وينتظر قدومها بفارغ الصبر علّ أبواب العرش تُفتح له فتُتقبّل أدعيته وأمنياته وتُغفر ذنوبه ويعود مطهّرا من كلّ ذنب. "فالذهنيّة الإسلاميّة السائدة قديما وحديثا لا تكاد تشكّ في صحّة ما يروى عن علامات ليلة القدر".
أمّا في ما يتعلّق بزمان ليلة القدر، فمن الملاحظ تعدّد الروايات واختلافها غير "أنّ جلّ المواقف القديمة والحديثة الواردة في أدبيّات التفسير القرآنيّ والحديث النّبويّ والتاريخ الإسلاميّ عامّة تميل إلى اعتبار الليلة السابعة والعشرين من رمضان هي ليلة القدر".
ولا يخفى ما لهذه الليلة، ليلة السابع والعشرين، من أهميّة ورمزيّة في المتخيّل الشعبيّ الإسلاميّ. حيث ينتظر المسلم هذه الليلة ويحتفي بها أيّما احتفاء ويكثر من أشكال تعبّده ويقوم بعدّة طقوس و شعائر. كما يكثر من أدعيته وتضرّعاته إلى الخالق علّه يمسح ذنوبه ويدخله جنّة النعيم في الدار الآخرة ويحقّق أحلامه في الدار العاجلة.
و بعد المقاربة الوصفيّة للمرويّات المتعلّقة بمظاهر المتخيّل الإسلاميّ في ليلة القدر، خلُص بسّام الجمل إلى أنّ مظاهر المتخيّل الّتي عاينها من خلال أسباب النزول وفضائل ليلة القدر وعلاماتها وزمانها تقوم على "احتواء المحاور المذكورة على مستويات عديدة من المتخيّل من قبيل انفجار ماء عذب من لحيين ورؤيا الرسول سواء أكانت في اليقظة أم في النوم ونزول جبريل والملائكة إلى الأرض وقيامهم بأعمال شتّى على صعيدي الأفعال والأقوال فضلا عن سدرة المنتهى والروح القابع تحت العرش وعن سجود الأشجار وانقلاب الماء المالح الأجاج إلى ماء عذب».
ولذا يصحّ القول بأنّ الأخبار والمرويّات المتعلّقة بليلة القدر تحتفي بكلّ مظاهر العجيب
والغريب. كما أنّها تحكي عن عالم لامرئيّ تحكمه الخوارق إلاّ أنّها ساهمت في خلق متخيّل إسلاميّ يعتقد كلّ الاعتقاد بهذه الليلة ومن لا يؤمن بهذه الليلة كافر بالدّين الإسلاميّ القائم أساسا على المتخيّل.
و قد بيّن بسّام الجمل في الفصل الثّاني من كتابه المذكور أنّ المرويّات المتعلّقة بليلة القدر قد تغيّرت زمانيّا كما أنّ الخبر الواحد قد يروى بصيغ عدّة مختلفة زيادة أو نقصانا.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا غرابة في ذلك حيث "أنّ خبر المتخيّل – و هو يسافر في الزّمان- معرّض للتغيّر في محتواه إن قليلا أو كثيرا وهو تغيّر راجع إلى طبيعة خبر المتخيّل ذاته إذ الأحداث فيه عجيبة وغريبة وليست من جنس الوقائع التّاريخيّة الّتي تعوّد عليها النّاس في شؤون اجتماعهم وأحوال معاشهم». كما لا يخفى أنّ تلك المرويّات العجيبة الغريبة المؤثّثة بكلّ ما هو من جنس الخوارق واللامرئيّات هو من نسج "تصوّرات منتجيها" ومن صوغ
"تمثّلاتهم" الّتي تعكس"آفاقهم المعرفيّة في فترة تاريخيّة معيّنة". و لكن، وإن صحّ هذا الرأي، ما الّذي يمكن قوله عندما يتواصل هذا الاعتقاد في مرويّات عجيبة إلى يومنا هذا رغم انفتاح الآفاق المعرفيّة ورغم ما عرفه العقل الإسلاميّ من تقدّم و تطوّر؟
كما لاحظ بسّام الجمل أنّ أكثر الروايات غرابة ظهرت "دفعة واحدة بدءا من القرن السادس الهجري (مع فخر الدين الرازي) ".
ولذلك صحّ القول بأنّ "المتخيّل الدّينيّ يعظم شأنه و يكتسح مجالات عديدة من الثقافة السائدة في فترات الانحطاط والوهن الحضاري". كما خلُص صاحب كتاب" ليلة القدر في المتخيّل الإسلاميّ إلى "شبه قاعدة مفادها أنّه كلّما نزعت المعرفة الدّينيّة في عصر من العصور إلى التقليد والاجترار وكلّما طغى الشعور لدى المؤمنين باقتراب الساعة وبنهاية العالم وبانسداد الآفاق كان للمتخيّل الدّينيّ ذاك العصر سوق نافقة ورواج واسع".
لذلك لم يكن غريبا على "المعرفة الدّينيّة العالمة" في القرن السادس الهجريّ و ما بعده أن تحتفي "بكلّ الأخبار العجيبة والروايات الغريبة كأحسن ما يكون الاحتفاء".
وبذلك تلبّست الذهنيّة الإسلاميّة بالمتخيّل أيّما تلبّس. ووجّه المتخيّل الثقافة الدّينيّة نحو مزيد من الاحتفاء بالعجيب والغريب ليتراجع التفكير "العقلانيّ" أمام ثقافة "التقليد والاجترار" وإنتاج قصص خياليّة متخيّلة متلبّسة بالدين والاعتقاد والمقدّس.
وكأنّ الدّينيّ لا يكون إلاّ متخيّلا. والطريف أن يُحكم على كلّ محاولة للتفكير بالتكفير.
و قد حصر بسّام الجمل مرجعيّات المتخيّل الإسلاميّ المتعلّقة بليلة القدر بمصدرين اثنين أساسيين:
" – مصدر من داخل الثقافة الإسلاميّة.
- و مصدر من خارج الثقافة الإسلاميّة (المرجع السومريّ، المرجع التوراتيّ، المرجع المانويّ) ".
أمّا في ما يتعلّق بالمرجع الإسلاميّ فمن الملاحظ "أنّ العلماء المسلمين استغلّوا عددا من الإشارات القرآنيّة وألّفوا بينها لإنتاج متخيّل إسلاميّ له ملامحه المميّزة. فوسّعوا من تلك الإشارات باختلاق مرويّات لا مرجع لها في القرآن".
و لكلّ ذلك انتهى بسّام الجمل إلى صياغة قاعدة مفادها "كلّما نزع نصّ المصحف إلى التعميم والرمز والإيحاء وفّر لقرّائه ولمؤوّليه إمكانات عريضة ومتجدّدة لنسج ما عنّ لهم أن ينسجوا حوله من أخبار وقصص ينتمي قطاع منها إلى المتخيّل الإسلاميّ ".
ولذا حُقّ القول بأنّ الثقافة الإسلاميّة "ثقافة قادرة على إنتاج متخيّلها الخاصّ وهي أيضا ثقافة منفتحة على ضروب المتخيّل الوافدة عليها بحكم طبيعة المجتمع الإسلاميّ المتكوّن من أجناس عديدة دخلت الإسلام وفي رصيدها قيم ثقافاتها الّتي تربّت عليها فحصل تلاقح ثقافيّ منذ وقت مبكّر من تاريخ الإسلام".
وقد حصر بسّام الجمل تقنيات إنتاج المتخيّل الإسلاميّ خاصّة (من خلال أخبار ليلة القدر)
والمتخيّل الدّينيّ عامّة في أربع تقنيات أساسيّة وهي:الرؤيا والتركيب والتوليد والإضافة والتضخيم والقلب. كما لاحظ أنّ هذه التقنيات لا تتعلّق فقط بالمتخيّل الدّينيّ بل تشمل كذلك المتخيّل الأدبيّ وغيره من أنواع المتخيّل.
وبذلك تميز هذه التقنيات إنتاج المتخيّل الإنسانيّ عامّة.
ولا شكّ أنّ ليلة القدر تكتسب أهميّة كبرى في المتخيّل الإسلاميّ لاسيّما أنّه يعتقد اعتقادا جازما بـ"أنّ القرآن برمّته أنزل في ليلة القدر فضلا عن تصديقهم بقول منسوب إلى الرسول’أفضل الليالي ليلة القدر’".
وقد حاول بسّام الجمل في الفصل الثالث: رموز المتخيّل من كتابه المذكور آنفا أن يتبيّن ملامح الذهنيّة الإسلاميّة ليخلص إلى أنّ هذه الذهنيّة "تعقد مطابقة تامّة بين الرمز والمرموز إليه». و قد فصّل القول في ذلك مبرزا أنّه "إذا تأوّل المفسّرون سورة القدر في اتّجاه القول بنزول الملائكة وجبريل ومعهم ألوية أربعة فيعني ذلك عندهم أنّ النّزول فعل حاصل في التّاريخ لا مراء فيه، وحين يتأوّلون الرّوح المذكور في الآية على كونه ملكا له سبعون ألف وجه، فيعني ذلك أيضا وجود هذا الكائن ’الخرافي’ في الواقع التّاريخيّ الموضوعيّ، ومن ثمّ فإنّ كلّ ما رشحت به أخبار ليلة القدر من أفعال وأقوال مشدود عندهم إلى الحقيقة لا إلى المجاز".
وغنيّ عن الذكر أنّ الذهنيّة الإسلاميّة تمزج بين العقل والمتخيّل وتؤلّف بين العالم المرئيّ والعالم اللامرئيّ المفارق وبين التاريخيّ والأسطوريّ وبين المعقول والخرافيّ حتّى أضحى التفكير الإسلاميّ تفكيرا يتحكّم في مساراته المتخيّل كأشدّ ما يكون التّحكّم.
ومن الجليّ أنّ المسلم يعتقد اعتقادا جازما في وجود ليلة القدر "غير أنّنا (والقول لبسّام الجمل) نرى أنّ ليلة القدر ليس لها وجود إلاّ في الذهنيّة الإسلاميّة وبعبارة أخرى إن كان لليلة القدر من حقيقة فهي بالتأكيد حقيقة نفسيّة جمعيّة في المتخيّل الإسلاميّ".
ولكلّ ذلك يحقّ لنا القول "بأنّ المسلمين – في تعلّقهم بليلة القدر- يعبّرون عن رغبة دفينة في الإنسان عامّة وهي إرادة التّخلّص من المنزلة الوجوديّة المعطاة عبر بناء عالم الآلهة والصعود إليه والاتّصال به من ناحية ومحاولاته المتعدّدة في كلّ عصر ومصر ودين لقهر حقيقة الموت من ناحية أخرى».
والجدير بالتنبيه إليه ما يكتسبه مبحث المتخيّل الإسلاميّ خاصّة والمتخيّل الدّينيّ عامّة من أهميّة في فهم اعتقادات الإنسان الدّينيّة وفي مقاربة تمثّلاته الجمعيّة وتصوّراته عن الكون والإنسان والدّين وفي ملامسة عمق لاوعيه الجمعيّ.
نقلا عن الأوان(/)
سؤال عن مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس رضي الله عنه
ـ[سلطان الفقيه]ــــــــ[26 Dec 2005, 10:06 م]ـ
ماهي سؤالات نافع بن الازرق لابن عباس، حيث ان كثيرا من الباحثين قد شكك في صحة انتسابها، ومعلوم ان السيوطي قد ذكر جملة من هذه السؤالات في الاتقان، وهناك سؤالات لم ترد في الاتقان. فما هي تلك السؤالات التي لم ترد في الاتقان؟ وهل هي صحيحة ام لا؟ نرجوا الاجابة بشكل مفصل؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[27 Dec 2005, 01:16 ص]ـ
أخي الكريم سلطان الفقيه وفقه الله.
أولاً: أرحب بك في ملتقى أهل التفسير وأسأل الله لك التوفيق.
وأما هذه المسائل فهي مِنْ أَوَّلِ ما عُرِفَ في الاستشهاد بالشعر في تفسير القرآن الكريم، قال العسكري وهو يتحدث عن أولية التأليف في غريب القرآن: «أولُ من صنف في غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى، صنف كتاب المَجاز، وأخذ ذلك من ابن عباس حين سأله نافع بن الأزرق عن أشياء من غريب القرآن، ففسرها له، واستشهد عليها بأبيات من شعر العرب، وهو أول ما روي في ذلك وهو خبر معروف» (1). وقد وُجِدَت إشارات مقتضبة إلى هذه المسائل في كتب السنة، والتفسير، والأدب، غير أنه لم يقم أحد منهم بالحكم عليها، ونقد أسانيدها ومتونها، ولذلك قام بعض الباحثين المعاصرين بإفراد هذه المسائل بالتأليف، والنظر إليها من زاوية التفسير البياني للقرآن الكريم (2)، أو من زاوية اللغة (3)، بطريقة توهم القارئ أن كل هذه المسائل صحيحة لا شك فيها، في حين قام بعض من الباحثين بالتشكيك في هذه المسائل، والطعن في ثبوتها (4)، دون أن يكون هذا الطعن مبنياً على دراسة نقدية منصفة، تبحث في صحيح هذه الآثار من ضعيفها.
مادة المسائل:
هذه المسائل هي ألفاظ من غريب القرآن أشكلت على نافع بن الأزرق الخارجي (ت65هـ)، فجاء يسألُ عنها عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ) وهو في مكة، واشترط على ابن عباس أن يأتيه على كل جواب بشواهد من الشعر العربي، تصدق ما فسر به ابن عباس تلك الكلمات، وكان من أمره أنه «خرج نافع بن الأزرق، ونجدة بن عويمر (5) في نفر من رؤوس الخوارج يُنَقِّرُونَ عن العلم ويطلبونه، حتى قدموا مكة، فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعداً إلى جنب زمزم عليه رِدَاءٌ لَه أْحْمَرُ، وقميصٌ أبيضُ، وإذا الناس قيام يسألونه عن التفسير، ويقولون: يا ابن عباس، ما تقول في كذا؟ فيقول: كذا وكذا.
فقال له نافع بن الأزرق: ... إني أتيتك لأسألك. قال: هات يا ابن الأزرق» (6). وكان نافع طلب من ابن عباس أن لا يجيبه بجواب، إلا مستشهداً له بشاهد من شعر العرب (7).
ولا أريد نقل كل ما كتبته حول هذه المسائل حتى تنشر الرسالة قريباً إن شاء الله، فتجد فيها تفاصيل الكلام على هذه المسائل، وأسانيدها التي وردت بها في المصادر المختلفة.
وقد سبقت الإشارة المقتضبة لجانب من هذه المسائل في مشاركة سابقة تجدها على هذا الرابط:
موازنة بين كتاب (شواهد القرآن) وكتاب التفسير البياني. ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=2777)
---- الحواشي -----
(1) الأوائل 261
(2) انظر: الإعجاز البياني للقرآن ومسائل نافع بن الأزرق لبنت الشاطي 270
(3) انظر: شواهد القرآن لأبي تراب الظاهري 1/ 13
(4) انظر: في الشعر الجاهلي لطه حسين 51، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 8/ 664 - 665
(5) هو نجدة بن عويمر العجلاني الحنفي البكري الوائلي، رأس فرقة النجدية من الحرورية، وإليه ينسبون بعد اختلافه مع نافع بن الأزرق، توفي سنة 69هـ. انظر: الكامل 3/ 1102
(6) مسائل نافع بن الأزرق 33
(7) انظر: المصدر السابق 35
ـ[خالد الشبل]ــــــــ[27 Dec 2005, 09:17 ص]ـ
سمعت دكتورًا كان يدرّسنا البلاغة يقول إن هذه المسائل ليست صحيحة، وهي من عمل بعض أهل الاعتزال، ثم سألت الشيخ ابن عثيمين - قدّس الله روحه - عن ذلك فأطرق يتأمل، وأشار إلى أن السيوطي ذكرها في الإتقان، لكنه لم يثبت أو ينف ما ذكره الدكتور.
ـ[ابن الشجري]ــــــــ[28 Dec 2005, 04:31 ص]ـ
الأخ الكريم خالد / كتب الله ذكره في الخالدين بالذكر الجميل
(يُتْبَعُ)
(/)
ماذكره أستاذ البلاغة من نفي لصحة نسبة هذه المسائل لنافع عن ابن عباس، قول فيه مغالطة، وأبعد من ذالك القول باعتزالية جامعها، وإن كان هذا لايؤثر في أصل المسألة لأمرين
الأول: أن أصل المسألة معتمد على الرواية، وعندنا معشر المسلمين ميزان القبول والرد في ذلك، والخوارج من أصدق الناس لهجة، وكم في الصحيح من الرواة منهم.
ثانيا: ليس للجانب الاعتزالي أثر ظاهر في مثل هذا العمل، ولم أتصور كيف يمكن استفادتهم منه، خاصة وأن أكثر ماجاء في تلك المسائل إن لم يكن جميعه، منثور في كتب اللغة والاستشهاد كما أشار لذلك أخي الكريم الدكتور عبدالرحمن.
فالقول بعدم صحة تلك المسائل إطلاقا فيه نوع من المجازفة بلاشك.
فقد جاء البعض منها مفرقا في كتب السنة، كمعجم الطبراني ومجمع الزوائد وغيرهما، ولاعلم لي الساعة هل ورد منها شئ في الكتب الستة، مع أني أظن أن لبعضها أصلا هناك، لكن لايسعني في هذه الساعة المتأخرة التحقق من هذه المسألة.
وهذه المفرقات فيها مايقبل إسناده، وفي البعض منها نظر بين، والكثير منها يمكن القول بعدم صحة إسناده، كالتي يرويها محمد بن زياد اليشكري عن ميمون بن مهران بها، فاليشكري متهم بالكذب، وكالتي يرويها محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، فالكلبي وأبوصالح تلكم فيهما أهل الجرح والتعديل بما لايمكن تصحيح أي خبر من طريقهما.
ومن هذه المفرقات ماهو مرسل إسناده، فينظر فيه.
ويبقى هنالك أسانيد يحتاج كل واحد منها النظر المستقل والحكم المنفرد.
لكن بقي أن يقال: أن مثل قول هذا الأستاذ فيه وجه من الصحة، يمكن صرفه للكتاب المروي في ذلك، والذي وصل إلينا بعدة روايات على أن ابن عباس رضي الله عنه قد أجاب على أسئلة نافع في مجلس واحد، وهذا لايمكن تصوره، أو مجالس متفرقة يصح منها اليسير، فالله أعلم
وفي الحقيقة أن هذه المسألة جديرة بالبحث والدرس، ولا أظن أرفف الجامعات خالية من بحث مفرد لهذه المسألة، يكون قد أشبع القول في جوانب عدة تعتور هذا اللقاء الغير مستبعد.
ـ لمايعلم من اهتمام ابن عباس رضي الله عنهما بالشعر والاستشهاد به.
ـ ولمجادلته الخوارج التي تذكرها كتب التاريخ والسير.
ـ ولأريحية تشهد لها مواقف عدة من حياته رضي الله عنه، تمكن المخالف من الجلوس معه دون وجل، ومناقشته والاستفادة من علمه الزاخر رضي الله عنه وعن سائر الصحابة الكرام.
وختاما فحسب علمي ليس في متن المسائل ما يستنكر من شواهد شعرية، أو تفسيرا لمفردة قرآنية، فغالبها إن لم تكن جميعها، معروفة بين أهل العلم وفي كتب أهل التفسير، واللغة، وهنا مربط الفرس، وأوان وضع القلم.
وأظن أن لدى أخي الكريم الشيخ عبدالرحمن في هذا الخبر اليقين.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[24 Jan 2006, 10:38 م]ـ
كنت سألت الشيخ الكريم عبدالله بن يوسف الجديع وفقه الله عن هذه المسائل قبل عدة سنوات، وكنت حفظت جوابه المختصر في ملفاتي. ثم بحثت بعد ذلك هذه المسائل بتوسع كما اشرتُ سابقاً. والآن وجدت جوابه وفقه الله فأحببت طرحه هنا للفائدة.
نص جوابه:
أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، مروية في نسخة مفردة منها نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق، وأخرجا أبو بكر بن الأنباري في (الوقف والابتداء)، كما فرقت في عدد من كتب التفسير، ويدور سياقها المطول على محمد بن زياد اليشكري يرويها عن ميمون بن مهران، واليشكري هذا كذاب، وكذلك روى جويبرٌ عن الضحاك منها أشياء، وجويبر متروك، ومنها أشياء تروى بأسانيد منقطعة، ومنها أشياء قليلة تثبت أسانيدها.
وكنت أعلم أن شخصاً من إخواننا يقوم بدراستها من جهة الرواية، لكن ما أدري ماذا صنع، وقد لقي الله في حادث سير، رحمه الله.
أخوكم / عبدالله بن يوسف الجديع
ـ[روضة]ــــــــ[24 Jan 2006, 11:18 م]ـ
ثم سألت الشيخ ابن عثيمين - قدّس الله روحه - عن ذلك فأطرق يتأمل،
سؤال للأخ خالد: "ما معنى قدس الله روحه".
وشكراً
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[25 Jan 2006, 12:20 ص]ـ
الأخت الكريمة .. الباحثة - وفقها الله -:
تجدون في فتوى الشيخ البرّاك ما يسعدكم - إن شاء الله - .. :
السؤال: ما حكم قولنا (قدس الله سره)، أو (قدس الله روحه)، وكذلك (طيب الله ثراه)؟
المفتي: عبد الرحمن بن ناصر البراك
الإجابة: " الحمد لله، هذه العبارات متقاربة في المعنى ومقصودها الإحسان إلى الميت، والدعاء له بالطيب والطهارة، وليس شيء من هذه العبارات مأثوراً بالسنة أو عن السلف الأول، لكنها موجودة في كلام العلماء الذين يُؤرخون فيعبرون عن منزلة المترجم له بذكر قولهم: قدس الله روحه، أو قُدس سرّه، والتقديس: التطهير، والتطهير: إزالة الخبث وإزالة السوء، وقولهم: قُدس سرّه، يظهر لي أنها بمعنى قدس الله روحه؛ لأن الروح باعتبار أنها أمر خفي فهي بهذا الاعتبار سرّ، وأما طيب الله ثراه فهي عبارة تجري على ألسنة المتأخرين من الصحفيين والكتّاب كأنهم يعنون طيَّب الله قبره، وإنما يكون القبر طيباً إذا كان صاحبه من الصالحين؛ لأنه حينئذ يكون القبر عليه روضة من رياض الجنة إذ يفتح له باب من الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والذين اعتادوا الدعاء بهذا اللفظ لا يقتدى بهم، وهم يدعون بهذا الدعاء لمن يعظمونه، أو يدعون تعظيمه وإن كانوا في الباطن بخلاف ذلك، وأولى من هذا وذاك الدعاء للميت المسلم بالمغفرة والرحمة والعفو والرضوان وسكنى الجنة والنجاة من النار، فهذا ما تضمنته الأدعية المأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في دعاء الصلاة على الجنازة." اهـ
المصدر: موقع طريق الإسلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[29 Jan 2006, 08:55 ص]ـ
تجدون في فتوى الشيخ البرّاك ما يسعدكم - إن شاء الله - .. :
السؤال: [ color=navy] ما حكم قولنا (قدس الله سره)، أو (قدس الله روحه)، وكذلك (طيب الله ثراه)؟
المفتي: عبد الرحمن بن ناصر البراك
الإجابة: " الحمد لله، هذه العبارات متقاربة في المعنى ومقصودها الإحسان إلى الميت، والدعاء له بالطيب والطهارة، وليس شيء من هذه العبارات مأثوراً بالسنة أو عن السلف الأول، لكنها موجودة في كلام العلماء الذين يُؤرخون فيعبرون عن منزلة المترجم له بذكر قولهم: قدس الله روحه، أو قُدس سرّه، والتقديس: التطهير، والتطهير: إزالة الخبث وإزالة السوء، وقولهم: قُدس سرّه، يظهر لي أنها بمعنى قدس الله روحه؛
.......................
.......................
المصدر: موقع طريق الإسلام.
---------------------------------------------------------
- أليس التقديس: التنزيه؟
و من أسماء الله الحسنى: {القدوس}. [الحشر: 23، الجمعة: 1]
{القدوس}: البليغ في النزاهة عن النقائص. قاله النحاس
- و في جواز إطلاق التقديس على البشر نظر
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[31 Jan 2006, 04:35 ص]ـ
أخي الكريم ...
أرجو أن تدقق في كلام الشيخ - حفظه الله -:" هذه العبارات متقاربة في المعنى ومقصودها الإحسان إلى الميت، والدعاء له بالطيب والطهارة .. " اهـ
قلتُ: وقد ورد في لسان العَرَب أنّ من معاني التقديس " التطهير ":
" والتَقْدِيس: التَّطْهِير والتَّبْريك. وتَقَدَّس أَي تطهَّر. وفي
التنزيل: ونحن نُسَبِّحُ بحمدك ونُقَدِّس لك؛ الزجاج: معنى نُقدس لك أَي
نُطهِّر أَنفسنا لك، وكذلك نفعل بمن أَطاعك نُقَدِّسه أَي نطهِّره. ومن هذا
قيل للسَّطْل القَدَس لأَنه يُتَقدَّس منه أَي يُتَطَّهر. والقَدَس،
بالتحريك: السَّطْل بلغة أَهل الحجاز لأَنه يتطهر فيه. قال: ومن هذا بيت
المَقْدِس أَي البيت المُطَّهَّر أَي المكان الذي يُتطهَّر به من الذنوب ... " اهـ
فما المانع الشرعي من الدّعاء للميّت بالطهارة؟
ـ[عبدالله الحضرمي]ــــــــ[31 Jan 2006, 12:26 م]ـ
أحسن الله اليك اخي عمار
ـ[أبو إياد]ــــــــ[31 Jan 2006, 10:42 م]ـ
مسائل نافع بن الأزرق أخرجها الطبراني في المعجم الكبير من طريق جويبر عن الضحاك، وأخرجها الطَّستي وغيره من طريقين في أحدهما عيسى بن دأب، وفي الآخر محمد بن زياد، وهما وضاعان، لكن جاءت بعض السؤالات (قليلة) في الكامل للمبرد بإسناد قوي ... كذا قال لنا شيخنا د. حكمت بن بشير ياسين (أرجو أن لا أكون قد وهمت في بعض ما نقلت).(/)
هل هناك فرق بين مصطلح المتقدمين والمتأخرين في الناسخ والمنسوخ
ـ[سلطان الفقيه]ــــــــ[27 Dec 2005, 08:28 م]ـ
السلام عليكم: نشكر د/عبدالرحمن الشهري لإجابته على بعض الاسئله، ونسأل الله له التوفيق، ولجميع العاملين في هذا الملتقى المبارك. هل هناك فرق بين مصطلح المتقدمين والمتأخرين في الناسخ والمنسوخ؟ علماًبأن بعض الدكاترة الذين يدرسونافي الدراسات العليايقولون بذلك،ويقولون بأن الناسخ والمنسوخ في القرآن لايتجاوز الخمس الآيات، مستدلين بالفرق بين مصطلح المتقدمين والمتأخرين، وهناك من سبقهم لمثل ذلك كالدهلوي في كتابه الفوزالكبيرفلم يثبت ان الناسخ والمنسوخ الا خمس آيات فقط.فهل هذا الكلام صحيح ام لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
سلطان الفقيه_جامعة ذمار-مرحلة الماجستيرقسم التفسيروعلوم القرآن
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[28 Dec 2005, 07:42 ص]ـ
أخي الكريم
تفضل مشكورًا بالنظر في هذه الروابط:
1 ـ http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=25
2 ـ http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=2301
3 ـ http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1229
ـ[ابن العربي]ــــــــ[29 Dec 2005, 07:23 م]ـ
سلطان الفقيه
نعم ما قاله مشائخك صحيح وحق
فإن علماء القرون الثلاثة المفضلة كانو يطلقون النسخ على رفع الحكم بالكلية و على رفع بعض الحكم مع الفهم والمعرفة لكلا النوعين فرفع الحكم بالكلية هو النسخ ورفع بعض الحكم هو التخصيص
فجاء من بعدهم ونظروا في مؤلفاتهم فوجدوا كلمة نسخ تطلق على هذا وعلى هذا فنقلوا ما فيها على أنها نسخ دون تمييز بين رفع الحكم بالكلية ورفع بعضه فألفوا الكتب في الناسخ والمنسوخ وضمنوها آيات كثيرة بدعوى أنها منسوخة وليست كذلك
فما نسخ حقيقة لا يتجاوز الخمس آيات والبقية مخصصة وليست منسوخة
ـ[سلطان الفقيه]ــــــــ[29 Dec 2005, 07:35 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذه المعلومات،وبارك الله فيكم.
ـ[محمد رشيد]ــــــــ[29 Dec 2005, 07:43 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته
أخي الكريم ابن العربي .. إطلاق النسخ على التخصيص لدى المتقدمين هو بالغزارة التي يصعب معها أن يعتقد طالب العلم ـ فضلا عن أهل العلم الكبار ـ أن المقصود بذلك هو النسخ الاصطلاحي، و عليه، فمن بالغ في المنسوخات من القرآن يغلب على الظن أنه قد استعمل اصطلاح المتقدمين، و حسبك فقهاء الحنفية، يمنعون النسخ بل و التخصيص لعمومات القرآن بأخبار الآحاد، و هم في نفاحهم عن ذلك ما وجدناهم ـ في حدود اطلاعي ـ قد أجابوا عمن بالغ بذكر النسخ في القرآن، مما ينبئ تقريرهم أن المراد به ما هو خلاف النسخ الأصولي، و إلا لكان موضع انتقاد عظيم منهم.
والله تعالى أعلم(/)
حول معنى قوله جل وعلا: ولا تجد أكثرهم (شاكرين)!؟
ـ[الموحد 2]ــــــــ[29 Dec 2005, 01:04 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخواني الأفاضل ..
قال تعالى في سورة الأعراف 17: ((ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)).
قال العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله جل وعلا ((ولا تجد أكثرهم شاكرين)): ((أي وعند أن أفعل ذلك لا تجد أكثرهم شاكرين؛ لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم، وهذا قاله على الظنّ، ومنه قوله تعالى: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه "، وقيل: إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله، وعبر بالشكر عن الطاعة، أو هو على حقيقته وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء)) [2/ 237 ـ 238 ط: دار الكتاب العربي].
لم أفهم معنى وتفسير (الشكر) في هذه الآية الكريمة؟
وما هي مناسبة المجيء بـ (الشكر) بعد هذا السياق؟
وماذا يريد إبليس من قوله (شاكرين) بعد أن ذكر طرق إتيانه بني آدم؟
ولمن يتوجه الشكر في الآية؟ إذا كان لإبليس فما معناه؟ وإذا كان لله جل وعلا فما معناه؟
فمثلاً ..
لو قال: ولا تجد أكثرهم تائبين .. أو ولا تجد أكثرهم يحذرون .. أو ولا تجد أكثرهم يتقون؟
أليس هذا هو الأقرب في الظاهر للسياق؟
بمعنى أن إبليس يقول: سآتيك يا ابن آدم من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك ... ثم أنت يا ابن آدم مع إخباري لكَ بهذه الطرق التي سأدخل عليك منها لا تتقيني ولا تحذرني ولا تخافني!! << فهل هذا المعنى لشاكرين صحيح؟
وهذا معنى آخر نأخذه من ظاهر الآية ..
هل يصح أن نقول بأن (الشكر لله تعالى، والحمد لله تعالى) أثناء الدعاء، بل وكل أحوال المؤمن هو سبب لقمع إبليس ولرد كيده وإبطال وسوسته على الإنسان؟
بدليل قوله بعد أن ذكر الطرق التي يدخل منها على ابن آدم (ولا تجد أكثرهم شاكرين)؟ لأنه لا يستقيم أن يشكر الناس إبليس على هذه الوسوسة والمكر، وعلامَ يشكروه!!
أي أنَّ إبليس لا يطيق ولا يستطيع أن يوسوس ويغوي ويأتي ذلك الإنسان الشاكر لله تعالى، الحامد لله تعالى ..
فلو أنَّك يا ابن آدم شكرت الله تعالى وحمدت الله تعالى وأثنيت على الله تعالى ومجَّدتَ الله تعالى في حال دعائك وسائر أحوالك ... لكفاك هذا الشكر وهذا الحمد وهذا الثناء وهذا التمجيد وسوستي وإغوائي!! << هل هذا المعنى لشاكرين صحيح؟
فيكون هذا التفسير على نسق قصة إبليس مع أبي هريرة - رضي الله عنه - لمَّا أن علمه أن يقرأ آية الكرسي فإنه لن يأتيه بعد ذلك؟
ثمَّ أليس يؤيد هذا التفسير قوله تعالى: ((ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد)) .. أي: منفعة هذا الشكر تعود على العبد، وأعظم منفعه أنه يقيه كيد ووسوسة إبليس؟
أمَّا الذي لا يشكر ولا يحمد الله تعالى فإنه سبحانه غني عن شكره وحمده لأنه محمود بفعاله هو تعالى وليس في حاجة لحمد عبده!
لكن لو أنَّ العبد حمد الله وشكره وأثنى عليه ومجَّده لأفاده هذا الحمد وهذا الشكر ومن فوائده أنه يقيه كيد ووسوسة إبليس كما قال (ولا تجد أكثرهم شاكرين)!؟
ثمَّ يا إخواني ..
ألا يؤكد هذا الفهم - إن كان صحيحاً وسليماً - أنَّ مقام الحمد والشكر لله جل وعلا هو من أعلى مقامات العارفين الموحدين، وإبليس لا يستطيع الوصول إلى هؤلاء.
أتمنى ..
من الإخوة تسديد الكلام، وأن يوضحون لي تفسير هذه الآية ..
فقد قرأتُ أكثر من تفسير، ورجعتُ إلى منزلة الشكر في تهذيب مدارج السالكين ..
ولم يظهر لي المعنى ... والله يرعاكم.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[29 Dec 2005, 04:58 ص]ـ
أخي الكريم الموحّد:
قلتَ: "قال العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله جل وعلا ((ولا تجد أكثرهم شاكرين)): ((أي وعند أن أفعل ذلك لا تجد أكثرهم شاكرين؛ لتأثير وسوستي فيهم وإغوائي لهم، وهذا قاله على الظنّ، ومنه قوله تعالى: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه "، وقيل: إنه سمع ذلك من الملائكة فقاله، وعبر بالشكر عن الطاعة، أو هو على حقيقته وأنهم لم يشكروا الله بسبب الإغواء)) [2/ 237 ـ 238 ط: دار الكتاب العربي] "
والمعنى:
أي أن أكثر النّاس لن يكونوا شاكرين لله عزّ وجل بسبب وسوسة إبليس وإضلاله لهم.
ولتوضيح المعنى أكثر: (يعني: النتيجة المترتبة عن إغواء إبليس = هي قلة الشاكرين لله عز وجل) وليس المعنى أنهم يشكرون إبليس على إغوائه لهم!
وقال - رحمه الله - بأن القرآن قد عبّر بالشكر عن الطاعة، أو أنه الشكر على حقيقته.
وذكر الإمام الطبري - رحمه الله- في تفسيره:
قال: حدثني به المثني، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا ثني معاوية، عن عليّ بن
أبي طلحة، عن ابن عبّاس. قوله (ولا تجد أكثرهم شاكرين) يقول: موحّدين.
وقال القرطبي - رحمه الله -:
(ولا تجد أكثرهم شاكرين) أي: موحّدين طائعين مظهرين الشّكر.
والله أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[القوي الأمين]ــــــــ[30 Dec 2005, 03:16 م]ـ
أخي العزيز
إن معنى الشكر ليس مجرد الحمد و الثناء
بل الشكر يتضمن جميع العبادات و الأعمال الصالحة
يتضح ذلك من قوله تعالى: {اعملوا ءال داود شكرا}
فالشكر يكون بالعمل الصالح و العبادة كما أمر الله تعالى آل داود
لأن العبادة ما هي إلا شكر لله على نعمه التي أنعم بها على خلقه
لذا كان إبليس مهتما بألا يكون أكثر الناس شاكرين لله ... أي عابدين له(/)
سؤال عن نشر كتابين في علوم القرآن
ـ[أبو عبد الله القلموني]ــــــــ[29 Dec 2005, 03:25 م]ـ
الأخوة الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:
هل لكم أن تفيدوني إن كان كتابا:
1 - "علوم القرآن بين البرهان والإتقان" للدكتور حازم سعيد.
2 - "علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير من نشأتها حتى نهاية القرن الثامن الهجري" للدكتور محمد صفاء حقي.
مطبوعين، وما اسم الدار التي نشرتهما ولكم مني جزيل الشكر.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[29 Dec 2005, 05:21 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
أخي الكريم ... الكتابان مطبوعان ولله الحمد، وإليك ما تريد:
1 - الكتاب الأول من مطبوعات مكتبة دار الزمان - المدينة.
2 - أما الكتاب الثاني فهو من مطبوعات مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان.
ـ[أبو عبد الله القلموني]ــــــــ[29 Dec 2005, 08:37 م]ـ
بارك الله بكم، وشكر لكم صنيعكم، وجزاكم عنا خير الجزاء(/)
استشارة في موضوع أطروحة دكتوراه في علوم القرآن
ـ[أبو عبد الله القلموني]ــــــــ[29 Dec 2005, 03:43 م]ـ
الإخوة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
ما رأيكم في كتابة أطروحة دكتوراه بعنوان: "علوم القرآن عند مفسّري القرن الرابع عشر الهجري"، وهل تعرفون أحداً كتب في هذا الموضوع.
وهل تقترحون موضوعاً آخر يصلح لأطروحة دكتوراه، يكون أكثر فائدة، وأولى أهمية، ولكم مني جزيل الشكر سلفاً.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[29 Dec 2005, 04:03 م]ـ
الأخ الكريم هل لك في الكتابة في موضوع لم يسبق بحثه وجدير بالعناية؟
فراسلني عبر بريد الملتقى لأدلك عليه.
ـ[صالح الفايز]ــــــــ[30 Dec 2005, 02:32 ص]ـ
الموضوع في نظري غير مناسب لأمور وهي: -
1 - الفائدة العلمية قلية فعلوم القرآن مكررة عند المتقدمين وهي عند المتأخرين أكثر تكراراً ,
2 - الموضوع يحتاج إلى تحديد الكتب التي ستتناولها بالدراسة، أما أن تجعل الدراسة في كتب التفسير في القرن الرابع عشر فهذا أمر متعب وقد يتعذر، فحدد الكتب ليسهل عليك البحث.
3 - هناك عدد كبير من المخطوطات في التفسير وعلوم القرآن موجودة في المكتبة السليمانية بتركيا وهي مفهرسة باللغة التركية لو رجعت إليها لوجدت ما يصلح لك في اطروحتك.
وفقك الله.(/)
ما علاقة علم التفسير بعلم البلاغة؟
ـ[ابن ماجد]ــــــــ[29 Dec 2005, 05:21 م]ـ
هل من كلمة شافية في هذا الموضوع ومفصلة؟ جزاكم الله خيرًا
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[30 Dec 2005, 01:00 ص]ـ
ابن ماجد حفظه الله
إجابة شافية ومفصلة لا يمكن في مثل هذا المقام؛ لأن ذلك يتطلب بحثًا كاملاً.
لكن من وجهة نظري أن في الأمر تفصيل، فهناك موضوعات من علم البلاغة تدخل في بيان المعنى، وتلك تكون من علم التفسير؛ لأن فيها بيانًا عن المعنى. وهناك معلومات ـ وهي الغالب الأعم ـ لا تدخل في بيان المعنى، وإنما هي مما وراء المعنى، وهذه لا تدخل في علم التفسير، وإنما يحتاجها من يريد الحديث عن إعجاز القرآن الكريم، وقد يقع خلط في هذا كما وقع للزمخشري لما جعل من شروط المفسر معرفة البلاغة بدون تفصيل، وإنما يحتاجها من أراد بيان بلاغة القرآن وإعجازه، والله أعلم.
ـ[مرهف]ــــــــ[06 Jan 2006, 01:16 ص]ـ
وجهة نظر أخرى:
مع تأكيدي على ما قاله الدكتور مساعد حفظه الله بأن هذا السؤال جوابه يطول ولكني أرى أن في علم البلاغة جانباً يسمى بعلم البيان، وهذا من أهم جوانب البلاغة تعلقاً بعلم التفسير، واسم هذا الفن ينبئك عن مضمونه، وإن دراسة علم التفسير بالاعتماد على علم البلاغة ينشط الحركة اللغوية في ذهن المفسر من خلال تنشيط صور المعاني وتحسسها في النفس كأنها جزء منا. والله أعلم.
ـ[روضة]ــــــــ[07 Jan 2006, 11:37 م]ـ
[ line] بسم الله الرحمن الرحيم
اسمحوا لي أن أبيّن رأيي في هذا الموضوع من خلال أول مشاركة لي في ملتقاكم، أسأل الله أن يكون ملتقى خير وبركة في ظلال القرآن وعلومه.
للوقوف على العلاقة بين البلاغة والتفسير، يجمُل بنا أن نعرف معنى كلٍّ من العلمين، علم البلاغة وعلم التفسير، أما علم التفسير، فهو العلم الذي يعين على كشف وبيان معاني آيات القرآن الكريم، واستخراج الأحكام منها.
أما البلاغة (لغة) فهي: الوصول والانتهاء، وعرّفها صاحب التلخيص (اصطلاحاً)، فقال: "البلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته .. فالبلاغة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى بالتركيب" [التلخيص، القزويني، ص33]. [/ move]
نفهم من هذا أن سلامة تركيب الكلمات إذا أدى إلى إفادة معنى يكون هذا من البلاغة، أي أن الكشف عن المعنى والوصول إلى المقصود هو من البلاغة. وهذا بحدّ ذاته يكشف عن علاقة البلاغة بالتفسير.
وليس عبثاً أن أطلق العلماء على أبرز قسم من أقسام البلاغة (علم المعاني)، فلولا التصاقه بالمعاني وكشفه عنها لما كان لهذه التسمية كبير فائدة.
وليس عبثاً كذلك أن ربط الإمام المفسر صاحب القريحة الوقادة البليغ الماهر جار الله الزمخشري بين القدرة على التصدي لعلم التفسير والبراعة في علمي البيان والمعاني، حيث قال في مقدمة تفسيره (الكشاف): "لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة .. ".
فإذا عرفنا أن التقديم والتأخير (مثلاً) مبحث من مباحث علم المعاني الذي هو أحد أقسام علم البلاغة وإذا عرفنا ما له من أثر على المعنى، نعلم حينئذِ مدى الالتصاق بين علم المعاني وعلم التفسير.
فليس تقديم المفعول (إياك) في قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" إلا لمعنى أفاده هذا التقديم، وهو التخصيص؛ لذلك قال المفسرون إن تفسير الآية: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، ولم يقولوا: نعبدك ونستعينك ... وفرقٌ بين التفسيرين.
كما أن اختيارَ اللفظة القرآنية الذي هو من مظاهر البلاغة أمرٌ شديد الصلة بالمعنى الذي تفيده الآية، وإلا فلماذا ذكر الله عز وجل كلمة (السنة) تارة، وكلمة (العام) تارة أخرى في الآية نفسها؟ فقد قال تعالى: "ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً"؟ لم يكن ذلك إلا لأن كل كلمة تعطي معنى مختلفاً عن الآخر. [للتوسع انظر: إعجاز القرآن الكريم، د. فضل عباس، ص178].
وهذا يقال في جميع مباحث البلاغة من (التعريف والتنكير) و (الحذف والذكر)، وكذا يقال في علم البيان من تشبيهات واستعارات ومجازات.
(يُتْبَعُ)
(/)
قد يعترض أحد على ما ذكرتُه بأن هذه الأمور المذكورة كلها أمور تعكس إعجاز القرآن الكريم، فالبلاغة متصلة بالإعجاز لا بالتفسير.
وأقول: إن هذه العلوم متشابكة، لا يمكن الفصل بينها بحدود عازلة، فبعضها يؤدي إلى بعض، ويكمل بعضها بعضاً، فليس لنا أن نكتشف إعجاز القرآن الكريم إنْ لم يكن لدينا علم بمعانيه، ولن نستطيع أن نعرف دقائق هذه المعاني إن لم يكن لدينا علم بالبلاغة.
وأظن أن صلة علم البلاغة بعلم النحو لا يدع مجالاً للشك بأن أهم دعامة من دعائم علم التفسير هي البلاغة؛ ذلك أن أحداً لا يشك بأن التفسير يقوم على علم النحو وأن من أهم شروط المفسر أن يكون على دراية بهذا العلم.
بيان ذلك: أن تأليف الكلام وفقاً لقوانين النحو وأصوله مدخل لفهم معناه وتحديد المراد منه، ولا يخفى أن الأساس الذي قام عليه علم المعاني ـ وهو نظرية النظم ـ هو توخي معاني النحو وأحكامه، كما يقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم في كتابه العظيم (دلائل الإعجاز): " ... إلا أنك قد علمت علماً أبى أن يكون للشك فيه نصيب، وللتوقف نحوكَ مذهبٌ، أنْ ليس "النظم" شيئاً إلا توخي معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه فيما بين معاني الكلم" [ص525].
وهكذا فإن موضوعي (علم المعاني) و (علم النحو) واحد، فهما يبحثان القوانين التي يجب مراعاتها في تأليف الكلام، والعلاقات القائمة بين الكلمات في الجملة وبين الجمل بعضها مع بعض، وأثر ذلك على أداء المعنى المطلوب.
وإذا ثبتت الصلة بين علم المعاني وعلم النحو،
وإذا ثبتت أهمية علم النحو للتفسير،
يثبت ـ بلا شك ـ مدى الصلة الوثيقة التي بين علمي التفسير والبلاغة.
فلا يجوز إقصاء البلاغة عن التفسير، وإبعادها عن وظيفتها في الوقوف على الخصائص التعبيرية للآيات الكريمة واستخلاص معانيها.
ناهيك عن التأثير الذي تحدثه بلاغة آيات الكتاب العزيز في نفس السامع لها والقارئ وإيصال المعنى إلى قلبه في أحسن صورة من اللفظ.
بقيت مسألة وهي التي أشار إليها الدكتور الفاضل مساعد الطيار: "أن هناك معلومات ـ وهي الغالب الأعم ـ لا تدخل في بيان المعنى، وإنما هي مما وراء المعنى، وهذه لا تدخل في علم التفسير، وإنما يحتاجها من يريد الحديث عن إعجاز القرآن الكريم".
أقول: إن ما قصده الدكتور هو ما عبّر عنه الشيخ عبد القاهر بـ (المعنى) و (معنى المعنى) وإنْ شئت قلت: المعاني الأولية للفظ والمعاني الثانوية، والمقصود بـ (المعنى) أو المعاني الأولية تلك المعاني التي نجدها في المعجمات، وهي المعنى المفهوم من ظاهر اللفظ، والذي تصل إليه بغير واسطة، أما (معنى المعنى) أو المعاني الثانوية، فهي الناتجة من خصائص التراكيب اللغوية. أو أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر. [انظر: دلائل الإعجاز، ص262]، و [إتقان البرهان في علوم القرآن، د. فضل عباس، (298:2)].
وهذه المعاني الثانوية مدارها على الكناية والاستعارة والتمثيل كما يقول الشيخ عبد القاهر، وغيره من العلماء.
واضح مما تقدم أن المعاني الثانوية ناتجة من بناء الكلام على أسس البلاغة، وقد سبق الحديث عن علاقة التفسير بالبلاغة. إذن فهذه المعاني ذات صلة وثيقة بعلم التفسير.
والله تعالى أعلم بالصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللهم أكرمنا بأنوار الفهم
وأجرنا من ظلمات الوهم
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Jan 2006, 07:28 م]ـ
علم البلاغة لا يستغني عن معرفته من يريد فهم القرآن على وجهه. وما ذكره الإخوة الفضلاء - الدكتور مساعد والأستاذ مرهف والأخت الباحثة باحثة - أشار إلى جانب مهم من هذه العلاقة الوثيقة بين علم البلاغة والتفسير. وقد أحسنت الباحثة الكريمة في تعريجها على علاقة علم المعاني خصوصاً، وبيان أهميته. وقد كتب الباحثون في علم البلاغة في كثير من موضوعاتهم التفصيلية عن بلاغة القرآن الكريم إلى هذه العلاقة بين البلاغة والتفسير وأفاضوا في ذلك.
ـ[ناصر الغامدي]ــــــــ[09 Jan 2006, 05:30 م]ـ
إضافة مني قد تكون مهمة، والله أعلم
كلامكم عجيب ومفيد
(يُتْبَعُ)
(/)
أكيد أن إعجاز القران في الجانب البلاغي قوي جداً، يعرفه أهل التخصص في علمي التفسير والبلاغة، لكن ما أود التنبيه عليه أن البلاغيين كان لهم أخطاء في التفسير كانت من هذا الباب، أقصد البلاغة، سيما في باب العقيدة، وخاصة في الصفات الألهية.
أذكر ونحن في الجامعة أنّه حصل خطأ نبهنا عليه شيخنا بعد مروره بوقت، وهو في صفة من الصفات وكان الخطأ في المحسنات البديعية وفي باب " المشاكلة ".
لعله في " ويمكرون ويمكر الله "
المهم ما أود المشاركة به باختصار هو أنه:
قد تكون البلاغة باب يمكن أن يُصد به عن الحق في جوانب عقدية
ـ[روضة]ــــــــ[15 Jan 2006, 10:44 م]ـ
إن فهم القرآن الكريم وتفسيره بالاستعانة بعلوم البلاغة يُعدَّ تفسيراً بالرأي (الدراية)، وحتى يكون التفسير بالرأي محموداً مقبولاً لا بد أن تتوفر فيه شروط معروفة لدى المهتمين بهذا العلم، مثل موافقة ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم بتر النص القرآني عن سياقه، وموافقة اللغة العربية، وأن لا يكون التفسير موافقاً لبدعة أو هوى. [للتوسع، انظر: التفسير والمفسرون، الذهبي، (281:2)، والتفسير أساسياته واتجاهاته، د. فضل عباس، ص208].
فإذا اختل شرط أصبح التفسير مذموماً.
وعليه فإن علم البلاغة إذا سُخِّر لتفسير الآيات الكريمة ضمن هذه الشروط فلا مانع منه ما دام يجلي المعنى ويوضح الصورة.
أما إذا أدى إلى محاذير شرعية عقدية فلا خلاف في أنه مردود، فالأمر فيه تفصيل إذن، ولا يجوز أن نردّ هذا العلم المهم جملة.
وكذا يقال في جميع العلوم التي تُعدّ وسائلَ للمفسر في تفسير القرآن الكريم، فإذا أردتَ أن تردّ علم البلاغة لما قد يترتب عليه من معانٍ فاسدة إذا تعسّف المفسر في توظيفه، فعليك أن ترد علم النحو؛ إذ فيه وجوه إعرابية مختلفة للآيات القرآنية، بعضها قد يُخرج الآية عن مقصودها، وعليك أن ترد جميع ما جاء في المعجمات من أصول لغوية للألفاظ، لأن بعضها لا يتناسب مع مراد الله تعالى.
فهذا الإمام الزمخشري ـ رحمه الله وغفر له ـ تكلّف حين فسّر قوله تعالى: "وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة"، ففسر (ناظرة)، بأنها منتظرة، هروباً من إثبات الرؤية لله تعالى يوم القيامة، فمع أن هذا المعنى لا يخالف اللغة العربية إلا أنه يخالف الظاهر من اللفظ، بلا قرينة صارفة، ويخالف السياق، ويوافق مذهبه المعتزلي.
ولكن، لم يقل أحد بعد أن قال الزمخشري ما قال إن دلالات الألفاظ الواردة في اللغة يجب أن تُرفض ولا يُستعان بها في فهم كتاب الله تعالى، وإنما قيّدوا الأمر بعدم اتباع الهوى.
هذا مثال يمكن أن يقاس عليه أي تكلّف أو تعسف أو ليّ لعنق الآية القرآنية، باستخدام أي علم من العلوم التي تصب في توضيح معاني القرآن الكريم.
أما بالنسبة لقوله تعالى: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" [الأنفال:30]، فلم يفسر هذه الآية أحد من أهل السنة تفسيراً يتنافى مع الأصول العقدية المقررة لديهم، وإذا وُجد تفسير مخالف لا يتناسب مع تنزيه الله تعالى فهو بلا شك منسوب لصاحب بدعة وهوى.
ومثل هذا التفسير يردّ لا علم البلاغة.
ولزيادة الفائدة أنقل ما جاء في تفسير الشيخ أبي السعود رحمه الله، وهو من أئمة المفسرين، قال:
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ?للَّهُ} أي يرد مكرَهم عليهم أو يجازيهم عليه أو يعاملهم معاملةَ الماكرين وذلك بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حمَلوا عليهم فلقُوا منهم ما لقُوا {وَ?للَّهُ خَيْرُ ?لْمَـ?كِرِينَ} لا يُعبأ بمكرهم عند مكرِه، وإسنادُ أمثالِ هذا إليه سبحانه مما يحسن للمشاكلة، ولا مساغَ له ابتداءً لما فيه من إيهام ما لا يليق به سبحانه. أ.هـ.
والله أعلم بالصواب
ــــــــــــــ
اللهم أكرمنا بأنوار الفهم
وأجرنا من ظلمات الوهم
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Jan 2006, 02:18 م]ـ
هناك كتاب جيد في هذا الموضوع بعنوان (علاقة التفسير بالبلاغة عند الزمخشري) لعمر حامد الملا حويش. لعلك تراجعه أخي الكريم ففيه تفاصيل جديرة بالقراءة.
ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[19 Jan 2006, 04:08 م]ـ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين .. أما بعد،
فالحديث في علاقة البلاغة بالتفسير يطول كما قال الشيخ مساعد وغيره؛ ولكن ألمح إلى ما يلي:
(يُتْبَعُ)
(/)
1 - علم البلاغة بيان للسان العرب وأساليبهم ونظمهم، وكتاب الله تعالى نزل بهذا اللسان العربي، كما قال الله عز وجل: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) [يوسف: 2].
ومن سنة الله تعالى في إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يكون الرسول والكتاب بلسان القوم الذين أرسل فيهم وأنزل إليهم، كما قال الله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) [إبراهيم: 4].
ولما اصطفى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً إلى قومه العرب خاصة والناس كافة؛ أنزل إليه كتابه بلغة قومه العرب؛ ليفهموا عن الله مراده وخطابه، بياناً لهم وحجة عليهم، كما قال الله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) [يوسف: 2]، وقال سبحانه: (قرآناً عربياً غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون) [الزمر: 28]. وينظر ما قاله الإمام أبو جعفر الطبري في أول مبحث من مباحث مقدمة تفسيره.
ولهذا كانت لغة العرب من المصادر المهمة التي بها يعرف كلام الله تعالى، فلا بد لمن يريد تفسير آيات القرآن الكريم وتوجيهها من معرفة اللغة التي بها نزل، قال الخطيب البغدادي: (يحتاج الناظر في علم القرآن إلى حفظ الآثار ودرس النحو وعلم العربية واللغة؛ إذ كان الله تعالى إنما أنزله بلسان العرب) (1)، وقال ابن فارس: (إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه؛ وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب؛ لم يجد من العلم باللغة بدا) (2)، وقال الشاطبي: (لا بد في فهم الشريعة من اتباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثم عرف فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب) (3).
(وما زال السلف ومن كان على هديهم يستدلون على معاني الكتاب والسنة بكلام العرب من شعر وغيره، وإذا أشكل عليهم فهم لفظة أو تركيب رجعوا إلى كلام العرب وأسلوبها في الكلام) (4)، وقد حكى صاحب كتاب ”المباني في نظم المعاني“ إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تفسير القرآن على شرائط اللغة (5)، وعمَلُ مفسري السلف رحمهم الله بالأخذ بلغة العرب في التفسير إجماعٌ فعلي منهم (6).
(ويفهم من ذلك أن معرفة اللغة العربية شرط في فهم القرآن؛ لأن من أراد تفسيره وهو لا يعرف اللغة التي نزل بها القرآن فإنه لا شك سيقع في الزلل؛ بل سيحرف الكلم عن مواضعه) (7)، وقد روى الخطيب البغدادي عن الحسن البصري أنه سئل: أ رأيت الرجل يتعلم العربية، يطلب بها حسن المنطق، ويلتمس أن يقيم قراءته؟، فقال: حسن، فتعلمها يا أخي، فإن الرجل ليقرأ الآية، فيعي بوجهها، فيهلك فيها) (8)، ولقد أنكر بعض الأئمة على من أخطأ في تفسير كتاب الله من جهة جهلهم بلغة العرب أو قلة المعرفة بها (9).
ومع أن اللغة العربية تعد من أهم مصادر التفسير؛ إلا أنها لا تستقل بفهم القرآن وتفسيره وتوجيه آياته وألفاظه، دون سائر المصادر الأخرى كالقرآن والسنة وآثار السلف رحمهم الله؛ لأن التفسير الصحيح قد يكون من جهة هذه المصادر، أو تكون هذه المصادر محددة للمعنى اللغوي المحتمل عند تعدد وجوه التفسير (10)،.
2 - يختلف العلماء في تحديد وجوه الإعجاز في القرآن إلا أنهم يتفقون -عدا من رأى قصر الإعجاز في الصرفة- على أن الإعجاز البلاغي وجهاً مهماً لا يمكن إغفاله. ولقد عني علماء الإعجاز بهذا الجانب أكثر من غيره، فدونوا في مؤلفات الإعجاز ملحوظاتهم وآراءهم وأفكارهم البلاغية، حتى أصبح معظم الكتب المؤلفة في الإعجاز القرآني مصادر بلاغية، كرسالة الخطابي في إعجاز القرآن، والنكت في إعجاز القرآن للرماني، وإعجاز القرآن للباقلاني، والبرهان الكاشف عن إعجاز القرآن للزملكاني، وغيرها من الكتب، ثم صار البلاغيون يؤلفون مؤلفاتهم البلاغية لتكون وسيلة لفهم الإعجاز القرآني، كما تدل عليه عناوين هذه المؤلفات: دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني، ونهاية الإيجاز في دراية الإعجاز للفخر الرازي، والطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز للعلوي، وغيرها من المؤلفات، وكثيراً ما
(يُتْبَعُ)
(/)
يؤكدون أهمية تعلم البلاغة لفهم القرآن وإدراك إعجازه، ومن ذلك قول أبي هلال العسكري في مقدمة كتاب الصناعتين: (اعلم –علمك الله الخير- أن أحق العلوم بالتعلم وأولاها بالحفظ -بعد المعرفة بالله جل ثناؤه- علم البلاغة والفصاحة الذي يعرف به إعجاز كلام الله)، وقول ابن سنان الخفاجي في مقدمة كتاب سر الفصاحة: (لا بد لمن يبحث في إعجاز القرآن من معرفة سر الفصاحة والبلاغة، سواء أقال بالصرفة أم بغيرها) مع أن ابن سنان يقول بالصرفة، وقول السكاكي في كتاب مفتاح العلوم وهو يتحدث عن الإعجاز: (ولا يمكن تحصيله لغير ذوي الفطرة إلا بإتقان علمي المعاني والبيان والحذق فيهما) وغيرها من الأقوال.
3 - نبه العلماء إلى أهمية العناية بعلم البلاغة لمن أراد تفسير القرآن الكريم، فضلاً عن علوم اللغة الأخرى كما سبق ذكره، وأذكر هنا قول أبي حيان في مقدمة تفسيره البحر المحيط: (اعلم أنه لا يرتقي من علم التفسير ذروته، ولا يمتطي منه صهوته، إلا من كان متبحراً في علم اللسان، مترقياً منه إلى رتبة الإحسان ... ) ثم قال: (ولنبين أن علم التفسير ليس متوقفاً على علم النحو فقط، كما يظنه بعض الناس؛ بل أكثر أئمة العربية هم بمعزل عن التصرف في الفصاحة والتفنن في البلاغة، ولذلك قلت تصانيفهم في علم التفسير، وقل أن ترى نحوياً بارعاً في النظم والنثر، كما قل أن ترى بارعاً في الفصاحة يتوغل في علم النحو. وقد رأينا من ينسب إلى للإمامة في علم النحو وهو لا يحسن أن ينطق بأبيات من أشعار العرب، فضلاً أن عن يعرف مدلولها، أو يتكلم على ما انطوت عليه من علم البلاغة والبيان، فأنى لمثل هذا أن يتعاطى علم التفسير؟ ولله در أبي القاسم الزمخشري حيث قال في خطبة كتابه في التفسير ما نصه: إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح، وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح، من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدق سلكها؛ علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم، كما ذكر الجاحظ في نظم القرآن، فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن بز أهل الدنيا في صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار، وإن كان من ابن القرية أحفظ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه؛ لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله، بعد أن يكون آخذاً من سائر العلوم بحظ، جامعاً بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثير المطالعات، طويل المراجعات ... إلى آخر ما نقله أبو حيان عن الزمخشري.
وينظر إلى ما قاله ابن خلدون في مقدمته حين تحدث عن علوم القرآن.
4 - ثمة اتجاه في التفسير سمي: التفسير البياني، أو البلاغي، وهو اتجاه له جذوره في تفاسير السلف والخلف، وخص في العصر الحاضر بالتأصيل والتأليف، وقد تناوله الدكتور فهد الرومي بالبحث والدراسة والتقويم في كتابه: اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، فليرجع إليه.
هذه إشارات حول علاقة البلاغة بالتفسير، أرجو أن يكون فيها ما ينفع، سائلاً الله التوفيق والسداد وحسن الفهم للقرآن، والعفو عن الزلل والعصيان، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الحواشي==============================
(1) الفقيه والمتفقه1/ 198.
(2) الصاحبي/50.
(3) الموافقات2/ 62، وانظر: كتاب الإيمان، ضمن مجموع الفتاوى7/ 116.
(4) منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد2/ 441.
(5) انظر: مقدمتان في علوم القرآن/201.
(6) انظر: التفسير اللغوي للقرآن/154.
(7) المرجع السابق/41.
(8) الفقيه والمتفقه1/ 198.
(9) انظر أمثلة ذلك في: التفسير اللغوي للقرآن/41.
(10) انظر: المرجع السابق/50 و633.
ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[19 Jan 2006, 04:54 م]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
أشارت الأخت "باحثة" في مشاركتها حول علاقة البلاغة بالتفسير إلى الانحراف في استخدام البلاغة في تفسير القرآن الكريم، وأنه ليس مانعاً من الإفادة من البلاغة في التفسير، وإنما الإنكار على سوء الإفادة، لا على العلم ذاته، وقد كتبت من قبل مشاركة بعنوان: تطويع الأساليب البلاغية لخدمة المعتقد في توجيه الآيات القرآنية، وهذا رابطها لمن أحب الرجوع إليها:
http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=2430
وأحب هنا أن أنبه على ما نقلته "باحثة" عن المفسر أبي السعود العمادي في صفة المكر المضافة إلى الله عز وجل، وقد نَقَلَت الكلام على جهة التسليم، على ما ظننتُ، وقد وقعت الكاتبة فيما فرت منه، حيث استعمل أبو السعود البلاغة في توجيه الصفة توجيهاً مخالفاً لاعتقاد السلف كما فهمتُ.
وأبو السعود من فقهاء الحنفية وقضاتهم في بلاد الترك، وينهج منهج الأشاعرة في الاعتقاد، ولد سنة 898هـ، وقيل غيرها، وتوفي سنة 982هـ، وألف تفسيراً عنوانه: إرشاد العقل السليم ...
ولبيان المسألة أقول:
وردت صفة المكر في آيات عديدة منها: قول الله تعالى: (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) [آل عمران: 54]، وقوله تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) [الأنفال: 30]، وقوله تعالى: (ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون) [النمل: 50]،
وقد ذهب جمع من علماء البلاغة والتفسير بناء على مذاهبهم في الصفات إلى أن المكر المضاف إلى الله عز وجل ليس على حقيقته، وإنما هو مجاز عن العقوبة؛ لأنه سبب لها، فهو من التجوز بلفظ السبب عن المسبب، كما ذكر ذلك العز بن عبد السلام وابن النقيب والقزويني والزركشي (1)، أو أنه من مجاز المقابلة، كما ذكر ذلك السبكي في موضع والزركشي في آيتي آل عمران والنمل، قال الزركشي: (حمل اللفظ على اللفظ، فخرج الانتقام بلفظ الذنب؛ لأن الله لا يمكر) (2)، ومجاز المقابلة هو المشاكلة، وقد استشهد لها بآية آل عمران السكاكي والعلوي والإيجي والرعيني والسجلماسي والزركشي، وبآية النمل العلوي، وبآية الأنفال ابن البناء (3)، وقال بعد أن ذكر جملة من الشواهد: (وهذا النوع كله يقصد به المقابلة وتحقيق المساواة في المعادلة، فلذلك استعير للمعنى الثاني اللفظ عن المعنى الأول) (4)، والمشاكلة عند هؤلاء في إسناد المكر إلى الله تعالى، ظناً منهم أن المكر مذموم بإطلاق، فلا يصح إسناده إلى الله عز وجل، وإنما أسند إليه سبحانه في هذه الآيات مشاكلة للفظ المكر المسند إلى الكافرين.
واعترض السبكي في موضع آخر على عد المكر من مجاز المقابلة بذكر مكر الله في آية الأعراف: أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [الأعراف: 99] (فإنه لم يذكر قبله ولا بعده مكر الآدمي، فلا مقابلة) (5)، والاعتراض لا على كونه مجازاً؛ وإنما على عده من مجاز المقابلة فليتنبه؛ لأن السبكي يرى أن نسبة المكر إلى الله تعالى (ولو وقع استعماله وحده فهو مجاز على الصحيح) كما قال (6)
إلا أن الزركشي رداً على هذا الاعتراض ذكر أنه (وإن لم يتقدم ذكر مكرهم في اللفظ، لكن تقدم في سياق الآية قبله ما يصير إلى مكر، والمقابلة لا يشترط فيها ذكر المقابل لفظاً؛ بل هو، أو ما في معناه) (7)، وهذا الرد فيه نظر؛ لأن المصطلح عليه في المقابلة ذكر الحقيقة بلفظها لا معناها، كما قال السبكي في رده على ابن سنان الخفاجي: (قد أغرب الخفاجي فقال في سر الفصاحة (8): إن قوله تعالى: (فبشرهم بعذاب أليم) (9) من مجاز المقابلة؛ لأنه لما ذكرت البشارة في المؤمنين في آية أخرى، ذكرت في الكافرين، وهذا يقتضي أن مجاز المقابلة لا يشترط فيه ذكر الطرف الحقيقي لفظاً، بل يسمى كل اسم ثبت لأحد المتقابلين حقيقة أطلق على مقابله مجازاً، وفي هذه التسمية نظر؛ لأنها مخالفة لاصطلاح الناس) (10).
وعلى أي القولين فإن صرف لفظ المكر عن حقيقته إلى المجاز لا دليل عليه إلا ما يعتقده هؤلاء من نفي الصفة عن الله عز وجل، واستحالتها عليه عقلاً، وظنهم أن المكر مذموم على الإطلاق.
وقد احتمل العز وبعض من تبعه (أن يكون مكر الله حقيقياً؛ لأن المكر هو التدبير فيما يضر الخصم خفية، وهذا متحقق من الله عز وجل باستدراجه إياهم بنعمه مع ما أعده لهم من نقمه) (11).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومع أن هذا الرأي لا يعدو أن يكون احتمالاً مقدماً عليه المجاز؛ إلا أن السبكي لم يرتضه، فلا يصح عنده هذا الاحتمال، قال: (لأن التدبير –أيضاً- يستحيل نسبة حقيقته إلى الله تعالى) (12)، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (13).
وهذا الذي ذكروه بصيغة الاحتمال هو الحق، وهو ظاهر اللفظ في المعنى الموضوع له، إذ المكر هو: التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر (14)، ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، ويوصف به الله في مقام المدح، لا على الإطلاق، كما في مقام الجزاء والعقوبة ومقابلة مكر الماكرين، ولذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «وامكر لي ولا تمكر علي» (15)، قال الفيروزأبادي: (المكر: صرف الغير عما يقصده بنوع من الحيلة… والمكر ضربان:
محمود؛ وهو ما يتحرى به أمر جميل، وعلى ذلك قوله تعالى: (والله خير الماكرين) (16)
ومذموم؛ وهو ما يتحرى به فعل ذميم، نحو قوله تعالى: (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (17).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رداً على القائلين بالمجاز: (وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن، كلفظ ”المكر والاستهزاء والسخرية“ المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك؛ بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلماً له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلاً) (18)
وفي مختصر الصواعق كلام تام حول وصف الله عز وجل بهذه الصفة وغيرها من الصفات التي غلب استعمال العامة لها في المعاني المذمومة، كالمكر والخداع والاستهزاء والكيد، قال فيه بعد أن ذكر جملة من الآيات فيها: (لما كان غالب استعمال هذه الألفاظ في المعاني المذمومة ظن المعطلون أن ذلك هو حقيقتها، فإذا أطلقت لغير الذم كانت مجازاً. والحق خلاف هذا الظن، وأنها منقسمة إلى محمود ومذموم، فما كان منها متضمناً للكذب والظلم فهو مذموم، وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح فهو حسن ممدوح، فإن المخادع إذا خادع بباطل وظلم، حسن من المجازي له أن يخدعه بحق وعدل، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالماً متعدياً، كان المكر به والاستهزاء عدلاً حسناً…) ثم قال: (فعلم أنه لا يجوز ذم هذه الأفعال على الإطلاق، كما لا تمدح على الإطلاق، والمكر والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم ولا من جهة القدرة، فإن العلم والقدرة من صفات الكمال؛ وإنما يذم ذلك من جهة سوء القصد وفساد الإرادة، وهو أن الماكر المخادع يجور ويظلم بفعل ما ليس له فعله أو ترك ما يجب عليه فعله)، ثم قال: (والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه، وهذا إذا نزلنا ذلك على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين؛ وأنه سبحانه منزه عما يقدر عليه مما لا يليق بكماله، ولكنه لا يفعله لقبحه وغناه عنه، وإن نزلنا ذلك على نفي التحسين والتقبيح عقلاً؛ وأنه يجوز عليه كل ممكن ولا يكون قبيحاً، فلا يكون الاستهزاء والمكر والخداع منه قبيحاً ألبتة، فلا يمتنع وصفه به ابتداء، لا على سبيل المقابلة على هذا التقدير، وعلى التقديرين فإطلاق ذلك عليه سبحانه على حقيقته دون مجازه) (19)، والله أعلم.
الحواشي===========================
(1) مجاز القرآن/209و442، ومقدمة تفسير ابن النقيب/36، والإيضاح/400، والبرهان للزركشي 2/ 381.
(2) عروس الأفراح3/ 180، و4/ 38و44، والبرهان للزركشي2/ 397،.
(3) انظر: المفتاح/424، والروض المريع/164، والطراز/387، والفوائد الغياثية/161، وطراز الحلة/413، والمنزع البديع/402، والبرهان للزركشي3/ 449 و3/ 507.
(4) الروض المريع/164، وقال الدكتور محمد الصامل في المدخل إلى بلاغة أهل السنة/80 بعد أن ذكر قول ابن البناء: (وهذا هو مفهوم المشاكلة عند المتأخرين).
(5) عروس الأفراح4/ 38، وانظر: الإكسير/65، ومختصر الصواعق المرسلة/289 و292.
(6) عروس الأفراح3/ 180.
(7) البرهان للزركشي 2/ 397.
(8) انظر: سر الفصاحة/133، وهذا القول نقله عن أبي بكر الصولي.
(9) آل عمران: 21، والتوبة: 34، والانشقاق: 24.
(10) عروس الأفراح4/ 44، وانظر: الإكسير/65.
(11) انظر: مجاز القرآن/209 و442، ومقدمة تفسير ابن النقيب/36، والإيضاح/400.
(12) عروس الأفراح4/ 38.
(يُتْبَعُ)
(/)
(13) نفى السبكي عن الله عز وجل حقيقة التدبير، وقد أثبتتها النصوص الشرعية، في قول الله سبحانه: ثم استوى على العرش يدبر الأمر [يونس/3]، وقوله: يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون [الرعد/2]، وقوله: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض [السجدة/5]، بل إن المشركين أثبتوا هذا التدبير لله عز وجل حيث قال الله: قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ومن يخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [يونس/31].
وأما ما ذكره السبكي وغيره من تأويلات واعتراضات فإنما هو مبني على الأهواء الفاسدة والعقيدة الباطلة في صفات الله وأفعاله، وهو يتفق مع نفي الأشاعرة للحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى؛ لأن التدبير هو: تصريف الأمور على ما يوجب حسن عواقبها، قال السبكي بعد نفيه نسبة التدبير إلى الله: (قال الجوهري: التدبير في الأمر: أن ينظر إلى ما تؤول إليه عاقبته، وقال الراغب: هو التفكر في دبر الأمور، وقال الغزالي: هو جودة الروية في استنباط الأصلح، وهو على الله محال)، فما لم تدركه عقولهم القاصرة يستحيلونه على الله، مع أن المشركين الذين خاطبهم الله بلغتهم أجابوا على حد ما خاطبهم الله به إثباتاً لا نفياً، فأقرهم الله على ذلك، وجعله من علامات الرشد والتقوى لمن أرادهما، والله أعلم.
(14) انظر: لسان العرب5/ 183 مادة (م ك ر).
(15) أخرجه أحمد (1/ 227 - ح1997)، وأبو داود (ح1510)، والترمذي (ح3551) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (ح3830)، والحاكم (1/ 519) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند، والألباني في صحيح سنن أبي داود (ح1337).
(16) آل عمران: 54.
(17) بصائر ذوي التمييز4/ 516، وانظر: حاشية الدسوقي على مختصر السعد، ضمن شروح التلخيص3/ 181.
(18) الإيمان/106، وهو ضمن مجموع الفتاوى7/ 111، وانظر: إعلام الموقعين3/ 217، ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين1/ 170.
(19) مختصر الصواعق المرسلة/292.
ـ[فهد الناصر]ــــــــ[22 Jan 2006, 03:39 م]ـ
بارك الله فيكم جميعاً على هذه التعقيبات العلمية النافعة، وأخص الأخت باحثة، والأخ يوسف العليوي لتفصيلهم وتوثيقهم.
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[25 Jan 2006, 08:38 م]ـ
الاخ يوسف العلوي بارك الله فيك وجزاك خيرا على ما خطت يمينك.
الاشكال يتعلق بفهم البلاغة لا بالبلغة نفسها كما اشرت في اخر كلامك بالربط السابق.
بعد ان درست البلاغة في مادة في اللغة العربية وجدت شيئا اود ان تفيدنا والاخوة فيه فهو استنتاج مني ولم ارى في الكتب ما يسعفني في ذلك.
فقد وجت ان ما يستخدم للتشبيه او للمجاز يتبعه المدح والذم بصور مختلفة.
فان كان صاحب الصفة هو افضل فيما اجرينا عليه الموصوف يدخله نوع من المدح.
كقولك فلان اسد تقصد بالقوة والشجاعة وان كان العكس دخله نوع من الذم كقولك فلان قط تقصد بالضعف والانهزام.
قس على هذه الاحوال اي صفات ستجد بين الموجودات ستجدها كذلك.
وبالتالي يستحيل ان تكون صفات الله عز وجل مجازية على نحوا ما فعله نفاة الصفات.
اي ان البلاغة لا يستخدم منها شيء بشكله الصحيح بما يخالف الايمان.
ولم اجد مثالا للتشبيه او للاستعارة الا وجدته موافقا لما ذكرت. فهل هي قاعدة في لسان العرب ام ان هناك اوجه تخرج عن هذه الطريقة؟
ـ[يوسف العليوي]ــــــــ[27 Jan 2006, 01:57 م]ـ
الأخ مجدي أبو عيشة
سلام عليكم ورحمة من الله وبركات .. أما بعد،
فآمل منك إيضاح المقصود من مشاركتك بأسلوب واضح وسليم لغوياً، مع ذكر الأمثلة التي تبين ما أردت.
وأسأل الله أن يرزقني وإياك العلم النافع والعمل الصالح.(/)
ترجمة عبرية جديدة لمعاني القرآن بمجمع الملك فهد بالمدينة
ـ[حاتم القرشي]ــــــــ[30 Dec 2005, 01:51 م]ـ
طُرح بمجمع الملك فهد للمصحف بالمدينة مشروع ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة العبرية. وقالت إدارة المجمع " إن اللجنة لم تتخذ قرارها بعد بشكل نهائي بالبدء بالترجمة الجديدة. مؤكداً أن " أي ترجمة لمعاني القرآن تمر بعدد من الخطوات الإدارية وتجميع المعاني الكاملة لتلك اللغة ليتم البدء في الترجمة إلى نهايتها بشكل سلس والتأكد من عدم وجود أخطاء فيها " وأضاف: " من المتوقع البدء في تنفيذ المشروع خلال أربعة أشهر. علماً أن هناك ترجمات عبرية للقرآن صدرت سابقاً.
يذكر أن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف استطاع خلال عشرين عاماً الانتهاء من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى 47 لغة وستكون العبرية إذا ما تم تنفيذها اللغة رقم 48.
انتهى منقولاً من جريدة النخبة عدد 377 السبت 15 ذو القعدة 1426 هـ 17 ديسمبر 2005 م(/)
كلا إذا بلغت التراقي
ـ[القوي الأمين]ــــــــ[30 Dec 2005, 03:06 م]ـ
http://www.geocities.com/kahky2002/clavicle.jpg
ذَكَرَ الله سبحانه و تعالى أن الروح إذا بلغت التراقي فإن ذلك علامةٌ على نهاية الحياة ...
فالترقوة هي آخر عظمةٍ تخرج منها الروح .. فما هو سر هذه العظمة؟
أثبت علم الأجنة أن عظمة الترقوة هي أول العظام تكوينا في جسم الجنين حيث تتكون في الأسبوع الرابع ..
و أول عظمة تتكون بعدها تتكون في الأسبوع الثامن من الحمل
سبحان الله
فعظمة الترقوة هي أولى العظام التي تدب فيها الحياة
وهي آخر العظام التي تخرج منها الروح
من الخصائص الأخرى لعظمة الترقوة:
هي العظمة الطويلة الوحيدة في جسم الإنسان الموجودة بالعرض
فكل العظام الطويلة موجودة بالطول ما عدا الترقوة
هي العظمة الطويلة الوحيدة في جسم الإنسان التي يكون أصلها غشائيا
فكل العظام الطويلة أصلها غضروفي
فسبحان الله العظيم الذي أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى
موقع الدكتور محمد الكحكي ( http://www.geocities.com/kahky2002)
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Oct 2007, 06:09 م]ـ
جزاكم الله خيراً يا دكتور، وزادك الله توفيقاً.
سبحان الله العظيم، ونسال الله أن يحسن ختاماً فما أكثر ما نجهل من أسرار خلق الله للإنسان.(/)
حديث المغيرة بن شعبة وأقوال العلماء في الآية 29 من سورة مريم
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[31 Dec 2005, 02:21 ص]ـ
ورد حديث المغيرة بن شعبة في سبعة كتب من أصول كتب السنة, وقد استخرجناها منها وسقنها بسندها ومتنها لكي لا نترك لمتخرص على الحديث مقالا ثم سقنا أقوال أهل الحديث في توثيق عبد الله بن إدريس الأودي الذي مدار الحديث عليه, ثم أعقبنا ذلك بأقوال بعض أعلام المفسرين التي لم تبق لطاعن في الآية المذكورة شبهة.
[حديث المغيرة في كتب السنة]
[1] مصنف أبي بكر بن أبي شيبة (ت.235هـ) 7/ 427: [[حديث 37019 حدثنا ابن إدريس عن أبيه عن سماك عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا لي إنكم تقرأون ((يا أخت هارون)) وبين موسى وعيسى ما شاء الله من السنين فلم أدر ما أجيبهم به حتى رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين من قبلهم]].
[2] مسند أحمد بن حنبل (164 - 241هـ) 4/ 252: [[حديث 18226 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن إدريس قال سمعت أبي يذكره عن سماك عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران قال فقالوا أرأيت ما تقرؤون ((يا أخت هارون)) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا قال فرجعت فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم]].
[3] صحيح مسلم (ت.261هـ) 3/ 1685: [[حديث 2135 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو سعيد الأشج ومحمد بن المثنى العنزي واللفظ لابن نمير قالوا حدثنا بن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال لما قدمت نجران سألوني فقالوا إنكم تقرؤون ((يا أخت هارون)) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم]].
[4] سنن الترمذي (ت 279هـ) 5/ 315: [[باب ومن سورة مريم: حديث 3155 بسم الله الرحمن الرحيم حدثنا أبو سعيد الأشج ومحمد بن المثنى قالا حدثنا بن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا لي ألستم تقرؤون (يا أخت هارون) وقد كان بين عيسى وموسى ما كان فلم أدر ما أجيبهم فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث بن إدريس]].
[5] السنن الكبرى للنسائي أحمد بن شعيب (ت.303هـ) 6/ 393:
[[سورة مريم قوله تعالى: (يا أخت هارون) , حديث 11315. أنا محمد بن يحيى بن أيوب نا بن إدريس قال حدثني أبي عن سماك قال حدثني أبي عن سماك عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال كنت بأرض نجران فسألوني فقالوا أرأيتم شيئا تقرؤونه ((يا أخت هارون)) وبين موسى وعيسى ما قد علمتم من السنين قال فلم أدر ما أجيبهم به فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين]].
[6] صحيح ابن حبان (354هـ) 14/ 143:
[[ذكر البيان بأن بني إسرائيل كانوا يسمون في زمانهم بأسماء الصالحين قبلهم.
حديث 6250 أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان أخبرنا نوح بن حبيب حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقال لي أهل نجران ألستم تقرؤون هذه الآية ((يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا)) وقد عرفتم ما بين موسى وعيسى فلم أدر ما أرد عليهم حتى قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك فقال لي أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم]].
[7] المعجم الكبير لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (260 - 360هـ) تحقيق: حمدي بن عبد الله المجيد السلفي, الموصل, 1983 جزء 20/ص 411.
(يُتْبَعُ)
(/)
[[حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ح وحدثنا عبيد بن غنام ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ح وحدثنا علي بن عبد العزيز ثنا بن الأصبهاني ح وحدثنا محمد بن يحيى القزاز البصري ثنا عمران بن ميسرة الأودي ح وحدثنا أبو حصين القاضي ثنا يحيى الحماني قالوا ثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا لي فيما قالوا كانت فيما تقرؤون (يا أخت هارون) قد كان بين موسى وبين عيسى ما قد علمتم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسمائهم وبالصالحين الذين كانوا قبلهم]].
[كلام العلماء في عبد الله بن إدريس بن يزيد راوي حديث المغيرة بن شعبة]
[1] التاريخ الكبير للبخاري (ت.256هـ) ج5/ 47:" عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي سمع أباه والشيباني ومالك بن أنس قال على روى معن عن مالك عن عبد الله بن إدريس. وقال محمد بن المثنى مات سنة ثنتين وتسعين ومائة وكنيته أبو محمد قال أحمد ولد سنة خمس عشرة ومائة".
[2] معرفة الثقات لأحمد بن عبد الله العجلي الكوفي (ت.261هـ) 2/ 21:" 853 عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي ثقة ثبت صاحب سنة زاهد صالح وكان عثمانيا يحرم النبيذ".
[3] الجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت.327هـ) ,5/ 8:" 44 عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي الكوفى أبو محمد روى عن أبيه والشيباني ومطرف ومالك بن أنس. روى عنه مالك بن أنس سمعت أبى يقول ذلك قال أبو محمد روى عنه عبد الله بن المبارك وأحمد بن يونس ومحمد بن سعيد بن الأصبهاني والحسن بن الربيع وابنا أبى شيبة.
نا عبد الرحمن حدثني أبى نا نصر بن على قال خبرنى أبى قال قال لي شعبة ببغداد:" ههنا رجل من أصحابي من علمه ومن حاله وجعل يثنى عليه أشتهى أنى أعرف بينك وبينه فجمع بيني وبين ابن إدريس. نا عبد الرحمن حدثني أبى نا احمد بن عبيد الله بن صخر الغداني نا بن إدريس وكان مرضيا. نا عبد الرحمن نا عبد الله بن احمد بن محمد بن حنبل فيما كتب الى قال سمعت أبى ذكر بن إدريس قال كان نسيج وحده. ثنا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال: عبد الله بن إدريس ثقة. نا عبد الرحمن نا على بن الحسين قال سمعت بن نمير يقول:" بن إدريس كان أتقن وحفص بن غياث كان أعلم بالحديث من بن إدريس وابن أبى زائدة كان أكثر في الحديث من بن إدريس وفى الإتقان. نا عبد الرحمن حدثني أبى قال قال على بن المديني: عبد الله بن إدريس من الثقات. نا عبد الرحمن نا علي بن الحسن الهسنجاني قال سمعت أبا جعفر الجمال يقول كان بن إدريس حافظا لما يحفظ. نا عبد الرحمن سمعت أبى يقول حديث بن إدريس حجة يحتج بها وهو إمام من أئمة المسلمين ثقة. نا عبد الرحمن قال سئل أبى وأبو زرعة عن يونس بن بكير وعبدة بن سليمان وسلمة بن الفضل في ابن إسحاق أيهم أحب إليكما قالا بن إدريس أحبهم إلينا".
[ذكر بقية من وثق عبد الله ابن إدريس الأودي]
[4] تاريخ بغداد لأحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي (ت463هـ) 9/ 415 - 420.
[5] التعديل والتجريح لن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح, لأبي الوليد الباجي (ت.478هـ) 2/ 903 - 904.
[6] سير أعلام النبلاء 9/ 42 - 48.
[7] تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني1/ 295:" 3207.
[8] طبقات الحفاظ للسيوطي1/ 124:" 251.
[أقوال بعض أعلام المفسرين بشأن الآية 29 من سورة مري]
[أ] قول ابن جرير الطبري تفسير, الطبري 16/ 77 - 78:
[[اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لها (يا أخت هارون) ومن كان هارون هذا الذي ذكره الله وأخبر أنهم نسبوا مريم إلى أنها أخته.
[1] فقال بعضهم قيل لها يا أخت هارون نسبة منهم لها إلى الصلاح لأن أهل الصلاح فيهم كانوا يسمون هارون وليس بهارون أخي موسى.
ذكر من قال ذلك:
[قول قتادة]
حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله يا أخت هارون قال كان رجلا صالحا في بني إسرائيل يسمى هارون فشبهوها به فقالوا يا شبيهة هارون في الصلاح.
(يُتْبَعُ)
(/)
حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله (يا أخت هارون) ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا قال كانت من أهل بيت يعرفون بالصلاح ولا يعرفون بالفساد ومن الناس من يعرفون بالصلاح ويتوالدون به وآخرون يعرفون بالفساد ويتوالدون به وكان هارون مصلحا محببا في عشيرته وليس بهارون أخي موسى ولكنه هارون آخر ( ... ).
[قول كعب الحبر]
حدثني يعقوب قال ثنا ابن علية عن سعيد بن أبي صدقة عن محمد بن سيرين قال نبئت أن كعبا قال إن قوله (يا أخت هارون) ليس بهارون أخي موسى قال فقالت له عائشة كذبت قال يا أم المؤمنين إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر وإلا فإني أجد بينهما ست مئة سنة قال فسكتت.
[قول ابن زيد]
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله (يا أخت هارون) قال اسم واطأ اسما, كم بين هارون وبينهما من الأمم؟ أمم كثيرة.
[حديث المغيرة بن شعبة]
حدثنا أبو كريب وابن المثنى وسفيان وابن وكيع وأبو السائب قالوا ثنا عبد الله بن إدريس الأودي قال سمعت أبي يذكر عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا لي ألستم تقرؤون (يا أخت هارون) قلت بلى وقد علمتم ما كان بين عيسى وموسى فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم.
حدثنا ابن حميد قال ثنا الحكم بن بشير قال ثنا عمرو عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حوائجه إلى أهل نجران فقالوا أليس نبيك يزعم أن هارون أخو مريم هو أخو موسى فلم أدر ما أرد عليهم حتى رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال إنهم كانوا يسمون بأسماء من كان قبلهم.
[2] وقال بعضهم عنى به هارون أخو موسى ونسبت مريم إلى أنها أخته لأنها من ولده يقال للتميمي يا أخا تميم وللمضري يا أخا مضر.
ذكر من قال ذلك:
[قول السدي]
حدثنا موسى قال ثنا عمرو قال ثنا أسباط عن السدي (يا أخت هارون) قال كانت من بني هارون أخي موسى وهو كما تقول يا أخا بني فلان.
[قول آخرين]
وقال آخرون بل كان ذلك رجلا منهم فاسقا معلن الفسق فنسبوها إليه.
[مختار الطبري]
قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه وأنها نسبت إلى رجل من قومها]].
[ب] مختار فخر الدين الرازي (ت.606هـ) , التفسير الكبير 21/ 207 - 206:
[[كان لها أخ يسمى هارون من صلحاء بني إسرائيل فعيرت به وهذا هو الأقرب لوجهين:
الأول: أن الأصل في الكلام الحقيقة, وإنما [كان] ظاهر الآية محمولا على حقيقتها لو كان لها أخ يسمى هارون.
الثاني: إنها أضيفت إليه [يعني أخوها] ووصف أبوها بالصلاح وحينئذ يصير التوبيخ أشد لأن من كان حال أبويه وأخيه هذه الحالة يكون صدور الذنب عنه أفحش]].
[ج] أثير الدين محمد بن يوسف ابن حيان الأندلسي (ت.745هـ) في البحر المحيط 6/ 186:
[[(يا أخت هارون) الآية. الظاهر أنه أخوها الأقرب, وكانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم]].
[د] ابن كثير 3/ 119 - 120:
[رد ابن كثير على القرظي الذي زعم أنها مريم أخت هارون بن عمران النبي]
[[وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا المفضل بن فضالة حدثنا أبو صخر عن القرظي في قول الله عز وجل يا أخت هارون قال هي أخت هارون لأبيه وأمه وهي أخت موسى أخي هارون التي قصت أثر موسى فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون.
وهذا القول خطأ محض فإن الله تعالى قد ذكر في كتابه أنه قفى بعيسى بعد الرسل فدل على أنه آخر الأنبياء بعثا وليس بعده إلا محمد صلوات الله وسلامه عليهما ولهذا ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" أنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي" ولو كان الأمر كما زعم محمد بن كعب القرظي لم يكن متأخرا عن الرسل سوى محمد ولكان قبل سليمان بن داود فإن الله قد ذكر أن داود بعد موسى عليهما السلام في قوله تعالى: (ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله وذكر القصة إلى أن قال وقتل داود جالوت) الآية.
[بيان منشأ خطأ القرظي]
والذي جرأ القرظي على هذه المقالة ما في التوراة بعد خروج موسى وبني إسرائيل من البحر وإغراق فرعون وقومه قال وقامت مريم بنت عمران أخت موسى وهارون النبيين تضرب بالدف هي والنساء معها يسبحن الله ويشكرنه على ما أنعم به على بني إسرائيل فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى وهذه هفوة وغلطة شديدة بل هي باسم هذه وقد كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم كما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس سمعت أبي يذكره عن سماك عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا أرأيت ما تقرؤون يا أخت هارون وموسى قبل عيسى بكذا وكذا قال فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم انفرد بإخراجه مسلم والترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن إدريس عن أبيه عن سماك به وقال الترمذي حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إدريس ... ]].
[هـ] كلام أبي العباس القرطبي (ت.656هـ) في المفهم لما أشكل من كتاب مسلم 5/ 461:
[[وحديث المغيرة يدل على أن مريم إنما سميت أخت هارون بأخ لها كان اسمه ذلك, ويُبطل قول من قال من المفسرين إنها إنما قيل لها ذلك لأنها شبهت بهارون أخي موسى في عبادته ونسكه]].
فهل بعد هذا البيان يأتي جاهل من غيرنا أو منا وينسب لكتاب الله الخلط بين مريم أم عيسى و مريم أم موسى؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[المعظم لربه]ــــــــ[01 Jan 2006, 06:56 م]ـ
[قول كعب الحبر]
حدثني يعقوب قال ثنا ابن علية عن سعيد بن أبي صدقة عن محمد بن سيرين قال نبئت أن كعبا قال إن قوله (يا أخت هارون) ليس بهارون أخي موسى قال فقالت له عائشة كذبت قال يا أم المؤمنين إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قاله فهو أعلم وأخبر وإلا فإني أجد بينهما ست مئة سنة قال فسكتت.
فهل بعد هذا البيان يأتي جاهل من غيرنا أو منا وينسب لكتاب الله الخلط بين مريم أم عيسى و مريم أم موسى؟
ألا ترى أنك بسطرك الأخير شملت بالجهل أم المؤمنين عائشة ... نزولا على رأي "الحبر" الإسرائيلي؟؟.
ومع كل الإحترام لما جمعت من الأقوال -دون الأدلة- فأنا على رأي أم المؤمنين عائشة, وإن "لبّس" عليها الحبر!.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[01 Jan 2006, 08:16 م]ـ
أخي أقول إن الحبر سأل سؤالا لم تجب عنه أمنا عائشة.
فقد طلب منها أن تبين أنها سمعت الرأي الذي ظنته من النبي صلى الله عليه وسلم.
فلو كان عندها سماع لما جاز لها كتمانه.
وما قاله الحبر لا لبس فيه فهل يشك أحد في أن بين زمن عيسى وزمن موسى وأخيه هارون
قرونا؟
والحق أن من طعن في القرآن هو الذي لبس على البعض بأن المقصود بهارون في الآية هو عين هارون النبي أخي موسى. لييبني على دعواه تلك خلط القرآن بين الرجلين وأنه لم يفرق بين عصريهما. مع أن التفريق بين عيسى وموسى في الزمان جلي في القرآن كما بينه ابن كثير و كما بينه بتفصيل الدكتور إبراهيم عوض في مقال له نشر على الملتقى في رده على من التبس عليه الأمر و على من يريد التلبيس.
ـ[المعظم لربه]ــــــــ[04 Jan 2006, 12:16 م]ـ
يا أخي سمير ..
الفارق الزمني هو ضعف ما ذكر الحبر -هكذا هو في حسبة التاريخ- ومع ذلك لا يمنع ذلك أن يكون الرجل هو هو, فعند الله من عمر مثل نوح, وعنده من لا أب له, وعنده من لا أب ولا أم له, وعنده من مات ثم قام, وعنده من نام ثلاث مائة سنين وزيادة ....
فأن يرد احتمال أن يُعمر"عمران" عمرا طويلا ليس بالمعجز على الله بعد هذا كله!!!!!!
وسكوت أم المؤمنين, ليس نهاية المطاف, فكم من ساكت والحق معه!.
على كل هذا بحث يدور حول هذا الاستدلال, وأن من العظيم أن يكون العمران المذكور واحدا, وليس طعنا .. ولو طعن المنافقون .... بل هو -إن يكن كذلك- آية بالغة!!
ابحث تجده عن طريق محركات البحث في موقع (أسرار القرآن لباحث إسمه صلاح أبو عرفة) والعنوان كما أذكر يدور حول مريم ويوسف وموسى أنهم إخوة!.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[14 Jan 2006, 09:15 م]ـ
إن كنت تقول بجميع أقوال أبي عرفة في المقال الذي نوهت به فقل بأنك تلتزم جميعها ثم لخص لنا عمدة ما حتج به في المسألة ليكون كلامنا معك على بينة.
ـ[المعظم لربه]ــــــــ[23 Jan 2006, 04:02 م]ـ
لا أزيد على أن ما قرأت من بحثه هو "أكثر من ممكن" بل هو معقول جدا ..
ولو رجعت أخي إلى ما في أمهات التفسير عند علمائنا, لما وجدت ما يصح أن نسميه بحثا, بل هو قول غير مفروض, وهذا مجمل ما يقوله أبو عرفة!.
وحبذا لو بينت لي مآخذك على بحثه .. وقد شغلني كثيرا .. وقرأت ردود المشاركين خصوصا رد الدكتور موسى البسيط, ولم أجد ردا قويا يمنع أو يبطل ما يجوز لنا أن نسميه نظرية قوية من صاحبها!.
ثم ما هذا السؤال الذي بدأت به عن "المذهب"!!!!!
ما مذهبك أنت قبل أن تسأل عن مذهبي؟.
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[26 Jan 2006, 03:21 م]ـ
اقتباس:
(حديث المغيرة بن شعبة وأقوال العلماء في الآية 29 من سورة مريم)
....................
.....................
.....................
فهل بعد هذا البيان يأتي جاهل من غيرنا أو منا وينسب لكتاب الله الخلط بين مريم أم عيسى و مريم أم موسى؟
_______________________________________________
- رقم الآية المشار إليها في عنوان المشاركة المقتبس - أعلاه - إنما هو: (28: من سورة مريم) - و ليس كما ذكر أنه: الآية 29 من سورة مريم - وفق ترتيب الآيات في نسخ المصاحف التي معنا:
{ي?أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ?مْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} * (28)
هذا أولا،
و ثانيا:
من الذي قال: " مريم أم موسى " - الوارد في الاقتباس أعلاه -؟
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[27 Jan 2006, 06:00 ص]ـ
يا أخي سمير ..
(يُتْبَعُ)
(/)
...................
...................
...................
على كل هذا بحث يدور حول هذا الاستدلال, وأن من العظيم أن يكون العمران المذكور واحدا, وليس طعنا .. ولو طعن المنافقون .... بل هو -إن يكن كذلك- آية بالغة!!
ابحث تجده عن طريق محركات البحث في موقع (أسرار القرآن لباحث إسمه صلاح أبو عرفة) والعنوان كما أذكر يدور حول مريم ويوسف وموسى أنهم إخوة!.
انتهى الاقتباس
==================================
- من الخطأ - بل من الخطل - الاستناد إلى مثل ذلك المسمى " بحثا " و الاستشهاد بما انتهى إليه صاحبه من رأي، و ذلك الموقع المذكور آنفا مريب و مشبوه.
و هذا الاستشهاد لا يعتد به و لا يلتفت إليه بسبب تدليس صاحبه في نقله عن الإمام ابن كثير - فيما زعمه مصدقا و مؤيدا لادعائه - فقد قال ذلك الدعيّ، المدعو ب" أبي عرفة ":
((معلوم بداهة أن موسى أخو هارون، ثم نقرأ في سورة "مريم" أن مريم أخت هارون كذلك (يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء) مريم. بما يحار معها علماء التفسير على غير قول متفق عندهم،
.......................
......................
مرتكزات ثلاثة:
أولاً: ما ورد في التفسير عن محمد بن كعب القرظي، وهو ممن أسلم من يهود المدينة وصار علماً من أعلام القرآن والتفسير، فلا شك أنه أعلم من غيره ممن أسلم من العرب، ولم يكن من أهل الكتاب، فيقف مثل القرظي على كتب بني إسرائيل وأنسابهم وأسمائهم. فقد روى ابن كثير عنه أنه قال: "إن مريم أخت هارون أخو موسى بن عمران"، مخالفاً بذلك سواد أهل التفسير، فهذا البحث ليس بدعة، فقد سبقنا فيه إمام علم ... )).
انتهى النقل
**************
- و الناقل المذكور غير أمين فيما نقل، فقد ذكر أنه ((قد روى ابن كثير عنه أنه قال: "إن مريم أخت هارون أخو موسى بن عمران"))، و لم يبيّن حقيقة قول ابن كثير، حيث قال: " وحكى ابن جرير عن بعضهم أنهم شبهوها برجل فاجر كان فيهم يقال له: هارون.
ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير، وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم: ... "، و كذا لم يذكر رأي ابن كثير - رحمه الله - حيث قال: " وهذا القول خطأ محض "،
- و هذا كلام ابن كثير في تفسير ه:
[[قال علي بن أبي طلحة والسدي: قيل لها: {ي?أُخْتَ هَـ?رُونَ} أي: أخي موسى، وكانت من نسله؛ كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللمضري: يا أخا مضر وقيل: نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون، فكانت تقاس به في الزهادة والعبادة، وحكى ابن جرير عن بعضهم أنهم شبهوها برجل فاجر كان فيهم يقال له: هارون.
ورواه ابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير، وأغرب من هذا كله ما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا المفضل بن فضالة، حدثنا أبو صخر عن القرظي في قول الله عز وجل: {ي?أُخْتَ هَـ?رُونَ} قال: هي أخت هارون لأبيه وأمه، وهي أخت موسى أخي هارون التي قصت أثر موسى
{فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ}
[القصص: 11] وهذا القول خطأ محض،]]. انتهى
- و عليه، يتبين بطلان ما ادعاه صاحب البحث المكذوب - المذكور من قبل - على ابن كثير أن مريم هي أخت هارون - أخي موسى عليهم السلام، و ما بني على باطل فهو باطل بلا ريب.
و الذي اختاره ابن كثير في تفسيره للآية {ي?أُخْتَ هَـ?رُونَ} أي: يا شبيهة هارون في العبادة.
{مَا كَانَ أَبُوكِ ?مْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} أي: أنت من بيت طيب طاهر معروف بالصلاح والعبادة والزهادة، فكيف صدر هذا منك؟ قال علي بن أبي طلحة والسدي: قيل لها: {ي?أُخْتَ هَـ?رُونَ} أي: أخي موسى، وكانت من نسله؛ كما يقال للتميمي: يا أخا تميم، وللمضري: يا أخا مضر وقيل: نسبت إلى رجل صالح كان فيهم اسمه هارون، فكانت تقاس به في الزهادة والعبادة ........
* * *
و ما ذكره ابن كثير عن ابن جرير الطبري - رحمهما الله - فبيانه و تمامه ما يلي، قال الطبري:
" حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ {يا أُخْتَ هارُونَ} قال: كانت من بني هارون أخي موسى، وهو كما تقول: يا أخا بني فلان.
وقال آخرون: بل كان ذلك رجلاً منهم فاسقاً معلن الفسق، فنسبوها إليه.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما جاء به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه، وأنها نسبت إلى رجل من قومها ".
ـ[المعظم لربه]ــــــــ[27 Jan 2006, 11:36 م]ـ
كل الإحترام لأبي بكر خليل.
ـ[المعظم لربه]ــــــــ[27 Jan 2006, 11:37 م]ـ
مع احترامي البالغ أخي أبا بكر خليل ...
فقد رابني أسلوبك وانفعالك, أكثر من "ريبة" الموقع نفسه!!
فحبذا, لو تناولنا الأمور بالموضوعية بدل التشكيك وحسب .. فكثير من العلم يضع في عباءة الشك والريبة والتخويف ..
ثم .. أراك بنيت كل ردك المرتاب على ما ادعاه الرجل عن قول ابن كثير رضي الله عنه .. فرابني الحق كثيرا, أن يكون افترى على ابن كثير ما افتراه, فرجعت أنظر, فوجدت في تفسير اللباب لابن عادل الدمشقي في تفسير هذه الآية مصداقا لما قال الرجل ... فراجعه حفظك الله ... إذ لم يعد باطلا ما بني على غير باطل! ..
وهذا هو نص (اللباب): قال ابن كثير: وأخطأ محمد ابن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهارون نسبا؛ فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على من عنده أدنى علم, وكأنه غره أن في التوراة أن مريم -أخت موسى, وهارون- ضربت بالدف يوم نجى الله موسى وقومه, وغرق فرعون وجنوده, فاعتقد أن هذه هي تلك, وهذا في غاية البطلان, ومخالفة للحديث الصحيح المتقدم." إنتهى النقل.
فانظر فيه فتح الله عليك, وأبلغنا رأيك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[28 Jan 2006, 09:48 ص]ـ
... , فرجعت أنظر, فوجدت في تفسير اللباب لابن عادل الدمشقي في تفسير هذه الآية مصداقا لما قال الرجل ... فراجعه حفظك الله ... إذ لم يعد باطلا ما بني على غير باطل! ..
وهذا هو نص (اللباب): قال ابن كثير: وأخطأ محمد ابن كعب القرظي في زعمه أنها أخت موسى وهارون نسبا؛ فإن بينهما من الدهور الطويلة ما لا يخفى على من عنده أدنى علم, وكأنه غره أن في التوراة أن مريم -أخت موسى, وهارون- ضربت بالدف يوم نجى الله موسى وقومه, وغرق فرعون وجنوده, فاعتقد أن هذه هي تلك, وهذا في غاية البطلان, ومخالفة للحديث الصحيح المتقدم." إنتهى النقل
فانظر فيه فتح الله عليك, وأبلغنا رأيك.
_______________________________________________
- رأيي فيه هو رأي الأئمة المفسرين، مثل ابن كثير و ابن عادل - المذكور و المنقول منك أعلاه - و هو:
[[هذا في غاية البطلان, ومخالفة للحديث الصحيح المتقدم]].
هذا من ناحية،
و من ناحية ثانية:
لا تثريب على من ارتاب فيمن من وضع نفسه موضع الريب،
و أي تدليس – في النقل، و في العلم – أشد من أن ينسب إلى إمام أو عالم نقيض ما ذهب إليه و ارتآه – ليس عن سوء فهم، و لكن عن سوء قصد،
و أي سوء قصد أكثر من أن ينقل قولا حكاه ابن كثير – ضمن ما ذكر من أقوال في المسألة – ثم يغفل نقل قول ابن كثير فيه، بل يدعي كذبا و زورا أن ذلك رأيه " مخالفاً بذلك سواد أهل التفسير ... "، بينما قال فيه ابن كثير قي تفسيره: [وهذا القول خطأ محض]،
- و قد حعل ما ادعاه على ابن كثير: " أول مرتكزات " بحثه؟، فقال:
((فقد روى ابن كثير عنه أنه قال: "إن مريم أخت هارون أخو موسى بن عمران"، مخالفاً بذلك سواد أهل التفسير، فهذا البحث ليس بدعة، فقد سبقنا فيه إمام علم)) ,
- فابن كثير قال في دعوى أن مريم، أم عيسى هي أخت موسى و هارون - عليهم و على نبينا السلام – [[وهذا القول خطأ محض]]، كما هو مذكور في تفسيره – و حكاه عنه صاحب " اللباب " بقوله: [[وهذا في غاية البُطلان ومخالفةٌ للحديث الصحيح المتقدِّم]] ..
• و لم يخالف ابن كثير سواد أهل التفسير، كما ادعي عليه، و تفاسيرهم موجودة، و المماري عليه الدليل.
ولم أنكر ذكر ابن كثير لما روي عن القرظي، و إنما أنكرت ادعاء من جعلها اختيار ابن كثير و مذهبه فيها، إذ هو وصفها بالخطأ المحض،
و ليست الرواية عن الغير رأيا خاصا بناقلها، و لا يماري في هذا عاقل،
فتأمله
ـ[المعظم لربه]ــــــــ[28 Jan 2006, 12:59 م]ـ
أبا بكر .. أنت عندي مصدق ..
ولكن رجعت إلى الموقع المذكور لمزيد من التبين, فكان النص هكذا:
أولاً: ما ورد في التفسير عن محمد بن كعب القرظي، وهو ممن أسلم من يهود المدينة وصار علماً من أعلام القرآن والتفسير، فلا شك أنه أعلم من غيره ممن أسلم من العرب، ولم يكن من أهل الكتاب، فيقف مثل القرظي على كتب بني إسرائيل وأنسابهم وأسمائهم. فقد روى ابن كثير ((((((((عنه)))))))) أنه قال: "إن مريم أخت هارون أخو موسى بن عمران"، مخالفاً بذلك سواد أهل التفسير، فهذا البحث ليس بدعة، فقد سبقنا فيه إمامٌ عَلَمٌ، سبقته إلى القول بمثله اُم المؤمنين عائشة, ونحن نتتبع البينة، والحق أحق أن يتبع قل متبعوه أم كثروا، فالحجة للبرهان أولاً وأخيراً .. ولا يُرد ظاهر القرآن بظن الناس، والقرآن حجة على الناس والناس ليسوا حجة على القرآن!!.
فوضح عندي أنه لم يقصد نسبة القول إلى ابن كثير, بل نسبته إلى القرظي .. وإنما النسبة إلى ابن كثير في قوله عن القرظي, وهو صحيح كما تبين لك!.
ثم أراك تتجنى على الرجل, وتقول فيه ما لا ينبغي لنا أن نقول {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا, اعدلوا هو أقرب للتقوى} .. فكيف جزمت بسوء قصده .. والحق أنني لا أرى في بحثه غير ما قد نسميه بحثا, وليس فيه طعن في الكتاب ولا في السنة, بل على العكس .. والموضوع أصلا خلافي, وهو إن خالف أحدا فلم يخالف القرآن أو النبي ..
لا .. على العكس .. فإني أجد هذا البحث بالذات أهلا للدراسة والمراجعة, فما قدم له صاحبه من المقدمات وهيبة موقع السورة من القرآن يدفع في هذا الاتجاه ولا ريب ..
ثم إنني رجعت إلى أمهات التفسير الثلاث: الطبري والقرطبي وابن كثير, فوجدت أنهم لا يتفقون على شيء في "عمران"!!.
فالموضوع خلافي بحق, فلا حاجة للتهويل على من تكلم فيه!.
جزاك الله كل خير(/)
صورة الجاهلية فى القرآن الكريم
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[01 Jan 2006, 01:38 ص]ـ
كان عرب الجاهلية فى عمومهم يعبدون آلهة متعددة، وكانوا لا يتصورون أن يكون الإله واحدا، وعندما جاءهم الرسول الكريم بالتوحيد لقى منهم التكذيب والعنت الشديد، وأخذ الأمر منه زمنا طويلا حتى اقتنعوا أخيرا بما جاءهم به. بل إنه بعد أن أنفق فى الدعوة فى مكة ثلاث عشرة سنة بذل فيها كل جهد ممكن وغير ممكن وتعب تعبًا بالغًا لم يؤمن به إلا القليلون، مما اضطره هو ومن آمن معه من أهل مكة إلى الهجرة إلى يثرب، وعندئذ تغير وجه المسيرة الدعوية، وانتهى الأمر بأن أسلمت الجزيرة العربية كلها لا مكة فحسب. وكانوا فى بداءة الأمر يستغربون منه، عليه السلام، أن يهاجم الأوثان ويغضبون لذلك أعنف الغضب، بل لقد فكر مشركو مكة فى قتله أو فى حبسه لولا أن نبهه الله سبحانه وأمره بترك موطنه والنزوح إلى بلد جديد يكون فيه مصير الدعوة الجديدة أكثر توفيقا: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال/ 30). ومما نزل من الوحى فى هذا الموضوع قوله تعالى: "أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ* وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ" (ص/ 5 - 6). وسبب نزول هاتين الآيتين، على ما ترويه كتب أسباب النزول والتفاسير، أنه لما أسلم عمر رضي الله عنه شَقَّ ذلك على قريش فأَتَوْا أبا طالب وقالوا: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمتَ ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنا جئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك. فاسْتَحْضَرَ أبو طالب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقال: هؤلاء قومك يسألونك السَّوَاء، فلا تَمِلْ كل الميل عليهم. فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا يسألونني؟ فقالوا: ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا، ونَدَعك وإلهك. فقال: أرأيتم إن أعطيتكم ما سألتم، أَمُعْطِيَّ أنتم كلمة واحدة تملكون بها العرب وتَدِين لكم بها العجم؟ فقالوا: نعم وعَشْرًا. فقال: قولوا: لا إله إلا الله. فقاموا وقالوا: "أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ! ". وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكَّتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلين بعضهم لبعض: اصبروا واثبتوا على عبادة آلهتكم، فإن مكالمته لا تنفعكم. إن هذا الأمر لَشَيْءٌ من ريب الزمان يراد بنا فلا مردّ له، أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده من الرئاسة والترفع على العرب والعجم لشيءٌ يريده كل أحد، أو أن دينكم لشيءٌ يُطْلَب ليؤخذ منكم. ما سمعنا بالذي يقوله في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، أو في ملة عيسى عليه الصلاة والسلام التي هي آخر الملل، فإن النصارى يثلِّثون. ما هذا إلا كذبٌ اختلقه محمد. وهناك خبر آخر يبين لنا مدى تمسك الكفار بأوثانهم وكراهيتهم أن يسمعوا فيها شيئا يخالف اعتقاداتهم بشأنها. وخلاصته، كما جاء عند الواحدى فى "أسباب النزول"، أن "خمسة نفر: عبد الله بن أبي أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ائْتِ بقرآن ليس فيه تَرْك عبادة اللات والعُزَّى". وجاء أيضا فى "أسباب النزول" للواحدى أن "وفد ثقيف أَتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألوا شططًا وقالوا: متِّعْنا باللات سَنَةً، وحَرِّمْ وادينا كما حَرَّمْتَ مكة: شجرها وطيرها ووحشها. فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد تتالت الآيات التى تنبههم إلى سخف هذا اللون من التفكير والاعتقاد، لكن تشبثهم بما فى رؤوسهم كان عنيفا، وهذا يفسر التكرار الكثير لدعوة التوحيد فى القرآن الكريم والحملة على الشرك: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا" (الأنعام/ 151)، "وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (يونس/
(يُتْبَعُ)
(/)
18)، "وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا" (مريم/81)، "وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا" (الفرقان/ 3)، "وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ" (الذاريات/51) ... إلخ. وقد كانوا مع ذلك يؤمنون بأن الله هو الذى خلق السماوات والأرض وسخَّر الشمس والقمر ونزَّل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ" (العنكبوت/61)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ" (العنكبوت/ 63)، "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ" (الزخرف/ 9). ومع ذلك فـ"إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ* ويَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكو آلِهَتَنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ" (الصافّات/ 35)، "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" (الزمر/43 - 45)، إذ كانوا يعتقدون أنهم شفعاؤهم عنده سبحانه وأنهم هم الذين يقرّبونهم إلى الله زُلْفَى: "وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (يونس/ 18)، "مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى" (الزمر/ 3). ونبههم القرآن الكريم مرارا أن أولئك الآلهة المزعومين لا يملكون لهم شيئا من نفع أو ضر، وأن الشفاعة إنما هى لله وحده، ليس للأوثان منها أىّ نصيب: "وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ* وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ" (الأنعام/ 93 - 94)، "وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" (يونس/ 18)، "وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا" (الفرقان/ 3)، "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (الروم/ 12 - 13)، "أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (الزُّمَر/43).
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان من أوثانهم اللات والعُزَّى ومناة، وقد تهكم القرآن على شركهم وعقليتهم المتخلفة التى تسوِّل لهم أن هذه الأوثان هى بنات الله: "أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى* وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى* أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى" (النجم/19 - 21). وتناول المفسرون اللاَّت والعُزَّى ومناة فقالوا إنها أصنام كانت لهم، وإن اللات كانت لثقيف بالطائف (وقيل: بنخلة) تعبدها قريش، وأوردوا ما زعمه الزاعمون من أنها سُمِّيَتْ باسم رجل كان يَلُتّ عندها السمن بالسَّوِيق بالطائف ويُطْعِمه الحاجّ، وكانوا يعكفون على قبره فجعلوه وثنا، أما العُزَّى فكانت لغطفان، وهي شجرةُ سَمُرَة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها بعد الفتح خالد بن الوليد فقطعها، فخرجت منها، كما تقول بعض الروايات، شيطانة منشورة الشعر تصيح: يا ويلاه، وهى واضعة يدها على رأسها، فجعل يضرب بالسيف حتى قتلها، ورجع فأخبر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام: تلك العُزّى، ولن تُعْبَد أبدا، وأما مَنَاة: فصخرة كانت لهذيل وخزاعة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها كانت لثقيف، وكأنها سُمِّيَتْ: "مناة" لأنّ دماء النسائك كانت تُمْنَى عندها، أي تُرَاق. وجاء فى "أسباب النزول" للواحدى أن "الأنصار كانوا يحجّون لمناة، وكانت مناة حَذْوَ قُدَيْد، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة". وكانت هناك أوثان أخرى ذكرت أسبابُ النزول اثنين منها هما إساف ونائلة، اللذان تقول الروايات إنهما كانا على الصفا والمروة على الترتيب. يقول الواحدى: " كان على الصفا صنم على صورة رجل يقال له: إساف، وعلى المروة صنم على صورة امرأة تُدْعَى: نائلة. فزعم أهل الكتاب أنهما زَنَيَا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين ووضعهما على الصفا والمروة ليُعْتَبَر بهما. فلما طالت المدة عُبِدَا من دون الله تعالى، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بينهما مَسَحوا الوَثَنَيْن". وكان المشركون يقولون إنّ الملائكة وهذه الأصنام هى بنات الله، وكانوا يعبدونها ويزعمون أنها شفعاؤهم عند الله تعالى رغم نفورهم من البنات ووأدهم لهن، فقيل لهم: " ألكُمُ الذَّكرُ ولهُ الأُنثى؟ "، إذ كانوا، كما قلنا، يكرهون خلفة الإناث، فأراد الله أن يلفتهم إلى سخافة تفكيرهم وحُمْق تصرفهم حين ينسبون إليه الإناث اللاتى يكرهونهن بل يقتلونهن أحيانا، ثم يختصون أنفسهم بالذُّكْران!
على أن هذه الأصنام ليست هى وحدها بنات الله وشركاءه، بل هناك الجن والملائكة أيضا: "وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ" (الأنعام/ 100)، "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ* يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ" (الأنبياء/26 - 28)، "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ* قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ" (سبأ/ 40 - 41)، "فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ* أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ* أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ* وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ* أَفَلا تَذَكَّرُونَ* أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ* فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُون" (الصافَّات/ 149 - 158)، "وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ* أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ* وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* أَوَمَنْ يُنَشَّأُ
(يُتْبَعُ)
(/)
فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ* وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" (الزخرف/ 15 - 19)، وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ" (51)، "أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ" (الطور/ 39)، "إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاْلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى" (النجم/ 27). وقيل إن المقصود فى آية "الأنعام" ليس الجن بل الملائكة، فقد عبدوهم وقالوا: الملائكة بنات الله، وقد سماهم القرآن: "جِنًّا" لاجتنانهم (أى لاختفائهم) تحقيرا لشأنهم. وقيل: بل المقصود بـ"الجن" الشياطين لأنهم أطاعوهم كما يطاع الله تعالى، أو لأنهم كانوا يقولون إن الله خالق الخير وكل ما هو نافع، والشيطان خالق الشر وكل ما هو ضارّ. وبقريبٍ من هذا فسَّر ابن الكلبى النص القرآنى، إذ قال حسبما نقل الواحدى: "نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن الله تعالى وإبليس أخوان، والله خالق الناس والدواب، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب". وقد حاول الزمخشرى، فى تفسيره لآيات "الصافات"، أن يسوِّغ تسمية الملائكة: "جِنًّا" بقوله إن جنس الملائكة والشياطين واحد، وهو جنس الجن، "ولكنّ مَنْ خَبُثَ من الجن ومَرَد وكان شرًّا كله فهو شيطان، ومن طَهُرَ منهم ونَسُكَ وكان خيرًا كله فهو مَلَك، فذَكَرَهم في هذا الموضع باسم جنسهم، وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعًا منهم وتقصيرًا بهم ". أما أنا فأرى أن الجن هنا إنما هم الجن الذين نعرفهم لا الملائكة، وليس هناك أى دليل على أن الجن فى هذه الآية أو فى أى موضع آخر من القرآن المجيد هم الملائكة. وإن فى القول بذلك لَخَلْطًا بين الألفاظ والمفاهيم يفسد تفسير القرآن إفسادا. ثم لماذا يحقِّر القرآن الملائكة، وهم عباد مُكْرَمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمَرون ولا يعرفون معنى الاستكبار حسبما وصفهم الله سبحانه فى الآية 50 من سورة "النحل" والآيتين 26 - 27 من سورة "الأنبياء"، ولا ذنب لهم فى أن العرب كانوا يشركونهم بالله؟ كما أن قوله تعالى المارّ ذكره آنفًا: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ* قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ" (سبأ/ 40 - 41) هو أكبر دليل على أن الجن شىء، والملائكة شىء آخر، فها هم أولاء الملائكة تنكر أن يكون المشركون قد عبدوهم، وتؤكد فى الوقت ذاته أنهم إنما كانوا يعبدون الجن، بما يعنى أن كلا منهما فريق مختلف تماما عن الفريق الآخر. وليس بعد قول لله قول! ثم إن الجن مكلَّفون، أما الملائكة فهم لا يعصون الله فى شىء مما يدل على أنهم غير داخلين فى التكليف، وإلا لكان منهم المطيعون والعصاة، فضلا عن أن الجن مخلوقون من نار حسبما صرَّح القرآن الكريم، فهل الملائكة ناريّون أيضا؟ ومعنى قوله تعالى: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" أنهم افْتَرَوْا بجهلٍ فاحشٍ أن له سبحانه بنين وبنات، فقالت اليهود: عُزَيْرٌ ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت العرب: الملائكة بنات الله". وكان "بنو مليح يعبدون الملائكة" كما جاء على لسان ابن الزِّبَعْرَى قبل إسلامه فى سبب نزول قوله تعالى: "إِنَّكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وارِدونَ". وكان الجن فى نظرهم يعلمون الغيب، ولهذا حكى القرآن الكريم قصتهم مع سليمان عليه السلام وكيف أنهم ظلوا يعملون فى السخرة تحت إمرته حتى بعد أن مات، إذ كانوا يرونه مستنِدا بذقنه إلى العصا فيحسبون أنه لا يزال حيا، إلى أن أكلت النمل العصا فخرّ عليه السلام. فعندئذ، وعندئذ فقط، عرفوا أنه قد مات، ولو كانوا يعلمون الغيب ما ظلوا يعملون ويقاسون العذاب المهين فى ذلك العمل: "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ" (سبأ/ 14).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولم يكن جمهور العرب يؤمنون بالآخرة، فلا بعث عندهم ولا حساب، وليس إلا الدنيا، التى إذا ما انتهت فقد انتهى كل شىء بالنسبة للإنسان، وكانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس، وينكرون مَلَك الموت وقَبْضَ الأرواح بأمر الله، وكانوا يضيفون كل حادثةٍ تَحْدُث إلى الدهر والزمان، فالدهر يُفْنِى ولا يعيد من يُفْنِيه. وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان. وكانوا يجادلون النبى فى ذلك مجادلة لا تنتهى، محتجين بأنه من غير الممكن أن يعود الإنسان إلى الحياة كرة أخرى بعد أن يصبح عظاما ورُفَاتا، وإلا فأين آباؤهم الأولون؟ ولماذا لم يرجعوا إلى الحياة من قبل؟ وإذا كانت هناك آخرة فلماذا لا تأتى؟ وإن كثرة الآيات التى تتناول هذا الموضوع وتعرض جدالهم وسَخَرهم بما كانوا يسمعون من الآيات القرآنية التى تتحدث عن البعث لدليل على أن نكرانهم كان من القوة والحدة بمكان: "وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا* قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا* أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا" (الإسراء/49 - 51)، "وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا" (مريم/ 66)، "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" (الحج/ 5 - 7)، "قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ" (النمل/ 82 - 83)، "بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا" (الفرقان/ 11)، "وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ" (السجدة/ 10)، "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (سبأ/ 3)، "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* أَوَآَبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ" (الصافات/ 16 - 17)، "إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ* فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الدخان/ 34 - 36)، "وَقَالُوا مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ* وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الجاثية/ 24 - 25)، "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ" (ق/3)، "قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ* يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ" (الذاريات/ 10 - 12)، "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي
(يُتْبَعُ)
(/)
لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (التغابن/ 7)، "يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ* أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً* قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ" (النازعات/ 10 - 12).
