ولا بد من الإشارة هنا إلى أن البداية في اعتماد الصوت اللغوي في القرآن ضمن الدراسات العربية قد جاء ضمن مجموعتين دراستين هما: الدراسات القرآنية والدراسات البلاغية، ولا بد من الإشارة قبل ذلك إلى تردد جهود بعض الفلاسفة الموسوعيين لمجمل حياة الأصوات تمهيداً لخوضها في القرآن.
فهذا ابن سينا (ت: 428 هـ) يضع رسالة متخصصة نادرة في الأصوات أسماها (أسباب حدوث الحروف) (2). وقد كان متمرساً فيها للإشارات الصوتية وتمييزها في الأسماع، وتحدث عن مخارج الأصوات وغضاريف الحنجرة، وعرض للفم واللسان تشريحياً وطبياً وتركيبياً، وعني عناية خاصة بترتيب مخارج الصوت العربي مقارناً باللغات الأخرى بحسب تركيب أجهزة الصوت الإنساني، وبحث مميزات الحرف العربي صوتياً،
____________
(1) أحمد مطلوب، بحوث لغوية: 27.
(2) طبعت في القاهرة، 1332 هـ + 1352هـ.
وحكم جهازه السمعي في معرفة الأصوات وأثر تذبذبها. وأما الدراسات القرآنية، فقد انطلقت إلى دراسة الأصوات من خلال الفصول القادمة في الرسالة ضمن موضوعاتها الدقيقة المتخصصة، وكانت على نوعين كتب إعجاز القرآن وكتب القراءات. أما كتب إعجاز القرآن، فقد كان المجلي فيها بالنسبة للصوت اللغوي علي بن عيسى الرماني (ت: 386 هـ) فهو أبرز الدارسين صوتياً، وأقدمهم سبقاً إلى الموضوع، وأولهم تمرساً فيه، إلا أنه بالضرورة قد مزج بين دراسة الأصوات وعلم المعاني مطبقاً تجاربه في باب التلاؤم تارة، ومتخصصاً لدراسة فواصل الآيات بلاغياً كما سيأتي في موضعه.
أما التلاؤم الصوتي عند الرماني فهو نقيض التنافر، والتلاؤم تعديل الحروف في التأليف، لأن تأليف الكلام على ثلاثة أوجه: متنافر، ومتلائم في الطبقة الوسطى، ومتلائم في الطبقة العليا (1).
ويعود الرماني بالتلاؤم إلى تجانس الأصوات، ولما كانت أصوات القرآن متجانسة تماماً، فإن القرآن كله متلائم في الطبقة العليا، وذلك بيّن لمن تأمله، والفرق بين القرآن و بين غيره من الكلام في تلاؤم الحروف على نحو الفرق بين المتنافر والمتلائم في الطبقة الوسطى، وبعض الناس أشد إحساساً بذلك وفطنة له من بعض (2).
ويبحث الرماني التلاؤم في أصوات القرآن من وجوه:
1 ـ السبب في التلاؤم ويعود به إلى تعديل الحروف في التأليف، فكلما كان أعدل كان أشد تلاؤماً.
2 ـ والفائدة في التلاؤم، يعود بها إلى حسن الكلام في السمع، وسهولته في اللفظ، وتقبل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة وطريق الدلالة.
3 ـ وظاهرة التلاؤم، ويعود بها إلى مخارج الحروف في اختلافها،
____________
(1) الرماني، النكت في إعجاز القرآن: 94.
(2) المصدر نفسه: 95.
--------------------------------------------------------------------------------
(78)
فمنها ما هو من أقصى الحلق، ومنها ما هو من أدنى الفم، ومنها ما هو في الوسط بين ذلك.
«والتلاؤم في التعديل من غير بعد شديد أو قرب شديد. وذلك يظهر بسهولته على اللسان، وحسنه في الأسماع، وتقبله في الطباع، فإذا انضاف إلى ذلك حسن البيان في صحة البرهان في أعلى الطبقات؛ ظهر الإعجاز للجيد الطباع البصير بجواهر الكلام» (1).
و أما كتب القراءات، فقد انتهى كثير منها بإعطاء مصطلحات صوتية اقترنت بالنحو تارة وباللغة تارة أخرى، وتمحضت للصوت القرآني بينهما، وكان ذلك في بحوث متميزة برز منها: الإدغام، الإبدال، الإعلال، الإخفاء، الإظهار، الإشمام، الإمالة، الإشباع، المدّ، التفخيم، الترقيق مما اصطنعه علماء الآداء الصوتي للقرآن كما سيأتي بحثه في حينه.
الحق أن الصوت اللغوي في القرآن قد بحث متناثراً هنا وهناك في مفردات حية، تتابع عليها جملة من الأعلام المبرزين الذين اتسمت جهودهم بالموضوعية والتجرد وبيان الحقيقة، كان منهم: علي بن عيسى الرماني (ت: 386 هـ) وأبو بكر الباملاني (ت: 403 هـ) وأبو عمر الداني (ت: 444 هـ) ومحمد بن الحسن الطوسي (ت: 460 هـ) وجار الله الزمخشري (ت: 538هـ) وأبو علي الطبرسي (ت: 548 هـ) وعبدالله بن محمد النكزاوي (ت: 683هـ) وإبراهيم بن عمر الجعبري (ت: 732 هـ) وبدر الدين الزركشي (ت: 794هـ) وجلال الدين السيوطي (ت: 911هـ).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما الدراسات البلاغية التي اشتملت على خصائص الأصوات فقد بحثت على أيدي علماء متمرسين كالشريف الرضي (ت: 406 هـ) وعبد القاهر الجرجاني (ت: 471 هـ) وابن سنان الخفاجي (ت: 466 هـ) و أبي يعقوب السكاكي (ت: 626 هـ) وأضرابهم:
وكانت مباحثهم طبقاً لتوجه علم المعاني، وتزاحم الأصوات في قبول ذائقتها النطقية أو السّمعية ورفضها، من خلال: تنافر الحروف، تلاؤم الأصوات، التعقيد اللفظي، التعقيد المعنوي، فصاحة اللفظ المفرد؛ مما
____________
(1) الرماني، النكت في إعجاز القرآن: 96.
--------------------------------------------------------------------------------
(79)
هو معلوم في مثل هذه المباحث مما يتعلق بالصوت منها، وخلصت إلى القول بخلو القرآن العظيم من التنافر في الكلمات، أو التشادق في الألفاظ، أو العسر في النطق، أو المجانبة للأسماع، وكونه في الطبقة العليا من الكلام في تناسقه وتركيبه وتلاؤمه.
أما ما يتعلق بالأصوات من مخارجها في موضوع التنافر فلهم بذلك رأيان:
الأول: أن التنافر يحصل بين البعد الشديد أو القرب الشديد وقد نسب الرماني هذا الرأي إلى الخليل «وذلك أنه إذا بَعٌد الشديد كان بمنزلة الطفر، وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة مشي المقيد، لأنه بمنزلة رفع اللسان ورده إلى مكانه، وكلاهما صعب على اللسان، والسهولة من ذلك في الاعتدال، ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال» (1).
الثاني: أن التنافر يحصل في قرب المخارج فقط وهو ما يذهب إليه ابن سنان الخفاجي (ت: 466 هـ) بقوله: «ولا أرى التنافر في بعد ما بين مخارج الحروف وإنما هو في القرب. ويدل على صحة ذلك الاعتبار، فإن هذه الكلمة «ألم» غير متنافرة، وهي مع ذلك مبنية من حروف متباعدة المخارج ـ لأن الهمزة من أقصى الحلق، والميم من الشفتين، واللام متوسطة بينهما. فأما الإدغام والإبدال فشاهدان على أن التنافر في قرب الحروف دون بعدها، لأنهما لا يكادان يردان في الكلام إلا فراراً من تقارب الحروف، وهذا الذي يجب عندي اعتماده لأن التتبع والتأمل قاضيان بصحته» (2).
وقد يتبعه بالرد على هذا الرأي ابن الأثير (ت: 637 هـ) فقال: «أما تباعد المخارج فإن معظم اللغة العربية دائر عليه. . . ولهذا أسقط الواضع حروفاً كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالاً واستكراهاً، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين، وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف، ولا بين اللام والراء، ولا بين الزاي والسين، وكل هذا دليل على عنايته
____________
(1) الرماني، النكت في إعجاز القرآن: 96.
(2) ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة: 91.
--------------------------------------------------------------------------------
(80)
بتأليف المتباعد المخارج، دون المتقارب» (1).
وبعيداً عن هذا وذاك، فان الطبيعة التركيبة في اللغة العربية قد تمرست في تعادل الأصوات وتوازنها، مما جعل لغة القرآن في الذروة من طلاوة الكلمة، والرقة في تجانس الأصوات، لذلك فقد استبعد العرب جملة من الألفاظ لا تنسجم صوتياً في تداخل حروفها، وتنافر مخارجها، سواء أكانت قريبة أم بعيدة «فإن الجيم لا تقارن الفاء ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا بتأخير.
والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير» (2).
وفي هذا دلالة على «أمتياز اللغة العربية في مجموع أصوات حروفها بسعة مدرجها الصوتي سعة تقابل أصوات الطبيعة في تنوعها وسعتها، وتمتاز من جهة أخرى بتوزعها في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات» (3).
وكان التنافر في أصوات الكلمة موضع عناية عند السكاكي (ت: 626 هـ) ومن بعده القزويني (ت: 739 هـ) عند مباحث فصاحة المفرد، وهي خلوصه من تنافر الحروف والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي، وعند فصاحة الكلام، وهي خلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد بشقيه اللفظي والمعنوي، وهي موضوعات جرى على إدراجها في الموضوع علماء المعاني والبيان بعد السكاكي والقزويني إدراجاً تقليدياً للقول بسلامة القرآن من التنافر (4).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا حاجة بنا إلى تأكيد هذا القول فهو أمر مفروغ عنه في القرآن، وبقيت مفردات الصوت اللغوي فيه موضوع عناية البحث.
____________
(1) ابن الأثير، المثل السائر: 152.
(2) الجاحظ، البيان والتبيين: 1| 69.
(3) أحمد مطلوب، بحوث لغوية: 28.
(4) ظ: القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة: 72 ـ 79.
--------------------------------------------------------------------------------
(81)
الفصل الثالث
الصوت اللغوي في فواتح السور القرآنية
1 ـ القرآن يوجه اهتمام العرب للصوت اللغوي
2ـ أصناف الأصوات اللغوية في فواتح السور عند الباقلاني.
3ـ جدولة الصوت اللغوي في فواتح السور عند الزمخشري.
4 ـ الصدى الصوتي للحروف المقطعة عند الزركشي
5 ـ القرآن في تركيبه الصوتي من جنس هذه الأصوات
--------------------------------------------------------------------------------
(82)
--------------------------------------------------------------------------------
(83)
يبدو أن القرآن الكريم قد وجه اهتمام العرب ـ منذ عهد مبكرـ ولفت نظرهم إلى ضرورة الإفادة من الزخم الصوتي في اللغة العربية وهو يستهل بعض السور القرآنية بجملة محددة من الحروف الهجائية التي تنطق بأصواتها أسماء، لا بأدواتها حروفاً، للإفادة من صوتيتها لدى الاستعمال دون حرفيتها.
وكان القرآن العظيم قد افتتح عامة سوره بعشرة أنواع بيانية من فن القول شملت طائفة متميزة من معاني النحو وأساليب البلاغة حتى حصر أرباب علوم القرآن بذلك دون تزيّد عليها أو نقصان منها، فلا يخرج شيء من فواتح السور عنها، وقد يتداخل بعضها ببعض تارة (1).
ولعل من المفيد حقاً الإشارة على سبيل النموذج بأصل قرآني واحد لكل نوع تمهيداً بين يدي النوع المراد بحثه صوتياً، وسنكتفي بإيراد هذا النموذج الواحد للدلالة عليه في النماذج الثرة المتوافر وجودها في أضراب أخرى لكل أصل.
1 ـ الاستفتاح بالثناء على الله تعالى، كما في أول الفاتحة، وذلك قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)،
____________
(1) ظ: للتفصيل، الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|164.
--------------------------------------------------------------------------------
(84)
2 ـ الاستفتاح بالنداء، كما في أول المدثر، وذلك قوله تعالى: (يا أيها المدثر).
3 ـ الاستفتاح بالقسم، كما في أول سورة الفجر، وذلك قوله تعالى: (والفجر).
4 ـ الاستفتاح بالجملة الخيرية، كما في أول سورة «المؤمنون» وذلك قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون).
5 ـ الاستفتاح بصيغة الأمر، كما في أول سورة العلق، وذلك قوله تعالى: (اقرأ باسم ربّك الذى خَلَقَ).
6 ـ الاستفتاح بصيغة الشرط، كما في أول سورة النصر، وذلك قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح).
7 ـ الاستفتاح بصيغة الاستفهام، كما في أول سورة النبأ، وذلك قوله تعالى: (عمَّ يتساءلون * عن النباء العظيم).
8 ـ الاستفتاح بالدعاء، كما في أول سورة المطففين، وذلك قوله تعالى: (ويل للمطفّفين).
9 ـ الاستفتاح بالتعليل، وقد ورد مرة واحدة في القرآن، في أول سورة الإيلاف، وذلك قوله تعالى: (لإيلاف قريش).
10 ـ الاستفتاح بحروف التهجي، وهي موضوع هذا البحث في الصوت اللغوي، إذ تم استفتاح تسع وعشرين سورة في المصحف الشريف بحروف هجائية مقطعة يمكن حصرها بالضبط في النحو الآتي:
أ ـ ثلاثة حروف موحدة هي: ص. ق. ن.
ب ـ عشرة حروف مثناة هي: طه، طس، يس، وحم استعملت في افتتاح سبع سور، فهذه عشرة.
ج ـ إثنا عشر مثلثة الحروف هي: آلم، آلر، طسم.
وقد تكرر الأولان عدة مرات في المصحف دون طسم.
د ـ إثنان حروفهما أربعة: آلمر. آلمص.
--------------------------------------------------------------------------------
(85)
هـ ـ إثنان حروفها خمسة: كهيعص. حمعسق.
وقد اهتم علماء الإعجاز القرآني بالتصنيف الصوتي لهذه الحروف في فواتح هذه السور، وبيان أسرارها التركيبية، ودلائلها الصوتية، وكان أبو بكر الباقلاني (ت: 403 هـ) في طليعة هؤلاء الاعلام، فقال:
(يُتْبَعُ)
(/)
«إن الحروف التي بني عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفاً، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون (1) سورة، وجملة ما ذكر من هذه [الحروف] في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفاً ليدل بالمذكور على غيره، والذي تنقسم إليه هذه الحروف أقساماً: فمن ذلك قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة، فالمهموسة منها عشرة وهي: الحاء والهاء والخاء والكاف والشين والثاء والفاء والتاء والصاد والسين.
وما سوى ذلك من الحروف فهي مجهورة، وقد عرفنا أن نصف الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور، وكذلك نصف الحروف المجهورة على السواء لا زيادة ولانقصان» (2).
فالباقلاني يعدد حروف المعجم، ويقارن ذلك بأعداد حروف السور المفتتحة بها، ويضيف هذه الحروف، وهي إما مجهورة، وإما مهموسة ونصف هذه الحروف بتقسيمها مقسوم على السواء بين حروف هذه الفواتح القرآنية، فنصف المهموسة مذكور في جملة هذه الحروف، ونصف المجهورة مذكور أيضاً دون تزيّد عليها أو نقصان منها.
وقد أيّد أهل اللغة المذهب الأول للباقلاني بما أورده الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) عنهم «فقال بعضهم: هي حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تمام ثمانية وعشرين حرفاً كما يستغنى بذكر: أ. ب. ت. ث. عن ذكر الباقي» (3).
____________
(1) تقدم أنها تسع وعشرون سورة.
(2) الباقلاني، إعجاز القرآن: 66.
(3) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 1|48.
--------------------------------------------------------------------------------
(86)
ثم يعرض الباقلاني إلى تفصيل آخر: أن نصف حروف الحلق (العين والحاء والهمزة والهاء والخاء والغين) مذكور في جملة هذه الحروف، وأن النصف المذكور هو: العين والحاء والهاء. وكذلك نصف عدة الحروف التي ليست من حروف الحلق مذكور في جملة هذه الحروف. وأن نصف الحروف الشديدة: (الهمزة والقاف والكاف والجيم والتاء والدال والطاء والباء) مذكور في جملة هذه الحروف، والمذكور: الطاء والقاف والكاف والهمزة. وأن نصف الحروف المطبقة وهي (الطاء والضاد والصاد والضاء) مذكور في جملة هذه الحروف، والمذكور هو الصاد والطاء (1).
والذي يخلص لنا من هذا الاهتمام المتكامل اشتمال فواتح السور القرآنية المبدوءة بالحروف الهجائية على نصف تقسيمات أصناف الحروف، بل على أنصاف كل الأصناف على هذا النحو:
1 ـ نصف الحروف المجهورة.
2 ـ نصف الحروف المهموسة.
3 ـ نصف حروف الحلق.
4 ـ نصف حروف غير الحلق.
5 ـ نصف الحروف الشديدة.
6 ـ نصف الحروف المطبقة.
وجميع هذه الحروف المثبتة في جدولة الباقلاني لها تمثل نصف حروف المعجم العربي، وهذا التصنيف بعامة يمثل بعداً استقرائياً في حصر اوائل السور ذات الحروف الهجائية المقطّعة على أساس مخارج الصوت اللغوي.
ولا يكتفي الباقلاني بهذه البرمجة حتى يضيف إليها تصوراً صوتياً منظّماً، ويعلل ظاهرة استعمال بعض الحروف دون سواها للتأكيد على المناخ الصوتي المتميز في وضع الحروف بموقعها المناسب بحسب
____________
(1) ظ: للتفصيل، الباقلاني، إعجاز القرآن: 67 ـ 68.
--------------------------------------------------------------------------------
(87)
تسلسلها في النطق مترددة بجهاز النطق من مبتداه إلى منتهاه، وذلك حينما يبدأ القرآن الكريم بـ (ألم) في أول سورة قرآنية ضمن الترتيب المصحفي وهي سورة البقرة التي استعملت هذه الأصوات متقاطرة، فيعطي التعليل الصوتي الآتي: «لأن الألف المبدوءة بها هي أقصاها مطلقاً، واللام متوسطة، والميم متطرفة، لأنها تأخذ في الشفة، فنبه بذكرها على غيرها من الحروف، وبيّن أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تردد بين هذين الطرفين» (1).
وسيأتي فيما بعد إفادة الزركشي (ت: 794 هـ) من هذا المنحنى لهذه الأصوات وتوسعه فيه وفي سواه على أس صوتي مكثف.
وقد أفاض جار الله الزمخشري (ت: 538 هـ) في تعقب هذه الوجوه، وذكر هذه الملاحظ، وأفاد مما أبداه الباقلاني وزاد عليه متوسعاً، وفصل ما ذكره مجملاً بما نحاول برمجته باختصار على النحو التالي:
(يُتْبَعُ)
(/)
أولاً: قال الزمخشري: «اعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عزّ سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء، وهي: الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف» (2).
والملاحظ من هذا النص أن الزمخشري قد جعل أسامي حروف المعجم ثمانية وعشرين، بينما ينص على أن عدد حروف المعجم تسعة وعشرون حرفاً، مما قد يتصور معه التناقض وعدم الدقة، وليس الأمر كذلك، لأن الألف اسم يتناول عندهم جزئين من الحروف هما رسماً (ا) و (ء) أي المدة والهمزة، لهذا قالوا الألف إما ساكنة أو متحركة، والألف الساكنة هي المدة، والألف المتحركة هي الهمزة، ومن ثم بدأ التفريق الدقيق بينهما، فأطلقت (ا) على الألف اللينة، وأطلقت (ء) على الهمزة،
____________
(1) الباقلاني، إعجاز القرآن: 68 ـ 69.
(2) الزمخشري، الكشاف: 1|101.
--------------------------------------------------------------------------------
(88)
فنبه بقوله الألف على هذين الملحظين، وتذرع بقوله:
«الهمزة والألف حرف واحد عند الفقهاء وحرفان في عرف العامة» (1). و سواء أكانا حرفاً أم حرفين فإنهما صوتان لا شك في هذا.
ثانياً: أوضح الزمخشري تبعاً للباقلاني أن في هذه الحروف من المهموسة نصفها وعدّدها، ومن المجهورة نصفها وعدّدها، ومن الشديدة نصفها وعدّدها، ومن الرخوة نصفها وعدّدها، ومن المطبقة نصفها وعددها، ومن المنفتحة نصفها وعدّدها، ومن المستعلية نصفها وعدّدها، ومن المنخفضة نصفها وعدّدها، ومن حروف القلقلة نصفها، ويمكن جدولة هذه الحروف في منهج الزمخشري على النحو التالي: (2)
1ـ الحروف المهموسة: الصاد، الكاف، الهاء، السين، الحاء.
2 ـ الحروف المجهورة: الألف، اللام، الميم، الراء، العين، الطاء، القاف، الباء، النون.
3 ـ الحروف الشديدة: الأف، الكاف، الطاء، القاف.
4 ـ الحروف الرخوة: اللام، الميم، الراء، الصاد، الهاء، العين، السين، الحاء، الياء، النون.
5 ـ الحروف المطبقة: الصاد، الطاء.
6 ـ الحروف المنفتحة: الألف، اللام، الميم، الراء، الكاف، الهاء، العين، السين، الحاء، القاف، الياء، النون.
7 ـ الحروف المستعلية: القاف، الصاد، الطاء.
8 ـ الحروف المنخفضة: الألف، اللام، الميم، الراء، الكاف، الهاء، الياء، العين، السين، الحاء، النون.
9 ـ حروف القلقلة: القاف، الطاء.
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 1|101.
(2) ظ: المصدر نفسه: 1|102 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(89)
ويلاحظ أن الزمخشري قد استدرك على الباقلاني في جدولته لأنصاف الحروف الواردة في فواتح السورة استدرك عليه: الحروف الرخوة، والمنفتحة، والمستعلية، والمنخفضة، وحروف القلقلة، ولكنها داخلة عند الباقلاني في جملة حروف الحلق وغير الحلق، إلا أن الزمخشري قد وسعها تفصيلاً، وترك الاجمال، وأورد المسميات.
ثالثاً: وبعد هذا التقسيم الدقيق تعقب الزمخشري حكمة هذا التركيب، وغاية هذا الذكر، وفلسفة هذه الأصوات، فقال: «ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها، رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكور منها، فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته. وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته، فكأن الله عزّ اسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم، إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم، وإلزام الحجة إياهم» (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
رابعاً: ورصد الزمخشري مواطن استعمال هذه الأصوات وكثرتها، بحسب الجاري على ألسنة العرب في تكاثر بعض الحروف دون بعض، وعرض لفائدة التكرار في جملة منها، وتناول مسألة تفريقها على السور دون جمعها في أول القرآن، وكأنه يشير إلى الحكمة المتوخاة من كل جانب فقال: «ومما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم: أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين، وهي: فواتح سورة البقرة، وآل عمران، والروم، والعنكبوت، ولقمان، والسجدة، والأعراف، والرعد، ويونس، وإبراهيم، وهود، ويوسف، والحجر. فإن قلت: فهلا عدّدت بأجمعها في أول القرآن، وما لها جاءت مفرقة على السور؟ قلت: لأن إعادة التنبيه على أن المتحدى به مؤلف منها لا غير، وتجديده في غير موضع واحد، أوصل إلى الغرض، وأقوله في الأسماع والقلوب، من أن يفرد ذكره مرة، وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن فمطلوب به تمكين المكرر في النفوس
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 1|103.
--------------------------------------------------------------------------------
(90)
وتقريره. فإن قلت: فهلا جاءت على وتيرة واحدة، ولم اختلفت أعداد حروفها؟ قلت: هذا على عادة افتنانهم في أساليب الكلام وتصرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب متنوعة، وكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف لم تتجاوز ذلك، سلك بهذه الفواتح ذلك المسلك (1).
ووقف بدر الدين الزركشي (ت: 794 هـ) عند الصدى الصوتي للحروف المقطعة في فواتح هذه السور من عدة وجوه صوتية، يمكن رصد أبعادها بالخطوط الآتية:
أولاً: عرض الزركشي لأعداد هذه الأصوات في فواتح السور، ووقف عندما أبتدىء به بثلاثة حروف، واعتبر لذلك سراً صوتياً بارزاً علّله بقوله عن «ألم» في تركيبها: «وذلك أن الألف إذا بدىء بها أولاً كانت همزة، وهي أول المخارج من أقصى الصدر، واللام من وسط مخارج الحروف، وهي أشد الحروف اعتماداً على اللسان، والميم آخر الحروف، ومخرجها من الفم. وهذه الثلاثة هي أصل مخارج الحروف أعني الحلق واللسان والشفتين، وترتبت في التنزيل من البداية إلى الوسط، إلى النهاية. فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة، التي يتفرع منها ستة عشر مخرجاً، ليصير منها تسعة وعشرون حرفاً، عليها مدار الحلق أجمعين، مع تضمنها سراً عجيباً، وهو أن الألف للبداية، واللام للتوسط، والميم للنهاية، فاشتملت هذه الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما» (2).
وهذه الإنارة في استعمال مصطلحات الصوت في المخارج إلى الحلق واللسان والشفتين يضطلع فيها الزركشي بحسّ صوتي رفيع قد سبق إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175 هـ) وسيبويه (ت: 180هـ) وأبو الفتح عثمان بن جني (ت: 392 هـ) يؤكده الخط الثاني في تذوقه الحروف، وتأكيده على مسافتها ومكانها وزمانها.
ثانياً: والزركشي بطلق لفظ الحروف ويريد بذلك الأصوات كما هو
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 1|104 وما بعدها.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|168.
--------------------------------------------------------------------------------
(91)
شأن الخليل في بدايات العين. وكأن قدماء العرب كانوا ينظرون الحرف والصوت بمنظار واحد، فيطلقون اسم أحدهما على الآخر، لا سيما في إطلاق الحرف وإرادة الصوت، وهذا ما نهجه الزركشي لدى بحثه أسرار صوت الهمزة، واللام، والميم من وجه آخر غير الوجه الصوتي الأول فقال:
«وأيضاً من أسرار علم الحروف أن الهمزة من الرئة، فهي أعمق الحروف، واللام مخرجها من طرف اللسان ملصقة بصدر الغار الأعلى من الفم، فصوتها يملأ ما وراءها من هواء الفم، والميم مطبقة، لأن مخرجها من الشفتين إذا أطبقا، ويرمز بهن إلى باقي الحروف» (1).
ثالثاً: وتعقب الزركشي ملائمه صوت الطاء للسين في (طس) ومجانسته للهاء في (طه)، وهو يعمم هذه الملائمة وتلك المجانسة صوتياً على القرآن فيقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
«وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن، فإن الطاء جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها وهي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والسين: مهموس، رخو، مستفل، صفير، منفتح، فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها، كالسين والهاء، فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف» (2).
وهذا التعقب خالص الصوتية في الاستقراء والاستنتاج معاً، فإن ما ذكره اهتمام صوتي ليس غير، وإن ما عدده من المصطلحات: الجهر، الشدة، الاستعلاء، الإطباق، الأصمات، المهموس، الرخو، المستفل، الصفير، المنفتح، مصطلحات صوتية في الصميم، وهو وإن سبق إلى التسمية وسبق إلى الضبط، إلا أنه طبقها تنظيراً صوتياُ على فواتح السور.
رابعاً: وتنبه الزركشي أيضاً إلى اشتمال سورة (ق) على ذات الحرف، لما في صوت القاف من القلقلة والشدة من جهة، ولاشتماله على
____________
(1) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|168.
(2) المصدر نفسه: 1|169.
--------------------------------------------------------------------------------
(92)
الجهر والانفتاح من جهة أخرى. «وتأمل السورة التي اجتمعت على الحروف المفردة: كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف، ممن ذلك (ق والقرآن المجيد) (1) فإن السورة مبنية على الكلمات القافية: من ذكر القرآن، ومن ذكر الخلق، وتكرار القول ومراجعته مراراً؛ والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين، وقول العتيد، وذكر الرقيب، وذكر السابق، والقرين، والإلقاء في جهنم، والتقدم بالوعد، وذكر المتقين، وذكر القلب، والقرآن، والتنقيب في البلاد، وذكر القتل مرتين، وتشقق الأرض، وإلقاء الرواسى فيها، وبسوق النخل، والرزق، وذكر القوم، وخوف الوعيد، وغير ذلك» (2).
والحق أنني تتبعت سورة (ق) فوجدت ذكر هذا الحرف قد تكرر بعده أربعاً وخمسين مرة في خمس وأربعين آية زيادة على الحرف الاستفتاحي. فما هذا السر الصوتي لهذا الحرف؟ وما علاقة تسمية السورة به من خلال هذا البناء عليه؟ وما هو موقع القلقلة في القاف، والشدة في صوتها، والجهر بأدائها، والانفتاح عند نطقها بهذا التكرار في شتى الكلمات، مما ذكره الزركشي ومما لم يذكره. الجواب عن هذا وذاك بعد إدراك العناية الصوتية: الله أعلم.
خامساً: وأشار الزركشي إلى خصوصية للدلالة الصوتية في سورة (ص) للإبانة بهذا الحرف وصوتيته على أصداء الخصومات النازلة، والمحاكمات الشديدة الوقع، بما يتناسب واصطكاك الصاد في الحلحلة، وصداها الواقع على الأذن، واشتمالها على ما حدث من مجريات أحاديث السورة نفسها محاكاة في الأصوات الشديدة لما نشب من الأحداث الجسيمة، فقال مؤكداً وجهة نظره الصوتية، في تذوق الشدة والوقعة والخصومة من خلال صوت الصاد، ومصاقبته لما ورد في السورة ذاتها من إشارات موحية بذلك:
«وإذا أردت زيادة إيضاح فتأمل ما أشتملت عليه سورة (ص) من
____________
(1) سورة ق: 1.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|169.
--------------------------------------------------------------------------------
(93)
الخصومات المتعددة، فأولها خصومة الكفار مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقولهم: (أجعل الآلهة إلاهاً واحدًا) (1) إلى آخر كلامهم. ثم أختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم، وهو الدرجات والكفارات، ثم تخاصم ابليس واعتراضه على ربه وأمره بالسجود، ثم اختصامه ثانياً في شأن بنيه، وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم» (2).
وهكذا نجد الزركشي في تنبيهاته الصوتية ـ سواء أكان ناقلاً لها، أم مجمعاً لشتاتها، أم مبرمجاً لخططها، أم مبتدعاً لبعضها ـ، يؤكد العمق الصوتي لدى علماء العربية في إبراز حقيقة الصوت اللغوي فيما اتسمت به فواتح السور القرآنية ذات الحروف الهجائية المقطّعة.
(يُتْبَعُ)
(/)
والحق أن استقرار المراد من هذه الحروف المقطعة ـ وإن لم تدرك أسراره ـ لا يخرجها عن حقيقة واقعها الصوتي في الأسماع، ولا جوهرها الأنصاتي لدى الإطلاق، فهي من جنس أصوات العرب في لغتهم، ومن سنخ حروف معجمهم، ومن روح أصداء لغة القرآن العظيم، ولا يمانع هذا الاستقراء على اختلاف وجهات النظر فيه من شموخ الصوت اللغوي في أضوائها، وبروز الملحظ الصوتي في تأويلاتها ـ توصل إلى الواقع أو لم يتوصل ـ على أن السلف الصالح مختلف في المراد من هذه الحروف المقطعة، أو الأصوات المنطوقة على قولين:
الأول: ان هذه الحروف في دلالتها وإرادتها من العلم المستور والسر المحجوب الذي استأثر به الله تعالى.
وادعى الشعبي: أنها من المتشابه، نؤمن بظوواهرها، ونكل العلم فيها إلى الله عزّ وجل (3).
وقد روى الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) أنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، واختاره الحسين بن علي المغربي (4).
____________
(1) سورة ص: 5.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|170.
(3) (4) ظ: الطوسي، التيبان في تفسير القرآن: 1|48.
والقول أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها، ولا يعلم تأويلها إلا هو، هو المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في رواية أهل السنة (1).
وقد أنكر المتكلمون هذا القول، وردوا هذا الزعم، فقالوا: لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لا يفهمه الخلق لأن الله أمر بتدبره، والاستنباط منه، وذلك لا يمكن إلا مع الإحاطة بمعناه (2).
بينما أيدّه من المتأخرين كل من مالك بن نبي فقال:
«ولسنا نعتقد بإمكان تأويلها إلا إذا ذهبنا إلى أنها مجرد إشارات متفق عليها، أو رموز سريّة لموضوع محدد تام التحديد، أدركته سراً ذات واعية. . . (3).
والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري فقال:
«والحق أنها بحسب المعنى من المتشابهات التي استأثر الله تعالى العلم بها لنفسه، فلا يلزم الصاد الفحص عن حقيقتها، وبذل الجهد في إدراكها وفهمها بل لا بد من إيكال الأمر إليه تعالى» (4).
الثاني: أن المراد منها معلوم، ولكنهم اختلفوا فيه بعدة آراء تتفاوت قيمة ودلالة وموضوعية، وقد تداعت كلمات الأعلام في هذه الآراء حتى نقل الخلف عن السلف، واستند اللاحق إلى السابق بنسبة إليه وبدون نسبة.
ونحاول فيما يلي أن نعطي كشفاً منظّماً بأبرز هذه الآراء، ونعقبها بما نأنس به، ونطمئن إلى مؤاده باعتباره جزءاً من كليّ فرائدها، دون القطع بأنه مراد الله منها، أو القول به (5).
____________
(1) ظ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 1|32.
(2) ظ: الزركشي: البرهان في علوم القرآن: 1|173.
(3) مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية: 312.
(4) السبزواري، مواهب الرحمان في تفسير القرآن: 1|62.
(5) ظ: للتوفيق بين هذه الآراء وتفاصيلها كلاً من: الطبري، جامع البيان: 1|50 + الطوسي، التبيان: 1|47 + الطبرسي، مجمع البيان: 1|33 + الزمخشري، الكشاف: 1|76 + الرازي، مفاتيح الغيب + ابن الزمالكاني، البرهان: 1|173 + الزركشي، البرهان + السيوطي، الاتقان: 3|21.
--------------------------------------------------------------------------------
(95)
1 ـ اختار ابن عباس: أن كل حرف منها مأخوذ من أسماء الله تعالى، ويقاربه ما روى عن السّدي والشعبي أنها: اسم الله الأعظم (1).
ولا تعليق لنا على هذا الزعم من ناحيتين:
الأولى: أن أسماء الله تتداخل بضمنها جميع الحروف في المعجم العربي وقد تستقطبها، فلا ميزة ـ والحالة هذه ـ لحرف على حرف.
الثانية: أننا نجهل اسم الله الأعظم لاختلاف الآثار والمرويات فيه، إن صحّ صدور تلك الآثار والمرويات.
2 ـ إن الله تعالى أقسم بهذه الحروف على وجهين:
وجه اختاره ابن عباس وعكرمة: إن هذا القسم بأسمائه لأنها أسماؤه.
ووجه: أن هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: هو الكتاب المنزل لا شك فيه، وذلك يدل على جلالة قدر هذه الحروف، إذا كانت مادة البيان. وقد أقسم الله: بـ (الفجر) و (الطور) وغيرهما، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها (2).
وهما احتمالان جائزان يشكل علينا الخوض فيهما.
(يُتْبَعُ)
(/)
3 ـ إن هذه الحروف أسماء لسور القرآن الكريم؛ وروي ذلك عن زيد بن أسلم والحسن البصري (3).
وذلك أن الأسماء وضعت للتمييز فـ (ألم) اسم هذه السورة، و (حم) اسم لتلك، و (كهيعص) اسم لغيرهما وهكذا. وقد وضعت هذه الحروف أسماء لتلك السور لتمييزها عن سواها.
وقد نص على ذلك سيبويه (ت: 180هـ) (4).
____________
(1) (2) ظ: الطوسي، التبيان: 1|47.
(3) المصدر نفسه: 1|47.
(4) ظ: سيبويه، الكتاب: 2|30.
--------------------------------------------------------------------------------
(96)
ونقله الزمخشري (ت: 538 هـ) عن الأكثرين (1) وقال فخر الدين الرازي (ت: 606 هـ) بأنه قول أكثر المتكلمين (2).
وهذا الوجه يؤيده مدرك السيرة الاستقرائية، ففي متعارف أقوال الناس تسمية هذه السور بهذه الأسماء بحدود معينة، وإذا أطلقت دلت على مسمياتها إجمالاً.
وقد اختار ذلك الشيخ الطوسي (ت: 460هـ) فقال: «وأحسن الوجوه التي قيلت قول من قال أنها أسماء للسور» (3).
وأيدّه بهذا الاتجاه أبو على الطبرسي (ت: 548هـ) (4). وإذا كانت هذه الحروف أسماء لسورها، فلا كبير أمر من بحث وجوه تسميتها، فهي قضايا توقيفية، ان صح الفرض، ثم الا تلتبس هذه السور في مسمساتها بعضها ببعض لا سيما في المكرر منها، كما هي الحال في: (حم) و (آلر) و (ألم) وهكذا، والله العالم.
4 ـ إنها فواتح يفتتح بها القرآن، وقد روي ذلك عن مجاهد بن جبر المكي، ومقاتل بن سليمان البلخي (5).
وفائدة هذا الاستفتاح على وجهين:
الأول: أن يعلم ابتداء السورة وانقضاء ما قبلها.
الثاني: أنها تنبيهات، كما هي الحال في أدوات التنبيه والنداء.
وقد اختار الوجه الثاني شمس الدين الخوبي (ت: 638 هـ) فرأى بأن القول بانها تنبيهات جيد، لأن القرآن كلام عزيز، وفوائده عزيزة، فينبغي أن يرد على سمع متنبه. . . وإنما لم تستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا وأما لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم، والقرآن
____________
(1) ظ: الزمخشري، الكشاف: 1|83.
(2) ظ: الرازي، مفاتيح الغيب نقلاً عن الزركشي، البرهان: 1|174.
(3) ظ: الطوسي، التبيان في التفسير القرآن: 1|47.
(4) ظ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 1|33.
(5) ظ: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 1|47.
--------------------------------------------------------------------------------
(97)
كلام لا يشبه الكلام، فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد، لتكون أبلغ في قرع سمعه (1).
والتنبيه إنما يكون بأصوات تقبل عليها الناس، ويصغي لما بعدها السامعون، إذا المراد صوتية التنبيه ليس غير.
ويميل إلى هذا الرأي كثير من المعاصرين، ويقطع بعضهم بأن المراد من هذه الحروف ـ دون شك ـ هو الافتتاح بها، كما استفتحت العرب بألا الاستفتاحية وأضرابها (2).
ويجب الالتفات إلا أن ابن عطية قد عدّ القول بأنها تنبيهات مغايراً للقول بأنها فواتح، والظاهر عند السيوطي أنه بمعناه. (3).
ويعضد القول بأنها فواتح روايتان أوردهما السيد هاشم البحراني في تفسير، أسند أحدهما الى الإمام علي عليه السلام، والأخرى الى الإمام جعفر الصادق عليه السلام (4).
وأذا ثبتت هاتان الروايتان فالأخذ بمضمونهما هو أولى الوجوه في استكناه الفوائد المترتبة عليها، أو المعاني المترددة فيها.
5 ـ إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه، ويكون تعجبهم سبباً لاستماعهم، واستماعهم سبباً لاستماع ما بعده، فترق القلوب وتلين الأفئدة (5).
وهذا القول كان مظنّة لإقبال المستمعين على القرآن كما تدل على ذلك وقائع الأحداث عند تلاوة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الفواتح على قريش، وقد ضعّفه ابن كثير القرشي (ت: 774 هـ) (6).
____________
(1) السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 3|27.
(2) عبد الجبار حمد شرارة، الحروف المقطعة في القرآن الكريم: 58 ـ 68.
(3) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 3|27.
(4) ظ: هاشم البحراني، البرهان في تفسيرالقرآن: 1|34.
(5) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|175.
(يُتْبَعُ)
(/)
(6) ظ: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 1|36.
--------------------------------------------------------------------------------
(98)
وقد انتصر له من المحدثين الأستاذ محمد جمال الهاشمي وترجمه بمنظور عصري، وأضاف إليه البعد الرمزي فقال:
«إن القرآن في أسلوبه البياني الفذ أراد أن يجذب الأنظار والأفكار، فافتتح بعض سوره المباركة بهذه الحروف المقطعة فهي أشبه ما تكون بإشارات المحطات العالمية في الراديو حيث تتخذ كل دولة رمزاً خاصاً لها يدل على محطة إذاعتها، ويميز بينها وبين غيرها من المحطات، وهكذا القرآن كان يتخذ من هذه الحروف رمزاً مخصوصاً لوحيه يستلفت به الأذهان لتستمع إلى آياته المنزلة بوعي وانتباه، ولا زالت هذه الهزّة الوجدانية تعتري النابهين من المؤمنين كلما طرقت أسماعهم هذه الحروف الساحرة في تقاطيعها المطربة، وإنما كان يستعمل هذه الإشارة الحروفية في الحالات الخاصة التي تستدعي الاهتمام، كما أنه ربما يباري الإنسانية بموضوعه من دون تقدمة وتمهيد حتى بما التزم به من الاستهلال كجملة: بسم الله الرحمن الرحيم، لأن الموضوع نفسه يستدعي المبادأة والمفاجأة كسورة (براءة)، فالقرآن إنما يجري في مفاتيح سوره مع الظروف المحيطة بتلك السور المباركة، وإن للحروف المقطعة من التأثير ما لا يخفى على السامع والواعي» (1).
6 ـ إن هذه الحروف تدعو العرب وتناديهم إشارة إلى إعجاز القرآن، فهذا القرآن الذي يتلوه عليكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن جنس كلامكم وسنخ حروفكم، ومما يتكون منه معجمكم. . . (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين) (2) قال أبو مسلم، محمد بن بحر (ت: 370هـ):
إن المراد بذلك بأن هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته، ولم تقدروا على الإتيان بمثله، هو من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في كلامكم وخطابكم، فحيث لم تقدروا عليه، فاعلموا أنه من فضل الله» (3).
____________
(1) محمد جمال الهاشمي، من تفسير القرآن الكريم «بحث».
(2) البقرة: 23.
(3) ظ: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 1|48.
--------------------------------------------------------------------------------
(99)
ومما يؤيده ما حكي عن الأخفش (ت: 215 هـ):
«إن الحروف مباني كتب الله المنزلة بالألسنة المختلفة، وأصول كلام الأمم» (1).
فهي أصل الكلام العربي في هذا الكتاب العربي المبين الذي أعجز الأولين والآخرين من العرب وغير العرب، على أنه مركب من جنس حروف العرب، وهذا أدلّ على الإعجاز باعتباره مشاكلاً لكلامهم، وعلى سنن تراكيبهم، فعلم بالضرورة أنه كلام الله تعالى، ولا يعني الاعتداد بهذا الملحظ من القول في جملة الفوائد المترتبة عليه، أن ندع مضامين الأقوال السابقة، وقيمتها الفنية، فهي جزء لا يتجزأ من غرر الإفادات القيمة في الموضوع، على أن القول بالمتشابه هو اسلم الوجوه فيما يخيل إليّ، ولكن هذا لا يعني عدم الكشف عن الأسرار الهامشية، والنكت الجانبية التي لا تتعلق بالمتشابه من القول، بل ترجع إليه بالعائدية، فيبقى المتشابه متشابها، والمحكم من القرآن محكما، ولا يمنع هذا وذاك من بيان حكم المتشابه، وفضل مزاياه، فيبدو في ظلاله ألق نستنير به، أو شعاع نهتدي بأضوائه، فنلمس البعد الصوتي متوافراً في هذه الحروف، والرصد الإعجازي قائماُ في هيكلها العام وإن بقي السر ماثلاً، والمعنى الحقيقي محجبوباً، والمراد منها في علم الغيب، ولكن الحكمة قد تلتمس، والثمرة قد تقتطف، وقد أورد ابن كثير (ت: 774 هـ) حاكياً: «إنما ذكرت هذه الحروف في أوئل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجازالقرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكى القرطبي عن الفرّاء وقطرب نحو هذا، وقرّره الزمخشري في كشافه ونصره أتم نصر، وإليه ذهب ابن تيمية وأبو العجاج المزي» (2).
والذي يظهر مما تقدم أن القول بأن هذه الحروف ـ في بعض حكمها ـ إشارات إعجازية ليس من ابتكارنا، ولا هو أمر نحن ابتدعناه، وإنما سبق
(يُتْبَعُ)
(/)
____________
(1) ظ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 1|33.
(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 1|36.
--------------------------------------------------------------------------------
(100)
إليه جمع من الأعلام كما رأيت حتى لقد أورده ابن الزملكاني (ت: 651 هـ) واعتبر هذه الحروف كالمهيجة لمن يسمعها من الفصحاء، والموقظة للهمم الراقدة من البلغاء (1).
ويعضد هذا الرأي أمران:
الأول: أن هذه الحروف الهجائية في فواتح السور القرآنية طالما ورد بعدها ذكر القرآن أو الكتاب معظماً مفخماً، يتلوه الدليل على إعجازه، والحديث عن الانتصار له، والإشارة إلى تحديه العالم والأمم والشعوب والقبائل، مما يؤيد حكمة هذه الأصوات لبيان إعجازه وكماله، وحسن نظمه وتأليفه، وسر بقائه وخلوده، كونه نازلاً من الله، مستقراً في هذا المصحف الشريف، دون تصحيف أو تحريف، أو زيادة أو نقصان، ريادة في دوامه، وتعهداً بحفظه وسلامته، بما أكده الله تعالى: (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) (2).
الثاني: أن المتتبع لأسباب النزول، والأحداث التي رافقت قرع الأسماع بهذه الأصوات، يجد الإيذان بها قد تقاطر سيله بأشد الظروف قسوة على الرسالة الإسلامية، فكان التحدي قائماً على أشدّه بمثل هذه الأصوات المدوّية في الآفاق.
فما كان منها في السور المكية، وهي الحقبة التي واجهت بها الرسالة عنفاً وغطرسة وتكذيباً، فقد جاءت فيه هذه الحروف رداً مفحماً في التحدي الصارخ، والدليل الناصع على صدق المعجزة.
وما كان منها في السور المدينة، فقد جاء تحدياً لأهل الكتاب فيما نصبوه من عداء للدين الجديد، وإنذاراً للمنافقين فيما كادوا به محمداً والذين معه.
إلا أن الملحظ الصوتي الذي نقف عنده للدلالة على التنبيه على صوتية هذه الحروف، مع كونها إشارات إعجازية في بعض حكمها، الملحظ هذا: أنها تنطق كنطق كنطقك الأصوات، ولا تلفظ كلفظك الحروف، فتقول في قوله تعالى: (ص) «صاد» صوتاً نطقياً، لا حرفاً مرسوماً «ص»
____________
(1) ابن الزملكاني، البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن: 57.
(2) الحجر: 9.
--------------------------------------------------------------------------------
(101)
أو «أص» وكذلك في قوله تعالى: (ق) فإنك تقول «قاف» لا «ق» ولا «إق» وهكذا في الحروف الثنائية كقوله تعالى: (طس) وفي الحروف الثلاثية كقول تعالى: (ألم) وكذلك في الحروف الرباعية كقوله تعالى: (ألمر) وكذلك في الحروف الخماسية كقوله تعالى: (كهيعص) فكلها تنطق بأسماء تلك الحروف أصواتاً، لا بأشكالها الهجائية رسوماً، مما يقرب منها البعد الصوتي المتوخى، بينما كتبت في المصاحف على صورة الحروف لا صورة الأصوات.
وقد علل الزركشي (ت: 794 هـ) المؤشر الأخير بالوقوف عند خط المصحف بأشياء خارجة عن القياسات التي يبنى عليها علم الخط والهجاء «ثم ما عاد ذلك بنكير ولا نقصان لا ستقامة اللفظ، وبقاء الحفظ» (1).
وأشار الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) إلى جزء من صوتية هذه الحروف بملحظ الوقف عندها فقال: «وأجمع النحويون على أن هذه الحروف مبنية على الوقف لا تعرب، كما بني العدد على الوقف، ولأجل ذلك جاز أن يجمع بين ساكنين، كما جاز ذلك في العدد» (2).
هذه لمحات صوتية في خضم دلالات الحروف المقطعة في فواتح السور القرآنية، وقفنا عند الصوت اللغوي فيها، وأشرنا إلى البعد الإعجازي من خلالها، وليس ذلك كل شيء في أبعادها، فقد تبقى من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، وخير الناس من قال فيها بكل تواضع: الله أعلم، كما قال ذلك مالك بن بني في حديثه عنها.
«لقد حاول معظم المفسرين أن يصلوا إلى موضوع الآيات المغلقة إلى تفاسير مختلفة مبهمة، أقل أو أكثر استلهاماً للقيمة السحرية التي تخص بها الشعوب البدائية: الكواكب، والأرقام والحروف، ولكن أكثر المفسرين تعقلاً واعتدالاً، هم أولئك الذين يقولون في حال كهذه بكل تواضع: الله أعلم» (3).
____________
(1) الزركشي، البرهان: 1|172.
(2) الطوسي، التبيان: 1|50.
(3) مالك بن بني، الظاهرة القرآنية: 333.
(يُتْبَعُ)
(/)
--------------------------------------------------------------------------------
(102)
وفوق هذا وذاك قول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام فيما ينسب إليه:
«إن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» (1) وتبقى التأويلات سابحة في تيارات هذه الحروف المتلاطمة، والتفسير الحق لها عند الله تعالى، ولا يمنع ذلك من كشف سيل الحكم والإشارات والتوجيهات، والملامح اللغوية بعامة، أو الصوتية المتخصصة، أو الإعجازية بخاصة في هذه الحروف، فهو ليس تفسيراً لها بملحظ أن التفسير هو الكشف عن مراد الله تعالى من قرآنه المجيد، بقدر ما هو إشعاع من لمحاتها، وقبس من أضوائها، يسري على هداه السالكون.
(وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) و (فوق كل ذي علم عليم)
صدق الله العظيم
____________
(1) ظ: الطبرسي، مجمع البيان: 1|32.
--------------------------------------------------------------------------------
(103)
الفصل الرابع
الصوت اللغوي في الأداء القرآني
1ـ أصول الأداء القرآني
2 ـ مهمة الوقف في الأداء القرآني
3 ـ نصاعة الصوت في الأداء القرآني
4 ـ الصوت الأقوى في الأداء القرآني
5 ـ توظيف الأداء القرآني في الأحكام
--------------------------------------------------------------------------------
(104)
--------------------------------------------------------------------------------
(105)
أصول الأداء القرآني:
لعل أقدم إشارة تدعو إلى التأمل في أصول الأداء القرآني، ما روي عن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى: (ورتّل القرآن ترتيلا) (1).
انه قال: «الترتيل تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف» (2).
وفي رواية ابن الجزري أنه قال: «الترتيل معرفة الوقوف، وتجويد الحروف» (3) ونقف عند هاتين الظاهرتين: معرفة الوقوف، وتجويد الحروف.
الأول: الوقف، قال عبدالله بن محمد النكزاوي (ت: 683 هـ): «باب الوقف عظيم القدر جليل الخطر، لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن، ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل» (4) وهو بيان موضع الوقف عند الاستراحة لغرض الفصل، إذ لا يجوز الفصل بين كلمتين حالة الوصل، فتقف عند اللفظ الذي لا يتعلق ما بعده به، ويحدث غالباً عند آخر حرف من الفاصلة، كما يحدث في سواه. وقد عرفه السيوطي (ت: 911 هـ) تعريفاً صوتياً فقال: «الوقف: عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمناً يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة لا بنية
____________
(1) المزمل: 4.
(2) السيوطي، 1|230.
(3) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر.
(4) السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|230.
--------------------------------------------------------------------------------
(106)
الإعراض، ويكون في رؤس الآي وأوساطها، ولا يأتي في وسط الكلمة، ولا فيما اتصل رسماً» (1). ولا يصح الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا المنعوت دون نعته، ولا الرافع دون مرفوعه وعكسه، ولا الناصب دون منصوبه وعكسه، ولا إن أو كان أو ظن وأخواتها دون اسمها، ولا اسمها دون خبرها، ولا المستثنى منه دون الاستثناء، ولا الموصول دون صلته، اسمياً أو حرفياً، ولا الفعل دون مصدره، ولا حرف دون متعلقه، ولا شرط دون جزائه، كما يرى ذلك ابن الأنباري (2).
وهذا التوقف عن الوقف قد لا يراد ببعضه التحريم الشرعي، وإنما المراد هو عدم الجواز في الأداء القرآني، مما تكون به التلاوة قائمة على أوصولها، والملحظ الصوتي متكاملاً في التأدية التامة لأصوات الحروف.
والمقياس الفني لذلك: أن الكلام إذا كان متعلقاً بما بعده فلا يوقف عليه، وإن لم يكن كذلك فالمختار الوقوف عليه.
ولنأخذ كلمة «نعم» في موضعين من القرآن في حالتي الوقوف وعدمه:
أ ـ قال تعالى: (ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) (3).
فالاختيار الفني الوقوف الطبيعي عند نعم، لأن ما بعدها غير متعلق بها، إذ ليس «فأذن مؤذن» في الآية من قول أهل النار.
ب ـ وقال تعالى: (أو ءاباؤنا الأولون * قل نعم وأنتم داخرون) (4).
(يُتْبَعُ)
(/)
فالاختيار الأدائي عدم الوقف عند «نعم» بل وصلها بما بعدها، لتعلقه بما قبلها، وذلك لأنه من تمام القول وغير منفصل عنه.
____________
(1) السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|244.
(2) المصدر نفسه 1|232.
(3) الأعراف: 44.
(4) الصافات: 17 ـ 18.
--------------------------------------------------------------------------------
(107)
لذلك فقد عبر الزركشي عن الوقف بأنه «فن جليل، وبه يعرف كيف آداء القرآن، وبه تتبين معاني الآيات، ويؤمن الاحتراز عن الوقوع في المشكلات» (1).
وقد نقل السيوطي: أن للوقف في كلام العرب أوجهاً متعددة، والمستعمل منها عند أئمة القراء تسعة: السكون، والروم، والأشمام، والإبدال، والنقل، والأدغام، والحذف، والإثبات، والإلحاق (2).
وهذه المفردات كلها مصطلحات فنية تتعلق بالصوت، وتنظر إلى التحكم فيه، أو تعتمد على إظهار الصوت بقدر معين.
فالسكون: عبارة عن ترك الحركة على الكلم المحركة وصلاً.
والروم: النطق ببعض الحركة أو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب أكثرها.
والإشمام: عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت.
والإبدال: فيما آخره همزة متطرفة بعد حركة أو ألف، فإنه يوقف بإبدالها حرف مد من جنس ما قبلها.
والنقل: فيما آخره همزة بعد ساكن، فتنقل حركتها إليه، فتتحرك بهاء ثم تحذف الهمزة.
والإدغام: فيما آخره همزة بعد ياء أو واو زائدين، فإنه يوقف عليه بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله.
والحذف: إنما يكون في الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلاً.
والإثبات: في الياءات المحذوفات وصلاً عند من يثبتها وقفاً.
والإلحاق: ما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها.
في: عم، وفيم، وبم، ومم. والنون المشددة مع جمع الإناث،
____________
(1) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|342.
(2) ظ: السيوطي، الاتقان: 1|248.
--------------------------------------------------------------------------------
(108)
نحو: هن، ومثلهن. والنون المفتوحة، نحو العالمين، والدين، والمفلحون، والمشدد المبني، نحو: «ألا تعلو عليّ»، و «خلقت بيدي»، و «مصرخي» و «يديّ» (1).
وستجد في غضون البحث نماذج قرآنية كافية لهذه المؤشرات الصوتية تطبيقياً، وذلك في مواضعها من البحث، وكل بحيث يراد.
ولما كان الوقف هو الأصل في هذا المبحث، فإن موارده في الأداء القرآني متسعة الأطراف، ومتعددة الجوانب، ولما كانت الفاصلة القرآنية تشكل مظهر الوقف العام والمنتشر في القرآن، فقد سلطنا الضوء الكاشف على جزئياتها في أصول الأداء القرآني بمختلف صورها، واعتبرنا ذلك المورد الأساس للآداء بالنسبة للفاصلة فحسب، على أننا قد خصصنا الفواصل بفصل منفرد بالنسبة للصوت اللغوي، ولمّا كان مبنى الفواصل على الوقف، وتلك ظاهرة صوتية في الآداء، فإننا قد أضفنا أليها ظاهرة أخرى في رد الأصوات إلى مخارجها، وتنظيم النطق بحسبها في إحداث الأصوات، وهي ظاهرة ترتيب التلاوة صوتياً، وبذلك اجتمع موردان هما الأصل في علم الآداء القرآني الوقف والتجويد منفرين بالمبحثين الآتيين:
مهمة الوقف في الأداء القرآني:
يأتي الوقف دون الوصل في وسط الآية، وضمن فقراتها، وعند فواصلها، ولما كان مبنى الفواصل القرآنية على الوقف في مختلف صورها مرفوعة ومجرورة ومنصوبة اسماً كانت أم فعلاً، مفرداً أم مثنى أم جمعاً، مذكراً ومؤنثاً، فإن الوقف في مجالها متميز الأبعاد، ومتوافر العطاء، فقد عرضنا إليه في هذا الحقل للدلالة عليه فيما سواه مضافا الى ما تقدم في المبحث السابق، ففيه الغنية إلى موارده.
شاع في فواصل الآيات القرآنية مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس، وكذا المفتوح والمنصوب غير المنون، وقارن فيما يأتي: من الآيات، وهي تقف عند السكون صوتاً في غير الدرج، ةإن كانت فواصلها متعاقبة على
____________
(1) السيوطي، الاتقان: 1|249 ـ 250 وقارن في كتب التجويد.
--------------------------------------------------------------------------------
(109)
الرفع والجر أو الج والرفع من حيث الموقف الأعرابي، والرسم الكتابي:
(يُتْبَعُ)
(/)
اولاً: مقابلة المجرور والمرفوع طرداً وانعكاساً والمجرور بالمفتوح:
أ ـ قال تعالى: (لا يَسَّمَّعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب * فاستفتهم اهم اشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب) (1).
فالكلمة «جانب» وهي مجرورة في الفاصلة الأولى تتبعها «واصب» في الفاصلة الثانية، وهي مرفوعة. والكلمة «ثاقب» مرفوعها تتبعها في الفاصلة التي تليها «لازب» وهي مجرورة، وقد جاءت الفواصل جميعها على نبرة صوتية واحد نتيجة الوقف عندها.
ب ـ قال تعالى: (ففتحنا أبواب السّماء بماء مّنهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر) (2).
فالكلمة «منهمر» وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «قدر» وهي مفتوحة. والكلمة «دسر» وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «كفر» وهي مفتوحة، وقد تمت تسويتها الصوتية على وتيرة نغمية واحدة ضمن نظام الوقف في الفواصل فنطقت ساكنة.
ج ـ وفي سورة الرعد، ورد اقتران المنون المجرور بالمنصوب، يليه المجرورغير المنون، في قوله تعالى:
(وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال هو الذّى يريكم البرق خوفا وطمعا وينشىء السّحاب الثّقال * ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) (3).
____________
(1) الصافات: 8 ـ 11.
(2) القمر: 11 ـ 14.
(3) الرعد: 11 ـ 13.
--------------------------------------------------------------------------------
(110)
فالكلمة «وال» منونة وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «الثقال» وهي مفتوحة منصوبة، تليها «المحال» وهي مجرورة غير منونة.
وبدت الآيات في تراصفها الصوتي مختتمة باللام الساكنة، دون تنوين أو فتح أو كسر بفصيلة الوقف.
ثانياً: ولا تتحكم هذه القاعدة في الفواصل التي تلتزم حرفاً واحداً في أواخرها، كما في الأمثلة السابقة بل تتعداها إلى أجزاء أخرى من الفواصل، المختلفة الخواتيم، وقارن بين الآيات التالية الذكر:
أ ـ ورد اقتران المجرور بالمرفوع المنوّن، واقتران المرفوع المنون بالمنصوب في قوله تعالى:
(وجعلوا لله أندادا لّيضلّوا عن سبيله قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار * قل لّعبادى الّذين ءامنوا يقيموا الصلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية مّن قبل أن يأتي يوم لاّ بيع فيه ولا خلال * الله الذى خلق السّماوات والأرض وأنزل من السّماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقا لّكم وسخّر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار) (1).
فالألفاظ: «النار» وهي مجرورة دون تنوين، و «خلال» وهي مرفوعة منونة، و «الأنهار» وهي منصوبة مفتوحة، وقد تلاقت الكسرة والضمة والفتحة في سياق قرآني واحد، دون تقاطع النبر الصوتي، أو اختلاف النظام الترتيلي.
ب ـ وقد جاء التنوين في حالة الجر إلى جنب الرفع غير المنون في فاصلتي قوله تعالى:
(إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير * يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) (2). فالكلمتان «خبير» وهي مجرورة منونة مختتمة بالراء، اتبعتها في الفاصلة التي تليها «الحميد» وهي مرفوعة دون
____________
(1) إبراهيم: 30 ـ 32.
(2) فاطر: 14 ـ 15.
--------------------------------------------------------------------------------
(111)
تنوين مختتمة بالدال، انسجما صوتياً مع اختلاف الفاصلة والهيأة نتيجة لهذا الوقف الذي قرب من الصوتين.
ثالثاً: ولا يقف فضل الوقف على ما تقدم بل يظهر بمظهر جديد آخر في تقاطر العبارات وتناسقها، وهي مختلفة في المواقع الإعرابية، وكأنها في حالة إعرابية واحدة وإن لم تكن كذلك، نتيجة للصوت الواحد في الوقوف على السكون في آخر الفاصلة.
أ ـ في سورة المدثر، يقترن المرفوع المنون، بالمجرور المنون، يليه المنصوب المنون، ولا تحس لذلك فرقاً في سياق واحد في قوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
(كأنهم حمر مستنفرة * فرّت من قسورة * بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشّرة) (1). فالكلمات: «مستنفرة» مرفوعة منونة، تلتها «قسورة» مجرورة منونة، تلتها «منشرة» منصوبة منونة، ولم تنطق صوتياً عند الوقف بكل هذه التفصيلات، بل وقفنا على الهاء.
ب ـ وفي سورة القيامة يقترن الاسم المنصوب في الفاصلة بالظرف مع الاسم المجرور بسياق واحد متناسق يكاد لا يختلف في نبر، ولا يختلط في تنغيم، قال تعالى: (بلا قادرين علا أن نسوي بنانه * بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسئل أيان يوم القيامة) (2).
فالألفاظ: «بنانه» مفعول به منصوب مضاف إلى الهاء، و «أمامه» ظرف مضاف إلى الضمير، و «القيامة» مجرورة مضاف إليه. وجاءت الأصوات متقاطرة بالهاء عند الوقف.
أما الوقف في وسط الآية، وفي نهاية الجملة، وعند بعض الفقرات من الآيات، فإنه يخضع لقواعد إعرابية حيناً، وتركيبة حيناً آخر، وقد أشرنا إليها فيما سبق، ولا يترتب عليها كبير أمر في الأصوات، لهذا كانت الإشارة مغنية، وكان التفصيل في الوقف عند الفواصل لارتباطه بالصوت اللغوي.
____________
(1) المدثر: 50 ـ 52.
(2) القيامة: 4 ـ 6.
نصاعة الصوت في الأداء القرآني:
ونريد بالنصاعة إخراج الصوت واضحاً لا يلتبس به غيره من أصوات العربية، وإعطاء الحرف حقه من النطق المحقق غير مشتبه بسواه، وهذا جوهر الأداء، وقد سماه القدامى بعلم التجويد، ولعل تسمية علم الآداء القرآني بـ «التجويد» ناظرة إلى قول الإمام علي عليه السلام المتقدم: «الترتيل معرفة الوقوف، وتجويد الحروف» (1) فأخذ عنه هذا المصطلح بإعطاء الحروف حقوقها وترتيبها، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله، وتلطيف النطق به على كمال هيئته، من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف» (2).
وهذه القاعدة تبنى على مخارج الحروف صوتياً، وقد تقدم أنها سبعة عشر مخرجاً عند الخليل، وستة عشر مخرجاً عند تابعيه، بإسقاط مخرج الحروف الجوفية.
ومخرج الحرف للتصويت به دون لبس، أفاده ابن الجزري (ت: 833 هـ) في تعريفه له من الخليل عملياً، يقول: «واختيار مخرج الحرف محققاً أن تلفظ بهمزة الوصل وتأتي بالحرف بعده ساكناً أو مشدداً، وهو أبين، ملاحظاً فيه صفات ذلك الحرف» (3).
فتقول في الباء والتاء والثاء «ابّ، اتّ، اثّ» وهكذا بقية الحروف، فتتحكم الذائقة الصوتية في نطق الحروف على أساس منها كبير، والدليل على ذلك تقسيم الحروف على أساس مخارجها عند علماء الأداء القرآني تبعاً لعلماء اللغة، فكل حيّز ينطلق منه الصوت يشكل مخرجاً في أجهزة النطق، وذلك عند اندفاع الأصوات إلى الخارج من مخارج الحلق ومدارجه.
وقد أورد السيوطي (911 هـ)، ملخصاً في مخارج الأصوات استند فيه إلى ابن الجزري (ت: 833 هـ) وكان ابن الجزري ذكياً في جدولته للأصوات من مخارجها، إذ ـ فاد من كل ما سبقه، ونظمه جامعاً تلك
____________
(1) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر.
(2) السيوطي، الاتقان في علوم القرآني: 1|281.
(3) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر: 1|198.
--------------------------------------------------------------------------------
(113)
الإفادات، وهي ليست له إلا في إضافات من هنا وهناك، استند إلى ترتيب الخليل (ت: 175 هـ) وبرمجة سيبويه (ت: 180هـ) وذائقة ابن جني (ت: 392 هـ).
ولا ضير في ذكر مخارجه مع الجزئيات المضافة لا على الأصل فهو واحد، بل في تحسين العرض، وضبط حيثيات المخارج على النحو الآتي:
الأول: الجوف، للألف والواو والياء الساكنين بعد حركة تجانسهما.
الثاني: أقصى الحلق، للهمزة والياء.
الثالث: وسطه، للعين والحاء المهملتين.
الرابع: أدنى الحلق للفم، للغين والخاء.
الخامس: أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك للقاف.
السادس: أقصاه من أسفل مخرج القاف قليلاً، وما يليه من الحنك.
السابع: وسطه، بينه وبين وسط الحنك، للجيم والشين والياء.
الثامن: للضاد المعجمة، من أول حافة اللسان، وما يليه من الأضرس من الجانب الأيسر، وقيل: الأيمن.
التاسع: اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه، وما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى.
(يُتْبَعُ)
(/)
العاشر: للنون من طرفه، أسفل اللام قليلاً.
الحادي عشر: للراء من مخرج النون، لكنها أدخل في ظهر اللسان.
الثاني عشر: للطاء والدال والتاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مصعداً إلى جهة الحنك.
الثالث عشر: لحروف الصفير: الصاد والسين والزاي، من بين طرف اللسان، وفويق الثنايا السفلى.
الرابع عشر: للضاء والثاء والذال، من بين طرفه وأطراف الثنايا العليا.
--------------------------------------------------------------------------------
(114)
الخامس عشر: للفاء، من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا.
السادس عشر: للباء والميم والواو غير المديّة بين الشفتين.
السابع عشر: الخيشوم للغنة في الادغام والنون أو والميم الساكنة (1).
لقد اتسم تشخيص هذه المخارج بالدقة، وتعيين المواضع بما يقرّه علم التشريح حديثاً، من حيث الضبط لجزئيات المدارج، فهي تتلاءم تماماً مع معطيات هذا العلم بعد مروره بتجارب الأجهزة المختبرية، ونتائج جراحة مخارج الأصوات ضمن معادلات دقيقة لا تخطئ.
ولا يكتفي ابن الجزري في هذا العرض حتى يضيف اليه مفصلا صوتيا في خصائص الحروف، وملامح الأصوات، وسمات الاشتراك والانفراد في المخارج والصفات.
يقول ابن الجزري (ت: 833 هـ) فالهمزة والهاء اشتركا مخرجاً وانفتاحاً واستفالاً، وانفردت الهمزة بالجهر والشدة، والعين والحاء اشتركا كذلك، وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة الخالصة، والغين والخاء اشتركا مخرجاً ورخاة واستعلاءً وانفتاحاً، وانفردت الغين بالجهر، والجيم والشين والياء اشتركت مخرجا وانفتاحا واستفالا، وانفردت الجيم بالشدة، واشتركت مع الياء في الجهر، وانفردت الشين بالهمس والتفشي، واشتركت مع الياء في الرخاوة، والضاد والظاء اشتركا صفة وجهراً ورخاوة واستعلاءً، وإطباقاً، وافترقا مخرجاً، وانفردت الضاد بالاستطالة، والطاء والدال والتاء اشتركت مخرجاً وشدة، وانفردت الطاء بالأطباق والاستعلاء، واشتركت مع الدال في الجهر، وانفردت التاء بالهمس، واشتركت مع الدال في الانفتاح والاستفال، والظاء والذال والثاء اشتركت مخرجاً ورخاوة، وانفردت الظاء بالاستعلاء والأطباق، واشتركت مع الذال في الجهر، وانفردت الثاء بالهمس، واشتركت مع الذال انفتاحاً واستفالاً، والصاد والزاي والسين اشتركت مخرجاً ورخاوة وصفيراً، وانفردت الصاد
____________
(1) انظر السيوطي، الاتقان: 1|283 وانظر مصدره.
--------------------------------------------------------------------------------
(115)
بالأطباق والاستعلاء، واشتركت مع السين في الهمس، وانفردت الزاي بالجهر، واشتركت مع السين في الانفتاح والاستغال. فإذا أحكم القارىء النطق بكل حرف على حدته موفّى حقه، فليعمل نفسه بأحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد، بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب، وقوي وضعيف، ومفخّم ومرقق، فيجذب القوي الضعيف، ويغلب المفخم المرقق، ويصعب على اللسان النطق بذلك على حقه، إلا بالرياضة الشديدة؛ فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب، حصل حقيقة التجويد «(1).
حقاً لقد أعطى ابن الجزري مواطن تنفيذ الأداء القرآني على الوجه الأكمل بما حدده من خصائص كل حرف في المعجم، وما لخصه من دراسة صوتية لمواضع الأصوات ومدارجها في الانفتاح والاستفال، والجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والتفشي والاستطالة يساعد على تفهم الحياة الصوتية في عصره، ولا يكتفي بهذا حتى يربطها بعلم الأداء في حالة تركيب الحروف، وتجانس الأصوات قوة وضعفاً.
بقي القول أن علم الأداء القرآني يرتبط بالأصوات في عدة ملاحظ كالوقف وقد تقدم، والإدغام وسيأتي، ونشير هنا إلى ملحظين هما الترقيق والتفخيم، فالترقيق مرتبط بحروف الاستفال (الحروف المستفلة) لأنها مرققة جميعاً. والتفخيم مرتبط بحروف الاستعلاء (الحروف المستعلية) لأنها مفخمة جميعاً، وقد سبقت الإشارة في موضعها إلى الامالة والاشمام.
(يُتْبَعُ)
(/)
و ما قدمناه ـ عادة ـ قد يصلح مادة أساسية للاستدلال على صلاحية الرأي القائل بأن علم الأداء القرآني في قسيميه الأساسيين: عبارة عن جزء مهم من كلي الصوت اللغوي في القرآن، لارتباطه بعلم الأصوات ارتباطاً متماسكياً لا يمكن التخلي عنه، فهو ناظر إلى مخارج الحروف وتجويدها، والمخارج بأصنافها تشكل مخططاً تفصيلياً لأجهزة الصوت، وكل حرف ينطلق من حيزه صوتاً له مكانه وزمانه، ساحته ومسافته.
____________
(1) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر: 1|214.
--------------------------------------------------------------------------------
(116)
الصوت الأقوى في الأداء القرآني:
في الأداء القرآني يحدث أن يحتل صوت مكان صوت، أو يدغم صوت في صوت، فيشكلان صوتاً واحداً، ويكون الصوت المنطوق هو الأقوى في الإبانة والإظهار، وهو الواضح في التعبير، حينئذ يكون المنطوق حرفاً، والمكتوب حرفين، والمعول عليه ما يتلفظ به أداءّ، وينطق بجوهره صوتاً، ذلك ما يتحقق بعده الصوتي في ظاهرة الادغام.
إن رصد هذه الظاهرة أصواتياً في التنظير القرآني مهمة جداً لمقاربتها من ظاهرة «المماثلة» عند الأصواتيين.
الادغام عند النحاة: أن تصل حرفاً ساكناً بحرف مثله متحرك من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف فيصير اتصالهما كحرف واحد (1).
وعند علماء القراءات: هو اللفظ بحرفين حرفاً كالثاني مشدداً؛ وينقسم إلى كبير وصغير، فالكبير ما كان أول الحرفين متحركاً، سواء كانا مثلين أم جنسين، أم متقاربين، وسمي كبيراً لكثرة وقوعه، ووجهه: طلب التحقيق.
والادغام الصغير: ما كان الحرف الأول فيه ساكناً، وهو واجب وممتنع وجائز، والذي جرت عادة القراء بذكره هو الجائز (2).
والادغام عند الأصواتيين العرب عرفّه ابن جني (ت: 392 هـ) بأنه: «تقريب صوت من صوت» (3).
وهو عنده: إما تقريب متحرك من متحرك، فهو الادغام الأصغر، وهو تقريب الحرف من الحرف، وإدناؤه منه من غير ادغام يكون هناك. وإما تقريب ساكن من متحرك فهو الادغام الأكبر لأن الصوت الأول شديد الممازجة للثاني، لأنك إنما أسكنت المتحرك لتخلطه بالثاني وتمازجه به (4).
____________
(1) ظ: ابن يعيش، المفصل: 10|121.
(2) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|263 و 267.
(3) ظ: ابن جني، الخصائص: 2|139.
(4) ظ: المصدر نفسه: 2|140.
--------------------------------------------------------------------------------
(117)
ونقف عند قول ابن جني وقفة قصيرة لتحديد الصوت الأقوى. فتقريب الحرف من الحرف يحصل من غير إدغام فلا حديث لنا معه، وإنما يعنينا الحديث عن الادغام وهو ما يتحقق بالأكبر دون الأصغر، ويحدث بتقريب الساكن من المتحرك. لهذا فسيكون حديثنا متأطراً بالادغام الأكبر دون سواه فيما بعد.
والتقريب الذي تحدث عنه ابن جني هو عين المماثلة عند الأصواتيين المحدثين، لأن المماثلة عبارة عن عملية استبدال صوت بآخر تحت تأثير صوت ثالت قريب منه في الكلمة أو في الجملة كما يعرفها جونز (1).
والمماثلة نوعان: رجعية وتقدمية، وذلك بحسب كونها من الأمام إلى الخلف، أو من الخلف إلى الأمام.
والنوع الأول هو الأكثر شيوعاً من الآخر مع أن كلاً منهما يمكن أن يحدث في لغة واحدة (2).
والمماثلة الرجعية تنجم من تأثر الصوت الأول بالثاني في صيغة افتعل في نحو (إذتكر) حينما تتفانى الذال والتاء، ويندكان تماماً ليحل محلهما الدال مشدداً، فتكون (إدّكر) في مثل قوله تعالى: (وادّكر بعد أمة) (3) فقد تلاشى الصوت الأول وهو الذال في الصوت الثاني وهو التاء، وعادت التاء دالاً لقرب المخرج مع تشديدها لتدل على الاثنين معاً، وهذا هو تطبيق المماثلة في الادغام.
«وتتخذ المماثلة صورة تقدمية فيما ينطقه بعض الناس للفظة (إجتمع) بـ (إجدمع) فالتاء قد جاورت الجيم مجاورة مباشرة، فقد صوت التاء صفته كمهموس، ليصبح مجهوراً في صورة نظيره الدال» (4).
____________
(1) ظ: خليل العطية، في البحث الصوتي عند العرب: 71 وانظر مصدره.
(2) ظ: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 126.
(3) يوسف: 45.
(4) إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 128.
(يُتْبَعُ)
(/)
--------------------------------------------------------------------------------
(118)
والذي يتضح من هذا أن الصوت القوي هو الذي يحتل مساحة النطق بدل الصوت الضعيف، نتيجة الملائمة الصوتية في الأكثر مجاورة واحتكاكاً، بينما علل «موريس جرامونت» ظاهرة المماثلة بالتفسير العضوي المرتبط بجهاز النطق فيقول: «أما الوجه الذي تتم به الظاهرة فهو ذو طابع خارجي لا يعتمد على جوهر الصوت، فإذا ما تحدثنا عنه من الوجهة النفسية العضوية لم نجد للمماثلة الرجعية من تعليل سوى إسراع بحركات النطق عن مواضعها، وبأن المماثلة التقدمية التزام هذه الحركات والجمود عليها. . ومع ذلك فهذه التفرقة ثانوية، أما الشيء الأساسي فهو أن هناك صوتاً يسيطر على صوت آخر، وأن الحركة تتم في اتجاه أو في آخر ما إذا كان الصوت المسيطر موجوداً في الأمام أو في الخلف. ولا شك أن الصوت المؤثر هو ذلك الذي تتوفر فيه صفات: أن يكون أكثر قوة، وأكثر مقاومة، أو أكثر استقراراً، أو أكثر امتيازاً، وأنما تتحد هذه الصفات سلفاً طبقاً لنظام اللغة، وعلى ذلك يمكن التنبؤ بالوجه الذي تتم عليه ظاهرة المماثلة، الأمر الذي يستبعد معه هوى المتكلم، ولتبسيط الأمر يمكننا أن نحدد القضية كلها في كلمة واحدة هي (القوة). فالمماثلة تخضع لقانون واحد هو قانون: (الأقوى). . . وليست المماثلة ونقيضها المخالفة هما اللذان يخضعان وحدهما له، تخضع له جميع الظواهر التي يكون فيها تغير الأصوات ناشئاً عن وجود صوت آخر (1).
وهذا يدل على أن مقاومة ما تحدث بين الأصوات في المماثلة، فيحل الأقوى بدل القوي، ويتغلب عليه فيصوّت به دونه.
وعلى هذا فالإدغام عند العرب في نوعيه هو الأصل في المماثلة عند الأوروبيين، إذ يتغلب صوت أولي على صوت ثانوي، فالصوت الأولي هو الأقوى، لأنه المتمكن المسيطر على النطق، وأحياناً يحل محلهما معاً صوت ثالث مجاور يمثل الصوتين السابقين بعد فنائهما، وتلاشي أصدائهما كما في الابدال.
وكان أبو عمرو بن العلاء (ت: 154 هـ) من أبرز القائلين به في
____________
(1) عبد الصبور شاهين، أثر القراءات في الأصوات: 233 وانظر مصدره.
--------------------------------------------------------------------------------
(119)
القرآن الكريم وإليه ينسب القول المشهور:
«الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يحسنون غيره» (1).
وقد قال ابن الجزري عن عدد ما أدغمه أبو عمرو في القرآن: «جميع ما أدغمه أبو عمرو من المثلين والمتقاربين، ألف حرف وثلاثمائة وأربعة أحرف» (2).
والحق أن أبا عمرو بن العلاء قد توسع في الادغام حتى أنكروا عليه إدغامه الراء عند اللام في قوله تعالى:
(يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) (3) [إذ قرأها يغفلكم].
قال الزجاج: إنه خطأ فاحش؛ ولا تدغم الراء في اللام إذا قلت: «مرلي» بكذا، لأن الراء حرف مكرر، ولا يدغم الزائد في الناقص للإخلال به، فأما اللام فيجوز إدغامه في الراء، ولو أدغمت اللام في الراء لزم التكرير من الراء. وهذا إجماع النحويين (4).
وقال أبو عمرو بن العلاء بالادغام الكبير لشموله نوعي المثلين والجنسين والمتقاربين، ويعني بالمثلمين ما اتفقا مخرجاً وصفة، والمتجانسين ما اتفقا مخرجاً و اختلفا صفة، وبالمتقاربين ما تقاربا مخرجاً وصفة (5).
وعمد القرّاء رضوان الله عليهم إلى جعل الحروف المدغمة على نوعين من التقسيم (6).
الأول: الحروف التي تدغم في أمثالها، واصطلحوا عليه المدغم من
____________
(1) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر: 1|275.
(2) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|266.
(3) نوح: 4.
(4) ظ: الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|322.
(5) ظ: السيوطي، الاتقان: 1|263 وما بعدها، وأنظر مصدره.
(6) قارن في هذا بين الجزري، النشر: 1|280 وما بعدها + السيوطي، الاتقان: 1|264 وما بعدها + ابن يعيش، المفصل: 10|150 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(120)
الأول: الحروف التي تدغم في أمثالها، واصطلحوا عليه المدغم من المتماثلين.
(يُتْبَعُ)
(/)
الثاني: الحروف التي تدغم في مجانسها ومقاربها، واصطلحوا عليه المدغم من المتجانسين والمتقاربين.
والنوع الأول يضم سبعة عشر حرفا، والثاني يضم ستة عشر حرفا، وسنورد اسم الحرف مع تنظيره القرآني.
أولاً: الادغام بين المتماثلين:
1ـ الباء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (وأنزل معهم الكتاب بالحق) (1).
2 ـ التاء: وتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (فما ربحت تجارتهم *) (2).
وأما إذا كانت التاء: تاء ضمير فلا تدغم كقوله تعالى: (ياليتني كنت ترابا) (3).
3 ـ الثاء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) (4).
ومن أبرز مصاديقه وضوحاً قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من الله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم *) (5).
4 ـ الحاء: تتدغم في مثلها في نماذج كثيرة من القرآن كنحو قوله
____________
(1) البقرة: 213.
(2) البقرة: 16.
(3) النبأ: 40.
(4) النساء: 91.
(5) المائدة: 73.
--------------------------------------------------------------------------------
(121)
تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه لآ أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا) (1).
5 ـ الراء: وتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) (2).
6 ـ السين: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (3).
7 ـ العين: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه) (4).
8 ـ الغين: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين) (5).
9 ـ الفاء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل) (6).
10 ـ القاف: وتتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(والطيبات من الرزق قل هي للّذين ءامنوا) (7).
11 ـ الكاف: تتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(واذكر ربّك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) (8).
12 ـ اللام: تتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) (9).
13 ـ الميم: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(واتخذوا من مقام إبراهم مصلّى) (10).
____________
(1) الكهف: 60.
(2) البقرة: 185.
(3) الحج: 2.
(4) البقرة: 255.
(5) آل عمران: 85.
(6) الفيل: 1.
(7) الأعراف: 32.
(8) آل عمران: 41.
(9) الجمعة: 2.
(10) البقرة:125.
--------------------------------------------------------------------------------
(122)
14 ـ النون: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(والاّتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع) (1).
15 ـ الواو: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (2).
16 ـ الهاء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى لّلمتقين) (3).
17 ـ الياء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (فلمّا جاء أمرنا نجينا صالحا والّذين ءامنو معه برحمت منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوى العزيز) (4).
وقد لا حظنا أن للادغام عدة شروط يصح معها:
1 ـ إسكان الأول المتحرك قبل إدغامه وتحرك الثاني.
2 ـ أن يلتقي المثلان في الرسم فلا يفصل بينهما حرف.
3 ـ أن يكون المثلان مركبين من كلمتين، فإن التقيا من كلمة واحدة فلا إدغام إلا في حرفين (مناسككم) في البقرة، و (سلككم) في المدثر.
وعندي أنهما مركبان من كلمتين، فالمناسك كلمة، والضمير لجمع المخاطب كلمة أخرى، وسلك كلمة، والضمير لجمع المخاطب كلمة أخرى، فجرى القياس على أصوله، فهما من الأصل دون الاستثناء المشار إليه.
4 ـ أن لا يكون الأول تاء ضمير المتكلم أو خطاباً، فلا يدغم حينئذ كقوله تعالى: (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) (5).
____________
(1) النساء: 34.
(2) الأعراف: 199.
(3) البقرة: 2.
(4) هود: 66.
(5) يونس: 42.
--------------------------------------------------------------------------------
(123)
(يُتْبَعُ)
(/)
5 ـ أن لا يكون الأول مشدداً، فلا يدغم في نحو قوله تعالى: (ذوقوا مسّ سقر) (1).
6 ـ أن لا يكون الأول مشدداً فلا يدغم في نحو قوله تعالى: (إن الله غفوررحيم) (2).
...
ثانياً: الادغام في المتجانسين والمتقاربين وله شروط:
أ ـ أن لا يكون الحرف الأول مشدداً كقوله: (أو أشد ذكرًا) (3).
ب ـ أن لا يكون منوناً كقوله تعالى: (في ظلمات ثلاث) (4).
ج ـ أن لا يكون تاء ضمير كقوله تعالى: (خلقت طيناً) (5).
وقد ظهر من الاستقراء القرآني أن هذا الادغام وارد في ستة عشر حرفاً، وهي من ضم بعضها إلى بعض، تمثل الحالات التفصيلية الآتية:
1 ـ الباء: وتدغم في الميم كقوله تعالى: (يعذّب من يشاء) (6).
2 ـ التاء: وتدغم في عشرة أحرف سواها هي:
أولاً: التاء في الثاء في نحو قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) (7).
ثانياً: التاء في الجيم كقوله تعالى: (ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم
____________
(1) القمر: 48.
(2) وردت لأول مرة في المصحف بسورة البقرة: 173.
(3) البقرة: 200.
(4) الزمر: 6.
(5) الإسراء: 61.
(6) العنكبوت: 21.
(7) المائدة: 32.
--------------------------------------------------------------------------------
(124)
اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) (1).
ثالثاً: التاء في الذال كقوله تعالى: (فالتاليات ذكرًا) (2).
رابعاً: التاء في الزاي كقوله تعالى: (فالزاجرات زجرا) (3).
خامساً: التاء في السين كقوله تعالى: (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات) (4).
سادساً: التاء في الشين كقوله تعالى: (لولا جاءو عليه بأربعة شهداء) (5).
سابعاً: التاء في الصاد كقوله تعالى: (والصافات صفّا) (6).
ثامناً: التاء في الضاد كقوله تعالى: (والعاديات ضبحاً) (7).
تاسعاً: التاء في الطاء في نحو قوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلو الجنة بما كنتم تعملون) (8).
عاشراً: التاء في الظاء: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم) (9).
3 ـ الثاء: وتدغم في خمسة أحرف سواها هي:
أولاً: الثاء في التاء كقوله تعالى: (أفمن هذا الحديث تعجبون) (10).
ثانياً: الثاء في الذال كقول تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب) (11).
ثالثاً: الثاء في السين كقوله تعالى: (وورث سليمان داوود) (12).
____________
(1) المائدة: 93.
(2) الصافات: 3.
(3) الصافات: 2.
(4) النساء: 122.
(5) النور: 13.
(6) الصافات: 1.
(7) العاديات: 1.
(8) النحل: 32.
(9) النحل: 28.
(10) النجم: 59.
(11) آل عمران: 14.
(12) النمل: 16.
.
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[15 - 10 - 2005, 02:29 ص]ـ
هذا ماقدرناالله عليه وان شاء الله سوف ارسل بقية الكتاب فى وقت لاحق
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 06:51 ص]ـ
جزاك الله سبحانه له الحمد
كل خير
وشكرا جزيلا لهذا النقل الجميل والممتع
وننتظر التكملة(/)
ما الفرق؟؟؟؟
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 12:53 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ما الفرق بين (السيئة , الذنب , الأثم)؟؟
نرجو الإفادة عفاكم الله
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[25 - 10 - 2005, 11:56 م]ـ
السلام عليكم
تلك اجابة سوالك أخى: أحمد عمر
فالسيئة هي: ما يسوء الإنسان في دنياه أو آخرته، قال تعالى: (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) [آل عمران:120].
وقال: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) [النساء:78].
والخطيئة: من الخطأ، وهو عدم الإصابة، وقد يكون عن عمد، وقد يكون عن غير عمد، إلا أنه غير العمد أكثر، قال تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286].
وقال: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب:5].
قال الأصفهاني في مفردات غريب القرآن: الخطيئة والسيئة يتقاربان، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصوداً إليه، بل يكون القصد سبباً لتولد الفعل منه. انتهى.
وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ .. ): الفرق بين السيئة والخطيئة: أن السيئة تقال فيما يقصد بالذات، والخطيئة: تغلب فيما يقصد بالعرض، لأنه من الخطأ. انتهى.
أما الفرق بين الذنب والإثم، ففي اللغة: الذنب في الأصل الأخذ بذَنبِ الشيء، ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتباراً بذنب الشيء، ولهذا يسمى الذنب تبعة اعتباراً لما حصل من عاقبته. انتهى من مفردات القرآن للأصفهاني.
والإثم هو: اسم للأفعال المبطئة عن الثواب، وقوله تعالى: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) يعني في تناولهما إبطاء عن الخيرات. انتهى من مفردات القرآن للراغب أيضاً.
أما في الشرع، فقد يكونان أي الإثم والذنب بمعنى واحد، مثل قوله تعالى: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) قال القرطبي: قيل هما بمعنى واحد كرر لاختلاف اللفظ تأكيداً له، والخطيئة هي هنا الذنب، وقيل في تفسير الآية: إن الخطيئة بمعنى الصغيرة، والإثم بمعنى الكبيرة. انظر تفسير القرطبي.
وقد يكونان - أي الإثم والذنب - متغايرين فيكون معنى الذنب المعصية، ومعنى الإثم ما يترتب عليها، فيقال: فلان أَثم بذنبه. والله أعلم.
أخوك فارس العربية الخـ زيد ـــــــيل
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 05:24 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
شكرا لك أخي زيد الخيل رحمك الله
فلقد أصبت في إجابتك ولكن دعني أنصحك بزيارة موضوع " عجبي!!! " فقد ترى فيه إجابة أخرى وعندما تزوره حاول أن تقرأ وجه الإختلاف بيني وبين أخي صالح وتنقل إجابتك إلى هذا الموضوع عفاك الله وشكرا لك(/)
أعينونى للضرورة
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 06:55 ص]ـ
السلام عليكم
اريد منكم بعض المقالات عن دلالات حروف المعانى فى السياقات المختلفة
ولكم منى جزيل الشكر
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 07:17 ص]ـ
أفضل كتاب في حروف المعاني
هو بين يديك (لسان العرب لإبن منظور)
ليتك تخرجة من المعجم لأن الفوائد التي فية نادرة وقيمة
حاول أن تطلع علية ثم أعطنا أنطباعك(/)
لا تقل .... وقل ...
ـ[بحر المكارم]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 12:57 م]ـ
هذا الرابط لتصحيح بعض الأخطاء اللغوية
شكرا
أخطاء شائعة في اللغة العربية ( http://http://www.almajara.com/forums/showthread.php?t=16329)
[line]
:;allh
ـ[بحر المكارم]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 12:59 م]ـ
انظر إلى هذا الرابط أخطاء لغوية ( http://http://www.almajara.com/forums/showthread.php?t=16329)
ـ[بحر المكارم]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 01:02 م]ـ
أخطاء شائعة (لا تقل ... و قل)
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
أقدم لكم - أخواني و أخواتي - هذه المشاركة البسيطة التي انتقيتها من كتب (موسوعة الإملاء و الإعراب) اليفانا الوارديني د. محمد حمود ط1 1998 دار الفكر اللبناني.
- لا تقل " هذه إنسانة " ... و قل " هذا إنسان " (الإنسان يقع على الذكر و الأنثى)
- لا تقل " يجب أن تتوفر فيه الخبرة " ... و قل " يجب أن تتوافر فيه الخبرة ".
- لا تقل " أثََّر عليه " ... و قل " أثّر فيه " أو " به ".
- لا تقل" فلان واثق من كلامه " ... و قل " فلان واثق بكلامه " (الفعل يتعدى بالباء)
- لا تقل " لعبَ دورا " ... و قل "مثّل دورا " أو " أدّى دورا " (فعل "لعب" لازم لا يتعدى إلى مفعل به)
- لا تقل" عاش تجربة " ... و قل " عانى تجربة " (فعل "عاش" لازم لا يتعدى إلى مفعل به)
- لا تقل" إحتَضر فلان " ... و قل" أُحتضر فلان "- بضم التاء (هذا الفعل يستخدم دائما في المجهول)
- لا تقل" لا سيّما و أن " ... و قل " و لا سيّما أن " (واو الإعتراضية تكون في أول الجملة لا في وسطها)
- لا تقل " هذه عائلته " ... و قل " هذه أسرته " (العائلة مؤنث العائل)
- لا تقل " أقسم بأن يفعل " ... و قل " أقسم على أن يفعل " (الباء تدخل على المقسم به و ليس على جواب القسم)
- لا تقل " رضخ للأمر " ... و قل " أذعن للأمر " (رضخ بمعنى كسر الشيء اليابس أو أعطى قليلا)
- لا تقل " أدمن على الشيء " ... و قل " أدمن الشيء " (فعل "أدمن متعد بغير حرف جر)
- لا تقل " زلال البيض " ... و قل " الآح " (لفظة زلال لا تطلق على البيض)
- لا تقل " الرفات البالية " ... و قل " الرفات البالي " (الرفات مذكّر)
-لا تقل " رش الملح على الطعام " ... و قل " ذرّ الملح على الطعام " (الرش خاص بالماء و نحوه من المائعات
- لن أقول لكم " وداعا " و لكن إلى " لقاء آخر" في نفس الموضوع
مع تحياتي: المحب في الله
ـ[القيصري]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 02:12 م]ـ
اخي بحر المكارم
قولكم - لن أقول لكم " وداعا " و لكن إلى " لقاء آخر" في نفس الموضوع
لا تقل في [نفس الموضوع] وقل [الموضوع نفسه]
شكرا
القيصري
ـ[لخالد]ــــــــ[16 - 10 - 2005, 03:11 م]ـ
الرابط ينقلني إلي موقع جريدة الكترونية فرنسية ...
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 02:10 ص]ـ
السلام عليكم
أخى العزيز: بحر المكارم
جزاك الله خيرا لكن هذا الرابط غير فعال
فارس العربية الخـ زيد ــــــــــــــيل(/)
لغة من لا ينتظر
ـ[الموسوعة]ــــــــ[17 - 10 - 2005, 01:39 ص]ـ
:::
أعزائي رواد منتدى الفصيح ...
أنا عضو جديد .. أتمنى أن أجد ماابتغيه لديكم ..
سؤالي: لغة من لا ينتظر (ماهي, وإلى من تُنسب)
((حبَّذا لو وُضع اسم المرجع))
ولكم مني جزيل الشكر ..
ـ[أنا البحر]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 04:42 م]ـ
المنادى المرخم:
الترخيم حذف آخر المنادى تخفيفاً ويطرد جواز الترخيم في شيئين:
1 - المختوم بتاءِ التأْنيث مطلقاً مثل (يا فاطم، يا هِبَ، يا حمزَ، يا شاعرَ، يا جاريَ) ترخيم (يا فاطمة، يا هبة، يا حمزة، يا شاعرة، يا جارية).
2 - العلم غير المركب إذا زاد على ثلاثة أَحرف: فترخم (أَحمد، جعفر، منصور، سلمان) قائلاً: (يا أَحمَ، يا جعف، يا منصو، يا سلما)، ولك أَن تحذف حرفين بشرط أَن يبقى من الاسم ثلاثة أَحرف كما في الاسمين الأَخيرين فتقول: (يا منصُ، يا سلمَ) ولك في آخر المنادى بعد الترخيم وَجهان: أن تبقيه على حاله قبل الترخيم وتقدر حركة البناء على الحرف المحذوف، وهذا أجود اللغتين ويسمونها لغة من ينتظر (أي ينتظر لفظ الحرف الأخير لتظهر عليه حركة البناءِ). والوجه الثاني أن تبني الحرف الأخير الباقي فيه على الضم فتقول: يا أَحمُ، يا جعفُ إلخ .. ) ويسمون ذلك لغة من لا ينتظر.
منقول من (الوجيز في قواعد اللغة العربية)
ـ[الموسوعة]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 05:42 م]ـ
جزاك الله خبرا .. وفرَّج بقدرته همومك ..
لكن .. ألا تُنسب هذه اللغة إلى قوم؟؟
إن كانت الإجابة (نعم) ,فمن هم؟؟
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 11:28 م]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا أخى (أنا البحر)
ونسأل الله ان يعلمناويعلمكم(/)
فقه اللغة للثعالبي
ـ[أبو أحمد العجمي]ــــــــ[17 - 10 - 2005, 03:58 م]ـ
أريد الاستفسار عن كتاب فقه اللغة للثعالبي من حيث ما يلي:
1 - هل يوجد للكتاب شروح متقدمة
2 - هل يوجد له عناية في التحقيق والخدمة(/)
أي من هذه العبارات أصح أن نقول؟
ـ[صدى الكلمة]ــــــــ[17 - 10 - 2005, 09:37 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لدي سؤال
أي من هذه العبارات أصح أن نقول؟
لا أكرهه لشخصيته بل أكره أسلوبه وتعامله
لا أكره لشخصيته بل أكره أسلوبه وتعامله
لا أكرهه لشخصه بل أكره أسلوبه وتعامله
لا أكره لشخصه بل أكره أسلوبه وتعامله
نرجو الإفادة ..
ـ[عماد كتوت]ــــــــ[19 - 10 - 2005, 04:57 م]ـ
الأصح أن تقول: "لا أكرهه لشخصه بل لأسلوبه ولتعامله" لأن اللام في "لشخصه" هي لام التعليل والعطف في الجملة عليها.
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 03:44 ص]ـ
أظن أن الأصح
لا أكرهه لشخصه بل لإسلوبه وتعامله
وذلك لأنك لا تكرهه الشخص ذاته بل أسلوبه وتعامله فأنت هنا نفيت الكره عن الشخص ووجبت الكره على الشخصيه والأسلوب
ـ[د. حقي إسماعيل]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 05:07 ص]ـ
الأولى هي الصائبة
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[01 - 11 - 2005, 07:33 ص]ـ
يا حبذا يا د. حقي لو عللت إجابتك
دعني أقول لك أنه هنا يقصد أنه يحب شخص ما ولكن لا يحب بعض الأفعال المشينة التي تحدث منه
ومن ثم قال علماء النفس في تعريف الشخصية الإنسانية أنها مجموعة من الأفعال والسلوك يقوم به الفرد فتتحدد شخصيته بناء اً على أفعاله ولهذا قيل في الأثر سلوك المرء يُنبئ على شخصيته
فأنت بإختيارك الجملة الأولى قلت فيما معناه (لا أكرهه لسلوكه ولكن أكرهه لإفعاله) فنجد هنا أن السلوك هو الفعل ولكن بإختيار الجملة التي تقول (لا أكرهه لشخصه وإنما أكرهه لإفعاله) فهنا فيما معناه أنني أحب هذا الشخص ولكن لا تعجبني بعض صفاته كما قد يقال (أنا أحب أخي الكبير ولكن بضربه لي أكرهه أحيانا) فهنا لم ننفي الحب أصلا ولكن نفيناه عن شيء معين وهو عندما يضربني أخي الكبير فهكذا الحال في الجملتين وإذا أردت توضيح فأخبرني عفاك الله(/)
دراسة لغوية لتفسير الكشاف للزمخشري
ـ[منسيون]ــــــــ[17 - 10 - 2005, 11:38 م]ـ
اخواني الاعزاء
ارجو مساعدتي في ايجاد دراسة لغوي لتفسير الكشاف للزمخشري تتعلق بمنهجه في كتابة التفسير من حيث الامور اللغوية
رجاء خاص لمن يقرأ رسالتي ان يساعدني في الكتابة
وجزاكم الله خير(/)
اللغويات والاحرف
ـ[اصول اللغات]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 03:34 م]ـ
سؤال في اللغه واللغويات،، وأرجو التثبيت والتثبت
الأبجدية العربية 28 حرفأ، كيف تكتب هذه الحروف؟؟
أ = ألف
ب = باء، با، باؤن، باءن .....
أضف الى ذلك الفراهيدي يقول ان الاحرف العربيه 29 حرفا!!! فهل يوجد اختلاف في الابجدية؟؟
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 10:18 م]ـ
أعطنا ماعندك
ـ[اصول اللغات]ــــــــ[19 - 10 - 2005, 11:15 ص]ـ
نفسح المجال لبعض الوقت لأهل اللغويات والصوتيات
مثال:
ز =
أصحيح ان نقول زين،،،!!
س =
هل يمكن ان نقول ساء!! او سا
هل القاعده في الرسم او في الصوت،،؟؟ أو هذا ما كان عليه أباءنا؟؟
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[23 - 10 - 2005, 04:23 ص]ـ
لقد سألت ورقيت مركبا صعبا
و أفيدك أن الحروف العربية 28 حرفا في الأساس
وزاد الفراهيدي الهمزة و كانت في السابق تسمى النبر
و أختلط والتبس بعده في تحديد الهمزة (النبر) والألف
وهذا الأمر من أصعب مايمكن ونلخص لك أن الهمزةفي الوقت الحاضر هي الألف والألف هي النبر
و أما عدد الحروف فبعضهم زاد حتى أصبحت 33حرفا وبعضهم يزيد أكثر من ذلك راجع الخصائص لإبن جني
و أبن جني قد زاد حرف (لا) وغيرفي أواخر الترتيب الألف بائي للأحرف فبدلا من: (ن وه ي) اصبحت: (ن ه ولاي)
وجاء اللغويين المعاصرين فحذفوا (لا) فأصبحت: (ن ه وي) كما سبقه القالي في بلاد الأندلس فلقد غير ترتيب
الحروف الهجائية والأبجدية
هذا في الحروف و أذا أردت الرسم والصوت فمجالة أصعب
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 01:17 ص]ـ
السلام عليكم
أفيدك أن الحروف العربية 28 حرفا في الأساس و انك ياأخى نسيت (الهمزة) ولقد وضح ذلك أخى صالح بن سعد بن حسن المطوى جزاه الله خيرا
وممكن ان يستفيد أخى (اصول اللغات) من هذه الكتب:
سر صناعة الاعراب لابن جنى
الاصوات اللغوية لابراهيم أنيس
المدخل اى علم اللغة ومناهج البحث اللغوى للمغفور له الدكتور رمضان عبد التواب(/)
انجدونا يا اهل اللغة
ـ[منسيون]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 09:08 م]ـ
السلام عليكم
اخواني الاعزاء:
ارجو منكم مساعدتي في ايجاد دراسة لغوية لتفسير الكشاف للزمخشري وهذه المرة الثانية التي اطلب منكم هذا الطلب الرجاء المساعدة قدر الامكان لأني بحاجة ماسة لها في اقرب وقت ممكن
الدراسة في الامور اللغوية التي تناولها الزمخشري في تفسيره (الصوت، النحو، الصرف، الدلالة المعجمية)
وسأكون لكم من الشاكرين
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[18 - 10 - 2005, 10:16 م]ـ
أخي في الله سبحانه له الحمد
موضوعك بحث في رسائل المجستير والدكتوراه
راجع مثلا دليل الرسائل لجامعة دمشق
فبعضها مذكور على النت لصفحة جامعة دمشق
ـ[منسيون]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 11:57 م]ـ
مشكور
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[22 - 10 - 2005, 01:35 ص]ـ
المنهج المطلوب لدراسة الزمخشري
1 - قرأة كل كتبة وشرح المفصل لإبن يعيش
2 - قرأة أشهر الردود على تفسيره مثل: حاشية أبن منير وتفسير ابن عطية وتفسير ابن حيان وتفسير والثعالبي وابن السمين
3 - الدرسات الحديثة مثل الكتاب الصوتي في القآن الموجود في هذا المنتدى
4 - كتبت دراسات كثيره عن الزمخشري وتجد قسم منها على النت
أنما أهم نقطة في البحث هو أن تعرف كيف يفكر الزمخشري ومن بعد ذلك تستطيع أن تفسر مغاليقه
و تفرده
ـ[د. حقي إسماعيل]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 06:47 ص]ـ
أخي الكريم.
تحية طيبة.
بدل أن تراجع أدلة الجامعات أفيدك فائدة:
الأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي (أطال الله عمره) كتب رسالة الماجستير بعنوان: (علاقة النحو بالبلاغة عند الزمخشري) وتعرض للجانب اللغوي بشكل مسهب.
أظن أن المعلومة هذه تفيدك، وأي استفسار أنا حاضر.(/)
الأصول العربية للغة الانجليزية
ـ[القيصري]ــــــــ[19 - 10 - 2005, 09:40 ص]ـ
منقول
1) ( home) من الاصل العربي (حوم) وجمعها حما وهي الديار (حما القوم=ديارهم)
(2) ( house) من الجذر العربي (حوزة) وهي الدار (مثلا الحوزة العلمية والحوزة الدينية)
(3) ( walk) من الجذر العربي (ولق) وهو الاستمرار في المشي
(4) ( ripe) من الجذر العربي (راب=اصبح جاهزا) (راب اللبن اي اصبح جاهزا ورابت الفتاة اي مهيئة للزواج)
(5) ( weak) من الجذر العربي (وعكة)
(6) ( ill) من الاصل العربي (علة)
(7) ( easier) من الجذر العربي (ايسر= اسهل)
(8) ( queen) من الجذر العربي (قوين وهو مؤنث قان في اللغة الاكادية=الملك)
(9) ( socity) من الجذر العربي (سوق وقديما كان يطلق السوق علي المجتمع وهو التجمع في مكان واحد)
(10) ( stance) من الجذر العربي (استأنس)
(11) ( amour) من الكلمة العربية امور =شوؤن
(12) ( pay) من الجذر العربي (فيء) وهو الفاء بالدين والفاء بالوعد
شكرا
القيصري
ـ[القيصري]ــــــــ[19 - 10 - 2005, 09:43 ص]ـ
وهنا نماذج اخرى
(1) ( shame) من الاصل العربي (سخام وهو الخزي والعار)
(2) ( chop) من الجذر العربي (شف=قطع) ولكني اجد ان كلمة ( shave) اقرب من ناحية الصوت والمعني
(3) ( mean) من الاصل العربي (معني وفي الاتينية mena)
(4)(main) من الاصل العربي (معين وهو جوهر الشء)
(5) ( clamp) من الاصل العربي (كلاب وهو الخطاف)
(6) ( aide,aid) من الجذر العربي (أيد وهو المساعدة وتقديم يد العون)
(7) ( slope) من الجذر العربي (زلف ومنه زلفي= الارض المنحدرة)
(8) ( injury) من الاصل العربي (انجرح)
(9) ( safe) من الجذر العربي (سعفوزمنه الاسعاف = الانقاذ)
(10) ( cupola) من الجذر العربي (قبة واعتقد ان كلمة ( cup) اشتقت منها
(11) ( cut) من الجذر العربي (قطع)
(12) ( serve) من الجذر العربي (صرف)
ـ[نورشياب]ــــــــ[22 - 10 - 2005, 04:38 م]ـ
الشكر الجزيل لك
وارجو المزيد ووفقك الله
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 01:26 ص]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا أخى القيصرى ونسأل الله أن يعلمنا ويعلمكم
فارس العربية الخـ زيد ــــــــــيل
ـ[برقش]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 07:28 م]ـ
أخي القيصري
أيمكن أن أتطفل عليك بالسؤال: ما مرجع هذه المعلومات؟
ـ[أبو سارة]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 09:23 م]ـ
شكرا لأخي القيصري على هذه المشاركة الفريدة.
وفي ظني أن هذا الربط بعيد لفارق التزامن بين اللغتين،خصوصا وأنه لم يرد في كتب اللغة عند العرب.
حدثني أحد الأستاذة بقسم "الفيزياء الفلكية" أن أغلب أسماء النجوم عند الغربيين أصلها عربي محض،وهي تكتب وتنطق عندهم وفق أصلها العربي مما يدل على أنهم نقلوها من علماء العرب في العصر العباسي تقريبا.
وقد تحدث الدكتور "محمد التونجي" في أصول الكلمات العربية التي يعود أصلها إلى الترك أو الفرس،هذا ما أعرفه حول هذا الأمر.
شكرا لك أخي الكريم والشكر موصول للإخوة المشاركين.(/)
كتاب الصوت اللغوي في القرآن -3 -
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[20 - 10 - 2005, 05:17 ص]ـ
الرابعة: أشار الزركشي (ت: 794 هـ) أنه قد كثر في القرآن الكريم ختم كلمة المقطع من الفاصلة بحروف المد واللين وإلحاق النون، وحكمته وجود التمكن من التطريب (1).
وحكى سيبويه (ت: 180 هـ) عن العرب أنهم إذا ما ترنموا فإنهم يلحقون الألف والواو والياء، ما ينون، وما لا ينون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت (2). وورود النون بعد حروف المدّ متواكبة في القرآن حتى عاد ذلك سراً صوتياً متجلياً في جزء كبير من فواصل آيات سوره، ونشير على سبيل النموذج الصوتي لكل حرف من حروف المدّ تليه النون بمثال واحد.
1 ـ وردت الألف مقترنة بالنون في منحنى كبير من فواصل سورة الرحمان على نحوين:
الأول: وردهما متقاطرين، وهما ـ أي الألف والنون ـ من أصل الكلمات كما في قوله تعالى:
(الرحمان * علم القرءان * خلق الانسان * علّمه البيان * الشمس والقمر بحسبان) (3).
الثاني: وردهما متقاطرين، وهما ـ أي الألف والنون ـ ملحقان بالكلمة علامة للرفع ودلالة على التثنية كما في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي ءالاء ربكما تكذبان) (4).
ويتحقق في النحوين مدّ الصوت تحقيقاً للترنم.
2 ـ وردت الياء مقترنة بالنون في أبعاد كثيرة من فواصل الآيات القرآنية، ففيما اقتص الله من خبر نوح عليه السلام قال تعالى: (فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد الله الذي نجانا من القوم الظالمين * وقل رب أنزلني منزلا
____________
(1) ظ: الزركشي، البرهان: 1|68.
(2) سيبويه، الكتاب: 2|298.
(3) الرحمن: 1 ـ 5.
(4) الرحمن: 19 ـ 21.
--------------------------------------------------------------------------------
(156)
مباركاً وأنت خير المنزلين * إن في ذلك لأيات وإن كنا لمبتلين * ثم أنشأنا من بعدهم قرنًا ءاخرين) (1).
والطريف ان سورة المؤمنين تتعاقب وواصلها الياء والنون أو الواو والنون، شأنها في ذلك شأن جملة من سور القرآن، فكأنها جميعا تعنى بهذا الملحظ الدقيق.
3 ـ وردت الواو مقترنة بالنون في أجزاء عديدة ومتنوعة من فواصل طائفة كبيرة من السور، فسورة الشعراء فيها تعاقب كبير على الياء والنون مضافاً إليه التعاقب على الواو والنون موضع الشاهد كما في قوله تعالى:
(إن هؤلآء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون* فأخرجناهم من جنات وعيون) (2).
إن ما أبداه الزركشي من ختم كلمة مقطع الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون، ليس بالضرورة للتمكن من التطريب، ولكنه يشكل ظاهرة بارزة في صيغ تعامل القرآن الكريم مع هذه الحروف مقترنة بالنون، وقد يخفى علينا السبب، ويغيب عنا جوهر المراد، ومع ذلك فهو ملحظ متحقق الورود.
الإيقاع الصوتي في موسيقى الفواصل:
هناك سمات إيقاعية في سياق فواصل الآيات، ومن خلال عبارات الجمل والفقرات التي ارتبطت بنسق جمهرة من آيات القرآن المجيد، نجم عنهما كثير من الاشكال في التفسير لوجودها مجارية لزنة جملة من بحور الشعر، وبدأ محرّرو علوم القرآن، يتصدرون للدفاع عن ذلك حيناً، ولتفسيره كلامياً واحتجاجياً بلغة الجدل حيناً آخر، ولو أنهم عمدوا إلى ربط مثل هذه الظواهر بالإيقاع الصوتي لكان ذلك رداً مفحماً، ولو فسروها صوتياً لارتفع الإشكال وتلاشى.
القرآن كلام الله فحسب، ليس من جنس النثر في صنوفه وإن اشتمل
____________
(1) المؤمنون: 28 ـ 31.
(2) الشعراء: 54 ـ 57.
--------------------------------------------------------------------------------
(157)
على ذروة مميزاته العليا، ولم يكن ضرباً من الشعر وإن ضم بين دفتيه أوزان الشعر جميعاً (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين) (1).
فهو ليس من سنخ ما يتقولون، ولا بنسيج ما يتعارفون، ارتفع بلفظه ومعناه، وطبيعته الفنية الفريدة، عن مستوى الفن القولي عند العرب، فالمقولة بأنه شعر باطلة من عدّة وجوه:
الأول: التأكيد في القرآن نفسه بنفي صفة الشعر عنه، والتوجيه بأنه ذكر و قرآن مبين بقوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
(وما علّمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرءان منين) (2).