ومما رُوِىَ عن الكفار فى هذا المجال "أن أبي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظمٍ بالٍ يفتّته بيده، وقال: أترى الله يُحْيِى هذا بعدما رُمّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، ويبعثك ويدخلك النار". كما رُوِىَ أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تُعْذَروا به. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك. فجاءهم سريعا وهو يظن أنه بدا في أمره بَدَاء (أى غيروا موقفهم منه)، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه تعنُّتهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنا والله لا نَعْلَم رجلاً من العرب أَدْخَلَ على قومه ما أدخلتَ على قومك. لقد شتمت الآباء وعِبْتَ الدين وسَفَّهْتَ الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك. فإن كنت إنما جئت به لتطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سّوَّدْناك علينا، وإن كنت تريد مُلْكًا ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الرَّئِىُّ الذي يأتيك تراه قد غلب عليك (وكانوا يسمّون التابع من الجن: الرَّئِىّ) بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نُبْرِئك منه أو نُعْذَر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلَّغْتُكم رسالة ربي ونصحتُ لكم. فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليَّ أَصْبِر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم. قالوا: يا محمد، فإن كنتَ غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا ولا أقلّ مالاً ولا أشدّ عيشا منا. سَلْ لنا ربك الذي بعثك بما بعثك، فلْيُسَيِّرْ عنا هذه الجبال التي ضيّقت علينا ويبسط لنا بلادنا ويُجْرِ فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يُبْعَث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخًا صَدُوقًا، فنسألهم عما تقول: حَقٌّ هو؟ فإن صنعتَ ما سألناك صدَّقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول". ووجه الشاهد فى الخبر أنهم تحدَّوْه، ضمن ما تحدَّوْه به، أن يأتى لهم بمن مات من آبائهم، وعلى رأسهم جَدّه قُصَىّ بن كلاب، إذ كانوا، كما قلنا، يَرَوْنَ استحالة عودة الميت إلى الحياة، أما من يقول بغير هذا فعليه أن يُثْبِت ما يقول ويعيد الموتى إلى الدنيا كرة أخرى! وثمة خبر فى "أسباب النزول" للواحدى يفسّر سبب نزول قوله عز وجل: "وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ"، وفيه أنه "كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دَيْن فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلَّم به: والذي أرجوه بعد الموت. فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتُبْعَث بعد الموت؟ فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت. فأنزل الله تعالى هذه الآية". وكانوا يتهكمون بما ينزل به القرآن فى أوصاف الجنة، كالذى يُرْوَى عن أبى جهل من أنه "لما ذكر الله تعالى الزَّقُّوم خُوِّف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ... ؟ قالوا: لا. قال: الثَّرِيد بالزبد! أمَا والله لئن أمكننا منها لنَتَزَقَّمَنَّها تَزَقُّمًا. فأنزل الله تبارك وتعالى: "وَالشَجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إلا طُغْيَانًا كَبِيرًا" ... ". ومن هذا الوادى أيضا ما جاء فى بعض الروايات من أن "خَبّاب بن الأرتّ كان قَيْنًا، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي، وكان العاص يؤخر حقه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال: لستُ بمفارقك حتى تقضيني. فقال العاص: يا خباب، مالك؟ ما كنتَ هكذا!
(يُتْبَعُ)
(/)
وإِنْ كنتَ لَتُحْسِن الطلب. فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك، فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك. قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضةً وحريرًا؟ قال خَبّاب: بلى. قال: فأَخِّرْني حتى أقضيك في الجنة، استهزاءً. فوالله لئن كان ما تقول حقًّا، إني لأفضل فيها نصيبًا منك". وكان هذا الاستهزاء يتكرر كلما نزل شىء من القرآن فى تعداد نِعَم الجنة، ومن ذلك ما ورد فى النص التالى لدى الواحدى: "كان المشركون يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزئون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لَنَدْخُلَنَّها قبلهم، ولَيَكُونَنَّ لنا فيها أكثر مما لهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية: "أَيَطْمَعُ كُلُّ اِمْرِئ مِّنهُم أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ* كَلاّ" ... ".
فإذا انتقلنا إلى العبادات الجاهلية وجدنا مثلا قوله تعالى: "إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ" (الأنفال/ 19)، أى أنهم كانوا يتجهون بالدعاء لله. وقد سلف القول إنهم كانوا يؤمنون بوجوده سبحانه، وإن عَزَّ على عقولهم المغلقة أن تفهم أن الله بطبيعته لا يمكن إلا أن يكون إلها واحدا، فكانوا يشركون به آلهة أخرى كما سبق بيانه. ومعنى "الاستفتاح" هو الدعاء إلى الله أن يظهر لهم الحق من الباطل، وقد وردت أكثر من رواية فى ذلك فى تفسير الطبرى فقيل: "كان المشركون حين خرجوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: اللهمّ انصر أَعَزّ الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين. فقال الله: "إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". يقول: نَصَرْتُ ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم"، وقيل: "استفتح أبو جهل فقال: اللهمّ، (يعني محمدا ونفسه) أيُّنا كان أَفْجَرَ لك اللهمّ وأَقْطَعَ للرَّحِم، فأَحِنْهُ (أى أَهْلِكْه) اليوم. قال الله: إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". كما نقرأ فى ذات السورة قوله سبحانه: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الأنفال/ 32 - 33)، وقد جاء فى تفسير الطبرى: "قال رجل من بني عبد الدار يقال له: النضر بن كلدة: "اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِيمٍ". فقال الله: "وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ"، وقال: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ"، وقال: "سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* للْكافِرِينَ ... ". قال عطاء: لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله". أما فى تفسير الآية الثانية فقد أورد فيها، ضمن ما أورد، قول من قال: وما كان الله ليعذّب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم يا محمد، حتى أُخْرِجك من بينهم، وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهؤلاء المشركون يقولون: "يا ربّ، غفرانك" وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول ... وقوله: "وَما لهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ؟ " (أى) في الاَخرة". أى أنهم، رغم شركهم، كانوا يدعون الله بما يريدون على غباءٍ فيهم وعنادٍ وانغلاق ذهن وقلب! كما أنهم، رغم شركهم، كانوا يستغفرون الله كما جاء فى بعض الأقوال! ومن عباداتهم كذلك ما ورد فى قول رب العزة: "وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ" (الأنفال/ 35)، وتفسيره ما ورد عند شيخ المفسرين: "كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله: "قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ"، فأُمِروا بالثياب ... كانت قريش يعارضون النبيّ صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به، يصفرون به ويصفقون ... كانوا ينفخون في أيديهم، والتصدية: التصفيق".
(يُتْبَعُ)
(/)
ولعل القارئ قد تنبه لما جاء فى كلام الطبرى من أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت الحرام عراة، وإن كنت أتصور أن يكون بعضهم فقط هم الذين يفعلون ذلك لا كلهم. وفى تفسير قوله تعالى: "يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"* يَا بَنِي آَدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (ولم يكن جمهور العرب يؤمنون بالآخرة، فلا بعث عندهم ولا حساب، وليس إلا الدنيا، التى إذا ما انتهت فقد انتهى كل شىء بالنسبة للإنسان، وكانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس، وينكرون مَلَك الموت وقَبْضَ الأرواح بأمر الله، وكانوا يضيفون كل حادثةٍ تَحْدُث إلى الدهر والزمان، فالدهر يُفْنِى ولا يعيد من يُفْنِيه. وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان. وكانوا يجادلون النبى فى ذلك مجادلة لا تنتهى، محتجين بأنه من غير الممكن أن يعود الإنسان إلى الحياة كرة أخرى بعد أن يصبح عظاما ورُفَاتا، وإلا فأين آباؤهم الأولون؟ ولماذا لم يرجعوا إلى الحياة من قبل؟ وإذا كانت هناك آخرة فلماذا لا تأتى؟ وإن كثرة الآيات التى تتناول هذا الموضوع وتعرض جدالهم وسَخَرهم بما كانوا يسمعون من الآيات القرآنية التى تتحدث عن البعث لدليل على أن نكرانهم كان من القوة والحدة بمكان: "وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا* قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا* أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا" (الإسراء/49 - 51)، "وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا" (مريم/ 66)، "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" (الحج/ 5 - 7)، "قَالُوا أَئِذَا
(يُتْبَعُ)
(/)
مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ" (النمل/ 82 - 83)، "بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا" (الفرقان/ 11)، "وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ" (السجدة/ 10)، "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (سبأ/ 3)، "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* أَوَآَبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ" (الصافات/ 16 - 17)، "إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ* فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الدخان/ 34 - 36)، "وَقَالُوا مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ* وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الجاثية/ 24 - 25)، "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ" (ق/3)، "قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ* يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ" (الذاريات/ 10 - 12)، "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (التغابن/ 7)، "يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ* أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً* قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ" (النازعات/ 10 - 12).
ومما رُوِىَ عن الكفار فى هذا المجال "أن أبي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظمٍ بالٍ يفتّته بيده، وقال: أترى الله يُحْيِى هذا بعدما رُمّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، ويبعثك ويدخلك النار". كما رُوِىَ أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تُعْذَروا به. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك. فجاءهم سريعا وهو يظن أنه بدا في أمره بَدَاء (أى غيروا موقفهم منه)، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه تعنُّتهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنا والله لا نَعْلَم رجلاً من العرب أَدْخَلَ على قومه ما أدخلتَ على قومك. لقد شتمت الآباء وعِبْتَ الدين وسَفَّهْتَ الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك. فإن كنت إنما جئت به لتطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سّوَّدْناك علينا، وإن كنت تريد مُلْكًا ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الرَّئِىُّ الذي يأتيك تراه قد غلب عليك (وكانوا يسمّون التابع من الجن: الرَّئِىّ) بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نُبْرِئك منه أو نُعْذَر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلَّغْتُكم رسالة ربي ونصحتُ لكم. فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليَّ أَصْبِر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم. قالوا: يا محمد، فإن كنتَ غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا ولا أقلّ مالاً ولا أشدّ عيشا منا. سَلْ لنا ربك الذي بعثك بما بعثك، فلْيُسَيِّرْ عنا هذه الجبال التي ضيّقت علينا ويبسط لنا بلادنا ويُجْرِ فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق،
(يُتْبَعُ)
(/)
وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يُبْعَث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخًا صَدُوقًا، فنسألهم عما تقول: حَقٌّ هو؟ فإن صنعتَ ما سألناك صدَّقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول". ووجه الشاهد فى الخبر أنهم تحدَّوْه، ضمن ما تحدَّوْه به، أن يأتى لهم بمن مات من آبائهم، وعلى رأسهم جَدّه قُصَىّ بن كلاب، إذ كانوا، كما قلنا، يَرَوْنَ استحالة عودة الميت إلى الحياة، أما من يقول بغير هذا فعليه أن يُثْبِت ما يقول ويعيد الموتى إلى الدنيا كرة أخرى! وثمة خبر فى "أسباب النزول" للواحدى يفسّر سبب نزول قوله عز وجل: "وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ"، وفيه أنه "كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دَيْن فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلَّم به: والذي أرجوه بعد الموت. فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتُبْعَث بعد الموت؟ فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت. فأنزل الله تعالى هذه الآية". وكانوا يتهكمون بما ينزل به القرآن فى أوصاف الجنة، كالذى يُرْوَى عن أبى جهل من أنه "لما ذكر الله تعالى الزَّقُّوم خُوِّف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ... ؟ قالوا: لا. قال: الثَّرِيد بالزبد! أمَا والله لئن أمكننا منها لنَتَزَقَّمَنَّها تَزَقُّمًا. فأنزل الله تبارك وتعالى: "وَالشَجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إلا طُغْيَانًا كَبِيرًا" ... ". ومن هذا الوادى أيضا ما جاء فى بعض الروايات من أن "خَبّاب بن الأرتّ كان قَيْنًا، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي، وكان العاص يؤخر حقه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال: لستُ بمفارقك حتى تقضيني. فقال العاص: يا خباب، مالك؟ ما كنتَ هكذا! وإِنْ كنتَ لَتُحْسِن الطلب. فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك، فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك. قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضةً وحريرًا؟ قال خَبّاب: بلى. قال: فأَخِّرْني حتى أقضيك في الجنة، استهزاءً. فوالله لئن كان ما تقول حقًّا، إني لأفضل فيها نصيبًا منك". وكان هذا الاستهزاء يتكرر كلما نزل شىء من القرآن فى تعداد نِعَم الجنة، ومن ذلك ما ورد فى النص التالى لدى الواحدى: "كان المشركون يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزئون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لَنَدْخُلَنَّها قبلهم، ولَيَكُونَنَّ لنا فيها أكثر مما لهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية: "أَيَطْمَعُ كُلُّ اِمْرِئ مِّنهُم أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ* كَلاّ" ... ".
* * *
فإذا انتقلنا إلى العبادات الجاهلية وجدنا مثلا قوله تعالى: "إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ" (الأنفال/ 19)، أى أنهم كانوا يتجهون بالدعاء لله، وقد سلف القول إنهم كانوا يؤمنون بوجوده سبحانه، وإن عَزَّ على عقولهم المغلقة أن تفهم أن الله بطبيعته لا يمكن إلا أن يكون إلها واحدا، بل كانوا يشركون به آلهة أخرى مما سبق بيانه. ومعنى الاستفتاح هو الدعاء إلى الله أن يظهر لهم الحق من الباطل. وقد وردت أكثر من رواية فى ذلك فى تفسير الطبرى فقيل: "كان المشركون حين خرجوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: اللهمّ انصر أَعَزّ الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين. فقال الله: "إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". يقول: نَصَرْتُ ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم"، وقيل: "استفتح أبو جهل فقال: اللهمّ، (يعني محمدا ونفسه) أيُّنا كان أَفْجَرَ لك اللهمّ وأَقْطَعَ للرَّحِم فأَحِنْهُ (أى أَهْلِكْه) اليوم. قال الله: إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". كما نقرأ فى ذات السورة قوله سبحانه: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ
(يُتْبَعُ)
(/)
فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الأنفال/ 32 - 33)، وقد جاء فى تفسير الطبرى: "قال رجل من بني عبد الدار, يقال له: النضر بن كلدة: "اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِيمٍ". فقال الله: "وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ"، وقال: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ"، وقال: "سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* للْكافِرِينَ ... ". قال عطاء: لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله". أما فى تفسير الآية الثانية فقد أورد فيها، ضمن ما أورد، فول من قال: وما كان الله ليعذّب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم يا محمد, حتى أُخْرِجك من بينهم، وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهؤلاء المشركون يقولون: يا ربّ غفرانك وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول ... وقوله: وَما لهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ؟ (أى) في الاَخرة". أى أنهم، رغم شركهم، كانوا يدعون الله بما يريدون على غباء فيهم وعناد وانغلاق ذهن وقلب! كما أنهم، رغم شركهم، كانوا يستغفرون الله كما جاء فى بعض الأقوال! ومن عباداتهم كذلك ما ورد فى قول رب العزة: "وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " (الأنفال/ 35)، وتفسيره ما ورد عند شيخ المفسرين "كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله: "قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ"، فأُمِروا بالثياب ... كانت قريش يعارضون النبيّ صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به، يصفرون به ويصفقون ... كانوا ينفخون في أيديهم، والتصدية: التصفيق".
ولعل القارئ قد تنبه لما جاء فى كلام الطبرى من أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت الحرام عراة، وإن كنت أتصور أن يكون بعضهم فقط هم الذين يفعلون ذلك لا كلهم. وفى تفسير قوله تعالى: "يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* يَا بَنِي آَدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32 ولم يكن جمهور العرب يؤمنون بالآخرة، فلا بعث عندهم ولا حساب، وليس إلا الدنيا، التى إذا ما انتهت فقد انتهى كل شىء بالنسبة للإنسان، وكانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس، وينكرون مَلَك الموت وقَبْضَ الأرواح بأمر الله، وكانوا يضيفون كل حادثةٍ تَحْدُث إلى الدهر والزمان، فالدهر يُفْنِى ولا يعيد من يُفْنِيه. وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان. وكانوا يجادلون النبى فى ذلك مجادلة لا تنتهى، محتجين بأنه من غير الممكن أن يعود الإنسان إلى الحياة كرة أخرى بعد أن يصبح عظاما ورُفَاتا، وإلا
(يُتْبَعُ)
(/)
فأين آباؤهم الأولون؟ ولماذا لم يرجعوا إلى الحياة من قبل؟ وإذا كانت هناك آخرة فلماذا لا تأتى؟ وإن كثرة الآيات التى تتناول هذا الموضوع وتعرض جدالهم وسَخَرهم بما كانوا يسمعون من الآيات القرآنية التى تتحدث عن البعث لدليل على أن نكرانهم كان من القوة والحدة بمكان: "وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا* قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا* أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا" (الإسراء/49 - 51)، "وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا" (مريم/ 66)، "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ" (الحج/ 5 - 7)، "قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ" (النمل/ 82 - 83)، "بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا" (الفرقان/ 11)، "وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ" (السجدة/ 10)، "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" (سبأ/ 3)، "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* أَوَآَبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ" (الصافات/ 16 - 17)، "إِنَّ هَؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ* فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الدخان/ 34 - 36)، "وَقَالُوا مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ* وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الجاثية/ 24 - 25)، "أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ" (ق/3)، "قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ* يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ" (الذاريات/ 10 - 12)، "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (التغابن/ 7)، "يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ* أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً* قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ" (النازعات/ 10 - 12).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما رُوِىَ عن الكفار فى هذا المجال "أن أبي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظمٍ بالٍ يفتّته بيده، وقال: أترى الله يُحْيِى هذا بعدما رُمّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، ويبعثك ويدخلك النار". كما رُوِىَ أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تُعْذَروا به. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك. فجاءهم سريعا وهو يظن أنه بدا في أمره بَدَاء (أى غيروا موقفهم منه)، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه تعنُّتهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنا والله لا نَعْلَم رجلاً من العرب أَدْخَلَ على قومه ما أدخلتَ على قومك. لقد شتمت الآباء وعِبْتَ الدين وسَفَّهْتَ الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك. فإن كنت إنما جئت به لتطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سّوَّدْناك علينا، وإن كنت تريد مُلْكًا ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الرَّئِىُّ الذي يأتيك تراه قد غلب عليك (وكانوا يسمّون التابع من الجن: الرَّئِىّ) بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نُبْرِئك منه أو نُعْذَر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلَّغْتُكم رسالة ربي ونصحتُ لكم. فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليَّ أَصْبِر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم. قالوا: يا محمد، فإن كنتَ غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا ولا أقلّ مالاً ولا أشدّ عيشا منا. سَلْ لنا ربك الذي بعثك بما بعثك، فلْيُسَيِّرْ عنا هذه الجبال التي ضيّقت علينا ويبسط لنا بلادنا ويُجْرِ فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يُبْعَث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخًا صَدُوقًا، فنسألهم عما تقول: حَقٌّ هو؟ فإن صنعتَ ما سألناك صدَّقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول". ووجه الشاهد فى الخبر أنهم تحدَّوْه، ضمن ما تحدَّوْه به، أن يأتى لهم بمن مات من آبائهم، وعلى رأسهم جَدّه قُصَىّ بن كلاب، إذ كانوا، كما قلنا، يَرَوْنَ استحالة عودة الميت إلى الحياة، أما من يقول بغير هذا فعليه أن يُثْبِت ما يقول ويعيد الموتى إلى الدنيا كرة أخرى! وثمة خبر فى "أسباب النزول" للواحدى يفسّر سبب نزول قوله عز وجل: "وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ"، وفيه أنه "كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دَيْن فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلَّم به: والذي أرجوه بعد الموت. فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتُبْعَث بعد الموت؟ فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت. فأنزل الله تعالى هذه الآية". وكانوا يتهكمون بما ينزل به القرآن فى أوصاف الجنة، كالذى يُرْوَى عن أبى جهل من أنه "لما ذكر الله تعالى الزَّقُّوم خُوِّف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ... ؟ قالوا: لا. قال: الثَّرِيد بالزبد! أمَا والله لئن أمكننا منها لنَتَزَقَّمَنَّها تَزَقُّمًا. فأنزل الله تبارك وتعالى: "وَالشَجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إلا طُغْيَانًا كَبِيرًا" ... ". ومن هذا الوادى أيضا ما جاء فى بعض الروايات من أن "خَبّاب بن الأرتّ كان قَيْنًا، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي، وكان العاص يؤخر حقه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال: لستُ بمفارقك حتى تقضيني. فقال العاص: يا خباب، مالك؟ ما كنتَ هكذا! وإِنْ كنتَ لَتُحْسِن الطلب. فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك، فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك. قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضةً وحريرًا؟ قال خَبّاب: بلى. قال: فأَخِّرْني حتى أقضيك في الجنة، استهزاءً. فوالله لئن كان ما تقول
(يُتْبَعُ)
(/)
حقًّا، إني لأفضل فيها نصيبًا منك". وكان هذا الاستهزاء يتكرر كلما نزل شىء من القرآن فى تعداد نِعَم الجنة، ومن ذلك ما ورد فى النص التالى لدى الواحدى: "كان المشركون يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم يستمعون كلامه ولا ينتفعون به، بل يكذبون به ويستهزئون ويقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة لَنَدْخُلَنَّها قبلهم، ولَيَكُونَنَّ لنا فيها أكثر مما لهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية: "أَيَطْمَعُ كُلُّ اِمْرِئ مِّنهُم أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ* كَلاّ" ... ".
فإذا انتقلنا إلى العبادات الجاهلية وجدنا مثلا قوله تعالى: "إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ" (الأنفال/ 19)، أى أنهم كانوا يتجهون بالدعاء لله، وقد سلف القول إنهم كانوا يؤمنون بوجوده سبحانه، وإن عَزَّ على عقولهم المغلقة أن تفهم أن الله بطبيعته لا يمكن إلا أن يكون إلها واحدا، بل كانوا يشركون به آلهة أخرى مما سبق بيانه. ومعنى الاستفتاح هو الدعاء إلى الله أن يظهر لهم الحق من الباطل. وقد وردت أكثر من رواية فى ذلك فى تفسير الطبرى فقيل: "كان المشركون حين خرجوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: اللهمّ انصر أَعَزّ الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين. فقال الله: "إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". يقول: نَصَرْتُ ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم"، وقيل: "استفتح أبو جهل فقال: اللهمّ، (يعني محمدا ونفسه) أيُّنا كان أَفْجَرَ لك اللهمّ وأَقْطَعَ للرَّحِم فأَحِنْهُ (أى أَهْلِكْه) اليوم. قال الله: إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الفَتْحُ". كما نقرأ فى ذات السورة قوله سبحانه: "وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الأنفال/ 32 - 33)، وقد جاء فى تفسير الطبرى: "قال رجل من بني عبد الدار, يقال له: النضر بن كلدة: "اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِيمٍ". فقال الله: "وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الحِسابِ"، وقال: "وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فرَادَى كمَا خَلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ"، وقال: "سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ* للْكافِرِينَ ... ". قال عطاء: لقد نزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله". أما فى تفسير الآية الثانية فقد أورد فيها، ضمن ما أورد، فول من قال: وما كان الله ليعذّب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم يا محمد, حتى أُخْرِجك من بينهم، وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهؤلاء المشركون يقولون: يا ربّ غفرانك وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول ... وقوله: وَما لهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ؟ (أى) في الاَخرة". أى أنهم، رغم شركهم، كانوا يدعون الله بما يريدون على غباء فيهم وعناد وانغلاق ذهن وقلب! كما أنهم، رغم شركهم، كانوا يستغفرون الله كما جاء فى بعض الأقوال! ومن عباداتهم كذلك ما ورد فى قول رب العزة: "وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " (الأنفال/ 35)، وتفسيره ما ورد عند شيخ المفسرين "كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون، فأنزل الله: "قُلْ مَنْ حَرّمَ زِينَةَ اللّهِ التي أخْرَجَ لِعِبادِهِ"، فأُمِروا بالثياب ... كانت قريش يعارضون النبيّ صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به، يصفرون به ويصفقون ... كانوا ينفخون في أيديهم، والتصدية: التصفيق". كما أن فى القرآن آية تنهى عن السجود للشمس أو القمر، مما يدل على أن هناك من كانوا يسجدون لهما: "وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ" (فُصِّلَتْ/ 37).
ولعل القارئ قد تنبه لما جاء فى كلام الطبرى من أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت الحرام عراة، وإن كنت أتصور أن يكون بعضهم فقط هم الذين يفعلون ذلك لا كلهم. وفى تفسير قوله تعالى: "يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* يَا بَنِي آَدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ* وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ* قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ* فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ* يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ* قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" (الأعراف/ 36 - 32) يقول الطبرى ما زُبْدَته: أنه، جلّ ثناؤه، يبين للجهلة من العرب الذين كانوا يتعَرَّوْن أن لِباس التّقوَى هو الحياء. وقد ابتدأ سبحانه الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سَوْآتنا والرِّيَاش توبيخا للمشركين الذين كانوا يتجرّدون في حال طوافهم بالبيت، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كلّ حال مع الإيمان به واتباع طاعته، إذ كانوا يطوفون بالبيت عُراةً متحججين بقولهم: "نطوف كما ولدتنا أمّهاتنا"، فتضع المرأة على قُبُلها النّسْعة أو الشيء فتقول:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أوْ كُلّه * * فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلّهُ
فعُذِلوا على ما أَتَوْا من قَبيح فعلهم وعُوتبوا عليه، فكان جوابهم: وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بَهْديهم ونستنّ بسُنّتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه. فيقول الله جلّ ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهم إن الله لا يأمر بالفحشاء، أى لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومَساويها. أتقولون، أيها الناس، على الله ما لا تعلمون؟ أتَرْوُون على الله أنه أمركم بالتعرّي والتجرّد من الثياب واللباس للطواف، وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟ لقد كانوا يطوفون عراة: الرجال بالنهار، والنساء بالليل، فأمرهم الله بالزينة، والزينة: اللباس. وكانت العرب تطوف بالبيت عراةً إلا الحُمْس: قريش وأحلافهم.
وكانت قريش ومَنْ وَلَدَتْه قريش، وهم الذين كانوا يُسَمَّوْن في الجاهلية: "الحُمْس"، يقولون: لا نخرج من الحَرَم. فكانوا لا يشهدون موقف الناس بعَرَفة معهم، فأمرهم الله بالوقوف معهم والإفاضة من عَرَفات، وهي التي كان يُفِيض منها سائر الناس غير الحُمْس. وعن عائشة: كانت قريش ومن كان على دينها، وهم الحُمْس، يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن قَطِين الله. ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحِلّ مثل الذي لهم بولادتهم إياهم، فيَحِلّ لهم ما يحلّ لهم، ويَحْرُم عليهم ما يَحْرُم عليهم. وكانت كِنَانة وخُزَاعة قد دخلوا معهم في ذلك، ثم ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن، حتى قالوا: لا ينبغي للحُمْس أن يَأْقِطوا الأَقِط، ولا يَسْلأوا السَّمْن وهم حُرُم، ولا يدخلوا بيتا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الجلد طَوَال إحرامهم. ثم غالَوْا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهل الحلّ أن يأكلوا من طعامٍ جاءوا به معهم من الحلّ في الحَرَم إذا
(يُتْبَعُ)
(/)
جاءوا حُجّاجًا أو عُمّارًا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قَدِمُوا أوّل طوافهم إلا في ثياب الحُمْس، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة. فحَمَلُوا العربَ على ذلك، وكان مَنْ سواهم يقفون بعرفة، فأمرهم الله بالوقوف معهم: "ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (البقرة/ 199). وكان القوم في جاهليتهم، بعد فراغهم من حجهم ومناسكهم، يجتمعون فيتفاخرون بمآثر آبائهم، فكانوا يذكرون آباءهم في الحج، فيقول بعضهم: كان أبي يطعم الطعام، ويقول بعضهم: كان أبي يضرب بالسيف، ويقول بعضهم: كان أبي جَزّ نواصي بني فلان. فأمرهم الله في الإسلام أن يكون ذكرهم بالثناء والشكر والتعظيم لربهم دون غيره، فنزل قوله عز وجل: "فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا" (البقرة/ 200).
وكان الأنصار في الجاهلية إذا أَهَلّ أحدهم بحجّ أو عُمْرة لا يدخل دارا من بابها إلا أن يتسوّر حائطا، وأسلموا وهم كذلك. فأنزل الله تعالى ذكره: "وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (البقرة/ 189)، ونهاهم عن صنيعهم ذاك، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها. فلما حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أقبل يمشي ومعه رجل من أولئك، وهو مسلم. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم باب البيت احتبس الرجلُ خلفه وأبى أن يدخل قائلا: يا رسول الله إني أَحْمَس. يقصد أنه مُحْرِم، وكان أولئك الذين يفعلون ذلك يُسَمَّوْن: "الحُمْس". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أيْضا أَحْمَسُ (أى أنه عليه السلام من قريش)، فادْخُلْ"، فدخل الرجل.
وكان فى تعاملات أهل الجاهلية بغي وطاعة للشيطان، فكان الحَيّ مثلا إذا كان فيهم عُدّة ومَنَعة، فقَتَل عبدُ قومٍ آخرين عبدًا لهم، قالوا: "لا نَقْتُل به إلا حُرًّا"، تعزُّزًا لفضلهم على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت امرأةُ قومٍ آخرين امرأةً لهم، قالوا: لا نَقْتُل بها إلا رجلاً. فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فنهاهم عن البغي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُ نْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (البقرة/ 178).
وكان اليتامى يُظْلَمون ولا يُرْحَمون وتُؤْكَل حقوقهم، وقد نزلت فيهم آيات متعددة: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين"ِ (الماعون/1 - 3)، "فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ" (البلد/ 11 - 16)، "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة/ 177)،"كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا* وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا" (الفجر/ 20)، "وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ" (الأنعام/ 152، والإسراء/ 34)، "وَآتُوا الْيَتَامَى
(يُتْبَعُ)
(/)
أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا* وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ ألاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا* وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا* وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا* وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" (النساء/ 2 - 6)، "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" (النساء/ 10)، "وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا" (النساء/ 127).
وبالنسبة للآيات المارّ ذكرها فى صدر سورة النساء يقول ابن عطية فى "المحرَّر الوجيز" إنها فى أوصياء الأيتام، والمراد ما كان بعضهم يفعله من تبديل الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة من ماله، والدرهم الطيب بالزائف من ماله، وإن أولئك اليتامى كانوا ممنوعين من الميراث ومحجورين. والآية نَصٌّ في النهي عن قصد مال اليتيم بالأكل والتموّل على جميع وجوهه. وقالت عائشة رضي الله عنها: نزلت في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال وليّاتهم فيريدون أن يبخسوهن في المهر لمكان ولايتهم عليهن، فقيل لهم: أَقْسِطوا (أى اعدلوا) في مهورهن، فمن خاف ألا يُقْسِط فلْيتزوجْ ما طاب له من الأجنبيات اللواتي يكايسن في حقوقهن (أى يدافعن عنها ويناضلن دونها). ويقول الثعالبى، فى تفسيره المسمَّى: "الجواهر الحسان فى تفسير القرآن"، إن النهي فى الآية 127 من سورة "النساء" خاصّ بـ"ما كانت العرب تفعله من ضَمّ اليتيمة الجميلة بدون ما تستحقه من المهر ومن عَضْل الدميمة الغنية حتى تموت فيرثها العاضل". وفى "أكل التراث" المنهى عنه فى سورة "الفجر" يقول إنهم كانوا لا يورِّثون النساء ولا صغار الأولاد، إنما كان يأخذ المالَ من يقاتل ويحمي الحَوْزَة. وقد أورد ابن عطية حديثًا للنبى صلى الله عليه وسلم عما رآه ليلة الإسراء جاء فيه: "رأيت أقواما لهم مَشَافِرُ كمشافر الإبل، وقد وُكِّلَ بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يَجْعَل في أفواههم صخرا من نار تخرج من أسافلهم. قلت: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هم الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما"، وأورد الزمخشرى ما رُوِيَ من " أنه ُيْبْعَث آكِلُ مال اليتيم يوم القيامة والدُّخَان يخرج من قبره ومن فيه وأنفه وأذنيه وعينيه، فيعرف الناس أنه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا ".
ومن الظلم الذى كان يقع على الصغار فى ذلك المجتمع الوثنى ما كانت تمارسه بعض القبائل من وأد البنات، تلك العادة الوحشية التى ندَّد بها القرآن مرارا ونهى عنها وشدد فى النهى تشديدا عظيما: "وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ" (الأنعام/ 137)، "وَلا تَقْتُلُوا أَولادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ" (الأنعام/ 151)، "وَلا تَقْتُلُوا
(يُتْبَعُ)
(/)
أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا" (الإسراء/ 31)، "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" (النحل/ 58 - 59)، "أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ* وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين"ٍ (الزخرف/ 16 - 18). وفى هذه العادة المتوحشة يقول البغوى، عند تفسير الآيات 58 - 59 من سورة "النحل"، إن "مُضَرَ وخُزَاعَةَ وتَمِيمًا كانوا يدفنون البنات أحياء خوفا من الفقر عليهم وطَمَعِ غير الأَكْفَاء فيهن. وكان الرجل من العرب إذا وُلِدَتْ له بنت وأراد أن يستحييها ألبسها جُبّةً من صوف أو شعر وتركها ترعى له الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها تركها حتى إذا صارت سداسيةً قال لأمها: "زيِّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها"، وقد حفر لها بئرا في الصحراء. فإذا بلغ بها البئر قال لها: "انظري إلى هذه البئر"، فيدفعها من خلفها في البئر ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض. فذلك قوله عز وجل: "أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟ ". وكان صَعْصَعَة عَمُّ الفرزدق (بل جَدّه فى الواقع) إذا أحس بشيء من ذلك وجَّه إلى والد البنت إبلاً، يُحْيِيها بذلك. فقال الفرزدق يفتخر به:
وعَمِّي الذي مَنَعَ الوائدا * تِ فأحيا الوئيدَ فلم تُوأَدِ"
وفى الآية السابعة من سورة "النساء" يطالعنا قوله تعالى: "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا"، وسبب نزولها أن من العرب من لم يكن يورِّث النساء ويقول: "لا يُوَرَّث إلا من طاعَنَ بالرمح وقاتَلَ بالسيف"، فنزلت هذه الآية. ومن ذلك أن أم كحلة مات عنها زوجها أوس بن سُوَيْد وترك لها بنتا، فذهب عَمّ بنيها إلى ألاّ ترث، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال العَمّ: "هي، يا رسول الله، لا تقاتل ولا تحمل كّلاًّ ويُكْسَب عليها ولا تَكْسِب". ولا يقف ظلم النساء لدى عرب الجاهلية عند هذا الحد، فقد ذكرت الآيات التالية من نفس السورة ألوانا أخرى من الغبن الذى كُنّ يتعرَّضْن له على أيدى الرجال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا* وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا* وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا" (النساء/ 19 - 21). وقد علّق الزمخشرى على هذا قائلا: "كانوا يَبْلُون النساء بضروب من البلايا ويظلمونهن بأنواع من الظلم، فزُجِروا عن ذلك: كان الرجل إذا مات له قريب من أب أو أخ أو حميم عن امرأة ألقى ثوبه عليها وقال: أنا أحق بها من كل أحد. فقيل: "لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كَرْهًا"، أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تُحَاز المواريث، وهن كارهات لذلك أو مُكْرَهات. وقيل: كان يمسكها حتى تموت. فقيل: لا يحلّ لكم أن تمسكوهن حتى ترثوا منهن سوء العشرة والقهر لتفتدي منه بمالها وتختلع. فقيل: ولا تَعْضُلوهنّ لتَذْهَبوا ببعض ما آتيتموهن. والعَضْل: الحبس والتضييق. .. "إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينةٍ "، وهي النشوز وشَكَاسة الخُلُق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاء والسلاطة، أي إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن، فقد عُذِرْتم في طلب الخلع ... فإن فعلتْ حَلَّ لزوجها
(يُتْبَعُ)
(/)
أن يسألها الخُلْع. .. وكانوا يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم: " وعاشروهن بالمعروف "، وهو النَّصَفَة في المبيتِ والنفقةِ والإجمالُ في القول ... "وإن أردتم استبدال زوجٍ مكانَ زوجٍ وآتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانا وإثمًا مبينًا* وكيف تأخذونه وقد أَفْضَى بعضكم إلى بعضٍ وأخذن منكم ميثاقاً غليظا؟ ". وكان الرجل إذا طَمَحَتْ عينه إلى استطراف امرأة بَهَتَ التي تحته ورماها بفاحشة حتى يُلْجِئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه إلى تزوج غيرها. فقيل: " وإن أردتم استبدال زوجٍ ... ". وكانوا يَنْكِحون رَوَابَّهم (أى زوجات آبائهم)، وناسٌ منهم يمقتونه من ذَوِي مروءاتهم، ويسمّونه: "نكاح المَقْت". وكان المولود عليه يقال له: المَقْتِيّ". وفى الطبرى عن ابن عباس: "كان أهل الجاهلية يحرِّمون ما يحرَّم إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين". وفى الحديث: "لم يصبنا عيبٌ من عيوب الجاهلية فى نكاحها ومَقْتها". وبالنسبة لعلاقة الفِرَاش يقول الزمخشرى، تعليقا على قوله تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة/ 222)، إن "أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فَرْشٍ ولم يساكنوها في بيتٍ كفِعْل اليهود والمجوس. فلما نزلت أخذ المسلمون بظاهر اعتزالهن فأخرجوهن من بيوتهم. فقال ناس من الأعراب: يا رسول الله، البرد شديد، والثياب قليلة. فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحُيَّض. فقال عليه الصلاة والسلام: إنما أُمِرْتُم أن تعتزلوا مُجَامَعَتَهُنّ إذا حِضْنَ، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفِعْل الأعاجم".
وكان المجتمع الجاهلى يقوم، فيما يقوم، على نظام الرقيق، وكان الأرقاء يعامَلون بقسوة، فأوصى الإسلام بهم خيرا، ودعا إلى التقرب إلى الله وإحراز الأجر الجزيل بعتقهم. كما وَصَّى بمساعدتهم من أموال الزكاة والكفّارات والصدقات فى الافتكاك من الرق إن أرادوا المكاتبة لإعتاق أنفسهم من كسب يدهم، وكذلك مساعدتهم فى الزواج والاستعفاف. ومن رحمته سبحانه بالإماء المستضعفات أنْ أنزل آية تمسح عار البِغَاء وإثمه عن الأَمَة المُكْرَهة على البغاء من قِبَل سيدها القوّاد. وكان لعبد الله بن أُبيّ رأسِ الضلال والنفاق أَمَةٌ أَمَرَها فزَنَتْ، فجاءت ببُرْد، فقال لها: ارجعي فازْنِي. قالت: والله لا أفعل. إنْ يَكُ هذا خيرا فقد استكثرتُ منه، وإن يَكُ شرّا فقد آن لي أن أَدَعه". وقد نزل فى ذلك كله قوله جل شأنه: "وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ* وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (النور/ 32 - 33).
وكان الجاهليون يتعاملون بالرِّبَا، بل بالربا الفاحش الذى لا يرحم، ومن هنا نرى القرآن يصور الربا صورة شديدة البشاعة، ويحمل على المرابين حملة شعواء مناديا بالرحمة والتسامح مع الضعفاء والعاجزين الذين لا يقدرون على تسديد الدين، أو على الأقل إنظارهم والصبر عليهم حتى يمكنهم السداد: "وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ" (الروم/ 39)، "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ
(يُتْبَعُ)
(/)
الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " (البقرة/275 - 280)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران/ 130). ولم يكن عرب الجاهلية هم وحدهم الذين يرابون، بل هناك أيضًا اليهود أساتذة الربا وشياطينه، وقد هاجمهم القرآن المجيد مبينا كيف أن الله عاقبهم عقابا شديدا جَرَّاءَ ذلك الاستغلال الإجرامى القاسى فى التعامل مع المحتاجين: "فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا" (النساء/ 160 - 161). وحين حرّم الإسلام الربا لم يتسامح فيما كان لا يزال منه قائما، ورفض للمرابين أن يأخذوا أية فوائد على قروضهم، رغم أنه قد غض البصر عما كان قد سلف منه فى الجاهلية قبل مجيئه. وفى تفسير الطبرى: "كانت ثقيف قد صالحت النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن ما لهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع. فلما كان الفتح استعمل عتّاب بن أُسَيْد على مكة، وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة، وكانت بنو المغيرة يُرْبُون لهم في الجاهلية، فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير. فأتاهم بنو عمرو يطلبون رِبَاهم، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتّاب بن أُسَيْد، فكتب عتّاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: "يا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُوءْمِنِينَ* فإنْ لَمْ تَفْعَلُوا فأَذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ ... "، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتّاب وقال: "إِنْ رَضُوا، وَإِلاّ فَآذِنْهُمْ بِحَرْبٍ". وقال رسول الله فى خطبته يوم الفتح: "ألاَ إنّ رِبا الجاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ، وَأوّلُ رِبًا أبْتَدِئُ بِهِ رِبَا العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطّلِب".
وكان المَيْسِر، وهو القِمَار، من الآفات التى ابتُلِىَ بها عرب الجاهلية، و"كانوا يتقامرون على الأموال حتى ربما بقي المقمور فقيرا فتَحْدُث من ذلك ضغائن وعداوات" كما يقول الثعالبى. وقد أورد الطبرى عن ابن عباس: "كان الرجل في الجاهلية يخاطر (أى يقامر) على أهله وماله، فأيهما قَمَرَ صاحبَه (أى غلبه فى القمار) ذهب بأهله وماله". ومن هنا نستطيع أن نفهم تشديد التحريم له فى قوله سبحانه: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ" (المائدة/ 5)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
تُفْلِحُونَ" (المائدة/ 90). وفى القمار يقول الطبرى إنهم "كانوا يياسرون (أى يتقامرون) على الجَزُور (وهو الجمل أو الناقة المُعَدّان للذبح)، وإذا أفلج الرجلُ منهم صاحبَه (أى كَسَبَه) نَحَرَه، ثم اقتسموا أعشارا على عدد القِدَاح (السهام). وفي ذلك يقول أعشى بني ثعلبة:
وجَزُورِ أيْسارٍ دَعَوْتُ إلى النّدَى ** ونِياطِ مُقْفِرَةٍ أخافُ ضَلاَلهَا"
ويزيد الزمخشرى الأمر تفصيلا فيقول: " كانت لهم عشرة أقداح، وهي الأزلام والأقلام: الفَذّ والتَّوْأم والرقيب والحِلْس والنَّافِس والمُسْبِل والمُعَلَّى والمَنِيح والسَّفِيح والوَغْد. لكل واحد منها نصيب معلوم من جَزُور ينحرونها ويجزئونها عشرة أجزاء (وقيل: ثمانية وعشرين)، إلا لثلاثة، وهي المَنِيح والسَّفِيح والوَغْد. ولبعضهم:
لِيَ في الدنيا سهامٌ ليس فيهنّ رَبِيحُ ** وأساميهنّ وَغْدٌ وسَفِيحٌ ومَنِيحُ
للفَذّ سهم، وللتوأم سهمان، وللرَّقِيب ثلاثة، وللحِلْس أربعة، وللنَّافِس خمسة، وللمُسْبِل ستة، وللمُعَلَّى سبعة. يجعلونها في الرِّبَابة، وهي خريطة، ويضعونها على يدي عَدْل، ثم يجلجلها ويُدْخِل يده فيُخْرِج باسم رجل رجل قِدْحًا منها. فمن خرج له قِدْحٌ من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القِدْح. ومن خرج له قِدْحٌ مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغَرِمَ ثمن الجزور كله. وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك ويذمّون من لم يدخل فيه، ويسمونه: "البَرَم".
وفى الآيتين تحريم للأزلام أيضا، وهى سهامٌ ثلاثةٌ متشابهةٌ كانوا يضعونها فى كنانة، ثم يحركونها حتى تختلط ولا يمكن تمييز أحدها عن الآخر، ثم يمد الكاهن يده فيسحب منها واحدا. فإذا كان هذا السهم مكتوبا عليه:"افعل"، فإن الشخص المُسْتَقْسِم يفعل ما كان ينوى أن يفعله، وإن خرج السهم المكتوب عليه: "لا تفعل"، فإنه لا يفعل ما كان يريد، أما إذا كان السهم غير مكتوب عليه شىء، أُعِيد تحريك السهام وبدأت عملية الاستقسام من جديد. وقد استبدل الإسلام بهذه الطريقة الوثنية طريقة أخرى تربط الإنسان بربه، وهى "الاستخارة". ونترك الإمام الطبرى يشرح الأمر بقلمه كما كتبه عند تأويله للآية الخامسة من سورة "المائدة": "ذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوًا أو نحو ذلك أجال القِدَاح، وهي الأزلام (أى هَزّ الكنانة بما فيها من سهام)، وكانت قِدَاحا مكتوبا على بعضها: نهاني ربي، وعلى بعضها: أمرني ربي. فإن خرج القِدْح الذي هو مكتوب عليه: "أمرني ربي" مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك. وإن خرج الذي عليه مكتوب: "نهاني ربي" كَفَّ عن المضيّ لذلك وأمسك. فقيل: "وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بالأزلامِ"، لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يَقْسِمْنَ لهم. ومنه قول الشاعر مفتخرا بترك الاستقسام بها:
ولَمْ أَقْسِمْ فتَرْبُتَني القُسُومُ
وأما "الأزلام" فإن واحدها "زَلَم", ويقال "زُلَم"، وهي القِداح التي وصفنا أمرها". وهذه الأزلام كانت عند الكهنة، وكانوا هم الذين يقومون بعملية الاستقسام حسبما أورد الطبرى عن السُّدِّىّ.
ومن الملاحظ تكرير القرآن النهى عن التطفيف فى الكيل والميزان وتوعُّده لمن يصنع ذلك بالعقاب الشديد، وواضح أن العرب كانوا لا يراعون العدل كما ينبغى فى هذا المجال، وإلا لم يكن القرآن ليتحدث فى ذلك الموضوع ويكرر القول فيه: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ" (الأنعام/ 152)، "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" (الإسراء/ 35)، "وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ " (الرحمن/ 9)، "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ" (المطففين/ 1 - 3). وفى الطبرى: "عن عبد الله قال: قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إن أهل المدينة لَيُوفُون الكيل. قال: وما يمنعهم من أن يوفوا الكيل، وقد قال الله: "وَيْلٌ للْمُطَفّفِينَ* ... * يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ"؟ ... وعن ابن عباس قال: لما قَدِم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل
(يُتْبَعُ)
(/)
الله: "وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ"، فأَحْسَنوا الكيل". إلا أننى لا أستطيع أن أفهم كيف تكون الآيات الأخيرة قد نزلت فى أهل المدينة، والسورة كلها، كما يقول الطبرى نفسه فى بداية تفسيره لها، سورة مكية! ثم إن أهل المدينة كانوا مشهورين بدماثة الطبع ولم تُعْرَف عنهم شكاسة فى الخلق والمعاملات التجارية كالذى كان مشهورا عن مكة وأهلها فى الجاهلية، علاوة على أن القرآن إنما كرّر النهى عن الغَبْن فى المكاييل والموازين فى المرحلة المكية، بخلافه فى المرحلة المدنية، التى لم ينزل فيها شىء فى ذلك. ولا ينبغى أن نغفل عن أن المكيين كانوا، فى المقام الأول، تجارًا لا زُرّاعًا كاليثربيين. بل إن الحديث عن شيوع الغش فى المعاملات التجارية فى بعض الأمم القديمة وتلاعبها فى الكيل والميزان، وهى أمة شُعَيْب عليه السلام، إنما كان فى "الأعراف" و"هود" و"الشعراء"، وهى مما نزل فى مكة لا المدينة. أفترى القرآن إذن كان يستبق الحوادث ويهاجم اليثربيين قبل الميعاد؟ الذى أراه هو أن المقصودين بالكلام عن الكيل والميزان إنما هم المكيون قبل غيرهم، وإن كنت لا أستبعد سواهم من العرب من هذا الانحراف الخلقى. وبالمناسبة فإن الواحدى والسيوطى مثلا فى كتابيهما عن "أسباب النزول" يقولان نفس ما قاله الطبرى.
أما ابن عاشور فى "تفسير التحرير والتنوير" فيورد اختلاف العلماء فى مكية السورة أو مدنيتها، لينتهى إلى أنها مما نزل بين مكة والمدينة. ثم أضاف قائلا: "وعن القُرَظِيّ: كان بالمدينة تجار يطففون الكيل وكانت بياعاتهم كسبت القمار والملامسة والمناملة والمخاصرة، فأنزل الله تعالى هذه الآية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق وقرأها، وكانت عادة فَشَتْ فيهم من زمن الشرك فلم يتفطَّن بعض الذين أسلموا من أهل المدينة لما فيه من أكل مال الناس. فأريد إيقاظهم لذلك، فكانت مقدمة لإصلاح أحوال المسلمين في المدينة مع تشنيع أحوال المشركين بمكة ويثرب بأنهم الذين سَنُّوا التطفيف. وما أَنْسَبَ هذا المقصد بأن تكون نزلت بين مكة والمدينة لتطهير المدينة من فساد المعاملات التجارية قبل أن يدخل إليها النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يشهد فيها منكرًا عامًّا، فإن الكيل والوزن لا يخلو وقت عن التعامل بهما في الأسواق وفي المبادلات". ولكنى، رغم هذا، ما زلت أرى أن "المطففين" سورة مكية لأسلوبها وموضوعاتها اللذين يشبهان أسلوب الوحى المكى وموضوعاته، وأقصى ما يمكن أن أفكر فيه هو أن يكون الرسول قد قرأها على أهل يثرب مُهَاجَرَه إليهم، فقد قلت إننى لا أستبعد أن يكون من العرب من كان يطفِّف فى الكيل والميزان من غير أهل مكة، إلا أن المكيين، فى نظرى، هم المقصودون أوّلاً وفى الأساس بهذه الآيات. أَيًّا ما يكن الأمر، وهذا هو المهم فى الموضوع، فقد كان الجاهليون يتلاعبون فى مكاييلهم وموازينهم بما يأباه الخلق الشريف والذكاء التجارى الحصيف كما يصنع كثير من التجار فى المجتمعات المتخلفة مما لا نجده فى نظيراتها المتقدمة رغم أنها ربما لا تدين بدين سماوى، لكنه الحس التجارى السليم والقانون اليقظ الحريص على سلاسة الحياة وراحة البال حتى ولو لم يكن الحفاظ على القيم الخلقية فى حد ذاتها هو المراد!
وكان فى أهل الجاهلية بغي وطاعة للشيطان، فكان الحَيّ إذا كان فيهم عُدّة ومَنَعة، فقَتَل عبدُ قومٍ آخرين عبدًا لهم، قالوا: لا نَقْتُل به إلا حُرًّا تعزُّزًا لفضلهم على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت امرأةُ قومٍ آخرين امرأةً لهم، قالوا: لا نَقْتُل بها إلا رجلاً. فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فنهاهم عن البغي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُ نْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (البقرة/ 178).
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان اليتامى يُظْلَمون ولا يُرْحَمون وتُؤْكَل حقوقهم، وقد نزلت فيهم آيات متعددة: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين"ِ (الماعون/1 - 3)، "فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ" (البلد/ 11 - 16)، "لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة/ 177)،"كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ* وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمًّا* وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (الفجر/ 20)، "وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ" (الأنعام/ 152، والإسراء/ 34)، "وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا* وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ ألاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا* وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا* وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا* وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا" (النساء/ 2 - 6)، "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا" (النساء/ 10)، "وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا" (النساء/ 127)،.
وبالنسبة للأطعمة كان الجاهليون يحرِّمون البَحِيَرَة والسائبة والحامى، وفى ذات الوقت يأكلون المَيْتَة، سواء ماتت ميتة طبيعية أو كانت منخنقة أو موقوذة (وهى المضروبة ضربا شديدا حتى تموت، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها)، أو كانت متردِّية أو منطوحة. وكانوا يقولون عن الميتة إن الله قتلها، فكيف تكون حراما، وفى الوقت ذاته يكون ما قتله (أى ذبحه) البشر حلالا؟ وكانوا يستغربون كيف أن الرسول وأصحابه يقولون إنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال، وما ذبح الله حرام! كذلك كانوا يأكلون الدم وما أُهِلَّ به لغير الله وما ذُبِح على النُّصُب. وسوف يأتى فى كلامنا عن الأمثال فى العصر الجاهلى إشارة إلى أكلهم الدم. وفى الطبرى أنهم "كَانُوا إذَا
(يُتْبَعُ)
(/)
أَرَادُوا ذَبْح مَا قَرَّبُوهُ لآلِهَتِهِمْ سَمَّوْا اسْم آلِهَتهمْ الَّتِي قَرَّبُوا ذَلِكَ لَهَا وَجَهَرُوا بِذَلِكَ أَصْوَاتهمْ، فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرهمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ ذَابِح يُسَمِّي أَوْ لَمْ يُسَمِّ، جَهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ لَمْ يَجْهَر: "مُهِلّ"، فَرَفْعهمْ أَصْوَاتهمْ بِذَلِكَ هُوَ الإِهْلال الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى". كما يقول القرطبى إن ما أُهِلَّ به لغير الله هو "ذَبِيحَة الْمَجُوسِيّ وَالْوَثَنِيّ وَالْمُعَطِّل: فَالْوَثَنِيّ يَذْبَح لِلْوَثَنِ، وَالْمَجُوسِيّ لِلنَّارِ، وَالْمُعَطِّل لا يَعْتَقِد شَيْئًا فَيَذْبَح لِنَفْسِه".ِ و"النُّصُب" هى الأَوْثَان مِنْ الْحِجَارَة، وكَانَتْ تُجْمَع فِي الْمَوْضِع مِنْ الأَرْض، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُقَرِّبُونَ لَهَا، وَلَيْسَتْ بِأَصْنَامٍ، لأن الصَّنَم يُصَوَّر وَيُنْقَش، وَهَذِهِ حِجَارَة، فَكَانُوا إِذَا ذَبَحُوا نَضَحُوا الدَّم عَلَى مَا أَقْبَلَ مِنْ الْبَيْت وَشَرَّحُوا اللَّحْم وَجَعَلُوهُ عَلَى الْحِجَارَة. أما البَحِيرة والسائبة والوَصِيلة والحامى فكانت النَّاقَة إِذَا وَلَدَتْ أَبْطُنًا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا شَقُّوا أُذُنهَا وَقَالُوا: هَذِهِ بَحِيرَة، وكَانَ الرَّجُل يَأْخُذ بَعْض مَالِه فَيَقُول: هَذِهِ سَائِبَة، وكَانُوا إِذَا وَلَدَتْ النَّاقَةُ الذَّكَرَ أَكَلَهُ الذُّكُور دُون الإِنَاث، وَإِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فِي بَطْن قَالُوا: وَصَلَتْ أَخَاهَا، فَلا يَأْكُلُونَهُمَا. فَإِذَا مَاتَ الذَّكَر أَكَلَهُ الذُّكُور دُون الإِنَاث. وكَانَ الْبَعِير إِذَا وَلَدَ وَوَلَدَ وَلَدُه قَالُوا: قَدْ قَضَى هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِظَهْرِهِ و قَالُوا: هَذَا حَامٍ. وقيل أيضا: كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن إناثا بُحِرَتْ أذنها فحُرِّمَتْ، وقيل إن الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذَكَرًا بحروا أذنه فأكله الرجال والنساء، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها وكانت حرامًا على النساء لحمها ولبنها، وقيل: إذا نتجت الناقة خمسة أبطن من غير تقييد بالإناث شقوا أذنها وحرَّموا ركوبها ودَرّها. والسائبة: الناقة تُسَيَّب، أو البعير يُسَيَّب نذرا على الرجل إن سلّمه الله من مرض أو بلّغه منزله، فلا يُحْبَس عن رعي ولا ماء، ولا يركبه أحد. وقيل: هي التي تُسَيَّب لله فلا قيد عليها ولا راعي لها. وقيل: هي التي تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذَكَر، فعند ذلك لا يُرْكَب ظهرها ولا يُجَزّ وَبَرها ولا يَشْرَب لبنَها إلا ضيف. والوَصِيلة: قيل: هي الناقة إذا وَلَدَتْ أنثى بعد أنثى، وقيل هي الشاة: كانت إذا وَلَدَتْ أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكرًا فهو لآلهتهم، وإن ولدت ذكرًا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذَّكَر لآلهتهم. وقيل: كانوا إذا ولدت الشاةُ سبعة أَبْطُن نظروا: فإن كان السابع ذكرا ذُبِح فأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تُرِكَتْ في الغنم، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يُذْبَح لمكانها، وكان لحمها حرامًا على النساء، إلا أن يموت فيأكلها الرجال والنساء. والحام: الفحل الحامي ظهره عن أن يُرْكَب، وكانوا إذا رُكِبَ وَلَدُ الفحل قالوا: حُمِىَ ظهره فلا يُرْكَب، فجاء الإسلام فحرَّم هذا كله. ومن الأخبار التى وردت عن ذبحهم لآلهتهم ما رُوِىَ عن ابن عباس من "أن بلالاً لما أسلم ذهب إلى الأصنام فسَلَحَ عليها، وكان عبدًا لعبد الله بن جُدْعان، فشكا إليه المشركون ما فعل، فوهبه لهم ومائةً من الإبل يَنْحَرونها لآلهتهم". وعلاوة على ما مرّ كانت الخمر شائعة بين الجاهليين شيوعًا مستطيرًا يعرفه كل من قرأ الشعر الجاهلى، ولقد أخذت هذه المسألة فى أول الإسلام بعض الوقت إلى أن كفّوا عن تعاطى أم الخبائث ممتثلين لأمر الله، وذلك بعد أن تدرج بهم القرآن مرحلة بعد مرحلة كما هو معروف من النصوص القرآنية حتى أقلعوا عنها إقلاعا لم يحدث من قبل ولا من بعد فى أى مجتمع أو حضارة بشرية!
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن النصوص القرآنية التى تتحدث فى موضوع الطعام والشراب والحلال والحرام منه: "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ" (البقرة/ 173)، "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ" (المائدة/ 3)، "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ" (المائدة/ 103)، "قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ" (الأنعام/ 145)، "إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ" (النحل/ 115 - 116)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة/ 90). ولا أدرى أكان من العرب الوثنيين من كان يأكل لحم الخنزير أم لا، لكن المؤكد أن النصارى كانوا وما زالوا يأكلونه رغم أنه محرَّم فى شريعة موسى عليه السلام، التى أكد المسيح أنه إنما أتى لتكميلها لا لنقضها، إلا أن بولس اليهودى ما إن دخل النصرانية حتى أشاع فيها الاضطراب وألغى كل ما جاءت به تلك الشريعة تقريبا، ومن بين ما ألغاه تحريم الخنزير.
وفى تفسير قوله تعالى على لسان الشيطان متحدثا عن بنى آدم: "ولأُضِلَّنَّهم ولأُمَنَِّبنَّهم ولآمُرَنَّهم فلَبُبَتِّكُنَّ آذان الأنعام، ولآمُرَنَّهم فلَيُغَيِّرُنّ خَلْق الله" (النساء/ 119) يقول الزمخشرى: "تَبْتِيكُهم (أى تَبْتِيك عرب الجاهلية الوثنيين) الآذان: فِعْلُهم بالبحائر: كانوا يشقّون أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذَكَرًا، وحرَّموا على أنفسهم الانتفاع بها. وتغييرهم خلق الله: فَقْءُ عين الحامي وإعفاؤه من الركوب ". وفى قوله سبحانه: "وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" (الأنعام/ 136) نرى لونًا آخر من اعتقاداتهم الوثنية التى كان لها تأثير على أحكام الطعام عندهم، إذ كانوا يجعلون لله سبحانه مما خلق من حرثهم ونَتَاج دوابّهم نصيبا، ولآلهتهم نصيبا من ذلك يَصْرِفونه على سَدَنَتها والقائمين بخدمتها، فإذا ذهب ما خصصوه لآلهتهم عَوَّضوا عنه ما جعلوه لله، وقالوا: الله غني عن ذلك. وقوله: "فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله"، أي إلى المصارف التي شرع الله الصَّرْف فيها كالصدقة وصلة الرَّحِم وقِرَى الضيف، ومعنى عبارة "وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم"، أي يجعلونه لآلهتهم وينفقونه في مصالحها. وفى "الكشاف" للزمخشرى أنهم "كانوا يعيّنون أشياءَ من حرثٍ ونتاجٍ لله، وأشياءَ منها لآلهتهم، فإذا رَأَوْا ما جعلوه للّه زاكيا ناميا يزيد في نفسه خيرا رجعوا فجعلوه للآلهة، وإذا زَكَا ما جعلوه للأصنام تركوه لها واعتلُّوا بأن الله غني. وإنما ذاك لحبهم آلهتهم وإيثارهم لها". وفى قوله سبحانه: "فلا يصل إلى الله" يقول: " أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليه من قِرَى الضِّيفان والتصدق على المساكين"، أما قوله: " فَهُوَ يصل إلى شركائهم" فمعناه أنهم ينفقونه على الأوثان "في ذبح النسائك عندها
(يُتْبَعُ)
(/)
والإجراء على سَدَنتها ونحو ذلك". أو كانوا إذا ذبحوا ما جعلوه لله ذكروا عليه اسم أصنامهم، وإذا ذبحوا ما لأصنامهم لم يذكروا عليه اسم الله، وهذا معنى آخر للآية الكريمة.
وفى الآيتين 138 - 139 من نفس السورة نقرأ قوله عز شأنه: "وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ* وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ". و"الحِجْر" هو التضييق، والمقصود أنهم يَقْصِرونها على طرفٍ دون آخر. ذلك أنهم كانوا إذا عيَّنوا أشياء من حرثهم وأنعامهم لآلهتهم قالوا: " لا يطعمها إلا من نشاء"، يَعْنُون خَدَم الأوثان والرجال دون النساء، أما الأنعام التى حُرِّمَتْ ظُهُورهَا فهى البحائر والسوائب والَحَوامِي. ثم هناك الأنعام التى لا يُذْكَر اسم الله عليها في الذبح، وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام. وقيل: لا يحجّون عليها ولا يُلَبُّون على ظهورها. أى أنهم قسّموا أنعامهم فقالوا: هذه أنعامٌ حِجْرٌ، وهذه أنعامٌ محرَّمة الظهور، وهذه أنعامٌ لا ُيذَْكر عليها اسم الله. ليس ذلك فحسب، بل كانوا يقولون أيضا: "ما في بطون هذه الأنعام خالصةٌ لذكورنا ومحرَّمٌ على أزواجنا، وإن يكن مَيْتَةً فهم فيه شركاء"، أى أن ما وُلِد من أَجِنّة البحائر والسوائب حَيًّا فهو خالص للذكور لا تأكل منه الإناث، وما وُلِد منها ميتًا اشترك فيه الذكور الإناث. وفى ذات السياق أيضا ورد قوله سبحانه: "وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ" (النحل/ 56)، ومعناه أنهم كانوا يجعلون لآلهتهم التي لا علم لها (لأنها جماد، فهى لا تدرى أجعلوا لها نصيبا في أنعامهم وزروعهم أم لا) نصيبا مما رزقهم الله من الزروع والأنعام يتقربون بذلك إليها.
فإذا انتقلنا إلى البيئة العربية وجدنا تكرارا لذكر الجبال فى آيات كثيرة فى القرآن المجيد، وهذا أمر طبيعى، فالجزيرة العربية مملوءة بالجبال: "وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ" (هود/ 42)، "وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ" (إبراهيم/ 46)، "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ" (النحل/ 68)، "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا" (النحل/ 81)، "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا" (طه/ 105)، "وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ" (فاطر/ 27)، "أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا* وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا" (النبأ/6 - 7)، "وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا* مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ" (النازعات/ 32 - 33). كما أشار القرآن، فى آية مشهورة، إلى ظاهرة أخرى من ظواهر البيئة العربية هى ظاهرة السراب: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا" (النور/ 39). وعلى ذكر السراب فإن الماء شحيح فى الجزيرة العربية، ومن هنا فكثيرا ما يمنّ الله على العرب بإنزاله من السماء ماء يُحْيِى الأرض بعد موتها: "الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة/ 22)، "وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا" (الأنعام/ 99)، "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ" (الأنفال/
(يُتْبَعُ)
(/)
11)، "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ" (الزُّمَر/ 21)، "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ" (المُلْك/ 30)، "وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا* لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا* وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا" (النبأ/ 14 - 16). والإبل هى أيضا مما ورد ذكره فى القرآن، وهى الحيوان الوحيد الذى لفت القرآن نظر العرب إلى عجيبة الخلق فيه: "أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ* وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ* وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ* وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ" (الغاشية/ 17 - 20)، ومعروف أن الجمل هو سفينة الصحراء.
وبالنسبة للمساكن التى كان يقطنها العرب فى الجاهلية فإن القرآن يشير إلى ضربين: البيوت العادية، وهى بيوت أهل الحضر، وكانوا أقل فى بلاد العرب من أهل الصحراء آنذاك، ثم بيوت الوَبَر والشَّعْر والجلد، وهى الخيام، التى لا يعرف سكان البوادى غيرها نظرا لتنقلهم المستمر وراء الغيث والمرعى: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ" (النحل/ 80). أما الثمار والفواكه وأشجارها التى كانت يعرفها العرب فقد ذكر القرآن منها التين والزيتون والأعناب والرمان والنخيل: "وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام/ 99)، "وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ" (الأنعام/ 141)، "فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ" (الرحمن/ 68)، "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ" (التين/ 1).
وفى القرآن المجيد أيضًا ذِكْرٌ لمكة ويثرب والمدينة واللغة العربية، وقريش ورحلتيها إلى الشام واليمن، والكعبة وإبراهيم أبى العرب وابنه إسماعيل، وسقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام، وسبإ وعاد وثمود ومَدْيَن، وهُود وصالح وشُعَيْب، واليهود والنصارى والصابئين والمَجُوس، والشِّعْر والشعراء والكُهّان والنفَّاثات فى العُقَد، والأشهر الحُرُم، وهى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وكانوا يتوقفون فيها عن القتال والأخذ بالثأر ويجعلونها شهور هدنة، وإن كانوا أحيانا ما يستمرون فيه معوِّضين عنها بشهور أخرى يتوقفون فيها عن المعارك، وهو ما يسمون: "النَّسِىء". كما كان الأخذ بالثأر تقليدا جاهليا راسخا فى أعماق النفس العربية، ولكنْ بالمقابل كانت مكة بما فيها الكعبة حَرَمًا آمنا لا يجوز الأخذ بالثأر فيه مهما كانت الأسباب والمغريات، ولذلك يقال: "البلد الحرام"، و"البيت الحرام"، و"المسجد الحرام". وقد كان هذا كله جزءا من حياة العرب وجغرافيتهم وتاريخهم وثقافتهم ودينهم: "وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ (بالأخذ بالثأر) إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (باقتصاص الدولة من القاتل أو بأخذ الدية منه لأولياء القتيل حسبما يختارون) " (الإسراء/ 33)، "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ (أى مكة) مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (آل عمران/ 96 - 97)، "وَهُوَ الَّذِي كَفَّ
(يُتْبَعُ)
(/)
أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا* هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ" (الفتح/ 24 - 25)، "لإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ" (قريش/ 2)، "جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (المائدة/ 97)، "وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا" (الأحزاب/ 13)، "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود* وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ* وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (البقرة/ 125 - 129)، "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ" (الحج/ 78)، "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (التوبة/ 19)، "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (المائدة/ 18)، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة/ 51)، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (المائدة/ 69)، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (الحج/ 17)، "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ" (سبأ/ 15)، "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ* وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ" (العنكبوت/ 36 - 38)، "قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ
(يُتْبَعُ)
(/)
أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ* قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ* وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ" (هود/ 87 - 89)، "وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ" (الشعراء/ 192 - 195)، "وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ" (يس/ 69)، "وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ" (الشعراء/ 224)، "فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ* أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ" (الطور/ 29 - 30)، "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الحاقّة/ 40 - 43)، "وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ" (الفَلَق/ 4)، "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ* إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (التوبة/ 36 - 37)، "إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (النمل/ 91)، "أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا" (القَصَص/ 57)، "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ" (العنكبوت/ 67)،"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا" (المائدة/ 2)، "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ" (الإسراء/ 1). كما أبرز القرآن فى أكثر من موضعٍ تمسُّك العرب الجاهليين بما تركه لهم الأجداد والآباء من عادات وتقاليد تمسكا حديديًّا: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ" (البقرة/ 170)، "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ" (المائدة/ 104)، "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ" (الزخرف/ 22).
(يُتْبَعُ)
(/)
وبالإضافة إلى الوثنيين نرى القرآن الكريم يتحدث عن عقائد اليهود والنصارى مبينًا أن كلا من الطائفتين كانوا يرددون أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن اليهود كانوا يقولون إنهم لن يعذَّبوا يوم القيامة إلا أياما معدودات، وأن منهم من كان يجعل عُزَيْرًا ابن الله مثلما كان النصارى يقولون إن المسيح هو ابن الله، وإن كان الأخيرون يثلِّثون الألوهية، كما أن منهم من كان يعبد مريم مع الله والمسيح. بل لقد اتخذوا من أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله يتبعون ما أدخلوه لهم فى الدين من عقائد وعبادات وشرائع ما أنزل الله بها من سلطان. كما ذكر القرآن تحريف الفريقين لكتبهم، ونَصَّ على الأطعمة المحرَّمة على اليهود وما أضافوا هم إليها مما لم يحرّمه سبحانه عليهم، وهو لحم الإبل، وأشار إلى عقيدتهم فى النبوة وأنها محصورة فى بنى إسرائيل، وزَعْمهم أن الله قد عَهِدَ إليهم ألا يؤمنوا بأى رسول إلا إذا أتاهم بقربان تنزل عليه من السماء نار تلتهمه، وأنه سبحانه لم يجعل عليهم فى غير اليهود سبيلا، ومن ثم كان من حقهم أن يسرقوهم ويخونوا أماناتهم معهم دون خوف من عقاب الله، وادعائهم أنهم قتلوا المسيح وصلبوه: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (المائدة/ 18)، "قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (الجمعة/ 6)، "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ (أى بنى إسرائيل) قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" (آل عمران/ 24)، "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (التوبة/ 30 - 31)، "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (المائدة/ 17)، "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ* لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (المائدة/ 72 - 73)، "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي ولا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ" (المائدة/ 116)، "وَإِنَّ مِنْهُمْ (أى من اليهود) لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ
(يُتْبَعُ)
(/)
يَعْلَمُونَ* فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ" (البقرة/78 - 79)، "مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ" (النساء/ 46)، "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ (أى بنى إسرائيل) لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" (المائدة/ 13 - 14)، "وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" (الأنعام/ 146)، "كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (آل عمران/ 93)، "الَّذِينَ قَالُوا (أى اليهود) إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (آل عمران/ 183)،"وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب ِ (وهم يهود المدينة) آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ* يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران/ 72 - 75)، "وَقَوْلِهِمْ (أى اليهود) إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" (النساء/ 157 - 158). ويبقى المجوس، وهناك آية قرآنية تتحدث عن التثنية فى الألوهية هذا نصها: "وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" (النحل/ 51)، وأقرب ما يمكن أن يفد إلى الذهن هنا ثَنَوِيَّة فارس، إذ كانوا يعبدون إلهين: واحدا للنور، والآخر للظلمة. وأغلب الظن أنه كان هناك عرب يؤمنون بها متابعة للفرس.
ـ[فاروق]ــــــــ[18 Jan 2006, 07:53 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
جزاك الله خيرا أستاذنا الفاضل وجعله الله في ميزان حسناتكم ..(/)
ما معنى الإستثناء الموجود في الآية (لا يمسه إلا المطهرون)
ـ[محب الوحي]ــــــــ[01 Jan 2006, 08:32 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
الحمد لله
يقول الله تعالى (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) الآية
وأنا أقرأ بعض أقوال المفسرين لهذه الآية تبادر إلى ذهني هذا السؤال
إذا كان المقصود حسب أقوال بعض المفسرين بالمطهرين الملائكة فما معنى الإستثناء الموجود في الآية (لا يمسه إلا المطهرون) , إذ من المعلوم أن الملائكة كلهم مطهرون؟! فلماذا جاء الإستثناء هنا؟
هل سؤالي هذا صحيح بدءا؟ وإذا كان كذلك فما يكون الجواب إذن؟ إذ كما تعلمون فهم هذا الأمر يحتاج إلى معرفة بمنطوق ومفهوم الآية وبدلالة الإستثناء في اللغة وبغيره من العلوم الشيء الذي لا يمكن أن أدعيه.
وبارك الله تعالى فيكم
الموضوع منقول من ملتقى أهل الحديث
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69079
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[01 Jan 2006, 10:37 م]ـ
أخي الكريم محب الوحي بارك الله فيك ......
طرحت في سؤالك قضايا كثيرة تحتاج لوقفات أطول ..... حسبي هنا أن أبدي بعض التوضيحات:
-هناك بحث فقهي مشهور عن جواز أو منع مس غير المتوضيء للمصحف.وقد استند بعض المانعين إلى قوله تعالى: (إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون).ورد المجيزون هذا الاستدلال باعتباره في غير محل النزاع لأن الآية ذكرت (المطهرون) ولم تذكر (المتطهرون) ..... والفرق كبير بين المعنيين ..... فالمطهر من طهره غيره, والمتوضيء أو المغتسل يصدق عليه وصف (المتطهر) لا (المطهر).وقالوا إن الوصف يليق بالملائكة الذين طهرهم الله بحيث عصموا فلا يفعلون إلا ما يؤمرون .......
-لا إشكال في كون الملائكة كلهم مطهرون ...... لأن الملائكة (المطهرون) في الآية في موقع المستثنى, وليس في موقع المستثنى منه الذي هو عام (محذوف) تقديره: لا يمسه (أحد) إلا المطهرون. فأخرج الملائكة من غير المطهرين الموجودين في عموم (أحد) النكرة المسورة بالنفي, ويراد من غير المطهرين الشياطين تحديدا ..... فتكون الآية جاءت لتصحيح وهم شائع في الجاهلية وهو استمداد الشعراء والكهان والعرافين من قرناء لهم شياطين ... وقد يسمونه "الرئي"أو "القرين"أو "الصاحب".وقد افتخر شاعرهم في بيت شعرى لا يحضرني الآن إلا معناه:" إذا كان قرين الشعراء الآخرين أنثى فقرينه ذكر .... "
لقد اختلط أمر النبوة على الجاهليين بأمور السحر والشعر والكهانة ...... فنزل القرآن لوضع كل شيء في مكانه المناسب ......
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} (210) سورة الشعراء
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} (221) {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} (222) سورة الشعراء
فالنبي اجتباه الله وخصه بكلام الله بواسطة ملك مطهر ... فمسار الوحي إذن محمي محصن بل لقد طهرت السماء نفسها من مردة الجن الذين كانوا يسترقون السمع زمن نزول الوحي -كما بينت سورة الجن -فضلا عن أن يتلبسوا يشيء منه:
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} (9) سورة الجن
{إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (27) سورة الجن.
وبناء على هذا لا يكون معنى الآية) إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) تنبيها على حكم ما فقهي يتعلق بمس المصحف بقدر ما تشير إلى عصمة الوحي وتنقله عبر مسار مطهر معصوم محفوظ .... من اللوح المحفوظ إلى الملك المطهر إلى النبي المعصوم .....
والله أعلم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Oct 2007, 06:33 م]ـ
بارك الله فيكم يا أبا عبدالمعز. والبيت الذي ذكرتموه بالمعنى هو قول الشاعر أبي النجم العجلي وهو من المتأخرين توفي سنة 130هـ:
إِنِّي وكلُّ شاعرٍ من البَشَرْ = شيطانهُ أُنثى وشَيطاني ذَكَرْ
فَما رَآني شاعِرٌ إِلا اِستَتَرْ = فِعلَ نُجومِ اللَيلِ عايَنَّ القَمَرْ
غير أن هذا الذي ذكره كما تفضلتم كان سائداً في الجاهلية واستمر صداه في أشعار بعض الشعراء بعد الإسلام كأبي النجم وغيره.
ـ[بنية الإسلام]ــــــــ[27 Oct 2007, 07:03 م]ـ
جزاكم الله خيراً(/)
(الحج أشهر معلومات)
ـ[المعتصم بالله]ــــــــ[01 Jan 2006, 11:10 م]ـ
أيها الأخوة ...
هلاَّ انبرى من المشائخ الفضلاء وطلاب العلم أن يبسطوا لنا القول في الحديث والكلام عن شيء من كلام ربنا لا سيما في (آيات الحج) نحوياً , وفقهياً , مع ذكر القراءات وتفسيرها ... أمثال .. (وأتموا الحج والعمرة) , (الحج أشهر معلومات .. ) , (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) .. ونحوها لمناسبة قرب موسم الحج عل الله أن ينفع بها
منىً إن تكن حقّاً تكن أجملَ المنى ... وإلاَّ فقد عشنا بها زمناً رغدا
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[02 Jan 2006, 10:08 م]ـ
أخي هذ هذه الفائدة:
قال تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} (البقرة: من الآية197)
قالَ السعديُّ:"واستدلَّ بهذه الايةِ الشافعيُّ ومَن تابعهُ على أنّه لا يجوزُ الإحرامُ بالحجِّ قبلَ أشْهُرِهِ، قُلْتُ: لو قِيلَ: إنّ فيها دلالةً لقولِ الجمهورِ بصحّةِ الإحرامِ بالحجِّ قبلَ أشهرهِ لكانَ قريبًا، فإنّ قوله: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} دليلٌ على أنّ الفرضَ قد يقعُ في الأشهرِ المذكورةِ، وقد لا يقعُ فيها، وإلاّ لم يُقيِّدْهُ ".
وقالَ الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله:" ومنها- أيْ مِن فوائدِ الآيةِ -: أنّ الإحرامَ بالحجِّ قبلَ أشهرهِ لا ينعقدُ؛ لقولهِ تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ}؛ فَلَمْ يُرتِّبْ الله أحكامَ الإحرام ِإلا لمن فَرَضَهُ في أشهرِ الحجِّ؛ومَعلومٌ أنّه إذا انتفتْ أحكامُ العملِ فمعناهُ أنّه لم يصحّ العمل، وهذا مذهبُ الشافعيِّ - رحمه الله - أنّه إذا أحرمَ بالحجِّ قبلَ دخولِ أشهرِ الحجِّ لم ينعقدْ إحرامهُ؛ ولكن هل يَلْغُو، أو ينقلبُ عمرةً؟ في هذا قولانِ عندهم؛أمّا عندنا مَذهبُ الحنابلةِ؛ فيقولونَ: إنّ الإحرامَ بالحجِّ قبلَ أشهرهِ ينعقدُ؛ ولكنه مَكروهٌ - يُكرَه أنْ يُحْرِمَ بالحجِّ قبلَ أشهرهِ - ومَذهبُ الشافعيِّ أقربُ إلى ظاهرِ الآيةِ الكريمةِ: أنّه إذا أحرمَ بالحجِّ قبلَ أشهرهِ لا ينعقدُ حَجًّا؛ والظاهرُ أيضًا أنّه لا ينعقدُ، ولا ينقلبُ عمرةً؛ لأنّ العبادةَ لم تنعقدْ؛ وهو إنّما دخلَ على أنّها حَجٌّ؛ فلا ينعقدُ لا حَجًّا، ولا عمرةً ".
قُلْتُ: سببُ الخلافِ ما أشارَ إليه ابنُ العربي في تفسيرهِ بقولهِ:" القولُ فيها دائرٌ مِن قِبَلِ الشافعيِّ على انّ الإحرامَ رُكْنٌ مِن الحجِّ مُختصٌّ بزمانهِ، ومُعَوَّلُنَا – أيْ المالكية – على
أنّه شرطٌ فيقدّمُ عليه ".
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[02 Jan 2006, 10:11 م]ـ
وهذه أخرى:
قال تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (البقرة: من الآية196)
يرى السعديُّ رحمه الله أنّ إزالةَ الشَّعْرِ مِن الرأسِ أو مِن البَدَنِ بِحَلْقٍ أو غيرهِ، وتقليمَ الأظافرِ بالقياسِ على ذلكَ مِن مَحظوراتِ الإحرامِ؛ لأنّ المحْرِمَ ممنوعٌ مِن التَّرَفُّهِ.
بينما يرى الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله خلافَ ذلكَ فقالَ:" ومنها – أيْ مِن فوائد الآية -: أنّه لا يَحْرُمُ حَلْقُ شَعْرِ غير الرأسِ؛ لأنّ الله خَصَّ النهي بحلقِ الرأسِ فقط؛ وأمّا الشَّارِبُ، والإبطُ، والعانةُ، والساقُ، والذراعُ، فلا يدخلُ في الآيةِ الكريمةِ؛ لأنّه ليسَ مِن الرأسِ؛ والأصْلُ الحلُّ؛ وهذا ما ذَهَبَ إليهِ أهْلُ الظاهرِ؛ قالوا: لا يَحْرُمُ على الْمُحْرِمِ حلقُ شيءٍ مِن الشَّعْرِ المباحِ حَلْقُهُ سِوَى الرأسِ؛ لأنّ الله ? خَصَّهُ فقالَ: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ}؛ ولأنّ حَلْقَهُ يَفُوتُ بهِ نُسُك بِخلاف غيرهِ مِن الشُّعُورِ؛ ولكن أكثرَ أهلِ العلم ألحقوا بهِ شعرَ بقيةِ البدنِ؛ وقالوا: إنّه يحرمُ على المحرمِ أنْ يحلقَ أيّ شعرٍ مِن بَدَنِهِ - حتّى العانةَ - قياسًا على شعرِ الرأسِ؛ لأنّ العلّةَ في تحريمِ حلقِ شعرِ الرأسِ التَّرُفُّهُ، وإزالةَ الأذى؛وهذا حاصلٌ في حلقِ غيرهِ مِن الشُّعُورِ؛ وهذا القياسُ غيرُ صحيحٍ لوجهينِ:
الوجه الأول: أنّه مُخالِفٌ لظاهرِ النَّصِّ، أو صَرِيحهِ.
(يُتْبَعُ)
(/)
الوجه الثاني: أنّ بينَ شعرِ الرأسِ وغيرهِ فرقاً كثيراً: فإنّ حلقَ شعرِ الرأسِ يتعلقُ بهِ التحلُّل مِن النسكِ؛ فهو عنوانُ التحلُّل؛ بخلافِ غيرهِ مِن الشُّعُور.
وأمّا التعليلُ بأنّه للتّرَفُّهِ، ودفعِ الأذى ففيهِ نظرٌ؛ ثم لو سَلَّمْنَا ذلكَ فأينَ دفعُ الأذى في حلقِ شعرِ العانةِ، وشعرِ الساقِ، ونحو ذلكَ؟! وأينَ الدليلُ على مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِن التّرَفُّهِ مع أنّه يجوزُ له التنظّفُ،والاغتسالُ، والتظلُّل مِن الشمسِ، واستعمالُ المكيفاتِ؟!
وهل تُلْحَقُ الأظافرُ بشعرِ الرأسِ؟
الجوابُ: لا تُلْحَقُ؛ فالأظافرُ ليستْ شعراً؛ وليستْ في الرأسِ أيضاً؛ فهي أبْعَدُ مِن إلحاقِ شعرِ بقيّةِ البدنِ بشعرِ الرأسِ؛ ووجهُ البُعْدِ أنّها ليستْ مِن نَوعِ الشعرِ؛ صحيحٌ أنّها تُشْبِهُ الشعرَ مِن حيثُ إنّها جزءٌ مُنفَصِلٌ؛ لكنّها ليستْ مِن نَوعِ الشعرِ؛ ولذلكَ مَن لَمْ يَرَ تحريمَ حلقِ شعرِ بقيّةِ البدنِ فإنّه لا يَرَى تحريمَ قَصِّ الأظافرِ مِن بابِ أَوْلَى؛ ولكن جمهورُ أهلِ العلمِ على أنّ تقليمَ الأظافرِ مُحَرَّمٌ على الْمُحْرِمِ قِيَاسًا على تحريمِ حلقِ شعرِ الرأسِ؛ والعلّةُ: مَا في ذلكَ مِن التّرَفُّهِ، والتَّنَعُّمِ؛ ولكن هذهِ العلّةُ غيرُ مُسَلَّمَةٍ:
أولاً: لأنّ العربَ في زَمنِهم لا يَترفَّهُونَ بحلقِ الرأسِ؛ بل الرفاهيةُ عندهم إنّما هي في إبقاءِ الرأسِ، وتَرْجِيلِهِ، وتَسْرِيحِهِ، ودَهْنِهِ، والعنايةِ بهِ؛ فليست العلّةُ إذاً في حلقِ شعرِ الرأسِ: التّرَفُّهُ.
ثانياً: أنّ العلّةَ لا بُدَّ أنْ تَطَّرِدَ في جميعِ مَعْلُولاتِهَا؛ وإلا كانتْ باطلةً؛ وهذهِ العلّةُ لا تَطَّرِدُ، بدليلِ أنّ الْمُحْرِمَ لو تَرَفَّهَ، فتنظّفَ، وتغسّلَ، وأزالَ الوسَخَ عنهُ، ولَبِسَ إحْرامًا جديدًا غير الذي أَحْرَمَ بهِ لم يَحْرُمْ عليهِ ذلكَ.
وأقربُ شيءٍ للتعليلِ أنّ في حلقِ الرأسِ حالَ الإحرامِ إسقاطًا للنُّسُكِ الذي هو حلْقُهُ عندَ التحلُّلِ؛وهذا لا يساويهِ حلقُ بقيّةِ الشعرِ، أو تقليمُ الأظافرِ؛ ولكن نظراً لأنّ جمهورَ أهلِ العلمِ ألحقوا ذلكَ بشعرِ الرأسِ فالاحتياطُ تَجَنُّبُ ذلكَ مُراعاةً لقولِ الجمهورِ". ()
قُلْتُ: ومَنْشَأُ الخلافِ بينهما: عِلَّةُ تحريمِ حلقِ الرأسِ، فالسعديُّ جعلهُ للتَّرَفُّهِ، وقاسَ بقيّةَ شعرِ البدنِ وتقليمِ الأظافرِ عليه، وابنُ عثيمينَ جعلَ العلّةَ أنّ في الحلقِ إسقاطًا للنُّسُكِ عند التحلُّلِ ولم يُصحِّحِ القياسَ، والله أعلم
ـ[المعتصم بالله]ــــــــ[02 Jan 2006, 11:52 م]ـ
أفادك الله يا شيخ أحمد ..
جاء في كلام الشيخ رحمه الله ما نصه (ولكن نظراً لأنّ جمهورَ أهلِ العلمِ ألحقوا ذلكَ بشعرِ الرأسِ فالإحتياطُ تَجَنُّبُ ذلكَ مُراعاةً لقولِ الجمهور.) ... هل معنى هذا أن الإحتياط هنا من باب الورع بمعنى أنه لو حلق أو قلَّمَ عند الشيخ فلا شيء عليه؟؟.
** مما يترتب على هذا .. هل قول الجمهور يحتج به وإن كان للإحتياط -كما ذكر الشيخ رحمه الله -.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Jan 2006, 01:48 م]ـ
مما يوضح كلامه ما ذكره في الشرح الممتع بقوله:ولو أن الإنسان تجنب الأخذ من شعوره كشاربه وإبطه وعانته إحتياطاً لكان هذا جيداً لكن أن نلزمه ونأثمه إذا أخذ مع عدم وجود الدليل الرافع للإباحة فهذا فيه نظر.أهـ.
قلت: وأما الأظافر فقد نقل الإجماع على المنع منه , فإن صح فلا عذر في مخالفته , وقد استدل الشنقيطي بالمنع بقوله تعالى " ثم ليقضوا تفثهم ". فراجعه إن شئت.
ـ[المعتصم بالله]ــــــــ[03 Jan 2006, 11:21 م]ـ
أتنمى من بقية الأخوة المشاركة ... أجزل الله لكم المثوبة.(/)
الإعجاز النفسي في القرآن .. والبقية تأتي!!
ـ[الطبيب]ــــــــ[02 Jan 2006, 12:25 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
المشائخ الفضلاء والإخوة الإعزّاء، لا شك أنكم سمعتم وربما تناقشتم عن موضوع الإعجاز العلمي في القرآن و ما لحقه من إعجازات يطرقها بعض الباحثين وينشرون فيها بحوثاً على الشبكة أو في بعض الكتب ...
و من هذه الإعجازات (الجديدة علي) الإعجاز النفسي في القرآن الكريم، وفي الحقيقة لا علم لي في هذا الجانب ألبتّة ولم أطّلع على كلام فيه لأحد من العلماء المعروفين. و أنا أقف الآن موقف المتوجّس منه خشية أن يكون أخاً (للإعجاز العددي) في القرآن الكريم الذي تبين أمره لي من فضيلة الشيخ د. خالد السبت حفظه الله وسدده.
وأنا أحتاج إلى بيان هذا النوع من الإعجاز والموقف منه خصوصاً وأن أحد (دكاترتي) في الجامعة قد ألمح بأنه أحد الأنواع الجديدة للإعجاز في القرآن.
فهلاّ أسعفتموني بالجواب الكافي!!
و دمتم
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Oct 2007, 06:31 م]ـ
بارك الله فيك أخي العزيز الطبيب المهندس أيضاً.
كتب الصديق العزيز الدكتور عبدالله الجيوسي كتاباً بعنوان: التعبير القرآني والدلالة النفسية، وقد طبع الكتاب، وتجد خبره هنا:
- (التعبير القرآني والدلالة النفسية) - دكتوراه ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=8283)
- صدر حديثاً: التعبير القرآني والدلالة النفسية للدكتور عبدالله الجيوسي ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4225) .
وقد أحسن الدكتور عبدالله الجيوس بتسميتها بالدلالة النفسية بدل الإعجاز النفسي، حيث إن بعض الباحثين قد توسع في إطلاق وصف الإعجاز حتى فقد معناه. ولعل الدكتور عبدالله الجيوسي يتكرم بالتعقيب على هذا الموضوع إن تيسر له ذلك.
موضوع ذو صلة:
- علم اللغة النفسي ولغة القرآن ... وقفات وتأملات ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4670) .
ـ[مرهف]ــــــــ[28 Oct 2007, 02:26 ص]ـ
أذكر أني كتبت في الرسائل المقترحة عنوان رسالة (الدلالات النفسية في القرآن) أو المظاهر النفسية في القرآن، وذلك أننا نجد القرآن يعبر عن مواقف نفسية مختلفة وفي حالات متعددة ولأشخاص ذوي مرجعيات عقائدية مختلفة، وهذا التعبير بألفاظ ذات دلالات ترسم صورة في الذهن وتحرك المشاعر في النفس وتجعلك تدخل في الحدث النفسي كأنك فيه لتجد أثر العقيدة على السلوك والأمن النفسي، ومثال ذلك:
ـ في أول سورة الأنفال عند ذكر مجادلة بعض الصحابة في قتال المشركين {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} الأنفال6، فانظر إلى هذا التعبير الذي يصور لك الحالة النفسية لمن يجادل في قتال المشركين وكأنك بينهم وتتلمس مداخل نفوسهم وقد ظهر أثر ذلك في جوارحهم (كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ) وأنا هنا أشير إشارة دون تفصيل.
ـ في الحديث عن سلوك من بشر بالأنثى وعن موقفه النفسي منه: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} النحل58، إلى آخر الآيات، فاغتمامه وامتلاؤه غيظاً وهماً هي آثار نفسية يتبعها موقف نفسي ناشئ عن أصل عقائدي وعززه عرف جاهلي.
هذان مثالان للدراسات النفسية في القرآن، وأثر العقيدة في الأمن النفسي، وأذكر من أفضل من كتب في هذا الباب الدكتور محمد عثمان نجاتي صاحب كتاب (القرآن وعلم النفس) وغيره، ومحمد الهاشمي له كتيب في الدراسات النفسية في القرآن لا يحضرني اسمه الآن، ولمحمد قطب (دراسات في النفس الإنسانية)، كما كتب ناهد عبد العال الخراشي (أثر القرآن في الأمن النفسي) ولكنه لم يكن على مستوى سابقيه ولا في عمقهم.
ولكن يجدر التنبيه على أمرين:
الأول: الفرق بين دلالة القرآن على المواقف والآثار النفسية في دلالاته ونظمه وتصويره، وبين أثر القرآن في تلاوته وسماعه وتجويده على نفس المتلقي.
الثاني: هو في معضلة علمية لم تنضبط إلى الآن: من هو الذي يطبخ المصطلحات ويروج لها، وبصراحة مؤلمة: وجدت من أهل الفضل والعلم ولكن ليسو من أهل التفسير أو علوم القرآن ولم يتمرسوا فيه ويعانوا مصطلحاته يطبخون المصطلح ارتجالاً ويلقونه في الأسواق الثقافية ويروج له دون دراية أو تمحيص حتى يصير أمراً محتوماً كمصطلح الإعجاز الاقتصادي، والإعجاز النفسي، وبصراحة لو سألت من وضعوا هذه المصطلحات ما تريد به لحار جواباً، أو أعطاك معناه بما لا يتصل مع المصطلح العرفي أو اللغوي , ولكن هذا لا يعني أن مضمون البحث خطأ من حيث الدلالة والاستنباط، وإنما أقصد التعبير عن المضمون بعنوان لا يتصل مباشرة به. والله أعلم
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[28 Oct 2007, 08:32 ص]ـ
هذا الذي يتداوله الاخوة ليس جديدا بل اشار اليه الخطابي رحمه الله في رسالته القيمة المسماة بيان اعجاز القران وتبعه العلماء من بعد وقل من يشير اليه رحمه الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[النجدية]ــــــــ[28 Oct 2007, 01:13 م]ـ
بسم الله ...
هناك رسالة علمية تخدم هذا الموضوع، هذه تفاصيلها:
** الإعجاز النفسي في القرآن الكريم: (دراسة تأصيلية) / إعداد عبد الله علي عبد الرحمن أبو السعود؛ إشراف محمد خازر المجالي.
سنة النشر: 2005.
الوصف الفيزيائي أ-ي، 233 ورقة.
الواصفات: رسالة جامعية (ماجستير في التفسير) -- الجامعة الأردنية (عمان، الأردن)، كلية الشريعة، 2005
و الله الموفق
ـ[سامي السلفي]ــــــــ[10 Nov 2007, 03:09 ص]ـ
وهناك كتب اعتنت بالتحليل النفسي لشخصيات قصص القرآن الكريم
فلعله من أجمل أبواب هذا اللون من التفسير
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[10 Nov 2007, 11:41 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
للقرآن الكريم أثر بعيد في القلوب والنفوس وهذا وجه من وجوه إعجازه يعتبر الإمام الخطابي البستي أول من لفت الانتباه إليه:"قلت في إعجاز القرآن وجها آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذمن آحادهم وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلاما غير القرآن منظوما ولا منثورا إذا قرع السمع خلص له القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق وتغشاها الخوف والفرق تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها " ثلاث رسائل في الإعجاز:70
فالأمر ليس جديدا بل عرف منذ القرون الأولى
للحديث بقية
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[10 Nov 2007, 11:58 ص]ـ
أثار هذا الوجه من الإعجاز انتباه العلامة فريد وجدي من المعاصرين فرأى أنه جدير بالتقديم على النظم والبلاغة فقال:"لقد حصر المتكلمون في إعجاز القرآن كل عنايتهم في بيان الإعجاز من جهة بلاغته ونحن وإن كنا نعتقد أن القرآن قد بلغ الغاية من هذه الوجهة إلا أننا نرى أنها ليست هي الجهة الوحيدة لإعجازه.
ويرجع بإعجاز القرآن إلى كونه روحا من أمر الله، قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} الآية
إن أثر القرآن في النفوس عجيب وصنيعه بالقلوب أعجب يسمعه الذي أنزل عليه فيبكي ويسمعه المشرك الضال فيضطرب ولا يمل سماعه ويسمعه الكتابي المنصف فيخر ساجدا مما عرف من الحق
للحديث بقية
ـ[أبو المهند]ــــــــ[10 Nov 2007, 01:30 م]ـ
نضَّر الله وجوه الأحبة جميعا وأقول:
إن من أبرز العلماء الذين تناولوا هذا اللون من الإعجاز أو الدلالات وأخال أن غيره عالة عليه في العصر الحاضر صاحب الظلال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى، والموفق من وفقه الله.
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[10 Nov 2007, 01:44 م]ـ
المعروف عن السيد قطب رحمه الله أنه من أبرز من اهتم بالإعجاز البياني من المعاصرين كما يدل على ذلك كتابه:التصوير الفني في القرآن أما كونه أبرز القائلين بالإعجاز النفسي في العصر الحاضر وأن غيره عالة عليه فحبذا لو يتكرم د. خضر فيحيلنا على ما يفيد في هذا الباب أن له عناية بهذا الوجه من الإعجاز ولو على مثال أو مثالين وشكرا مقدما
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[10 Nov 2007, 02:35 م]ـ
إن قطبا رحمه الله بياني والتصوير عنده هو الأداة المفضلة للقرآن وفي هذا السياق يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني والحالة النفسية - وهي غير الإعجاز النفسي - والحادث المحسوس والمشهد المنظور والنموذج الإنساني والطبيعة البشرية
ـ[أبو المهند]ــــــــ[10 Nov 2007, 06:24 م]ـ
عين ما تفضلتم به يا سعادة الدكتور عن الأستاذ سيد قطب ـ من وجهتكم ـ ليس إعجازا، وعند غيركم هو لب الاعجاز ... ولا مشاحة في ذلك ولكم التفضل باستقراء الآيات التي تحدثت عن النفس من خلال الظلال لتجد مبتغاكم وزيادة، وهذا من باب تدارس العلم وإن كان اليقين علمكم المسبق بما سطرته. وللدكتور المعيار التحية.
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[10 Nov 2007, 11:01 م]ـ
تحية طيبة أخي الدكتور خضر
نحن جميعا شركاء في تركيب رؤية سيد قطب للإعجاز النفسي لكن لكم حق أسبقية المرور باعتباركم تملكون فكرة عن الموضوع يمكن الاسترشاد بها ثم تتضافر بعد ذلك الجهود لإغناء الموضوع
ـ[فهدالرومي]ــــــــ[11 Nov 2007, 07:09 ص]ـ
ينبغي تحديد المراد بالإعجاز النفسي قبل الحديث عن تأريخه وأول من كتب فيه والباحثون يتحدثون عن انواع مختلفة للناحية النفسية في القران الكريم
أولها: حديث القران عن الإنفعالات النفسية كالضحك والفرح والسرور والحزن والهم والضيق 00الخ وهو حديث عن النفس وقد يدخل في الإعجاز العلمي باعتبار أن علم النفس من العلوم الطبية
وثانيها:أثر سماع القران وتلاوته على الإنسان في انشراح الصدر والطمأنينة النفسية وقد أجريت عدة دراسات لذلك فظهر أثره في انخفاض الضغط وغيره وظهر أثر ذلك حتى على من لايعرف العربية
ومن لايعرف القران وقد أشرت إلى ذلك في ورقتي في ملتقى حفاظ القران أمان لمجتمعاتهم الذي سيعقد في الكويت في منتصف ذي القعدة ان شاءالله
بقي أن أقول أن كتاب ناهد الخراشي الذي ذكره الأخ مرهف ووصفه بما وصفه منقول من كتاب الدكتور محمدعثمان نجاتي وقد تشير في بعض المواضع بما يوهم أن النقل في السطر الأخير او
الفقرة الأخيرة وليس الصفحات السابقة ولاتفتحوا الباب فقد يأتي من يقول إنها نقلت الصفحات تلك للأستئناس أو أن في كتابها صفحات ليست من نجاتي إن لم يقل إن نجاتي هو الناقل وإن سبقها كما
فعل الشيخ مع تلميذته
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد عز الدين المعيار]ــــــــ[11 Nov 2007, 10:28 م]ـ
أثار في نفسي قول الأخ فهد الرومي بأن علم النفس من العلوم الطبية ذكريات عادت بي إلى أيام الدراسة الثانوية عندما كنا نتهيأ لاجتياز امتحان الباكلوريا وكانت مادة الفلسفة إحدى أهم المواد المقررة ومنذ ذلك تقرر لدي وترسخ أن علم النفس من العلوم ا لإنسانية كالتاريخ وعلم الاجتماع لأنها تدرس الإنسان من حيث هو فرد يزخر بجملة من الميول والعواطف والتصورات ومن حيث هو كائن ينخرط في جماعة تمارس عليه تأثيرا قوامه تصورات مشتركة وأنماط من السلوك مهيأة من قبل وتتجلى في سلطة الضمير الجمعي ... دون أن تغيب عنا علاقة علم النفس بالعلوم الأخرى كالطب والتربية على سبيل المثال ولم نكن نستطيع أن نقول إن علم الطب من العلوم النفسية أو إن علم النفس من العلوم الطبية كما لايمكن أن نقول عن أبي حامد الغزالي وهو رائد الدراسات النفسية عند المسلمين إنه طبيب
من هنا وقبل تحديد مفهوم الإعجاز النفسي علينا أن نحدد مهوم النفس وعلم النفس حتى نضع الأعلام على الطريق والله ولي التوفيق
ـ[علي جاسم]ــــــــ[14 Nov 2007, 11:47 ص]ـ
أخي الحبيب ((الطبيب)) عذرا لا أعرف اسمك ..
دراسات في النفس الإنسانية لمحمد قطب كما اشار أحد الأخوة الأفاضل .. كتاب قيم جدا في النفس الإنسانية .. ولكن الاستاذ محمد قطب لم يصبغ كتابه بصبغة الإعجاز القرآني وإن كان القرآن هو مادة بحوثه ودراساته .. بل كان الكتاب محاولة لوضع نظرية معينة في النفس الإنسانية في الإسلام كما قال هو في مقدمة كتابه .. وأيضا كان الاستاذ حريصا في كتابه على كشف عيوب النظرية الفرويدية في النفس الإنسانية وما تفرزه هذه النظرية من انحرافات وتخبطات في المجتمعات الغربية ..
أما بالنسبة للسيد قطب .. فقد ذكر الأخ الكريم د. خضر أن للسيد قطب اليد الطولى في هذا الفن في العصر الحاضر .. والكلام دقيق ولا شك في ذلك .. ولكن ثمة جزئية بسيطة أود أن أضيفها بهذا المقام .. وأنا أتكلم عن الظلال حصرا.
تفسير الظلال للسيد ارتكز على خطوط أساسية كان السيد رحمه الله يدور في فلكها على مدار التفسير كله .. من تلك الخطوط .. القرآن منهج حياة .. تجريد العقيدة .. العبودية والدينونة .. الحاكمية .. معالم الطريق للجماعة المسلمة .. والسيد رحمه الله كان يتناول من علم النفس ما ينصب في هذه الخطوط الأساسية .. ولم يكن يتناوله بإسهاب وتفصيل كعلم مستقل .. والله أعلم ..(/)
قوله تعالى " وإذا قرئ القران فاستمعوا له .. " مالمراد؟
ـ[ناصر الغامدي]ــــــــ[02 Jan 2006, 03:37 م]ـ
الأعراف 204
هل هي في الصلاة خاصة؟
قال لي بعض طلبة العلم أنّها خاصة ف الصلاة.
قال روي هذا عن بن عباس، أفيدونا يا أهل القران.
ثم قال أم في غير الصلاة فيحمل على الندب، لا الوجوب
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[02 Jan 2006, 06:55 م]ـ
الأخ الكريم / ناصر الغامدي ... :
ذكر الطبري - رحمه الله - في تفسيره أن أهل التأويل اختلفوا في تفسير هذه الآية:
الفريق الأول يرى أنها في الصلاة (وإليك بعض ما ساق من الروايات):
قال: "حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدّثنا معاوية عن عليّ عن ابن عباس
قوله: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له" يعني: في الصلاة المفروضة.
قال: "أخبرنا الثوري عن ليث عن مجاهد: قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن
يتكلم.
"وقال آخرون: بل عُنِيَ بهذه الآية الأمر بالإنصات للإمام في الخطبة إذا قرئ القرآن في
خطبة." وقد روى هذا عن مجاهد وعطاء وغيرهم.
ثم قال:
"قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: أمروا باستماع القرآن في الصلاة إذا قرأ الإمام وكان من خلفه ممن يأتمّ به يسمعه, وفي الخطبة. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أنه قال: «إذَا قَرأ الإمامُ فأنْصِتوا» , وإجماع الجميع على أن من سمع خطبة الإمام ممن عليه الجمعة, الاستماع والإنصات لها, مع تتابع الأخبار بالأمر بذلك, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنه لا وقت يجب على أحد استماع القرآن والإنصات لسامعه من قارئه إلاّ في هاتين الحالتين على اختلاف في إحداهما, وهي حالة أن يكون خلف إمام مؤتمّ به. وقد صحّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا من قوله: «إذَا قَرأ الإمامُ فأنْصِتُوا» فالإنصات خلفه لقراءته واجب على من كان به مؤتما سامعا قراءته بعموم ظاهر القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
والخلاصة: أن الاستماع للقرآن واجب في في الصلاة عند قراءة القرآن وفي خطبة الجمعة أما ما عدا ذلك فهو مندوب، وأذكر نقلا عن مشايخنا أن ابن المنذر قال بإجماع العلماء على أنه لا يجب الاستماع لقراءة القرآن في غير الصلاة والخطبة.
والله أعلم
ـ[ناصر الغامدي]ــــــــ[02 Jan 2006, 09:22 م]ـ
جزاك الله خيراً أخي عمار
ـ[سيف الدين]ــــــــ[13 Jan 2006, 09:22 م]ـ
اخي الكريم,
ان الاية عامة في الصلاة وفي غير الصلاة, والاستدلال بالحديث على انها مقصورة على الصلاة لا يستقيم من عدة وجوه:
اولا .. الحديث وان كان يؤكد على الانصات في الصلاة, الا انه لا يبيح عدم الانصات في غير الصلاة
ثانيا .. لا اعتقد ان بنية الحديث تتماشى مع ما ذهب اليه الفقهاء من تعاريف لمصطلح الواجب حيث ان الحديث لم يتوعد بالعقاب على من ترك ذلك
وأعتقد ان الوجوب محمول على مواضع احقاق الحق ... فحيثما كان هناك احقاق لحق او رفع لظلم وجب الاستماع والانصات ...(/)
مقدمة لتفسير سورة النور
ـ[إبراهيم منصور]ــــــــ[02 Jan 2006, 04:12 م]ـ
الحمد لله وكفى ,والصلاة والسلام على النبي المصطفى, وعلى آله وصحبه , ومن لأثره اقتفى
وبعد فقد عزمت بعون الله على جمع تفسير لسورة النور
وها هو أضعه بين أيديكم لتقوموه والله أسئل أن يوفق لما فيه الخير
بين يدي السورة
التعريف بالسورة هذه سورة النور يذكر فيها النور بلفظه متصلا بذات الله (الله نور السماوات والأرض) ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح ; ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة وهي آداب وأخلاق نفسية وعائلية وجماعية تنير القلب وتنير الحياة ويربطها بذلك النور الكوني الشامل أنها نور في الأرواح وإشراق في القلوب وشفافية في الضمائر مستمدة كلها من ذلك النور الكبير وهي تبدأ بإعلان قوي حاسم عن تقرير هذه السورة وفرضها بكل ما فيها من حدود وتكاليف ومن آداب وأخلاق
(سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فيدل هذا البدء الفريد على مدى اهتمام القرآن بالعنصر الأخلاقي في الحياة ; ومدى عمق هذا العنصر وأصالته في العقيدة الإسلامية وفي فكرة الإسلام عن الحياة الإنسانية والمحور الذي تدور عليه السورة كلها هو محور التربية التي تشتد في وسائلها إلى درجة الحدود وترق إلى درجة اللمسات الوجدانية الرفيقة التي تصل القلب بنور الله وبآياته المبثوثة في تضاعيف الكون وثنايا الحياة والهدف واحد في الشدة واللين هو تربية الضمائر واستجاشة المشاعر ; ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة حتى تشف وترف وتتصل بنور الله وتتداخل الآداب النفسية الفردية وآداب البيت والأسرة وآداب الجماعة والقيادة بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو العقيدة في الله متصلة كلها بنور واحد هو نور الله وهي في صميمها نور وشفافية وإشراق وطهارة تربية عناصرها من مصدر النور الأول في السماوات والأرض نور الله الذي أشرقت به الظلمات في السماوات والأرض والقلوب والضمائر والنفوس والأرواح
ويجري سياق السورة حول محورها الأصيل في خمسة أشواط
الشوط الأول يتضمن الإعلان الحاسم الذي تبدأ به ; ويليه بيان حد الزنا وتفظيع هذه الفعلة وتقطيع ما بين الزناة والجماعة المسلمة فلا هي منهم ولا هم منها ثم بيان حد القذف وعلة التشديد فيه ; واستثناء الأزواج من هذا الحد مع التفريق بين الزوجين بالملاعنة ثم حديث الإفك وقصته وينتهي هذا الشوط بتقرير مشاكلة الخبيثين للخبيثات ومشاكلة الطيبين للطيبات وبالعلاقة التي تربط بين هؤلاء وهؤلاء
الشوط الثاني ويتناول وسائل الوقاية من الجريمة وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية فيبدأ بآداب البيوت والاستئذان على أهلها والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم والحض على إنكاح الأيامي والتحذير من دفع الفتيات إلى البغاء وكلها أسباب وقائية لضمانة الطهر والتعفف في عالم الضمير والشعور ودفع المؤثرات التي تهيج الميول الحيوانية وترهق أعصاب المتحرجين المتطهرين وهم يقاومون عوامل الإغراء والغواية
الشوط الثالث يتوسط مجموعة الآداب التي تتضمنها السورة فيربطها بنور الله ويتحدث عن أطهر البيوت التي يعمرها وهي التي تعمر بيوت الله وفي الجانب المقابل الذين كفروا وأعمالهم كسراب من اللمعان الكاذب ; أو كظلمات بعضها فوق بعض ثم يكشف عن فيوض من نور الله في الآفاق في تسبيح الخلائق كلها لله وفي إزجاء السحاب وفي تقليب الليل والنهار وفي خلق كل دابة من ماء ثم اختلاف أشكالها ووظائفها وأنواعها وأجناسها مما هو معروض في صفحة الكون للبصائر والأبصار
الشوط الرابع يتحدث عن مجافاة المنافقين للأدب الواجب مع رسول الله ص في الطاعة والتحاكم ويصور أدب المؤمنين الخالص وطاعتهم ويعدهم على هذا الاستخلاف في الأرض والتمكين في الدين والنصر على الكافرين
الشوط الخامس يعود إلى آداب الاستئذان والضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء وإلى آداب الجماعة المسلمة كلها كأسرة واحدة مع رئيسها ومربيها رسول الله ص وتتم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض وعلمه بواقع الناس وما تنطوي عليه حناياهم ورجعتهم إليه وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم وهو بكل شيء عليم
أسماء السورة الكريمة:
(يُتْبَعُ)
(/)
قال الطاهر بن عاشور:سميت هذه السورة (سورة النور) من عهد النبي صلى الله عليه وسلم. روي عن مجاهد قال رسول الله: (علموا نساءكم سورة النور) ولم أقف على إسناده.
وعن حارثة بن مضر: (كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور). وهذه تسميتها في المصاحف وكتب التفسير والسنة ولا يعرف لها اسم آخر.
ووجه التسمية أن فيها آية (الله نور السماوات والأرض ()
الكلام على مدنية السورة وعدد آياتها:
سورة النور مدنية وهي اثنتان أو أربع وستون آية ()
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت سورة النور بالمدينة ()
وأخرج عن ابن الزبير مثله
وحكى الإجماع فى ذلك قال صاحب زاد المسير: وهي مدينة كلها بإجماعهم ()
ويؤيده: ما حوت السورة من تشريعات وغير ذلك من علامات السور المدنية
ونقل الآلوسي وغيره عن القرطبي أن آية (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم ...... ) () الخ مكية
قال ابن عاشور: وقد وقع في نسخ تفسير القرطبي عند قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لسيتأذنكم الذين ملكت أيمانكم) الآية في المسألة الرابعة كلمة (وهي مكية) يعني الآية. فنسب الخفاجي في حاشيته على تفسير البيضاوي وتبعه الآلوسي إلى القرطبي أن تلك الآية مكية مع أن سبب نزولها الذي ذكره القرطبي صريح في أنها نزلت بالمدينة كيف وقد قال القرطبي في أول هذه السورة (مدنية بالإجماع). ولعل تحريفا طرأ على النسخ من تفسير القرطبي وأن صواب الكلمة (وهي محكمة أي غير منسوخ حكمها فقد وقعت هذه العبارة في تفسير ابن عطية قال (وهي محكمة قال ابن عباس: تركها الناس) ()
قلت: ويؤيده عدم وجود هذا القول فى بعض النسخ ()
وقد عدت هذه السورة المائة في ترتيب نزول سور القرآن عند جابر ابن زيد عن ابن عباس. قال: نزلت بعد سورة (إذا جاء نصر الله) وقبل سورة الحج أي عند القائلين بان سورة الحج مدنية
ما ورد فى فضائل السورة
قال السيوطي فى الدر المنثور:
1. أخرج الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وابن مردويه عن عائشة مرفوعا " لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة -يعني النساء- وعلموهن الغزل وسورة النور () "
قلت: اخرجه الحاكم فى المستدرك كتاب التفسير باب تفسير سورة النور ج:2 ص:430 حديث رقم3494 - حدثنا أبو علي الحافظ أنبأ محمد بن محمد بن سليمان ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا تنزلوهن الغرف و لا تعلموهن الكتابة ـ يعني النساء ـ و علموهن المغزل و سورة النور
هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه
قلت: قال الذهبي قي التلخيص: بل موضوع
قلت: وتعقبه ابن حجر في أطرافه فقال إن في إسناد الحاكم عبد الوهاب بن الضحاك وهو متروك
قلت اخرجه البيهقى فى الشعب
2453أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو علي الحافظ أنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله e لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة يعني النساء وعلموهن الغزل وسورة النور
قلت هذا الحديث لا يصح بهذا الإسناد ففيه محمد بن محمد بن سليمان الباغندي وهو مرمى بالتدليس ()
وفيه عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان السلمى العرضى، أبو الحارث الحمصى سكن سلمية بنواحى حمص
وهو متروك الحديث رمى بالوضع
وأخرجه الطبرانى فى المعجم الأوسط قال:
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال ثنا محمد بن إبراهيم الشامي قال نا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله ? لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن المغزل وسورة النور
قال الهيثمى:رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إبراهيم الشامي قال الدارقطني: كذاب ()
2. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نسائكم سورة النور "
قلت اخرجه البيهقى فى الشعب ذكر السبع الطوال
أخبرنا أبو نصر بن قتادة ثنا أبو منصور النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا عتاب بن بشير عن خصيف عن مجاهد قال قال رسول الله ? علموا رجالكم سورة المائدة وعلموا نساءكم سورة النور
(يُتْبَعُ)
(/)
والعلة فى ذلك:أن في الأولى أبلغ زاجر للرجال وفي الثانية أبلغ زاجر للنساء إذ فيها قصة الإفك وتحريم إظهار الزينة وغير ذلك مما هو مختص بهن ولائق بحالهن ()
قلت وفيه
عتاب بن بشير الجزرى، أبو الحسن و يقال أبو سهل، الحرانى، مولى بنى أمية
قال ابن حجر: صدوق يخطىء
قال الذهبي: قال أحمد: أحاديثه عن خصيف منكرة، و قال ابن معين: ثقة
وفيه خصيف بن عبد الرحمن الجزرى أبو عون الحرانى الخضرمى الأموى مولى عثمان بن عفان و يقال مولى معاوية
قال ابن حجر: صدوق سىء الحفظ، خلط بأخرة، و رمى بالإرجاء
قال الذهبي: صدوق سىء الحفظ، ضعفه أحمد
3. وأخرج أبو عبيد في فضائله عن حارثة بن مضرب قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب
أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور
4. وأخرج الحاكم فى المستدرك وصححه الذهبي عن أبي وائل قال حججت أنا وصاحب لي - وابن عباس على الحج - فجعل يقرأ سورة النور ويفسرها فقال صاحبي يا سبحان الله ماذا يخرج من رأس هذا الرجل لو سمعت هذا الترك لأسلمت ()
ووجه اتصالها بسورة المؤمنين
1. أنه سبحانه لما قال فيها {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون:5] ثم قال تعالى
{فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 7]
استدعى الكلام بيان حكم العادي في ذلك، ولم يبين فيها فأوضحه في سورة النور فقال تعالى {الزانية والزاني} - الآية، ثم أتبع ذلك بحكم اللعان والقذف وانجرّ مع ذلك الإخبار بقصة الإفك تحذيراً للمؤمنين من زلل الألسنة رجماً بالغيب {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} وأتبع ذلك بعد بوعيد محبّي شياع الفاحشة، في المؤمنين بقوله تعالى
{إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات}
[النور: 23] الآيات، ثم بالتحذيرمن دخول البيوت إلا بعد الاستئذان المشروع الذي إنما جعل من أجل النظر، ثم بالأمر بغض الأبصار للرجال والنساء الذي هو داعية الزنا ونهى النساء عن إبداء الزينة إلا لمن سمى الله سبحانه في الآية، وأمر فيها بالإنكاح حفظا للفرج وأمر من لم يقدر على النكاح بالاستعفاف ونهى عن إكراه الفتيات على الزنا
وتكررت هذه المقاصد في هذه السورة إلى ذكر حكم العورات الثلاث، ودخول بيوت الأقارب وذوي الأرحام، وكل هذا مما تبرأ ذمة المؤمن بالتزام ما أمر الله فيه من ذلك والوقوف عندما حده تعالى من أن يكون من العادين المذمومين في قوله تعالى
فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}
[المؤمنون: 7]. وما تخلل الآي المذكورات ونسق عليها مما ليس من الحكم المذكور فلاستجرار الآي إياه واستدعائه، ومظنة استيفاء ذلك وبيان ارتباطه التفسير، وليس من شرطنا هنا - والله سبحانه وتعالى يوفقنا لفهم كتابه - انتهى.
2. بدأ سبحانه السورة معظما لها؛ ثم رغب في امتثال ما فيها مبيناً أن تنويهاً للتعظيم بقوله: {أنزلناها} أي بما لنا من العظمة وتمام العلم والقدرة {وفرضناها} أي قررناها وقدرناها وأكثرنا فيها من الفروض وأكدناها {وأنزلنا فيها} بشمول علمنا {آيات} من الحدود والأحكام والمواعظ والأمثال وغيرها، مبرهناً عليها {بينات} لا إشكال فيها رحمة منا لكم، فمن قبلها دخل في دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم التي لقناه إياها في آخر تلك فرحمه خير الراحمين، ومن أباها ضل فدخل في التبكيت بقولنا
3. {ألم تكن آياتي تتلى عليكم} [المؤمنون: 105] ونحوه، وذلك معنى قوله: {لعلكم تذكرون*} أي لتكونوا - إذا تأملتموها مع ما قبلها من الآيات المرققة والقصص المحذرة - على رجاء - عند من لا يعلم العواقب - من أن تتذكروا ولو نوعاً من التذكر - كما أشار إليه الإدغام - بما ترون فيها من الحكم أن الذي نصبها لكم وفصلها إلى ما ترون لا يترككم سدى، فتقبلوا على جميع أوامره، وتنتهوا عن زواجره، ليغفر لكم ما قصرتم فيه من طاعته، ويرحمكم بتنويل ما لا وصول لكم إليه إلا برحمته، وتتذكروا أيضاً بما يبين لكم من الأمور، ويكشف عنه الغطاء من الأحكام التي اغمت عنها حجب النفوس، وسترتها ظلمات الأهوية - ما جبل عليه الآدميون، فتعلموا أن الذي تحبون أن يفعل معكم بحب غيركم أن تفعلوه معه، والذي تكرهونه من ذلك يكرهه غيركم، فيكون ذلك حاملاً لكم على النصفة فيثمر الصفاء، والألفة والوفاء، فتكونوا من المؤمنين المفلحين الوارثين الداخلين في دعوة البشير النذير بالرحمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
4. لما كان مبنى هذه الدار على الأنساب في التوارث والإمامة والنكاح وغير ذلك، ومبنى تلك الدار على الأعمال لقوله تعالى {فلا أنساب بينهم يومئذ} [المؤمنون: 101] وكان قد حث في آخر تلك على الستر والرحمة، حذر رحمة منه في أول هذه من لبس الأنساب، وكسب الأعراض وقطع الأسباب، معلماً أن الستر والرقة ليسا على عمومهما، بل على ما يحده سبحانه، فقال مخاطباً للأئمة ومن يقيمونه ما قال فى بدأ السورة
5. قال الطبرسي في ذلك: إنه تعالى لما ذكر فيما تقدم أنه لم يخلق الخلق للعبث بل للأمر والنهي ذكر جل وعلا ههنا جملة من الأوامر والنواهي ولعل الأول أولى ()
مقاصد السورة وأغراضها:
يلمح لهذه السورة مقصد تدور حوله وهو ذكر أحكام العفاف والستر والى جانب هذا المقصد
شملت هذه السورة من الأغراض كثيرا من أحكام معاشرة الرجال للنساء. ومن آداب الخلطة والزيارة
وأول ما نزلت بسببه قضية التزوج بامرأة اشتهرت بالزنى وصدر ذلك ببيان حد الزنى
وعقاب اللذين يقذفون المحصنات
وحكم اللعان
والتعرض إلى براءة عائشة رضي الله عنها مما أرجفه عليها أهل النفاق وعقابهم والذين شاركوهم في التحدث به
البيوت غير المسكونة
وآداب المسلمين والمسلمات في المخالطة
وإفشاء السلام
والتحريض على تزويج العبيد والإماء
والتحريض على مكاتبتهم أي إعتاقهم على عوض يدفعونه لمالكيهم
وتحريم البغاء الذي كان شائعا في الجاهلية
والأمر بالعفاف
وذم أحوال أهل النفاق والإشارة إلى سوء طويتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم
والتحذير من الوقوع في حبائل الشيطان
وضرب المثل لهدي الإيمان وضلال الكفر
والتنويه ببيوت العبادة والقائمين فيها
وتخلل ذلك وصف عظمة الله تعالى وبدائع مصنوعاته وما فيها من منن على الناس
وقد أردف ذلك بوصف ما أعده الله للمؤمنين وأن الله علم بما يضمره كل أحد وأن المرجع إليه والجزاء بيده ()
هذا ولله الحمد والمنة
انتهى التقديم وإن شاء الله عن قريب ندرس آيات السورة واللهمن وراء القصد
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Jan 2006, 01:21 م]ـ
جزاكم الله خيراً. وليتك وضعتها بحواشيها مرتبة ترتيباً يساعد على قراءتها وتأملها، فإنه لم يعد من المقبول وضع المشاركات هكذا دون تنسيق مع إمكانية ذلك، ولو استغرق ذلك بعض الوقت منكم. وفقكم الله ونفع بكم.(/)
وقفات مع سورة الحديد3
ـ[ماجد العريفي]ــــــــ[02 Jan 2006, 06:11 م]ـ
وبعد أن ذكر الله عز وجل أن السموات والأرض وما فيهما تسبح بحمده منقادة لعزته قد بدت فيها آثار حكمته، فهي ملكه يتصرف بها كيفما شاء بقدرته سبحانه وتعالى.
قال ((هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم))
أي: أن تلك السماوات و الأرض التي تسبح له و تقدسه، وما فيها، هي ملك له،
يتصرف بها كيفما شاء، بقدرته سبحانه، قد أحاط بها و علما بما فيها، فهو الأول و الأخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم.
قال عليه الصلاة و السلام ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، و أنت الآخر فليس بعدك شيء، و أنت الظاهر فليس فوقك شيء، و أنت الباطن فليس دونك شيء)) رواة مسلم في صحيحه.
ففسر كل اسم بمعناه و نفى عنه ما يضاده و ينافيه.
قال بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية:
? ? الأول ? الذي ليس قبله شيء، لأنه لو كان قبله شيء لكان الله مخلوقا_ تعالى الله عن ذلك _، و هو عز وجل الخالق، و لهذا فسر النبي ? ? الأول ? الذي ليس قبله شيء، فكل الموجودات بعد الله سبحانه، فليس معه أحد ولا قبله.
? الأخر ? الذي ليس بعده شيء، لأنه لو كان بعده شيء لكان ما يأتي بعده غير مخلوق لله، و المخلوقات كلها مخلوقة لله عز و جل، فهو الأول لا ابتداء له، و الآخر لا انتهاء له، ليس بعده شيء.
? الظاهر ? قال النبي ?: في تفسيرها ? الذي ليس فوقه شيء ? فكل المخلوقات تحته جلا و علا، فليس فوقه شيء،
? و الباطن ? قال النبي ?: ? الذي ليس دونه شيء ? أي: لا يحول دونه شيء، خبير عليم بكل شي، لا يحول دونه جبال، ولا أشجار، ولا جدران ولا غير ذلك، ليس دونه شيء،
فـ ? الأول و الأخر ? اشتملا على عموم الزمان،
? و الظاهر والباطن ? على عموم المكان. ? انتهى كلامه رحمه الله.التفسير سورة الحديد الشيخ ابن عثيمين 362
و لا يتنافى الظاهر و الباطن لأن الله ليس كمثله شيء في كل النعوت.
إذا فالله سبحانه و تعالى ((هو الأول)) الذي ليس قبله شيء.
((و الآخر)) الذي ليس بعده شيء.
((و الظاهر)) الذي ليس فوقه شيء.
((و الباطن)) الذي ليس دونه شيء.
قد أحاط علمه بالظواهر و البواطن و السرائر و الخفايا و الأمور المتقدمة و المتأخرة، و لهذا قال ((و هو بكل شيء عليم)).
جلس شيطان قريش عمير بن وهب كما كان يلقبه أهل مكة ذات يوم مع صفوان بن أمية في الحجريتذاكرون أصحاب القليب و مصابهم.
فقال صفوان: و الله ما في العيش بعدهم خير.
فقال عمير: صدقت و الله.
ثم قال: أما و الله لولا دين علي ليس له عندي قضاء، و عيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة، ابني وهيب اسير في أيديهم.
فاغتنمها صفوان و قال: علي دينك، أنا أقضيه عنك و عيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء و يعجز عنهم.
فقال له عمير: فاكتم شأني و شأنك، يريد أن تنجح الخطه، فهو سيقتل محمد بن عبدالله.
قال صفوان سافعل، و فعل صفوان، ولكن الأول والآخر و الظاهر و الباطن قد احاطه بهم فكان بكل شيئ عليم.
فأمر عمير بسيفه فشحذ له و سُمّ، ثم انطلق حتى أتى المدينة.
إذ نظر عمر بن الخطاب إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف، فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر، ثم دخل به على رسول ?.
فقال رسول الله ((فماجاء بك ياعمير)).
قال جئت لهذا الأسير الذي بين ايديكم _ يعني ولده وهيبا ً _ فأحسنوا به.
فقال عليه الصلاة والسلام: ((فما بال السيف في عنقك .. ؟؟)).
قال عمير: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنَّا شيئاً .. ؟!
فقال الرسول ?: أصدقني يا عمير، مالذي جئت له. _ فقدأخبره العليم _ ما أخفى عمير.
قال: ما جئت إلا ذلك.
فقال عليه الصلاة و السلام: بل قعدت أنت و صفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين علي، و عيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فحتمّل لك صفوان بدينك و عيالك على أن تقتلني له، و الله حائل بينك و بين ذلك ... .
عندئذ قال شيطان قريش: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أنك رسول الله ... هذا أمرٌ لم يحضره إلا أنا و صفوان، فوالله ما أنبأك به إلا الله، ... . ((البداية و النهاية ج3/ص313))
فسبحان الله ((هو الأول و ألآخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم))
أخواني نستنتج من تفسير هذه الآية قاعدة في التفسير عظيمة و هي:
إذا عرف التفسير من جهة النبي ? فلا حاجة إلى قول من بعده.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ? و مما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن و الحديث إذا عرف تفسيرها و ما أريد بها من جهة النبي ? لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال باقوال أهل اللغة ولا غيرهم ? قواعد التفسير 1/ 149
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار(/)
مؤتمر عالمي عن مناهج تفسير القرآن الكريم وشرح الحديث الشريف
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[03 Jan 2006, 03:12 م]ـ
مؤتمر عالمي عن مناهج تفسير القرآن الكريم وشرح الحديث الشريف
http://www.tafsir.net/images/malysia.jpg
التاريخ: الاثنين - الثلاثاء 21 - 22 جمادى الآخرة 1427هـ.
المكان: الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
يَفتتِحُ المؤتمر: صاحب المعالي رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا،
تانسري، داتؤ سري، سنوسي بن جنيد.
الجهة المنظمة:
قسم دراسات القرآن والسنة،
كلية معارف الوحي والعلوم الإنسانية،
الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
التفاصيل على هذا الرابط ( http://www.manahij.such.info/)
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[03 Jan 2006, 04:54 م]ـ
شكرالله لك يا شيخ إبراهيم , ولعل الله أن يكتب لنا مشاركة معكم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[08 Jun 2006, 12:44 ص]ـ
المؤتمر اقترب وقت انعقاده، ولم يبق إلا إعلان البحوث المقبولة في 19/ 5/1427هـ.
وقد أبلغني الدكتور مساعد الطيار، أنه تم اختيار ضيوف الشرف في المؤتمر، وهم الأستاذان الفاضلان، والشيخان الكريمان:
1 - فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور فهد بن عبدالرحمن الرومي. الأستاذ بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالرياض.
2 - وفضيلة الشيخ الدكتور محمود الطحان، الأستاذ في الحديث النبوي.
وفقهما الله وبارك في علمهما.
12/ 5/1427هـ
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Jun 2006, 02:15 م]ـ
نبهني الأستاذ الدكتور فهد الرومي حفظه الله على صدور برنامج المؤتمر، وبعث لي به على الفاكس حفظه الله، وهو يشتمل على عناوين ومواعيد أوراق عمل المؤتمر وفقراته. وقد وجدت برنامج المؤتمر في موقع المؤتمر على الانترنت. ويمكنك الاطلاع على هذا البرنامج من خلال هذا الرابط.
برنامج المؤتمر ( http://staff.iiu.edu.my/sofiahs/qs2006/?download=Manahij Program Ara.pdf)
- تشغيل الملف يحتاج لبرنامج Acrobat Reader
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[26 Jun 2006, 04:23 م]ـ
هل حضور المؤتمر مخصوص بالضيوف المشاركين ببحوث، أم أن مجا ل الحضور والمشاركة مفتوح لمن أراده من المهتمين والباحثين وطلاب التخصص؟
أفيدونا بارك الله فيكم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Jun 2006, 06:29 م]ـ
بل متاح لكل من دفع رسوم الاشتراك والتسجيل.
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[27 Jun 2006, 02:50 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
دكتور عبد الرحمن
على هذه التغطية والمتابعة لأخبار المؤتمر
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[17 Jul 2006, 12:30 م]ـ
بدأ المؤتمر اليوم الإثنين 21/ 6/1427هـ، وننتظر أخباره من أخينا الأستاذ إبراهيم الجوريشي وفقه الله، وممن حضر المؤتمر من الفضلاء.
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[19 Jul 2006, 11:17 ص]ـ
عقد في رحاب الجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا مؤتمر" مناهج تفسير القرآن الكريم وشرح الحديث الشريف" الذي نظمه قسم دراسات القران والسنة بكلية معارف الوحي والعلوم الانسانية. وقد بلغت الاعمال المقدمة للمؤتمر 120 بحثا، 90 منها باللغة العربية و30 بحثا باللغة الانكليزية، وقبل منها 62 بحثا ألقيت على مدى يو مين خلال اثنتي عشرة جلسة.
وكان ضيفي المؤتمر الشيخين الفاضلين:
1 - الاستاذ الدكتور: فهد بن عبد الرحمن الرومي، أستاذ التفسير و علوم القران، في قسم الدراسات القرانية في كلية المعلين بالرياض.
2 - الاستاذ المشارك الدكتور: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي، أستاذ الحديث وعلومه، في جامعة طيبة بالمدينة النبوية.
وقد شارك في المؤتمر عددا من الباحثين وأساتذة الجامعات، من السعودية ومصر وفلسطين والأردن والعراق واليمن والامارات والبحرين وسوريا وعًمان وبريطانيا والجزائر وإيران وتركيا والمغرب وماليزيا وأندونيسيا.
يتبع ....
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[24 Jul 2006, 02:28 م]ـ
الرابط الخاص باسماء الباحثين ( http://www.manahij.such.info/)http://www.manahij.such.info/
ـ[إبراهيم الجوريشي]ــــــــ[24 Jul 2006, 02:31 م]ـ
1.
د. أبو سعيد محمد عبد المجيد
2.
إحسان قاسم الصالحي
3.
د. أحلام بنت محمد سعيد باحمدان
4.
د. أحمد بن عبد القادر عزي
5.
د. أحمد بن محمد الشرقاوي سالم
6.
أ. د. أحمد خالد يوسف شكري
7.
د. أحمد فريد صالح أبو هزيم
8.
د. رامي ليلى
9.
د. رضوان جمال يوسف حسين الأطرش
10.
د. سعد الدين منصور محمد
11.
د. سيوطي بن عبدالمناس
12.
د. صالح قادر كريم الزَّنكي
13.
د. صونيا وافق
14.
د. عاصم شحادة صالح علي
15.
د. عبد الكريم مستور القرني
.
د. عبد الله بن مقبل بن ظافر القرني
17.
د. عبد الله محمد طلب الجيوسي
18.
عطية زاهدة
19.
د. علي إبراهيم سعود عجين
20.
د. علي أسعد بن محمد
21.
د. عمر عبد العزيز العاني
22.
د. عواد الخلف
23.
أ. د. عيادة بن أيوب بن سويدان الكبيسي
24.
د. عيسى بن ناصر بن علي الدريبي
25.
د. فايزة أحمد سالم بافرج
26.
د. فتح الدين بن محمد عبد الله أبو الفتح بيانوني
27.
فهد بن عبد الرحمن الرومي
28.
د. ليث سعود جاسم
29.
د. محمد أبو الليث بن شمس الدين بن محمد يعقوب الخير آبادي
30.
د. محمد بهاء الدين حسين أحمد
31.
محمد حافظ بن سوروني
32.
د. نجم الدين قادر كريم الزنكي
33.
د. نجيب علي عبد الله السودي
34.
د. نصر الدين إبراهيم أحمد حسين
35.
هيثم بن جواد الحداد
36.
د. وان صبري وان يوسف
37.
د. ياسر بن إسماعيل راضي
38.
د. يوسف بن عبد الله بن حمود الباحوث
39.
Dr. Abbas Soltani
40.
Sr. Alwani Ghazali
41.
Dr. Ismail Hj. Abdullah
42.
Dr. Israr Ahmad Khan
43.
Dr. Mohamed El-Tahir El-Mesawi
44.
Dr. Mohammad Kazem Shakir
45.
Dr. Mohd. Shah b. Jani
46.
Dr. Muhammad Hammad Lakhvi
47.
Dr. Noor Mohammad Osmani
48.
Dr. Sohirin Solihin(/)
تساؤل حول قول أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)
ـ[فاروق]ــــــــ[03 Jan 2006, 04:13 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم ..
أحبكم في الله أيتها الصفوة الطيبة من أهل المنتدى ..
عضويتي جديدة ومشاركاتي ستكون عبارة عن تساؤلات بإذن الله .. قتكويني علمي وليس شرعي ..
ورجائي من الإخوة أهل الاختصاص أن يفيضوا علينا مما أفاض الله عليهم ..
يقول الله تعالى .. في سورة "ص"
"وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ "
عند اضطلاعي على التفاسير في الحقيقة لم أجد شيئا يطمئن إليه قلبي ..
فإذا كان أيوب عليه السلام نبيا فكيف للشيطان أن يمسه.؟؟
وبخصوص المس هنا .. هل هو معنوي من قبيل الوسوسة .. وهذا مستبعد ..
لأن في هذه الحالة سيكون التشكيك فيما جاء به كنبي ..
أو مادي بإحداث الضرر وهنا المرض. فكيف يستقيم أن يكون الشيطان عاملا مسببا
للمرض!!؟؟ والعوامل المسببة للمرض معروفة .. كالبكتيريا والجراثيم ....
وفي آية أخرى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ... (الأنبياء- الجزء السابع عشر)
إذن فلماذا ذكر الشيطان في الآية الأولى؟؟
أفيدونا بما تستقيم به عقولنا وقلوبنا جزاكم الله خيرا ...
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[03 Jan 2006, 05:36 م]ـ
أخي الكريم لا يشكلن عليك الأمر.
فالقرآن لم يقل قط إن الشيطان يقوم مقام الجراثيم والباكتيريا والفيروس في نقل الأمراض. فهذه مقدمة غير مسلمة عندي فلا يجوز أن تبني عليها استنتاجات أخرى.
ولو تدبرت القرآن الكريم خاصة في قصة آدم لتبين لك أن الشيطان قد يستدرج بني آدم إلى فعل يكون فيه ضرر على ذلك الأدمي وقد نسب الله في القرآن إخراج آدم من الجنة إلى الشيطان لأن من جهة وسوسته جاءت المصيبة.
وكذلك قد يبتلي الله بعض عباده فيأكلون مما حرم الله من الأطعمة قد يكون في تلك الأطعمة الداء العضال وقبل ذلك جاء الضرر من تزيين الشيطان.
فقد يكون الشيطان الذي لا يكل ولا يمل في عمله لإ يذاء عباد الله قد سخر بعض أتباعه من شياطين الإنس لإيذاء بعض المؤمنين بدس سم أو مادة مخدرة أو غير ذلك مما قد يؤذي ذلك المؤمن في بدنه, ولا يشك أحد في أن الشيطان أس هذا الشر لأنه هو الذي زين لتابعه من الإنس ضرر أخيه.
فلا يلزم من قولك أن أيوب أصابه الشيطان بنصب وعذاب أن أيوب ليس نبيا لاحتمال توسيط الشيطان إنسيا في إنجاز مهمته الإذاية, وهل حرك الكفار لمعاداة عباد الله في كل زمن وتعذيبهم وضررهم بشتى الوسائل إلا وسوسة الشيطان.
والله تعالى أعلى وأعلم.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[03 Jan 2006, 07:59 م]ـ
اقرأ يا أخي ما سيأتي من آيات لعل فيها مستندا لما شرحت لك من قبل.
1 - [يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون] الأعراف 27.
2 - [فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى] طه 120.
3 - [فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين] البقرة 36.
4 - للشيطان أولياء كما ترى في الآية الآتية:
[إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين] آل عمران 175.
5 - واقرأ إن شئت أيضا:
[يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون] سورة المائدة 90.
6 - وقد يمس طائف من الشيطان المتقين لكنهم يدفعونه بذكر الله ولم ينف ذلك المس المؤقت عنهم صفة التقوى.
[إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون] الأعراف 201.
7 - والكيد الذي كيد به يوسف من جهة إخوته للشيطان فيه أوفر نصيب, وانظر كيف توصل الشيطان لإيذاء يوسف عن طريق إخوة يوسف. (سورة يوسف 5):
[قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين]
8 - وللشيطان محاولات يائسة مع الأنبياء والرسل كما بين ذلك في الآيتين 52 - 53 من سورة الحج وهم رسل الله دائما رغم تلك المحاولات الشيطانية لأن عصمة الله تنجيهم من كيد الشيطان:
[و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض و القاسية قلوبهم و إن الظالمين لفي شقاق بعيد]
وقد رأيت في سورة يوسف كيف أراد الشيطان كيد يوسف من جهة إخوته ولكن الله أراد بذلك رفعة يوسف وتسخيره ليكون سببا في نجاة أبويه وإخوته من السنين العجاف التي ضربت البلاد.
ـ[فاروق]ــــــــ[04 Jan 2006, 01:21 م]ـ
بسم الله ..
أخي الكريم لك جزيل الشكر على ما قدمته من توضيحات ..
ولكن تحملني واعذرني .. !
أنا لم أقل أن القرآن قال أن الشيطان يقوم مقام الجراثيم! بل قصدت هنا في حالة أيوب عليه السلام
الذي أصيب بالمرض ما سبب ذكر الشيطان هنا؟؟
لا ننكر أن للشيطان دوره في الوسوسة .. ولكن أتستقيم عصمة الأنبياء مع وسوسته.!؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[09 Jan 2006, 12:55 ص]ـ
قول الله تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (41) سورة ص. وقوله عز وجل: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (83) سورة الأنبياء.
ولا شك أبداً أن نبي الله أيوب –عليه السلام– لا يمكن أن يتلبسه الشيطان. فهذا يدل ضرورة على أن مس الشيطان هنا ليس التلبس والسيطرة. وإلى هذا ذهب المفسر الأندلسي ابن حيان إذ قال: «والضر هو المرض، وله أسبابٌ طبيعية ظاهرة في البدن. فنسب ما به من المرض –المستند إلى أسبابه الطبيعية– إلى الشيطان». وقال أحد المفسرين: «الشيطان لا يصرع الإنسان على الحقيقة. ولكن من غلب عليه المرة السود، أو ضعف عقله، ربما يخيل الشيطان إليه أمورا هائلة، ويوسوس إليه، فيقع الصرع عند ذلك من فعل الله. ونسب ذلك إلى الشيطان مجازا، لما كان ذلك عند وسوسته».
وجاء في تفسير "الكشاف" للزمخشري: «والنصب: تثقيل نصب، والمعنى واحد، وهو التعب والمشقة. والعذاب: الألم، يريد مرضه وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب. وقيل: الضرّ في البدن، والعذاب في ذهاب الأهل والمال. فإن قلت: لم نسبه إلى الشيطان، ولا يجوز أن يسلطه الله على أنبيائه ليقضي من إِتعابهم وتعذيبهم وطره، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحاً إلا وقد نكبه وأهلكه، وقد تكرّر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب؟ قلت: لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سبباً فيما مسه الله به من النصب والعذاب، نسبه إليه. وقد راعى الأدب في ذلك، حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظيم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهة والجزع، فالتجأ إلى الله تعالى في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل».
وقال ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير": «النصب والعذاب هما الماسان أيوب. ففي سورةَ الأنبياء (83) {أني مسني الضر}. فأسند المسّ إلى الضر. والضرّ هو النصب والعذاب. وتردّدت أفهام المفسرين في معنى إسناد المسّ بالنُّصب، والعذاب إلى الشيطان. فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة، كما هو مقرر من مُكرر آيات القرآن. وليس النُّصب والعذاب من الوسوسة، ولا من آثارها (قلت: وفي ذلك نظر، لأن الوسوسة من الممكن أن تؤدي إلى المرض النفسي). وتأولوا ذلك على أقوال تتجاوز العشرة، وفي أكثرها سماجة. وكلها مبني على حملهم الباء في قوله: {بِنُصبٍ} على أنها باء التعدية لتعدية فعل {مَسَّنِي}، أو باء الآلة مثل: "ضربه بالعصا"، أو يؤوّل النُّصب والعذاب إلى معنى المفعول الثاني من باب "أعطى". والوجه عندي: أن تحمل الباء على معنى السببية، بجعل النُّصْب والعذاب مسببين لمسّ الشيطان إياه، أي مسنّي بوسواس سببه نُصْب وعذاب. فجعل الشيطان يوسوس إلى أيوب بتعظيم النُّصْب والعذاب عنده، ويلقي إليه أنه لم يكن مستحقاً لذلك العذاب، ليلقي في نفس أيوب سوء الظن بالله أو السخط من ذلك. أو تحمل البَاء على المصاحبة، أي مسّني بوسوسة مصاحبة لضرّ وعذاب. ففي قول أيوب {أني مسَّني الشيطانُ بنُصببٍ وعذابٍ} كناية لطيفة عن طلب لطف الله به ورفع النُّصب والعذاب عنه، بأنهما صارا مدخلاً للشيطان إلى نفسه، فطلب العصمة من ذلك، على نحو قول يوسف عليه السّلام: {وإلاَّ تصرف عنّي كيدَهن أَصْبُ إليهن وأكنْ من الجاهلين} (يوسف: 33). وتنوين «نصب وعذاب» للتعظيم أو للنوعية، وعدل عن تعريفهما لأنهما معلومان لله».
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب": «الشيطان لا قدرة له البتّة على إيقاع الناس في الأمراض والآلام، والدليل عليه وجوه الأول: أنا لو جوزنا حصول الموت والحياة والصحة والمرض من الشيطان، فلعل الواحد منا إنما وجد الحياة بفعل الشيطان، ولعل كل ما حصل عندنا من الخيرات والسعادات، فقد حصل بفعل الشيطان، وحينئذٍ لا يكون لنا سبيل إلى أن نعرف أن معطي الحياة والموت والصحة والسقم، هو الله تعالى الثاني: أن الشيطان لو قدر على ذلك فلم لا يسعى في قتل الأنبياء والأولياء، ولم لا يخرب دورهم، ولم لا يقتل أولادكم الثالث: أنه تعالى حكى عن الشيطان أنه قال: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} (إبراهيم: 22) فصرح بأنه لا قدرة له في حق البشر إلا على إلقاء الوساوس والخواطر الفاسدة، وذلك يدل على قول من يقول إن الشيطان هو الذي ألقاه في تلك الأمراض والآفات، فإن قال قائل: لم لا يجوز أن يقال إن الفاعل لهذه الأحوال هو الله تعالى لكن على وفق التماس الشيطان؟ قلنا فإذا كان لا بد من الاعتراف بأن خالق تلك الآلام والأسقام هو الله تعالى، فأي فائدة في جعل الشيطان واسطة في ذلك؟ بل الحق أن المراد من قوله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أنه بسبب إلقاء الوساوس الفاسدة والخواطر الباطنة كان يلقيه في أنواع العذاب والعناء، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أن تلك الوساوس كيف كانت وذكروا فيه وجوهاً الأول: أن علته كانت شديدة الألم، ثم طالت مدة تلك العلة واستقذره الناس ونفروا عن مجاورته، ولم يبق له شيء من الأموال ألبتة. وامرأته كانت تخدم الناس وتحصل له قدر القوت، ثم بلغت نفرة الناس عنه إلى أن منعوا امرأته من الدخول عليهم ومن الاشتغال بخدمتهم، والشيطان كان يذكره النعم التي كانت والآفات التي حصلت، وكان يحتال في دفع تلك الوساوس، فلما قويت تلك الوساوس في قلبه خاف وتضرع إلى الله، وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} لأنه كلما كانت تلك الخواطر أكثر كان ألم قلبه منها أشد. الثاني: أنها لما طالت مدة المرض جاءه الشيطان وكان يقنطه من ربه ويزين له أن يجزع فخاف من تأكد خاطر القنوط في قلبه فتضرع إلى الله تعالى وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ}، الثالث: قيل إن الشيطان لما قال لامرأته: "لو أطاعني زوجك أزلت عنه هذه الآفات" فذكرت المرأة له ذلك، فغلب على ظنه أن الشيطان طمع في دينه، فشق ذلك عليه، فتضرع إلى الله تعالى وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}».
ـ[د. أنمار]ــــــــ[10 Jan 2006, 12:47 م]ـ
أن علته كانت شديدة الألم، ثم طالت مدة تلك العلة واستقذره الناس ونفروا عن مجاورته، ولم يبق له شيء من الأموال ألبتة. وامرأته كانت تخدم الناس وتحصل له قدر القوت، ثم بلغت نفرة الناس عنه إلى أن منعوا امرأته من الدخول عليهم ومن الاشتغال بخدمتهم،
.
وهذه الأخرى أشنع في حق الأنبياء، لذا قال أهل الفهم أن علته كانت تحت جلده ليست ظاهرة مستقذرة كما اشتهر في كتب التفسير التي فيها ما فيها. والظاهر أن تفاصيل ذلك مأخوذ من الاسرائيليات
وما صح عن المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم هو ما رواه البخاري في صحيحه كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله تعالى وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك
ملاحظة قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري
(تنبيه):
لم يثبت عند البخاري في قصة أيوب شيء , فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه. وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير وصححه ابن حبان والحاكم من طريق نافع بن يزيد عن عقيل عن الزهري عن أنس " أن أيوب عليه السلام ابتلي فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة , فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه فكانا يغدوان إليه ويروحان , فقال أحدهما للآخر: لقد أذنب أيوب ذنبا عظيما وإلا لكشف عنه هذا البلاء , فذكره الآخر لأيوب , يعني فحزن ودعا الله حينئذ فخرج لحاجته وأمسكت امرأته بيده فلما فرغ أبطأت عليه , فأوحى الله إليه أن اركض برجلك , فضرب برجله الأرض فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحا , فجاءت امرأته فلم تعرفه , فسألته عن أيوب فقال: إني أنا هو , وكان له أندران: أحدهما: للقمح والآخر: للشعير , فبعث الله له سحابة فأفرغت في أندر القمح الذهب حتى فاض , وفي أندر الشعير الفضة حتى فاض ".
اهـ
وقوله أصح لا يعني تصحيح الأثر كما هو معلوم وكلام الحاكم أنه على شرط الشيخين وموافقة الذهبي ليست بشيء فقد انفرد به به نافع عن عقيل عن الزهري كما ذكر البزار
ونافع من رجال مسلم فصوابه أن يقول على شرط مسلم
وعقيل ثقة لكن قال العقيلي صدوق تفرد عن الزهري بأحاديث
وانظر الحديث في زوائد البزار لابن حجر رقم 1849
والمجمع 8/ 208 وقال رجال الصحيح
وقال صحيح كما نقل ابن حجر عنه في الزوائد
وصححه ابن حبان بإيراده في صحيحه
لكن انتقد هذه الرواية ابن كثير في البداية 1/ 208 فقال غريب جدا رفعه والأشبه أن يكون موقوفا
والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[11 Jan 2006, 09:15 ص]ـ
الحديث السابق الذي صححه ابن حبان والحاكم صحيح ليست فيه نكارة. وعقيل ثقة ثبت من أصحاب الزهري، ومثله يقبل تفرده. وعلى فرض أنه موقوف فله حكم الرفع لأن أنساً لم يكن يأخذ من الإسرائيليات ومثل هذا لا يقال بالرأي.
ـ[د. أنمار]ــــــــ[11 Jan 2006, 11:20 ص]ـ
ألم تستشهد بقول ابن عبد البر: «أن البخاري ومسلماً إذا اجتمعا على ترك إخراج أصلٍ من الأصول، فإنه لا يكون له طريقٌ صحيحةٌ. وإن وجِدَت، فهي معلولة».
وعقب عليه محمد الأمين بقوله: ولذلك تجد أن الشيخين قد استوعبا الأحاديث الأساسية التي تدور عليها أحكام الحلال والحرام. وكل ما بقي تقريباً يمكن استنتاجه بالقياس أو القرآن
أهـ كلامه العجيب وفيه ما فيه
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25869
أقول: فكيف بما يمس العقيدة أقصد ما يختص بالأنبياء عليهم السلام وليس ما فيه منقبة أو فضيلة، أما قضية النكارة فقد أثبتها الحافظ ابن كثير وناهيك به، ثم حتى لو ثبت الحديث فليس فيه التصريح بالاستقذار الذي ننآى به عن الأنبياء عليهم السلام، فممكن أن يكون المعنى هجروه لشدة تألمه واشتغاله ببلائه كما هو مشاهد عند كثير من الناس، بل لو أن شخصا أصيب بمرض أو تورم في عضو من أعضائه وكل مرة تراه فيها فقط يخبرك بما هو فيه دون تسخط أو شكوى لمللت منه بعد 10 مرات مثلا فكيف بسنين عديدة. وكيف بقوم أعرضوا عن الله ولم يقبلوا رسوله.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[12 Jan 2006, 07:56 ص]ـ
1 - هذا الحديث ليس من الأصول ولا يدور عليه أحكام الحلال والحرام، فالكلام السابق لا ينطبق عليه
2 - طالما أن الحديث ليس فيه التصريح بالاستقذار، باعترافكم، فلم تبق فيه نكارة ولله الحمد.
ـ[د. أنمار]ــــــــ[14 Jan 2006, 05:06 م]ـ
عجيب أن كلاما يمس الأنبياء عليهم السلام يعد دون الحلال والحرام في المستوى!!!
ثم إن كان لم ينطبق عليه كلام ابن عبد البر فما رأيك ببقية الكلام في الرابط
قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص60): «فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم، لَزِمَ صاحب الحديث التنقير عن عِلّته ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته». وقال الحافظ ابن مندة في "شروط الأئمة" (ص73) قال: قال سمعت (الحافظ أبو عبد الله) محمدُ بن يعقوب بن الأخرَمِ (شيخُ الحاكم) وذكر كلاماً معناه هذا: «قلَّ ما يَفُوتُ البخاريَّ ومسلماً مما يَثْبُتُ من الحديث».
أقول وظهر لي في علته غير النكارة في متنه علة في إسناده وهو أنه قد جاء عن رجال ثقات من طريق آخر مرسلا
قال أبو جعفر فسألت أنا إبراهيم بن أبي داود عن هذا الحديث وقلت له هل رواه عن عقيل غير نافع بن يزيد قال نعم حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه أنس بن مالك
شرح مشكل الاثار ج11/ص537
وساق ابن عبد البر إسناده عن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وأحمد بن محمد بن أحمد قالا حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا محمد بن اسمعيل قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا يونس بن يزيد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ذكره فيه طول ان نبي الله أيوب عليه السلام قال في بلائه ان الله ليعلم اني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ويذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهة ان يذكرا الله إلا في حق
قال ابو عمر هكذا روى هذا الحديث يونس عن عقيل عن ابن شهاب مرسلا
ورواه نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله
التمهيد لابن عبد البر ج3/ص65
قلت وهو في الزهد لابن المبارك ج2/ص48
باب في أيوب النبي صلى الله عليه وسلم وما اصابه من البلاء
رقم 179
قال أنا يونس بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوما أيوب النبي وما أصابه من البلاء وذكر أن البلاء الذي أصابه كان به ثمانية عشرة سنة حتى لم يبق منه إلا عيناه تدوران ولسانه صحيح يذكر الله تبارك وتعالى به وفؤاده صحيح وعقله على حاله الأولى فأما جسده فقد اعترقه البلاء حتى لم يبق شيء إلا أوصاله بعضها إلى بعض عروقه وعصبه وكما شاء أن يكون من جلده مع ذهاب الأهل والمال وكان كذلك ثمانية عشرة سنة حتى تفرق عنه إخوانه ومله الناس وصابره رجلان كانا من أخص إخوانه وأصحابه فكان يأتيانه بكرة وعشية فيحدثانه
الحديث
ويونس بن يزيد من رجال الشيخين بخلاف نافع بن يزيد وكلاهما ثقة لكن هنا ثقة خالف من هو أوثق منه، فلعله يتضح منه إعراض الشيخين عن إخراج مثل هذا الحديث
ثم أن أصل الاعتراض لم يكن مني على الحديث بقدر ما هو على الكلام الذي يتداوله البعض بعلاته دون روية ولا تبصر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[17 Jan 2006, 01:26 ص]ـ
"عجيب أن كلاما يمس الأنبياء عليهم السلام يعد دون الحلال والحرام في المستوى!!! "
لم أقل ذلك يا شيخ. لكني لا أرى في الحديث السابق (ولا أقول كلام المفسرين) كلاماً يمس الأنبياء.
نعيم بن حماد ضعيف لا يعتبر به، وينظر إسناد كتاب الزهد.
"ثم أن أصل الاعتراض لم يكن مني على الحديث بقدر ما هو على الكلام الذي يتداوله البعض بعلاته دون روية ولا تبصر."
نعم، أنا معكم في ذلك.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[17 Jan 2006, 02:55 ص]ـ
جزاك الله خيرا على كلامك الموفق يا دكتور أنمار،
و لأخى المستفسر أقول:
ليس في أمر الضر - المنسوب من أيوب عليه السلام إلى الشيطان - وسوسة منه إليه، و إنما هو تأدب من أيوب عليه السلام في الدعاء إلى الله عز و جل بكشف ذلك الضر، الذى ابتلاه به الله، فنسبه سيدنا أيوب إلى الشيطان على سبيل التأدب في خطاب الله تعالى.
قال الله تعالى جلَ ذكره مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه و سلم:
{وَ?ذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ?لشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} *. [ص: 41]
****************
قال الإمام القرطبي في كتابه " الجامع لأحكام القران " في تفسيرهذه الآية:
((قال ابن العربي [يعنى: القاضى أبو بكر بن العربي]:
ما ذكره المفسرون من أن إبليس كان له مكان في السماء السابعة يوماً من العام فقول باطل؛ لأنه أهبط منها بلعنة وسخط إلى الأرض، فكيف يرقى إلى محل الرضا، ويجول في مقامات الأنبياء، ويخترق السموات العلى، ويعلو إلى السماء السابعة إلى منازل الأنبياء، فيقف موقف الخليل؟ ? إن هذا لخطب من الجهالة عظيم. وأما قولهم: إن الله تعالى قال له هل قدرت من عبدي أيوب على شيء فباطل قطعاً؛ لأن الله عز وجل لا يكلم الكفار الذين هم من جند إبليس الملعون؛ فكيف يكلم من تَوَلَّى إضلالهم؟.? وأما قولهم: إن الله قال قد سلطتك على ماله وولده فذلك ممكن في القدرة، ولكنه بعيد في هذه القصة. وكذلك قولهم: إنه نفخ في جسده حين سلَّطه عليه فهو أبعد، والباري سبحانه قادر على أن يخلق ذلك كله من غير أن يكون للشيطان فيه كسب حتى تقِرّ له ـ لعنةُ الله عليه ـ عينٌ بالتمكن من الأنبياء في أموالهم وأهليهم وأنفسهم. وأما قولهم: إنه قال لزوجته أنا إل?ه الأرض، ولو تركتِ ذكر الله وسجدتِ أنتِ لي لعافيته، فاعلموا وإنكم لتعلمون أنه لو عرض لأحدكم وبه ألم وقال هذا الكلام ما جاز عنده أن يكون إل?ها في الأرض، وأنه يسجد له، وأنه يعافي من البلاء، فكيف أن تستريب زوجة نبيّ؟ ? ولو كانت زوجة سواديّ أو فَدْم بربريّ ما ساغ ذلك عندها.
وأما تصويره الأموال والأهل في وادٍ للمرأة فذلك ما لا يقدر عليه إبليس بحال، ولا هو في طريق السحر فيقال إنه من جنسه. ولو تصوّر لعلمت المرأة أنه سحر كما نعلمه نحن وهي فوقنا في المعرفة بذلك؛ فإنه لم يخل زمان قط من السحرِ وحديثه وجريه بين الناس وتصويره.
قال القاضي [يعنى: ابن العربي]:
والذي جرأهم على ذلك وتذرّعوا به إلى ذكر هذا قوله تعالى: {إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ?لشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} فلما رأوه قد شكا مسّ الشيطان أضافوا إليه من رأيهم ما سبق من التفسير في هذه الأقوال. وليس الأمر كما زعموا،
والأفعال كلها خيرها وشرها، في إيمانها وكفرها، طاعتها وعصيانها، خالقها هو الله لا شريك له في خلقه، ولا في خلق شيء غيرها، ولكن الشر لا ينسب إليه ذِكرا، وإن كان موجوداً منه خَلْقا؛ أدباً أدّبنا به، وتحميداً علّمناه، " وكان من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم لربه به قوله من جملته: «والخير في يديك والشر ليس إليك» " على هذا المعنى. ومنه قول إبراهيم:
{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}
[الشعراء: 80] وقال الفتى للكليم:
{وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ?لشَّيْطَانُ}
[الكهف: 63] وأما قولهم: إنه استعان به مظلوم فلم ينصره. فمن لنا بصحة هذا القول. ولا يخلو أن يكون قادراً على نصره، فلا يحلّ لأحد تركه فيلام على أنه عصى وهو منزّه عن ذلك. أو كان عاجزاً فلا شيء عليه في ذلك، وكذلك قولهم: إنه منع فقيراً من الدخول؛ إن كان علم به فهو باطل عليه، وإن لم يعلم به فلا شيء عليه فيه. وأما قولهم: إنه داهن على غنمه الملك الكافر فلا تقل داهن ولكن قل دارى. ودفع الكافر والظالم عن النفس أو المال بالمال جائز؛ نعم وبحسن الكلام.
قال ابن العربي القاضي أبو بكر رضي الله عنه: ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله عنه في كتابه في آيتين؛ الأولى قوله تعالى:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ?لضُّرُّ}
[الأنبياء: 83] والثانية في «ص?» {أَنِّي مَسَّنِيَ ?لشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله: " بينا أيوب يغتسل إذ خرّ عليه رِجل من جراد من ذهب " الحديث. وإذ لم يصح عنه فيه قرآن ولا سنة إلا ما ذكرناه، فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره، أم على أيّ لسان سمعه؟ والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات؛ فأعرض عن سطورها بصرك، وأصمم عن سماعها أذنيك، فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالاً، ولا تزيد فؤادك إلا خبالا. وفي الصحيح واللفظ للبخاري أن ابن عباس قال: يا معشر المسلمين! تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه مَحْضاً لم يُشَب، وقد حدّثكم أن أهل الكتاب قد بدّلوا من كتب الله وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتب؛ فقالوا:
{هَـ?ذَا مِنْ عِنْدِ ?للَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}
[البقرة: 79] ولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الموطأ على عمر قراءته التوراة)).
انتهى كلام القاضى أبو بكر بن العربي، و هو من أعدل الأقوال و أجودها في تفسير تلك الآية
و الله تعالى أعلم و أحكم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[18 Jan 2006, 07:03 ص]ـ
وقال ابن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير": «النصب والعذاب هما الماسان أيوب. ففي سورةَ الأنبياء (83) {أني مسني الضر}. فأسند المسّ إلى الضر. والضرّ هو النصب والعذاب. وتردّدت أفهام المفسرين في معنى إسناد المسّ بالنُّصب، والعذاب إلى الشيطان. فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة، كما هو مقرر من مُكرر آيات القرآن. ...
وتأولوا ذلك على أقوال تتجاوز العشرة، وفي أكثرها سماجة. وكلها مبني على حملهم الباء في قوله: {بِنُصبٍ} على أنها باء التعدية لتعدية فعل {مَسَّنِي}، أو باء الآلة مثل: "ضربه بالعصا"، أو يؤوّل النُّصب والعذاب إلى معنى المفعول الثاني من باب "أعطى". والوجه عندي: أن تحمل الباء على معنى السببية، بجعل النُّصْب والعذاب مسببين لمسّ الشيطان إياه، أي مسنّي بوسواس سببه نُصْب وعذاب. فجعل الشيطان يوسوس إلى أيوب بتعظيم النُّصْب والعذاب عنده، ويلقي إليه أنه لم يكن مستحقاً لذلك العذاب، ليلقي في نفس أيوب سوء الظن بالله أو السخط من ذلك. أو تحمل البَاء على المصاحبة، أي مسّني بوسوسة مصاحبة لضرّ وعذاب. ففي قول أيوب {أني مسَّني الشيطانُ بنُصببٍ وعذابٍ} كناية لطيفة عن طلب لطف الله به ورفع النُّصب والعذاب عنه، بأنهما صارا مدخلاً للشيطان إلى نفسه، فطلب العصمة من ذلك، على نحو قول يوسف عليه السّلام: {وإلاَّ تصرف عنّي كيدَهن أَصْبُ إليهن وأكنْ من الجاهلين} (يوسف: 33). وتنوين «نصب وعذاب» للتعظيم أو للنوعية، وعدل عن تعريفهما لأنهما معلومان لله».
ـ[روضة]ــــــــ[18 Jan 2006, 08:58 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يدع علماؤنا الأجلاء علماً يتعلق بكتاب الله إلا وألفوا فيه الكتب والمجلدات؛ تعظيماً منهم لكلام الله عز وجل، ومحاولةً لاستخراج ما فيه من درر كامنة.
هناك كتب كثيرة تبحث في الآيات المتناظرة التي يشبه بعضها بعضاً، وتبيّن إن كان بينها اختلاف بكلمة وردت في إحداها ولم ترد في الأخرى، أو بكلمة قُدِّمت في آية وأُخّرت في شبيهتها، وسببَ ذلك، ومناسبةَ كلِّ آية لسياقها. أشهر هذه الكتب:
- درة التنزيل وغرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز، للخطيب الإسكافي رحمه الله.
- ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظي من آي التنزيل، لابن الزبير رحمه الله. وهو من جزأين.
وقد رجعت إليهما لمعرفة سبب الاختلاف بين الآيتين اللتين استشكلتا على الأخ السائل فاروق، وإليكم ملخص ما فهمتُه فيما يختص بهذا الفرق:
ما جاء في سورة الأنبياء كان إخباراً عن المرض الذي أصاب سيدنا أيوب عليه السلام، وكان الله سبحانه قد ابتلاه بهذا المرض ليعوضه من نعيم الجنة ما هو خير له مما سلبه من صحة بدنه، وقد تلطّف عليه السلام ـ وهو يشكو إلى الله ما أصابه ـ فقال: "أنّي مسّني الضر"، ولم يقل: (مسني الضر من عندك يا رب)، وهذا من حسن الأدب مع الله تعالى، فلم ينسب إليه الضر، مع أن المرض من عنده سبحانه.
أما ما جاء في سورة ص: "أني مسني الشيطان"، فهو يشكو إلى الله تعالى ما يلحقه من أذى الشيطان بوسوسته إليه، وفنون احتياله عليه، ليضيق صدره بما أصابه فينقص حمده وشكره.
في هذه الآية يفصح أيوب عليه السلام عمّن سبب له النصب والعذاب وهو الشيطان.
والخلاصة أن الفرق بين الآيتين الكريمتين ـ والله أعلم ـ أن آية الأنبياء تتحدث عن الضر الناتج عن المرض، بدون التصريح بنسبة هذا الضر إلى الله تعالى.
بينما آية ص تتحدث عن مس الشيطان المقصود به الوسوسة مع التصريح بنسبته إلى الشيطان، وهذه الوسوسة قام بها الشيطان ليستغل المرض الذي جاء ذكره في آية الأنبياء، فالوسوسة مترتبة على المرض، وليست هي عين المرض، فكل آية تخبرنا عن أمر، وبهذا يندفع الإشكال الذي عند الأخ فاروق بأن أسباب المرض معروفة مثل البكتيريا، فليس الشطان عاملاً مسبباً للمرض، وإنما جاء عمله بالوسوسة بعد أن أصيب أيوب عليه السلام بالمرض.
ومما يؤيد هذا ما جاء في تفسير العلامة الألوسي (روح المعاني)، فبعد أن ذكر أقوالاً عدة في معنى النصب والعذاب، وضعّفها، ذكر قولاً لم ينكره: " ... وذهب جمعٌ إلى أن النصب والعذاب ليسا ما كانا له من المرض والألم أو المرض وذهاب الأهل والمال، بل أمران عرضا له وهو مريض فاقد الأهل والمال، فقيل: هما ما كانا له من وسوسة الشيطان إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة والإغراء على الجزع كان الشيطان يوسوس إليه بذلك وهو يجاهده في دفع ذلك حتى تعب وتألم على ما هو فيه من البلاء، فنادى ربه يستصرفه عنه ويستعينه عليه".
أما الإشكال الآخر وهو كما قال الأخ فاروق: "وبخصوص المس هنا .. هل هو معنوي من قبيل الوسوسة .. وهذا مستبعد .. لأن في هذه الحالة سيكون التشكيك فيما جاء به كنبي .. "، فببساطة: الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا، فليس له إلا الوسوسة.
وهذا الفرق بين الآيتين الكريمتين ترتّبت عليه فروق أخرى اختصت بها كل آية، وهي أنه جاء في سورة الأنبياء: "رحمة من عندنا"، وفي سورة ص: "رحمة منا"، وختمت آية الأنبياء بقوله: "وذكرى للعابدين"، وختمت آية ص بقوله: "وذكرى لأولي الألباب".
إن الكشف عن أسرار اختيار الكلمات القرآنية والفروق التي بين الآيات يحتاج إلى إعمال فكر ورويّة، ثم قد تصل العقول إليها فتكشفها، وقد تبقى مخفية بسبب القصور البشري، ولكن ما لا يشك به مسلم أن كل كلمة في القرآن الكريم لها مكانها الذي لا يصلح له غيرها، فالكلمة جيء بها منتقاة ووضعت في موضعها قصداً، فاختيار الكلمة واختيار موضعها من دعامات فصاحة القرآن كما يذكر القاضي عبد الجبار الهمذاني في كتابه المغني، وهذا من عظمة القرآن وعلو منزلته في البلاغة ومظهر من مظاهر إعجازه.
والله تعالى أعلم بالصواب
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن رشد]ــــــــ[19 Jan 2006, 09:39 ص]ـ
اقتباس مما ذكر فى أعلاه:
(( ... بينما آية ص تتحدث عن مس الشيطان المقصود به الوسوسة مع التصريح بنسبته إلى الشيطان، وهذه الوسوسة قام بها الشيطان ليستغل المرض الذي جاء ذكره في آية الأنبياء، فالوسوسة مترتبة على المرض، وليست هي عين المرض)).
__________________________________________________
لو صح ذلك لما ناسب قوله تعالى عقبه: {?رْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـ?ذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} *،
فهل جعل الله تعالى علاج و ذهاب تلك " الوسوسة " بالاغتسال بذلك الماء؟
فى ذلك بعد شديد،
و تأمل سياق الآيات لتتفهم المعنى المراد، قال تعالى:
{وَ?ذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَى? رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ?لشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} * {?رْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـ?ذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} *
***********************************************
و ارجع إلى ما ذكر في أمر تلك " الوسوسة " - من الشيطان الرجيم - التى أنكزها القاضى أبو بكر بن العربي ليتبين لك المعنى الراجح.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[19 Jan 2006, 04:30 م]ـ
و الذى ذكره ابن عاشور فى " التحرير و التنوير " - و هو ما اقتطع منه العضو (محمد الأمين) ما يوافق فهمه، و لم ينقل بقية الجملة التى احتج بها، و جعل مكانها نقطا هكذا ( .... ) - قال ابن عاشور:
[والنُصْب، بضم النون وسكون الصاد: المشقة والتعب، وهي لغة في نَصَب بفتحتين، وتقدم النَصَب في سورة الكهف. وقرأ أبو جعفر بِنُصُبٍ} بضم الصاد وهو ضم إتباع لضمّ النون.
والعذاب: الألم. والمراد به المرض يعني: أصابني الشيطان بتعَب وألم. وذلك من ضرّ حل بجسده وحاجة أصابته في ماله كما في الآية الأخرى
{أني مسني الضر}
[الأنبياء: 83].
وظاهر إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان أن الشيطان مسّ أيوب بهما، أي أصابه بهما حقيقة مع أن النصب والعذاب هما الماسان أيوب، ففي سورةَ [الأنبياء: 83]
{أني مسني الضر}
فأسند المسّ إلى الضر، والضرّ هو النصب والعذاب. وتردّدت أفهام المفسرين في معنى إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مُكرر آيات القرآن، و ليس النُّصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها].
انتهى الجزء المقصود بتمام النقل
****************
فاقتطع العضو (الأمين) منه هذا الجزء: (فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مُكرر آيات القرآن)، و أغفل نقل بقية الكلام المتمم له و المكمل، و هو: " و ليس النُّصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها "، و و ضع بدلا منه نقطا [ ... ]، موهما بتمام الجملة و الكلام،
و هذا ليس من (أمانة النقل) و لا من (الأمانة العلمية) في شيء،
و المعنى بها مغاير له بدونها، بلا ريب.
- و العجيب أنه أتى بكلام ابن عاشور - هذا - كاملا فى مشاركته الأولى في هذا الموضوع، و إن تعقب هو كلام ابن عاشور بقوله - أى (الأمين]-: قلت: و فى هذا نظر ...
-------------------------------------------------------
ثم نقل بعد ذلك - في مشاركة أخرى ما راق له من كلام ابن عاشور، من غير بيان لوجه الجمع بين أقواله و ما يفهم منها
ـ[روضة]ــــــــ[20 Jan 2006, 01:07 ص]ـ
إقتباس:
لو صح ذلك لما ناسب قوله تعالى عقبه: {?رْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـ?ذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} *
[ line]
ما المانع من هذا، فإذا تقرر أن الوسوسة مترتبة على المرض فإن المرض إذا ذهب ستذهب الوسوسة، وقوله تعالى:"اركض برجلك" إرشاد لسيدنا أيوب عليه السلام بكيفية شفائه من المرض. وقد كانت وسوسة الشيطان لأيوب عليه السلام ليضيق صدره بما أصابه، فإذا شفي سينتهي الشيطان عن الوسوسة له بعدم الصبر على المرض.
يعني يزول المسبَّب بزوال السبب.
والله تعالى أعلم(/)
ترجمة محمد أسد للقرآن الكريم
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 02:28 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة عن محمد أسد:
محمد أسد (1900 - 1992م) صحفى نمساوى يهودى وُلِد بإقليم من أقاليم بولندا كان تابعا آنذاك للإمبراطورية النمساوية، وكان يسمى ليوبولد فايس. ثم دخل فى الإسلام سنة 1926م بعد أن رحل إلى الجزيرة العربية أيام الملك عبد العزيز آل سعود، ثم انتقل بعد ذلك إلى شبه القارة الهندية حيث توثقت بينه وبين العلامة إقبال عُرَى الصداقة، وظل يساعد فى إذكاء نهضة الإسلام فى تلك البلاد إلى أن انفصلت الباكستان عنها فانتقل إلى الإقامة فى الدولة المسلمة الجديدة واكتسب جنسيتها وأصبح مندوبها الدائم فى الأمم المتحدة حتى عام 1953م.
وقد تزوج أسد ثلاث مرات: أُولاها بإلزا، التى أسلمت معه ولكنها لم تُعَمَّر طويلا، فاقترن بامرأة عربية رُزِق منها ابنه الوحيد طلال الأستاذ بإحدى الجامعات الأمريكية ثم انفصل عنها، وأخيرا تزوج بولا حميدة الأمريكية التى أسلمت هى أيضا.
كما ترك أسد عدة كتب تُرْجِم بعضها إلى العربية: "الطريق إلى مكة"، و"الإسلام فى مفترق الطرق"، و"منهاج الحكم فى الإسلام"، وبعضها الآخر لم يترجم بعد إلى لغة الضاد حسب علمى، وهى ترجمته الإنجليزية للفرآن الكريم، واسمها: " The Message of the Quran"، وترجمته لقسم من "صحيح البخارى" بعنوان " Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam"، وبقية سيرته الذاتية، وعنوانها: " Coming Home of the Heart" ... إلخ.
والذين يعرفون أسد فى العالم العربى إنما يعرفونه فى الغالب من خلال كتبه المترجمة إلى العربية، وهذه الكتب ليس فيها تقريبا ما يمكن الاختلاف معه بسببه، لكن الأمر يختلف بالنسبة لترجمته للقرآن، وإلى حد ما بالنسبة لترجمته لـ"صحيح البخارى"، إذ نراه فى الأولى مثلا ينكر معجزات الأنبياء ويُجَوِّز عليهم الوقوع فى الأخطاء والخطايا، مثلهم فى ذلك مثل أى شخص آخر، كما يؤوّل الجن والشياطين والملائكة ونعيم الجنة وعذاب النار تأويلا رمزيا، فضلا عن أن له فى مجال الفقه آراء غريبة ليس من السهل هضمها أبدا، وهو ما يجهله قراؤه العرب وما يبدو الإسلام معه شيئا آخر غير الذى نعرف.
وكل ما أرجوه ألا أكون قد ظلمت الرجل أو أسأت إليه، فلقد كنت شديد الانبهار بقصة إسلامه وكتاباته المترجمة إلى لغتنا، إلى أن اطَّلَعْتُ على ترجمته للقرآن الكريم ووجدت فيها تلك الآراء الغريبة فخفَّ انبهارى وحَلَّتْ محلَّه نظرة نقدية تريد وضع الأمور فى نصابها الصحيح مبتغية بذلك وجه الله وحده، وهو نعم المولى ونعم النصير! وسوف أبدأ بدراسة هذه الترجمة لأنها تتضمن آراء أسد التى لا يعرفها جمهور قرائه العرب، وستكون أولى خطواتنا فى هذه الدراسة هى تناول الناحية الفنية فى الترجمة، أما آراء كاتبنا الغريبة فيجدها القارئ فى هوامش هذه الترجمة، وسوف نتعرض لها لاحقا بعد الانتهاء من الناحية الفنية.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 02:37 م]ـ
ترجمة أسد للقرآن الكريم
صدرت ترجمة محمد أسد للقرآن الكريم كاملة إلى اللغة الإنجليزية عام 1980م (عن دار الأندلس بجبل طارق)، وكانت قد ظهرت طبعةٌ محدودةٌ لجزءٍ منها يضم السُّوَر التسع الأولى فقط قبل ذلك بستة عشر عاما. وهذه الترجمة الكاملة تقع فى ألف صفحة من الصفحات الكبار، ويشغل الجزءَ العلوىَّ من كل صفحةٍ فيها النصُّ القرآنىُّ العربىُّ فى الناحية اليمنى، وترجمتُه الإنجليزية على اليسار، أما الجزء السفلى فيضم الهوامش التفسيرية والتعليقات الفنية الخاصة بعملية الترجمة ... إلخ. وفى بداية كل سورة يطالع القارئ تمهيدا يتحدث عن تاريخ نزولها والموضوعات التى تتعرض لها وما إلى ذلك.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولاشك أن ترجمةً مثل هذه تحتاج إلى دراسة علمية مفصَّلة تليق بها وبصاحبها، ولست أعلم أحدا نهض بهذا العبء قبلا. وكنت قد رأيت نسخة من هذا الكتاب لأول مرة فى لندن عام 1982م فى إحدى المكتبات التى تبيع الكتب العربية والإسلامية، ثم وجدت نسخة أخرى فى مكتبة كلية التربية بالطائف عام 1991م واستعنت بها فى كتابى عن سورة "الرعد". ثم لما عدت إلى مصر شرعت أبحث عنها فعثرت على نسخة فى مكتبة جامعة القاهرة صوَّرْتُها وأنا فى ذروة الانشراح، وهذه الصورة كانت أحد مراجعى فى دراستى لسورة "المائدة" التى خالفتُ فيها أسد فى بعض ما قاله عن عقوبة الحرابة. وهأنذا أجد فى الدوحة نسخة رابعة سهل لى استعارتها الأستاذ أحمد الصِّدّيق الشاعر الإسلامى المعروف وخطيب المسجد المجاور للدارة التى أسكنها فى منطقة الدحيل الجديد. وكان للدكتور حسن على دَبَا، وهو صديق مصرى يعمل فى الصحافة القطرية، دور كبير فى تسريع وصولها إلىَّ، فلكليهما أجزل الشكر على هذه اليد الكريمة.
وقد لاحظتُ أن أسد، على طول ترجمته كلها، لم يُسَمِّ قطّ ربَّ العزة باسم "الله" مُؤْثِرًا استعمال كلمة " God"، ولا أدرى السر فى ذلك [1]. إن كلمة "الله" اسمُ عَلَم، وأسماء الأعلام لا تتغير فى الترجمة، بل تبقى على حالها كما هو معروف. وإذا كان سافارى وجاك بيرك مثلا فى ترجمتيهما للقرآن إلى اللغة الفرنسية قد صنعا مثل هذا فمن السهل أن يفسَّر ذلك بأنه كراهية منهما لهذا الاسم الكريم الذى يُعْرَف به المولى فى دين محمد، لكن ماذا عن أسد، الذى ترك دينه وأسماء الإله فيه إلى الإسلام وإلهه؟ ترى لماذا تخلى بتلك البساطة عن هذه الخصوصية الإسلامية الجميلة؟
كذلك كنت أوثر لو استعمل أسد النطق العربى لأسماء الأنبياء اتباعا لطريقة القرآن، ولا يكتبها كما يكتبها الإنجليز (هكذا: Noah, David, Aaron, Moses, Ishmael, Abraham, Zachariah, Jonas, Elijah, Solomon, John, Jesus)، إذ المقصود بترجمة القرآن، فيما أفهم، هو نقل القارئ الأجنبى إلى جو القرآن بقدر الإمكان لا لَىّ القرآن ليتماشى مع الجو الثقافى، والدينى منه بالذات، لذلك القارئ. وفى الهامش أو بين قوسين، إن كان لابد من ذلك، مندوحة للمترجم بذكر الاسم الذى يألفه من تَرْجَم لهم، فنجمع بذلك بين الحسنيين. ولابد من القول مع ذلك إن ترجمة الأستاذ أسد لا تنفرد بهذا الذى أخذتُه عليها من بين الترجمات التى قام بها مسلمون، لكن أملى الكبير فيه هو الذى بعثنى على قول ما قلت [2].
وبالمثل نراه يترجم "الهجرة" فى الأغلبية الساحقة من المرات بـ " Exodus"، وهى الكلمة التى ارتبطت بتاريخ اليهود وخروجهم جميعا دفعة واحدة من مصر [3]. لقد تحولت اللفظة العربية إلى اسم علم تقريبا، بل لقد دخلت اللغات الأوربية كما هى دون تغيير مع كتابة حرفها الأول " H" بالحجم الكبير دلالة على أنها تعامَل فى تلك اللغات أيضًا معاملة الأعلام. وقد انسلخ كاتبنا، كما قلت، عن يهوديته، فلماذا يهجر الكلمة العربية المسلمة إلى تلك اللفظة الأجنبية ذات الإيحاءات اليهودية؟ وقد سبق أن انتقدتُ بيرك لنفس السبب فى كتابى الذى وقفتُه على دراسة ترجمته الفرنسية للقرآن الكريم، وأحسب أن الأستاذ محمد أسد أولى بالعتب من بيرك لأنه مسلم، أما بيرك فلا. ومما ترجم به كاتبنا مصطلح "الهجرة" أيضا كلمة " Flight: الفرار"، وهى ترجمة خاطئة، بل لا أتجنى عليه إذا قلت إنها مسيئة فى حق الرسول عليه السلام. إن من المقبول أن يقول مترجمنا مثلا فى خروج موسى عليه السلام من مصر، بعد وَكْزه المصرىَّ وقضائه عليه، إنه "فرار" [4] لأن القرآن نفسه يقول على لسان ذلك الرسول فى حديثه إلى فرعون بعد أن عاد إلى أرض الكنانة محملا برسالة السماء: "ففَرَرْتُ منكم لمّا خِفْتُكم" [5]. وفوق ذلك فإن هذا الفرار إنما كان قبل بعثته، ولذلك لم يعقّب الله سبحانه على تصرفه هذا بشىء، على عكس الحال فى قصة يونس عليه السلام حين "أَبَقَ" من قومه ضِيقًا بعنادهم وتصلبهم فى الكفر، فركب سفينة ورست عليه القرعة فألقى بنفسه فى البحر ليبتلعه الحوت ويقاسى فى بطنه الأهوال إلى أن كتب الله له الفرج، أما تسمية الهجرة المحمدية "فرارا" فلا معنى لها، بل هى خطأٌ صراحٌ وإساءةٌ لا تصح. وإذا كان بعض المستشرقين غير المسلمين يستعملون هذه اللفظة لقد كان أقمن
(يُتْبَعُ)
(/)
بأسد اختطاط سبيل أخرى. وعنده متسع عريض فى كلمة " Hegira"، التى دخلت قاموس اللغة الإنجليزية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من تلك اللغة كما أوضحت. إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يهاجر من مكة إلا بإذن الله، فكيف تسمَّى هجرته "فرارا"؟ ثم إن أسد نفسه يقول إن لفظة "الهجرة" هى من الألفاظ ذات الإيحاءات الروحية، فكيف طاوعته نفسه إذن لترجمتها بـ"الفرار" منزلا إياها من السماء السابعة إلى الأرض؟
وقد ترجم كاتبنا أيضا عبارة "من خِلاف" فى قوله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسْعَوْن فى الأرض فسادا أن يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّع أيديهم وأرجلهم من خِلافٍ أو يُنْفَوْا من الأرض" [6]،وكذلك فى قوله على لسان فرعون يهدد سَحَرته بعد أن انقلبوا عليه وآمنوا بموسى: "فلأُقَطِّعَنَّ أيديَكم وأرجلَكم من خِلاف" [7] بـ" ( because of your perversness) of perversness in result"، أى بسبب الخلاف والإفساد، مخالفا بذلك ما قاله علماء المسلمين من أن المقصود هو قطع اليد اليمنى والقدم اليسرى، أى من جهتين مختلفتين.
والحق أن من الصعب جدا موافقة الأستاذ أسد على هذه الترجمة، إذ من غير المعقول أن يفهم، وهو الأجنبى وبعد كل هاتيك القرون، تعبيرا عربيا قديما أفضل مما فهمه كل المفسرين والفقهاء المسلمين تقريبا. وأيضا من الصعب جدا أن تكون عبارة "من خِلاف" إشارة إلى علة تقطيع أيدى هؤلاء وأولئك وأرجلهم، لأن تلك العلة قد نُصَّ عليها قبل ذلك فى كل الآيات المذكورة: ففى آيات "المائدة" نقرأ فى أولها: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسْعَوْن فى الأرض فسادا ... "، فالعلة إذن هى محاربة الله ورسوله والسعى فى الأرض فسادا، فلماذا يعاد النص على تلك العلة بعد ذلك، وعلى هذا النحو الغامض، بعبارة "من خلاف"؟ أما فى الآية الخاصة بفرعون فإننا نسمعه يقول للسحرة: "آمنتم له قبل أن آذَنَ لكم؟ إن هذا لَمَكْرٌ مكرتموه فى المدينة لتُخْرِجوا منها أهلها". وواضح أنه يشير إلى العلة التى أوجبت فى نظره تقطيع أيديهم وأرجلهم وتصليبهم فى جذوع النخل. كذلك فلو كانت عبارة "من خلاف" تشير إلى سبب التعذيب فلماذا لم تُذْكَر إلا عقب الصنف الأول منه فقط ولم تؤخَّر إلى ما بعد الفراغ من ذكر كل ألوانه ما دامت هى علة هذه الضروب العقابية جميعا؟ ثم إننا لم نسمع باستخدام هذا التعبير فى المعنى المذكور، ولو كان هناك شاهد من النصوص القديمة عليه فلماذا لم يسقه الأستاذ أسد؟ الواقع أن الذوق العربى لا يرتاح إلى هذا الاستعمال، وأغلب الظن أن الأستاذ أسد قد اعتسف هذا التفسير أوّلاً فى سورة "المائدة" ليَخْلُص منه إلى إلغاء عقوبة الحرابة على ما سوف يأتى بيانه فى فصل لاحق، ثم اضْطُرّ أن يقول به فى آية فرعون والسَّحَرة حتى لا يناقض نفسه. هذا هو تفسيرى للمسألة، والله أعلم.
ومن الألفاظ القرآنية التى يتصرف أسد فى ترجمتها تصرفا واسعا يطمس مفهومها طمسا لفظ "الأعراف". وهذا اللفظ يشير إلى مفهوم قرآنى خاص، فكان ينبغى من ثَمَّ أن يبقى كما هو، ويشرحه أسد فى الهامش على النحو الذى يفهمه، فيجمع بذلك بين وفاء الترجمة للأصل وشرح هذا الأصل بما يعتقد أنه هو المعنى الصحيح. لقد ترجم كاتبنا لفظ "الأعراف" بما يعنى أنه "القدرة على معرفة الحق والباطل والتمييز بينهما"، ومن ثم فقوله تعالى: "وعلى الأعراف رجال يعرفون كُلاًّ (أى كُلاًّ من أهل الجنة وأهل النار) بسيماهم" قد صار فى الترجمة الإنجليزية هكذا: "… they who [in life] were endowed with the faculty of discernment [between right and wrong]: أولئك الذين كانوا فى الدنيا يتمتعون بالقدرة على التمييز بين الصواب والخطإ"، وهو ما يعنى أنه لا "أعراف" فى الآخرة كما يُفْهَم من النص القرآنى. فكيف كان ذلك؟
(يُتْبَعُ)
(/)
يوضح أسد الأمر فى الهامش بقوله إن "كلمة "الأعراف" (التى أعطت السورةَ اسمها) قد تكررت فى القرآن مرتين ليس إلا، وذلك فى الآيتين 46 و 48 من هذه السورة. وهى جمع "عُرْف"، التى تعنى فى الأصل "المعرفة" أو "الاستبصار"، كما تستعمل للدلالة على أعلى أو أسمى جزء فى الشىء (لأنه أسهل جزء يمكن رؤيته) مثل "عُرْف الديك" و"عُرْف الحصان" ... إلخ. وعلى أساس من هذا الاستعمال الشائع فإن كثيرا من المفسرين قد حسبوا أن "الأعراف" هنا تشير إلى "الأماكن المرتفعة" مثل أعالى جدار أو سور، ومن ثم ربطوا بينه وبين "الحجاب" المذكور فى الجملة السابقة (جملة "وبينهما (أى بين أهل الجنة وأهل النار) حجاب"). لكن هناك تفسيرا أصوب من ذلك يعتمد على المعنى الأصلى لكلمة "عُرْف" وجمعها، ألا وهو الاستبصار والتمييز أو القدرة عليهما. وقد أخذ بهذا التفسير بعض كبار المفسرين القدماء كالحسن البصرى والزَّجّاج، اللذين يوافقهما الرازى على ما قالاه موافقة صريحة، واللذين يؤكدان أن عبارة "على الأعراف" ترادف قولنا: "على معرفة"، أى أصحاب علم أو ذوو مقدرة على التمييز (بين الحق والباطل)، ومن ثم فالرجال الذين على الأعراف هم الذين كانوا فى دنياهم قادرين على إبصار الحق من الباطل (متعرفين على كل منهما بعلامته المميزة له)، لكنهم فى ذات الوقت لم يكونوا قادرين على اتخاذ موقف محدد منهما، أى كانوا باختصار أشخاصا غير مبالين. وهذا الموقف الفاتر قد حرمهم من عملِ الكثير من الخير أو الشر بحيث أدى ذلك فى النهاية إلى ما تقوله الآية التالية من أنهم لا يستحقون الجنة ولا النار (وهناك عدة أحاديث بهذا المعنى أوردها الطبرى وابن كثير فى تفسيرهما لهذه الآية). هذا، ويُقْصَد بكلمة "رجال" فى الآيتين المذكورتين "الأشخاص" من الجنسين: جنس الرجل وجنس المرأة على السواء" [8].
وواضح أن أسد ينطلق من أن المعنى الأصلى لكلمة "عُرْف" هو "المعرفة" وأن دلالتها على أعلى جزء فى الشىء هى دلالة فرعية، لكنه بهذه الطريقة يقلب رأسا على عقب ما نعرفه من أن المعنى المادى للكلمة هو الأساس الذى تتفرع منه المعانى المجردة. وإذن فهذا المعنى الأخير الذى ذكره أسد على أنه المعنى الفرعى هو فى الواقع المعنى الأصلى لا العكس. وثانيا هل يمكن فى العربية أن نقول إن فلانا "على الأعراف" ونحن نقصد أنه على معرفة واسعة وقدرة على التفرقة بين الصواب والخطإ؟ الذى أعرف أننا نقول مثلا: "فلان على معرفة بكذا"، لكن الذى لم أسمع به قط هو القول بأن فلانا "على عُرْف" (أى على معرفة)، بَلْهَ أن نقول" "فلان على أعراف"، فضلا عن "فلان على الأعراف" (بالألف واللام)! ترى هل يصح أن نقول "فلان على المعارف"؟ فما بالنا بـ"على الأعراف"؟ وثالثا فإن الزمن فى قوله تعالى: "وعلى الأعراف ... " هو نفس الزمن الذى ينظر فيه هؤلاء الرجال إلى كل من أهل الجنة وأهل النار، أى فى الآخرة، أما الأستاذ أسد فيقول إنهم "كانوا" يتمتعون "فى الدنيا" بالمقدرة على التمييز بين الحق والباطل. وهذا غير ذلك كما هو واضح. ثم إن العرب إذا وصفوا شخصا بالتمييز بين الحق والباطل فإنهم يقصدون مدحه لا القول بأنه فاتر فى موقفه تجاههما مما يدخل فى باب الذم لا المدح. وهذه هى الملاحظة الرابعة، أما الخامسة فهى أن أصحاب الموقف الفاتر فى هذا الأمر هم عادةً الأشخاص الذين لا يتمتعون بمقدرة على المقاومة ولا يستطيعون، من ثَمَّ، الصمود أمام إغراءات الشهوات والأباطيل. أليس هذا هو ما نشاهده فى الحياة؟ وعلى ذلك كان ينبغى أن يكون مكان هؤلاء مع أهل النار. وسادسا لقد تحدث القرآن كثيرا عن الكافرين الذين يصرون على كفرهم رغم علمهم أنهم على الباطل، وأن النبى والقرآن على الحق، ومع ذلك لم يستعمل كلمة "الأعراف" فى أى موضع من هذه المواضع، بل يستعمل عادةً كلمة "يعرفون" أو "يعلمون". وعلى أية حال لقد كان ينبغى على محمد أسد أن يترجم هذه العبارة ترجمة مباشرة، ثم فليقل فى الهامش ما يشاء، وذلك احتراما للنص القرآنى وحفاظا عليه بدلا من تَحَيُّفه وطمسه قليلا قليلا، مع إسقاط تصوراتنا ومفاهيمنا عليه فى ذات الوقت. إن النص القرآنى شىء، وفهمه وتفسيره شىء آخر. وإن مكان التفسير فى مثل هذه القضية هو الهامش الذى سيُحْسَب حينئذ على المترجم لا على القرآن نفسه.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومما ينبغى ذكره هنا فى سياق ترجمة الألفاظ والعبارات القرآنية ترجمة كاتبنا لـ"النَّسِىء" الوارد فى قوله تعالى: "إنما النسىء زيادة فى الكفر يُضَلُّ به الذين كفروا. يُحِلّونه عامًا ويحرِّمونه عامًا ليواطئوا عِدَّة ما حرَّم الله فيُحِلّوا ما حرَّم الله" بـ" the intercalation of months"، بمعنى "إضافة بعض الشهور" ليظل عدد أيام السنة القمرية مساويا لعدد أيام نظيرتها الشمسية، إذ كانوا (كما يقول) يزيدون شهرا فى السنة الثالثة والسادسة والثامنة كل ثمانى سنوات. ويمضى أسد قائلا إن المسلمين لو كانوا جَرَوْا على هذه الطريقة الجاهلية لجاء الصوم والحج دائما فى نفس الموعد من السنة الشمسية كل عام، وفى هذه الحالة يكون أداؤهما إما بالغ السهولة أو شديد الصعوبة عليهم حسب الفصل الذى سيقعان فيه بهذه الطريقة.
والواقع أن هذا أحد معنيى "النَّسِىء" كما ورد فى المعاجم العربية مثل "لسان العرب" و "تاج العروس"، أما معناه الآخر فنَقْل حرمة أحد الشهور الحُرُم (وهى رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم) إلى شهر آخر. ذلك أن العرب كانوا، إذا تقاتلوا وأتى عليهم شهرٌ من تلك الأشهر الحُرُم وأرادوا أن يستمروا فى القتال ولا يتوقفوا طبقا لما تقضى به حرمة تلك الأشهر، ينقلون تلك الحرمة إلى شهر آخر غير محرَّم بعد انتهاء الحرب. فالأستاذ أسد، كما نرى، قد ذكر أحد معنيى "النسىء" وترك المعنى الآخر، وهو المعنى الذى أرى أنه هو الأنسب للسياق. فالآية تتحدث عن "الأشهر الحُرُم" لا عن الحج ولا عن الصيام، وتذكر تحليل النسىء عاما وتحريمه عاما، ولا تشير إلى زيادة أيامٍ كل عام حتى تتوافق السنة القمرية والسنة الشمسية، وتقول إن غاية العرب من ذلك هو مواطأة عِدّة ما حرَّم الله، أى جَعْل الفترة التى يمتنعون فيها عن القتال أربعة أشهر دون أن تكون بالضرورة هى رجب وذا القعدة وذا الحجة والمحرم. وليكن المعنى الذى أدار محمد أسد ترجمته عليه بعد ذلك هو المعنى الصحيح، أفلم يكن ينبغى أن يتعرض للمعنى الآخر فى الهامش حتى يعطى القارئ فرصة للاختيار؟ ذلك أنه لا يفسر بل يترجم، وما دامت الآية تحتمل معنيين لقد كان عليه أن يذكر المعنى الثانى فى الهامش ويخرج بذلك من العهدة. أيًّا ما يكن الأمر فقد رأيتُ عددا من المترجمين يترجمون "النسىء" كما ترجمه أسد، ويبدو لى أنه قد تأثر بهم. وقد رددتُ على بعضهم فى كتابى "المستشرقون والقرآن".
ويُبْعِد الأستاذ محمد أسد النُّجْعة فى بَيْداء الظنون والتخمينات فى ترجمته لـ"كذلك" فى قوله سبحانه وتعالى عن رحلة ذى القرنين تجاه المشرق: "حتى إذا بلغ مَطْلِع الشمس وجدها تَطْلُع على قوم لم نجعل لهم من دونها سِتْرا* كذلك، وقد أحطنا بما لديه خُبْرا" [9] بـ" thus [we had made them and thus he left them]"، ومعناه بالعربية: "كذلك جعلناهم، وكذلك تركهم ذو القرنين"، ويقصد (كما قال فى الهامش) أن ذا القرنين لم يشأ أن يتدخل فى أسلوب حياتهم البدائية الطبيعية فى العيش عراةً حتى لا يسبب لهم الشقاء، إذ هم لا يحتاجون إلى أى نوع من الملابس.
إن ثمة عددا من الأسئلة لا بد من الجواب عليها قبل أن يُقْدِم أىٌّ منا على ترجمة الآية الكريمة: السؤال الأول: هل هناك دليل (أىّ دليل) على أن المقصود بعدم وجود ستر بين أولئك القوم وبين الشمس أنهم كانوا عُرَاة؟ ألا يمكن أن يكون المقصود مثلا أن الجو عندهم ضاحٍ طَوال النهار؟ أو أنهم من أهل الصحراء المنبسطة حيث لا شجر ولا واقٍٍ طبيعى من حرارة الشمس؟ والسؤال الثانى هو: حتى لو كان الأمر فى "الستر" هو ما قاله أسد، فما الدليل على أن كلمة "كذلك" تعنى ما جاء فى ترجمته؟ وثالثا: كيف لا يهتم ذو القرنين، وهو (كما يلُوح بوضوح من الآيات المجيدة) من الحكام الصالحين المؤمنين بالله سبحانه، بأن يخرجهم من حالة العُرْى ويعلِّمهم كرامة الاستتار؟ إن الله سبحانه قد منَّ على عباده بأنه أنزل عليهم لباسا يوارى سوءاتهم وريشا، وهو ما يدل على أن ستر العورات وارتداء الملابس امتثالٌ لمشيئة الله وتقبّلٌ لنعمته الكريمة، فكيف يقول أسد إن ذا القرنين قد آثر تركهم على ما هم عليه من عُرْىٍ وبدائية؟ بل إن آدم وحواء ما إن أكلا من الشجرة المحرمة وبدت لهما سوءاتهما حتى طفِقا يَخْصِفان على عوراتهما من ورق الجنة رغم أنه لم يكن هناك
(يُتْبَعُ)
(/)
أحد غيرهما، فما بالنا بعُرْى الدنيا الذى يكون عُرْضَة لأنظار الآخرين؟ وفوق ذلك فإنه سبحانه قد نسب نَزْع الملابس عن أبوينا الأولين إلى الشيطان نفسه بما يبرهن أقوى برهان على قبح ذلك وشنعه عند رب العالمين. إن هذا الموقف الذى ينسبه أسد إلى ذى القرنين لهو أشبه بما كان يفعله المستعمرون الأوربيون مع همج القارة الأفريقية، إذ كانوا يجهدون فى إبقائهم فيما هم فيه من جهل وبدائية وتخلف كى يستطيعوا نزح ثروات القارة السوداء دون حسيب أو رقيب.
وثمة أيضا لفظةٌ قد ترجمها الأستاذ أسد بطريقة لا يمكننى هضمها أو إقراره عليها، وهى تأديته الحرفين الأولين (ط. هـ) فى مفتتح سورة "طه" بـ " O man: يا رجل" رغم أنه أحد المعانى التى يذكرها مفسرو القرآن قائلين إن هذا هو معنى "طه" فى النبطية والسريانية وغيرهما. بل إنه قد ترجم اسم السورة بنفس الطريقة أيضا، فأصبحت تعرف عنده بـ "سورة يا رجل" [10].
ولقد سبق فى كتابى: "سورة طه- دراسة لغوية أسلوبية مقارنة"، فى فصل "ملاحظات فى تفسير السورة"، أن رفضتُ رفضا قاطعا أى تفسير لهذه الكلمة لا يقول إنها حرفان من الحروف المقطَّعة مثل "ألم" و"ألمص" و"طس" و"حم" و"ق". ويجد القارئ هناك بسطا لرأيى وللآراء التى رددتُ عليها. والذى يهمنا هنا هو القول بأن تفسيرها بـ "يا رجل" هو قول غريب عجيب فيه إساءة للنبى عليه السلام، إذ لم يحدث أن ناداه ربه سبحانه بغير النبوة والرسالة: "يا أيها النبى"، "يا أيها الرسول" أو بصفةٍ تدل على حالة خاصة به: "يا أيها المُزَّمِّل"، "يا أيها المُدَّثِّر". فالقول إذن إنه سبحانه قد ناداه هنا بكلمةٍ عامةٍ تصدق على كل البشر هو قول لا يتسق مع الطريقة التى ينادى بها المولى فى القرآن عبده محمدا. ولنلاحظ أيضا أن أسلوب النداء: "يا أيها الـ ... " المستعمل فى جميع المرات التى نودى فيها الرسول عليه الصلاة والسلام لا وجود له فى "طه"، فلماذا يشذ القرآن الكريم هنا عن أسلوبه فى مناداة الرسول؟ بل لماذا يا ترى يلجأ إلى النبطية والسريانية فى نداء محمد العربى القرشى؟ أهو ضيق فى اللغة استلزم استعارة هذا اللفظ؟ أم هل هو نوع من استعراض المعرفة باللغات الأخرى؟ حاشا لله! أم ترى من المعقول أن ينادى رب العالمين رسوله الأثير بما يضيق صدر الواحد منا، نحن الذين لا نرتفع إلى عشر معشار مقامه عليه السلام، لو نُودِىَ به لما يراه فيه بحقٍّ من تجهيل واحتقار؟ إن بعضهم يظن أن ورود "كاف الخطاب" فى كلمة "عليك" فى الآية التالية: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" معناه أنه لابد أن تكون "طه" نداء للرسول. لكن ما وجه اللزوم فى ذلك؟ إن هذه الكاف موجودة أيضا فى قوله سبحانه: "ألمص* كتابٌ أُنْزِل إليك ... "، و "كهيعص* ذِكْرُ رحمة ربك عبدَه زكريا"، و "حم* عسق* كذلك يُوحِى إليك وإلى الذين من قبلك اللهُ العزيزُ الحكيم" وغيرها، فلماذا لم يقل هؤلاء إن الحروف فى هذه المواضع هى أيضا نداء للرسول؟ لكل هذا أرفض بكل قوة أن يكون معنى "طه" هو "يا رجل"!
ومن الألفاظ التى لا أوافق الآستاذ أسد أيضا على ترجمتها كلمة "زُرْقًا" فى قوله عَزَّ مِنْ قائل عن يوم القيامة: "ونَحْشُر المجرمين يؤمئذ زُرْقًا"، إذ يؤديها بالإنجليزية على النحو التالى: " their eyes dimmed [by terror]"، ثم يوضح فى الهامش قائلا إن المعنى الحرفى هو: " [ of eye] bleu"، وإن المقصود هو أن أعينهم ستبدو كما لو كانت مغطاة بغشاوة معتمة زرقاء. وواضح أنه يصر على أن الزرقة هنا هى زرقة العيون، مع أنه ليس فى الآية ولا فى السياق ما يدل على هذا أو يُلْمِح إليه مجرد إلماح. وأَرْجَح الرأى أن تكون الزرقة هنا هى زرقة الاختناق والمعاناة الرهيبة التى سيقاسيها المجرمون يوم يُنْفَخ فى الصور. وقريب من ذلك ما جاء فى الآية 106 من "آل عمران": "يوم تبيضُّ وجوهٌ، وتسودُّ وجوه"، وكذلك الآيات 38 - 42من سورة "عبس": "وجوهٌ يومئذ مُسْفِرة * ضاحكة مستبشرة* ووجوهٌ يومئذ عليها غَبَرَة* ترهقها قَتَرَة* أولئك هم الكَفَرة الفَجَرة". ولقد شاهدتُ منذ أكثر من عشرين عاما فى أوكسفورد طفلا أصابته حالة اختناق وهو يبكى من الغضب فارتمى على الأرض يرفس الهواء من شدة بُرَحاء الألم وقد ارْبَدَّ وجهه وازْرَقّ، ووقفنا حياله عاجزين لا نستطيع شيئا، وتصورنا أنه سيموت، لكن سرعان ما انجابت
(يُتْبَعُ)
(/)
الغاشية وعاد إلى حالته الطبيعية فتنفسنا الصُّعَداء ورُدَّتْ لنا أرواحنا. فهذا، فيما أفهم، هو الازرقاق المذكور فى الآية الكريمة، والله أعلم!
وبالمناسبة فقد جاء فى الترجمة الإنجليزية القاديانية التى حررها غلام ملك فريد أن زرقة العيون هنا إنما تشير إلى أن هؤلاء المجرمين هم أمم الغرب النصرانية، وكأن المجرمين يوم القيامة سيكونون كلهم من الأوربيين والأستراليين والأمريكان فقط، فلا مجرمين أفارقة أو آسيويين أو من أمريكا الجنوبية، وكأن الغربيين كلهم أيضا سيدخلون النار، وكأن الغربيين كلهم كذلك أصحاب عيون زرقاء، فليس منهم من هو أخضر العينين أو أسودهما مثلا. أما لماذا انصرف ذهن هذين المترجمين إلى زرقة العيون فسببه أن ذلك هو المذكور فى كتب التفسير، التى تقول إن العرب تتشاءم بصاحب العيون الزرقاء. لكن ينبغى أن نعرف أن أذواق العرب وأوهامهم شىء، وحقائق الدار الآخرة شىء آخر.
أما ترجمة كلمة "أيام" فى "خَلَق السماوات والأرض فى ستة أيام" فتحتاج إلى وقفة خاصة. إن أسد يترجمها بـ " aeons"، أى حِقَب، وهى فى حدود علمى ترجمة جديدة. لكن الإنسان يتساءل: ما السبب يا ترى فى أنه لم يَجْرِ على هذه الخُطّة فى ترجمة كلمة "يوم" فى قوله تعالى: "فى يومٍ كان مقداره ألف سنة مما تَعُدّون" أو "فى يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة" [11]، التى يستخدم إزاءها كلمة " day" رغم أن اليوم هنا أيضا ليس هو اليوم العادى الذى نعرفه على سطح الكرة الأرضية، بل حقبة متطاولة كما هو واضح، وهى الحجة التى استند إليها فى ترجمة لفظة "يوم" فى عبارة "ستة أيام"؟ وبالمثل نراه يترجمها فى عبارة "يوم الحساب" و "يوم الدين" بـ" day"، فلماذا هذه التفرقة غير المفهومة؟ إن هذه نقطة منهجية كان ينبغى أن تحظى من محمد أسد باهتمام أكبر.
كذلك لاحظت أنه أحيانا ما يضيف إلى الترجمة كلمة أو أكثر بين معقوفتين لتوضيح النص. وفى بعض المواضع قد تستدعى الحاجة فعلا هذه الإضافة، لكن فى بعض المواضع الأخرى لا يستطيع الإنسان أن يبصر مثل تلك الحاجة، بل قد تكون الإضافة ذات خطورة على النص كما فى ترجمته لقوله تعالى من سورة "الأحزاب": "النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم"، الذى أضاف إليه فى الترجمة عبارة "فهو أبوهم" قبل جملة "وأزواجه أمهاتهم". وهو يسوّغ هذا الصنيع العجيب فى الهامش قائلا إنه اعتمد فى ذلك على ما يُرْوَى من أن بعض الصحابة والتابعين كانوا يقولون هذا أثناء قراءتهم على سبيل شرح الآية. لكنى، رغم ذلك، أرى أن هذا خطأ صراح لا سبيل إلى التهوين منه، إذ إن علاقة زوجاته صلى الله عليه وسلم بأتباعه غير علاقته هو بهم، فقد حرم القرآن أن ينكحوا أزواجه من بعده، أما هو فكان يحل له أن يتزوج من نسائهم كما هو مبين فى نفس السورة. ثم إن الله سبحانه يقول فى السورة ذاتها: "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم"، فكيف نأتى نحن ونقول إن محمدا لم يكن أبًا لواحد فقط من المسلمين بل أباهم كلهم أجمعين؟ أوَبَعْدَ قول الله قول؟
أما فى عبارة "رب المشارق" فى سورة "الصافات" فإنه يذهب خطوة أبعد، إذ لا يضع ما أضافه من كلمات بين معقوفتين، وهو ما يوهم القارئ الذى لا علم له بالنص القرآنى أن هذا هو ما يقوله القرآن فعلا وليس تفسيرا له من لدن المترجم. وهذا هو ما قاله مترجمنا:" The sustainer of all the points of sunrise"، أى رب مشارق الشمس كلها. لكن من ذا الذى يستطيع أن يقول إن "المشارق" هنا مقصورة على مشارق الشمس وحدها؟ إن نجوم السماء لا أول لها ولا آخر، حتى ليُضْرَب بها المثل فيما يستحيل عَدُّه، ولكل نجم مشرقه ومغربه، وهذا هو الأحجى أن يكون تفسير العبارة القرآنية بدلا من حصرها فى الشمس وحدها دون أن يكون هناك ما يدعو إلى ذلك. وبمثل هذا أرى أنه ينبغى تفسير عبارة "رب المشرقين ورب المغربين" أى رب مشرقى الشمس والقمر ومغربيهما، بدلا من "رب أبعد مشرقين ومغربين للشمس" حسبما جاء فى ترجمة أسد [12].
(يُتْبَعُ)
(/)
أما فى ترجمة جملة "وهو فى الخصام غير مبين" من قوله تعالى عن بعض الآباء فى الجاهلية ممن كانوا يئدون بناتهم الرضيعات: "وإذا بُشِّر أحدهم بما ضَرَب للرحمن مَثَلاً ظلَّ وجهه مسودًّا وهو كظيم* أَوَمَنْ يُنَشَّأ فى الحِلْيَة وهو فى الخصام غير مُبِين؟ " يخطىء أسد خطأ من نوع آخر، إذ يظن أن الكلام فى جملة "وهو فى الخصام غير مبين" مقصود به الأب الذى بُشِّر بالبنت. وأغلب الظن أنه لما رأى أن الضمير المستعمل فى الآية هو ضمير المذكَّر انصرف ذهنه إلى الأب لا إلى البنت، التى وُصِفَتْ فى الجملة التى قبل ذلك بـ"من يُنَشَّأ فى الحلية". وإذا صح تفسيرى لقد كان ينبغى أن يتنبه الأستاذ أسد إلى أن الضمير هنا أيضا هو ضمير مذكر رغم استعماله للبنت. ووجه تذكيره أنه يعود على الاسم الموصول المبهم "مَنْ"، الذى أنت معه بالخيار: فإما أن تذكِّر الضميرَ العائد عليه دائما، وإما أن تطابق بينه وبين ما يدل عليه. فأنت تستطيع أن تقول: "رأيت، من النساء، من أُحِبّه" أو "رأيت، من النساء، من أُحِبّها". أما لو استخدمت كلمة "التى" فلابد من المطابقة فتقول: "رأيت، من النساء، التى أُحِبّها".
إذن فقوله تعالى: "أوَمَنْ يُنَشَّأ فى الحِلْية وهو فى الخصام غير مُبِين؟ " هو كله جملة استفهامية واحدة لا جملتان: إحداهما استفهامية على لسان الأب الساخط، والثانية خبرية داخلة فى السَّرْد كما حسب الأستاذ أسد، الذى فهم هذه الجملة الأخيرة على أن المقصود بها الإشارة إلى الصراع المحتدم فى نفس الأب: أيُبْقِى على حياة ابنته أم يئدها؟ فهذا الصراع، فى ظن المترجم، هو الخصام المذكور فى الآية، أما "غير مبين" فمعناها أنه صراع داخلى لا ينطق به لسان، ومن ثَمَّ فقد ترجم هذه الجملة على النحو التالى: "ومن هنا يجد نفسه وقد مزقه صراع داخلى خفى". والواقع أنها ترجمةٌ جِدُّ غريبة لا يقبلها الذوق العربى ولا الأسلوب القرآنى، الذى استعمل مادة "خ ص م" سبع عشرة مرة لم تأت قط فى أى منها بالمعنى الذى فهمه الأستاذ أسد، بل كلها فى الخصام بين شخصين أو جماعتين لا فى الصراع الباطنى بين رغبات الشخص المتعارضة. وحتى لو أردنا، رغم ذلك كله، أن نستخدم كلمة "خصام" فى هذا المعنى لكان علينا أن نقول: "فلان فى خصام مع نفسه" مثلا بزيادة عبارة "مع نفسه".
وفى قوله جل شأنه عن قوم لوط: "لِنُرْسِلَ عليهم حجارةً من طين* مسوَّمةً عند ربك للمسرفين" يترجم كاتبنا عبارة "حجارة من طين" إلى ما معناه: "ضرباتُ عقابٍ شديدةٌ كالحجارة". ولست أستطيع أن أجد مسوغا لهذا الذى فعله الأستاذ أسد! لقد لاحظت، كما سأوضح فى فصل لاحق، أنه دائما ما يؤوّل عذاب الآخرة ونعيمها، وهذا أمر قد يحتمل الخلاف، أما تأويل مثل هذا العذاب الدنيوى فما وجهه؟ إن حجة القائلين بتأويل الأخرويات هى أنها، بنص القرآن والحديث، شىء مختلف عما نعرفه فى الدنيا، لكن ماذا عن الأحداث الدنيوية؟ إنها وقائع تاريخية لا تقبل التأويل. ومثل هذا التصرف من شأنه أن يزعزع النص القرآنى. فالمرجوّ أن نحترمه، وفى الهوامش متسع لما نريد أن نقول، وذلك بدلا من تثبيت النص المقدس إلى الأبد على فهمنا الذى من المحتمل جدا أن يكون خاطئا، بل هو هنا خطأ بيقين. ثم فلنفترض أن ترجمة الأستاذ أسد صحيحة، فأى عقاب يا ترى ذلك الذى يشبه فى شدته الحجارة والذى أرسله الله على قوم لوط؟ ترى أيصح أن نترك مثل هذا التعبير القرآنى المشمس ونذهب فنضرب فى ظلمات الأوهام الغامضة؟ لقد ذكر أسد فى موضع آخر من ترجمته أن هذه الحجارة الطينية تشير إلى وقوع انفجار بركانى، لكنه للأسف ترك هذا التفسير وجرى وراء الربط بين كلمة "سِجِّيل" (فى قوله تعالى عن نفس الواقعة: "حجارة مِنْ سِجِّيل منضود") وكلمة "سِجِلّ"، وانتهى إلى تلك الترجمة الغربية هنا وفى الآية 82 من سورة "هود". فهو عقاب، لكنه ليس عقابا بالحجارة بل عقابا فى شدة الحجارة، أما "من سجِّيل" فمعناها "مسجلة فى لوح القدر: Pre-ordained"، وتبقى كلمة "منضود" التى جعلها صفة لضربات العقاب، ولا أدرى كيف، فهى مذكر، والضربات (أو فلنقل: "الحجارة") مؤنثة. وهذه هى عبارته فى نصها الإنجليزى: " and rained down upon them stone-hard blows of chastisement pre- ordained, one upon another". وهكذا تمزقت أوصال الآية بلا رحمة أو داع.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن ترجمات أسد الغربية التى يصعب جدا إقراره عليها أيضا ترجمته لكلمة "النجم" فى قوله سبحانه: "والنجم إذا هَوَى* ما ضَلَّ صاحبُكم وما غَوَى" بـ"قطعة الوحى الإلهى" على أساس أن القرآن نزل منجَّما، أى على دفعاتٍ، لا جملةً واحدة. ولكن فاته أن القرآن لا يستخدم أيا من "النجم" أو "هَوَى" فى الحديث عن نفسه: فكلمة "النجم" فيه إنما تدل على نجم السماء، اللهم إلا فى موضع واحد يحتمل أن يكون المقصود بها نجم النبات. أما بالنسبة لمجىء الوحى من السماء فيستعمل له فعل من مادة "ن ز ل" لا الفعل "هَوَى".
وأشد غرابة من الترجمة السابقة تأديته لقوله تعالى فى وصف سَقَر: "لوّاحةٌ للبشر" بما معناه أنها "تُلِيح للبشر (أى تُرِيهم) الحقيقة كلها". يقصد (كما وضَّح فى الهامش) أنها تجعلهم يبصرون أخيرا الحقيقة التى لم يكونوا يقرّون بها فى الدنيا وتريهم خطاياهم وشرورهم ومسؤولياتهم عن معاناتهم وآلامهم فى الحجيم، مخالفا بذلك المفسرين كلهم تقريبا، الذين يقولون إن المقصود هو أنها تسفع وجوه الكافرين وتغير شكلهم. وتعليقنا على ذلك أن من معانى الفعل "لاح": "غيَّر وأضمر" كما فى قولنا: "لاح العطشُ أو السفرُ أو الحزنُ فلانا"، ومن ثم فكلمة "لوّاحة" هى صيغة مبالغة من هذا الفعل، الذى ليس من معانيه "أرى فلانٌ فلانًا كذا أو كذا". وحتى لو قلنا إن هذا أحد معانيه، فأين المفعول الثانى لكلمة "لوَّاحة" فى الآية؟
ومما يخطىء فيه أسد كذلك، بل وينفرد بالخطإ فيه، حرف "الواو" فى قوله عز شأنه: "كلا والقمر* والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر"، "والصافّات صَفًّا"، "والذاريات ذَرْوا"، "والطُّور* وكتابٍ مسطور"، "والمرسَلات عُرْفا" ... إلخ، إذ يترجمه بمعنى "تأمَّلْ واعتبِرْ". ولا أدرى على أى أساس فعل ذلك، إذ لم يقل بهذا أحد من المفسرين أو علماء النحو أو أصحاب المعاجم. إنه يسويها بقولهم فى الإنجليزية على سبيل التعجب: " by God"، مع أن الأمرين مختلفان. فمن الواضح أن "الواو" فى هذه المواضع وأشباهها للقسم لا للتعجب، والمُقْسَم به موجود بعد "إنّ". ونجتزئ هنا بشاهدين على ما نقول: "والذاريات ذَرْوا* فالحاملات وِقْرا* فالجاريات يُسْرا* فالمقسِّمات أمرا* إنّ ما توعَدون لصادق* وإنّ الدين لواقع"، "كلا والقمر* والليل إذ أدبر* والصبح إذا أسفر* إنها لإحدى الكُبَر* نذيرا للبشر". بل إن القرآن نفسه يصرح بأن هذا قَسَم، إذ جاء فى سورة "الفجر": "والفجر* وليالٍٍ عَشْر* والشفع والوَتْر* والليل إذا يَسْر* هل فى ذلك قَسَمٌ لِذِى حِجْر؟ "، ولقد تكرر قسم القرآن بالظواهر الكونية وعناصر الطبيعة بلفظ القسم الصريح أكثر من مرة، مثل: "فلا أُقْسِم بالخُنَّس* الجَوَارِ الكُنَّس* والليل إذا عَسْعَس* والصبح إذا تنفس* إنه لقول رسول كريم"، "فلا أُقْسِم بالشفَق* والليل وما وسَق* والقمر إذا اتسق* لتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عن طبق"، فماذا يبغى الأستاذ أسد أكثر من هذا؟
وهذه النزعة إلى الانفراد بالآراء الغريبة لدى محمد أسد هى المسؤولة أيضا عن تنكُّبه لترجمة "الكواعب الأتراب" فى سورة "النبأ" بالناهدات الصدور المناظرات لأزواجهن فى السن كما تقول كتب التفسير وكما يقول الأسلوب العربى، وتَرْجَمَتها بدلا من ذلك بـ" splendid compagnons well matched: أصحابًا رائعين متوافقين". وهو يوضح السر فى هذه الترجمة العجيبة قائلا إن متع الجنة التى يمثل الكواعبُ الأترابُ لونا من ألوانها ليست حقيقية، إذ لا نساء فى الفردوس، ومن ثَمَّ فـ"الكواعب" هنا هم الأقران البارزون (لأن الفعل "كَعَبَ" يدل على البروز بإطلاق لا بروز النهدين فحسب)، و"الأتراب" هم الذين يكون بينهم وبين أصحابهم توافق وانسجام" [13].
ورأيى أن هذه كلها حجج داحضة: فأولا لو افترضنا أنه ليس هناك نساء فى الفردوس فعلا كما يقول المترجم، فإن هذا لا يسوِّغ ترجمة الآية بالطريقة التى فسرها بها، بل كان ينبغى أن يترجمها كما جاءت، وليقل فى الهامش إن هذا مجاز، وإن المقصود بالإشارة إلى النساء فى الآية هو كذا وكذا. فإن نساء الجنة فى هذه النقطة لا يختلفن فى شىء عن لبنها وعسلها وخمرها وشجرها وأنهارها ... إلخ، فسواء قلنا إن فى الجنة عسلا ولبنا مثلا كعسلنا ولبننا، أو عسلا ولبنا من نوع آخر يليق بالآخرة وخلودها، أو قلنا إنهما رمزان لمتع أخرى لا يمكن
(يُتْبَعُ)
(/)
التعبير عن حقيقتها بلغتنا البشرية، فالواجب فى كل هذه الحالات الإبقاء على ذِكْر اللبن والعسل، ثم إن فى الهامش مندوحة نستغلها فى توضيح رأينا كما نشاء. وقد فعل الكاتب نفسه ذلك مع "الحدائق والأعناب والكأس الدِّهَاق" فى هذه السورة نفسها، فلم لم يتبع هذه الخطة مع "الكواعب الأتراب"؟ وثانيا فإن كلمة "أتراب" فى كل من المرتين الأُخْرَيَيْن اللتين وردتا فى القرآن كانت وصفا لنساء الجنة، فلم تشذ عن ذلك هنا؟ وهاتان هما الآيتان المذكورتان: "وعندهم (أى عند المتقين فى جنات عدن) قاصرات الطرف أتراب" (ص/ 52)، "فجعلناهن (أى نساء الجنة) أبكارا* عُرُبًا أترابا* لأصحاب اليمين" (الواقعة/ 36 - 38). وبالمناسبة فقد عمل محمد أسد هنا فى ترجمة "قاصرات الطرف الأتراب" و"الأبكار العُرُب الأتراب" ما اقترحته قبل قليل فى ترجمة صفات نساء الجنة، فلم هذه التفرقة التى لا مسوغ لها؟
يبدو، والله أعلم، أن صيغة جمع المؤنث السالم فى النص الأول من هذين النصين، وضمير جماعة النسوة فى النص الثانى هما اللذان منعاه من التمحل كما فعل مع "الكواعب الأتراب". فما رأيه إذا قلنا له إن كلمة "كواعب" من حيث صيغتها لا تحتمل أيضا إلا أن تكون للنساء، ومن ثم لا تصلح أن يكون معناها "الأصحاب أو الأقران" كما يريد منا الأستاذ أسد أن نفهمها؟ ذلك أن صيغة جمع التكسير "فواعل" لا تستعمل للعقلاء الذكور (إلا فى "فوارس" و "سوابق"، اللتين شذتا عن القاعدة). ثم إن "التِّرْب" هو المساوى فى السن لا المتوافق المنسجم مع رفيقه كما جاء فى ترجمة أسد.
--- الحواشي ----
[1] وهو نفسه ما فعله قبلا فى ترجمته "صحيح البخارى" إلى اللغة الإنجليزية.
[2] بعد كتابة هذا الكلام وقعتْ فى يدى ترجمة القرآن الإنجليزية التى قام بها م. شاكر فوجدته قد صنع ما اقترحتُه هنا من كتابة أسماء الأنبياء حسب النطق القرآنى لها، فرأيت أن أنوه بذلك إعجابا وابتهاجا، كما وجدت الترجمة الإنجليزية لـ"تفسير ماجدى"، الذى وضعه مولانا عبد الماجد دريابادى، تفعل نفس الشىء. أما محمد محسن خان ومحمد تقى الدين الهلالى فلم يكتفيا فى ترجمتهما بكتابة أسماء الأنبياء حسب النطق العربى، بل شفعا كل واحد منها بكتابته حسب النطق الإنجليزى بين قوسين.
[3] وفى بعض المرات القليلة جدا استخدم كلمة "هجرة"، وأقل منها استخدامه كلمة " Emigration". أما فى ترجمته لـ"صحيح البخارى"، التى صدرت فى كتابٍ سنة 1938م، فقد استخدم الكلمة الأولى وكلمة " Migration"، كما استخدم لاسم الفاعل كلمة " Muhajir" (The Early Years of Islam, Dar al- Andalus, - Sahih al- Bukhari (Gibraltar, 1981, PP. 4, 19, 104, 105, 112, 113, 144, 184, 230, 231, 237...etc.
[4] ص 471/ هـ 7، وص 561/ هـ 10.
[5] انظر الآيات 139 - 148 من سورة "الصافات". ويجد القارئ كلمة "أَبَقَ" فى الآية 140 منها.
[6] المائدة / 23.
[7] الأعراف/ 124، وطه/ 71، والشعراء/ 49.
[8] ص 210/ هـ 37.
[9] الكهف / 90 - 91.
[10] انظر ص 470 فى عنوان السورة، ومقدمة ترجمتها، وهـ1.
[11] ص 633 فى ترجمة الآية 5 من سورة "السجدة"، وص 892 فى ترجمة الآية 3 من سورة "المعارج".
[12] ص 825 فى ترجمة الآية 17 من سورة "المزمل".
[13] ص 924 فى ترجمة الآية 33 من "الواقعة"، وهـ 16. وللأسف فهذا هو التصور النصرانى، وهو تصور قائم على ظاهر ما ورد فى إنجيل متى منسوبا إلى السيد المسيح من أنهم فى القيامة "لا يزوّجون ولا يتزوجون" (إنجيل متى/ 22/ 30).
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 02:48 م]ـ
ومن القضايا ذات الأهمية الشديدة التى تناولها أسد فى ترجمته التفسيرية للقرآن الكريم بشريةُ الرسل ومدى انعكاسها على أخلاقهم وسلوكهم، فهو دائم الإشارة إلى هذه البشرية، وهى مما لا يُشَاحّ فيه أحد، إذ إن رسل الله وأنبياءه كانوا كلهم بشرا. هكذا تكلم التاريخ، أما إذا قال أصحاب بعض الأديان إن نبيهم إله أو ابن إله فهو كلام لا يؤبه به، وإن كان لكلٍّ أن يعتقد ما يشاء، وحسابه على الله. كما أن القرآن قد كرر القول مرارا بأن الرسل والأنبياء كانوا جميعا بشرا من البشر، فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون وينجبون ويَغْشَوْن الأسواق، ثم فى النهاية يموتون. إذن فلا خلاف مع محمد أسد فى هذا البتة، إلا أنه لا يتوقف عند هذا الحد، بل دائما ما
(يُتْبَعُ)
(/)
يجعل إشارته إلى بشرية الرسل والأنبياء منطلقا للقول بأنهم، أيضا مثل سائر البشر، معرضون للخطإ كلما سنحت الفرصة. ويبدو لى بقوة أن أبواب الأخطاء كلها مفتوحة عنده أمامهم مثل أى إنسان آخر.
فعلى سبيل المثال يقول، عند تعليقه على قوله تعالى: "وما أرسلنا مِنْ قَبْلِك من رسول ولا نبى إلا إذا تمنى أَلْقَى الشيطانُ فى أمنيّته، فينسخ الله ما يُلْقِى الشيطانُ ثم يُحْكِم الله آياتِه، والله عزيز حكيم"، إن إلقاء الشيطان فى أمنيّة النبى والرسول معناه ألا يكون هدفهما الأخذ بيد أمتهما فى معراج الرقى الروحى، بل إحراز القوة والتأثير الشخصى. ثم يمضى فيستشهد بقوله عز من قائل: "وكذلك جعلنا لكل نبى عدوًّا شياطينَ الإنس والجن" [14] دون أن يوضح صلة هذه الآية بما نحن فيه. أتُراه يريد أن يقول إن للشياطين من إنس وجن تأثيرا على الرسل والأنبياء حتى إنهم ليَحْرِفونهم عن مسارهم الذى حددته لهم السماء إلى التطلع لغايات شخصية؟ لكن أىُّ نبى أو رسول يا تُرَى استطاعت الشياطين أن توسوس له بوضع مطامحه فى القوة والنفوذ الشخصى فوق الغاية النبيلة التى انتدبه لها رب العزة والجلال؟ ها هو ذا القرآن الكريم بين أيدينا، وليس فيه شىء من ذلك على الإطلاق، أما إذا كان العهد القديم ينسب إلى أنبياء الله ورسله مثل هذه التطلعات وغيرها مما يشوه صورة النبوة ويلطخها فهذا ليس برهانا على صحة هذه الدعوى الخطيرة، لأن كتب اليهود مجرحة تجريحا شديدا حسبما ذكر القرآن فى أكثر من موضع، وكذلك حسبما أثبتت الدراسات النقدية التى تناولتها، سواء تلك التى قام بها علماء المسلمين أو علماء الغرب أنفسهم. وعلى أية حال فالذى يهمنا فى هذا المجال هو القرآن لأنه هو الذى يستند إليه أسد فى تقرير ما قال.
وفى كلمته التمهيدية التى يقدم بها لسورة "القصص" يقول إن "معظم قصة موسى فى تلك السورة تصور الجانب البشرى الخالص فى حياته، أو بتعبير آخر تصور الدوافع وألوان الحيرة والأخطاء التى تشكل جزءا من الطبيعة البشرية، وهو ما يبرزه القرآن إبرازا رغبة منه فى مقاومة أى ميل عند المتدينين إلى عَزْو أية صفات شبه إلهية إلى أحد من رسل الله". وبعد قليل يعقِّب على اقتتال المصرى والإسرائيلى وتدخّل موسى عليه السلام ووَكْزه للمصرى الوكزةَ التى قضت عليه دون قصد منه، فيقول إن "الآيتين 16 - 17 من هذه السورة تومئان إلى أن الإسرائيلى لا المصرى هو المخطئ. والظاهر أن موسى قد تقدم لمساعدة الإسرائيلى بدافع من الميل الغريزى نحو ابن جلدته دون اعتبار للصواب والخطإ فى هذه القضية، وإن كان قد تبين له أنه اجترح إثما فظيعا، لا بقتله إنسانا بريئا فقط رغم أنه قتلٌ غير مقصود، بل بإقامته تصرفه كذلك على أساس من التحيز العنصرى" [15].
وفى أحد الهوامش التى خصصها للتعليق على قصة يونس عليه السلام وإبَِاقه إلى الفُلْك المشحون حين لم يجد من قومه آذانا صاغية، نراه يختم كلامه بقوله إن الهدف من هذه القصة فى القرآن هو تفهيمنا أنه ما دام قد "خُلِق الإنسان ضعيفا" كما جاء فى سورة "النساء"، فإن الأنبياء أنفسهم غير محصَّنين ضد أى من ألوان الضعف المركوزة فى الفطرة البشرية. وهو ما يعنى بوضوح أنهم عليهم السلام يمكن أن يرتكبوا أى شىء مما يقع فيه البشر هانَ أو عَظُم. وقد كرر المعنى ذاته فى تفسيره لقوله جل جلاله مخاطبا نبيه محمدا عليه السلام: "ليغفرَ لك الله ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر"، إذ يؤكد أن الإنسان مهما ارتقى فى معراج الخُلُق وكان حميد السجايا فإنه عرضة للوقوع فى الخطإ بين الحين والحين، وأن الآية تشير من طرْفٍ خفىٍّ إلى أن التحرر من الأخطاء مقصور على الله سبحانه [16].
وفى ضوء هذا نستطيع أن نفهم قوله بصدد الحديث عن الخَصْمين اللذين تسوَّرا المحراب على داود عليه السلام وشكا أحدهما الآخر إليه بأنه طلب منه نعجته الوحيدة التى لا يملك سواها كى يضمها إلى قطيعه المكوَّن من تسع وتسعين نعجة ... إلخ، إذ تساءل قائلا: هل الأنبياء معصومون من الذنوب والخطايا كما يقول علماء المسلمين القدامى أو لا؟ ثم يجيب بأن هؤلاء العلماء يذكرون أن داود قد أحب امرأة قائدة العسكرى أوريا ورسم خطة للتخلص منه لكى يخلو له وجه الزوجه، إذ أمر بأن يوضع فى مكان مكشوف على خط المواجهة مع الأعداء حيث قُتِل، وعندئذ تزوج داود المرأة وأنجب
(يُتْبَعُ)
(/)
منها سليمان، وإن أنكروا فى ذات الوقت أن يكون قد زنى بها إنكارا شديدا. ومن الواضح هنا أيضا أن أسد مع عدم عصمة الأنبياء.
وهو يرى أن قوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: "ألم نشرح لك صدرك* ووضعنا عنك وِزْرك* الذى أنقض ظهرك* ... ؟ " يشير بكل وضوح إلى الأخطاء التى اقترفها عليه السلام قبل البعثة. ولكن أية أخطاء يا ترى تلك التى اقترفها النبى آنذاك؟ هنا يسكت أسد. ولست أوافقه على أن معنى "الوزر" فى الآيات الكريمة أخطاء ارتكبها الرسول فى الجاهلية، إذ لو كان الأمر كذلك فلماذا تُنْقِض هذه الأخطاء ظهره، وهو لم يكن مكلفا آنئذ ولا آخذه الله عليها فى أى موضع من القرآن ولا اتخذها أحد من قومه تُكَأَةً للنيل من سمعته أو للتشويش على أخلاقه ونبوته؟ علاوة على أن مَنَّ الله عليه بشرح صدره وطمأنته إياه بأنه ما من عُسْر إلا ومعه يُسْر إنما يشير بالأحرى إلى ضيق صدره عليه السلام بشىء من قبيل فتور الوحى عليه فى أول الدعوة أو معاندة المشركين له أو ما إلى ذلك. أى أن الوزر هنا وزر نفسى لا أخلاقى. أما إذا كان المقصود بشرح الصدر دلالته المادية بمعنى شقه واستخراج نصيب الشيطان منه وغسله بالثلج أثناء طفولته الأولى فى بادية بنى سعد كما جاء فى بعض الروايات، فإن ذلك ينسف ما قاله محمد أسد عن الرسول من أساسه، إذ معناه أنه عليه السلام قد أصبح محميا تماما من الوقوع فى الذنوب والآثام.
وعلى أية حال فإنه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون قد وقعت منه أخطاء مما يتحدث عنها الكاتب، وإلا لاتخذها المشركون حين جاءهم بالدين الجديد سلاحا من أسلحة الحرب النفسية التى شنوها عليه منذ اللحظة الأولى. ترى لو كانت هناك أخطاء من ذلك النوع أكانوا يتركونها ويتهمونه بما يعلمون هم قبل غيرهم أنه باطل، وهو أنه ساحر ومجنون وكذاب ويكتتب قصصه عن الأنبياء السابقين وأممهم من بعض الرقيق المكى من أهل الكتاب؟ أيعقل أن يكون فى يد إنسان عُمْلة سليمة فيلقى بها فى عُرْض الطريق ويتخذ بدلا منها نقودا زُيُوفا؟ ترى لو كان النبى عليه السلام قد زنى أو حتى قبَّل امرأة مجرد تقبيل أو شَرِب الخمر أو لَعِب المَيْسِر أو تابع قومه فى عبادة الأصنام أو التضحية لها أو عُرِف عنه الكذب مثلا، أكان قومه يسكتون عن ذلك؟ إن كل ما قالوه فى بشريته لا يتعدى إنكارهم عليه أنه كان يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق وأن له زوجا وذرية، إذ كانوا يريدونه مَلَكًا لا بشرا، وهذا كل ما هنالك، فهل يصح أن يقول مسلم فى الرسول ما لم يقله المشركون؟
ولْيلاحظ القارئ أننى قد تجنبت الخوض فى الجدال النظرى البحت حول عصمته صلى الله عليه وسلم وسلكتُ، بدلا من ذلك، المنهجَ التاريخى والنفسى واستنطقتُ النصوص ذاتها فلم يصادفنا، لا فيما وصلنا عن سيرته ولا فى الآيات التى تحدثتْ عنه أو إليه، أىٌّ من تلك الذنوب المزعومة. ثم هل كان من الممكن أن يصفه القرآن رغم ذلك بأنه "على خُلُقٍ عظيم" كما جاء فى الآية الخامسة من سورة "القلم"؟
كذلك لو كان داود عليه السلام قد صنع بأوريا هذا الذى ادُّعِىَ عليه أكان الله سبحانه تارِكَه دون مؤاخذة، وهو الذى عرَّض يونسَ عليه السلام لتلك التجربة المرعبة المؤلمة، تجربة ابتلاع الحوت له وبقائه فى بطنه أياما وليالى، لمجرد غضبه من قومه وإباقه إلى الفلك المشحون بسبب صلابة رقابهم ولجاجهم فى الكفر والطغيان؟ إن التآمر على قتل إنسان برىء طمعا فى زوجته الجميلة ليس بالأمر الهين الذى يمكن أن تُعَدِّىَ عنه السماء بمثل هذه البساطة، وإلا فالعفاء على الأخلاق بل على النبوة ذاتها! والمضحك فى الأمر أن من قبلوا من علماء المسلمين على داود هذه الدعوى السخيفة بل المجرمة كانوا حرصاء فى ذات الوقت على أن يبرئوه من تهمة الزنا، وكأن قتل الأبرياء بدم بارد وتخطيط مسبق ودون خالجة من ضمير ليس بشىء بجانب هذه التهمة!
(يُتْبَعُ)
(/)
إن القصة القرآنية تقول إن الأخ الغنى لم يأخذ من أخيه الفقير نعجته فعلا، بل كل ما فى الأمر أنه سأله ضمَّها إلى نعاجه. فهذا كل ما هنالك، وإذن فلو أن هذين الخصمين ملاكان أرسلهما الله إلى داود، كما جاء فى بعض كتب التفاسير، لينبهاه على سبيل التلميح إلى الجريمة التى ارتكبها، فأى جدوى من هذا التصرف ما دام قد سبق السيفُ العَذَل وتمت الجريمة ولم يعد من سبيل لتداركها؟ إن هذا عبث لا تليق نسبته إلى المولى عز وجل، الذى كان قادرا على أن ينبه نبيه فى هذه الحالة تنبيها مباشرا يمنع الجريمة قبل وقوعها بدلا من تركه يقترفها ثم عتابه له بعد فوات الأوان؟ ثم إذا كان الأنبياء يمكن أن يجترحوا جريمة القتل والتآمر على هذا النحو، فما الفرق بينهم إذن وبين عتاة المجرمين؟ إن الإنسان العادىّ لا ينحط إلى هذه الدركة، فكيف يَتَدَهْدَى إلى مثلها الأنبياء والمرسلون، الذين اصطفاهم الله على سائر خلقه وصنعهم على عينه وجعلهم من الأخيار أُولِى الأيدى والأبصار وزودهم بالحكمة والتقوى على أحسن حال؟ وفضلا عن ذلك فالقرآن نفسه يقول عن داود عليه السلام فى سورة "ص" ذاتها: "وإن له عندنا لَزُلْفَى وحُسْنَ مآب"، فكيف يمدحه الله سبحانه هذا المديح العظيم ويأتى بعضنا فيتهموه تلك التهمة الشنيعة جريا وراء اليهود الملاعين الذين لم يتركوا نبيا ولا رسولا إلا افترَوْا عليه أشنع ضروب البهتان فى كتبهم؟ أنكذِّب القرآن ونصدق العهد القديم؟ كذلك فالآية التى تلى قصة الخصمين تحضّه عليه السلام أن يحكم بين الناس بالحق ولا يتَّبع الهوى، وهو ما يرجِّح أن تكون القصة متعلقة بالتسرع فى الحكم لأحد المتخاصمين قبل الاستماع إلى الطرف الآخر، لا بمسألة أوريا وزوجته. ولو افترضنا بعد هذا كله أن لهذه القصة ظلا من الحقيقة، ولا إخال، فإن أقصى ما يمكن قوله هو أن داود ربما سمع مثلا بجمال زوجة قائده فحدثته نفسه قائلة: لماذا لم يُكْتَب له أن يرى تلك المرأة قبل أن يتزوجها أوريا فيتخذها هو لنفسه زوجة؟
أما يونس فأىُّ خطإٍ ارتكبه حين ضاق صدره بعد إذ رأى من قومه لَدَدًا فى الكفر وتماديا فى العناد والإنكار فتركهم ومضى على وجهه؟ إن هذه ليست سُبَّة أخلاقية، لا ولا هى تهاون فى تأدية الواجب. وكل ما يمكن التعليق به على تصرفه ذاك هو أن الله لم يأذن له بهجرة قومه، وإلا فإن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قد ترك هو أيضا بلده إلى بلد آخر رجاء أن يكون حظ الدعوة فيه أحسن، لكنه مع ذلك لم يُقْدِم على هذه الخطوة إلا بعد إذن الله له.
ونأتى إلى وَكْزَة موسى، التى ينبغى ألا يفوتنا أنها كانت قبل النبوة وكانت مجرد وَكْزَة أراد بها عليه السلام أن يدفع العدوان أو ما ظنه عدوانا على ابن جلدته فى بلدٍ كان الاضطهاد والعسف يتناوشان بنى إسرائليل فيه لا لشىء إلا لضعفهم وهوانهم وقلة حيلتهم آنئذ، لكن كانت للأقدار مشيئة أخرى، إذ مات المصرى بسببها. وأغلب الظن أنها كانت "القشة التى قصمت ظهر البعير". أى أن أسباب الموت كانت مهيَّأة لطَىّ صفحة ذلك الرجل من الوجود، كأن يكون مصابا بأزمة قلبية مثلا أو تكون الوكزة قد أفقدته توازنه فسقط دماغه على أرض حجرية ... إلخ، فجاء وَكْز موسى فى ذلك الوقت مصادفة واتفاقا ليكون هو العامل الظاهرى الذى أودى بحياته. ولنلاحظ أن موسى قد أنَّبه ضميره على الفور ولذَّعه تلذيعا، فأخذ يستغفر ربه ويبتهل إليه نادما أشد الندم رغم أنها ليست سقطة أخلاقية كما قلنا.
ورغم كل ما أبدأ فيه محمد أسد وأعاد فإنه هو نفسه، فى حديثه عن عبوس رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه ابن أم مكتوم يسأله فى بعض أمور دينه أثناء انشغاله بمحاولة إقناع بعض المشركين فى مكة لهدايتهم إلى الإسلام، يقول إن ما لا يزيد عن كونه مجرد هفوة تافهة من أى إنسان آخر فى مثل هذه المسألة المتعلقة بالمجاملات الاجتماعية يُعَدّ مع ذلك فى حق الأنبياء ذنبا عظيما يستوجب العتاب. ثم يمضى قائلا إن معاتبة القرآن للرسول على مسمع من الدنيا كلها على ذلك النحو إنما هو دليل على أنه تنزيل من رب العالمين وأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى. وهذا هو الذى أتفق فيه مع محمد أسد، وهو هو نفسه ما صاغه علماؤنا القدامى رضى الله عنهم عندما قالوا: "حسنات الأبرار سيئات المقربين".