الثاني: الردّ في القرآن على دعوى القول بأن النبي شاعر، وأن القرآن منه في ثلاثة مواطن:
1ـ الملحظ الافترائي الموجه إليه، والمعبر عن حيرة المشركين:
(بل قالوا اضغاث احلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بأية كما أرسل الأولون) (3).
2 ـ التعصب الأعمى للآلهة المزعومة دون وعي، وبكل إصرار بافتعال الادعاء الكاذب:
(ويقولون أئنا لتاركوا ءالهتنا لشاعر مجنون) (4).
3 ـ التربص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوقع الموت له، بزعمهم أن سيموت شعره المفترض معه!!
(أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون) (5).
الثالث: إن العرب لو اعتقدوا أن القرآن شعر لأسرعوا إلى معارضته من قبل شعرائهم، فالشعر ديوان العرب، وقصائدهم معلقة بالكعبة تعبيراً عن اعتدادهم بالشعر، واعتزازهم بالشعراء، وهم أئمة البيان ورجال
____________
(1) الحاقة: 41 ـ 43.
(2) ياسين: 69.
(3) الأنبياء: 5.
(4) الصافات: 36.
(5) الطور: 30.
--------------------------------------------------------------------------------
(158)
الفصاحة، ولكنها مغالطة واضحة «ولو كان ذلك لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد، وأهله يتقاربون فيه، أو يضربون فيه بسهم» (1).
الرابع: إن الشعر إنما يقصد إليه بذاته فينظم مع إرادة ذلك، ولا يتفق اتفاقاً أن يقول أحدهم كلاماً فيأتي موزوناً، فالشعر «إنما ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء دون ما يستوي فيه العامي والجاهل والعالم بالشعر واللسان وتصرفه، وما يتفق من كل واحد، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعراً، وإلا لكان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتزن بوزن الشعر وينتظم بانتظامه» (2).
سقنا هذا في حيثية تنزيه القرآن عن سمة الشعر وصفته، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعراً موزوناً، وما يدريك فلعل القرآن يريد أن يقول للعرب: إن هذا الشعر الذي تتفاخرون به، نحن نحيطكم علماً بأوزانه على سبيل الأمثلة لتعتبروا بسوقها سياق القرآن في صدقه وأمانته، ولا غرابة أن يكون القرآن يريد أن ينحو الشاعر بشعره منحى الحق والصرامة والفضيلة والصدق، ومع هذا وذاك فما ورد من الموزون فيه جار على سنن العرب في كلامها، إذ قد يتفق الموزون ضمن المنثور، بلا إرادة للموزون، ولا تغيير للمنظوم. فقد حكى الزركشي (ت: 794 هـ) أن إعرابياً سمع قارئاً يقرأ: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) (3).
فقال كسرت، إنما قال:
يا أيها الناس اتقوا ربكم * زلزلة الساعة شيء عظيم
فقيل له: هذا القرآن، وليس الشعر (4).
فاعتقده لأول مرة شعراً فحذف «أن» ليستقيم الوزن فيما عنده. ولو قلنا بالإيقاع الصوتي، وفسرنا الورود البياني لهذا المظهر الموزون بمجانسة
____________
(1) الباقلاني، إعجاز القرآن: 82.
(2) المصدر نفسه: 83.
(3) الحج: 1.
(4) الزركشي، البرهان: 2|116.
--------------------------------------------------------------------------------
(159)
الأصوات، وقارنّا عن كثب بمناسبة الصوت للصوت، وملاءمة النطق بالحروف، ومتابعة الأذن للموسيقى، والسمع للنبر والتنغيم، زيادة على ما تقدم لكنا قد أحسنّا التعليل فيما يبدو، أو توصلنا في الأقل إلى بعض الوجوه المحتملة، أو الفوائد الصوتية المترتبة على هذا المعلم الواضح، والله أعلم.
وقد يقال بأن هذا المعلم إنما ينطبق على أجزاء من الآيات لا الفاصلة وحدها، فيقال حينئذ بأن وجود الفاصلة في هذه الأجزاء من الآيات هو الذي جعل جملة هذا الكلام موزوناً، فبدونها ينفرط نظام هذا السلك، وينحل عقد هذا الابرام لهذا نسبنا أن يكون الحديث عن هذا الملحظ ضمن هذا البحث.
ومهما يكن من أمر، فإن ورود ما ورد من هذا القبيل في القرآن ينظر فيه إلى غرضه الفني مضافاً إلى الغرض التشريعي، وهما به متعانقان.
(يُتْبَعُ)
(/)
إننا بين يدي مخزون ثر في هذا الرصد، ننظره وكأننا نلمسه، ونتحسسه وكأننا نحيا به، فحينما نستمع خاشعين إلى صيغة موزونة منتظمة بقوله تعالى: (إنّا اعطيناك الكوثر) (1). فإننا نتعامل مع وقع خاص بذكرنا بالعطاء غير المحدود للنبي الكريم، وحينما نستمع ـ موزوناً ـ إلى قوله تعالى: (هيهات هيهات لما توعدون) (2). تصك أسماعنا بلغة الوعيد، فنخشع القلوب، وتتحسس الأفئدة.
وحينما نستمع ـ موزوناً ـ إلى قوله تعالى: (وذلّلت قطوفها تذليلاً) (3). نستبشر من الأعماق بهذا المناخ الهادي، ونستشعر هذا النعيم السرمدي بإيقاع يأخذ بمجامع القلوب، ويشد إليه المشاعر.
وحينما نستمع ـ موزوناً ـ إلى قوله تعالى: (تبت يدآ أبي لهب) (4). يقرع أسماعنا هذا المصير الشديد العاتي، فيستظهره السامع دون جهد، ويجري مجرى الأمثال في إفادة عبرتها وحجتها. وحينما نستمع حالمين
____________
(1) الكوثر: 1.
(2) المؤمنون: 36.
(3) الدهر (الإنسان): 14.
(4) المسد: 1.
--------------------------------------------------------------------------------
(160)
إلى قوله تعالى: (ومن الليل فسبحه وأدبار السّجود) (1). فإننا نستشعر هذا الأمر بقلوبنا قبل الأسماع، هادئاً ناعماً متناسقاً، وهو يدعو إلى تسبيح الله وتقديسه آناء الليل وأطرف النهار.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (نصر من الله وفتح قريب) (2). فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي، بإعلان النصر لنبيه، والفتح أمام زحفه، فتعم البشائر، وتتعالى البهجة.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (لن تنالوا البّر حتا تنفقوا ممّا تحبّون) (3). فالصوت الرفيق هذا يمس الاسماع مساً رفيقاً حيناً، ويوقظ الضمائر من غفلتها حيناً آخر، وهو يستدر كرم المخائل، ويوجه مسيرة التعاطف، ويسدد مراصد الانفاق، والمسلم الحقيقي يسعى إلى البر الواقعي فأين مواطنه؟ إنه الانفاق مما يحب، والعطاء مما يحدب عليه، والفضل بأعز الأشياء لديه، وبذلك ينال البر الذي ما فوقه بر.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (أرءيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم) (4). وتمد الفتحة لتكون ألف إطلاق، وتصبح في غير القرآن (اليتيما) فإنك تقف عند بحر الخفيف من الشعر، وهو من الأوزان الراقصة، تقف عند صرخة مدوّية، وجلجلة متأججة تقارن بين التكذيب بيوم القيامة، وبين دع اليتيم في معاملته بخشونة وصده بجفاف وغلظة.
هذه النماذج الخيرة التي تبركنا بإيرادها، والتي تنبه من الغفوة والغفلة، وتدفع إلى الاعتبار والعظة، وتزيد من البصيرة والتدبر، قد أضفى عليها الملحظ الصوتي موسيقاه الخاصة، فعاد القول بصوتيتها من جملة أسرارها الجمالية، والتأكيد على تناغمها الإيقاعي من أبرز ملامحها الفنية.
هذه ميزة ناصعة من مزايا فواصل الآيات باعتبار العبارات.
____________
(1) ق: 40.
(2) الصف: 13.
(3) آل عمران: 92.
(4) الماعون: 1 ـ 2.
--------------------------------------------------------------------------------
(161)
الفصل السادس
الدلالة الصوتية في القرآن
1 ـ مظاهر الدلالة الصوتية
2 ـ دلالة الفزع الهائل
3 ـ الإغراق في مدّ الصوت واستطالته
4 ـ الصيغة الصوتية الواحدة
5 ـ دلالة الصدى الحالم
6 ـ دلالة النغم الصارم
7 ـ الصوت بين الشدة واللين
8 ـ الألفاظ دالة على الأصوات
9 ـ اللفظ المناسب للصوت المناسب
--------------------------------------------------------------------------------
(162)
--------------------------------------------------------------------------------
(163)
مظاهرالدلالة الصوتية:
(يُتْبَعُ)
(/)
انصبت عناية القرآن العظيم بالاهتمام في إذكاء حرارة الكلمة عند العرب، وتوهج العبارة في منظار حياتهم، وحدب البيان القرآني على تحقيق موسيقى اللفظ في جمله، وتناغم الحروف في تركيبه، وتعادل الوحدات الصوتية في مقاطعه، فكانت مخارج الكلمات متوازنة النبرات، وتراكيب البيان متلائمة الأصوات، فاختار لكل حالة مرادة ألفاظها الخاصة التي لا يمكن أن تستبدل بغيرها، فجاء كل لفظ متناسباً مع صورته الذهنية من وجه، ومع دلالته السمعية من وجه آخر، فالذي يستلذه السمع، وتسيغه النفس، وتقبل عليه العاطفة هو المتحقّق في العذوبة والرقة، والذي يشرأب له العنق، وتتوجس منه النفس هو المتحقق في الزجر والشدة، وهنا ينبه القرآن المشاعر الداخلية عند الإنسان في إثارة الانفعال المترتب على مناخ الألفاظ المختارة في مواقعها فيما تشيعه من تأثير نفسي معين سلباً وأيجاباً.
وبيان القرآن المجيد تلمح فيه الفروق بين مجموعة هذه الأصوات في إيقاعها، والتي كونت كلمة معين في النص، وبين تلك الأصوات التي كونت كلمة أخرى؛ وتتعرف فيه على ما يوحيه كل لفظ من صورة سمعية صارخة تختلف عن سواها قوة أو ضعفاً، رقةً أو خشونة، حتى تدرك بين هذا وذاك المعنى المحدد المراد به إثارة الفطرة، أو إذكاء الحفيظة، أو مواكبة الطبيعة بدقة متناهية، ويستعان على هذا الفهم لا بموسيقى اللفظ منفرداً، أو بتناغم الكلمة وحدها، بل بدلالة الجملة أو العبارة منضمّة إليه.
إن إيقاع اللفظ المفرد، وتناغم الكلمة الواحدة، عبارة عن جرس
--------------------------------------------------------------------------------
(164)
موسيقى للصوت فيما يجلبه من وقع في الأذن، أو أثر عند المتلقي، يساعد على تنبيه الأحاسيس في النفس الإنسانية، لهذا كان ما أورد القرآن الكريم في هذا السياق متجاوباً مع معطيات الدلالة الصوتية: «التي تستمد من طبيعة الأصوات نغمتها وجرسها» (1). فتوحي بأثر موسيقي خاص، يستنبط من ضم الحروف بعضها لبعض، ويستقرأ من خلال تشابك النص الأدبي في عبارته، فيعطي مدلولاً متميزاً في مجالات عدة: الألم، البهجة، اليأس، الرجاء، الرغبة، الرهبة، الوعد، الوعيد، الانذار، التوقع، الترصد، التلبث. . . إلخ.
ولا شك أن استقلالية أية كلمة بحروف معينة، يكسبها صوتياً ذائقة سمعية منفردة، تختلف ـ دون شك ـ عما سواها من الكلمات التي تؤدي المعنى نفسه، مما يجعل كلمة ما دون كلمة ـ وإن اتحدا بالمعنى، لها استقلاليتها الصوتية، إما في الصدى المؤثر، وإما في البعد الصوتي الخاص، وإما بتكثيف المعنى بزيادة المبنى، وإما بإقبال العاطفة، وإما بريادة التوقع، فهي حيناً تصك السمع، وحيناً تهيء النفس، وحيناً تضفي صيغة التأثر: فزعاً من شيء، أو توجهاً لشيء، أو طمعاً في شيء؛ وهكذا.
هذا المناخ الحافل تضفيه الدلالة الصوتية للألفاظ، وهي تشكل في القرآن الوقع الخاص المتجلي بكلمات مختارة، تكونت من حروف مختارة، فشكلت أصواتاً مختارة، هذه السمات في القرآن بارزة الصيغ في مئات التراكيب الصوتية في مظاهر شتى، ومجالات عديدة، تستوعبها جمهرة هائلة من ألفاظه في ظلال مكثفة في الجرس والنغم والصدى والإيقاع.
قال الخطابي (ت: 383 ـ 388 هـ) إن الكلام إنما يقوم بأشياء ثلاثة: «لفظ حاصل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح، ولا أجزل، ولا أعذب من ألفاظه» (2).
____________
(1) إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ: 46.
(2) الخطابي، بيان إعجاز القرآن: 27.
--------------------------------------------------------------------------------
(165)
وهذا مما ينطبق على استيحاء الدلالة الصوتية في القرآن بجميع الأبعاد، يضاف إليه الوقع السمعي للفظ، والتأثير النفسي للكلمة، والمدلول الأنفعالي بالحدث، وتلك مظاهر متأنقة قد يتعذر حصرها، وقد يطول الوقوف عند استقصائها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكان من فضيلة القرآن الصوتية أن استوعب جميع مظاهر الدلالة في مجالاتها الواسعة، وتمرس في استيفاء وجوه التعبير عنها بمختلف الصور الناطقة، وقد يكون من غير الممكن استحضار جميع الصيغ في استعمالات منها، أو ما يبدو أنه مهم في الأقل، وذلك باستطراد بعض النماذج النابضة فيما أخال وأزعم، وقد يعبر كل نموذج منها عن مظهر فني، ليقاس مثله عليه، وشبيهه به، وبذلك يتأتى للباحث والمتلقي إلقاء الضوء الكاشف على أبعاد دلالة القرآن الصوتية، في تشعب جوانبها، وعظمة انطلاقها، مما يكوّن معجماً لغوياً خاصاً بمفرداتها، وقاموساُ صوتياً حافلاً بإمكاناتها.
سيقتصر حديثنا عن مظاهر الدلالة في مجالات قد تكون متقابلة، أو متناظرة، أو متضادة، أو متوافقة، وهي بمجموعها تكون أبعاد الدلالة الصوتية في القرآن، وهذا ما تتكفّل بإيضاحه المباحث الآتية.
دلالة الفزع الهائل:
استعمل القرآن طائفة من الألفاظ، ثم اختيار أصواتها بما يتناسب مع أصدائها، واستوحى دلالتها من جنس صياغتها، فكانت دالة على ذاتها بذاتها، فالفزع مثلاً، والشدة، والهدة، والاشتباك، والخصام، والعنف، دلائل هادرة بالفزع الهائل والمناخ القاتل.
1ـ قف عند مادة صرخ في القرآن، وصرخة الصّيحة الشديدة عند الفزع، والصراخ الصوت الشديد (1). لتلمس عن كثب، وبعفوية بالغة: الاستغاثة بلا مغيث، في قوله تعالى: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً) (2). مما يوحي بأن الصراخ قد بلغ ذروته، والاضطراب قد تجاوز
____________
(1) ظ: ابن منظور، لسان العرب: 4|2.
(2) فاطر: 37.
--------------------------------------------------------------------------------
(166)
مداه، والصوت العالي الفظيع يصطدم بعضه ببعض، فلا أذن صاغية، ولا نجدة متوقعة، فقد وصل اليأس أقصاه، والقنوط منتهاه، فالصراخ في شدة إطباقه، وتراصف إيقاعه، من توالى الصاد والطاء، وتقاطر الراء والخاء، والترنم بالواو والنون يمثل لك رنة هذا الاصطراخ المدوي «والاصطراخ الصياح والنداء والاستغاثة: افتعال من الصراخ قلبت التاء طاء لأجل الصاد الساكنة قبلها، وإنما نفعل ذلك لتعديل الحروف بحرف وسط بين حرفين يوافق الصاد في الاستعلاء والإطباق، ويوافق التاء في المخرج» (1).
والإصراخ هو الإغاثة، وتبلية الصارخ، وقوله تعالى: (ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي) (2).تعني البراءة المتناهية، والإحباط التام، والصوت المجلجل في الدفع، فلا يغني بعضهم عن بعض شيئاً، ولا ينجي أحدهما الآخر من عذاب الله، ولا يغيثه مما نزل به، فلا إنقاذ ولا خلاص ولا صريخ من هذه الهوة، وتلك النازلة، فلا الشيطان بمغيثهم، ولا هم بمغيثيه.
والصريخ في اللغة يعني المغيث والمستغث، فهو من الأضداد، وفي المثل: عبد صريخه أمة، أي ناصره أذل منه (3). وقد قال تعالى: (فلا صريخ لهم ولا هم ينفذون) (4). فيا له من موقف خاسر، وجهد بائر، فلا سماع حتى لصوت الاستغاثة، ولا إجارة مما وقعوا فيه.
والاستصراخ الإغاثة، واستصرخ الإنسان إذا أتاه الصارخ، وهو الصوت يعلمه بأمر حادث ليستعين به (5).
قال تعالى: (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) (6). طلب للنجدة في فزع، ومحاولة للإنقاذ في رهب، والاستعانة على العدو بما يردعه عن
____________
(1) الطبرسي، مجمع البيان: 4|410.
(2) إبراهيم: 22.
(3) ابن منظور، لسان العرب: 4|3.
(4) ياسين: 43.
(5) ابن منظور، لسان العرب: 4|3.
(6) القصص:18.
--------------------------------------------------------------------------------
(167)
الإيقاع به، وما ذلك إلا نتيجة خوف نازل، وفزع متواصل، وتشبث بالخلاص.
(يُتْبَعُ)
(/)
2ـ وما يستوحى من شدة اللفظ في مادة «صرخ» يستوحى بإيقاع مقارب من قوله تعالى: (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون) (1). لتبرز «متشاكسون» وهي تعبر لغة عن المخاصمة والعناد والجدل في أخذ ورد لا يستقران، وقد تعطي معناها الكلمة: متخاصمون، ولكن المثل القرآني لم يستعملها حفاظاً على الدلالة الصوتية التي أعطت معنى النزاع المستمر، والجدل القائم، وقد جمعت في هذه الكلمة حروف التفشي والصفير في الشين والسين تعاقباً، تتخللهما الكاف من وسط الحلق، والواو والنون للمد والترنم، والتأثر بالحالة، فأعطت هذه الحروف مجتمعة نغماً موسيقياً خاصاً حمّلها أكثر من معنى الخصومة والجدل والنقاش بما أكسبها أزيزاً في الأذن، يبلغ به السامع أن الخصام ذو خصوصية بلغت درجة الفورة، والعنف والفزع من جهة، كما أحيط السمع بجرس مهموس معين ذي نبرات تؤثر في الحس والوجدان من جهة أخرى.
3ـ وتأمل مادة «كبّ» في القرآن، وهي تعني إسقاط الشيء على وجهه كما في قوله تعالى: (فكبت وجوههم في النار) (2). فلا إنقاذ ولا خلاص ولا إخراج، والوجه أشرف مواضع الجسد، وهو يهوي بشدة فكيف بباقي البدن.
والأكباب جعل وجهه مكبوباً على العمل، قال تعالى: (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدا) (3).
والكبكبة تدهور الشيء في هوة (4). قال تعالى: (فكبكبوا فيها هم والغاون) (5).
____________
(1) الزمر: 29.
(2) النمل: 90.
(3) الملك: 22.
(4) الراغب، المفردات: 420.
(5) الشعراء: 94.
--------------------------------------------------------------------------------
(168)
وهذه الصيغة قد حملت اللفظ في تكرار صوتها، زيادة معنى التدهور لما أفاده الزمخشري (ت: 538 هـ) بقوله: «إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى» (1).
وقال العلامة الطيبي (ت: 743 هـ):
«كرر الكب دلالة على الشدة» (2).
ومن هنا نفيد أن دلالة الفزع فيما تقدم من ألفاظ أريدت بحد ذاتها لتهويل الأمر، وتفخيم الدلالة، وهذا أمر مطرد في القرآن، وقد يمثله قوله تعالى: (فغشيهم من اليم ماغشيهم) (3).
والمادة نفسها قد توحي بشدة الإتيان والتوقع عند النوائب.
الإغراق في مدّ الصوت واستطالته:
هنالك مقاطع صوتية مغرقة في الطول والمد والتشديد وبالرغم من ندرة صيغة هذه المركبات الصوتية في اللغة العربية حتى أنها لتعدّ بالأصابع، فإننا نجد القرآن الكريم يستعل أفخمها لفظاً، وأعظمها وقعاً؛ فتستوحي من دلالتها الصوتية مدى شدّتها، لتستنتج من ذلك أهميتها وأحقيتها بالتلبث والرصد والتفكير.
من تلك الألفاظ: الحاقّة، الطّامة؛ الصّاخة. وقد تأتي مجّردة عن التعريف فتهتدي إلى عموميتها، مثل: دابّة. كافة.
هذه الصيغة صوتياً تمتاز بتوجه الفكر نحوها في تساؤل، واصطكاك السمع بصداها المدوي، وأخيراً بتفاعل الوجدان معها مترقباً: الأحداث، المفاجئات، النتائج المجهولة.
الحاقة الطامة والصاخة: كلمات تستدعي نسبة عالية من الضغط الصوتي، والأداء الجهوري لسماع رنتها، مما يتوافق نسبياً مع إرادتها في
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 1|41.
(2) الطيبي، التبيان في علم المعاني والبديع والبيان: 474.
(3) طه: 78.
--------------------------------------------------------------------------------
(169)
جلجلة الصوت، وشدة الإيقاع، كل ذلك مما يوضع مجموعة العلاقات القائمة بين اللفظ ودلالته في مثل هذه العائلة الصوتية الواحدة، فإذا أضفنا إلى ذلك معناها المحدد في كتاب الله تعالى، وهو يوم القيامة، خرجنا بحصيلة علمية تنتهي بمصاقبة الشدة الصوتية للشدة الدلالية بين الصوت والمعنى الحقيقي، فقوله تعالى: (الحاقة * ما الحاقة * ومآ أدراك ما الحاقة) (1). إشارة إلى يوم القيامة، وعلم عليها فيما أفاد العلماء، قال الفرّاء (ت: 207 هـ): «الحاقة: القيامة، سميت بذلك لأن فيها الثواب والجزاء» (2).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال الطبرسي (ت: 548 هـ) «الحاقة اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسرين، وسميت بذلك، لأنها ذات الحواق من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، لأن جميع أحكام القيامة واجبة الوقوع، صادقة الوجود. وقيل سميت القيامة الحاقة لأنها تحق الكفار من قولهم: حاققته فحققته، مثل: خاصمته فخصمته» (3).
وقيل: لأنها تحق كل إنسان بعمله. ويقال: حقّت القيامة: أحاطت بالخلائق فهي حاقة (4). فإذا رصدت الصاخة، رأيتها القيامة أيضاً، وبه فسّر أبو عبيدة (ت: 210 هـ) قوله تعالى: (فإذا جآءت الصآخة) (5). فأما أن تكون الصاخة اسم فاعل من صخ يصخ، وإما أن تكون مصدراً وقال أبو اسحق الزجاج: الصاخة هي الصيحة تكون فيها القيامة تصخ الأسماع، أى: تصمها فلا تسمع.
وقال ابن سيده: الصاخة: صيحة تصخ الأذن أي تطعنها فتصمها لشدتها، ومنه سميت القيامة.
ويقال: كأن في أذنه صاخة، أي طعنة (6).
____________
(1) الحاقة: 1 ـ 3.
(2) الفراء، معاني القرآن: 3|179.
(3) الطبرسي، مجمع البيان: 5|342 ـ 343.
(4) ظ: الطريحي، مجمع البحرين: 5|147.
(5) عبس: 33.
(6) ابن منظور، لسان العرب: 4|2.
--------------------------------------------------------------------------------
(170)
وقال الطريحي (ت:1085 هـ) الصاخة بتشديد الخاء يعني القيامة، فإنها تصخ الأسماع، أي تقرعها وتصمها، يقال: رجل أصخ، إذا كان لا يسمع (1). والمعاني كلها متقاربة في الدلالة، إلا أن الرغب (ت: 502 هـ) يعطي الصاخة دلالة أعمق في الإرادة الصوتية المنفردة فيقول: الصاخة شدة صوت ذي المنطق (2).
فيكون استعمالها حينئذ في القيامة على سبيل المجاز. فإذا وقفنا عند الطامة، فهي القيامة تطم على كل شيء (3). وإليه ذهب الزجاج: الطامة هي الصيحة التي تطم على كل شيء (4). وتسمى الداهية التي لا يستطاع دفعها: طامة (5). قال تعالى: (فإذا جآءت الطامة الكبرا) (6).قال الطبرسي (ت: 548 هـ) «وهي القيامة لأنها تطم كل داهية هائلة، أي تعلو وتغلب، ومن ذلك قيل: ما من طامة إلا وفوقها طامة، والقيامة فوق كل طامة، فهي الداهية العظمى» (7).
ولعل اختيار الطبرسي للداهية في تفسير الطامة باعتبارها داهية لا يستطاع دفعها، ولأن القيامة تطم كل داهية هائلة، لا يخلو من وجه عربي أصيل، فالعرب استعملت الطامة في الداهية العظيمة تغلب ما سواها، وأية داهية أعظم من القيامة لا سيما وهي توصف هنا بالكبرا.
إن موافقة أصوات الحاقة والصاخة والطامة لمعانيها في الدلالة على يوم القيامة، من أعظم الدلالات الصوتية في الشدة والوقع والتلاؤم البنيوي والمعنوي لمثل هذه الصيغة الحافلة.
ودلالة هذه الصيغة في: دابة، وكافة، على الشمول والكلية المطلقة يوحي بالمضمون نفسه في الإيقاع الصوتي، قال تعالى: (وما من دآبة في
____________
(1) الطريحي، مجمع البحرين: 2|437.
(2) الراغب، المفردات: 275.
(3) الفراء، معاني القرآن: 3|234.
(4) ابن منظور، لسان العرب: 15|263.
(5) الطبرسي، مجمع البيان: 5|433.
(6) النازعات: 34.
(7) الطبرسي، مجمع البيان: 5|434.
الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين) (1) فشمل الخلائق كلها، وأصناف الأجناس المرئية وغير المرئية مما يدب أدركناه أو لم ندركه، علمنا طبيعة رزقه أو لم نعلم وقوله تعالى: (ومآ أرسلناك إلا كآفة للنّاس بشيرا و نذيرا) (2). يدل أن هذا الرسول العربي الأمين، لم يختص بزمنية، ولم يبعث لطبقة خاصة، فتخطى برسالته حدود الزمان والمكان، فكانت عالمية السيرورة، إنسانية الأحياء، البشارة في يد، والنذارة في يد، لينقذ العالم أجمع من خلال هاتين.
الصيغة الصوتية الواحدة:
وظاهرة أخرى جديرة بالعناية والتلبث، هي تسمية الكائن الواحد، والأمر المرتقب المنظور، بأسماء متعددة ذات صيغة واحدة، بنسق صوتي متجانس، للدلالة بمجموعة مقاطعة على مضمونه، وبصوتيته على كنه معناه، ومن ذلك تسمية القيامة في القرآن بأسماء متقاربة الصدى، في إطار الفاعل المتمكن، والقائم الذي لا يجحد.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذه الصيغة الفريدة تهزك من الأعماق، ويبعثك صوتها من الجذور، لتطمئن يقيناً إلى يوم لا مناص عنه، ولا خلاص منه، فهو واقع يقرعك بقوارعه، وحادث يثيرك برواجفه. . الصدى الصوتي، والوزن المتراص، والسكت على هائه أو تائه القصيرة تعبير عما ورائه من شؤون وعوالم وعظات وعبر ومتغيرات في:
الواقعه | القارعة | الآزفة | الراجفة | الرادفة | الغاشية، وكل معطيك المعنى المناسب للصوت، والدلالة المنتزعة من اللفظ، وتصل مع الجميع إلى حقيقة نازلة واحدة.
1 ـ الواقعة، قال تعالى: (إذا وقعت الواقعه * ليس لوقعتها كاذبة) (3).
____________
(1) هود: 6.
(2) سبأ: 28.
(3) الواقعة: 1 ـ 2.
--------------------------------------------------------------------------------
(172)
وقال تعالى: (فيؤمئذ وقعت الواقعة) (1).
قال الخليل: وقع الشيء يقع وقوعاً، أي: هوياً.
والواقعة النازلة الشديدة من صروف الدهر (2).
وقال الراغب (ت: 502 هـ) الوقوع ثبوت الشيء وسقوطه، والواقعة لا تقال إلا في الشدة والمكروه، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ وقع: جاء في العذاب والشدائد (3).
وقال الطبرسي (ت: 548 هـ) في تفسيره للواقعة: «والواقعة اسم القيامة كالآزفة وغيرها، والمعنى إذا حدثت الحادثة، وهي الصّيحة عند النفخة الأخيرة لقيام الساعة. وقيل سميت بها لكثرة ما يقع فيها من الشدة، أو لشدة وقعها» (4). وقال ابن منظور (ت: 711 هـ) الواقعة: الداهية، والواقعة النازلة من صروف الدهر، والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة (5)
وباستقراء هذه الأقوال، ومقارنة بعضها ببعض، تتجلى الدلالة الصوتية، فالوقوع هو الهوي، وسقوط الشيء من الأعلى، والواقعة هي النازلة الشديد، والواقعة هي الداهية، وهي الحادثة، وهي الصيحة، وهي اسم من أسماء يوم القيامة، وأكثر ما جاء في القرآن من هذه الصيغة جاء في الشدة والعذاب، وصوت اللفظ يوحي بهذا المعنى، وأطلاقه بزنة الفاعل، وإسناده بصيغة الماضي، يدلان على وقوعه في شدته وهدته، وصيحته وداهيته.
2ـ القارعة، قال تعالى: (القارعة * ما القارعة * ومآ ادراك ما القارعة) (6).
وقال تعالى: (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) (7).
قال الخليل (ت: 175 هـ): والقارعة: القيامة. والقارعة: الشدة.
____________
(1) الحاقة: 15.
(2) الخليل، العين: 2|176.
(3) الراغب، المفردات: 530.
(4) الطبرسي، مجمع البيان: 5|214.
(5) ابن منظور، لسان العرب: 10|285.
(6) القارعة: 1 ـ 3.
(7) الحاقة: 4.
--------------------------------------------------------------------------------
(173)
وفلان أمن قوارع الدهر: أي شدائده. وقوارع القرآن: نحو آية الكرسي، يقال: من قرأها لم تصبيه قارعة.
وكل شيء ضربته فقد قرعته. قال أبو ذؤيب الهذلي (1).
حتى كأني للحوادث مروة * بصفا المشرق كل يوم تقرع
قال الطبرسي: وسميت القارعة، لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة إلى أن يصير المؤمنون إلى الأمن (2). والقارعة اسم من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع، وتقرع أعداء الله بالعذاب (3).
وأنما حسن أن توضع القارعة موضع الكناية لتذكر بهذه الصفة الهائلة بعد ذكرها بأنها الحاقة (4).
وبمقارنة هذه المعاني، نجدها متقاربة الدلالة، فالقارعة الشدة، وقوارع الدهر شدائده، وكل شيء ضربته فقد قرعته، والقارعة تقرع القلوب بالفزع، وقلوب العباد بالمخافة، وأعداء الله بالعذاب، وهي في موضع كناية للتعبير عن القيامة، من أجل التذكير بصفة القرع، وكلها مفردات إيحائية تؤذن بالقرع في الأذن، وتفزع القلوب بالشدة، تتوالى خلالها المترادفات والمشتركات، لتنتقل بك إلى عالم الواقعة، وهي مجاورة لها في الشدة والهول والصدى والإيقاع.
3 ـ الآزفة، قال تعالى: (أزفة الآزفة * ليس لها من دون الله كاشفة) (5).
وقال تعالى: (وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع) (6).
قال الراغب: معناه: أي دنت القيامة. . . فعبر عنها بلفظ الماضي لقربها وضيق وقتها (7).
____________
(1) الخليل، العين: 1|156.
(2) الطبرسي، مجمع البيان: 5|342.
(3) المصدر نفسه: 5|532.
(يُتْبَعُ)
(/)
(4) المصدر نفسه: 5|343.
(5) النجم: 57 ـ 58.
(6) المؤمن: 18.
(7) الراغب، المفردات: 17
--------------------------------------------------------------------------------
(174)
وقال الطبرسي: (وأنذرهم يوم الأزفة) (1). أي الدانية. وهو يوم القيامة، لأن كل ما هو آت دان قريب (2).
قال الزمخشري: والآزفة القيامة لأزوفها (3).
وفي اللغة: الآزفة القيامة، وإن استبعد الناس مداها (4).
والآزفة: الدانية من قولهم أزف الأمر إذا دنا وقته (5).
ورقة الآزفة في لفظها بانطلاق الألف الممدودة من الصدر، وصفير الزاي من الأسنان، وانحدار الفاء من أسفل الشفة، والسكت على الهاء منبعثة من الأعماق، كالرقة في معناها في الدنو والاقتراب وحلول الوقت، ومع هذه الرقة في الصوت والمعنى، إلا أن المراد من هذا الصفير أزيزه، ومن هذا التأفف هديره ورجيفه، فادناه يوم القيامة غير إدناء الحبيب، واقتراب الساعة غير اقتراب المواعيد، أنه دنو اليوم الموعود، والحالات الحرجة، والهدير النازل، إنه يوم القيامة في شدائده، فكانت الآزفة كالواقعة والقارعة.
4ـ الراجفة والرادفة، قال تعالى: (يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة) (6) وتبدأ القيامة بالراجفة، وهي النفخة الأولى (تتبعها الرادفة) وهي النفحة الثانية (7).
وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والضحاك (8).قال الزمخشري (ت: 538 هـ) «الراجفة: الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال وهي النفحة الأولى، وصفت بما يحدث بحدوثها (تتبعها الرادفة) أي الواقعة التي تردف الأولى، وهي النفحة الثانية؛ أي القيامة التي يستعجلها الكفرة، استبعاداً لها وهي رادفة لهم لا قترابها. وقيل الراجفة: الأرض والجبال من قوله ـ يوم ترجف الأرض والجبال ـ والرادفة
____________
(1) المؤمن: 18.
(2) الطبرسي، مجمع البيان: 4|518.
(3) الزمخشري، أساس البلاغة: 5.
(4) ابن منظور، لسان العرب: 1|346.
(5) الطبرسي، مجمع البيان: 4|518.
(6) النازعات: 6 ـ 7.
(7) الفراء، معاني القرآن: 3|231.
(8) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 4|467.
--------------------------------------------------------------------------------
(175)
السماء والكواكب لأنها تنشق وتنتثر كواكبها إثر ذلك» (1). وقال الطبرسي (ت: 548 هـ) الراجفة: يعني النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق، والراجفة صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب كالرعد إذا تمخض (تتبعها الرادفة) يعني النفخة الثانية تعقب النفخة الأولى، وهي التي يبعث معها الخلق (2).
وبمتابعة هذه المعاني: النفخة الأولى، النفخة الثانية، الصيحة، التردد، الاضطراب، الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال، الواقعة التي تردف الراجفة، انشقاق السماء، انتثار الكواكب، الرعد إذا تمخض، بعث الخلائق وانتشارهم. . إلخ.
بمتابعة أولئك جميعاً يتجلى العمق الصوتي في المراد كتجليه في الألفاظ دلالة على الرجيف والوجيف، والتزلزل والاضطراب، وتغيير الكون، وتبدل العوالم (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار) (3).
فتعاقبت معالم الراجفة والرادفة مع معالم الواقعة والقارعة والآزفة، وتناسبت دلالة الأصوات مع دلالة المعاني في الصدى والأوزان.
5 ـ الغاشية، قال تعالى: (هل أتاك حديث الغاشية) (4). وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد قد أتاك حديث يوم القيامة بغتة عن ابن عباس والحسن وقتادة (5).
قال الراغب (ت: 502 هـ) الغاشية كناية عن القيامة وجمعها غواش (6).
وقال الزمخشري (ت: 538 هـ): الغاشية الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها، يعني القيامة (7).
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 4|212.
(2) الطبرسي، مجمع البيان: 5|430.
(3) ابراهيم: 48.
(4) الغاشية: 1.
(5) الطبرسي، مجمع البيان: 5|478.
(6) الراغب، المفردات: 361.
(7) الزمخشري، الكشاف: 4|246.
--------------------------------------------------------------------------------
(176)
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال ابن منظور (ت: 711 هـ) الغاشية القيامة، لأنها تغشى الخلق بأفزاعها، وقيل الغاشية: النار لأنها تغشى وجوه الكفار. وقيل للقيامة غاشية: لأنها تجلل الخلق فتعمهم (1).
وبمقارنة هذه الأقوال، وضم بعضها إلى بعض، يبدو أن الغاشية كني بها عن القيامة لأنها تغشى الناس بأهوالها، وتعم الخلق بأفزاعها، فهي تجللهم الإحاطة من كل جانب، وقد تكون هي النار التي تغشى وجوه الكفار، وهي الداهية التي تغشى الناس بشدائدها، وتلبسهم أهوالها. . إلخ.
إذن، ما أقرب هذا المناخ المفزع، والأفق الرهيب لمناخ الواقعة والقارعة والآزفة والراجفة والرادفة، إنه منطلق واحد، في صيغة واحدة، صدى هائل تجتمع فيه أهوالها، وصوت حافل تتساقط حوله مصاعبها، تتفرق فيه الألفاظ لتدل في كل الأحوال على هذه الحقيقة القادمة، حقيقة يوم القيامة برحلتها الطولية، في الشدائد، والنوازل، والقوارع، والوقائع، لتصور لنا عن كثب هيجانها وغليانها، وشمولها وإحاطتها:
(بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسئل أيان يوم القيامة * فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر) (2).
دلالة الصدى الحالم:
تنطلق في القرآن أصداء حالمة، في ألفاظ ملؤها الحنان، تؤدي معناها من خلال أصواتها، وتوحي بمؤداها مجردة عن التصنيع والبديع، فهي ناطقة بمضمونها هادرة بإرادتها، دون إضافة وأضاءة، وما أكثر هذا المنحنى في القرآن، وما أروع تواليه في آياته الكريمة، ولنأخذ عينة على هذا فنقف عند الرحمة من مادة «رحم» في القرآن الكريم بجزء من إرادتها، ولمح من هديها.
قال تعالى: (أؤلائك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) (3).
____________
(1) ابن منظور، لسان العرب: 19|362.
(2) القيامة: 5 ـ 12.
(3) البقرة: 157.
--------------------------------------------------------------------------------
(177)
وقال تعالى: (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) (1).
وقال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم) (2).
وقال تعالى: (كهيعص * ذكر رحمت ربك عبده زكريا) (3).
وقال تعالى: (قال رب أغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك) (4).
وقال تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمها كما ربياني صغيرا) (5).
فأنت تنادي من صدى «الرحمة» بأزيز حالم، وتحتفل من صوتها بنداء يأخذ طريقه إلى العمق النفسي، يهز المشاعر، ويستدعي العواطف، ناضحاً بالرضا والغبطة والبهجة، رافلاً بالخير والإحسان والحنان، فماذا يرجو أهل الإيمان أكثر من اقتران صلوات ربهم برحمته بهم وعليهم، ولمغفرة من الله تعالى ورحمة خير مما تجمع خزائن الأرض وكنوزها، وهذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذو الخلق العظيم، والمخائل الفذة، لولا رحمة ربه لما لإن لهؤلاء القوم الأشداء في غطرستهم وغلظتهم، وهذا زكريا تتداركه رحمة من الله وبركات في أوج احتياجه وفزعه إلى الله عزّ وجل: (إذ نادى ربه نداءً خفيا) (6).
فيهب له يحيى (والله يختص برحمته من يشاء) (7).
ووقفة مستوحية عند الأبوين الكريمين (وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيرا) (8). فستلمس صيغة الرحمة قد تجلت بأرق مظاهرها الصادقة وأرقاها، توجيه رحيم، واستعارة هادفة، وعاطفة مهذبة، فقد اقترنت الرحمة بالاسترحام، وخفض الجناح بتواضع بل بذل إشفاقاً وحنواً وحدباً، فكما يخفض الطائر الوجل أو المطمئن السارب جناحيه حذراً أو عطفاً أو احتضاناً لصغاره حباً بهم، أو صيانة لهم من كل الطوارىء، أو هما معاً، فكذلك رحمة الولد البار بوالديه شفقة ورعاية، مواساة ومعاناة، في حالتي الصحة والسقم، الرضا والغضب،
____________
(1) آل عمران: 157.
(2) آل عمران: 159.
(3) مريم: 1 ـ 2.
(4) الأعراف: 151.
(5) الإسراء: 24.
(6) مريم: 3.
(7) البقرة: 105.
(8) الإسراء: 24.
--------------------------------------------------------------------------------
(178)
(يُتْبَعُ)
(/)
الدعة والاحتياج، يضاف إلى ذلك الدعاء من الأعماق «وقل رب ارحمها» مجازاة على تربيته صغيراً، والرحمة، وارحمها، لفظان متلازمان في بحة الحاء المنطلقة من الصدر فهي صوتياً مثلها دلالياً من القلب وإلى القلب، ومن الشغاف إلى الشغاف، وهنا يظهر أن الرحمة ظاهرة واقعية تنبعث من داخل النفس الإنسانية، فيتفجر بها الضمير الحي النابض بالطهارة والنقاء والحب السرمدي، فهي إذن لا تفرض من الخارج بالقوة والقهر والإستطالة، وإنما سبيلها سبيل الماء المتدفق من الأعالي لأنها صفة ملائكية، تمزج الإنسانية بالصفاء الروحي.
«والرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة نحو: رحم الله فلاناً. وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة، وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف» (1).
فالله تعالى تفرد بالإحسان في رحمته إلى رعيته، فجاء له الحمد مساوقاً لهذه الرحمة (الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم) (2). ونشر الرقة بين البشر في الطباع (ليدخل الله في رحمته من يشاء) (3).
ولو تابعنا أصل المادة لغوياً لوجدنا ملاءمتها للمعنى صوتياً في الرقة واللحمة والتناسب، فالرحم رحم المرأة، قل تعالى: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشآء) (4). ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم من رحم واحدة نسبياً، لذلك قال تعالى: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض) (5). ولولا قرابتهم لما كانت الولاية بينهم.
فكان الالتصاق في الرحم قد نشر الالتصاق بالولاية من جهة، وجدد الرحمة بالرقة والمودة والعطف الكريم.
____________
(1) الراغب: المفردات: 191.
(2) الفاتحة: 2 ـ 3.
(3) الفتح: 25.
(4) آل عمران: 6.
(5) الأنفال: 75.
--------------------------------------------------------------------------------
(179)
دلالة النغم الصارم:
أصوات الصفير في وضوحها، وأصداؤها في أزيزها، جعل لها وقعاً متميزاً ما بين الأصوات الصوامت، وكان ذلك ـ فيما يبد ولي ـ نتيجة التصاقها في مخرج الصوت، واصطكاكها في جهاز السمع، ووقعها الحاصل ما بين هذا الالتصاق وذلك الاصطكاك، هذه الأصوات ذات الجرس الصارخ هي: الزاي، السين، الصاد، يلحظ لدى استعراضها أنها تؤدي مهمة الإعلان الصريح عن المراد في تأكيد الحقيقة، وهي بذلك تعبر عن الشدة حيناً، وعن العناية بالأمر حيناً آخر، مما يشكل نغماً صارماً في الصوت، وأزيزاً مشدداً لدى السمع، يخلصان إلى دلالة اللفظ في إرادته الاستعمالية، ومؤداه عند إطلاقه في مظان المعنى.
وسأقف عند ثلاث صيغ قرآنية ختمت بحروف الصفير، لرصد أبعادها الصوتية؛ هي: «رجز» و «رجس» و «حصحص».
1ـ الرجز، في مثل قوله تعالى: (أولآئك لهم عذاب من رجز أليم) (1).
وقوله تعالى: (لئن كشفت عنا الرجز) (2).
وقوله تعالى: (فلمّا كشفنا عنهم الرجز) (3).
ويظهر في أصل الرجز الاضطراب لغة، فتلمس فيه الزلزلة في ارتجاجها، والهدة عند حدوثها، والنازلة في وقوعها، ولما كان القرآن العظيم يفسر بعضه بعضها، فإننا نأنس على هذه المعاني في كل من قوله تعالى:
(فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السمآء) (4).
وقوله تعالى: (فأرسلنا عليهم رجزاً من السّماء بما كانوا يظلمون) (5).
____________
(1) سبأ: 5.
(2) الأعراف: 134.
(3) الأعراف: 135.
(4) البقرة: 59.
(5) الأعراف: 162.
--------------------------------------------------------------------------------
(180)
وقوله تعالى: (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كاموا يفسقون) (1). ونستظهر في الرجز الإرسال والإنزال من السماء بضرس قاطع وأمر كائن باعتبار آخر العلاج بعد التحذير والإنذار.
(يُتْبَعُ)
(/)
2 ـ وحينما نقارن لفظ «الرجز» بمثيله معنى ومبنى «رجس» وهي مكونة كتكوينها في الراء والجيم، والسين كالزاي من حروف الصفير شديدة الاحتكاك في مخرج الصوت، ولها ذات الإيقاع على الأذن؛ حينما نقارن صوتياً ودلالياً بين الصوتين نجد المقاطع واحدة عند الانطلاق من أجهزة الصوت، ونجد المعاني متقاربة في الإفادة، فقد قيل للصوت الشديد: رجس ورجز، وبعير رجاس شديد الهدير، وغمام راجس ورجاس شديد الرعد.
قال تعالى: (قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب) (2).
وقال تعالى: (ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) (3).
كل هذه الاستعمالات متواكبة دلالياً في ترصد العذاب وصبّه وإنزاله، وهذا لا يمانع من أن تضاف للرجس جملة من المعاني الأخرى لإرادة الدنس والقذارة ومرض القلوب، وحالات النفس المتقلبة، نرصد ذلك في كل من قوله: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) (4).
وقال تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) (5).
وقال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (6).
وقال تعالى: (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وما توا وهم كافرون) (7).
____________
(1) العنكبوت: 34.
(2) الأعراف: 71.
(3) يونس: 100.
(4) المائدة: 90.
(5) الحج: 30.
(6) الأحزاب: 33.
(7) التوبة: 125.
--------------------------------------------------------------------------------
(181)
فالصوت في المعاني كلها الصوت نفسه، والصدى ذات الصدى، ومن هنا أورد الراغب (ت: 502 هـ): أن الرجس يقع على أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، وأما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك. والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر، وقيل: إن ذلك رجس من جهة العقل، وجعل الله تعالى الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء (1).
3 ـ وحينما نقف عند الصاد في مثل قوله تعالا:
(قالت أمرأت العزيز الآن حصحص الحق) (2). فإننا نستمع إلى الصوت المدوّي، إذ كانت الصاد واضحة الصدور من المخرج الصوتي. فكانت «حصحص» واضحة الظهور بانكشاف الأمر فيما يقهره على الأذغان، وهنا قد يمتلكك العجب لدى اختيار هذا اللفظ في أزيزه، ووضوح أمره مع القهر، فلا تردّ دلائله، ولا تخبو براهينه.
فإذا شددت الصاد كانت دلالتها الصوتية، وإرادتها المعنوية، أوضح لزوماً، وأشد استظهاراً، وأكثر إمعاناً كما في قوله تعالا: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور) (3).
فالتحصيل إخراج اللب من القشور، كإخراج الذهب من حجر المعدن، والبر من السنابل، فهو إضهار لما فيها كإظهار اللب من القشر، أو كإظهار الحاصل من الحساب (4).
والصوت في صيغة الإرعاب، وفي سياق الوعيد، قد تلمس فيه نزع ما في القلوب من أسرار، واستخراج ما فيها من خفايا، دون طواعية من أصحابها؟؟.
وقد يعطي دوي العبارة، وهيكل البيان، صيغة الإنذار، وأنت تصطدم بالوقوف عند السين من حروف الصفير في قوله تعالى: (فلآ أقسم بالخنس *
____________
(1) ظ: الراغب، المفردات: 188.
(2) يوسف: 51.
(3) العاديات: 9 ـ 10.
(4) ظ: الراغب، المفردات: 121.
--------------------------------------------------------------------------------
(182)
الجوار الكنس* واليل إذا عسعس * والصبح إذا تنفس) (1).
الصوت بين الشدة واللين:
ولا نريد بهذا الملحظ المظاهر الصوتية للحروف الشديدة أو حروف اللين، وإنما نريد الدلالة الأصواتية للكلمات وهي تتشكل في سياق يمثل الشدة حيناً، والرقة حيناً آخر، في دلالة تشير إلى أحدهما أولهما في ذات اللفظ، أو جملة العبارة.
ومن فضيلة النظم القرآني أن تنتظم هذه الظاهرة في الصوائت والصوامت من الأصوات، والصوائت ما ضمت حروف العلة عند علماء الصرف، وهي: الألف والياء والواو؛ والصوامت بقية حروف المعجم، وهي الصحيحة غير المعتلة.
ويبدو أن الأصوات الصائتة بعد هذا هي الأصوات المأهولة بالانفتاح المتكامل لمجرى الهواء، فتنطلق دون أي دوي أو ضوضاء، وتصل إلى الأسماع مؤثرة فيها تأثيراً تلقائياً في الوضوح والصفاء، وعلة ذلك انبساطها مسترسلة دون تضيق في المخارج.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويتضح من هذا أن الأصوات الصامتة ما كانت بخلاف ذلك فهي تتسم بتضيّق مجرى الهواء واختلاسه، فتنطلق أصواتها بأصداء مميزة تختلف شدة وضعفاً بحسب مخارجها فتحدث الضوضاء من خلالها نتيجة احتباس الهواء بقدر ما.
ففي الصوائت نلحظ قوله تعالى: (ونفس وما سواها * فألمها فجورها وتقواها) (2). في اقتران الواو والألف في موضع واحد من سوى وتقوى، كما نلحظ اقتران الياء والألف في سقيا من قوله تعالا:
(فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها) (3).
____________
(1) التكوير: 15 ـ 18.
(2) الشمس: 7 ـ 8.
(3) الشمس: 13.
--------------------------------------------------------------------------------
(183)
فتجد استطالة هذين الحرفين في كلا الموضعين، لا يصدهما شيء صوتياً، وهما يتراوحان دلالياً في ألفاظ تحتكم الشدة واللين، فالتذكير بخلق النفس الإنسانية قسماً إلى جنب عملها بين الفجور والتقوى، والتحذير من الناقة إلى جنب التحذير من منع السقيا.
وفي الصوامت تجد مادة «مسّ» قي القرآن بأزيزها الحاكم، وصوتها المهموس، ونغمها الرقيق، نتيجة لتضعيف حرف الصفير، أو التقاء حرفيه متجاورين كقوله تعالى: (ولو لم تمسسه نار) (1).
هذه المادة في رقتها صوتياً، وشدتها دلالياً، تجمع بين جرس الصوت الهادىء، وبين وقع الألم الشديد، فالمس يطلق ـ عادة ـ ويراد به كل ما ينال الإنسان من أذى ومكروه في سياق الآيات التالية:
قال تعالى: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) (2).
وقال تعالى: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم) (3).
وقال تعالى: (فإذا مس الإنسان ضر دعانا) (4).
وقال تعالى: (ولئن اذقناه نعماء بعد ضرآء مسته) (5).
وقال تعالى: (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك) (6).
وقال تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيمآ أخذتم عذاب عظيم) (7).
وقال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) (8).
فهذه الصيغ المختلفة من المادة، أوردناها للدلالة على شدة البلاء،
____________
(1) النور: 35.
(2) آل عمران: 140.
(3) الروم: 33.
(4) الزمر: 49.
(5) هود: 10.
(6) الأنبياء: 46.
(7) الأنفال: 68.
(8) الأنبياء: 83.
أ ـ في الملحظ الصوتي للكلمة الواحدة في القراءة القرآنية عند الصلاة، وتبلور أحكام ذلك في جملة من الفروع.
ب ـ في الملحظ الصوتي عند كون الكلمتين أو الأكثر بنفس واحد دون فصل أو وقوف في طائفة من الأحكام.
جـ ـ في أحكام مخرج الصوت ونطقه، في الكلمات والحروف والحركات، والاعراب والبناء، ومظاهر الأداء في مفصّل من المسائل.
د ـ في الالتزام بمعطيات علماء الأداء القرآني، وأئمة النحو العربي لإظهار أصول الأصوات في الإحداث، وكذلك أحكامه الخاصة من التشريع.
هـ ـ في مراعاة أصول الادغام، واختلاس الأصوات وإبدالها، وقراءة القرآن بخصوصه، تحررت مسائل ذات ذائقة صوتية متميزة.
الفصل الخامس وكان بعنوان: الصوت اللغوي في فواصل الآيات القرآنية.
وقد تناول بالبحث المفردات الآتية:
1 ـ مصطلح الفاصلة في القرآن، وأرسى أصولها على قاعدة صلبة من الاصطلاح بحيث لا تشتبه بقرينة السجع، أو قافية الشعر، وكانت التسمية بسبب من إرادتهم تميز القرآن وتشريفه عن مشاركة غيره له في المسميات.
2 ـ معرفة فواصل القرآن صوتياً، وكان لذلك طريقان: توقيفي وقياسي، وظهر أن القرآن لا يلتزم في الفاصلة الوقوف عند حرف معين في مواضع من السور، ويلتزمه في مواضع أخر، ويجمع بين الالتزام وعدمه في بعض السور، فكان الانتقال في فواصله أمراً شائعاً ومطرداً، ونماذجه هائلة.
3 ـ ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات، ورصد في عدة ملامح:
أ ـ زيادة حرف ما في الفاصلة رعاية للبعد الصوتي.
--------------------------------------------------------------------------------
(202)
ب ـ حذف حرف ما في الفاصلة رعاية للنسق القرآني.
جـ ـ تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، عناية بالسياق.
د ـ ختم كلمة المقطع من الفاصلة بحروف المد واللين وإلحاق النون ـ أحياناً ـ للتمكن من التطريب.
(يُتْبَعُ)
(/)
4 ـ الإيقاع الصوتي في موسيقى الفواصل، وقد عالج موافقة جملة من الآيات في فواصلها وزنتها لجملة من بحور الشعر العربي، وقد ربط البحث مثل هذه السمات بالإيقاع الصوتي، وفسر ظواهرها صوتياً، لدفع بعض الشبهات حول القرآن، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعراً موزوناً، وكان وجود الفاصلة فيه هو الذي جعله كلاماً ذا وزن إيقاعي ينظر فيه إلى غرضه الفني مضافاً إليه الغرض التشريعي، وهما متعانقان. وتلك ميزة ناصعة من مزايا الآيات باعتبار العبارات.
الفصل السادس، وكان بعنوان: الدلالة الصوتية في القرآن وقد عالج بأصالة استنتاجية مظاهر الدلالة الصوتية في إذكاء حرارة الكلمة القرآنية، وتوهج عباراته، فلمس اللفظ المفرد، وتناغم الكلمة الواحدة في وقع الجرس الموسيقي للصوت، واقتصر على مظاهر الدلالة في مجالات قد تكون: متقابلة، أو متناظرة، أو متضادة، أو متوافقة، وقد كونت هذه الإشارات المركزة بمجموعها أبعاد الدلالة الصوتية في القرآن ضمن المفردات المدروسة الآتية:
1 ـ دلالة الفزع الهائل: وقد كشفت عن طائفة من الألفاظ التي استعملها القرآن تم اختيارها صوتيا بما يتناسب مع أصدائها في السمع أو النفس أو الخارج، واستوحى دلالتها من جنس صياغتها، فكانت دالةً على ذاتها بذاتها في الفزع والاشتباك والخصام والعنف.
2 ـ الاغراق في مدّ الصوت واستطالته، وكشف عن مقاطع صوتية مغرقة في الطول والمدّ والتشديد رغم ندرة صيغة هذه المركبات الصوتية في اللغة، ونجد القرآن يستعمل أفخمها لفظاً، وأعظمها وقعاً، فيستلهم من دلالتها صوتياً مدى شدتها وهدتها، وتستوحي أهليتها بالتلبث الدقيق، أو تستقري أحقيتها بالترصد والتفكير الحصيف.
--------------------------------------------------------------------------------
(203)
3 ـ الصيغة الصوتية الواحدة، وهي ظاهرة جديرة بالعناية لتسمية الكائن الواحد النازل، والآخر المرتقب المنظور بأسماء متعددة ذات صيغة هادرة، بنسق صوتي متجانس، للدلالة بمجموعة مقاطعه الصوتية على مضمونه في الإيحاء والرمز، وبوقعه الخاص على كنه معناه، ومن ذلك تسمية: القيامة في القرآن بأسماء متقاربة الأبعاد في إطار الفاعل المتمكن المريد، والكائن الحي القائم.
4 ـ دلالة الصدى الحالم، في استكناه الأصداء الرقيقة الهادئة لألفاظ ملؤها الحنان والرحمة لدى تأديتها معانيها ضمن أصواتها، ومن خلالها مقاطعها، فتوحي بمؤادها مجردة عن التصنيع، والبديع، فهي ناطقة بمضمونها، هادرة بإرادتها، دون إضافة بيانية، أو إضاءة هامشية.
5 ـ دلالة النغم الصارم في التماس أصوات الصغير في وضوحها، وأصدائها في أزيزها نتيجة التصاقها في مخرج الصوت، واصطكاكها في جهاز السمع، فهي في الكلمات تؤدي مهمة الإعلان الصريح عن الحدث، وهي في العبارة تجسد حقيقة المراد في التأكيد عليه، فتعبر عن الشدة حيناً، وعن العناية حيناً آخر، مما يشكل نغماً صارماً في الصوت، وأزيزاً مشدداً في السمع.
6 ـ الصوت بين الشدة واللين، بملاحظة الصوائت والصوامت من الأصوات، فالصوائت مأهولة في الانفتاح المتكامل لمجرى الهواء، فتنطلق مقاطعها فيه دون دوي أو ضوضاء، فتؤثر في الأسماع وضوحاً وصفاء. والصوامت بخلاف هذا فهي تتسم بالضوضاء نتيجة احتباس الهواء، وجري النفس وما ذلك إلا لتضييق مجرى الهواء واختلاسه، فتنطلق أصواتها محدثة الضجيج والصوت الرنّان، وكان تفسير هذا وذاك خاضعاً بطبيعته لنماذج موفورة من ألفاظ القرآن العظيم.
7 ـ الألفاظ دالة على الأصوات، وقد توافرت في القرآن طائفة من الألفاظ الدقيقة عند إطلاقها، بكون اللفظ يدل على ذات الصوت، والصوت يتجلى فيه اللفظ نفسه، بحيث يستخرج الصوت من الكلمة، وتؤخذ الكلمة من الصوت، وهذا من باب مصاقبة الألفاظ للمعاني بما يشكل أصواتها، فتكون أصوات الحروف على سمت الأحداث، فيبرز
--------------------------------------------------------------------------------
(204)
بذلك تأهيل تسمية الشيء باسم صوته، وذلك من دقائق القرآن.
(يُتْبَعُ)
(/)
8 ـ اللفظ المناسب للصوت المناسب: ورأيت أن القرآن الكريم قد اختار اللفظ المناسب للصوت المناسب في الموقع المناسب، فجاء كل لفظ بمكانه الصوتي من العبارة القرآنية أو الجملة أو الآية، ولاحظت أن استنباط كل هذه المقاسات صوتياً يوحي باستقلالية الكلمة المختارة لدلالة أعمق، وإشارة أدق، بحيث يتعذر على أية جهة فنية استبدال ذلك بسواه، إذ لا يؤدي غيره مراده، وذلك معلم واضح من معالم الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن.
...
كانت هذه أهم النتائج في مفردات البحث، وخلاصة للجهود الصوتية فيه على وجه الإشارة والتمثيل، فشكلت بضم بعضها إلى بعض حياة جديدة في مناخ القرآن لا أحسبها قد عولجت من ذي قبل باستقلالية منظمة، فدل ما ورد في البحث بكل جزئياته وشذراته المتناثرة بين طياته على لمح ذي شأن في أشعة هذا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، عسى أن يكون لنا ذخراً يوم الدين، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين وسلم تسليماً كثيراً.
--------------------------------------------------------------------------------
(205)
«المصادر والمراجع»
أ ـ المصادر القديمة:
1 ـ خير ما نبدأ به: القرآن الكريم.
2 ـ ابن الأثير، ابو الفتح، ضياء الدين، نصرالله بن الأثير (ت: 637هـ) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر. تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد | مطبعة مصطفي البابي | القاهر | 1939 م.
3 ـ الباقلاني | أبو بكر، محمد بن الطيب (ت: 403 هـ) إعجاز القرآن. تحقيق: سيد أحمد صقر | دارالمعارف بمصر | القاهرة | 1954.
4 ـ البحراني، السيد هاشم البحراني (ت: 1107 هـ) البرهان في تفسير القرآن. طبعة حجرية قديمة (د. ت).
5 ـ الجاحظ، أبو عثمان، عمرو بن بحر (ت: 255هـ) البيان والتبيين. تحقيق: حسن السندوبي | المطبعة الرحمانية | القاهرة | 1932 م.
6 ـ ابن الجزري، محمد بن محمد الجزري (ت: 833 هـ) النشر في القراءات العشر المكتبة التجارية | القاهرة | د. ت.
7 ـ ابن جني، أبو الفتح، عثمان بن جني الموصلي (ت: 392 هـ) الخصائص. تحقيق محمد علي النجار | دار الكتب المصرية | القاهرة | 1952 م.
8 ـ ابن جني: سر صناعة الاعراب. تحقيق: مصطفى السقا وجماعته |
--------------------------------------------------------------------------------
(206)
مطبعة مصطفى البابي | القاهرة | 1954 م.
9 ـ ابن حزم، أبو محمد، علي بن أحمد الأندلسي (ت: 456 هـ) كتاب المحلى. تحقيق: الشيخ أحمد شاكر | المكتب التجاري للطباعة | بيروت | د. ت.
10 ـ الخطابي، أبو سليمان، حمد بن محمد (ت: 383 ـ 388 هـ) بيان إعجاز القرآن. ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن | تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغول سلام، دارالمعارف بمصر | القاهرة | 1976 م.
11 ـ الخطيب القزويني، أبو المعالي، جلال الدين، محمد بن عبدالرحمن الشافعي (ت: 739 هـ) الإيضاح في علوم البلاغة. تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي | دار الكتاب اللبناني | الطبعة الخامسة | بيروت | 1980 م.
12 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المالكي الأشبيلي (ت: 808 هـ) مقدمة ابن خلدون. المطبعة الشرقية | القاهرة | 1327هـ.
13 ـ الخليل، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175 هـ) كتاب العين. تحقيق: د. مهدي المخزومي و إبراهيم السامرائي | دارالرشيد | بغداد | 1980 م.
14 ـ ابن دريد، محمد بن الحسن بن دريد (ت: 321 هـ) جمهرة اللغة. أوفسيت عن طبعة حيدر أباد الدكن | 1345 هـ.
15 ـ الرازي، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين (ت: 606 هـ) مفاتيح الغيب. دارالطباعة العامرة | استانبول | 1307 هـ.
16 ـ الرازي: نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز. مطبعة الآداب والمؤيد | القاهرة | 1317هـ.
17 ـ الراغب الأصبهاني، أبو القاسم، الحسين بن محمد بن المفصل (ت: 502 هـ) المفردات في غريب القرآن. تحقيق: محمد سيد كيلاني | مطبعة مصطفى البابي | القاهرة | 1961 م.
--------------------------------------------------------------------------------
(207)
(يُتْبَعُ)
(/)
18 ـ الرماني، علي بن عيسى (ت: 386 هـ) النكت في إعجاز القرآن ضمن ثلاث رسائل في أعجاز القرآن | تحقيق محمد خلف الله ومحمد زغلول سلام دار المعارف بمصر | القاهرة | 1976 م.
19 ـ الزركشي، بدر الدين، محمد بن عبدالله الزركشي (ت: 794 هـ) البرهان في علوم القرآن. تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم | دار إحياء الكتب العربية | القاهرة | 1957 م.
20 ـ الزمخشري، جار الله، أبوالقاسم، محمود بن عمر (ت: 538 هـ) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل، أوفيست | دارالمعرفة | بيروت | د. ت.
21 ـ ابن الزملكاني، كمال الدين عبدالواحد بن عبد الكريم (ت: 651 هـ) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن. تحقيق: د. أحمد مطلوب و د. خديجة الحديثي | مطبعة العاني | بغداد | 1964 م.
22 ـ ابن سنان، أبومحمد، عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي (ت: 466 هـ) سر الفصاحة. تحقيق: عبدالمتعال الصعيدي | مطبعة محمد علي صبيح | القاهرة | 1969م.
23 ـ سيبويه، أبو بشر، عثمان بن قنبر (ت: 180 هـ) الكتاب: كتاب سيبويه. تحقيق: عبدالسلام محمد هارون | القاهرة | 1975 م.
24 ـ ابن سينا، الشيخ الرئيس، أبو علي، الحسين بن عبدالله (ت: 428 هـ) أسباب حدوث الحروف القاهرة | 1352 هـ.
25 ـ السيوطي، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت: 911 هـ) الاتقان في علوم القرآن. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم | مطبعة المشهد الحسيني | القاهرة | 1967 م.
26 ـ السيوطي: المزهر في علوم اللغة و أنواعها. تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وآخرين | مطبعة عيسى البابي | القاهرة | 1958 م.
27 ـ الشافعي، أبو عبد الله، محمد بن ادريس (ت: 204 هـ) كتاب الأم. أشرف على طبعه: محمد زهري النجار. شركة الطباعة الفنية | الطبعة الأولى | القاهرة | 1961 م.
--------------------------------------------------------------------------------
(208)
28 ـ الطبرسي، الفضل بن الحسن، أبو علي الطبرسي (ت: 548 هـ) مجمع البيان في تفسير القرآن مطبعة العرفان | صيدا | 1333 هـ.
29 ـ الطبري، أبو جعفر، محمد بن جرير (ت: 310 هـ) جامع البيان عن تأويل آي القرآن. المطبعة الميمنية | القاهرة | + مطبعة مصطفي البابي | القاهرة | 1954 م.
30 ـ الطريحي، فخر الدين بن محمد علي بن أحمد النجفي (ت: 1085 هـ) مجمع البحرين. تحقيق: أحمد الحسيني | مطبعة الآداب | النجف الأشرف | 1961 م.
31 ـ الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن (ت: 460 هـ) التبيان في تفسير القرآن. تحقيق: أحمد حبيب القصير | المطبعة العلمية | النجف الأشرف | 1957 م.
32 ـ الطيبي، شرف الدين، حسين بن محمد (ت: 743 هـ) التبيان في علم المعاني والبديع والبيان. تحقيق: د. هادي عطية مطر الهلالي | عالم الكتب. مكتبة النهضة العربية | بيروت | 1987 م.
33 ـ ابن فارس، أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا (ت: 395 هـ) الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها. تحقيق: د. مصطفى الشويحي | مؤسسة بدران | بيروت | 1963 م.
34 ـ الفرّاء | أبو زكريا، يحيى بن زياد الكوفي (ت: 207 هـ) معاني القرآن. تحقيق: أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار. مطبعة دار الكتب المصرية | الطبعة الأولى | القاهرة | 1955 م.
35 ـ أبو الفرج، على بن الحسين الأصبهاني (ت: 356 هـ) كتاب الأغاني مصور عن طبعة دار الكتب | مطابع كوستاتسوماس | القاهرة | 1963 م.
36 ـ ابن كثير، أبو الفداء، اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي (ت: 774 هـ) تفسير القرآن العظيم. دار الجيل | الطبعة الأولى | بيروت | 1988م.
37 ـ ابن منظور، جمال الدين، محمد بن مكرم الأنصاري (ت: 711 هـ)
--------------------------------------------------------------------------------
(209)
لسان العرب. طبعة مصورة عن طبعة بولاق | القاهرة | د. ت.
38 ـ ابن هشام، أبومحمد، عبدالله، جمال بن يوسف (ت: 761 هـ) مغني اللبيب عن كتب الأعاريب. تحقيق: د. مازن المبارك ومحمد علي حمدالله | دارالفكر | دمشق | 1964 م.
39 ـ ابن يعيش، أبو البقاء، يعيش بن علي بن يعيش (ت: 643 هـ) شرح المفصل. إدارة الطباعة المنيرية | القاهرة | د. ت.
...
(يُتْبَعُ)
(/)
ب ـ المراجع الحديثة العربية والمترجمة:
40 ـ إبراهيم أنيس (الدكتور) أصوات اللغة عند ابن سينا «بحث» مطبوعات مؤتمر مجمع اللغة العربية | القاهرة | 1963م.
41 ـ إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية مطبعة الأنجلو المصرية | الطبعة الرابعة | القاهرة | 1971 م.
42 ـ إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ مطبعة الأنجلو المصرية | القاهرة | 1976 م.
43 ـ أحمد مختار عمر (الدكتور) البحث اللغوي عند العرب منشورات عالم الكتب | الطبعة الرابعة | القاهرة | 1982 م.
44 ـ أحمد مطلوب (الدكتور) بحوث لغوية الطبعة الأولى | دارالفكر | عمّان | 1987 م.
45 ـ براجشتراسر | المستشرق الألماني (1886 م ـ 1933 م) التطور النحوي للغة العربية مطبعة السماح | القاهرة | 1929 م.
46 ـ برتيل مالمبرج | العالم الأصواتي الفرنسي علم الأصوات تعريب: د. عبد الصبور شاهين | نشر مكتبة الشباب | القاهرة | 1985 م.
47 ـ بنت الشاطىء، عائشة عبدالرحمان (الدكتورة) التفسير البياني للقرآن الكريم دار المعارف بمصر | القاهرة | 1968 م.
--------------------------------------------------------------------------------
(210)
48 ـ تشارلتن (هـ.ب. تشارلتن) فنون الأدب ترجمة د. زكي نجيب محمود | القاهرة | 1945 م.
49 ـ تمّام حسّان (الدكتور) اللغة العربية معناها ومبناها نشر الهيأة المصرية للكتاب | القاهرة | 1973 م.
50 ـ تمّام حسّان: مناهج البحث في اللغة القاهرة | 1955 م.
51ـ حسان النعيمي (الدكتور) الدراسات اللهجية الصوتية عند ابن جني دار الرشيد | بغداد | 1980 م.
52 ـ خليل إبراهيم العطية (الدكتور) في البحث الصوتي عند العرب سلسلة الموسوعة الصغير | دار الجاحظ | بغداد | 1983 م.
53 ـ ستيفن أولمان دور الكلمة في اللغة ترجمة: د. كمال محمد بشر | مكتبة الشباب | القاهرة | 1975 م.
54 ـ طارق عبد عون الجنابي (الدكتور) قضايا صوتية في النحو العربي «بحث» مجلة المجمع العلمي العراقي | المجلد 38 | الجزء 2ـ 3 | مطبعة المجمع العلمي | بغداد | 1987 م.
55 ـ عبد الأعلى الموسوي السبزواري (المرجع الديني المعاصر) مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام مطبعة الآداب | النجف الأشرف | 1976 م.
56 ـ عبد الأعلى الموسوي السبزواري: مواهب الرحمان في تفسير القرآن مطبعة الآداب | النجف الأشرف | 1984 م.
57 ـ عبد الجبار حمد شرارة (الدكتور) الحروف المقطعة في القرآن الكريم مطبعة الإرشاد | بغداد | 1986م.
58 ـ عبد الصبور شاهين (الدكتور) أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي مكتبة الخانجي | القاهرة | 1987 م.
59 ـ عبد الصبور شاهين: دراسة علم الأصوات لمالمبرج مكتبة الشباب | القاهرة | 1985 م.
60 ـ علي الحسيني السيستاني (المرجع الديني الأعلى المعاصر) منهاج
--------------------------------------------------------------------------------
(211)
الصالحين | مطبعة المؤرخ العربي ـ بيروت، 1993 م.
61 ـ علي عبد الواحد وافي (الدكتور) علم اللغة الطبعة الخامسة | القاهرة | 1962 م.
62 ـ فردينان دي سوسور (الدكتور) لغوي سويسري (1857ـ 1913) علم اللغة العام. ترجمة د. يوئيك | يوسف عزيز | آفاق عربية | بغداد | 1985 م.
63 ـ فندريس (العالم اللغوي المعروف)
اللغة ترجمة عبد الرحمن الدواخلي والقصاص | مطبعة الأنجلو المصرية | القاهرة | 1950 م.
64 ـ ماريو باي (باحث أوروبي معاصر) أسس علم اللغة ترجمة: أحمد مختار عمر | جامعة طرابلس الغرب | 1973 م.
65 ـ مالك بن نبي الظاهرة القرآنية ترجمة: د. عبد الصبور شاهين | دار الفكر | بيروت | 1968 م.
66 ـ محمد جمال الهاشمي من تفسير القرآن الكريم «بحث» مجلة الإيمان النجفية | السنة الأولى | عدد 5 ـ 6 مطبعة القضاء | النجف الأشرف | 1964م.
67 ـ محمد حسين علي الصغير (المؤلف) ترجمة القرآن الكريم | أبعادها الفنية ومشكلاتها البلاغية «بحث» المجلة العلمية لكلية الفقه | المجلد الثاني | مطبعة الآداب | النجف الأشرف | 1983 ـ 1984م.
68 ـ محمد حسين علي الصغير تطور البحث الدلالي | دراسة في النقد البلاغي واللغوي مطبعة العاني | بغداد | 1988 م.
69 ـ محمد حسين علي الصغير: الصورة الفنية في المثل القرآني | دراسة نقدية وبلاغية وزارة الاعلام | شركة المطابع النموذجية | عمّان | 1981 م.
70 ـ محمد حسين علي الصغير: المبادىء العامة لتفسير القرآن الكريم المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر | بيروت | 1983 م.
--------------------------------------------------------------------------------
(212)
71 ـ محمد حسين علي الصغير: المستشرقون والدراسات القرآنية المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر | بيروت | 1983م.
72 ـ محمد حسين علي الصغير: منهج البحث الصوتي عند العرب «بحث» مجلة الضاد | الهيئة العليا للعناية باللغة العربية العدد الثالث | دار الشؤون الثقافية | بغداد | 1989 م.
73 ـ محمد كاظم الطباطبائي اليزدي العروة الوثقى تعليق: أبو القاسم الموسوي الخوئي | مطبعة الأداب | النجف | 1981 م.
74 ـ مصطفى السقا وآخرون: مقدمة كتاب: سر صناعة الاعراب مطبعة البابي الحلبي | القاهرة | 1954 م.
75 ـ مهدي المخزومي (الدكتور) الدرس النحوي في بغداد دار الرائد العربي | بيروت | الطبعة الثانية | 1987 م.
76 ـ مهدي المخزومي: في النحو العربي | قواعد وتطبيق | الطبعة الأولى | القاهرة | 1966م.
77 ـ مهدي المخزومي: في النحو العربي | نقد وتوجيه الطبعة الأولى | بيروت | 1964 م.
...
جـ ـ المراجع الأجنبية:
1 - B . Cairdener,
Te Phonetics Of Arbic
محاضرات صوتية لكاردنر ترجمها المؤلف
2 - R.h.robins,
General Linguestics
London,1978
3 - D . Jones,
An Out Line Of English, Phonoetics, Cambridge, 1972.(/)
كتاب الصوت اللغوي في القرآن -2 -
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[20 - 10 - 2005, 05:34 ص]ـ
والقول أنها من المتشابهات التي استأثر الله تعالى بعلمها، ولا يعلم تأويلها إلا هو، هو المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في رواية أهل السنة (1).
وقد أنكر المتكلمون هذا القول، وردوا هذا الزعم، فقالوا: لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لا يفهمه الخلق لأن الله أمر بتدبره، والاستنباط منه، وذلك لا يمكن إلا مع الإحاطة بمعناه (2).
بينما أيدّه من المتأخرين كل من مالك بن نبي فقال:
«ولسنا نعتقد بإمكان تأويلها إلا إذا ذهبنا إلى أنها مجرد إشارات متفق عليها، أو رموز سريّة لموضوع محدد تام التحديد، أدركته سراً ذات واعية. . . (3).
والسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري فقال:
«والحق أنها بحسب المعنى من المتشابهات التي استأثر الله تعالى العلم بها لنفسه، فلا يلزم الصاد الفحص عن حقيقتها، وبذل الجهد في إدراكها وفهمها بل لا بد من إيكال الأمر إليه تعالى» (4).
الثاني: أن المراد منها معلوم، ولكنهم اختلفوا فيه بعدة آراء تتفاوت قيمة ودلالة وموضوعية، وقد تداعت كلمات الأعلام في هذه الآراء حتى نقل الخلف عن السلف، واستند اللاحق إلى السابق بنسبة إليه وبدون نسبة.
ونحاول فيما يلي أن نعطي كشفاً منظّماً بأبرز هذه الآراء، ونعقبها بما نأنس به، ونطمئن إلى مؤاده باعتباره جزءاً من كليّ فرائدها، دون القطع بأنه مراد الله منها، أو القول به (5).
____________
(1) ظ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 1|32.
(2) ظ: الزركشي: البرهان في علوم القرآن: 1|173.
(3) مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية: 312.
(4) السبزواري، مواهب الرحمان في تفسير القرآن: 1|62.
(5) ظ: للتوفيق بين هذه الآراء وتفاصيلها كلاً من: الطبري، جامع البيان: 1|50 + الطوسي، التبيان: 1|47 + الطبرسي، مجمع البيان: 1|33 + الزمخشري، الكشاف: 1|76 + الرازي، مفاتيح الغيب + ابن الزمالكاني، البرهان: 1|173 + الزركشي، البرهان + السيوطي، الاتقان: 3|21.
--------------------------------------------------------------------------------
(95)
1 ـ اختار ابن عباس: أن كل حرف منها مأخوذ من أسماء الله تعالى، ويقاربه ما روى عن السّدي والشعبي أنها: اسم الله الأعظم (1).
ولا تعليق لنا على هذا الزعم من ناحيتين:
الأولى: أن أسماء الله تتداخل بضمنها جميع الحروف في المعجم العربي وقد تستقطبها، فلا ميزة ـ والحالة هذه ـ لحرف على حرف.
الثانية: أننا نجهل اسم الله الأعظم لاختلاف الآثار والمرويات فيه، إن صحّ صدور تلك الآثار والمرويات.
2 ـ إن الله تعالى أقسم بهذه الحروف على وجهين:
وجه اختاره ابن عباس وعكرمة: إن هذا القسم بأسمائه لأنها أسماؤه.
ووجه: أن هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: هو الكتاب المنزل لا شك فيه، وذلك يدل على جلالة قدر هذه الحروف، إذا كانت مادة البيان. وقد أقسم الله: بـ (الفجر) و (الطور) وغيرهما، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها (2).
وهما احتمالان جائزان يشكل علينا الخوض فيهما.
3 ـ إن هذه الحروف أسماء لسور القرآن الكريم؛ وروي ذلك عن زيد بن أسلم والحسن البصري (3).
وذلك أن الأسماء وضعت للتمييز فـ (ألم) اسم هذه السورة، و (حم) اسم لتلك، و (كهيعص) اسم لغيرهما وهكذا. وقد وضعت هذه الحروف أسماء لتلك السور لتمييزها عن سواها.
وقد نص على ذلك سيبويه (ت: 180هـ) (4).
____________
(1) (2) ظ: الطوسي، التبيان: 1|47.
(3) المصدر نفسه: 1|47.
(4) ظ: سيبويه، الكتاب: 2|30.
--------------------------------------------------------------------------------
(96)
ونقله الزمخشري (ت: 538 هـ) عن الأكثرين (1) وقال فخر الدين الرازي (ت: 606 هـ) بأنه قول أكثر المتكلمين (2).
وهذا الوجه يؤيده مدرك السيرة الاستقرائية، ففي متعارف أقوال الناس تسمية هذه السور بهذه الأسماء بحدود معينة، وإذا أطلقت دلت على مسمياتها إجمالاً.
وقد اختار ذلك الشيخ الطوسي (ت: 460هـ) فقال: «وأحسن الوجوه التي قيلت قول من قال أنها أسماء للسور» (3).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأيدّه بهذا الاتجاه أبو على الطبرسي (ت: 548هـ) (4). وإذا كانت هذه الحروف أسماء لسورها، فلا كبير أمر من بحث وجوه تسميتها، فهي قضايا توقيفية، ان صح الفرض، ثم الا تلتبس هذه السور في مسمساتها بعضها ببعض لا سيما في المكرر منها، كما هي الحال في: (حم) و (آلر) و (ألم) وهكذا، والله العالم.
4 ـ إنها فواتح يفتتح بها القرآن، وقد روي ذلك عن مجاهد بن جبر المكي، ومقاتل بن سليمان البلخي (5).
وفائدة هذا الاستفتاح على وجهين:
الأول: أن يعلم ابتداء السورة وانقضاء ما قبلها.
الثاني: أنها تنبيهات، كما هي الحال في أدوات التنبيه والنداء.
وقد اختار الوجه الثاني شمس الدين الخوبي (ت: 638 هـ) فرأى بأن القول بانها تنبيهات جيد، لأن القرآن كلام عزيز، وفوائده عزيزة، فينبغي أن يرد على سمع متنبه. . . وإنما لم تستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كألا وأما لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم، والقرآن
____________
(1) ظ: الزمخشري، الكشاف: 1|83.
(2) ظ: الرازي، مفاتيح الغيب نقلاً عن الزركشي، البرهان: 1|174.
(3) ظ: الطوسي، التبيان في التفسير القرآن: 1|47.
(4) ظ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 1|33.
(5) ظ: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 1|47.
--------------------------------------------------------------------------------
(97)
كلام لا يشبه الكلام، فناسب أن يؤتى فيه بألفاظ تنبيه لم تعهد، لتكون أبلغ في قرع سمعه (1).
والتنبيه إنما يكون بأصوات تقبل عليها الناس، ويصغي لما بعدها السامعون، إذا المراد صوتية التنبيه ليس غير.
ويميل إلى هذا الرأي كثير من المعاصرين، ويقطع بعضهم بأن المراد من هذه الحروف ـ دون شك ـ هو الافتتاح بها، كما استفتحت العرب بألا الاستفتاحية وأضرابها (2).
ويجب الالتفات إلا أن ابن عطية قد عدّ القول بأنها تنبيهات مغايراً للقول بأنها فواتح، والظاهر عند السيوطي أنه بمعناه. (3).
ويعضد القول بأنها فواتح روايتان أوردهما السيد هاشم البحراني في تفسير، أسند أحدهما الى الإمام علي عليه السلام، والأخرى الى الإمام جعفر الصادق عليه السلام (4).
وأذا ثبتت هاتان الروايتان فالأخذ بمضمونهما هو أولى الوجوه في استكناه الفوائد المترتبة عليها، أو المعاني المترددة فيها.
5 ـ إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، فأنزل الله هذا النظم البديع ليعجبوا منه، ويكون تعجبهم سبباً لاستماعهم، واستماعهم سبباً لاستماع ما بعده، فترق القلوب وتلين الأفئدة (5).
وهذا القول كان مظنّة لإقبال المستمعين على القرآن كما تدل على ذلك وقائع الأحداث عند تلاوة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لهذه الفواتح على قريش، وقد ضعّفه ابن كثير القرشي (ت: 774 هـ) (6).
____________
(1) السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 3|27.
(2) عبد الجبار حمد شرارة، الحروف المقطعة في القرآن الكريم: 58 ـ 68.
(3) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 3|27.
(4) ظ: هاشم البحراني، البرهان في تفسيرالقرآن: 1|34.
(5) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|175.
(6) ظ: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 1|36.
--------------------------------------------------------------------------------
(98)
وقد انتصر له من المحدثين الأستاذ محمد جمال الهاشمي وترجمه بمنظور عصري، وأضاف إليه البعد الرمزي فقال:
«إن القرآن في أسلوبه البياني الفذ أراد أن يجذب الأنظار والأفكار، فافتتح بعض سوره المباركة بهذه الحروف المقطعة فهي أشبه ما تكون بإشارات المحطات العالمية في الراديو حيث تتخذ كل دولة رمزاً خاصاً لها يدل على محطة إذاعتها، ويميز بينها وبين غيرها من المحطات، وهكذا القرآن كان يتخذ من هذه الحروف رمزاً مخصوصاً لوحيه يستلفت به الأذهان لتستمع إلى آياته المنزلة بوعي وانتباه، ولا زالت هذه الهزّة الوجدانية تعتري النابهين من المؤمنين كلما طرقت أسماعهم هذه الحروف الساحرة في تقاطيعها المطربة، وإنما كان يستعمل هذه الإشارة الحروفية في الحالات الخاصة التي تستدعي الاهتمام، كما أنه ربما يباري الإنسانية بموضوعه من دون تقدمة وتمهيد حتى بما التزم به من الاستهلال
(يُتْبَعُ)
(/)
كجملة: بسم الله الرحمن الرحيم، لأن الموضوع نفسه يستدعي المبادأة والمفاجأة كسورة (براءة)، فالقرآن إنما يجري في مفاتيح سوره مع الظروف المحيطة بتلك السور المباركة، وإن للحروف المقطعة من التأثير ما لا يخفى على السامع والواعي» (1).
6 ـ إن هذه الحروف تدعو العرب وتناديهم إشارة إلى إعجاز القرآن، فهذا القرآن الذي يتلوه عليكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن جنس كلامكم وسنخ حروفكم، ومما يتكون منه معجمكم. . . (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين) (2) قال أبو مسلم، محمد بن بحر (ت: 370هـ):
إن المراد بذلك بأن هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته، ولم تقدروا على الإتيان بمثله، هو من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في كلامكم وخطابكم، فحيث لم تقدروا عليه، فاعلموا أنه من فضل الله» (3).
____________
(1) محمد جمال الهاشمي، من تفسير القرآن الكريم «بحث».
(2) البقرة: 23.
(3) ظ: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 1|48.
--------------------------------------------------------------------------------
(99)
ومما يؤيده ما حكي عن الأخفش (ت: 215 هـ):
«إن الحروف مباني كتب الله المنزلة بالألسنة المختلفة، وأصول كلام الأمم» (1).
فهي أصل الكلام العربي في هذا الكتاب العربي المبين الذي أعجز الأولين والآخرين من العرب وغير العرب، على أنه مركب من جنس حروف العرب، وهذا أدلّ على الإعجاز باعتباره مشاكلاً لكلامهم، وعلى سنن تراكيبهم، فعلم بالضرورة أنه كلام الله تعالى، ولا يعني الاعتداد بهذا الملحظ من القول في جملة الفوائد المترتبة عليه، أن ندع مضامين الأقوال السابقة، وقيمتها الفنية، فهي جزء لا يتجزأ من غرر الإفادات القيمة في الموضوع، على أن القول بالمتشابه هو اسلم الوجوه فيما يخيل إليّ، ولكن هذا لا يعني عدم الكشف عن الأسرار الهامشية، والنكت الجانبية التي لا تتعلق بالمتشابه من القول، بل ترجع إليه بالعائدية، فيبقى المتشابه متشابها، والمحكم من القرآن محكما، ولا يمنع هذا وذاك من بيان حكم المتشابه، وفضل مزاياه، فيبدو في ظلاله ألق نستنير به، أو شعاع نهتدي بأضوائه، فنلمس البعد الصوتي متوافراً في هذه الحروف، والرصد الإعجازي قائماُ في هيكلها العام وإن بقي السر ماثلاً، والمعنى الحقيقي محجبوباً، والمراد منها في علم الغيب، ولكن الحكمة قد تلتمس، والثمرة قد تقتطف، وقد أورد ابن كثير (ت: 774 هـ) حاكياً: «إنما ذكرت هذه الحروف في أوئل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجازالقرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين، وحكى القرطبي عن الفرّاء وقطرب نحو هذا، وقرّره الزمخشري في كشافه ونصره أتم نصر، وإليه ذهب ابن تيمية وأبو العجاج المزي» (2).
والذي يظهر مما تقدم أن القول بأن هذه الحروف ـ في بعض حكمها ـ إشارات إعجازية ليس من ابتكارنا، ولا هو أمر نحن ابتدعناه، وإنما سبق
____________
(1) ظ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن: 1|33.
(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 1|36.
--------------------------------------------------------------------------------
(100)
إليه جمع من الأعلام كما رأيت حتى لقد أورده ابن الزملكاني (ت: 651 هـ) واعتبر هذه الحروف كالمهيجة لمن يسمعها من الفصحاء، والموقظة للهمم الراقدة من البلغاء (1).
ويعضد هذا الرأي أمران:
الأول: أن هذه الحروف الهجائية في فواتح السور القرآنية طالما ورد بعدها ذكر القرآن أو الكتاب معظماً مفخماً، يتلوه الدليل على إعجازه، والحديث عن الانتصار له، والإشارة إلى تحديه العالم والأمم والشعوب والقبائل، مما يؤيد حكمة هذه الأصوات لبيان إعجازه وكماله، وحسن نظمه وتأليفه، وسر بقائه وخلوده، كونه نازلاً من الله، مستقراً في هذا المصحف الشريف، دون تصحيف أو تحريف، أو زيادة أو نقصان، ريادة في دوامه، وتعهداً بحفظه وسلامته، بما أكده الله تعالى: (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) (2).
(يُتْبَعُ)
(/)
الثاني: أن المتتبع لأسباب النزول، والأحداث التي رافقت قرع الأسماع بهذه الأصوات، يجد الإيذان بها قد تقاطر سيله بأشد الظروف قسوة على الرسالة الإسلامية، فكان التحدي قائماً على أشدّه بمثل هذه الأصوات المدوّية في الآفاق.
فما كان منها في السور المكية، وهي الحقبة التي واجهت بها الرسالة عنفاً وغطرسة وتكذيباً، فقد جاءت فيه هذه الحروف رداً مفحماً في التحدي الصارخ، والدليل الناصع على صدق المعجزة.
وما كان منها في السور المدينة، فقد جاء تحدياً لأهل الكتاب فيما نصبوه من عداء للدين الجديد، وإنذاراً للمنافقين فيما كادوا به محمداً والذين معه.
إلا أن الملحظ الصوتي الذي نقف عنده للدلالة على التنبيه على صوتية هذه الحروف، مع كونها إشارات إعجازية في بعض حكمها، الملحظ هذا: أنها تنطق كنطق كنطقك الأصوات، ولا تلفظ كلفظك الحروف، فتقول في قوله تعالى: (ص) «صاد» صوتاً نطقياً، لا حرفاً مرسوماً «ص»
____________
(1) ابن الزملكاني، البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن: 57.
(2) الحجر: 9.
--------------------------------------------------------------------------------
(101)
أو «أص» وكذلك في قوله تعالى: (ق) فإنك تقول «قاف» لا «ق» ولا «إق» وهكذا في الحروف الثنائية كقوله تعالى: (طس) وفي الحروف الثلاثية كقول تعالى: (ألم) وكذلك في الحروف الرباعية كقوله تعالى: (ألمر) وكذلك في الحروف الخماسية كقوله تعالى: (كهيعص) فكلها تنطق بأسماء تلك الحروف أصواتاً، لا بأشكالها الهجائية رسوماً، مما يقرب منها البعد الصوتي المتوخى، بينما كتبت في المصاحف على صورة الحروف لا صورة الأصوات.
وقد علل الزركشي (ت: 794 هـ) المؤشر الأخير بالوقوف عند خط المصحف بأشياء خارجة عن القياسات التي يبنى عليها علم الخط والهجاء «ثم ما عاد ذلك بنكير ولا نقصان لا ستقامة اللفظ، وبقاء الحفظ» (1).
وأشار الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) إلى جزء من صوتية هذه الحروف بملحظ الوقف عندها فقال: «وأجمع النحويون على أن هذه الحروف مبنية على الوقف لا تعرب، كما بني العدد على الوقف، ولأجل ذلك جاز أن يجمع بين ساكنين، كما جاز ذلك في العدد» (2).
هذه لمحات صوتية في خضم دلالات الحروف المقطعة في فواتح السور القرآنية، وقفنا عند الصوت اللغوي فيها، وأشرنا إلى البعد الإعجازي من خلالها، وليس ذلك كل شيء في أبعادها، فقد تبقى من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، وخير الناس من قال فيها بكل تواضع: الله أعلم، كما قال ذلك مالك بن بني في حديثه عنها.
«لقد حاول معظم المفسرين أن يصلوا إلى موضوع الآيات المغلقة إلى تفاسير مختلفة مبهمة، أقل أو أكثر استلهاماً للقيمة السحرية التي تخص بها الشعوب البدائية: الكواكب، والأرقام والحروف، ولكن أكثر المفسرين تعقلاً واعتدالاً، هم أولئك الذين يقولون في حال كهذه بكل تواضع: الله أعلم» (3).
____________
(1) الزركشي، البرهان: 1|172.
(2) الطوسي، التبيان: 1|50.
(3) مالك بن بني، الظاهرة القرآنية: 333.
--------------------------------------------------------------------------------
(102)
وفوق هذا وذاك قول أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام فيما ينسب إليه:
«إن لكل كتاب صفوة، وصفوة هذا الكتاب حروف التهجي» (1) وتبقى التأويلات سابحة في تيارات هذه الحروف المتلاطمة، والتفسير الحق لها عند الله تعالى، ولا يمنع ذلك من كشف سيل الحكم والإشارات والتوجيهات، والملامح اللغوية بعامة، أو الصوتية المتخصصة، أو الإعجازية بخاصة في هذه الحروف، فهو ليس تفسيراً لها بملحظ أن التفسير هو الكشف عن مراد الله تعالى من قرآنه المجيد، بقدر ما هو إشعاع من لمحاتها، وقبس من أضوائها، يسري على هداه السالكون.
(وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً) و (فوق كل ذي علم عليم)
صدق الله العظيم
____________
(1) ظ: الطبرسي، مجمع البيان: 1|32.
--------------------------------------------------------------------------------
(103)
الفصل الرابع
الصوت اللغوي في الأداء القرآني
1ـ أصول الأداء القرآني
2 ـ مهمة الوقف في الأداء القرآني
3 ـ نصاعة الصوت في الأداء القرآني
(يُتْبَعُ)
(/)
4 ـ الصوت الأقوى في الأداء القرآني
5 ـ توظيف الأداء القرآني في الأحكام
--------------------------------------------------------------------------------
(104)
--------------------------------------------------------------------------------
(105)
أصول الأداء القرآني:
لعل أقدم إشارة تدعو إلى التأمل في أصول الأداء القرآني، ما روي عن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى: (ورتّل القرآن ترتيلا) (1).
انه قال: «الترتيل تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف» (2).
وفي رواية ابن الجزري أنه قال: «الترتيل معرفة الوقوف، وتجويد الحروف» (3) ونقف عند هاتين الظاهرتين: معرفة الوقوف، وتجويد الحروف.
الأول: الوقف، قال عبدالله بن محمد النكزاوي (ت: 683 هـ): «باب الوقف عظيم القدر جليل الخطر، لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معاني القرآن، ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل» (4) وهو بيان موضع الوقف عند الاستراحة لغرض الفصل، إذ لا يجوز الفصل بين كلمتين حالة الوصل، فتقف عند اللفظ الذي لا يتعلق ما بعده به، ويحدث غالباً عند آخر حرف من الفاصلة، كما يحدث في سواه. وقد عرفه السيوطي (ت: 911 هـ) تعريفاً صوتياً فقال: «الوقف: عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمناً يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة لا بنية
____________
(1) المزمل: 4.
(2) السيوطي، 1|230.
(3) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر.
(4) السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|230.
--------------------------------------------------------------------------------
(106)
الإعراض، ويكون في رؤس الآي وأوساطها، ولا يأتي في وسط الكلمة، ولا فيما اتصل رسماً» (1). ولا يصح الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا المنعوت دون نعته، ولا الرافع دون مرفوعه وعكسه، ولا الناصب دون منصوبه وعكسه، ولا إن أو كان أو ظن وأخواتها دون اسمها، ولا اسمها دون خبرها، ولا المستثنى منه دون الاستثناء، ولا الموصول دون صلته، اسمياً أو حرفياً، ولا الفعل دون مصدره، ولا حرف دون متعلقه، ولا شرط دون جزائه، كما يرى ذلك ابن الأنباري (2).
وهذا التوقف عن الوقف قد لا يراد ببعضه التحريم الشرعي، وإنما المراد هو عدم الجواز في الأداء القرآني، مما تكون به التلاوة قائمة على أوصولها، والملحظ الصوتي متكاملاً في التأدية التامة لأصوات الحروف.
والمقياس الفني لذلك: أن الكلام إذا كان متعلقاً بما بعده فلا يوقف عليه، وإن لم يكن كذلك فالمختار الوقوف عليه.
ولنأخذ كلمة «نعم» في موضعين من القرآن في حالتي الوقوف وعدمه:
أ ـ قال تعالى: (ونادى اصحاب الجنة اصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) (3).
فالاختيار الفني الوقوف الطبيعي عند نعم، لأن ما بعدها غير متعلق بها، إذ ليس «فأذن مؤذن» في الآية من قول أهل النار.
ب ـ وقال تعالى: (أو ءاباؤنا الأولون * قل نعم وأنتم داخرون) (4).
فالاختيار الأدائي عدم الوقف عند «نعم» بل وصلها بما بعدها، لتعلقه بما قبلها، وذلك لأنه من تمام القول وغير منفصل عنه.
____________
(1) السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|244.
(2) المصدر نفسه 1|232.
(3) الأعراف: 44.
(4) الصافات: 17 ـ 18.
--------------------------------------------------------------------------------
(107)
لذلك فقد عبر الزركشي عن الوقف بأنه «فن جليل، وبه يعرف كيف آداء القرآن، وبه تتبين معاني الآيات، ويؤمن الاحتراز عن الوقوع في المشكلات» (1).
وقد نقل السيوطي: أن للوقف في كلام العرب أوجهاً متعددة، والمستعمل منها عند أئمة القراء تسعة: السكون، والروم، والأشمام، والإبدال، والنقل، والأدغام، والحذف، والإثبات، والإلحاق (2).
وهذه المفردات كلها مصطلحات فنية تتعلق بالصوت، وتنظر إلى التحكم فيه، أو تعتمد على إظهار الصوت بقدر معين.
فالسكون: عبارة عن ترك الحركة على الكلم المحركة وصلاً.
والروم: النطق ببعض الحركة أو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب أكثرها.
والإشمام: عبارة عن الإشارة إلى الحركة من غير تصويت.
(يُتْبَعُ)
(/)
والإبدال: فيما آخره همزة متطرفة بعد حركة أو ألف، فإنه يوقف بإبدالها حرف مد من جنس ما قبلها.
والنقل: فيما آخره همزة بعد ساكن، فتنقل حركتها إليه، فتتحرك بهاء ثم تحذف الهمزة.
والإدغام: فيما آخره همزة بعد ياء أو واو زائدين، فإنه يوقف عليه بالإدغام بعد إبدال الهمز من جنس ما قبله.
والحذف: إنما يكون في الياءات الزوائد عند من يثبتها وصلاً.
والإثبات: في الياءات المحذوفات وصلاً عند من يثبتها وقفاً.
والإلحاق: ما يلحق آخر الكلم من هاءات السكت عند من يلحقها.
في: عم، وفيم، وبم، ومم. والنون المشددة مع جمع الإناث،
____________
(1) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|342.
(2) ظ: السيوطي، الاتقان: 1|248.
--------------------------------------------------------------------------------
(108)
نحو: هن، ومثلهن. والنون المفتوحة، نحو العالمين، والدين، والمفلحون، والمشدد المبني، نحو: «ألا تعلو عليّ»، و «خلقت بيدي»، و «مصرخي» و «يديّ» (1).
وستجد في غضون البحث نماذج قرآنية كافية لهذه المؤشرات الصوتية تطبيقياً، وذلك في مواضعها من البحث، وكل بحيث يراد.
ولما كان الوقف هو الأصل في هذا المبحث، فإن موارده في الأداء القرآني متسعة الأطراف، ومتعددة الجوانب، ولما كانت الفاصلة القرآنية تشكل مظهر الوقف العام والمنتشر في القرآن، فقد سلطنا الضوء الكاشف على جزئياتها في أصول الأداء القرآني بمختلف صورها، واعتبرنا ذلك المورد الأساس للآداء بالنسبة للفاصلة فحسب، على أننا قد خصصنا الفواصل بفصل منفرد بالنسبة للصوت اللغوي، ولمّا كان مبنى الفواصل على الوقف، وتلك ظاهرة صوتية في الآداء، فإننا قد أضفنا أليها ظاهرة أخرى في رد الأصوات إلى مخارجها، وتنظيم النطق بحسبها في إحداث الأصوات، وهي ظاهرة ترتيب التلاوة صوتياً، وبذلك اجتمع موردان هما الأصل في علم الآداء القرآني الوقف والتجويد منفرين بالمبحثين الآتيين:
مهمة الوقف في الأداء القرآني:
يأتي الوقف دون الوصل في وسط الآية، وضمن فقراتها، وعند فواصلها، ولما كان مبنى الفواصل القرآنية على الوقف في مختلف صورها مرفوعة ومجرورة ومنصوبة اسماً كانت أم فعلاً، مفرداً أم مثنى أم جمعاً، مذكراً ومؤنثاً، فإن الوقف في مجالها متميز الأبعاد، ومتوافر العطاء، فقد عرضنا إليه في هذا الحقل للدلالة عليه فيما سواه مضافا الى ما تقدم في المبحث السابق، ففيه الغنية إلى موارده.
شاع في فواصل الآيات القرآنية مقابلة المرفوع بالمجرور وبالعكس، وكذا المفتوح والمنصوب غير المنون، وقارن فيما يأتي: من الآيات، وهي تقف عند السكون صوتاً في غير الدرج، ةإن كانت فواصلها متعاقبة على
____________
(1) السيوطي، الاتقان: 1|249 ـ 250 وقارن في كتب التجويد.
--------------------------------------------------------------------------------
(109)
الرفع والجر أو الج والرفع من حيث الموقف الأعرابي، والرسم الكتابي:
اولاً: مقابلة المجرور والمرفوع طرداً وانعكاساً والمجرور بالمفتوح:
أ ـ قال تعالى: (لا يَسَّمَّعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب * فاستفتهم اهم اشد خلقا أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب) (1).
فالكلمة «جانب» وهي مجرورة في الفاصلة الأولى تتبعها «واصب» في الفاصلة الثانية، وهي مرفوعة. والكلمة «ثاقب» مرفوعها تتبعها في الفاصلة التي تليها «لازب» وهي مجرورة، وقد جاءت الفواصل جميعها على نبرة صوتية واحد نتيجة الوقف عندها.
ب ـ قال تعالى: (ففتحنا أبواب السّماء بماء مّنهمر * وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر * وحملناه على ذات ألواح ودسر * تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر) (2).
فالكلمة «منهمر» وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «قدر» وهي مفتوحة. والكلمة «دسر» وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «كفر» وهي مفتوحة، وقد تمت تسويتها الصوتية على وتيرة نغمية واحدة ضمن نظام الوقف في الفواصل فنطقت ساكنة.
ج ـ وفي سورة الرعد، ورد اقتران المنون المجرور بالمنصوب، يليه المجرورغير المنون، في قوله تعالى:
(يُتْبَعُ)
(/)
(وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مردّ له وما لهم من دونه من وال هو الذّى يريكم البرق خوفا وطمعا وينشىء السّحاب الثّقال * ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصّواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال) (3).
____________
(1) الصافات: 8 ـ 11.
(2) القمر: 11 ـ 14.
(3) الرعد: 11 ـ 13.
--------------------------------------------------------------------------------
(110)
فالكلمة «وال» منونة وهي مجرورة تبعتها في الفاصلة التي تليها «الثقال» وهي مفتوحة منصوبة، تليها «المحال» وهي مجرورة غير منونة.
وبدت الآيات في تراصفها الصوتي مختتمة باللام الساكنة، دون تنوين أو فتح أو كسر بفصيلة الوقف.
ثانياً: ولا تتحكم هذه القاعدة في الفواصل التي تلتزم حرفاً واحداً في أواخرها، كما في الأمثلة السابقة بل تتعداها إلى أجزاء أخرى من الفواصل، المختلفة الخواتيم، وقارن بين الآيات التالية الذكر:
أ ـ ورد اقتران المجرور بالمرفوع المنوّن، واقتران المرفوع المنون بالمنصوب في قوله تعالى:
(وجعلوا لله أندادا لّيضلّوا عن سبيله قل تمتّعوا فإنّ مصيركم إلى النّار * قل لّعبادى الّذين ءامنوا يقيموا الصلاة وينفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية مّن قبل أن يأتي يوم لاّ بيع فيه ولا خلال * الله الذى خلق السّماوات والأرض وأنزل من السّماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقا لّكم وسخّر لكم الفلك لتجرى في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار) (1).
فالألفاظ: «النار» وهي مجرورة دون تنوين، و «خلال» وهي مرفوعة منونة، و «الأنهار» وهي منصوبة مفتوحة، وقد تلاقت الكسرة والضمة والفتحة في سياق قرآني واحد، دون تقاطع النبر الصوتي، أو اختلاف النظام الترتيلي.
ب ـ وقد جاء التنوين في حالة الجر إلى جنب الرفع غير المنون في فاصلتي قوله تعالى:
(إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير * يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) (2). فالكلمتان «خبير» وهي مجرورة منونة مختتمة بالراء، اتبعتها في الفاصلة التي تليها «الحميد» وهي مرفوعة دون
____________
(1) إبراهيم: 30 ـ 32.
(2) فاطر: 14 ـ 15.
--------------------------------------------------------------------------------
(111)
تنوين مختتمة بالدال، انسجما صوتياً مع اختلاف الفاصلة والهيأة نتيجة لهذا الوقف الذي قرب من الصوتين.
ثالثاً: ولا يقف فضل الوقف على ما تقدم بل يظهر بمظهر جديد آخر في تقاطر العبارات وتناسقها، وهي مختلفة في المواقع الإعرابية، وكأنها في حالة إعرابية واحدة وإن لم تكن كذلك، نتيجة للصوت الواحد في الوقوف على السكون في آخر الفاصلة.
أ ـ في سورة المدثر، يقترن المرفوع المنون، بالمجرور المنون، يليه المنصوب المنون، ولا تحس لذلك فرقاً في سياق واحد في قوله تعالى:
(كأنهم حمر مستنفرة * فرّت من قسورة * بل يريد كل امرىء منهم أن يؤتى صحفا منشّرة) (1). فالكلمات: «مستنفرة» مرفوعة منونة، تلتها «قسورة» مجرورة منونة، تلتها «منشرة» منصوبة منونة، ولم تنطق صوتياً عند الوقف بكل هذه التفصيلات، بل وقفنا على الهاء.
ب ـ وفي سورة القيامة يقترن الاسم المنصوب في الفاصلة بالظرف مع الاسم المجرور بسياق واحد متناسق يكاد لا يختلف في نبر، ولا يختلط في تنغيم، قال تعالى: (بلا قادرين علا أن نسوي بنانه * بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسئل أيان يوم القيامة) (2).
فالألفاظ: «بنانه» مفعول به منصوب مضاف إلى الهاء، و «أمامه» ظرف مضاف إلى الضمير، و «القيامة» مجرورة مضاف إليه. وجاءت الأصوات متقاطرة بالهاء عند الوقف.
أما الوقف في وسط الآية، وفي نهاية الجملة، وعند بعض الفقرات من الآيات، فإنه يخضع لقواعد إعرابية حيناً، وتركيبة حيناً آخر، وقد أشرنا إليها فيما سبق، ولا يترتب عليها كبير أمر في الأصوات، لهذا كانت الإشارة مغنية، وكان التفصيل في الوقف عند الفواصل لارتباطه بالصوت اللغوي.
____________
(1) المدثر: 50 ـ 52.
(2) القيامة: 4 ـ 6.
نصاعة الصوت في الأداء القرآني:
(يُتْبَعُ)
(/)
ونريد بالنصاعة إخراج الصوت واضحاً لا يلتبس به غيره من أصوات العربية، وإعطاء الحرف حقه من النطق المحقق غير مشتبه بسواه، وهذا جوهر الأداء، وقد سماه القدامى بعلم التجويد، ولعل تسمية علم الآداء القرآني بـ «التجويد» ناظرة إلى قول الإمام علي عليه السلام المتقدم: «الترتيل معرفة الوقوف، وتجويد الحروف» (1) فأخذ عنه هذا المصطلح بإعطاء الحروف حقوقها وترتيبها، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله، وتلطيف النطق به على كمال هيئته، من غير إسراف ولا تعسف، ولا إفراط ولا تكلف» (2).
وهذه القاعدة تبنى على مخارج الحروف صوتياً، وقد تقدم أنها سبعة عشر مخرجاً عند الخليل، وستة عشر مخرجاً عند تابعيه، بإسقاط مخرج الحروف الجوفية.
ومخرج الحرف للتصويت به دون لبس، أفاده ابن الجزري (ت: 833 هـ) في تعريفه له من الخليل عملياً، يقول: «واختيار مخرج الحرف محققاً أن تلفظ بهمزة الوصل وتأتي بالحرف بعده ساكناً أو مشدداً، وهو أبين، ملاحظاً فيه صفات ذلك الحرف» (3).
فتقول في الباء والتاء والثاء «ابّ، اتّ، اثّ» وهكذا بقية الحروف، فتتحكم الذائقة الصوتية في نطق الحروف على أساس منها كبير، والدليل على ذلك تقسيم الحروف على أساس مخارجها عند علماء الأداء القرآني تبعاً لعلماء اللغة، فكل حيّز ينطلق منه الصوت يشكل مخرجاً في أجهزة النطق، وذلك عند اندفاع الأصوات إلى الخارج من مخارج الحلق ومدارجه.
وقد أورد السيوطي (911 هـ)، ملخصاً في مخارج الأصوات استند فيه إلى ابن الجزري (ت: 833 هـ) وكان ابن الجزري ذكياً في جدولته للأصوات من مخارجها، إذ ـ فاد من كل ما سبقه، ونظمه جامعاً تلك
____________
(1) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر.
(2) السيوطي، الاتقان في علوم القرآني: 1|281.
(3) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر: 1|198.
--------------------------------------------------------------------------------
(113)
الإفادات، وهي ليست له إلا في إضافات من هنا وهناك، استند إلى ترتيب الخليل (ت: 175 هـ) وبرمجة سيبويه (ت: 180هـ) وذائقة ابن جني (ت: 392 هـ).
ولا ضير في ذكر مخارجه مع الجزئيات المضافة لا على الأصل فهو واحد، بل في تحسين العرض، وضبط حيثيات المخارج على النحو الآتي:
الأول: الجوف، للألف والواو والياء الساكنين بعد حركة تجانسهما.
الثاني: أقصى الحلق، للهمزة والياء.
الثالث: وسطه، للعين والحاء المهملتين.
الرابع: أدنى الحلق للفم، للغين والخاء.
الخامس: أقصى اللسان مما يلي الحلق وما فوقه من الحنك للقاف.
السادس: أقصاه من أسفل مخرج القاف قليلاً، وما يليه من الحنك.
السابع: وسطه، بينه وبين وسط الحنك، للجيم والشين والياء.
الثامن: للضاد المعجمة، من أول حافة اللسان، وما يليه من الأضرس من الجانب الأيسر، وقيل: الأيمن.
التاسع: اللام من حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرفه، وما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى.
العاشر: للنون من طرفه، أسفل اللام قليلاً.
الحادي عشر: للراء من مخرج النون، لكنها أدخل في ظهر اللسان.
الثاني عشر: للطاء والدال والتاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مصعداً إلى جهة الحنك.
الثالث عشر: لحروف الصفير: الصاد والسين والزاي، من بين طرف اللسان، وفويق الثنايا السفلى.
الرابع عشر: للضاء والثاء والذال، من بين طرفه وأطراف الثنايا العليا.
--------------------------------------------------------------------------------
(114)
الخامس عشر: للفاء، من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا.
السادس عشر: للباء والميم والواو غير المديّة بين الشفتين.
السابع عشر: الخيشوم للغنة في الادغام والنون أو والميم الساكنة (1).
لقد اتسم تشخيص هذه المخارج بالدقة، وتعيين المواضع بما يقرّه علم التشريح حديثاً، من حيث الضبط لجزئيات المدارج، فهي تتلاءم تماماً مع معطيات هذا العلم بعد مروره بتجارب الأجهزة المختبرية، ونتائج جراحة مخارج الأصوات ضمن معادلات دقيقة لا تخطئ.
ولا يكتفي ابن الجزري في هذا العرض حتى يضيف اليه مفصلا صوتيا في خصائص الحروف، وملامح الأصوات، وسمات الاشتراك والانفراد في المخارج والصفات.