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا، وقد صدرت عن قلم الكاتب عبارة مهمة لا أدرى كيف لم يستصحبها دائما معه بدلا من هذا الإلحاح المستمر على فكرة الضعف البشرى الأخلاقى الذى لا يفلت منه الرسل والأنبياء وإمكان وقوعهم فى أى ذنب من الذنوب التى يقترفها البشر، ألا وهى قوله، بصدد التعليق على الآية التى تقول: "ما كان على النبى من حرج فيما فرض الله له. سُنَّةَ الله فى الذين خَلَوْا من قبل، وكان أمر الله قَدَرًا مقدورا"، إن الكلام هنا إنما يدور على الأنبياء الذين تتوافق فيهم جميعا، بما فيهم الرسول عليه السلام، رغائبهم الشخصية مع إسلامهم أنفسَهم إلى الله، وهو ذلك الانسجام الروحى والفطرى الذى يميز صفوة خلق الله وقدَرهم المقدور كما تقول خاتمة الآية. ترى أين كان ذلك الكلام الجميل من قبل؟ إن هذا هو أَحْجَى ما يقال عن أنبياء الله ورسله وأقربه إلى حديث القرآن المجيد عنهم، أما تصويرهم بصورة الضعفاء المهتزين الذين لا يتمالكون أنفسهم من الوقوع فى أى من الذنوب والآثام بمجرد تهيؤ الدواعى لذلك فلا ينسجم مع القرآن، الذى يرفع الرسل والأنبياء مكانا عَلِيًّا ويُثْنِى عليهم أجزل الثناء ويرى فيهم نموذجا فذا لا يُطال رغم بشريتهم التى يؤكدها فى ذات الوقت، بل ينسجم مع اتجاه العهد القديم، الذى ينسب إليهم الزنا والقتل والدياثة ومقارفة الفاحشة مع المحارم والكذب والغدر والتحايل على الله والجلافة فى مخاطبته والإغضاء عن عبادة الأوثان فى بيوتهم ... إلى آخر ما سوَّد به اليهودُ الملاعينُ صفحاتِ كتبهم التى يزعمون أنها وحى إلهى، ملطخين بذلك الصورَ النبيلة لتلك الصفوة من عباد الله.
وقد رجعتُ، بعد الفراغ من كتابة ما تقدم، إلى "الفِصَل فى المِلَل والأهواء والنِّحَل" لابن حزم لأسترجع ما قالت الفرق الإسلامية فى هذا الموضوع، فوجدته يذكر أنهم اختلفوا فى ذلك: فقالت طائفة إن الرسل عليهم السلام يعصون الله فى جميع الكبائر والصغائر عمدا حاشا الكذب فى التبليغ، بل إن بعض هؤلاء قد جوَّزوا عليهم الكفر أيضا، كما جوَّزوا أن يكون فى أمة محمد عليه السلام من هو أفضل منه. وفى رأى ابن حزم أن هذا كله كفر وشرك وردة عن الإسلام. وهناك من جوَّزوا عليهم الصغائر فقط بالعمد، أما الكبائر فلا. أما الذى تدين به أمة الإسلام من سنة ومعتزلة وخوارج وشيعة ونجارية (كما قال العلامة الأندلسى) فهو أنه لا يَجُوز البتةَ أن يقع من نبىٍّ معصيةٌ أصلا لا كبيرة ولا صغيرة. وهذا رأيه هو أيضا، وإن قال إنه قد تقع من الأنبياء الهفوة عن غير قصد، كما قد يقع منهم قَصْدُ الشىء يريدون به وجه الله تعالى والتقرب منه فيوافق خلافَ مراده عز وجل، إلا أنه تعالى لا يقرّهم على شىء من هذين الوجهين أصلا بل ينبههم على ذلك ويبيّنه، وربما عاتبهم عليه. وهذا الذى ذهب إليه ابن حزم هو نفسه ما وصلتُ إليه من تحليل النصوص القرآنية تقريبا، ويسعدنى أن ينسجم رأيى مع رأى هذا العلامة العظيم، وإن كنت لا أستطيع أن أُقْدِم على تكفير محمد أسد فى مثل هذا خشية أن يكون مخطئا فى اجتهاده لا يبغى إهانة الأنبياء أو التطاول عليهم والتحقير من شأنهم عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، ولكنى فى ذات الوقت لا أهضم وقوعه فى هذا الخطإ الأبلق.
وفى النهاية أود أن أضيف أننا لا نجد هذا الرأى الغريب لأسد فى الأنبياء فى الكتب التى تُرْجِمَتْ له إلى العربية. لقد لمس مثلا بشريةَ الرسول عليه الصلاة والسلام فى موضعين من كتابه "الطريق إلى الإسلام"، وهذا ما قاله فى الموضع الأول: "ومع ذلك فإنه (أى الرسول عليه السلام) لم يدَّع يوما إلا أنه بشر، ولم ينسب المسلمون إليه الألوهية قط كما فعل الكثيرون من أتباع الأنبياء الآخرين بعد وفاة نبيهم. والحق أن القرآن نفسه يزخر بالأقوال التى تؤكد إنسانية محمد: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. أفإن مات أو قُتِلَ انقلبتم على أعقابكم؟ ". وكذلك فإن القرآن الكريم قد دلل على عجز النبى المطلق تجاه العزة الإلهية بقوله تعالى: "قل: لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله. ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء. إنْ أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون". ولا ريب فى أن من حوله لم يحبوه مثل هذا الحب إلا لأنه لم يكن سوى بشر فحسب، ولأنه عاش كما يعيش سائر الناس: يتمتع بملذات الوجود البشرى ويعانى آلامه". وهو تقريبا نفس ما نقرؤه فى الموضع الثانى حيث يقول إنه عليه السلام كان "كائنا بشريا مليئا بالرغبات والدوافع الإنسانية وبوعى حياته الخاصة، وفى الوقت عينه أداة طيعة لتلقى رسالته" [17]. والنصان، رغم حرصهما على إبراز بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يتطرقان إلى مسألة العصمة النبوية، بل لانلمح فى عباراتهما ما يوحى بأن المؤلف كان يرى أنه عليه السلام عرضة للوقوع فى الذنوب والآثام كأى شخص عادى. فهل هذا دليل على أن فكره قد تطور بعد ذلك إلى القول بأن الأنبياء يذنبون ويأثمون كغيرهم من البشر؟ أم هل كانت هذه الفكرة من صلب عقيدته أوانذاك لكنها، لسبب أو لآخر، لم تَشُقّ طريقها إلى الظهور فى ذلك الكتاب؟
-- الحواشي --
[14] الأنعام/ 112.
[15] ص 591/ هـ 15.
[16] ص 785/ هـ 2.
[17] محمد أسد/ الطريق إلى الإسلام/ ترجمة عفيف البعلبكى/ دار العلم للملايين/ 1981م/ 297، 303.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 02:52 م]ـ
فى القرآن نصوص كثيرة تتحدث عن معجزاتٍ وقعت على يد عدد من الأنبياء والرسل، وفيه أيضا آيات أخرى تقول لمشركى مكة، الذين كانوا يتعنتون على الرسول صلى الله عليه وسلم مطالبين إياه أن يأتيهم ببعض المعجزات كما كان يفعل الأنبياء السابقون، إن المعجزات لم تُجْدِ مع الأمم الخالية، إذ ظلوا على كفرهم رغم وقوع ما طلبوه منها. ومع هذا فإن بعض المفسرين فى العصر الحديث قد درجوا على تأويل هذه المعجزات بما يُخْرِجها عن إعجازيتها ويُلْحِقها بالحوادث المعتادة التى تخضع لقوانين الطبيعة المطردة، ومن هؤلاء الأستاذ محمد أسد. وقد سبقه إلى هذه الخطة المفسرون القاديانيون مثل مولاى محمد على وملك غلام فريد فى ترجمتيهما التفسيريتين للقرآن الكريم إلى الإنجليزية. ولعل مولاى محمد على هو الوحيد الذى ورد اسمه فى ترجمة محمد أسد من بين المفسرين غير العرب، ولهذا دلالته، وإن كان الحق يوجب أن نقول إن أسد لا يذهب مذهب القاديانيين فى فتح باب النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، إذ يؤكد أنه هو آخر الأنبياء، فلا نبى بعده.
ونبدأ الكلام فى تأويل أسد للمعجزات بما قاله فى معجزة إبراهيم عليه السلام. لقد ذكر القرآن المجيد فى ثلاثة مواضع منه تهديد قومه له بتحريقه فى النار وأن الله أنجاه من كيدهم. وإذا كانت العبارة فى موضعين من هذه الثلاثة لا تحدِّد أَأُلْقِىَ خليلُ الله فى النار فعلا أم لا، فإن الموضع الثالث، وهو الآيتان 68 - 69 من سورة "الأنبياء"، واضح الدلالة فى أنه قد أُلْقِىَ فيها لكن الله منعها من إحراقه، وذلك فى قول رب العزة: "قالوا (أى قومه عليه السلام): حَرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين* قلنا: يا نارُ، كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم". بَيْدَ أن محمد أسد يقول تعليقا على هاتين الآيتين إنه "لم يحدث أَنْ ذَكَر القرآن فى أى موضع منه أن إبراهيم قد أُلْقِىَ بجسده فعلا فى النار وبقى حيا فيها، بل إن قوله تعالى فى الآية 24 من "العنكبوت"، على العكس من ذلك، يشير إلى أنه لم يُلْقَ فى النار. وفضلا عن هذا فبمستطاعنا تتبع مصدر القصص الكثيرة المستفيضة والمتعارضة التى طَرَّزَ بها المفسرون القدامى تفسيرهم للآية التى نحن بصددها، فى الخرافات التلمودية، ومن ثم فمن الممكن أن نلقى بها دُبْرَ آذاننا. أما ما يقوله القرآن هنا وكذلك فى آية "العنكبوت" والآية 97 من "الصافات" فلا يزيد، فيما يبدو، عن أن يكون إشارة رمزية إلى نار الاضطهاد التى كان على إبراهيم أن يقاسيها والتى ستصبح بعد ذلك، بسبب عنفوانها، مصدر قوة روحية وسلام باطنى له".
ولنا على هذا الكلام كلام مثله: فأولا ليس فى القرآن البتةَ ما يدل على أن خليل الرحمن لم يُقْذَف به فى النار، وإلا لكذَّب القرآن بعضُه بعضًا، فإن آية "الأنبياء" تقول بصريح العبارة إنه سبحانه قد أمر النار أن تكون "بردا وسلاما على إبراهيم" بما يدل على أنه قد ألقى فيها فعلا، لكنه سبحانه سَلَبَ عنها خاصّية الإحراق. وعلى أية حال فها هى ذى آية "العنكبوت" أضعها مرة أخرى تحت بصر القارئ ليحكم بنفسه، إذ تقول: "فما كان جوابَ قومه إلا أن قالوا: اقتلوه أو حرِّقوه، فأنجاه الله من النار"، فهل يرى القارئ الكريم فيها أن قومه عليه السلام لم ينفذوا فعلا ما عزموا عليه؟ ألا يوافقنى على أن هذه الآية مظلومة؟ ومثلها آيتا "الصافات"، وهذا نصهما: "قالوا: ابنوا له بنيانا فأَلْقُوه فى الجحيم* فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين". إذن فنحن أمام نصوص قرآنية ثلاثة: اثنان منها لا يقولان إن إبراهيم لم يلق به فى النار، وثالثها يقول، وإن كان بطريق غير مباشر، إنه قد قُذِف به فيها لكن الله جردها من طبيعتها المحرقة.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما تأويل أسد لهذا النص الأخير بأن المقصود هو نار الاضطهاد فقائم على التكلف العنيف، إذ إنه قد دخل الموضوع وفى ذهنه إنكار المعجزات، وإلا فأين فى الآية ما يدل على أن المراد شىء غير الظاهر؟ الحقّ أنْ ليس فى الآية ما يدل على شىء من ذلك، وإنما اعتقاد بعض الناس، حتى من بين المسلمين أنفسهم، فى أن قوانين الكون لا يمكن إيقافها أبدا هو المسؤول عن الرغبة فى صرف مثل هذه الآيات عن ظاهرها إلى تلك التمحُّلات الغريبة. ولكى يطمئن القارئ إلى ما أقول ألفت نظره إلى أن "نار الاضطهاد" تلك التى يذكرها أسد لم تكن خاصة بإبراهيم وحده، بل كل الأنبياء والرسل قاسَوْا لَظَاها فكانت فى نهاية الأمر بردا وسلاما عليهم، فلماذا يا ترى لم يذكرها القرآن إلا فى حالة إبراهيم وحده دون سائر الرسل والأنبياء؟ وأخيرا فكونها ترجع إلى التلمود ليس بالضرورة برهانا على فسادها، وإلا لكان القرآن أول من يَضْرِب عنها صفحا. أما وقد أوردها مع ذلك فهو دليل على أنها قصة حقيقية.
وبالمثل يصف المؤلف قصة سليمان مع النملة وفهمه عليه السلام لما قالته لزميلاتها من جماعة النمل بأنها قصة خرافية قُصِدَ بها الإشارة إلى إعجاب سليمان بعالم الطبيعة وفهمه له وعطفه على أحقر مخلوقات الله شأنا. كذلك ينظر كاتبنا إلى قصة ذلك النبى الكريم مع الهدهد على أنها مجرد مَثَلٍ ضربه الله ليبين لنا أن سليمان نفسه بكل حكمته يمكن أن يجهل بعض الأشياء، وهو ما من شأنه أن يحذرنا من فتنة الغرور التى تصيب البشر، والعلماء منهم بوجه خاص، مع أن الله قد ذكر بصريح القول أنه سبحانه سخّر لسليمان جنودا من الإنس والجن والطير يأتمرون بأمره مما لم يسخره لأحد غيره، كما شكر سليمان ربه على أنْ علَّمه منطق الطير [18].
وجَرْيًا على نفس النهج يقول كاتبنا عن قصة سليمان وعفريت الجن والذى عنده علم من الكتاب وعرش بلقيس إنها قصة رمزية، فضلا عن أن "الذى عنده علم من الكتاب" هو، كما قال بناء على تفسير الرازى، سليمان نفسه، إذ "الكتاب" هو الوحى حسب ذلك التفسير. والحق إنه لمن الصعب جدا جدا أن نوافق أسد على ما يقول، فسليمان عليه السلام يسأل ملأه أيُّهم يأتيه بعرش ملكة سبإ قبل أن تأتى هى ورجال دولتها مُسْلِمين، فيرد عليه عفريت من الجن بأنه قادر على أن يأتيه به قبل أن يقوم من مكانه. وعندئذ ينبرى الذى عنده علم من الكتاب قائلا إنه يستطيع أن يأتيه به قبل أن يرتدّ إليه طَرْفه، وعلى الفور يجده أمامه فيشكر الله على هذا الفضل. وواضح تماما أن الذى عنده علم من الكتاب شخص آخر غير سليمان، وإلا فإذا كان هو سليمان، وكان كلامه موجها إلى الجنى على سبيل التحدى كأنه يقول له: إذا كنتَ تستطيع أن تُحْضِر العرش لى قبل أن أقوم من مكانى فإن هذا لا يرضينى، فأنا قادر على إحضاره فى مدة أقل من ذلك، فإن السؤال حينئذ هو: ما دام سليمان قادرا على إحضاره بهذه السرعة الفائقة التى لا نظير لها، ففيم كان سؤاله لملئه عمن يستطيع أن يأتيه به قبل أن تأتى الملكة ورجالها مُسْلِمين؟ ولم قال للجنى: "أنا آتيك به ... إلخ" ولم يقل: "أنا آتى به ... " دون كاف الخطاب ما دام الجنى لم يطلب من أحد أن يأتيه بالعرش، بل سليمان هو الذى طلب ذلك، ومن ثَمَّ فإن العرش سيأتيه هو لا الجنى؟ ولماذا قال القرآن بعد أن عرض الذى عنده علم من الكتاب أن يُحْضِره أسرع من الجنى: "فلما رآه مستقِرًّا عنده قال: هذا من فضل ربى"؟ أترى الرازى والأستاذ أسد يريدان أن يقولا: إن الذى وجده مستقرا عنده وحمد الله على فضله هو العفريت لا سليمان؟ لكن هذا قلب للأمور رأسا على عقب لأن المتفضَّل عليه هنا إنما هو سليمان لا العفريت، وعلى ذلك فهو نفسه الحامد الشاكر. ثم إن الضمير فى الأفعال بناء على تفسيرى سيكون عائدا على شخص واحد بدلا من تشتيته دون داع وتمزيق أوصال الآيات من ثَمّ.
(يُتْبَعُ)
(/)
ونفس الشىء يقوله مترجمنا عن قصة يونس والتقام الحوت له كما وردت فى سورة "الصافات"، فهى (حسبما قال) حكاية خرافية ذات دلالة رمزية. وبطن الحوت عنده إشارة إلى العناء الروحى الذى كان يرزح تحته يونس عندما فر من أداء رسالته، واليقطينة استعارةٌ قُصِد بها الإيماء إلى رحمة الله له وعودته إلى طريق النور والحياة الروحية كرة أخرى. وكل هذا تعسف فى التأويل، فليس من المعقول أن يروى القرآن حادثة تاريخية فيحذف بعض تفصيلاتها الحقيقية ويستبدل بها تفصيلات لم تقع دون أن يوضح لنا أننا بصدد سرد حكاية يختلط فيها الواقع بالخيال. ثم لماذا يفعل القرآن ذلك؟ ولماذا يدور تلك الدورة الطويلة فيحكى قصة السفينة والاقتراع وقفز يونس منها وابتلاع الحوت له وابتهاله لربه فى الظلمات أن يغفر له ويرحمه ونبذ الحوت إياه فى العراء ونبت شجرة اليقطين عليه ... إلخ؟ وما الدليل على أننا هنا أمام قصة رمزية لا حقيقية؟ وما الذى منع القرآن من رواية ما حدث فعلا؟ إن القرآن عندما يحكى أمثال هذه القصص فإنه عادة ما يمنّ على الرسول محمد عليه السلام بأن الله هو الذى أنبأه نبأ هذه القصص التاريخية دون أن يكون قد شاهد شيئا من أحداثها. أفلو كانت القصة رمزية أكان ثم موضع للمنّ الإلهى بهذا الأسلوب؟
وبالنسبة لعيسى عليه السلام نجد الأستاذ أسد يؤوِّل كلامه فى المهد بأنه إشارة مَجَازيَّة للحكمة النبوية التى كانت تلهم عيسى منذ وقتٍ جِدّ مبكر من حياته. لكننا نعرف أن اليهود، عندما أشارت إليه أمه وهو لا يزال فى المهد كى يسألوه فيما يريدون أن يعرفوه عن السر فى ولادتها إياه دون زواج، كان ردهم عليها: "كيف نكلِّم من كان فى المهد صبيًّا؟ "، وحينئذ أجابهم عيسى بقوله: "إنى عبد الله، آتانى الكتاب وجعلنى نبيًّا* ... "، فماذا يقول الأستاذ أسد فى هذا؟ إنه يؤوِّل الزمن الماضى هنا فى "آتانى" و"جعلنى" بأنهما يدلان على أن ذلك سوف يحدث فى المستقبل لا أنه حدث فى الماضى. وجوابنا هذا يدل على صحة ما قلناه عن هذه الآية، إذ معنى الكلام حسب تأويله هو أن الله سيؤتينى الكتاب وسيجعلنى نبيا فى المستقبل، ومعنى هذا بدوره أنه عليه السلام لم يكن قد أصبح نبيا بعد، ومعنى هذا ثالثا أنه كان صغيرا حقا، أليس كذلك؟ وإلا فلو لم يكن عيسى قد تكلم فعلا فى المهد فلماذا لم يذكر القرآن ذلك عن غيره من الأنبياء أيضا، وكلهم بحمد الله قد رعا الله خطواتهم منذ بداية حياتهم وصنعهم على عينه؟ ولماذا يوافق القرآن ما جاء فى بعض الأناجيل من أنه عليه السلام قد تكلم فعلا فى المهد؟ أيُعْقَل أن يحكى القرآن القصة كما رواها أحد الأناجيل مما يؤكد وقوعها، ثم ينقلب على نفسه وعلى ذلك الإنجيل مغمغما فى همس لم يسمعه إلا الأستاذ أسد ومن يلفّون لفّه بأن شيئا من ذلك لم يقع، وإنما هو كلام فى الهواء؟ إن هذا لَبسلوك البهلوانات أشبه، وحاشا لله أن يكون هذا هو منهج القرآن فى الشرح والتفهيم! وبالمناسبة فإن القاديانيين هم أيضا ينفون كلام عيسى فى المهد ويؤولونه بما يخرجه عن إعجازيته. وهذا هو ديدنهم مع الآيات الخوارق التى يؤيد الله بها أنبياءه ورسله كما قلنا.
أما نَحْت عيسى عليه السلام طيرا من الطين ونَفْخه فيه فيصير طيرا بإذن الله كما جاء فى القرآن الكريم فى أكثر من موضع، فإن مترجمنا يؤوّله بـ "الحظ أو المصير"، قائلا إن كلمة "الطائر" أو "الطير" قد تكرر مجيئها فى القرآن بهذا المعنى (فى "الأعراف"/ 13، و"النمل"/ 47، و"يس"/ 19 مثلا)، وهو تعبير عربى قديم. وبناء على هذا التأويل يكون معنى الآية أن عيسى أراد بأسلوبه المعروف أن يضرب لبنى إسرائيل مثلا يبين لهم فيه أنه، من طين حياتهم الحقير، سوف يشكل لهم رؤيا ( a vision) مصيرٍ يحلق عاليا فى أجواء الفضاء، وأن هذه الرؤيا التى سوف تتحقق على أرض الواقع بإلهام من ربه ستكون مصيرهم الحقيقى بإذن الله وبقوة إيمانهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا كله، فى الواقع، خَبْطٌ على غير هدى. لكن كيف؟ أوَّلاً لم يحدث أن استخدم القرآن الكريم لفظ "الطير" بمعنى "الحظ أو المصير" بل لفظة "الطائر"، أما "الطير" فهو فيه الطيور ذوات الأجنحة، والآيات فى ذلك متعددة. ولم تشذ عن ذلك سورة "النمل"، إذ استخدم فيها القرآن لـ"الحظ والمصير" كلمة "طائر" لا "الطير"، الذى جعله فى نفس السورة جندا من جنود سليمان، ولست أدرى كيف يكون الحظ أو المصير جندا من الجند ولا كيف يُحْشَر مع غيره من جنود الإنس والجن حسبما جاء فى الآية 17، أو كيف يمكن تعلُّم منطقه كما جاء فى الآية التى قبلها. وثانيا لقد تكررت كلمة "الطين" فى القرآن إحدى عشرة مرة، وإذا استثنينا آيَتَىْ "آل عمران" و"المائدة" اللتين يحاول الأستاذ أسد تأويلهما بِلَىّ الرقبة، فلن نجد لهذه الكلمة فى الآيات التسع الأخرى من معنى إلا ذلك الذى نعرفه للطين، فلماذا تشذ هاتان الآيتان بالذات عن سائر الشواهد القرآنية الأخرى؟ وثالثا فإن عيسى عليه السلام كان إذا ضرب مثلا حكاه بلفظ الماضى، ثم يُفْهِم سامعيه أن كلامه معهم هو على سبيل المثل ولا يترك الأمر عائما، أما فى آيتنا هذه فإنه لا يحكى مثلا بل يعدهم أنه سيفعل كذا وكذا مستخدما عبارات واضحة محددة لا تحتمل لبسا مثل " أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير"، "أنفخ فيه"، "يكون طيرا بإذن الله". ورابعا فقد كان الكلام موجها إلى بنى إسرائيل، الذين كفروا به بنص الآيات نفسها. أى أن كلامه عن تحويل حياتهم من طينٍ حقيرٍ إلى مصيرٍٍ راقٍٍ يحلق فى السماء لم يتحقق منه شىء البتة، فهل يمكن أن يكون هذا هو مصير الآية التى جاءهم بها من ربهم؟ إن هذا لهو العبث بعينه! تعالى الله عن ذلك! إن اللغة بهذه الطريقة تفقد خاصتها، وهى الإبانة والتوضيح، وتتحول وظيفتها إلى التعمية والتضليل! وياليت محمد أسد قد اكتفى بما قاله فى الهامش، بل انعكس ذلك على ترجمته للآية فأصبحت هكذا: " I shall create for you out of clay, as it were, the shape of [your] destiny, and then breathe into it, so that it might become [your] destiny by God’s leave "، ومعناها:"أنى أخلق لكم من الطين كهيئة مصير (كم) فأنفخ فيه لعله يصبح مصير (كم) بإذن الله". وحسبنا الله، ونعم الوكيل!
وعلى ذات النهج يمضى أسد مفسرا معجزة إحياء الموتى التى عضّد الله بها أيضا عيسى عليه السلام بأن من المحتمل أن يكون المقصود بها بث حياة جديدة فى الميتين روحيا. ثم يضيف أنه إذا صح هذا التفسير، وهو صحيح عنده، فحينئذ يكون لإبراء الأكمه والأبرص نفس المعنى، ألا وهو بث الحياة الباطنية من جديد فى مرضى الروح الذين لا يستطيعون إبصار الحقيقة. ونقول فى الرد على هذا ما قلناه فى معجزة خلق الطير من الطين، فضلا عن التساؤل عن الحكمة فى ذكر البَرَص والكَمَه بالذات دون سائر الأمراض، و"البَرَص" ليس من الألفاظ التى تستخدم مجازيا فى التعبير عن مرض الروح، ومثله فى ذلك "الكَمَه"، الذى لا ينبغى الخلط بينه وبين "العمى"، فهذا قد يستعار للعجز عن الوصول إلى الحق أو عن فهمه، أما "الكَمَه" فهو العمى الخِلْقِىّ الذى يولد الإنسان به لا الذى يطرأ عليه بعد ولادته.
هذا ما قاله محمد أسد فى المعجزات التى وقعت لغير موسى من الأنبياء، أما معجزات موسى فيبدو لى، وأرجو ألا أكون مخطئا، أن أسد ينظر إليها نظرة مختلفة بعض الشىء. ذلك أنه يستخدم لها لفظ "المعجزة"، ثم يضيف إليها مع ذلك معنى صوفيا أو رمزيا. وإلى القارئ ما قاله عن معجزة العصا التى ألقاها عليه السلام، فإذا هى ثعبان مُبِين يبتلع حبال السحرة جميعا. قال: "إن التحول الإعجازى لعصا موسى إلى ثعبان له، فيما أعتقد، مغزى صوفى، إذ يبدو أنه إشارة إلى الفارق الجوهرى بين المظهر الخارجى والحقيقة، ومن ثَمَّ فهو إشارة إلى البصيرة الروحية التى يدرك الإنسان بها هذا التميز الذى يختص الله به عباده المصطفَيْن". فهأنتذا، أيها القارئ، ترى أنه قد أثبت أولا إعجازية العصا قبل أن يفسرها تفسيرا صوفيا كما قال. وفوق ذلك فقد جعل الترجمة هنا موافقة للأصل العربى، ولم يحور فيها كما فعل مع آية "آل عمران" التى تتحدث عن معجزة خلق الطير على يد عيسى عليه السلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
وعلى نفس المنوال فى إثبات إعجازية العصا يمضى أسد فيسمى انفلاق البحر لبنى إسرائيل أيضا "معجزة". وإلى القارئ الكريم كذلك نَصّ ما قاله فى هذا الصدد: "يبدو، من خلال بعض الإشارات المختلفة فى الكتاب المقدس، أن معجزة عبور البحر الأحمر قد وقعت فى الطرف الشمالى الغربى لما نعرفه حاليا باسم "خليج السويس" ... "، ثم يستمر فى الكلام قائلا إن "ذلك الموضع لم يكن فى ذلك الزمان البعيد بالعمق الذى هو عليه اليوم، وربما كان يشبه من بعض الجوانب ذلك الجزء الضَّحْل من بحر الشمال الذى يقع بين الجزيرة البريطانية والجُزُر الفرنسية بجَزْرها الشامل الذى يترك أعماقها الرملية عارية ويجعلها صالحة للعبور مؤقتا والذى يعقبه مد عنيف مفاجئ يغمرها تماما". صحيح أنه يريد هنا، فيما يبدو، تعليل هذه المعجزة تعليلا علميا، لكن الشاهد الذى أود ألا يغيب عن عين القارئ هو إقراره بأن عبور بنى إسرائيل البحر كان حادثة إعجازية. وأترك للقارئ مهمة تفسير هذا الاختلاف بين نظرة كاتبنا إلى معجزات موسى ومعجزات غيره من الأنبياء والرسل، حتى لو كان هذا الخلاف ينحصر فى مجرد الإبقاء على لفظة "معجزة" أو "إعجازى" فى حالة موسى ونبذها فى حالة إخوانه الكرام، عليهم جميعا السلام.
هذا، ولا بد من المسارعة إلى القول بأن انفلاق البحر فى حالة موسى لم يكن مسألة جَزْر، وإلا لأخذ وقتا كما يحدث مع ظاهرة الجزر، بل الذى حدث أن موسى، بوحى من الله، ضرب الأرض بعصاه فإذا بالبحر ينفلق فى الحال فلْقين، كل فلق كالجبل الشامخ، علاوة على أن عملية الجزر لا يترتب عليها أن يتكوم الماء على الجانبين بهذا العلوّ المهول. كذلك فالجزر يشمل المنطقة كلها ولا يقتصر على طريق محدود تعبره جماعة من الناس ما إن تتجاوزه حتى تعود المياه إلى وضعها الأول وتغرق الجماعة الأخرى التى تأتى على أعقابها. ولو كان ذلك الموضع ضحلا كما يقول الأستاذ أسد لما غرق فيه فرعون ومَلَؤه وجنوده أجمعون.
وبعد، فإنى لا أستطيع أن أوافق محمد أسد على ذلك المنهج الذى سلكه واتفق فيه مع جماعة القاديانيين التى ظهرت فى الهند فى القرن التاسع عشر، وكان لبعض رجالها صولة فى باكستان إبان نشأتها فى منتصف القرن الماضى، وهو الوقت الذى كان فيه أسد هناك يعمل فى وزارة الخارجية، وبالذات فى الوفد الباكستانى إلى الأمم المتحدة قريبا من ظفر الله خان (القاديانى)، الذى كان وزيرا للخارجية الباكستانية ورئيس وفد الباكستان إلى الأمم المتحدة فى تلك السنين. وسبب مخالفتى لأسد أن القرآن قد أثبت المعجزات لعددمن الرسل والأنبياء بعبارات لا تحتمل تأويلا إلا إذا حطمنا قواعد اللغة والمنطق، فضلا عن أن الآية 59 من سورة "الإسراء" تقول بصريح العبارة ردا على مطالبة مشركى قريش لمحمد عليه السلام بأن يأتيهم بمعجزة كى يصدقوه ويؤمنوا به: "وما مَنَعَنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذَّب بها الأولون"، وهو ما يدل على أنه كانت هناك معجزات يُظْهِرها الله للكفار ثم توقفت بعد مجىء محمد. والآن ما معنى هذا؟ إننا لو جارينا الأستاذ أسد لترتب على ذلك أن القرآن قد اتبع فى الرد على الكفار منهجا عبثيا: فهو قد أثبت المعجزات للرسل السابقين رغم أنه لم تكن هناك معجزات ولا يحزنون، مُطْمِعًا بذلك المشركين فى التعنت على الرسول والإلحاح فى مطالبته أن يأتيهم هو أيضا بمعجزات مثل الأنبياء السابقين عليه الذين أقر هو نفسه أن الله كان يعضدهم بها، ومُوقِعًا نفسه بهذه الطريقة فى مأزق غريب لا يجد مخرجا منه إلا بالقول بأن عصر المعجزات قد ولى. ولقد كان فى غنى عن هذا كله لو قال منذ البداية إنه لم تكن هناك معجزات فى أى وقت، وإنه لم يحدث أنْ أتى أى رسول أو نبى بشىء منها، أو لو أنه على الأقل قد سكت فلم يتعرض لهذه النقطة، حتى إذا طالب المشركون الرسول بمعجزة كان جوابه عليهم: "ومن قال لكم إنه كانت هناك معجزات حتى تطالبوه بمثلها؟ ". أيُعْقَل أن يضع الله سبحانه رسوله فى هذه الزواية الضيقة الحرجة دون أدنى داع؟ وحتى لو قلنا إن الرسول هو مؤلف القرآن (أستغفر الله!) فإنه لم يكن ليوقع نفسه فى هذه الورطة التى لا يُحْسَد أحد عليها، وهو العبقرى الراجح العقل البعيد النظر. ثم كيف يتفق القرآن الكريم مع ما جاء فى العهدين القديم والجديد عن معجزات موسى وعيسى بالذات رغم تأكيده أنهما قد
(يُتْبَعُ)
(/)
تعرضا للعبث والتحريف؟
ولقد وقف الأستاذ أسد مَلِيًّا عند آية "الإسراء" السابقة، لكنه كعادته حاول أن يلوى رقبتها إلى غير جهتها، فوصفها أولا بأنها مشحونة بالمعانى والرموز، تريد أن تقول شيئا آخر غير الذى يُفْهَم من ظاهرها ( highly elleptic)، ثم أضاف أن القرآن فى عدة مواضع منه يلح على أن الرسول محمدا، رغم كونه آخر المرسلين وأعظمهم، لم يُؤْتَ القدرة على صنع المعجزات، التى يقال إن الأنبياء السابقين كانوا يثبتون بها نبوتهم. وهو ما قد يُفْهَم منه أنه لا يصدِّق بوقوع المعجزات، فإنه لا يقول عنها: "المعجزات التى كان الأنبياء السابقون يثبتون بها نبوتهم" بل "التى يقال إنهم كانوا يثبتون بها نبوتهم"، أى أنها مجرد أقاويل. لكنه، رغم ذلك، يعود فيقول إن القرآن رسالة لكل العصور والأجناس والبيئات الاجتماعية إلى آخر الزمان، على عكس رسالات الأنبياء السابقين الذين كانت أممهم عديمة النضج العقلى، ومن ثَمَّ بحاجة إلى الأعاجيب أو المعجزات الرمزية لكى تساعدها على إبصار الحقيقة الباطنة فى رسالاتهم، أما القرآن فجاء بعد أن نضج الجنس البشرى ولم تعد هناك حاجة لتعضيده بالخوارق أو الوقائع الإعجازية ... إلخ [19]. ومن الواضح أن أسد مازال يسلك طريقا روّاغة، فما إن يعطينا باليمين شيئا حتى يسترده بالشِّمال. إنه يذكر "المعجزات"، لكنه سرعان ما يصفها بأنها "معجزات رمزية".
والحق أنى لست بقادر على أن أجد مسوغا لموقفه من المعجزات إلا ما ذكرتُه من قبل من أنها تخرق النواميس الكونية، لكن هل هذا مسوغ كاف لإنكار المعجزات بعد كل تلك الآيات القرآنية التى أوردتُها والتى حاول أسد عبثا أن يَقسِرها على النظر إلى غير جهتها؟ إن الذى خلق هذه النواميس هو الله سبحانه، وليس فيها ولا فى غيرها من أشياء الكون ما يجبره سبحانه على أن يبقيها كما هى فلا يغيرها حين يشاء. ذلك أن الله مطلق القدرة والإرادة، والكون كله خاضع لإرادته المطلقة الشاملة. صحيح أنه أجرى الكون على نظام معين، لكن من قال إن ذلك النظام غير قابل للخرق فى بعض الحالات أو إن الكون سيضطرب إذا انخرق؟
إن الإمام الغزالى مثلا وبعض الفلاسفة الأوربيين المحدثين مثل ديكارت وهيوم ورَسِل يؤكدون أن ما نسميه بـ"قانون السببية" هو أمر لا وجود له، إذ المسألة عندهم لا تخرج عن مجرد تتابع حادثتين، فنظن نحن، لكثرة ما نشاهد هذا التتابع، أن الحادثة الأولى هى السبب فى وقوع الحادثة الثانية كالنار والإحراق، والأكل والشبع ... إلخ. يريدون أن يقولوا إنه ليس فى النار حتمية الإحراق، ولا فى الطعام حتمية الإشباع. [20] والإمام الغزالى، وهو أول من قرر هذه الفكرة، يرى أن الله تعالى هو الفعال الحقيقى للإحراق والإشباع وغيرهما، أما النار والطعام فلا يزيدان عن أن يكونا شيئين يقع معهما ذلك دون أن يكونا هما السبب فيه. وهو ما يعنى أن الله لو أراد أن تكون نار ولا إحراق، أو إحراق ولا نار، لكان ما أراد. وهذا، فى الواقع، هو الرأى الذى ينسجم مع الإيمان بالله وقدرته ومشيئته اللتين لا يعجزهما شىء فى الأرض ولا فى السماء. ولا يقولن أحد إن هذا معناه أن الكون، بهذه الطريقة، ستسوده الفوضى بحيث لا تستطيع البشرية أن تتعامل معه. ذلك أن هذا الخرق للنواميس لا يقع إلا بين الحين والحين البعيد وفى أضيق نطاق، وعلى نحو عارض تعود الأمور بعدها إلى ما كانت عليه. على ألا يغيب عن بالنا فى ذات الوقت أن إرادة الله هى صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فى ذلك. حتى إذا رأت تلك الإرادة فى نهاية المطاف أن هذا النظام الذى يجرى عليه الكون الآن لا بد من هدمه واستبدال نظام آخر به عند مجىء يوم القيامه كان لها ما رأت، ووَقَفَ العمل بهذا النظام، وبدأ نظام آخر يقوم على قوانين أخرى غير التى نعرف فى دنيانا هذه، قوانين ليس فيها مثلا، بالنسبة لأهل الجنة، مكان للموت ولا للمرض أو الملل أو الخوف أو العفن أو النتن أو الحاجة إلى الإخراج ... إلخ، وهو ما أشارت إليه الآيات القرآنية وفصّلته أحايث النبى عليه الصلاة والسلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن الأستاذ أسد يصنِّف النصوص القرآنية التى تتحدث عن معجزات الأنبياء ضمن الآيات المسماة بـ "المتشابهات" (حسبما ورد فى الآية السابعة من سورة "آل عمران") وهى الآيات التى تحتاج إلى تأويل [21]. وقد نسى أن القرآن قد قال فى تلك الآية ذاتها: "فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله". وإنى لأتساءل: هل تلك الآيات هى فعلا من متشابهات القرآن؟ فأين الدليل إذن؟ وإذا كانت، فهل تنبه أسد إلى مغزى ما قالته آية "آل عمران"؟ ألا يرى أنها تدين صنيعه إذ يحاول تأويلها؟ إننى أفهم أن تكون آيات الصفات مثلا من المتشابهات، فإنها تتحدث عن جانب من عالم الغيب الذى لا نستطيع الخوض فى مياهه، أما الآيات الخاصة بالمعجزات فتروى حوادث تاريخية لا غيب فيها بهذا المعنى ولا متشابهات.
ولقد أورد علماء القرآن فى تفسير المتشابه من القرآن آراء متعددة ليس من بينها المعجزات، فقالوا: المتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطَّعة فى أوائل السور، أو هو ما لم يتضح معناه، أو ما احتمل من التأويل أوجها متعددة، أو لم يستطع الإنسان أن يصل إلى وجه الحكمة فيه كعدد الصلوات مثلا واختصاص الصوم برمضان، أو ما لا يمكن فهمه إلا بردّه إلى غيره من المُحْكَم المفهوم، أو هو القصص والأمثال، أو هو المنسوخ ... وهكذا [22]. فإذا قال القرآن المجيد إن هذا النبى أو ذاك قد جاء بالآية الفلانية، فما الذى فى هذا الخبر مما يمكن أن يكون متشابها لابد من تأويله لأنه لم ينزل ليُفْهَم على ظاهره؟ كما قلت فإن الحجة الوحيدة التى يمكن أن يتحجج بها من يبتغون تأويل تلك الآيات هى خرق المعجزة لنواميس الكون، وهذه مسألة قد فرغنا منها وبينّا أنها ليست بالحجة بأية حال. ثم إننا قد رأينا أيضا التعسف الذى يعالج به الأستاذ أسد الآيات المذكورة كى يُكْرِهها على النطق بما يريده هو لا بما تدل عليه هى. وقد احتكمتُ فى ذلك إلى الأسلوب القرآنى ذاته فتبيَّن لنا، كما رأى القارئ بنفسه، أن ما يقوله المفكر النمساوى لا يتسق مع ذلك الأسلوب، فضلا عن تعارضه مع آيات أخرى تؤكد مبدأ المعجزات النبوية، ودعنا من مناقضة الفكرة التى يستميت فى الدفاع عنها للمنطق السليم.
ورغم ذلك كله فإنه، فى ترجمته لـ "صحيح البخارى" قبل ذلك ببضع عشرات من السنين، قد ترجم كلمة "آية" بـ " a miracle"، وذلك فى حديث انشقاق القمر، بل إنه لم يحاول البتة تأويل هذه المعجزة بما يخرجها عن إعجازيتها كما فعل فى تفسيره لآيات القرآن الكريم [23]، لكنه فى ذات الوقت، عند تناوله لحادثتى الإسراء والمعراج كما وردتا فى "صحيح البخارى"، قد استمات فى إثبات أنهما حادثتان روحيتان لا جسديتان، وإن أكد مع ذلك أنهما حقيقتان موضوعيتان وقعتا فعلا فى العالم الخارجى ولم تكونا وهما من الأوهام أو حلما من الأحلام [24]. وأنا، فى حقيقة الأمر، لا أدرى كيف يكون ذلك!
-- الحواشي--
[18] النمل/ 19.
[19] ص 427 - 428، هـ 71.
[20] انظر "تهافت الفلاسفة" للإمام الغزالى/ تحقيق د. سليمان دنيا/ ط 6/ دار المعارف/239 - 140، وكذلك ص 44 - 45 من مقدمة المحقق، و"قصة الفلسفة الحديثة" لزكى نجيب محمود وأحمد أمين/ ط 6/ مكتبة النهضة المصرية/ 1403هـ-1983م/ 156 - 158، و"أثر العرب فى الحضارة الأوربية" للعقاد / ط 8/ دار المعارف/ 100 - 101، و"موسوعة الفلسفة" للدكتور عبد الرحمن بدوى/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ 1984م/ 2/ 615 - 616.
[21] انظر ص 989 وما بعدها تحت عنوان " Symbolism and Allegory in the Qur’an"
[22] انظر "الإتقان فى علوم القرآن" للسيوطى/ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم/ ط 3/ مكتبة دار التراث/ 1404هـ- 1984م/ 3/ 3 - 5.
[23] انظر المتن والهامش فى Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam, PP. 172- 173.
[24] المرجع السابق/ ص 184 وما بعدها/ هـ 4.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 03:03 م]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
فى الفصل الذى عنوانه " Dajjal: الدجال" من كتابه المشهور " The Road to Mecca" يحكى لنا محمد أسد تأويله، فى بدايات تحوله إلى الإسلام وفى حضور ابن بليهد العالم السعودى المعروف فى عهد الملك عبد العزيز آل سعود، لنبوءة المسيخ الدجال على أساس أن المقصود هو التحذير من الحضارة الغربية: فهى حضارة عوراء تهتم بالجسد فحَسْب ولا تلقى بالا إلى الروح أو الإيمان بالله (مثلما أن الدجال أعور)، وهى قد بلغت من التقدم العلمى والسيطرة على الطبيعة وتوفير مستوًى عالٍ من الرفاهية بحيث فُتِن بها كثير من الناس وعظّموها لدرجة التأليه (وهو ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه سيكون للدجال فى ظاهر الأمر مثل هذه القدرة التى تغريه بدعوة الناس إلى عبادته فيستجيب له ضعفاء الإيمان). ويروى أسد أيضا أن الشيخ ابن بليهد قد أعجب بهذا التأويل، بل تحمس له رغم أنه، كما قال، لم يخطر له من قبل على بال [25].
وفى ترجمته لـ"صحيح البخارى"، التى ظهرت لأول مرة فى كتابٍ سنة 1938م يؤوّل أسد قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن سلام إن أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، بأنه وصف رمزى للجوائح الاجتماعية التى سوف تأتى على قواعد الثقافات المشرقية وتدفع المشارقة دفعا إلى التقليد الأعمى للغرب على أساس أن النار ستلتهم ما تبقَّى من حيوية الثقافة الخاصة بشعوب المشرق، ومن ثم لا يعود هناك اتصال بين ماضيهم وحاضرهم [26]. وهو تأويل فى النفس منه أشياء: فابن سلام قد سأل النبى سؤاله هذا على سبيل الاختبار كى يعرف أهو رسول حقيقى أم لا. ومعنى ذلك أن النبى أجاب ابن سلام وِفَاقَ ما فى نفسه، فهل كان ابن سلام يعرف أن المشرقيين فى عصرنا الحديث سوف يتَخَلَّوْن عن ثقافتهم ويقلدون الغرب تقليدا أعمى؟ ثم إن الصلة لم تنقطع بين حاضر المشرقيين وثقافتهم القديمة، اللهم إلا فى بعض القطاعات الضيقة، بل إن الإسلام قد شرع ينتشر فى الغرب نفسه. كذلك فكلام أسد لا يعنى إلا أنه لا أمل للمسلمين فى الانتصار على الغرب ما دام هذا الوضع هو علامة من علامات الساعة، أى أنه لن يكون هناك وقت لتغييره، وهو ما يدفع إلى اليأس والرضا بالعبودية للغرب. وهذا كله غريب!
والواقع أن التأويل يمثل قَسَمَة بارزة، إن لم تكن أبرز القسمات، فى فكر محمد أسد الإسلامى كما يتبدى فى ترجمته التفسيرية للقرآن الكريم. ونبدأ بتأويله لإبليس والشياطين، ويتضح من الهامش رقم 10 و16 من هوامش ترجمته لسورة "الأعراف" مثلا أن قصة آدم وعصيان إبليس للأمر الإلهى بالسجود له هى عنده قصه رمزية للتطورات الروحية والأخلاقية التى طرأت على حياة الجنس البشرى فوق هذه البسيطة، وليست قصة حقيقية حدثت قبلا لآدم فى الجنة [27]. وإبليس، عنده أيضا، "ملاك ساقط"، وتمرده تمرد رمزى، وهو بإغوائه البشر إنما يمثل مهمة كونية محددة هى حَفْزهم على ممارسة ما وهبهم الله من إرادة أخلاقية حرة، أى القدرة على الفعل والترك فى مجال الأخلاق [28]. كما يفسر الشياطين بأنها تعبيرٌ استعارىّ عن الرغبات البشرية الشريرة المضادة لمصالح البشر الروحية [29]. وبالمثل يؤول "القُرَناء" فى قوله عز وجل: "وقَيَّضْنا لهم قُرَناء فزيَّنوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم" والآيات التى تشبهه بالنزغات الشريرة التى لا تنفك ملازمة للمجرمين [30].
فأما أن إبليس "ملاك ساقط" فهو يخالف ما جاء فى القرآن الكريم من أنه من الجن: "إلا إبليس، كان من الجن ففسق عن أمر ربه" [31]. ومما يؤكد هذا قول إبليس نفسه فى حواره مع رب العزة إنه خير من آدم لأن آدم مخلوق من طين، أما هو فمن نار [32]، ومعروف أن الجِنّة مخلوقون من النار [33]، فكيف يُقْدِم مسلمٌ بعد ذلك على القول بأن إبليس كان ملاكا عصى الله فهبط من عليائه؟ إن هذا أحد التأثيرات الكتابية لأن أهل الكتاب هم الذين يقولون ذلك، أما المسلمون فيقرأون فى القرآن المجيد قوله جل شأنه فى وصف الملائكة: "يخافون ربهم مِنْ فوقهم، ويفعلون ما يؤمرون" [34]، فكيف يقال إن مَلَكًا من الملائكة قد جرؤ على عصيان الله، وقد فطرهم الله جميعا على الطاعة المطلقة بحيث لا يُتَصَوَّر وقوع العصيان منهم مجرد تصور؟
(يُتْبَعُ)
(/)
أما الاحتجاج بأن إبليس قد استُثْنِىَ من الملائكة فى قوله سبحانه: "وإذ قلنا للملائكة: اسجدوا لآدم، فسجدوا إلا إبليس أبَى واستكبر وكان من الكافرين" [35] وغيره من الآيات التى تتناول نفس الموضوع [36]، فليس باحتجاج سليم، إذ الاستثناء لا يعنى بالضرورة أن المستثنى داخل فى المستثنى منه، وإلا فأين يذهب "الاستثناء المنقطع" فى مثل قولنا: "قام الطلاب إلا حمارا" كما تقول بعض كتب النحو للتدليل على أن المستثنى قد يكون من جنسٍٍ أو نوعٍ أو طائفةٍ أو جماعةٍ غير جماعة المستثنى منه؟ ومن شواهده فى القرآن العظيم قوله عز من قائل يخاطب رسوله محمدا عليه السلام: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى* إلا تذكرةً لمن يخشى" [37]، وقوله سبحانه على لسان إبراهيم عن الأصنام التى كان يعبدها قومه: "فإنهم عدوٌّ لى إلا رب العالمين" [38]، "وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه: إننى بَرَاءٌ مما تعبدون* إلا الذى فطرنى، فإنه سيهدين" [39]، وقوله عزت قدرته: "بل الذين كفروا يكذّبون* والله أعلم بما يُوعُون* فبشِّرْهم بعذاب أليم* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون" [40]، وغير ذلك كثير. فتذكرةُ من يخشى ليست داخلة فى الشقاء، والله سبحانه ليس من الأصنام وليست هى منه فى شىء، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا ينتمون إلى الكافرين من قريب أو بعيد، وذلك من الوضوح بمكان مكين.
وعلى أية حال فمن غير المفهوم أن يقول أسد عن إبليس إنه "ملاك ساقط" ما دام يرى أنه هو والشياطين لا يَعْدُون أن يكونوا هم الرغبات البشرية، وأن تمردهم إنما هو مسألة رمزية، أى أن الأمر كله عراك فى غير معترك أو كما تقول الكناية الشهيرة: "زوبعة فى فنجان". ومع ذلك كله فإنى أفضل ألا يمضى الواحد منا فى مثل هذه التأويلات لأنه سيجد نفسه وقد سقط فى شبكة من التناقضات يستحيل عليه أن يخلّص نفسه منها كما شاهدنا قبلا ما حدث لكاتبنا. وإن الاعتقاد فى وجود إبليس والشياطين لأقوى فى وَزْع الإنسان عن عمل الشر من القول بأن الأمر ليس إلا رغبات نفسية تريد الإشباع. ولست مع ذلك أشدد النكير على من يريحهم التأويل رغم كثرة الآيات والأحاديث التى تتحدث عن الشيطان بوصفه كائنا ذا شخصية، إذ حددت المادة التى خُلِق منها، وروت لنا ما جرى فى أول الخليقة بينه وبين المولى سبحانه بوقائعه ومشاهده وحواراته، وحذرت آدم وذريته من وساوسه وأكاذيبه وأحقاده، وتوعدت من يُصِيخ إليه بالخسران المبين وأهوال الجحيم.
ولقد غَبَرَ علىَّ فى شبابى زمن كنت أميل فيه إلى القول بمثل ما قال محمد أسد، لكننى كلما تعمقت فى الأمر وجدت أن من الأسلم الإيمان بوجود الشيطان ووسوسته. ومع هذا فلكلِّ وجهةٌ هو مولِّيها، والعقول ووجهات النظر والأمزجة تختلف من إنسان لإنسان، ولكنى لا أستطيع إلا أن أستعجب ممن يقولون بوجود "اللاوعى" مثلا (الشخصى منه والجمعى) وينكرون وجود الشيطان! أَوَعندهم دليل على وجود مثل هذا اللاوعى؟ إنما هو كلام بعض علماء النفس، وكلامهم مجرد تخمينات وافتراضات، أما الشيطان فمعرفتنا به راجعة إلى ما جاء فى القرآن الكريم وأحاديث الرسول، وأين هذا من ذاك؟ وأيا ما يكن الأمر فإن الإيمان بوجود الشيطان لا يناقض القول بوجود الغرائز البشرية: فالرغبات موجودة، والشيطان ينفخ فيها ويؤججها ويغرى بالارتماء فى نارها. وإن شعور الإنسان فى مثل هذا الموقف بأنه فى صراع مع شىء متميز عنه لمما يؤكد وجود الشيطان.
وبمثل هذه العين ننظر فيما قاله كاتبنا عن أمر الله لملائكته بالسجود لآدم، إذ معناه عنده أن البشر متفوقون عليهم بالتفكير التصورى والقدرة من ثَمَّ على التمييز بين الصواب والخطإ [41]. إننا لا نشاحّ فى شىء من هذا، لكننا لا نجد فيه ما يمنع من الإيمان بوجود الملائكة والشياطين ورضا الأولين بالسجود لآدم، واستكبار إبليس عن ذلك. ترى لماذا لا يسير الأمران جنبا إلى جنب؟ هل فى طبيعتهما ما يمنع من هذا؟ ونفس الشىء نقول فى أجنحة الملائكة المذكورة فى الآية الأولى من سورة "فاطر"، فأسد يراها رمزا يدل على السرعة والقوة التى يتنزل بها الوحى على الأنبياء [42]. إننا لا نرى فيما يقوله أسد هنا عن سرعة الوحى وقوته ما يبعث على الاعتراض عليه، ولكننا أيضا لا نرى فيما جاء به القرآن عن أجنحة الملائكة ما يوجب التأويل. المهم ألا نشبهها بأجنحة
(يُتْبَعُ)
(/)
الطيور، فالطيور جنس من المخلوقات، والملائكة جنس آخر مختلف تماما.
ثم إن هذه النزعة التأويلية المسرفة من كاتبنا لَتُوقِعه أحيانا فيما لا يقبله العقل. لنأخذ مثلا تفسيره لـ "الجِنّة" فى قوله سبحانه عن المشركين: "وجعلوا بينه (أى بين الله) وبين الجِنَّة نسبا" بأنهم "قوى الطبيعة، إذ إن هذه القوانين لا تظهر للعين ولا تدركها الحواس، فهى تنتمى إذن لعالم الخفاء، و"الجِنَّة" هى كل كائن خفى [43]. يقصد أن مادة "ج ن ن" تعنى الخفاء. ووجه المناقضة للمنطق فى هذا التفسير أن القرآن يشير فى الآية المباركة إلى ما كان العرب يعتقدونه، والعرب (كما هو معلوم) لم يكونوا يعرفون شيئا أى شىء عن قوانين الطبيعة التى يفسر بها أسد كلمة "الجنة". أى أنه ينسب إلى العرب ما لا يمكن نسبته إليهم. إنه، بهذه الطريقة، يدعى على التاريخ ما ليس منه، وهذا هو وجه الخطورة. ثم إن الجن فى القرآن جنس محدد بمعالمه فلا يمكن من ثَمَّ أن يفسَّر بـ "القوانين الطبيعية". كذلك فالآية تنسب إلى الجن "العِلْم"، ولا يمكن أن توصف القوانين الطبيعية بالعلم، إذ ماذا تعلم؟ أو كيف تعلم؟ كما أن الآية تقول عن "الجِنَّة" إنهم لَمُحْضَرون للحساب يوم القيامة، فهل يمكن القول عن قوانين الطبيعة إنها ستُحْضَر يوم القيامة؟ فهذا وغيره هو الذى جعلنى أرجع عما كنت أعتقده فى شبابى الأول من أن الملائكة هى عوامل البناء فى الكون، أما الشياطين فهى عوامل الهدم والتفتيت، بالمعنى الواسع لكلمتى "البناء والهدم" [44]. ويزداد تناقض ما يقوله أسد مع منطق العقل بروزا عندما نراه يقيس ما كانت العرب فى الجاهلية تعتقده من وجود نسب بين الله سبحانه والجن على مفهوم: " l' élan vital: الدفعة الحيوية" فى فكر برجسون الفيلسوف الفرنسى، هذا المفهوم الذى يقوم على إضفاء صفات الألوهية على عناصر الطبيعة [45]، إذ أين اعتقاد العرب فى الجن من الدفعة الحيوية البرجسونية؟
وعلى نفس الوتيرة من الإسراف فى التأويل ومناقضته لمنطق العقل يسير محمد أسد فى تفسير "التسعة عشر" ملَكًا الذين جعلهم الله على "سَقَر" فى الدار الآخرة حسبما جاء فى الآيات 26 - 31 من سورة "المدَّثِّر": "سأُصْلِيه سَقَر* وما أدراك ما سقر؟ * لا تُبْقِى ولا تَذَر* لوّاحةٌ للبشر* عليها تسعةَ عشَر* وما جَعَلْنا أصحابَ النار إلا ملائكة، وما جعلنا عِدّتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا، ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين فى قلوبهم مرض والكافرون: ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ كذلك يُضِلّ الله من يشاء ويهدى من يشاء، وما يعلم جنودَ ربك إلا هو، وما هى إلا ذِكْرَى للبشر"، فماذا يقول محمد أسد هنا؟ إن "التسعة عشر" عنده هى قوى الإدراك وحواسه والوظائف العضوية للجسم البشرى، ومن ثم جاءت ترجمته لها على النحو التالى: "عليها تسعة عشر قوة"، ثم علق قائلا إن هذه القوى "التسعة عشر" قوًى ملائكية لأن الإنسان يميز بها بين الخير والشر [46].
ويؤسفنى أن يجنح كاتبنا إلى هذه المغالطات الواهية ويُقْدِم على العبث بنص القرآن الكريم على ذلك النحو مضيفا كلمة "قوة" لتمييز العدد "تسعة عشر" رغم خلو النص القرآنى منها، ورغم أن الآية التالية تقول إن هؤلاء التسعة عشر هم تسعة عشر مَلَكًا يُسَمَّوْن: "أصحاب النار"، ورغم أن الموضع الذى اجْتُلِبَتْ له كلمة "قوة" وزُِرِعَتْ فيه زرعا يرفضها رفضا قاطعا لأنها كلمة مؤنثة، ومن ثَمَّ تصلح أن تكون تمييزا لصيغة "تسع عشرة"، أما "تسعة عشر" فكلا ثم كلا ثم كلا. ومن تمحُّله هنا أيضا أنه، كى تتسق الآية المذكور فيها "أصحاب النار" مع الآية السابقة عليها، يقول إن هذه القوة قوة ملائكية، وهو تلاعب بالألفاظ خطر! ثم كيف تكون قوة الإدراك وحواسه والوظائف العضوية للجسم البشرى قائمة على سَقَر؟ وكيف تكون قوةً ملائكية، وهى كثيرا ما تُغْرِى بالشهوات وتسوق الإنسان إليها وإلى مغامستها سَوْقًا؟ لقد تحدث القرآن الكريم عن هؤلاء التسعة عشر فى عدة مواضع فسمّاهم فى سورتى "غافر" و"المُلْك": "خَزَنة جهنم" [47]، كما وصفهم فى سورة "التحريم" بأنهم "ملائكةٌ غِلاظٌ شِداد" [48]، وها هو ذا يدعوهم هنا: "أصحاب النار". ثم كيف تسمَّى هذه القُوَى: "أصحاب كذا"؟ فضلا عن أن "أصحاب" مفردها "صاحب"
(يُتْبَعُ)
(/)
(مذكَّر)، ومن ثَمَّ لا يصلح استعمالها لـ"القوة" لأنها مؤنثة، ولو كانت هى المقصودة لاستعمل القرآن لها كلمة "صواحب"، التى مفردها "صاحبة".
الحق أنى أخشى أن تكون هذه التأويلات المسرفة المتعسفة واشيةً بوجود شبهة إنكار، ولو مبطنا، لبعض من جوانب عالم الغيب، وإلا فما معنى أن يَضْرِب الإنسان صَفْحًا عن كل ما يمتّ إلى ما يسمَّى فى القرآن بـ"عالم الغيب" مؤوِّلا إياه كل مرة بشىء من عالم الحس أو مما يتعلق بعالم الحس؟ لطالما نعى محمد أسد على الحضارة الغربية وأبنائها أنهم لا يؤمنون إلا بما يقع عليه الحس، فما السر فى موقفه ذاك إذن؟ وما دام الشىء بالشىء يُذْكَر فينبغى ألا يفوتنى الإيماء هنا إلى أن ملك غلام فريد (القاديانى) قد أوَّل "التسعة عشر" فى الآية الكريمة تأويلا مشابها، إذ قال إنها الحواس التسع [49] ومقابلاتها الروحية (وهى تسعة أيضا) بالإضافة إلى الشعور بالألم والحرارة [50]. وقد ذكر أسد أن الرازى قد أول "التسعة عشر" هذا التأويل من قبل.
وإذا كان مترجمنا قد أول "الجِنّة" بـ "قوانين الطبيعة"، فها هو ذا فى موضع آخر يؤول الجن (والجنّ والجِنّة شىء واحد كما نعرف) بأنهم "ناسٌ غرباءُ مسافرون لم يُرَوْا من قبل"، وذلك فى قوله تعالى يخاطب الرسول عليه السلام: "وإذ صَرَفْنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن، فلما حضروه قالوا: أَنْصِتوا. فلما قُضِىَ وَلَّوْا إلى قولهم منذِرين* قالوا: يا قومنا، إنا سمعنا كتابا أُنْزِل من بعد موسى يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم* يا قومنا، أجيبوا داعىَ الله وآمِنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويُجِرْكم من عذاب أليم* ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز فى الأرض وليس له من دونه أولياء. أولئك فى ضلال مبين" [51]، "قل: أُوحِىَ إلىَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا* يهدى إلى الرُّشْد فآمنّا به، ولن نشرك بربنا أحدا* ... إلى آخر الآيات" [52]. وهؤلاء الناس الغرباء كانوا، كما يقول، من اليهود، إذ لم يذكروا إلا رسالة موسى مما يدل على أنهم لم يكونوا يؤمنون بعيسى عليه السلام. كما يترجم "نفرا من الجن" فى آيات "الأحقاف" بـ "جماعة من الكائنات الخفية" [53].
وتعليقى على هذا أنه ليس هناك من سبب يجعلنا نصرف لفظ "الجن" عن دلالته المعروفة إلى معنى "الغرباء من البشر"، وإلا فأين الدليل على ذلك؟ صحيح أن القرآن قد استخدم كلمة "شياطين" للبشر، لكنه حين فعل ذلك قال: "شياطين الإنس"، أما هنا فقد استعمل كلمة "الجن" مطلقة دون إضافتها إلى "الإنس" أو "البشر" أو ما إلى ذلك. وعلاوة على هذا فإن القرآن يسمى الغرباء المسافرين: "أبناء السبيل" أو الذين "على سفر"، ولا يسميهم "الجن" أبدا. ثم إننا، على مذهب محمد أسد، ينبغى أن نسمى كل مسافر أو غريب لم نره من قبل: "جِنًّا"! أَوَلَيْسَ هذا كلاما مضحكا؟ وبالإضافة إلى ذلك فإن سورة "الجن" تذكر "الجن" فى مقابل "الإنس" كما تفعل آيات كثيرة فى القرآن الكريم، ولم يقل أحد إن "الجن" فى غير هذه السورة وسورة "الأحقاف" هم الأغراب الذين لم يسبق لنا أن رأيناهم، فلماذا تشذّ هاتان السورتان؟ وماذا نفعل بقوله عز شأنه فى سورة "الجن" على لسان الطائفة التى تنتمى إلى هذا الجنس: "وأنا لمسنا السماء فوجدناها مُلِئَتْ حَرَسًا شديدا وشُهُبا* وأنا كنا نقعد منها مقاعدَ للسمع، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصَدا"؟ أنقول إن هؤلاء الأغراب كانوا يقعدون من السماء مقاعد للسمع، أما الآن فقد تغير الحال ولم يعد يمكنهم أن يفعلوا ذلك؟ ولكن كيف يا ترى يتسنى للبشر أن يصنعوا هذا؟ أم ترى لابد من التأويل هنا كى نغطى ظهر التأويل السابق؟ إننا، بهذه الطريقة، نضيع معالم الآيات وملامحها، ويلتبس كل شىء فيها بكل شىء!
(يُتْبَعُ)
(/)
ولقد تكرر ذكر الجن والشياطين الذين كانوا يسترقُون السمع لأخبار السماء قبل الإسلام والذين باتوا يُرْمَوْن بعده بالشهب المحرقة [54]، لكن أسد يفسر "رُجُوم الشياطين" الواردة فى سورة "المُلْك" بأنها ما يَرْجَُم به شياطين الإنس، وهم المنجمون. يقصد تخميناتهم وظنونهم، ولا أدرى كيف يكون ذلك! لقد بينّا أن القرآن حين يقصد أشرار الإنس فإنه يقول بصريح العبارة: "شياطين الإنس"، أما حين يستعمل كلمة "الشياطين" مطلقة فليس إلا الشياطين المخلوقون من نار. وأىّ قول بغير هذا هو عبث وتدليس فى مواضع لا تقبل شيئا من عبث أو تدليس.
ثم إن القرآن يفسر بعضه بعضا، و"رجوم الشياطين" هى الشهب الراصدة التى يُقْذَف بها من يريدون أن يَسَّمَّعوا من الشياطين إلى الملإ الأعلى. وقد جاء فى الآية 17 من سورة "الحِجْر" أن الله قد حفظ السماء "من كل شيطان رجيم"، فالرَّجْم هنا هو الرجم هناك، أى القذف بالشهب الراصدة والطرد من رحمة الله لا رجم الظنون والتكهنات. وهذا واضح لكل ذى عينين! وهو نفسه ما تقوله آيتا سورة "الجن" المذكورتان آنفا، فلم اللف والدوران؟ كذلك لو كان الجن هنا مجرد جماعة من الغرباء، فما الذى أمسكهم فلم يجعلهم يبرزون من مكامنهم التى تصادف أن استمعوا فيها للرسول عليه السلام وهو يقرأ القرآن فى وادى نخلة؟ إن الآيات واضحة الدلالة على فرحتهم به وبالقرآن الذى سمعوه منه ومسارعتهم إلى الإيمان، أفلم يكن الطبيعى منهم أن يحرصوا على التقدم إليه وتعريفه بأنفسهم وإشهاده على إيمانهم برسالته؟ لكن آيات سورتى "الأحقاف" و"الجن" تنص على أن الرسول لم يعلم بوجود هؤلاء القوم وإيمانهم بدعوته إلا من خلال الوحى الإلهى، مما يدل على أنهم من الجن المعروفين الذين لا يظهرون للبشر. وتبقى مسألة كونهم يهودا أو نصارى، وليست آيات سورة "الأحقاف" قاطعة الدلالة على أنهم يهود، ولقد قال محمد أسد ذاته فى تعليق سابق إن عيسى لم يأت بشريعة جديدة. ومن هنا فإن التوراة من الناحية التشريعية شىء واحد لكل من اليهود والنصارى.
والطريف أن محمد أسد، بعد كل هذا، عاد فترجم "الجن" فى قوله سبحانه فى الآية الرابعة من سورة "الجن": "وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا" بـ"القوة الخفية"، وفسرها فى الهامش بأن المقصود بهم " the occult powers"، أى القدرات السحرية الخفية [55]، فأى ارتباك وإرباك هذا؟ أهكذا يُتَناول القرآن الكريم؟ فكيف تقول "القدرات السحرية" على الله الكذب؟ إن هذه القدرات إنما هى مفاهيم مجردة لا أشخاص، فكيف يمكن أن يقع منها قول أو توصَف بالكذب؟
هذا، وأود أن ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن ملك غلام فريد (القاديانى) قد فسر ذلك النفر من الجن بأنهم ناس من اليهود غير العرب، سُمُّوا "جنا" لأنهم كانوا غرباء [56]، تماما كما فعل محمد أسد لَدُنْ تناوله لآيات سورة "الأحقاف"، وإن كان المترجم القاديانى قد ذكر أنهم قابلوا النبى عليه السلام فعلا وأسلموا على يديه [57]، وهو ما لم تقله الآيات القرآنية فى أى موضع، بل من الواضح، حسبما جاء فى مفتتح سورة "الجن"،أنه عليه السلام لم يشعر بهم ولم يعرف بأمرهم إلا من الوحى: "قل: أُوحِىَ إلىَّ أنه استمع نفر من الجن ... ". كذلك أود أن أختتم هذه الملاحظات الخاصة بهؤلاء النفر من الجن بأنهم لو كانوا بشرا لسماهم القرآن بـ"أهل الكتاب" كما يفعل فى الآيات المشابهة. وحتى لو افترضنا أن كلمة "الجن" فى هذا السياق تعنى "الغرباء"، فهل كانوا غرباء فى نظر أنفسهم حتى يُسَمُّوا هم أيضا أنفسهم "جِنًّا" كما فى قوله تعالى: "وأنا ظننّا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا"؟ ثم لو كانوا ناسًا من غير العرب فكيف فهموا لسان القرآن العربى، وهم غرباء لا يعرفون هذا اللسان"؟ أما الجن فلهم وضع آخر، إذ لهم قدرات عجيبة غير متاحة للبشر. ومن التشابهات بين أسد والمترجم القاديانى أيضا تفسير الأخير لـ"الجن" فى السورة المسماة باسمهم بأنهم "العرافون والكهنة" [58]. ترى لو كان هذا التفسير صحيحا فما الذى حجز القرآن عن أن يسميهم بـ"الكهنة"، وقد استخدم كلمة "كاهن" فى أكثر من موضع منه؟
(يُتْبَعُ)
(/)
فهذا عن الجن والملائكة ونظرة محمد أسد إليهم. وعلى أساس من التأويل أيضا نراه يتناول الجَنّة والنار وما فيهما من نعيم وعذاب، فهو يؤكد أن أوصاف الجنة من أكل وشرب ولبس، وكذلك كلّ ما يتعلق باليوم الآخر فى القرآن، إنما هى تعبيرات رمزية لتقريب هذه الأمور، ولا يصح فهمها على ظاهرها بأية حال [59]: فـ"اتكاء أهل الجنة على فُرُشٍٍ بطائنها من إستبرق" كما جاء فى الآية 54 من سورة "الرحمن" معناه عنده الراحة التامة والسلام الشامل لا أكثر ولا أقل [60]، "والرحيق المختوم" المذكور فى الآية 25 من سورة "المطففين" مجرد إشارة رمزية لمشاعر البهجة الأخروية المركزة التى لا تخطر على قلب بشر [61]، و"ضحك الذين آمنوا فى الجَنّة من الكفار" فى نفس السورة هو مجرد معنى مجازى يشير إلى سعادتهم بحظهم الطيب لأن مثل ذلك الضحك مما لا يليق بالمؤمنين [62]، و"أنكال" سورة "المدثر" التى اعدها الله يوم القيامة لأهل الجحيم ليست سوى رمز على بقاء النفس فى العالم الآخر مقيدة بمتعها وشهواتها الجسدية، ومن ثَمَّ لا تستطيع بلوغ عالم الروح والصفاء [63]، و"ضَرِيع" سورة "الغاشية"، وهو فيها طعام أهل النار، إنما هو مشتق من "الضراعة"، وليس إلا تعبيرا مجازيا [64] ... وهكذا.
ومن الواضح أنه ينظر إلى متع الجسد نظرة تقززية وأن الحياة الآخرة لديه إنما هى حياة روحية محضة. وهذه نظرة شائعة بين قطاع من المسلمين، ولا أعرف لماذا، ولا على أى أساس من آيات القرآن أو أحاديث النبى يقولون بذلك، ولا لأى سبب يحتقرون الجسد ويعلون من شأن الروح وحدها. إن كلا من الجسد والروح هو صنعة الله، فلماذا نحتقر ذلك ونفضل هذه عليه؟ ألأن الجسد يمرض ويشيخ ويتغضن ويفرز البصاق والعرق والعماص والبلغم والبول والبراز والقيح والصديد وتتغير رائحته مع مرور الوقت؟ سبحان الله! وهل الروح بمنأى عن العيوب والثلمات؟ ألا يشعر الإنسان بالملل والضيق واليأس والشح والحقد والغرور والضعة والأنانية والشك والسهو والنسيان والغباء واشتهاء المحرمات؟ أليست هذه ألوانا من النقص تعترى الروح البشرية، وغيرها كثير؟ إذن فلم تلك النظرة الدونية للجسد؟ ثم من قال إن أجساد أهل الجنة ستكون كأجسادنا هنا على الأرض؟ إن آيات القرآن وأقوال الرسول واضحة الدلالة على أنها ستكون خالية من كل ما يسبب لنا الألم والضيق والتقزز فى الدنيا، فما المشكلة إذن؟ ثم إن حواسنا الجسدية هى نوافذنا على العالم ووسيلتنا إلى الاتصال به، فلم الزعم بأن ذلك الوضع سيتغير فى الآخرة ويُلْغَى الجسد وتلك النوافذ التى تصلنا بالعالم إذا كان القرآن نفسه وحديث الرسول لا يقولان بهذا بل بعكسه؟ هل هناك ما يدل على أن الكلام عن الجنة والنار هو كلام مجازى؟ فأين هذا الدليل؟ الواقع أنه لا يصار إلى القول بالمجاز إلا إذا كان السياق يوجب هذا أو كان من المستحيل وقوع الأمر على ظاهره أو ترتَّب على الفهم الظاهرى للكلام تناقض لا يمكن إزالته ... إلخ، ولا شىء من ذلك، والحمد لله، فى النصوص القرآنية والحديثية الخاصة بذلك الموضوع.
قد يقال: وكيف سنُبْعَث بأجسادنا هذه، وقد كان لكل واحد فى دنياه أجساد بعدد اللُّحَيْظات التى عاشها؟ فبأى جسد من هؤلاء سنُبْعَث؟ وقد أثير سؤال قريب من هذا فى إحدى محاضرات الفلسفة الإسلامية التى كان يعطيناها د. حسن حنفى فى أواخر الستينات من القرن الماضى بآداب القاهرة، وكانت إثارته على سبيل التحدى من جانب أحد الملحدين. وقال الأستاذ الدكتور إن جسد كل منا يعتريه التحلل بعد موته ويصير ترابا يتغذى عليه النبات الذى يأكله إنسان آخر يستحيل جسده بدوره بعد موته ترابا يأكله النبات ... وهكذا دواليك، فكيف ستنماز أجساد البشر اللامتناهية يوم القيامة، وكلها فى الأصل راجعة إلى عدد محدودد نسبيا من الأجساد؟ لكنْ نَسِىَ أصحاب هذا الاعتراض أن كل شىء حاضر بجميع أوضاعه وتطوراته فى إدراك الله يبرزه لنا وقتما يشاء. لقد استطاع البشر تسجيل الأشياء والأشخاص بالصوت والصورة، أما الله فكل شىء عنده مخزون بكل أبعاده وعناصره وطبائعه وخصائصه لا مسجَّل فقط صوتا وصورة، ذلك أن علمه سبحانه مطلق بلا حدود، وهو جلَّ شأنه فوق الزمان والمكان، وكل شىء حاضر فى علمه حضورا أبديا مهما تناءى به الزمان والمكان. أما بعد الحساب فكل شىء سوف يتغير، وتجرى الأمور على أوضاع
(يُتْبَعُ)
(/)
وقوانين جديدة، فأهل الجنة مثلا سيَغْدُون شبابا خالدين لا يعرفون الهَرَم أبدا كما جاءت بذلك نصوص القرآن والحديث. ثم ينبغى ألا ننسى أن كلا منا ليست له فقط روح واحدة، بل أرواح متتابعة بعدد اللحظات التى مرت به مثلما هو الحال فى الأجساد أيضا، إذ إن التغير لا يعترى الأجساد وحدها، بل الأرواح معها.
والواقع إن فى إنكار بعث الأجساد لَصَدًى من إنكار الكافرين بالبعث بوجه عام، فقد كانوا يستغربون أن يبعث الله البشر بعد أن تكون عظامهم قد بَلِيَتْ واختلط رفاتهم بالتراب، ويقولون مستهزئين: "أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون؟ "، "أإذا ضللنا فى الأرض أإنا لفى خلق جديد؟ "، "مَنْ يُحْيِى العظام وهى رميم؟ ". ولقد كان رد القرآن عليهم: "قل: يُحْيِيها (أى يحيى العظام الرميم) الذى أنشأها أول مرة" [65]، "أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه؟ * بَلَى قادرين على أن نُسَوِّىَ بَنَانه" [66].
وإن آيات مثل "منها (أى من الأرض والتربة) خلقناكم، وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى" [67]، "ونُفِخَ فى الصُّور، فإذا هم من الأجداث إلى ربهم يَنْسِلون" [68]، "وإذا القبور بُعْثِرَتْ* علمتْ نفسٌ ما قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ" [69]، "وقالوا (أى الكافرون): أإذا كنا عظامًا ورُفَاتًا أإنا لمبعوثون خَلْقًا جديدا؟ * قل: كونوا حجارة أو حديدا* أو خَلْقًا مما يَكْبُر فى صدوركم. فسيقولون: من يُعِيدنا؟ قل: الذى فطركم أول مرة" [70]، "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" [71]، "ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاسْتَبََقُوا الصراط، فأنَّى يبصرون؟ " [72]، "وتَرَى كلَّ أمة جاثية. كلُّ أمة تُدْعَى إلى كتابها: اليوم تُجْزَوْن ما كنتم تعملون" [73] لتبرهن على أن البعث سيكون بالأجساد أيضا. وبالمثل فإن آياتٍ مثل "من ورائه جهنم، ويُسْقَى من ماءٍ صديد * يتجرعه ولا يكاد يُسِيغه" [74]، "ولهم (أى للكافرين) مقامعُ من حديد" [75]، "كلما نضجتْ جلودهم بدَّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب" [76]، "إنها (أى شجرة الزقوم) شجرة تخرج فى أصل الجحيم* طَلْعُها كأنه رؤوس الشياطين* فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون* ثم إن لهم عليها لَشَوْبًا من حميم" [77] لَتُثْبِت أن للأجساد فى عذاب النار نصيبا. كذلك فإن آياتٍ مثل: "فيها (أى فى الجنة) ما تشتهيه الأنفسُ وتَلَذُّ الأعينُ" [78]، "هم وأزواجهم فى ظلال، على الأرائك متكئون" [79]، "لهم جنّاتُ عَدْنٍ تجرى من تحتهم الأنهار يُحَلَّوْنَ فيها من أساورَ من ذهب ويلبسون ثيابًا خُضْرًا من سندسٍ وإستبرق"، "على سُرُرٍ موضونة* متكئين عليها متقابلين* يطوف عليهم وِلْدَانٌ مخلَّدون* بأكوابٍ وأباريقَ وكأس من مَعِين* ... * وفاكهةٍ مما يتخيَّرون* ولحمِ طيٍر مما يشتهون* وحور عِين* كأمثال اللؤلؤ المكنون" [80] وغيرها من الآيات المماثلة لتدل على أن حظوظ الجسد ستكون مَرْعِيَّة ومتاحة فى نعيم الآخرة. ويؤكد ذلك أن القرآن الكريم يذكر إلى جانب هذا أيضا "السلام" [81] و"الرضوان الإلهى" [82] و"خلو القلوب من الغل" [83] ... إلخ مما يدل على أنه سيكون هناك هذا وذاك ما دام القرآن قد ميز بين الأمرين، وإلا لَذَكَر هذه المتع الروحية الأخيرة فقط.
إن هذه النزعة المتقززة من لذائذ الجسد هى نزعة غريبة عن الإسلام، وينبغى وضع حد لها [84]. وإنى لأتوجه إلى ضمائر القراء الصادقين سائلا: أيُّكم يجد فى متع الطعام والشراب واللبس واللمس والنظر والشم والجنس ما يبعث فعلاً (لا ادعاءً) على الاشمئزاز؟ فما بالنا إذا صَفَتْ هذه اللذائذ من كل ما يعكرها وأصبحت متاحة لنا دائما دون أن يصحبها شعور بالملل أو الكظّة أو المَغْص، أو يحتاج الإنسان معها إلى جُشَاء أو تبوُّل أو تبرز؟ إن هذا غاية المنى، وهو الذى تَحْفَى أقدام البشر خلف أقل القليل منه هنا على الأرض دون بلوغه! أفإن أتاحه الله لنا ركب بعضَنا شيطانُ العناد السخيف وشَمَخَ بأنفه قائلا: هذه لذاتٌ وضيعة؟ ترى ماذا بالله فى أن يعود الواحد منا شابًّا شبابا دائما فلا يشكو نَصَبًا ولا أَيْنًا ويَلْقَى كل ما كان يشتهيه فى الدنيا بين يديه صافيا نقيا من كل شائبة وعلى أحسن وضع مما لا يمكننا تصوره تماما الآن بعقولنا المحصورة داخل تجارب الدنيا وظروفها؟ ورب الكعبة إن هذا لهو البطر بعينه!
(يُتْبَعُ)
(/)
إننى لا أكفِّر أحدا ممن يؤوّل نعيم الجنة مثلا ولا أفسِّقه ولا أضلِّله، ولكنى رغم ذلك أجد أن الرأى الذى أقول به أَوْجَه وأكثر إقناعا وأقرب إلى المنطق والنصوص. وقد ورد فى "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" لابن رشد أن هذه من المسائل المختلف فيها. ورأى هذا الفيلسوف، رضى الله عنه، أن المخطئ من العلماء فى هذا الموضوع معذور، والمصيب مشكور مأجور، والمهم ألا ينكر أحد البعث، وإلا فالإنكار كُفْر لأن البعث أصل من أصول الشريعة [85]. وكان ابن حزم، رحمه الله رحمة واسعة، من القائلين ببعث الأجساد والنفوس معا [86]، ويسعدنى أن أكون فى صفوف الفريق الذى يضم هذا العالمَ العبقرىَّ الجليل.
ومع ذلك كله فإن أسد فى ترجمته لـ"صحيح البخارى" لم يحاول، فى الأحاديث التى ورد فيها ذكر شىء من نعيم الجنة أو الجن مثلا، تأويل هذا النعيم. لقد أدى مثلا الحديث الذى يقول فيه النبى عليه السلام: "بينما أنا نائم رأيتُنى فى الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر ... إلخ" كما هو دون أدنى تغيير، كما أنه لم يعلق عليه فى الهامش بما يخرجه عن معناه الظاهرى [87]. ومثل ذلك ترجمته لكلمة "الجِنّ" بـ" Jinn" دون أن يستبدل بها شيئا آخر أو يجنح إلى تأويلها فى الهامش بما يخرجها عن معناها المعروف. بل إنه فى الحديث الذى وردت فيه إشارة إلى أن العظم والروث هما من طعام الجن لم يعلق ولو بكلمة واحدة تَصْرِف المعنى عن ظاهره [88]. ليس ذلك فقط، بل نراه فى موضعٍ آخرَ من هذا الكتاب يحمل على الاتجاه العصرى الذى ينكر وجود الجن وما أشبه استنادا إلى عدم إدراك الحواس لمثل هذه الأشياء، ثم يستشهد بكلام للفيلسوف برادلى يقرر فيه أن عجزنا عن إدراك شىء ما لا يصلح متكأً البتةَ لإنكار وجوده [89]. كذلك فهو لا يستبعد أن يكون نداء إبليس للرسول عليه السلام أثناء المعراج نداء حقيقيا جسديا [90].
إلا أنه للأسف يفسِّر العذاب الذى ذكرت بعضُ الأحاديث أن أبا طالب سوف يُعَذَّبه فى الآخرة، وهو غليان دماغه من ضحضاح النار الذى سيبلغ كعبيه، بأنه رمز على أن معاناته ستكون معاناة عقلية بسبب تأكده أن ابن أخيه نبى صادق وأن دينه هو الدين الصحيح، ثم عدم إيمانه به رغم ذلك [91]. ولا شك أن القول بالرمز هنا هو تأويل للعذاب الذى ورد فى الحديث النبوى الكريم، وأغلب الظن كذلك أن أسد ينظر إلى ألوان العقوبات التى شاهدها الرسول صلى الله عليه وسلم فى رحلة المعراج على أنها عقوبات غير جسدية، إذ اتخذها دليلا على أن هذا المعراج وكذلك الإسراء كان بالروح لا بالجسد [92].
-- الحواشي--
[25] Muhammad Asad, The Road to Mecca, PP. 292- 295. وهذا الكلام يجده القارئ فى ص 308 - 311 من الترجمة العربية لهذا الكتاب.
[26] Muhammad Asad, Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam, P. 241, n. 5.
[27] انظر الهامشين المذكورين فى ص 204، 205 من ترجمته للقرآن الكريم.
[28] انظر ص 5/ هـ 10، وص9/ هـ 26، وص 177/ هـ 34، وص 204/ هـ 10، وص 386/ هـ 31.
[29] انظر ص 206/ هـ 20، وص 375 - 376/ هـ 31، 33، وص 384/ هـ 16 مثلا.
[30] انظر ص 733 - 734/ هـ 24 - 25، وص 752/ هـ 31.
[31] الكهف/ 50.
[32] الأعراف/ 7، وص 76.
[33] الحجر/ 27.
[34] النحل/ 50. ومثله قوله تعالى عنهم أيضا: "لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون" (الأنبياء/ 27)، "لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون" (التحريم/ 6).
[35] البقرة/ 26.
[36] انظر ترجمة أسد للقرآن/ ص 9/ هـ 16.
[37] طه/ 2 - 3.
[38] الشعراء/ 77.
[39] الزخرف/ 26 - 27.
[40] الانشقاق/ 22 - 25.
[41] انظر ص 44/ هـ 52.
[42] ص 666/ هـ 1.
[43] انظر ص 692/ هـ 67.
[44] وهذا الاعتقاد هو مرحلة أخرى من المراحل التى كان يتطور خلالها تصورى للملائكة والشياطين.
[45] الموضع السابق
[46] انظر ص 909/ هـ 16.
[47] غافر/ 49، والملك/ 8.
[48] التحريم/ 6.
[49] وهى الحواس السبع الخارجية، إلى جانب حاسة إدراك المكان وحاسة الجوع والعطش وغيرهما من الإحساسات الداخلية، وهو كلام لا رأس له ولا ذيل كما ترى.
[50] Malik Ghulam Farid, The Holy Qur'an, P. 1281, n. 3169.
[51] الأحقاف/ 29 - 32.
[52] الجن/ 1 وما بعدها.
(يُتْبَعُ)
(/)
[53] انظر ص 775 فى ترجمة الآية 29 من سورة "الأحقاف"، وهـ 39 الخاص بالآية المذكورة.
[54] الحجر/ 18، والصافات/ 10، والجن/ 8 - 9، والملك/ 5.
[55] ص 899 فى ترجمة الآية المذكورة، وهـ 3 فى التعليق عليها. والمراد بـ "القدرات السحرية الخفية" التنجيم والسحر وقراءة الطالع وادعاء معرفة الغيب ... إلخ.
[56] Malik Ghulam Farid, The Holy Qur'an, P. 1080, n. 733..
[57] المرجع السابق/ ص 1267/ هـ 3137.
[58] السابق/ ص 1268/ هـ 3142.
[59] انظر مثلا ص 444/ هـ41، وص 686/ هـ 23، وص 972/ هـ 3.
[60] ص827/ هـ 26.
[61] ص 938/ هـ 8.
[62] ص 939/ هـ 14.
[63] انظر ص 904/ هـ 7.
[64] ص 948/ هـ 2.
[65] يس/ 79.
[66] القيامة/ 3 - 4.
[67] طه/ 55.
[68] يس/ 51.
[69] الانفطار/ 4 - 5.
[70] الإسراء/ 49 - 50.
[71] النور/ 24.
[72] يس/ 66.
[73] الجاثية/ 28.
[74] إبراهيم/ 15 - 16.
[75] الحج/ 21.
[76] النساء/ 56.
[77] الصافات/ 64 - 67.
[78] الزخرف/ 71.
[79] يس/ 56.
[80] الواقعة/ 15 - 23.
[81] كما جاء فى الآية 25 من سورة "يونس"، والآية 46 من سورة الحجر، والآية 34 من سورة "ق".
[82] كما جاء فى الآية 15 من سورة "آل عمران"، والآية 72 من سورة "التوبة"، والآية 20 من سورة "الحديد".
[83] كما جاء فى الآية 43 من سورة "الأعراف"، والآية 47 من سورة "الحجر".
[84] يقول أسد نفسه إن النصرانية تنظر إلى عالم المادة على أنه شيطانى فى أساسه، بينما عالم الروح إلهى خير، أما الإسلام فلا يفرق بين مطالب الجسد ومطالب الروح (محمد أسد/ الإسلام على مفترق الطرق/ ترجمة د. عمر فروخ/ دار العلم للملايين/ 28، 30).
[85] انظر ابن رشد/ فَصْل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال/ تحقيق محمد عمارة/ ط 2/ دار المعارف/ 49 - 50.
[86] انظر كتابه "الفِصَل فى الملل والأهوال والنِّحَل"/ 4/ 80 - 81.
[87] ص 40. وانظر كذلك الحديث الذى يتحدث عن بيت القصب الذى سيكون لخديجة، رضى الله عنها، فى الجنة (ص129 - 130).
[88] ص 163 - 164. وهذا الاختلاف هو من الأمور التى تلفت النظر.
[89] ص 163/ هـ 3.
[90] ص 185.
[91] ص 184/ هـ 2.
[92] ص 185.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 03:05 م]ـ
على شاكلة كثير ممن ترجموا القرآن إلى اللغات الأوربية من مسلمين ومستشرقين يُكْثِر محمد أسد من المقارنة بين القرآن المجيد والكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى فى الموضوعات المشتركة بينهما، وأحيانا ما يكتفى بهذه المقارنة لا يتعداها إلى إبداء رأيه فيما يختلف الكتابان فيه، لكنه عادة ما يزيد فينتصر للقرآن. ولقد تكرر عنده الحديث فى مواضع مختلفة عما أصاب الكتاب المقدس من عبث وتحريف طبقا لما قاله القرآن، وكذلك الحديث عن حفظ الله عز شأنه كتابه إلى أبد الآباد من أن تناله يد الإفساد.
ومنذ الصفحات الأولى من الترجمة نراه يتهم اليهود بالعبث بالتوراه وكتمان ما ورد فيها من ذكر نبوة محمد عليه السلام، مؤكدا أن النقد النصوصى للكتاب المقدس قد أثبت صحة التهمة القرآنية لهم بذلك، ومستشهدا على ما يقول بما ورد فى سفر "إرميا" (13/ 26)، ونصه: "أفسدتم كلام الله الحى"، وبما جاء فى مواضع أخرى من العهد القديم من نصوص مختلفة تذكر عنادهم وتمردهم كما فى سفر "الخروج" (32/ 9، و33/ 3، و34/ 9) و"التثنية" (9/ 6 - 8، 23 - 24،27) مثلا [93].
وانطلاقا من هذه النقطة نجده، فى تعليقه على الآية 101 من سورة "البقرة"، ونَصُّها: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدِّقٌ لما معهم نَبَذَ فريقٌ من الذين أوتوا الكتابَ كتابَ الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون"، يقول إن "كتاب الله" المذكور هنا هو التوراة، وإن اليهود، بإهمالهم ما جاء فى سفر "التثنية" (18/ 15، 18) من نبوءاتٍ تبشِّر بمجىء النبى العربى، قد نبذوا فعلا كل ما نزل من وحى على موسى طبقا لكلام الزمخشرى ومحمد عبده [94].
(يُتْبَعُ)
(/)
أما بالنسبة للنصارى وموقفهم من النبوءة الواردة فى الإنجيل عن محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يؤكد أن قوله تعالى على لسان المسيح عليه السلام: " ... ومبشِّرًا برسولٍ يأتى من بعدى اسمه أحمد" [95] يجد مصداقه فى ذِكْر إنجيل يوحنا للفارقليط فى عدة مواضع. ثم يوضح قائلا إن كلمة " Parakletos" المشار إليها هى بالتأكيد تحريف لكلمة " Periklytos"، ومعناها "المحمود كثيرا"، وهو ما يساوى كلمة "محمد/ أحمد"، التى هى الترجمة الدقيقة للكلمة الآرامية " Mawhamana"، إذ كانت الآرامية (كما يقول) هى اللغة السائدة فى فلسطين على عهد عيسى عليه السلام وبعده بقرون، كما أن اسم "محمد" قد ورد بنصه العربى فى إنجيل برنابا، الذى ترفضه الكنيسة الآن بعد أن كانت تقرّه حتى عام 496م عندما حرَّمه البابا جلاسيوس، وإن كان من غير المستطاع فى الظروف الراهنة التأكد من صحته بسبب ضياع النص الأصلى، إذ الموجود فى أيدينا حاليا إنما هو ترجمة إيطالية ترجع إلى أواخر القرن السادس عشر الميلادى [96].
وعلى العكس من ذلك نراه، فيما يخص القرآن الكريم، يؤكد أن قوله تعالى: "إنا نحن نزَّلنا الذكر، وإنا له لحافظون" [97] قد تبين صدقه بما لا يدع مجالا للشك، إذ ثبت أن النص القرآنى وصل إلينا عن النبى محمد خاليا من أى تعديل أو إضافة أو حذف، وأنه ما من كتاب آخر، أيًّا كانت صفته، قد بقى سليما طيلة هاتيك القرون جميعا. أما بالنسبة للقراءات المختلفة لبعض ألفاظ القرآن المجيد فهى لا تعدو أن تكون اختلاقا فى ضبط بعض الحروف لا يمس المعنى عادة [98]. وقد كرر هذا الكلام عند تفسيره لـ"الكتاب المكنون" فى سورة "الواقعة"، ولـ"اللوح المحفوظ" فى سورة "البروج"، إذ قال إنهما إشارة إلى حفظ القرآن الكريم من كل عبث، إضافةً كان أو حذفًا أو مسخًا، لأن الله قد تكفل بحفظه إلى الأبد [99].
أما المواضع التى قارن فيها بين ما جاء فى القرآن ونظيره فى الكتاب المقدس فهى كثيرة، ولكننا نجتزئ ببعضها عن سائرها: فمن ذلك تعقيبه على الآية 135 من سورة "البقرة"، التى تذكر "مقام إبراهيم"، بأن رحلة خليل الرحمن إلى الحجاز ليست بالأمر الذى يصعب أن يقوم به بدوى يستعمل البعير فى تنقلاته. ثم يمضى محاولا إثبات أن رواية العهد القديم التى تقول إن البَرِّيَّة التى ترك فيها أبو الأنبياء زوجته وابنه هى بَرِّيّة "بئر سبع"، ورواية القرآن التى تقول إنه إنما ذهب بهما إلى الحجاز، لا تتناقضان، قائلا إن برِّيَّة "بئر سبع" كانت تعنى عند العبرانيين الذين كانوا يسكنون المدن آنئذ أقصى جنوب فلسطين وما وراءها من الصحراء العربية حتى الحجاز نفسه [100].
وبالنسبة لقوله عز من قائل فى آخر آية القصاص من سورة "المائدة": "فمن تصدَّق به (أى تنازل عن القِصَاص تقرُّبًا إلى الله سبحانه) فهو كفارة له" [101] يقول كاتبنا إن النسخة الحالية للعهد القديم تخلو من هذا الحكم، إذ ليس فيها إلا العين بالعين، والسن بالسن ... إلخ، أما العفو والتسامح فإنها لا تذكره. وهو لا يستبعد أن هذا الحكم كان موجودا فى التوراه الأصلية، ثم عَفَتْه يد العبث أو الإهمال المتعمد [102]. كذلك من المعروف أن القرآن يسمى والد إبراهيم عليه السلام: "آزَر"، على حين يدعوه العهد القديم: "تارح". وقد حاول محمد أسد أن يجد حلا لهذه المسألة قائلا إن اسم والد إبراهيم فى التلمود هو " Zarah"، وعند المؤرخ الكنسى يوزبيوس بامفلى [103]:" Athar"، ورغم أن أيا من هذا وذاك لا يصلح، كما يقول، أن يكون حجة يعتمد عليها فى تفسير القرآن فمن الممكن القول بأن "آزر" هو تعريب لـ" Zarah" أو " Athar"[104].
وكان محمد لطفى جمعة قد تناول هذا الموضوع فى تفسيره للقرآن الكريم (الذى تركه محفوظا ونشره ابنه الأستاذ رابح لطفى جمعة فى التسعينات من القرن الماضى) وأشار إلى أن الاسم الموجود فى التلمود هو "آثر"، وكان رأيه، مع ذلك، أنه ما دام العهد القديم يقول إنه "تارح"، فإن "آزر" لم يكن أبًا حقيقيا له بل عَمًّا، وبخاصة أن إبراهيم قد دعا ربه أن "اغفر لى ولوالدىَّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" [105] بما يدل على أن ذلك الأب كان مؤمنا ما دام خليل الله قد قرنه مع المؤمنين، بينما كان آزر وثنيا بنص الآية التى ورد فيها اسمه حيث يقول له إبراهيم مستنكرا: "أتتخذ أصناما آلهة؟ " [106]. وهذه، فى الواقع، مغالاة من
(يُتْبَعُ)
(/)
لطفى جمعة بقيمة الكتاب المقدس من ناحية الوثاقة التاريخية التى لا يستحقها، فضلا عن أن ذكر إبراهيم لوالده مع المؤمنين لا يدل على أنه كان مؤمنا مثلهم، بل كل ما فى الأمر أنه عليه السلام، بعد أن بُحَّ صوته فى محاولة هدايته، قال له: "سلام عليك! سأستغفر لك ربى ... " [107]، وهو ما أشار إليه القرآن فى قوله جل جلاله: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إياه، فلما تبيَّن له أنه عدو لله تبرَّأ منه" [108]. ثم إن العهد القديم ليس بالحجة التى يصح الاعتماد عليها، وبخاصة إذا قام تعارض بينه وبين القرآن [109]. وبالمناسبة فقد أشار أيضا كل من سيل ورودويل، وهما من مترجمى القرآن إلى الإنجليزية، إلى أن يوزبيوس يسمى والد إبراهيم: "آثر"، كما ذكر محمد حميد الله العالم الهندى الذى ترجم القرآن إلى الفرنسية أن "تارح" تكتب باليونانية: " Thara"، كما قد تكتب أيضا: " Athar"، وأنه من هنا جاءت "آزر" [110]. وأغلب الظن أن محمد أسد قد رجع إلى هؤلاء وهو يُعِدّ ترجمته التى بين أيدينا.
وفى حادثة الطوفان نجد كاتبنا يعلن موافقته لمولاى محمد على (القاديانى) على أن رواية القرآن التى تقول إن ذلك الطوفان لم يغرق الأرض كلها بل جزءا منها فقط هى الرواية الصحيحة، إذ جاء فيه قول رب الجلال: "وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا" بما يعنى أنه لم يشمل كل أرجاء المعمور بل أغرق المكذبين من قوم نوح فحسب، على عكس ما نقرؤه فى العهد القديم من أنه شمل الدنيا جميعا وأهلك كل شىء فيها [111].
ولأسد فى هُود عليه السلام رأىٌ لستُ أستطيع أن أذكر أنى لقِيتُه عند أحد غيره، وهو أن ذلك النبى الكريم قد يكون هو النبى "عابر" المذكور فى سفر "التكوين" وأن أصداء اسمه موجودة فى اسم "يهوذا" ابن يعقوب عليه السلام. ذلك أن من المحتمل عنده أن يكون "هُود" هو الأب الأول للعبرانيين، وأن تكون معظم القبائل السامية، بما فيها العبرانيون أنفسهم، قد نزحت من جنوب الجزيرة العربية [112].
ويكتفى كاتبنا، عند المقارنة بين رواية العهد القديم والقرآن الكريم لموقف هارون من عبادة بنى إسرائيل للعجل، بالإشارة إلى الخلاف الحاد بينهما دون أن يبدى رأيه فى الرواية اليهودية التى تَنْسُب إلى هارون عليه السلام أنه هو الذى صنع العجل لقومه كى يعبدوه وأنه شاركهم أيضا فى هذه العبادة [113]. ونفس الشىء يفعله عند تعليقه على قول القرآن عن موسى، حينما عاد فوجد قومه يعبدون العجل، إنه "ألقى الألواح" (أى ألواح الشريعة التى تلقاها من ربه على الجبل)، وهو القول الذى يخالف ما جاء فى العهد القديم من أن موسى إنما "كسر اللوحين" ولم يرمهما فقط [114]، وكذلك فى معجزة يد موسى إذ وُصِفَتْ يده فى العهد القديم بأنها بيضاء من البَرَص، أما فى القرآن فهى "بيضاء من غير سوء" كما جاء فى الآية 22 من "طه" [115]. وبالمثل نراه يشير إلى الخلاف بين رواية القرآن الكريم لموقف يعقوب عليه السلام من رؤيا يوسف التى رأى فيها نفسه وقد سجدت له الشمس والقمر وأربعة عشر كوكبا، وبين رواية العهد القديم للموقف ذاته، إذ بينما يذكر القرآن أن يعقوب قد فهم دلالة الحلم على أن يوسف سيصبح ذا سلطان وأن أبويه وإخوته سينحنون له، نرى كِتَاب اليهود، على العكس من ذلك، يُنْطِق الوالدَ بعبارات التوبيخ للابن بما يُفْهَم منه أن الرؤيا لم تكن فى نظره إلا انعكاسات لرغبة يوسف الكامنة فى نفسه فى التسلط عليه وعلى أمه وإخوته. وقد اكتفى أسد بذكر هذا الخلاف دون أن يعقب بشىء [116].
بقيت مسألتان مهمتان تتصلان بهذا الموضوع، وإن لم تدخلا فى صميمه: الأولى قول محمد أسد إن "السامرى" المذكور فى قصة موسى من سورة "طه" قد يكون اسمه مأخوذا من الاسم المصرى القديم: " Shemer" بمعنى "الغريب"، ثم أُخِذ منه اسم طائفة السامرية الذين ظهروا فيما بعد بين بنى إسرائيل. وقد يؤكد مصريةَ السامرى، كما يقول، أنه هو الذى اتخذ العجل لبنى إسرائيل تأثرا بعبادة العجل أبيس فى بلاده التى خرج منها مع اليهود [117]. وهذا النقطة تحتاج إلى فضل بيان لأن أسد قد اكتفى بلمسها لمسا دون أن يطلعنا على الأسباب التى حملته على إثارتها فى ترجمته. وحقيقة الأمر أن المستشرقين والمبشرين، كعادتهم فى المسارعة الفِجَّة إلى اتهام النص القرآنى بأنه من تأليف محمد عليه السلام، قد صوبوا
(يُتْبَعُ)
(/)
إصبع الإٍتهام إلى قصة السامرىّ كما وردت فى القرآن قائلين إن مدينة السامرة لم تظهر فى التاريخ إلا بعد السامرى بقرون، فكيف يُنْسَب السامرىّ إليها قبل أن توجد؟ وقد قدمت طائفة من المفسرين والمترجمين المسلمين عددا من الردود المفحمة على هذا الاعتراض الأهوج، ومن بينهم أبو الأعلى المودودى ومحمد حميد الله مما يمكن القارئ أن يجده مبسوطا مفصلا فى كتابى "سورة طه - دراسة لغوية أسلوبية مقارنة" فى الفصل الخاص بالمقارنة بين قصة موسى فى القرآن والعهد القديم. والرأى الذى تبناه أسد هنا هو أحد الآراء التى طرحها أولئك المفسرون المسلمون، وبالذات حميد الله.
ومثل ذلك تماما قول أسد إن هامان المذكور فى عدة مواضع من القرآن الكريم بوصفه أقرب مستشارى فرعون إليه ليس هو هامان الذى يتحدث عنه سفر "أستير" فى العهد القديم. وهو يرى أن اسم كبير مستشارى فرعون ليس "اسم علم" بل "اسم جنس" بمعنى "كاهن آمون: Ha-Amen"، إذ كانت عبادة آمون سائدة إبّانئذ فى مصر. ويقوِّى هذا الرأىَ عنده أن فرعون قد طلب منه أن يبنى له صرحا يصعد فيه إلى السماوات ليطَّلع إلى إله موسى، مما يمكن أن يكون إيماء إلى وظيفة كبير الكهنة بوصفه كبير مهندسى المبانى فى ذلك الحين [118]. والملاحظ أن أسد قد اجتزأ هنا أيضا بهذا الذى ذكرناه دون أن يتطرق بشىء إلى خلفية الموضوع. والواقع أنه ليس بين القرآن والعهد القديم تناقض بالضرورة فى هذه المسألة، فوجود "هامان" فى بلاد فارس على أيام الملك أحشويرش لا يمنع من وجود "هامانٍٍ" آخر قبل ذلك فى بلاد الأهرام. من هنا فإن ما قاله أسد فى هذا الموضوع لا يدخل فى باب المقارنة بين الكتابين لأنهما لا يتكلمان عن ذات الشخص، بيد أن فريقا من المستشرقين أَبَوْا كعادتهم إلا أن يثيروها جَذَعَة فيتهموا القرآن الكريم بأنه يخلط بين الفترات والشخصيات التاريخية المختلفة بما يدل على أنه مجرد معلومات استقاها محمد من هنا ومن ههنا ممن لا علم لهم بما يتحدثون عنه، وليس وحيا إلهيا. فإشارة أسد هى رد غير مباشر على أولئك المستشرقين [119].
والمسألة الأخرى هى قوله إن الذبيح فى قصة خليل الرحمن المعروفة هو إسماعيل عليه السلام [120]، وذلك رغم أن القرآن لم يصرح بذلك بل ترك المسألة غُفْلاً، وإن كانت هناك إشارات فى آيات سورة "الصافات" التى تتحدث عن هذه المسألة وفى مواضع أخرى من القرآن تومئ بقوة إلى أن الذبيح هو فعلا إسماعيل، لا إسحاق كما يقول اليهود رغم ما جاء فى كتابهم من أن الله كان قد أمر إبراهيم أن يضحى بابنه الوحيد [121]، وهو ما لا يمكن أن يَصْدُق إلا على إسماعيل، إذ ظَلَّ عليه السلام هو ابن إبراهيم الوحيد عدة سنوات قبل أن يرزقه الله بعد ذلك بإسحاق، الذى لم يكن وحيد أبيه فى يوم من الأيام. على أنه ينبغى المسارعة إلى القول بأن علماء المسلمين غير مُجْمِعين على أنه هو إسماعيل [122]. فنص أسد فى ترجمته إذن، وهو اليهودى الأصل، على أن الابن الذى أمر الله سبحانه نبيه إبراهيم بالتضحية به هو إسماعيل لا إسحاق هو من الأهمية بمكان وثيق.
وبطبيعة الحال فإن موقف أسد من العهد القديم فى مثل هذه المواضع إنما هو الموقف الطبيعى والمنطقى، إذ هو مسلم، والمسلم يؤمن بأن كتاب اليهود والنصارى قد أصابه التحريف والعبث: يؤمن بذلك من خلال الدراسات التى خضع لها الكتاب المقدس، كما يؤمن به من خلال آيات القرآن المتكررة التى تؤكد وقوع هذا التحريف. وقد تبيَّن ذلك بكل جلاء فى تفسيره لوصف المولى سبحانه لقرآنه بأنه قد أنزله بالحق "مصدِّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" [123] بأن القرآن هو المعيار الذى تقاس به صحة كتب اليهود والنصارى [124]. ومع ذلك فإن بعض الدارسين يفهم، من إشارة القرآن الكريم إلى هيمنته على الكتب التى قبله، أن المقصود هو شهادة لها بالحفظ من التحريف والتبديل. وقد فسرها د. محمد عمارة بما يعنى أن القرآن مُؤْتَمَن على تلك الكتب أو شاهد على صدقها [125]. وفى "تفسير المنار" نجد محمد رشيد رضا، رحمه الله، ينبه بقوة إلى هذا الخطإ مؤكدا عدم اتساقه مع ما يقوله القرآن المجيد فى هذا الصدد [126].
-- الحواشي--
(يُتْبَعُ)
(/)
[93] انظر ص 10/ هـ 33، وص 17 - 18/ هـ 62، وص 18/ هـ 66. وانظر أيضا ص 66/ بقية هـ 3 حيث يؤكد أن الكتاب المقدس قد تعرض لعبث هائل متعمد فى أغلب الأحيان مما أثبتته الدراسات الموضوعية، وكذلك ص 479/ هـ 27، وص 488/ هـ 9، وص573/ هـ 85.
[94] ص21/ هـ81. وانظر كذلك ص77/ هـ 53، وص 80/ هـ 70.
[95] الصف/ 6.
[96] ص 816/ هـ 6.
[97] الحجر/ 9.
[98] ص 383/ هـ 10. وانظر أيضا ص 153 - 154/ هـ 66 حيث يؤكد استحالة العبث بالنص القرآنى. وهذه الفكرة موجودة فى ترجمته لـ"صحيح البخارى" ( Sahih al- Bukhari-The Early years of Islalm, P. 3, n.3).
[99] انظر ص 834/ هـ 27، وص 943/ هـ 11.
[100] ص 26/ هـ 102.
[101] المائدة/ 45.
[102] ص 153/ هـ 62.
[103] الذى عاش فى القرنين الثالث والرابع للميلاد.
[104] ص 183/ هـ 66.
[105] إبراهيم/ 41.
[106] الأنعام/ 74.
[107] مريم/ 47.
[108] التوبة/ 114.
[109] انظر مناقشتى له فى هذه النقطة فى كتابى "كاتب من جيل العمالقة- د. محمد لطفى جمعة - قراءة فى فكره الإسلامى"/ عالم الكتب/ 1419هـ- 1999م/ 117 - 121.
[110] Sale, The Koran, P.95, n.1, Rodwell, The Koran, Dent & Co., London, 1909, P. 323, n. 3, and Muhammad Hamidullah, Le Saint Coran, Beyrouth, 1973, P. 174.
[111] ص 1212/ هـ 47.
[112] ص 213/ هـ 48. والملاحظ أن محمد أسد يجعل اللغات السامية مجرد فروع لغوية عربية قديمة بما فيها العبرية والفينيقية (ص 689/ هـ 49)، وإن كان قد فرق بين العربية واللغات السامية الأخرى فى ترجمته لـ"صحيح البخارى" (ص 5 - 6/ هـ 12).
[113] انظر ص 225/ هـ 117، وص 480/ هـ 76.
[114] انظر ص 225/ هـ121.
[115] انظر ص 472/ هـ 15، وكذلك ص 219/ هـ 85.
[116] انظر ص 337/ هـ 9.
[117] انظر ص 479/ هـ 70.
[118] ص 590/ هـ 6.
[119] يجد القارئ معالجة مستفيضة لهذه القضية فى كتابى "سورة طه- دراسة لغوية أسلوبية مقارنة" فى الفصل الخاص بـ"قصة موسى بين القرآن الكريم والعهد القديم".
[120] انظر ص 688/ هـ 38، 43.
[121] تكوين / 22/ 2.
[122] ومن الذين يقولون إنه "إسحاق" إمام المفسرين الطبرى. وقد تناولتُ رأيه هذا بالمناقشة المسهبة وانتهيت، من خلال استنطاق ما بين السطور فى القرآن الكريم، إلى أن الذبيح هو إسماعيل (انظر كتابى "من الطبرى إلى سيد قطب-دراسات فى مناهج التفسير ومذاهبه"/ دار الفكر العربى/ 1421هـ- 2000م/ 68 - 72).
[123] المائدة/ 48.
[124] ص135/ هـ 64.
[125] انظر كتابه "الإسلام والوحدة الوطنية"/ كتاب الهلال/ العدد 338/ فبراير 1979م/ 45 - 46.
[126] انظر "تفسير المنار"/ الهيئة المصرية العامة للكتاب/ سلسلة "التراث للجميع"/ العدد 29/ 340. وقد تناولت هذه النقطة بالتفصيل فى كتابى "سورة المائدة- دراسة أسلوبية فقهية مقارنة"/ مكتبة زهراء الشرق/ 1420هـ- 2000م/ 106 - 107.
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 03:17 م]ـ
يرى كاتبنا أن العبرانيين عرب هاجروا، كما هاجر سائر الساميين، من جنوب الجزيرة العربية إلى بلاد الرافدين، وأن لغتهم ليست سوى لهجة عربية قديمة [127]. ومن رأيه أيضا أن الوحى الذى نزل على أنبياء بنى إسرائيل يمثل أقدم أشكال التوحيد، ومن ثَمَّ كانت أهميته العقيدية بالنسبة لتاريخ الوحدانية فيما بعد [128]، وأن العبرانيين هم أول أمة تؤمن بالوحدانية فى شكل محدد جعل منهم روادا للنصرانية والإسلام [129]. ويبدو لى أنه قد بنى رأيه هذا على قول القرآن الكريم عن بنى إسرائيل: "ونريد أن نَمُنّ على الذين استُضْعِفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة" [130]. والواقع أن فى كلام أسد مجازفة هائلة لا يستطيع المسلم أن يُغْضِىَ عنها، إذ هى تناقض ما ذكره القرآن مرارا من أنبياءَ سبقوا بنى إسرائيل أوَّلهم آدم أبو البشرية كلها قبل أن يسمع التاريخ ببنى إسرائيل وأنبيائهم ورسلهم بأحقاب وأحقاب، ومنهم أيضا نوح وإبراهيم. وأغلب الظن أن من بينهم كذلك هودا وصالحا، فكيف فات ذلك كله كاتبنا؟ أنقول إنه متأثر بالعهد القديم؟ إن هذا الكتاب، وإن ذكر آدم ونوحا فليس فيه أنهما نبيان، بل كل مارواه عنهما قد رواه بوصفهما مجرد شخصين عاديين. لكنه فى ذات الوقت قد ذكر إبراهيم، وإبراهيم ليس من بنى إسرائيل، بل هو جد أبيهم إسرائيل، فلماذا نسيه أسد أو تناساه؟ هل نقول إن فى
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمر رائحة تحيز لليهود؟ لكن كيف يكون ذلك وقد حمل عليهم فى ترجمته للقرآن التى نحن بصددها حملات عنيفة واتهمهم فى عقيدتهم وأخلاقهم وزَنَّهم بالغرور والكبر؟ فما الأمر إذن؟
كذلك نراه يقول فى موضع آخر إن شريعة موسى هى أول شريعة إلهية وإنه لهذا السبب صار بنو إسرائيل أئمة [131]. وهى دعوى أخف كثيرا من الدعوى السابقة، لكن هل يستطيع أحد الجزم بأن شريعة موسى هى أول شريعة سماوية؟ إن من الصعب جدا الموافقة على أن السماء قد تركت البشر منذ بدء الخليقة حتى عهد موسى دون هداية تشريعية! ثم إن الإمامة المذكورة فى الآيتين السابقتين لا تعنى إمامتهم للبشر فى جميع العصور بل فى عصرهم فقط، وإلا فقد فضلهم الله يوما على العالمين، ولا يقول عاقل إنه تفضيل مطلق يشمل كل زمان ومكان، وهو رأى محمد أسد نفسه كما سيلى بعد قليل.
على أية حال فقد رجم كاتبنا اليهود كثيرا فى هوامش ترجمته للقرآن، فأبرز وصف العهد القديم لهم بالغرور والتمرد والعناد كما فى "خروج"/ 31/ 9، و33/ 3، و34/ 9، و"تثنية"/ 9/ 6 - 8، 23 - 24، 27 [132]، وحمل على اعتقادهم المتصلب بأنهم شعب الله المختار وأنهم، بسبب ما فى أيديهم من الكتاب، ليسوا بحاجة إلى أية هداية أخرى، فقلوبهم مفعمة من العلم بما يغنيهم عن الرسول عليه الصلاة والسلام والقرآن الذى جاء به [133]. ومن هذا المنطلق يعلق على قوله تعالى: "قل: هل أنبّئكم بشَرٍّ من ذلك مثوبةً عند الله؟ مَنْ لَعَنَه الله وغَضِبَ عليه وجعل منهم القِرَدة والخنازير وعَبَدَ الطاغوت. أولئك شرٌّ مكانًا وأضلُّ عن سَواء السبيل" [134] بأن المقصود هم المنافقون، وبخاصة منافقو أهل الكتاب من اليهود (وغيرهم) لأن كونهم أهل كتاب قد جعلهم أعرف بالحق من سواهم، وكان المظنون إذن أن يتبعوه ويكونوا أطهر سلوكا [135]، وإن عاد فى موضع آخر فقال، فى تفسير آية "والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزَّل من ربك بالحق"، إنها تشير، فيما يبدو، إلى الإدراك الغريزى الذى لا يتجاوز حد اللاشعور عند بعض أهل الكتاب بأن القرآن هو فعلا وحى إلهى [136]. لقد قال مرارا، حتى فى أثناء كلامه هنا، إنهم حرفوا التوراه وتجاهلوا ما فيها من نبوءات عن رسالة محمد عليه الصلاة والسلام، فلماذا إذن هذه النغمة المنخفضة التى قد تبدو وكأنها تبسط لهم العذر؟ [137]
وفى مواضع مختلفة من الترجمة نراه يُبْرِز طبيعة اليهود فى التمرد على الله وكفرهم بآياته واعتقادهم أنهم شعب الله المختار لا لشىء إلا لأنهم ذرية إبراهيم بالجسد رغم انحرافهم عن دين إبراهيم الحق، وهو اعتقاد مناقض لأى مبدإ دينى كما يقول. كذلك يُلِحّ على معاقبة الله لهم على هذا الغرور والكبر بالتحريمات والتشريعات القاسية مثل تحريم العمل عليهم يوم السبت مثلا [138]. وهو يشير إلى إجماع القرآن والكتاب المقدس على دينونة عصيانهم المتكرر وتمردهم المستمر على ربهم [139]، كما يهاجمهم قائلا إن الله إذا كان قد اختارهم على العالمين فإنهم لم يصمدوا لهذا الاختيار كما يشهد بذلك تاريخهم المذكور فى الكتاب المقدس نفسه، وإن أغلبية بنى إسرائيل، وعلى رأسهم الصدوقيون الذين يمثلون الأرستقراطية الكهنوتية، صاروا ينكرون البعث والحساب الأخروى ويتمسكون بالنظرة المادية للحياة [140]. وبالمثل يهاجم طائفة الفريسيين مؤكدا أنهم رمز على الغرور الدينى والأخلاقى، إذ لا يستطيعون أن يبصروا فى أنفسهم شيئا من العيوب [141]. وكان قد أشار فى موضع سابق عند شرحه للآية 80 من "البقرة" إلى ما يسود بينهم من اعتقاد شعبى مؤداه أن المذنبين من بنى إسرائيل لن يمكثوا فى النار إلا فترةً جِدِّ محدودة سرعان ما يخرجون بعدها، لا لشىء إلا لأنهم شعب الله المختار، وهو ما ينكره عليهم القرآن الكريم [142]. ومن هذا الوادى تفسيره لـ"الشطط" المذكور فى قوله تعالى على لسان الجن [143] فى السورة الموسومة باسمهم: "وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا" بأنه، فيما يبدو، اعتقاد بنى إسرائيل بأنهم شعب الله المختار [144]. ومنه أيضا قوله إن "الكذب" المشار إليه فى قوله تعالى من نفس السورة: "وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا" هو السحر والعرافة والتنجيم وسائر المعارف السرية الغامضة المتعلقة بهذه الأمور [145]. كذلك تكلم عن معاصرى النبى من يهود بنى النَّضِير وبنى قُرَيْظَة وغيرهم
(يُتْبَعُ)
(/)
وخيانتهم للعهد الذى كان بينهم وبين المسلمين (عهد الصحيفة) وتآمرهم مع المنافقين ضد الإسلام ورسوله واستحقاق الأولين للنفى عقب حصار دام واحدًا وعشرين يوما، وانتهاء أمر القُرَظِيِّين بالقتل والأسر بعد أن وضعوا أيديهم فى أيدى المشركين أثناء غزوة الأحزاب ابتغاء طعن المسلمين فى مقتل [146]. وهو نفسه ما يقوله فى ترجمته لـ"صحيح البخارى، بَيْدَ أننا نجده مع ذلك يقول فى أحد هوامشها، فى معرض تأكيده بأن النبى عليه الصلاة والسلام لم يكن ينطوى تجاه اليهود على أية مشاعر عدائية، إنه على العكس من ذلك كان يعجب بما عندهم من علم دينى [147]. ولقد كنت أتمنى لو أنه ساق لنا الشواهد على هذا الإعجاب النبوى المزعوم، أما إلقاء الكلام على عواهنه فلا يكفى.
على أن ما يسترعى الانتباه بل الاستغراب هو أن محمد أسد، فى المرتين اللتين تعرض فيهما لتفسير العبارة التى كان اليهود يخاطبون بها سيدنا رسول الله ونَهَى القرآنُ المسلمين عن استعمالها فى حديثهم معه صلى الله عليه وسلم، وهى قول سلالة القردة والخنازير: "راعِنا"، لم يشر فى المرة الأولى إلى ما فى تلك العبارة من سفالة يهودية سفيهة، بل اكتفى بالقول بأن القرآن قد نهى المسلمين عن مخاطبته عليه السلام بهذه الكلمة احتراما له وخضوعا لأوامر الوحى النازلة عليه [148]، غير مشير إلى اليهود أثناء ذلك البتة، أما فى تفسير الآية 46 من سورة "النساء"، ونصها: "مِن الذين هادوا يحرِّفون الكَلِم عن مواضعه ويقولون: سمعنا وعصينا، واسمع غير مُسْمَعٍ وراعِنا، لَيًّا بألسنتهم وطَعْنًا فى الدين"، فلا يزيد عن القول بأن عبارة "اسمع غير مُسْمَع"، التى كان اليهود (كما يقول) يتخاطبون بها فيما بينهم، إنما تصف موقفهم من العهد القديم ومن القرآن على السواء، دون أن يتطرق هنا أيضا إلى ما فى الكلام من سفالة وسفاهة يهودية معروفة، إذ إن عبارة:"راعِنا"، كما يوضح العارفون بلغة اليهود، تتطابق من حيث النطق مع اللفظة العبرية ? لاـ (‘ ra بالحروف اللاتينية) بمعنى "شرير خبيث، منحط ... إلخ". فهم، عليهم لعائن الله، يتظاهرون بأنهم إنما يلتمسون منه صلى الله عليه وسلم أن يراعيهم، على حين أنهم يقصدون شتمه عليه السلام. وغرابة الأمر تكمن فى أن أسد كان يعرف العبرية والتراث الدينى اليهودى فى لغته الأصلية معرفة واسعة كما يذكر هو عن نفسه [149]، فضلا عن أن المتوقع منه أن يكون على اطلاع كبير على ما كتبه العارفون بتلك اللغة عما فى العبارة من خبث يهودى منحطّ وحقد على النبلاء الأفذاذ من بنى البشر، وبخاصة الرسل الكرام.