(يُتْبَعُ)
(/)
يقول ابن الجزري (ت: 833 هـ) فالهمزة والهاء اشتركا مخرجاً وانفتاحاً واستفالاً، وانفردت الهمزة بالجهر والشدة، والعين والحاء اشتركا كذلك، وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة الخالصة، والغين والخاء اشتركا مخرجاً ورخاة واستعلاءً وانفتاحاً، وانفردت الغين بالجهر، والجيم والشين والياء اشتركت مخرجا وانفتاحا واستفالا، وانفردت الجيم بالشدة، واشتركت مع الياء في الجهر، وانفردت الشين بالهمس والتفشي، واشتركت مع الياء في الرخاوة، والضاد والظاء اشتركا صفة وجهراً ورخاوة واستعلاءً، وإطباقاً، وافترقا مخرجاً، وانفردت الضاد بالاستطالة، والطاء والدال والتاء اشتركت مخرجاً وشدة، وانفردت الطاء بالأطباق والاستعلاء، واشتركت مع الدال في الجهر، وانفردت التاء بالهمس، واشتركت مع الدال في الانفتاح والاستفال، والظاء والذال والثاء اشتركت مخرجاً ورخاوة، وانفردت الظاء بالاستعلاء والأطباق، واشتركت مع الذال في الجهر، وانفردت الثاء بالهمس، واشتركت مع الذال انفتاحاً واستفالاً، والصاد والزاي والسين اشتركت مخرجاً ورخاوة وصفيراً، وانفردت الصاد
____________
(1) انظر السيوطي، الاتقان: 1|283 وانظر مصدره.
--------------------------------------------------------------------------------
(115)
بالأطباق والاستعلاء، واشتركت مع السين في الهمس، وانفردت الزاي بالجهر، واشتركت مع السين في الانفتاح والاستغال. فإذا أحكم القارىء النطق بكل حرف على حدته موفّى حقه، فليعمل نفسه بأحكامه حالة التركيب لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد، بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب، وقوي وضعيف، ومفخّم ومرقق، فيجذب القوي الضعيف، ويغلب المفخم المرقق، ويصعب على اللسان النطق بذلك على حقه، إلا بالرياضة الشديدة؛ فمن أحكم صحة التلفظ حالة التركيب، حصل حقيقة التجويد «(1).
حقاً لقد أعطى ابن الجزري مواطن تنفيذ الأداء القرآني على الوجه الأكمل بما حدده من خصائص كل حرف في المعجم، وما لخصه من دراسة صوتية لمواضع الأصوات ومدارجها في الانفتاح والاستفال، والجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والتفشي والاستطالة يساعد على تفهم الحياة الصوتية في عصره، ولا يكتفي بهذا حتى يربطها بعلم الأداء في حالة تركيب الحروف، وتجانس الأصوات قوة وضعفاً.
بقي القول أن علم الأداء القرآني يرتبط بالأصوات في عدة ملاحظ كالوقف وقد تقدم، والإدغام وسيأتي، ونشير هنا إلى ملحظين هما الترقيق والتفخيم، فالترقيق مرتبط بحروف الاستفال (الحروف المستفلة) لأنها مرققة جميعاً. والتفخيم مرتبط بحروف الاستعلاء (الحروف المستعلية) لأنها مفخمة جميعاً، وقد سبقت الإشارة في موضعها إلى الامالة والاشمام.
و ما قدمناه ـ عادة ـ قد يصلح مادة أساسية للاستدلال على صلاحية الرأي القائل بأن علم الأداء القرآني في قسيميه الأساسيين: عبارة عن جزء مهم من كلي الصوت اللغوي في القرآن، لارتباطه بعلم الأصوات ارتباطاً متماسكياً لا يمكن التخلي عنه، فهو ناظر إلى مخارج الحروف وتجويدها، والمخارج بأصنافها تشكل مخططاً تفصيلياً لأجهزة الصوت، وكل حرف ينطلق من حيزه صوتاً له مكانه وزمانه، ساحته ومسافته.
____________
(1) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر: 1|214.
--------------------------------------------------------------------------------
(116)
الصوت الأقوى في الأداء القرآني:
في الأداء القرآني يحدث أن يحتل صوت مكان صوت، أو يدغم صوت في صوت، فيشكلان صوتاً واحداً، ويكون الصوت المنطوق هو الأقوى في الإبانة والإظهار، وهو الواضح في التعبير، حينئذ يكون المنطوق حرفاً، والمكتوب حرفين، والمعول عليه ما يتلفظ به أداءّ، وينطق بجوهره صوتاً، ذلك ما يتحقق بعده الصوتي في ظاهرة الادغام.
إن رصد هذه الظاهرة أصواتياً في التنظير القرآني مهمة جداً لمقاربتها من ظاهرة «المماثلة» عند الأصواتيين.
الادغام عند النحاة: أن تصل حرفاً ساكناً بحرف مثله متحرك من غير أن تفصل بينهما بحركة أو وقف فيصير اتصالهما كحرف واحد (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
وعند علماء القراءات: هو اللفظ بحرفين حرفاً كالثاني مشدداً؛ وينقسم إلى كبير وصغير، فالكبير ما كان أول الحرفين متحركاً، سواء كانا مثلين أم جنسين، أم متقاربين، وسمي كبيراً لكثرة وقوعه، ووجهه: طلب التحقيق.
والادغام الصغير: ما كان الحرف الأول فيه ساكناً، وهو واجب وممتنع وجائز، والذي جرت عادة القراء بذكره هو الجائز (2).
والادغام عند الأصواتيين العرب عرفّه ابن جني (ت: 392 هـ) بأنه: «تقريب صوت من صوت» (3).
وهو عنده: إما تقريب متحرك من متحرك، فهو الادغام الأصغر، وهو تقريب الحرف من الحرف، وإدناؤه منه من غير ادغام يكون هناك. وإما تقريب ساكن من متحرك فهو الادغام الأكبر لأن الصوت الأول شديد الممازجة للثاني، لأنك إنما أسكنت المتحرك لتخلطه بالثاني وتمازجه به (4).
____________
(1) ظ: ابن يعيش، المفصل: 10|121.
(2) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|263 و 267.
(3) ظ: ابن جني، الخصائص: 2|139.
(4) ظ: المصدر نفسه: 2|140.
--------------------------------------------------------------------------------
(117)
ونقف عند قول ابن جني وقفة قصيرة لتحديد الصوت الأقوى. فتقريب الحرف من الحرف يحصل من غير إدغام فلا حديث لنا معه، وإنما يعنينا الحديث عن الادغام وهو ما يتحقق بالأكبر دون الأصغر، ويحدث بتقريب الساكن من المتحرك. لهذا فسيكون حديثنا متأطراً بالادغام الأكبر دون سواه فيما بعد.
والتقريب الذي تحدث عنه ابن جني هو عين المماثلة عند الأصواتيين المحدثين، لأن المماثلة عبارة عن عملية استبدال صوت بآخر تحت تأثير صوت ثالت قريب منه في الكلمة أو في الجملة كما يعرفها جونز (1).
والمماثلة نوعان: رجعية وتقدمية، وذلك بحسب كونها من الأمام إلى الخلف، أو من الخلف إلى الأمام.
والنوع الأول هو الأكثر شيوعاً من الآخر مع أن كلاً منهما يمكن أن يحدث في لغة واحدة (2).
والمماثلة الرجعية تنجم من تأثر الصوت الأول بالثاني في صيغة افتعل في نحو (إذتكر) حينما تتفانى الذال والتاء، ويندكان تماماً ليحل محلهما الدال مشدداً، فتكون (إدّكر) في مثل قوله تعالى: (وادّكر بعد أمة) (3) فقد تلاشى الصوت الأول وهو الذال في الصوت الثاني وهو التاء، وعادت التاء دالاً لقرب المخرج مع تشديدها لتدل على الاثنين معاً، وهذا هو تطبيق المماثلة في الادغام.
«وتتخذ المماثلة صورة تقدمية فيما ينطقه بعض الناس للفظة (إجتمع) بـ (إجدمع) فالتاء قد جاورت الجيم مجاورة مباشرة، فقد صوت التاء صفته كمهموس، ليصبح مجهوراً في صورة نظيره الدال» (4).
____________
(1) ظ: خليل العطية، في البحث الصوتي عند العرب: 71 وانظر مصدره.
(2) ظ: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 126.
(3) يوسف: 45.
(4) إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 128.
--------------------------------------------------------------------------------
(118)
والذي يتضح من هذا أن الصوت القوي هو الذي يحتل مساحة النطق بدل الصوت الضعيف، نتيجة الملائمة الصوتية في الأكثر مجاورة واحتكاكاً، بينما علل «موريس جرامونت» ظاهرة المماثلة بالتفسير العضوي المرتبط بجهاز النطق فيقول: «أما الوجه الذي تتم به الظاهرة فهو ذو طابع خارجي لا يعتمد على جوهر الصوت، فإذا ما تحدثنا عنه من الوجهة النفسية العضوية لم نجد للمماثلة الرجعية من تعليل سوى إسراع بحركات النطق عن مواضعها، وبأن المماثلة التقدمية التزام هذه الحركات والجمود عليها. . ومع ذلك فهذه التفرقة ثانوية، أما الشيء الأساسي فهو أن هناك صوتاً يسيطر على صوت آخر، وأن الحركة تتم في اتجاه أو في آخر ما إذا كان الصوت المسيطر موجوداً في الأمام أو في الخلف. ولا شك أن الصوت المؤثر هو ذلك الذي تتوفر فيه صفات: أن يكون أكثر قوة، وأكثر مقاومة، أو أكثر استقراراً، أو أكثر امتيازاً، وأنما تتحد هذه الصفات سلفاً طبقاً لنظام اللغة، وعلى ذلك يمكن التنبؤ بالوجه الذي تتم عليه ظاهرة المماثلة، الأمر الذي يستبعد معه هوى المتكلم، ولتبسيط الأمر يمكننا أن نحدد القضية كلها في كلمة واحدة هي (القوة). فالمماثلة تخضع لقانون واحد هو قانون: (الأقوى). . . وليست المماثلة ونقيضها المخالفة هما
(يُتْبَعُ)
(/)
اللذان يخضعان وحدهما له، تخضع له جميع الظواهر التي يكون فيها تغير الأصوات ناشئاً عن وجود صوت آخر (1).
وهذا يدل على أن مقاومة ما تحدث بين الأصوات في المماثلة، فيحل الأقوى بدل القوي، ويتغلب عليه فيصوّت به دونه.
وعلى هذا فالإدغام عند العرب في نوعيه هو الأصل في المماثلة عند الأوروبيين، إذ يتغلب صوت أولي على صوت ثانوي، فالصوت الأولي هو الأقوى، لأنه المتمكن المسيطر على النطق، وأحياناً يحل محلهما معاً صوت ثالث مجاور يمثل الصوتين السابقين بعد فنائهما، وتلاشي أصدائهما كما في الابدال.
وكان أبو عمرو بن العلاء (ت: 154 هـ) من أبرز القائلين به في
____________
(1) عبد الصبور شاهين، أثر القراءات في الأصوات: 233 وانظر مصدره.
--------------------------------------------------------------------------------
(119)
القرآن الكريم وإليه ينسب القول المشهور:
«الإدغام كلام العرب الذي يجري على ألسنتها ولا يحسنون غيره» (1).
وقد قال ابن الجزري عن عدد ما أدغمه أبو عمرو في القرآن: «جميع ما أدغمه أبو عمرو من المثلين والمتقاربين، ألف حرف وثلاثمائة وأربعة أحرف» (2).
والحق أن أبا عمرو بن العلاء قد توسع في الادغام حتى أنكروا عليه إدغامه الراء عند اللام في قوله تعالى:
(يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون) (3) [إذ قرأها يغفلكم].
قال الزجاج: إنه خطأ فاحش؛ ولا تدغم الراء في اللام إذا قلت: «مرلي» بكذا، لأن الراء حرف مكرر، ولا يدغم الزائد في الناقص للإخلال به، فأما اللام فيجوز إدغامه في الراء، ولو أدغمت اللام في الراء لزم التكرير من الراء. وهذا إجماع النحويين (4).
وقال أبو عمرو بن العلاء بالادغام الكبير لشموله نوعي المثلين والجنسين والمتقاربين، ويعني بالمثلمين ما اتفقا مخرجاً وصفة، والمتجانسين ما اتفقا مخرجاً و اختلفا صفة، وبالمتقاربين ما تقاربا مخرجاً وصفة (5).
وعمد القرّاء رضوان الله عليهم إلى جعل الحروف المدغمة على نوعين من التقسيم (6).
الأول: الحروف التي تدغم في أمثالها، واصطلحوا عليه المدغم من
____________
(1) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر: 1|275.
(2) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|266.
(3) نوح: 4.
(4) ظ: الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|322.
(5) ظ: السيوطي، الاتقان: 1|263 وما بعدها، وأنظر مصدره.
(6) قارن في هذا بين الجزري، النشر: 1|280 وما بعدها + السيوطي، الاتقان: 1|264 وما بعدها + ابن يعيش، المفصل: 10|150 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(120)
الأول: الحروف التي تدغم في أمثالها، واصطلحوا عليه المدغم من المتماثلين.
الثاني: الحروف التي تدغم في مجانسها ومقاربها، واصطلحوا عليه المدغم من المتجانسين والمتقاربين.
والنوع الأول يضم سبعة عشر حرفا، والثاني يضم ستة عشر حرفا، وسنورد اسم الحرف مع تنظيره القرآني.
أولاً: الادغام بين المتماثلين:
1ـ الباء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (وأنزل معهم الكتاب بالحق) (1).
2 ـ التاء: وتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (فما ربحت تجارتهم *) (2).
وأما إذا كانت التاء: تاء ضمير فلا تدغم كقوله تعالى: (ياليتني كنت ترابا) (3).
3 ـ الثاء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) (4).
ومن أبرز مصاديقه وضوحاً قوله تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من الله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم *) (5).
4 ـ الحاء: تتدغم في مثلها في نماذج كثيرة من القرآن كنحو قوله
____________
(1) البقرة: 213.
(2) البقرة: 16.
(3) النبأ: 40.
(4) النساء: 91.
(5) المائدة: 73.
--------------------------------------------------------------------------------
(121)
تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه لآ أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا) (1).
5 ـ الراء: وتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) (2).
(يُتْبَعُ)
(/)
6 ـ السين: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) (3).
7 ـ العين: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (من ذا الذى يشفع عنده إلا بإذنه) (4).
8 ـ الغين: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين) (5).
9 ـ الفاء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (ألم تر كيف فعل ربّك بأصحاب الفيل) (6).
10 ـ القاف: وتتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(والطيبات من الرزق قل هي للّذين ءامنوا) (7).
11 ـ الكاف: تتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(واذكر ربّك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار) (8).
12 ـ اللام: تتدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) (9).
13 ـ الميم: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(واتخذوا من مقام إبراهم مصلّى) (10).
____________
(1) الكهف: 60.
(2) البقرة: 185.
(3) الحج: 2.
(4) البقرة: 255.
(5) آل عمران: 85.
(6) الفيل: 1.
(7) الأعراف: 32.
(8) آل عمران: 41.
(9) الجمعة: 2.
(10) البقرة:125.
--------------------------------------------------------------------------------
(122)
14 ـ النون: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(والاّتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع) (1).
15 ـ الواو: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) (2).
16 ـ الهاء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى:
(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى لّلمتقين) (3).
17 ـ الياء: تدغم في مثلها في نحو قوله تعالى: (فلمّا جاء أمرنا نجينا صالحا والّذين ءامنو معه برحمت منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوى العزيز) (4).
وقد لا حظنا أن للادغام عدة شروط يصح معها:
1 ـ إسكان الأول المتحرك قبل إدغامه وتحرك الثاني.
2 ـ أن يلتقي المثلان في الرسم فلا يفصل بينهما حرف.
3 ـ أن يكون المثلان مركبين من كلمتين، فإن التقيا من كلمة واحدة فلا إدغام إلا في حرفين (مناسككم) في البقرة، و (سلككم) في المدثر.
وعندي أنهما مركبان من كلمتين، فالمناسك كلمة، والضمير لجمع المخاطب كلمة أخرى، وسلك كلمة، والضمير لجمع المخاطب كلمة أخرى، فجرى القياس على أصوله، فهما من الأصل دون الاستثناء المشار إليه.
4 ـ أن لا يكون الأول تاء ضمير المتكلم أو خطاباً، فلا يدغم حينئذ كقوله تعالى: (أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون) (5).
____________
(1) النساء: 34.
(2) الأعراف: 199.
(3) البقرة: 2.
(4) هود: 66.
(5) يونس: 42.
--------------------------------------------------------------------------------
(123)
5 ـ أن لا يكون الأول مشدداً، فلا يدغم في نحو قوله تعالى: (ذوقوا مسّ سقر) (1).
6 ـ أن لا يكون الأول مشدداً فلا يدغم في نحو قوله تعالى: (إن الله غفوررحيم) (2).
...
ثانياً: الادغام في المتجانسين والمتقاربين وله شروط:
أ ـ أن لا يكون الحرف الأول مشدداً كقوله: (أو أشد ذكرًا) (3).
ب ـ أن لا يكون منوناً كقوله تعالى: (في ظلمات ثلاث) (4).
ج ـ أن لا يكون تاء ضمير كقوله تعالى: (خلقت طيناً) (5).
وقد ظهر من الاستقراء القرآني أن هذا الادغام وارد في ستة عشر حرفاً، وهي من ضم بعضها إلى بعض، تمثل الحالات التفصيلية الآتية:
1 ـ الباء: وتدغم في الميم كقوله تعالى: (يعذّب من يشاء) (6).
2 ـ التاء: وتدغم في عشرة أحرف سواها هي:
أولاً: التاء في الثاء في نحو قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) (7).
ثانياً: التاء في الجيم كقوله تعالى: (ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم
____________
(1) القمر: 48.
(2) وردت لأول مرة في المصحف بسورة البقرة: 173.
(3) البقرة: 200.
(4) الزمر: 6.
(5) الإسراء: 61.
(6) العنكبوت: 21.
(7) المائدة: 32.
--------------------------------------------------------------------------------
(124)
(يُتْبَعُ)
(/)
اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين) (1).
ثالثاً: التاء في الذال كقوله تعالى: (فالتاليات ذكرًا) (2).
رابعاً: التاء في الزاي كقوله تعالى: (فالزاجرات زجرا) (3).
خامساً: التاء في السين كقوله تعالى: (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات) (4).
سادساً: التاء في الشين كقوله تعالى: (لولا جاءو عليه بأربعة شهداء) (5).
سابعاً: التاء في الصاد كقوله تعالى: (والصافات صفّا) (6).
ثامناً: التاء في الضاد كقوله تعالى: (والعاديات ضبحاً) (7).
تاسعاً: التاء في الطاء في نحو قوله تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلو الجنة بما كنتم تعملون) (8).
عاشراً: التاء في الظاء: (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي انفسهم) (9).
3 ـ الثاء: وتدغم في خمسة أحرف سواها هي:
أولاً: الثاء في التاء كقوله تعالى: (أفمن هذا الحديث تعجبون) (10).
ثانياً: الثاء في الذال كقول تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب) (11).
ثالثاً: الثاء في السين كقوله تعالى: (وورث سليمان داوود) (12).
____________
(1) المائدة: 93.
(2) الصافات: 3.
(3) الصافات: 2.
(4) النساء: 122.
(5) النور: 13.
(6) الصافات: 1.
(7) العاديات: 1.
(8) النحل: 32.
(9) النحل: 28.
(10) النجم: 59.
(11) آل عمران: 14.
(12) النمل: 16.
رابعاً: الثاء في الشين كقوله تعالى: (انطلقوا إلى ضلّ ذي ثلاث شعب) (1).
خامساً: الثاء في الضاد كقوله تعالى: (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) (2).
4 ـ الجيم وتدغم في حرفين متقاربين هما:
أولاً: الجيم في التاء في نحو قوله تعالى: (من الله ذي المعارج * تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) (3).
ثانياً: الجيم في الشين في نحو قوله تعالى: (كزرع أخرج شطئه) (4).
5 ـ الحاء وتدغم في موضع واحد وهو قوله تعالى: (فمن زحزح عن النّار) (5).
6 ـ الدال، وتدغم الدال ما لم تفتح بعد ساكن في عشرة أحرف إلا مع التاء فينتفي الشرط للتجانس، وهي:
أولاُ: الدال في التاء في نحو قوله تعالى: (تكاد تميّز من الغيظ) (6).
ثانياً: الدال في الثاء في نحو قوله تعالى: (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والأخرة وكان الله سميعا بصيراً) (7).
ثالثاً: الدال في الجيم في نحو قوله تعالى: (وقتل داوود جالوت) (8).
رابعاُ: الدال في الذال في نحو قوله تعالى: (فمن اعتدى بعد ذلك) (9).
خامساً: الدال في الزاي في نحو قوله تعالى: (تريد زينة الحياة الدنيا) (10).
____________
(1) المرسلات: 30.
(2) الذاريات: 24.
(3) المعارج: 3 ـ 4.
(4) الفتح: 39.
(5) آل عمران: 185.
(6) الملك: 8.
(7) النساء: 134.
(8) البقرة: 251.
(9) المائدة: 94.
(10) الكهف: 28.
--------------------------------------------------------------------------------
(126)
سادساً: الدال في السين في نحو قوله تعالى: (إنما صنعوا كيد ساحر) (1).
سابعاً: الدال في الشين في نحو قوله تعالى: (قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من اهلها إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين) (2).
ثامناً: الدال في الصاد في نحو قوله تعالى: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) (3).
تاسعاً: الدال في الضاد في نحو قوله تعالى: (ولئن اذقناه رحمة منّا من بعد ضرّاء) (4).
عاشراً: الدال في الظاء في نحو قوله تعالى: (وما الله يريد ظلماً للعباد) (5).
7 ـ وتدغم الذال في حرفين هما السين والصاد:
أولاً: الذال في السين في نحو قوله تعالى: (فاتّخذ سبيله في البحر سربا) (6).
ثانياً: الذال في الصاد في نحو قوله تعالى: (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) (7).
8 ـ وتدغم الراء في اللام ما لم تفتح بعد ساكن في نحو قوله تعالى: (أيود أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الأيات لعلكم تتفكرون) (8).
(يُتْبَعُ)
(/)
____________
(1) طه: 69.
(2) يوسف: 26.
(3) القمر: 55.
(4) فصلت: 50.
(5) المؤمن = غافر: 31.
(6) الكهف: 61.
(7) الجن: 3.
(8) البقرة: 266.
--------------------------------------------------------------------------------
(127)
9 ـ وتدغم السين في حرفين هما: الزاي والسين:
أولاً: السين في الزاي في نحو قوله تعالى: (وإذا النفوس زوجت) (1).
ثانياً: السين في الشين في نحو قوله تعالى: (واشتعل الرأس شيبا) (2).
10 ـ وتدغم الشين في السين في نحو قوله تعالى: (قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً) (3).
11 ـ وتدغم الضاد في الشين. في نحو قوله تعالى: (فإذا استئذنوك لبعض شأنهم فأذن لّمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رّحيم) (4).
12 ـ وتدغم القاف في الكاف على أن يتحرك ما قبل القاف في نحو قوله تعالى: (ذالكم الله ربكم لآ إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) (5).
13 ـ وتدغم الكاف في القاف إذا تحرك ما قبل الكاف في نحو قوله تعالى: (قد نرا تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون) (6).
14 ـ وتدغم اللام في الراء إذا تحرك ما قبلها في نحو قوله تعالى: (قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلاّ امرأتك إنه مصيبها مآ أصابهم إن موعودهم الصّبح أليس الصّبح بقريب) (7).
ـ إلا لام قال فإنها تدغم حيث وقعت قبل الراء كقوله تعالى: (قال
____________
(1) التكوير: 7.
(2) مريم: 4.
(3) الإسراء: 42.
(4) النور: 62.
(5) الأنعام: 102.
(6) البقرة: 144.
(7) هود: 81.
--------------------------------------------------------------------------------
(128)
رب أغفر لي وهب لي ملكا لاً ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب) (1).
15 ـ وتدغم الميم في الباء، والأصح صناعة أنها تخفى بالباء لأنها تسكن عند الباء إذا تحرك ما قبلها فتخفى بغنة، لأن الميم لا تلغي الباء ولا تحل محلها فتعود مشددة، بل تبقى الميم في غنة أنفية، وهذا هو الاخفاء كما في قوله تعالى: (لكى لا يعلم بعد علم شيئاً) (2).
16 ـ وتدغم النون في حرفين هما الراء واللام على أن يتحرك ما قبل النون:
أولاً: النون في الراء في نحو قوله تعالى: (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي) (3).
ثانياً: النون في اللام في نحو قوله تعالى: (وقالوا لن نؤمن لك حتّا تفجر لنا من الأرض ينبوعا) (4).
وقد ظهر مما تقدم رصد النتائج الصوتية التّالية:
1 ـ إن الحروف التي تدغم في أمثالها، وعددها سبعة عشر حرفاً؛ هي: ب. ت. ث. ح. ر. س. ع. غ. ف. ق. ك. ل. م. ن. و. ي. هـ.
2 ـ إن الحروف التي تدغم في المتجانسين والمتقاربين دون المتماثلين ـ وعددها ستة عشر حرفاً ـ هي: ب. ت. ث. ج. ح. د. ذ. ر. س. ش. ض. ق. ك. ل. م. ن.
3 ـ إن الحروف التي تدغم ويدعم فيها ـ وعددها ثمانية عشر حرفاً ـ هي: ب. ت. ث. ج. د. ذ. ر. س. ش. ف. ص. ض. ظ. ط. ك. ل. م. ن.
وقد خلص لنا مما تقدم بيانه في الادغام رصد الضوابط والقواعد الصوتية الآتية:
1 ـ إن كل حرفين التقيا أولهما ساكن، وهما متماثلان أو متجانسان
____________
(1) ص: 35.
(2) النحل: 70.
(3) الإسراء: 100.
(4) الإسراء: 90.
--------------------------------------------------------------------------------
(129)
فيجب فيهما إدغام الأول عند علماء القراءة:
أ ـ في المتماثلين كقوله تعالى: (فما ربحت تجارتهم) (1).
ب ـ في المتجانسين كقوله تعالى: (إذ همت طآئفتان منكم) (2).
2 ـ إن الطاء إذا جاورت التاء أدغم الطاء وجوباً مع بقاء الأطباق كقوله تعالى: (لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) (3).
(يُتْبَعُ)
(/)
3 ـ إن الاخفاء قد يختلط بالادغام في حالة واحدة منظورة في اللسان العربي، والحالة هي: إخفاء الميم بالباء، فيعده بعضهم في الإدغام، ويعده بعضهم في الأخفاء، وهو الصحيح فيما يبدو لي، لأن الميم غير متلاشية في نحو قوله تعالى: (أليس الله بأعلم بالشاكرين) (4).
فإن سكن ما قبلها أظهرت دون إخفاء أو إدغام، كما في قوله تعالى: (ولمّا جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) (5).
هذا في الإدغام الكبير.
أما الإدغام الصغير فالجائز منه:
1 ـ إدغام حرف من كلمة في حروف متعددة من كلمات متفرقة وتقتصر عند القراء على ما يأتي:
إذ | قد | تاء التأنيت | هل | بل.
2 ـ إدغام حروف قربت مخارجها، وهي سبعة عشر حرفاً اختلف فيها عند القراء، وقد استوعبها السيوطي في بحثه عنها (6).
والحق أن الادغام الصغير لا يعنينا صوتياً، لأن فك الادغام فيه أو عنه يعني تكرار الحرف ليس غير، ولا يفك إدغامه في السياق الجملي بل
____________
(1) البقرة: 16.
(2) آل عمران: 122.
(3) المائدة: 28.
(4) الأنعام: 53.
(5) العنكبوت: 31.
(6) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|268.
--------------------------------------------------------------------------------
(130)
عند تصريف الكلمة أو عند بيان صيغتها التفعيلة وهذا ما لا يحدت عند النطق في العبارة، فيبقى الحرف في الواقع صوتاً واحداً وإن كان مشدداً كما في: قد. هل. بل من الأدوات، وقل. سل. عد. من الأفعال. لهذه الأسباب العلمية استبعدنا الخوض عن الادغام الصغير في هذا البحث. نعم ألحق القراء في هذا المبحث أحكام النون الساكنة والتنوين من وجه لأن لهما أربعة أحكام هي:
الإظهار. الإدغام. الإقلاب. والإخفاء.
ولما كانت هذه الأحكام الأربعة تتحكم في إخراج الصوت وحدوثه ضمن حيثيته المؤشرة، فحسن منا التنبيه عليها، والإشارة إليها في حدود الصوت اللغوي دون التفصيلات الأخرى.
فالاظهار عند ستة أحرف، وهي حروف الحلق:
الهمزة، الهاء، العين، الحاء، الغين، الخاء.
وبعضهم يخفي عند الخاء والغين.
والإدغام عند ستة أحرف؛ حرفان بلا غنّة؛ وهما اللام والراء، وأربعة بغنة، وهي: النون، والميم، والياء، والواو. والإقلاب عند حرف واحد، وهو الباء بقلب النون ميماً في نحو قوله تعالى: (قال يا آدم أنبئهم بأسمآئهم) (1). ويقلب التنوين ميماً في نحو قوله تعالى: (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) (2). والاخفاء يكون عند بقية حروف المعجم العربي، وهو حالة بين الادغام والاظهار، ولا بد من الغنة معه (3).
وفي هذا الضوء فإن النون الساكنة تخفى في خمسة عشر موضعاً عند خمسة عشر حرفاً من القرآن الكريم، فلا تدغم نهائياً، ولا تظهر بجوهرها، وإنما هي حالة بين حالتين، ومنزلة بين منزلتين، كما في الكشف الآتي، لنماذج من الآيات القرآنية بحسب الأصوات.
____________
(1) البقرة: 33.
(2) البقرة: 18.
(3) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 1|270.
--------------------------------------------------------------------------------
(131)
1ـ التاء، وتخفى النون عندها في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) (1).
2ـ الثاء، وتخفى النون عندها في نحو قوله تعالى: (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا) (2).
3 ـ الجيم. . . في نحو قوله تعالى: (قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) (3).
4 ـ الدال. . . في نحو قوله تعالى: (أن دعوا للرحمن ولدا) (4).
5 ـ الذال. . . في نحو قوله تعالى: (وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم) (5).
6 ـ الزاى. . . في نحو قوله تعالى: (ما لكم من زوال) (6).
7 ـ السين في نحو قوله تعالى: (لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة) (7).
8 ـ الشين في نحو قوله تعالى: (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً) (8).
9 ـ الصاد في نحو قوله تعالى: (ولا يجرمنّكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام) (9).
10 ـ الضاد في نحو قوله تعالى: (ومن ضل فإنّما يضل عليها) (10).
11 ـ الطاء في نحو قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلاً) (11).
12 ـ الظاء في نحو قوله تعالى: (وما له منهم من ظهير) (12).
____________
(1) آل عمران: 110.
(يُتْبَعُ)
(/)
(2) البقرة: 25.
(3) القصص: 71.
(4) مريم: 91.
(5) يس: 10.
(6) إبراهيم: 44.
(7) الزمر: 47.
(8) الإنسان: 29.
(9) المائدة: 2.
(10) يونس: 108.
(11) الأنعام: 2.
(12) سبأ: 22.
--------------------------------------------------------------------------------
(132)
13 ـ الفاء في نحو قوله تعالى: (ثم قضى أجلا الله من فضله) (1).
14 ـ القاف في نحو قوله تعالى: (من ظهير من قرار) (2).
15 ـ الكاف في نحو قوله تعالى: (وقل ءامنت بما أنزل الله من كتاب) (3).
...
والتنوين كذلك فإنه يخفى في خمسة عشر موضعاً عند خمسة عشر حرفاً من القرآن، وهي الحروف المتقدمة نفسها:
1ـ التاء، ويخفى التنوين عندها في نحو قوله تعالى: (إن الذين ءامنو وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار) (4).
2 ـ الثاء، في نحو قوله تعالى: (من فضله عليك قولا ثقيلا) (5).
3 ـ الجيم، في نحو تعالى: (إن الذين ءامنو وعملوا) (6).
4 ـ الدال، في نحو قوله تعالى: (عليك قولاً ثقيلاً * حدآئق وأعناباً * وكواعب أترابا * وكأسا دهاقا) (7).
5 ـ الذال، في نحو قوله تعالى: (ألاّ تتخذوا من دوني وكيلا * هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا الله) (8).
6 ـ الزاي، في نحو قوله تعالى: (قضى أجلا الله) (9).
7 ـ السين، في نحو قوله تعالى: (ضرب إن الذين ءامنوا وعملو الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الانهار مثلا) (10).
____________
(1) النساء: 37.
(2) إبراهيم: 26.
(3) الشورى: 15.
(4) البروج: 11.
(5) المزمل: 5.
(6) الإسراء: 49.
(7) النبأ: 31 ـ 34.
(8) الإسراء: 2 ـ 3.
(9) الكهف: 40.
(10) الزمر: 29.
--------------------------------------------------------------------------------
(133)
8 ـ الشين، في نحو قوله تعالى: (إن الله غفور شكور) (1).
9 ـ الصاد، في نحو قوله تعالى: (كأنه جمالت صفر) (2).
10ـ الضاد، في نحو قوله تعالى: (وكلا ضربنا له الأمثال) (3).
11 ـ الطاء، في نحو قوله تعالى: (فتيمّموا صعيدا طيّبا) (4).
12 ـ الظاء، في نحو قوله تعالى: (لهم فيها ازواج مّطهّرة وندخلهم ظلاً ظليلاً) (5).
13ـ الفاء، في نحو قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً) (6).
14 ـ القاف، في نحو قوله تعالى: (نصر من الله وفتح قريب) (7).
15 ـ الكاف، في نحو قوله تعالى: (إني ألقي إلي كتاب كريم) (8).
وهكذا نجد الإخفاء متحكماً في النون الساكنة والتنوين.
توظيف الأداء القرآني في الأحكام:
كان أداء القرآن على الوجه العربي الصحيح، وفي ضوء أصول التلاوة المعتبرة موضوعاً للأحكام الشرعية المتعلقة باعتبار قراء الفاتحة ـ مثلاً ـ فرضاً واجباً في كل صلاة سواءً أكانت فريضة أم نافلة، وذلك في الأوليتين من الركعات، ويجب في خصوص الفريضة قراءة سورة كاملة ـ على الأحوط ـ بعدها.
كان هذا الاعتبار الشرعي منطلقاً للأحكام الدقيقة الصادرة من الفقهاء بوجوب القراءة الصحيحة فيما يتلى من القرآن في الصلاة، وذلك بأداء الحروف وإخراجها من مخارجها على النحو اللازم في لغة العرب، بأن
____________
(1) الشورى: 23.
(2) المرسلات: 33.
(3) الفرقان: 39.
(4) النساء: 43 + المائدة: 6.
(5) النساء: 57.
(6) النساء: 93.
(7) الصف: 13.
(8) النمل: 29.
--------------------------------------------------------------------------------
(134)
والمد الواجب، وأمثال هذا، فإن أخل بشيء من ذلك بطلت القراءة. حتى أن من لا يحسن القراءة بأصولها وجب عليه تعلمها، وأن كان متمكناً من الائتمام؛ وقيل: لا وجه لوجوبه مع التمكن من الصلاة الصحيحة بالائتمام.
هذه العناية في أمر القراءة مؤداةً على الوجه العربي الأمثل كانت مناطاً لأحكام أدائية موضوعة للوجوب وعدمه تارةً، وللاحتياط الشرعي بشقيه الوجوبي والاستحبابي تارة، وللجواز وعدمه تارة أخرى.
وكانت هذه الملاحظ الدقيقة مظنة لإبداء الحكم الشرعي بتلك الصور المختلفة، وميداناً جديداً للفقهاء في رصد حياة الصوت اللغوي في مهمة الفرائض الدينية.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن متابعة هذا الموضوع من أدلته التفصيلية في الشريعة الإسلامية، قد يخرج البحث من موضوعيته، وأحاول ـ قدر المستطاع ـ إعطاء أبرز الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الأمر ـ فيما يأتي ـ بمضمونها الفتوائي دون أدلتها التفصيلية، وذلك من خلال الرجوع لأمهات المصادر في الموضوع، والتوفيق بينها عند أغلبية المذاهب (1).
أولاً:
في الملحظ الصوتي للكلمة الواحدة في القراءة القرآنية عند الصلاة تتبلور الأحكام الصوتية الآتية:
1 ـ تجب الموالاة بين حروف الكلمة بالمقدار الذي يتوقف عليه صدق الكلمة، فإذا فاتت الموالاة ـ سهواً ـ بطلت الكلمة، وإذا كان ذلك عمداً بطلت الصلاة. وذلك حتى في (أل) التعريف، إذ تجب المولاة بينها وبين مدخولها ممّا يعد جزء الكلمة عند العرب.
____________
(1) ظ: العروة الوثقى + مستمسك العروة الوثقى + مهذب الأحكام + كتاب الأم للشافعي، باب القراءة: 1|107 + كتاب المحلى لابن حزم كتاب الصلاة المجلد الثالث. وقارن بين آراء الفقهاء فيما سبق
--------------------------------------------------------------------------------
(135)
2 ـ في حالة حصول فصل بين حروف كلمة واحدة اختياراً أو اضطراراً بحيث خرجت عن صدق تلك الكلمة عليها بطلت، ومع العمد أبطلت هذا إذا كان من الأول قاصداً لذلك.
3ـ إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه، فحصل الوقف بالحركة، فالأحوط إعادتها، وإن لم يكن الفصل كثيراً اكتفى بها.
4 ـ إذا شك في حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين: فيما إذا لم يصدق على الآخر أنه ذكر ولو غلطاً، ولو اختار أحد الوجهين جازت القراءة عليه، فإذا انكشفت أنه مطابق للواقع لم يعد الصلاة، وإلا أعادها.
5 ـ إذا اعتقد كون الكلمة على وجه خاص من الاعراب، أو البناء، أو مخرج الحرف، فعلى مده على ذلك الوجه، ثم تبين أنه غلط، فالظاهر الصحة، والأحوط الاعادة أو القضاء، وإن كان الأقوى عدم الوجوب.
6 ـ إذا لم يدر إعراب الكلمة، أو بناءها، أو بعض حروفها، أنه الصاد ـ مثلاً ـ أو السين، أو نحو ذلك، يجب عليه أن يتعلم، ولا يجوز له أن يكررها بالوجهين لأن الغلط من الوجهين ملحق بكلام الآدميين، وفي إطلاقه منع ظاهر.
7 ـ يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها، مثلاً إذا أراد أن لا يقف على (العالمين) ويصلها بقوله (الرحمن الرحيم) يجب أن يعلم أن النون مفتوح وهكذا، نعم إذا كان يقف على كل آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.
ثانياً:
وفي الملحظ الصوتي عند كون الكلمتين أو الأكثر بنفس واحد دون فصل أو وقوف تتبين الأحكام الصوتية الآتية في القراءة القرآنية عند الصلاة.
1ـ تجب الموالاة بين الجار والمجرور، والأحوط الموالاة بين
--------------------------------------------------------------------------------
(136)
المضاف والمضاف إليه، والمبتدأ وخبره، والفعل وفاعله، والشرط وجزائه، والموصوف وصفته، والمجرور ومتعلقة. ونحو ذلك مما له هيئة خاصة على نحو لا يجوز الفصل فيه بالأجنبي، فإذا فاتت سهواً أعاد القراءة. وإذا فاتت عمداً، فالأحوط وجوباً الإتمام والاستئناف.
2 ـ إذا انقطع نفسه في مثل (الصراط المسقيم) بعد الوصل بالألف واللام وحذف الألف، هل يجب إعادة الألف واللام بأن يقول (المستقيم) أو يكفي قول: مستقيم؟ الأحوط الأول، وأحوط منه إعادة الصراط أيضاً، وكذا إذا صار مدخول الألف واللام غلطاً، فإذا أراد أن يعيده فالأحوط أن يعيد الألف واللام أيضاً، بأن يقول المسقيم، ولا يكتفي بقوله: مستقيم، وكذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة المضاف، فإذا لم يصح لفظ المغضوب فالأحوط أن يعيد لفظ (غير) أيضاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
3 ـ ينبغي للمصلي أن يميز بين الكلمات، ولا يقرأ بحيث يتولد بين الكلمتين كلمة مهملة، كما إذا قرأ (الحمدلله)، ووقف على الحم، ولم يكملها بالدال، وخلط من لفظ الجلالة الحرفين الأولين فتولدت كلمة (دلل)، وهكذا في (لله رب) فتولدت كلمة (هرب)، أو بأخذ الكاف من (مالك) فيدمجها مع (يو) من (يوم) فتتولد كلمة (كيو) وهكذا في بقية الكلمات بالنسبة لفاتحة الكتاب، وهذا معنى قولهم: إن في الحمد سبع كلمات مهملات وهي:
دلل، هرب، كيو، كنع، كنس، تع، بع.
ثالثاً:
وفي إحكام مخرج الصوت ونطقه، في الكلمات والحروف والحركات، والاعراب والبناء، ومظاهر الأداء تعتمد الأحكام الصوتية الآتية:
1 ـ لو أخل بشيء من الكلمات أو الحروف أو بدّل حرفاً بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت القراءة، وكذا لو أخل بحركة بناء، أو إعراب، أو مدّ واجب، أو تشديد، أو سكون لازم، وكذا لو أخرج حرفاً
--------------------------------------------------------------------------------
(137)
من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب، فالقراءة باطلة.
2 ـ لا يجب على المكلف أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد، بل يكفي إخراجها منها، وإن لم يلتفت إليها، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج بل المدار صدق التلفظ بذلك الحرف، وإن خرج من غير المخرج الذي عينوه. مثلاً إذا نطق بالضاد أو الظاء على القاعدة لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن أو الأيسر على الأضراس العليا صح، فالمناط الصدق في عرف العرب، وهكذا في سائر الحروف.
3 ـ إذا شك في حركة كلمة، أو مخرج حروفها، لا يجوز أن يقرأ بالوجهين، مع فرض العلم ببطلان أحدهما، بل مع الشك أيضاً، لكن لو اختار أحد الوجهين مع البناء على إعادة الصلاة لو كان الوجه المختار باطلاً فلا بأس بذلك.
رابعاً:
وفي الالتزم بمعطيات علماء الأداء القرآني، وأئمة النحو العربي، لإظهار أصول الأصوات الإحدات، تعتمد عند القراءة في الصلاة الأحكام الآتية:
1 ـ يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة: الله، الرحمن، الرحيم، إهدنا، ونحو ذلك في الفاتحة، فإذا أثبتها بطلت القراءة، وكذا يجب إثبات همزة القطع في: إياك، أنعمت، فلو حذفها حين الوصل بطلت القراءة.
2 ـ الأحوط وجوباً عند الفقهاء: ترك الوقوف بالحركة، والوصل بالسكون.
3 ـ المد الواجب هو فيما إذا كان بعد حروف المد ـ وهي الواو المضموم ما قبلها، والياء المسكور ما قبلها، والألف المفتوح ما قبلها، همزة مثل: جاء، وسوء، وجيء، أو كان بعد أحدها سكون لازم خصوصاً
--------------------------------------------------------------------------------
(138)
إذا كان مدغماً في حرف آخر مثل: الضالين.
ووجوب المد في الموارد الثلاثة الأولى مبني على الاحتياط.
4 ـ إذ مد في مقام وجوب المد أو في غيره، أزيد من المتعارف لا يبطل القراءة، إلا إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة.
5 ـ يكفي في المد مقدار ألفين، والظاهر كفاية أداء الحرف على الوجه الصحيح، وإن كان المد بأقل من ذلك، وأكمله إلى أربع ألفات، ولا يضر الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق.
6 ـ لا يجب ما ذكر علماء التجويد من المحسنات: كالإمالة، والإشباع، والتفخيم والترقيق ونحو ذلك، بل والإدغام إلا فيما سنذكره بعد هذا، وإن كانت متابعتهم أحسن.
خامساً:
وفي مراعاة أصول الادغام لا سيما الادغام الكبير، واختلاس الأصوات وإبدالها، وقراءة القرآن بخصوصه، تعتمد الأحكام الآتية:
1 ـ في ورود (أل التعريف) المركبة من الألف واللام يجب إدغام اللام في أربعة عشر صوتاً هي:
التاء، الثاء، الدال، الذال، الراء، الزاي، السين، الشين، الصاد، الضاد، الطاء، الظاء، اللام، النون، وإظهارها في بقية حروف المعجم. فتدغمها مثلاً في كل من: الله، الرحمان، الرحيم، الصراط، الضالين. وتظهرها في كل من: الحمد، العالمين، المستقيم، المغضوب.
2 ـ الادغام في مثل: مدّ وردّ، مما اجتمع في كلمة واحدة منه مثلان: واجب سواءً أكانا متحركين كالفعلين المذكورين، أو ساكنين كمصدرهما: مدّاً وردّاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
3 ـ الأحوط الادغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف يرملون، مع الغنة فيما عدا اللام والراء، ولا معها فيهما، لكن الأقوى عدم وجوبه، فهو حينئذ احتياط استحبابي.
4 ـ الأحوط الادغام في مثل (اذهب بكتابي) و (يدرككم) مما اجتمع المثلان منه في كلمتين مع كون الأول ساكناً، لكن الأقوى عدم وجوبه.
5 ـ ينبغي مراعاة ما ذكره علماء الأداء القرآني، من إظهار التنوين، والنون الساكنة، إذا كان بعدها أحد حروف الحلق، وقلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء، وإدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف (يرملون)، وإخفاؤهما إذا كان بعدهما بقية الحروف، ولكن لا يجب شيء من ذلك.
6 ـ يجوز في قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) القراءة بإشباع كسر الهمزة وبلا إشباعه.
7 ـ الأحوط القراءة بإحدى القراءت السبع، وإن كان الأقوى عدم وجوبها، بل يكفي القراءة على النهج العربي، وإن كان الواجب هو قراءة القرآن كما نزل، لا ما تصدق عليه القراءة العربية، وإن كان الأقوى جواز القراءة بجميع القراءات التي كانت متداولة في زمان الأئمة عليهم السلام، نعم الظاهر جواز الاكتفاء بكل قراءة متعارفة عند الناس ولو كانت من غير القراءات السبع.
وهناك مستحبان شرعيان نختتم بهما هذا المبحث:
الأول: يستحب تحسين الصوت بلا غناء في القراءة.
الثاني: يستحب الوقف على فواصل الآيات في القراءة.
وأخيراً، فإن الدربة على أصول الأصوات في مثل هذه الأحكام، مما تسهل وتضبط وتيسر سلامة الأداء القرآني صوتياً.
--------------------------------------------------------------------------------
(140)
--------------------------------------------------------------------------------
(141)
الفصل الخامس
الصوت اللغوي في فواصل الآيات القرآنية
1 ـ مصطلح الفاصلة في القرآن
2 ـ معرفة فواصل القرآن صوتياً
3 ـ ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات
4 ـ الإيقاع الصوتي في موسيقي الفواصل
--------------------------------------------------------------------------------
(142)
--------------------------------------------------------------------------------
(143)
مصطلح الفاصلة في القرآن:
الفاصلة في القرآن الكريم: آخر كلمة في الآية، كالقافية في الشعر، وقرينة السجع في النثر، خلافاً لأبي عمرو الداني (ت: 444هـ) الذي اعتبرها كلمة آخر الجملة (1). إذ قد تشتمل الآية الواحدة على عدة جمل، وليست كلمة آخر الجملة فاصلة لها، بل الفاصلة آخر كلمة في الآية، ليعرف بعدها بدء الآية الجديدة بتمام الآية السابقة لها.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني (ت: 403 هـ): «الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع، يقع بها إفهام المعاني» (2).
وتقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام، وتسمّى فواصل، لأنه ينفصل عندها الكلامان، وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها.
وقد تكون هذه التسمية اقتباساً من قوله تعالى: (كتاب فصلت ءياته) (3). ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعاً، لأن الله لما سلب عن القرآن اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضاً لأنها منه، وخاصة في الاصطلاح (4).
____________
(1) ظ: الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|53.
(2) المصدر نفسه: 1|54.
(3) هود: 1.
(4) ظ: السيوطي، الاتقان في علوم القرآن: 3|292.
--------------------------------------------------------------------------------
(144)
وما ورد في القرآن متناسق حروف الروي والايقاع، موحد خاتمة الفاصلة بالصوت، ويقف فيه بالآية على الحرف الذي وقف عنده في الآية التي قبلها، فلا يسمى سجعاً عند علماء الصناعة «ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم، ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز، ولو جاز أن يقال: هو سجع معجز، لجاز أن يقولوا: شعر معجز، وكيف والسجع مما كان تألفه الكهان من العرب، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر، لأن الكهانة تنافي النبوّات بخلاف الشعر» (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
إذن لم يسموها أسجاعاً، ولم يصطلحوا عليها قوافي، إذ استبعدوا تسميتها بالقوافي تكريماً للقرآن بأن يقاس على منظوم كلام البشر، وستأتي معالجة هذا الرأي فيما بعد، وأما تجنب تسميتها سجعاً «فلأن أصله من سجع الطير، فشرّف القرآن أن يستعار لشيء فيه لفظ هو أصل في صوت الطّار، ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في اسم السجع الواقع في كلام آحاد الناس» (2).
والمدرك الأول يساعد عليه مقتضى تفسير اللغة، وأصول إرجاع المصطلحات إلى قواعدها الأولى، قال ابن دريد (ت: 321 هـ): «سجعت الحمامة معناه: رددت صوتها» (3).
والمدرك الثاني يساعد عليه الاعتبار العام، وتبادر الذهن في الفهم، فقد شاع السجع بين العرب في الجاهلية، واقتسمه كل من الخطباء والكهان والمتنبئين، وتوازن استعماله متفرقاً بين أصناف من الناس.
يبدو مما سلف أن مما تواضع عليه جهابذة الفن، وأئمة علوم القرآن، يضاف إليهما علماء اللغة، هو: أن نهاية بيت الشعر تسمى قافية، ونهاية جملة النثر تسمى سجعاً في الأسجاع، ونهاية الآية تسمى فاصلة.
وهذا التفريق الدقيق قائم على أساس يجب أن نتّخذه أصلاً، وبرنامج
____________
(1) السيوطي، الاتقان: 3|293.
(2) الزركشي، البرهان: 1|54.
(3) السيوطي، الاتقان: 3|293.
--------------------------------------------------------------------------------
(145)
ينبغي القول به دون سواه، وهو أن الكلام العربي ـ مطلقاً ـ على ثلاثة أنواع:
قرآن، نثر، شعر، فليس القرآن نثراً وإن استعمل جميع أساليب النثر عند العرب، وليس القرآن شعراً وإن اشتمل على جميع بحور الشعر العربي حتى ما تداركه الأخفش على الخليل فسمي متداركاً، وهو الخبب، بل هو قرآن وكفى (إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون) (1).
قال الجاحظ (ت: 255 هـ): «وقد سمى الله كتابه المنزل قرآناً، وهذا الاسم لم يكن حتى كان» (2).
وإذا تم هذا فهو كلام الله تعالى وحده، وأنى يقاس كلام البشر بكلام الله، هو إذن مميز حتى في التسمية عن كلام العرب تشريفاً له، واعتداداً به، وإن وافق صور الكلام العربي، وجرى على سننه في جملة من الأبعاد، كما يقال عند البعض، أو كما يتوهم، بأن ختام فواصله المتوافقة هي من السجع، فالتحقيق يقتضي الفصل بين الأمرين، لأن مجيء كثير من الآيات على صورة السجع لا توجب كونه هو، أو أنها منه «لأنه قد يكون الكلام على مقال السجع وإن لم يكن سجعاً، لأن السجع من الكلام، يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع، وليس كذلك مما هو في معنى السجع من القرآن، لأن اللفظ وقع فيه تابعاً للمعنى، وفرق بين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ، وبين ان ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تودي المعنى المقصود فيه، ومتى ارتبط المعنى بالسّجع كان إفادة السّجع كإفادة غيره ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع مستجلباً لتحسن الكلام دون تصحيح المعنى» (3).
وقد رأينا عند تعقب هذه الظاهرة: أن التعبير المسجوع في القرآن لا تفرضه طبيعة النسق القرآني فحسب كما يخيل للكثيرين عند النظر في مثل قوله تعالى: (الهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر) (4). بدليل أنه
____________
(1) الواقعة: 77 ـ 78.
(2) الجاحظ، الحيوان: 1|348.
(3) الزركشي، البرهان: 1|56.
(4) التكاثر: 1 ـ 2.
--------------------------------------------------------------------------------
(146)
ينتقل منه فوراً إلى نسق آخر في فاصلة تقف عند النون دون التفات إلى الصيغة الأولى الساربة في طريقها البياني (كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون) (1). فإذا جاز للقرآن الانتقال بها، جاز له الانتقال فيما قبلها كما هو ظاهر، بل أن هذا اللفظ «المقابر» يفرض نفسه فرضاً بيانياً قاطعاً، دون حاجة إلى النظر في الفاصلة معه، أو مع محسنات الفاصلة، وذلك أن هذا الإنسان المتناسي الطاغي المتكاثر بأمواله ولذاته، وشهواته، ومدخراته، ونسائه، وأولاده، ودوره، وقصوره، وخدمه، وحشمه، وإداراته، وشؤونه، وسلطانه، وعنوانه، وهذا كله تكاثر قد يصحبه التفاخر، والتنايز، والتنافر، أقول: إن هذا مما يناسبه لفظ «المقابر» بلاغياً ولغوياً، فالمقابر جمع مقبرة،
(يُتْبَعُ)
(/)
والمقبرة الواحدة مرعبة هائلة، فإذا ضممنا مقبرة مترامية الأطراف الى مقبرة مثلها، ومقبرة أخرى، إزددنا إيحاشاً ورعباً وفزعاً، فإذا أصبحت مقابر عديدة؛ تضاعف الرعب والرهب، إذن هذا التكاثر الشهواني في كل شيء، يوافقه ـ بدقة متناهية ـ الجمع المليوني للقبور، لتصبح مقابر لا قبوراً، ولو قيل في غير القرآن بمساواة القبور للمقابر في الدلالة لما سدّ هذا الشاغر الدلالي شيء آخر من الألفاظ، فهو لها فحسب (2).
إذن ليست هذه الصيغة البلاغية في استعمال المقابر مجرد ملائمة صوتية للتكاثر، وقد يحسّ أهل هذه الصنعة ونحن معهم فيها؛ نسق الإيقاع، وانسجام النغم، ولكن ليس هذا كل شيء (3).
ولا يعني هذا التغافل عن مهمة الانسجام الصوتي، والوقع الموسيقي في ترتيب الفواصل القرآنية، فهي مرادة في حد ذاتها إيقاعياً، ولكن يضاف إليها غيرها من الأغراض الفنية، والتأكيدات البيانية، مما هو مرغوب فيه عند علماء البلاغة، فقوله تعالى: (فأما اليتم فلا تقهر * وأما السآئل فلا تنهر) (4). فقد تقدم المفعول به في الآيتين، وهو اليتيم في الأولى،
____________
(1) التكاثر: 3 ـ 4.
(2) ظ: المؤلف، تطور البحث الدلالي: 70 بتصرف.
(3) ظ: بنت الشاطي، التفسير البياني: 1|207 بتصرف.
(4) الضحى: 9 ـ 10.
--------------------------------------------------------------------------------
(147)
والسائل في الثانية، وحقه التأخير في صناعة الاعراب، وقد جاء ذلك مراعاة لنسق الفاصلة من جهة، وإلى الاختصاص من جهة أخرى، للعناية في الأمر.
ولعل ابن الأثير (ت: 637 هـ) كان مصيباً جداً حينما أرجع ذلك إلى الاختصاص ونظم الكلام، ولم يقل بأحدهما (1). بينما عاد بها إبراهيم أنيس إلى مراعاة موسيقى الفاصلة القرآنية إذ لا يصح للمفعول أن يسبق ركني الاسناد في الجملة المثبتة كما يزعم أصحاب البلاغة (2).
وقد رده الدكتور أحمد مطلوب في هذا الملحظ، لأن الهدف ليس القهر والنهر في المقام الأول، وأنما الرجحة باليتيم والسائل، ولذلك تقدم المفعولان على فعليهما، ولو كان القصد غير ذلك لتأخرا وجاءا على نسق الكلام المحفوظة رتبته (3).
ومهما يكن من أمر، فأن السجع عند العرب مهمة لفظية تأتي لتناسق أواخر الكلمات في الفقرات وتلاؤمها، فيكون الإتيان به أنى اتفق لسد الفراغ اللفظي، وأما مهمة الفاصلة القرآنية فليس كذلك، بل هي مهمة لفظية معنوية بوقت واحد، إنها مهمة فنية خالصة، فلا تفريط في الألفاظ على سبيل المعاني، ولا اشتطاط بالمعاني من أجل الألفاظ، بينما يكون السجع في البيان التقليدي مهمة تنحصر بالألفاظ غالباً، لذلك ارتفع مستوى الفاصلة في القرآن بلاغياً ودلالياً عن مستوى السجع فنياً، وإن وافقه صوتياً.
وهنا نشير إلى أن ابن سنان الخفاجي (ت: 466 هـ) قد رد جزءاً من هذه المفاضلة بين السجع والفاصلة، وخلص إلى سبب التسمية في معرض نقاشه لعلي بن عيسى الرماني؛ «وأما قول الرماني إن السجع عيب، والفواصل على الإطلاق بلاغة فغلط، فإنه إن أراد بالسجع ما تتبع المعنى، وكأنه غير مقصود فذلك بلاغة، والفواصل مثله، وإن كان يريد بالسجع ما
____________
(1) ظ: ابن الأثير، المثل السائر: 2|39.
(2) ظ: إبراهيم أنيس، من أسرار العربية: 312.
(3) ظ: أحمد مطلوب، بحوث لغوية: 58.
--------------------------------------------------------------------------------
(148)
تقع المعاني تابعة له، وهو مقصود متكلف، فذلك عيب، والفواصل مثله. . . وأظن أن الذي دعا أصحابنا إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل، ولم يسمّوا ما تماثلت حروفه سجعاً رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم، وهذا غرض في التسمية قريب» (1).
ويلحظ من النص، أنه يعيب ما ينافي البلاغة سواء أكان سجعاً أم سواه، ويشير إلى ناحيتين:
الأولى: أن الفواصل هي كل ما في أواخر الآيات تماثلت حروفه أو لم تتماثل خلافاً للسجع المتماثل الحروف.
الثانية: أن اختصاص أواخر الآيات بتسمية الفواصل إنما وقع لرغبتهم أن لا يوصف كلام الله تعالى بالكلام المروي عن الكهنة لا مطلق السجع.
معرفة فواصل القرآن صوتياً:
(يُتْبَعُ)
(/)
من أجل تمييز الفاصلة، ومعرفتها صوتياً، علينا تتبع فواصل الآيات بالدقة والظبط، في تنقلها في القرآن عبر مسيرتها الإيقاعية.
قال إبراهيم بن عمر الجعبري (ت: 732 هـ):
«لمعرفة الفواصل طريقان: توقيفي وقياسي. أما التوقيفي: فما ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم وقف عليه دائماً، تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائماً، تحققنا أنه ليس بفاصلة. . .
وأما القياسي فهو ما ألحق من المتحمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب، ولا محذور في ذلك، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان، والوقف على كل كلمة جائز، ووصل القرآن كله جائز، فاحتاج القياس إلى طريق تعرّفه، فنقول: فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر، وقافية البيت في
____________
(1) ابن سنان، سر الفصاحة: 166.
--------------------------------------------------------------------------------
(149)
الشعر، وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحد والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة، والقرينة، وقافية الأرجوزة بخلاف قافية القصيدة» (1).
ومن هنا كان التنقل في فواصل القرآن، إذ لا يلتزم فيها الوقوف عند حرف معين في مواضع من السور، ويلتزمه في مواضع أخر، ويجمع بين الالتزام وعدمه في بعض السور، لأن الانتقال من الوقوف على حرف إلى الوقوف على حرف آخر، أو صيغة تعبيرية أخرى في فواصل القرآن، أمر مطرد وشائع، ونماذجه هائلة، كما أن الالتزم شائع أيضاً، والجمع بينهما وارد كذلك، ومن هنا تبرز ثلاثة ملامح على سبيل المثال:
الأول: جمع القرآن بين «تحشرون» و «العقاب» وهما مختلفان في حرف الفاصلة والزنة في قوله تعالى:
(وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقبله وأنه إليه تحشرون * واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب) (2).
وفي السورة نفسها جمع بين «تعلمون» و «عظيم» (3). وهذا مطرد في القرآن بآلاف الأمثلة.
الثاني: الوقف عند حرف معين لا يتغير في الفاصلة كما في سور عدّة، ونماذج متعددة، فمن أمثلته عادة جملة من السور القصار، كالقدر، والعصر، والفيل، واليل، والكوثر، والاخلاص، والناس، وجملة من السور الوسطى كالأعلى والقمر، وفيها جميعاً مراعاة للمنهج الصوتي، والبعد الإيقاعي، ويتجلى النغم الصوتي المتميز بأبهى صوره، وأروع مظاهره في سورة القمر، إذ تختتم فيها الفاصلة بصوت الراء مردداً بين طرف اللسان وأول اللهاة مما يلي الأسنان.
____________
(1) السيوطي، الاتقان: 3|291.
(2) الأنفال: 24 ـ 25.
(3) ظ: الأنفال: 27 ـ 28.
--------------------------------------------------------------------------------
(150)
الثالث: الوقوف عند حرف معين للفاصلة في بعض السور، والانتقال منه للوقوف عند حرف آخر للفاصلة في بعضها الآخر، وأمثلته متوافرة في جملة من سور القرآن، كالنبأ، والمرسلات، والنازعات، والتكوير، والانفطار، والمطففين، وانظر إلى قوله تعالى في سورة «عبس» وهي تواكب صوت الهاء في فواصل عدة آيات، ثم تنتقل إلى الراء الملحقة بالتاء القصيرة بعدها في أيات أخر:
(يوم يفرالمرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل أمرى منهم يومئذ شأن يغنيه * وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الكفرة الفجرة) (1).
وقد لا يراد الملحظ الصوتي مجرداً عند الابعاد الأخرى في فواصل الآيات، فقد يجتمع في الفاصلة الغرض الفني بجنب الغرض الديني، فتودي الفاصلة غرضين في عمل مزدوج، فمن أبرز الصور الاجتماعية الهادفة في سورة البلد: آيات العقبة، وتفصيلات يوم القيامة، في تجاوز مظاهرالغل والقيد، ومراحل الفقر والجوع ليتم تجاوز العقبة الحقيقية في القيامة، ولا يتم ذلك إلا بتجاوز عقبات الظلم الاجتماعي، وتخطي مخلفات العهد الجاهلي، واقتحام القيم التي عطلت الحياة الإنسانية عن مسيرتها في التحرر والانطلاق، وهي قيم قاتلة، وأعراف بالية نشأت عن الطغيان المتسلط، والتفاوت الطبقي المقيت، فالرق ضارب بأطنابه، والاستئثار شكل مجاعة بشرية جماعية، والقطيعة في الأرحام أنهكت الأيتام، والغنى اللامشروع فجرّ سيلاً من الأوضار الاجتماعية تشكل رعيلاً
(يُتْبَعُ)
(/)
سادراً من الأرامل والأيامى والمساكين، ممن ألصقهم الفقر بالتراب، أو لصقوا هم به من الفقر والضر والفاقة، فأحال ألوانهم كلونه، فهم يلتحفون التراب ويفترشونه، ولا يجدون غيره، حتى عادوا جزءاً منه، وعاد هو جزءاً من كيانهم، فمن التراب وعلى التراب وإلى التراب.
هذا المناخ المزري عقبات متراكمة، من فوقها عقبات متراكمة، وإزالة هذه العقبات تدريجياً هو الطريق إلى قفز تلك العقبة الكبرى
____________
(1) عبس: 34 ـ 42.
--------------------------------------------------------------------------------
(151)
وتجاوزها، في حياة قوله تعالى: (فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو اطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة) (1).
ما هذا الإيقاع المجلجل؟ وما هذه النبرات الصوتية الرتيبة؟ وما هذا النسق المتوازن؟ العقبة، رقبة، مسغبة، مقربة، متربة، أصداء صوتية متلاحقة، في زنة متقاربة، زادها السكت رنة وتأثيراً ولطف تناغم، وسط شدة هائلة مرعبة، وخيفة من حدث نازل متوقع، فالاقتحام في مصاعبه ومكابدته، والعقبة في حراجتها والتوائها ومخاطرها، يتعانقان في موضع واحد، يوحي بالرهبة والفزع.
«والاقتحام هو أنسب الألفاظ للعقبة لما بينهما من تلاؤم في الشدة والمجاهدة واحتمال الصعب، والمناسبة بين اقتحام العقبة وبين خلق الإنسان في كبد، أوضح من أن يحتاج إلى بيان، والجمع بينهما في هذا السياق، يقدم لنا مثلاً رائعاً من النظم القرآني المعجز: فالإنسان المخلوق في كبد، أهل لأن يقتحم أشد المصاعب، ويجتاز أقسى المفاوز، على هدى ما تهيأ له من وسائل الإدراك والتمييز، وما فطر عليه من قدرة على الاحتمال والمكابدة» (2).
قال الطبرسي (ت: 548 هـ) وهو يتحدث عن هذا السياق: «أنه مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال الخير والبر، فجعل ذلك كتكليف صعود العقبة الشاقة الكؤود، فكأنه قال: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام» (3).
وإرادة التأنيب والتعنيف مع الحض والترجيح والتحبيب، في صيغة النفي وتقريره، والاستفهام وتهويله، حافز وأي حافز على معالجة هذه المخاوف الاجتماعية السائدة، ودرء هذه المشاكل العالقة في المجتمعات المتخلفة: السغب، اليتم، المسكنة، إنها آفات متطاولة تنخر في بنية
____________
(1) البلد: 11 ـ 16.
(2) بنت الشاطي، التفسير البياني: 1|190.
(3) الطبرسي، مجمع البيان: 5|495.
--------------------------------------------------------------------------------
(152)
الجسم الإنساني فتهدمه، واقتحامها بحزم يتركها وراء الإنسان مسافات مترامية، وذلك ما يهيء السبيل إلى تجاوز العقبة المترقبة الوقوع، في كل معانيها البيانية: حقيقية كانت أو مجازية.
إن ورود هذه الآيات في نسق صوتي متجانس، وصيغة إصلاحية هادفة، يضفي على الفاصلة القرآنية، جمالها المعهود، وحسها الإيقاعي الهادر، دون تطلع إلى تعبير مماثل أو مغاير، فهي تمتلك النفس، وتأخذ بالإحساس في نظام رتيب؛ فالحرية أولاً، والعطاء المغني ثانياً، بدءاً بالأرحام، وعطفاً على الآخرين، وفيها أخذ بملحظ القرابة والرحم، وحث على تقديم ذوي القربى من المعوزين على الأباعد في فك القيود، وعتق الرقاب، والاطعام بإحسان.
ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات:
الملحظ الصوتي في فواصل الآيات القرآنية قائم على عدة ضواهر، نرصد منها أربع ظواهر:
الأولى: وتتمثل بزيادة حرف ما في الفاصلة وعناية للبعد الصوتي، وعناية بنسق البيان في سر اعتداله، ليؤثر في النفس تأثيره الحسّاس، فتشرئب الأعناق، وتتطلع الأفئدة حين يتواصل النغم بالنغم، ويتلاحم الإيقاع بالإيقاع، وأبرز مظاهر هذه الظاهرة ألف الاطلاق إن صح التعبير بالنسبة للقرآن، فقد ألحقت الألف في جملة من الآيات بأواخر بعض كلماتها، وكان حقها الفتح مطلقاً، دون مدّ الفتحة حتى تكون ألفاً، وانظر معي في سورة واحدة، إلى كل من قوله تعالى، وكأن ذلك معني بحد ذاته ومقصود إليه لا ريب:
وقال تعالى: (وتظنون بالله الظنونا) (1).
وقال تعالى: (فأضلّونا السبيلا) (2).
وقال تعالى: (وأطعنا الرسولا) (3).
(يُتْبَعُ)
(/)
____________
(1) الأحزاب: 10.
(2) الأحزاب: 67.
(3) الأحزاب: 66.
--------------------------------------------------------------------------------
(153)
يبدو أن إلحاق هذه الألف في «الظنون» «السبيل» «الرسول» يشكل تلقائياً ظاهرة صوتية تدعو إلى التأمل، وإلا فما يضير الفتح لولا الملحظ الصوتي «لأن فواصل هذه السورة منقلبة عن تنوين في الوقف، فزيد على النون ألف لتساوي المقاطع، وتناسب نهايات الفواصل» (1).
وما يقال هنا يقال فيما ورد بسورة القارعة في زيادة هاء السكت وإلحاقها في «هي» لتوافق الفاصلة الأولى الثانية في قوله تعالى: (وما ادراك ما هيه * نار حامية) (2).
وهيا إلى سورة الحاقة وانظر إلى هاء «السكت» في إضافتها وإنارتها في جملة من آياتها، فتقف خاشعاً مبهوراً، تمتلك هزة من الأعماق وأنت مأخوذ بهذا الوضع الموسيقي الحزين، المنبعث من أقصى الصدر وأواخر الحلق، فتتقطع الأنفاس، وتتهجد العواطف، واجمة، متفكرة، متطلعة، فتصافح المناخ النفسي المتفائل حيناً، والمتشائم حيناً آخر، وأنت فيما بينهما بحالة متأرجحة بين اليأس والرجاء، والأمل والفزع، والخشية والتوقع، فسبحان الله العظيم حيث يقول:
(يومئذ تعرضون لا تخفا منكم خافية * فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم أقرءوا كتابيه * أني ظننت أنى ملاق حسابيه * فهو في عيشة راضية * في جنة عالية * قطوفها دانية * كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية * وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * ياليتها كانت القاضية * مآ أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه) (3).
فأنت تلاحظ الفواصل: كتابيه، حسابيه، كتابيه، حسابيه، ماليه، سلطانيه، قد أزيدت فيها هاء السكت رعاية لفواصل الآيات المختومة بالتاء القصيرة والتي اقتضى السياق نطقها هاء للتوافق.
وما زلنا عند الهاء، فتطلع إليها، وهي ضمير ملصق بالفواصل،غير زائد بل أصلي الورود، وقد حقق بذلك وقعه في النفس، وجرسه في
____________
(1) الزركشي، البرهان: 1|61.
(2) القارعة: 10 ـ 11.
(3) الحاقة: 18 ـ 29.
--------------------------------------------------------------------------------
(154)
الأذن، وقوته في امتلاك المشاعر، قال تعالى:
(يود المجرم لو يفتدى من عذاب يومئذ ببنيه * وصاحبته وأخيه * وفصيلته التى تؤيه * ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه) (1).
فلا زيادة في هذه الهاء، وهي ضمير في الفواصل كلها، وقد حققت صوتياً مناخ الانتباة، ورصد مواضع الاصغاء من النفس الإنسانية.
الثانية: وتتمثل بحذف حرف ما رعاية للبعد الصوتي، وعناية بالنسق القرآني كما في قوله تعالى:
(والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر) (2).
فقد حذف الياء من يسري موافقة للفاصلة فيما يبدو ومثله قوله تعالى: (فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن) (3).
فالياء من «اكرمن» و «أهانن» قد حذفت رعاية لهذا الملحظ، ولما في النون من الغنة عند الوقوف عليها فيما يبدو، ويظهر أن هذا الأمر مطرد في جملة من آيات القرآن الكريم في فواصل ما في قوله تعالى: (لكم دينكم ولى دين) (4).
الثالثة: وتتمثل في تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، زيادة في العناية بتركيب السياق، وتناسق الألفاظ، وترتيب الفواصل، كما في قوله تعالى: (فأوجس في نفسه خفيفة موسى) (5). فتأخر الفاعل وحقه التقديم، وعليه يحمل تقديم هارون على موسى في قوله تعالى:
(فألقى السحرة سجدا قالوا ءامنّا برب هارون وموسى) (6). فإن هارون وزير لموسى، وأهمية موسى سابقة له، وقدم هارون عليه رعاية لفواصل آيات السورة، إذا انتظمت على الألف والألف المقصورة في أغلبها، والله العالم.
____________
(1) المعارج: 11 ـ 14.
(2) الفجر: 1 ـ 4.
(3) الفجر: 15 ـ 16.
(4) الكافرون: 6.
(5) طه: 67.
(6) طه: 70.(/)
كتاب الصوت اللغوي في القرآن - 1 -
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[20 - 10 - 2005, 05:51 ص]ـ
الصّوت اللغويّ
في القرآن
الفهرس
المقدمة: 5
الفصل الأول: أبعاد الصوت اللغوي 11
1 ـ مصطلح الصوت اللغوي 13
2 ـ تقسيم الصوت بين العرب والأوروبيين 17
3 ـ تطور الصوت الغوي 23
4 ـ نظرية الصوت اللغوي 30
الفصل الثاني: منهجية البحث الصوتي 37
1 ـ الخليل بن أحمد ومدرسته الصوتية 39
2 ـ الصوت في منهجة سيبويه 52
3 ـ الفكر الصوتي عند ابن جني 56
أ: مصدر الصوت و مصطلح المقطع 62
ب: جهاز الصوت المتنقل 66
ت: أثر المسموعات في تكوين الأصوات 69
ث: محاكاة الأصوات 71
4 ـ القرآن والصوت اللغوي 73
الفصل الثالث: الصوت اللغوي في فواتح السور القرآنية
1 ـ القرآن يوجه اهتمام العرب للصوت اللغوي
2 ـ أصناف الأصوات اللغوية في فواتح السور عند الباقلاني
3 ـ جدولة الصوت اللغوي في فواتح السور عند الزمخشري
4 ـ الصدى الصوتي للحروف المقطعة عند الزركشي
5 ـ القرآن في تركيبه الصوتي من جنس هذه الأصوات 81
الفصل الرابع: الصوت اللغوي في الأداء القرآني 103
1 ـ أصول الأداء القرآني 105
2 ـ مهمة الوقف في الأداء القرآني 108
3 ـ نصاعة الصوت في الأداء القرآني 112
4 ـ الصوت الأقوى في الأداء القرآني 116
5 ـ توظيف الأداء القرآني في الأحكام 133
الفصل الخامس: الصوت اللغوي في فواصل الآيات القرآنية 141
1 ـ مصطلح الفاصلة في القرآن 143
2 ـ معرفة فواصل القرآن صوتياً 148
3 ـ ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات 152
4 ـ الإيقاع الصوتي في موسيقى الفواصل 156
الفصل السادس: الدلالة الصوتية في القرآن 161
1 ـ مظاهر لدلالة الصوتية 163
2 ـ دلالة الفزع الهائل 165
3 ـ الإغراق في مدّ الصوت واستطالته 168
4 ـ الصيغة الصوتية الواحدة 171
5 ـ دلالة الصدى الحالم 176
6 ـ دلالة النغم الصارم 179
7 ـ الصوت بين الشدة واللين 182
8 ـ الألفاظ دالة على الأصوات 185
9 ـ اللفظ المناسب للصوت المناسب 188
خاتمة المطاف ونتائج البحث 193
المصادر والمراجع: 205
أ ـ المصادر القديمة 205
ب ـ المراجع الحديثة العربية والمترجمة 209
جـ ـ المراجع الأجنبية 212
موسوعة الدّراسات القرآن
(2)
الصّوت اللغويّ
في القرآن
الدكتور محمّد حسين علي الصّغير
استاذ الدّراسات القرآنية في جامعة الكوفة
دار المورخ العربي
بيروت ـ لبنان
--------------------------------------------------------------------------------
(4)
--------------------------------------------------------------------------------
(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
هذا بحث قد يكون جديداً في موضوعه، أو أصيلاً في نتائجه، ولا أدعي ذلك كوني صاحب هذا البحث، أو كاتب فصوله المتواضعة، ولكن طرافة موضوعه، وجدة مباحثه، ودقة تطبيقاته ساقت لمثل هذا الادعاء.
هناك جدبٌ حضاري لدى جملة من المثقفين، وطائفة من المستشرقين، يوحي بأصالة النظريات النقدية والفنية واللغوية في الدراسات الأوروبية، دون ريادة لحضارة الأمة العربية التي أسست معالم الثقافة والفن والإبداع.
وقد جاء هذا البحث مؤصلاً للنظرية العربية في علم الأصوات: phonetics التي تطورت فيما بعد للتخصص في علم الصوت الوظيفي: التشكيلي phonology وكان مجال ذلك تطبيقاً وتنظيراً في أرقى نصّ عربي؛ وهو القرآن الكريم، لذلك فالصوت اللغوي في حياة التراث ليس جديداً، ولكنه في القرآن ـ فيما أزعم ـ يوحي بالجدة والطرافة والحداثة.
فالقرآن كتاب الله العظيم، ومعجزة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الخالدة، وتطبيق البحث الصوتي قرآنياً، فيه صعوبة ومعاناة، وتسخير مفاهيم الصوت للقرآن ليس أمراً يسيراً، فالقرآن وهو عربي العبارة يتسع لمئات الجزئيات في العربية، والعربية وهي عالمية اللغة تسير مع العالم في أصواته السابحة،
--------------------------------------------------------------------------------
(6)
(يُتْبَعُ)
(/)
فاللغات أصوات، ومهمة هذا البحث ضم هذه المفاهيم في وحدة فنية لا تنفصل، فخاض غمار هذا الموضوع الشائك، وخرج بجملة صالحة من النتائج والكشوف التي أرجو متفائلاً أن تضيف شيئاً ما للمكتبة القرآنية بخاصة، والمكتبة العربية بعامة، والمكتبة الصوتية في العالم مطلقاً.
إن التماس النظريات الصوتية المعقدة في رحاب القرآن العظيم مما يحتاج إلى الصبر والأناة، واستكناه فصائل هذا الملحظ الدقيق مما يدعوا الى الترصد والتصدي والاستنتاج، فالصوتيات علم سبق إليه علماء العربية فيما ثبت بالبحث، وتناوله الأوروبيون بالنقد والتمحيص في ضوء أجهزة العلم المتطورة، وكان حصيلة هذا السبق وهذا التناول المزيد من الدراسات المنهجية المتقدمة التي ما زال للبحث فيها فضل استزادة وريادة، وللباحث فيها موطن تشبث واستقراء. بيد أن إخضاع هذه المقاييس الفنية في الأشكال، والموازين الصوتية في القياسات لمحكم الآي المجيد لا يتأتي بيسر وسماح، ولا يتم بتجوال مجمعي بسيط، فليس السبيل معبدا، ولا المعالم من الوضوح بحيث تُستوعب استيعاب المسلمات البديهية، فقد تتخلل هذا وذاك العقبات التنظيرية، وقد تعيقه قلة المصادر والموارد، فيبقى الفكر متكلاً على عبقريته في الإبداع، والبحث معتمداً على سجيته في الاستنباط، والباحث بينهما قد يخطىء ويصيب، والأسنّة من حوله مشرعة، فهو بأزاء مقارنة صعبة، وخيارات أهونها ذو عسرة وشدة متصلتين، حتى ليضيق ـ أحياناً ـ بالحديث حذر المتاهات، وتجاوز صلب الموضوع.
ومهما يكن من أمر ما قدمناه، فقد ترعرع هذا البحث المستفيض في خصائص الصوت القرآني وملامحه ومميزاته فيما لم يسبق إليه صوتياً في ستة فصول انتظمت شمل هذا الكتاب، أشير إليها هنا بالتسمية، وأحيل معها على خاتمة البحث في استلهام النتائج، واستقراء الحقائق التي أرجو أن أفيد منها ويفيد الجيل ما نتبصر به بين يدي كنوز القرآن، ومكنونات التراث، وفضل العربية على اللغات:
الفصل الأول، وعنوانه: (أبعاد الصوت اللغوي).
وقد تناول بالبحث المركز المفردات الآتية:
--------------------------------------------------------------------------------
(7)
1ـ مصطلح الصوت اللغووي.
2ـ تقسيم الصوت بين العرب والأوروبيين.
3ـ تطور الصوت اللغوي.
4ـ نظرية الصوت الغوي.
الفصل الثاني، وعنوانه: (منهجية الدرس الصوتي).
وقد تناول بالبحث المنهجي المفردات الآتية:
1 ـ الخليل بن أحمد ومدرسته الصوتية.
2ـ الصوت في منهجة سيبويه.
3ـ الفكر الصوتي عند ابن جني.
4ـ القرآن والصوت اللغوي.
الفصل الثالث، و عنوانه: (البحث اللغوي في فواتح السور القرآنية).
وقد تناول بالبحث والتمحيص المفردات الآتية:
1 ـ القرآن يوجه اهتمام العرب للصوت اللغوي.
2 ـ أصناف الأصوات اللغوية في فواتح السور عند الباقلاني.
3 ـ جدولة الصوت اللّغوي في فواتح السور عند الزمخشري.
4 ـ الصدى الصوتي للحروف المقطعة عند الزركشي.
5 ـ القرآن في تركيبه الصوتي من جنس هذه الأصوات.
الفصل الرابع، وعنوانه: (الصوت اللغوي في الأداء القرآني).
وقد كشف المفردات الآتية:
1 ـ أصول الأداء القرآني.
2 ـ مهمة الوقف في الأداء القرآني.
--------------------------------------------------------------------------------
(8)
3ـ نصاعة الصوت في الأداء القرآني.
4 ـ الصوت الأقوى في الأداء القرآني.
5 ـ توظيف الأداء القرآني في الأحكام.
الفصل الخامس، وعنوانه: (الصوت اللغوي في فواصل الآيات القرآنية).
وقد تناول بالبحث التحليلي المفردات الآتية:
1ـ مصطلح الفاصلة في القرآن.
2 ـ معرفة فواصل القرآن صوتياً.
3 ـ ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات.
4 ـ الإيقاع الصوتي في موسيقي الفواصل.
الفصل السادس، وعنوانه: (الدلالة الصوتية في القرآن).
وقد تناول مظاهر الدلالة الصوتية، ولمس أبعادها المتشعبة في المفردات الآتية:
1 ـ دلالة الفزع الهائل.
2ـ الاغراق في مدّ الصوت واستطالته.
3 ـ الصيغة الصوتية الواحدة.
4 ـ دلالة الصدى الحالم.
5 ـ دلالة النغم الصارم.
6 ـ الصوت بين الشدة واللين.
7 ـ اللفظ المناسب للصوت المناسب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكانت خاتمة البحث في إجمال النتائج التي توصل إليها. واقتضت طبيعة البحث المتنوعة أن تكون مصادره القديمة ومراجعة الحديثة ذات أصناف ثلاثة:
--------------------------------------------------------------------------------
(9)
أ ـ كتب الأصوات قديمها وحديثها، عربيها وأوروبيها.
ب ـ كتب علوم القرآن والتفسير والقراءات.
جـ ـ كتب اللغة والتراث والأدب والبلاغة والنقد. وبعد، فلا أدعي لهذا البحث الكمال، ولا لمباحثه الشمولية والاستيعاب، ولكنه جذوة من ألف القرآن الهادي، ونفحة من عبيره الفياض، وضع شاخصاً في معالم الطريق، عسى أن ينتفع به الناس وأنتفع: «يوم لا ينفع مال وولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم» وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
النجف الأشرف الدكتور محمد حسين علي الصغير
أستاذ في جامعة الكوفة
--------------------------------------------------------------------------------
(10)
--------------------------------------------------------------------------------
(11)
الفصل الأول
أبعاد الصوت اللغوي
1 ـ مصطلح الصوت اللغوي
2 ـ تقسيم الصوت بين العرب والأوروبيين
3 ـ تطوّر الصوت اللغوي
4 ـ نظرية الصوت اللغوي
--------------------------------------------------------------------------------
(12)
--------------------------------------------------------------------------------
(13)
مصطلح الصوت الغوي:
الصوت لغة: الجرس، والجمع أصوات: قال ابن السكّيت: الصوت صوت الإنسان وغيره، والصائت: الصائح، ورجل صيّت: أي شديد الصوت (1).
ورجل صائت: حسن الصوت شديده.
وكل ضرب من الأغنيات صوت من الأصوات (2).
وتعريف الصوت مرتبط بأبعاده وموارده، ومتعين بتقييده بمراده، وقد أعطى الراغب (ت: 502 هـ) خلاصة دقيقة لهذه المصادر، بعد اعتباره الصوت الهواء المنضغط عن قرع جسمين، وهما ضربان:
صوت مجرد عن تنفس بشيء كالصوت الممتد، وتنفس بصوت ما. والمتنفس نوعان: غير اختياري كما يكون من الجمادات والحيوانات. ونوع اختياري كما يكون من الإنسان، وهو ضربان:
1 ـ ضرب باليد كصوت العود وما يجري مجراه.
2 ـ ضرب بالفم في نطق وغير نطق.
فالمنطوق منه: إما مفرد من الكلام، وإما مركب كأحد الأنواع من
____________
(1) ظ: ابن منظور، لسان العرب: مادة: صوت.
(2) الخليل، كتاب العين:7 | 146.
--------------------------------------------------------------------------------
(14)
الكلام. وغير النطق: كصوت الناي (1).
وقد ثبت علمياً أن الصوت اهتزازات محسوسة في موجات الهواء، تنطلق من جهة الصوت، وتذبذب من مصانعه المصدّرة له، فتسبح في الفضاء حتى تتلاشى، يستقر الجزء الأكبر منها في السمع بحسب درجة تذبذبها، فتوحي بدلائلها، فرحاً أو حزناً، نهياً أو أمراً، خبراً أو إنشاء، صدى أو موسيقى، أو شيئاً عادياً مما يفسره التشابك العصبي في الدماغ، أو يترجمه الحس المتوافر في أجهزة المخ بكل دقائقها، ولعل في تعريف ابن سينا (ت: 428هـ) إشارة إلى جزء من هذا التعريف، من خلال ربطه الصوت بالتموج، واندفاعه بسرعة عند الانطلاق، فهو يقول: «الصوت تموج الهواء ودفعه بقوة وسرعة من أي سبب كان». (2).
ولا كبير أمر في استعراض تمرس علماء العربية بهذا النمط من الدراسات والتحديدات، وهذا النحو من تلمس الصوت فيزيائياً، وقياس سرعته ومساحته أمواجياً فقد سبق إليه جملة من الباحثين. (3).
والصوت غنائياً: تعبير عن كل لحن يردد على نحو خاص من الترجيع في الشعر العربي له طريقة محددة، ورسم يعرف به، لأن الأصوات: مجموعة مختارة من أغاني العرب القديمة والمولدة في أشعارها ومقطعاتها» أمر الرشيد المغنين عنده أن يختاروا له مائة صوت منها فعيونها له. ثم أمرهم باختيار عشرة فاختاروها، ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا. وحكي أن هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق المذكورة لا تبقي نغمة في الغناء إلا وهي فيها في ألحان موسيقية ثلاثة هي: لحن معبد، ولحن ابن سريج، ولحن ابن محرز، في جملة من الشعر العربي (4).
(يُتْبَعُ)
(/)
وتسمية هذه الألحان بالأصوات ناظرة إلى الغناء لأنه تلحين الأشعار
____________
(1) الراغب، المفردات: 288.
(2) ابن سينا، أسباب حدوث الحروف: 7.
(3) ظ: للتفصيل كلاً من: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 129 ـ 145 + خليل العطية، في البحث الصوتي عند العرب: 6 ـ 11 + المؤلف، منهج البحث الصوتي عند العرب: بحث.
(4) ظ: أبو الفرج، الأغاني: 1|7 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(15)
الموزونة بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة معروفة، يوقع كل منها إيقاعاً عند قطعه فتكون نغمة، ثم تؤلف تلك الأنغام بعضها إلى بعض على نسب متعارفة، فيلذ سمعها لأجل ذلك التناسب، وما يحدث عنه من الكيفية في تلك الأصوات. وذلك أنه تبين في علم الموسيقي أن الأصوات تتناسب، فيكون صوت نصف صوت، وربع آخر، وخمس آخر، وجزءاً من أحد عشر من آخر، واختلاف هذه النسب عند تأديتها إلى السمع يخرجها من البساطة إلى التركيب (1).
والصوت لغوياً: «عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلا حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً، وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها» (2).
هذا التعريف لابن جني (ت: 392 هـ) وهو معني بملامح الصوت اللغوي دون سواه، بدليل تحديده مقاطع الصوت التي تثنيه عن الامتداد والاستطالة، ويسمى وقفة الانثناء مقطعاً في صيغة اصطلاحية دقيقة، نتناولها بالبحث في موضعه، ويسمى المقطع عند الانثناء حرفاً، ويميز بين الجرس الصوتي لكل حرف معجمي بحسب اختلاف مقاطع الأصوات، فتلمس لكل حرف جرساً، ولكل جرس صوتاً.
ولما كانت اللغة أصواتاً يعبر بها كل قوم عن أغراضهم (3). فالصوت بوصفه لغوياً في هذه الدراسة يعني: تتبع الظواهر الصوتية لحروف المعجم العربي، وفي القرآن العظيم بخاصة لأنه حقل البحث، وذلك من حيث مخارج الأصوات ومدارجها، وأقسامها وأصنافها، وأحكامها وعللها، ودلائلها وخصائصها في أحوال الجهر والهمس والشدة والرخاوة، وملامح صوائتها وصوامتها في السكون وعند الحركة، وضوابطها في الأطباق والانفتاح، مما يتهيأ تنظيره من القرآن، ويتوافر مثاله الفريد من الكتاب،
____________
(1) ظ: ابن خلدون، المقدمة: فصل في صناعة الغناء.
(2) ابن جني، سر صناعة الأعراب: 1|6.
(3) ابن جني، الخصائص: 1|33.
--------------------------------------------------------------------------------
(16)
ضمن موازنة محدثة، ورؤية صوتية معاصرة، استلهمت التراث في ثرائه، وتنورت الجديد في إضاءته، فسارت بين هذين مسيرة الرائد الذي لا يكذب أهله.
ومن هنا فقد توصل هذا البحث إلى أن الأوائل من علماء العربية قد مهدوا بين يدي الأوروبيين جادة البحث المنظم في استكناه الصوت اللغوي، وأسهموا إسهاماً حقيقياً في إرساء ركائزه الأولى، مما أتاح لهم فرصة الاستقرار المبكر لحقيقة الأصوات اللغوية، وسهل عليهم خوض الموضوع بكل تفصيلاته المضنية، وترويض جماح تعقيداته المتشعبة، مما سجل للعرب في لغة القرآن أسبقية الكشف العلمي، والتواصل إلى النتائج التي تواضعت عليها اليوم حركة الأصواتيين العالمية، بعد المرور بتجربة المعادلات الكاشفة، والأجهزة الفيزولوجية المتطورة التي أكدت صحة المعلومات الهائلة التي ابتكرها العرب في هذا الميدان. ومصطلح علم الأصوات مصطلح عربي أصيل، لا شك في هذا لدنيا، وعلة ذلك: النص على تسميته صراحة دون إغماض، واستعمال مدلولاته في الاصطلاح الصوتي بكل دقة عند العرب القدامى، يقول ابن جني (ت: 392 هـ): «ولكن هذا القبيل من هذا العلم؛ أعني (علم الأصوات) والحروف، له تعلق ومشاركة للموسيقي، لما فيه من صنعة الأصوات والنغم» (1).
فهو لا ينص عليه فحسب حتى يربطه بالإيقاع الموسيقي والنغم الصوتي، وكلاهما منه على وجه، ولا أحسب أن هذه التمسمية الصريحة بهذه الدلالة الاصطلاحية الناصعة قد سبق إليها ابن جنبي من ذي قبل، فهو مبتدعها وهو مؤسس مصطلحها المسمى: ( phonemics ) .
(يُتْبَعُ)
(/)
إن نظرة فاحصة في كتابه الجليل «سر صناعة الأعراب» تؤكد بكل جلاء كونه مخططاً حقيقياً لعلم الصوات متكامل العدة والأسباب، من خلال المفردات الصوتية الفذة التي بحثها وصنف القول فيها، متبدئاً بتعداد حروف المعجم وضبط أصولها صوتياً، وإيغاله في وصف مخارج الحروف وصفاً دقيقاً، وتقسيمه الأصوات إلى الأقسام التي لم يزد عليها علم
____________
(1) ابن جني، سرصناعة الاعراب: 1|10.
--------------------------------------------------------------------------------
(17)
الصوت الحديث جزءاً ذا بال، وخوصه لما يعرض على حروف من حذف وترخيم وإعلال وإبدال وإدغام وإشمام، يضاف إلى هذا رهافة صوتية متأنقة، وذهنية لغوية وقادة، تمازج بين اللغة والصوت فتخالهما كياناً واحداً متماسكاً يشد بعضه بعضاً، ومقارنة هذه المناحي وملاحظتها، تجده يبتكر مصطلح (علم الأصوات) ويضعه موضع البحث الموضوعي الهادف، لهذا فإن ماتواضع عليه ابن جني من مصطلح علم الأصوات، يمكن أن يكون الأصل الاصطلاحي الأول لما استقر عليه المصطلح الأوروبي (الفونولوجي ـ phonology ) : التشكيل الأصواتي، وهو يعني كل العناية بأثر الصوت اللغوي في تركيب الكلام نحوياً وصرفياً في ضوء الصوت والإيقاع لدى بحثه المصطلح، والذي تطور فيما بعد للكشف عن الأصوات الإنسانية العالمية المجهولة، ووضع لذلك مصطلحه الحديث (الفوناتكس ـ phonetics ) .
تقسم الصوت بين العرب والأوروبيين:
لقد اتسم العرب بدقة الملاحظة، وسلامة الحس الفطري، في تذوق الأصوات، فقسموا الحروف إلى طائفتين صوتيتين:
الأصوات الصائتة، والأصوات الصامتة. فحروف العلة في المعجم العربي وهي: الياء والواو والألف من الصوائت، وبقية حروف المعجم من الصوامت، وقد أدركوا جميع الملامح التي ميزت بين هذه الأصوات، فانقسمت عندهم إلى مجهورة ومهموسة تاره وإلى رخوة وشديدة تارة أخرى، وإلى أسنانية ولثوية مرة، والى حنكية ولهوية مرة، ومن ثم تجد الإشارات الصوتية في كل ملحظ من ملاحظ الأصوات المترامية لدى التقسيم.
يقول الأستاذ (كاردنر ـ W. H.T. cairdener ) : « لقد سبق العلماء العرب الأصواتيين المحدثين في تصنيف الأصوات حيث أشاروا إلى الأصوات الأسنانية والحنكية واللهوية واللثوية من الصوامت، وقدموا ملاحظاتهم المضبوطة عن المواقع الدقيقة للّسان والحنك متمثلة بأصوات متعددة ... وسلموا بصحة اندراجها تحت فصيلتين هما المجهورة والمهموسة، وللعرب معرفة كبيرة بالتقسيم الثاني الأساسي للأصوات الصحيحة، حيث يسمّون القسم الأول حروف الشدة، ويقصدون به
--------------------------------------------------------------------------------
(18)
الأصوات الصحيحة المشددة أو المتوترة. أما القسم الثاني فيسمونه حروف الرخاوة، ويقصدون به الأصوات المرتخية» (1).
وكان من نتائج مسيرة التطور للبحث الصوتي عند الأوروبيين أن قسموا الأصوات اللغوية إلى قسمين رئيسيين:
الأول: كونسونانتس ـ consonants .
الثاني: فزيلز ـ vowels .
ويمكن تسمية القسم الأول بالأصوات الساكنة، وتسمية الثاني بأصوات اللين، أو هي: الأصوات الصامتة والأصوات الصائتة (2). وهذا ما أشار إليه علماء الصوت العرب منذ عهد مبكر لدى اعتبارهم الفتحة والكسرة والضمة، وألف المدّ، وياء المدّ، وواو المدّ: أصوات لين، وما سواها أصواتاً ساكنة.
ومع أن الاهتمام العربي المبكر كان منصبّا على الأصوات الساكنة وهي الصامتة، وقد عبر عنها العلماء برموز كتابية معينة إلا أنهم أشاروا إلى الأصوات اللينة وهي الصائتة، واعتبروها أبعاض تلك الحروف.
وقد كان ابن جني (ت: 392 هـ) سبّاقاً إلى هذا الملحظ بقوله: «إعلم أن الحركات أبعاض حروف المد واللين وهي: الألف والواو والياء، فكما أن هذه الحروف ثلاثة فكذلك الحركات ثلاث وهي: الفتحة والكسرة والضمة.
فالفتحة بعض الألف، والكسرة بعض الياء، والضمة بعض الواو، وقد كان متقدمو النحويين يسمون الفتحة: الألف الصغيرة، والكسرة: الياء الصغيرة، والضمة: الواو الصغيرة، وقد كانوا في ذلك على طريق مستقيمة» (3).
(يُتْبَعُ)
(/)
والدليل على صحة رأي ابن جني أن الحركات إذا أشبعتها أصبحت حروفاً، فحركة الفتحة إذا أشبعتها ومددتها أصبحت ألفاً، وحركة الكسرة
____________
(1) cairdener | The phonetics of Arbic | p. 13 - 16 باختصار وتصرف.
(2) ظ: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 26.
(3) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|19.
--------------------------------------------------------------------------------
(19)
إذا أشبعتها ومددتها أصبحت ياءّ، وحركة الضمة إذا أشبعتها ومددتها أصبحت واواً.
فكأن ابن جني يشير بذلك إلى التفاوت في كمية النطق ونوعيته، فما يسمى بالألف عبارة عن فتحة ممدودة، وما يسمى بالياء عبارة عن كسرة ممدودة، وما يسمى بالواو عبارة عن ضمة ممدودة، والعكس بالعكس.
وقد أفاد من هذا الملحظ الدقيق علماء التلاوة والأداء القرآني، فنظموا قواعدهم تنظيماً اقتطعوه من علم الأصوات في هذا المجال في كل من المد والأشمام، والإبدال والإعلال، والترخيم والإدغام فكان «علم التجويد».
أما الصوامت من الأصوات عند علماء العربية، فقد وفق د. عبد الصبور شاهين إلى استقرائها بعامة، فأعطى لكل صامت خصائصه في العربية من حيث المخرج والصفة، وذلك من خلال متابعة جيدة للمناخ الأصواتي العالمي، واضعاً نُصب عينيه برمجة العلماء العرب للأصوات، فصنع جدولاً فنياً وزع فيه الصوامت العربية على مخارجها وصفاتها، مقارناً ذلك بالقيم الأصواتية المماثلة في اللغات الأوروبية الحية، بحيث أعطى كل صوت من الصوامت مميزاته الدقيقة بالشكل الفني المقبول، أنموذج ذلك الأمثلة الثلاثة التالية من تخطيطه المقارن، والتي اخترناها للتنظير على صحة ما توصل إليه العرب في صفات الأصوات من مخارج مختلفة، قد تعطي كشفاً لملامح الأصوات.
هذه الأصوات الثلاثة هي: الباء، اللام، الشين، يقول عنها:
1 ـ الباء: صامت شفوي مزدوج ـ إنفجاري (شديد) ـ مجهور ـ مرقق. وهو يقابل في اللغات الأوروبية رمز ( B) وليس في العربية صامت يقابل الرمز ( P) و هو يختلف في قيمته الأصواتية عن باء العربية بالهمس فقط، مع اتفاق الصوتين في القيم الأخرى.
2 ـ اللام: صامت أسناني لثوي ـ مائع (متوسط) ـ مجهور ـ جانبي ـ مرقق دائماً؛ إلا في لفظ الجلالة، فإنه يفخم إذا كان الانتقال إليه من فتح أو ضم، فأما إذا كان الانتقال من كسر فإنه يرقق على أصله.
--------------------------------------------------------------------------------
(20)
3 ـ الشين: صامت غاري ملثي ـ إحتكاكي (رخو) ـ مهموس ـ مرقق ـ يوصف بالتفشي، ومعناه أن مخرجه يحتل مساحة كبيرة من منطقة الغار واللثة، يتصل بها اللسان، فيكون أثر الاحتكاك في النطق صادراً من نقاط متعددة، متفشية في الفم (1).
وينقسم الصوت عند الأوروبيين من خلال علاقته المتماسة بالوترين الصوتيين إلى:
أ ـ مجهور ـ voiced وهو الذي يحرك هذين الوترين.
ب ـ مهموس ـ voiceless وهو الذي لا يحركهما.
وهذا نفسه ما ذهب إليه سيبويه (ت: 180 هـ) في الكتاب، وابن جني (ت: 392 هـ) في سر صناعة الإعراب كما سيأتي.
ولا أصل لما قيل إن العلماء العرب قد جهلوا شأن ذبذبة الوترين الصوتيين، فسيبوية يشير إليهما بدلالة كلامه عليهما وإن لم يصرح بهما. فقد أورد أبو سعيد السيرافي (ت: 368 هـ) في شرحه لكتاب سيبويه، أنه قال:
«المهموس إذا أخفيته ثم كررته أمكنك ذلك، وأما المجهور فلا يمكنك فيه. ثم كرر سيبويه التاء بلسانه وأخفى، فقال: ألاترى كيف يمكن؟ وكرر الطاء والدال وهما من مخرج التاء فلم يمكن.
قال: وإنما الفرق بين المجهور والمهموس أنك لا تصل إلى تبين المجهور إلا أن تدخله الصوت الذي يخرج من الصدر. فالمجهورة كلها هكذا يخرج صوتهن من الصدر ويجري في الحلق،؛ أما المهموسة فتخرج أصواتها من مخارجها ... والدليل على ذلك أنك إذا أخفيت همست بهذه الحروف، ولا تصل إلى ذلك في المجهور» (2).
وهذه الإفاضة من سيبويه تتضمن في جملتها خلاصة قيّمة للتفريق بين المهموس والمجهور في مجال إخفاء الصوت. وإخفاء الصوت إنما يتحقق
____________
(1) ظ: عبد الصبور شاهين، علم الأصوات لمالمبرج: الدراسة 122 ـ 126.
(يُتْبَعُ)
(/)
(2) خليل إبراهيم العطية، في البحث الصوتي عند العرب: 42 وما بعدها، وأنظر مصدره.
--------------------------------------------------------------------------------
(21)
في المهموسات فلا تتغير، وهو لا يتحقق في المجهورات، ويستعاض في تمييزها على ما يسميه بصوت الصدر. «ولعل هذا الصوت هو صدى الذبذبات التي تحدث في الوتريين الصوتيين بالحنجرة» (1).
وتشبيه ابن جني لجهاز النطق بالناي في انفتاحه وانطباقه تارة، وبوتر العود في تشكيله الأصداء المختلفة والأصوات المتنوعة «إلا أن الصوت الذي يؤديه الوتر غفلاً غير محصور ... فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت من أقصى الحلق، وجريان الصوت فيه غفلاً غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة» (2).
يمكن أن يفيد الباحث منه إشارته للوترين الصوتيين في حالة الصوت المجهور الذي يحركهما عند الانفتاح، وحالة الصوت المهموس الذي لا يحركهما عند الانطباق؛ هذا في تشبيه جهاز النطق بالمزمار. وفي شكيل مجموعة الأصداء المتفاوتة عند ضرب أو حصر آخر الوتر من قبل ضارب العود.
هذا وذاك مما يدلنا على معرفة علماء العربية بالوترين الصوتيين ولو على وجه الإجمال في الإدراك.
وثم تقسيم هائل للأصوات باعتبار مخارجها، وقد امتاز بابتكاره الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175هـ) وهو في نظرنا من أدق مبتكراته، لأنه انطلق مع الأصوات من مخارجها، وحقق القول في مساحاتها، ووضع كل صوت موضعه في تتبع فريد لم يستطع العلم الحديث أن يتخطاه بكل أجهزته المتخصصة والأهم من هذا أن الأدمغة المبدعة في أوروبا لم تستطيع الخروج على مسميات الخليل الصوتية، ولم تخالفه إلا فيما يتعلق بتقعيد بعض المصطلحات دون تغيير حقائقها بما يتناسب مع اللغة التي انتظمت عليها، ومع ذلك فهي الأصل الأول لمصطلحات أقسام الأصوات التي سبق إليها الخليل في تطبيق التسميات منطلقة من مسمياتها التي تحدث تلك الأصوات.
____________
(1) إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 123.
(2) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 9ـ 10.
--------------------------------------------------------------------------------
(22)
يمكن القول بأن تقسيم الأصوات عند الخليل بالإضافة إلى مخارجها؛ تشتمل على مخطط تفصيلي لعملية إخراج الأصوات وإحداثها، في شتى تقلباتها المكانية بدءاً من الرئتين في تدفق الهواء وانتهاء بالشفتين عند الميم، تضاف إليها المميزات الأخرى والخصائص المتعلقة بالأصوات وفضائها، وفي المستطاع تصنيف مناطق انطلاق الأصوات كما خططه الخليل على النحو الآتي:
1 ـ الذلق: تخرج من ذلق اللسان، وهو تحديد طرفي اللسان أو طرف غار الفم، وهي: (ر. ل. ن).
2 ـ الشفوية: تخرج من بين الشفتين خاصة (ف. ب. م).
3 ـ الحلق: مبدؤها من الحلق (ع. ح. هـ. خ. غ).
4 ـ أقصى الحلق: الهمزة وحدها، ومخرجها من أقصى الحلق مهتوتة مضغوطة.
5 ـ الجوف: مخرجها من الجوف هاوية في الهواء وهي: (الياء والواو والألف والهمزة).
6 ـ حروف اللين: مخرجها من الرئتين (ي. و. ا).
7 ـ اللهوية: مبدؤها من اللهاء (ق. ك).
8 ـ الشجرية: مبدؤها من شجر الفم، أي: مخرج الفم (ج. ش. ض).
9 ـ الأسلية: مبدؤها من أسلة اللسان، وهي مستدق طرف اللسان (ص. س. ز).
10 ـ النطعية: مبدؤها من نطع الغار الأعلى (ط. ت. د).
11 ـ اللثوية: مبدؤها من اللثة (ظ. ذ. ث).
ويضيف إلى هذه الأقسام نوعين من الأصوات هما:
أ ـ الصحاح وهي خمسة وعشرون حرفاً عدا الجوف.
ب ـ الهوائية وهي الياء والواو والألف والهمزة لأنها لا يتعلق بها
--------------------------------------------------------------------------------
(23)
(يُتْبَعُ)
(/)
شيء (1). إن هذا النحو المستفيض لطبيعة تقسيم الأصوات، وتبويب ذلك في مجالات متعددة، تتلمس حقيقة الصوت مرة كما في الصوائب والصوامت، وتنظر علاقة الصوت بوتري الصوت مرة كما في المجهور والمهموس، وتراعي مخارج الأصوات بالنسبة لأجهزة النطق أو التصويت بعامة، إن هو إلا أصالة صوتية لا تدانيها أصالة بالنسبة لبيئة انطلاق هذه المعلومات معتمدة على النظر والحس والتمحيص الشخصي، دون الاستعانة بأي رعيل من الأجهزة أو المختبرات.
نتيجة هذا الجهد الشخصي لعلماء العربية، وصفت لنا شخصية كل صوت باستقلالية تامة، وذلك كل ما توصل إليه الأوروبيين بعد جهد وعناء ومثابرة جماعية لا فردية.
يقول إبراهيم أنيس «ولقد كان للقدماء من علماء العربية بحوث في الأصوات اللغوية شهد المحدثون الأوروبيين أنها جليلة القدر بالنسبة إلى عصورهم، وقد أرادوا بها خدمة اللغة العربية والنطق العربية، ولا سيما في الترتيل القرآني، ولقرب هؤلاء العلماء من عصور النهضة العربية، واتصالهم بفصحاء العرب كانوا مرهفي الحس، دقيقي الملاحظة، فوصفوا لنا الصوت العربي وصفاً أثار دهشة المستشرقين وإعجابهم» (2).
وكان الوصف ما رأيت في الأقسام السالفة.
تطور الصوت اللغوي:
تنتاب اللغات الحية تطورات أصواتية، تنشأ عنها تغيرات أساسية في اللغات، فيخيم عن ذلك تغيير ملحوظ بطبيعة الصيغ الكلامية، ويحدث تطوير في الوحدات التركيبية، وأهم من ذلك ما ينشأ من تغيير في الأصوات، يمكن حصره باختصار كبير في عاملين أساسيين هما: التحوّل التأريخي والتحول التركيبي.
التحول التأريخي عبارة عن تغيير وتحوير في القواعد والأصول لنظام
____________
(1) قارن في هذا عند الخليل، العين: 51 ـ 60.
(2) إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 5.
الأصوات في اللغة، نابع عن تحولات المجتمعات البشرية من ساذجة إلى متطورة، أو من بدائية إلى متحضرة، وما يرافق هذا التحول من تحول بالعلاقات الاجتماعية، والمناخ القومي العام، مما ينطبع أثره على الظواهر الاجتماعية وأبرزها اللغة لأنها أكبر ظواهره التفاهمية والتخاطبية، فتتحول تدريجياً إلى لغة متطور في كثير من أبعادها المرتبطة بتطور مجتمعها، إذ لا يمكن أن ينفصل التفكير في تحول مسار لغة ما عن التفكير في تحوّل مسار متكلمي تلك اللغة، فاللغة في تطورها جزء لا يتجزأ من المحيط في تطوره، وليس بالضرورة التطور إلى الأفضل بل قد تتطور اللغة إلى شيء آخر يعود بها التدهور والانحطاط، تفقد فيه جملة من خصائصها الفنية أو الصوتية أو الجمالية، وتنسلخ فجأة عن ملامحها الذاتية وتستبدلها بما هو أدنى قيمة لغوية.
وقد تزدهر ازدهاراً يفوق حد التصور إذا كانت بسبيل من حماية أصالتها كما هي الحال في اللغة العربية إذ يحرسها القرآن العظيم.
التحول التأريخي هذا لا يعنينا الاهتمام بأمره كثيراً في ظاهرة الصوت اللغوي، وإنما تعنى هذه الدراسة بالشق الآخر من التحول وهو التحول التركيبي الذي ينشأ عادة نتيجة لظواهر تغيير أصوات اللغة الواحدة، واستبدال صوت منها بصوت آنياً أو دائمياً، فما استجاب للإبدال الصوتي الموقت يطلق عليه مصطلح المماثلة، وما استجاب للإبدال الصوتي الدائم يطلق عليه مصطلح المخالفة. هذا ما يبدو لي في التحول التركيبي، وهذه علة هذين المصطلحين، وقد يوافق هذا الفهم قوماً، وقد لا يرتضيه قوم آخرون، ولكنه ما توصلت إليه في ظاهرتي المماثلة والمخالفة في التراث العربي واللغة منه بخاصة.
أ ـ المماثلة: Assimilation ، ظاهرة أصواتية تنجم عن مقاربة صوت لصوت، فكلما اقترب صوت من صوت آخر، اقتراب كيفية أو مخرج، حدثت مماثلة، سواء ماثل أحدهما الآخر أو لم يماثله.
والمماثلة أنواع أبرزها:
1 ـ المماثلة الرجعية، ومعناها: أن يماثل صوت صوتاً آخر يسبقه.
--------------------------------------------------------------------------------
(25)
2 ـ المماثلة التقدمية، ومعناها: أن يماثل الصوت الأول الصوت الثاني.
3 ـ المماثلة المزدوجة، ومعناها: أن يماثل صوت الصوتين اللذين يحوطانه (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
والمماثلة في أنواعها متناسقة الدلالة في اللغة العربية في حالات الجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والانطباق والانفتاح، مما يتوافر أمثاله في مجال الصوت، وتنقل مجراه.
إن انتقال حالة الجهر في الصوت العربي إلى الهمس في المماثلة الرجعية شائع الاستعمال في أزمان موقوتة لا تتعداها أحياناً إلى صنعة الملازمة والدوام، وإنما تتبع حالة المتكلم عند الممازجة بين الأصوات أو في حالة الإسراع، وهناك العديد من الكلمات العربية قد أخضعت لقانون المماثلة الرجعية، وهي أوضح فيما اختاره عبدالصبور شاهين، فالكلمة (أخذت) مثلاً مما نظّر له عنها، (أخذت) حينما تنطق آنياً (أخَتُ) فقد آثرت التاء في (أخذت) وهي مهموسة، في الذال قبلها وهي مجهورة، فأفقدتها جهرها، وصارت مهموسة مثلها، وتحولت إلى تاء، ثم أدغم الصوتان.
أما عن المماثلة التقدمية، فإن في العربية باباً تقع فيه هذه المماثلة بصورة قياسية، في صيغة «افتعل ـ افتعالاً» حيث يؤثر الصامت الأول في الثاني، قال تعالى: (واًدّكَرَ بَعدَ أمَّة أنَا أنَبّئُكُم بتَأويله فَأَرسلُون) (2). الفعل: هو ذكر، وصيغة (افتعل ـ افتعالاً) منه (إذتكر ـ إذتكاراً) إذ تزاد الألف في الأول، والتاء تتوسط بين فاء الفعل وعينه، فيكون الفعل (إذتكر) والذال مجهورة، والتاء مهموسة، فتأثرت التاء بجهر الذال، فعادت مجهورة، والتاء إذا جهر بها عادت دالاً، فتكون: (إذ دكر) والدال تؤثر في الذال بشدتها، فتتحول الذال من صامت رخو إلى صامت شديد (دال) ثم تدغم الدالان، فتكون «إدَّكَرَ» (3).