وعلى العكس من ذلك فإنه، فى تعليقه على قوله جل جلاله من سورة "المجادلة" مخاطبا رسوله: "وإذا جاؤوك حَيَّوْكَ بما لم يُحَيِّك به الله"، يقول إن هذه إشارة إلى الموقف العدائى الذى اتخذه يهود المدينة من الرسول عليه السلام، إذ كانوا عند تحيتهم له هو وأصحابه، يلوون ألسنتهم ويغمغمون قائلين: "السَّام عليكم" [150] بدلا من "السلام عليكم". وقد وصف أسد هذا التلاعب بالكلمات بالفحش والبذاءة [151].
وأشد من ذلك إمعانا فى الغرابة أن أسد، بعد كل الذى قاله فى اليهود، يعود فيقرر انهم (ومِثْلُهم فى ذلك النصارى والصابئون والمجوس) ناجون يوم القيامة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ما داموا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا، أى دون أن يدخلوا فى الإسلام وينضووا تحت لواء سيد الرسل والنبيين [152]، رغم ما أكده هو نفسه من أن الإسلام يَعُدّ الكفر بأى من الرسل خطيئة تكاد أن تعدل الكفر بالله ذاته [153]، وكذلك رغم ما كرره مرارا من أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هى رسالة عالمية للبشر جميعا على اختلاف أجناسهم وعصورهم وبلادهم [154]، وثالثا رغم ما أكده من أن العهد القديم قد تنبأ بمجىء محمد صلى الله عليه وسلم وأوجب على اليهود الإيمان به [155]، ورابعا رغم ما فسر به قوله تعالى فى الآية 105 من "النحل": "إنما يَفترى الكذبَ الذين لا يؤمنون بآيات الله، وأولئك هم الكاذبون" من أن الكافرين هنا هم كل من يرفض الإيمان بصحة الوحى المحمدى متهمين إياه بأنه مجرد أوهام مَرَضيّة أو اختلاقات متعمَّدة [156]، وخامسا رغم ما قاله من أن الإسلام، وإن كان معناه "إسلام النفس لله"، ومن ثَمَ فكل من يؤمن بالله الواحد الأحد إيمانا سليما ويؤمن برسالاته فهو
(يُتْبَعُ)
(/)
مسلم، فإنه يقتضى أن يسارع المؤمنون بالله ورسالاته إلى الإيمان بمحمد ما دامت رسالته هى آخر الرسالات السماوية وأكثرها عالمية [157].
صحيح أن بعض علماء المسلمين من العرب أنفسهم يقولون بما قال به محمد أسد، ومنهم الشيخ محمدعبده، مما قد عَرَضْتُه ومحَّصْتُه وفنَّدْتُه فى فصل طويل يقترب من أربعين صفحة بعنوان "أهل الكتاب" فى كتابى "سورة المائدة- دراسة أسلوبية فقهية مقارنة"، بَيْدَ أن الأمر فى حالة محمد أسد يختلف، فقد ترك الرجل يهوديته وأعلن دخوله فى الإسلام. فلو كانت نجاة الإنسان يوم القيامة ممكنة مع بقائه على يهوديته أو نصرانيته ... إلخ، فلماذا لم يبق كاتبنا على دينه الأصلى بدلا مما استتبعه دخوله فى دين محمد من رجّ حياته من أساسها والاتجاه بها فى مسار مغاير لمسارها السابق مغايرة تامة؟ ثم إننا قد رأيناه، فى مواضع مختلفة من هوامش ترجمته للقرآن الكريم، يلح على أن دين محمد هو للبشر جميعا وأنه لا يصح إيمانهم إلا إذا استظلوا برايته. كما أنه قد قال بصريح اللفظ إن مجىء الإسلام قد نسخ اليهودية والنصرانية [158]، أى أن هاتين الديانتين قد انتهت صلاحيتهما إلى الأبد.
وبمناسبة الحديث فى هذه المسألة لا بد من الإشارة إلى أنه دائما ما يترجم "الإسلام" بـ "تسليم النفس لله"، أما "الإسلام" بمعنى "اتّباع دين محمد"، وكذلك اسم الفاعل منه "مُسْلِم"، فهما (حسبما يؤكد) استعمالان اسْتَجَدّا بعد النبى عليه السلام [159]. وأرى أن هذا تمييع للأمور، بل أخشى أن يكون وراءه، ولو بدون قصد، رغبةٌ فى التسوية بين اليهود والنصارى وبين أتباع محمد فى أنهم جميعا مسلمون وناجون يوم القيامة ما داموا جميعا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون صالحا. لقد استخدم القرآن المجيد مرارا فى الحديث عن منهج الرسل جميعا كلمة "الإسلام"، إلا أن هذا هو الاستعمال العام فقط، وسببه أن منهجهم جميعا، عليهم صلوات الله وسلامه، واحد رغم اختلاف شرائعهم فى بعض تفاصيلها، أما المعنى الاصطلاحى لهذه الكلمة فى القرآن وفى الحديث فهو دين محمد.
ونبدأ بالحديث النبوى فنسوق هذه النصوص المشهورة: "بُنِىَ الإسلام على خمس: .... "، "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده"، "المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يُسْلِمه ولا يخذله"، "المسلم على المسلم حرام"، "المسلمون على شروطهم"، "المسلمون تتكافأ دماؤهم". أما بالنسبة للقرآن الكريم فإن "الإسلام" فى قوله جل جلاله: "يَمُنّون عليك أن أَسْلَموا. قل: لا تَمُنّوا علىَّ إسلامكم، بل الله يمُنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين" [160] لا يمكن إلا أن يكون الدين الذى أتى به محمد صلى الله عليه وسلم. والحمد لله أن أسد نفسه قد فسرها فى الهامش هذا التفسير، وها هى عبارته فى النص الإنجليزى: " by professing to be thyfollowers" رغم أنه فى الترجمة قد استعمل كلمة " to surrender"، وإن لم يَقْنَع هذه المرة بذلك بل جعل الأمر "استسلاما للرسول: " having surrendered [to you]"، مضيفا من عنده بين معقوفتين (كما نرى) كلمة "لك" [161]، وهو ما لا يقبله السياق أبدا، إذ من غير المتصور أن يمنوا على الرسول باستسلامهم له، لأن الاستسلام ليس مما يبعث على الفخر أو يُمَنّ به على أحد.
ومثل ذلك قوله جل شأنه: "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقْبَل منه، وهو فى الآخرة من الخاسرين" [162]، الذى أتى عقب قوله مخاطبا رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام: "قل: آمنّا بالله وما أُنْزِل علينا وما أُنْزِل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أُوتِىَ موسى وعيسى والنبيّون من ربهم، لا نفرِّق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون" مما يدل على أن "الإسلام" فى الآية هو دين محمد، وإلا لكانت محاجته لأهل الكتاب لا معنى لها، إذ لو كان "الإسلام" هنا مستعملا بمعناه العام لكان جوابهم: "ونحن أيضا مسلمون مثلك سواء بسواء". وبمستطاعنا أن نستشهد بالآيات التالية أيضا: "اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتى ورَضِيتُ لكم الإسلام دينا" [163]، "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه؟ " [164]، "ومن أظلم من افترى على الله الكذب وهو يُدْعَى إلى الإسلام؟ " [165]، "فمن يُرِدِ الله أن يهديَه يشرح صدره للإسلام" [166]، "رُبَما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين" [167]، "إن المسلمين
(يُتْبَعُ)
(/)
والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ... أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما" [168]. وكثير من هذه الشواهد ينتمى إلى الوحى المكى. أى أن استعمال لفظ "الإسلام" مصطلحا على دين محمد يعود إلى بدايات دعوته عليه السلام فى مكة، فالقول إذن بأنه استعمال متأخر عن ذلك العصر هو قول يتجافى عن الحقيقة ويجافيها بكل يقين [169].
ولعل مما يجرى فى هذا المجرى أيضا قول كاتبنا، تعليقا على قوله تعالى: "مِنْ أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون"، إن الإشارة هنا إلى هؤلاء المؤمنين الحقيقيين من أتباع الكتاب المقدس [170]. أقول: "لعل ... " لأن الكلام غير واضح تماما. أتراه يقصد أولئك الباقين على يهوديتهم أو نصرانيتهم كما هو ظاهر الكلام؟ أم تراه يقصد ذلك الفريق من أهل الكتاب الذى آمن بدين محمد حسبما يُفْهَم من الآية إذ ذكرتْ أنهم يتلون آيات الله"، أى القرآن [171]، وأنهم يسجدون، أى يصلّون صلاة الإسلام، كما وصفتهم الآية التى تليها بأنهم "يؤمنون بالله واليوم الآخر" مما يدل على أنهم لم يَبْقَوْا على ديانتهم السابقة بل انضوَوْا تحت راية الإسلام؟ ذلك أن القرآن لا يُثْبِت الإيمان بالله واليوم الآخر إلا لمن آمن بمحمد عليه السلام كما فى الآيات التالية: "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرِّقوا بين الله ورسله، ويقولون: نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا" [172]، "والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به (أى القرآن)، وهم على صلاتهم يحافظون" [173]،"قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرَّم اللهُ ورسولُه ولا يَدِينون دينَ الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطُوا الجزية عن يد وهم صاغرون" [174]، "قال (أى موسى): ربِّ، لو شئتَ أهلكتَهم من قبلُ وإياى. أتُهلكنا بما فعل السفهاء منا؟ إن هى إلا فتنتك، تُضِلّ بها من تشاء، وتَهدى من تشاء. أنت وليُّنا، فاغفر لنا وارحمنا، وأنت خير الغافرين* واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة، إنا هُدْنا إليك. قال (أى الله): عذابى أُصِيبُ به من أشاء، ورحمتى وسِعَتْ كلَّ شىء، فسأكتبها للذين يتَّقون ويُؤْتُون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون* الذين يتَّبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويُحِلّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزَّروه ونصروه واتَّبَعوا النور الذى أُنْزِلَ معه أولئك هم المفلحون" [175]، وغير ذلك من الآيات.
هذا، ولا بد من التنبيه إلى أن القرآن قد يستخدم لمعاصرى الرسول من أهل الكتاب ممن دخلوا دينه وَصْفَ "أهل الكتاب" أو "الذين آتيناهم الكتاب" أو "الذين أُوتوا العِلْم من قبله" أو ما إلى ذلك، فينبغى ألا يسبق إلى الأوهام أنه حين يُثْنِى عليهم إنما يفعل ذلك رغم بقائهم على ديانتهم السابقة، فإن هذا لا يمكن أن يكون. وإن بقية الكلام فى مثل هذه المواضع لتدل على أن المقصود هم الذين أسلموا منهم. وهأنذا أسوق، إلى جانب آيتَىْ "آل عمران" السابقتين، الآيات التالية كيفما اتفق: "الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به (أى بالقرآن) يؤمنون* وإذا يُتْلَى عليهم قالوا: آمنا به. إنه الحق من ربنا. إنا كنا من قبله مسلمين* أولئك يُؤْتَوْن أجرهم مرتين بما صبروا ويدرأون بالحسنة السيئةَ ومما رزقناهم ينفقون" [176]، "الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به (أى بالقرآن)، ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون" [177]، "وإنَّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أُنْزِل إليكم وما أُنْزِل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا. أولئك لهم أجرهم عند ربهم. إن الله سريع الحساب" [178]، "والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أُنْزِل إليك" [179]، "وكذلك أنزلنا إليك الكتاب، فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به (أى بالقرآن) " [180]، "إن الذين أُوتُوا العِلْم من قبله إذا يُتْلَى عليهم (أى القرآن) يَِخِرّون للأذقان سُجَّدا ويقولون: سبحان ربنا! إنْ كان وعد ربنا لمفعولا* ويَِخِرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا" [181]. وهذه مسألة على أكبر قدر من الأهمية لأن بعض الدارسين يظن أن أهل الكتاب فى مثل هذه الآيات هم أهل
(يُتْبَعُ)
(/)
الكتاب الباقون على دينهم، وهو أمر مستحيل.
فى ضوء هذا نختلف مع الأستاذ أسد فى قوله، تعليقا على آية "لَتَجِدَنّ أشدَّ الناس عداوةً للذين آمنوا اليهودَ والذين أشركوا، ولتجدنّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا: إنا نصارى. ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" [182]، "إن النصارى (قد وُصِفوا بأنهم أقرب مودةً للذين آمنوا وبأنهم لا يستكبرون لأنهم) [183] لا يعتقدون كاليهود أن الوحى الإلهى مقصور على بنى إسرائيل، ولأن قسيسيهم ورهبانهم يعلِّمونهم أن التواضع هو لب الإيمان الحق". ثم يمضى قائلا: "ومما هو جدير بالذكر أن القرآن فى هذا السياق لا يصنف النصارى ضمن "الذين أشركوا"، لأنهم، وإن كانوا بتأليههم عيسى قد اجترحوا إثم الشرك، لا يعبدون عن وَعْىٍٍٍ آلهة متعددة أو أى إله غير الله، إذ إن عقيدتهم على المستوى النظرى تقرر الإيمان بالإله الواحد الذى يتصورون أنه قد أعلن عن نفسه فى ثلاثة أقانيم أو "ثلاثة أشخاص" يُفْتَرَض أن عيسى واحد منهم. وبرغم ما يمكن أن يكون فى هذه العقيدة مما يبعث على الرفض والنفور بالنسبة لتعاليم القرآن، فإن شركهم غير مبنىّ على الإصرار الواعى بل ينبع بالحَرَى من تجاوزهم حدود الحق فى تعظيمهم لعيسى" [184].
ويبدو لى أن ما قاله أسد فى هذه الفقرة راجع إلى وهمه أن القرآن فى الآية الكريمة يمدح النصارى بوصفهم نصارى. وهذا غير صحيح، إذ المديح فيها وفيما بعدها إنما هو موجه إلى فريق بعينه من النصارى فيهم قساوسة ورهبان كما ينبغى أن يكون القساوسة (أى العلماء) والرهبان (أى العُبّاد) الحقيقيون، سمعوا القرآن الكريم ففاضت أعينهم من الدمع واعلنوا إيمانهم ودَعَوْا ربهم أن يقبلهم فى الإسلام ويُدْخِلهم مع القوم الصالحين. فهل الذى يقول هذا يكون قد بقى على نصرانيته؟ لقد كانوا قبلا نصارى: هذا صحيح، بيد أنهم بمجرد بكائهم عند سماعهم القرآن وإعلانهم الإيمان به لم يعودوا نصارى، بل أَضْحَوْا مسلمين. وهذا من الوضوح بحيث لا يمكن أن يخطئه أحد، فلا أدرى لماذا تُرْبِك هذه الآية الأستاذ أسد وغيره من بعض الكتاب المسلمين؟
كذلك لست أعرف لماذا قال إن النصارى لا يعتقدون أن الوحى الإلهى مقصور على بنى إسرائيل! ترى هل يقبلون نبوة محمد العربى عليه الصلاة والسلام؟ إنهم أولا لا يؤمنون فى الواقع بغير أنبياء بنى إسرائيل، ثم إنهم يزيدون على اليهود اشتراط الإيمان بألوهية المسيح عليه السلام وصَلْبه تكفيرا عن خطايا البشر. فأمرهم إذن أعقد، وإن كان عدد الذين يدخلون منهم فى الإسلام أكبر من عدد اليهود لأنهم ليسوا صلاب الرقبة مثلهم، كما أن عددهم فى العالم أضخم كثيرا جدا جدا جدا من عدد اليهود.
أما قول مترجمنا إن القرآن لا يصف النصارى بـ "الذين أشركوا" فالرد عليه هو أن هذا التعبير نَصًّا مقصور على عبدة الأوثان الحجرية والخشبية من العرب. ومع ذلك فلم يُعْفِ القرآن النصارى من تهمة الشرك والكفر جميعا: "قل: يا أهل الكتاب (المقصود هنا نصارى نجران الذين وفدوا عليه صلى الله عليه وسلم فى المدينة)، تعالَوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضُنا بعضًا أربابا من دون الله" [185]، "لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم. وقال المسيح: يا بنى إسرائيل، اعبدوا الله ربى وربكم. إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار* لقد كفر الذين قالوا: إن الله ثالثُ ثلاثةٍ. وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحد. وإن لم ينتهوا عما يقولون لَيَمَسَّنَّ الذين كفروا منهم عذاب أليم" [186] ... وهكذا. أفبعد هذا كله يقال إن شركهم لا يقوم على الإصرار الواعى؟ أوبعد كل تلك القرون المتطاولة لا يزالون غير واعين بما يعتقدون؟ ترى متى يعود إليهم وعيهم ويفيقون؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وبعد، فقد وقع فى يدى، بعد كتابتى للفصول الماضية، مقال للكاتب السعودى عبد العزيز الرفاعى فى "المجلة العربية" (عدد رجب 1413هـ) أشار فيه إلى أن محمد أسد كان قد أعد ترجمته تلك لرابطة العالم الإسلامى، إلا أن المسؤولين فى الرابطة راجعوه فى عدد من الأمور التى رَأَوْا أنه خالف فيها ما تعارف عليه معظم المفسرين، وأنه قد وافقهم على بعض ما قالوه وأصرَّ على موقفه فى البعض الآخر. وكان رأيه الذى ذكره للأستاذ الرفاعى أنه إنما "يكتب تفسيرا جديدا لا يريده نسخة من التفاسير المتداولة، وأنه يكتبه للفكر الغربى، بل هو ينظر إليه من خلال فكره الغربى" [187].
وأنا مع مترجمنا فى أن على المفسر، بل وعلى أى كاتب، أن يجتهد محاولا الإتيان بجديد فيما يؤلف، لكن بشرط أن يلتزم بالقواعد التى تحكم موضوعه وألا ينطلق فى الفضاء دون ضابط ولا رابط. لكنى لست أفهم تماما قوله إنما يكتب للقارئ الغربى. ذلك أن القرآن ليس طينة صلصال فى أيدينا نشكلها حسب هوانا. وكان أسد نفسه يعلن نفوره من محاولات الربط بين القرآن والعلوم الطبيعية بحجة أن نتائج هذه العلوم متغيرة، فكيف إذن يُقِيم تفسيره للقرآن الكريم على أساس إرضاء القارئ الغربى، وبخاصة أنه حذر المسلمين فى بعض ما كتب من الركون للأمل فى دخول الأوربيين حظيرة الإسلام، مؤكدا أنه أمل شديد الضرر لأنهم متعصبون لفكرهم ويناصبون الإسلام العداء الشديد؟ فما الذى غيره هذا التغيير الحاد؟ ثم إن أسد قد عاش بين العرب والمسلمين ردحا طويلا من العمر تعرَّب خلاله فى دينه ولغته وطعامه ومسكنه وملابسه وبيئته وأصدقائه ... إلخ، ولم ير أثناء ذلك أوربا تقريبا، فلم هذه النغمة الغربية إذن؟ هذا موقف غير مفهوم! ثم هل القارئ الغربى هو الأساس الذى ينبغى أن نضبط القرآن عليه؟ إن أسد مثلا يرى أن من الممكن تفسير تسلق الخصوم سور المحراب وظهورهم لداود وحوارهم معه وقضائه بينهم بأنه قد سمع صوت ضميره الذى تسلق أسوار عاطفته وهواه [188]. وهو كلام لا معنى له إلا أن داود قد أصابه، أستغفر الله، خبل الهلاوس البصرية والسمعية! فهل هذا كلام علمى؟ الواقع أننى أشعر أن أسد قد أشاع الاضطراب فى تفسير القرآن، وأرجو ألا أكون قد ظلمته، وإن كنت لا أستطيع أن أرى أن ظلما قد وقع منى عليه، فـ"ما شَهِدْنا إلا بما عَلِمْنا".
-- الحواشي--
[127] انظر ص 343/ هـ 44، وهى 572/ هـ 82، وص 689/ هـ 49. وانظر أيضا ص 213/ هـ 48، وإن بقى الأصل العربى للعبرانيين هنا فى دائرة الاحتمال.
[128] ص 418/ بقية هـ 3.
[129] انظر ص 589/ هـ 5.
[130] القصص/ 5. ومع ذلك فعند قوله تعالى عن بنى إسرائيل أيضا: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا" (السجدة/ 24) لم يتطرق كاتبنا بشىء إلى هذه الريادة المزعومة، بل بالعكس هاجمهم واتهم كثيرا من "أئمتهم" بتحريف التوراة.
[131] انظر ص 596/ هـ 43.
[132] ص 18/ هـ 68.
[133] انظر ص 19/ هـ 73، وص 112 - 113/ هـ 60، وص 160/ هـ 94، وص 229/ هـ 136، وص 863 - 864/ هـ 4.
[134] المائدة/ 60.
[135] انظر ص 156/ هـ 88.
[136] ص 1190/ هـ 101.
[137] كذلك ففى تعقيبه على قوله تعالى: "وقالت اليهود: عُزَيْرٌ ابن الله"، نراه يقول إن اليهود يغالون مغالاة شديدة فى رفع مكانة عزرا ويجعلون أحكامه مثل الشريعة نفسها، ومن هنا استخدم القرآن تعبير "وقالت اليهود: عُزَيْرٌ ابن الله" للدلالة المجازية على موقفهم هذا (انظر ص 262 - 263/ هـ 44). وواضح هنا أيضا النغمة التخفيفية، إذ ليس من المعقول أن يكون قولهم: "عزير ابن الله" مجرد تعبير مجازى عن مغالاتهم فى رفع مكانة عزرا.
[138] انظر ص 415/ هـ 144، 147.
[139] انظر ص 418/ بقية هـ 3.
[140] ص 227/ هـ 127، وص 762/ هـ 16، وص 762 - 763/ هـ 17.
[141] ص 893 - 894/ هـ 11.
[142] ص 17/ هـ 65.
[143] الذين يرى أسد أنهم ليسوا إلا طائفة من يهود الإنس سماهم الله جنا لأنهم كانوا غرباء ولأنهم سمعوا الرسول وهو يقرأ القرآن دون أن يحس بوجودهم، فهم جن بهذا المعنى فقط.
[144] ص 899 - 900/ هـ 3.
[145] انظر ص 899 - 900/ هـ 3.
[146] انظر ص 640 - 641/ هـ 13، وص 643/ هـ 29، وص 849/ مقدمة ترجمة "الحشر".
[147] Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam, P. 244, n.5.
(يُتْبَعُ)
(/)
[148] انظر ص22/ 85. ونص الآية هو: "يا أيها الذين آمنوا، لا تقولوا: راعنا، وقولوا: انظرنا، واسمعوا، وللكافرين عذاب أليم" (البقرة/ 105).
[149] Muhammad Asad, The Road to Mecca, P.55. ويجد القارئ هذا الكلام فى ص 82 - 83 من الترجمة العربية الموسومة بـ"الطريق إلى الإسلام" لعفيف البعلبكى.
[150] ومعناها "الهلاك لكم! ".
[151] انظر ص 485/ هـ 14.
[152] انظر ص 14/ هـ 50، وص 153 - 154/ هـ 66، وص 507/ هـ 19 - 20، وكذلك ترجمة الآيات التى تتعلق بها هذه الهوامش.
[153] ص 133/ هـ 162.
[154] انظر مثلا ص 56/ هـ 243، وص 226/ هـ 126.
[155] ص 226/ هـ 124، فضلا عن المرات الأخرى التى تكررت فيها إشارته إلى هذه النبوءات مما ذكرناه سابقا.
[156] ص 1413/ هـ 132.
[157] انظر ص 518/ هـ 94.
[158] ص 22 - 23/ هـ 87.
[159] انظر ص 885 - 886/ هـ 17.
[160] الحجرات/ 17.
[161] ص 795/ ترجمة الآية وهـ 22.
[162] آل عمران/ 85.
[163] المائدة/ 3.
[164] الزمر/ 22.
[165] الصف/ 7.
[166] الأنعام/ 125.
[167] الحجر/ 2.
[168] الأحزاب/ 35.
[169] مما يلفت النظر هنا أن محمد أسد قد دأب على ترجمة كلمتى "الإسلام" و"مسلم" فى كتابه Sahih al-Bukhari-The Early years of Islam" بـ " Islam" و " Muslim" ( ص76، 77، 103، 120، 135، 137، 149، 216، 282 ... إلخ، وهو كثير جداًً). كان ذلك فى سنة 1938م وما قبلها، فما الذى جعله يترك هذه الترجمة الصحيحة ويلجأ فى ترجمته للقرآن إلى الترجمة الأخرى بكل ما فيها من لف ودوران؟
[170] ص84/ هـ85.
[171] إذا ذُكِرَتْ فى القرآن "تلاوة آيات الله" كان المقصود هو آيات القرآن ليس إلا، وهذا من ملامحه الأسلوبية المهمة.
[172] النساء/ 150 - 151.
[173] الأنعام/ 92.
[174] التوبة/ 79.
[175] الأعراف/ 155 - 157.
[176] القصص/ 52 - 54.
[177] البقرة/ 121.
[178] آل عمران/ 199.
[179] الرعد/ 36.
[180] العنكبوت/ 47.
[181] الإسراء/ 107 - 109.
[182] المائدة/ 82.
[183] ما بين القوسين من عندى على سبيل الربط والتوضيح.
[184] ص 160/ هـ 97.
[185] آل عمران/ 64.
[186] المائدة/ 72 - 73.
[187] عبد العزيز الرفاعى/ أيام حزينة (1) النمساوى المسلم محمد أسد/ المجلة العربية/ العدد 186/ رجب 1413هـ/ 58. وواقع الحال أن هذا رأى قديم لكاتبنا، ففى مقدمة الطبعة الأولى لكتابه " Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam" الصادرة سنة 1938م نراه ينعى على المسلمين الذين يظنون أن القرآن قد فُرِغَ منذ قرون من تفسيره التفسير الصحيح إلى الأبد، والذين لم يعودوا يفكرون تفكيرا مستقلا عن تفكير القدماء رغم أن الكثيرين من أولئك القدماء كانوا (كما يقول) واقعين تحت تأثير الأفلاطونية الجديدة. كما يؤكد أن عظمة القرآن تكمن فى أنه كلما اتسعت آفاق المعارف الدنيوية ظهر له من المعانى الجديدة ما كان خافيا على السابقين، وأن المسلم مطالب بعدم الإصاخة إلا إلى فهمه هو للقرآن وصوت ضميره، وأن باب الاجتهاد لم يغلق، ولا يمكن أن يغلق يوما من الأيام فى وجه أى باحث عن الحقيقة (انظر الطبعة الثانية من الكتاب المذكور الصادرة عام 1981م عن دار الأندلس بجبل طارق/ P. vi vii, ix).
. [188] Muhammad Asad, The Message of the Qur’an, P. 797, n. 22
ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 03:24 م]ـ
كان ما تقدم هو ماله صلة بموضوعات الملتقى العلمي للتفسير وعلوم القرآن. ولقراءة بقية الكتاب فهو في مكتبة شبكة التفسير على هذا الرابط.
فكر محمد أسد (ليو بولد فايس) كما لا يعرفه الكثيرون ( http://tafsir.org/books/open.php?cat=97&book=953)
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[10 Jan 2006, 01:27 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الدكتور إبراهيم بارك الله فيك وفيما تكتب وجعلها نوراً لك يوم القيامة ...
كتابتكم ممتعة في رصانتها وأصالتها ...
وأسأل الله عز وجل لكم السداد دائماً ..
والسلام
ـ[د. أنمار]ــــــــ[10 Jan 2006, 01:47 م]ـ
مجهود جيد، لكن لو اقتصر المؤلف على بعض النقاط وأغفل ما فيه تكلف لكان البحث أقوى. فكثير من النقاط أعلاه ممكن غض الطرف عنها فهي مما يقبله الخلاف المحمود.
ـ[الراية]ــــــــ[10 Jan 2006, 11:29 م]ـ
تعريف بالكاتب/ محمد أسد
كتبها
د. سلمان العودة
25/ 11/1421
محمد أسد، مستشرق نمساوي يهودي الأصل، ولد سنة 1318هـ،1900م، ودرس الإسلام، ثم زار الجزيرة العربية، وأعلن إسلامه فيها عام 1926م، وبدأ عقله الحر يتفاعل مع الإسلام وتعاليمه، فأفرز كتاباً من أشهر كتبه وأكثرها رواجاً، هو: (الإسلام على مفترق الطرق)،
ثم سجل قصة رحلته الطويلة إلى الإسلام وإلى الجزيرة بعنوان (الطريق إلى مكة)، وهو أشهر كتبه حتى قال عنه أحد المسلمين الغربيين:
" إن أحداً لا يعرف عدد من وجدوا الطريق إلى الإسلام عبر هذا الكتاب الصغير "
وله كتاب آخر مفيد اسمه (منهاج الإسلام في الحكم).
له جهاد مشكور في قضايا المسلمين، حيث رافق الشهيد عمر المختار في ليبيا في جهاده ضد الطليان، ثم انتقل إلى الهند والتقى محمد إقبال، وأقام هناك حتى قيام الحرب العالمية الثانية.
وهناك سجنه الإنجليز، وضاع منه في سجنه عمل من أعظم أعماله، وهو: (ترجمة صحيح البخاري).
وفي عام 1980م صدرت ترجمته لمعاني القرآن الكريم، والتي ظل في إعدادها أكثر من ستة عشر عاماً، وله جهاد ضد اليهود ودولة إسرائيل، والتأكيد على الحقوق الإسلامية في فلسطين وبيت المقدس،
وقد توفي في 20 شباط (فبراير)، ودفن في مقابر المسلمين في غرناطة بأسبانيا، سنة 1412هـ الموافق 1992م -رحمه الله رحمة واسعة-.
http://www.islamtoday.net/pen/show_question_content.cfm?id=4239
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن الشجري]ــــــــ[31 Mar 2009, 10:21 م]ـ
.
مضى زمن حسبت أني لقيت فيه الأسد فحدثني حديثه، فكم أنست بأخباره وأخبار صاحبه زيد، وإيقاع حبات البن على النار في هدأة الليل وسكون الصحراء، وكم تمنى متمن أنه ثالثهما، لينعم معهما بحديث الصحراء وصدقها، ويرى فيها الطبيعة في صفائها ونبلها، قبل أن تلوثها يد الإنسان، أو تصيبها جراحات الزمان، أسفار وأسفار في ليال تلتها أيام، من النمسا إلى فينا إلى ألمانيا إلى مصر، ففلسطين فسوريا والأردن والعراق ثم جزيرة العرب، بفيافيها الواسعة، وصحرائها الشاسعة، مرورا بالنفوذ خلوصا إلى حائل وبلاد نجد فالحرمين، ثم بلاد فارس والهند فباكستان، حتى وصل إلى أفق تلاشت معه حدود الزمان والمكان ...
لقد قرأت الكثير من كتب التراجم والسير الذاتية، فما اصطحبني أحدهم كصاحب الطريق إلى مكة، في سمو مقصده وضخامة معانيه، آسر بديع في نظمه وعرضه، ووصفه للمشاهد والأحداث، بحق إنه من الكتب القلائل التي تتمنى لو أن الكتاب الواحد منها مجلدات، فما أندر الكتاب الذي هذا وصفه، والذي يحلق بك في خيال واسع، ويأسرك معه في أحداثه فلا تستطيع مفارقته حتى نهاية الطريق، ثم هو لا يفارقك بعدها، بل يضل شاخصا في عينيك ماثلا في ذهنك ما شاء الله.
مالك يا دكتور إبراهيم وللرجل غفر الله لكما، ( ... نمساوي يهودي ... )! ( ... وما يبدو الإسلام معه شيئا آخر غير الذي نعرف ... )!، فهلا قلت ببعض قولك، فما أرادنا الرجل بتلك الكتب، ولا وجهها إلينا، فهب أنا استننا بسنتك، وانتهجنا شرعتك، لما بقي لنا من أهل الفضل إلا القليل.
والنقد كالدواء الذي يتجرعه المرء ولا يكاد يسيغه، إلا أنه يتصبر رجاء حسن العاقبة، ومن حسنه وطأته على النفس لأنه يهذبها ويشذبها، وكأن هذا التشذيب سنة كونية من الله لبعض مخلوقاته تستمد منه ديمومتها، حتى بعد موتها ليكون لها الذكر الثاني، فأي ثقل يمكن تصوره للنقد في صورته الثانية، إلا لدا وسعوطا يلد به من لا يشكي السقام.
والناس عموما في عالمنا العربي لا تعرف الرجل إلا من خلال كتبه التي أشرت إليها، فماهي الفائدة المرجوة من التصدي لكتب إنما ألفها غالبا لليهود والنصارى، أو من كان كذلك، أليس الأجدر أن يشاد به بدلا من جعله غرضا، وهب أنك مصيب فيما ذهبت إليه، وأنك محق فيما اتكأت عليه، فماهي الثمرة والمحصل لهذا التشهير يادكتور عفى الله عنك.
وقعت في أحد المواقع على ثناء عاطر في حق صاحبنا، وكتابه الطريق إلى مكة، وتناصحهم بالبحث عن الكتاب والاطلاع عليه، وكل أخذ يدلي بما لديه وما استفاده من الكتاب، فقائل: أجمل رواية قرأتها في حياتي، وقائل: قصة لا كل القصص، وقائل: عرفني حال الجزيرة العربية في أيام لم أشهدها، وقائل: رأيت حديثه عن حشمة النساء في ذلك العهد، والكثير من السجايا والخصال، وقائل: أنست بشهادته لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وحديثه عنها ...
حتى أورد أحدهم مقولتك عن فكر محمد أسد، فدق بينهم عطر منشم، وخيمت الخيبة على من تلى حسن الكتاب، وضرب الصمت بأطنابه، فقلنا: هذه أول بركات الدكتور عفى الله عنه، ومن عرف الطريق إلى مكة قبل معرفة المقالة فلا بد أن يعجب.
إننا نغفل كثيرا عن سياسة الصمت، والتي تكون أحيانا فقها كاملا في التعامل، بل إن السكوت يكون من العلم أحيانا، وللأسف ففي الأزمنة المتأخرة أصبحنا أمة لا تحسنه في مواضعه، وهذا مما بلينا به حيث أصبح الجدل سمة بادية في الزمان، وهو من الظلم الذي هو وضع الشئ في غير موضعه، وإنها لمشكلة اجتماعية وفردية نعيشها على جميع المستويات، وما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا والعياذ بالله (ماضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون)
وعموما أنا لست معك فيما كتبت، وإن كنت معك في الدفاع عن كتاب الله، فالكثير مما أوردته وأخذته على الرجل:
1ـ إما أن يكون خطأ يغتفر له ويسكت عنه حتى لا تشوه به صورة إحسانه.
2ـ وإما أن يكون مما يسع معه الخلاف فلا وجه إذا لهذا التشويه.
3ـ وإما أن يكون رأيا كان الصواب فيه حليفه.
وختاما لم أتقصد النقاش، فربما كنت معك من حيث يسري إليك أنني ضدك، لكن لا يحسن بأقلامنا أن تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، إنما استوقفني عموم الرد، وظلم الموقف، وطغيان العبارة، فأحببت تسجيل مروري.
4/ 4/1430(/)
تساؤل حول قوله تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أ
ـ[فاروق]ــــــــ[05 Jan 2006, 12:08 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
يقول الله تعالى في سورة البقرة:
(مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ... البقرة- الجزء الأول)
في هذه الآية إذا كانت "الآية"هي العبارة القرآنية المكونة من كلمات .. فلماذا يختم الله تعالى
الآية:أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ولم يقل عز وجل أن الله بكل شيء عليم أو حكيم .. ؟؟
هل صفة القدرة تتناسب مع العلم .. ؟؟
هل هناك آيات أخرى في القرآن الكريم مماثلة .. ؟؟
اعذروني إن أسأت التعبير .. !!
ـ[فاروق]ــــــــ[19 Jan 2006, 11:12 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
من يرفع عني هذا اللبس .. حول تساؤلي.!؟
ـ[روضة]ــــــــ[20 Jan 2006, 01:18 ص]ـ
إن من مظاهر إعجاز القرآن الكريم أن الكلمة فيه تقع موقعها اللائق بها، فلا يمكن استبدالها بكلمة أخرى، وإلا أدى ذلك إلى اضطراب في الكلام.
وإنما كان ذلك كذلك لأن القرآن في أعلى طبقات البلاغة، وعمود البلاغة ـ كما يقول الإمام الخطابي ـ:"هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به، الذي إذا بُدّل مكانه غيره جاء منه: إما تبدّل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة؛ ذلك أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب، والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك، لأن لكل لفظة خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإنْ كانا قد يشتركان في بعضها" [ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، رسالة الخطابي، البيان في إعجاز القرآن، ص29].
فالكلمة القرآنية مظهر من مظاهر الإعجاز البياني، والفاصلة القرآنية هي كلمة في آخر الآية، هذه الكلمة كغيرها من كلمات القرآن تُختار اختياراً دقيقاً؛ لتؤدي الرسالة التي جاءت من أجلها، ويظهر فيها إعجاز القرآن، وهذا هو حظ الفاصلة من الإعجاز. (كما سماه الحسناوي في كتابه الفاصلة في القرآن، ص178).
للإجابة على سؤال الأخ فاروق الذي يتعلق بسر اختيار التعبير بالقدرة دون التعبير بالعلم أو الحكمة، يجب أولاً معرفة معنى الآية، لأن معرفة وجه البلاغة تتفرع عن المعنى.
من ينظر في التفاسير يجد أن المفسرين ذهبوا مذهبين في معنى قوله تعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها ....... "
المذهب الأول: المراد بالنسخ نسخ الأحكام الشرعية، بمعنى إزالة حكم بحكم شرعي آخر، وهذا بناء على أن معنى كلمة (آية) هو: الآية من القرآن.
المذهب الثاني ـ وهو ما أرجحه ـ: ما ذكره جمع آخر من المفسرين، منهم الشيخ محمد رشيد رضا، وشيخه الإمام محمد عبده، فهم يرون أن معنى كلمة (آية)، هو: "ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم" [تفسير المنار، (417:1)]
وقالوا إن نسخ الأحكام الشرعية يُفهم من قوله تعالى: "وإذا بدلنا آية مكان آية"، ولا يفهم من قوله: "ما ننسخ من آية"، واستدلوا على ذلك بأمور عدة، منها السياق، ومنها بلاغة الفاصلة في كل آية.
قال الشيخ محمد رشيد نقلاً عن الإمام: " وإذا وازنا بين سياق آية (ما ننسخ) وآية (وإذا بدلنا آية مكان آية) نجد أن الأولى ختمت بقوله تعالى: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) والثانية بقوله: (والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر)، ونحن نعلم شدة العناية في أسلوب القرآن بمراعاة هذه المناسبات، فذكر العلم والتنزيل ودعوى الافتراء في الآية الثانية يقتضي أن يراد بالآيات فيها آيات الأحكام.
وأما ذكر القدرة والتقرير بها في الآية الأولى فلا يناسب موضوع الأحكام ونسخها، وإنما يناسب هذا ذكر العلم والحكمة، فلو قال: (ألم تعلم أن الله عليم حكيم)، لكان لنا أن نقول إنه أراد نسخ آيات الأحكام؛ لما اقتضته الحكمة من انتهاء الزمن أو الحال التي كانت فيها تلك الأحكام موافقة للمصلحة".
ثم قال: "والمعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق إلى آخره أن (الآية) هنا هي ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم، أي: (ما ننسخ من آية) نقيمها دليلاً على نبوة نبي من الأنبياء، أي نزيلها ونترك تأييد نبي آخر بها، أو ننسها الناس لطول العهد بمن جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة، والتصرف في الملك نأتي بخير منها في قوة الإقناع وإثبات النبوة، أو مثلها في ذلك، ومن كان هذا شأنه في قدرته وسعة ملكه فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه، والآية في أصل اللغة هي الدليل والحجة والعلامة على صحة الشيء، وسميت جمل القرآن آيات لأنها بإعجازها حجج على صدق النبي، ودلائل على أنه مؤيد فيها بالوحي من الله عز وجل، من قبيل تسمية الخاص باسم العام.
ولقد كان من يهود من يشكك في رسالته عليه السلام بزعمهم أن النبوة محتكرة لشعب إسرائيل، ولقد تقدمت الآيات في تفنيد زعمهم ....
ـ ثم قال ـ: كأنه يقول إن قدرة الله تعالى ليست محدودة ولا مقيدة بنوع مخصوص من الآيات أو بآحاد منها لا تتناول غيرها، وليست الحجة محصورة في الآيات السابقة لا تتعداها، بل الله قادر على أن يأتي بخير من الآيات التي أعطاها موسى وبمثلها، فإنه لا يعجز قدرته شيء، ولا يخرج عن ملكه شيء، كما أن رحمته ليست محصورة في شعب واحد فيخصه بالنبوة ويحصر فيه هداية الرسالة، كلا إن رحمته وسعت كل شيء، كما أن قدرته تتصرف بكل شيء من ملك السموات والأرض الذي لا يشاركه فيه مشارك، لا ينازعه فيه منازع، فيكون ولياً ونصيراً لمن كفر بنعمه وانحرف عن سننه.
انظر كيف أسفرت البلاغة عن وجهها في هذا المقام فظهر أن ذكر القدرة وسعة الملك إنما يناسب الآيات بمعنى الدلائل دون معنى الأحكام الشرعية". [المنار، (416:1،417)]
أرجو أن يكون فيما نقلته عن تفسير المنار الشفاءُ والغَناءُ.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فاروق]ــــــــ[22 Jan 2006, 03:29 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أختي الفاضلة الباحثة:
بارك الله فيك على هذا الرد الجميل .. والتعليل المنطقي .. في تفسير هذه الآية الكريمة،
فالقرآن الكريم هو كلام الله تعالى،كل لا يتجزأ، ومنزه عن الحدوث والتغيير، وآياته يفسر بعضها البعض في تناسق مذهل وأسلوب بلاغي معجز، لا تعارض بينها و"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" ..
فمعنى الآية هنا كما ذكرت هي المعجزات والبراهين التي يؤيد الله بها رسله، وشاء الله تعالى أن تكون بشكل تصاعدي .. فكل آيةهي أكبر من سابقتها أومثلها كما في قوله تعالى:
"وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) "
وفي هذه الآية:
مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) " [/ color] لو نظرنا إلى الآية التي تسبق الآية محل التساؤل لاتضح الأمربجلاء،كما ذكرت، فالذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين، أيقنوا أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم خير مما أنزل من قبله .. فما دامت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم هي آخر الرسالات
ومادامت سنة الله هي أن كل رسالة هي أكبر من أختها فالحق أن تكون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم خير الرسالات وناسخة لها ..
لأنه لو كانت كلمة آية تعني مجموعة كلمات قرآنية تحمل حكما معينا، فما الحكمة من نسخ حكم بحكم مثله؟! ..
وهل هناك تفضيل بين كلمات الله تعالى.!؟ ..
لحد الآن أتفق معك فيما ذكرت نقلا عن تفسير المنار الشفاءُ والغَناءُ،لكن تبرزقضية أخرى فيما ذكرت
في قوله تعالى:
"وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101)
فذكر العلم والتنزيل ودعوى الافتراء في الآية الثانية يقتضي أن يراد بالآيات فيها آيات الأحكام.
فهل المراد هنا بالآية آية الأحكام؟ إذا سلمنا بذلك فكيف نفهم قوله تعالى:
"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) "
"مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (29) "
فكيف يكون المبدل هو كلمات الله تعالى التي هي فوق الحدوث والتغيير، والتبديل وهي تنتمي لعالم الأمر الذي لا يحوي المتناقضات، فلا بد من انتماء المبدل لعالم الخلق الذي يتصف بالحدوث والتغيير.
ـ[روضة]ــــــــ[23 Jan 2006, 03:20 ص]ـ
أشكرك أخي فاروق على ما تثيره من تساؤلات تحفّز على البحث، وتوقظ الذهن ليجد الإجابة، وهي تدل على نظر المتدبِّر لكتاب الله عز وجل، زادنا الله وإياك تدبراً وفهماً.
هذا التساؤل الجديد يتضمن عدة أسئلة، وسأصيغها بطريقة أخرى ـ كما فهمتُها ـ، أرجو أن يكون فهمي صحيحاً:
1. هل المقصود بـ (آية) في قوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ هو آيات الأحكام؟
2. نسخ الآيات يقتضي التغير، وهذا يتناقض مع أن كلمات الله لا تبدَّل كما جاء هذا في القرآن الكريم.
3. نسخ الآيات يقتضي التغير، والتغير من صفات الحوادث، وكلام الله قديم غير حادث، ولا ينتمي إلى عالم المخلوقات.
4. كيف يكون الناسخ والمنسوخ في علم الله تعالى، والنسخ يلزم منه التناقض، لاختلاف الحكيمن: الناسخ والمنسوخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرى أنّا لو فهمنا بعض القضايا التي تتعلق بموضوع النسخ سيزول اللَبْس ويتضح الأمر فنستطيع الإجابة على الأسئلة السابقة، من هذه القضايا:
1. معنى النسخ.
2. ما يتناوله النسخ.
3. آراء المعترضين على وجود النسخ، وسبب اعتراضهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
4. ثم لا بد من الوقوف على ما قاله المفسرون بالنسبة للآيتين الكريمتين: وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الكهف:27]، "مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [ق:29]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفاوت الباحثون في علوم القرآن الكريم في بسط المسائل المتعلقة بالنسخ، فمنهم من أوجز، ومنهم من لم يترك شاردة ولا واردة إلا عرض لها، كان الأستاذ الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني من هؤلاء، فقد جعل المبحث الرابع عشر من كتابه (مناهل العرفان) حول النسخ، وجمع فيه كل ما يخطر على البال في هذا الموضوع، حتى انتهى منه بما يقارب المئة صفحة، جزاه الله عن المسلمين خيراً.
لذلك سأنقل كثيراً مما ورد في كتابه هنا، ومن أراد زيادة فائدة فليرجع إلى الكتاب.
أبدأ أولاً بمصطلح النسخ، وهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر متراخٍ عنه، يفهم من التعريف أنه لا بد من وجود تعارض بين الحكمين ولا يمكن الجمع بينهما، ويفهم من التعريف أيضاً أن النسخ مختص بآيات الأحكام فقط، ولا يمكن أن يكون بآيات العقائد والأخلاق، لأنها ثابتة لا تقبل التبديل، ولا كذلك يكون النسخ بالأخبار وقصص السابقين؛ فهذا لا يُعقل.
إذن فالمراد بـ (الآية) في قوله تعالى: "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ" آية الأحكام.
قال الإمام السيوطي في (الإتقان): "لا يقع النسخ إلا في الأمر والنهي، ولو بلفظ الخبر، أما الخبر الذي ليس بمعنى الطلب فلا يدخله النسخ، ومنه الوعد والوعيد، وإذا عرفت ذلك عرفت فساد صنع من أدخل في كتب النسخ كثيراً من آيات الأخبار والوعد والوعيد" (45:2).
بل الأمر أخص من هذا، فالنسخ يتعلق بفروع العبادات والمعاملات (الأحكام) لا في أصولها، والسبب في اختصاص النسخ بآيات الأحكام الفرعية دون باقي آيات القرآن الكريم؛ "أما العقائد فلأنها حقائق صحيحة ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل، فبدهي ألا يتعلق بها نسخ، وأما أمهات الأخلاق فلأن حكمة الله في شرعها، ومصلحة الناس في التخلق بها أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن، ولا يختلف باختلاف الأشخاص والأمم، حتى يتناولها النسخ بالتبديل والتغيير.
وأما أصول العبادات والمعاملات فلوضوح حاجة الخلق إليهما باستمرار، لتزكية النفوس وتطهيرها ولتنظيم علاقة المخلوق بالخالق والخلق على أساسهما، فلا يظهر وجه من وجوه الحكمة في رفعها بالنسخ.
وأما مدلولات الأخبار المحضة؛ فلأن نسخها يؤدي إلى كذب الشارع في أحد خبريه الناسخ والمنسوخ، وهو محال عقلاً ونقلاً، أما عقلاً فلأن الكذب نقص، والنقص عليه تعالى محال، وأما نقلاً فلمثل قوله تعالى: "ومن أصدق من الله قيلاً" [النساء:122]، "ومن أصدق من الله حديثاً" [النساء: 87] ". [مناهل العرفان، (229:2)].
هل يلزم من القول بالنسخ أن الآياتِ المنسوخةَ (المُبْدَلَة) حادثةٌ؟
ما دامت الآيات المنسوخة في كتاب الله عز وجل وآيات من آياته إذن هي غير حادثة، لا يقول بخلاف هذا أحد من أهل السنة، إنما هي من علم الله الأزلي.
تفصيل هذا في الرد على شبهة منكري النسخ، ففيه جواب على السؤال:
نازع بعض الناس في جواز النسخ، مثل اليهود وبعض النصارى؛ ذلك أنهم سوَّوا بين النسخ و (البَداء)، وهو ظهور الشيء بعد خفاء، أو نشأة رأي جديد، قال تعالى: "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين"، أي نشأ لهم رأي جديد.
وصفة العلم الأزلي من صفات الله تعالى التي لا تتفق مع البداء؛ فلا يمكن أن نماثل بين النسخ والبداء؛ لثبات صفة العلم الأزلي عند المسلمين.
فمعنى البداء مستحيل على الله؛ "لما يلزمه من سبق الجهل وحدوث العلم، والجهل والحدوث عليه محالان، لأن النظر الصحيح في هذا العالم، دلنا على أن خالقه ومدبّره متصف أزلاً وأبداً بالعلم الواسع المطلق المحيط بكل ما كان وما سيكون وما هو كائن، كما هدانا هذا النظر الصحيح إلى أنه تعالى لا يمكن أن يكون حادثاً ولا محلاً للحوداث ...... أما أدلة النقل فنصوص فياضة ناطقة بأنه تعالى أحاط بكل شيء علماً، وأنه لا تخفى عليه خافية: "وعنده مفاتح الغيب" [الرعد:8] ... إلى غير ذلك من مئات الآيات والأحاديث". [مناهل العرفان،
(يُتْبَعُ)
(/)
(197:2)].
"نسي القائلون بالبداء أو تناسوا أن الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض، ما ظهر له أمر كان خافياً عليه، وما نشأ رأي جديد كان يفقده من قبل، إنما كان سبحانه يعلم الناسخ والمنسوخ أزلاً من قبل أن يشرعهما لعباده، بل من قبل أن يخلق الخلق، ويبرأ السماء والأرض، إلا أنه ـ جلّت حكمته ـ علم أن الحكم الأول المنسوخ منوط بحكمة، أو مصلحة تنتهي في وقت معلوم، وعلم بجانب هذا أن الناسخ يجيء في هذا الميقات المعلوم منوطاً بحكمة وبمصلحة أخرى، ولا ريب أن الحكم والمصالح تختلف باختلاف الناس، وتتجدد بتجدد ظروفهم وأحوالهم، وأن الأحكام وحكمها، والعباد ومصالحهم، والنواسخ والمنسوخات، كانت كلها معلومة لله من قبل، ظاهرة لديه لم يخف شيء منها عليه، والجديد في النسخ إنما هو إظهاره تعالى ما علم لعباده، لا ظهور ذلك له". [مناهل العرفان، (198:2)]
كيف يمكن أن تجتمع الآيات الناسخة والمنسوخة في علم الله مع أنها متعارضة؟
"يقولون: إن النسخ يستلزم اجتماع الضدين، واجتماعهما محال، وبيان ذلك أن الأمر بالشيء يقتضي أنه حسن وطاعة ومحبوب لله، والنهي عنه يقتضي أنه قبيح ومكروه له تعالى، فلو أمر الله بالشيء ثم نهى عنه، أو نهى عن الشيء ثم أمر به، لاجتمعت هذه الصفات المتضادة في الفعل الواحد الذي تعلق به الأمر والنهي.
وندفع هذه الشبهة بأن الحسن والقبح وما اتصل بهما، ليست من صفات الفعل الذاتية حتى تكون ثابتة لا تتغير، بل هي تابعة لتعلق أمر الله ونهيه بالفعل، وعلى هذا يكون الفعل حسناً وطاعة ومحبوباً لله ما دام مأموراً به من الله، ثم يكون هذا الفعل نفسه قبيحاً ومعصية ومكروهاً له تعالى ما دام منهياً عنه منه تعالى، ... وبهذا التوجيه ينتفي اجتماع الضدين؛ لأن الوقت الذي يكون فيه الفعل حسناً، غير الوقت الذي يكون فيه الفعل قبيحاً، فلم يجتمع الحسن والقبح في وقت واحد على فعل واحد". [مناهل العرفان، (217:2،218)]
بقي أن نفهم معنى الآيتين الكريمتين؛ لرفع وهم التناقض بينهما وبين النسخ الواقع في كتاب الله عز وجل:
"وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا" [الكهف:27]
"مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ" [ق:29]
* قال صاحب الكشاف:
" {وَ?تْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}
كانوا يقولون له: ائت بقرآن غير هذا أو بدله، فقيل له {وَ?تْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ} من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل، فلا مبدل لكمات ربك، أي: لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها، وإنما يقدر على ذلك هو وحده {وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} [النحل: 101] ".
* وقال العلامة الألوسي: "ومن الناس من خص الكلمات بمواعيده تعالى لعباده الموحدين فكأنه قيل اتل ما أوحى إليك ولا تبال بالكفرة المعاندين فإنه قد تضمن من وعد الموحدين ما تضمن ولا مبدل لذلك الوعد، ومآله اتل ولا تبال فإن الله تعالى ناصرك وناصر أصحابك".
على كلا التفسيرين، سواء كان المراد بـ (كلماته) آيات القرآن أم الوعد، فلا تعارض بين الآية وبين النسخ. والأمر واضح.
على كلا التفسيرين، سواء كان المراد بـ (كلماته) آيات القرآن أم الوعد، فلا تعارض بين الآية وبين النسخ. والأمر واضح.
أما آية (ق): فهي بعيدة كذلك عن موضوع النسخ، وقد بينّ الزمخشري معناها بالاستعانة بسياق الآيات، قال: " {قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِ?لْوَعِيدِ} * {مَا يُبَدَّلُ ?لْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}
{قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ} استئناف مثل قوله:
{قَالَ قرِينُهُ} [ق: 27] كأن قائلاً قال: فماذا قال الله؟ فقيل: قال لا تختصموا. والمعنى: لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته، وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم حجة عليَّ، ثم قال: لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدي فأعفيكم عما أوعدتكم به {وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـ?مٍ لّلْعَبِيدِ} فأعذب من ليس بمستوجب للعذاب".
وجاء في (زاد المسير)، لابن الجوزي: " {ما يُبَدَّلُ القولُ لديَّ} فيه قولان.
أحدهما: ما يبدَّل [القول] فيما وعدتُه من ثواب وعقاب، قاله الأكثرون.
والثاني: ما يُكذَّب عندي ولا يغيَّر القول عن جهته، لأنِّي أعْلَمُ الغيب وأعْلَمُ كيف ضلُّوا وكيف أضللتموهم، هذا قول ابن السائب واختيار الفراء وابن قتيبة، ويدل عليه أنه قال تعالى: {ما يُبَدَّل القول لديَّ} ولم يقل: ما يُبَدَّل قولي {وما أنا بظلاّمٍ للعبيدِ} فأَزيدَ على إساءة المُسيء، أو أنقص من إحسان المُحسن".
أتمنى أن تكون هذه الإجابة قد نسخت ورفعت ما كان من تساؤلات.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فاروق]ــــــــ[24 Jan 2006, 07:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
بارك الله فيك أيهتا الأخت الفاضلة "باحثة" على الرد أولا وثانيا على صياغة أسئلتي بشكل جيد ..
أختي الفاضلة أنا لا أتبنى رأيا معينا ولاأدافع عنه ولكن أحاول أن أفهم وأتدبر القرآن بالقدر الذي يستسيغيه "عقلي" فاعذرونا إن أكثرت الأسئلة .. !!
لا أناقش في أمر معلوم:بأن صفة علم الله الأزلي الذي هو من صفاته تعالى لا يتفق مع البداء وأن علمه واسع مطلق محيط بما كان وما سيكون وبما هوكائن، وأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى لا ينتمي إلى العالم المخلوق ..
فالقرآن الموجود بين أيدينا هو ذاته ما قال الله تعالى عنه إنه أنزله دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا " إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) " دون زيادة أونقصان وهو ذاته دون زيادة أونقصان الذي قال الله تعالى عنه إنه مرسوم في اللوح المحفوظ "بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22) "
فعندما ننظر كتاب: الناسخ والمنسوخ تأليف هبة الله بن سلامة البغدادي المتوفي سنة 410هـ وتأريخ القرآن ـ لإبراهيم الابياري ص 168و كتب التفسير المختلفة نجد أن هناك ثلاثة أنواع للناسخ والمنسوخ هي:
(1) ما نُسخ حرفه، وبقي حكمه.
(2) ما نُسخ حكمه، وبقي حرفه.
(3) ما نُسخ حكمه ونسخ حرفه.
فمثلي الذي ليس له علم شرعي عندما يقرأ مثل هذا التقسيم أو يصدم باختلاف من يجمعون على مسألة الناسخ والمنسوخ في عدد الآيات التي نسخت وبشكل كبير جدا .. ألا يصاب بالدوران والتيه!!
فنظرة على هذا التقسيم يلاحظ أن:
الثالث "مانسخ حكمه ونسخ حرفه" والأول" ما نسخ حرفه وبقي حكمه" يقتضيان أن القرآن الذي أنزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا والذي نزل من السماء الدنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدار 23 عاما هذا القرآن حسب هذا الطرح أكبر حجما من القرآن الموجود بين أيدينا الآن .. !!
والثاني "ما نسخ حكمه وبقي حرفه" يقتضي وجود آيات للتلاوة فقط .. !
فمسألة مهمة كهذه "الناسخ والمنسوخ" كان بالأحرى أن يبينها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو الذي بين تفاصيل أبسط الأمور عبر الآلاف من الأحاديث الشريفة ..
وبما أنه لا يوجد نص قرآني ولا حديث يحددان الآيات المنسوخة والآيات التي نسختها ,,لذلك فهذه مسألة اجتهادية .. والاجتهاد ليس مقصورا على جيل دون آخر ولكن لمن تتوفرفيه شروط الاجتهاد .. فيجب النظر في النصوص القرآنية بمنهج الكلية في البحث القرآني والتوفيق بينها جميعا وليس النظر إلى كل على حدة مما يوهم بوجود تعارض بينها ..
وأعود إلى ما ذكرت أيتها الأخت الفاضلة بقولك نقلا عن "مناهل العرفان"
" يقولون: إن النسخ يستلزم اجتماع الضدين، واجتماعهما محال، وبيان ذلك أن الأمر بالشيء يقتضي أنه حسن وطاعة ومحبوب لله، والنهي عنه يقتضي أنه قبيح ومكروه له تعالى، فلو أمر الله بالشيء ثم نهى عنه، أو نهى عن الشيء ثم أمر به، لاجتمعت هذه الصفات المتضادة في الفعل الواحد الذي تعلق به الأمر والنهي.
وندفع هذه الشبهة بأن الحسن والقبح وما اتصل بهما، ليست من صفات الفعل الذاتية حتى تكون ثابتة لا تتغير، بل هي تابعة لتعلق أمر الله ونهيه بالفعل، وعلى هذا يكون الفعل حسناً وطاعة ومحبوباً لله ما دام مأموراً به من الله، ثم يكون هذا الفعل نفسه قبيحاً ومعصية ومكروهاً له تعالى ما دام منهياً عنه منه تعالى، ... وبهذا التوجيه ينتفي اجتماع الضدين؛ لأن الوقت الذي يكون فيه الفعل حسناً، غير الوقت الذي يكون فيه الفعل قبيحاً، فلم يجتمع الحسن والقبح في وقت واحد على فعل واحد". [مناهل العرفان، (217:2،218)] أولا فعلم الله تعالى وقدرته فوق ما نتصور "ليس كمثله شيئ" "وإذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون"
ملاحظتي في ما كتب أعلاه:
فكأني أقرأ نصا صوفيا!!
أوأني لم أستسغ كنه ما كتب وهذا من قصور فهمي .. !!؟
لأني أعرف بعلمي المتواضع أن القرآن الكريم نزل لبشر ليكون شريعة لهم يبن الحلال والحرام ويهدي الناس إلى الطريق الذي ارتضاه الله لهم .. كيف يكون بهذا المعنى" لأن الوقت الذي يكون فيه الفعل حسناً، غير الوقت الذي يكون فيه الفعل قبيحاً، فلم يجتمع الحسن والقبح في وقت واحد على فعل واحد" القرآن لن يكون بهذا الغموض على الأقل بالنسبة لي (الذي أشكل عليه الفهم)،لاتقربوا الزنا هي لا تقربوا الزنا في كل زمان وفي كل مكان!! فهذا يتطلب شيئا من التوضيح بل الكثير من التوضيح .. اللهم إني لم أفهم .. اللهم فاشهد!!
أما ما قيل في أن:
" مصطلح النسخ، وهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر متراخٍ عنه، يفهم من التعريف أنه لا بد من وجود تعارض بين الحكمين ولا يمكن الجمع بينهما، ويفهم من التعريف أيضاً أن النسخ مختص بآيات الأحكام فقط،"
فهل يفهم من هذا أنه يقتضي وجود آيات قرآنية لمجرد التلاوة والتبريك فهي على هذا الأساس تحمل معاني وأحكاما ودلالات تختلف عن الأحكام الورادة التي تحملها الآيات الناسخة، أي أن الآيات المنسوخة مفرغة من حكم استمرار الصلاحية ولفظها معزول عن مضمونها.؟
وهل يفهم أيضا أن الآيات المنسوخة خاضعة لقوانين الزمان والمكان،أي حادثة، بمعنى أنها
حملت أحكاما وتتشريعات مؤقتة لمرحلة معينة للجيل الأول الذي عاصر نزول القرآن الكريم
ثم أتت بعد ذلك الآيات الناسخة لتبدأ مرحلة جديدة بالنسبة لهذه الأحكام والتشريعات ... ؟! وأما أن " النسخ يتعلق بفروع العبادات والمعاملات "
فأحبذ هنا حتى يستقيم الفهم عندي وتتضح الرؤيا فلابد من ذكر آيات قرآنية في هذا الباب .. وذكر الآيات التي "نسخت"
[ line]
اللهم فهمنا ما لم نفهم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[24 Jan 2006, 11:03 م]ـ
عن موقع " مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ":
جدول للآيات المنسوخة والناسخة:
http://www.qurancomplex.org/Display.asp?section=1&l=arb&f=nwasekh158
و بعد ما جاء فيه عقَب محقق كتاب " الناسخ و المنسوخ " لمؤلفه الإمام العلامة ابن الجوزي بما يلي:
(ومن هنا يتبين للقارئ أن المتفق عليه مما قيل بنسخه لا يزيد عن آيتين اثنتين فقط، هما:
1 - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً (12) من سورة المجادلة.
2 - يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا (1 - 3) من سورة المزمل.
وما عدا ذلك فهو موضع اختلاف بينهم.
ويمكنك العودة إلى المصادر المختلفة لمعرفة وجهة نظر كل من علماء النسخ، والله تعالى أعلى وأعلم)
و لمزيد بحث في الناسخ و المنسوخ، و معرفة تطور تعريف النسخ، و مناقشة (247) قضية من بين (62) سورة قرآنية: إليكم هذا الرابط:
http://www.qurancomplex.org/Tree.asp?section=1&TabID=2&SubItemID=1&l=arb&SecOrder=2&SubSecOrder=2
**********************
* و لا شك في أن النسخ في القرآن الكريم ثابت بالدليل الصحيح الصريح، و من ذلك ما جاء في:
صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ >> سُورَةُ البَقَرَةِ >> بَابُ لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ >>
" ادْعُوا فُلاَنًا " فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ، أَوِ الكَتِفُ
4341 حدثنا محمد بن يوسف، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: لما نزلت: لا يستوي القاعدون من المؤمنين قال النبي صلى الله عليه وسلم " ادعوا فلانا " فجاءه ومعه الدواة واللوح، أو الكتف، فقال: " اكتب: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله " وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله) *
ـ[روضة]ــــــــ[25 Jan 2006, 03:40 ص]ـ
كنت حريصة في مشاركتي السابقة أن أفتتحها بمقدمة موجزة، تعمَّدتُ أن أذكر فيها أن أسئلتك تدل على نظر المتدبر، ليندفع أي شك بتبنيك رأي معين تدافع عنه ـ فإنما هو تدبر فحسب ـ لأني أعلم أني سأتعرض لموضوع البداء، فخفت أن يتطرق إلى الذهن أني أتهمك بالقول به، أو بأنك من منكري النسخ، واستحضاري الرد على شبهة البداء كان لما تضمنه من حديث عن علم الله الأزلي المتضمن للناسخ والمنسوخ، قد يكون فيه خروج عن صلب الموضوع، ولكن أرجو أن لا يكون قد خلا من فائدة.
فعذراً إن فُهم من كلامي شيء كهذا، وعذراً كذلك إن لم أستطع رفع سؤالاتك، فهذه مجرد محاولات، تحتاج إلى تسديد، وتقييم، خاصة أني في الوقت الحالي لا أتمكن من الرجوع إلى مراجع متنوعة.
ولن أملّ من المحاولات حتى تملّ من الأسئلة، وأرجو أن يتحلى القراء بالصبر، فهذا الملتقى القرآني يهدف إلى التعلم وبلورة المعلومات وصقلها بالحوار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فمثلي الذي ليس له علم شرعي عندما يقرأ مثل هذا التقسيم أو يصدم باختلاف من يجمعون على مسألة الناسخ والمنسوخ في عدد الآيات التي نسخت وبشكل كبير جدا .. ألا يصاب بالدوران والتيه!!
الباحث في الكتب يجد آراء متفاوتة، ومختلفة، ولا بد من ترجيح قول على قول بالاستناد إلى أسس متفقة مع الشرع والعقل، وليس أمراً مستهجناً أن يختلف العلماء وأن يضعّف بعضهم آراء بعض؛ لأنه لا معصوم إلا رسول، وكلٌّ يؤخذ من كلامه ويرد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا الاختلاف أمر طبعي، وهو من الأمور الجميلة في ديننا، حيث يطلع الإنسان على خلاصة عقول جمع كبير من العلماء، ولا يحصر عقله في رأي معين لا يتجاوزه، فلا داعي للصدمة، ولا للدوران والتيه ... الأمر أبسط من هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما نُسخ حرفه، وبقي حكمه.
(2) ما نُسخ حكمه، وبقي حرفه.
(3) ما نُسخ حكمه ونسخ حرفه.
فنظرة على هذا التقسيم يلاحظ أن:
(يُتْبَعُ)
(/)
الثالث "مانسخ حكمه ونسخ حرفه" والأول" ما نسخ حرفه وبقي حكمه" يقتضيان أن القرآن الذي أنزل دفعة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا والذي نزل من السماء الدنيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدار 23 عاما هذا القرآن حسب هذا الطرح أكبر حجما من القرآن الموجود بين أيدينا الآن .. !!
اعتراضك في محله
هل هذا التقسيم الثلاثي للآيات المنسوخة مسلَّم به عند العلماء؟
الصحيح أنه غير مسلّم وقد وردت عليه اعتراضات قوية من العلماء، ومن النوع الثالث: الذي قيل بأنه نُسخ تلاوة وحكماً: ما رويَ عن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان فيما نزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يُحرمن)، ثم نُسخن بخمس رضعات معلومات يُحرمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يُقرأ من القرآن". وغيرها من الروايات التي تحمل ذات المعنى، ولكنها كلها لا تخلو من اضطرابات واختلافات فيما بينها، وقد رد هذا الإمام ابن حجر بحجة أن الراوي ادعى أن هذا قرآناً، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر. [راجع: كتاب النكاح من فتح الباري].
وقال صاحب المنار: " .. االحق أنه لا يظهر لهذا النسخ حكمة، ولا يتفق مع ما ذكر من العلة، وإنّ ردّ الرواية عن عائشة لأهون من قبولها، مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بها، كما علمت، فإن لم نعتمد روايتها فلنا أسوة بمثل البخاري وبمن قالوا باضطرابها، خلافاً للنووي، وإن لم نعتمد معناها فلنا أسوة بمن ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في ذلك، كالحنفية وهي عند مسلم من رواية عمرة عن عائشة، أو ليس ردُّ رواية عمرة وعدم الثقة بها أولى من القول بنزول شيء من القرآن لا تظهر له حكمة ولا فائدة، ثم نسخه أو سقوطه، أو ضياعه، فإن عمرة زعمت أن عائشة كانت ترى أن الخمس لم تنسخ وإذن لا يُعتد بروايتها". [المنار، (النساء:23)].
أما النوع الأول، وهو ما نسخ تلاوة وبقي حكماً، فمثل قولهم: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فهذا ليس فيه رواية صحيحة يُستند إليها، ولم تثبت قرآنيته، وأين هذا الكلام من رفعة أسلوب القرآن وعلو بيانه؟!
[توسع الشيخ فضل عباس في بيان هذين النوعين من النسخ في (إتقان البرهان، 39:2 - 59)، فارجع إليه ففيه فائدة جمة]
ـــــــــــــــــــــــــ
والثاني "ما نسخ حكمه وبقي حرفه" يقتضي وجود آيات للتلاوة فقط .. !
مصطلح النسخ، وهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر متراخٍ عنه، يفهم من التعريف أنه لا بد من وجود تعارض بين الحكمين ولا يمكن الجمع بينهما، ويفهم من التعريف أيضاً أن النسخ مختص بآيات الأحكام فقط،"فهل يفهم من هذا أنه يقتضي وجود آيات قرآنية لمجرد التلاوة والتبريك
أبقاها الله ـ وهو أعلم ـ لنعلم فضله علينا بتيسير الأحكام لنا، و"ليُكشف النقاب عن سير التشريع الإسلامي، ويطلع الإنسان على حكمة الله في تربيته للخلق، وسياسته للبشر، وابتلائه للناس" [مناهل العرفان، (188:2)]، فبقاء تلاوة الحكم المنسوخ قد يشبه قصص السابقين التي نأخذ منها فائدة وعبرة، والحكم المنسوخ نأخذ منه فائدة وفكرة عن سير التشريع الإسلامي، والمراحل التي مرت بها بعض الأحكام.
ــــــــــــــــــــــــــــ
فمسألة مهمة كهذه "الناسخ والمنسوخ" كان بالأحرى أن يبينها رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو الذي بين تفاصيل أبسط الأمور عبر الآلاف من الأحاديث الشريفة ..
سامحك الله، وهل نحن الذين نحدد للرسول صلى الله عليه وسلم ما هو الأحرى، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات المنسوخة ولم يبينها لنا؟
قد تحمل الآيات القرآنية في طياتها الدلالة على نسخها (راجع مشاركة ـ سؤال حول الناسخ والمنسوخ ـ).
وهذا لا يحتاج إلى توضيح من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك معرفة تاريخ النزول التي لا تحتاج إلى توضيح كذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه هي طرق معرفة النسخ واضحة لا تحتاج إلى بيان.
ـــــــــــــــــــــــــــ
هل هناك وسيلة موثوقة لمعرفة الناسخ من المنسوخ؟
بالتأكيد ليس الاجتهاد، (راجع مشاركة ـ سؤال حول الناسخ والمنسوخ ـ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ)
(/)
فيجب النظر في النصوص القرآنية بمنهج الكلية في البحث القرآني والتوفيق بينها جميعا وليس النظر إلى كل على حدة مما يوهم بوجود تعارض بينها ..
منهج النظر في القرآن الكريم كلاً متكاملاً هو المنهج السليم بالطبع لا تجزئته، وهذا بالنسبة لأي بحث يتعلق بالقرآن سواء أكان بحثاً عن تفسير آية أو بحثاً عن الناسخ والمنسوخ، فالتجزئة تؤدي إلى فساد الفهم، ونتائجها خطيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظتي في ما كتب أعلاه:
فكأني أقرأ نصا صوفيا!!
أوأني لم أستسغ كنه ما كتب وهذا من قصور فهمي .. !!؟
لم أرَ ما هو مستغرب في كلام الشيخ الزرقاني، بل هو في غاية الجمال والحُسن، وهو متفق مع الأصول العقدية لأهل السنة، فالحسن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع، فالحكم المنسوخ حسن في زمن معين بسبب طلب الله تعالى من المكلفين فعله في ذلك الزمن، وأصبح امتثال ما اشتملت عليه الآية المنسوخة قبيحاً بعد النسخ لأنه رُفع العمل به من الله.
قلتَ: "لا تقربوا الزنى" هي "لا تقربوا الزنى" في كل زمان وفي كل مكان.
أقول: هذا صحيح، فالزنى فعل مستقبح في كل الأزمان والأحوال لأن الشرع قبّحه في كل الأزمان والأحوال.
لا يُفهم من كلام الشيخ الزرقاني، أن الحُسْن والقُبح أمران يتناوبان على جميع الأحكام الشرعية، بل يأتي أحدهما مكان الآخر في الأحكام التي قيل بنسخها فقط، أما تلك التي لم تتعرض للنسخ فهي تلزم حالة واحدة، فتحريم الزنى لم يتعرض للنسخ، فيلزمه حالة القبح الدائم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
وهل يفهم أيضا أن الآيات المنسوخة خاضعة لقوانين الزمان والمكان،أي حادثة، بمعنى أنها
حملت أحكاما وتتشريعات مؤقتة لمرحلة معينة للجيل الأول الذي عاصر نزول القرآن الكريم
ثم أتت بعد ذلك الآيات الناسخة لتبدأ مرحلة جديدة بالنسبة لهذه الأحكام والتشريعات ... ؟!
أجاب العلامة الألوسي على هذا فقال عند تفسيره لقوله تعالى: "ما ننسخ من آية": "واحتجت المعتزلة بالآية على حدوث القرآن، فإن التغيّر المستفاد من النسخ، والتفاوت المستفاد من الخيرية في وقت دون آخر من روادف الحدث وتوابعه، فلا يتحقق بدونه، وأجيب بأن التغير والتفاوت من عوارض ما يتعلق به الكلام النفسي القديم، وهي الأفعال في الأمر والنهي، والنسب الخبرية في الخبر، وذلك يستدعيهما في تعلقاته دون ذاته".
ــــــــــــــــــــــــــــ
وأما أن " النسخ يتعلق بفروع العبادات والمعاملات "
فأحبذ هنا حتى يستقيم الفهم عندي وتتضح الرؤيا فلابد من ذكر آيات قرآنية في هذا الباب .. وذكر الآيات التي "نسخت"
مثلاً قوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا" [البقرة:275]، هذا من أصول المعاملات التي لا يقع النسخ فيها.
الآيات التي وقع فيها النسخ:
1. "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إنْ ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين" [البقرة:180] منسوخة بقوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم" [النساء:11].
2. "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين" [البقرة:184]، منسوخة بقوله: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" [البقرة:185].
3. "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج" [البقرة:240]، منسوخة بقوله: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً" [البقرة:234].
4. "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا" [الأنفال:65]، منسوخة بقوله تعالى: "فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين" [الأنفال:66].
5. "لا يحل لك النساء من بعد" [الأحزاب:52]، منسوخة بقوله: "يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك" [الأحزاب:80].
6. "يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة" [المجادلة10]، نسختها الآية التي بعدها.
7. "يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً" [المزمل:1]، منسوخة بقوله: "إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه .. " [المزمل:20].
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[25 Jan 2006, 10:37 ص]ـ
اعتراضك في محله
هل هذا التقسيم الثلاثي للآيات المنسوخة مسلَّم به عند العلماء؟
(يُتْبَعُ)
(/)
الصحيح أنه غير مسلّم وقد وردت عليه اعتراضات قوية من العلماء، ومن النوع الثالث: الذي قيل بأنه نُسخ تلاوة وحكماً: ما رويَ عن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: "كان فيما نزل من القرآن (عشر رضعات معلومات يُحرمن)، ثم نُسخن بخمس رضعات معلومات يُحرمن، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يُقرأ من القرآن". وغيرها من الروايات التي تحمل ذات المعنى، ولكنها كلها لا تخلو من اضطرابات واختلافات فيما بينها، وقد رد هذا الإمام ابن حجر بحجة أن الراوي ادعى أن هذا قرآناً، والقرآن لا يثبت إلا بالتواتر. [راجع: كتاب النكاح من فتح الباري].].
----------------------------------------------------------
لم ينكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أن هناك من آيات القرآن الكريم ما نسخ حكما و تلاوة، و إنما كلامه المنقول آنفا فيمن احتج بذلك الحديث المذكور في كون اللفظ: " خمس رضعات معلومات يحرمن " من آيات القرآن، فردَ هذا الاحتجاج، و كذا رده غيره من الأئمة، و هو من المجمع على أنه ليس من القرآن،
و لبيان محل كلامه: هذا أصل كلامه في " فتح الباري ":
(فقول عائشة عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فمات النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ لا ينتهض للاحتجاج على الأصح من قولي الاصوليين، لأن القرآن لا يثبت الا بالتواتر والراوي روى هذا على أنه قرآن لا خبر فلم يثبت كونه قرآنا ولا ذكر الراوي أنه خبر ليقبل قوله فيه والله أعلم).
- فكلامه هذا كان في نفي كون ذلك قرآنا - و للعلماء في تأويله أقوال - و مما يؤكد ذلك ما قاله في " التلخيص الحبير":
(حديث عائشة: " كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن " مسلم من حديثها.
قوله: وحمل ذلك على قراءة حكمها. أي: أن ظاهر قولها " وهن فيما يقرأ من القرآن ": أن التلاوة باقية وليس كذلك، فالمعنى قراءة الحكم.
وأجاب غيره بأن المراد بقولها توفي: قارب الوفاة أو أنه لم يبلغ النسخ من استمر على التلاوة). انتهى كلامه
*****************
- و أما الزعم أن تلك الروايات ((كلها لا تخلو من اضطرابات واختلافات فيما بينها)) فزعم غير صحيح، و وهم خاطئ، إذ الحديث المتقدم أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " و قبله الإمام مالك في " موطئه " و غيرهما، و حسبنا بهما صحة و قبولا.
و قد جاء في كتاب " الْفَقِيهُ وَالْمُتَفَقِّهُ " لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ >> بَابُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ >>
" كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْقُرْآنِ: (عَشْرُ رضعات ... ):
241 أنا أبو القاسم الأزهري , والتنوخي , قالا: أنا علي بن محمد بن لؤلؤ الوراق , حدثنا هيثم بن خلف الدوري , نا إسحاق بن موسى الأنصاري , نا معن بن عيسى , نا مالك , عن عبد الله بن أبي بكر , عن عمرة , عن عائشة , أنها قالت: " كان فيما أنزل الله تعالى من القرآن: (عشر رضعات معلومات يحرمن) نسخن بخمس معلومات , فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهي مما يقرأ من القرآن ".
قلت: فكانت العشر منسوخة الرسم والحكم *
ـ[روضة]ــــــــ[25 Jan 2006, 11:52 ص]ـ
فكلامه هذا كان في نفي كون ذلك قرآنا
صحيح هو في نفي قرآنية هذا النص، وهل يعقل أن يقبل الإمام ابن حجر بأن هذا النص مما تم نسخه تلاوة إذا لم يكن قد أثبت قرآنيته أساساً؟؟؟؟؟؟
هذان أمران يترتب أحدهما على الآخر
هذا كلام الله، هل يبقى الأمر فيه مموهاً إلى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نعلم هل بقيت تلاوة هذا النص حكماً أم أن التلاوة باقية؟
وهل قولها: "وهن مما يقرأ من القرآن" يتفق مع هذه التأويلات؟؟
إذ الحديث المتقدم أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " و قبله الإمام مالك في " موطئه " و غيرهما
أيضاً صحيح ورفضه جمع من العلماء كذلك، وليس اتباعاً للهوى، ولكن إبعاداً للقرآن الكريم عن الشبهات، فتأييد هذا القول سيفتح باباً عظيماً من التشكيك في تواتر القرآن وصحته، وأن القرآن الذي بين أيدينا هو نفسه الذي كان على زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقولنا إن الراوي أخطأ أهون ألف مرة من قولنا إن القرآن فيه شك.
طبعاً ليس ردّ الأحاديث الصحيحة التي في الصحيحين أمراً سهلاً ولا هو مما يجوز للعامة أن يتجرأوا عليه، ولكن العلماء من يقوم بهذا الأمر، وقد ردوا بضعة أحاديث في صحيح مسلم، وهم أئمة كبار، وهذا أمر مشهور.
" .. االحق أنه لا يظهر لهذا النسخ حكمة، ولا يتفق مع ما ذكر من العلة، وإنّ ردّ الرواية عن عائشة لأهون من قبولها، مع عدم عمل جمهور من السلف والخلف بها، كما علمت، فإن لم نعتمد روايتها فلنا أسوة بمثل البخاري وبمن قالوا باضطرابها، خلافاً للنووي، وإن لم نعتمد معناها فلنا أسوة بمن ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في ذلك، كالحنفية وهي عند مسلم من رواية عمرة عن عائشة، أو ليس ردُّ رواية عمرة وعدم الثقة بها أولى من القول بنزول شيء من القرآن لا تظهر له حكمة ولا فائدة، ثم نسخه أو سقوطه، أو ضياعه، فإن عمرة زعمت أن عائشة كانت ترى أن الخمس لم تنسخ وإذن لا يُعتد بروايتها". [المنار]
قلت: فكانت العشر منسوخة الرسم والحكم
إذن أنت أثبت قرآنية هذا النص، مع عدم ثبات تواتره!!!
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[25 Jan 2006, 12:30 م]ـ
السلام عليكم: ارجوا من الاخوة التركيز في موضع الخلاف ,فهل هو على "أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"لماذا قدير او حكيم كما قال صاحب الطرح:
"هي العبارة القرآنية المكونة من كلمات .. فلماذا يختم الله تعالى
الآية:ولم يقل عز وجل أن الله بكل شيء عليم أو حكيم .. ؟؟
هل صفة القدرة تتناسب مع العلم .. ؟؟
هل هناك آيات أخرى في القرآن الكريم مماثلة .. ؟؟
اعذروني إن أسأت التعبير .. !! " ام عن النسخ عموما.
لان النسخ موضوع لا يخفى عليكم تشعبات الخلاف فيه.
فمن معنى النسخ الى انواع النسخ الى اين وقع النسخ لا علاقة له بموضوع السؤال.
قال ابو جعفر الطبري:
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير}. يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير} أَلَمْ تَعْلَم يَا مُحَمَّد أَنِّي قَادِر عَلَى تَعْوِيضك مِمَّا نَسَخْت مِنْ أَحْكَامِي وَغَيَّرْته مِنْ فَرَائِضِي الَّتِي كُنْت افْتَرَضْتهَا عَلَيْك مَا أَشَاء مِمَّا هُوَ خَيْر لَك وَلِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَعَك وَأَنْفَع لَك وَلَهُمْ , إمَّا عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا آجِلًا فِي الْآخِرَة. أَوْ بِأَنْ أُبَدِّل لَك وَلَهُمْ مَكَانه مِثْله فِي النَّفْع لَهُمْ عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا وَآجِلًا فِي الْآخِرَة وَشَبِيهه فِي الْخِفَّة عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ. فَاعْلَمْ يَا مُحَمَّد أَنِّي عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى كُلّ شَيْء قَدِير. وَمَعْنَى قَوْله: {قَدِير} فِي هَذَا الْمَوْضِع: قَوِيّ , يُقَال مِنْهُ: " قَدْ قَدَرْت عَلَى كَذَا وَكَذَا ". إذَا قَوِيت عَلَيْهِ " أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَقْدُرُ عَلَيْهِ قُدْرَة وَقِدْرَانًا وَمَقْدِرَة ". وَبَنُو مُرَّة مِنْ غَطَفَانَ تَقُول: " قَدِرْت عَلَيْهِ " بِكَسْرِ الدَّال. فَأَمَّا مِنْ التَّقْدِير مِنْ قَوْل الْقَائِل: " قَدَرْت الشَّيْء " فَإِنَّهُ يُقَال مِنْهُ: " قَدَرْته أَقْدِرُهُ قَدْرًا وَقَدَرًا ".
اي انه اعاد قدير على الحكم المبدل بانه خيرلهم من الاول.
فلو كانت الاية تتحدث عن الايات الواضحات الدالة على صدق الانبياء فلا وجه لاعتراض احد عليها. لان المشركين انما طلبوا في هذا الموضوع مثل معجزة موسى عليه السلام "فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ" والايات التي اعطاها الله للانبياء تختلف اجمالا فليست ايات موسى عليه السلام كآيات عيسى عليه السلام.
القصد ان ذلك لا يتناسب مع النسخ.
ثم قال: "والمعنى الصحيح الذي يلتئم مع السياق إلى آخره أن (الآية) هنا هي ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم، أي: (ما ننسخ من آية) نقيمها دليلاً على نبوة نبي من الأنبياء، أي نزيلها ونترك تأييد نبي آخر بها، أو ننسها الناس لطول العهد بمن جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة، والتصرف في الملك نأتي بخير منها في قوة الإقناع وإثبات النبوة، أو مثلها في ذلك، ومن كان هذا شأنه في قدرته وسعة ملكه فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه،
فاذا كان الشيخ رحمه الله اقر بان ايآت الانبياء مختلفة والمشركون انما طلبوا ما أخبر الله عنه اصلا ورد لله اعتراضهم بقوله "أولم يكفروا بما اوتي موسى من قبل " فلا يكون النسخ للايات لان الايات التي اعطاها الله للانبياء انما هي حجة على من شاهدها او اقيمت له بينة بحصولها ولا تعتبر حجة على من لم يشاهدها.
اضف الى ذلك ان موسى عليه السلام ارسله الله عز وجل الى موسى عليه السلام في تسع ايات بينات" وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مسحورا "
فكانت اول ايياته العصى وقد بين تعالى ان هذه الاية لم تزلها الايات الاخرى.
وعيسى عليه السلام يحي الموتى باذن الله ويصنع من الطين كهيئة الطير ويخبرهم بما أخفوا في بيوتهم وما ادخروه. فلم تكن احدها ناسخة للاخرى
ومحمد صلى الله عليه وسلم كانت اول اياته هي القران ولم ينسخ الاسراء ولا شق القمر ذلك.
والحق الذي لا مرية فيه ان الادلة الدالة على صدق النبي لا ينسخ شيء منها بل بعضها يصدق بعض.
خلاصة الكلام ان الكلام عن ازلة اية عن صدق النبي هو امر لا يقال بهذه الطريقة لان الدليل الصادق لا يزال. لانه لا يتعلق لابتصديقالناس له ولا بذكرهم له او نسيانه وانما ادلة الانبياء على صدقهم هي براهين يصدق بعضها بعض فلا محل للنسخ فيها.
اما القدرة فلها علاقة بالاحام الافضل او المساوية لها.
فخير منها كنسخ احكام المعاملات وبعض العبادات او مثلها مثل اغلب الاحكام التعبدية التي اساسها طاعة الله تعالى هذا فيما ينسخ منها.
والاحكام الافضل تحتاج الى قدرة على تشريعها بان تكون افضل بما يناسب الناس فارتبطت قدير بقوله" نأت بخير منها او مثلها" فالفظ في مكانه الصحيح.
والله تعالى اعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[25 Jan 2006, 03:43 م]ـ
هذا كلام الله، هل يبقى الأمر فيه مموهاً إلى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نعلم هل بقيت تلاوة هذا النص حكماً أم أن التلاوة باقية؟
وهل قولها: "وهن مما يقرأ من القرآن" يتفق مع هذه التأويلات؟؟
...............
..............
طبعاً ليس ردّ الأحاديث الصحيحة التي في الصحيحين أمراً سهلاً ولا هو مما يجوز للعامة أن يتجرأوا عليه، ولكن العلماء من يقوم بهذا الأمر، وقد ردوا بضعة أحاديث في صحيح مسلم، وهم أئمة كبار، وهذا أمر مشهور.
...................
............... . .
قلت: فكانت العشر منسوخة الرسم والحكم *
إذن أنت أثبت قرآنية هذا النص، مع عدم ثبات تواتره!!!
----------------------------------------------------------
ما جاء في السطر قبل الأخير - أعلاه - ليس كلامي، و إنما هو كلام الإمام الخطيب البغدادي في كتابه " الفقيه و المتفقه "، الذي نقلت عنه كلامه هذا في مشاركتي، و قوله هذا صحيح - أي: فكانت العشر منسوخة الرسم والحكم * - و قال به أئمة الأمة،
- و أما تأويل قول عائشة رضي الله عنها: " و هن فيما يقرأ من القرآن ":
(قال ابن الجوزى في مقدمة كتابه نواسخ القرآن: (تأولوا قولها: وهي مما يقرأ من القرآن، أن الإشارة إلى قوله: (وأخواتكم من الرضاعة) وقالوا: لو كان يقرأ بعد وفاة رسول الله (ص) لنقل إلينا نقل المصحف، ولو كان بقي من القرآن شئ لم ينقل لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخاً لما نقل، فذلك محال!).
(و قال السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن ":
النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب.
أحدها: ما نسخ تلاوته وحكمه معًا.
قالت عائشة: كان فيما أنزل عشر مرضعات معلومات فنسخن بخمس معلومات.
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن.
وقد تكلموا في قولها: وهن مما يقرأ من القرآن فإن ظاهره بقاء التلاوة وليس كذلك.
وأجيب بأن المراد قارب الوفاة أوأن التلاوة نسخت أيضًا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها.
وقال أبوموسى الأشعري: نزلت ثم رفعت.
وقال مكي: هذا المثال فيه المنسوخ غير متلو والناسخ أيضًا غير متلو ولا أعلم له نظيرًا). انتهى
*****************
تنبيه:
لا يجوز رد الأحاديث الصحاح - التي تلقتها الأمة بالقبول - بما يتوهمه المرء من أوهام، و بخاصة إذا كان العلماء المتقدمون الأثبات قد تولوا بيان مشكلها و تأويلها،
فليتهم المرء فهمه و لا يرد الأحاديث الصحاح التي حكم الأئمة النقاد بصحتها،
قال الإمام عمر بن عبد البر في " التمهيد " ج17 ص 215
حديث سابع لعبدالله بن أبي بكر مالك عن عبدالله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أنها قالت كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يقرأ من القرآن. هذا أصح إسناد لهذا الحديث عن عائشة).
ـ[فاروق]ــــــــ[26 Jan 2006, 06:25 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أشكر الدكتور أبو بكر خليل على تلك الروابط المفيدة وأحب أن أؤكد للأخ الفاضل مجدي أبو عيشة أننا فعلا في صلب الموضوع وأحببت أن نتكلم عن الناسخ والمنسوخ في القرآن فطرحت التساؤل بتلك الطريقة حتى لا يتعرض السؤال لردة فعل شديدة لحساسيته كما حصل في مشاركة الأخ سيف الدين حول نفس الموضوع،وبالمناسبة أرجو من الأخ سيف الدين أن ينضم إلينا حتى نتفادى التكرارولا نرهق أختنا الفاضلة "باحثة" للقتال على ثغرين من ثغور هذا الملتقى, .. فلله ذرها فلقد فهمت بذكاء ما بين سطور ذلك التساؤل ودخلت في صلب الموضوع،وما أكثرالتساؤلات التي تؤرقني فسأطرحها تباعا،فلتتسع صدور أساتذتنا الإجلاء لها فإن طرحت من قبل فليوجهونا إليها عبر الروابط وأخص بالذكر
الأ ستاذ "الكشاف" المختص في هذه التوجيهات جزاه الله خيرا .. أختي الفاضلة "باحثة" فليسامحني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك الأحرى "اللعينة" فلقد أسأت التعبير بأبي وأمي هو ... فداه نفسي ...
أختي الفاضلة "باحثة" كل كلمة تكتب في هذا الملتقى نستفيد منها أيما استفادة حتى لو كتبت خطأ وخير دليل على ذلك تلك "الأحرى اللعينة" ... !
(يُتْبَعُ)
(/)
فلنرجع إلى موضوعنا: سندع الرد والرد عليه بالتعاريف والتعليلات إلى حقل التطبيقات و أرجو من الأساتذة الكرام أن يقرأوا ويدققوا جيدا ما سأكتبه نقلا عن المفكر الإسلامي عدنان الرفاعي ويردوا بالحجة والبرهان المقنعين .. فهذه الجولة من النقاش ستكون نقطة تحول في قناعاتي .. فسأبدأ بإذن الله بالآية الأولى التي ذكرت الأخت الفاضلة "باحثة" أعلاه ..
فلقد قال جزاه الله خيرا بخصوص هذه الآية .. :
ولنقف عند الآية الكريمة التالية التي زعموا بأنها منسوخة ..
"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) "
قالوا إن هذه الآية تشمل الأمر بالوصية للوالدين والأقربين،قبل نزول آيات المواريث في القرآن الكريم،فنُسخت هذه الآية الآية بآيات المواريث .. وقالوا أيضا نُسخت هذه الآية بالحديث الشريف [إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث] (سنن الترمذي)
فالآية حسب قولهم تقرر الحكم بها برهة من الدهر ونُسخ حكمها سواء لمن يرث ولمن لا يرث، فالآية كلها منسوخة وبقيت الوصية ندبا ..
وقال بعضهم نُسخت الوصية للوالدين بالفرض في سورة النساء، وثبتت للأقربين الذين لايرثون،فهي -على قولهم هذا - منسوخة فيمن يرث ثابتة فيمن لا يرث ..
وقال بعضهم إن الآية محكمة (ليست منسوخة) ظاهرها العموم،ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين لايرثان (في حالة الكفر والقتل .. )،فالآية الكريمة -بناء على ذلك-هي تخصيص للوالدين والأقربين في حال عدم إرثهم.
وقال بعضهم لا منافاة بين هذه الآية وآية المواريث،ومعناها كُتب عليكم تنفيذ ما أوصى الله تعالى به من توريث الوالدينوالأقربين،بحيث لا يُنقص من حصصهم شيئَ.
وقال بعضهم إن الواجب ألا يقال إنها منسوخة،لأن حكمها ليس بناف حكم ما فرض الله من الفرائض .. فوجب أن يكون حكم "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ" كحكم "ُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) "
فالآراء التي قيلت في تفسير هذه الآية الكريمة مثيرة، لكنها جميعها تدور حول المعاني التي رأيناها ... ولنحاول دراسة هذه الآية الكريمة حسب منهج الكلية في البحث القرآني "آمنا به كل " لنرى حقيقة ما تحمله هذه الآية الكريمة -المزعوم نسخها -من معان وأحكام.
إن ورود التكليف الإلهي بصيغة المبني للمجهول {كتب عليكم} يعني أن الكتابة أمر مشترك بين المكلِف والمكلَف، فهذا التكليف أمر مشترك بين الله تعالى والمؤمنين، الله يأمرهم وهم ينفذون .. وهذه الآية خطاب من الله تعالى لجميع المؤمنين في كل زمان ومكان،ولاتخص جيلا دون آخر، وإن قولهم بأن حكم هذه الآية هو لبرهة من الزمن فهو قول مردود،
فكلمات تتعلق بصفات الله تعالى وتنتمي لعالم الأمر الذي وفوق الزمان والمكان،لا تحمل أحكاما خاضعة لقوانين الزمان والمكان ..
ولو كانت الآية الكريمة هي خطاب لمن يحضره الموت بأن يُوصي وصية لكانت واجبة .. ولكن ذلك يُنافي ما تحمله الآية من عدة وجوه:
* لو كانت خاصة بالإرث لبين الله تعالى المقدار الواجب في هذه الوصية التي زعموا نسخها.
* لو كانت الوصية منسوخة بالنسبة لمن يرث-كما ذهب إلى ذلك مقروا الناسخ والمنسوخ-لوجب استثناء من يرث من الوصية الواردة في باقي الآيات الكريمة،التي تصور لنا الأخذ بوصية الميت قبل توزيع الإرث على الورثة .. وهذا الاستثناء لا نراه في كتاب الله تعالى.
"ٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ (11) "
"ٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (12) "
" فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ (12) "
" فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ (12) "
فكما نرى لا يوجد اسثناء في الوصية.
*لو كانت الوصية خاصة بالإرث،والخطاب موجه لمن يحضره الموت حصرا،لاقتضى
(يُتْبَعُ)
(/)
ذلك عدم سقوط حق الوالدين واللأقربين،حتى ولو لم يوص الموصي بذلك، كالدين يأخذه صاحبه سواء أوصى الميت بذلك أو لم يوص ... ولكن ما نراه في هذه الآية الكريمة أن الوصية ندب .. وأن الله تعالى اختص بها المتقين وحعلها حقا عليهم " [بالمعروف حقا على المتقين] [/ color"[color=#6D5423]]* لو كان الخطاب [كتب عليكم] موجها لمن يحضره الموت دون غيره -كما قالوا- لاختلفت هذه الآية الكريمة مع سياق المعنى والخطاب في الآيتين التاليتين لهذه الآية، فهاتان الآيتان تحملان أحكاما تخاطب الشاهدين على قول الموصي وولاة الأمورومن تنفيذ قول الموصي .. فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (182) "
*لو كاتة الآية -المزعوم نسخها- تخاطب كل من يحضره الموت،لأتت على الشكل التالي
{كُتب عليكم إذا حضركم الموت إن تركتم خيرا ... } ولو كانت لا تخاطب منفذي الوصية
والشاهدين عليها وأولياء الأمور،لأتت على هذا الشكل {كُتب على أحدكم إذا حضره الموت ... } .. ولكن ما نراه أن الآية الكريمة التي تخاطب المؤمنين من شهود وأولياء وحكام مكلفين بتنفيذ الوصية التي يوصيها نت يحضره الموت ..
"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا .. "
والآية الكريمة التالية تصور هذه الحقيقة من جانب آخر.
"يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)
إذا .. العبارة القرآنية [كُتب عليكم] هي خطاب تكليفي من الله تعالى للمؤمنين المحيطين
بمن يحذره الموت من شهود وولاة أمور وحكام .. وما كُتب عليهم -ما يُكلب منهم - هو سماع ما يوصي به من يحضره الموت، والشهادة به عند الحاجة، والحكم به كما أمر الله
تعالى .. أما الوصية فترتبط بمن يحضره الموت،ولا ترتبط بالمحيطين به الذين يخاطبهم الله تعالى بالعبارة القرآنية [كُتب عليكم]
وما يؤكد ذلك هو تذكير الفعل [كُتب]،في حين أن الوصية ترد في القرآن الكريم مؤنثة
"ُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ (11) " .. فما كُتب على المؤمنين ليس الوصية المؤنثة
إنما سماع قول ووصية من يحضره الموت، والحكم بها،وإدلاء الشهادة بها حين الحاجة
ولو كان نائب الفاعل للفعل (كُتب) هو الوصية -حسب ما ذهب إليه معظمهم- لأنث الفعل
كُتب (كُتبت عليكم .... الوصية).
وحجة من قال إن كلمة الوصية في الآية الكريمة هي نائب الفاعل للفعل كُتب، أن مخالفة الفعل لنائب الفاعل -بالنسبة لمسألة التذكير والتأنيت-ناتجة عن الفصل بين الفعل ونائب الفاعل .. وهذه الحجة مردودة لسببين:
1 - إن نائب الفاعل للفعل كُتب يرتبط -كما رأينا - بالمحيطين بمن يحضره الموت،ولا يرتبط بمن يحضره الموت .. في حين أن الوصية ترتبط بمن يحضره الموت،ولا ترتبط بالمحيكين به.
2 - صحيح أنه يجوز -بالنسبة للتذكير والتأنيث - مخالفة الفعل للفاعل إذا تم الفصل بينهما،
ولكن في هذه الآية -المزعوم نسخها-لا بد أن يكون نائب الفاعل للفعل كُتب مذكرا، ودليل ذلك هو الآية الكريمة التي تليها مباشرة .. "فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) " فالضمير المتصل (الهاء) في الكلمات، ل [بدله]، [سمعه]،
[إثمه]، [يبدلونه] يعود إلىنائب الفاعل للفعل (كُتب) في الآية -المزعوم تسخها- وهذه-كما نرى- يدل على التذكير ولا يدل على التأنيث .. فلابد أن يكون نائب الفاعل للفعل (كُتب) في الآية الكريمة مذكرا، وبالتالي فإن كلمة الوصية ليست هي نائب الفاعل.
(يُتْبَعُ)
(/)
فنائب الفاعل للفعل كُتب هو كلمة عليكم المتعلقة بسماع القول والحكم .. وهكذا يكون تقدير الكلام:كُتب عليكم سماع قول أحدكم،والحكم به، وإدلاء الشهادة به حين الحاجة، إذا حضره
الموت إن ترك خيرا ..
وبذلك تكون كلمة الوصية في الآية الكريمة مبتدأ، وخبره متعلق بالوالدين، وبالتالي يكون معنى
الصورة القرآنية "الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " عو أن الوصية
لمن يحضره الموت،هي بالمعروف تحق حقا للوالدين والأقربين. وإن ما ذهبوا إليه من أن المكتوب هو الوصية،وإن الخطاب موجه لمن يحضره الموت،أدى إلى توهمهم بوجود تناقض بين هذه الآية الكريمة وآيات المواريث والحديث الشريف
(لا وصية لوارث) .. إن الإسلام لا يمنع الوصية مادامت دون الثلث (صحيح البخاري)
وكما رأينا أنه في توزيع الإرث يقول الله تعالى " مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ "
.. فالوصية موجودة ولا نرى استثناء في ذلك،وهذا لا يعني مخالفة ما يأمر الله تعالى به
بالنسبة لتوزيع الإرث ..
وهكذا نرى الآية الكريمة -المزعوم نسخها- تصور لنا مسألة الوصية التي يدلي بها من يحضره الموت،وأنه مطلوب من المؤمنين سماعها والحكم بها،وأن تكون هذه الوصية بالمعروف وألاتحمل إثما،وبحيث لا يحصل مخالفة لحصص المواريث التي يحددها الله
تعالى في كتابه الكريم، وهذا بينه الحديث الشريف (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه)
فهذه الآية متكاملة متعاضدة مع آيات المواريث،ومع الحديث الشريف،في تصوير أحكام
مسائل الوصية والإرث، ولايوجد-أي تعارض بينها وبين آيات المواريث أو الحديث الشريف
كما توهم مقروا الناسخ والمنسوخ ..
انتهى كلام المفكر الإسلامي عدنان الرفاعي ..
رجائي كما قال الأستاذ "الكشاف" لن يتصدى للرد إلامن يكون على بينة مما يقول .. ! حتى
لا تضيع منا الخيوط ونتوه في متاهات الأقوال .. !! وسنتناول الآيات الآخرى إن شاء الله ..
[ line]
اللهم فهمنا ما لم نفهم
ـ[فاروق]ــــــــ[26 Jan 2006, 06:59 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
بمن يحذره الموت من شهود وولاة أمور وحكام .. وما كُتب عليهم -ما يُكلب منهم - هو سماع ما يوصي به من يحضره الموت، والشهادة به عند الحاجة، والحكم به كما أمر الله
وجب تصحيح الكلمات:
يحذره ب يحضره و-مايُكلب منهم- ب -مايُطلب منهم-
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[26 Jan 2006, 08:35 م]ـ
اقتباس:
[ QUOTE= فاروق] أشكر الدكتور أبو بكر خليل على تلك الروابط المفيدة وأحب أن أؤكد للأخ الفاضل مجدي أبو عيشة أننا فعلا في صلب الموضوع وأحببت أن نتكلم عن الناسخ والمنسوخ في القرآن فطرحت التساؤل بتلك الطريقة حتى لا يتعرض السؤال لردة فعل شديدة لحساسيته كما حصل في مشاركة الأخ سيف الدين حول نفس الموضوع،وبالمناسبة أرجو من الأخ سيف الدين أن ينضم إلينا حتى نتفادى التكرارولا نرهق أختنا الفاضلة "باحثة" للقتال على ثغرين من ثغور هذا الملتقى, .. فلله ذرها فلقد فهمت بذكاء ما بين سطور ذلك التساؤل ودخلت في صلب الموضوع [ color=#AC5668][size=4]، وما أكثرالتساؤلات التي تؤرقني فسأطرحها تباعا،فلتتسع صدور أساتذتنا الإجلاء لها فإن طرحت من قبل فليوجهونا إليها عبر الروابط
..........................
..........................
ولنقف عند الآية الكريمة التالية التي زعموا بأنها منسوخة ..
[ color=#FA0309][size=5]" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) "
.....................
......................
فالآراء التي قيلت في تفسير هذه الآية الكريمة مثيرة، لكنها جميعها تدور حول المعاني التي رأيناها ... ولنحاول دراسة هذه الآية الكريمة حسب منهج الكلية في البحث القرآني "آمنا به كل " لنرى حقيقة ما تحمله هذه الآية الكريمة -المزعوم نسخها -من معان وأحكام.
...................................
...................................
كما توهم مقروا الناسخ والمنسوخ ..
انتهى كلام المفكر الإسلامي عدنان الرفاعي ..
رجائي كما قال الأستاذ "الكشاف" لن يتصدى للرد إلامن يكون على بينة مما يقول .. ! حتى
لا تضيع منا الخيوط ونتوه في متاهات الأقوال .. !! وسنتناول الآيات الآخرى إن شاء الله ..
انتهى الاقتباس.
==================================
أخي العزيز
- حبذا لو تم التركيز على الأمور الكلية - في القضية - قبل الجزئية، فإذا تقرر الأصل أمكن الانتقال إلى الفرع،
أقول هذا لكيلا نغرق في التفاصيل، و تتشعب المواضيع، و يتوه الغرض المقصود،
فينبغي تحرير موضع النزاع و تحديده بوضوح أولا، ثم يأتي تحقيقه و بيان وجه الحق فيه بعد ذلك،
و بذلك تستقيم المناظرة و تثمر المناقشة إن صح القصد و خلصت النية
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[26 Jan 2006, 09:42 م]ـ
أخي الحبيب الفاروق مسألت الناسخ والمنسوخ لا ترتبط فقط بذكر الادلة ودفعها وانما هي مسألة اصولية.
اما ما يترتب على هذه المسألة فهو سبب الخلاف وتوجيه التفاسير الى النسخ او عدمه.
وكثيرا ما يكون الخلاف بالالفاظ ولكنه في المحصلة لا يؤثربالاحكام التي لا يكون النسخ الا فيها.
اي ان الخلاف لفظي في كثير من الحالات. فاستثناء جزء من كل هو نوع من النسخ عند التحقيق والتخفيف ليس الا نسخا لحكم.
لان المفسر انما يقول بالنسخ ان توفرت شروط عديدة في الاية كلها يترتب على تفسير الاية. ومع ذلك لا يقال بالنسخ الا وفقا للاصول التي يقبل فيها النسخ.
فالنسخ لا يقبل بالاخبار ولا التوحيد وانما محله الاحكام فقط فاذا حدث تعارض بين فهم الايات هنا تكون العلة بالفهم ولا أحد يقول بالنسخ.
والسباق لا ينسخ اللاحق. والناسخ يعمل به ام المنسوخ فيكون عمل به ثم ترك العمل به.
بالطبع النسخ للاحكام أكثر بكثير من النسخ للايات لان الاحكام من كتاب الله وسنة نبيه. والاية التي وضعتها موضعا للسؤال فيها ضوابط النسخ وبها قال أكثر اهل التفسير. فالمسألة تتوقف على امور ليست سهلة. لان كلا منها يحمل شقين اصعب من بعضهما البعض. لان النظر في المسائل الاصولية لا يتم الا بعد فهم الشرع ومقاصده فالاصول تؤصل على فهم الشرع. ولا يطوع الشرع للاصول.
فان كنت تقول ان من قال بالنسخ توهم بالتعارض. فهو يقول لك انك تفهم الاية وفقا لاصل انت وضعته بمنع النسخ.
واعذرني من مداخلتي الاولى فما فهمت قصدك الا بما سألت , وانا واثق من ان اي موضوع يكتب بشكل جيد ومقبول في شروط الملتقى ان يلاقي احترام الجميع.
ـ[سيف الدين]ــــــــ[26 Jan 2006, 09:59 م]ـ
الاخ الدكتور ابو بكر خليل ..
اذا كانت الايات الناسخة والمنسوخة محدودة (البعض يقول انها لا تتجاوز ال7 ايات) , فلا بأس من مناقشتها للوقوف على وجه النسخ فيها .. وأسأل الله الهداية ...
ـ[روضة]ــــــــ[26 Jan 2006, 10:00 م]ـ
الأخ فاروق،
أنا أتفق مع الدكتور أبو بكر خليل، فيجب أن ننتهي من الأمور الكلية حتى ننتقل إلى ما بعدها.
لم تبين لنا رأيك بما تم مناقشته، فلم نعرف ما هو رأيك، هل ما زال عندك تساؤلات، هل اقتنعت بشيء مما قيل.
إلا إذا أردت من الانتقال إلى التطبيق أن نفهم ضمناً أنك اقتنعت وانتهيت من المرحلة الأولى.
أرجو ان تحدد موقفك.
ـ[روضة]ــــــــ[27 Jan 2006, 12:22 ص]ـ
أرجو من الإخوة: فاروق، وسيف الدين الإجابة على هذا السؤال وبصراحة، فهذا منبر حر، ليس لأحد على أحد سلطة، فكلٌّ يبين رأيه مدعِّماً إياه بالحجة، وبالنهاية كلٌّ له شرعة ومنهاج.
السؤال: هل تميلون إلى نفي النسخ؟ أو هل تنفونه فعلاً؟
شعرت هذا من مشاركاتكم، فكان أمراً مشتركاً بينكما، ولكني لم أرغب بالتصريح به لعدم تأكدي منه، أمَا وقد انتقل الأخ فاروق إلى مرحلة تالية تترتب على أسئلته السابقة، وسيشاركه فيها الأخ سيف، فستكون الإجابة على هذا السؤال ضرورية، حتى لا نكون كمن (ينفخ في قربة مقطوعة).
وبهذه المناسبة أتوجه بسؤال لأهل الاختصاص ....
ا
ا
ا
ا
v
ا
ـ[روضة]ــــــــ[27 Jan 2006, 12:26 ص]ـ
هل الاعتقاد بالنسخ مما يجب أن يُعلم من الدين بالضرورة؟
هل هو من أصول الدين أم من فروعه؟
هل يترتب على إنكار النسخ قدح في دين المنكِر له؟
وأرجو ممن يريد الإجابة أن يدعّم رأيه بالأدلة، مع العلم أني مقتنعة به تماماً، ولكنه سؤال خطر لي.
ـ[لطفي الزغير]ــــــــ[27 Jan 2006, 07:17 ص]ـ
للأسف نجد بعض المسلمين بل بعض المتخصصين في علوم الشريعة وأحياناً في القرآن الكريم خاصة ينفون النسخ أو بعضاً منه كما قرأت لبعض المعاصرين من المتخصصين نفي نسخ التلاوة بحجج واهية، وكثير من الذين ينفون مثل ذلك يخوضون فيما لا يعلمون ويخلطون بين الثقافة والعلم ويظن أحدهم أنه بمجرد أن ينتمي للإسلام يحق له أن يناقش في كل جزئياته، وهذا إن كان يصدق على الفكر والثقافة فلا يصدق بحالٍ على العلم الذي يحتاج إلى إتقان الأصول وإحكام المنهج، ولقد كتبت بحثاً حول أحاديث نسخ التلاوة رواية ودراية، تناولت فيه شبهات هؤلاء المعاصرين، وقبل أن أنهي أتمنى من كل من أراد التدخل في المسائل العلمية الصرفة أن يكون متقناً لما سيشارك به لأن الذي يكتب إنما يعرض عقله على الآخرين فلينظر ماذا يعرض!.
ـ[روضة]ــــــــ[27 Jan 2006, 11:21 ص]ـ
أرحب بالأخ لطفي من أهل الحديث ليشارك معنا في المناقشة، فإثراء الموضوع بتنوع المتخصصين، ولكن أتمنى أن لا يجرِّح أحدُنا غيرَه في هذه المناقشة لا بالتصريح ولا بالتلميح، فكلٌّ له من العلماء حجة، ونفي بعض أنواع النسخ له حجج قوية، الأمر ليس فيه خلط بين الثقافة والعلم بحال، بل هو خاضع للحجج، وهذه الآراء لها مؤيدون ومعارضون منذ القدم والحديث فيها ليس بدعاً من القول، من له رأي فليعرضه دون تعريض بالآخرين، وأعدكم أنني سأغير رأيي بما يخصّ نسخ التلاوة الذي أقول بنفيه، متأسيةً بمن قال بهذا من العلماء، ولكن إن وجدت ما يستدعي التغيير.
علِّمنا ـ يا أخي لطفي ـ مما علمك الله، جزاك الله خيراً.
ودعائي لكل من يعلمني شيئاً مهما كان بسيطاً.
وما زلت بانتظار المتخصصين ليجيبوني على السؤال السابق، بما لديهم من أدلة.
وأقصد من السؤال:
حكم نفي أصل النسخ بكل صوره لا بعضها، فأنا موقنة بنسخ الحكم مع بقاء التلاوة فقط، ولا أنفي أصله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فاروق]ــــــــ[27 Jan 2006, 02:07 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أرحب بالأستاذ الفاضل د. بن محمد الزغيروأطلب منه أن يرشدنا إلى بحثه الذي كتبه حول أحاديث نسخ التلاوة رواية ودراية،والذي تناول فيه شبهات المعاصرين وله جزيل الشكر ..
أختي الفاضلة .. "باحثة" أشكرك على صبرك ونفسك الطويل وكذلك الأساتذة الكرام على تحمل أسئلتنا .. طلبت تحديد موقفي بكل صراحة بقولك:
السؤال: هل تميلون إلى نفي النسخ؟ أو هل تنفونه فعلاً؟
سأتكلم عن نفسي -ولا أدري موقف أخي سيف الدين-
أختي الفاضلة"باحثة" ليس لي من العلم الشرعي الكافي لأجزم برأي في هذا الموضوع الذي أُقسم فعلا أنه يؤرقني وكذلك أسئلة أخرى سأطرحها إن اتسعت صدوركم لها!! إن شاء الله ..
فلقد قرأت في هذا الموضوع للمؤيدين والمعارضين وأشكل الأمرعلي فعلا فهداني الله تعالى إلى هذا الموقع أثناء البحث في google فقلت ربما التفاعل مع أهل الاختصاص عبر الحوار والنقاش يبدد ظلمات تساؤلاتي .. !!
فكما قلت في آخر مشاركتي، إذا كان الخلاف في هذا الموضوع على آيات معدودة كما حقق في ذلك
بعض العلماء مثلما وجدت في الروابط التي نصحني بها الدكتور أبو بكر خليل،فلما لاتناقش هذه الآيات
بين المؤيدين والمعارضين .. هذا ما قصدته بالتطبيق -ولقد انضم إلي الأخ سيف الدين-!! انطلاقا مما تعلمناه في المختبرات إخضاع النتائج للتجربة!! وقد أكون مخطأ في هذا الطرح!! لأنه لا مجال للمقارنة ..
وسؤالك الأخير لأهل الاختصاص في محله .. -في رأيي-
فإن شئت بعد أن أسمع ردك على ما نقلته عن المفكر الإسلامي عدنان الرفاعي ننتقل إلى الآيات الأخرى
محل الخلاف ..
والحق أحق أن يتبع كما يقول الأستاذ"الكشاف"
ـ[روضة]ــــــــ[27 Jan 2006, 06:31 م]ـ
حسناً سنناقش هذه الآية، لنبحث بعدها بقية الآيات، ولكن أمهلني بعض الوقت ليكون الكلام موثقاً من مصادره.
والحق أحق أن يتبع كما يقول الأستاذ "الكشاف"
فليكن اتباع الحق هدفنا جميعاً حتى نؤجر على هذا الحوار.
وأذكّر نفسي وأذكركم أنه لا حرج إنْ غيّر أحدُنا قناعته إنْ ظهر له ما كان خافياً عليه.
ـ[فاروق]ــــــــ[27 Jan 2006, 07:16 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أختي الفاضلة "باحثة" لا بأس في ذلك،فالحكمة ضالة المؤمن والحق هو هدفنا، ونعتذر إليك إن أخذنا من وقتك،فهذه ضريبة العلم ..
ـ[لطفي الزغير]ــــــــ[27 Jan 2006, 09:08 م]ـ
البحث مقدم للتحكيم والنشر ولذا لا يمكنني نشره هنا أو في أي مكان إلا بعد نشره في مجلة التحكيم بستة أشهر، ولكن يمكنني أن أنشر ملخصاً له في هذا الملتقى المبارك إن شاء الله، أما من حيث قولي إن هناك من يخلط بين الأمرين أي بين العلم من جهة والثقافة والفكر من جهة أخرى فهذا أمر واقع، وعندما كتبت ما كتبت لم أضع في ذهني أياً من الذين تدخلوا في هذا النقاش، ولكن كل قصدي أن يسلم غير المتخصص في فنٍ ما للمتخصص إذا ما بين رأي أهل هذا العلم في مسألة تخصص علمه، ويمكن لشخصٍ ما أن يعترض إذا كان الأمر يحتمل الاعتراض، فمثلاً نقل أحد الفضلاء في بحث له رأي العلامة الزبيدي (وهو من المتخصصين في علم الحديث) في الحكم على حديث ما بالتواتر، فيأتي هذا الفاضل ويقول: ((ودون التواتر خرط القتاد))، ولم يبين لماذا، وهذا أمر لا يُصنَّف في باب إبداء الرأي لأن الحكم بالتواتر استند إلى قواعد ومناهج يسير عليها أهل الحديث، أما النقد فلم يستند إلى أي شيء ما.
وقد روى ابن سلام في طبقات الشعراء أن رجلاً جاء إلى خلف الأحمر (وهو أحد نقاد الشعر) فقال له: أذا استحسنت أنا بيتاً من الشعر فلا يهمني ما قلت أنت وأصحابك فيه، فقال له خلف إذا أخذت درهماً إلى الصيرفي فأخبرك أنه زيوف فماذا ستستفيد منه؟
على كل حال يحتاج هذا الأمر لأكثر من وقفة وأنا ملتزم بنشر ملخص عن البحث الذي ذكرت في أقرب وقت إن شاء الله تعالى، وشكر الله للجميع.
ـ[سيف الدين]ــــــــ[27 Jan 2006, 09:43 م]ـ
الاخوة المشاركين, حفظكم الله تعالى
لا يوجد عندي حكما مسبقا في اي قضية اناقشها, وانما هي أسئلة ترد على الذهن رجوت ان اجد اجوبة شافية فيها في هذا المنتدى الكريم ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ورغم اني لم اجد الى الان جوابا شافيا, الا اني خشيت من ان اكون مكرّرا, واتهمت فهمي فيما كنت اقول .. وعلى اي فاني لا امانع من مناقشة الايات الناسخة والمنسوخة .. لكني أرجو من المشاركين الاختصار, او تنقيط (كتابة نقاط مختصرة) افكارهم في نهاية اقوالهم حتى لا يتشتّت الذهن .. وأشكر الجميع على سعة صدورهم .. ولتسمح اختي الباحثة باضافة سؤال على اسئلتها التي توجهت بها لاهل الاختصاص: هل الايات الناسخة والمنسوخة توقيفية؟ وأسأل الله الهداية ..
ـ[روضة]ــــــــ[28 Jan 2006, 02:30 ص]ـ
كنت قد قررت أن لا أبحث فيما سبق من تساؤلات، ولكني كنت أقرأ اليوم بمقدمة تفسير (صفوة العرفان)، للشيخ محمد فريد وجدي، فعثرت على كلام له يتعلق بسؤال كان قد طرحه الإخوة من قبل، وهو تغير الأحكام الناتج عن النسخ، أسأل الله أن تتم به الفائدة.
(ملاحظة: أرجو أن لا يُفهم من نقلي لهذا النص اتهامي لأحد بأنه يتبنى هذه الشبهة التي سيتكلم عنها الشيخ، أو أنه يوصف بما سيصف به الشيخ القائلين بها).
بعد أن عرّف النسخ بأنه إبطال حكم الآية الأولى بالثانية، قال:
"وقد اتخذ أعداء القرآن هذا النسخ من المطاعن عليه، واستدلوا به على أنه كلام محمد لا كلام الله، قالوا: لو كان هذا القرآن كلام الله لكان ثابتاً لا تتغير أحكامه بتغير الأحوال، ونحن لردّ هذه الشبهة نقول:
أنزل الله الدين على الأمة العربية لتأخذ بآدابه نفوسَها وتروض بتعاليمه أفئدتَها، فتتقمص روحه وتستشعرها، فهو دين عملي حيوي، وليس في العالم فلسفة ولا مذهب يلين للإنسان في جميع أدواره، ويتنزل معه إلى سائر أطواره إلا هذا الدين.
وهذه أمامك الأديان القديمة المحرفة في جميع قارات العالم قد هجرها الناس، ووجدوا لأنفسهم عذراً مقبولاً في هجرها، وهذه المذاهب الإصلاحية في أوروبا كالاشتراك والفوضى وغيرهما، كلها متطرفة لا يمكن العمل بها إلا الإسلام، فلا يستطيع أحد أن يعتذر بعدم إمكان العمل به بحجة مناقضة أصوله لمبدأ الحياة أو لأحوال الزمان.
هذا الدين الإسلامي يراعي الإنسان في حالة ضعفه وقوته، وجهله وعلمه، وحربه وسلمه، وغناه وفقره، وكماله ونقصه، إلى آخر ما ينتابه من الأحوال البشرية المتناقضة التي تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة والأمزجة، فهو الدين الطبيعي الذي تقتضيه الطبيعة البشرية، أو هو ـ بلسان الشرع ـ الدين الفطري الذي ينطبق على مطلوب الفطرة، ولما كان كل شيء يتغير في الإنسان وتنتابه الزيادة والنقصان جعل الله دينه الأخير صالحاً لأن يتتبع الإنسان في جميع أدواره لا أهوائه. ولو كان هو ديناً من ضمن الأديان المعروفة وكان في علم الخالق أن نبياً يظهر بعد محمد صلى الله عليه وسلم، لجاءت أصول القرآن مقيدة محدودة، ولزالت دولته بزوال رسوله، واستعد الناس لاستقبال وحي جديد.
ولكن شرع الله هذا الدين ليكون دين الإنسانية كلها في سائر أدوارها، فكيف يقرر الله فيه أصولاً مقيدة محدودة، وقد عرفتَ أن الإنسان لا يتقيد بقيد، ولا يدخل ضمن حد، وهو من تغير الحال وتلون المزاج على ما لا يجهله أبسط الناس علماً؟
مراعاة لهذه الحالة الطبيعية اقتضت حكمة الخالق جل وعز أن يراعي في تربية الأمة العربية حالها من جميع الوجوه، فقرر لها أولاً أحكاماً على قدر حاجتها، ثم نسخها بأحكام أخرى أليق بحالها الذي تحولت إليه وهو خالق تلك الأحوال ومسلطها على الإنسان.
على أن النسخ سنة من سنن العالم الطبيعي ظاهرة في الجمادات والنباتات والحيوانات والإنسان نفسه، فترى النواميس الطبيعية تقتضي أن يكون الهواء مثلاً ساكناً في هذه الساعة ثم يحدث ما يغيرها، فتنسخ هذه الحالة برياح تحدثها، وأمطار ترسلها، وصواعق تسقطها .. إلخ.
وهذه الحوادث من النسخ في العوالم الحية أظهر منها في عالم الجماد، ومما لا مشاحة فيه، ان الإنسان أشد جميع الكائنات تغيراً وتحولاً، ولكل حال حكم كما لا يخفى، أفلا تكون من حكمة الخالق جل شأنه أن يعدل له الأحكام على حسب قابليته في كل حال من احواله؟
هذا التبديل والنسخ يصح في جهة ما يتعلق به من أحواله الذاتية المتغيرة، أما الدين نفسه، فهو ثابت لا يتغير، ولا عذر للإنسان في استبدال غيره به، فإنه أبسط ما يتصور." أ. هـ.
أتمنى أن يكون في هذا إجابة ولو من وجه على ما تقدم من تساؤلات.
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[28 Jan 2006, 12:27 م]ـ
هل الاعتقاد بالنسخ مما يجب أن يُعلم من الدين بالضرورة؟
هل هو من أصول الدين أم من فروعه؟
هل يترتب على إنكار النسخ قدح في دين المنكِر له؟
وأرجو ممن يريد الإجابة أن يدعّم رأيه بالأدلة، مع العلم أني مقتنعة به تماماً، ولكنه سؤال خطر لي.
انما يقال الاصل لما يجمع الفروع ويرجع اليه عند الخلاف. فلا اقصد انه معلوم من الدين بالضرورة. اذ لو كان من المعلوم بالدين بالضرورة لقدح في اسلام منكره.
ولكن عند الكلام عن النسخ فلا يمكن فهم النسخ الا بمعرفة معنى النسخ وحكمه ثم يقال يطبق. لان التطبيق سيكون على امر مخصوص وهو النسخ.
نفي النسخ كليا لا يقول به مسلم وانما ينفى النسخ الاصطلاحي لان من ينفي النسخ الاصطلاحي انما يعتبر ان معنى النسخ هنا ليس ما قصد بالاصطلاح.
فمرد النسخ باللغة. الى بابين:
الاول هو النقل كما هو. ومنه نسخ الكتب من اصلها.
فعلى هذا المعنى القران كله منسوخ من اللوح المحفوظ , فعلم ان المعنى هنا غير مراد.
والنسخ له معنى الازلة. ويخص هنا بالحكم بالاية وهو الذي اجمع عليه السلف فلا ينقل عنهم خلاف فيه. وانما انكره كليا بعض من اثرت فيه شبه الملاحدة واهل الكتاب.
واساس شبههم هو في اصل النسخ لا في تفسير وفهم الايات: لانهم لم يخلوا كلامهم من ربط النسخ بالبداء , ولا يقول احد من السلف بالبداء , وانما قالت به الرافضة , ونفى بعض المسلمين النسخ بربطهم اياه بالبداء.
الذي ارجوه من طارح الموضوع ان يضع لنا بوضوح ما يريد. فان كان يرى ان لا جواز للنسخ. فيضع علة ذلك , وليبين معنى النسخ الوارد في القران , وبعد ذلك يحصل على ما يريد من اجابة باذن الله تعالى.
لان نفاة النسخ على ضروب مختلفة , واستغرب لماذا لا تضع المشكلة التي واجهتها بوضوح؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[روضة]ــــــــ[28 Jan 2006, 01:02 م]ـ
لقد ورد عن بعض الناظرين من المسلمين نفي النسخ ـ بمعناه الاصطلاحي ـ وحاولوا إثبات عدم وجود ناسخ ومنسوخ، وتأولوا الآيات الدالّة عليه صراحة؛ لأجل إثبات رأيهم، وهذا تطرف وتعسف في فهم الآيات، كما يقول الشيخ محمد فريد وجدي في مقدمته، وليس شرطاً أن يكون نفيهم للنسخ من باب قولهم بالبداء، فهناك أسباب عدة قد تؤدي إلى القول بهذا.
لي مطلبان عند الأخ مجدي:
الأول: أن يقرأ الموضوع من أوله، ويقرأ كل الموضوعات المتعلقة بالنسخ في الملتقى، حتى لا يعيدنا إلى الوراء.
الثاني: أن يصوغ عباراته بشكل أوضح، لأني ـ بصراحة ـ قرأت له أكثر من مشاركة، ومن الصعب الوقوف على ما يريد بالضبط، ففي صياغته إشكال، وفي ترتيب أفكاره اضطراب، وليسامحني على هذا.
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[28 Jan 2006, 01:48 م]ـ
بارك الله فيك اخت باحثة.
ـ[روضة]ــــــــ[28 Jan 2006, 02:06 م]ـ
الأخ مجدي،
بالله عليك أن تسامحني.
أنا لا أتعمّد مضايقة أحد في هذا الملتقى أو الإساءة إليه، ولكن من طبعي الصراحة، وما يخطر على بالي أقوله مباشرة، ويبدو أنها صفة بحاجة إلى تحسين.
آسفة
ـ[د. أبو بكر خليل]ــــــــ[28 Jan 2006, 02:44 م]ـ
الأخ فاروق و الأخ سيف الدين
مما تعلمناه أول طلبنا التعليم، و لا شك أنكما تعلمانه أن:
الخط المستقيم هو أقرب مسافة و أقصر الطرق بين نقطتين.
و هو قول يصدق في كل شيء، مثل ما هو صادق في " الهندسة و الرياضيات "،
فالوضوح و الإفصاح خير للسائل و المجيب،
* * *
قاعدة عقلية منطقية:
(الحكم على الشيء فرع عن تصوره).
ـ[فاروق]ــــــــ[28 Jan 2006, 08:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
السلام عليكم يا دكتور أبو بكرخليل ..
فالوضوح و الإفصاح خير للسائل و المجيب،
سؤالي بصيغة أخرى إذا كانت في القرآن آيات منسوخة كما يقال ومحل خلاف فلتناقش بين
مؤيد ومعارض؟
نأتي بأقوال المعارضين للنسخ وأنتم تفنذوا ما جاء فيها .. بكل الأدلة الشرعية والعقلية لأننا لانملك الاختصاص العلمي لذلك وهكذا تتوضح الصورة لنا بجلاء ..
ولقد بدأنا بأول آية مع الأخت "باحثة" وننتظر الرد منكم على أقوالهم .. ولا نبتغي من خلال
ذلك إلا وجه الله وبالتالي الحق .. فإن لم نبحث عن الإجابة في هذا الملتقى عبر التفاعل
فأين سنبحث عنها .. خصوصا أن الكتب لم تحسمها .. -بالنسبة لنا-فهل نبقى تائهين .. !!
أظن أن المسألة واضحة .. فما رأيكم؟؟
[ line]
اللهم فهمنا ما لم نفهم
ماجستير بيولوجيا الجزئية
باريس
ـ[سيف الدين]ــــــــ[28 Jan 2006, 08:28 م]ـ
الاخوة الكرام ..
يبدو ان المشكلة هي الزمن ... الزمن الذي يراكم التجربة .. التجربة التي تحاول ان تصل الى الصفاء والكمال .. والى تحرير النفس من عبودية الذات التي يحاول المجتمع الجاهلي ان يشوهّها في كل حين وبتراكم زمني يبدأ منذ الولادة .. المجتمع ليس اعرافا وقوانين تسود تجمّعا بشريّا ضمن جغرافية المكان .. الزمن يضيف دائما الى المجتمع وافراده .. حتى وهم نائمون .. لا يترك احلامهم بحرية .. انه يلاحقها ويكبّلها ويحاول ان يقيّدها دوما ويردّها الى حظيرته ... يراكم الزمن في الانسان تحت خديعة التكيّف الى ان لا يعود بمقدور هذا الانسان ان يلتقط انفاسه خارج مجتمعه .. هذا كلام ليس بهراء .. هذا كلام يمس جوهر الانسان وطبيعته ومنظومته .. يستطيع الانسان ان ينتقل من الايمان الى الكفر بلحظة, ولكنه لا يستطيع ان يهرب من تراكم الزمن الجاهلي في داخله .. لذا قالت سنته عليه الصلاة والسلام: "ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا" او كما قال عليه الصلاة والسلام .. أصحاب الكهف, الفتية الطيبون, حملوا ايمانهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا .. نأوا بأنفسهم عن تراكم الزمن في مجتمعهم .. وعندما استيقظوا حملوا ايمانهم خارج كهفهم .. لكن سنة الله ماضية فأروا للناس آية من آيات الله ثم عادوا الى كهفهم ليعودوا الى نوم ثقيل .. لم؟ لا استطيع القول .. انها قدرة الله عز وجل , لكنها لطيفة شعرت بها وهي ان الايمان خارج نطاق تراكم الزمن في المجتمع لا يستطيع ان يحيي المجتمع ..
نظرت في سنته عليه الصلاة والسلام , ونزلت في القرآن الذي أنزل عليه , ونظرت في النسخ, فرأيت النسخ قد طوى الزمان, وقابل النصوص خارج روح الانسان الذي راكمه مجتمعه, فلم يستطع الا الحكم بالتناقض .. واستدل باستدلالات عجيبة, فقال: الا اني كنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها .. وبهذا ينسخ هذا الحديث ما سبق .. ولو قابلنا الزمان بالزمان, لما كان هناك من خصام, ٍ بل المودة والرحمة والاشفاق على هذا الانسان .. فالرسول نهى لعلة كان يراها في مجتمعه, فلما انتهت العلة ورأى تراكما اخر في مجتمعه أذن بزيارة القبور .. والحقيقة انه سنته تركت الامرين: النهي عن الزيارة واباحة الزيارة برسم تراكم الايمان في المجتمع, فاذا اتجه المجتمع الى تقديس القبور كان النهي حاضرا واذا اتجه المجتمع الى نفي التقديس عادت الامور الى اصالتها وهي الاباحة ..
لماذا نأخذ بالاحكام التشريعية ما انتهت اليه الشريعة ولا نأخذ تراكمها ومواكبتها لصيرورة الانسان في المجتمع؟ لماذا سنة الرسول هو ما تركه في آخر ايامه, وليست الروح التي ظللت رسالته على مدى ال23 سنة التي انزلت فيها الرسالة؟ لماذا نستبعد الزمن من قراءتنا للنصوص؟ هذا هو اصل لكثير من الاسئلة التي تدور في ذهني عند قراءتي لاصول الفقه ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[29 Jan 2006, 12:56 م]ـ
الأخ فاروق:
سؤالي بصيغة أخرى إذا كانت في القرآن آيات منسوخة كما يقال ومحل خلاف فلتناقش بين
مؤيد ومعارض؟ أخي الحبيب فارق كبير بين وجود الشيء وبين امثلته. لانك لو اردت نفي كل نسخ لما استطعت ذلك لكثرت ما ادعي عليه النسخ.
دائما يا أخي انما يفعل عكس ما طلبت. فمن يقول بالنسخ هو الذي يطرح ما يقول انه منسوخ. وانت يمكن ان ترد عليه.
ادعاء عدم النسخ هو ادعاء خالف اجماع السلف عليه من ناحية قال القرطبي رحمه الله:
أَنْكَرَتْ طَوَائِف مِنْ الْمُنْتَمِينَ لِلْإِسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازه , وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِإِجْمَاعِ السَّلَف السَّابِق عَلَى وُقُوعه فِي الشَّرِيعَة.فلا نعلم أحد انكر النسخ من سلف اللامة بل ان المعتزلة والروافض يقولوا به ايضا. لان الايت في الموضوع لا ترد بفهم صحيح.
وانما كثرت اصوات الذين يدعون الى امر اخر الا وهو التخفيف والتدرج بالتشريع. وذلك تابع لشبهة البداء. وهي نفس شبهة المشركين. قال الله تعالى:
"وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ"
قال ابن جرير يرحمه الله:
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يُنَزِّل قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ} يَقُول تَعَالَى ذِكْره: وَإِذَا نَسَخْنَا حُكْم آيَة فَأَبْدَلْنَا مَكَانه حُكْم أُخْرَى , {وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا يُنَزِّل} يَقُول: وَاَللَّه أَعْلَم بِاَلَّذِي هُوَ أَصْلَح لِخَلْقِهِ فِيمَا يُبَدِّل وَيُغَيِّر مِنْ أَحْكَامه , {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} يَقُول: قَالَ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ الْمُكَذِّبُو رَسُوله لِرَسُولِهِ: إِنَّمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّد مُفْتَرٍ ; أَيْ مُكَذِّب تَخْرَص بِتَقَوُّلِ الْبَاطِل عَلَى اللَّه. يَقُول اللَّه تَعَالَى: بَلْ أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لَك يَا مُحَمَّد إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ جُهَّال بِأَنَّ الَّذِي تَأْتِيهِمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه نَاسِخه وَمَنْسُوخه لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَة صِحَّته. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة} قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ: 16548 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ: ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ: ثنا الْحَسَن , قَالَ: ثنا وَرْقَاء ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ: ثنا شِبْل ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ: ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة} رَفَعْنَاهَا فَأَنْزَلْنَا غَيْرهَا. * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ: ثنا الْحُسَيْن , قَالَ: ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة} قَالَ: نَسَخْنَاهَا , بَدَّلْنَاهَا , رَفَعْنَاهَا , وَأَثْبَتْنَا غَيْرهَا. 16549 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ: ثنا يَزِيد , قَالَ: ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة} هُوَ كَقَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا} 2 106 16550 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ: أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ: قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَة مَكَان آيَة} قَالُوا: إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ , تَأْتِي بِشَيْءٍ وَتَنْقُضهُ , فَتَأْتِي بِغَيْرِهِ. قَالَ: وَهَذَا التَّبْدِيل نَاسِخ , وَلَا نُبَدِّل آيَة مَكَان آيَة إِلَّا بِنَسْخٍ.
هذه المشكلة الاساسية. لان البحث في ايات التفسير ايها منسوخة وايها غير منسوخة انما يكون مع من يقول بنسخ تلك الايات والامر مختلف عليه من حيث ايها المنسوخة , وتحديدها بعدد دون غيره انما هو اجتهاد.
الأخ سيف الدين بارك الله فيك.
(يُتْبَعُ)
(/)
أخي الكريم ما طرحته لا يعدوا كونه خاطرة في رأيك دون البحث في الاصل. لان ما ذكرته فيه عدة مخالفات شرعية وعقلية.
اما العقلية فهي في طريقة دراستك للنسخ: فانت تدرس النسخ على اساس كيف تود ان يكون او انك لا توده ان يكون. والنسخ سواء ادرست ذلك ام لا فهو اما فيه منسوخ او ليس فيه.فذلك يحتم عليك دراسة الفرضيات بنفيها او اثباتها. وهذا الاسلوب العلمي لبحث الموجود. فكونك استثنيت امكان النسخ.فانت اثبت شيء لا يثبت الا برد خلافه الذي هو النسخ.فهذا خلاف للبحث التجريدي الذي يستثني تراكمات الزمنان التي تزعمها
فانت طوعت الموجود الى فهمك ولم تدرس الموجود لتثبت صحة كلامك بل توقع حالة على النسخ لتنفيه.
فان كنت تزعم ان تراكم الزمان هو سبب القول بالنسخ كما تقول:ان ما يزعم به النسخ كان لوضع يمكن الرجوع اليه لاحقا.
لماذا نأخذ بالاحكام التشريعية ما انتهت اليه الشريعة ولا نأخذ تراكمها ومواكبتها لصيرورة الانسان في المجتمع؟
لان الله عز وجل اذا انزل حكما نسخ به ما كان قبله. ولم يحل لاحد ان يتدرج بالاحكام بعد ايمانه. وما احله الله لا ينبغي لاحد ان يحرمه وما حرمه الله فلا يبيحه احد تدريجا. فان زعم تدرج تحريم الخمر لا يجعل من اسلم حديثا يتدرج بأخذه الاحكام. لان تركه الخمر لا يفقده حياته فلا ضرورة في التدريج والمثال الذي وضعته عن القبور لا يلتفت اليه الا عند من يأخذ بسد الذرائع دون نفي النسخ. اما من لا يقول بسد الذرئع فلا يقو بشبيه ذلك.
اما المخالفات الشرعية فهي من بداية حديثك عن التجربة والخطأ. هل هذا يتناسب مع كون المشرع هو الله الحكيم العليم؟
يبدو ان المشكلة هي الزمن ... الزمن الذي يراكم التجربة .. التجربة التي تحاول ان تصل الى الصفاء والكمال .. بل تؤكد على ذلك وتقول:
نظرت في سنته عليه الصلاة والسلام , ونزلت في القرآن الذي أنزل عليه , ونظرت في النسخ, فرأيت النسخ قد طوى الزمان, وقابل النصوص خارج روح الانسان الذي راكمه مجتمعه, فلم يستطع الا الحكم بالتناقض .. واستدل باستدلالات عجيبة, فقال: الا اني كنت نهيتكم عن زيارة القبور الا فزوروها .. وبهذا ينسخ هذا الحديث ما سبق .. ولو قابلنا الزمان بالزمان, لما كان هناك من خصام, ٍ بل المودة والرحمة والاشفاق على هذا الانسان .. فالرسول نهى لعلة كان يراها في مجتمعه, فلما انتهت العلة ورأى تراكما اخر في مجتمعه أذن بزيارة القبور .. والحقيقة انه سنته تركت الامرين: النهي عن الزيارة واباحة الزيارة برسم تراكم الايمان في المجتمع, فاذا اتجه المجتمع الى تقديس القبور كان النهي حاضرا واذا اتجه المجتمع الى نفي التقديس عادت الامور الى اصالتها وهي الاباحة ..
.
وما هي حال من يؤمن بالنبي من من حولهم من الدينة اي حكم له؟ وهل هذا حكم شرعي ام رأيك انت؟
والا فاين تميز المشرع الحكيم بين الحالين؟
أخي الكريم ركز في موضوع نسخ الايات فهو اخص واعمق من نسخ الاحكام.
ـ[سيف الدين]ــــــــ[01 Feb 2006, 09:50 م]ـ
الاخ مجدي ابو عيشة
اعتذر على التأخر في الرد على أسئلتك
ما ذكرته في مشاركتي الاخيرة لم يكن واضحا ربما ..
ومشاركتي هنا هي تكملة لموضوع اثرته في ركن آخر لكن طرح علي الاخ فاروق ان اكمل في هذا الركن فأجبت ..
أرجو من الاخ الكريم ان يقرأ ما يلي, وينصح لله وللرسول .. وأسأل الله الهداية
أقول: القرآن الكريم هو مجموعة سور وآيات انزلها الله على رسوله الكريم
فان قال قائل: بم يثبت القرآن؟
قلنا: يثبت بالنقل المتواتر اللفظي عن الرسول الكريم ..
فان قيل: فان قال الله بأن هذه الاية او تلك قد رفع حكمها
قلنا: يلزم ان يكون ذلك بنقل متواتر لفظي صريح عن الرسول الكريم
فان قيل: فان ثبت الرفع بخبر الواحد
قلنا: خبر الواحد لا يرفع ما جاء متواترا
فان قيل: هناك لفظ صريح جاء في القرآن يقول بأن هذه الاية نسخت تلك؟
قلنا: ذلك غير موجود في القرآن الكريم
فان قيل: فماذا تقول في قوله تعالى: {الان خفف الله عنكم}؟
قلنا: التخفيف ليس تصريحا في النسخ ولم يحمله كل المفسرون هذا المحمل
فان قيل: فان تعارضت آيتين وليس هناك من حل الا النسخ؟
قلنا: 1 - انك تنتقل من مناقشة الاصول الى مناقشة الفروع .. ولا تستقيم حجتك الا بعرض كل الايات الناسخة والمنسوخة
2 - أنا أؤمن انه لا يوجد تعارض في القرآن الكريم والا فكيف يتحدى القرآن المشركين والكفار ان يأتوا بسورة من مثله
3 - ان التعارض ذهني, ومعلوم ان الافهام تتفاوت, فما قد يبدو تعارض لشخص, هو ليس كذلك لآخر .. فلا حجة بالتعارض اذا
4 - يلزم من قولك بالتعارض الدليل النقلي المتواتر الصريح على هذا التعارض من قبل الرسول حتى تستقيم حجتك فيقابل المتواتر اللفظي بالمتواتر اللفظي .. لأن القول في القرآن لا يقبل الا بالمتواتر اللفظي .. والا كيف يستقيم حكمنا على شيء انه متعارض؟
وأسأل الله الهداية ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[روضة]ــــــــ[02 Feb 2006, 03:03 ص]ـ
أقرّ وأعترف أن الأمر في نسخ هذه الآية شائك للغاية، فكلما استقر رأيي على قول لقوة أدلة القائلين به، ظهرت لي قوة في أدلة القائلين بالرأي المخالف، وكلما ظننت أني اقتربت من النهاية، فُتحت لي أبواب لم تكن بالحسبان، وكلا الفريقين ممن لا يُستخف به بين العلماء، وما قاله المهندس عدنان الرفاعي من نفي النسخ في هذه الآية، قال به علماء منذ القدم، ولكن بنوا أقوالهم على أسس سليمة، لا كما فعل، صحيح أنه وصل إلى النتيجة التي وصلوا إليها وهي نفي النسخ عن هذه الآية ولكنه خلط بين كثير من الأمور، ولم يعتمد القواعد التي يجب أن تُعتمد للخوض في مثل هذا الأمر.
لقد أرقتني هذه المسألة كما أرقت من قبلي .... http://tafsir.org/vb/images/icons/icon11.gif
فهل من مغيث!!
ما يبدو لي الآن هو أن أعرض آراء كل فريق، فأنا على وشك الانتهاء من جمعها، ثم أعرض رد الطرف المخالف، وبعد ذلك أحاول الترجيح، طبعاً بتوجيهات الجميع ومشاركاتهم.
يعني نوع من التفكير بصوت عالٍ.
ولكن، هذا يحتاج إلى الوقت والجهد، فصبر جميل والله المستعان.
****************
أعطِ العلم كلك يعطك بعضه.
وأسأل الله لنا جميعاً الهداية للقول الحق في هذه المسألة.
****************
ـ[فاروق]ــــــــ[02 Feb 2006, 11:26 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الإخوة الأفاضل:"باحثة"،"مجدي أبو عيشة"،"د. أبوبكر خليل"،"سيف الدين"وآخرون ..
أشكركم على هذا التفاعل الإيجابي برغم اختلاف الرؤى .. وهذا من حسنات هذا الملتقى المبارك الذي نسأل الله أن يجازي القائمين عليه خير الجزاء ..
"أخي سيف الدين" يبدو أننا في خندق واحد .. وإذا كنا "نتبنى" الطرح الآخر المعراض حتى تتضح الرؤيا بجلاء وتصفو الصورة فنغير رأينا عن اقتناع،هذا يعني استشعار عظمة هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،لاتعارض فيه بين أحكامه .. لانستطيع أن ندرك كنهه الحقيقي نحن البشرإلا بالقدر الذي علمنا حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فهم و استوعب كنه مراد الله تعالى وبالتالي عظمة منزله سبحانه وتعالى ..
أختي "باحثة" أشكرك على هذا المجهود الذي تقومين به في جمع الأدلة المضحدة .. وأنت مأجورة بإذن الله تعالى .. وأريد أن أعرف ردك بالخصوص على ما نقلته في المرة السابقة
فأين اختلطت الأمور في الاستدلال .. ؟ وما هي القواعد التي يجب أن تتبع في الاستدلال في هذه الأمور .. ؟ وكيف استدل عليها علماؤنا القدماء ممن نفوا نسخ هذه الآية .. ؟ بإيجاز وشيئ من التركيز .. وجزاك الله خيرا ..
قبل أن نمر إلى الآيات الأخرى ..
ـ[روضة]ــــــــ[02 Feb 2006, 11:52 ص]ـ
فأين اختلطت الأمور في الاستدلال .. ؟ وما هي القواعد التي يجب أن تتبع في الاستدلال في هذه الأمور .. ؟ وكيف استدل عليها علماؤنا القدماء ممن نفوا نسخ هذه الآية .. ؟ بإيجاز وشيئ من التركيز .. وجزاك الله خيرا ..
أفضّل أن أبيّن هذه الأمور أثناء عرضي لرأي القائلين بنفي النسخ عن الآية الكريمة، حتى يظهر الأمر جليّاً من خلال المقارنة، وحتى نتجنب التكرار.
قبل أن نمر إلى الآيات الأخرى ..
هذا تفاؤل كبير، لن نمر على الآيات الأخرى قريباً، فالحديث عن هذه الآية سيأخذ وقتاً طويلاً.
ـ[فاروق]ــــــــ[02 Feb 2006, 03:50 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أحبذه حتى نكون قد عملنا جردا شاملا بإذن الله ..
ويبدو أن الأخت "باحثة"قد أعدت لنا وجبة دسمة لن نستطيع هضمها تمنعنا من المرور إلى الآيات الأخرى .. !!
نحن في الانتظار ..
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[04 Feb 2006, 08:57 م]ـ
أخي سيف الدين. الاشكال الذي وضعته بالنسبة لخبر الأحاد والتواتر هو شكل غير صحيح.
سيتضح لك عند المناقشة أن اشكالية النقاش لا تتعلق به من الا من حيث الشكل.
فالمراجع للموضوع سيجد أن أغلب من تكلم بهذه الامور انما تكلم بها من ناحية اصولية , مردها الى موضوع أخر وهو خبر الأحاد وخبر التواتر وما يفيد كل منهما. فكل ما بعد ذلك مرتبط بذلك.
للاسف يوجد خلط كبير بين الكثير ممن يكتب بهذا الموضوع من المتأخرين , الخلط ناجم عن عدم معرفة حقيقة الفرق بين خبر الاحاد والتواتر , لا أقص التفرقة المعروفة وانما اقصد الفرق العملي لهذه الاخبار.
(يُتْبَعُ)
(/)
فكون خبر الاحاد ظني الثبوت لا يعني هذا ان خبر الاحاد دائما ظني, لان بعض القرائن تكون ملازمة لخبر الاحاد تجعله معلوما من الدين بالضرورة , او بمعنى أخر موجبا للعلم القطعي.
على كل حال لا أحب تفريع المسألة كثيرا سأحاول ان ابين ذلك من خلال الرد على مداخلتك قبل الاخيرة فانت قلت بارك الله فيك:
أقول: القرآن الكريم هو مجموعة سور وآيات انزلها الله على رسوله الكريم
فان قال قائل: بم يثبت القرآن؟
قلنا: يثبت بالنقل المتواتر اللفظي عن الرسول الكريم ..
فان قيل: فان قال الله بأن هذه الاية او تلك قد رفع حكمها
قلنا: يلزم ان يكون ذلك بنقل متواتر لفظي صريح عن الرسول الكريم
أخي الكريم بزمن النبي عليه الصلاة والسلام تم النسخ فلا يكون داعيا لبحث التواتر
لانها كلها ستكون خبر آحاد مردها الى النبي صلى الله عليه وسلم , وانت تعرف ان شرط التواتر هو الى النبي صلى الله عليه وسلم , فبذلك يكون الصحابة واجبا عليهم التسليم بالنسخ بمجرد عمل النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه عن ذلك , وهنا يكون البحث هل ينسخ حكم بحكم او لا ولا يلتفت الى شكل المنسوخ كان متعبدا بتلاوته (القران) او متعبدا بالعمل به (كلام النبي صلى الله عليه وسلم) ,لان حجيتهما بنفس الدرجة , والخبر من نفس النبي ,وهذا اساس المسألة.
اما ما اشتهر لاحقا من الخلاف في:هل ينسخ خبر الواحد خبر الاحاد؟ ففيه خطأ لان النسخ لا يجوز ان يكون بعد زمن الوحي على النبي , فكون الخبر منسوخ بأخر هذا حكمه ولكن وصول الخبر النسخ هو ما اصبح منه متواترا وآحاد , بمعرفتك بطرق الحديث وهنا لب المسألة.
فتواتر الخبر انما هو حالة لمتتبع الخبر دون غيره. لانك اذا جمعت الاخبار المتواترة ببحث عندك وضمنته كتاب لم يفد التواتر الذي جمعته غيرك وغير من يعرف الطرق حقيقة لان جميع ما جمعته هو خبر آحاد لانه طريق واحد لكل الطرق التي جمعتها.
وهذا الامر معروف فلو جمع أحد الرواة الف طريق لحديث متواتر ثم روي عن هذا الراوي لاصبح الخبر لمن سمعه عنه ان لم يسمعه من غيره حديث آحاد, لان التواتر في الاخبار قد يسقط مع الفترة فيصبح المتواتر أحاد.
وهذا الامر ما جعل العلماء يفرقوا بين انواع الاحاد.
فحديث الاحاد الذي تلقته الامة بالقبول والعمل هو قطعي ويفيد العلم ولا يلتفت الى المخالف الذي يخالف هذا الاجماع (اجماع العمل على الشيء).
قلنا: يلزم ان يكون ذلك بنقل متواتر لفظي صريح عن الرسول الكريم
فان قيل: فان ثبت الرفع بخبر الواحد
قلنا: خبر الواحد لا يرفع ما جاء متواترا
لاحظ أخي انك ترجع الحكم النسخ الى فترة متأخرة عن الفترة التي حصل فيها النسخ.
فحدوث النسخ انما حدث في زمن البعثة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. والاخبار عن النسخ هي أخبار عن حدث النسخ ويكون دليله عمل الصحابة والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين رضي الله عنهم اجمعين. لان الاخبار هي عن امر حدث الا وهو النسخ.
فان قيل: هناك لفظ صريح جاء في القرآن يقول بأن هذه الاية نسخت تلك؟
قلنا: ذلك غير موجود في القرآن الكريم
فان قيل: فماذا تقول في قوله تعالى: {الان خفف الله عنكم}؟
قلنا: التخفيف ليس تصريحا في النسخ ولم يحمله كل المفسرون هذا المحمل
اما وجود نسخ للايات فهذا يعرف من أيات أخرى مع هذه ولا يختص بهذه اما قول المسرين المتأخرين فلا يلتفت اليه وقد نقلت لك عن القرطبي كلامه عن هذا الامر.
ولكن لا أحب ان أخوض في تأويل الايات المعروفة التي تدل على النسخ ولكن اريد ان اركز معك على ما سألت وأجبت عليه.
فالقول بالتخفيف هو اعتراف بالنسخ.
فكون المسلم لم يكن جائزا له بالفرار ان كان عدوه يكثر عليه بعشر اضعاف ثم خفف الحكم فهذا يعني ان الاولى لم يعد لها حكم الاثم ان تراجع المسلم امام عدوه وهو يفوقه أكثر من الضعف ولو كان اقل من العشرة أمثال.
اذا فمن فسر بالتخفيف انما غير الالفاظ بمرادفات الالفاظ وان حققت كلامه فلا يخرج عن معنى النسخ.
لذلك مشكلة من يرفض النسخ هي بسبب شبهة عنده. لانه لم يجز اصلا حتى نسخ القران بالقران والايات كلها متواترة , فكيف يحتج بالنسبة للحديث بانه أحاد , ويرفض هنا النسخ حتى لو كان بالمتواتر.مع ما بينته سابقا من ان النسخ يحدث وقت البعثة. وانما الاخبار دليل على ما حدث.
(يُتْبَعُ)
(/)
فان قيل: فان تعارضت آيتين وليس هناك من حل الا النسخ؟
قلنا: 1 - انك تنتقل من مناقشة الاصول الى مناقشة الفروع .. ولا تستقيم حجتك الا بعرض كل الايات الناسخة والمنسوخة
2 - أنا أؤمن انه لا يوجد تعارض في القرآن الكريم والا فكيف يتحدى القرآن المشركين والكفار ان يأتوا بسورة من مثله
3 - ان التعارض ذهني, ومعلوم ان الافهام تتفاوت, فما قد يبدو تعارض لشخص, هو ليس كذلك لآخر .. فلا حجة بالتعارض اذا
تقصد تعارض الاحكام , اذلا احد يقول بتعارض الايات فالامر مختلف بين تعارض الاحكام وتعارض الايات ,لان الاول ممكن والثاني مستحيل , وكل من يقول انما يقول باختلاف الحكم لا بتناقضه ,لان التناقض ليس له موضع ,والتعارض لا نجيزه حتى بين حديث صحيح وآية.الان النسخ لا يقع بالاخبار وانما بالاحكام. وبما ان المنطق والعقل لا يحيل تغير حكم بعد اثباته فلا يكون للتناقض موقع في الاحكام. وانما التناقض في فهم من ظن ان تغير حكم هو تناقض. او ان تبديل حكم هو تناقض. فلا هذا ولاذاك مما يقال انه تناقض لان الحكم لم يرتبط بخبر يتغير بتغير الحكم.
التخفيف والتغير والزيادة والنقصان في حكم يترتب عليه حرام او حلال تبعا للحكم. والحكم الجديد انما يقال ناسخ للحكم الاول ان لم يبقي له اثر.او يقال ناسخ لبعضه ان خصصه او قيده ان كان عاما او مطلقا او العكس.
فلنرجع الى كلامك التخفيف: الايات هي: يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ?64? يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ?65? الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ?66? ضع لنا حكم من خالف الاية الاولى قبل التخفيف.
وضع لنا حكم من خالف الاولى ولم يخالف الثانية بعد التخفيف.
وضع حكم من خالف التانية بعد التخفيف.
بعد ذلك أخبرنا عن الحكم الاول هل له وجود باق من حيث حصر العدد؟
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[05 Feb 2006, 06:38 م]ـ
اما ما اشتهر لاحقا من الخلاف في:هل ينسخ خبر الواحد خبر الاحاد؟ ففيه خطأ لان النسخ لا يجوز ان يكون بعد زمن الوحي على النبي , .....
اما ما اشتهر لاحقا من الخلاف في:هل ينسخ خبر الواحد خبرا متواترا؟
لا أقص ---لا أقصد
المسرين----المفسرين
ـ[سيف الدين]ــــــــ[05 Feb 2006, 08:53 م]ـ
الاخ الكريم مجدي ابو عيشة
قبل الشروع في مناقشة ما تفضلت به, أستوضحك عن بعض النقاط:
1 - اقتباس
بزمن النبي عليه الصلاة والسلام تم النسخ فلا يكون داعيا لبحث التواتر
لانها كلها ستكون خبر آحاد مردها الى النبي صلى الله عليه وسلم , وانت تعرف ان شرط التواتر هو الى النبي صلى الله عليه وسلم , فبذلك يكون الصحابة واجبا عليهم التسليم بالنسخ بمجرد عمل النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه عن ذلك
أرجو معذرتك, ولكن لم يتضح في ذهني ما ذهبت اليه من ربط المقدمة (وانت تعرف ان شرط التواتر هو الى النبي صلى الله عليه وسلم) بالنتيجة (فبذلك يكون الصحابة واجبا عليهم التسليم بالنسخ)
2 - اقتباس
ولا يلتفت الى شكل المنسوخ كان متعبدا بتلاوته (القران) او متعبدا بالعمل به (كلام النبي صلى الله عليه وسلم) ,لان حجيتهما بنفس الدرجة , والخبر من نفس النبي ,وهذا اساس المسألة.
ماذا تقصد بالقول "بنفس الدرجة"؟
3 -
اقتباس
فتواتر الخبر انما هو حالة لمتتبع الخبر دون غيره. لانك اذا جمعت الاخبار المتواترة ببحث عندك وضمنته كتاب لم يفد التواتر الذي جمعته غيرك وغير من يعرف الطرق حقيقة لان جميع ما جمعته هو خبر آحاد لانه طريق واحد لكل الطرق التي جمعتها.
هل هناك من علماء الحديث من ذهب الى ما ذهبت اليه حتى أراجعه فيتضح الموضوع اكثر في ذهني؟
4 - اقتباس
تقصد تعارض الاحكام , اذلا احد يقول بتعارض الايات فالامر مختلف بين تعارض الاحكام وتعارض الايات ,لان الاول ممكن والثاني مستحيل , وكل من يقول انما يقول باختلاف الحكم لا بتناقضه ,لان التناقض ليس له موضع ,والتعارض لا نجيزه حتى بين حديث صحيح وآية
هل تقصد بذكرك لكلمة "التناقض" ما استعملته انا لكلمة "تعارض"؟
وأسأل الله الهداية ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[06 Feb 2006, 01:05 ص]ـ
أخي سيف الدين:
الاخ الكريم مجدي ابو عيشة
قبل الشروع في مناقشة ما تفضلت به, أستوضحك عن بعض النقاط:
1 - اقتباس
بزمن النبي عليه الصلاة والسلام تم النسخ فلا يكون داعيا لبحث التواتر
لانها كلها ستكون خبر آحاد مردها الى النبي صلى الله عليه وسلم , وانت تعرف ان شرط التواتر هو الى النبي صلى الله عليه وسلم , فبذلك يكون الصحابة واجبا عليهم التسليم بالنسخ بمجرد عمل النبي صلى الله عليه وسلم وكلامه عن ذلك
أرجو معذرتك, ولكن لم يتضح في ذهني ما ذهبت اليه من ربط المقدمة (وانت تعرف ان شرط التواتر هو الى النبي صلى الله عليه وسلم) بالنتيجة (فبذلك يكون الصحابة واجبا عليهم التسليم بالنسخ)
.
أخي الحبيب تواتر الحديث ليس شرطا للنسخ في الزمن الذي شرعت فيه الاحكام "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً " فقد كانت الاحكام تنسخ من الاباحة الى التحريم "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "فما لم يحرمه الله عليهم في اول الاسلام حرمه عليهم في وقت لاحق وما منعوا عنه سابقا امروا به بعد ذلك كالقتال. وان القبلة الأولى كانت متبعة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. والمناسك والصلاة لا تعلم الا بفعل النبي فما شرع الله عز وجل من شرع فانما شرعه الله بآية أو بوحي للنبي صلى الله عليه وسلم.
فوجود نسخ من عدمه هو ما يُدرَسُ في فترة الوحي اذ ان الله أتم دينه فلا يُنسخ منه شيء بشيء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.والصحابة يأخذوا عن النبي مباشرة سواء بالمشاهدة المباشرة لفعله او سماع أمره او بالقران الذي أنزله الله عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم ,فبذلك يُسِلم الصحابي بأن الامر نسخ بسماعه الاية اومشاهدة النبي عليه الصلاة والسلام. اما التسليم بالنسخ فهو متى حصل.
ماذا تقصد بالقول "بنفس الدرجة"؟ أقصد زمن النبي تكون لها نفس الحجة ومعلوم ان الرسول لا يخالف امر الله وانه يتبعه وانه لا يأمر الا بما أمر الله من وحي.
وبالطبع لا أقصد ان خبر الواحد له نفس درجة خبر التواتر.
هل هناك من علماء الحديث من ذهب الى ما ذهبت اليه حتى أراجعه فيتضح الموضوع اكثر في ذهني؟ قال الشافعي"فأقام (جل ثناؤه) حجته على خلقه في أنبيائه بالأعلام التي باينوا بها خلقه سواهم, وكانت الحجة على من شاهد أمور الأنبياء دلائلهم التي باينوا بها غيرهم ,وعلى من بعدهم وكان خبر الواحد في ذلك وأكثرمنه سواء-تقوم الحجة منهم قيامها بالأكثر." أحكام القران -الشافعي رحمه الله -جمع البيهقي -ابوا بكر-صاحب السنن رحمه الله تعالى هذا بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم.
اما ما بعد النبي فان اشتراط التواتر في كل طبقات الحديث هو شرط مجمع عليه.
ستجد في بداية كتاب الكفاية باب" الكلام في الاخبار وتقسيمها "وفي أخر الكتاب باب "باب ذكر ما يقبل فيه خبر الواحد وما لا يقبل فيه " فهو اوضح كلام بما يخص بحث النسخ.ففيه بيان أنواع ما يفيد العلم من خبر الأحاد وغيره مثل التواتر.
هل تقصد بذكرك لكلمة "التناقض" ما استعملته انا لكلمة "تعارض"؟ اقصد أخي ان الايات لا تتعارض وانما تتعارض الاحكام , لان تعارض الايات لا يجوز الا بالذهن كما قلتَ يا أخي انت تقول بالتخفيف مثلا ونحن نقول بالنسخ. فنحن نقول ان حكم الاية الاولى ليس كحكم الثانية وانهم لنفس الحالة , وان حكم الثانية نسخ الأولى.
ـ[روضة]ــــــــ[06 Feb 2006, 10:21 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ
[البقرة:180 - 181]
المرحلة الأولى:
أدلة القائلين إن قوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت .. ) منسوخة بقوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم)
(يُتْبَعُ)
(/)
القول بالنسخ أو عدمه مبنيٌّ على فهم معنى الآيةِ المنسوخةِ موضوعَ البحث، هل هو متعارض مع الآية الناسخة، لذلك سيكون هناك ذكر ضمن الأدلة لمعنى الآية ووجوه الإعراب المترتبة على المعنى، وستتضح أهمية ذلك عند ذكر أدلة القائلين بنفي النسخ.
* قالوا: (إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية) [البقرة:180]: فرض الله إذا أوشك أحدكم على الموت، وكان ذا مال أن يوصي بثلثه لوالديه وأقربائه بالعدل والمساواة، وكان هذا الحكم سارياً في أول الإسلام قبل تعيين المواريث، فلما نزلت آيات المواريث نسخ هذا الحكم.
* الآية تشعر بتفويض تعيين المقدار الموصى به إلى ما يراه الموصي، وأمره بالعدل بقوله: {بالمعروف}، فتقرر حكم الإيصاء في صدر الإسلام لغير الأبناء من القرابة زيادة على ما يأخذه الأبناء، ثم إن آية المواريت التي في سورة النساء نسخت هذه الآية نسخاً مجملاً، فبينت ميراث كل قريب معين، فلم يبق حقه موقوفاً على إيصَاء الميت له، بل صار حقه ثابتاً معيناً رَضي الميت أم كره، فيكون تقرر حكم الوصية في أول الأمر استئناساً لمشروعية فرائض الميراث، ولذلك صدر الله تعالى آية الفرائض بقوله: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] فجعلها وصية نفسه سبحانه إبطالاً للمنة التي كانت للموصي.
وبالفرائض نسخ وجوب الوصية الذي اقتضته هذه الآية، وبقيت الوصية مندوبة بناء على أن الوجوب إذا نسخ بقي الندب، وإلى هذا ذهب جمهور أهل النظر من العلماء، الحسن وقتادة والنخعي والشعبي ومالك وأبو حنيفة والأوزاعي والشافعي وأحمد وجابر بن زيد، ففي البخاري في تفسير سورة النساء عن جابر بن عبد الله قال: عادني النبي وأبو بكر في بني سَلِمَة ماشِيْين فوجدني النبي لا أعقل فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش عليَّ فأفقت فقلت: ما تأمرني أن أَصنع في مالي يا رسول الله فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] الآية اهـ. فدل على أن آخر عهد بمشْروعية الوصايا سؤال جابر بن عبد الله، وفي البخاري عن ابن عباس كان المال وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب الخ.
* لم يفتتح بـ {يا أيها الذين آمنوا} لأن الوصية كانت معروفة قبل الإسلام فلم يكن شرعها إحداث شيء غير معروف، لذلك لا يحتاج فيها إلى مزيد تنبيه لتلقي الحكم، ومناسبة ذكره أنه تغيير لما كانوا عليه في أول الإسلام من بقايا عوائد الجاهلية في أموال الأموات فإنهم كانوا كثيراً ما يمنعون القريب من الإرث بتوهم أنه يتمنى موت قريبه ليرثه، وربما فضلوا بعض الأقارب على بعض، ولما كان هذا مما يفضي بهم إلى الإحن وبها تختل الحالة الاجتماعية بإلقاء العداوة بين الأقارب كان تغييرها إلى حال العَدل فيها من أهم مقاصد الإسلام.
* والقائلون بالنسخ يقول منهم مَنْ يرون الوصية لم تزل مفروضة لغير الوارث: إِن آية المواريث نسَخَت الاختيار في الموصَى له والإطلاق في المقدار الموصَى به، ومَن يرى منهم الوصية قد نسخ وجوبها وصارت مندوبة يقولون: إن آية المواريث نَسَخت هذه الآية كلها فأصبحت الوصية المشروعة بهذه الآية منسوخة بآية المواريث للإِجماع على أن آية المواريث نَسخت عموم الوَالدين والأقربين الوَارثين، ونسخت الإطلاق الذي في لفظ (الوصية)، والتخصيصُ بعد العمل بالعام، والتقييدُ بعدَ العمل بالمطلق كلاهما نَسْخٌ، [هذا من كلام الإمام الرازي، وهذا مثال لاستناد العلماء على أصول وقواعد في قولهم بالنسخ أو عدمه]، وإن كان لفظ آية المواريث لا يدل على ما يناقض آية الوصية، لاحتمالها أن يكون الميراث بعد إعطاء الوصايا أو عند عدم الوصية بل ظاهرها ذلك لقوله:
{من بعد وصية} [النساء: 11]، وإن كان الحديثان الواردان في ذلك آحاداً لا يصلحان لنسخ القرآن عند من لا يرون نسخ القرآن بخبر الآحاد، فقد ثبت حكم جديد للوصية وهو الندب أو الوجوب على الخلاف في غير الوارث، وفي الثلث بدليل الإجماع المستند للأحاديث وفعل الصحابة، ولمَّا ثبت حكم جديد للوصية، فهو حكم غير مأخوذ من الآية المنسوخة، بل هو حكم مستند للإِجماع، هذا تقرير أصل استنباط العلماء في هذه المسألة، وفيه ما يدفع عن الناظر إشكالات كثيرة للمفسرين والفقهاء في تقرير كيفية النسخ.
* مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يوصِ.
(يُتْبَعُ)
(/)
* ظاهر (كُتب) الوجوب، فيفهم من الآية الكريمة أن الوصية واجبة، فالقول بنسخ الآية الكريمة مبني على أن الوصية هنا واجبة وهذا يتعارض مع آية المواريث، فـ (كُتب) بمعنى فُرض، كقوله تعالى: (كُتب عليكم الصيام).
* {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ?لْمَوْتُ} أي حضر أسبابُه وظهرَ أماراتُه أو دنا نفسُه من الحضور، وتقديمُ المفعول لإفادة كمال تمكنِ الفاعلِ عند النفسِ وقت ورودِه عليها.
* ولا يرد أن الوصية واجبة على ـ من حضره الموت ـ لا على جميع المؤمنين عند حضور أحدهم الموت لأن {أَحَدَكُمُ} يفيد العموم على سبيل البدل فمعنى {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ} إذا حضر واحداً بعد واحد، وإنما زيد لفظ ـ أحد ـ للتنصيص على أنها فرض عين لا كفاية كما في {" كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لْقِصَاصُ فِي ?لْقَتْلَى " [البقرة: 178].
* آية المواريث نزلت بعد آية الوصية بالاتفاق.
* {بالمعروف} أي: لا يوصى بأزيد من الثلث، ولا للغنيّ دون الفقير، وقال ابن مسعود: الأخل فالأخل، أي: الأحوج فالأحوج، وقيل: الذي لا حيف فيه، وقيل: كان هذا موكولاً إلى اجتهاد الموصي، ثم بين ذلك وقدر: «بالثلث والثلث كثير». وقيل: بالقصد الذي تعرفه النفوس دون إضرار بالورثة، فإنهم كانوا قد يوصون بالمال كله، وقيل: بالمعروف من ماله غير المجهول.
* نسخت آية الوصية بقوله عليه السلام: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألاَ لاَ وصية لوارث "ولتلقي الأمة إياه بالقبول حتى لحق بالمتواتر، وإن كان من الآحاد، لأنهم لا يتلقون بالقبول إلاّ المثبت الذي صحت روايته.
* نسخ الوصية بآية المواريث قاله ابن عباس وابن عمر وقتادة وشريح ومجاهد وغيرهم وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن خارجة رضي الله تعالى عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فقال: إن الله قد قسم لكل إنسان نصيبه من الميراث فلا تجوز لوارث وصية " وأخرج أحمد والبيهقي في «سننه» عن أبي أمامة الباهلي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته يقول: " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " وأخرج عبد بن حميد عن الحسن نحو ذلك/
وهذه الأحاديث لتلقي الأمة لها بالقبول انتظمت في سلك المتواتر/ في صحة النسخ بها عند أئمتنا قدس الله أسرارهم، [الكلام للعلامة الألوسي]، بل قال البعض: إنها من المتواتر وأن التواتر قد يكون بنقل من لا يتصور تواطؤهم على الكذب، وقد يكون بفعلهم بأن يكونوا عملوا به من غير نكير منهم على أن النسخ في الحقيقة بآية المواريث والأحاديث مبينة لجهة نسخها، وبين فخر الإسلام ذلك بوجهين: الأول: أنها نزلت بعد آية الوصية بالاتفاق، وقد قال تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
[النساء: 11] فرتب الميراث على ـ وصية ـ منكرة ـ والوصية ـ الأولى كانت معهودة فلو كانت تلك ـ الوصية ـ باقية لوجب ترتيبه على المعهود فلما لم يترتب عليه ورتب على المطلق دل على نسخ الوصية المقيدةلأن الإطلاق بعد التقييد نسخ كما أن التقييد بعد الإطلاق كذلك لتغاير المعنيين.
والثاني: أن النسخ نوعان، أحدهما: ابتداء بعد انتهاء محض، والثاني: بطريق الحوالة من محل إلى آخر كما في نسخ القبلة، وهذا من قبيل الثاني لأن الله تعالى فرض الإيصاء في الأقربين إلى العباد بشرط أن يراعوا الحدود، ويبينوا حق كل قريب بحسب قرابته، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {بِ?لْمَعْرُوفِ} أي بالعدل، ثم لما كان الموصي قد لا يحسن التدبير في مقدار ما يوصي لكل واحد منهم وربما كان يقصد المضارة تولى بنفسه بيان ذلك الحق على وجه تيقن به بأنه الصواب وأن فيه الحكمة البالغة، وقصره على حدود لازمة من السدس والثلث والنصف والثمن لا يمكن تغيرها فتحول من جهة الإيصاء إلى الميراث فقال: {يُوصِيكُمُ ?للَّهُ فِى أَوْلَـ?دِكُمْ} [النساء: 11]، أي الذي فُوِّض إليكم تولى شأنه بنفسه إذ عجزتم عن مقاديره لجهلكم، ولما بين بنفسه ذلك الحق بعينه انتهى حكم تلك الوصية لحصول المقصود بأقوى الطرق كمن أمره غيره بإعتاق عبده ثم أعتقه بنفسه فإنه بذلك انتهى حكم الوكالة، وإلى ذلك تشير الأحاديث لما أن ـ الفاء ـ تدل على سببية ما قبلها لما بعدها.
*
لا وصية لوارث ( http://hadith.al-islam.com/Display/Hier.asp?Doc=0&n=4321)
(يُتْبَعُ)
(/)
الوصايا ( http://hadith.al-islam.com/Display/Hier.asp?Doc=0&n=4305)
صحيح البخاري ( http://hadith.al-islam.com/Display/Hier.asp?Doc=0&n=0)
باب لا وصية لوارث
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله: (باب لا وصية لوارث) هذه الترجمة لفظ حديث مرفوع كأنه لم يثبت على شرط البخاري فترجم به كعادته واستغنى بما يعطى حكمه. وقد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي أمامة " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته في حجة الوداع: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " وفي إسناده إسماعيل بن عياش , وقد قوى حديثه عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري , وهذا من روايته عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة , وصرح في روايته بالتحديث عند الترمذي وقال الترمذي: حديث حسن. وفي الباب عن عمرو بن خارجة عند الترمذي والنسائي , وعن أنس عند ابن ماجه , وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الدارقطني وعن جابر عند الدارقطني أيضا وقال: الصواب إرساله , وعن علي عند ابن أبي شيبة , ولا يخلو إسناد كل منها عن مقال , لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا , بل جنح الشافعي في " الأم " إلى أن هذا المتن متواتر فقال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح " لا وصية لوارث " ويؤثرون عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم , فكان نقل كافة عن كافة , فهو أقوى من نقل واحد. وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي أن القرآن لا ينسخ بالسنة لكن الحجة في هذا الإجماع على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره , والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم , لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة كما سيأتي بيانه , وروى الدارقطني من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا " لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة " كما سيأتي بيانه , ورجاله ثقات , إلا أنه معلول: فقد قيل إن عطاء هو الخراساني والله أعلم. وكأن البخاري أشار إلى ذلك فترجم بالحديث , وأخرج من طريق عطاء وهو ابن أبي رباح عن ابن عباس حديث الباب وهو موقوف لفظا , إلا أنه في تفسيره إخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع بهذا التقدير , ووجه دلالته للترجمة من جهة أن نسخ الوصية للوالدين وإثبات الميراث لهما بدلا منها يشعر بأنه لا يجمع لهما بين الميراث والوصية , وإذا كان كذلك كان من دونهما أولى بأن لا يجمع ذلك له , وقد أخرجه ابن جرير من طريق مجاهد بن جبر عن ابن عباس بلفظ " وكانت الوصية للوالدين والأقربين إلخ " فظهرت المناسبة بهذه الزيادة.
*
لا وصية لوارث ( http://hadith.al-islam.com/Display/Hier.asp?Doc=0&n=4321)
الوصايا ( http://hadith.al-islam.com/Display/Hier.asp?Doc=0&n=4305)
صحيح البخاري ( http://hadith.al-islam.com/Display/Hier.asp?Doc=0&n=0)
حدثنا محمد بن يوسف عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله (وجعل للمرأة الثمن والربع) أي في حالين وكذلك للزوج , قال جمهور العلماء: كانت هذه الوصية في أول الإسلام واجبة لوالدي الميت وأقربائه على ما يراه من المساواة والتفضيل , ثم نسخ ذلك بآية الفرائض , وقيل كانت للوالدين والأقربين دون الأولاد فإنهم كانوا يرثون ما يبقى بعد الوصية , وأغرب ابن شريح فقال كانوا مكلفين بالوصية للوالدين والأقربين بمقدار الفريضة التي في علم الله قبل أن ينزلها ; واشتد إنكار إمام الحرمين عليه في ذلك. وقيل إن الآية مخصوصة لأن الأقربين أعم من أن يكونوا وراثا , وكانت الوصية واجبة لجميعهم فخص منها من ليس بوارث بآية الفرائض وبقوله صلى الله عليه وسلم: " لا وصية لوارث " وبقي حق من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله قاله طاوس وغيره , وقد تقدمت الإشارة إليه قبل. واختلف في تعيين ناسخ آية (الوصية للوالدين والأقربين) فقيل آية الفرائض وقيل الحديث
(يُتْبَعُ)
(/)
المذكور , وقيل دل الإجماع على ذلك وإن لم يتعين دليله. واستدل بحديث " لا وصية لوارث " بأنه لا تصح الوصية للوارث أصلا كما تقدم , وعلى تقدير نفاذها من الثلث لا تصح الوصية له ولا لغيره بما زاد على الثلث ولو أجازت الورثة .....
* ذكر (المعروف) في الوصية لا يمنع وجوبها بل يؤكده.
* وكذلك تخصيص الأمر بالمتقين دليل على توكيده؛ لأنها إذا وجبت على المتقين كان وجوبها على غيرهم أولى، وإنما خصهم بالذكر، لأن فعل ذلك من تقوى الله تعالى.
* قوله تعالى: (حقاً على المتقين): فإن قيل: ظاهر هذا الكلام يقتضي تخصيص هذا التكليف بالمتقين دون غيرهم، فالجواب: من وجهين:
الأول: أن المراد بقوله: {حَقّا عَلَى ?لْمُتَّقِينَ} أنه لازم لمن آثر التقوى، وتحراه وجعله طريقة له ومذهباً فيدخل الكل فيه.
الثاني: أن هذه الآية تقتضي وجوب هذا المعنى على المتقين، والإجماع دل على أن الواجبات والتكاليف عامة في حق المتقين وغيرهم، فبهذا الطريق يدخل الكل تحت هذا التكليف.
* وقالوا: خص المتقون بالذكر تشريفاً للرتبة ليتبادر الناس إليها.
* وقالوا: وخصّ هذا الحق بالمتقين ترغيباً في الرضى به؛ لأن ما كان من شأن المتقي فهو أمر نفيس، فليس في الآية دليل على أن هذا الوجوب على المتقين دون غيرهم من العصاة، بل معناه أن هذا الحكم هو من التقوى، وأن غيره معصية.
فالمراد ـ بالمتقين ـ المؤمنون، ووضع المظهر موضع المضمر، حيث إنه لم يقل: (حقاً عليكم)؛ للدلالة على أن المحافظة على الوصية والقيام بها من شعائر المتقين الخائفين من الله تعالى.
* قوله تعالى: {حَقّا عَلَى ?لْمُتَّقِينَ} فزيادة في توكيد وجوبه.
* رَفْعُ (الوصية)؛ على ما لم يُسمَّ فاعله، [نائب فاعل لـ (كُتب)]، وإنما ذَكَّر الضمير، فلم يقل: كُتبت الوصية، 1. لأنه أراد بالوصية الإيصاء، فـ (الوصية) مؤنث غير حقيقي، بمعنى الإيصاء، ولذلك ذكر الضمير في قوله: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ} [البقرة: 181].
2. وأيضاً إنما ذكَّر للفصل بين الفعل والوصية، لأن الكلام لما طال كان الفاصل بين المؤنث والفعل، كالعوض من تاء التأنيث، والعرب تقول: حضر القاضي امرأة، فيُذَكِّرون لأن) القاضي (بين الفعل وبين المرأة.
ويجوز أن يكون الرفع على أن تكون (الوصية) مبتدأ وللوالدين الخبر، وتكون الجملة في موضع رفع بـ (كُتب)، كما تقول: (قيل عبد الله قائم)، فقولك: (عبد الله قائم) جملة مركبة من مبتدأ وخبر، والجملة في موضع رفع بقيل.
* و (إذا) ظرفٌ محضٌ والعاملُ فيه كُتب لكن لا من حيث صدورُ الكتْب عنه تعالى بل من حيث تعلُّقُه بهم تعلقاً فِعلياً مستتبِعاً لوجوب الأداءِ كما يُنبىء عنه البناءُ للمفعول وكلمةُ الإيجاب، ولا مساغَ لجعل العامل هو الوصيةُ لتقدّمه عليها.
* {حَقّا عَلَى ?لْمُتَّقِينَ} مصدر مؤكد للحدث الذي دل عليه {كتب}، وعامله إما {كتب}، أو فعل (حُقَّ) محذوفاً، أي: حُقَّ ذلك حقاً، فهو على طرز قعدت جلوساً، ويحتمل أن يكون مؤكداً لمضمون جملة {كُتِبَ عَلَيْكُمْ}، وعلى التقديرين {عَلَى ?لْمُتَّقِينَ} صفة له أو متعلق بالفعل المحذوف (حُقَّ)، ويجوز أن يتعلق بالمصدر لأن المفعول المطلق يعمل نيابة عن الفعل.
* الضمائر البارزة في (بدله وسمعه وإثمه ويبدلونه) عائدة إلى القول أو الكلام الذي يقوله الموصي ودل عليه لفظ {الوصية} [البقرة: 180]، وقد أكد ذلك بما دل عليه قوله {سَمِعَهُ}؛ إذ إنما تسمع الأقوال، وقيل: هي عائدة إلى الإيصاء المفهوم من قوله: {الوصية} أي كما يعود الضمير على المصدر المأخوذ من الفعل نحو قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8]، ولك أن تجعل الضمير عائداً إلى {المعروف} [البقرة: 180]، والمعنى فمن بدل الوصية الواقعة بالمعروف، لأن الإثم في تبديل المعروف، بدليل قوله الآتي: {فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه}
* وقالوا: {فمن بدله بعد ما سمعه}: الظاهر أن الضمير يعود على الوصية بمعنى الإيصاء، أي: فمن بدّل الإيصاء عن وجهه إن كان موافقاً للشرع من الأوصياء والشهود بعدما سمعه سماع تحقق وتثبت، وعوده على الإيصاء أولى من عوده على الوصية، لأن تأنيث الوصية غير حقيقي، لأن ذلك لا يراعى في الضمائر المتأخرة عن المؤنث المجازي، بل يستوي المؤنث الحقيقي والمجازي في ذلك تقول: هند خرجت.
والشمس طلعت، ولا يجوز طلع إلاَّ في الشعر، والتذكير على مراعاة المعنى وارد في لسانهم، ومنه: كخرعوبة البانة المنفطر
ذهب إلى المعنى: القضيب، كأنه قال: كقضيب البانة، ومنه في العكس: جاءته كتابي، فاحتقرها على معنى الصحيفة.
وقيل: الهاء، في: {فمن بدله} عائدة إلى الفرض والحكم، والتقدير: فمن بدل الأمر المقدم ذكره.
*****************
من المفسرين الذين قالوا بنسخ آية المواريث لآية الوصية: ابو حيان، الراوي، الألوسي، أبو السعود، ابن عاشور، ابن عطية، الومخشري.
*****************
ملاحظة: ستتبع هذه المرحلة مراحل أخرى: المرحلة الثانية ستكون عن أدلة النافين للنسخ في هذه الآية، الثالثة: عن رد كل طرف على الآخر، الرابعة: محاولة الترجيح بين القولين.
اقتراح لتنظيم الحوار: أقترح أن لا نبدأ بأي مناقشة حول أي قول من الأقوال أو دليل من الأدلة إلا بعد انتهاء المراحل الثلاث، وبداية المرحلة الرابعة.
وبارك الله في الجميع
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سيف الدين]ــــــــ[06 Feb 2006, 10:23 م]ـ
الاخ مجدي ابو عيشة ..
قلت في تعقيباتك:
اقتباس:
والصحابة يأخذوا عن النبي مباشرة سواء بالمشاهدة المباشرة لفعله او سماع أمره او بالقران الذي أنزله الله عز وجل عليه صلى الله عليه وسلم ,فبذلك يُسِلم الصحابي بأن الامر نسخ بسماعه الاية اومشاهدة النبي عليه الصلاة والسلام. اما التسليم بالنسخ فهو متى حصل.
ايها الاخ الكريم .. لا علم لنا بما حدث زمن الرسول الا من خلال الروايات التي نقلت ودوّنت في كتب الاحاديث .. انا لم اقل ان هناك زعم بان النسخ قد حدث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. غير ان القول بان هناك نسخ قد حدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وان الرسول قد نبّه اليه حينها, ان مثل هذا القول من المفروض ان يصل الينا عبر روايات رويت عن الرسول .. والمناقشة هنا للروايات وليس لما حدث .. فالله وحده يعلم ما حدث في زمن الرسول .. انا مطالب بالروايات وبدراسة الروايات التي تقول انه في زمن الرسول صدر قول او فعل من الرسول يفيد النسخ .. في هذه الحالة من المفترض بالباحث ان يتناول مما يتناوله السند فيمحّص فيه ويقلبّه وينظر فيه ..
فان كان في الامر رفع لحكم انزله الله تعالى في كتابه قلنا لا بد من النظر عميقا في سند ما يروى عن الرسول بخصوص هذا الامر .. فلا بدّ ان ترقى الرواية الى مستوى الحجّة حتى تكون مهيمنة على نص قرآني .. من هذا الباب رفضت ان تكون هناك رواية غير متواتر عن الرسول تقول بان الرسول قد قال بنسخ هذه الاية او تلك .. وحجتي امام ربي في ذلك, ان ما رواه الاحاد لا يوازي في قوته ما جاء في كتاب الله مسطورا .. وليس في هذا القول رفضا لسنته صلى الله عليه وسلم, حيث ان النقاش هنا يدور عن سند الرواية وليس عن حقيقتها, لانه ليس في مقدورنا ان نحكم على صحة رواية الا بما وصلنا من حيثيات لها ..
وسأعود لمناقشة بقية ما أثرته عن قريب باذن الله ..
وأسأل الله الهداية ..
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[07 Feb 2006, 01:16 م]ـ
أخي سيف الدين وفقه الله الى كل خير.
كل من يتكلم ان خبر الواحد لا ينسخ الاية بسبب تواتر الاية جعل الروايات هي الحاكم على النسخ اصلا , الرواية ضرورية ودراستها ضرورية ايضا , ولكنها لا تتعلق بحكم الحديث وحده من حيث التواتر وعدمه.
ما أشرته لك من كتاب الكفاية للخطيب البغدادي يبين لك امر ضروري تعرف منه ان خبر الاحاد قد تكون له قرينة تجعله قطعي الثبوت.
ايها الاخ الكريم .. لا علم لنا بما حدث زمن الرسول الا من خلال الروايات التي نقلت ودوّنت في كتب الاحاديث.
بالطبع اذا تركنا دراسة هذه الأحاديث ,لان الخبر من حيث وروده يكون آحاد. فاذا تتابعة الأخبار لا يمكن معرفة وصولها الى التواتر الا بالدراسة. لان التواتر له شرط معروف وللتفريق نبين ما قاله الخطيب البغدادي في الكفاية:
الخبر هو ما يصح ان يدخله الصدق أو الكذب وينقسم قسمين خبر تواتر وخبر آحاد فاما خبر التواتر فهو ما يخبر به القوم الذين يبلغ عددهم حدا يعلم عند مشاهدتهم بمستقر العادة ان اتفاق الكذب منهم محال وان التواطؤ منهم في مقدار الوقت الذي انتشر الخبر عنهم فيه متعذر وان ما خبروا عنه لا يجوز دخول اللبس والشبهة في مثله وان أسباب القهر والغلبة والأمور الداعية الى الكذب منتفية عنهم فمتى تواتر الخبر عن قوم هذه سبيلهم قطع على صدقة واوجب وقوع العلم ضرورة واما الخبر الآحاد فهو ما قصر عن صفة التواتر ولم يقطع به العلم وان روته الجماعة
فلاحظ ان العمل بالشيء مجردا او تواتر الطبقة الاخيرة وحدها لا يجعل الخبر متواترا بل يجعله آحاد. لان تواتر الطبقة يدل على ان الطبقة المذكورة لم تَكذب الخبر وان التواطؤ منهم مستحيل.
فشهرة العمل بالشيء لا يعني انه متواتر للأسباب التي ذكرها "وان ما خبروا عنه لا يجوز دخول اللبس والشبهة في مثله وان أسباب القهر والغلبة والأمور الداعية الى الكذب منتفية عنهم"
اما خبر الواحد فأحيانا يفيد القطع مثل التواتر بشروط ذكرها لاحقا وهي:
وقد يستدل أيضا على صحته بان يكون خبرا عن أمر اقتضاه نص القرآن او السنة المتواترة أو اجتمعت الأمة على تصديقه أو تلقته الكافة بالقبول وعملت بموجبه لأجله
وبعدها بيَن كيف يفرق أخبار الآحاد
(يُتْبَعُ)
(/)
-ذكر ما يقبل فيه خبر الواحد وما لا يقبل فيه
خبر الواحد لا يقبل في شيء من أبواب الدين المأخوذ على المكلفين العلم بها والقطع عليها والعلة في ذلك انه إذا لم يعلم ان الخبر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أبعد من العلم بمضمونه فأما ما عدا ذلك من الاحكام التي لم يوجب علينا العلم بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قررها وأخبر عن الله عز وجل بها فان خبر الواحد فيها مقبول والعمل به واجب ويكون ما ورد فيه شرعا لسائر المكلفين ان يعمل به وذلك نحو ما ورد في الحدود والكفارات وهلال رمضان وشوال وأحكام الطلاق والعتاق والحج والزكاة والمواريث والبياعات والطهارة والصلاة وتحريم المحظورات ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم القرآن الثابت المحكم والسنة المعلومة والفعل الجاري مجرى السنة كل دليل مقطوع به وإنما يقبل به فيما لا يقطع به مما يجوز ورود التعبد به كالاحكام التي تقدم ذكرنا لها وما أشبهها مما لم نذكره
القصد أخي ان الثبوت وحده لا يكفي لقول النسخ وانما الفهم الصحيح للخبر , هو ما يفهم منه تفسير القران ومعرفة النسخ. فخبر الاحاد يدلل على النسخ ,اي انه يوجه فهم المفسر.
انا لم اقل ان هناك زعم بان النسخ قد حدث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. غير ان القول بان هناك نسخ قد حدث في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وان الرسول قد نبّه اليه حينها
لذلك يجب معرفة صحة الأخبار لتعرف هل تم ذلك ام لا وهنا لو رجعت الى كتاب الرسالة للشافعي فانه قد أعطى مثالا لذلك:
[3] ووجه الله رسوله للقبلة في الصلاة إلى بيت المقدس فكانت القبلة التي لا يحل قبل نسخها استقبال غيرها ثم نسخ الله قبلة بيت المقدس ووجهه إلى البيت فلا يحل لأحد استقبال بيت المقدس أبدا لمكتوبة ولا يحل أن يستقبل غير البيت الحرام
[3] قال وكل كان حقا في وقته فكان التوجه إلى بيت المقدس يام وجه الله إليه نبيه حقا ثم نسخه فصار الحق في التوجه إلى البيت الحرام لا يحل استقبال غيره في مكتوبه إلا في بعض الخوف أو نافلة في سفر استدلالا بالكتاب والسنة
[3] وهكذا كل ما نسخ الله ومعنى نسخ ترك فرضه كان حقا في وقته وتركه حقا غذا نسخه الله فيكون من أدرك فرضه مطيعا به وبتركه ومن لم يرك فرضه مطيعا باتباع الفرض الناسخ له
[3] قال الله لنبيه {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}
[3] فإن قال قائل فأين الدلالة على أنهم حولوا إلى قبلة بعد قبلة
[3] ففي قول الله {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
[3] مالك عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح غذ جاءهم آت فقال إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستدركوا إلى الكعبة
[3] مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول صلى رسول الله ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين
اذا فالحديث هو توجيه لفهم الفقيه في هذه المسألة.
اما كون النبي صلى الله عليه وسلم نبه على النسخ فهو وارد اصلا في العديد من الأحاديث. ولكن الله عز وجل بين انه يبدل حكما بحكم في كتابه:
{ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير}
فين عز وجل ان الاية قد تبدل بمثلها. فلا يجوز صرف المعنى الى ايات الانبياء من دلالة على صدقهم لان المثل ممتنع. الا اذا صرف لقوة الاية الدالة على النبوة وهو وجه ضعيف.
{وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر} فقوله والله اعلم بما يزل دلالة على انها اية بمعنا من القران لا آية بمعنى دلالة صدق النبي.
ان مثل هذا القول من المفروض ان يصل الينا عبر روايات رويت عن الرسول .. والمناقشة هنا للروايات وليس لما حدث ..
(يُتْبَعُ)
(/)
الروايات ودراستها تدل على ان النسخ حصل لان أخبار الأحاد التي يستدل بها انما يستدل بها مع عمل الناس بما يدلل صدق الحديث , وذلك لان الحديث لم ينسخ الاية وانما أشار الى ان هذه الاية نسخت تلك الاية. فتحديد ايهما قبل الاخرى يعلم من دلالة القران بالاشارة الى التخفيف او العفوا عن الامر او اباحته. ويعضد ذلك الأحاديث الثابتة الصحيحة فيما كان زمن النبي كتقديم الصدقة عند مناجاته صلى الله عليه وسلم , ويضاف اليه فعل الامة واجماعها عليه كالقبلة. (اذ ان من لم يأخذ بذلك قد يجعل القبلة للندب لقوله تعالى "وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ") فالاحاديث الصحيحة مع عمل الأمة توجه المسلم لفهم الاية الفهم الصحيح. لان الايات منها ظنية الدلالة وانما قطعنا بالمعنى لان اجماع الامة عليه وتؤيده الاحاديث الصحيحة.
فالله وحده يعلم ما حدث في زمن الرسول .. انا مطالب بالروايات وبدراسة الروايات التي تقول انه في زمن الرسول صدر قول او فعل من الرسول يفيد النسخ .. في هذه الحالة من المفترض بالباحث ان يتناول مما يتناوله السند فيمحّص فيه ويقلبّه وينظر فيه .. ونحن نعلم بعض ما حدث بتصديقنا لكتاب الله اولا , فالقبلة لم يكونوا يصلوا للبيت الحرام ثم نزلت اية فبدلت الحكم اليه.
وبالطبع رواية الاحاد بحاجة للدراسة وفقا لاصل انها أخبار وفقا لما ذكره الخطيب من تقسيمها الى احاد ومتواتر.
ولا يكتفى الامر هنا بل تقسم الى ثلاث اقسام كما اشار الخطيب رحمه الله:
والاخبار كلها على ثلاثة اضرب فضرب منها يعلم صحته وضرب منها يعلم فساده وضرب منها لا سبيل الى العلم بكونه على واحد من الامرين
وعلى هذا يدرس السند والمتن والعلل.
أخيرا أخي لا أعلم اية نسخت بخبر آحاد صحيح , وانما السنة توجه فهم المسلم للايات , فالاية تنسخ بمثلها او بخير منها والاية تبدل مكان آية كما أخبر ربنا عز وجل, والأخبار التي يختلف فيها من حيث الصحة فلا ينكر على أحد دراستها بشكل صحيح ,ولكن ينكر ان يجعل الانسان فهمه للنصوص ظنية الدلالة هو ما يحكم على الاخبار.
ـ[روضة]ــــــــ[13 Feb 2006, 01:08 ص]ـ
المرحلة الثانية:
أدلة القائلين بأن آية الوصية محكمة
* من القائلين بأن هذه الآية محكمة لا منسوخة أبو مسلم الأصفهاني، وتقرير قوله ـ كما نقله لنا الإمام العلامة الرازي ـ من وجوه:
أحدها: أن هذه الآية ما هي مخالفة لآية المواريث ومعناها كتب عليكم ما أوصى به الله تعالى من توريث الوالدين والأقربين من قوله تعالى: يُوصِيكُمُ ?للَّهُ فِى أَوْلَـ?دِكُمْ} [النساء: 11]، أو كتب على المحتضر أن يوصي للوالدين والأقربين بتوفير ما أوصى به الله لهم عليه، وأن لا ينقص من أنصبتهم.
وثانيها: أنه لا منافاة بين ثبوت الميراث للأقرباء مع ثبوت الوصية بالميراث عطية من الله تعالى والوصية عطية ممن حضره الموت، فالوارث جمع له بين الوصية والميراث بحكم الآيتين.
وثالثها: لو قدرنا حصول المنافاة لكان يمكن جعل آية الميراث مخصصة لهذه الآية، وذلك لأن هذه الآية توجب الوصية للأقربين، ثم آية الميراث تخرج القريب الوارث، ويبقى القريب الذي لا يكون وارثاً داخلاً تحت هذه الآية، وذلك لأن من الوالدين من يرث، ومنهم من لا يرث، وذلك بسبب اختلاف الدين والرق والقتل، ومن الأقارب الذين لا يسقطون في فريضة من لا يرث بهذه الأسباب الحاجبة، ومنهم من يسقط في حال ويثبت في حال، إذا كان في الواقعة من هو أولى بالميراث منهم، ومنهم من يسقط في كل حال إذا كانوا ذوي رحم فكل من كان من هؤلاء وارثاً لم تجز الوصية له، ومن لم يكن وارثاً جازت الوصية له لأجل صلة الرحم، فقد أكد الله تعالى ذلك بقوله: {وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ ?لَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَ?لأَرْحَامَ} [النساء: 1] وبقوله: {إِنَّ ?للَّهَ يَأْمُرُ بِ?لْعَدْلِ وَ?لإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِى ?لْقُرْبَى?} [النحل: 90]، فهذا تقرير مذهب أبي مسلم في هذا الباب.
* * * *
(يُتْبَعُ)
(/)
* قوله تعالى: {حَقّاً} يعني ثابتاً ثبوت نظر وتحصين، لا ثبوت فرض ووجوب؛ بدليل قوله: {عَلَى ?لْمُتَّقِينَ}، وهذا يدلّ على كونه ندباً؛ لأنه لو كان فرضاً لكان على جميع المسلمين، فلما خصّ الله من يتقي، أي يخاف تقصيراً، دلّ على أنه غير لازم إلا فيما يتوقّع تلفه إن مات، فيلزمه فرضاً المبادرة بكتبه والوصية به؛ لأنه إن سكت عنه كان تضييعاً له وتقصيراً منه.
* * * *
تفسير المنار:
* إن القول بنسخ هذه الآية فيه نظر؛ لأن آية المواريث لا تعارضه، بل تؤكده، من حيث إنها تدل على تقديم الوصية مطلقاً.
* السياق ينافي النسخ، فإن الله تعالى إذا شرّع للناس حكماً وعلم أنه مؤقت وأنه سينسخه بعد زمن قريب فإنه لا يؤكده ويوثقه بمثل ما أكد به أمر الوصية هنا من كونه حقاً على المتقين، ومن وعيد من بدله، وبإمكان الجمع بين الآيتين إذا قلنا إن الوصية في آية المواريث مخصوصة بغير الوارث، بأن يخص القريب هنا بالممنوع من الإرث، ولو بسبب اختلاف الدين، فإذا أسلم الكافر وحضرته الوفاة ووالداه كافران فله أن يوصي لهما بما يؤلف به قلوبهما.
* وجوّز بعض السلف الوصية للوارث نفسه بأن يخص بها من يراه أحوج من الورثة، كأن يكون بعضهم غنياً والبعض الآخر فقيراً ... فالحكيم الخبير اللطيف بعباده، الذي وضع الشريعة والأحكام لمصلحة خلقه لا يحتم أن يساوي الغني الفقير، والقادر على الكسب ومن يعجز عنه، فإذا كان قد وضع أحكام المواريث العادلة على أساس التساوي بين الطبقات باعتبار أنهم سواسية في الحاجة كما أنهم سواء في القرابة، فلا غرو أن يجعل أمر الوصية مقدماً على أمر الإرث، أو يجعل نفاذ هذا مشروطاً بنفاذ ذلك قبله، ويجعل الوالدين والأقربين في آية أخرى أولى بالوصية لهم من غيرهم، لعلمه سبحانه بما يكون من التفاوت بينهم في الحاجة أحياناً، فقد قال في آيات الإرث من سورة النساء: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)، فأطلق أمر الوصية، وقال في آية الوصية ما هو تفصيل لتلك.
* فمن بدله: أي بدل ما أوصى به الموصي، (بعد ما سمعه) من الموصي أو علم به علماً صحيحاً.
* * * *
كلام المهندس عدنان الرفاعي
* ورود التكليف الإلهي بصيغة المبني للمجهول (كُتب) يعني أن الكتابة أمر مشترك بين المكلِّف والمكلَّف، فهذا التكليف أمر مشترك بين الله تعالى والمؤمنين، الله يكلفهم وهم ينفذون، وهذه الآية هي خطاب من الله تعالى لجميع المؤمنين في كل مكان وزمان، ولا تخصّ جيلاً دون الآخر، وإن قولهم بأن حكم هذه الآية هو لبرهة من الزمن، هو قول مردود، فكلمات تتعلق بصفات الله تعالى وتنتمي لعالم الأمر الذي هو فوق الزمان والمكان، لا تحمل أحكاماً خاضعة لقوانين الزمان والمكان.
* ولو كانت الآية الكريمة هي خطاب لمن يحضره الموت بأن يُوصي وصية لكانت واجبة .. ولكنذلك يُنافي ما تحمله الآية من عدة وجوه:
1. لو كانت خاصة بالإرث لبين الله تعالى المقدار الواجب في هذه الوصية التي زعموا نسخها.
2. لو كانت الوصية منسوخة بالنسبة لمن يرث-كما ذهب إلى ذلك مقرّو الناسخ والمنسوخ- لوجب استثناء من يرث من الوصية الواردة في باقي الآيات الكريمة،التي تصور لنا الأخذ بوصية الميت قبل توزيع الإرث على الورثة .. وهذا الاستثناء لا نراه في كتاب الله تعالى: "فَلأُمِّهِالسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ"، "ٌ فَلَكُمُالرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ "
"فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن "
" فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍيُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ".
فكما نرى لا يوجد اسثناء في الوصية.
* لو كانت الوصية خاصة بالإرث،والخطاب موجه لمنيحضره الموت حصرا،لاقتضى ذلك عدم سقوط حق الوالدين واللأقربين،حتى ولو لم يوص الموصي بذلك، كالدين يأخذه صاحبه سواء أوصى الميت بذلك أو لم يوص ... ولكن ما نراه في هذه الآية الكريمة أن الوصية ندب .. وأن الله تعالى اختص بها المتقين وحعلها حقا عليهم " [بالمعروف حقا على المتقين]
(يُتْبَعُ)
(/)
* لو كان الخطاب [كتب عليكم] موجها لمن يحضره الموت دون غيره -كما قالوا- لاختلفت هذهالآية الكريمة مع سياق المعنى والخطاب في الآيتين التاليتين لهذه الآية، فهاتانالآيتان تحملان أحكاما تخاطب الشاهدين على قول الموصي وولاة الأمور من تنفيذ قول الموصي .. فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَاسَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (182)
* لو كانت الآية -المزعوم نسخها- تخاطب كل من يحضره الموت،لأتت على الشكل التالي:كُتب عليكم إذا حضركم الموت إن تركتم خيرا، ولو كانت لا تخاطب منفذي الوصية
والشاهدين عليها وأولياء الأمور،لأتت على هذا الشكل {كُتب على أحدكم إذا حضره الموت ... } .. ولكن ما نراه أن الآية الكريمة التي تخاطب المؤمنين من شهود وأولياء وحكام مكلفين بتنفيذ الوصية التي يوصيها من يحضره الموت ..
"كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا .. "
والآية الكريمة التالية تصور هذه الحقيقة من جانب آخر.
"يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْإِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)
إذن .. العبارة القرآنية [كُتب عليكم] هي خطاب تكليفي من الله تعالى للمؤمنين المحيطين بمن يحضره الموت من شهود وولاة أمور وحكام .. وما كُتب عليهم - ما يُطلب منهم - هو سماع ما يوصي به من يحضره الموت، والشهادة به عند الحاجة، والحكم به كما أمر الله تعالى .. أما الوصية فترتبط بمن يحضره الموت، ولا ترتبط بالمحيطين به الذين يخاطبهم الله تعالى بالعبارة القرآنية [كُتب عليكم] وما يؤكد ذلك هو تذكيرالفعل [كُتب]،في حين أن الوصية ترد في القرآن الكريم مؤنثة "ُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن، فماكُتب على المؤمنين ليس الوصية المؤنثةإنما سماع قول ووصية من يحضره الموت، والحكم بها، وإدلاء الشهادة بها حين الحاجةولو كان نائب الفاعل للفعل (كُتب) هو الوصية -حسب ما ذهب إليه معظمهم- لأنث الفعل كُتب (كُتبت عليكم .... الوصية).
وحجة من قال إن كلمةالوصية في الآية الكريمة هي نائب الفاعل للفعل كُتب، أن مخالفة الفعل لنائب الفاعل -بالنسبة لمسألة التذكير والتأنيت-ناتجة عن الفصل بين الفعل ونائب الفاعل .. وهذه الحجة مردودة لسببين:
1.إن نائب الفاعل للفعلكُتب يرتبط -كما رأينا - بالمحيطين بمن يحضره الموت،ولا يرتبط بمن يحضره الموت .. في حين أن الوصية ترتبط بمن يحضره الموت،ولا ترتبط بالمحيطين به.
2. صحيح أنهيجوز -بالنسبة للتذكير والتأنيث - مخالفة الفعل للفاعل إذا تم الفصل بينهما، ولكن في هذه الآية -المزعوم نسخها-لا بد أن يكون نائب الفاعل للفعل كُتب مذكراً، ودليل ذلك هو الآية الكريمة التي تليها مباشرة .. "فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) " فالضمير المتصل (الهاء) في الكلمات، ل [بدله]، [سمعه]، [إثمه]، [يبدلونه] يعود إلى نائب الفاعل للفعل (كُتب) في الآية - المزعوم تسخها، وهذا - كما نرى- يدل على التذكير ولا يدل على التأنيث .. فلا بد أن يكون نائب الفاعل للفعل (كُتب) في الآية الكريمة مذكرا، وبالتالي فإن كلمة الوصية ليست هي نائب الفاعل.
فنائب الفاعل للفعل كُتب هو كلمة عليكم المتعلقة بسماع القول والحكم .. وهكذا يكون تقدير الكلام:كُتب عليكم سماع قول أحدكم، والحكم به، وإدلاء الشهادة به حين الحاجة، إذا حضرهالموت إن ترك خيرا ..
وبذلك تكون كلمة الوصية في الآية الكريمة مبتدأ، وخبره متعلق بالوالدين، وبالتالي يكون معنى الصورة القرآنية "الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَبِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ" هو أن الوصية
لمن يحضره الموت،هيبالمعروف تحق حقا للوالدين والأقربين.
وإن ما ذهبوا إليه من أن المكتوب هو الوصية، وإن الخطاب موجه لمن يحضره الموت، أدى إلى توهمهم بوجود تناقض بين هذه الآية الكريمة وآيات المواريث والحديث الشريف) لا وصية لوارث ( .. إنالإسلام لا يمنع الوصية مادامت دون الثلث (صحيح البخاري (
وكما رأينا أنه في توزيع الإرث يقول الله تعالى " مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ "
.. فالوصية موجودة ولا نرى استثناء في ذلك،وهذا لا يعني مخالفة ما يأمر اللهتعالى بهبالنسبة لتوزيع الإرث ..
وهكذا نرى الآية الكريمة -المزعوم نسخها- تصور لنا مسألة الوصية التي يدلي بها من يحضره الموت، وأنه مطلوب من المؤمنين سماعها والحكم بها،وأن تكون هذه الوصية بالمعروف وألا تحمل إثماً، وبحيث لا يحصل مخالفة لحصص المواريث التي يحددها الله تعالى في كتابه الكريم، وهذا بينه الحديث الشريف) إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه)
فهذه الآية متكاملة متعاضدة مع آيات المواريث، ومع الحديث الشريف، في تصوير أحكاممسائل الوصية والإرث، ولايوجد أي تعارض بينها وبين آيات المواريث أو الحديث الشريف
كما توهم مقرّو الناسخ والمنسوخ ..
انتهى كلام المهندس عدنان الرفاعي
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[روضة]ــــــــ[16 Feb 2006, 09:39 م]ـ
في المرحلة الثانية التي تم نشرها وجدنا أن هناك من نفى النسخ في آية الوصية كالإمام أبي مسلم الأصفهاني، وصاحب المنار، والمهندس عدنان الرفاعي.
جميعهم وصلوا للنتيجة نفسها، ولكن اختلفت طرقهم في إثبات ما يريدون.
كلام المهندس عدنان ـ فيما أرى ـ كان فيه خروج عن المعنى المتبادر من الآية، فتعسّف وقطع أوصال الآية الكريمة، وخرج بها عن ظاهرها، ليصل إلى إحكام الآية، وعدم تعارضها مع آية المواريث.
بيان ذلك:
يبني المهندس نفيه للنسخ ـ ليس في هذه الآية فحسب، بل في جميع القرآن ـ على نظرية، وهي أن "التكليف أمر مشترك بين الله تعالى والمؤمنين، الله تعالى يكلّفهم وهم ينفذون، وهذه الآية هي خطاب من الله تعالى، لجميع المؤمنين في كل مكان وزمان، ولا تخصّ جيلاً دون الآخر، وإن قولهم بأن حكم هذه الآية هو لبرهة من الزمن، هو قول مردود، فكلمات تتعلق بصفات الله تعالى، وتنتمي لعالم الأمر الذي هو فوق الزمان المكان، لا تحمل أحكاماً خاضعة لقوانين الزمان والمكان".
أقول: كلام الله الذي هو صفة من صفات الله عز وجل لا يخضع للزمان والمكان .. هذا صحيح، ولكن، فرق بين كلامه عز وجل الذي هو الآيات الجليلة، وبين الحكم الذي تحمله هذه الآيات.
والمهندس عدنان خلط بين الأمرين، فكلام الله في آية الوصية مثلاً أخبرنا عن حكم أمر به العباد لفترة من الزمن (على قول من قال إنها منسوخة)، هذا لا يعني أن الكلام الإلهي الذي حمل حكماً محدوداً بزمان أصبح مثله محدوداً.
ولتقريب هذا المعنى سأضرب أمثلة من آيات تخبرنا عن أحكام كان معمولاً بها لفترة محدودة من الزمن، مثلاً قوله تعالى: "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ?لنَّفْسَ بِ?لنَّفْسِ وَ?لْعَيْنَ بِ?لْعَيْنِ وَ?لأَنْفَ بِ?لأَنْفِ وَ?لأُذُنَ بِ?لأُذُنِ وَ?لسِّنَّ بِ?لسِّنِّ وَ?لْجُرُوحَ قِصَاصٌ" [المائدة:45]، أخبرتنا هذه الآية أن التوراة كان فيها هذا الحكم، وهو لناس مخصوصين بفترة مخصوصة.
- قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى ?لْمَلإِ مِن بَنِي? إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى? إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ?بْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ?لْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ بِ?لظَّالِمِينَ " [البقرة:246]، حملت هذه الآية حكماً أمروا به، وفعلاً صدر منهم وانتهى، فهما حكم وفعل مقيدان بزمان وأشخاص ومكان، وكذلك جميع قصص السابقين.
- "ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ?لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" [البقرة:183]: الصيام كان حكماً للذين قبلنا، وقد مات الذين قبلنا، وانتهى الحكم الذي كان متعلقاً بهم.
- "إِنَّآ أَنزَلْنَا ?لتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ?لنَّبِيُّونَ " [المائدة:44]، حكم بها النبيون وانتهى حكمهم، فهو حكم مقيد بمدة.
والأمثلة على هذا كثيرة في القرآن الكريم.
هل هذا يعني أن آيات الله هي المقيدة؟! أم الأحكام والأخبار التي تخبرنا عنها؟ حَمْلُ الايات لهذه الأخبار لا يلزم منه أن تكون الآيات نفسها متصفة بما تتصف به الأخبار من محدودية، وخضوع لقوانين الزمان والمكان.
إذا ثبت بطلان هذه النظرية يبطل ما بُني عليها من نفي للنسخ بشكل كامل في القرآن.
ثم إن هناك شبه إجماع بين العلماء على وجود النسخ في القرآن بشكل عام، هل فات على عقولهم العملاقة هذه الحجة (النظرية) التي جاء بها المهندس عدنان، ليس هذا من باب الحجر على التفكير، ولكن يصعُب عليّ استيعاب أن مثل هذا ـ إن كان صواباً ـ يفوتهم، مع اقتناعي ببطلانه.
ثم ادّعى بأن الخطاب في قوله تعالى: "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت .. " ليس للذي يحضره الموت ولكن لمن حوله ممن يسمعون الوصية.
ذهب إلى هذا حتى لا يُقال إن الوصية واجبة، وهذا خروج عن ظاهر الآية لأسباب واهية.
(يُتْبَعُ)
(/)
"والقول بأن الوصية لم تفرض على من ـ حضره الموت ـ فقط بل عليه بأن يوصي، وعلى الغير بأن يحفظ ولا يبدل، ولهذا قال: {عَلَيْكُمْ} وقال: {أَحَدَكُمُ} لأن الموت يحضر أحد المخاطبين بالافتراض عليهم ـ ليس بشيء؛ لأن حفظ الوصية إنما يفرض على البعض بعد الوصية لا وقت الاحتضار، فكيف يصح أن يقال: فرض عليكم حفظ الوصية إذا حضر أحدكم الموت، ولأن إرادة الإيصاء وحفظه من الوصية تعسف لا يخفى". [الألوسي]
واحتج بأن الله تعالى لم يبين المقدار الواجب في هذه الوصية فهي إذن ـ كما يرى ـ غير خاصة بالإرث.
ويُرَدُّ عليه بأن الله تعالى قد يُجمِل بعض الأمور التي تكون معروفة للمخاطبين من قبل، فقوله تعالى: (بالمعروف) يدل على أنه تعالى ردّ المقدار إلى ما تعارفوا عليه، وقال الإمام القرطبي: " قوله تعالى: {بِ?لْمَعْرُوفِ} يعني بالعدل، لا وَكْس فيه ولا شَطَط؛ وكان هذا موكولاً إلى ?جتهاد الميت ونظر الموصي، ثم تولّى الله سبحانه تقير ذلك على لسان نبيّه عليه السلام، فقال عليه السلام: " الثلث والثلث كثير ".
واحتجَّ كذلك بأن الوصية لو كانت منسوخة بالنسبة لمن يرث لوجب استثناء من يرث من الوصية الواردة في باقي الآيات الكريمة التي تصور لنا الأخذ بوصية الميت قبل توزيع الإرث على الورثة، وهذا الاستثناء لا نراه في كتاب الله تعالى: "فلأمه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين" ... إلخ.
أقول: لا يُشترط أن يُذكر الاستثناء بنفس الدليل (هذه قاعدة عامة)، فالاستثناء هنا جاء بدليل آخر، وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث"، على قول من يرى نسخ هذه الآية.
لذلك يجب أخذ الأدلة من آيات وأحاديث جملة واحدة متكاملة، وحمل بعضها على بعض، دون تجزئة.
وحتى يُثبت أن الوصية ندب وليست واجبة فسّر قوله تعالى: "حقاً على المتقين"، أنها مختصة بالمتقين.
"ويجاب عن ذلك أن الله سبحانه وتعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين)، فهل يسقط حق المتعة عن غير المتقي، ويحصر وجوبه في المتقين وحدهم فحسب؟! أو ان قوله تعالى (على المتقين) يدل على تأكيد هذا الحكم، إذ كل واحد يجب عليه أن يكون من المتقين" [منقول].
ومما جعله يذهب إلى أن الخطاب في آية الوصية لمن حول الميت لا لمن يحضره الموت، أن (الوصية) مؤنثة، و (كتب) مذكر، وكان المتوقع أن يقال: كتبت الوصية، وبأن الضمائر في الآية التالية لآية الوصية مذكّرة (فمن بدله/ سمعه/إثمه)، ورفض أن يكون السبب في مخالفة الفعل لنائبه ـ بالنسبة لمسألة التذكير والتأنيث ـ هو الفصلَ بين الفعل ونائبه، وهذا السبب ذكره العلماء معتمدين فيه على قاعدة معروفة بعلم النحو، ورَفْضُه لهذه القاعدة مبني على توهم، (وهو أن الخطاب لمن حول الميت).
أما مجيء الأفعال مقترنة بضمائر مذكرة في الآية التالية لآية الوصية، فقد علل هذا المفسرون بتقدير الإيصاء، وبأن تأنيث الوصية غير حقيقي، لأن ذلك لايراعى في الضمائر المتأخرة عن المؤنث المجازي، بل يستوي المؤنث الحقيقي والمجازي فيذلك.
مع أن أبا مسلم الأصفهاني وصاحب المنار نفوا النسخ عن آية الوصية إلا أنهم لم يخرجوا الآية عن ظاهرها ولم يتعسفوا بجعل الفعل يتعلق بمن حول الميت، ولم أرَ شيئاً من الحجج التي اعتمد عليها المهندس عدنان مبنياً على قاعدة لغوية، أو على شيء يُعتدّ به.
والله تعالى أعلم.
ـ[روضة]ــــــــ[16 Feb 2006, 09:47 م]ـ
المرحلة الثالثة
ردّ كل فريق على الآخر
تضمنت المرحلتان السابقتان اللتان تم فيهما ذكر أدلة كلٍّ من المثبتين للنسخ في آية الوصية والنافين له بعضَ الردود، وسأزيد هنا ردوداً أخرى.
احتج النافون على المثبتين الذين قالوا إن قول النبي صلى الله عليه وسلم:" لا وصية لوارث" نسخ الآية، فقالوا:
* آية الوصية لا تعارض آية المواريث ولا هذا الحديث.
* الحديث من الآحاد، وتلقي الأمة له بالقبول لا يلحقه بالمتواتر، أي والظني من الحديث لا ينسخ القطعي منه، فكيف ينسخ القرآن، وكله قطعي؟
(يُتْبَعُ)
(/)
الحديث لم يصل إلى درجة ثقة الشيخين به، فلم يروه أحد منهما مسنداً، ورواية أصحاب السنن محصورة في عمرو بن خارجة وأبي أمامة وابن عباس، وفي إسناد الثاني إسماعيل بن عياش تكلموا فيه، وإنما حسّنه الترمذي؛ لأن إسماعيل يرويه عن الشاميين، وقد قوى بعض الأئمة روايته عنهم خاصة، وحديث ابن عباس معلول؛ إذ هو من رواية عطاء بن أبي رباح، فإن أبا داود أخرجه في مراسيله عنه، وما أخرجه البخاري من طريق عطاء بن أبي رباح موقوف على ابن عباس، وما روي غير ذلك فلا نزاع في ضعفه، فعُلم أنه ليس لنا رواية في الحديث صححت إلا رواية عمرو بن خارجة، والذي صححها هو الترمذي، وهو من المتساهلين في التصحيح، وقد علمت أن البخاري ومسلم، لم يرضياها، فهل يقال إن حديثاً كهذا تلقته الأمة بالقبول؟
جواب المثبتين:
* كلام الحافظ ابن حجر، (وقد مرّ من قبل): (باب لاوصية لوارث) هذه الترجمة لفظ حديث مرفوع كأنه لم يثبت على شرط البخاريفترجم به كعادته واستغنى بما يعطى حكمه. وقد أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما منحديث أبي أمامة " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته في حجة الوداع: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " وفي إسناده إسماعيل بن عياش , وقدقوى حديثه عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري , وهذا من روايته عنشرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة , وصرح في روايته بالتحديث عند الترمذي وقال الترمذي: حديث حسن. وفي الباب عن عمرو بن خارجة عند الترمذي والنسائي , وعن أنس عند ابنماجه , وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الدارقطني وعن جابر عند الدارقطني أيضاوقال: الصواب إرساله , وعن علي عند ابن أبي شيبة, ولا يخلو إسناد كل منها عن مقال , لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا , بلجنح الشافعي في " الأم " إلى أن هذا المتن متواتر فقال: وجدنا أهل الفتيا ومنحفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى اللهعليه وسلم قال عام الفتح " لا وصية لوارث " ويؤثرون عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهلالعلم , فكان نقل كافة عن كافة , فهو أقوى من نقل واحد.
* كان هذا الحكمُ في بدء الإسلام ثم نسخ عند نزول آيةِ المواريثِ، بقوله عليه السلام: " إنّ الله قد أعطى كلَّ ذي حق حقَّه ألا لا وصيةَ لوارثٍ " فإنه وإن كان من أخبار الآحادِ لكن حيثُ تلقته الأمةُ بالقَبول انتظم في سلك المتواتِر في صلاحيته للنسخ، على أن التحقيقَ أن الناسخَ حقيقةً هي آيةُ المواريث، وإنما الحديثُ مُبيّنٌ لجهة نسخِها ببيانِ أنه تعالى كان قد كتب عليكم أن تؤدوا إلى الوالدين والأقربين حقوقَهم بحسب استحقاقهم من غير تبيين لمراتب استحقاقِهم ولا تعيين لمقادير أنصبائِهم، بل فوض ذلك إلى آرائكم، حيث قال: {بِ?لْمَعْرُوفِ} أي بالعدْل، فالآن قد رَفَعَ ذلك الحُكمَ عنكم لتبيين طبقاتِ استحقاقِ كلِّ واحدٍ منهم وتعيينِ مقاديرِ حقوقِهم بالذات وأعطى كلَّ ذي حق منهم حقه الذي يستحقه بحكم القرابة من غير نقصٍ ولا زيادة ولم يدَعْ ثمةَ شيئاً فيه مدخلٌ لرأيكم أصلاً حسبما تُعرِب عنه الجملةُ المنفيَّةُ بلا النافية للجنس وتصديرُها بكلمة التنبيه، إذا تحققتَ هذا ظهر لك أن ما قيل مِنْ أن آيةَ المواريثِ لا تعارضُه بل تحقِّقه وتؤكّدُه من حيث إنها تدلُ على تقديمِ الوصيةِ مطلقاً والحديثُ من الآحاد، وتلقّي الأمةِ إياه بالقَبول لا يُلحِقُه بالمتواتر، ولعله احترَز عنه مَنْ فسَّر الوصيةَ بما أوصى به الله عز وجل من توريثِ الوالدَيْن والأقرَبين بقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ ?للَّهُ} [النساء، الآية 11] أو بإيصاءِ المُحتَضَرِ لهم بتوفير ما أوصى? به الله تعالى عليهم - بمعزلٍ من التحقيق.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكذا ما قيل من أن الوصيةَ للوارث كانت واجبةً بهذه الآية من غير تعيينٍ لأنصبائهم فلما نزلت آيةُ المواريثِ بياناً للأنصباء بلفظ الإيصاءِ فُهم منها بتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم أن المرادَ منه هذه الوصيةُ التي كانت واجبة، كأنه قيل: إن الله تعالى أوصى? بنفسه تلك الوصيةَ ولم يُفَوِّضْها إليكم، فقام الميراثُ مقامَ الوصيةِ فكان هذا معنى النسخِ لا أن فيها دلالةً على رفع ذلك الحُكمِ، فإن مدلولَ آيةِ الوصيةِ حيث كان تفويضاً للأمر إلى آراء المكلَّفين على الإطلاق وتسنّي الخروجِ عن عُهدة التكليف بأداءِ ما أدَّى إليه آراؤُهم بالمعروف، فتكون آيةُ المواريثِ الناطقةِ بمراتب الاستحقاقِ وتفاصيل مقاديرِ الحقوقِ القاطعةِ بامتناعِ الزيادةِ والنقصِ بقوله تعالى:
{فَرِيضَةً مّنَ ?للَّهِ} [النساء، الآية 11. وسورة التوبة، الآية 60] ناسخةً لها رافعةً لحُكمها مما لا يَشتبهُ على أحد.
* بل قال البعض: إن الأحاديث الناسخة من المتواتر، وأنالتواتر قد يكون بنقل من لا يتصور تواطؤهم على الكذب، وقد يكون بفعلهم بأن يكونواعملوا به من غير نكير منهم.
قال النافون
جوّز بعض السلف الوصية للوارث نفسه بأن يخص بها من يراه أحوج من الورثة، كأن يكون بعضهم غنياً والبعض الآخر فقيراً.
أجاب المثبتون
الوصية للوارث تخل بالأنصبة التي حددتها آيات المواريث للورثة، وإذا تركنا الأمر للنظر، قد يتدخل الهوى فلا يعد لتوزيع الأنصبة المقرر في الشرع أي أهمية.
* * * * *
من الردود التي أوردت على صاحب المنار ما ذكره فضيلة الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس ـ حفظه الله ـ في كتابه الثاني من سلسلة (اتجاهات التفسير ومناهج المفسرين في العصر الحديث، لم يطبع بعد)، قال في معرِض حديثه عن بعض ما ورد في تفسير المنار من مخالفات لأئمة الأمصار وفقهاء المذاهب: "عند تفسيره آية الوصية في سورة البقرة، يذكر أقوال العلماء، وينقل عن الألوسي رحمه الله، ثم يرد عليه ويختم ردّه بقوله: (فما هذا الحرص على إثبات نسخها، مع تأكيد الله تعالى إياها، والوعيد على تبديلها، إن هذا إلا تأثير التقليد) أ. هـ.
رحم الله صاحب المنار وعفا عنه، ألكي لا يكون الشخص مقلداً، ينبغي أن يقلد رأيه؟! وإن جمهوراً من الأئمة كأبي حنيفة والشافعي قد قالوا بنسخ هذه الآية الكريمة، أفيعدّ هؤلاء مقلدين، وإذا كانوا كذلك، فمن المجتهد؟ ومن الذي قلدوه؟
ثم يحاول صاحب المنار أن يضعّف الحديث (لا وصية لوارث)، بحجة أن الشيخين لم يروياه مسنداً لعدم ثقتهما به، وأن البخاري قد رواه موقوفاً عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأنه لا يعقل أن ينسخ القرآن بالحديث، لأن هذا الحديث ربما لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قاله رأياً، وعجيب هذا من السيد، وأعجب منه أنه ردّ أحاديث رواها الشيخان أنفسهما، ولكنه صحح أحاديث لم يروياها، والقول بأن الشيخين لم يخرجاه لعدم ثقتهما به قول مردود، لأن من المعلوم أنهما لم يلتزما بإخراج جميع الصحيح، وأما رواية البخاري له موقوفاً على ابن عباس، فإن الحافظ قال في (الفتح) إن له حكم المرفوع؛ لأنه في تفسيره ـ أي ابن عباس ـ إخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن، فيكون في حكم المرفوع بهذا التقرير.
ولكن الشيخ تناسى هذا القول أو أغفله، والأغرب من ذلك قوله: (بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما لم يقله أو قاله رأياً)، وهذا غير وارد؛ لأن العلماء جزاهم الله خيراً، قد بيّنوا لنا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لم يقله، والرسول الكريم لا يمكن أن يقول رأياً في الدين، وعلى التسليم بذلك، فإما أن يقرّه الوحي أو يردّه.
وبعد، فحديث (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) تلقته الأمة بالقبول، وأجمع جمهور الأئمة على صحته، يقول الشافعي رضي الله عنه ـ في الأم ـ: (وجدنا أهل الفتيا، ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم، لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: "لا وصية لوارث، ولا يقتل مؤمن بكافر"، ويؤثرون عمن حفظوا عنه، ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي، فكان هذا نقل عامة عن عامة، وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد، كذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين) [الرسالة].
ويختم د. فضل بقوله: ويعلم الله أن أنوار النبوة تنادي على صحة هذا الحديث". أ. هـ.
ـ[روضة]ــــــــ[16 Feb 2006, 09:50 م]ـ
المرحلة الرابعة
مرحلة الترجيح
بعد الاطلاع على رأي كل فريق ومناقشته، أظن أنه قد حان الوقت الآن للترجيح.
والترجيح لا يتطلب سرد أدلة، لأن العلماء قد كفونا هذا، وتم عرض أدلتهم، فسيكون في تكرارها عدم فائدة.
ما تبيّن لي بعد كل ما تقدم قوةُ قول من ذهب إلى النسخ، لاستنادهم إلى أحاديث نبوية، وحجج لغوية، وعلم بما كان من أحوال العرب، فأرى أن قولهم أرسخ وأعمق وأثبت من قول من ذهب إلى أن الآية محكمة.
والله أعلم بالصواب.
ويا حبذا أن تعرضوا آراءكم فيما ذكرتُه لكم في المراحل السابقة كلها.
وما كان بحاجة إلى نقاش أو مزيد توضيح فأنا على استعداد لذلك إن شاء الله.
وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان وغفر الله لي ولكم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[روضة]ــــــــ[19 Feb 2006, 03:09 م]ـ
الإخوة الأكارم،
فاروق، د. أبو بكر خليل، سيف الدين، وباقي الأعضاء ....
أين تعليقاتكم على ما عرضت؟ وأخص بالذكر الأخ الفاضل فاروق، الذي كان أول من عرض الآية لنقاشِ ثبوت نسخها ... هل رحج لديك قول ما؟
أنا بالانتظار: تقويم، تقييم، نقد، إبداء رأي، طلب توضيح، ....
بارك الله فيكم
ـ[فاروق]ــــــــ[20 Feb 2006, 12:28 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أختي الفاضلة: باحثة ..
أمهلينا قليلامن الوقت لأدقق جيدا فيما ذكرت .. كما فعلنا .. فالمشاغل كثيرة!!
وهذه مسألة اقتناع .. !! تتطلب التريث ..
ـ[روضة]ــــــــ[03 Mar 2006, 07:21 ص]ـ
إخوتي الأفاضل ... ما زلت بانتظار تعليقاتكم ,,,
إذا كانت مشاغلكم كثيرة يمكن أن نبدأ مناقشة المراحل كلّ على حدة، كلما انتهينا من واحدة ننتقل إلى التالية، فيكون هذا أسهل وأنسب لضيق أوقاتكم ...
ودمتم
ـ[فاروق]ــــــــ[04 Mar 2006, 06:04 م]ـ
http://www.3e6r.net/data/media/19/jewelst-r7eb1.gif
أختي الكريمة روضة أعتذر عن هذا التأخير، لظروف خارجة عن الإرادة .. فمعذرة مرة أخرى ..
إن ما قمت به هو عمل رائع بكل المقاييس .. فهو بحث جامع يغني كل سائل عن التنقيب في المراجع، فلقد كفيته تلك المهمة الشاقة وخصوصا في ظل ظروف الحياة التي نعيشها، فلا نملك إلا أن ندعو لك عن ظهر الغيب .. فجزاك الله خيرا ..
في الأول أقتبس من كلامك:
أقرّ وأعترف أن الأمر في نسخ هذه الآية شائك للغاية، فكلما استقر رأيي على قول لقوة أدلة القائلين به، ظهرت لي قوة في أدلة القائلين بالرأي المخالف، وكلما ظننت أني اقتربت من النهاية، فُتحت لي أبواب لم تكن بالحسبان، وكلا الفريقين ممن لا يُستخف به بين العلماء،
لقد أرقتني هذه المسألة كما أرقت من قبلي ....
فهل من مغيث!!
فهذا ما حصل معي أيضا،فلم أر حتى الآن ما يمكنه أن يرجح عندي طرفا على الآخر وإن كنت أميل أكثر إلى من ينفون .. ! على الأقل حتى الآن للأسباب التالية:
* لم يثبت بالدليل القاطع ما يؤكد حصوله،فلا تعدو أن تكون اجتهادات في تفسير الآيات ..
*من المعلوم أن رواية الأحاديث لم تدون إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. وهذا موضوع آخر سنطرحه في حينه، وما حوله من شبهات ..
*يقول الله تعالى: [اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ]
(الأعراف: 3)، هذه الآية الكريمة تُؤكّد الأمر الإلهيّ باتّباع كلِّ الأحكام (التي تحملها كلمات الله تعالى) دون أيّ استثناء، أي دون أيّ نسخ، فكيف يأمرنا الله تعالى باتّباع كلّ أحكامه دون استثناء، ونحن ننسخ (نُلغي) بعض هذه الأحكام؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!
*الناسخ والمنسوخ هو قمّة التناقض بين الأحكام القرآنيّة، والله تعالى يقول:
[أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً] (النساء82
) .. فكيف إذاً يُقرّون هذه المسألة، أليس بذلك قد نفرض تناقضات وأوهام على كتاب الله تعالى ..
قد تقولون أن لهذه الآياب أسباب نزولها ولكني أؤمن أن القرآن كل لا يتجزأ وأن نصه مطلق
* .. وفوق كلّ ذلك هل يُوجد حديثٌ واحد يُنسب إلى الرسول (ص) بأنّ آيةً مُعيّنة نسخت آية معيّنة؟؟!!!!!! ..
*: إنّ هناك فارقاً بين الكلمات القرآنيّة وبين الأحكام والمعاني التي تحملُها، هذا القول لم أستسغه ووقفت عنده طويلا، فتبيّن منه البعد عن الفطرة النقيّة .. فكيف تختلف الكلمة عن المعنى الذي تحملُه، وما هو الفارق بين الكلمة ومعناها، وكيف نميّز بينها وبين دلالاتها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .. هذا هروب من مواجهة الحقيقة ..
* .. وفوق كلّ ذلك يتبيّن فساد مسألة الناسخ والمنسوخ، من عدم الإجماع على آية واحدة في هذا الخصوص، فالآية المنسوخة عند أحد العلماء، ناسخة عندالآخر، ولا ناسخة ولا منسوخة عند الثالث .. فهل يكون دين الله بهذا الغموض.!! -حشى لله-لا أنفي الاختلاف فالاختلاف من طبيعة البشرفي رؤاهم للأشياء وفي تحليلها .. ولكن القرآن الكريم:آياته وأحكامه منزه عن ذلك كل التنزيه ..
*وأنا أبحث وجدت هذا الحديث .. وهذا التعليق وأترك لكم التعليق بدوركم ..
(يُتْبَعُ)
(/)
جاء في مسند أحمد، حديث (25112): ((حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا)) ..
قال الغماري: هذا أثرٌ شاذٌ منكرٌ، شديدُ النكارة، لأنّ نسخ التلاوة محال، كما بيّنته في جزء ذوق الحلاوة ..
ثمّ من المنكر الذي لا يُعقَل أن تدخلَ شاةٌ البيتَ وتأكلَ ورقةً فيها قرآنٌ ولا يعلم أحد، هذا من الباطل المردود قطعاً، ولو جوّزنا أنْ تأكلَ شاةٌ ورقةً فيها قرآنٌ منسوخٌ على رأي من يُجيز النسخ لجاز أن تأكلَ ورقةً فيها قرآنٌ غيرُ منسوخ، فترتفع الثقةُ بالقرآن كلّه، لأنّه قد يكونُ أُكِلَ منه شيءٌ، والله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) .. ] ..
* اقتباس ..
ولتقريب هذا المعنى سأضرب أمثلة من آيات تخبرنا عن أحكام كان معمولاً بها لفترة محدودة من الزمن، مثلاً قوله تعالى: "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ?لنَّفْسَ بِ?لنَّفْسِ وَ?لْعَيْنَ بِ?لْعَيْنِ وَ?لأَنْفَ بِ?لأَنْفِ وَ?لأُذُنَ بِ?لأُذُنِ وَ?لسِّنَّ بِ?لسِّنِّ وَ?لْجُرُوحَ قِصَاصٌ" [المائدة:45]، أخبرتنا هذه الآية أن التوراة كان فيها هذا الحكم، وهو لناس مخصوصين بفترة مخصوصة.
- قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى ?لْمَلإِ مِن بَنِي? إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى? إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ?بْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ?للَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ?لْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَ?للَّهُ عَلِيمٌ بِ?لظَّالِمِينَ " [البقرة:246]، حملت هذه الآية حكماً أمروا به، وفعلاً صدر منهم وانتهى، فهما حكم وفعل مقيدان بزمان وأشخاص ومكان، وكذلك جميع قصص السابقين.
- "ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ?لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ?لَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ" [البقرة:183]: الصيام كان حكماً للذين قبلنا، وقد مات الذين قبلنا، وانتهى الحكم الذي كان متعلقاً بهم.
- "إِنَّآ أَنزَلْنَا ?لتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ?لنَّبِيُّونَ " [المائدة:44]، حكم بها النبيون وانتهى حكمهم، فهو حكم مقيد بمدة.
هذه الآيات تتحدث عن أحكام لأقوام لهم شرائع .. والله تعالى نسخ شرائعهم كلها بشريعة الإسلام فما بالك بتلك الأحكام وأظن أن هذا الأمر معلوم .. فإذن لماذا يبعث الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة الإسلام؟؟!!
أختي الكريمة روضة هذا الرد جاء على عجل .. ولا أستطيع أن أخفي رأيي في شيء لايتعارض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة بل حسب قناعاتي أن ما أعتقد به هو تنزيه
لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، من بصمات بشرية نسبية يعتريها النقصان والنسيان ..
ومع ذلك حتى تكتمل الرؤيا سنانقش الآية اللاحقة .. لنناقش بعدها مواضيع أخرى أظنها حسب قناعتي أنها من المسكوت عليها .. ولكم كل الفضل ..
[ line]
http://www.alroqia.com/allahnames.gif
http://up3.w6w.net/upload/22-02-2006/w6w_20060222125040258ee138.gif
ملئ الفؤاد محبة وتلهفا
توقا و شوقا للحبيب المصطفى
إنا لتهفو للرسول قلوبنا
والقلب تتبعه الجوارح إن هفا
ليس الذي أبدى هواه مغاليا
كلا و من ذاب حبا مسرفا
إن المحب لمن يحب لتابع
فإذا رأى أثرا لمن يهوى اقتفى
مدت أيادينا لهدي محمد
وتلقفت ما جاء منه تلقفا
هو من نحب ومن أحب نحبه
صدقا وليس تنطعا وتكلفا
جئنا جميعا نستقي من ورده
ونرد عنا ما يكون مخالفا
ونورث الأجيال حب نبينا
من جاء فينا رحمة وتعطفا
حبيبي يا رسول الله
يا من ملأت الفؤاد حبا ..
يا رسول الله .. أنت الحبيب .. يا محمد
ـ[روضة]ــــــــ[04 Mar 2006, 11:46 م]ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
أخي الفاضل فاروق، لا داعي للاعتذار عن التاخير، فكلنا قد تعرض له أمور طارئة تشغله، وهكذا هي الحياة!! ومن المؤكد أن الاختلاف لا يفرق بين الإخوة، لذلك فليكن صدرك واسعاً واحتمل أختك فيما ستقوله ...
**********
*يقول الله تعالى: [اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ]
(الأعراف: 3)، هذه الآية الكريمة تُؤكّد الأمر الإلهيّ باتّباع كلِّ الأحكام (التي تحملها كلمات الله تعالى) دون أيّ استثناء، أي دون أيّ نسخ، فكيف يأمرنا الله تعالى باتّباع كلّ أحكامه دون استثناء، ونحن ننسخ (نُلغي) بعض هذه الأحكام؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!
لسنا نحن الذين نلغي هذه الأحكام، ولكنها ـ الأحكام ـ فعلاً كانت محددة ومقيدة بزمن، وهذا تم نقاشه.
إن كان هناك آية كريمة تبين أن الله تعالى قد يستبدل آية بأخرى (وإذا بدلنا آية مكان آية)، فأين المشكلة في هذا؟
أمَرَنا تعالى أن نتبع ما أُنزل إلينا .. نعم، ومن ضمن ما أنزل إلينا أنه قد يستبدل آية بأخرى، لذلك نحن نأخذ القرآن كلاً متكاملاً بلا تجزئة.
وقد قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، ونعلم أنه وردت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أحكام منسوخة: كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها.
نَسْخُه هذا الحكم بلفظ صريح لا يتعارض مع أمر الله بأخذ كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أردنا أن نفهم الآية الكريمة (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ)، على عمومها لقلنا يجب أن نأخذ بتحريم زيارة القبور وحِلِّ ذلك معاً.
وأما قولك: ونحن ننسخ بعض الأحكام؟
لسنا ننسخ حسب أهوائنا، بدليل أن الصحابة رضوان الله عليهم أقروا بهذا وأثبتوا النسخ، وهذا مما له حكم المرفوع.
وقولك هذا فيه تشكيك بفعل الصحابة وبتنزيههم للقرآن وتعظيمهم له.
***********
القرآن كل لا يتجزأ وهذا ما يؤمن به كل مسلم، ولأنه هكذا نقول بنسخ الأحكام التي تبدو متناقضة، وهذا ليس فيه طعن في القرآن، والعياذ بالله، لأن الأمر ثبت عند جمهور المسلمين أن هذه الأحكام كانت مقيدة لزمن معين، ثم تغيرت، وأثبت القرآن كلاً منهما لحكمة، ويُرفع هذا التناقض الظاهري بالقول بالنسخ.
فلا يبقى هناك تناقض في حقيقة الأمر.
وهل جمهور المسلمين على خطأ؟ ولم يتبين لهم أن القول بالنسخ تجزيء للقرآن وطعن فيه؟؟؟!!!! لا أستطيع استيعاب هذا.
***********
* .. وفوق كلّ ذلك هل يُوجد حديثٌ واحد يُنسب إلى الرسول (ص) بأنّ آيةً مُعيّنة نسخت آية معيّنة؟؟!!!!!! ..
دليلك هذا الذي من أجله تميل إلى القول بنفي النسخ مرفوض لأنك قلتَ من قبل: من المعلوم أن رواية الأحاديث لم تدون إلا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. وهذا موضوع آخر سنطرحه في حينه، وما حوله من شبهات ..
وهذا كلام خطير جداً جداً جداً ...............
ما مناسبته هنا؟ هل أنت مقتنع بما وراء هذا وما يترتب عليه؟ إن كان نعم، فهذه طامة كبرى، وبما أنك تقول (شبهات) فلماذا ستطرحه إذن؟! ويبدو فعلاً أنك تتبناه بدليل أنك أوردته ضمن الأدلة التي من أجلها مِلْتَ إلى قول النافين.
والدليلان السابقان بينهما تناقض، إذ كيف تريد أن نأتي لك بحديث عن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام يتضمن نسخ آية، وأنت تقول بهذه الشبهة، فحتى لو جئنا لك بواحد، ستقول: إن رواية الأحاديث لم تدون إلا بعد وفاة الرسول، وقد تسترسل بعد هذا بما ينبني على هذه الشبهة.
من هنا تبين لي صحة ما قاله د. أبو بكر خليل، وهو أنه كان لا بد من تثبيت القواعد والأصول أولاً قبل الانتقال إلى الفروع.
***********
*: إنّ هناك فارقاً بين الكلمات القرآنيّة وبين الأحكام والمعاني التي تحملُها، هذاالقول لم أستسغه ووقفت عنده طويلا، فتبيّن منه البعد عن الفطرةالنقيّة .. فكيفتختلف الكلمة عن المعنى الذي تحملُه، وما هو الفارق بين الكلمة ومعناها، وكيفنميّز بينها وبين دلالاتها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .. هذا هروب من مواجهةالحقيقة.
هذا ليس هروباً من مواجهة الحقيقة التي تقول إنها حقيقة.
ووقفة هنا: تقول إنها حقيقة، يعني أنك فعلاً مقتنع بنفي النسخ، وقولك سابقاً بأنك ما زلت محتاراً أظن أن فيه مجاملة أو شيئاً آخر لم يتضح لي.
(يُتْبَعُ)
(/)
والذي أراه أن هناك فرقاً بين الكلمات وما تخبر عنه، فالكلمات نفسها من كلام الله غير المخلوق، وما تحمله من حديث عن أخبار مخلوق لا شك.
لا أظن أن هذا محل جدال، أليست الأحداث التي تخبرنا عنها الآيات مخلوقة، أليست من فعل البشر؟؟!!
والله عز وجل يخبرنا عما حدث في حقبة معينة، كلامه هو ليس بمخلوق، لا أرى خللاً في هذا، ولا ما يصطدم بالعقل المسلم.