____________
(1) ظ: مالمبرج، علم الأصوات: 141بتصرف وأختصار.
(2) يوسف: 45.
(3) ظ: عبد الصبور شاهين، علم الأصوات الدراسة: 145 بإضافة وتصرف.
--------------------------------------------------------------------------------
(26)
ب ـ وأما المخالفة: Dissimilation فتطلق عادة على أي تغيير أصواتي يهدف إلى تأكيد الاختلاف بين وحدتين أصواتيتين، إذا كانت الوحدات الأصواتية موضوع الخلاف متباعدة (1) أو تؤدي إلى زيادة مدى الخلاف بين الصوتين (2).
وقد وهم الدكتور إبراهيم أنيس رحمه الله بعدّه علماء العربية القدامى لم يفطنوا لظاهرة المخالفة في الأصوات ولم يعنوا بها عناية بالغة (3).
بينما يدل الاستقراء المنهجي لعلم الأصوات عند العرب أن قوانين علم الصوت العربي لم تفتها ظاهرة المخالفة بل تابعتها بحدود متناثرة في كتب اللغة والنحو والتصريف، وهو ما فعله علماء العربية في التنظير للمخالفة تارة، وبدراستها تارة اخرى، منذ عهد الخليل بن أحمد (ت: 175 هـ) حتى ابن هشام الأنصاري (ت: 761 هـ).
يقول الدكتور عبد الصبور شاهين «عرفت العربية ظاهرة المخالفة في كلمات مثل: تظنّن، حيث توالت ثلاث نونات، فلما استثقل الناطق ذلك تخلص من أحدها بقلبها صوت علة فصارت: تظنى .. ولها أمثلة في الفصحى مثل: نفث المخ: أنفثته نفثاً، لغة في نقوته، إذا استخرجته، كأنهم أبدلوا الواو تاءّ» (4).
وهذا ما ذهب إليه الأستاذ فندريس في ظاهرة المخالفة صوتياً، وكأنه يترجم تطبيق العرب بأن «يعمل المتكلم حركة نطقية مرة واحدة، وكان من حقها أن تعمل مرتين» (5). فإذا تركنا هاتين الظاهرتين إلى مصطلحين صوتيين آخرين يعنيان بمسايرة تطور الصوت في المقطع أو عند المتكلم، وهما: النبر والتنغيم، لم نجد العرب في معزل عن تصورهما تصوراً أولياً إن لم يكن تكاملياً، وإن لم نجد التسمية الاصطلاحية، ولكننا قد نجد مادتها التطبيقية في شذرات ثمينة.
____________
(1) ظ: مالمبرج، علم الأصوات: 148.
(2) ظ: تمام حسان، مناهج البحث في اللغة: 134.
(3) ظ: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 211.
(4) عبد الصبور شاهين، علم الأصوات الدراسة: 150.
(5) فندريس، اللغة: 94.
--------------------------------------------------------------------------------
(27)
النبر يُعنى عادة بمتابعة العلو في بعض الكلمات لأنه لا يسم وحدة أصواتية واحدة، بل منظومة من الوحدات الأصواتية (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
والتنغيم ـ كما أفهمه ـ يعني عادة بمتابعتة صوت المتكلم في التغيرات الطارئة عليه أصواتياً بما يلائم توقعات النفس الإنسانية للتعبير عن الحالات الشعورية واللاشعورية.
وكان المستشرق الألماني الدكتور براجشتراس قد وقف موقف المتحير حيناً، والمتسائل حيناً آخر، من معرفة علماء العربية بمصطلح النبر، فهو لم يعثر على نص يستند عليه، ولا أثر يلتجىء إليه في إجابة العربية عن هذا الأمر (2).
والحق أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود كما يقال؛ غير أن القدماء من العرب لم يدرسوا النبر في تأثيره في اللغة، بل لأنه يعنى بضغط المتكلم على الحرف، وبذلك ربطوه بالتنغيم أحياناً، وبالإيقاع الذي يهز النفس، ويستحوذ على التفكير، وقد اختار عبد الصبور شاهين مقطعاً من خطبة تروى لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أثبتها وعقب عليها، قال الإمام علي فيما روي عنه: «من وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال: فيم؟ فقد ضمَّنه، ومن قال: علام؟ فقد أخفى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزاولة». وللقارىء أن يتخيل أداء هذه الجمل المتتابعة موقعة على نحو يشد إليها أسماع الناس، ويستأثر بإعجابهم» (3).
الحق أن اللحاظ المشترك بين النبر والتغنيم عند العرب القدامى يجب أن يكون موضع عناية من الناحية النظرية، مع فرض توافره تطبيقاً
____________
(1) ظ: مالمبرج، علم الأصوات: 187.
(2) ظ: براجشتراسر، التطور النحوي: 46.
(3) عبد الصبور شاهين، علم الأصوات الدراسة: 200.
--------------------------------------------------------------------------------
(28)
قرأنياً في سور متعددة، وخطابياً عند النبي عليه السلام والأئمة والصحابة وفصحاء العرب في جملة من الخطب.
اتضح لزميلنا الدكتور خليل العطية أن ابن جني (ت: 392 هـ) في عبارته (التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم) (1) يمكن أن يشار عنده بها إلى مصطلحي النبر والتنغيم، بما تتفتّق معاني ألفاظ العبارة من دلالات لغوية فقال:
«وتشير ألفاظ التطويح والتطريح والتّفخيم من خلال معانيها اللغوية إلى رفع الصوت وانخفاضه والذهاب به كل مذهب، وهي على هذا إشارة الى النبر، وليس النبر غير عملية عضوية يقصد فيها ارتفاع الصوت المنبور وانخفاضه، كما أن تمطيط الكلام، وزوي الوجه وتقطيبه، مظهر من المظاهر التي تستند عليها ظاهرة التنغيم» (2).
فإذا نظرنا إلى تعريف التنغيم عند الأوروبيين بأنه «عبارة عن تتابع النغمات الموسيقية أو الإيقاعات في حدث كلامي معين» (3)، ثبت لدينا أن هذا التعريف الفضفاض لا يقف عند حدود في التماس ظاهرة التنغيم وضبطها، لأن تتابع النغمات والإيقاعات بإضافتها إلى الحدث الكلامي تختلف في هبوطها وصعودها نغماً وإيقاعاً، فهي غير مستقرة المستويات حتى صنف مداها عند الدكتور تمام حسان إلى اربعة منحنيات: «مرتفع وعال ومتوسط ومنخفض» (4).
و معنى هذا أن ليس بالإمكان قياس مسافة التنغيم ليوضع له رمز معين، أو إشارة معلمة عند العرب، لهذا فقد كان دقيقاً ماتوصل إليه زميلنا الدكتور طارق الجنابي باعتباره التنغيم «قرينة صوتيية لا رمز لها، أو يعسر أن تحدد لها رموز، ومن ثم لم يكن موضع عناية اللغويين القدامى، ولكنه وجد من المحدثين اهتماماً خاصاً بعد أن أضحت اللغات المحكية
____________
(1) ابن جني، الخصائص: 2|370.
(2) خليل إبراهيم العطية، في البحث الصوتي عند العرب: 67 وما بعدها.
(3) ماريو باي، أسس علم اللغة: 93.
(4) ظ: تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها: 229.
--------------------------------------------------------------------------------
(29)
موضع دراسة في المختبرات الصوتية» (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
وفقدان موضع العناية لا يدل على فقدان الموضوع، فقد كان التنغيم مجال دراسة لجملة من فنون العربية في التراكيب والأساليب، في تركيب الجملة لدى تعبيرها عن أكثر من حالة نفسية، وأسلوب البيان لدى تعبيره عن المعنى الواحد بصور متعددة، وهذا وذاك جزء مهم في علمي المعاني والبيان نحواً وبلاغة؛ وهي معالم أشبعها العرب بحثا وتمحيصاً، وإن لم يظهر عليها مصطلح التنغيم.
____________
(1) طارق عبد عون الجنابي، قضايا صوتية في النحو العربي: «بحث».
--------------------------------------------------------------------------------
(30)
نظرية الصوت اللغوي
وليس جديداً القول بسبق العرب إلى تأصيل نظرية الصوت اللغوي، واضطلاعهم بأعباء المصطلح الصوتي منذ القدم، لقد كان ما قدمناه في «منهج البحث الصوتي عند العرب» وإن كان جزئي الإنارة، فإنه كاف ـ في الأقل ـ للتدليل على أصالة هذا المنهج، وصحة متابعته الصوتية في أبعاد لا يختلف بها إثنان.
نضيف إلى ذلك ظاهرة صوتية متميزة في أبحاث العرب لم تبحث في مجال الصوت، وإنما بحثت في تضاعيف التصريف، ذلك أن صلة الأصوات وثيقة في الدرس الصّرفي عند العرب في كل جزئياته الصوتية، فكان ما توصل إليه العرب في مضمار البحث الصرفي عبارة عن استجابة فعلية لمفاهيم الأصوات قبل أن تتبلور دلالتها المعاصرة، فإذا أضفنا إلى ذلك المجموعة المتناثرة لعناية البحت النحوي بمسائل الصوت خرجنا بحصيلة كبيرة متطورة تؤكد النظرية الصوتية في التطبيق مما يعد تعبيراً حيّاً عن الآثار الصوتية في أمهات الممارسات العربية في مختلف الفنون.
«ولقد كان للقدماء من علماء العربية بحوث في الأصوات اللغوية شهد المحدثون الأوروبيين أنها جليلة القدر بالنسبة إلى عصورهم، وقد أرادوا بها خدمة اللغة العربية والنطق العربي، ولا سيما في الترتيل القرآني، ولقرب هؤلاء العلماء من عصور النهضة العربية، وإيصالهم بفصحاء العرب كانوا مرهفي الحسّ، دقيقي الملاحظة، فوصفوا لنا الصوت العربي وصفاً أثار دهشة المستشرقين وإعجابهم» (1).
____________
(1) إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 5.
--------------------------------------------------------------------------------
(31)
وهذه البحوث الصوتية التي سبق إليها علماء العربية فأثارت دهشة المستشرقين، وأفاد منها الأوروبيين في صوتياتهم الدقيقة التي اعتمدت أجهزة التشريح، وقياس الأصوات في ضوء المكتشفات، قد أثبتت جملة من الحقائق الصوتية، كان قد توصل إليها الأوائل عفوياً، في حسّ صوتي تجربته الذائقة الفطرية، وبعد أن تأصلت لديهم إلى درجة النضج، قدّمت منهجاً رصيناً رسّخ فيه المحدثون حيثيثات البحث الصوتي الجديد في المفردات والعرض والأسلوب والنتائج على قواعد علمية سليمة.
لقد قدم العرب والمسلمين مفصّلاً صوتياً مركباً من مظاهر البحث الصوتي يمثل غاية في الدقة والتعقيد، لم يستند إلى أجهزة متطورة، بل ابتكرته عقول علمية نيرة، وأذهان صافية، تجردت للحقيقة، وتمحضت للبحث العلمي، مخلصة فيه النية، وكانت الخطوط العريضة لهذا العطاء على وجه الإجمال عبارة عن مفردات هائلة، ونظريات متراصة، يصلح أن يشكل كل عنوان منها فصلاً من باب، أو باباً في كتاب، يستقرىء به الباحث ما قدمه علماء العربية من جهد صوتي متميز واكبه الغربيون بعد ان عبّد طريقه العرب والمسلمون، هذه المفردات في عنوانات ريادية تمثل الموضوعات الآتية في نظرية الصوت:
1 ـ ظاهرة حدوث الصوت.
2 ـ معالم الجهاز الصوتي عند الإنسان.
3 ـ أنواع الأصوات العالمية.
4ـ درجات الأصوات في الاهتزازات.
5 ـ بدايات الأصوات عند المخلوقات.
6 ـ علاقة الأصوات باللغات الحيّة.
7 ـ أعضاء النطق وعلاقتها بالأصوات.
8 ـ الأصوات الصادرة دون أعضاء نطق.
9 ـ علاقة السمع بالأصوات.
--------------------------------------------------------------------------------
(32)
10 ـ مقاييس الأصوات امتداداً أو قصراً.
11 ـ تسميات الأصوات وأصنافها.
12 ـ الأصوات الزائدة على حروف المعاجيم.
13ـ الزمان والصوت (مسافت الصوت).
14ـ المكان والصوت (مساحة الصوت).
15 ـ المقاطع الصوتية بالإضافة إلى مخارج الأصوات.
16 ـ النقاء الصوتي.
(يُتْبَعُ)
(/)
17 ـ الموسيقي والصوت.
18 ـ العروض والصوت.
19 ـ النبر والصوت.
20 ـ التنغيم والصوت.
21 ـ التقريب بين الأصوات.
22 ـ الرموز الكتابية والأصوات.
23 ـ إئتلاف الحروف وعلاقته بالأصوات.
هذه أهم مفردات المصطلح الصوتي في نظرية الصوت اللغوي عند العرب توصلنا إليها من خلال عروض القوم في كتبهم، وطروحهم في بحوثهم، وأن لم يشتمل عليها كتاب بعينه، وإنما جاءت استطراداً في عشرات التصانيف، ونحن لا نريد حصرها بقدر ما نريد من التنبيه، أن هذه الموضوعات التي سبق إليها العرب، هي التي توصل إليها الأوروبيين اليوم، ومنها استقوا معلوماتهم الأولية، ولكنهم أضافوا وجددوا وأبدعوا، وتمرست عندهم المدارس الصوتية الجديدة، تدعمها أجهزة العلم، والأموال الطائلة، والخبرات الناشئة، مع الصبر على البحث، والأناة في النتائج.
لقد كان ما قاله المرحوم الأستاذ مصطفى السقا وجماعته في
--------------------------------------------------------------------------------
(33)
مقدمتهم لسر صناعة الإعراب ملحظاً جديراً بالاهتمام ... «والحق أن الدراسة الصوتية قد اكتملت وسائلها وموضوعاتها ومناهجها عند الأوروبيين، ونحن جديرون أن نقفو آثارهم وننتفع بتجاربهم، كما انتفعوا هم بتجارب الخليل وسيبويه وابن جني وابن سينا في بدء دراساتهم للأصوات اللغوية» (1). فالأوروبيون أفادوا من خبراتنا الأصيلة. فهل نحن منتفعون؟
لقد توصل العرب حقاً إلى نتائج صوتية مذهلة أيدها الصوت الغوي الحديث في مستويات هائلة نتيجة لعمق المفردات الصوتية التي خاض غمارها الروّاد القدامى، وقد أيد هذا التوصل إثنان من كبار العلماء الأوروبيين هما: المستشرق الألماني الكبير الدكتور براجشتراسر، والعالم الانكليزي اللغوي المعروف الأستاذ فيرث.
أ ـ يقول الدكتور براجشتراسر في معرض حديثه عن علم الأصوات:
«لم يسبق الأوروبيين في هذا العلم إلا قومان: العرب والهنود» (2).
ب ـ ويقول الأستاذ فيرث:
«إن علم الأصوات قد نما وشب في خدمة لغتين مقدستين هما: السنسكريتية والعربية» (3).
والعرب مقدمون على الهنود في النص الأول لأنهم أسبق، والسنسكريتية في النص الثاني لغة بائدة آثارية، والعربية خالدة.
و ـ أقف عند رأيين في نظرية الصوت اللغوي:
الأول: توصل الدكتور العطية «أن بعض مباحث العرب في البحث الصوتي داخلة في (علم الصوت: phonetics ) لاشتماله على دراسة التكوين التشريحي لجهاز النطق والصوت ومكوناته وعناصره وصفاته العامة والخاصة على مستوى المجموعة البشرية. كما أن بعض جوانب (علم الصوت
____________
(1) مصطفى السقا وآخرون، سر صناعة الاعراب، مقدمة التحقيق: 19.
(2) براجشتراسر، التطور النحوي: 57.
(3) ظ: أحمد مختار عمر، البحث اللغوي عند العرب: 101 وانظر مصدره.
--------------------------------------------------------------------------------
(34)
الوظيفي phonolgy ) تبدو جلية في دراسة قوانين التأثر و التأثير، واستكناه النبر والتنغيم، وطول الصوت وقصره، سواء أكان طوله صفة دائمة أم آنية عارضة» (1).
الثاني: إن الصوت قد فرض نفسه عند العرب في دراسات قد لا تبدو علاقتها واضحة بالصوت، وقد وقف الدكتور الجنابي عند جملة «من مسائل النحو عرض لها النحويون وتأولوها، واعتلوا لها بعلل لا تقنع باحثاً، ولا ترضي متعلماً، ولكن التفسير الصوتي هو الذي يحل الإشكال ويزيل اللبس بمعزل عن القرائن أو العلاقات المعنوية بين المفردات، فلا صلة للتغيير الحركي بالفاعلية والمفعولية مثلاً، ولا رابطة له بالأساليب. وإنما هو لون من الانسجام مع التغيير التلقائي الذي أشرت إليه» (2).
هذان الرأيان نلمح بهما تمكن الدرس الصوتي عند العرب، فجملة مباحثهم صوتياً داخلة في علوم الصوت، وما لم يجدوا له تعليلاً فيحل إشكاله التفسير الصوتي، وهذان ملحظان جديران بالتأمل.
أما خلاصة تجارب الأروبيين في المصطلح الصوتي فقد كانت نتيجة حرفية لمداليل النظرية الصوتية عند العرب في نتائج ما توصل إليه علماؤهم الأعلام.
(يُتْبَعُ)
(/)
هذه النظرية الصوتية عند العرب عبارة عما توصل إليه العرب من خلال تمرسهم وتجاربهم بنظريات نحوية وصرفية وبيانية وصوتية وإيقاعية وتشريحية شكلت بمجموعها «نظرية الصوت» وهي في تصور تخطيطي تشمل المنظور الآتي:
أ ـ النظرية العربية في الأبجدية الصوتية على أساس المخارج والمدارج والمقاطع كما عند الخليل وسيبويه والفرّاء.
ب ـ النظرية العربية في أجهزة النطق وأعضائه، وتشبيهه بالناي تارة، وبالعود في جسّ أوتاره تارة أخرى كما عند ابن جني.
____________
(1) خليل إبراهيم العطية، في البحث الصوتي عند العرب: 108.
(2) طارق عبد عون الجنابي، قضايا صوتية في النحو العربي «بحث».
--------------------------------------------------------------------------------
(35)
ج ـ النظرية العربية في التمييز بين الأصوات عن طريق إخفاء الصوت.
د ـ النظرية العربية في ربط الإعلال والإبدال، والترخيم والتنغيم، والمدّ والأشمام بعميلة حدوث الأصوات وإحداثها.
هـ ـ النظرية العربية في التلاؤم بين الحروف وأثره في سلامة الأصوات، والتنافر فيها وأثره في تنافر الأصوات.
و ـ النظرية العربية في أصول الأداء القرآني، وعروض الشعر والإيقاع الموسيقي، وعلاقة ذلك بالأصوات.
زـ النظرية العربية في التوصل إلى معالجة التعقيدات النحوية، والمسوغات الصرفية في ضوء علم الأصوات.
هذا العرض الإشاري لنظرية الصوت اللغوي، يكفي عادة للتدليل على أصالة النظرية عند العرب، دون حاجة إلى استجداء المصطلحات الأجنبية، أو استحسان الجنوح إلى الموارد الأوروبية، فبحوث العرب في هذا المجال متوافرة، وقد يقال إن التنظيم يعوزها، وأنها تفتقر إلى الترتيب الحديث، للاجابة عن هذه المغالظة نضع بين أيدي الباحثين المنصفين: الفصل الثاني من هذا الكتاب بين يدي الموضوع، والذي أطمح أن يكون مقنعاً بأمانة وإخلاص في إثبات تنظيم البحث الصوتي، وسلامة مسيرة الصوت اللغوي، وموضوعية العرض دون تزيد أو ابتسار في علم الأصوات وعالمها.
والله ولي التوفيق.
--------------------------------------------------------------------------------
(36)
--------------------------------------------------------------------------------
(37)
الفصل الثاني
منهجية البحث الصوتي
1ـ الخليل بن أحمد ومدرسته الصوتية
2ـ الصوت في منهجية سيبويه
3ـ الفكر الصوتي عند ابن جني
4 ـ القرآن والصوت اللغوي
--------------------------------------------------------------------------------
(38)
--------------------------------------------------------------------------------
(39)
الخليل ومدرسته الصوتية
ذهب استاذنا الدكتور المخزومي: «أن الخليل أول من التفت إلى صلة الدرس الصوتي بالدراسات اللغوية الصرفية، الصرفية والنحوية، ولذلك كان للدراسة الصوتية من عنايته نصيب كبير، فقد أعاد النظر في ترتيب الأصوات القديمية، الذي لم يكن مبنياً على أساس منطقي، ولا على أساس لغوي، فرتبها بحسب المخارج في الفم، وكان ذلك فتحاً جديداً، لأنه كان منطلقاً إلى معرفة خصائص الحروف وصفاتها» (1).
لم تكن هذه الأولية اعتباطية، ولا الحكم بها مفاجئاً، فهما يصدران عن رأي رصين لأن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175 هـ) هو أول من وضع الصوت اللغوي موضع تطبيق فني في دراسته اللغوية التي انتظمها كتابه الفريد (العين) بل هو أول من جعل الصوت اللغوي أساس اللغة المعجمي، فكان بذلك الرائد والمؤسس.
لا أريد التحدث عن أهمية كتاب العين في حياة الدرس اللغوي ولكن أود الإشارة أن كتاب العين ذو شقين: الأول المقدمة، والثاني الكتاب بمادته اللغوية وتصريفاته الإحصائية المبتكرة التي اشتملت على المهمل والمستعمل في لغة العرب.
والذي يعنينا في مدرسة الخليل الصوتية مواكبة هذه المقدمة في منهجيتها لتبويب الكتاب، وبيان طريقته في الاستقراء، وإبداعه في
____________
(1) المخزومي، في النحو العربي، قواعد وتطبيق: 4.
--------------------------------------------------------------------------------
(40)
(يُتْبَعُ)
(/)
الاحصاء، ورأيه في الاستنباط ومسلكية التصنيف الجديد، والأهم الذي نصبو إليه «إن مقدمة العين على إيجازها؛ أول مادة في علم الأصوات دلت على أصالة علم الخليل، وأنه صاحب هذا العلم ورائده الأول» (1).
يبدأ الخليل المقدمة بالصوت اللغوي عند السطر الأول بقوله: «هذا ما ألفه الخيل بن أحمد البصري من حروف:
أ. ب. ت. ث. . .» (2).
وأضاف أنه لم يمكنه «أن يبتدىء التأليف من أول: أ، ب، ت، ث، وهو الألف، لأن الألف حرف معتل، فلما فاته الحرف الأول كره أن يبتدىء بالثاني ـ وهو الباء ـ إلا بعد حجة واستقصاء النظر، فدبّر ونظر إلى الحروف كلها، وذاقها فوجد مخرج الكلام كله من الحلق، فصيّر أولاها بالابتداء أدخل حرف في الحلق» (3).
ومعنى هذا أن الخليل قد أحاط بالترتيب (الألفبائي) من عهد مبكر، ولم يشأ أن يبتديء به مع اهتدائه إليه، لأن أول حرف في هذا النظام حرف معتل، ولا معنى أن يبتدىء بما يليه وهو الباء لأنه ترجيح بلا مرجح، وتقديم دون أساس، فذاق الحروف تجريبياً، فرأى أولاها بالابتداء حروف الحلق، وذاقها مرة أخرى، فرأى (العين) أدخل حرف منها في الحلق، بل في أقصى الحلق.
قال ابن كيسان: (ت:299 هـ) سمعت من يذكر عن الخليل أنه قال: «لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة لا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء لأنها مهموسة خفية لا صوت لها، فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين والحاء، فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف» (4).
____________
(1) مقدمة التحقيق لكتاب العين:1|10.
(2) الخليل: كتاب العين: 1|47.
(3) نفس المصدر:1|47.
(4) السيوطي: المزهر: 1|90.
--------------------------------------------------------------------------------
(41)
وإذا صح ما نقله ابن كيسان، وستجد في البحث ما يتعارض معه نوعاً ما ـ فالخليل يعتبر الهمزة والألف في الحيز الأول لأصوات حروف المعجم، ولكنه ينتقل إلى الحيز الثاني فيختار الصوت الأنصع بتذوقه للحرف من مخرجه الصوتي، وهو يوضح طريقته المبدعة بذاك، فيجرد من نفسه معنياً يتكلم عنه، فيقول: «وإنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف، ثم يظهر الحرف نحو: إب، إت، إع، إغ، فوجد العين أدخل الحروف في الحلق فجعلها أول الكتاب، ثم ما قرب منها الأرفع فالأرفع حتى أتى آخرها وهو الميم» (1).
ومعنى هذا أنه سار مع الحروف مسيرة مختبرية استقرائية، ابتداء من أقصى الحلق، فالحلق، ومروراً بفضائه، فالأسنان، وانتهاء بالشفة فالميم عندها، لأن الميم أرفع حروف الشفة.
وهذا يدل على ذائقة حسية فريدة، وصبر عنيف على الاستنتاج، حتى توصل إلى ما توصل إليه ابتداعاً وابتكاراً، دون الاستعانة بأي جهاز علمي، إذ لا جهاز آنذاك، وهو مالم يثبت العلم التشريحي الحديث بكل أجهزته الدقيقة، ومختبراته الضخمة خلافاً له فيما يبدو إلا يسيراً (2).
إن الخليل في ذائقته الصوتية هذه، قد قلب حروف العربية، فوضعها في منازل معينة ضمن مخارج صوتية معينة بحسب مدارج مقدرة من أقصى الحلق حتى إطباق الشفة في الميم.
واتضح أن الخليل رحمه الله تعالى قد صنف هذه المخارج إلى عشرة أصناف كالآتي:
1 ـ ع، ح، هـ، خ، غ.
2ـ ق، ك.
3 ـ ج، ش، ض.
____________
(1) الخليل، كتاب العين: 1|47.
(2) ظ: المؤلف، منهج البحث الصوتي عند العربي: نقد وتحليل: «بحث».
--------------------------------------------------------------------------------
(42)
4 ـ ص، س، ز.
5 ـ ط، د، ت.
6 ـ ظ، ث، ذ.
7 ـ ز، ل، ن.
8 ـ ف، ب، م.
9 ـ و، ا، ي.
10 ـ همزة (1).
ولم يكتف الخليل بهذا التقسيم الفيزولوجي الدقيق بحسب تذوقه الخاص، بل نصّ على تسمية كل قسم من هذه الأقسام، وأفاد اللغات العالمية جمعاء، بأصل من الأصول الأولى في الاصطلاحات الصوتية دون أن يسبقه إلى ذلك سابق، بل عوّل عليه فيه كل لا حق.
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد حدد الخليل كل صنف من اصناف الحروف المعجمية على بنية صوتية متميزة، تحسها كياناً مستقلاً، وتتذوقها قاعدة صلبة، وعلل ذلك على أساس صوتي متكامل، ووعي بأبعاد هذا الأساس، فكوّن بذلك نظاماً فريداً غير قابل للرد إذ جاء فيه بضرس قاطع لا يختلف به إثنان، وسيّر ذلك مسيرة نابضة بالحياة لا يلحقها الهرم، ولا تعوزها النضارة، فهي غضة طرية في كل حين، قال الخليل:
«فالعين والحاء والغين والخاء حلقية، لأن مبدأها من الحلق.
والقاف والكاف لهويتان، لأن مبدأها من اللهاة.
والجيم والشين والضاد شجرية، لأن مبدأها من شجر الفم.
والصاد والسين والزاء أسلية، لأن مبدأها من أسلة اللسان.
والطاء والتاء والدال نطعية، لأن مبدأها من نطح الغار الأعلى.
____________
(1) الخليل، كتاب العين: 1|48.
--------------------------------------------------------------------------------
(43)
والظاء والذال والثاء لثوية، لأن مبدأها من اللثة.
والراء واللام والنون ذلقية، لأن مبدأها من ذلق اللسان.
والفاء والباء والميم شفوية، لأن مبدأها من الشفة.
والياء والواو والألف والهمزة هوائية في حيز واحد، لأنها لا يتعلق بها شيء (1).
إن هذه التسميات التشخيصية قد نهضت بكيان كل صوت وعادت به إلى نقطة انطلاقه، واهتداء الخليل إليها بذهنه المتوهج فطنة وذكاءً، دون مثال يحتذيه عند من سبقه من علماء العربية كنصر بن عاصم الليثي وأبي عمرو بن العلاء لدليل ناصع على موسوعية فذة، وعبقرية لا تقاس بالأشباه، كيف لا وبداية إفاضاته الصوتية مبكرة ومبتكرة.
ختم الخليل هذه المقدمة بما بدأه من ملحظ صوتي ليس غير: «بدأنا في مؤلفنا هذا بالعين، وهو أقصى الحروف ونضم إليه ما بعده حتى نستوعب كلام العرب الواضح والغريب، وبدأنا الأبنية بالمضاعف لأنه أخف على اللسان، وأقرب مأخذاً للمتفهم» (2). ولمّا كانت هذه المقدمة مشتملة على الإفاضة الصوتية الأولى عند العرب، فإننا نشير إلى بعض ملامحها بإيجاز وتحديد:
1 ـ لقد أدرك الخليل بفطرته الصافية، وحسه المتوقد، أهمية الصوت اللغوي في الدراسات اللغوية المتخصصة، فأشار إلى أبعادها من ينابيعها الأولى، فوضع يده على الأصول في انطلاق الأصوات من مخارجها الدقيقة، وأفرغ جهده الدؤوب في التماس التسميات للمسميّات فطبق بها المفصل، وتمكن من استنباط طائفة صالحة من الأسرار الصوتية من هذا الخلال، لذلك فقد كان صحيحاً ما توصل إليه محققا العين أن في المقدمة منه «بواكير معلومات صوتية لم يدركها العلم فيما خلا العربية من اللغات إلا بعد قرون عدة من عصر الخليل» (3).
____________
(1) الخليل، كتاب العين: 1|58.
(2) المصدر نفسه: 1|60.
(3) ظ: مقدمة التحقيق لكتاب العين: 1|10.
فقد استعمل الخليل كلمة (حرف) للدلالة على إرادة (صوت) منها، فكانت الأصوات عنده هي: الحروف الذلق | الحروف الشفوية | حروف الحلق | حروف أقصى الحلق | الحروف الصحاح | الحروف الصم | حروف الجوف | حروف اللين | حروف مابين عكدة اللسان | الحروف اللهوية | الحروف الشجرية | الحروف الأسلية | الحروف النّطعية | الحروف اللثوية. . . إلخ (1).
وهو يريد بذلك، أصوات الذلاقة، وأصوات الشفة، وأصوات الحلق، وأصوات أسلة اللسان .... الخ.
ولا يكتفي بهذا حتى يسمي هذه الأصوات بالإضافة إلى مخارجها ومدارجها، ناظراً إلى هيئة المخرج من المدرج، وما يصطدم بها من أجهزة النطق أو يتجاوزها باندفاع الهواء، فيصفها في مثل النحو الآتي:
فمنها ما يخرج من الجوف وليس لها حيّز تنسب إليه سواه، ومنها ما يقع في مدرجة من مدارج اللسان، وما يقع في مدرجة من مدارج الحلق، وما يقع من مدرج اللهاة، وما هي هوائية، أي أنها في الهواء كالألف اللينة والواو والياء (2).
2 ـ يبتدع الخليل في هذه المقدمة أمراً ذا أهمية قصوى في حياة الأصوات، فيصنع ـ وبدقة متناهية ـ مخططاً شاملاً لمخرج كل صوت، ويقارن بين بعض الأصوات، فيضعها في حيّز متميز عن حيّز الأصوات ألأخرى، ويعطي بعض الخصائص المفرقة لصوت عن صوت، ويعالج إلحاق بعض الأصوات ببعض المخارج دون سواها، فتقف عند العلة والسبب، وتستظهر العلة التي تخفى ولا تكاد تبين، يقول الخليل في هذا التخطيط:
(يُتْبَعُ)
(/)
«فاقصى الحروف كلها العين ثم الحاء، ولولا بحة في الحاء لأشبهت العين لقرب مخرجها من العين.
ثم الهاء، ولولا هتة في الهاء لأشبهت الحاء لقرب مخرج الهاء من
____________
(1) (2) ظ: الخليل، كتاب العين:1|53 ـ 57.
--------------------------------------------------------------------------------
(45)
الحاء، فهذه ثلاثة أحرف في حيّز واحد بعضها أرفع من بعض، ثم الخاء والغين في حيّز واحد كلها حلقية.
ثم القاف والكاف لهويتان، والكاف أرفع.
ثم الجيم والشين والضاد في حيّز واحد.
ثم الصاد والسين والزاء في حيّز واحد.
ثم الطاء والدال والتاء في حيّز احد.
ثم الظاء والذال والثاء في حيّز واحد.
ثم الراء واللام والنون في حيّز واحد.
ثم الفاء والباء والميم في حيّز واحد.
ثم الألف والواو والياء في حيّز واحد.
والهمزة في الهواء لم يكن لها حيّز تنسب إليه (1). وأقف عند الهمزة، فهي مختلف فيها، ففي الوقت الذي لا يوجد لها حيّز عند الخليل، إلا فيما نسبه إليه ابن كيسان فيما سبق، نجد سيبويه يبتدىء بها، ويعتبرها من حروف أقصى الحلق (2). في حين يعتبرها ابن جني أول الحروف مخرجاً، ويبتدىء بها (3). بينما يعدّها الخليل هوائية منبعثة من الرئتين، وقد يوافقه ابن الجزري لأنه يعتبرها صوتاً مرققاً، سلس النطق، لا مبالغة في تحقيقه (4).
والحق أن الهمزة صوت مهموس غير مجهور، وقد ذهب دانيال جونز D. Joenes فيما بين ذلك إلى أنه صوت ليس بالمجهور، ولا هو بالمهموس، وإنما هو حالة بين حالتين.
وذهب هفنر R.M.Heffner إلى أنه صوت مهموس دائماً، ويبدو أن لا تعارض بين الرأيين، فكلاهما قد نفى عن الهمزة صفة الجهر، ولكن كلاً
____________
(1) ظ: كتاب العين: 1|57 ـ 58.
(2) ظ: سيبويه، الكتاب: 2|405.
(3) ظ: ابن جني، سر صناعة الإعراب: 1|50.
(4) ظ: ابن الجزري، النشر في القراءات العشر: 1|216.
--------------------------------------------------------------------------------
(46)
منهما أصدر حكمه بناء على نظرة إلى الحنجرة تختلف عن نظر الآخر، فجونز قد اعتبر أن للحنجرة ثلاثة أوضاع: الاحتباس، الانفتاح دون ذبذبة، الانفتاح مع الذبذبة، وبذلك تكون الهمزة صوتاً لا هو بالمجهور ولا بالمهموس.
أما هفنر فقد اعتبر أن للحنجرة وظيفتين هما: ذبذبة الأوتار الصوتية؛ وهي صفة الجهر، وعدم ذبذبتها وهي صفة الهمس، ويدخل في حالة عدم الذبذبة احتباس في الحنجرة أو انطلاق فيها في بقية المهموسات،على أن من المسلم به لدى كل منهما: ان الهمزة عبارة عن احتباس في الحنجرة (1).
إن هذا العرض إنما تم لجونز وهفنر بعد تقدم العلم الفيزولوجي الذي أعانهما على فهم جهاز الحنجرة بتفصيلات ذبذبته وعدمها، ومع هذا فقد اختلفا من وجه في الهمزة، أما الخليل فقد عينها حسياً بذاته دون الاستعانة بخبرة تشريحية معقدة، وانبعاثها من الرئتين دون حيز تنسب إليه لا يضير معرفته الدقيقة بجهة انطلاقها واصطدامها وخرووجها من فضاء الفم، إذا كان العلم الحديث يميل إلى رأي سيبويه في الموضوع على فرض أن الخليل لم يعتبرها أول الأصوات، فسيبويه في الموضوع تلميذ الخليل وابنه حملة علمه، فالعائدية على الخليل في كلتا الحالتين، وهذا ما يقرب ما نسبه ابن كيسان إلى الخليل في شأن الهمزة، فيبدو لنا أنه لم يبدأ بها لأن العين أنصح منها ليس غير.
3 ـ في هذه المقدمة: إشارات صوتية، وإشاررات لغوية، وقد يدخل الملحظ الصوتي ضمن الملحظ اللغوي كما فعل الخليل هذا لدى حديثه عن ألف الخماسي باعتبارها ليست أصلية فقال:
«أدخلت هذه الألفات في الأفعال وأمثالها من الكلام لتكون الألف عماداً سلماً للّسان إلى حرف البناء لأن اللسان لا ينطلق بالساكن من الحروف فيحتاج إلى ألف الوصل» (2).
____________
(1) ظ: عبد الصبور شاهين، أثر القراءات في الأصوات: 167 وما بعدها.
(2) الخليل، العين: 1|49.
--------------------------------------------------------------------------------
(47)
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد كان بامكان الخليل التصريح بأن هذه الألف من حروف الزيادة، ولكنه لم يفعل، بل أراد وهو معيب بهذه الإرادة، أنها وسيلة لإخراج الصوت، فكأن أي صوت لا يمكن للمعرب أن ينطقه، ولا أن يأخذ الصوت مادته وصفته إلا بعد اعتماده على صوت الألف الأولى قبله، ومن أجل ذلك دعاها عماداً أو سلّماً، كما أشار إلى أن إخراج الصوت، وهو ساكن بصفته: محتاج إلى وسيلة إخراجه، لأن اللسان لا ينطلق بالساكن من الحروف، وكانت هذه الوسيلة هي ألف الوصل (1).
والخليل يراعي هذا التمازج الصوتي في اللغة فيحكم أن الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف. حرف يبتدأ به، وحرف يحشى به الكلمة، وحرف يوقف عليه، فهذه ثلاثة أحرف، فإن صيرت الثنائي مثل: قد، هل، لو، أسماً أدخلت عليه التشديد فقلت: هذه لوّ مكتوبة، وهذه قد حسنة الكتبة، زدت واواً على واو، ودالاً على دال، ثم أدغمت وشدّدت. فالتشديد علامة الإدغام، والحرف الثالث (2).
إن هذا الاهتمام السليم في ربط اللغة بالصوت، واعتبار الصوت امتداداً للبنية التركيبة، وأصلاً للأفكار المنطورة في اللغة، هو الذي توصل إليه بعد قرون عدة الأستاذ اللغوي فرديناند دي سوسور في أن اللغة فكرة منظمة مقرونة بالصوت من خلال تأمل عنصرين يشتركان في تأدية اللغة لوظيفتها، وهما: الأفكار والأصوات من خلال الربط بينهما كما صنع الخليل.
يقول دي سوسور: «إن المادة الصوتية ليست أكثر ثبوتاً، ولا أشد تحديداً من الفكر: وهي ليست قالباً يصب فيه الفكر بالضرورة، بل هي مادة مرنة تنقسم في كل حالة إلى أجزاء متميزة لتوفر الدوال significes التي يحتاج إليها الفكر. وبذلك يمكن أن نتصور الحقيقة اللغوية في مجملها على أنها سلسلة من التقسيمات المتجاورة التي حددت على مستويين: المستوى غير المحدد للأفكار المكدسة، ومستوى الأصوات.
____________
(1) ظ: مقدمة التحقيق لكتاب العين: 1|11.
(2) ظ: الخليل، العين: 1|49 ـ 50.
--------------------------------------------------------------------------------
(48)
إن الدور المميز للغة بالنسبة للفكر ليس وسيلة صوتية مادية للتعبير عن الأفكار، بل القيام بوظيفة حلقة الوصل بين الفكر والصوت، في ظروف تؤدي بالضرورة إلى التمييز المتبادل لوحدات الفكر والصوت» (1).
إن هذا المنحنى من التخطيط الصوتي هو الذي يرمي إليه الخليل في مقدمة العين ليخلص إلى صلة التفاعل الحقيقي بين الأفكار والأصوات، بل أنه يحصر ما في كتاب العين من لغة وتصريف واشتقاق بمنطق تذوقه لأصوات حروف المعجم «فإذا سئلت عن كلمة وأردت أن تعرف موضعها، فانظر إلى حروف الكلمة، فمهما وجدت منها واحداً في الكتاب المقدم (يعني مقدمة العين) فهو ذلك الكتاب» (يعني كتاب العين) (2).
فهو يرى في اللغة امتداداً طبيعاً للأصوات أولاً فيربطها بها ارتباط الأصل بالفرع، ونعني بذلك ربط الأصوات أصلاً، باللغة باعتبارها متفرعة عن الأصوات.
4 ـ ولعل أهم ما توصل إليه الخليل في علم الأصوات حصره للمعجم العربي بأبعاد صوتية فضلاً عن وصف الأصوات منفردة ومجتمعة منضمّة إلى سواها. وإني ليمتلكني العجب حينما أجده يضع حداً جديداً، ومعياراً فنياً متوازناً، للكلمات العربية باشتمالها على الحروف الذلق والشفوية؛ وللكلمات الأعجمية التي لا تتشمل على واحد من حروف الذلاقة والشفة.
هذا المقياس الفني الصوتي لدى الخليل لم يخطىء ولا مرة واحدة حتى في كلمة احدة، فيما له من مقياس ما أكلمه.
يقول الخليل: «فإن وردت عليك كلمة رباعية أو خماسية معرّاة من حروف الذلق أو الشفوية، ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك، فاعلم أن تلك الكلمة محدثة مبتدعة، ليست من كلام العرب، لأنك لست واجداً من يسمع من كلام العرب
____________
(1) دي سوسور: علم اللّغة العام: 131 وما بعدها.
(2) ظ: الخليل، كتاب العين: 1|47.
--------------------------------------------------------------------------------
(49)
بكلمة واحدة رباعية أو خماسية إلاّ وفيها من حروف الذلق أو الشفوية واحد أو اثنان أو أكثر» (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
فهو هنا وبحس صوتي جامع مانع: يدرأ الدخيل والمعرّب والمولّد والمحدث والمبتدع عن لغة العرب، وتلك ميزة ما بعدها ميزة في هذا الخضم المتلاطم من الكلمات واللغى.
قال الليث: قلت: فكيف تكون الكلمة المولدة المبتدعة غير مشوبة بشيء من هذه الحروف؟ فقال نحو:
(الكشعثج والخضعثج والكشعطج وأشباههن) فهذه مولدات لا تجوز في كلام العرب، لأنه ليس فيهن شيء من حروف الذلق والشفوية فلا تقبلن منها شيئاً، وإن أشبه لفظهم وتأليفهم، فإن النحارير منهم ربما أدخلوا على الناس ما ليس في كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت» (2).
وليس جديداً بعد العروض السابقة القول بأن الخليل كان ضليعاً بكل تفصيلات الجهاز الصوتي عند الإنسان، ولا يضيره ـ إن صح ما يقال ـ أن لا يذكر الوترين الصوتيين، لأنه ليس عالماً بالتشريح، ولا متخصصاً بجراحة الحنجرة، وما اضطلع بمهمة طبية قط، وما ذكره من أجزاء هذا الجهاز فيه الكفاية لعصره إن لم نقل للعصور كافة، لأنه قد تضمن بكثير من الأبعاد الإشارة لهذه المباحث التي تفرغ لها الأوروبييون.
قال جملة من الأساتيذ:
«ومن أحسن ما عرض له العرب في دراسة الأصوات ما نجده عند الخليل من وصف الجهاز الصوتي، وهو الحلق والفم إلى الشفتين، وتقسيمه إياه إلى مناطق ومدارج يختص كل منها بحرف أو مجموعة حروف، وما أشار إليه من ذوق الحروف لبيان حقيقة المخرج، فقد هدي بذكائه المتفوق في ذلك إلى مقاييس صحيحة أقرّ كثيراً منها علماء الأصوات المحدثون» (3).
____________
(1) الخليل، كتاب العين: 1|52.
(2) المصدر نفسه: 1|52 وما بعدها.
(3) مصطفى السقا وآخرون، مقدمة تحقيق سر صناعة الاعراب: 1|13.
--------------------------------------------------------------------------------
(50)
لقد أهتم علماء الأصوات المحدثون بوصف الجهاز الصوتي، وبيان وظيفته في تفصيل دقيق استعانوا على تحقيقه بعلم الصوت الفسملجي، فأعطوا ثمرات جيدة ومفيدة، ولكنها لا تختلف إلا قليلاً عن معطيات قدماء العرب، ولقد اقتصر العالم اللغوي دي سوسور (1857 ـ 1913م) أبرز لغوي أوروبي في العصر الحديث، اقتصر في وصفه لجهاز الصوت على تجويف الأنف، وتجويف الفم، والحنجرة بما في ذلك فتحة لسان المزمار الواقعة بين الوترين الصوتيين، وكانت المفردات التي أخضعها للدراسة عبارة عن الشفتين، واللسان، والأسنان العليا، والحنك، واللهاة.
يقول دي سوسور: «إن فتحة لسان المزمار تتألف من عضلتين موازيتين، أو حبلين صوتيين، تفتح كلما ابتعدت العضلتان، بعضهما عن بعض، وتغلق عندما تقتربان، وعندما تتسع الفتحة تسمح بدخول الهواء بحرية كاملة فلا يحدث أي تذبذب في الوترين الصوتيين. في حين يحدث مثل هذا التذبذب (الصوت) عندما تكون الفتحة ضيّقة. وليس لهذه العملية في إخراج الأصوات بديل عادة.
إن التجويف الأنفي عضو غير متحرك، ولا يمكن إيقاف تدفق الهواء فيه إلا برفع اللهاة. فهو عبارة عن باب مفتوح أحياناً.
أما تجويف الفم، فالاحتمالات التي يوفرها أكثر: إذ يمكن استخدام الشفتين لزيادة طول القناة (تجويف الفم) كما يمكن دفع الفكين إلى الخارج أو تقليصهما نحو الداخل. وللشفتين واللسان حركات كثيرة مختلفة يمكن استخدامها، ويتناسب دور هذه الأعضاء في إخراج الأصوات تناسباً طردياً مع مرونة حركتها، فالحنجرة والتجويف الأنفي ثابتان، لهما وظيفة ثابتة. . . ويستطيع المرء أن يخرج صوتاً حنجرياً بشد الوترين الصوتيين، ولكن الحنجرة لا تستطيع أن تخرج أصواتاً متنوعة. . . أما القناة الأنفية فليس لها من وظيفة في النطق سوى إحداث رنين للذبذبات الصوتية. . . وعلى العكس من ذلك يسهم تجويف الفم في إخراج الأصوات وإحداث الرنين.
وموجز القول: إن العناصر التي تسهم في إخراج الأصوات هي:
--------------------------------------------------------------------------------
(51)
الهواء إلى الخارج، والنطق في الفم، وتذبذب في منطقة الحنجرة، والرنين الأنفي (1).
إذن: إندفاع الهواء من الرئتين + النطق في الفم + التّصويت في الحنجرة + الرنين في الأنف = إحداث الأصوات.
(يُتْبَعُ)
(/)
بهذا أعطى دي سوسور تفصيلاً مكثفاً لإحداث الأصوات وتوليدها من أجهزتها، ولكن هذا التفصيل لم يكن ليتأتى له لولا تطور الدراسات الصوتية فسلجياً وفيزيائياً وتشريحياً، أما الخليل فقد اهتدى لذلك فطرياً على وجه العموم، واكتشف ولأول مرة كل التفصيلات الصحيحة لجهاز النطق وإحداث الصوت بذهنيته الوقادة دون الاستعانة بأي علم يتسع لمثل إبداعاته الصوتية في بيئته البدوية.
ولم يكن فهم الخليل لأبعاد إحداث الأصوات بمنأى عن الفهم عند دي سوسور، بل لقد زاد عليه ـ كما عرفت سابقاً ـ في كثير من الخصوصيات الانطلاقية لهذه الأجزاء ـ التي قد تعتبر أولية في مدرسته الصوتية ـ تنم عن إدراك متكامل للموضوع، وتمرس عميق في قضايا صوتية معقدة.
...
____________
(1) دي سوسور، علم اللغة العام: 60.
--------------------------------------------------------------------------------
(52)
الصوت في منهجية سيبويه
ولو تركنا الخليل ذاته إلى من تأثر بمدرسته لوجدنا جهوداً صوتية متناثرة، تستند في أغلبها إلى مبتكرات الخليل، توافقه حيناً، وتخالفه حيناً آخر. فأعضاء النطق مثلاً عند الخليل وعند سيبويه (ت: 180هـ) واحدة، والحروف في مدارجها، ويعني بها الأصوات تبعاً للخليل، تبدأ بأقصى الحلق، وتنتهي بالشفتين، فهي عند سيبويه كما هي عند الخليل (1).
ولكن ترتيب الحروف في كتاب سيبويه تخالف ترتيب الخليل، فحينما وضع الخليل الأبجدية الصوتية للمعجم العربي مبتكراً لها، خالفه سيبويه في ترتيب تلك الأصوات، إذ بدأ بالهمزة والألف والهاء، وقدّم الغين على الخاء، وأخر القاف عن الكاف وهكذا. . .
يتضح هذا من ترتيبه للحروف على هذا النحو:
همزة. ا. هـ.
ع. ح. غ. خ.
ك. ق.
ض. ج. ش.
ي. ل. ر.
ن. ط. د.
ت. ص.
____________
(1) ظ: سيبويه، الكتاب: 2|405.
--------------------------------------------------------------------------------
(53)
ز. س. ظ.
ذ. ث. ف.
ب. م. و (1).
وهذا وإن كان خلافاً جوهرياً في ترتيب مخارج الأصوات، إلا أنه لا يعني أكثر من العملية الاجتهادية في الموضوع دون الخروج عن الأصل عند الخليل. «كذلك نلاحظ اختلافاً واحداً في ترتيب المجموعات الصوتية بالنظر إلى تقدمها وتأخرها، فقد جاءت حروف الصغير في كتاب العين بعد الضاد، وهو حرف حافة اللسان، والذي عند سيبويه بعد الضاد: حروف الذلاقة. ونتيجة لتقديم حروف الصفير، فقد وضع مكانها حروف الذلاقة، ومعنى ذلك أنه في العين حدث تبادل بين حروف الصفير وحروف الزلاقة» (2).
إن الاختلاف من هذا القبيل لا يعدو وجهة النظر الصوتية المختلفة، ولكنه لا يمانع أن تكون آراء سيبويه في الكتاب امتداداً طبيعياً لمدرسة الخليل، نعم لا ينكر أن لسيبويه ابتكارته المقررة، فنحن لا نبخس حقه، ولا نجحد أهميته في منهجة البحث الصوتي، فقد كان له فضل بذلك لا ينكر، فتصنيفه لصفات الأصوات في الجهر والهمس والشدة والرخاوة والتوسط، وكشفه لملامح الإطباق واللين، وتمييزه لمظاهر الاستطالة والمد والتفشي، كل أولئك مما يتوّج صوتيته بالأصالة.
ولسيبويه قدم سبق مشهود له في قضايا الإدغام، وهي معالم صوتية في الصميم، فقد قدم لها بدراسة علم الأصوات، كما قدم الخليل معجمه بعلم الأصوات، فالخليل قد ربط بين اللغة والصوت، وسيبويه قد ربط بين قضايا الصوت نفسها، لأن الإدغام قضية صوتية «ونحن نقرر هنا مطمئنين أن سيبويه قد وضع قواعد هذا البحث وأحكامه لا لفترة معينة من الزمن،
____________
(1) المصدر السابق والصفحة.
(2) حسام النعيمي، الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جنّي: 229.
--------------------------------------------------------------------------------
(54)
بل يكاد يكون ذلك نهائياً، وكان تصرفه فيها تصرفاً رائعاً، صادراً عن عبقرية سبقت الزمن، فلم يكن ممن جاء بعده من العلماء والباحثين إلا أن اتبعوا نهجه، واكتفوا بما قال، ولم يزيدوا بعد سيبويه على ما قال حرفاً، بل أخدوا يرددون عباراته مع كتبهم، ويصرحون بأنهم إنما يتبعون مذهبه، سواء في ذلك علماء النحو وعلماء القراءة» (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد يكون في هذا الحكم مبالغة، ولكنه مقارب للحقيقة في كثير من أبعاده، إذ كان سبّاقاً إلى الموضوع بحق.
ومما يجلب الانتباة حقاً عند سيبويه في صفات الحروف ومخارجها، هو تمييزه الدقيق بين صفة الجهر وصفة الهمس فيما أشرنا له في الفصل السابق فمصدر الصوت المجهور يشترك فيه الصدر والفم، ومصدر الصوت المهموس من الفم وحده، وبمعنى آخر أن للرئتين عملاً ما في صفة الجهر، بينما ينفرد الفم بصفة الهمس (2).
فتعريف المجهور عنده: «حرف أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه، ويجري الصوت. بينما المهموس: حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه» (3).
وهو يعبر بالموضع هنا عن المخرج فيما يبدو، ويجري الصوت عن الشيء الإضافي في حالة الجهر عن حالة الهمس التي يجري النفس معها لا الصوت. «وقد ظلت محاولة سيبويه تفسير المجهور والمهموس من الأصوات قانوناً سار عليه جميع من جاء بعده من النحاة والقراء. إلى أن جاءت بحوث المحدثين فصدقت كثيراً مما قاله في هذا الباب» (4).
ومن المفيد الرجوع إلى ما فسره في هذا المجال أستاذنا المرحوم الدكتور ابراهيم أنيس فقد أشبعها بحثاً وتنويراً (5).
____________
(1) عبد الصبور شاهين، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 198.
(2) سيبويه، الكتاب: 2|284.
(3) المصدر نفسه: 2|405.
(4) عبد الصبور شاهين، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 205.
(5) ظ: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 92 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(55)
ولا يمكن في منظورنا أن تفصل سيبويه عن مدرسة الخليل في اللغة والأصوات، فهو الممثل الحقيقي لها فيما نقل لنا من علم الخليل في الكتاب، وتبقى مدرسة الخليل الصوتية مناراً يستضاء به في كثير من الأبعاد لمن جاء بعده. فابن دريد (ت: 321هـ) مثلاً، يذكر في مقدمة الجمهرة إفاضات الخليل بعامة، ويضيف إليها بعض الإشارات في ائتلاف الحروف والأصوات، ولكن هذا بالطبع لا يخرجه عن إطار هذه المدرسة في كل الأحوال، فلديه على سبيل المثال جملة كبيرة من التسميات المتوافقة مع الخليل كالأصوات الرخوة، والأصوات المطبقة، والأصوات الشديدة. كما أن له بعض الاجتهادات الصوتية في أكثر الحروف وروداً في الاستعمال، فأكثرها الواو والياء والهاء، واقلها الظاء ثم الذال ثم الثاء ثم الشين ثم القاف ثم الخاء ثم النون ثم اللام ثم الراء ثم الباء ثم الميم (1).
ولا تعلم صحة هذا الاجتهاد إلا بالإحصاء. وليس كثيراً على ابن دريد الإحصاء والاستقصاء.
وبعد مدرسة الخليل نجد ابن جني (ت: 392 هـ) مؤصل هذا الفن ومبرمجه، وأول مضيف له إضافات مهمة ذات قيمة منهجية في الدراسات الصوتية، بما تواضعنا على تسميته بـ (الفكر الصوتي عند ابن جني) أو أن جهود ابن جني في الأصوات ارتفعت إلى مستوى الفكر المخطط والممنهج، فأفردناه ببحث خاص، إذ انتهل من هذا الفكر رواد هذا الفن كما سنرى.
____________
(1) ظ: ابن دريد، جمهرة اللغة: 1|306.
--------------------------------------------------------------------------------
(56)
الفكر الصوتي عند ابن جني
نهض ابن جني (ت: 392هـ) بأعباء الصوت اللغوي بما يصح أن نطلق عليه اسم الفكر الصوتي، إذ تجاوز مرحلة البناء والتأسيس إلى مرحلة التأصيل والنظرية، فقد تمحض لقضية الأصوات في كتابه (سر صناعة الإعراب) مما جعله في عداد المبدعين، وخطط لموضوعات الصوت مما اعتبر فيه من المؤصلين، ونحن الآن بأزاء بيان المبادىء العامة لفكره الصوتي دون الدخول في جزئيات الموضوع.
ويجدر بنا في بداية ذلك أن ننتبه لملحظين مهمين ونحن نستعرض هذا الفكر في سر صناعة الاعراب: (1)
أ ـ إن ابن جني كان أول من استعمل مصطلحاً لغوياً للدلالة على هذا العلم ما زلنا نستعمله حتى الآن وهو «علم الأصوات».