***********
* .. وفوق كلّ ذلك يتبيّن فساد مسألة الناسخ والمنسوخ، من عدم الإجماع على آية واحدة في هذا الخصوص، فالآية المنسوخة عند أحد العلماء، ناسخة عندالآخر، ولا ناسخة ولا منسوخة عند الثالث .. فهل يكون دين الله بهذا الغموض.!! -حشى لله-لا أنفي الاختلاف فالاختلاف من طبيعة البشرفي رؤاهم للأشياء وفي تحليلها .. ولكن القرآن الكريم:آياته وأحكامه منزه عن ذلك كل التنزيه ..
كثيرة هي الأمور التي اختلف فيها العلماء في كتاب الله تعالى، هل هذا يتعارض مع تنزيه القرآن؟؟؟!!!
وبدراسة أقوال العلماء وأدلتهم يمكن ترجيح قول على قول، ومن المؤكد أن عقول العلماء تختلف، وطريقة استدلالاتهم تتنوع، وهذا من عظمة كلام الله تعالى.
***********
*وأنا أبحث وجدت هذا الحديث .. وهذا التعليق وأترك لكم التعليق بدوركم ..
جاء في مسند أحمد، حديث (25112): ((حَدَّثَنَا ....... عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَقَدْ أُنْزِلَتْ آيَةُ الرَّجْمِ وَرَضَعَاتُ الْكَبِيرِ عَشْرًا فَكَانَتْ فِي وَرَقَةٍ تَحْتَ سَرِيرٍ فِي بَيْتِي فَلَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَاغَلْنَا بِأَمْرِهِ وَدَخَلَتْ دُوَيْبَةٌ لَنَا فَأَكَلَتْهَا)) ..
قال الغماري: هذا أثرٌ شاذٌ منكرٌ، شديدُ النكارة، لأنّ نسخ التلاوة محال، كما بيّنته في جزء ذوق الحلاوة ..
ثمّ من المنكر الذي لا يُعقَل أن تدخلَ شاةٌ البيتَ وتأكلَ ورقةً فيها قرآنٌ ولا يعلم أحد، هذا من الباطل المردود قطعاً، ولو جوّزنا أنْ تأكلَ شاةٌ ورقةً فيها قرآنٌ منسوخٌ على رأي من يُجيز النسخ لجاز أن تأكلَ ورقةً فيها قرآنٌ غيرُ منسوخ، فترتفع الثقةُ بالقرآن كلّه، لأنّه قد يكونُ أُكِلَ منه شيءٌ، والله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9) .. ] .. [/
كلام الغماري قوي ومنطقي وجميل وأنا ممن يتبع قول العلماء الذين ينفون نسخ التلاوة.
وهذا لم أتعرض له في المراحل الأربع التي ذكرتُها.
***********
هذه الآيات تتحدث عن أحكام لأقوام لهم شرائع .. والله تعالى نسخ شرائعهم كلها بشريعة الإسلام فما بالك بتلك الأحكام وأظن أن هذا الأمر معلوم .. فإذن لماذا يبعث الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم بشريعة الإسلام؟؟!!
أظنك لم تقف على مرادي من سردي لهذه الآيات، جئتُ بهذه الآيات لا لأثبت النسخ من خلال نسخ شريعتنا لشريعة من كان قبلنا، ولكن لأقول: إن هناك فرقاً بين كلمات الآيات وما تحتويه من أحكام، الأمر الذي لا تستسيغه، فقوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهَا ?لنَّبِيُّونَ) هذه الكلمات بحد ذاتها ليست مخلوقة لأنها كلمات من الله، ولكن الخبر الذي تضمنته وهو أن النبيين حكموا بها وانتهى حكمهم، هو الأمر الذي قُيِّد بزمن.
فهناك فرق بين الكلمات وما أخبرتْ عنه.
والله اعلم.
***********
ـ[سيف الدين]ــــــــ[05 Mar 2006, 09:11 م]ـ
الاخوات والاخوة الكرام
اني آسف جدا اني اطلت في مناقشة ما اسلفتم فيه .. واعتذر اشد الاعتذار .. كما اتمنى من الاخوة ان نبقي المناقشة في حيّزها الذي ارتضيناه وهو مناقشة الايات الناسخة والمنسوخة دونما التطرق الى مسائل اخرى .. وعن قريب باذن الله سأبادر في مناقشة ما اسلفتم ..
ـ[سيف الدين]ــــــــ[06 Mar 2006, 06:40 م]ـ
الاخت روضة حفظها الله:
قلت ايتها الاخت الكريمة:
1 - القول بالنسخ أو عدمه مبنيٌّ على فهم معنى الآيةِ المنسوخةِ موضوعَ البحث، هل هو متعارض مع الآية الناسخة، لذلك سيكون هناك ذكر ضمن الأدلة لمعنى الآية ووجوه الإعراب المترتبة على المعنى انتهى الاقتباس
(يُتْبَعُ)
(/)
وليس لي تعقيب على هذا الكلام الا القول بأننا اظن انه اتفقنا بأن النسخ يجب ان يثبت بدليل النقل وليس العقل .. فان كان "القول بالنسخ او عدمه مبني على فهم معنى الاية المنسوخة" , فهل يحمل كلامك غير الاحتجاج بالعقل كدليل على النسخ؟
ولا اريد من هذا الكلام الا التأكيد على المنهج الذي الزمت به نفسي في مناقشة موضوع الناسخ والمنسوخ ..
2 - قلت ولا اعلم ان كان اقتباسا ام فيه تضمين لرأيك:
: "إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية) [البقرة:180]: فرض الله إذا أوشك أحدكم على الموت، وكان ذا مال أن يوصي بثلثه لوالديه وأقربائه بالعدل والمساواة، وكان هذا الحكم سارياً في أول الإسلام قبل تعيين المواريث، فلما نزلت آيات المواريث نسخ هذا الحكم.
* الآية تشعر بتفويض تعيين المقدار الموصى به إلى ما يراه الموصي، وأمره بالعدل بقوله: {بالمعروف}، فتقرر حكم الإيصاء في صدر الإسلام لغير الأبناء من القرابة زيادة على ما يأخذه الأبناء" انتهى الاقتباس
واقول معقبا على ما تحته خط من الاقتباس: اين هذا الاشعار في الاية؟ فالاية تقول: "الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين" فقد ذكرت الاية الوالدين والاقربين .. وليس هناك من اشارة الى غير الابناء من القرابة الا اذا اردنا ان نتعسف في تحميلنا للنص ما لا يحتمل .. او على الاقل يمكن القول انه لا يوجد حجة في هذا الشعور الا اذا استأنس المفسّر هنا بحديث الرسول .. فالدليل يجب ان يكون حجة وليس شعورا3 - أرجو منك توضيح ما المقصود ب "وصية" في قوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها او دين}
4 - قلت مقتبسة:
"وإن كان لفظ آية المواريث لا يدل على ما يناقض آية الوصية، لاحتمالها أن يكون الميراث بعد إعطاء الوصايا أو عند عدم الوصية بل ظاهرها ذلك لقوله:
{من بعد وصية} [النساء: 11]، وإن كان الحديثان الواردان في ذلك آحاداً لا يصلحان لنسخ القرآن عند من لا يرون نسخ القرآن بخبر الآحاد، فقد ثبت حكم جديد للوصية وهو الندب أو الوجوب على الخلاف في غير الوارث، وفي الثلث بدليل الإجماع المستند للأحاديث وفعل الصحابة، ولمَّا ثبت حكم جديد للوصية، فهو حكم غير مأخوذ من الآية المنسوخة، بل هو حكم مستند للإِجماع" انتهى الاقتباس
اعود لاقتبس, ايتها الاخت الكريمة, من المقدمة التي نظمت عليها مناقشاتك:"القول بالنسخ أو عدمه مبنيٌّ على فهم معنى الآيةِ المنسوخةِ موضوعَ البحث، هل هو متعارض مع الآية الناسخة"
ولنقارنه بالاقتباس السابق نرى ما يلي:
قلت ان القول بالنسخ مبني على التعارض مع الاية الناسخة, مع التحفظ على التعبير, غير ان الاقتباس الاول يقول: " وإن كان لفظ آية المواريث لا يدل على ما يناقض آية الوصية، لاحتمالها أن يكون الميراث بعد إعطاء الوصايا أو عند عدم الوصية بل ظاهرها ذلك لقوله:
{من بعد وصية} [النساء: 11]،"
وهكذا نرى ان من يقول بالنسخ هنا لا يعتمد على التناقض في الايات بل ينفيه ويلجأ الى القول بالنسخ الى شيء اخر وهو الاجماع , وهذا مبحث اخر, وما اريد هنا الا مناقشة منهجك في النسخ الذي اعتمدته حتى لا يتشتت الموضوع .. على اي اذا ظهر لك ان الاجماع هو الدليل على النسخ فيمكننا عندها البدء من نقطة جديدة ..
وارى ان اتوقف هنا الان في المناقشة لنناقش ما تقدم ثم ننتقل الى نقاط اخرى في البحث ..
اعلم ان ما اسلفته من مناقشة قد ارتكز على مبحثك الاول, والذي لربما لا تتبنينه بالكامل, ولا اريد ان انسب اليك ما لم تتبنيه, غير انني رأيت انه من المفيد ان نقف على جميع الحجج ونتعرض لها ..
وأسأل الله الهداية ..
ـ[سيف الدين]ــــــــ[08 Mar 2006, 04:06 م]ـ
اقتباس:
-------------------------------------------
وبين فخر الإسلام ذلك بوجهين: الأول: أنها نزلت بعد آية الوصية بالاتفاق، وقد قال تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
[النساء: 11] فرتب الميراث على ـ وصية ـ منكرة ـ والوصية ـ الأولى كانت معهودة فلو كانت تلك ـ الوصية ـ باقية لوجب ترتيبه على المعهود فلما لم يترتب عليه ورتب على المطلق دل على نسخ الوصية المقيدةلأن الإطلاق بعد التقييد نسخ كما أن التقييد بعد الإطلاق كذلك لتغاير المعنيين.
والثاني: أن النسخ نوعان، أحدهما: ابتداء بعد انتهاء محض، والثاني: بطريق الحوالة من محل إلى آخر كما في نسخ القبلة، وهذا من قبيل الثاني لأن الله تعالى فرض الإيصاء في الأقربين إلى العباد بشرط أن يراعوا الحدود، ويبينوا حق كل قريب بحسب قرابته، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {بِ?لْمَعْرُوفِ} أي بالعدل
انتهى الاقتباس
----------------------------------------------
وهذا القول لا يبنى عليه احتجاج للآتي:
1 - القول بان الاوصية الثانية منكرة والوصية الاولى معهودة بناء على وجود "ال" التعريف وتفسيرها على انها "ال" العهد, اعتقد ان فيه التعسّف ما فيه, حيث انه لا يكفي وجود الـ "ال" حتى نفسّرها بانها للعهد بل لا بد من قرائن اخرى تصرفها الى هذا المعنى .. فلو قلنا مثلا ان "ال" في كلمة "الحمد لله" هي للعهد او الاستغراق لجاء ذلك مستقيما بعشرات الايات التي تدلّل على ذلك .. لذا ارى ان دليل فخر الاسلام لا يقوم به حجة الا بقرائن تدلّل عليه ..
2 - القول ان هذا النسخ جاء (بطريق الحوالة من محل الى آخر كما في نسخ القبلة) هو قول مضطرب حيث ان آية: {يوصيكم الله في اولادكم} عادت الى ذكر {من بعد وصية يوصى بها او دين} ولو كان ذلك كما اشار فخر الاسلام لما كان هناك من داع لذكر الوصية مرة اخرى في الاية الناسخة
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[روضة]ــــــــ[10 Mar 2006, 12:23 م]ـ
أخي الكريم سيف الدين،
قرأت تعليقاتك، وسأجيب عليها، ولكني أستميحك عذراً بتأخير الإجابة أسبوعين على الأقل، لانشغالي بكثير من الأمور، فأنا أمرّ هذه الأيام على الملتقى مروراً سريعاً، ولا أتمكن من المشاركة في أي موضوع.
ـ[روضة]ــــــــ[15 Mar 2006, 10:13 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الكريم سيف الدين،
أعتذر على التأخير ..
أود الإشارة بداية إلى أن ما نقلتُه فيما سبق تجميع لأقوال العلماء في الرأيين (إثبات النسخ، ونفيه)، فقط، لذلك قد نجد في عرض الرأي الواحد أقوالاً مختلفة قد يكون فيها نوعُ تعارض، فكل عالم يحتج بطريقة مختلفة عن الآخر، وإن كانوا يصلون إلى النتيجة نفسها.
أما إثبات النسخ بالنقل أو بالاجتهاد، فقد انتهينا منه كما تفضلتَ، وذكرتُ حينها أن دائرة الاجتهاد في هذا الأمر محدودة. انظر الرابط:
سؤال حول الناسخ والمنسوخ (نرجو المشاركة) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=4570)
*****************
* الآية تشعر بتفويض تعيين المقدار الموصى به إلى ما يراه الموصي، وأمره بالعدلبقوله: {بالمعروف}، فتقرر حكم الإيصاء في صدر الإسلام لغير الأبناء من القرابةزيادة على ما يأخذه الأبناء"انتهى الاقتباس.
(واقول معقبا على ما تحته خط من الاقتباس: اين هذا الاشعار في الاية؟ فالاية تقول: "الوصيةللوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين" فقد ذكرت الاية الوالدين والاقربين .. وليس هناك من اشارة الى غير الابناء من القرابة الا اذا اردنا ان نتعسف فيتحميلنا للنص ما لا يحتمل .. او على الاقل يمكن القول انه لا يوجد حجة في هذاالشعور الا اذا استأنس المفسّر هنا بحديث الرسول .. فالدليل يجب ان يكون حجة وليس شعورا)
أقول أخي الكريم: هذا الكلام مأخوذ من تفسير التحرير والتنوير، والإشعار الذي تحدث عنه ابن عاشور رحمه الله ليس فيما يتعلق بالإيصاء لغير الأبناء من القرابة، وإنما الإشعار يتعلق بتفويض تعيين المقدار الموصى به إلى ما يراه الموصي من خلال قوله تعالى: (بالمعروف)، أما كلامه الذي تلا ذلك، يعني بعد قوله: (فتقرر حكم .... ) فليس تابعاً لما أشعَرَتْ به الآية الكريمة، وإنما هو تأكيد لما قاله حين بدأ بتفسير هذه الآية، حيث قال:
(كانت عادة العرب في الجاهلية أن الميت إذا كان له ولد أو أولاد ذكور استأثروا بماله كله، وإن لم يكن له ولد ذكَر استأثَر بماله أقربُ الذكور له من أب أو عم أو ابن عم الأدنَيْنَ فالأَدْنَين، وكان صاحب المال ربما أوصى ببعض ماله أو بجميعه لبعض أولاده أو قرابته أو أصدقائه، فلما استقر المسلمون بدار الهجرة واختصوا بجماعتهم شرع الله لهم تشريك بعض القرابة في أموالهم ممن كانوا قد يهملون توريثه من البنات والأخوات والوالدين في حال وجود البنين ولذلك لم يُذكَر الأبناء في هذه الآية). [التحرير والتنوير]
*****************
أما سؤالك عن المقصود بالوصية في آية المواريث: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)، فأظن الإجابة واضحة وهي: المال الذي يوصي به الإنسان قبل لموته ويكون لغير الورثة ولا يتجاوز الثلث.
*****************
"وإن كان لفظ آية المواريث لا يدل على ما يناقض آية الوصية، لاحتمالها أن يكون الميراث بعد إعطاء الوصايا أو عند عدم الوصية بل ظاهرها ذلك لقوله:
{من بعدوصية} [النساء: 11]، ....
... وهكذا نرى ان من يقول بالنسخ هنا لا يعتمد على التناقض فيالايات بل ينفيه ويلجأ الى القول بالنسخ الى شيء اخر وهو الاجماع
هذا بيان لمذهب بعض من قال بالنسخ، وهو الاعتماد على الإجماع، فقد تعددت مذاهب القائلين بالنسخ، ولخصه فخر الإسلام بقوله: أما القائلون بأن الآية منسوخة فيتوجه تفريعاً على هذا المذهب أبحاث:
البحث الأول: اختلفوا في أنها بأي دليل صارت منسوخة؟ وذكروا وجوهاً أحدهما: أنها صارت منسوخة بإعطاء الله تعالى أهل المواريث كل ذي حق حقه فقط وهذا بعيد لأنه لا يمتنع مع قدر من الحق بالميراث وجوب قدر آخر بالوصية وأكثر ما يوجبه ذلك التخصيص لا النسخ بأن يقول قائل: إنه لا بد وأن تكون منسوخة فيمن لم يختلف إلا الوالدين من حيث يصير كل المال حقاً لهما بسبب الإرث فلا يبقى للوصية شيء إلا أن هذا تخصيص لا نسخ وثانيها: أنها صارت منسوخة بقوله عليه السلام:
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ?لْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ?لْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَ?لأَقْرَبِينَ بِ?لْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ?لْمُتَّقِينَ} ( http://javascript<b></b>:Open_Menu())
" ألا لا وصية لوارث " وهذا أقرب إلا أن الإشكال فيه أن هذا خبر واحد فلا يجوز نسخ القرآن به، وأجيب عن هذا السؤال بأن هذا الخبر وإن كان خبر واحد إلا أن الأئمة تلقته بالقبول فالتحق بالمتواتر.
ولقائل أن يقول: يدعى أن الأئمة تلقته بالقبول على وجه الظن أو على وجه القطع، والأول مسلم إلا أن ذلك يكون إجماعاً منهم على أنه خبر واحد، فلا يجوز نسخ القرآن به والثاني ممنوع لأنهم لو قطعوا بصحته مع أنه من باب الآحاد لكانوا قد أجمعوا على الخطأ وأنه غير جائز. وثالثها: أنها صارت منسوخة بالإجماع والإجماع لا يجوز أن ينسخ به القرآن. لأن الإجماع يدل على أنه كان الدليل الناسخ موجوداً إلا أنهم اكتفوا بالإجماع عن ذكر ذلك الدليل، ولقائل أن يقول: لما ثبت أن في الأمة من أنكر وقوع هذا النسخ فكيف يدعى انعقاد الإجماع على حصول النسخ؟ ورابعها: أنها صارت منسوخة بدليل قياسي وهو أن نقول: هذه الوصية لو كانت واجبة لكان عندما لم توجد هذه الوصية وجب أن لا يسقط حق هؤلاء الأقربين قياساً على الديون التي لا توجد الوصية بها لكن عندما لم توجد الوصية لهؤلاء الأقربين لا يستحقون شيئاً، بدليل قوله تعالى في آية المواريث:
{مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}
[النساء: 11] وظاهر الآية يقتضي أنه إذا لم تكن وصية ولا دين، فالمال أجمع مصروف إلى أهل الميراث، ولقائل أن يقول: نسخ القرآن بالقياس غير جائز والله أعلم.
[انتهى من التفسير الكبير للإمام الرازي]
يتبع ...
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[سيف الدين]ــــــــ[16 Mar 2006, 08:01 م]ـ
مسألة في الفروض:
رجل توفي عن عدد من الابناء والبنات والاخوة والاخوات وزوجة .. الابناء والبنات والاخوة والاخوات كل حالته ميسورة ومتزوج وعنده مسكن له .. الرجل المتوفى لا يملك الا بيت متواضع .. أوصى بهذا البيت لزوجته سترا لها ..
هل تصح وصيته؟
ـ[روضة]ــــــــ[17 Mar 2006, 01:53 ص]ـ
لا اجتهاد في موضع النص
بما أن الله سبحانه وتعالى فصّل تقسيم الأنصبة على الورثة في سورة النساء، وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا وصية لوارث) إذن ليس هناك ما يبيح للزوجة أكثر من نصيبها في الميراث، ولا تجوز لها الوصية، أما سترها بالبيت، فواجب نفقتها من مسكن وغيره تجب الآن على أولادها الذكور، ألم يتوفى عن عدد من الأبناء؟
وإن قصروا في هذا فلها مقاضاتهم ويؤثمون.
هذا ما أفهمه.
لأننا إذا خالفنا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وأبحنا الوصية للوارث فما فائدة ما فصّله الله لنا من أنصبة في سورة النساء، فالوصية تخل بهذه الأنصبة ويصبح لدينا تقسيم جديد.
ثم إن ما أعلمه أن الفرع الذكر يحجب الأخ، فليس للإخوة والأخوات نصيب في الميراث.
ـ[سيف الدين]ــــــــ[17 Mar 2006, 06:22 م]ـ
فان توفي رجل عن عدد من البنات كلهن متزوجات ولهن مسكن , وعدد من الاخوة والاخوات وكل له مسكن .. وأوصى الرجل ببيته المتواضع لزوجته .. هل تصح هذه الوصية؟
ـ[روضة]ــــــــ[17 Mar 2006, 06:56 م]ـ
أرى أن الحوار تحوّل إلى جدال لن يكون له نهاية.
لو أني أجبتك على هذا السؤال ستقول:
ماذا لو أنه توفي ولم يكن له أولاد ولا بنات وعنده إخوة وأخوات كلهم حالتهم ميسورة ولهم مساكن. ماذا ستفعل زوجته المسكينة؟ http://tafsir.org/vb/images/icons/icon9.gif
ونَفَسي طويييييييييييييييل جداً .... فلن ننتهي ..
الأدلة الشرعية واضحة الدلالة ... عادلة حكيمة؛ لأنها من الشارع الحكيم العليم بأحوال البشر وما يصلح لهم، والأحكام الشرعية متكاملة، فمثلاً حين جعل للذكر مثل حظ الأنثيين جعل النفقة على الرجل .. وهكذا ...
والله أعلم بما ينزل ويحكم.
ـ[سيف الدين]ــــــــ[18 Mar 2006, 04:12 م]ـ
ايتها الاخت الكريمة ..
أبعدنا الله عن الجدال والمراء .. كل الامر اني اخطأت في صياغة سؤالي في المرة الاولى فأعدته في المرة الثانية .. وعلى اي حال, اني لا اروم من اي نقاش في هذا المنتدى الكريم اقناع الاخر او الزامه بالحجة, بل جل الهمّ هو ان اطرح ما لدي من تساؤلات وقناعات واستفت تساؤلات الاخرين .. ومن حق الاخرين ان يستمعوا الى ما يدور في خلدي بحق تساؤلاتهم, كما ان من حق الموضوعية ان آخذ ما يرتؤونه بعين التمحيص والبحث .. واني لا أرى لزاما علينا في نهاية هذا النقاش ان يثمر بأن ينتج رأيا واحدا في الموضوع, رغم ان في ذلك راحة للاطراف المتناقشة, ولكن الراحة الكبرى هي في القناعة .. ان الاخذ والرد يغني الموضوع في استنزاف كل الاجوبة المحتملة وهو شيء جيد حسبما اظن .. واني اشكر لك عميق تفهمّك وصبرك ...... وعلى اي حال فان الذي ظهر لي من الموضوع بشيء من الايجاز:
انك استندت الى الحديث وهو اقوى الحجج فيما رأيت .. غير ان لي على ذلك مأخذين:
الاول: ان حديث "لا وصية لوارث" لم يصرّح بالنسخ اضافة الى انه لم يلق اجماعا بالنسبة لبلوغه مرتبة المتواتر
الثاني: القول بأن الوصية في آية {من بعد وصية يوصى بها او دين} مخصوصة بالثلث الذي ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم يحتاج الى دليل .. فاننا لا نستطيع القول بأن هذا هو المقصود من الوصية في الاية لمجرد ورود رواية تقول بأن رجلا اراد ان يتصدّق بماله فاوصاه الرسول بان يتصدّق بالثلث .. ان ربط الامور بهذه الطريقة لا اعتبره منطقيا, لعدة اعتبارات: هل هذه الرواية تمثّل الاحتمال الوحيد في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل حدثت هذه الرواية بعد نزول اية الوصية او قبلها؟ هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم هنا مخصوص بهذا الرجل دون غيره بسبب ثرائه؟ ام هل هناك اشياء اخرى؟ هل هذا القول عام؟ هل هذا القول مرتبط بالوصية؟ كل هذه الاسئلة ليست بحاجة الى اجوبة فحسب وانما الى ما يدعّم هذه الاجوبة .. والتساؤلات المطروحة على هذا الحديث يوازيها اسئلة كثيرة ايضا مطروحة على حديث {لا وصية لوارث} فيما لو بلغ الحديث مبلغ التواتر
(يُتْبَعُ)
(/)
. هناك, ايتها الاخت الكريمة, اشكال كبير في التعامل مع الاحاديث, لذا في بداية النقاش كنت قد قلت صراحة انه ان كان هناك من نقل يقرّ بالنسخ يجب ان يكون لفظا صريحا يسمي الاشياء بأسمائها ..
لك مطلق الحرية, ايتها الاخت الكريمة , او اي اخ او اخت, في الرد على هذا الكلام او الانتقال الى مناقشة آية منسوخة اخرى .. وبالي طويل ايضا باذن الله
ـ[محب الوحي]ــــــــ[30 Dec 2006, 04:03 ص]ـ
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=2899&highlight=%C7%E1%E4%C7%D3%CE+%C7%E1%E3%E4%D3%E6%CE
أحمد البريدي أحمد البريدي غير متصل
مشرف
تاريخ التسجيل: Apr 2003
مشاركة: 610
الأخ جمال حسني الشرباتي
كلامهم يحتمل أحد أمرين: إما نفي وقوع النسخ مطلقاً , أو نفي دلالة الآية على النسخ.
فإن كان الأول فأشهر من قال به من المسلمين ابو مسلم الأصفهاني فإنّه زَعَمَ أنّ النسخَ مستحيلٌ؛ وأجابَ عَمَّا ثبتَ نَسْخُهُ بأنّ هذا مِن بابِ التخصيصِ؛ وليسَ مِن بابِ النسخِ؛ وذلكَ لأنّ الأحكامَ النازلةَ ليسَ لها أَمَدٌ تنتهي إليه؛ بلْ أَمَدُهَا إلى يومِ القيامةِ؛ فإذا نُسِخت فمعناهُ أنّنا خَصَّصْنَا الزمنَ الذي بعدَ النسخِ. أيْ أخرجناهُ مِن الحُكْمِ.
1 - وهذا الخلاف كما ترى في التسمية فقط , وعلى هذا فيكونُ الخلافُ بينَ أبي مسلمٍ وعامّةِ الأمّةِ خِلافًا لَفْظِيًّا؛ لأنّهم مُتّفِقُونَ على جوازِ هذا الأمرِ؛ إلاَّ أنّه يُسمِّيهِ تَخْصِيصًا؛ وغيرهُ يُسمُّونَهُ نَسْخًا؛ والصوابُ تَسْمِيَتُهُ نَسْخًا؛ لأنّه صَرِيحُ القرآنِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} , وهذا هو رَأْيُ الشوكانيِّ رحمه الله (1)، وعلى فَرضِ أنّ الخلافَ حقيقيٌّ فَكَلامُهُ مَرْدودٌ مِن وجوهٍ:
أ – أنّ إنكارَ وُقُوعِه مع ثبوتِ ذلكَ بالأدلّةِ المتظافرةِ مُكابرةٌ.
ب – أنّ إنكارهُ أَتَى بعد إجماعِ الأمّةِ على ثبوته واتّفاقِهم على ذلكَ؛ كما أنّ مِن أهل العلم مَن لم يعتدَّ بخلافهِ وجعلهُ شاذًّا, كما سيأتي؛، وهو رأْيُ الشوكانيّ. (2)
ومن منكري النسخ اليهود – لعنهم الله – يُنْكِرُونَ النسخَ، ويقولونَ إنّ النسخَ يستلزمُ البَدَاءَةَ على الله – أيْ أنّه بَدَا لَهُ العلمُ ثم نَسَخَ.
فيقالُ ردًّا عليهم: أنتم الآنَ كذَّبْتُم التوراةَ، قال تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} (آل عمران: من الآية93) فلمّا نزلت التوراةُ حُرِّمَ فيها ما حُرِّمْ.
وقد وتوسَّعَ بعض العلماء في إيرادِ شُبهِهم وردِّهَا (3). وليسَ بذكرِ الخلاف معهم طائل، وما أجْمَلَ كلامَ الشوكانيِّ رحمه الله حيثُ قال:" وأمّا الجوازَ فَلَمْ يُحْكَ الخلافُ فيه إلاَّ عن اليهودِ،وليسَ لنا إلى نَصْبِ الخلافِ بيننا وبينهم حاجةٌ، ولا هذه بأوَّلِ مسألةٍ خالفوا فيها أحكامَ الإسلامِ حتّى يُذْكَرَ خلافهم في هذه المسألةِ، ولكن هذا مِن غرائبِ أهل الأصول ". (4)
و النسخَ جائزٌ عقلاً وثابتٌ شَرْعًا، فقد دَلَّت الأدلّةُ المتظافرةُ على جوازه عقلاً وثبوته شرْعًا (5).
بل نقلَ ابنُ الجوزيِّ رحمه الله إجماعَ أهل العلمِ على ذلكَ؛ فقالَ:" انعقدَ إجماعُ أهلِ العلم على هذا؛ إلاّ أنّه قد شَذَّ مَن لا يُلتفت إليه " (6)، وكذا ابنُ كثيرٍ نقلَ اتّفاقَ المسلمينَ على جوازه (7)، بل حَكَى الشوكانيُّ اتّفاقَ أهلِ الشرائعِ عليه. (8)
وأما الأحتمال الثاني: وهو أن يكون المراد نفي دلالة الآية على نسخ الأحكام الشرعية كما ذهب إليه الأخ أبو علي واستند على أمرين:
الأول: قرينة عجز الآية (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير) ,إذ لو كانت الآية تعني نسخ آيات الأحكام لختمت الآية بما يناسب ذلك بأن تختم ب: ألم تعلم أن الله عليم حكيم.
الثاني: قرينة ما أتى بعدها: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ...
فاليهود سألوا موسى عليه السلام فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فهم تبدلوا الكفر بالإيمان، أي اشترطوا أن يروا الله جهرة لكي يؤمنوا. فالآية تعني نسخ معجزات الرسل لا نسخ الأحكام الشرعية وجواب ذلك ما يلي:
(يُتْبَعُ)
(/)
أولا ً: هذه الآية وما بعدها من الآيات توطئة لنسخ استقبال القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة , وبيت المقدس هي قبلة اليهود , ولذا تجد الآيات التي بعدها تحدثت عن أهل الكتاب , ويدل على هذا ما ذكره المفسرون من سبب نزول الآية , وتحويل القبلة حكم شرعي لا معجزة.
ثانياً: أهل اللسان من مفسري السلف وغيرهم , فهموا منه نسخ الأحكام الشرعية , كما هو بين لمن رجع إلى أقوالهم في تفسير هذه الآية.
ثالثاً: خاتمة الآية مناسبة لمضمونها من إرادة نسخ الأحكام الشرعية , يدل على ذلك ما ذكره المفسرون عند تفسير هذه الآية
قال ابن القيم: أخبر سبحانه أن عموم قدرته وملكه وتصرفه في مملكته وخلقه لا يمنعه أن ينسخ ما يشاء ويثبت ما يشاء كما أنه يمحو من أحكامه القدرية الكونية مايشاء ويثبت فهكذا أحكامه الدينية الأمرية ينسخ منها ما يشاء ويثبت منها ما يشاء.
وقال ابن كثير عن هذه الآية والتي بعدها: يرشد عباده تعالى بهذا إلى أنه المتصرف في خلقه بما يشاء فله الخلق والأمر وهو المتصرف فكما خلقهم كما يشاء ويسعد من يشاء ويشقي من ويصح من يشاء ويمرض من يشاء ويوفق من يشاء ويخذل من يشاء كذلك يحكم في عباده بما يشاء فيحل ما يشاء ويحرم ما يشاء , ويبيح ما يشاء , ويحظر ما يشاء , وهو الذي يحكم ما يريد لا معقب لحكمه ... الخ.
وأما الجواب عن الدليل الثاني وهو قوله: فاليهود سألوا موسى عليه السلام فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فهم تبدلوا الكفر بالإيمان، أي اشترطوا أن يروا الله جهرة لكي يؤمنوا.
فهو أن بني اسرائيل سألوا موسى عليه السلام مسائل كثيرة منها ما هو معجزة ومنها ما هو حكم شرعي يدل على ذلك ما ذكره المفسرون حول هذه الآية فليراجعها من شاء , فحصرها بسؤال واحد تحكم.
وفي الختام أنبه على أمرٍ مهم وهو أنه ليس كل ما يذكره المفسرون من النسخ مسلم فإن منهم من بالغ بالقولِ بالنسخِ حتّى جعلَ آيةَ السَّيْفِ وهي قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ} (التوبة: من الآية5) ناسِخَةً لمائةٍ وأربعٍ وعشرينَ.
والحق أن النسخ قليلٌ جداً قال السيوطيُّ في حديثه عن النسخِ:" وهو في الحقيقةِ قليلٌ جدًّا، وإنْ أَكْثَرَ الناسُ مِن تِعْدَادِ الآياتِ فيه ". (9) ثمّ قام بتحريرِ ما ثبتَ فيها النسخُ فأوصلها إلى عشرين آيةٍ.
أمّا الزرقانيُّ فقد تعرّضَ لثنتينِ وعشرينَ آية قَبِلَ النسخَ في اثنتي عشرة آية مِنها. (10)
أمّا د. مصطفى زيد وهو أَكْثَرُ مِن تعرّضَ لقضايا النسخِ وناقشها؛ فقد قرَّرَ أنّ الآياتِ التي صَحّتْ فيها دعوى النسخِ لا تَزِيدُ عن سِتِّ آياتٍ. (11)
أمّا الدهلويُّ رحمه الله؛ فقد بيّنَ أنّ النسخَ لا يَصِحُّ إلاّ في خَمْسِ آياتٍ (12)، وهو
أقلُّ عددٍ قِيلَ بِنَسْخِه فيما أعلم.
(1) انظر: إرشاد الفحول (3/ 618).
(2) المرجع السابق
(3) انظر: تقريب الوصول صـ (313)، تفسير ابن كثير (1/ 264)، مناهل العرفان في علوم القرآن (2/ 198) وما بعدها.
(4) إرشاد الفحول (3/ 618). وانظر: تفسير ابن كثير (1/ 264).
(5) انظر الأدلّة مبسوطةً ومستوفاةً في: مناهل العرفان في علوم القرآن (2/ 187) وما بعدها.
(6) انظر: نواسخ القرآن صـ (13).
(7) انظر: تفسير ابن كثير (1/ 265).
(8) انظر: إرشاد الفحول (3/ 618).
(9) الإتقان في علوم القرآن (2/ 706) وما بعدها.
(10) انظر: مناهل العرفان (2/ 255) وما بعدها.
(11) انظر: مقدمة كتابه: النسخ في القرآن.
(12) انظر: الفوز الكبير في أصول التفسير صـ (60).
الرد باقتباس
أحمد البريدي
مشاهدة هوية
إرسال رسالة خاصة إلى أحمد البريدي
إرسال بريد إلكتروني إلى أحمد البريدي
شاهد جميع مشاركات أحمد البريدي
#13
قديم 12 - 01 - 2004, 03:33 PM
جمال حسني الشرباتي جمال حسني الشرباتي غير متصل
مشارك فعال
تاريخ التسجيل: Oct 2004
مشاركة: 364
الأخ البريدي
لقد قلت فأجدت----واحب أن أضيف على بيانك أن الآية ((وما ننسخ من آية أو ننسها))
لا تعني نسخ الآية الكونية أو المعجزة فأقول
----الآية الكونية إن حصلت لا يمكن أن تنسخ---فهي حصلت فكيف يعقل أن تنسخ
فإذا حصل لنبي معجزة تحريك الجبال وانتهت فكيف يتصور العقل نسخها؟؟؟
(يُتْبَعُ)
(/)
===============================
أما نسخ التلاوة كما قيل ((والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة))
فإن نفسي تعاف القول بحدوثه فهو يفتح ابواب أقوال مزعجة في جانب حفظ القرأن الكريم
فما رأيك
الرد باقتباس
جمال حسني الشرباتي
مشاهدة هوية
إرسال رسالة خاصة إلى جمال حسني الشرباتي
إرسال بريد إلكتروني إلى جمال حسني الشرباتي
شاهد جميع مشاركات جمال حسني الشرباتي
#14
قديم 12 - 01 - 2004, 04:00 PM
أحمد البريدي أحمد البريدي غير متصل
مشرف
تاريخ التسجيل: Apr 2003
مشاركة: 610
ما ذكرته لفتة طيبة إذ النسخ اصطلاحا إنما يكون في الأحكامُ الشرعيةُ، أمّا القضايا الكونية التي حصلت و الأحكامُ الخَبَريَّةُ فإنّها لا يُمكن أنْ يَدْخُلها النسخُ؛ لأنّنا لو جَوَّزْنَا نسخَ أحد الخَبَرَيْنِ بالآخرِ لَزِمَ مِنه تكذيبُ أحد الخَبَرَيْنِ بالآخرِ، وهذا مُحَالٌ في كلامِ الله، وكلامِ رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابنُ عبد البرِّ رحمه الله:" الناسخُ والمنسوخُ إنّما يكونانِ في الأوامر والنواهي، وأمّا الخبرُ عن الله ? أو عن رسوله ? فلا يجوز النسخُ فيه البَتَّةَ بِحَال ". (1)
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية:" الخبرُ عمّا كانَ وما يكونُ لا يدخلهُ نَسْخٌ ". (2)
وقال ابن القيِّم:" أحكامُ التوحيدِ التي اتّفقتْ عليه دعوةُ الرُّسُلِ يستحيلُ دخول النسخِ فيه ". (3)
وقال السيوطيُّ:" لا يقعُ النسخُ إلاّ في الأمرِ والنَّهْيِ؛ ولو بلفظِ الخبر، أمّا الخبرُ الذي ليس بمعنى الطلبِ فلا يدخلهُ النسخُ، ومِنه الوعدُ والوعيد، وإذا عرفتَ ذلك عرفت فسادَ صُنْعِ مَن أدخلَ في كُتُبِ النسخِ كثيرًا مِن آياتِ الأخبارِ والوعد والوعيد ". (4)
(1) التمهيد (3/ 215).
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية (4/ 326).
(3) بدائع الفوائد (1/ 128).
(4) الإتقان في علوم القرآن (2/ 702).
وللاستزادة انظر: البرهان في علوم القرآن (2/ 39)، الموافقات للشاطبي (3/ 63، 66، 68، 69)، تقريب الوصول صـ (314)، إرشاد الفحول (3/ 621).
الرد باقتباس(/)
اختيارات الشيخ الشنقيطي الفقهية في أضواء البيان
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[07 Jan 2006, 03:04 ص]ـ
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، فأوضح به السبيل، وأنار به الطريق، وأحيا به قلوبا غلفا، وأنار به أعينا عميا، وفتح به آذانا صما، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
والصلاة والسلام على رسول الهدى والرحمة الذي بين مجملاته وأوضح آياته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:
فإن كتاب (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) مرجع ضخم يعدّ مدرسة كاملة تتحدث عن نفسها، وهو أدل آثار العلامة القرآني الفذ: محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي - رحمه الله – على استيعابه الموسوعي الذي لا يكاد يعرف له مثيل في غير القمم الشامخة من أساطير العلم الذين نقرأ عنهم ونطالع آثارهم.
ولم يقتصر هذا الكتاب على التفسير فحسب، بل ضم بحوثا عديدة وتحقيقات سديدة في شتى أنواع العلوم الشرعية، واللغوية والبلاغية.
فترى الشيخ – رحمه الله – قد تطرق إلى العقيدة، والحديث وعلومه، والفقه وأصوله، واللغة العربية والآداب الشرعية، والأخلاق، والبحوث الجامعة، فكان بحق ((أضواء البيان)).
وقد أجاد وأفاد – رحمه الله – في بيان أحكام القرآن، ففتح كنوز الكتاب العزيز، وأطلع نفائسه ونشر درره، فخرج كتابه مرجعا نفيسا في تفسير آيات الأحكام.
وعند قراءتك لأضواء البيان تلاحظ الشيخ – رحمه الله – يستنبط الأحكام الفقهية من الآيات القرآنية ثم يبين اختلاف العلماء – رحمهم الله – ويوضح أدلتهم ويناقشها نقاشا دقيقا مسهبا ثم يرجح الأقوى دليلا دون تعصب لمذهب معين.
وقد بين ذلك - رحمه الله - عند بيانه للمقصود من تأليف الأضواء، حيث قال في المقدمة: " ... والثاني: بيان الأحكام الفقهية في جميع الآيات المبينة بالفتح في هذا الكتاب، فإننا نبين ما فيها من الأحكام وأدلتها من السنة وأقوال العلماء في ذلك، ونرجح ما ظهر لنا أنه الراجح بالدليل من غير تعصب لمذهب معين ولا قول قائل معين لأننا ننظر إلى ذات القول لا إلى قائله، لأن كل كلام فيه مقبول ومردود إلا كلامه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الحق حق ولو كان قائله حقيرا .... " انظر مقدمة الأضواء ج1/ 3 - 4
ولا يكاد الشيخ – رحمه الله – يمر بسورة من سور القرآن الكريم إلا ويذكر من آياتها جملة من الأحكام الفقهية المتفرقة، فعند قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة) يذكر الإمامة وأحكامها، وهند قوله تعالى: (الطلاق مرتان) يذكر جملة من أحكام الطلاق، وعند قوله تعالى: (وأذن في الناس بالحج) يذكر الحج وأحكامه في تفصيل منقطع النظير، وهكذا في بقية آيات الأحكام.
وعند مناقشة الشيخ – رحمه الله – للمسائل الفقهية تجده يضمنها رأيه أو يوضح اختياره لما ترجح عنده من أقوال الفقهاء بقوله: " والأظهر عندنا، أو: وهذا هو الظاهر الذي لا ينبغي العدول عنه، أو التحقيق في هذه المسألة، أو الذي يظهر عندنا، أو أظهر أقوال أهل العلم عندي، أو الذي يظهر لنا أنه الصواب، أو أظهر القولين عندي، أو الظاهر، أو الذي يقتضي الدليل رجحانه، أو الحق .... إلى غير ذلك من المصطلحات التي تبين اختيار الشيخ – رحمه الله.
وقد رأيت أن أجمع اختيارات الشيخ رحمه الله وأفرد لها كتابا مستقلا فيسر الله ذلك، فله الحمد والمنة، حيث قمت بقراءة الأحكام الفقهية التي تطرق لها الشيخ في أضواء البيان واستخلصت آراءه وما ترجح لديه من أقوال العلماء ثم نظمتها ورتبتها على أبواب الفقه، ووسمتها بـ (اختيارات الشيخ الشنقيطي الفقهية في أضواء البيان).
وقد أشار علي كثير من طلبة العلم الفضلاء بطباعتها وإخراجها في كتاب إلا أنني أحجمت عن ذلك لحاجة في نفسي.
وإنه لمن دواعي سروري وغبطتي أن يسر الله تعالى لنا موقعا على الشبكة العنكبوتية يقوم عليها إخوة فضلاء يهتمون بكتاب الله تعالى وتفسيره ويستخرجون أسراره ومكنوناته، ولما أكنه من حب للشيخ العلامة: محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله - ومساهمة مني في خدمة كتابه: أضواء البيان فسأختص بنشر هذه الإختيارات في هذا الموقع المبارك على حلقات، وأسأله سبحانه أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا وحسنات الشيخ العالم الحبر الإمام: محمد الأمين المختار الشنقيطي.وإن كان من شكر فهو لله تعالى أولا ثم للشيخ الفاضل والزميل الحبيب الأستاذ الدكتور: عبد الرحمن بن معاضه الشهري، الذي أكن له كل تقدير واحترام، وإن لم أره أو أسمع صوته منذ عشر سنوات، لانشغالي بالدنيا، وانشغاله - وفقه الله - بطلب العلم واستخراج مكنونات الكتاب العزيز، كما لايفوتني أن أشكر الإخوة الفضلاء أعضاء هذا المنتدى الذين شجعوني على نشر هذا الموضوع بعد أن نشرت هذه المقدمة قبل عام ووعدت بالمواصلة، فما وفيت بالوعد الذي قطعته على نفسي ولعلكم تعذرون أخاكم وتدعون له في جوف الليل .. والله أسأل أن يوفقني للإتمام
وبسم الله نبدأ، وعليه نتوكل:
كتاب الطهارة
حكم المني:
قال الشيخ رحمه الله تعالى: أظهر الأقوال دليلا عندي - والله أعلم - أن المني طاهر. انظر أضواء البيان ج3/ 277
حكم الخمر:
ويرى الشيخ - رحمه الله - أن المسكر الذي عمت البلوى اليوم التطيب به المعروف بـ (الكولونيا) نجس لاتجوز الصلاة به ج2/ 116 ويرى: أنه لا ينبغي للمسلم التطيب به والتلذذ برائحته لقوله تعالى: (إنه رجس) ج/116
وقال - رحمه الله - يفهم من قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس .. ) أن الخمر نجسة العين، لأن الله تعالى قال: (إنها رجس) والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس. ج2/ 114
...... يتبع بمشيئة الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[07 Jan 2006, 02:59 م]ـ
اللباس والآنية
يرى الشيخ - رحمه الله - أنه لا يجوز للرجل أن يلبس الثوب المكلل باللؤلؤ والمرجان لما فيهما من التشبه بالنساء ج3/ 215 - 216
وقال - رحمه الله - بعد أن ساق الأدلة: فتحصل أنه لا شك في تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء. ج3/ 219
وقال - رحمه الله -: أما لبس الرجال خواتم الفضة فهو جائز بلا شك وأدلته معروفة في السنة ج3/ 219
وقال - رحمه الله -: اعلم أن الرجل إذا لبس الفضة مثل ما يلبسه النساء من الحلي كالخلخال والسوار والقرط والقلادة ونحو ذلك فهذا لا ينبغي أن يختلف في منعه لأنه تشبه بالنساء ومن تشبه بهن من الرجال فهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ج3/ 220
وقال - رحمه الله -:الذي يظهر لي من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: أن لبس الفضة حرام على الرجال وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة ج3/ 224
قال - رحمه الله -: لا يخفى أن الفضة والذهب يمنع الشرب في آنيتهما مطلقا، ولا يخفى أيضا أنه يجوز لبس الذهب والحرير للنساء ويمنع للرجال وهذا مما لا شك فيه ج3/ 216
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[07 Jan 2006, 03:05 م]ـ
الوضوء
يرى الشيخ - رحمه الله - اشتراط النية في الوضوء ... ج2/ 32
ويرى أن أن المرافق داخلة في الغسل وأنه يجب غسلها ج2/ 32
ويرى في المسح على الرأس وجوب تعميمه وأنه الأحوط في الخروج من عهدة التكليف ج2/ 32
ثبت في مسح الرأس ثلاث حالات: المسح على الرأس، والمسح على العمامة، والجمع بينهما بالمسح على الناصية والعمامة، قال- رحمه الله -:والظاهر من الدليل جواز الحالات الثلاث المذكورة ج2/ 32
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[08 Jan 2006, 11:58 ص]ـ
جزاك الله خير واصل
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[09 Jan 2006, 01:42 ص]ـ
المسح على الخفين
قال الشيخ - رحمه الله -: أجمع العلماء على جواز المسح على الخف في الحضر والسفر .. ثم قال: وهذا هو الحق الذي لا شك فيه ج2/ 16
اختلف العلماء في غسل الرِجلِ والمسح على الخف أيهما أفضل؟
قال الشيخ - رحمه الله -: وأظهر ما قيل في هذه المسألة عندي هو ما ذكره ابن القيم - رحمه الله - وعزاه لشيخه تقي الدين - رحمه الله - وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتكلف ضد حاله التي كانت عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليها ولم ينزعها، وإن كانتا مكشوفتين غسل القدمين ولم يلبس الخف ليمسح عليه، وهذا أعدل الأقوال في هذه المسألة. ج2/ 18
قال - رحمه الله -:ويشترط في الخف أن يكون قويا يمكن تتابع المشي فيه في مواضع النزول وعند الحط والترحال وفي الحوائج التي يتردد فيها في المنزل وفي المقيم نحو ذلك كما جرت عادة لابسي الخفاف ج2/ 18
إذا كان الخف مخرقا ففي جواز المسح عليه خلاف بين العلماء:
وأقرب الأقوال عندي المسح على الخف المخرق ما لم يتفاحش خرقه حتى يمنع تتابع المشي فيه لإطلاق النصوص مع أن الغالب على خفاف المسافرين والغزاة عدم السلامة من التخريق والله تعالى أعلم ج2/ 19
اختلف العلماء في جواز المسح على النعلين:
قال الشيخ - رحمه الله -:إن كان المراد بالمسح على النعلين والجوربين أن الجوربين ملصقان بالنعلين بحيث يكون المجموع ساترا لمحل الفرض مع إمكان تتابع المشي فيه والجوربان صفيقان فلا إشكال وإن كان المراد المسح على النعلين بانفرادهما ففي النفس منه شيء لأنه حينئذ لم يغسل رجله ولم يمسح على ساتر لها فلم يأت بالأصل ولا بالبدل والمسح على نفس الرجل ترده الأحاديث الصحيحة المصرحة بمنع ذلك بكثرة كقوله صلى الله عليه وسلم: " ويل للأعقاب من النار " والله تعالى أعلم ج2/ 24
قال - رحمه الله -: اختلف العلماء في توقيت المسح على الخفين:
فذهب جمهور العلماء إلى توقيت المسح بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وذهب جماعة من أهل العلم إلى عدم توقيت المسح ... قال الشيخ: والنفس إلى ترجيح التوقيت أميل، لأن الخروج من الخلاف أحوط. ج2/ 28
يرى الشيخ - رحمه الله -: أن ابتداء مدة المسح من حين يمسح بعد الحدث، قال - رحمه الله -: وهذا هو أظهر الأقوال دليلا فيا يظهر لي. ج2/ 29
قال - رحمه الله -: أجمع العلماء على اشتراط الطهارة المائية للمسح على الخف قبل أن يغسل رجله اليسرى ثم غسل رجله اليسرى فأدخلها أيضا في الخف هل يجوز له المسح على الخفين إذا أحدث بعد ذلك؟
..... منشأ الخلاف في هذه المسألة هو قاعدة مختلف فيها وهي هل يرتفع الحدث عن كل عضو من أعضاء الوضوء بمجرد غسله أو لا يرتفع الحدث عن شئ منها إلا بتمام الوضوء وأظهرهما عندي أن الحدث معنى من المعاني لا ينقسم ولا يتجزأ فلا يرتفع منه جزء وأنه قبل تمام الوضوء محدث والخف يشترط في المسح عليه أن يكون وقت لبسه غير محدث والله تعالى أعلم ج2/ 31
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله الحضرمي]ــــــــ[12 Jan 2006, 08:16 ص]ـ
استمر ياأخانا وفقك الباري
ـ[ابن رشد]ــــــــ[12 Jan 2006, 01:14 م]ـ
اقتباس مما نقل في أعلاه عن " أضواء البيان ":
(وقال - رحمه الله -:الذي يظهر لي من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: أن لبس الفضة حرام على الرجال وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة ج3/ 224)
---------------------------------------------------------------------------------------------
يستدرك على هذا و يتعقب بجواز اتخاذ الخاتم من الفضة للرجال، لما جاء في الحديث الصحيح الذى أخرجه الشيخان البخارى و مسلم، و غيرهما:
صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ >> كِتَابُ اللِّبَاسِ >> بَابُ خَاتَمِ الفِضَّةِ >>
5552 حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو أسامة، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب أو فضة، وجعل فصه مما يلي كفه، ونقش فيه: محمد رسول الله، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال: " لا ألبسه أبدا ". ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة. قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، حتى وقع من عثمان في بئر أريس *
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[13 Jan 2006, 02:10 ص]ـ
الأخ الفاضل: ابن رشد ... شكر الله لك استدراكك، مع العلم أنني ذكرت ذلك في أول الباب نقلا عن الشيخ - رحمه الله - ما نصه:
وقال - رحمه الله -: أما لبس الرجال خواتم الفضة فهو جائز بلا شك وأدلته معروفة في السنة ج3/ 219
والشكر موصول للأخوين: ابو مهند النجدي و عبد الله الحضرمي، على متابعتهما
ـ[ابن رشد]ــــــــ[13 Jan 2006, 03:17 م]ـ
الأخ الفاضل (أبو يزيد)
أكرمكم الله
هل يفهم من هذا و ذاك أن خاتم الفضة للرجال مخصص لتحريم الفضة عليهم؟
بمعنى أن لبسها محرم عليهم - فيما سوى الخاتم - على وجه العموم، ك " الميدالايات " و زراير القمصان مثلا و ما شابه ذلك؟
فهل هناك دليل على عموم ذلك التحريم في اللبس؟
و أحسب أن تخصيص الفضة بالتحريم في قوله الآتى إنما صوابه العموم، قال: (اعلم أن الرجل إذا لبس الفضة مثل ما يلبسه النساء من الحلي كالخلخال والسوار والقرط والقلادة ونحو ذلك فهذا لا ينبغي أن يختلف في منعه لأنه تشبه بالنساء ومن تشبه بهن من الرجال فهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ج3/ 220)
* فتشبه الرجال بلبس النساء في الحلى محرم على سبيل العموم، و ليس خاصا بكونها من الفضة.
- (وقال - رحمه الله -:الذي يظهر لي من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: أن لبس الفضة حرام على الرجال وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة ج3/ 224).
- و الذى يظهر لى: أن هذا الوعيد - و قد جاء فى حديث شريف - إنما هو خاص بالأكل و الشرب في آنية الذهب و كذا الفضة، و ليس في سائر استعمال الفضة،
و الله أعلم
و هذا للمذاكرة و المدارسة، و اهتماما بما تطرحونه من كتابات،
و بيانا للإحكام قبل ذلك كله
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[14 Jan 2006, 01:37 ص]ـ
جواب على سؤال
الأخ الفاضل: (ابن رشد) بالنسبة لما ذكرته فلعلي أحيلك إلى ما ذكره الشيخ في أضواء البيان حيث قال بعد أن ذكر المسألة التي ذكرناها آنفا وهي: " أن الرجل إذا لبس من الفضة مثل ما يلبسه النساء من الحلي كالخلخال والسوار والقرط والقلادة ونحو ذلك فهذا لا ينبغي أن يختلف في منعه لأنه تشبه بالنساء ومن تشبه بهن من الرجال فهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .... حيث قال -رحمه الله -:
وأما غير ذلك كجعل الرجل الفضة في الثوب واستعمال الرجل شيئا محلى بأحد النقدين فجماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة على أن ذلك ممنوع مع الإجماع على جواز تختم الرجل بخاتم الفضة والاختلاف في أشياء كالمنطقة وآلة الحرب ونحوه والمصحف والاتفاق على جعل الأنف من الذهب وربط الأسنان بالذهب والفضة وسنذكر بعض النصوص من فروع المذاهب الأربعة في ذلك
(يُتْبَعُ)
(/)
قال خليل بن إسحاق المالكي في مختصره الذي قال في ترجمته مبينا لما به الفتوى ما نصه وحرم استعمال ذكر محلى ولو منطقة وآلة حرب إلا السيف والأنف وربط سن مطلقا وخاتم فضة لا ما بعضه ذهب ولو قل وإناء نقد واقتناؤه وإن لامرأة وفي المغشي والمموه والمضبب وذي الحلقة وإناء الجوهر قولان وجاز للمرأة الملبوس مطلقا ولو نعلا لا كسرير انتهى الغرض من كلام خليل مع اختلاف في بعض المسائل التي ذكرها عند المالكية وقال صاحب تبيين الحقائق في مذهب الإمام أبي حنيفة ما نصه ولا يتحلى الرجل بالذهب والفضة إلا بالخاتم والمنطقة وحلية السيف من الفضة اه
وقال النووي في شرح المهذب في مذهب الشافعي (فصل فيما يحل ويحرم من الحلي) فالذهب أصله على التحريم في حق الرجال وعلى الإباحة للنساء إلى أن قال وأما الفضة فيجوز للرجل التختم بها وهل له ما سوى الخاتم من حلي الفضة كالدملج والسوار والطوق والتاج فيه وجهان قطع الجمهور بالتحريم انتهى محل الغرض من كلام النووي وقال ابن قدامة في المقنع في مذهب الإمام أحمد ويباح للرجال من الفضة الخاتم وفي حلية المنطقة روايتان وعلى قياسها الجوشن والخوذة والخف والران والحمائل ومن الذهب قبيعة السيف ويباح للنساء من الذهب والفضة كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر انتهى محل الغرض من المقنع
فقد ظهر من هذه النقول أن الأئمة الأربعة في الجملة متفقون على منع استعمال المحلي بالذهب أو الفضة من ثوب أو آلة أو غير ذلك إلا في أشياء استثنوها على اختلاف بينهم في بعضها وقال بعض العلماء لا يمنع لبس شيء من الفضة واستدل من قال بهذا بأمرين أحدهما أنها لم يثبت فيها تحريم قال صاحب الإنصاف في شرح قول صاحب المقنع وعلى قياسها الجوشن والخوذة الخ ما نصه وقال صاحب الفروع فيه ولا أعرف على تحريم الفضة نصا عن أحمد وكلام شيخنا يدل على إباحة لبسها للرجال إلا ما دل الشرع على تحريمه انتهى وقال الشيخ تقي الدين أيضا لبس الفضة إذا لم يكن فيه لفظ عام لم يكن لأحد أن يحرم منه إلا ما قام الدليل الشرعي على تحريمه فإذا أباحت السنة خاتم الفضة دل على إباحة ما في معناه وما هو أولى منه بالإباحة وما لم يكن كذلك فيحتاج إلى نظر في تحليله وتحريمه والتحريم يفتقر إلى دليل والأصل عدمه ونصره صاحب الفروع ورد جميع ما استدل به الأصحاب انتهى كلام صاحب الإنصاف
الأمر الثاني حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك قال أبو داود في سننه حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن نافع بن عياش عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يحلق حبيبه حلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليسوره سوارا من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها) هذا لفظ أبي داود
قال مقيده عفا الله عنه الذي يظهر لي والله أعلم أن هذا الحديث لا دليل فيه على إباحة لبس الفضة للرجال ومن استدل بهذا الحديث على جواز لبس الرجال للفضة فقد غلط بل معنى الحديث أن الذهب كان حراما على النساء وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن تحلية نسائهم بالذهب وقال لهم (العبوا بالفضة) أي حلوا نساءكم منها بما شئتم ثم بعد ذلك نسخ تحريم الذهب على النساء والدليل على هذا الذي ذكرنا أمور:
الأول: أن الحديث ليس فيه خطاب الرجال بما يلبسونه بأنفسهم بل بما يحلون به أحبابهم والمراد نساؤهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه (من أحب أن يحلق حبيبه) (أن يطوق حبيبه) (أن يسور حبيبه) ولم يقل من أحب أن يحلق نفسه ولا أن يطوق نفسه ولا أن يسور نفسه فدل ذلك دلالة واضحة لا لبس فيها على أن المراد بقوله (فالعبوا بها) أي حلوا بها أحبابكم كيف شئتم لارتباط آخر الكلام بأوله
الأمر الثاني: أنه ليس من عادة الرجال أن يلبسوا حلق الذهب ولا أن يطوقوا بالذهب ولا يتسوروا به في الغالب فدل ذلك على أن المراد بذلك من شأنه لبس الحلقة والطوق والسوار من الذهب وهن النساء بلا شك
(يُتْبَعُ)
(/)
الأمر الثالث: أن أبا داود رحمه الله قال بعد الحديث المذكور متصلا به حدثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن منصور عن ربعي بن خراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به أما إنه ليس منكن امرأة تحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به)
حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا أبان بن زيد يزيد العطار ثنا يحيى أن محمد بن عمرو الأنصاري حدثه أن أسماء بنت يزيد حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت في عنقها مثله من النار يوم القيامة وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصا من ذهب جعل في أذنها مثله من النار يوم القيامة)
فهذان الحديثان يدلان على أن المراد بالحديث الأول منع الذهب للنساء وأن قوله (فالعبوا بها) معناه فخلوا نساءكم من الفضة بما شئتم كما هو صريح في الحديثين الأخيرين وهذا واضح جدا كما ترى
ويدل له أن الحافظ البيهقي رحمه الله ذكر الأحاديث الثلاثة المذكورة التي من جملتها (وعليكم بالفضة فالعبوا بها) في سياق الأحاديث الدالة على تحريم الذهب على النساء أولا دون الفضة ثم بعد ذلك ذكر الأحاديث الدالة على النسخ ثم قال واستدللنا بحصول الإجماع على إباحته لهن على نسخ الأخبار الدالة على تحريمه فيهن خاصة والله أعلم انتهى
ومن جملة تلك الأحاديث المذكورة حديث (فالعبوا بها) وهو واضح جدا فيما ذكرنا فإن قيل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور (يحلق حبيبه) (أن يطوق حبيبه) (أن يسور حبيبه) يدل على أن المراد ذكر لأنه لو أراد الأنثى لقال حبيبته بتاء الفرق بين الذكر والأنثى
فالجواب أن إطلاق الحبيب على الأنثى باعتبار إرادة الشخص الحبيب مستفيض في كلام العرب لا إشكال فيه ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه فالجواب أن إطلاق الحبيب على الأنثى باعتبار إرادة الشخص الحبيب مستفيض في كلام العرب لا إشكال فيه ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
منع النوم بالعشاء الهموم ... وخيال إذا تغار النجوم
من حبيب أصاب قلبك منه ... سقم فهو داخل مكتوم
ومراده بالحبيب أنثى بدليل قوله بعده
بدليل قوله بعده:
لم تفتها شمس النهار بشيء ... غير أن الشباب ليس يدوم
ومثل هذا كثير في كلام العرب فلا نطيل به الكلام
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن لبس الفضة حرام على الرجال وأن من لبسها منهم في الدنيا لم يلبسها في الآخرة وإيضاح ذلك أن البخاري قال في صحيحه في باب (لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه) حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال كان حذيفة بالمدائن فاستسقى فأتاه دهقان بماء في إناء من فضة فرماه به وقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح (الذهب والفضة والحرير والديباج هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) يدخل في عمومه تحريم لبس الفضة لأن الثلاث المذكورات معها يحرم لبسها بلا خلاف وما شمله عموم نص ظاهر من الكتاب والسنة لا يجوز تخصيصه إلا بنص صالح للتخصيص كما تقرر في علم الأصول
فإن قيل الحديث وارد في الشرب في إناء الفضة لا في لبس الفضة
فالجواب أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب لاسيما أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث ما لا يحتمل غير اللبس كالحرير والديباج
فإن قيل جاء في بعض الروايات الصحيحة ما يفسر هذا ويبين أن المراد بالفضة الشرب في آنيتها لا لبسها قال البخاري في صحيحه (باب الشرب في آنية الذهب) حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال كان حذيفة بالمدائن فاستسقي فأتاه دهقان بقدح فضة فرماه به فقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال (هن لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) (باب آنية الفضة) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن ابن عون عن مجاهد عن ابن أبي ليلى قال خرجنا مع حذيفة وذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تلبسوا الحرير والديباج
(يُتْبَعُ)
(/)
فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) انتهى
فدل هذا التفصيل الذي هو النهي عن الشرب في آنية الذهب والفضة والنهي عن لبس الحرير والديباج على أن ذلك هو المراد بما في الرواية الأولى وإذن فلا حجة في الحديث على منع لبس الفضة لأنه تعين بهاتين الروايتين أن المراد الشرب في آنيتها لا لبسها لأن الحديث حديث واحد
فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الرواية المتقدمة عامة بظاهرها في الشرب واللبس معا والروايات المقتصرة على الشرب في آنيتها دون اللبس ذاكرة بعض أفراد العام ساكتة عن بعضها وقد تقرر في الأصول (أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه) وهو الحق كما بيناه في غير هذا الموضع وإليه أشار في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما لا يخصص به العموم على الصحيح الأول أن الرواية المتقدمة عامة بظاهرها في الشرب واللبس معا والروايات المقتصرة على الشرب في آنيتها دون اللبس ذاكرة بعض أفراد العام ساكتة عن بعضها وقد تقرر في الأصول (أن ذكر بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصصه) وهو الحق كما بيناه في غير هذا الموضع ...
الوجه الثاني: أن التفصيل المذكور لو كان هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم لكان الذهب لا يحرم لبسه وإنما يحرم الشرب في آنيته فقط كما زعم مدعي ذلك التفصيل في الفضة لأن الروايات التي فيها التفصيل المذكور (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة) فظاهرها عدم الفرق بين الذهب والفضة ولبس الذهب حرام إجماعا على الرجال
الوجه الثالث: وهو أقواها ولا ينبغي لمن فهمه حق الفهم أن يعدل عنه لظهور وجهه هو أن هذه الأربعة المذكورة في هذا الحديث التي هي الذهب والفضة والحرير والديباج صرح النبي صلى الله عليه وسلم أنها للكفار في الدنيا وللمسلمين في الآخرة فدل ذلك على أن من استمتع بها من الدنيا لم يستمع بها في الآخرة وقد صرح جل وعلا في كتابه العزيز بأن أهل الجنة يتمتعون بالذهب والفضة من جهتين:
إحداهما: الشراب في آنيتهما
والثانية: التحلي بهما وبين أن أهل الجنة يتنعمون بالحرير والديباج من جهة واحدة وهي لبسها وحكم الاتكاء عليهما داخل في حكم لبسهما فتعين تحريم الذهب والفضة من الجهتين المذكورتين وتحريم الحرير والديباج من الجهة الواحدة لقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الروايات الصيحة في الأربعة المذكورة (هي لهم في الدنيا ولكم في
الفضة في (سورة الإنسان) أيضا في قوله) عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا (
فمن لبس الديباج أو الفضة في الدنيا منع من التنعم بلبسهما المذكور في (سورة الإنسان) لقوله صلى الله عليه وسلم: (هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) فلو أبيح لبس الفضة في الدنيا مع قوله في نعيم أهل الجنة) وحلوا أساور من فضة (لكان ذلك مناقضا لقوله صلى الله عليه وسلم: (هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)
وذكر تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الذهب في (سورة الزخرف) في قوله تعالى: (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) فمن شرب في الدنيا في أواني الذهب منع من هذا التنعم بها المذكور في (الزخرف)
وذكر جل وعلا تنعم أهل الجنة بالشرب في آنية الفضة في (سورة الإنسان) في قوله: (ويطاف عليهم بأانية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا) فمن شرب في آنية الفضة في الدنيا منع هذا التنعم بها المذكور في (سورة الإنسان) فقد ظهر بهذا للمنصف دلالة القرآن والسنة الصحيحة على منع لبس الفضة والعلم عند الله تعالى
تنبيه
فإن قيل عموم حديث حذيفة المذكور الذي استدللتم به وببيان القرآن أنه شامل للبس الفضة والشرب فيها وقلتم إن كونه واردا في الشرب في آنية الفضة لا يجعله خاصا بذلك فما الدليل في ذلك على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما معناه هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب فأجاب بما معناه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ... الخ ما ذكره – رحمه الله
أرجو أن يكون حصل المراد
ـ[ابن رشد]ــــــــ[14 Jan 2006, 05:47 ص]ـ
النهى عن اللبس خاص بالرجال دون النساء، إذ جواز لبسهن كل ما ورد بذلك الحديث ثابت بالنص و بالإجماع،
أما النهى عن الشرب في آنية الذهب و الفضة، و كذا الأكل فهو عام في الرجال و النساء،
و أما إلحاق استعمال الفضة بالشرب في آنيتها فغير صحيح على التحقيق،
قال الشيخ سيد سابق - رحمه الله - في كتابه " فقه السنة ": (و ألحق جماعة من الفقهاء أنواع الاستعمال الأخرى كالتطيب و التكحل من أوانى الذهب و الفضة بالأكل و الشرب.
* و لم يسلم بذلك المحققون.
و فى حديث أحمد و أبي داود: " عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبا " ما يؤكد ما ذهب إليه المحققون.
و في " فتح العلام ":
(الحق عدم تحريم غير الأكل و الشرب [يعنى: في آنيتهما]، و دعوى الإجماع غير صحيحة،
و هذا من شؤم تبديل اللفظ النبوى بغيره، لأنه ورد بتحريم الأكل و الشرب، فعدلوا عنه إلى الاستعمال، و هجروا العبارة النبوية، و جاءوا بلفظ عام من تلقاء أنفسهم) - انتهى
(فقه السنة، سيد سابق، مجلد 3، ص 490، دار الكتاب العربي، بيروت ط 15، 1403/ 1983 م)
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[14 Jan 2006, 09:26 م]ـ
باب (التيمم و الحيض) التيمم
قال - رحمه الله - التيمم في اللغة: القصد تيممت الشيء قصدته وتيممت الصعيد تعمدته ج2/ 36
وفي الشرع: القصد إلى الصعيد الطيب لمسح الوجه واليدين منه بنية استباحة الصلاة عند عدم الماء أو العجز عن استعماله ج2/ 37
قال – رحمه الله -: وكون التيمم بمعنى القصد يدل على اشتراط النية في التيمم وهو الحق ج2/ 37
وقال – رحمه الله -: لم يخالف أحد من جميع المسلمين في التيمم عن الحدث الأصغر وكذلك عن الحدث الأكبر إلا ما روي عن عمر وابن مسعود وإبراهيم النخعي من التابعين أنهم منعوه عن الحدث الأكبر ج2/ 37
قال - رحمه الله -: المسألة الثانية اختلف العلماء هل تكفي للتيمم ضربة واحدة أو لا؟:
قال – رحمه الله - بعد أن ذكر الخلاف: الظاهر من جهة الدليل الاكتفاء بضربة واحدة لأنه لم يصح من أحاديث الباب شيء مرفوعا إلا حديث عمار المتقدم وحديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام أخرجه البخاري موصولا ومسلم تعليقا وليس في واحد منهما ما يدل على أنهما ضربتان كما رأيت وقد دل حديث عمار أنها واحدة ج2/ 38 - 39
*هل يلزم في التيمم مسح غير الكفين؟:
قال عفا الله عنه الذي يظهر من الأدلة والله تعالى أعلم أن الواجب في التيمم هو مسح الكفين فقط ج2/ 39 - 42
* قال – رحمه الله - هل يرفع التيمم الحدث أو لا وهذه المسألة من صعاب المسائل لإجماع المسلمين على صحة الصلاة بالتيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله وإجماعهم على أن الحدث مبطل للصلاة فإن قلنا لم يرتفع حدثه فكيف صحت صلاته وهو محدث وإن قلنا صحت صلاته فكيف نقول لم يرتفع حدثه
اعلم أولا أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة إلى ثلاثة مذاهب
الأول أن التيمم لا يرفع الحدث
الثاني أنه يرفعه رفعا كليا
الثالث أنه يرفعه رفعا مؤقتا ج2/ 43
يرى رحمه الله: أن التيمم يرفع الحدث رفعا مؤقتا لا كليا وهذا لا مانع منه عقلا ولا شرعا وقد دلت عليه الأدلة لأن صحة الصلاة به المجمع عليها يلزمها أن المصلي غير محدث ولا جنب لزوما شرعيا لا شك فيه
ووجوب الاغتسال أو الوضوء بعد ذلك عند إمكانه المجمع عليه أيضا يلزمه لزوما شرعيا لا شك فيه وأن الحدث مطلقا لم يرتفع بالكلية فيتعين الارتفاع المؤقت هذا هو الظاهر .. ج2/ 47
* قال – رحمه الله -: ومن المسائل التي تبنى على الاختلاف في التيمم هل يرفع الحدث أو لا جواز وطء الحائض إذا طهرت وصلت بالتيمم للعذر الذي يبيحه فعلى أنه يرفع الحدث يجوز وطؤها قبل الاغتسال والعكس بالعكس، وكذلك إذا تيمم ولبس الخفين فعلى أن التيمم يرفع الحدث يجوز المسح عليهما في الوضوء بعد ذلك والعكس بالعكس ج2/ 48
الحيض
• قال – رحمه الله -: اعلم أن العلماء أجمعوا على أن أقل أمد الحمل ستة أشهر وسيأتي بيان أن القرآن دل على ذلك لأن قوله تعالى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) إن ضممت إليه قوله تعالى (وفصاله في عامين) بقي عن مدة الفصال من الثلاثين شهرا لمدة الحمل ستة أشهر فدل ذلك على أنها أمد للحمل يولد فيه الجنين كاملا ج3/ 73
• قال - عفا الله عنه - أظهر الأقوال دليلا أنه لا حد لأكثر أمد الحمل وهو الرواية الثالثة عن مالك كما نقله عنه القرطبي لأن كل تحديد بزمن معين لا أصل له ولا دليل عليه وتحديد زمن بلا مستند صحيح لا يخفى سقوطه والعلم عند الله تعالى ج3/ 75
• قال – رحمه الله -: أما أكثر أمد الحمل فلم يرد في تحديده شيء من كتاب ولا سنة والعلماء مختلفون فيه وكلهم يقول بحسب ما ظهر له من أحوال النساء ج3/ 74
• قال – رحمه الله -: أما أكثر الطهر فلا حد له، ولا خلاف في ذلك بين العلماء ج3/ 76
• وقال: وقد قدمنا مرارا أن أكثر الطهر لا حد له إجماعا ج3/ 77
انتهى كتاب الطهارة ويليه بمشيئة الله (كتاب الصلاة)
ـ[ابو يزيد]ــــــــ[07 Feb 2006, 05:32 ص]ـ
كتاب الصلاة
(يُتْبَعُ)
(/)
قال رحمه الله: هذه الآية الكريمة - يعني قوله تعالى: " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين "- تدل على أن الإنسان ما دام حيا وله عقل ثابت يميز به فالعبادة واجبة عليه بحسب طاقته فإن لم يستطع الصلاة قائما فليصلّ قاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنبه ... ج 3/ 187
المواضع التي نهي عن الصلاة فيها
يرى الشيخ - رحمه الله - أنه لو نزل شخص بأحد المواضع التي وقع بها خسف أو عذاب وصلى فالظاهر صحة صلاته إذ لم يقم دليل صحيح بدلالة واضحة على بطلانها، والحكم ببطلان العبادة يحتاج إلى نص قوي المتن والدلالة - والعلم عند الله - ج3/ 151
النهي عن الصلاة في المقابر
قال -رحمه الله -: أظهر الأقوال دليلا في هذه المسألة - أي الصلاة في المقابر - قول الإمام احمد لأن النصوص صريحة في النهي عن الصلاة في المقابر ولعن من اتخذ المساجد عليها وهي ظاهرة جدا في التحريم أما البطلان فمحتمل لأن النهي يقتضي الفساد ... والصلاة في المقابر منهي عنها. ج3/ 154
قال - رحمه الله - أما الصلاة إلى القبور فإنها لا تجوز أيضا بدليل ما أخرجه مسلم والإمام احمد وابو داود والترمذي والنسائي عن ابي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها، والقاعدة المقررة في الأصول: أن النهي يقتضي التحريم، فأظهر الأقوال دليلا منع الصلاة في المقبرة وإلى المقبرة. . ج3/ 155
قال - رحمه الله - بعد أن ساق أدلة القائلين بصحة الصلاة في القبور والقائلين بعدم صحتها: هذه الأدلة يظهر للناظر أنها متعارضة ومعلوم أن الجمع واجب إذا أمكن وإن لم يمكن وجب الترجيح، وفي هذه المسألة يجب الجمع والترجيح معا ... والخلاصة .. قال رحمه الله: فأظهر الأقوال بحسب الصناعة الأصولية: منع الصلاة ذات الركوع والسجود عند القبر وإليه مطلقا، للعنه صلى الله عليه وسلم لمتخذي القبور مساجد .. وأن الصلاة على قبر الميت التي هي الدعاء له الخالية من الركوع والسجود تصح لفعله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيح .. ويؤمي لهذا الجمع حديث: (لعن متخذي القبور مساجد) لأنها أماكن السجود وصلاة الجنازة لا سجود فيها، فموضعها ليس بسجد لغة لأنه ليس موضع سجود ج3/ 158
قال - رحمه الله -: التحقيق الذي لاشك فيه أنه لايجوز البناء على القبور ولا تجصيصها ج3/ 160
النهي عن الصلاة في أعطان الإبل
اختلف العلماء في علة النهي عن الصلاة في أعطان الإبل .. قال الشيخ - رحمه الله -:والصحيح التعليل المنصوص عنه صلى الله عليه وسلم بأنه خلقت من الشياطين والعلم عند الله تعالى ج3/ 164
................ انتهى ويليه حكم الصلاة في الكنيسة والبيعة(/)
ضابط بالمعنى لبعض متشابهات القرآن الكريم
ـ[معلم القرآن]ــــــــ[07 Jan 2006, 09:31 م]ـ
هذه مشاركة مني لأهل الملتقى لعلكم تجدون فيها الفائدة، وأرحب بالملاحظات، ودمتم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Oct 2007, 06:03 م]ـ
جزاك الله خيراً على هذه الفوائد، فقد قرأتها وفيها فائدة كبيرة لحافظ القرآن في استعانته بتأمل المعاني في الآيات المتشابهة لفظياً في القرآن الكريم ليميز بينها.
ولا أدري هل هناك مؤلفات من كتب المشتبه اللفظي عنيت بمثل هذا من المطبوعات وهي كثيرة الآن ولله الحمد. وفي هذه المشاركة إشارة لبعضها
أفضل كتاب في متشابه القرءان للحفاظ؟ ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=2860)
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[26 Oct 2007, 07:12 م]ـ
[أفضل كتاب في متشابه القرءان للحفاظ؟
جزاك الله خيرا أخي معلم القرآن، وهي ملاحظات قيمة ونافعة، فبوركت.
وحفظك الله أبا عبد الله، وودت لو أن الرابط المشار إليه يكون فاعلا، ووفق الله الجميع لخدمة كتابه الكريم.
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[26 Oct 2007, 07:43 م]ـ
معذرة وقد أصلحته، وهذا رابط آخر لموضوع آخر:
ما أفضل كتاب لضبط المتشابه في القرآن؟ ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=6069)
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[27 Oct 2007, 12:33 ص]ـ
بارك الله فيك أبا عبد الله، ودائما تسارع في الخير، فجزاك الله كل خير أستاذنا الفاضل.(/)
م\ع وقوله تعالى " آلْآن " في سورة يونس
ـ[سلسبيل]ــــــــ[08 Jan 2006, 11:15 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة:
العروض الرقمي أو تقطيع المقاطع رقميا فتح آفاقا للتأمل وكشف عن أوجه بيانية رائعة للغتنا العربية ومنها نظرية م\ع التي سأقف عندها عن طريق الربط بينها وبين آية من كتاب الله عز وجل أو بالأدق كلمة من كتاب الله عز وجل وهي كلمة " آلآن " الواردة في سوورة يونس ووقفات حول المد اللازم في هذه الكلمة وما يحمل من ايحاءات بتطبيق قاعدة م\ع
الحرف في اللغة العربية إما ساكن أو متحرك نرمز للساكن بالرمز ه ونرمز للتحرك بالرمز 1
عند تقطيع الكلمات في اللغة تكون المقاطع غالبا متكونه من حركة سكون مثال: لَمْ = (متحرك + ساكن)
عَلَمْ= 1 1 ه = 3
ما هي م\ع؟؟؟
هي تطبيق من تطبيقات الرقمي او لنقل نظرية تقوم على الموازنه بين المقاطع الساكنه والممدودة لقياس الإنفعال المصاحب للكلمات
م ترمز إلى المقاطع المنتهية بسكون مثال لَم ْ =2* عَلَمْ = 3*
ع ترمز إلى مقاطع السكون المنتهية بحرف عله أو مد مثال ما = 2 سما 3
(المنتهية بسكون نضع علامة * فوق الرقم لتميزه عن الساكن نتيجة حرف العلة أو المد)
وباستخراج قيمة م\ع نستطيع قياس الإنفعال المصاحب للكلمات وما شابه
فانخفاض مؤشر م\ع يوحي بالهدوء ويعبر عن الحزن أو قلة الحركة وذلك بزيادة ع (أحرف المد)
أما ارتفاع مؤشر م\ع فيوحي بالحركة والسرعة وذلك بزيادة م (المسكن)
مثال عليه: (من موقع العروض الرقمي)
(مكرٍّ مفرٍّ مقبل مدبرٍ معاً ........ كجلمود صخرٍ حطّه السيلُ من علِ
3* 2* 3* 2 * 2* 3* 2* 3* 3* .......... 3* 2 3* 2* 2* 3* 2* 3* 3
م* = 16
ع=2
م/ع = 16/ 2 = 8
و قيمة م/ع في الصدر = 9/صفر = عالية جدا
وهي في العجز = 7/ 2 = = 3.5
وهذا الفارق راجع إلى الحديث المباشر في الصدر عن الموصوف، فلما انتقل إلى تشبيهه لم يكن تفاعل النفس مع المشبه به – على قوة التشبيه - كتفاعلها مع سرعة الحصان ذاته.)
ولزيادة الإطلاع على موضوع م\ع
http://www.arood.com/vb/showthread.php?s=&threadid=61
كل ذلك كان مقدمة لما سيأتي الآن:
يقول الله تعالى على لسان فرعون في كتابه الكريم " قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين. آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " سورة يونس
"قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين "
قا 2 لآ3 من 2* تأن3* نهو 3 لا 2 إلا 3 هإل3* لل 2* لذي 3 آ 2 منت 3* بهي 3 بنو 3 اس 2* را 2 ئي 2 لَ 1 و1 أناْ 3* منل 3* مس 2* لمي 3 ن ه
م\ع = 10\ 12 = 8، 0
انخفاض قيمة م\ع هنا مؤشر على تلكؤ فرعون في اقراره بالتوحيد وتباطؤه في ذلك ومماطلته الشديدة لذا جاءت الآية التي بعدها مباشرة بقوله تعالى
آلآن
آ (مد لا زم يمد 6 حركات لزوما 2+2+2) آ 2 آ 2 آ2 لْ= ه آ =2 نَ=1
م\ع = 1\ 4 = 2و 0
وانخفاض مؤشر م\ع لكلمة آلآن بعد مقولة فرعون مباشرة لتدل على طول المهلة الزمنية والفرصة الفائتة التي كانت متاحة له وفواتها
وهذه الكلمة لم تأتي في القرآن الكريم إلا مرتان كلاهما في هذه السورة والموضع الآخر في قوله تعالى
" أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن وقد كنتم به تستعجلون "
وهي أيضا تدل على عدم جدوى ايمانهم بعد معاينتهم للعذاب كأنها توبخهم على ضياع الفرصة منهم وفواتها
والله أعلم
ـ[سلسبيل]ــــــــ[20 Feb 2006, 07:52 م]ـ
للرفع
هل يمكن تطبيق م\ ع على سواها من الآيات؟؟؟
ـ[إيمان البحر]ــــــــ[21 Feb 2006, 07:57 ص]ـ
الأخ سلسبيل
الإنسان العربي يفهم مراد الله من سياق الآيات، وكل كلمة في القرآن الكريم تأخذ موضعها الصحيح الرائع الذي لا يمكن لغيرها من الكلمات أن تعطي مثلما أعطت من معنى. والفهم للآيات يتضح من معاني هذه الكلمات والجمل المركبة ولا يحتاج لمثل هذه الطريقة المعقدة (في نظري).
وأما ما ذكرت عن الآية فالواضح من سياقها أن فرعون كان جازماً عندما أقر بالتوحيد وذلك لأنه كان في وضع يستلزم ذلك فكيف لمن في مثله من العصيان مع ما يمتلكه من المعرفة بالحق كما قال الله عنه وعن قومه (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) النمل. أن يتباطئ أو يماطل؟! أليس من الأجدر له أن يظهر الإيمان؟! فقد رأى الموت بعينه!!
ولكن ممكن أن نقول لأن فرعون قالها خوفاً من الموت ومن عقاب الله ولم يقلها إقراراً من داخل قلبه لم يوفق لاختيار الألفاظ فاللسان يخرج ما في القلب فقال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل! وكان الأجدر والأسرع لمن في مثل حاله أن يقول آمنت أنه لا إله إلاالله!! ففرعون لم يعرف ربه في حياته فكيف يعرفه عند مماته. وقول فرعون هذا يشعرنا ويؤكد لنا أنه كان في حال قريب من الموت (سكرات الموت) لأن من لفظه يتبين شدة التوتر التي كان عليها.أما كلمت آلآن فهي غنية عن البيان وقد سُبقت باستفهام يدل على الاستنكار مما يعطي الكلمة معناها المراد. والله أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[خشان خشان]ــــــــ[07 Jul 2006, 05:20 ص]ـ
السلام عليكم
الأخت سلسبيل من أنجب من درس الرقمي وحلق فيه.
آلآنَ = 2 2 2 ه 2 1 .............. م/ع – 1/ 4 = 0.25 أو 0.3 تقريبا
للأخت الكريمة فضل احتساب مقاطع الألف (في موضوع م/ع) حسب تلاوتها.
أود أن أشير أولا أن موضوع م/ع هو مظنة صواب، وليس صوابه محسوما. والتطرق إلى القرآن الكريم وخاصة ما ذكره تعالى من مقول قول الخلائق فيه هو اختبار لمدى صحة دلالة هذا المؤشر. وذلك كرجوعنا في موضوع نحوي إلى القرآن الكريم لمعرفة الصواب من الخطأ في النحو. فالقرآن في الحالين مرجِعٌ لتقييم الصواب والخطأ.
وهنا فرصة لبيان دور الرقمي في توضيح التلاوة
فالأخت الكريمة بينت مقاطع قوله تعالى:" وأنا من المسلمين " كالتالي:
و1 أناْ 3* منل 3* مس 2* لمي 3 ن ه = 1 3* 3 * 2* 3 ه
وهنا أشير إلى أننا لو تلونا (أنا) بمد الألف لكان رمزها 3 لأن الألف حرف مد،
أنأ ْ = 3* وهذا لفظ لا يقول به أحد.
وعليه فالصواب أن مقاطع الآية في حال لفظ (أنا) بالألف هو
1 3 3* 2* 3 ه وليس 1 3* 3 * 2* 3 ه
وأنا أتلو الآية على النحو التالي
و1 - أَ 1 – نَ 1 - منل 3* - مس 2* - لمي 3 - ن ه = 1 1 1 3* 2* 3 ه
م/ع = 3/ 1 = 3.0
وهذا يبين ارتفاع مؤشر هذا الجزء من الآية مقارنة لبقية الآية وكأنه يستعجل النطق بكلمة التوحيد بعد أن تلكأ في أول الآية.
لنقارن مؤشري جزئي مقول القول في الآية الكريمة
الجزء الأول: " آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيلَ"
ءا 2 – منْ 2* - تبلْ 3* - لذي 3 – ءا 2 – منتْ 3* - بهي 3 – بنو 3 – إسْ 2* - را 2 – ئي 2 – لَ 1
م/ع = 4/ 7= 0.6
والجزء الثاني: " وأنا من المسلمين " مؤشره = 3.0
فهل في اختلاف مؤشري الجزئين الأول =0.6 والثاني = 3.0 ما يشير إلى استعجاله نطق كلمة التوحيد مع تزايد الإيقان بالموت بعد تلكؤه في الإقرار بها؟
الله أعلم.(/)
من يفيدني بتوثيق هذا النقل في التفسير .. وله جائزة [العرض محدود الوقت]
ـ[محب أهل القرآن]ــــــــ[08 Jan 2006, 11:21 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا أهل التفسير! يا أهل القرآن ... أهل الله وخاصته!
يذكر المفسرون عند قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]
ما يلي:
قال عليُّ بنُ أبي طالب رضي الله عنه. {إلا ليعبدون} أيْ: إلَّا لآمرَهُم أَنْ يعبدُوني، وأَدعوهم إلى عبادتي. واختاره الزجَّاج.
1 - من يتفضل منكم بإفادتي بتوثيق النقل عن علي رضي الله عنه بالإسناد. وللعلم لم يذكره ابن جرير ولا السيوطي في الدر
2 - وبنقل كلام الزجاج من أحد كتبه مع ذكر المصدر بالجزء والصفحة.
أما الجائزة فالدعاء للمفيد بظهر الغيب في يوم عرفة ... خير يوم طلعت عليه الشمس ... ولهذا قلت: العرض محدود ... حيث ينتهي يوم عرفة مع غروب شمس يوم الإثنين ... (ابتسامة)
مع الاحترام والامتنان من محبكم
ـ[محب أهل القرآن]ــــــــ[09 Jan 2006, 02:10 ص]ـ
يا جماعة الخير وينكم؟؟؟
ـ[الجعفري]ــــــــ[09 Jan 2006, 07:24 ص]ـ
بحثت لك في عدة مواقع للبحث لعلي أظفر بالدعوة , لكن لم أجد.
لكن أحيلك عل موقع للبحث مفيد لعلك تستفيد منه والأخوة في هذا المنتدى.
http://sultan.org/b/
ـ[ابن رشد]ــــــــ[09 Jan 2006, 11:53 ص]ـ
الأخ الكريم
وفقنا الله و إياكم إلى الحق و إلى الخير،
لم أقف على ذكر إسناد لقول الإمام على بن أبي طالب – رضى الله عنه – ({إلا ليعبدون} أيْ: إلَّا لآمرَهُم أَنْ يعبدُوني، وأَدعوهم إلى عبادتي).
- و لكن ذكر كثير من المفسرين قوله هذا – أو قريب منه – في تفاسيرهم، و من هؤلاء:
*1 - البغوى في كتابه " معالم التنزيل "، قال: [وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " إلاّ ليعبدون ". أي إلاَّ لآمُرَهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي]،
2 - و قال ابن عطية في " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ":
قال ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي، وليقروا لي بالعبودية فعبر عن ذلك بقوله: {ليعبدون}
3 - و قال ابن الجوزى في " زاد المسير في علم التفسير ":
واختلفوا في هذه الآية على أربعة أقوال.
أحدها: إلاّ لآمُرهم أن يعبدوني، قاله عليُّ بن أبي طالب، واختاره الزجاج.
4 - و قال القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن ":
وقال عليّ رضي الله عنه: أي وما خلقت الجنّ والإنس إلا لآمرهم بالعبادة. و?عتمد الزجاج على هذا القول.
5 - وقال الإمام النسفى في كتابه " مدارك التنزيل و حقائق التأويل ":
وقيل: إلا لآمرهم بالعبادة وهو منقول عن علي رضي الله عنه.
_________________________________
و هكذا – كما ترى – فإن اجتماع هؤلاء المفسرين على عزو ذلك القول للإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه يبيِن أن له أصلا صحيحا، و ما روى عن مجاهد مثله أو نحوه فيترجح أنه نقله عنه، و كذا القول فيما روى عن ابن عباس رضى الله عنهم جميعا، و ألحقنا – و أهلنا – بهم في جنات النعيم مع رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم.
***************************
و إليكم هذا التفسير الإجمالى لتلك الآية الكريمة، الذى يبيِن حقيقة العبودية المطلوبة من العباد لرب العباد عز و جل:
1 - قال الشهيد سيد قطب – رحمه الله – في كتابه " في ظلال القرآن ":
[وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} ..
وإن هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة، من أضخم الحقائق الكونية التي لا تستقيم حياة البشر في الأرض بدون إدراكها واستيقانها.
سواء كانت حياة فرد أم جماعة. أم حياة الإنسانية كلها في جميع أدوارها وأعصارها.
وإنه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي، تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة، التي تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة أن هنالك غاية معينة لوجود الجن والإنس. تتمثل في وظيفة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده؛ ومن قصر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده؛ وأصبح بلا وظيفة، وباتت حياته فارغة من القصد، خاوية من معناها الأصيل، الذي تستمد منه قيمتها الأولى. فقد انفلت من الناموس الذي خرج به إلى الوجود، وانتهى إلى الضياع المطلق، الذي يصيب كل كائن ينفلت من ناموس الوجود، الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء.
هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والإنس بناموس الوجود. هي العبادة لله. أو هي العبودية لله .. أن يكون هناك عبد ورب. عبد يَعبد، ورب يُعبد. وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار.
ومن ثم يبرز الجانب الآخر لتلك الحقيقة الضخمة، ويتبين أن مدلول العبادة لا بد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر. فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر؛ والله لا يكلفهم هذا. وهو يكلفهم ألواناً أخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم. وقد لا نعرف نحن ألوان النشاط التي يكلفها الجن؛ ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان. نعرفها من القرآن من قول الله تعالى:
{وإذ قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة}
فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني. وهي تقتضي ألواناً من النشاط الحيوي في عمارة الأرض، والتعرف إلى قواها وطاقاتها، وذخائرها ومكنوناتها، وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها. كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام.
ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى، أوسع وأشمل من مجرد الشعائر؛ وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعاً. وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين:
الأول: هو استقرار معنى العبودية لله في النفس. أي استقرار الشعور على أن هناك عبداً ورباً. عبداً يَعبد، ورباًّ يُعبد. وأن ليس وراء ذلك شيء؛ وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار. ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود؛ وإلا رب واحد والكل له عبيد.
والثاني: هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير، وكل حركة في الجوارح، وكل حركة في الحياة. التوجه بها إلى الله خالصة، والتجرد من كل شعور آخر، ومن كل معنى غير معنى التعبد لله.
بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة؛ ويصبح العمل كالشعائر، والشعائر كعمارة الأرض، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله .. كلها عبادة؛ وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها؛ وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه.
عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعراً أنه هنا للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى، جاء لينهض بها فترة، طاعة لله وعبادة له لا أرب له هو فيها، ولا غاية له من ورائها، إلا الطاعة، وجزاؤها الذي يجده في نفسه من طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله، ومن أنس برضى الله عنه، ورعايته له. ثم يجده في الآخرة تكريماً ونعيماً وفضلاً عظيماً.
وعندئذ يكون قد فر إلى الله حقاً. يكون قد فر من أوهاق هذه الأرض وجواذبها المعوقة ومغرياتها الملفتة. ويكون قد تحرر بهذا الفرار. تحرر حقيقة من الأوهاق والأثقال. وخلص لله، واستقر في الوضع الكوني الأصيل: عبداً لله. خلقه الله لعبادته. وقام بما خلق له. وحقق غاية وجوده. فمن مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض، وينهض بتكاليفها، ويحقق أقصى ثمراتها؛ وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها؛ خالص القلب من جواذبها ومغرياتها. ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها لذاته هو ولا لذاتها. ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها، ثم الفرار إلى الله منها!
ومن مقتضياته كذلك أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة من بواعثها لا من نتائجها. فلتكن النتائج ما تكون. فالإنسان غير معلق بهذه النتائج. إنما هو معلق بأداء العبادة في القيام بهذه الأعمال؛ ولأن جزاءه ليس في نتائجها، إنما جزاؤه في العبادة التي أداها ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيراً كاملاً تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال. فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها. ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته. ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك. فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه ولا في حسابه، وليست من شأنه. إنما هو قدر الله ومشيئته. وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته:
ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد، وشعر أنه أخذ نصيبه، وضمن جزاءه، بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد، فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعوا إلى التكالب والخصام على أعراض هذه الحياة. فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف. ومن جانب ينفض يده وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض، وثمرات هذا النشاط. فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته.
************************************************** *****
- أما ما جاء فيها من نقول في كتب التفسير:
-
- 2 - فقد قال الإمام القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن ":
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص. والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجنّ والإنس إلا ليوحدون. قال القشيريّ: والآية دخلها التخصيص على القطع؛ لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة، وقد قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ?لْجِنِّ وَ?لإِنْسِ}
[الأعراف: 179] ومن خُلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة، فالآية محمولة على المؤمنين منهم؛ وهو كقوله تعالى:
{قَالَتِ ?لأَعْرَابُ آمَنَّا}
[الحجرات: 14] وإنما قال فريق منهم. ذكره الضحاك والكلبي والفرّاء والقتبي. وفي قراءة عبد الله: {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ مِنَ ?لْمُؤْمِنِينَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وقال عليّ رضي الله عنه: أي وما خلقت الجنّ والإنس إلا لآمرهم بالعبادة. و?عتمد الزجاج على هذا القول، {وَمَآ أُمِرُو?اْ إِلاَّ لِيَعْبُدُو?اْ إِلَـ?هاً وَاحِداً}
[التوبة: 31]. فإن قيل: كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلل لأمره ومشيئته؟ قيل: قد تذللوا لقضائه عليهم؛ لأن قضاءه جارٍ عليهم لا يقدرون على الامتناع منه، وإنما خالفهم من كفر في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه. وقيل: {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي إلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً؛ رواه عليّ بن أبي طلحة عن ?بن عباس. فالكره ما يُرَى فيهم من أثر الصنعة. مجاهد: إلا ليعرفوني. الثعلبي: وهذا قول حسن؛ لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده. ودليل هذا التأويل قوله تعالى:
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ?للَّهُ}
[الزخرف: 87]
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ?لسَّمَاوَاتِ وَ?لأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ?لْعَزِيزُ ?لْعَلِيمُ}
[الزخرف: 9] وما أشبه هذا من الآيات. وعن مجاهد أيضاً: إلا لآمرهم وأنهاهم. زيد بن أسلم: هو ما جُبِلوا عليه من الشّقوة والسعادة؛ فخلق السعداء من الجنّ والإنس للعبادة، وخلق الأشقياء منهم للمعصية. وعن الكلبي أيضاً: إلا ليوحدون، فأما المؤمن فيوحده في الشدّة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدّة والبلاء دون النعمة والرخاء؛ يدل عليه قوله تعالى:
{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَ?لظُّلَلِ دَعَوُاْ ?للَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ?لدِّينَ}
[لقمان: 32] الآية. وقال عِكْرمة: إلا ليعبدون ويطيعون فأثيب العابد وأعاقب الجاحد. وقيل: المعنى إلا لأستعبدهم. والمعنى متقارب؛ تقول: عبد بيِّن العبودة والعبودية، وأصل العبودية الخضوع والذل. والتعبيد التذليل؛ يقال: طريق معبد. قال:
وظِيفاً وَظِيفاً فوقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ
والتعبيد الاستعباد وهو أن يتخذه عبداً. وكذلك الاعتباد. والعبادة: الطاعة، والتَّعبُّد التَّنسك. فمعنى «لِيَعْبُدُونِ» ليذِلّوا ويخضعوا ويعبدوا.
3 - و قال الإمام ابن جرير الطبرى في كتابه " جامع البيان في تفسير القرآن ":
(يُتْبَعُ)
(/)
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السُّعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم لمعصيتي. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن زيد بن أسلم {وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونَ} قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن زيد بن أسلم بنحوه.
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن زيد ابن أسلم، بمثله.
حدثنا حُمَيد بن الربيع الخرّاز، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا ابن جُرَيج، عن زيد بن أسلم، في قوله: {وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} قال: جَبَلَهم على الشقاء والسعادة.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان {وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْس إلاَّ لِيَعْبُدُونَ} قال: من خلق للعبادة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك. وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليُذْعِنوا لي بالعبودة. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: {وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ}: إلا ليقرّوا بالعبودة طوعاً وكَرهاً.
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وهو: ما خلقت الجنّ والإنس إلا لعبادتنا، والتذلل لأمرنا.
فإن قال قائل: فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لأمره؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم، لأن قضاءه جار عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه.
4 – و قال الزمخشري في " الكشاف ":
أي: وما خلقت الجن والإنس إلا لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها. فإن قلت: لو كان مريداً للعبادة منهم لكانوا كلهم عباداً؟ قلت: إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها، لأنه خلقهم ممكنين، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريداً لها، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم.
5 – و قال الإمام ابن كثير في كتابه " تفسير القرآن العظيم ":
قال جل جلاله: {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً. وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} أي: إلا للعبادة، وقال السدي: من العبادة ما ينفع، ومنها ما لا ينفع
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ?لسَّمَـ?وَ?تِ وَ?لأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ?للَّهُ}
[لقمان: 25] هذا منهم عبادة، وليس ينفعهم مع الشرك، وقال الضحاك: المراد بذلك المؤمنون.
6 – و قال الإمام السيوطى في كتابه " الدر المنثور في التفسير بالمأثور ":
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} قال: ليقروا بالعبودية طوعاً أو كرهاً.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} قال: على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي الجوزاء في الآية قال: أنا أرزقهم وأنا أطعمهم، ما خلقتهم إلا ليعبدون.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله: ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى، وأسد فقرك، وإلاّ تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك ".
7 – و قال الشوكاني في " فتح القدير ":
و روي عن مجاهد أنه قال: المعنى: إلاّ لآمرهم وأنهاهم، ويدل عليه قوله:
{وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـ?هاً و?حِداً لاَّ إِلَـ?هَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـ?نَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(يُتْبَعُ)
(/)
[التوبة: 31] واختار هذا الزجاج.
8 - و جاء في تفسير ابن عباس:
وقال علي بن أبي طالب ما خلقتهم إلا أن آمرهم وأكلفهم.
ويقال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون إلا أمرتهم أن يوحدوني ويعبدوني.
9 - و قال [ u] السمرقندي في تفسيره (بحر العلوم):
قال عز وجل {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} يعني ما خلقتهم إلا أمرتهم بالعبادة فلو أنهم خلقوا للعبادة لما عصوا طرفة عين وقال مجاهد: يعني ما خلقتهم إلا لآمرهم وأنهاهم ويقال إلا ليعبدون يعني إلا ليوحدون وهم المؤمنون وهم خلقوا للتوحيد والعبادة وخلق بعضهم لجهنم كما قال،
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ?لْجِنِّ وَ?لإِنْسِ}
[الأعراف: 179] فقد خلق كل صنف للأمر والنهي الذي يصلح له
10 - و قال الماوردي في كتابه " النكت و العيون ":
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: إلا ليقروا بالعبودية طوعاً أو كرهاً، قاله ابن عباس.
الثاني: إلا لآمرهم وأنهاهم، قاله مجاهد.
الثالث: إلا لأجبلهم على الشقاء والسعادة، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: إلا ليعرفوني، قاله الضحاك.
الخامس: إلا للعبادة، وهو الظاهر، وبه قال الربيع بن انس.
11 - و قال البغوى في كتابه " معالم التنزيل ":
{وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، قال الكلبي والضحاك وسفيان: هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين، يدل عليه قراءة ابن عباس: {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ} من المؤمنين {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، ثم قال في أخرى:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ?لْجِنِّ وَ?لإِنْسِ} الأعراف:179].
وقال بعضهم: وماخلقت السعداء من الجن والإِنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي، وهذا معنى قول زيد بن أسلم، قال: هو على ما جُبِلُوا عليه من الشقاوة والسعادة.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " إلاّ ليعبدون ". أي إلاَّ لآمُرَهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي، يؤيده قوله عزّ وجلّ:
{وَمَآ أُمِرُو?اْ إِلاَّ لِيَعْبُدُو?اْ إِلَـ?هاً وَ?حِداً}
[التوبة:31].
وقال مجاهد: إلاّ ليعرفوني. وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، دليله: قوله تعالى:
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ?للهُ}
[الزخرف:87].
وقيل: معناه إلا ليخضعوا إليَّ ويتذللوا، ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله، ومتذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجاً عمّا خُلق عليه.
وقيل: " إلا ليعبدوني " إلاَّ ليوحدوني، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله عزّ وجلّ:
{فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ?لْفُلْكِ دَعَوُاْ ?للهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ?لدِّينَ}
[العنكبوت:65].
12 - و جاء في " المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز " لابن عطية:
وقوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} اختلف الناس في معناه مع إجماع أهل السنة على أن الله تعالى لم يرد أن تقع العبادة من الجميع، لأنه لو أراد ذلك لم يصح وقوع الأمر بخلاف إرادته، فقال ابن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي، وليقروا لي بالعبودية فعبر عن ذلك بقوله: {ليعبدون} إذ العبادة هي مضمن الأمر، وقال زيد بن أسلم وسفيان: المعنى خاص، والمراد: {وما خلقت} الطائعين من {الجن والإنس} إلا لعبادتي، ويؤيد هذا التأويل أن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: " وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدوني "، وقال ابن عباس أيضاً معنى: {ليعبدون} أي ليتذللوا لي ولقدرتي، وإن لم يكن ذلك على قوانين الشرع.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا التأويل فجميع الجن والإنس عابد متذلل والكفار كذلك، ألا تراهم عند القحط والأمراض وغير ذلك. وتحتمل الآية، أن يكون المعنى: ما خلقت الجن والإنس إلا معدين ليعبدون، وكأن الآية تعديد نعمة، أي خلقت لهم حواس وعقولاً وأجساماً منقادة نحو العبادة، وهذا كما تقول: البقر مخلوقة للحرث، والخيل للحرب، وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلاً، فالمعنى أن الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة، لكن بعضهم تكسب صرف نفسه عن ذلك، ويؤيد هذا المنزع قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ". وقوله: " كل مولود يولد على الفطرة الحديث.
13 - و قال ابن الجوزى في " زاد المسير في علم التفسير ":
قوله تعالى: {وما خلقْتُ الجنَّ والإنس إلاّ لِيعْبُدونِ} أثبت الياء في «يعْبُدون» و «يُطْعِمون» و «لا يستعجِلون» في الحالين يعقوب. واختلفوا في هذه الآية على أربعة أقوال.
أحدها: إلاّ لآمُرهم أن يعبدوني، قاله عليُّ بن أبي طالب، واختاره الزجاج.
والثاني: إلا لِيُقِرُّوا بالعُبودية طوْعاً وكرْهاً، قاله ابن عباس؛ وبيان هذا قوله
{ولئن سألتهم منْ خلقهم ليقولُنَّ الله}
[الزخرف: 87].
والثالث: أنه خاصّ في حقِّ المؤمنين. قال سعيد بن المسيّب: ما خلقتُ منْ يعبُدني إلا ليعبُدَني. وقال الضحاك، والفراء، وابن قتيبة: هذا خاصّ لأهل طاعته، وهذا اختيار القاضي ابي يعلى فإنه قال: معنى هذا الخصوصُ لا العمومُ، لأن البُله والأطفال والمجانين لا يدخُلون تحت الخطاب وإن كانوا من الإنس، فكذلك الكُفَّار يخرُجون من هذا بدليل قوله:
{ولقد ذرأْنا لجهنَّم كثيراً من الجِنِّ والإنس}
[الأعراف: 179]، فمن خُلق للشَّقاء ولجهنَّم، لم يخلق للعبادة.
والرابع: إلا ليخضعوا إليَّ ويتذللَّوا. ومعنى العبادة في اللغة: الذُّلُّ والانقياد. وكُلُّ الخلْق خاضعٌ ذليلٌ لقضاء الله عز وجل لا يملك خُروجاً عمّا قضاه اللهُ عز وجل، هذا مذهب جماعة من أهل المعاني.
14 – و قال الإمام النسفى في كتابه " مدارك التنزيل و حقائق التأويل ":
[وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} العبادة إن حملت على حقيقتها فلا تكون الآية عامة بل المراد بها المؤمنون من الفريقين دليله السياق أعني {وَذَكّرْ فَإِنَّ ?لذّكْرَى? تَنفَعُ ?لْمُؤْمِنِينَ} وقراءة ابن عباس رضي الله عنهما {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ مِنَ ?لْمُؤْمِنِينَ} وهذا لأنه لا يجوز أن يخلق الذين علم منهم أنهم لا يؤمنون للعبادة لأنه إذا خلقهم للعبادة وأراد منهم العبادة فلا بد أن توجد منهم، فإذا لم يؤمنوا علم أنه خلقهم لجهنم كما قال:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ?لْجِنّ وَ?لإِنْسِ}
[الأعراف: 179]. وقيل: إلا لآمرهم بالعبادة وهو منقول عن علي رضي الله عنه [ u]. وقيل: إلا ليكونوا عباداً لي. والوجه أن تحمل العبادة على التوحيد فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل عبادة في القرآن فهي توحيد. والكل يوحدونه في الآخرة لما عرفه أن الكفار كلهم مؤمنون موحدون في الآخرة دليلة قوله
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَ?للَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}
{وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} العبادة إن حملت على حقيقتها فلا تكون الآية عامة بل المراد بها المؤمنون من الفريقين دليله السياق أعني {وَذَكّرْ فَإِنَّ ?لذّكْرَى? تَنفَعُ ?لْمُؤْمِنِينَ} وقراءة ابن عباس رضي الله عنهما {وَمَا خَلَقْتُ ?لْجِنَّ وَ?لإِنسَ مِنَ ?لْمُؤْمِنِينَ} وهذا لأنه لا يجوز أن يخلق الذين علم منهم أنهم لا يؤمنون للعبادة لأنه إذا خلقهم للعبادة وأراد منهم العبادة فلا بد أن توجد منهم، فإذا لم يؤمنوا علم أنه خلقهم لجهنم كما قال:
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ ?لْجِنّ وَ?لإِنْسِ}
[الأعراف: 179]. وقيل: إلا لآمرهم بالعبادة وهو منقول عن علي رضي الله عنه. وقيل: إلا ليكونوا عباداً لي. والوجه أن تحمل العبادة على التوحيد فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل عبادة في القرآن فهي توحيد. والكل يوحدونه في الآخرة لما عرفه أن الكفار كلهم مؤمنون موحدون في الآخرة دليلة قوله
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَ?للَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}
هذا و الله تعالى أعلم و أحكم
و الله ولى التوفيق
ـ[محب أهل القرآن]ــــــــ[09 Jan 2006, 12:11 م]ـ
بارك الله فيك الأخ الكريم الأستاذ (ابن رشد)
وجزاك خير الجزاء على إهتمامك وتجاوبك
وأسأل الله تعالى أن يعفر الله تعالى لي ولك في هذا اليوم المبارك ويوفقني وإياك لخير ما يوفق إليه عباده الصالحين المتقين ... آمين آمين
ملاحظة: كلام سيد قطب رحمه الله عن خلافة الإنسان في الأرض بعيد الصواب، ويحتاج إلى مناقشة، والله تعالى أعلم
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن رشد]ــــــــ[09 Jan 2006, 01:45 م]ـ
أخى الكريم
اللهم تقبل منك و منا دعاءنا و صالح عملنا
و تهنئة طيبة إخوانى الكرام بمقدم عيد الأضحى المبارك غدا،
و أعاده اللهم علينا و على المسلمين في فلسطين و العراق و الشيشان و أفغانستان و فى كل مكان بالنصر و بالخير، اللهم و أعز الإسلام و أهله، و أذل الكفر و أهله
اللهم آمين
- و معذرة على كثرة الخطوط التي لحقت بكلامى، فقد قصدت بعضها للاهتمام بها، و لكن امتدت لغيرها
* و بخصوص ما ذكره الشهيد سيد قطب - رحمه الله -:
فالذي فهمته من كلامه أنه ينبغى أن تكون جميع أعمالنا في حياتنا الدنيا - من عمارة الأرض، و سائر تصرفاتنا محكومة بشرع الله عز و جل و كذا تكون النية فيها لوجه الله،
و ذلك لقوله تعالى: {قل إن صلاتى و نسكى و محياى و مماتى لله رب العالمين}. [الأنعام: 162]
قال الإمام القرطبي في تفسيرها:
قوله تعالى?: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} قد تقدّم اشتقاق لفظ الصَّلاة. وقيل: المراد بها هنا صلاة الليل. وقيل: صلاة العِيد. والنّسك جمع نسِيكة، وهي الذّبيحة، وكذلك قال مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وغيرهم. والمعنى: ذَبْحِي في الحج والعمرة. وقال الحسن: نسكي دِيني. وقال الزجاج: عبادتي؛ ومنه الناسك الذي يتقرّب إلى الله بالعبادة. وقال قوم: النسك في هذه الآية جميع أعمال البر والطاعات؛ من قولك نسك فلان فهو ناسك، إذا تعبّد. {وَمَحْيَايَ} أي ما أعمله في حياتي {وَمَمَاتِي} أي ما أوصي به بعد وفاتي. {للَّهِ رَبِّ ?لْعَالَمِينَ} أي أفرده بالتقرُّب بها إليه. وقيل: «وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ» أي حياتي وموتي له. انتهى كلامه
فلعل هذا المعنى هو ما عناه الشيخ سيد قطب رحمه الله
ـ[الميموني]ــــــــ[09 Jan 2006, 11:42 م]ـ
قول علي رضي الله عنه ذكره الثعلبي في تفسيره. وهو متوفى:427هـ. وعالي الأسانيد جداً
ـ[محب أهل القرآن]ــــــــ[11 Jan 2006, 04:13 ص]ـ
أشكركم جميعا على تجاوبكم وإضافاتكم
وتقبل الله منا ومنكم
وكل عام وأنتم بخير(/)
استشارة
ـ[ابوعزام1399]ــــــــ[10 Jan 2006, 09:59 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مارأيكم في كتاب المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير
وهل تنصحون من يحفظ كتاب الله عزوجل ان يرجع اليه
وجزاكم الله خير
ـ[عبدالله الحضرمي]ــــــــ[12 Jan 2006, 08:07 ص]ـ
نعم أخي الكريم انصحك باقتناء الكتاب فهو نفيس وابن كثير امام رحمه الله(/)
جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم- دعوة مهمة للباحثين
ـ[د. محمد بسام الزين]ــــــــ[13 Jan 2006, 05:59 م]ـ
إعلان برنامج خدمة علوم القرآن
يعلن برنامج خدمة علوم القرآن في جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم عن استعداده لاستقبال البحوث في مجالات علوم القرآن المتعددة، وبخاصة الدراسات المتعلقة بإعجاز القرآن الكريم، وذلك وفق ما يلي:
1. تتولى الجائزة طباعة البحوث المقدمة ونشرها لوجه الله تعالى، وذلك بعد إجازتها من المختصين في هذا الشأن.
2. يمنح صاحب البحث المجاز مكافأة مالية، بالإضافة إلى (50) نسخة من الكتاب المطبوع.
3. تعود حقوق النشر لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد حسب الاتفاق مع صاحب البحث.
4. تحتفظ الجائزة بحق ترجمة البحث المجاز إلى اللغات الأجنبية.
5. يشترط في البحث ألا يكون قد نشر من قبل، وألا تزيد عدد صفحاته عن (500) صفحة.
6. يتم استلام البحث مطبوعاً على الورق، مرفقاً بنسخة إلكترونية على الحاسب الآلي (وورد)
7. علماً بأن الجائزة ستقوم بتوزيع البحوث المطبوعة مجاناً أو بسعر رمزي تعميماً للثقافة القرآنية.
فعلى الراغبين من أهل الاختصاص إرسال بحوثهم على العنوان التالي: دولة الإمارات العربية المتحدة، دبي، ص ب (42042) لمزيد من المعلومات يرجى الاتصال على هاتف رقم (0097142610666) أو مراسلتنا على فاكس رقم (0097142610088) أو البريد الإلكتروني ( quran@emirates.net.ae) أو زيارة موقعنا على الإنترنت ( www.quran.gov.ae)
منسق البرنامج د. محمد بسام الزين
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[15 Jan 2006, 11:12 ص]ـ
الدكتور محمد بسام حفظه الله
مرحبًا بكم عضوًا في هذا الملتقى، وهل من الممكن معرفة آخر مدة لاستلام البحوث؟
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[15 Jan 2006, 04:20 م]ـ
شكر الله للدكتور محمد بسام هذه الدعوة , ونحمد الله تعالى على ذلك , وبين الحين والآخر تظهر بشارات اهتمام الناس بالقرآن وعلومه , فهذا مؤتمر عالمي وهذه جائزة عالميةوتلك دروس علمية , وهكذا يتتابع الغيث أهل القرآن.
ـ[د. محمد بسام الزين]ــــــــ[15 Jan 2006, 04:20 م]ـ
مرحبا بك دكتور مساعد نرحب بكم للمشاركة في البرنامج، والمدة مفتوحة وعندما يتم تحديد تاريخ معين سوف أخبركم، وقد بدأت الاتصالات تصلني، كما أن البحوث التي وصلت إلى الجائزة وصلت إلى 15 بحثا، وقد أرسلت إلى لجنة التحكيم
ـ[أحمد الطعان]ــــــــ[17 Jan 2006, 09:06 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل د. محمد بسام بارك الله فيكم هل هناك شروط معينة للبحوث المقدمة يعني لو كان أطروحة غير منشورة أو جزءاً من أطروحة وفيه تعديلات جوهرية هل يمكن إرساله للمسابقة ...
وهل لا بد من التواصل عبر البريد العادي أم يغني البريد الإلكتروني ....
ولكم كل الشكر
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(/)
سؤال فهل من مجيب؟؟
ـ[سلطان البكري]ــــــــ[13 Jan 2006, 09:35 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
في سورة الزمر وفي آياتها الأخيرة ذكر الله حال الكافرين فقال ((وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها ... الأية))
ثم لما ذكر حال المؤمنين قال ((حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ... الأية))
ما السبب في زيادة الواو في الأية الثانية بالنسبة للأية الأولى؟؟
جزيتم خيرا ....
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[13 Jan 2006, 10:15 م]ـ
تجد الجواب مفصلاً على هذا الرابط ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1543)(/)
قراءة جديدة لألفاظ القرآن الكريم والسنة المطهرة
ـ[الحضار]ــــــــ[14 Jan 2006, 02:58 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن تلا.
وبعد
فكلنا نعلم ما للألفاظ من أهمية كبيرة لتوضيح قصد المتكلم، وتوضيح مراده.
ومن الألفاظ ما يدل على مجموعة معانٍِ جمعت في لفظ واحد لدلالة عليه طلبا للاختصار، وهذه الألفاظ مبثوثة بالوحيين، ويتطلب لمعرفتها معرفة باللغة العربية، وأساليب العرب في لغتهم.
ومن الملفت للنظر أن هذه الألفاظ إن حصل لبس في معرفة بعض معانيه فإنه سوف يدخل فيه ما لم يقصده المتكلم أو يخرج شيء مما أراده المتكلم، وفي كلا الحالتين سيحدث تحريف أو تبديل لمراد المتكلم.
والخطب يزداد خطورة حينما يقع في الوحيين، وعندها يقع الإحداث في الدين المنهي عنه في الشريعة.
ويجدر بنا أن ننبه بأن الألفاظ (المصطلحات) في الوحيين لا يغني عنها ألفاظ أخرى، وعند استخدام هذه المصطلحات الجديدة في جدال أو نقاش أو حوار يجب من تبيين المراد منها.
وبعد هذه المقدمة القصيرة أود أن أشرع في مقصودي من هذا الكلام وأود من الجميع من ذوي العلم والفهم من تقويمي فيما أخطأت به.
لقد كررت النظر في القرآن الكريم والسنة الشريفة في لفظة الكفر والإيمان كثيرا لمعرفة مراد الله ورسوله من هذا اللفظ (المصطلح)، خصوصا أنه وقع كثير من الفتن والبدع بسبب عدم معرفة مراد الله ورسوله من هذا اللفظ.
وطلبا للاختصار نركز على ثلاث مطالب:
الأول: معنى الكفر والإيمان لغة وشرعا.
الثاني: العلاقة بين الإيمان والكفر.
الثالث: معرفة أقسام كل لفظ على ضوء ما جاء في الوحيين.
أشكر المشرفين على هذا المنتدى، والسماح لي بأن أكون أحد أعضائه.
يتبع ...
الحضار
ـ[الحضار]ــــــــ[15 Jan 2006, 05:59 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
نواصل ما بدأنا به من سبر غور معاني الكتاب الكريم والسنة المطهرة
وقبل الشروع في معرفة معاني الكفر والإيمان يجدر بنا أن ننبه لمسألة أصولية وهي:
هل الألفاظ الشرعية نقلت من معانيها اللغوية إلى معان جديدة، أو أبقيت على معانيها اللغوية مع وجود شروط أضيفت إليها؟
إن كان الجواب هو الأول فإن بحثنا هذا كله لا معنى له، وإن كان الجواب هو الثاني فإن بحثنا هذا يكون مقبولا، والذي أعتقده أن الألفاظ التي استخدمها الشارع لها المعاني اللغوية مع زيادة شروط لصحتها بينتها الشريعة وليس هذا موضع بحث المسألة وإن شئتم بحثها في موضوع جديد فلا بأس.
نرجع لموضوعنا من جديد
الكاف والفاء والراء أصل واحد يدل على الستر والتغطية هذا في اللغة.
السؤال الآن ما هي الشروط والقيود التي أضيفت للكفر حتى ينتقل المعنى اللغوي إلى المعنى الشرعي الذي نهى الشارع عنه.
يتبع إن شاء الله
أتمنى من الجميع إبداء هذه القيود مع ذكر الدليل على هذا الشرط أو القيد
أخوكم الحضار
ـ[الكشاف]ــــــــ[16 Jan 2006, 06:58 ص]ـ
التطور الدلالي للمفردات القرآنية أمر مُسلَّم ومعروفٌ، وقد تناوله عددٌ من العلماء المتقدمين كابن قتيبة وابن فارس وابن جني وغيرهم من أصحاب المعاجم والتفسير. وليس في فهم المفردات القرآنية على هذا الوجه - حسب تقديري- ما يصح تسميته بأنه قراءة جديدة كما ذكرتم، ولم ألاحظ فيما تفضلتم به جديداً في القراءة، فهلا أبنت لنا عن وجهة نظرك في عنونتك للموضوع بـ (قراءة جديدة لألفاظ القرآن الكريم والسنة المطهرة)؟(/)
سؤال عن البقاعي المفسر وكتابه (نظم الدرر)؟
ـ[عبدالله الحضرمي]ــــــــ[14 Jan 2006, 07:36 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اخواني: ما هي عقيدة الامام البقاعي صاحب نظم الدرر؟ وما أحسن طبعة للكتاب؟ وماأحسن تحقيق؟ وهل وقع في تأويل في كتابه نظم الدرر؟
ـ[عبدالله الحضرمي]ــــــــ[17 Jan 2006, 06:52 ص]ـ
ومازلت انتتظر
ـ[جمال أبو حسان]ــــــــ[17 Jan 2006, 12:38 م]ـ
عقيدته انه رضي بالله تعالى ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا وبالاسلام دينا
والسلام عليكم ورحمة الله
ـ[ابن رشد]ــــــــ[17 Jan 2006, 03:47 م]ـ
و هذا هو الرابط الجامع لأمة الإسلام، و ليس مطلوبا من المسلم بعد ذلك إلا الالتزام بأحكام الشرع من الحلال و الحرام
ـ[عبدالله الحضرمي]ــــــــ[31 Jan 2006, 12:28 م]ـ
لماذا لم تجيبان على بقية الاسئلة؟(/)
تساؤل 3: هذه الألف ... وأمية محمد صلى الله عليه وسلم .. !!
ـ[فاروق]ــــــــ[14 Jan 2006, 01:13 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
هذه الألف .. وأمية محمد صلى الله عليه وسلم ..
قال الله تعالى في سورة النمل الآية 21: (لأعذّبنّهُ عذاباً شديداً أو لأاذبحنّه…)،
وقال الله تعالى في سورة الزخرفالآية 3: (إنا جعلناه قرءناً عربياً لعلكم تعقلون)
نلاحظ أن الفعلين لهما نفس التفعيلة فلماذا "زيدت" هذه الألف؟
ولماذا لا نجدها في الفعل "لأاعذبنه" .. ؟؟
فنحن أمام احتمالات:
*إما أن نقول باصطلاح الرسم القرآني ,كما قال بذلك البقلاني و ابن خلدون ,وبالتالي أن كتبة الوحي رضوان الله عليهم هم الذين رسموا الخط القرآني دون إقرار من الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخص ا لرسم وبذلك يكون رسمهم رضوان الله عليهم مخالفا للرسم الإملائي المعروف عند العرب إذن فهو مليئ بالأخطاء, حاشى لله, وهذا لايقبله عقل متزن .. !
*وإما أن كتبة الوحي رضوان الله عليهم كان يوحى إليهم رسم القرآن متخطيا بذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.!!! وهذا مرفوض عقلا ونقلا .. !!
*وإما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوجههم إلى طريقة كتابة رسم الكلمات
ب""زيادة أونقصان أوتغيير"" في أحرف الكلمات!!! ولا يستقيم ذلك إلا إذا كان صلى الله عليه وسلم يعلم الكتابة والقراءة!!
وهل يعقل أن كتبة الوحي رضوان الله عليهم جميعا زادوا هذه الألف من عند أنفسهم؟؟! ,فلا شك أن ذلك كان بإقرار من الرسول صلى الله عليه وسلم ..
فكيف لنبي أميي لا يعلم الكتابة والقراءة أن يفعل ذلك؟!! والكلمات القرآنية التي لا توافق الرسم الإملائي المتعارف عليه كثيرة الورود في القرآن الكريم نذكر منها على سبيل المثال:
رحمت, الأقصا, اليل, همن, قرون, سبحن ..................
أفيدونا بما تستقيم به عقولنا وقلوبنا جزاكم الله خيرا ..
.
ـ[سمير القدوري]ــــــــ[14 Jan 2006, 03:36 م]ـ
الأخ القرطبي أنت تذكرني بنافع ابن الأزرق الذي سأل ابن عباس عن مسائل من القرآن.
أقول لك أخي ما جوابك عمن عارضك بأن جبريل عليه السلام كان يوحي للنبي بأن يأمر كتبة الوحي بأن اكتبوا اللفظة المقصودة بحرف كذا ولا تكتبوها بحرف كذا؟
وهذا لا ينافي أمية النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ[د. أنمار]ــــــــ[15 Jan 2006, 12:06 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
فهذه هي الألف الزائدة والتي يسميها النحاة الألف الزائدة بعد الهمزة المفتوحة المعانقة للام على الراجح من قولين
وقد ذكرها فحول أعلام النحو كالفراء وأحمد بن يحيى وغيرهما
أنظر
المقنع 88 المحكم 176 وكشف الغمام 169 حلة الأعيان 250 وأصول الضبط 169
فبان بذلك أنها معروفة في قواعد الكتابة الأولى لا أنه خاص بالرسم القرآني فقط
والداعي لوجودها واضح خاصة كونها جاءت بعد قوله لأعذبنه وهو على العكس تماما مما توهمه الأخ قرطبي
قال الله تعالى في سورة النمل الآية 21 لأعذّبنّهُ عذاباً شديداً أو لأاذبحنّه…)،
نلاحظ أن الفعلين لهما نفس التفعيلة فلماذا "زيدت" هذه الألف
وأنصحه في المستقبل أن يضع سؤاله بصيغة استسفار لا بتعليل يوحي بتأكده مما اشتبه عليه
ويحسن بنا عرض كلام الإمام أبي داود سليمان بن نجاح مؤكدا على كلام أستاذه الإمام المرجع أبي عمرو الداني إذ يقول:
وليس شيء من الرسم ولا من النقط اصطلح عليه السلف إلا وقد حاولوا به وجها من الصحة والصواب وقصدوا به طريقا من اللغة والقياس لموضعهم من العلم ومكانهم من الفصاحة علم ذلك من علمه وجهله من جهله الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
أصول الضبط ص 173
فالفعل الأول ليس كالثاني قطعا
ولم يتبين لي وجه التسمية بالتفعيلات فتلك لها علاقة بالشعر العربي من الفتحة والسكون
وما هو بقول شاعر
بل حتى وزن الكلمة من حيث الفتحة والسكون ليست كما تساءل وتأمل
لأعذبن ///*//*/
لأذبحن //*//*/
فأنت ترى أن وزن الكلمة الثانية أنقص من الأولى التي شددت ذالها المكسورة ولا شك أن الألف الصامتة التي لا تلفظ قد أعطت الكلمتين من التوازن والأسرار ما لا يعلمه إلا الله
(يُتْبَعُ)
(/)
ومع أني أعتقد جازما بأن كل ما في كتاب الله إنما هو من عند الله بحفظ الله على مراد الله بكل حرف وبكل صورة على ما قدر الله بوحي منه سبحانه
فقد كتب بين يدي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأشرف على ذلك كله سيدنا جبريل عليه السلام
ومسألة خط المصحف مما اختلف فيه أهل العلم فبعضهم يرى أن في بعضه اجتهاد من الصحابة وفريق يراه كله مرفوعا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا حديث زيد رضي الله عنه أنه كان يكتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن كان يعرض عليه فإن كان فيه سقط أقامه، وفي المجمع أن رجاله ثقات.
ثم كان زيد نفسه رضي الله عنه هو الذي تولى الكتابة وكان لا يقبل بإدخال شيء بين الدفتين حتى يشهد عدلان أنه كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيح
وما كان فعل الصحابة رضي الله عنهم بعد ذلك إلا استنساخ ما كتب بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم والأدلة قوية في هذا الرأي. وما قيل عن التابوت والتابوه فهي رواية مرسلة.
وعلى أي حال:
فقد ترجح عندي بعد النظر في أقوال العلماء وأدلتهم أن من فوائد علم الخط كون ثواب قراءة الآيات مترتبة على ما كتب ورسم من الأحرف لا ما نطق
أما النطق فله ثوابه كالإتيان بالمدود على وجهها، والترسل وإتقان الترتيل ونحو ذلك مما له بحثه.
ومرجعهم في هذا القول هو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف
وأنت ترى أن نطقك بها 9 أحرف لكن الثواب كان على ما رسم وهي ثلاثة أحرف، كما أن الكلمة كلها لم تعد حرفا وإن لم يظهر معناها للسامع. فالعبرة بعدد الأحرف المرسومة كما هو ظاهر الحديث ...
وعودا على موضوعنا فأقول
قال أبو عمرو فيما رواه محمد بن عيسى عن نصير في اتفاق المصاحف: "وفي النمل لأعذبنه بغير ألف ولأاذبحنه بالألف"
انظر المقنع ص 93
وقال الإمام الشاطبي في العقيلة بيت رقم 76 و 77
"وأجمعوا زمرا لا أذبحن"
وشرحها في الوسيلة الإمام السخاوي كذلك
وفي الطراز شرح ضبط الخراز باب ضبط المزيد في الهجاء
ذكر أربع فوائد أهمها
كونها صورة لحركة الهمزة
ص 339
وهو ما رجحه أيضا الداني في المحكم ص 176
وقال الرجراجي هو المختار بناء على تقديم أبي عمرو إياه ويدل بذلك أن الفتحة مأخوذة من تلك الصور
حلة الأعيان ص 250
================
الخلاصة:
اتفقت المصاحف على كتابة الكلمتين على الوجه المذكور
وهناك فرق جوهري في النطق بين كلمة لأعذبنه و لأاذبحنه
وهو أن الأولى همزتها مضمومة والثانية مفتوحة
فلرفع اللبس من ضم الكلمة الثانية لتصير على وزن الأولى فتُقرأ
لأُعذبنه عذابا شديدا أو لأُذَّبِحنه /خطأ/
صارت بجلاء
لأُعذبنه عذابا شديدا أو لأَاذْبَحنه /صواب/
وتأمل الفرق بين ضبط الكلمتين لو كتبت الآية بدون ضبط أو تنقيط كما كانت في الصدر الأول فالألف وضعت لبيان فتحة الهمزة في لأاذبحنه لا ضمها كسابقتها في لأعذبنه
وصلى الله على سيدنا وإمامنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
========
لمزيد تفصيل أنظر الصفحات المشار إليها والهوامش في
1 - مختصر التبيين لهجاء التنزيل للإمام أبي داود سليمان بن نجاح ص 944 ج 4
2 - الطراز شرح ضبط الخراز للتنسي ص 338
طبعتي وزارة الأوقاف ومجمع الملك فهد بالتعاون مع مركز الملك فيصل
3 - الوسيلة إلى كشف العقيلة لعلم الدين السخاوي ص 156 طبعة الرشد
ـ[ابن رشد]ــــــــ[15 Jan 2006, 01:06 ص]ـ
أكرمك الله يا أخى د. أنمار، و جزاك خير الجزاء على ما أوضحت و شرحت،
فنحن نعلم أن " الرسم العثماني " للمصحف جاء هكذا، و لكنكم فصَلتم مجمله، و أبنتم قواعده،
و لعل في ذلك راحة و كفاية للأخ السائل
ـ[د. أنمار]ــــــــ[15 Jan 2006, 01:24 ص]ـ
بارك الله فيك
وإضافة إلى اتفاق المصاحف على كتابة الكلمتين على الوجه المذكور كذلك اتفق القراء العشرة على طريقة اللفظ بالكلمتين كما نقرؤها
فنخلص إلى أن فائدة الألف الزائدة تدور بين ما يلي:
1 - بيان أن الهمزة في الكلمة الثانية مفتوحة
2 - زيادة في الحسنات وإن لم تلفظ
3 - أسرار أخرى علمها عند الله
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[15 Jan 2006, 11:32 ص]ـ
أخي القرطبي
من أين جئت بأن رسم الصحابة مخالف لرسم المعاصرين لهم من العرب في قولك: (وبذلك يكون رسمهم رضوان الله عليهم مخالفا للرسم الإملائي المعروف عند العرب إذن فهو مليئ بالأخطاء, حاشى لله, وهذا لايقبله عقل متزن .. !)؟
فهل تستطيع أن تثبت المعروف عند العرب، حتى تثبت مخالفة رسم الصحابة له؟!
والذي يحسن أن يُعلم في الرسم أمور منها:
1 ـ أن الرسم في جميع لغات العالم يعترضه النقص والزيادة، وليس ذلك من خصائص رسم المصحف ولا الرسم الإملائي عند العرب.
2 ـ أن الرسم الإملائي عند العرب المسلمين قد تطور عن رسم المصحف، وصار يخالف رسم المصحف في أمور كثيرة، ولكل عصر من العصور طريقته في الرسم، ومن قرأ في المخطوطات ظهر له ذلك جليًّا.
3 ـ أن الحكم بخطأ رسم الصحابة لا يصدر إلى عن غفلة او جهل؛ لأن المخطِّئ يقيس رسمهم بالرسم الذي بين يديه، وفي ذلك من الخطأ ما هو معلوم، إذ فيه حمل لرسم الصحابة على مصطلحات رسمية حدثت بعدهم.
4 ـ أن الاختلاف الوارد في رسم الصحابة إنما كان على سبيل التنوع، فذلك كان موجودًا في عصرهم، هذا الرسم وذاك الرسم، ولك ان تراجع باب المقطوع والموصول، فغنك مهما اجتهدت في استنباط علة المقطوع والموصول، فإنك لن تجد لذلك سبيلاً في تعليل مقنع، وقس على هذا ما ورد في كتابة (لأذبحنه) وكتابة (ولأوضعوا) وغيرها.
وإن قلت: ما الدليل على التنوع؟
فالجواب: رسم الصحابة انفسهم، فهو الوثيقة الوحيدة التي يمكن الاستناد إليها لإثبات هذا الاختلاف، سواءً أكان في المصحف العثماني أو في الرسوم التي ثبتت خارجه، كما ورد في اختلافهم في كيفية رسم (التابوت) هل هي بالتاء المفتوحة أو بالتاء المربوطة؟
وغيرها من الأمثلة التي وردت عن عائشة وعثمان، فكلها تدل على اختلاف التنوع في الرسم عندهم، والله أعلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[ابن رشد]ــــــــ[15 Jan 2006, 04:00 م]ـ
اقتباس مما ذكره فضيلة الدكتور مساعد الطيار:
4 ـ أن الاختلاف الوارد في رسم الصحابة إنما كان على سبيل التنوع، فذلك كان موجودًا في عصرهم، هذا الرسم وذاك الرسم،
----------------------------------------------------------
و مما قد يؤيد ذلك: نقل ذلك الاختلاف في رسم بعض آيات القرآن بعد ذلك بقرون، حيث أورد الإمام القرطبي - في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " - الآيات من سورة النمل، من الأية رقم (20) إلى الآية رقم (28)، و منها الآية المعنية هكذا:
{لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} ثم أوردها في المسئلة الرابعة هكذا:
(الرابعة: قوله تعالى: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} دليل على أن الحدّ على قدر الذنب لا على قدر الجسد، أما أنه يرفق بالمحدود في الزمان والصفة).
---------------------------------------------
فأورد الرسمين للكلمة، و العبرة بالقراءة المتلقاة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، و هى المنقولة إلينا عن أئمة القراءات، و عليها المعول و إليها المصير،
و مما ورد فيها ما ذكره القرطبي، قال:
(وهو مؤكد بالنون الثقيلة، وهي لازمة هي أو الخفيفة. قال أبو حاتم: ولو قرئت «لأَعَذِّبَنْهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنْهُ» جاز).
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[15 Jan 2006, 04:44 م]ـ
هناك بحث قيم تناول هذا الموضوع بتفصيل علمي دقيق للدكتور غانم قدوري الحمد حفظه الله، وقد سبقت الإشارة إليه في الملتقى العلمي. وهو منشور بمجلة المورد العراقية - المجلد الخامس عشر - العدد الرابع 1407 هـ. من صفحة 27 إلى صفحة 44 بعنوان:
موازنة بين رسم المصحف والنقوش العربية القديمة
وهذا البحث يهدف إلى توضيح موقع (رسم المصحف العثماني) في تاريخ تطور الكتابة العربية، وهو يعتمد في ذلك على حقيقة تتمثل في أن رسم المصحف حمل خصائص الإملاء العربي في الوقت الذي كتب فيه المصحف، وأن النصوص العربية التي كتبت في تلك الفترة تحمل الخصائص الإملائية نفسها التي حملها رسم المصحف، كما يتضح من النقوش العربية التي كتب بعضها قبل العصر الإسلامي وكتب بعضها الآخر في السنوات القريبة من عصر كتابة المصحف العثماني.
إن مراجعة هذا البحث تكشف بإذن الله ما أشكل في سؤال الأخ الكريم (القرطبي)، وتوضح العلاقة بين رسم المصحف والرسم الإملائي، وأن رسم المصحف مرحلة من مراحل الرسم الإملائي لا أقل ولا أكثر.
وقد أعاد الدكتور غانم قدوري الحمد نشر هذا البحث القيم في كتابه الأخير (أبحاث في علوم القرآن) الذي سبقت الإشارة إليه في مشاركة سابقة بعنوان:
صدر حديثاً كتاب: (أبحاث في علوم القرآن) للدكتور غانم قدوري الحمد ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?t=4355)
ـ[فاروق]ــــــــ[17 Jan 2006, 04:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
جزاكم الله خيرا على تفضلكم بالرد والإيضاح على هذا التساؤل ..
في البداية أريد أن أذكركم أنه كما قدمت نفسي في أول مشاركة لي أني لا أملك العلم الشرعي ,ولا
الاضطلاع الواسع على اللغة العربية, فأنا من الجيل الذي تعلم في الغرب ,وهذه تساؤلات وخواطر لا أريدها أن تبقى حبيسة النفس فأطلق لها العنان لتستقر على صفحات هذا الملتقى فتتلقفها هذه الصفوة الطيبة من أهل الاختصاص فيشرحوها في مشرحة العلوم الشرعية فيحلوا بذلك ما أشكل علي ومن خلالي مجموعة من الأطباء الذين يحاولون جاهدين تدبر كتاب الله .. فاعذروني وتحملوا أسئلتي.!!
عودة إلى موضوعنا:
فلقد حركتم في حب البحث في المراجع, والبركة فيكم .. ,فوجدت هذه الروايات:
جاء في السيرة النبوية لابن هشام: خرج رسول الله إلى حِراء، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها، جاءه جبريل -عليه السلام- بأمر الله تعالى
(يُتْبَعُ)
(/)
قال رسول الله: فجاءني جبريل، وأنا نائم، بنَمَطٍ من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ: قلت: ما أقرأ؟ قال: فغَتَّني به، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال: اقرأ: قلت: ما أقرأ؟ قال: فغَتَّني به، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قال: قلت: ماذا أقرأ؟ قال: فغَتَّني به، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قال: فقلت ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلاّ افتداءً منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. قال: فقرأتها، ثم انتهى. السيرة لابن هشام ج 1/ 25
قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: أَوَّل مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّادِقَة فِي النَّوْم فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْل فَلَق الصُّبْح ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاء فَكَانَ يَأْتِي حِرَاء فَيَتَحَنَّث فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّد - اللَّيَالِي ذَوَات الْعَدَد وَيَتَزَوَّد لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِع إِلَى خَدِيجَة فَيَتَزَوَّد لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْوَحْي وَهُوَ فِي غَار حِرَاء فَجَاءَهُ الْمَلَك فِيهِ فَقَالَ اِقْرَأْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ - قَالَ - فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اِقْرَأْ فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّانِيَة حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اِقْرَأْ فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّالِثَة حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ" اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ - حَتَّى بَلَغَ - مَا لَمْ يَعْلَم " قَالَ فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِره حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَة فَقَالَ " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي " فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْع فَقَالَ يَا خَدِيجَة " مَا لِي؟ " وَأَخْبَرَهَا الْخَبَر وَقَالَ " قَدْ خَشِيت عَلَى نَفْسِي " فَقَالَتْ لَهُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاَللَّهِ لَا يُخْزِيك اللَّهُ أَبَدًا إِنَّك لَتَصِلُ الرَّحِم وَتَصْدُق الْحَدِيث وَتَحْمِل الْكَلّ وَتَقْرِي الضَّيْف وَتُعِين عَلَى نَوَائِب الْحَقّ ثُمَّ اِنْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَة بْن نَوْفَل
......
عن عائشة. قالت لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر (ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد، السيرة لابن كثير1/ 452.
عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله قال رسول الله لعبد الرحمن بن أبي بكر (ائتني بكتف أو لوح) حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر. احمد 23068
عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله وفي البيت رجال فقال النبي هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال بعضهم إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله قوموا. قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم البخاري 4079. البخاري 4078
وفي رواية أخرى: عن ابن عباس قال: قال رسول الله: ائتوني بالكتف والدواة (أو اللوح والدواة) اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا. صحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس عنده شئ ج 2 ص 16 ط عيسى الحلبي، تاريخ الطبري ج 3 ص 193 بمصر. صحيح البخاري كتاب الجزية باب اخراج اليهود من جزيرة العرب ج 4 ص 65 – 66
(يُتْبَعُ)
(/)
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا (الصدقة بعشر أمثالها) والقرض بثمانية (عشر) فقلت يا جبريل ما بال القرض أفضل من (الصدقة) قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة. ابن ماجة 2422.
جاء في كتاب (مناهل العرفان في علوم القران) 1/ 357: لقد قيل ان النبي عرف القراءة والكتابة في آخر امره بعد ان قامت حجته، وعلت كلمته، وعجز العرب في مقام التحدي عن ان يأتوا بسورة من مثل القران الذي جاء به. . . . . وان أمية الرسول صلعم في أول امره إنما كانت حالة وقتية اقتداها إقامة الدليل والاعجاز واضحا على صدق محمد في نبوته ورسالته
عن البراء بن عازب قال: اعتمر النبي صلعم في ذي القعدة، فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول صلعم فقالوا: لا نقر بها فلو نعلم أنك رسول الله ما منعناك ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلى: أمح رسول الله، فقال: لا والله لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله صلعم الكتاب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله لا يدخل مكة سلاحا إلا في القراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع أحدا من أصحابه أراد أن يقيم بها. صحيح البخارى 1186مسلم 4731
وروايات أخرى كثيرة ..
*فما حقيقة هذه الروايات وما مدى صحتها؟
*في رواية سيرة ابن هشام جاءت الصيغة: ماذا أقرء؟ وفي رواية الإمام أحمد جاءت الصيغة: ما أنا بقارئ؟ .. هل الصيغتان تختلفان من ناحية الدلالة اللغوية؟
*في رواية ابن ماجة 2422 .. ما مدى صحة هذا الحديث؟
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها .. فهل يعني هذا أنه قرأها؟؟!
[/ quote]
قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: أَوَّل مَا بُدِئَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّادِقَة فِي النَّوْم فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْل فَلَق الصُّبْح ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاء فَكَانَ يَأْتِي حِرَاء فَيَتَحَنَّث فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّد - اللَّيَالِي ذَوَات الْعَدَد وَيَتَزَوَّد لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِع إِلَى خَدِيجَة فَيَتَزَوَّد لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجَأَهُ الْوَحْي وَهُوَ فِي غَار حِرَاء فَجَاءَهُ الْمَلَك فِيهِ فَقَالَ اِقْرَأْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ - قَالَ - فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اِقْرَأْ فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّانِيَة حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اِقْرَأْ فَقُلْت مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِي الثَّالِثَة حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْد ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ" اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ - حَتَّى بَلَغَ - مَا لَمْ يَعْلَم " قَالَ فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِره حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَة فَقَالَ " زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي " فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْع فَقَالَ يَا خَدِيجَة " مَا لِي؟ " وَأَخْبَرَهَا الْخَبَر وَقَالَ " قَدْ خَشِيت عَلَى نَفْسِي " فَقَالَتْ لَهُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاَللَّهِ لَا يُخْزِيك اللَّهُ أَبَدًا إِنَّك لَتَصِلُ الرَّحِم وَتَصْدُق الْحَدِيث وَتَحْمِل الْكَلّ وَتَقْرِي الضَّيْف وَتُعِين عَلَى نَوَائِب الْحَقّ ثُمَّ اِنْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَة بْن نَوْفَل
......
ـ[ابن رشد]ــــــــ[17 Jan 2006, 06:22 م]ـ
أحسب أن المراد مما ذكر في أعلاه:
ما القول في - أو ما الرد على شبهة - عدم أميّّّّّّة رسول الله صلى الله عليه و سلم،
أى: شبهة - أو حقيقة - معرفته الكتابة صلى الله عليه و سلم؟
- أليس كذلك؟
ليكون الجواب شافيا للسؤال.
ـ[فاروق]ــــــــ[17 Jan 2006, 06:54 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الدكتور أنمار جزاه الله خيرا قال:
*فهذه هي الألف الزائدة والتي يسميها النحاة الألف الزائدة بعد الهمزة المفتوحة المعانقة للام على الراجح من قولين
*ومسألة خط المصحف مما اختلف فيه أهل العلم فبعضهم يرى أن في بعضه اجتهاد من الصحابة
*وهو أن الأولى همزتها مضمومة والثانية مفتوحة
فلرفع اللبس من ضم الكلمة الثانية لتصير على وزن الأولى فتُقرأ
لأُعذبنه عذابا شديدا أو لأُذَّبِحنه /خطأ/
صارت بجلاء
لأُعذبنه عذابا شديدا أو لأَاذْبَحنه /صواب/
وتأمل الفرق بين ضبط الكلمتين لو كتبت الآية بدون ضبط أو تنقيط كما كانت في الصدر الأول فالألف وضعت لبيان فتحة الهمزة في لأاذبحنه لا ضمها كسابقتها في لأعذبنه
أستاذي الفاضل:
هل يصح أن نقول أن في القرآن حرف زائد لنقول هذه ألف زائدة؟
في علمي المتواضع ومما سمعته عن بعض العلماء أنه لا يوجد حرف زائد في القرآن ..
فإذا فهمت فهذه الألف جاءت لرفع اللبس حتى لا تقرأ الألف الثانية مضمومة في لأاذبحنه ..
*لماذا احتفظ بها بعد "ابتداع"أو"اختراع" الضبط والتنقيط؟
*لماذا لانجدها في كلمة لأعدوا و لأوضعوا في سورة التوبة على سبيل المثال؟
*هل يصح أن نقول أن خط المصحف في بعضه اجتهاد من الصحابة رضوان الله عليهم؟
*ألا نقحم هنا العامل البشري الذي يعتريه النقصان؟
ملحوظة: أنا لا أسند إليك أنك من قالها .. ! يا أستاذي الفاضل
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[د. أنمار]ــــــــ[17 Jan 2006, 07:21 م]ـ
أخي الكريم
كلمة "زائدة" هي اصطلاح أهل النحو لا أنني أقر بأن هناك شيئا زائدا لا فائدة منه.
وهو كثير في اصطلاح أهل اللغة وتأمل كلامهم في الإعراب على سبيل المثال،
فليس كل ما أطلقوا عليه زائدا فهو عديم الفائدة، بل لابد أن له منفعة خاصة في القرآن الكريم
كقولهم
يا طالبا خذ فائدة ** بعد إذا ما زائدة
لكن إن تأملت فائدتها اللغوية والبلاغية لاتضح لك أن لها فائدة كالتأكيد ونحوه.
وهنا في مثالنا تأمل كلامي تجدني ذكرت أن للألف فائدة في
1 - الإشارة إلى فتح الهمزة
2 - الثواب عند الله- وقد أسلفت قناعتي بأنه على الحرف المكتوب،
3 - ثم بعد ذلك من الأسرار ما الله به عليم
أما ما سألت عنه بخصوص أمية النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانظر شرح البخاري لابن حجر العسقلاني وشرح الزرقاني على المواهب عند شرح حديث صلح الحديبية
ـ[فاروق]ــــــــ[17 Jan 2006, 09:53 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار جزاه الله خيرا قال:
1 ـ أن الرسم في جميع لغات العالم يعترضه النقص والزيادة، وليس ذلك من خصائص رسم المصحف ولا الرسم الإملائي عند العرب.
هذه لم أستوعبها جيدا .. ! فهلا تفضلتم وزدتموها شرحا حتى لا أجزم برأي يحتمل الخطأ كما نصحني بذلك الدكتور أنمار!
د. عبدالرحمن بن معاضة الشهري جزاه الله خيرا قال نقلا عن الدكتور غانم القدوري الحمد:
* وهو يعتمد في ذلك على حقيقة تتمثل في أن رسم المصحف حمل خصائص الإملاء العربي في الوقت الذي كتب فيه المصحف، وأن النصوص العربية التي كتبت في تلك الفترة تحمل الخصائص الإملائية نفسها التي حملها رسم المصحف، كما يتضح من النقوش العربية التي كتب بعضها قبل العصر الإسلامي وكتب بعضها الآخر في السنوات القريبة من عصر كتابة المصحف العثماني.
*وأن رسم المصحف مرحلة من مراحل الرسم الإملائي لا أقل ولا أكثر
أستاذي الكريم:
القرآن الكريم هو كلام الله المرتبط بصفات الله تعالى: فهوفوق التاريخ والزمان والمكان فنصه
مطلق .. وهو منزه عن الحدوث .. فهل يعقل أن يكون رسم المصحف مرحلة من مراحل الرسم الإملائي؟؟!
لو كان الصحابة رضوان الله عليهم كتبوا الرسم القرآني بخصائص الإملاء العربي لذلك الوقت لوجدنا الآتي:
*تطابق رسم المصاحف في الكلمات نفسها؛ ورسم المصاحف يشير إلى غير ذلك؛ فرسم كلمة (إبراهيم)، في المصحف الذي هو على قراءةورش هكذا: (إبرهيم)، أما في المصحف على قراءة حفص فرسمت كما في مصحف ورش إلا في سورة البقرة، حيث تكرر الاسم 15 مرة، فقدرسمت جميعها هكذا: (إبرهم). وتُرسم كلمة (هامان) في المصحف على قراءة ورش هكذا: (هامن)، وكذلك (قارون)، أما في المصحف علىقراءة حفص فترسمان هكذا: (همن، قرون).
*تطابق رسم الكلمات نفسها في المصحف الواحد؛ ورسم المصاحف يشير إلى غير ذلك و هذه الأمثلة من المصحف الذي هو على قراءة حفص:
كلمة (سبحان) تُكتب دائماً هكذا: (سبحن)، إلا في الآية 93 من سورة الإسراء، فتكتب هكذا: (سبحان).
كلمة قرآن تُكتب دائماً هكذا: (قرءان)، إلا في موضعين:
في الآية 2 من سورة يوسف:" إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون".
في الآية 3 من سورة الزخرف:" إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون".
حيث كتبت في الموضعين هكذا: (قرءناً) بحذف الألف.
*تطابق رسم كلمات المصحف مع الاصطلاح؛ ورسم المصحف يشير إلى غير ذلك، و هذه أمثلة:
كلمة (الأيكة) وردت في القرآن الكريم 4 مرات، كتبت مرتان بالطريقة الاصطلاحيّة، ومرتان هكذا: (ليكة) والهمزة بين اللام والياء. والأمثلة على ذلك كثيرة،منها كلمة رحمة كتبت هكذا رحمت ..
الذي يبدوهنا، والله أعلم، أنّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يُملي والكتبة يكتبون وفق الاصطلاح في وقتهم، وفق اصطلاح العرب في ذلك الزمان ثم لا يلبث، عليه السلام، أن يطلب منهم الخروج على الطريقة الاصطلاحيّة، وذلك وفق أوامر الوحي. وعليه يكون رسم المصحف كله بتوقيف الرسول، عليه السلام، لأنّه عندما يتركهم يكتبون وفق الاصطلاح يكون ذلك منه، عليه السلام، إقراراً لطريقة الكتابة، والإقرار كما هو معلوم من السنّة، وعندما لا يريد، عليه السلام، بتوجيه من الوحي أن يقر، يأمر بتغيير الاصطلاح ...
أفيضوا علينا مما أفاض الله عليكم ..
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الكشاف]ــــــــ[17 Jan 2006, 11:55 م]ـ
ليسمح لي الأخوان د. مساعد الطيار، ود. عبدالرحمن الشهري بالجواب، وأرى ذلك حقاً علينا معشر الأعضاء نقوم به حيال الموقع الذي نشرف بعضويته، غير أني أشترط فيمن يتولى الرد العلم.
أولاً:قول الدكتور مساعد الطيار: (الرسم في جميع لغات العالم يعترضه النقص والزيادة، وليس ذلك من خصائص رسم المصحف ولا الرسم الإملائي عند العرب) أ. هـ.
هذه ظاهرة معروفة في اللغات، وهي أن الرسم الإملائي لا يفي بحاجة اللغة المنطوقة، فهناك حروف تكتب في الرسم، ولا تلفظ، وهناك حروف تلفظ ولا تكتب، وليس هذا في العربية فحسب، بل هو في اللغات جميعاً بحسب أقوال الباحثين، وأضرب لك أمثلة من اللغة العربية والانجليزية.
- كلمة (قالوا) لا تنطق الألف التي في آخرها.
- الواو في كلمة (عمرو) لا تلفظ كذلك.
- الواو في كلمة (أولئك) لا تنطق.
- كلمة (هذا) و (هذه) هناك ألف بعد الهاء تلفظ ولا تكتب.
- الألف تكتب ياءً في بعض الكلمات وتلفظ ألفاً، مثل (رمى) (سعى) (مصطفى) فالرسم مغاير للنطق.
- الألف تكتب واواً في كلمات معدودة في رسم المصحف، مثل (الصلوة) (الزكوة). ولكنها تلفظ ألفاً.
وأما في الانجليزية:
- فهناك حروف تكتب ولا تنطق، مثل حرف L في كلمة Talk ، وحرف K في كلمة Knife وأمثلتها كثيرة لمن تتبعها.
- وهناك حروف تكتب وتلفظ بطرق مختلفة. مثل حرف S فإنه ينطق في كلمة Sing سنق، وفي كلمة Rose ينطق روز، وفي كلمة Sugar ينطق شوقر وله نطق غير هذا في كلمات أخرى لا تحضرني.
- وتأمل كلمة Psychology بمعنى (علم النفس) فهي تنطق (فسيولوجي) فأين المقابل الكتابي لصوت الفاء. والمكتوب حرف P ؟
كل هذا من القصور في النظام الكتابي في اللغة الانجليزية.
وأما اللغة الفرنسية والألمانية فلا أعرفها، ولعل من يعرفها في الملتقى - وهم كثر - يذكرون أمثلة لها، غير أن فندريس عالم اللغة الفرنسي الكبير يقول في كتابه (اللغة) - وأنا أنقل من الترجمة العربية - عن اللغة الفرنسية: (ويدهش الإنسان أحياناً بحق عندما يرى اختلاف لغات مثل الانجليزية والألمانية والفرنسية والأسبانية من حيث قيمة الرسم، فرسم الألمانية لا يعد رديئاً، ورسم الأسبانية جيد جداً، أما رسم الإنجليزية أو الفرنسية فسيء ... ألخ) انظر: اللغة 409
هذا فقط محاولة إيضاح لما ذكره الدكتور مساعد الطيار، والأمر فيه تفاصيل كثيرة لمن اراد مراجعتها، والتفقه فيها، ولا أظن الملتقى مكاناً مناسباً لإتقان العلوم، وإنما هو موقع للنقاش في رؤوس المسائل، وأما طلب العلم على أصوله فمعروف أين يكون، وكيف يكون.
وأما قول الدكتور غانم قدوري الحمد الذي نقله الدكتور عبدالرحمن الشهري: (إن رسم المصحف حمل خصائص الإملاء العربي في الوقت الذي كتب فيه المصحف، وأن النصوص العربية التي كتبت في تلك الفترة تحمل الخصائص الإملائية نفسها التي حملها رسم المصحف، كما يتضح من النقوش العربية التي كتب بعضها قبل العصر الإسلامي وكتب بعضها الآخر في السنوات القريبة من عصر كتابة المصحف العثماني وأن رسم المصحف مرحلة من مراحل الرسم الإملائي لا أقل ولا أكثر). أ. هـ.
فهو كلام عالم محقق، وهو الحقيقة العلمية التي تدل عليها الدراسات، وهناك فرق بين القرآن الكريم الذي نزل به جبريل عليه السلام، وبين رسم المصحف رسماً إملائياً. فالقرآن قد نزل منطوقاً لا مكتوباً، والكتابة التي كتب بها المصحف هي الرسم الإملائي الذي كان في عهد الصحابة رضي الله عنهم. ولمعرفة تفاصيل هذه المسألة راجع ما كتبه الدكتور غانم الحمد في كتابه القيم (رسم المصحف) فكله يدور حول هذه المسألة، ويكفي في ذلك مراجعة البحث الذي أشار له الدكتور عبدالرحمن الشهري (موازنة بين رسم المصحف والنقوش العربية القديمة) للدكتور غانم الحمد أيضاً.
وأما قول الأخ الذي سمى نفسه القرطبي: (القرآن الكريم هو كلام الله المرتبط بصفات الله تعالى: فهو فوق التاريخ والزمان والمكان فنصه مطلق .. وهو منزه عن الحدوث .. فهل يعقل أن يكون رسم المصحف مرحلة من مراحل الرسم الإملائي؟؟!). فأوله وهو قوله (القرآن الكريم كلام الله) صحيح. وأما قوله (المرتبط بصفات الله ..... ) فهذا كلام لم أسمع به من قبل، وهو فيما يبدو من عند الأخ السائل، وآخره يدل على عدم استيعابه للموضوع، والأمثلة التي أوردها عن رسم إبراهيم تؤيد ما ذكره الدكتور مساعد الطيار من اختلاف التنوع في الرسم الإملائي أيام الصحابة.
ونصيحة أوجهها للجميع ممن يكتب في الموقع أن يراعو حق العلم في الكتابة، فلا يتجاسروا على التقدم بين يدي المتخصصين بالكتابة المتسرعة، والإجابة على الأسئلة على غير علم، فالموقع علمي متخصص في الدراسات القرآنية، وليس مكاناً للخواطر والتباريح السانحة، والتعليقات المجتزأة التي تدل على عدم احترام عقل السائل والقارئ.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[فاروق]ــــــــ[18 Jan 2006, 01:17 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أستاذي الكريم الكشاف:
أولا أنا لم أسمي نفسي القرطبي فهذا اسمي فعلا ولا أمت إلى المفسر الكبير القرطبي بأية صلة:لا نسبا ولا علما ولم أدعي ذلك وإن أحببت فلأغيره بكنية أخرى مثلا:"الجاهل" لا مشكلة عندي!!
أنا لم أتجاسرعلى التقدم بين يدي المتخصصين بالكتابة المتسرعة بل هي تساؤلات لم أرد أن تبقى حبيسة النفس .. كما أسلفت وطرحتها بأسلوب مؤدب فلو لاحظتم أستعمل دائما كلمة أستاذي وليس أخي!! وهذا أكبر دليل على احترامي من أخاطب .. وبما أن هذا الملتقى هولأهل الاختصاص فنطرح عليهم ما أشكل علينا ومن واجبهم أن يردواعلينا مما أفاض الله عليهم فيكشفوا لنا ماجهلناه .. فأنا لم أقل في ذلك برأيي بل نقلت ما قرأت .. كما يفعل الجميع .. قد أسيئ التعبيرأوالطرح وقد ذكرت ذلك في البداية. فإن ظهر المعنى من خلال كلماتي فهذا يكفي .. فلا تقسو علينا يا أستاذي الكريم .. وقوموا ما اعوج منا ولكم منا جزيل الشكر ..
أما قولي بأن القرآن متعلق بصفات الله تعالى أنكرتموه دون توضيح .. ومن الخطإ يتعلم الإنسان.!
وإن كان خارجا عن الموضوع!
أستاذي الكريم:من حق المشرفين على هذا الموقع المبارك أن يلغوا عضويتي أوبالأحرى مشاركاتي إذا رأوا أن أسئلتي وما أكثرها لاترقى إلى مستوى هذا الملتقى المتخصص .. فالله المستعان ..
أستاذي الكريم:وأنا أقرأالقرآن الكريم فتلفت نظري الآية التي كانت محل تساؤلي الأول هل أكون متجاسرا أوآثما إذا استفسرت عنها؟!
ولكم منا جزيل الشكر جميعا .. في انتظار إشارة من المشرفين .. !
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Jan 2006, 02:30 م]ـ
الأخ الكريم القرطبي: ليس فيما تسأل عنه بأس، ولسنا في الملتقى جميعاً إلا متعلمين يتعلم بعضنا من بعض. ولم أجد في كلام الأخ الكشاف ما ينتقدك فيه، ولعله ينبه تنبيهاً عاماً لنا جميعاً ألا يتصدى للجواب على الأسئلة في الملتقى إلا من يجيد الجواب، سواء من المشرفين أو من غيرهم، وهذه نقطة مهمة أشكره على التنبيه عليها، وأؤكد على ذلك.
وأما جواب الأخ الكشاف على الأسئلة التي غمضت عليك فقد أجاد فيه، وكنت أريد الجواب عن أسئلتك، فلما رأيت جوابه توقفت، حيث أتى على المراد وفقه الله.
ولكن لم أرك عقبت على موضوع سؤالك: هل اتضح لك المقصود من كلام الدكتور مساعد الطيار والدكتور غانم الحمد أم ما زال هناك بقية تحتاج إلى إيضاح ونقاش؟
أنتظر جوابك وفقك الله وسددك.
ـ[أبو لبابة]ــــــــ[18 Jan 2006, 02:51 م]ـ
الأخ "القرطبي" حفظه الله
لا أرى فيما أشار الأخ الكشاف إليك بقوله "الأخ الذي سمى نفسه القرطبي " أي انتقاص أو تعريض لسبب وجيه وهو عملية الالتباس القائمة من خلال تشابه اسمك الذي تقول إنه اسمك الحقيقي واسم العلامة القرطبي صاحب التفسير المعروف، ولا يخفى عليك أخي الكريم أن الملتقى علمي شرعي مخصص للتفسير وعلوم القرآن، ولذلك فإني أقترح على كل من يسمي نفسه باسم من أسماء الأئمة الأعلام المعروفين كالقرطبي وابن حجر والنووي وغيره أن يغير اسمه وإن كان اسما حقيقيا له أو جزءا من اسمه الحقيقي منعا للالتباس، والله الموفق.
ـ[فاروق]ــــــــ[18 Jan 2006, 03:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أستاذي الفاضل:أشكرك على هذه الالتفاتة الطيبة .. تعقيبا على موضوع سؤالي بدأ الخيط الأبيض يتبين من الخيط الأسود ولازلت طامعا في كرم علمكم في ما يخص الروايات التي نقلتها .. أعلاه ..
فيما يخص اقتراح الأستاذ أبو لبابة فأنا أستبدل "القرطبي" بالشق الثاني من اسمي "فاروق" ..
فليفعل ..(/)
القرآن الكريم والمادة الكونية المظلمة
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[16 Jan 2006, 02:39 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأخوة الفضلاء، أسأل الله ان أستفيد من علمكم في هذا المنتدى المبارك، وكنت قد كتبت هذا البحث المختصر قبل زمن، وأرجو أن يكون فيه ما يفيد:
القرآن الكريم والمادة المظلمة ( Dark Matter)
القرآن يشير إلى ان الظلمة التي تملأ أرجاء الكون عبارة عن نوع من أنواع المادة. وقد أشار إلى هذه الحقيقة علماء فيزيائيون كبار أمثال: ستيفن هوكنج وروجر بنروز وباحثون فلكيون أمثال جي إيناستو و وأي كاسك و وإي سار وجمع كثير من العلماء. وفي شرح للعملية التي شجعت على الإقرار بوجود هذه المادة يقول جي إيناستو بأن بداية الإكتشاف كانت عن طريق قياس كتل المجرات وذلك باستعمال طريقتين: الأولى قياس كتلة المجرة كجسم واحد يدور ومع دورانه تزداد كتلته والثانية بقياس الأجرام النيرة فيها كل على حدة ثم جمع كتلها إلى بعضها البعض، وبعد هذه المحاولات كانت المفاجأة حيث وجدوا فرقا في مقدار الكتلة بين المقدارين الناتجين من كل من الطريقتين، وفسروا هذا فقالوا: هذا غريب جدا ... لا يمكن أن يكون هناك حل إلا شيئا واحدا وهو وجود مادة غير مرئية تملأ هذه الفراغات تسببت في إحداث فرق الكتلة. ومن ثم أسموا هذه المادة "المادة السوداء أو المظلمة" ( Dark Matter) ثم تعارف العلماء بعد ذلك على أن "الظلمة" الموجودة في الفضاء والمحيطة بالأرض ليست نتيجة للفراغ وفقاً للإعتقاد السائد ان الفراغ يورث الظلمة ... وإنما هي ناتجة عن نوع من التكدس والتجانس لمادة سوداء كونت هذه الظلمة التي نراها. وقد انتظم في هذا السلك علماء آخرون أشهرهم أوورت حيث اكتشف بين عامي 1932 و1965 وجود هذه المادة محيطة بالشمس وكل من كيبتيان وجينز و لندبلاد عام 1922 حيث اكتشف هؤلاء الثلاثة أن نفس المادة تملأ مساحات شاسعة من مجرتنا وكذلك العالم زويكي حيث أعلن في عام 1933 أن هذه المادة تملأ المساحات التي بين المجرات وعرفت بإسم ( Extragalactic dark matter) أي المادة المظلمة التي تملأ ما بين المجرات.
وإشارة القرآن إلى هذه الحقيقة تأتي في معرض الوعيد للكفار الذين كابروا وكذبوا وذلك في سورة يونس حيث يصور فيها حالهم يوم القيامة. يقول تعالى:"والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" والشاهد من الآية هو قوله تعالى:"قطعاً من الليل مظلما" وبما أن العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء، فإن القرآن يزيد هذه الحقيقة تأكيداً بوصف الظلمة على أنها قابلة لأن تكون "قِطَعًا" ولا يقبل الشيء ان يكون قطعاً إلا إذا كان محسوساً ملموساً له جرم وهيئة ومقدار. ولذلك قال ابن جرير الطبري رحمه الله:" القول في تأويل قوله تعالى: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما} يقول تعالى ذكره: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعا من الليل , وهي جمع قطعة" (انتهى كلامه رحمه الله) ثم ذكر بعد ذلك أن هذه القراءة –أي "قطعاً" بفتح الطاء- هي قراءة عامة قراء الأمصار. ولهذا لا يعقل أن يعبر عن "الفراغ المحض أو اللاشيء" بأنه قطع وأنه قابل للتجزئة ولذلك أتبعت الآية بقوله:"مظلما" فهي صفة لهذا الموجود الذي هو الليل، وفي اللغة "من" تأتي للتبعيض ولا يتبعض الشيء إلا إذا كان له مادة او هيئة ليقبل التفرق والتبعض ولا يكون فراغاً.
ومما يؤكد ان الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلاً من أشكال المادة قوله تعالى:"وأغطش ليلها" قال ابن عباس رضي الله عنه " أغطش ليلها " أظلمه وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وجماعة كثيرون. وقال ابن جرير الطبري أيضاً: (وقوله: "وأغطش ليلها" يقول تعالى ذكره: وأظلم ليل السماء، فأضاف الليل إلى السماء لأن الليلَ غروب الشمس، وغروبُها وطلوعها فيها، فأُضيف إليها لما كان فيها .. " ولهذا كانت إشارة ابن جرير- رحمه الله - هنا إشارة لطيفة ودقيقة عندما نبه على إضافة الليل إلى السماء ومن قبل ذلك غطش الليل فلما كان الليل هو المغطوش كانت السماء كذلك لأن الليل صفة لماهيتها ولأن الأصل في السماء الدنيا الظلمة لا الإنارة والسطوع كما هو معلوم. ولوكانت ساطعة منيرة لما كان هناك ليلا نسكن فيه.
وعند الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن "أغطش" أي: "جعله مظلما". وعلى هذا لوكان الليل مظلما بذاته لما جعله الله مظلماً ولما احتاج الليل إلى أن يغطشه سبحانه وتعالى. ومن ذلك نفهم أن الظلمة مجعولة ولها كم وهيئة ولكن عدم قدرتنا على رؤية هذه الظلمة على نحو متجسد واضح كرؤيتنا للأجسام الأخرى ناتج عن عدم قابلية هذه المادة لخاصية انعكاس الضوء ولو كانت قابلة لذلك لأنار الكون وشع كما ذكره غير واحد من علمائهم مثل أولبر وغيره وكما هو واضح بالدليل العقلي، حتى قال العالم دي دبليو سياما عن العلم الذي يدرس هذا المجال:"كان يسمى هذ العلم فلك العالم الخفي" ولذلك لو شع الكون وأنار لما كان عندنا ليل نسكن فيه وننام. فكان من حكمة الله تعالى ان "أغطش" الليل أي جعله مظلماً بعد أن لم يكن مظلما. ومن هذا ندرك عظمة القسم في قوله تعالى:"فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون" حيث أن هذه المادة داخلة في مالا نبصره وهذه المادة تملأ قدراً عظيماً من مساحات الكون مما يجعل هذا القسم من أعظم القسم، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[الكشاف]ــــــــ[18 Jan 2006, 12:02 ص]ـ
معلومات قيمة بورك فيك وفي علمك، ويبدو أنك متخصص في الفيزياء.
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[18 Jan 2006, 04:10 ص]ـ
الأخ الفاضل عبدالله الشهري كأنك تقول ان المادة السوداء dark matter هي سبب الظلمة في الكون .. لكن المعروف عنها ان لا لون لها بل لا يمكن ادراكها الا بطرق غير مباشرة كما اشرت انت في مقالتك ..
هل من مصدر يشرح هذه النقطة بتفصيل اكثر؟
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[18 Jan 2006, 09:20 م]ـ
بارك الله فيكما وزادكما من فضله،
أخي الكشاف، في الحقيقة - لكي لا يتشبع ابن آدم بما لم يعط - أنا أحب القراءة في الفيزياء ولست متخصصا، ونصيحتي لكل طالب علم أن يتزود من العلوم النافعة قدر ما يستطيع فإن زيادة العلم تأتي على قدر زيادة الهمة، وقد قال الإمام القرافي - رحمه الله تعالى - في كتابه الذخيرة (5/ 502): (وكم يخفى على الفقهاء والحكام الحق في كثير من المسائل بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة، فينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الإطلاع على العلوم ما أمكنهم ذلك. فلم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام) أ. هـ.
أخي عبدالله حسن، سؤال في محله، وظلمة الكون لا تخرج عن احتمالين:
1 - أن تكون غير مخلوقة، وبالتبع غير مجعولة، فيكون العدم من أصله أسودا، هكذا في ماهيته.
2 - ان تكون مجعولة، ولها حقيقة مادية، فيقتضي ذلك ان العدم مجرد عن الصفة، وذلك ان الموجودات "ذوات" و "أعراض"، والعدم يلزم منه وجوباً انتفاء وجود الذات وهذا لزوماً يوجب عدم الأعراض كذلك، واللون عرض قائم بالذات، وهكذا.
والثاني هو الصواب لدلالة النقل والعقل عليه. اما مسألة ما إذا كانت هذه المادة المظلمة التي تكلم عنها العلماء هي ذاتها السبب في ظلمة الكون، فهذا ما أرجحه.
ولقد ظن الناس أن ظلمة الكون ناشئة عن العدم، وهذه مفارقة عظيمة، إذ كيف يكون للعدم لون يُرَى ويشاهد؟
ثم إن الأدلة من كتاب الله عز وجل قد دلت على امتلاء كل جزء من أجزاء هذا الكون بمادة بناء، كما يفهم من قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد * وإنا لموسعون)، وكما في قوله تعالى (الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام)، وغيرها من الأدلة كثير.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[19 Jan 2006, 03:02 ص]ـ
لمزيد من المعرفة:
أقامت الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة: المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
و كان مما عرض فيه موضوع:
" المادة السوداء في منظور القرآن الكريم "
بحث مقدم من د. أنيس الراوي
والبحث كاملا مرفق بهذه الصفحة (في الرابط أدناه)،
- و يوجد على شكل ملف وورد word في أعلى يسار تلك الصفحة،
و بالضغط عليه ينفتح ذلك الملف بصفحاته
http://www.nooran.org/H/H2/1.htm
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[19 Jan 2006, 08:32 م]ـ
بحث طويل وماتع وفيه فوائد علمية جيدة، أحسنت على إطلاعي عليه، وقد كنت أعلم أن هناك من كتب في نفس الموضوع ولكني انبه على أن بحثي المختصر أعلاه فيه إشارة لطيفة - هكذا أحسب والله الموفق - إلى المادة الكونية المظلمة عن طريق استدلال مختلف واستنباط مغاير، ويتضح ذلك مباشرة بالمقارنة بين البحثين، وهذا لتجنب أي التباس قد ينشأ من كتابة الباحث د. أنيس الراوي في نفس الموضوع، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
والبحث على ملف وورد هنا لمن شاء تحميله.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[19 Jan 2006, 09:16 م]ـ
[ولكني انبه على أن بحثي المختصر أعلاه فيه إشارة لطيفة - هكذا أحسب والله الموفق - إلى المادة الكونية المظلمة عن طريق استدلال مختلف واستنباط مغاير،.
_______________________________________________
أخى الكريم:
قلتم:
[[ثم إن الأدلة من كتاب الله عز وجل قد دلت على امتلاء كل جزء من أجزاء هذا الكون بمادة بناء، كما يفهم من قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد * وإنا لموسعون)، وكما في قوله تعالى (الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام)، وغيرها من الأدلة كثير]].
- ما وجه الدلالة من الآيتين على ما ذكرته آنفا؟
- و هل ذلك " الفهم " يعتد به بحيث يعد " دليلا " معتبرا علما و شرعا؟
(يُتْبَعُ)
(/)
أحسب أن هذا و ذاك في حاجة إلى تدقيق و تحقيق و توثيق، ليكون الاستدلال في موضعه و الاحتجاج في محله، صونا للقرآن الكريم و سموا به
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[20 Jan 2006, 01:25 ص]ـ
بارك الله فيك، أخي الكريم أراك اقتبست من كلامي عن مضمون البحث "الأصلي"، إذاً فهو عن البحث المدرج أعلاه، ولذلك كي تتفهم مرادي بهذا الاقتباس ارجع - فضلاً لا أمراً جزاك الله خيرا - للبحث نفسه، كما لا يخفى.
أما الجواب على سؤالك:
- ما وجه الدلالة من الآيتين على ما ذكرته آنفا؟
فلفظ "البناء" يعني عدم خلوها من المادة التي خلقها الله تعالى، وخلقها الله "بأيد" أي بقوة، قال صاحب الشمقمقية في زهر الأفنان:
وهب لأيديهن أيداً ولها = = متناً متيناً ما خلا عن مصدق
أي وهب لأيديهن قوة تتمكن بها - أي الإبل - من السير.
ويؤيده قوله تعالى (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها و زيناها و مالها من فروج)
والآية كما ترى فيها تقرير بالإثبات و توكيد بالنفي، فهي "مبنية"، بنص الآية، ولما كان هناك مجال لتوهم وجود فراغات أو صدوع في هذا البناء المحكم أزال هذا الوهم المحتمل بقوله (ومالها من فروج)، وبالتالي فكل جزء من أجزاء الكون مليء بمادة البناء هذه، ولكن انبه على التفريق بين مادة البناء واللون "الأسود" الذي تحدثت عنه في بحثي، وبه صار الليل مظلما، إذ هو عرض قائم بهذه المادة البنائية التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، وإن كان لها تعلق بموضوع القوى الماسكة للكون بقدرة الله تعالى، (يسميها العلماء: القوى الأربع: النووية الضعيفة، والنووية القوية، والقوة الجاذبية، والقوة الكهرومغناطيسية ... ولها تفصيل آخر، لو بينته لأخرجنا عن الموضوع الأصلي)
أما وجه الدلالة من قوله تعالى (الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام)
فهو قوله (وما بينهما)، و "ما" هنا إما أن تكون "ما" المصدرية أو "ما" الموصولة، وفي كلٍّ فالمعنى في نهاية المطاف يشمل كل شيء بين السماوات والأرض، بما في ذلك مادة البناء، ولفظ "البناء" كما لا يخفى لفظ استعمله القرآن في أكثر من موضع.
أما الجواب على سؤالك:
- و هل ذلك " الفهم " يعتد به بحيث يعد " دليلا " معتبرا علما و شرعا؟
وأنا بدوري أقول: متى كان الفهم لوحده يعتد به كدليل شرعي؟ أليس الدليل الشرعي شيء والفهم شيء آخر، وبالتالي المقابلة بينهما مقابلة بين ما لا يقبل المقابلة من الأساس، كما هو معلوم لمن كان له أدنى حظ من النظر. وكأني بك تقول: هل ذلك "الدليل العقلي" - لأن الفهم دليل عقلي في الحقيقة - يعتد به بحيث يعد "دليلا" معتبرا علما وشرعا؟! ومثلك لا يخفى عليه مافي الجمع بين هذين المفهومين من التضاد، ولو كان مجرد جمع بين "خلافان"، كما يذكره الأصوليون مثل ابن النجار في مختصر التحرير وغيره، لساغ التساؤل ولا إشكال.
ولكن يبقى الأمرالآخروهو: أن يعتد به (أي الفهم) كدليل علمي (أي عقلي)، لا شرعي، ففي هذه الحالة هذا ممكن، ومادام الأمر متعلق بمسألة الفهم بالدرجة الأولى، فإن سؤالك ينسحب أيضاً على كل مافي البحث الذي أحلتني عليه كذلك، للفاضل د. أنيس الراوي، وإلا فما الذي يجعل فهمه بمنأى عن هذا التساؤل؟
وأما قولك - ايها الفاضل -:
أحسب أن هذا و ذاك في حاجة إلى تدقيق و تحقيق و توثيق، ليكون الاستدلال في موضعه و الاحتجاج في محله، صونا للقرآن الكريم و سموا به
بارك الله فيك وزادك الله حرصا، ولكن قولك "هذا وذاك" أيضاً كلام مبهم يحتاج إلى تدقيق وتحقيق، فما هو هذا وذاك في عرف أهل العلم، وما ضابطه، وقيده؟ ومع ذلك أخي الفاضل لا أخفيك أن عبارتك أشعرتني بأني أقوم بعمل يضاد صون القرآن، وأني أقوم بما يمس سموه، فهل شعوري هذا صحيح أخي الكريم؟
أخي، أنا أرحب بالمداخلات العلمية، أي تبين لي مكان الغلط في المعلومة العلمية (العقلية) أو الشرعية، وذلك بالنص والتحديد، ثم تقدم دليلك العقلي وكذا الشرعي وكذا اللغوي، أما أن نقول هل فهمك يافلان من الناس دليل شرعي يعتد به، وهل، وهل؟ فهذا جوابه معروف، مسلم به، قبل أن يطرح مثل هكذا سؤال.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولذلك فتساؤلك: ما وجه الدلالة من الآيتين على ما ذكرته آنفا؟ أقول تساؤلك هذا هو التساؤل الصحيح، الدال على الرغبة في استيضاح الجواب ومعرفة أصل الفكرة. وهو النوع من التساؤلات الذي يذكي المدارسة وتبادل المعرفة، وهو أكثر فائدة من تساؤلك الثاني: و هل ذلك " الفهم " يعتد به بحيث يعد " دليلا " معتبرا علما و شرعا؟
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Jan 2006, 03:43 م]ـ
أخي الكريم عبدالله الشهري: حياك الله بين إخوانك في ملتقى أهل التفسير، وأسأل الله لكَ وللجميع مزيداً من التوفيق والسداد. ويعجبني حرصك وعنايتك بالعلم الشرعي مع تخصصك في دراسة اللغة الانجليزية كما يبدو لي من توقيعك، ومن أخذ العلم بحقه، وأتاه من أبوابه فتح الله عليه بما يشاء.
والكلام الذي نقلتَهُ - مشكوراً - عن الإمام القرافي كلامٌ جميلٌ، وليتنا ننتفع به، وقد كان الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت684هـ) - مع إمامته في الفقه والاستنباط وغيره من علوم الشريعة - أحد البارعين النوادر في صناعة الساعات الفلكية، وقد ذكر في كتابه الثمين (نفائس الأصول في شرح المحصول) 1/ 108 وهو يبحث في فصل (الكلام في اللغات) عن الدلالة الصوتية: هل مجرد الصوت يدل على صاحبه؟
فبين أنه لا يكفي أن نسمع الصوت فنقول: إنه لا بد من شخص صاحب لهذا الصوت، لأن الصوت يصنع في غير الإنسان.
ثم قال: (بلغني أن الملك الكامل، صُنع له شمعدان - وهو عمود طويل من نحاس، له مراكز يوضع عليها الشمع للإنارة - كلما مضى من الليل ساعةٌ انفتح باب منه، وخرج منه شخصٌ يقف في خدمة الملك، فإذا انقضت عشر ساعات، طلع الشخص على أعلى الشمعدان، وقال: صبح الله السلطان بالخير والسعادة، فيعلم أن الفجر قد طلع.
وقد عملتُ أنا - أي القرافي - هذا الشمعدان، وزدت فيه أن الشمعة يتغير لونها كل ساعة، وفيه أسدٌ تتغير عيناه من السواد الشديد إلى البياض الشديد، إلى الحمرة الشديدة، في كل ساعة لها لونٌ، وتسقط حصاتان من طائرين، ويدخل شخصٌ ويخرج شخص غيره، ويغلق باب ويفتح بابٌ، فإذا طلع الفجر طلع الشخصُ على أعلى الشمعدان، وإصبعه على أذنه يشير إلى الأذان، ولكني عجزتُ عن صنعة الكلام، ثم صنعت صورة حيوان يمشي ويلتفت يميناً ويساراً، ويصفر ولا يتكلمُ).أ. هـ.
قال الشيخ عبدالفتاح أبو غدة رحمه الله تعليقاً على كلام القرافي في كتابه [صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل ص28]: وهذا ذكاءٌ خارقٌ عجيب فريد من الإمام القرافي، في اليد الصناع، والذهن المبدع، مع الإمامة في أصعب العلوم: الأصول والفقه، رحمة الله تعالى عليه). وأحال في الحاشية إلى بحوث توسعت في هذا الباب فذكر منها:
- التصوير عند العرب للأستاذ أحمد تيمور باشا رحمه الله.
- قطرات الدمع فيما ورد في الشمع لابن طولون الدمشقي.
- (علماء فنانون: الإمام القرافي) للأستاذ عبدالمجيد وافي. نشر في مجلة الوعي الكويتية في عددها 40 من السنة الرابعة 1388هـ.
وأما استدلالك على ما تفضلت به من الإشارة إلى المادة السوداء التي ترى أنها المكونة للظلام الدامس الذي يحيط بالكون ونرى بعضه، فأراك قد وفقت في ذلك، وشرحت بما يكفي في نظري القاصر، لكن ما تزال مثل هذه القضايا - ما دام للنظر فيها مجال - ميداناً واسعاً للحوار والأخذ والرد بين العلماء والباحثين، حتى تكتمل الصورة، ويزول اللبس الذي يعرض، ولا سيما مع شدة الحرج في القطع بالقول الصحيح في تفسير آية من آيات القرآن تحتمل هذا القول وغيره، وهذا ما دعا الأخ ابن رشد للتذكير بما قال.
وفقكم الله للحق، ونفعنا جميعاً بالعلم.
ـ[أمين نورشريف]ــــــــ[20 Jan 2006, 05:40 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وإن لم يكن هذا موضوعنا يا أبا عبد الله ولكن أليس تصوير ذوات الأرواح بالمحرم؟
قوله- أي القرافي -: ثم صنعت صورة حيوان يمشي ويلتفت يميناً ويساراً، ويصفر ولا يتكلمُ).أ. هـ.
دمتم لمحبكم في الله
أمين
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[20 Jan 2006, 06:34 م]ـ
حياك الله أخي العزيز أمين وجميع الإخوة في مونستر
هذا السؤال توجهه للقرافي رحمه الله، والرأي فيه معروف لديكم، لكن لعله دفعه حبُّ الاختراعِ والتصنيع، فذهل عن الحكم، أو لعله احتال للخروج من النهي، بأن صوره بصورة غير مكتملة بطريقة أو بأخرى والله أعلم، لكن الموضوع الأصلي هو فكرة القدرة العلمية على الاختراع والتصنيع لمخترعات يظن البعض أنها حكر على ما يسمى الآن المجتمعات الصناعية في الغرب والشرق، وأن المسلمين ليس لهم مشاركة فيها. ولا أظن هذا يخفى عليك.
ـ[أمين نورشريف]ــــــــ[20 Jan 2006, 07:15 م]ـ
بورك فيك يا أبا عبدالله وإنها والله لنعمة عظيمة أن يوفق المرء للجمع بين العلم الشرعي والدنيوي
نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم
دمتم لمحبكم في الله
أمين
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[20 Jan 2006, 08:21 م]ـ
أسعدتني تعقيباتكم النافعة، وإضافاتكم المفيدة، ومن أهل العلم: ابن رشد، وعبدالرحمن الشهري، وأمين الشريف، وسائر المشاركين نستفيد ونتعلم ونعلم.
أما مكانة القرافي - رحمه الله - فإنك لو تأملت فترة حياته لوجدتها معاصرة لأوج الازدهار العلمي والعمراني لحضارة المسلمين، لا سيما الأندلس، واستتباع ترجمة الكتب والعلوم الأجنبية - غضاً للطرف عما في بعضها من الدخن - في عهد كل من المأمون والمعتصم بالله، بل أضف إلى ذلك أن فترة حياته قد واكبت عصراً كثرت فيه النزاعات السياسية والاجتماعية آنذاك، ومع ذلك لم يصرفه حال أمته عن العمل للحاضر وصناعة النجاح، بعكس الحال اليوم - إلا ما ندر -، الناس قد أشغلتهم أحوال الأمة بالأسى والتأسف عن العمل والجد.
ـ[ابن رشد]ــــــــ[21 Jan 2006, 01:52 ص]ـ
والشاهد من الآية هو قوله تعالى:"قطعاً من الليل مظلما" وبما أن العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء، فإن القرآن يزيد هذه الحقيقة تأكيداً بوصف الظلمة على أنها قابلة لأن تكون "قِطَعًا" ولا يقبل الشيء ان يكون قطعاً إلا إذا كان محسوساً ملموساً له جرم وهيئة ومقدار. ولذلك قال ابن جرير الطبري رحمه الله:" القول في تأويل قوله تعالى: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما} يقول تعالى ذكره: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعا من الليل , وهي جمع قطعة" (انتهى كلامه رحمه الله) ثم ذكر بعد ذلك أن هذه القراءة –أي "قطعاً" بفتح الطاء- هي قراءة عامة قراء الأمصار. ولهذا لا يعقل أن يعبر عن "الفراغ المحض أو اللاشيء" بأنه قطع وأنه قابل للتجزئة ولذلك أتبعت الآية بقوله:"مظلما" فهي صفة لهذا الموجود الذي هو الليل، وفي اللغة "من" تأتي للتبعيض ولا يتبعض الشيء إلا إذا كان له مادة او هيئة ليقبل التفرق والتبعض ولا يكون فراغاً.
.
----------------------------------------------------------
الأخ عبد الله الشهرى
هوّّّّن على نفسك و لا تغضب من دعوتى لك - و لكل من يحاول أو يجتهد فى تلمس وجود إشارات إلى المعارف الحديثة في القرآن الكريم - بالتدقيق و التحقيق و التوثيق، فكل ذلك من أسس التأصيل العلمى لمسائل ما يسمى ب " الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم "، و كذا الأمر فيما سماه د أنيس الراوى في بحثه ب " السبق القرآنى "، و قد عقدت " هيئة الإعجاز العلمى في القرآن الكريم و السنة النبوية " عدة مؤتمرات، صدر عنها توصيات و قرارات و ضوابط لذلك التأصيل.
هذا من ناحية،
و من ناحية أخرى فقد تلطف كاتب هذا في تنبيهك لمراجعة ما كتبته في مقالتك الأصلية، و لكنك قابلت لطف القول بخشن الرد في مسألة علمية تتعلق بالاستدلال بالقرآن الكريم،
أما و قد بدر منك هذا، فسأصارحك بأن ما استشهدت به - من الآية: {قطعا من الليل مظلما} - لا دلالة فيه على ما استدللت له، من وجود " المادة السوداء " في الكون، و هذا لا ينفى وجود المستدل له (و هو القول بوجود المادة السوداء)، و إنما ينفى صحة الاستدلال،
و سبب عدم صحة ذلك الاستدلال هو عدم صحة ذلك النقل للتفسير المذكور:
- و قد بنيت استدلالك على ما قاله ابن جرير الطبرى (رحمه الله) في تفسير تلك الآية أو ذلك الجزء منها - و هو إمام كبير و جليل، و كتابه كذلك عمدة المفسرين - و لكن سقطت منه - أو أسقطت - كلمة لو بقيت و ذكرت لبطل ذلك الاستدلال،
* و هناك فرق بين صحة المحتج له و بين صحة الاحتجاج نفسه. فلا يلزم من خطأ الاحتجاج عدم صحة المحتج له.
فقد نقل قول الطبرى هكذ
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[21 Jan 2006, 02:10 ص]ـ
الأخ الكريم عبدالله الشهري:
"أن العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء، "
ما مصدرك في هذه العبارة؟ من من العلماء أشار الى هذا الرأي؟
كيف تفسر تعاقب الليل و النهار هل بحلول وغياب المادة السوداء؟
حتى ان كنت تتكلم عن الكون الخارجي بعيدا عن طبقات الغلاف الجوي فلا أدري من من العلماء المتخصصين في هذه الابحاث يتفق معك
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[21 Jan 2006, 02:47 ص]ـ
الأخ الكريم عبدالله الشهري:
(يُتْبَعُ)
(/)
"أن العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء، "
ما مصدرك في هذه العبارة؟ من من العلماء أشار الى هذا الرأي؟
كيف تفسر تعاقب الليل و النهار هل بحلول وغياب المادة السوداء؟
حتى ان كنت تتكلم عن الكون الخارجي بعيدا عن طبقات الغلاف الجوي فلا أدري من من العلماء المتخصصين في هذه الابحاث يتفق معك
جزاك الله خيرا، أخي الكريم، هذا هو البحث مرة أخرى بتوثيقاته ومصادره، وهي فرصة كذلك للأخ ابن رشد أن يتحقق من توثيقي:
[ align=center] القرآن الكريم والمادة المظلمة ( Dark Matter)
القرآن يشير إلى ان الظلمة التي تملأ أرجاء الكون عبارة عن نوع من أنواع المادة. وقد أشار إلى هذه الحقيقة علماء فيزيائيون كبار أمثال: ستيفن هوكنج (1) وروجر بنروز (2) وباحثون فلكيون أمثال جي إيناستو و وأي كاسك و وإي سار (3) وجمع كثير من العلماء. وفي شرح للعملية التي شجعت على الإقرار بوجود هذه المادة يقول جي إيناستو بأن بداية الإكتشاف كانت عن طريق قياس كتل المجرات وذلك باستعمال طريقتين: الأولى قياس كتلة المجرة كجسم واحد يدور ومع دورانه تزداد كتلته والثانية بقياس الأجرام النيرة فيها كل على حدة ثم جمع كتلها إلى بعضها البعض، وبعد هذه المحاولات كانت المفاجأة حيث وجدوا فرقا في مقدار الكتلة بين المقدارين الناتجين من كل من الطريقتين، وفسروا هذا فقالوا: هذا غريب جدا ... لا يمكن أن يكون هناك حل إلا شيئا واحدا وهو وجود مادة غير مرئية تملأ هذه الفراغات تسببت في إحداث فرق الكتلة (4). ومن ثم أسموا هذه المادة "المادة السوداء أو المظلمة" ( Dark Matter) ثم تعارف العلماء بعد ذلك على أن "الظلمة" الموجودة في الفضاء والمحيطة بالأرض ليست نتيجة للفراغ وفقاً للإعتقاد السائد ان الفراغ يورث الظلمة ... وإنما هي ناتجة عن نوع من التكدس والتجانس لمادة سوداء كونت هذه الظلمة التي نراها. وقد انتظم في هذا السلك علماء آخرون أشهرهم أوورت حيث اكتشف بين عامي 1932 و1965 وجود هذه المادة محيطة بالشمس وكل من كيبتيان وجينز و لندبلاد عام 1922 حيث اكتشف هؤلاء الثلاثة أن نفس المادة تملأ مساحات شاسعة من مجرتنا وكذلك العالم زويكي حيث أعلن في عام 1933 أن هذه المادة تملأ المساحات التي بين المجرات وعرفت بإسم ( Extragalactic dark matter) أي المادة المظلمة التي تملأ ما بين المجرات (5).
وإشارة القرآن إلى هذه الحقيقة تأتي في معرض الوعيد للكفار الذين كابروا وكذبوا وذلك في سورة يونس حيث يصور فيها حالهم يوم القيامة. يقول تعالى:"والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (6)، والشاهد من الآية هو قوله تعالى:"قطعاً من الليل مظلما" وبما أن العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء، فإن القرآن يزيد هذه الحقيقة تأكيداً بوصف الظلمة على أنها قابلة لأن تكون "قِطَعًا" ولا يقبل الشيء ان يكون قطعاً إلا إذا كان محسوساً ملموساً له جرم وهيئة ومقدار. ولذلك قال ابن جرير الطبري رحمه الله:" القول في تأويل قوله تعالى: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما} يقول تعالى ذكره: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعا من الليل , وهي جمع قطعة" (انتهى كلامه رحمه الله) ثم ذكر بعد ذلك أن هذه القراءة –أي "قطعاً" بفتح الطاء- هي قراءة عامة قراء الأمصار (7). ولهذا لا يعقل أن يعبر عن "الفراغ المحض أو اللاشيء" بأنه قطع وأنه قابل للتجزئة ولذلك أتبعت الآية بقوله:"مظلما" فهي صفة لهذا الموجود الذي هو الليل، وفي اللغة "من" تأتي للتبعيض ولا يتبعض الشيء إلا إذا كان له مادة او هيئة ليقبل التفرق والتبعض ولا يكون فراغاً.
ومما يؤكد ان الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلاً من أشكال المادة قوله تعالى:"وأغطش ليلها" قال ابن عباس رضي الله عنه " أغطش ليلها " أظلمه وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وجماعة كثيرون (8).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال ابن جرير الطبري أيضاً: (وقوله: "وأغطش ليلها" يقول تعالى ذكره: وأظلم ليل السماء، فأضاف الليل إلى السماء لأن الليلَ غروب الشمس، وغروبُها وطلوعها فيها، فأُضيف إليها لما كان فيها .. " ولهذا كانت إشارة ابن جرير- رحمه الله - هنا إشارة لطيفة ودقيقة عندما نبه على إضافة الليل إلى السماء ومن قبل ذلك غطش الليل فلما كان الليل هو المغطوش كانت السماء كذلك لأن الليل صفة لماهيتها ولأن الأصل في السماء الدنيا الظلمة لا الإنارة والسطوع كما هو معلوم.
وعند الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن "أغطش" أي: "جعله مظلما" (9). وعلى هذا لوكان الليل مظلما بذاته لما جعله الله مظلماً ولما احتاج إلى أن يغطشه سبحانه وتعالى. ومن ذلك نفهم أن الظلمة مجعولة ولها كم وهيئة ولكن عدم قدرتنا على رؤية هذه الظلمة على نحو متجسد واضح كرؤيتنا للأجسام الأخرى ناتج عن عدم قابلية هذه المادة لخاصية انعكاس الضوء ولو كانت قابلة لذلك لأنار الكون وشع كما ذكره غير واحد من علمائهم مثل أولبر وغيره وكما هو واضح بالدليل العقلي، حتى قال العالم دي دبليو سياما عن العلم الذي يدرس هذا المجال:"كان يسمى هذ العلم فلك العالم الخفي" (10) ولذلك لو شع الكون وأنار لما كان عندنا ليل نسكن فيه وننام. فكان من حكمة الله تعالى ان "أغطش" الليل أي جعله مظلماً بعد أن لم يكن مظلما. ومن هذا ندرك عظمة القسم في قوله تعالى:"فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون" حيث أن هذه المادة داخلة في مالا نبصره وهذه المادة تملأ قدراً عظيماً من مساحات الكون مما يجعل هذا القسم من أعظم القسم، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - Hawking, S. (1992) A Brief History of Time, Bantam press.
2- Penrose, R. (1999) The Emperor’s New Mind, Oxford University Press.
3- J. Einasto et al. (1990), Observational Evidence for Dark Matter, edited by Mark Srendnicki (1990), Particle Physics & Cosmology: Dark Matter, Current Physics Sources and Comments, Vol. 6, North-Holland-Amsterdam. Oxford. New York. Tokyo. p. 22
4- المصدر السابق
5 - D. W. Sciama (1993) Modern Cosmology and the Dark Matter Problem, Cambridge University Press, p. 1, 2,3,9.
6 - يونس: 27
7 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن (12/ 168 - 169).
8 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير (8/ 316) ط، دار طيبة / تحقيق سامي السلامة.
9 - الراغب الأصفهاني، معجم مفردات الفاظ القرآن.
10 - D. W. Sciama (1993) Modern Cosmology and the Dark Matter Problem, Cambridge University Press, p. 1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
أما بالنسبة لجوابك أخي ابن رشد، فلم تبين لي كيف أن اقتباسي لكلام ابن جرير كان ناقصاً، والله المستعان.
ولكن - للتوضيح أكثر - اعلم ان ابن جرير - رحمه الله - قال (( ... واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: {قطعا} فقرأته عامة قراء الأمصار: {قطعا} بفتح الطاء على معنى جمع قطعة , وعلى معنى أن تأويل ذلك: كأنما أغشيت وجه كل إنسان منهم قطعة من سواد الليل))، إلى أن قال - رحمه الله - ((والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي قراءة ذلك بفتح الطاء , لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها وشذوذ ما عداها)).
وهنا كما ترى، ردّ ابن جرير قراءة من قرأ بتسكين الطاء، وعليه، هذا رد منه للمعنى الزماني المجرد، ثم قرر- رحمه الله - تصويبه المعنى الحسي الملموس للظلمة بترجيحه للقراءة التي فيها فتح الطاء، وهو الأمر الذي أيدت به استنتاجي، والله الموفق.
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[21 Jan 2006, 03:26 ص]ـ
أخي الشهري: ما أبحث عنه هو مصدر هذه العبارة:
"ثم تعارف العلماء بعد ذلك على أن "الظلمة" الموجودة في الفضاء والمحيطة بالأرض ليست نتيجة للفراغ وفقاً للإعتقاد السائد ان الفراغ يورث الظلمة ... وإنما هي ناتجة عن نوع من التكدس والتجانس لمادة سوداء كونت هذه الظلمة التي نراها"
هي اولا الاساس الذي يقوم عليه مقالك و انت تستند عليها في تفسير ايات من كتاب الله
(يُتْبَعُ)
(/)
كما انها ان صحت فلها من الاهمية العلمية الشيء الكبير و من المتوقع ان تكون قد احدثت ضجة كبيرة فهي تغير من مفاهيم البصريات و لا اخفيك اني غير مرتاح لها و لي رغبة في القراءة في المصادر التي تنقل عنها .. هل في شيء من المصادر التي ذكرتها مناقشة لهذه النقطة؟
و قد تبين لي بعد كتابة سؤالي الاخير انك قد رددت على سؤالي في ردك رقم (4) و ذكرت ان هذا فقط هو ما ترجحه .. فلا يزال السؤال قائما من من ائمة هذا الشأن يقر بما تقوله؟
ـ[ابن رشد]ــــــــ[21 Jan 2006, 10:47 ص]ـ
والشاهد من الآية هو قوله تعالى:"قطعاً من الليل مظلما" وبما أن العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء،
........ و من هذا ندرك عظمة القسم في قوله تعالى:"فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون" حيث أن هذه المادة داخلة في مالا نبصره وهذه المادة تملأ قدراً عظيماً من مساحات الكون مما يجعل هذا القسم من أعظم القسم، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم. -------------------------------------------------------
* سبحانه جلَ شأنه و تعالى ذكره، المنزه كلامه عن مثل هذا التناقض، فهل أقسم - سبحانه بما لا نبصره - و هى المادة السوداء - حيث " أن هذه المادة داخلة في مالا نبصره " - على ما أثبت العلم أننا نبصره - حيث إن " العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء "؟؟
* و نلفت النظر إلى أنه لا يلزم من خطأ الاستدلال عدم صحة الأمر المستدل له.
و هناك تعقبات أخرى لما ورد بالاستدلال،
و لا غضاضة في المراجعة و لا في التعقب في مسائل العلم عند أهل العلم، و كذا ينبغى أن يكون الحال فى طلابه و محبيه من باب أولى.
* و أما حقيقة قول ابن جرير فسأنقلها لاحقا، و هى ترد الاستدلال من أصله،
و لكن أريد جوابا على التناقض المذكور آنفا، فهو إن تقرر كاف وحده فى إبطال ذلك الاستدلال.
_ و لم أدع القول بعدم وجود المادة السوداء - فقد أحلت على بحث معتبر، مقدم لمؤتمر عالمي للإعجاز العلمي في القرآن الكريم - و لكني بيَنت عدم صحة ذلك الاستدلال
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[21 Jan 2006, 01:31 م]ـ
أخي عبدالله حسن، وفقك الله، هذه العبارة التي ذكرت لك مقررة في القرآن الكريم، في الآية التي نقلت كلام الطبري عليها. فهي مقررة من قبل القرآن قبل كل شيء، ولم لا يكن لدينا السبق في معرفة هذا من القرآن قبل أن يعرفه غيرنا. وأما بالنسبة لما يؤيد هذه المعلومة، فهو موجود في المراجع التالي، ويبقى عليك الاطلاع - وخاصة المرجع الثالث- والمراجع بعيدة عني الآن لأني كنت قد استفدت منها في مكتبة جامعة نوتنغهام عندما كنت أدرس فيها، وانا الآن في السعودية.
1 - Hawking, S. (1992) A Brief History of Time, Bantam press.
2- Penrose, R. (1999) The Emperor’s New Mind, Oxford University Press.
3- J. Einasto et al. (1990), Observational Evidence for Dark Matter, edited by Mark Srendnicki (1990), Particle Physics & Cosmology: Dark Matter, Current Physics Sources and Comments, Vol. 6, North-Holland-Amsterdam. Oxford. New York. Tokyo. p. 22
===============
أما بالنسبة لأخي ابن رشد، فاشكره على حرصه على تنزيه القرآن والدفاع عنه وصونه من عبث العابثين وكيد الكائدين ... الخ.
أخي ابن رشد / نعم أوفقك أنه تناقض فيما يبدو لك، ولو كنت أعلم أنه متناقضا لما كتبته بهذه الطريقة.
أخي عند حديثي عن جانب عدم "إبصار" هذه المادة فأنا أتحدث عن إبصار حقيقتها، وكنهها، لأن الناظر لا يرى إلا ظلاماً فيحسب هذا ناتجاً عن الفراغ لوحده، وليس كل فراغ يلازمه ظلمه ضرورة. إذاُ ففي هذا الجانب حديثي عن مادة الظلمة.
أما الجانب المرئي فهو اللون، وهو العرض، وفرق بين إدراك مادة الشيء ولونه، أو قل إبصار العرض وإبصار الذات القائم بها العرض، زذلك أن اللون في الحقيقة عبارة عن موجات كهرومغناطيسية بأطوال متفاوتة، أما المادة نفسها فليست موجات كهرومغناطيسية في أصل حقيقتها، فوجب التفريق، ولذا فليس كل ما يبصرلونه، تبصر مادته، كما في هذه القضية. ولذلك سماها العالم دي دبليو سياما عن العلم الذي يدرس هذا المجال:"كان يسمى هذ العلم فلك العالم الخفي"، كما أوردت في المشاركة الأصلية.
وبانتظار نقلك لكلام الطبري ... الذي طال انتظاره
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[21 Jan 2006, 01:32 م]ـ
أخي ابن رشد، هل يمكنك مراجعة البريد الخاص للفائدة؟
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[21 Jan 2006, 02:39 م]ـ
قلت أخي ابن رشد:
* سبحانه جلَ شأنه و تعالى ذكره، المنزه كلامه عن مثل هذا التناقض، فهل أقسم - سبحانه بما لا نبصره - و هى المادة السوداء - حيث " أن هذه المادة داخلة في مالا نبصره " - على ما أثبت العلم أننا نبصره - حيث إن " العلم الحديث يؤكد أن الظلمة التي نراها ما هي إلا شكلا من أشكال المادة تسمى المادة السوداء "؟؟
وأنا أقول سبحان من فاوت بين العقول والأفهام، والحمد لله الذي سخر للدفاع عن القرآن وصونه من هو أولى وأكفأ من العلماء الربانيين والأئمة المخلصين المشهورين.
وهذا يذكرني بكلام لشيخ الاسلام ابن تيمية - في كتاب المنطق من مجموع الفتاوى - عن تفاوت الناس في الفهم حسب عدد المقدمات، فمنهم من يفهم من مقدمة واحدة، ومنهم بعد مقدمتين، ومنهم من يحتاج إلى مقدمات كثيرة لتحصيل النتيجة.
أخي: كيف حملك عقلك على استنتاج أن "مالا نبصره" هو نفسه "المادة السوداء"؟
مع أني قلت أن المادة السوداء "داخلة" فيما لا نبصره، ولم أجعل "مالا نبصره" هي "المادة السوداء"، كما جعلتها أنت، ويمكن أي قاريء أن يتأكد من صحة كلامي عند الرجوع للبحث الأصلي (الذي ينقصه التدقيق، والتحقيق، والتوثيق!)
و المادة غير اللون، كما أن الصفة غير الموصوف، كما أوضحت سابقا، وتفاديا للتكرار.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[عبدالله حسن]ــــــــ[21 Jan 2006, 03:45 م]ـ
الاخ الفاضل عبدالله الشهري جزاك الله كل خير ..
المرجع الاول قرأته و ليست فيه اشارة الى علاقة المادة السوداء بالظلمة التي نراها .. و عندما تتيسر لي الفرصة اطلع ان شاء الله على المرجعين الثاني و الثالث ..
أما الاعتماد على ايات كتاب الله فقط كمرجع لهذه النقطة فلا يصح فالايات لم تذكر المادة السوداء صراحة .. ماذا ان كان سبب الظلمة مادة اخرى او تركيب اخر مثلا .. كما اننا عندها لا نستطيع ان نصنف هذا البحث مع مواضيع (الاعجاز العلمي).
على كل حال أسأل الله ان يثيبك على جهدك و اخلاصك و حسن نيتك و جزاك الله كل خير ..
ـ[عبدالله الشهري]ــــــــ[21 Jan 2006, 04:44 م]ـ
حياك الله، ورزقنا الله وإياك الفتح في كل علم نافع.
أما الاعتماد على ايات كتاب الله فقط كمرجع لهذه النقطة فلا يصح فالايات لم تذكر المادة السوداء صراحة
نعم، وكذلك أكثر أبحاث الإعجاز العلمي، لو تأملت أخي الفاضل، ليس عليها دليل صريح يذكر الظواهر العلمية بأسماءها، ويبينها بتفاصيلها المتعارف عليها في أعراف المجامع العلمية.
.. ماذا ان كان سبب الظلمة مادة اخرى او تركيب اخر مثلا
يبقى احتمالاً، يفتقر إلى ما يعززه، ولو بدليل ظني على أقل تقدير.
.. كما اننا عندها لا نستطيع ان نصنف هذا البحث مع مواضيع (الاعجاز العلمي).
نعم، هذا البحث غير مقدم للحصول على اعتماد هيئة الاعجاز العلمي، ولكن على أقل تقدير أرجو قبوله كبحث يستحق القراءة، ويفتح الأعين على جانب آخر من وجوه الاستنباط. ومع ذلك فقد عرضته على أكثر من شخص فكان فيهم المؤيد، والمعارض، والمتردد، وهذا أمر طبيعي، مادام الكل يحترم وقتي ويقدر جهدي في إعداد هذا البحث. فأنا أخي لم أقض الساعات في إعداده، وفي بلاد الغربة، وعلى كثرة شغل، ليأتي من يرده رمياً، ويدعّ به دعّاً، دون تفصيل وتروٍّ.
وأحسن الله إليك أخي، وإذا وجدت جديد او وقفت على معلومة علمية مفيدة، فراسلني بها إن شئت على الخاص، لتجنب إطالة المشاركات هنا، أو افعل ما تراه مناسبا لك.(/)
الدرراللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع
ـ[أبو عبد الله محمد مصطفى]ــــــــ[16 Jan 2006, 03:40 ص]ـ
الدرراللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع
نظم المقرئ أبي الحسن علي بن محمد
(ابن بري) المتوفى سنة 731هـ
الحمد لله الذي أوْرَثَنَا
كتابَه وعِلْمه علَّمنا
حمدا يدوم بدوام الأبد
ثم صلاته على محمد
أكرم من بُعث للأنام
وخيرِ من قد قام بالمقام
جاء بختم الوحي والنبوءهْ
لخير أمة من البريئهْ
صلى عليه ربَُّنا وسلَّما
وآله وصحبه تكرّما
وبعد فاعلمْ أن علم القرآنْ
أجملُ ما به تحلى الإنسانْ
وخيرُ ما علَّمهُ وعَلِمهْ
واستعمل الفكرَ له وفهِمهْ
وجاء في الحديث أن المَهَرَهْ
في علمه مع الكرام البررهْ
وجاء عن نبينا الأوَّاهِ
حمَلةُ القرآن أهلُ الله
لأنه كلامه المرَفَّعُ
وجاء فيه شافِعٌ مُشَفّعُ
وقدْ أتت في فضله آثارُ
ليست تَفي بحملها أسفارُ
فلنكتفي منها بما ذكرْنا
ولنصْرِفِ القول لما قصدْنا
من نظم مقرإ الإمام الخاشع
أبي رُؤَيْمِ المَدنيِّ نافعْ
إذْ كان مقرأَ إمامِ الحرم
الثبْتِ فيما قد روى المقدَّمِ
ولِلَّذي ورد فيه أنَّهْ
دون المقارئ سواه سُنَّهْ
فجئتُ منه بالذي يطَّرِدُ
ثم فرشْتُ بعدُ ما ينفرِدُ
في رجَزٍ مُقَرَّبٍ مشطورِ
لأنه أحْظى من المنثورِ
يكون للمُبْتدئين تبصِرهْ
وللشيوخ المقرئين تذكرهْ
سمَّيْتُهُ بالدُّرَرِ اللوامِعْ
في أصْل مقرإ الإمام نافعْ
نظمته محتسبا لله
غيرَ مُفاخِرٍ ولا مُباهِ
على الذي روى أبو سعيدِ
عثمانُ ورشٌ عالم التجويد
رئيسُ أهلِ مصر في الدرايهْ
والضبط والإتقان في الروايهْ
والعالم الصدْرُ المعلِّم العلَمْ
عيسى بْنُ مينا وهْو قالون الأصَمّ
أثبتُ منْ قرأ بالمدينهْ
َودَانَ بالتقوى فزان دِينهْ
َبيّنتُ ما جاء من اختلاف
بينهما عنه أو ائتلاف
ورُبَّما أطلقتُ في الأحكام
ما اتفقا فيه عن الإمام
سلكتُ في ذاك طريقَ الدّاني
إذْ كان ذا حفظٍ وذا إتقان
حسَبَ ما قرأت بالجميعِ
عن ابن حمدونَ أبي الربيعِ
المُقْرِئِ المحقَِقِ الفصيحِ
ذي السَّندِ المقدَّمِ الصحيحِ
أوردتُّ ما أمكنني من الْحُجَجْ
مما يقام في طِلابه حِجَجْ
ومع ذا أقِرُّ بالتقصيرِ
لكلِّ ثبْتٍ فاضل نحرير
وأسأل الله تعالى العِصْمَهْ
في القول و الفعل فتلك النعمهْ
القول في التعوذ المختار
وحكمه في الجهر والإسرار
وقد أتت في لفظه أخبارُ
وغيرُ ما في النحل لا يختار
والجهر ذاع عندنا في المذهب
به والاخفاءَ روى المسيبي
القول في استعمال لفظ البسمله
والسكتِ والمختارِ عند النقلة
قالون بين السورتين بسملا
وورش الوجهان عنه نقلا
فاسكت يسيرا تَحظ بالصواب
أوْ صِل لّه مبيّنَ الإعراب
وبعضهم بسمل عن ضرورهْ
في الأربع المعلومة المشهورهْ
للفصل بين النفي والإثبات
والصبر واسم الله والويلات
والسكت أوْلى عند كل ذي نظر
لأن وصفه الرحيم معتبر
ولا خلاف عند ذي قراءه
في تركها في حالتي براءه
وذكرها في أول الفواتح
والحمد لله لأمر واضح
واختارها بعض أولي الأداء
لفضلها في أول الأجزاء
ولا تقف فيها إذا وصلتها
بالسورة الأولى التي ختمتها
القول في الخلاف في ميم الجميع
مقرَّبُ المعنى مهذَّبٌ بديعْ
وصل ورشٌ ضم ميمِ الجمع
إذا أتت من قبل همز القطع
وكلها سكنها قالون
ما لم يكن من بعدها سكون
واتفقا في ضمها في الوصل
إذا أتت من قبل همز الوصل
وكلهم يقف بالإسكان
وفي الإشارة لهم قولان
وتركها أظهر في القياس
وهْو الذي ارتضاه جُل الناس
القول في هاء ضمير الواحد
والخلف في قصْر ومدِّ زائدِ
واعلم بأن صلة الضمير
بالواو أو بالياء للتكثير
فالهاء إن توسطت حركتين
فنافع يصلها بالصلتين
وهاء هذه كهاء المضمَر
فوصلها قبل محرَّكٍ حَرِ
واقصر لقالون يؤده معا
ونؤته منها الثلاث جُمَعا
نولّهِ ونُصلهِ يتّقِهِ
وأرجه الحرفين معْ فألقه
رعايةً لأصله في أصلها
قبل دخول جازم لفعلها
وصِلْ بطه الْهَا لهُ من ياته
على خلاف فيه عن رُوَاته
ونافع بقصر يرضه قضى
لثقل الضم وللذي مضى
ولم يكن يراه في هاء يره
معْ ضمها وجزمِهِ إذ غيَّره
لفقدِ عينه ولامه فقد
ناب له الوصل مَنَابَ ما فَقَدَ
القول في الممدود والمقصور
والمتوسطِ على المشهور
والمد واللين معا وصفان
للألف الضعيف لازمان
ثم هما في الواو والياء متى
عن ضمة أوكسرة نشأتا
وصيغة الجميع للجميع
(يُتْبَعُ)
(/)
تمد قدر مدِّها الطبيعي
وفي المزيديِّ الخلاف وقعا
وهْو يكون وسطا ومشبعا
فنافع يشبع مدَّهُنَّهْ
للساكن اللازم بعدهُنَّهْ
كمثل محيايَ مُسكّناً وما
جاء كحَادَ والدوَابَ مُدْغَما
أو همزةٍ لبعدها والثِّقَل
والخلف عن قالون في المنفصل
نحو بما أنزل أوما أخفي
لعدم الهمزة حال الوقف
والخلف في المد لما تغيرا
ولسكون الوقف والمدَّ أرى
وبعدها ثبتت أو تغيرت
فاقصر وعن ورش توسطٌ ثبت
ما لم تك الهمزة ذات الثقل
بعد صحيح ساكن متصل
فإنه يقصره كالقرآنْ
ونحوِ مسؤولا - فقِسْ – والظمآن
وياءُ إسرائيل ذات قصر
هذا الصحيح عند أهل مصر
وألف التنوين أعني المبدلهْ
منه لدى الوقوف لا تَمُدَّ له
وما أتى من بعد همز الوصل
كإيت لانعدامه في الوصل
وفي يؤاخذ الخلافُ وقعا
وعاداً اِلْأُولى وآلان معا
والواو والياء متى سكنتا
ما بين فتحة وهمزٍ مُدَّتا
له توسطا وفي سَوْآت
خلف لما في العين من فعْلات
وقصر مَوئِلا معَ المَوْءُودَهْ
لكونها في حالةٍ مفقودهْ
ومُدَّ للساكن في الفواتحْ
ومَدُّ عينٍ عند كلٍّ راجحْ
وقف بنحو سوفَ ريبَ عنهما
بالمد والقصر وما بينهما
القول في التحقيق والتسهيل
للهمز والإسقاط والتبديل
والهمز في النطق به تكلف
فسهلوه تارة وحذفوا
وأبدلوه حرف مدٍّ محضا
ونقلوه للسكون رفضا
فنافع سهَّل أخرى الهمزتين
بكِلْمَةٍ فهْي بذاك بينَ بينْ
لكنَّ في المفتوحتين أُبْدِلت
عن أهل مصر أِلفاً ومُكِّنَتْ
ومَدَّ قالونُ لما تسهَّلا
بالخُلف في أءُشْهِدوا ليَفْصِلا
وحيث تلتقي ثلاث تركه
وفي أئمةٍ لنقل الحركه
فصل وأسقط من المفتوحتين
أولاهما قالون في كلمتينْ
كجاء أمرنا وورشٌ سهَّلا
أخراهما وقيل لا بل أبْدلا
وسهِّل الأخرى بذات الكسر
نحو من السماء إن لِّلمصري
وأبدِلَنْ ياءً خفيف الكسر مِنْ
على البِغاءِ إنْ وهؤلاء إن
وسهِّلِ الأولى لقالون وما
أدى لجمع الساكنين أُدْغِمَا
في حرفيِ الأحزاب بالتحقيق
والخلف في بالسوء في الصِّدِّيق
وسهَّلَ الأخرى إذا ما انضمتا
ورشٌ وعن قالون عكسُ ذا أتى
وقيل بل أبْدَل الُاخْرى ورشُنا
مدًَّا لدى المكْسورَتين وهُنا
ثم إذا اختلَفتا وانفتحت
أولاهما فإنّ الأخرى سُهِّلت
كاليا وكالواو ومهما وقعت
مفتوحةَ ياءً وواواً أبْدِلتْ
وإن أتت بالكسر بعد الضمِّ
فالخُلْفُ فيها بين أهل العلم
فمذهب الأخفش والقُرَّاء
إبدالُها واواً لدى الأداء
ومذهب الخليل ثم سيبويْهْ
تَسْهيلُها كالياء والبعض عَلْيه
فصل وأبدلْ همز وصل اللاّم
مَدًّا بُعَيدَ همزٍ الاستفهام
وبعده احذِفْ همز وصلِ الفعل
لعدم اللَّبس بهمزِ الوصلِ
فصل والاستفهام إن تكررا
فصيِّرِ الثانيَ منه خَبَرا
واعكسه في النمل وفوق الروم
لكَتْبِه بالياء في المرسوم
القول في إبدال فاء الفعل
والعينِ واللامِ صحيحَ النقل
أبدلَ ورشٌ كلَّ فاء سَكَنَتْ
وبعد همز للجميع أُبْدِلَتْ
وحَقِّقِ الإيوا لما تدْريهِ
من ثقل البدل في تؤويهِ
وإن أتت مفْتوحةً أبْدَلها
واوا إذا ما الضَّمُّ جاء قبلَها
والعَين واللام فلا تبْدِلْهُما
لنافع إلا لدى بِئْسٍ بما
وأبْدَلَ الذئْب وبئْرٍ بيسَ
ورشٌ ورِئْياً بِادِّغامٍ عيسى
وإنما النَّسِيءُ ورْشٌ أبْدَلَهْ
ولسُكونِ الياء قبلُ ثَقَّلهْ
القول في أحكام نقل الحركة
وذكْرِ من قال به وترَكه
حركة الهمْزِ لورْشٍ تنْتَقِلْ
للساكن الصحيح قبلُ المنفصل
أو لامِ تعريفٍ وفي كتابِيَهْ
خُلْفٌ ويجْري في إدِّغام مالِيَهْ
ويبْدأ اللام إذا ما اعتدّا
بها بغير همزِ وصْلٍ فرْدا
ونقلوُا لِنافِعٍ منْقُولا
رِدْءًا وءالانَ وعاداً الاُّولى
وهمزُوا الواوَ لِقالونَ لدى
نقلِهِمُ في الوَصْلِ أوْ في الابتِدا
لكنَّ بَدْأَهُ له بالأصْلِ
أ وْلَى من ابْتِدائهِ بالنقْلِ
والهمز بعد نقْلِهِمْ حركَتَه
حذَف تخْفيفاً فحقِقْ عِلَّتَهْ
القوْلُ في الإظْهارِ والإدْغاَمِ
وما يليهِما من الأحكام
وإذ لأحرُف الصفيرِ أَظْهِرا
ولِهجَاء جُدتَّ ليْسَ أكثرا
وقد لأحرُفِ الصفير تَسْتبِينْ
ثمَّ لِذالٍ ولِجيمٍ ولشينْ
وزادَ عيسى الظَّاء والضَّادَ معا
وورشٌ الإدْغامَ فيهِما وعى
والتاء للتّأْنيثِ حيثُ تأتي
مُظْهَرَةٌ عند الصفير يأتي
والجيمِ والثاءِ وزاد الظاءَ
أيضا وبالإدغام ورش جاء
ويظهران هل وبل للطاء
والظاء والتاء معا والثاء
(يُتْبَعُ)
(/)
والضادِ معجما وحرف السين
والزاي ذي الجهر وحرف النون
فصل وما قرُبَ منها أدغَمُوا
كقوله سُبْحَانهُ إذ ظّلموا
وقد تبين وقالت طائفهْ
واثْقَلَتْ فلا تكن مُخالِفهْ
وساكنُ المِثْلَيْن إن تقدما
وكان غيْر حرْف مدّ أُدغِما
وأظهَرا نخْسِفْ نَبَذْتُ عُذْتُ
أورثْتُموها وكذا لَبِثْتُ
واذهَبْ معًا يغْلِبْ وإن تعْجَبْ يَتُبْ
يُردْ ثواب فيهما وإن قَرُبْ
ودالَ صادِ مريمِ لذِكْرِ
وبا يُعذَبْ من روَوْا للمصري
واركَب ويَلْهَثْ والخِلافُ فيهما
عن ابن مينا والكثيرُ أدغَما
وعنه نونَ نونِ معْ ياسينا
أظْهِرْ وخُلْفُ ورشِهمْ بِنُونا
ذكْرُ ادِّغام النّون والتنْوين
والقلْبِ والإخفاءِ والتبيين
وأظهروا التنوين والنّونَ معَا
عند حروفِ الحلْقِ حيثُ وقَعا
وأدْغَموا في لمْ يَرَوْ لكنَّه
أبْقوا لدى هجاءِ يومِ غُنَّهْ
وقلَبوهُما لحرْفِ الباءِ
ميمًا وقالوا بعْدُ بالإخفاء
وتظهر النون لواوٍ أو يا
في نحوَ قِنْوانٍ ونحوِ الدُّنيا
خيفةَ أن يُشْبِهَ في ادِّغامهْ
ما أصلُه التضْعيفُ لالْتِزامهْ
القول في المفتوح والممالِ
وشرْح ما فيه من الأقوال
أمال ورش من ذوات الياءِ
ذا الراء في الأفعال والأسماء
نحو رءا بشْرى وتترا واشترى
ويتوارى والنصارى والقرى
والخلف عنه في أُريكَهُمْ وما
لا راءَ فيهِ كاليتامى ورمى
وفي الذي رسم بالياء عدا
حتى زَكى منكُمْ إلى على لدى
إلا رؤوسَ الآي دون هاءِ
وحرْفَ ذكْراها لأجْلِ الراء
واقرأ ذوات الواو بالإضْجاع
لدى رؤوس الآيِ للإتباع
والألفات اللائ قبل الراء
مخفوضةً في آخر الأسماء
كالدار والأبرار والفجار
والجار لكن فيه خُلف جار
ِ
والكافرين مع كافرينَ
بالياء والخلفُ بجبارينَ
وَرَا وهَا يَا ثُمَّ هَا طَهَ وحَا
وبعضهم حَا معَ هَا يَا فتحا
وكلُّ ما له به أتينا
من الإمالة فبيْنَ بيْنَ
وقد روى الأزرق عنه المحضا
فيهَا بهَا طه وذاك أرضى
واقرأ جميع الباب بالفتح سوى
هارٍ لقالونٍ فمحضها روى
وقد حكى قومٌ من الرواةِ
تقليل ها يَا عنه والتوراةِ
فصل ولا يمنع وقف الراء
إمالة الألف في الأسماء
حملا على الوصل وإعلاما بما
قرأ في الوصل كما تقدما
ويمنع الإمالة السكون
في الوصل والوقف بها يكون
والخُلْف في وصلك ذكرى الدار
ورققت في المذهب المختار
فإن يك الساكن تنوينا وفي
ما كان منصوبا فبالفتح قف
نحو قُرىً ظاهرةً وجاء
إمالةُ الكلِّ له أَداءَ
القول في الترقيق للراءات
مُحَرَّكَّاتٍ وُمسَكّنَات
رقق ورشٌ فتْح كلِّ راء
أو ضمها بعد سكون الياء
نحو خبيرًا وبصيرًا والبصيرْ
ومسْتَطيرًا وبشيرا البشيرْ
والسير والطير وفي حيرانَ
خلف له حملا على عمرانَ
وبعد كسرٍ لازمٍ كناظِرَهْ
ومنذِرٌ وساحِرٌ وباسِرَهْ
إلا إذا سكن ذو استعلاء
بينَهما إلا سكون الخاءِ
فإنها قد فُخِّمَتْ كمصرا
وإصرهم وفطْرةٍ ووقرا
وفخمت في الاعجمي وإرم
وفي التكرر بفتح أو بضم
وقبل مستعلٍ وإن حال ألِفْ
وبابُ ستْراً فتْحُ كلِّه عُرِف
ورَقِّقِ الأولى له من بِشَرَرْ
ولا ترقِّقْها لدى أولي الضَّررْ
إذ غَلَبَ الموجِب بعد النقْل
حرفان مستعلٍ وكالمستعلِي
وكلهم رققها إن سكنت
من بعد كسرٍ لازم واتصلت
إلا إذا لقيها مُسْتَعْلِ
والخلف في فِرْقٍ لِفَرْقٍ سهْلِ
وقبل كسرة وياء فخما
في المرء ثم قرية ومريما
إذْ لا اعتبار لتأخر السبب
هنا وإن حُكِيَ عن بعض العرب
وإنما اعتبر في بشرر
لأنه وقع في مكرر
والاتفاق أنها مكسورة
رقيقة في الوصل للضرورة
لكنها في الوقف بعد الكسر
والياء والممال مثلُ المَرِّ
والوقف بالروم كمثل الوصل
فرِدْ ودَعْ ما لم يرد للأصل
القول في التغليظ للامات
إذا انفتحن بعد موجبات
غلظ ورشٌ فتحة اللام يلي
طاءً وظاءً ولصادٍ مهمل
إذا أتين متحركات
بالفتح قبلُ أو مُسَكَّنات
والخلف في طال وفي فصالا
وفي ذوات الياء إن أمالا
وفي الذي يسكن عند الوقف
فغلّظَنْْ واترك سبيل الخُلف
وفي رؤوس الآي خذ بالترقيقْ
تتبَعْ وتتَّبِعْ سبيل التحقيقْ
وفخمت في الله واللهمه
للكل بعد فتحة أو ضمَّهْ
القول في الوقوف بالإشمام
والروم والمرسوم في الإمام
قف بالسكون فهو أصل الوقف
دون إشارة لشكل الحرف
وإن تشأ وقفت للإمام
مبيِّنا بالرَّوْمِ والإشمام
فالروْمُ إضعافك صوت الحركه
من غير أن يذهب رأسا صوتُكَهْ
(يُتْبَعُ)
(/)
يكون في المرفوع والمجرور
معا وفي المضموم والمكسور
ولا يُرى في النصب للقراء
والفتح للخفة والخفاء
وصفة الإشمام إطباق الشفاه
بعد السكون والضريرُ لا يراه
من غير صوتٍ عنده مسموعِ
يكون في المضموم والمرفوعِ
وقف بالاسكان بلا معارضِ
في هاء تأنيث وشكل عارضِ
والخلف في هاء الضمير بَعْد ما
ضمة أو كسرة أو أُمَّيْهِما
فصل وكن متَّبِعًا متى تقفْ
سنَنَ ما أُثبت رَسْماً أو حُذفْ
وما من الهاءات تاء أبدِلا
وما من الموصول لفظا فُصِلا
واسلك سبيل ما رواه الناسُ
منه وإن ضعَّفه القياسُ
القول في الياءات للإضافهْ
فخذ وِفاقَه وخذ خلافه
سكَّن قالونُ من الياءات
تسعا أتت في الخط ثابتات
وليؤمنوا بي تؤمنوا لي إخوتي
وليَ فيها من معي في الظلَّةِ
وياء أوزعني معا وفي إلى
ربي بفُصِّلت خلاف فصِّلا
وياء محياي وورش اصطفى
في هذه الفتح والإسكانَ روى
القول في زوائد الياءات
على الذي صح عن الرواة
لنافع زوائد في الوصل
منهن زائد ولام فعل
أولهن ومن اتبعن ي
وقل ويأت ي لا لئن أخرتن ي
والمهتد الإسراء والكهف وأن
يهدين ي بها ونبغ يؤتينْ
تُعَلِّمنْ تَتّبعنْ آتان ي
في النمل ذاتِ الفتح للإسكان
وأتمدونن والجوار في
ثم إلى الداع المناد أضف
وأحرفٌ ثلاثة في الفجر
أكرمن ي أهانن ي ويسري
وزاد قالون له إن ترن ي
واتبعون أهدكم في المؤمن
وورشٌ الداع ي معا دعان ي
وتسألنِّ ما فخذ بياني
ثم دعاءِ ربَّنا وعيدي
واثنين في قاف بلا مزيد
وأربعا نكير ثم الباد ي
تردين والتلاق والتناد ي
وأن يكذبون قال ينقذون
وترجمون بعده فاعتزلون
ومعْ نذير كالجواب نُذُر ي
في ستة قد أشرقت في القمر
والواد في الفجر وفي التنادي
مع التلاق خلْفُ عيسى باد
فهذه فإن وصلت زدتها
لفظا ووقفا لهما حذفتها
لكنه وقف في آتان ي
قالونُ بالإثبات والإسكان
القول في فرش حروف مفرده
وفَّيْتُ ما قدمت فيه من عِدَهْ
قرأ وهْوَ وهْي بالإسكان
قالون حيث جاء في القرآن
ومثل ذاك فهْو فهْي لهو
ولهْي أيضا مثله ثم هْوَ
وفي بُيُوتٍ والبيوت الباءَ
قرأها بالكسر حيث جاءَ
واختلسَ العين لدى نعمّا
و في النساء لا تعَدُّوا ثََََمَّا
وها يهَدِّي ثم خا يخَصِّمون
إذ أصل ما اختُلس في الكل السكون
وأنا إلا مده بخلف
وكلهم يمده في الوقف
وسكَّن الراء التي في التوبه
في قوله عز وجل قرْبه
ولأهبْ همزهُ واللائ
معَ لئلا في مكان الياء
ثم ليقطعْ وليقضوا ساكنا
وليتمتعوا وأوْ آباؤنا
واتفقا بعدُ عن الإمام
في سينِ سيئت سيء بالإشمام
ونونِ تأمنّا وبالإخفاء
أخذه له أولو الأداء
وأرأيتَ وهأنتمْ سهَّلا
عنه وبعضهم لورشٍ أبدلا
والهاء يحتمل كونها فيه
من همز الاستفهام أو للتنبيه
وهْي له من همز الاستفهام
أوْلى وههنا انتهى كلامي
فالحمد لله على ما أنعما
عليَّ مِنْ إكماله وألهما(/)
سؤال عن التفسير الإشاري والدراسات حوله؟
ـ[سيف الدين]ــــــــ[16 Jan 2006, 04:56 م]ـ
الرجاء ممن يعرف كتابا للتفسير الاشاري ان يزودني بعنوانه .. وله جزيل الشكر
ـ[روضة]ــــــــ[17 Jan 2006, 12:34 ص]ـ
الأخ الكريم سيف الدين،
إذا كان سؤالك عن تفاسير اهتمت بهذا اللون من التفسير فهذه أهم كتب التفسير الإشاري:
1. تفسير القرآن العظيم للتستري.
2. حقائق التفسير للسلمي.
3. عرائس البيان في حقائق القرآن لأبي محمد الشيرازي.
4. التأويلات النجمية لنجم الدين داية، وعلاء الدولة السمناني.
5. التفسير المنسوب لابن عربي.
6. لطائف الإشارات للقشيري.
7. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، للعلامة الألوسي، وصاحب هذا التفسير يبدأ تفسير الآيات ببيان المعنى الظاهر لها، وفي أواخر الآيات يتعرض للتفسير الإشاري، فيقول: "ومن باب الإشارة في الآيات ....... ".
أما إذا كان سؤالك عن كتب تناولت هذا اللون بالنقد وبيان شروط قبوله، فارجع إنْ شئت إلى كتب علوم القرآن في الفصول التي تتحدث عن أقسام التفسير وألوانه، مثل:
1. الإتقان في علوم القرآن، للإمام السيوطي، (236:2).
2. الآلئ الحسان في علوم القرآن، موسى شاهين لاشين، ص 397.
3. التبيان في علوم القرآن، محمد علي الصابوني، ص191.
4. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، ص309.
وكذلك يمكنك الاستعانة بالكتب التي بينت مناهج المفسرين واتجاهاتهم، وأشهرها: كتاب التفسير والمفسرون، للدكتور محمد حسين الذهبي، ج2، ص (365 - 450)، وهناك كتاب تحدث عن هذا، اسمه: النهضة الإسلامية في سِير أعلامها المعاصرين، د. محمد رجب البيومي، (46:2).
وكتاب دراسات في التفسير ورجاله، أبو اليقظان الجبوري، ص116.
ـــــــــــــ
اللهم أكرمنا بأنوار الفهم
وأجرنا من ظلمات الوهم
ـ[سيف الدين]ــــــــ[17 Jan 2006, 04:16 م]ـ
بارك الله فيك وجزاك الله عنا كل خير
ـ[روضة]ــــــــ[17 Jan 2006, 07:27 م]ـ
وبارك فيك، ونفع بك.(/)
أين يذهب الماء؟
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[16 Jan 2006, 08:52 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين , وعلى صحبه وآله الطاهرين الطيبين وبعد:
فان الله عز وجل قد بين في كتابه الكريم وعده باظهار حقيقة هذا الدين للمكذبين فقال عز وجل:" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" فاني قد احببت هنا ان ابين كيف ان القران تكلم عن مصير ماء المطر الذي لا يعرف الانسان العادي اين يذهب بعد نزوله من السماء الا على نحوا السيل ومثل قوله تعالى:"أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ
" فبين عز وجل ان الزبد يذهب هباء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض. بالطبع الزبد هو الفورة او الرغوة التي تعلوا الماء والتي لا يستفاد منها. اما الماء فمكثه في الارض هو ما سينفع الناس.
هذا ما يعرفه بنوا ادم من خلال مشاهدتهم وانما هو مثل ضربه الله عز وجل للحق والباطل. ولكن ما مصير ما يمكث في الارض؟
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ"
"وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ"
اما الأولى فهي بيان لان ماء المطر انما يسلك بالارض طريقه لينابيع.
اما الثانية فهي تشير الى المياه الجوفية.
ومن الماء ما يخزنه بنوا آدم في الابار:"أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا" وقال تعالى:" قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِين " والماء يغور في الارض اذا تصدع حابسه عن النزول
الى اسفل وقد يتشقق الصخر فيغور الماء الى ان يجد من يمنعه من الغور أكثر.
فقال تعالى مخبرا هؤلاء الذين يعتمدوا على الماء الذي في الابار مماصنعه بنوا آدم او كان سطحيا يمكن ان يحفر قليلا ليصل اليه طالبه: ارأيت ان غار هذا الماء العذب الى الارض فمن سيأتيك بماء تشرب منه عذبا من غير مشقة؟
*************************************
والماء هو سر الحياة وليس اجمل من ان يخرج الماء الزلال من الصخر القاسي:
"وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ "
"وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ "
والماء يتفجر من الصخر ان كان الماء محجوزا خلفه وأعلى منه مستوى. فاذا تصدع شيء من الحاجز خرج منه الماء بتتابع. اي تفجر.
وهو معنى قوله تعالى:
"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "
(يُتْبَعُ)
(/)
فما تفجرت منه الانهار وتتفجر الانهار يعني تكون منابعها من بين تلك الحجارة وتسري هذه المياه سلسة الحركة من بين تلك الصخور على عكس قلوبهم التي لا تقبل حتى مرور الهداية منها. اما التي تششقق فهي ما كانت حابستا لماء ومع تصدع الارض انشق طرف منها فسال الماء الذي كانت تحبسه.
ومن الاية كلام عن الصخر والماء: فانسياب الماء لولا الصخر القاسي لما انحبس منه شيء ولغار في الارض ولولا تشققه وتصدعه لبقي محبوسا يحبس الماء فلا تخرج حتى تفيض عنه. والصخر له علاقة بالماء والحياة في نواح اخرى. اذ ان التربة لو تشبعت بالماء ولم يمنعها الصخر من الانزلاق لانهارت والانزلاقات الطينية مدمرة للحياة. فلولا الصخر لاصبحت الارض مستوية السطح ولولا الصخر لما بقيت انهار ولا ينابيع ولذلك قال الله تعالى:
"وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "
فلو مدت الارض وبسطت من غير جبال لما كان انهارا في الارض.
فمن هنا عرفنا ان الماء الذي ينزل من السماء هو اساس كل ماء عذب , وعلمنا ان الماء منه ما يحجز في الارض ويسكن فيها كالماء الارتوازي ومنها ما يخزنه الناس في آبارهم السطحية وبالسدود. ومنه يكون في الارض الى ان يجد مانعا (حجارة متماسكة) لنزوله الى اسفلها فتكون العيون والينابيع. وتتفجر منه الانهار.
هل يقال ان محمد صلى الله عليه وسلم كان يعلم هذا الامر؟
اهل الالحاد يسخروا من ان الله قال ان الجبال رواسي للارض ولن الصخر يشقق فيخرج منع الماء ويسخروا من قول الله عن المطر لانهم يروا المطر يزل كل سنة مرات عديدة ويروا الغمام والرياح. ولكن هل تفكروا يما في ايات الله عز وجل في خلقه:
"وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين ?16? لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ?17? بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون ?18? وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ?19? يسبحون الليل والنهار لا يفترون ?20? أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون ?21? لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ?22? "
فاي عبثية في هذه الارض. لولا ان الله خالقها لفسدت هي والسماء فما يمسكهما من الزوال الا ما اودعه فيهما بعلمه وحكمته , اذا فالماء حكمة الله في الخلق فمن يستطيع ان يحجزه غيره:
"وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ "
وخزن الشيء حبسه ومنعه.
فلن يستطيع احد حجز الماء من السماء ولا منعه عن العباد احد وان منع ما يمر عنده او حوضه او بئره فلن يمنع ماء السماء.
السؤال لكل من يعرف كيف تكون المياه في الارض سواء الجوفية او الفوارة من ينابيع كيف عرف النبي ذلك؟
"وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ... إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى"
ـ[مجدي ابو عيشة]ــــــــ[07 May 2010, 04:17 م]ـ
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَكَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُمِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُوَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍعَمَّا تَعْمَلُونَ"
هذا مثل قسوة قلوب أهل الالحاد.
لان الحجارة القاسية معصلابتها فانها تتأثر بالماء الذي هو لين.
اما التي تتفجر منها الانهار فانالمياه لتنحت تلك الصخور وتجري لها طريقا. وتذيب منها في الماء الجاري. فتتشكل هذه الصخور القاسية. ففيه دلالة على ان الماء يحفر الصخر بجريانه.
و انالحجارة الصلبة تشقق فيخرج منها الماء فتشققها دليل على انها مع قسوتها تشققت وتشقق القاسي هو دليل ان لصلابتها حد .. ولا تشقق الحجارة الا بتصدع الارض او تشرب انواع من الصخور للماء مما يجعلها اقل صلالبة ويعرضعا للتشقق.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهل يستطيع اهل الالحاد"ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
هذا مثل قسوة قلوب أهل الالحاد.
لان الحجارة القاسية مع صلابتها فانها تتأثر بالماء الذي هو لين.
اما التي تتفجر منها الانهار فان المياه لتنحت تلك الصخور وتجري لها طريقا. وتذيب منها في الماء الجاري. فتتشكل هذه الصخور القاسية. ففيه دلالة على ان الماء يحفر الصخر بجريانه.
و ان الحجارة الصلبة تشقق فيخرج منها الماء فتشققها دليل على انها مع قسةتها تشققت وتشقق القاسي هو دليل ان لصلابتها حد .. ولا تشقق الحجارة الا بتصدع الارض او تشرب انواع من الصخور للماء مما يجعلها اقل صلالبة ويعرضعا للتشقق.
فهل يستطيع اهل الالحاد ان يعلمونا كيف عرف النبي ذلك؟
في هذا الربط بيان كيف كان غير المسلمين ينظرون الى المياه الجوفية ومصدرها
http://network.earthday.net/profiles...BlogPost:24384 (http://network.earthday.net/profiles/blogs/1734264:BlogPost:24384)
نظريات المياه الجوفية في الفلسفة القديمة:
Utilization of groundwater greatly preceded understanding of its origin, occurrence, and movement. الاستفادة من المياه الجوفية إلى حد كبير يسبق فهم مصدره، يحدث، والحركة. The writings of Greek and Roman philosophers to explain the origins of springs and groundwater contain theories ranging from fantasy to nearly correct accounts. كتابات الفلاسفة اليونانيين والرومان لشرح أصول الينابيع والمياه الجوفية تحتوي على النظريات التي تتراوح بين ما يقرب من الخيال لتصحيح الحسابات. As late as the seventeenth century it was generally assumed that water emerging from springs could not be derived from rainfall, for it was believed that the quantity was inadequate and the earth too impervious to permit penetration of rain water far below the surface. وفي وقت متأخر من القرن السابع عشر كان يفترض عموما أن المياه الخارجة من الينابيع لا يمكن أن تكون مشتقة من هطول الأمطار، لأنه كان يعتقد أن الكمية لم تكن كافية والأرض منيع للغاية للسماح تغلغل مياه الأمطار بعيدا تحت السطح. Thus, early Greek philosophers such as Homer, Thales, and Plato hypothesized that springs were formed by seawater conducted through subterranean channels below the mountains, then purified and raised to the surface. وهكذا، الفلاسفة اليونانيين في وقت مبكر مثل هوميروس، طاليس، وأفلاطون افترض التي تشكلت من مياه البحر الينابيع التي أجريت من خلال القنوات الجوفية أسفل الجبال، ثم تنقيته ورفعها إلى السطح. Aristotle suggested that air enters the cold dark caverns under the mountains where it condenses into water and contribute to the springs. اقترح أرسطو أن الهواء البارد يدخل الكهوف المظلمة تحت الجبال حيث يتكثف في المياه والمساهمة في الينابيع.
The Roman philosophers, including Seneca and Pliny, followed the Greek ideas and contributed little to the subject. وجاء فلاسفة الروم، بما في ذلك سينيكا وبليني، والأفكار اليونانية، وساهمت كثيرا في هذا الموضوع. An important step forward, however, was made by the Roman architect Vitruvius. خطوة هامة إلى الأمام، ومع ذلك، أدلى فيتروفيوس المعماري الروماني. He explained that the now-accepted infiltration theory that the mountains receive large amounts of rain that perc olate through the rock strata and emerge at their base top form streams. واوضح ان نظرية تسلل الآن المقبولة أن الجبال تتلقى كميات كبيرة من الأمطار التي olate الايثيلين من خلال طبقات الصخور وتظهر في شكلها أعلى قاعدة الجداول.
(يُتْبَعُ)
(/)