ب ـ إن ابن جني يعدّ الرائد في هذه المدرسة، وكان على حق في قوله في كتابه: «وما علمت أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع. . . (2)
(يُتْبَعُ)
(/)
وبدءاً من المقدمة يعطيك ابن جني منهجه الصوتي، لتقرأ فيه فكره، وتتلمس فلسفته، وتتثبت من وجهته، فيذكر أحوال الأصوات في حروف المعجم العربي (من مخارجها و مدارجها، وانقسام أصنافها، وأحكام مجهورها ومهموسها، وشديدها ورخوها، وصحيها ومعتلها، ومطبقها
____________
(1) ظ: أحمد مختار عمر، البحث اللغوي عند العرب: 99.
(2) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|63.
--------------------------------------------------------------------------------
(57)
و منفتحها، وساكنها ومتحركها، ومضغوطها ومهتوتها، ومنحرفها و مشرّبها، ومستويها ومكررها، ومستعليها ومنخفضها، إلى غير ذلك من أجناسها» (1).
وابن جني في هذا الاسترسال السلس يعطينا مهمة الفكر الصوتي في تحقيق المصطلحات بعامة عن طريق تشخيص المسميات التي أسماها، وإن سبق إلى بعضها عند الخليل وسيبويه وهو لا يكتفي بهذا القدر حتى يبحث الفروق، ويعين المميزات ويذكر الخصائص لكل حرف من هذه الأصناف، ويفرق بينها وبين الحركات، مع لوازم البحث ومقتضياته، إلماماً بجميع الجوانب، وتنقيباً عن كل النوادر المتعلقة بهذه الأبواب فيقول:
«وأذكر فوق مابين الحرف والحركة، وأين محل الحركة من الحرف: هل هي قبله أو معه أو بعده؟ وأذكر أيضاً الحروف التي هي فروع مستحسنة، والحروف التي هي فروع مستقبحة، والحركات التي هي فروع متولدة عن الحركات، كتفرع الحروف من الحروف. وأذكر أيضاً ما كان من الحروف في حال سكونه له مخرج ما، فإذا حرك أقلقته الحركة، وأزالته عن محله في حال سكونه، وأذكر أيضاً أحوال هذه الحروف في أشكالها، والغرض في وضع واضعها، وكيف ألفاظها ما دامت أصواتاً مقطعة، ثم كيف ألفاظها إذا صارت أسماء معرفة، ما الذي يتوالى فيه إعلالان بعد نقله، مما يبقى بعد ذلك من الصحة على قديم حاله، وما يمكن تركبه ومجاورته من هذه الحروف وما لا يمكن ذلك فيه، وما يحسن وما يقبح فيه مما ذكرنا، ثم أفرد ـ فيما بعد ـ لكل حرف منها باباً أغترف فيه ذكر أحواله وتصرفه في الكلام من أصليته وزيادته، وصحته وعلته، وقلبه إلى غيره، وقلب غيره إليه» (2).
إن هذا المنهج يكشف عن عمق الفكر الصوتي عند ابن جني إذ يعرض فيه عصارة تجاربه الصوتية دقيقة منظّمة، ويتفرغ لبحث أصعب المشكلات الصوتية بترتيب حصيف يتنقل فيه من الأدنى إلى الأعلى، ومن البسيط إلى المركب حتى إذا تكاملت الصورة لديه، بدأ بالبحث المركز،
____________
(1) ابن جني، سرصناعة الإعراب: 1|3 ـ 4.
(2) المصدر نفسه والصفحة.
--------------------------------------------------------------------------------
(58)
فلا ترى حشوة ولا نبوة، ولا تشاهد تكرارا أو اجتراراً، فأنت بين يدي مناخ جديد مبوب بأفضل ما يراد من التصنيف والتأليف، فلا تكاد تستظهر علما مما أفاض حتى يلاحقك علم مثله كالسيل اندفاعاً، ولعل أبرز ما تعقبه في سر صناعة الاعراب لصوقا بجوهر الصوت الخالص البحوث الآتية:
1 ـ فرق ما بين الصوت والحرف.
2 ـ ذوق أصوات الحروف.
3 ـ تشبيه الحلق بآلات الموسيقى (المزمار، العود).
4 ـ اشتقاق الصوت والحرف.
5 ـ الحركات أبعاض حروف المد.
6 ـ العلل وعلاقتها بالأصوات.
7 ـ مصطلحات الأصوات العشرة التي ذكرها آنفاً مع ما يقابلها.
8 ـ حروف الذلاقة والأصمات.
9 ـ حسن تأليف الكلمة من الحروف فيما يتعلق بالفصاحة في اللفظ المفرد، وتأصيل ذلك على أساس المخارج المتباعدة.
10 ـ خصائص كل صوت من حروف المعجم، وحيثياته، وجزئياته كافة، بمباحث متخصصة لم يسبق إليها في أغلبها، فهي طراز خاص في المنهج والعرض والتبويت.
ولو أضفنا إلى مباحث (سر صناعة الإعراب) جملة من مباحثه في جهوده الأخرى لا سيما في كتاب (الخصائص) لتوصلنا من ضم بعضها لبعض إلى مجموعة مفضلة من مباحث الصوت اللغوي يمكن رصدها وتصنيفها على النحو الآتي:
1 ـ الصوامت من الحروف والصوائت.
2 ـ علاقة اللهجات بالأصوات.
3 ـ علاقة الإعراب بالأصوات.
--------------------------------------------------------------------------------
(59)
4 ـ التقديم والتأخير في حروف الكلمات وتأثيرهما على الصوت.
5 ـ علاقة الأفعال بالأصوات.
(يُتْبَعُ)
(/)
6 ـ الإعلال والإبدال والإدغام وأثرها في الأصوات.
7 ـ الأصوات وعلاقتها بالمعاني.
8 ـ زيادة المبنى الصوتي وأثره في المعنى.
ويبدو لي أن هذه هي أهم الأصول العامة لمباحث الصوت اللغوي عند ابن جني في كتابيه، والتوسع في كل أصل يقتضي بحثاً متكاملاً في كل مقوماته، وبذلك يتوصل إلى فكره الصوتي، في العرض والأسلوب والنتائج، والسبيل ميسرة أمام الباحثين، ولا بد لنا من الإشارة لملامح هذا الفكر في نقاط، لأننا لسنا بأزاء تتبعه، بل بأزاء القربة إليه لرصد مميزاته ومنهجه في المعالجة والإفاضة والتصنيف.
أولاً: لقد تتبع ابن جني الحروف في المخارج، ورتبها ونظمها على مقاطع مستفيداً بما ابتكره الخليل، إلا أنه كان مخالفاً له في الترتيب، وموافقاً لسيبويه في الأغلب إلا في مقام تقديم الهاء على الألف، وتسلسل حروف الصفير (1).
ويرجح الدكتور حسام النعيمي أن تقدم الهاء على الألف في كتاب سيبويه من عمل النسّاخ، لأن ابن جني ـ وهو أقرب إلى عصر سيبويه من النسّاخ المتأخرين ـ قد نصّ على أن الألف مقدمة على الهاء عند سيبويه، وإن حروف الصفير وهي (الزاي، السنين، الصاد) من مخرج واحد فلا يتقدم أحدها على الآخر، فلم يبال بالتقديم والتأخير بينها لذلك (2).
وهكذا كان ترتيب الحروف عند ابن جني على ترتيب المخارج: الهمزة، الألف، الهاء، العين، الحاء، الغين، الخاء، القاف، الكاف، الجيم، الشين، الياء، الضاد، اللام، الراء، النون، الطاء، الدال، التاء،
____________
(1) قارن بين: سيبويه، الكتاب: 2|405 + ابن جني، سر الصناعة: 1|52 ـ 53.
(2) ظ: حسام النعيمي، الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني: 301.
--------------------------------------------------------------------------------
(60)
الصاد، الزاي، السين، الظاء، الذال، الثاء، الفاء، الباء، الميم، والواو ـ (1).
وهذا الترتيب مخالف للخليل، وفيه بعض المخالفة لسيبويه في ترتيبه كما يظهر هذا لدى المقارنة في جدولة الترتيبين كما سبق.
وابن جني لا يخفي هذا الخلاف بل ينص عليه، ويذهب إلى صحة رأيه دونهما فيقول:
«فهذا ترتيب الحروف على مذاقها وتصعدها، وهو الصحيح، فأما ترتيبها في كتاب العين ففيه خطل واضطراب، ومخالفة لما قدمناه آنفاً محاربته سيبويه، وتلاه أصحابه عليه، وهو الصواب الذي يشهد التأمل له بصحته» (2).
ثانياً: ويضيف ابن جني إتماماً لنظريته في الأصوات: ستة أحرف مستحسنة على حروف المعجم العربي، وثمانية أحرف فرعية مستقبحة، ولا يصح ذلك عنده إلا بالسمع والمشافهة، حتى تكون حروف المعجم مع الحروف الفرعية المستحسنة خمسة وثلاثين حرفاً، وهما مع الحروف الفرعية المستقبحة ثلاثة وأربعون حرفاً.
ولا معنى لهذه الإضافات من قبله لو لم يكن معنياً بالصوت، فحروف العربية تسعة وعشرون حرفاً، لا شك في هذا، ولكن الحروف المستقبحة والمستحسنة التي أضافها، وإن لم يكن لها وجود في المعجم العربي، إلا أن لها أصواتاً في الخارج عند السامعين، وهو إنما يبحث في الأصوات فأثبتها، فعادت الأصوات في العربية عنده ثلاثة وأربعين صوتاً، وهو إحصاء دقيق، وكشف جديد، وتثبيت بارع.
وقد ذهب ابن جني في هذه الحروف مذهباً فنياً تدل عليه قرائن الأحوال، فهو يعطي استعمالها في مواطنه، وتشخيصها في مواضعه، فالحروف المستحسنة عنده، يؤخذ بها في القرآن وفصيح الكلام، وهي:
____________
(1) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|50.
(2) المصدر نفسه: 1|50 ـ 51.
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[20 - 10 - 2005, 05:54 ص]ـ
«النون الخفيفة، والهمزة المخففة، وألف التفخيم، وألف الإمالة، والشين التي كالجيم، والصاد التي كالزاي. . . والحروف الفرعية المستقبحة، هي فروع غير مستحسنة، لا يؤخذ بها في القرآن ولا في الشعر، ولا تكاد توجد إلا في لغة ضعيفة مرذولة، غير متقبلة. وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف، والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين، والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالميم» (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثاً: ويحصر ابن جني مخارج الحروف في ستة عشر مخرجاً، ناظراً إلى موقعها في أجهزة النطق، ومنطلقاً معها في صوتيتها، ويسير ذلك بكل ضبط ودقة وأناقة، فيقول:
«واعلم أن مخارج هذه الحروف ستة عشر، ثلاثة منها في الحلق:
1 ـ فأولها من اسفله وأقصاه، مخرج الهمزة والألف والهاء.
2 ـ ومن وسط الحلق: مخرج العين والحاء.
3 ـ ومما فوق ذلك من أول الفم: مخرج الغين والخاء.
4 ـ ومما فوق ذلك من أقصى اللسان: مخرج القاف.
5 ـ ومن أسفل من ذلك وأدنى إلى مقدم الفم: مخرج الكاف.
6 ـ ومن وسط اللسان، بينه وبين وسط الحنك الأعلى: مخرج الجيم والشين والياء.
7 ـ ومن أول حافة اللسان وما يليها: مخرج الضاد.
8 ـ ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان، من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى، مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية: مخرج اللام.
9 ـ ومن طرف اللسان بينه وبين مافويق الثنايا: مخرج النون.
____________
(1) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|51.
--------------------------------------------------------------------------------
(62)
10 ـ ومن مخرج النون، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه إلى اللام: مخرج الراء.
11 ـ ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا: مخرج الطاء والدال والتاء.
12 ـ ومما بين الثنايا وطرف اللسان: مخرج الصاد والزاي والسين.
13 ـ مما بين اللسان وأطراف الثنايا: مخرج الظاء والذال والثاء.
14 ـ ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العلى: مخرج الفاء.
15 ـ وما بين الشفتين، مخرج الباء والميم والواو.
16 ـ ومن الخياشيم، مخرج النون الخفيفة، ويقال الخفيفة أي: الساكنة، فذالك ستة عشر مخرجاً» (1).
وحينما يتابع ابن جني مسيرته الصوتية في مخارج هذه الحروف، نجده متمحضاً لها في دقة متناهية بما نعتبره أساساً لما تواضع عليه الأوروبييون باسم الفونولوجي phonology أي «التشكيل الأصواتي» أو هو النظام الصوتي في تسمية دي سوسور له وهو ما نميل إليه (2).
ومن خلال هذا النظام نضع أيدينا على عدة ظواهر صوتية متميزة في المنهج الصوتي عند ابن جني كشفنا عنها بصورة أولية في عمل أصواتي مستقل سبقت تغطيته (3).
وهنا نحاول فلسفتها بصورة متكاملة مقارنة بظروفها المماثلة في الفكر الصوتي الإنساني، فيما حقق من نظام أصواتي حديث لا يختلف كثيراً عما أبداه ابن جني في الظواهر الآتية:
1ـ مصدر الصوت ومصطلح المقطع:
يتحدث ابن جني عن مصدر الصوت، وكيفية حدوثه، وطريق
____________
(1) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|52 ـ 53.
(2) ظ: دي سوسور، علم اللغة العام: 51.
(3) ظ: المؤلف، منهج البحث الصوتي عند العرب: بحث.
--------------------------------------------------------------------------------
(63)
خروجه، وعوامل تقاطعه، واختلاف جرسه بحسب اختلاف مقاطعه، وبذلك يعطينا الفروق المميزة بين الأصوات والحروف فيقول:
«إعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلاً، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً، وتختلف أجراس الحروف بحسب مقاطعها، وإذا تفطنت لذلك وجدته على ما ذكرته لك، ألا ترى أنك تبتدىء الصوت من أقصى حلقك، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت، فتجد له جرساً ما، فإن انتقلت عنه راجعاً منه أو متجاوزاً له ثم قطعت، أحسست عند ذلك صدى غير الصدى الأول، وذلك نحو الكاف، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره، وإن جزت إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين. . . (1)
هذا العرض في إحداث الصوت كشف لنا عن مصطلح حديث عند الأوروبيين هو المقطع، وأقف عنده لما استقطبه هذا الاصطلاح الذي سيره «ابن جني» من مناقشات وممارسات أصواتية متميزة، كان هو الأساس فيها في الدلالة الدقيقة على المعنى المراد دون غيره عند الأصواتيين العالميين.
(يُتْبَعُ)
(/)
الأصوات عادة تتجمع في وحدات، تكون تلك الوحدات أكبر من الأصوات بالضرورة، لأنها أطول مسافة صوتية، فتشكل في أكثر من صوت وحدة صوتية معينة، وأهم هذه الوحدات هو المقطع الذي تذوقه ابن جني، فرأى فيه ما يثني الكلام عن استطالته وامتداده تارة، وما تحس به صدى عند تغير الحرف غير الصدى الأول تارة أخرى.
والتعريف البسيط للمقطع هو «تأليف أصواتي بسيط، تتكون منه واحداً أو أكثر كلمات اللغة، متفق مع إيقاع التنفس الطبيعي، ومع نظام اللغة في صوغ مفرداتها» (2).
وقد جرى تأليف المقطع العربي على البدء بحرف صامت، ويثنى
____________
(1) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|6.
(2) عبد الصبور شاهين، علم الأصوات ـ الدراسة: 164.
--------------------------------------------------------------------------------
(64)
بحركة، ولا يبدأ بحركة إطلاقاً خلافاً للغات الأوروبية.
ومن المبادىء الأساسية أن اللغة العربية تبدأ كلماتها بمتحرك واحد، وتختمها إما بحركة، فهو المقطع المفتوح. وإما بصامت، فهو المقطع المقفل. ومن غير الممكن في العربية أن تبدأ الكلمة بمجموعة من الصوامت، أو أن يتخلل الكلمة أكثر من صامتين متجاورين، أو أن تختم الكلمة بمجموعة من الأصوات الصامتة (1).
إذن: حرف صامت + حركة = مقطع، وهذا هو المقطع القصير، وقد يضاف إلى هذا حرف صامت، أو حركة أخرى، فيكون المقطع طويلاً، لأنه تجاوزالحد الأدنى من التكوين، وهو الحرف والحركة، وتخطاهما إلى ثالث، حركة كان هذا الثالث أم حرفاً.
والعربية عادة تتكون الغالبية العظمى من كلماتها من ثلاثة مقاطع في المادة دون اشتقاقها، ففي الثلاثي خذ كلمة: «ذَهَب» في ثلاثة مقاطع هي: ذَ | هَـ | بَ، وكل مقطع هنا مكوّن من حرف وحركة كما ترى.
قال ابن جني، مستفيداً بما قدمه الخليل (2): «إن الأصول ثلاثة: ثلاثي رباعي وخماسي، فأكثرها استعمالاً، وأعدلها تركيباً الثلاثي، وذلك لأنه: حرف يبتدأ به، وحرف يحشى به، وحرف يوقف عليه. وليس اعتدال الثلاثي لقلة حروفه حسب، لو كان كذلك لكان الثنائي أكثر منه لأنه أقل حروفاً. . . فتمكن الثلاثي إنما هو لقلة حروفه لعمري، ولشيء آخر هو حجز الحشو الذي هو عينه بين فائه ولامه، وذلك لتعادي حاليهما. ألا ترى أن المبتدأ لا يكون إلا متحركاً وأن الموقوف عليه لا يكون إلا ساكناً، فلما تنافرت حالاهما وسطوا العين حاجزاً بينهما لئلا يفجأوا والحسّ بضد ما كان آخذاً فيه» (3).
لقد أدرك الأصواتيون العرب هذا التخطيط المقطعي من ذي قبل
____________
(1) ظ: عبد الصبور شاهين، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي: 409.
(2) ظ: عبارة الخليل في العين: 1|49.
(3) ابن جني، الخصائص: 1|55 ـ 56.
--------------------------------------------------------------------------------
(65)
فأكدوا عليه حتى في تقطيع الوزن العروضي للشعر عند الخليل في حدود، وهو ما أثبته ابن جني في برمجيته للمقاطع في تفصيله.
ولقد أفاد الأوروبيون من هذا الملحظ إفادة تامة، فقد كان المقطع ـ تبعاً للتفكير التقليدي عند الغربيين ـ يتكون من حركة تعتبر دعامة أو نواة، يحوطها بعض الصوامت consonnes وعليه بني اسم consonne أي الذي يصوّت مع شيء آخر، وهو الذي لا يصوت وحده، وأطلق على الحركات اسم مصوتات sonnetes لأنها قادرة على التصويت دون الاعتماد على شيء آخر، ومن هنا كان المفهوم الوظيفي للمقطع، كما جاءت أفكار الحركات والصوامت (1).
وهو نفسه ما تحدث عنه ابن جني، وهو الواقع في الفكر الصوتي عند العرب فالحرف لا ينطق وحده فيشكل صوتاً، إلا بانضمام الحركة إليه، فيتكون بذالك المقطع الصالح للتصويت.
ويرى أتوجسبرسن otto Jespersen: أن الوحدات الأصواتية تتجمع حول الوحدة الأكثر إسماعاً، بحسب درجة الوضوح السمعي، والمقطع طبقاً لرأيه هو المسافة بين حدين أدنيين من الوضوح السمعي.
إن نظرية جسبرسن من بين ما ارتضاه عالم الأصوات الانجليزي دانيال جونز، فهي وصف جيد للمقطع المثالي، ولكنها لا تقول شيئاً لنا عما هو جوهري في المقطع، ولا تقول لنا: أين الحد بين المقاطع، وهو ما يطلق عليه الحد المقطعي (2).
(يُتْبَعُ)
(/)
حقاً لقد كان البنيوي السويسري فرديناند دي سوسور أقرب إلى الفكر العربي في تصوره لحدود المقطع الصوتي على أساس درجة الانفتاح في الأصوات، إذ تتجمع الصوامت حول الحركات تبعاً لدرجة الانفتاح، فالحد المقطعي يوجد ويتوافر حين يكون التنقل من صوت أكثر انغلاقاً إلى صوت أكثر انفتاحاً (3).
____________
(1) ظ: برتيل مالمبرج، علم الأصوات: 155.
(2) ظ: المرجع نفسه بتصرف: 157.
(3) ظ: دي سوسور، علم اللغة العام: 77 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(66)
إن هذا التوصل إلى حدود المقطع وتعريفاته عند الأوروبيين هو الذي ذهب إليه ابن جني، وأضاف إليه ذائقة كل مقطع، قال: «وسبيلك إذا أردت اعتبار صدى الحروف أن تأتي به ساكناً لا متحركاً، لأن الحركة تقلق الحرف عن موضعه ومستقره، وتجتذبه إلى جهة الحرف التي هي بعضه، ثم تدخل عليه همزة الوصل مكسورة من قبله، لأن الساكن لا يمكن الابتداء به، فتقول: اك. اق. اج؛ وكذلك سائر الحروف، إلا أن بعض الحروف أشد حصراً للصوت من بعضها» (1).
وهذا ما نتعتبره ابتكاراً لم يسبق إليه، إلا فيما عند الخليل في ذواقة للأصوات اب | ات | اع | اغ (2).
فإنها مقاطع طويلة مقفلة تكونت من ثلاثة عناصر في كل منها هي الألف والكسرة والحرف: ب | ت | ع | غ.
والمدهش حقاً عند ابن جني أن يهتدي الى سر المقطع من خلال تصريفه لشؤون الحركات، فهو يعتبر الحركة صوتياً تتبع الحرف، فتجد بهما الصوت يتبع الحرف «وإنما هذا الصويت التابع لهذه الحروف ونحوها ما وقف عليها، لأنك لا تنوي الأخذ في حرف غيرها، فيتمكن الصويت فيظهر؛ فأنما إذاوصلت هذه الحروف ونحوها فإنك لا تحس معها شيئاً من الصوت كما تجده معها إذا وقف عليها» (3).
2 ـ جهاز الصوت المتنقل:
يتحدث ابن جني عن جهاز الصوت الممتنقل، أو مجموعة الأجهزة الصوتية في الحلق والفم، وسماعنا تلك الأصوات المختلفة، وذلك عند ذائقته للحرف العربي، ووجدانه الاختلاف في أجراسه، والتباين في أصدائه فشبه الحلق بالمزمار، ووصف مخارج الحروف ومدارجها بفتحات هذا المزمار، وتتوجه عنايه بمجرى الهواء في الفم عند إحداث الأصوات،
____________
(1) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|7.
(2) ظ: الخليل، العين: 1|47.
(3) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|7.
--------------------------------------------------------------------------------
(67)
ويشبهه بمراوحة الزامر أنامله على خروق الناي لسماع الأصوات المتنوعة والتشعبة بحسب تغييره لوضع أنامله لدى فتحتات المزمار، «فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المسنوقة، وراوح بين أنامله، اختلفت الأصوات، وسمع لكل منها صوت لايشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة» (1).
وكذلك تعقيبه على هذا التمثيل في إحداث الصوت بالنسبة لأوضاع أجهزة الصوت، بتشبيهه ذلك بوتر العود، وكيفيية ضربه ببعض أصباع اليسرى أو جسة في اليمنى مما يحدث أصواتاً مختلفة عند تلقي الأذن لذلك فتتذوق من خلال ذلك جوهر الصوت، كما تتذوقه في أصوات الحروف تبعاً للرقة والصلابة في الوتر، وكذلك الحال بالنسبة للوترين الصوتيين في جهاز النطق الصوتي عند الإنسان، يقول:
«ونظير ذلك أيضاً وتر العود، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل سمعت له صوتاً، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتاً آخر، فإن أدناها قليلاً، سمعت غير الإثنين، ثم كذلك كلما أذنى إصبعه من أول الوتر غفلاً غير محصور، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور، أملس مهتزاً، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر صلابته، وضعفه ورخاوته، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت في أقصى الحلق، جريان الصوت فيه غفلاً غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا» (2).
(يُتْبَعُ)
(/)
إن ما أبداه ابن جني من تفصيل تمثيلي دقيق لجهاز النطق عند الإنسان وأثر انطلاق الهواء مضغوطاً وغير مضغوط في إحداث الأصوات مختلفة بحسب إرادة الناطق أو الموصوّت: هو ما تبناه علم الأصوات
____________
(1) ابن جني، سر صناعة الإعراب: 1|9.
(2) المصدر نفسه: 1|9 ـ 10.
--------------------------------------------------------------------------------
(68)
الفيزيولوجي ( physiology ـ phonnetics ) في الحديث عن الجهاز التنفسي الذي يقدم الهواء المناسب لتكييف حدوث الأصوات، وعن الحنجرة باعتبارها مفجرة الطاقة الصوتية، وعن التجاويف فوق المزمارية التي تلعب دور عزف الرنين في إنتاج غالبية الضوضاء المستخدمة في الكلام، وعن دور التنفس في مرحلتي الشهيق والزفير في اتساع القفص الصدري لدى الشهيق، فيدعو الهواء الخارجي بسبب هبوط الحجاب الحاجز، وارتفاع الأضلاع إلى الدخول من فتحتي الأنف أو الفم عبر القصبة الهوائية إلى الرئتين، فتنتج أصواتاً استثنائية مسموعة عند الأطفال، أو في حالتي النشيج والضحك.
أما الزفير فيتشمل على ارتفاع الحجاب الحاجز، وهبوط الأضلاع، ونتيجة لهذا يندفع الهواء بكمية كبيرة من الرئتين، هذا الهواء المندفع بالزفير هو الذي يستخدم في التصويت (1).
إن هذا التحليل الحديث في حدوث الأصوات من وجهة نظر علمية أو تشريحية هو الذي أراده ابن جني في عنايته بمجرى الهواء في عملية إحداث الأصوات، ولكن بأسلوب يتجاوز مناخ بيئته إلى البيئات المعاصرة، وتشبيهه لهذا الجهاز بمراوحة الزامر أنامله في خرو الناي لسماع الأصوات لم يعد اليوم تشبيهاً بل عاد تسمية اصطلاحية في علم الأصوات الفيزيولوجي بالنسبة للتصويت، إذ تطلق كلمة المزمار على الفراغ المثلث المحاط بالحبلين الصوتيين «فالمزمار يكون مفتوحاً في التنفس العادي، كما يكون مفتوحاً خلال النطق ببعض الصوامت المهموسة، أما خلال التصويت فإن المزمار يجب أن ينغلق، على طول الخط الوسيط، فإذا بقي الجزء الموجود بين الغضروفين الهرميين مفتوحاً، بحيث يسمح للهواء بالمرور سمعنا صوتاً مستسراً هو صوت الوشوشة، وإذا كان الإئتلاف كاملاً كان المزمار في وضع الاستعداد للتذبذب. . . ومن الممكن أيضاً أن نقصر التذبذب على جزء من الحبل الصوتي، وبذلك نختصر طول الجسم المتذبذب، وهو ما يعطينا نغمة أكثر حدة. هذه المعطيات الفيزيولوجية تتفق اتفاقاً كاملاً مع القوانين الفيزيقية التي تحكم التردد
____________
(1) ظ: برثيل مالمبرج، علم الأصوات: 43 بتصرف.
--------------------------------------------------------------------------------
(69)
الخاص باسم التذبذب» (1).
أستطيع القول من خلال النص المتقدم دون مبالغة أو تردد: إن هذا النص يكاد أن يكون ترجمة عصرية لرأي ابن جني في تشبيهه جهاز الصوت لدى التذبذب في إخراج الأصوات بالمزمار، الذي أصبح اليوم نقطة انطلاق الأصوات باعتباره فراغاً يحاط بالوترين الصوتين، إذ لم يكن هناك بد عند ابن جني من تلمس جهاز ملموس للاستدلال من خلاله على قضية يصعب الاستدلال عليها في عصره دون النظر إلى ذلك الجهاز، أما التشبيه الذي عاد اليوم مظنة لمساحة نطقية قرب الحنجرة، فإنه قد لوّن بصبغة خاضعة لعلم التشريح، وليس عصر ابن جني عصر تشريح، ولا هو بمتخصص فيه مع فرض وجود أوليات الموضوع. لذلك جاءت هذه الترجمة معبرة عن رأيه، أو كاشفة عن تخطيطه تلقائياً، وحاكية لتشبيهه تمثيلياً، والأمر المنتزع من الحس، إذ أقيم عليه الدليل الفعلي، كان مقارباً للأفهام، ومسايراً لحركة التفكير.
لقد كان ابن جني موضوعياً في صفة الجهاز المتنقل في الأصوات مما جعله في عداد المؤسسين.
3 ـ أثر المسموعات في تكوين الأصوات:
ويتمرس ابن جني بعض الحقائق الصوتية، ولكنه يعرضها بحذر ويقظة، وقد ينسبها إلى بعض الناس، وما يدرينا فلعلها له لأنه من بعضهم، إلا أن له وجهة نظر قد تمنعه من التصريح بها لأسباب عقيدية، قد لا يسيغها المناخ الاجتماعي في نظره وإن كانت واقعاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
فهو يتحدث عن صدى الصوت في بداية تكوين اللغة، وأثر المسموعات الصوتية في نشوء الأصوات الإنسانية، وهو ينقل ذلك عن بعضهم، ولكنه يذهب إليه باعتباره مذهباً متقبلاً، ووجهاً صالحاً للتعليل، دعماً لنظريته الصوتية التي يربط بها الأشباه والنظائر، ويحشد لها الدلائل والبراهين، فيقول:
____________
(1) المرجع السابق: 47 وما بعدها باختصار.
--------------------------------------------------------------------------------
(70)
«وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات إنما هو من الأصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي ونحو ذلك، ثم ولدت اللغات عن ذلك.
وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل» (1).
فهو يربط بين الأصوات الإنسانية، وبين أصداء الطبيعة حيناً، وأصوات الكائنات الحيوانية حيناً آخر، مما هو من ظوهر الموجودات في الكون، وبين تكوين اللغات التي نشأت من هذه الأصوات في بداياتها الأولى.
«وقد ذهب إلى هذا الرأي معظم المحدثين من علماء اللغة وعلى رأسهم العلامة وتني Whitney » (2).
وهذا ما يوقفنا على رأي الأوروبيين، وتعليلهم الصوتي في أصل نشوء اللغات؛ وأهمها في نظرنا ما يوافق ابن جني المنقول آنفاً، والقائل بامتداد الصوت عند الأنسان عن الصوت الطبيعي للأشياء، او الصوت الحيواني غير العاقل، وأن جملة اللغات الإنسانية قد انحدرت من تلك الأصوات.
وهذا لا يمانع أن يكون الله سبحانه وتعالى هو ملهم الأصوات، ومنشىء اللغات، ومعلم الكائنات، فهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي لا تشوبه شائبة، فالكلام عن هذا شيء والبحث عن أصل اللغات في انطلاق الأصوات شيء آخر.
على أن هناك رأياً آخر يذهب إلى أن أستعمال الإنسان لجهازه الصوتي كان عن طريق التأوهات والشهقات التي صدرت عنه بصورة لا إرادية، وذلك حينما عبر عن آلامه حيناً، وآماله حيناً آخر (3).
____________
(1) ابن جني، الخصائص: 1|46 ـ 47.
(2) علي عبد الواحد وافي، علم اللغة: 95.
(3) ظ: في تفصيل هذه النظريات، أبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ: 20 ـ 35.
--------------------------------------------------------------------------------
(71)
4 ـ محاكاة الأصوات:
وقد ذهب ابن جني مذهباً صوتياً فريداً يربط بين الصوت والفعل تارة، وبين الصوت والاسم تارة أخرى، ويبحث علاقة كل منهما بالأخر علاقة حسية ومادية متجسدة، فجرس الألفاظ ووقعها فيما يحدثه من أصوات وأصداء سمعية قد يكون متجانساً ومقارباً لنوعية عنده فيقول:
«فإن كثيرا من هذه اللغة وجدته مضاهياً بأجراس حروفه أصوات الأفعال التي عبر بها عنها، ألا تراهم قالوا: قضم في اليابس، وخضم في الرطب. وذلك لقوة القاف وضعف الخاء، فجعلوا الصوت الأقوى للفعل الأقوى، والصوت الأضعف للفعل الأضعف» (1).
وتجده يلائم بين الصوت اللغوي وعلاقته بصوت الطائر في الاستطالة والقطع، فالراء مرددة مكررة مستطيلة، وصوت الجندب مثلاً مستطيل، فجعلت له «صرّ» مشددة، وصوت البازي مثلاً متقطع، فقطعت الراء فكانت «صرصر» وذلك ما رآه:
«وكذلك قالوا «صر الجندب» فكرروا الراء لما هناك من استطالة صوته، وقالوا «صرصر البازي» لما هناك من تقطيع صوته» (2).
وفي هذا المجال فإن ابن جني لا يقف عند هذا الحد من النظرية والتطبيق، بل يربط أحياناً بين الأصوات وبين ما سمي به الشيء، نظراً لمشابهته لذلك الصوت المنطلق من التسمية، كالبط لصوته، والواق للصرد لصوته، وغاق للغراب لصوته (3).
وهو بهذا يذهب مذهب من يجد مناسبة ما بين الصوت والمعنى، لا سيما عند البلاغيين في التماس علاقة اللفظ بالمعنى، أو في الدلالة الحسية للفظ بالمعنى، وهو من باب تسمية الشيء باسم صوته، وتلك مقولة صحيحة في جملة من الأبعاد، وحقيقة في كثير من المسميات والتسميات.
____________
(1) ابن جني، الخصائص: 1|65.
(2) المصدر نفسه: 1|165.
(3) المصدر نفسه 2|165.
--------------------------------------------------------------------------------
(72)
(يُتْبَعُ)
(/)
وابن جني يؤكّد هذه الحقيقة في المفردات اللغوية، ليعطيها صفة صوتية متمازجة، فالعرب «قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها، وتقديم ما يضاهي أول الحديث، وتأخير ما يضاهي آخره، وتوسيط ما يضاهي أوسطه، سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب، وذلك كقولهم: بحث، فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض، والحاء لصلحها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما إذا غارت في الأرض، والثاء للنفث والبث للتراب «(1).
ولا غرابة بعد هذا أن نجد صيغتين من صيغ العربية تدلان على الحدث الصوتي من جانبين:
أ ـ فعال، وتستعمل في جزء كبير منها للدلالة على الأصوات والضوضاء مثل: صراخ.
ب ـ فعللة، فإنها تستعمل في العربية في جزء كبير منها للدلالة على حكايات الأصوات مثل: «الغرغرة» فإن صوتها من جنس تشكيل حروفها لفظياً، وإن معناها صدى من أصداء صوتها.
هذا نفسه هو ما ينجم عن التوليد الصوتي للألفاظ عند الأوروبيين، كما في الكلمة (قهقه) والأصوات فيها دليل من دلائل المعنى، وإذا أضفنا إلى (قهقه) (تمايل) فإننا سنجد في الكلمة الأولى حدث تقليد صوت لصوت آخر، وفي الثانية ترجمت الحركة ترجمة بيانية بوسائل صوتية.
والمصطلح الذي يغلب إطلاقه في حالة الكلمات التي من هذا النوع هو (محاكاة الأصوات Onomatopeid ) (2) .
هذه جولة قد تكون نافعة فيما أوجده لنا ابن جني من تأصيل صوتي لكثير من الملامح والخصائص والمكتشفات.
____________
(1) ابن جنيّ، الخصائص: | 162 ـ 163.
(2) ظ: ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللّغة: 73 ـ 74 بتصرف.
--------------------------------------------------------------------------------
(73)
القرآن والصوت اللغوي
اتخذت المباحث الصوتية عند العرب القرآن أساساً لتطلعاتها، وآياته مضماراُ لاستلهام نتائجها، وهي حينما تمازج بين الأصوات واللغة، وتقارب بين اللغة والفكر، فإنما تتجه بطبيعتها التفكيرية لرصد تلك الأبعاد مسخرة لخدمة القرآن الكريم، فالقرآن كتاب هداية وتشريع لا شك في هذا، ولكنه من جانب لغوي كتاب العربية الخالد، يحرس لسانها، ويقوّم أود بيانها، فهي محفوظة به، وهو محفوظ بالله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون) (1). لهذا بقيت العربية في ذروة عطائها الذي لا ينضب، وظلت إضاءتها في قمة ألقها الذي لا يخبو، فكم من لغة قد تدهورت وتعرضت لعوامل الانحطاط، وانحسرت أصالتها برطانة الدخيل المتحكم من اللغى الأخرى، فذابت وخمد شعاعها الهادي؛ إلا العربية فلها مدد من القرآن، ورافد من بحره المتدفق بالحياة، تحسه وكأنك تلمسه، وتعقله وكأنك تبصره، فهو حقيقة مستطيلة لا تجحد، مسك القرآن باللسان العربي عن الانزلاق، وأفعم التزود اللغوي عن الارتياد في لغات متماثلة، حتى عاد اللسان متمرساً على الإبداع، والتزود سبيلاً للثقافات الفياضة، لا يحتاج إلى لغة ما، بل تحتاجه كل لغة.
ورصد أية ظاهرة لغوية يعني العناية باللغة ذاتها، ويتوجه إلى ترصين دعائمها من الأصل، لأن الأصوات بانضمام بعضها إلى بعض تشكل مفردات تلك اللغة، والمفردات وحدها تمثل معجمها، وبتأليفها تمثل الكلام في تلك اللغة، والقدرة على تناسق هذا الكلام وتآلفه، من مهمة
____________
(1) الحجر: 9.
--------------------------------------------------------------------------------
(74)
الأصوات في تناسقها وتآلفها، وتنافر الكلمات وتهافتها قد يعود على الأصوات في قرب مخارجها أو تباعدها، أو في طبيعة تركيبها وتماسها، أو من تداخل مقاطعها وتضامهّا، ذلك أن اللغة أصوات. «ومصدر الصوت الإنساني في معظم الأحيان هو الحنجرة، أوبعبارة أدق: الوتران الصوتيان فيها، فاهتزازات هذين التوترين هي التي تنطلق من الفم أو الأنف ثم تنتقل خلال الهواء الخارجي» (1).
ولغتنا العربية كبقية لغات العالم؛ عبارة عن أصوات متآلفة تنطلق من الوترين الصوتيين لتأخذ طريقها إلى الخارج.
بيد أن العربية سميت باسم صوت متميز بين الأصوات فعاد معلماً لها، ومؤشراً عليها، فقيل: لغة الضاد.
ومع أن ابن فارس (ت: 395 هـ) يقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
«ومما اختصت به لغة العرب الحاء والظاء» (2). إلا أن الضاد يبقى صوتاً صارخاً في العربية لا مشابه له في اللغات العالمية، بل وحتى في اللغات السامية القريبة الأصر من اللغة العربية، وكان لهذا الصوت نصيبه من الالتباس بصوت «الظاء» فكانت الإشارة منا في عمل مستقل إلى الاختلاف فيما بين الضاد والضاء حتى عند العرب انفسهم، وأن الالتباس بالضاد كان ناجماً عن مقاربتها للضاء في الآداء، وعدم تمييز هذين الصوتين حتى لدى العرب المتأخرين عن عصر القرآن (3).
ومن عجائب القرآن الأدائية، وضعه هذين الصوتين في سياق واحد، وبعرض مختلف، في مواضع عديدة من القرآن، ذلك من أجل الدربة الدقيقة على التلفظ بهما، والمران على استعمالهما منفصلين، بتفخيم الضاد وترقيق الضاء، قال تعالى: ( ... ولئن رجعت إلى ربى إنّ لي عنده للحسنى فلننبئنّ الّذين كفروا بما عملوا ولنذيقنّهم من عذاب غليظ * وإذا أنعمنا على
____________
(1) إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية: 8.
(2) ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة: 100.
(3) المؤلف، منهج البحث الصوتي عند العرب: بحث.
--------------------------------------------------------------------------------
(75)
الإنسان اعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشّرّ) (1). فالظاء في (غليظ) والضاد في (أعرض) و في (عريض) مما تواضع الأوئل على قراءته بكل دقة وتمحيص، وميزوا بذائقتهم الفطرية فيما بين الصوتين.
والحاء بالعربية تنطق «هاء» في بعض اللغات السامية، وكذلك صوتها في اللغات الأوروبية، فهما من مخرج واحد «ولولا هتة في الهاء لأشبهت الحاء لقرب مخرج الهاء من الحاء» (2).
ولعمق التوجه الصوتي في القرآن لدى التمييز بين المقاربات نجده يضعهما في سياق واحد في كثير من الآيات، من أجل السليقة العربية الخالصة، قال تعالى:
(فسيحوا في الأرض اربعة أشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكفرين * وأذن من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر. . .) (3).
فالحاء من «فسيحوا» والهاء من «أشهر» في الآية الأولى إلى جنب الهاء من «الله ورسوله» والحاء من «الحج» في الآية الثانية، جاءت جميعها بسياق قرآني متناسق في هدف مشترك للتمييز بين الصوتين حيناً، وللحفاظ على خصائص العربية حيناً آخر، ولبيان اختلاطهما عند غير العربي المحض، فلا يستطيع أداء «الحاء» تأديته «الهاء» إذ قد يلتبسان عليه، وهو جانب فني حرص القرآن على كشفه بعيداً عن الغرض الديني إلا في وجوب أداء القرآن قراءة كما نزل عربياً مبيناً.
لهذا نرى أن القرآن هو القاعدة الصلبة للنطق العربي الصحيح لجملة أصوات اللغة، ولا سيما الضاد والظاء أوالحاء والهاء، في التمرس عليهما والتفريق الدقيق بينهما.
ولقد كان سليماً جداً ما توصل إليه صديقنا المفضل الدكتور أحمد مطلوب عضو المجمع العلمي العراقي بقوله:
____________
(1) حم السجدة (فصلت): 50 ـ 51.
(2) الخليل، كتاب العين: 1|57.
(3) التوبة: 2ـ 3.
--------------------------------------------------------------------------------
(76)
«إن من أهم خصائص العربية ثبات أصوات الحروف فيها، لأن جوهر الصوت العربي بقي واضحاً، وهو ما يتمثل في قراءة القرآن الكريم وإخراج الحروف الصامتة إخراجاً يكاد يكون واحداً» (1). لأن اللغة العربية تستمد أصولها من القرآن، بل تبقى أصولها ثابتة في القرآن، وأولويات هذه الأصول هي الأصوات لأن الأصوات أصل اللغات.
ولا غرابة بعد هذا أن يكون استقراء ملامح الظاهرة الصوتية في التراث العربي الإسلامي يوصلنا إلى أن القرآن الكريم هو المنطلق الأساس فيها، وأنه قد نبه بتأكيد بالغ على مهمة الصوت اللغوي في إثارة الإحساس الوجداني عند العرب، وإيقاظ الضمائر الإنسانية للتوجه نحوه لدى استعماله الحروف الهجائية المقطعة في جمهرة من فواتح السور القرآنية، وفي أسرار فواصل الآيات، وفي قيم الأداء القرآني، وفي الدلالة الصوتية للألفاظ في القرآن، وهو ما خصصت له هذه الرسالة فصولاً مستقلة، شكلت المادة الأولية للبنات الموضوع، ونهضت بمفصّل حيثيات الصوت اللغوي في القرآن.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن البداية في اعتماد الصوت اللغوي في القرآن ضمن الدراسات العربية قد جاء ضمن مجموعتين دراستين هما: الدراسات القرآنية والدراسات البلاغية، ولا بد من الإشارة قبل ذلك إلى تردد جهود بعض الفلاسفة الموسوعيين لمجمل حياة الأصوات تمهيداً لخوضها في القرآن.
فهذا ابن سينا (ت: 428 هـ) يضع رسالة متخصصة نادرة في الأصوات أسماها (أسباب حدوث الحروف) (2). وقد كان متمرساً فيها للإشارات الصوتية وتمييزها في الأسماع، وتحدث عن مخارج الأصوات وغضاريف الحنجرة، وعرض للفم واللسان تشريحياً وطبياً وتركيبياً، وعني عناية خاصة بترتيب مخارج الصوت العربي مقارناً باللغات الأخرى بحسب تركيب أجهزة الصوت الإنساني، وبحث مميزات الحرف العربي صوتياً،
____________
(1) أحمد مطلوب، بحوث لغوية: 27.
(2) طبعت في القاهرة، 1332 هـ + 1352هـ.
وحكم جهازه السمعي في معرفة الأصوات وأثر تذبذبها. وأما الدراسات القرآنية، فقد انطلقت إلى دراسة الأصوات من خلال الفصول القادمة في الرسالة ضمن موضوعاتها الدقيقة المتخصصة، وكانت على نوعين كتب إعجاز القرآن وكتب القراءات. أما كتب إعجاز القرآن، فقد كان المجلي فيها بالنسبة للصوت اللغوي علي بن عيسى الرماني (ت: 386 هـ) فهو أبرز الدارسين صوتياً، وأقدمهم سبقاً إلى الموضوع، وأولهم تمرساً فيه، إلا أنه بالضرورة قد مزج بين دراسة الأصوات وعلم المعاني مطبقاً تجاربه في باب التلاؤم تارة، ومتخصصاً لدراسة فواصل الآيات بلاغياً كما سيأتي في موضعه.
أما التلاؤم الصوتي عند الرماني فهو نقيض التنافر، والتلاؤم تعديل الحروف في التأليف، لأن تأليف الكلام على ثلاثة أوجه: متنافر، ومتلائم في الطبقة الوسطى، ومتلائم في الطبقة العليا (1).
ويعود الرماني بالتلاؤم إلى تجانس الأصوات، ولما كانت أصوات القرآن متجانسة تماماً، فإن القرآن كله متلائم في الطبقة العليا، وذلك بيّن لمن تأمله، والفرق بين القرآن و بين غيره من الكلام في تلاؤم الحروف على نحو الفرق بين المتنافر والمتلائم في الطبقة الوسطى، وبعض الناس أشد إحساساً بذلك وفطنة له من بعض (2).
ويبحث الرماني التلاؤم في أصوات القرآن من وجوه:
1 ـ السبب في التلاؤم ويعود به إلى تعديل الحروف في التأليف، فكلما كان أعدل كان أشد تلاؤماً.
2 ـ والفائدة في التلاؤم، يعود بها إلى حسن الكلام في السمع، وسهولته في اللفظ، وتقبل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة وطريق الدلالة.
3 ـ وظاهرة التلاؤم، ويعود بها إلى مخارج الحروف في اختلافها،
____________
(1) الرماني، النكت في إعجاز القرآن: 94.
(2) المصدر نفسه: 95.
--------------------------------------------------------------------------------
(78)
فمنها ما هو من أقصى الحلق، ومنها ما هو من أدنى الفم، ومنها ما هو في الوسط بين ذلك.
«والتلاؤم في التعديل من غير بعد شديد أو قرب شديد. وذلك يظهر بسهولته على اللسان، وحسنه في الأسماع، وتقبله في الطباع، فإذا انضاف إلى ذلك حسن البيان في صحة البرهان في أعلى الطبقات؛ ظهر الإعجاز للجيد الطباع البصير بجواهر الكلام» (1).
و أما كتب القراءات، فقد انتهى كثير منها بإعطاء مصطلحات صوتية اقترنت بالنحو تارة وباللغة تارة أخرى، وتمحضت للصوت القرآني بينهما، وكان ذلك في بحوث متميزة برز منها: الإدغام، الإبدال، الإعلال، الإخفاء، الإظهار، الإشمام، الإمالة، الإشباع، المدّ، التفخيم، الترقيق مما اصطنعه علماء الآداء الصوتي للقرآن كما سيأتي بحثه في حينه.
الحق أن الصوت اللغوي في القرآن قد بحث متناثراً هنا وهناك في مفردات حية، تتابع عليها جملة من الأعلام المبرزين الذين اتسمت جهودهم بالموضوعية والتجرد وبيان الحقيقة، كان منهم: علي بن عيسى الرماني (ت: 386 هـ) وأبو بكر الباملاني (ت: 403 هـ) وأبو عمر الداني (ت: 444 هـ) ومحمد بن الحسن الطوسي (ت: 460 هـ) وجار الله الزمخشري (ت: 538هـ) وأبو علي الطبرسي (ت: 548 هـ) وعبدالله بن محمد النكزاوي (ت: 683هـ) وإبراهيم بن عمر الجعبري (ت: 732 هـ) وبدر الدين الزركشي (ت: 794هـ) وجلال الدين السيوطي (ت: 911هـ).
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما الدراسات البلاغية التي اشتملت على خصائص الأصوات فقد بحثت على أيدي علماء متمرسين كالشريف الرضي (ت: 406 هـ) وعبد القاهر الجرجاني (ت: 471 هـ) وابن سنان الخفاجي (ت: 466 هـ) و أبي يعقوب السكاكي (ت: 626 هـ) وأضرابهم:
وكانت مباحثهم طبقاً لتوجه علم المعاني، وتزاحم الأصوات في قبول ذائقتها النطقية أو السّمعية ورفضها، من خلال: تنافر الحروف، تلاؤم الأصوات، التعقيد اللفظي، التعقيد المعنوي، فصاحة اللفظ المفرد؛ مما
____________
(1) الرماني، النكت في إعجاز القرآن: 96.
--------------------------------------------------------------------------------
(79)
هو معلوم في مثل هذه المباحث مما يتعلق بالصوت منها، وخلصت إلى القول بخلو القرآن العظيم من التنافر في الكلمات، أو التشادق في الألفاظ، أو العسر في النطق، أو المجانبة للأسماع، وكونه في الطبقة العليا من الكلام في تناسقه وتركيبه وتلاؤمه.
أما ما يتعلق بالأصوات من مخارجها في موضوع التنافر فلهم بذلك رأيان:
الأول: أن التنافر يحصل بين البعد الشديد أو القرب الشديد وقد نسب الرماني هذا الرأي إلى الخليل «وذلك أنه إذا بَعٌد الشديد كان بمنزلة الطفر، وإذا قرب القرب الشديد كان بمنزلة مشي المقيد، لأنه بمنزلة رفع اللسان ورده إلى مكانه، وكلاهما صعب على اللسان، والسهولة من ذلك في الاعتدال، ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال» (1).
الثاني: أن التنافر يحصل في قرب المخارج فقط وهو ما يذهب إليه ابن سنان الخفاجي (ت: 466 هـ) بقوله: «ولا أرى التنافر في بعد ما بين مخارج الحروف وإنما هو في القرب. ويدل على صحة ذلك الاعتبار، فإن هذه الكلمة «ألم» غير متنافرة، وهي مع ذلك مبنية من حروف متباعدة المخارج ـ لأن الهمزة من أقصى الحلق، والميم من الشفتين، واللام متوسطة بينهما. فأما الإدغام والإبدال فشاهدان على أن التنافر في قرب الحروف دون بعدها، لأنهما لا يكادان يردان في الكلام إلا فراراً من تقارب الحروف، وهذا الذي يجب عندي اعتماده لأن التتبع والتأمل قاضيان بصحته» (2).
وقد يتبعه بالرد على هذا الرأي ابن الأثير (ت: 637 هـ) فقال: «أما تباعد المخارج فإن معظم اللغة العربية دائر عليه. . . ولهذا أسقط الواضع حروفاً كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقالاً واستكراهاً، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين، وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف، ولا بين اللام والراء، ولا بين الزاي والسين، وكل هذا دليل على عنايته
____________
(1) الرماني، النكت في إعجاز القرآن: 96.
(2) ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة: 91.
--------------------------------------------------------------------------------
(80)
بتأليف المتباعد المخارج، دون المتقارب» (1).
وبعيداً عن هذا وذاك، فان الطبيعة التركيبة في اللغة العربية قد تمرست في تعادل الأصوات وتوازنها، مما جعل لغة القرآن في الذروة من طلاوة الكلمة، والرقة في تجانس الأصوات، لذلك فقد استبعد العرب جملة من الألفاظ لا تنسجم صوتياً في تداخل حروفها، وتنافر مخارجها، سواء أكانت قريبة أم بعيدة «فإن الجيم لا تقارن الفاء ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا بتأخير.
والزاي لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير» (2).
وفي هذا دلالة على «أمتياز اللغة العربية في مجموع أصوات حروفها بسعة مدرجها الصوتي سعة تقابل أصوات الطبيعة في تنوعها وسعتها، وتمتاز من جهة أخرى بتوزعها في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات» (3).
وكان التنافر في أصوات الكلمة موضع عناية عند السكاكي (ت: 626 هـ) ومن بعده القزويني (ت: 739 هـ) عند مباحث فصاحة المفرد، وهي خلوصه من تنافر الحروف والغرابة، ومخالفة القياس اللغوي، وعند فصاحة الكلام، وهي خلوصه من ضعف التأليف، وتنافر الكلمات، والتعقيد بشقيه اللفظي والمعنوي، وهي موضوعات جرى على إدراجها في الموضوع علماء المعاني والبيان بعد السكاكي والقزويني إدراجاً تقليدياً للقول بسلامة القرآن من التنافر (4).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولا حاجة بنا إلى تأكيد هذا القول فهو أمر مفروغ عنه في القرآن، وبقيت مفردات الصوت اللغوي فيه موضوع عناية البحث.
____________
(1) ابن الأثير، المثل السائر: 152.
(2) الجاحظ، البيان والتبيين: 1| 69.
(3) أحمد مطلوب، بحوث لغوية: 28.
(4) ظ: القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة: 72 ـ 79.
--------------------------------------------------------------------------------
(81)
الفصل الثالث
الصوت اللغوي في فواتح السور القرآنية
1 ـ القرآن يوجه اهتمام العرب للصوت اللغوي
2ـ أصناف الأصوات اللغوية في فواتح السور عند الباقلاني.
3ـ جدولة الصوت اللغوي في فواتح السور عند الزمخشري.
4 ـ الصدى الصوتي للحروف المقطعة عند الزركشي
5 ـ القرآن في تركيبه الصوتي من جنس هذه الأصوات
--------------------------------------------------------------------------------
(82)
--------------------------------------------------------------------------------
(83)
يبدو أن القرآن الكريم قد وجه اهتمام العرب ـ منذ عهد مبكرـ ولفت نظرهم إلى ضرورة الإفادة من الزخم الصوتي في اللغة العربية وهو يستهل بعض السور القرآنية بجملة محددة من الحروف الهجائية التي تنطق بأصواتها أسماء، لا بأدواتها حروفاً، للإفادة من صوتيتها لدى الاستعمال دون حرفيتها.
وكان القرآن العظيم قد افتتح عامة سوره بعشرة أنواع بيانية من فن القول شملت طائفة متميزة من معاني النحو وأساليب البلاغة حتى حصر أرباب علوم القرآن بذلك دون تزيّد عليها أو نقصان منها، فلا يخرج شيء من فواتح السور عنها، وقد يتداخل بعضها ببعض تارة (1).
ولعل من المفيد حقاً الإشارة على سبيل النموذج بأصل قرآني واحد لكل نوع تمهيداً بين يدي النوع المراد بحثه صوتياً، وسنكتفي بإيراد هذا النموذج الواحد للدلالة عليه في النماذج الثرة المتوافر وجودها في أضراب أخرى لكل أصل.
1 ـ الاستفتاح بالثناء على الله تعالى، كما في أول الفاتحة، وذلك قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)،
____________
(1) ظ: للتفصيل، الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|164.
--------------------------------------------------------------------------------
(84)
2 ـ الاستفتاح بالنداء، كما في أول المدثر، وذلك قوله تعالى: (يا أيها المدثر).
3 ـ الاستفتاح بالقسم، كما في أول سورة الفجر، وذلك قوله تعالى: (والفجر).
4 ـ الاستفتاح بالجملة الخيرية، كما في أول سورة «المؤمنون» وذلك قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون).
5 ـ الاستفتاح بصيغة الأمر، كما في أول سورة العلق، وذلك قوله تعالى: (اقرأ باسم ربّك الذى خَلَقَ).
6 ـ الاستفتاح بصيغة الشرط، كما في أول سورة النصر، وذلك قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح).
7 ـ الاستفتاح بصيغة الاستفهام، كما في أول سورة النبأ، وذلك قوله تعالى: (عمَّ يتساءلون * عن النباء العظيم).
8 ـ الاستفتاح بالدعاء، كما في أول سورة المطففين، وذلك قوله تعالى: (ويل للمطفّفين).
9 ـ الاستفتاح بالتعليل، وقد ورد مرة واحدة في القرآن، في أول سورة الإيلاف، وذلك قوله تعالى: (لإيلاف قريش).
10 ـ الاستفتاح بحروف التهجي، وهي موضوع هذا البحث في الصوت اللغوي، إذ تم استفتاح تسع وعشرين سورة في المصحف الشريف بحروف هجائية مقطعة يمكن حصرها بالضبط في النحو الآتي:
أ ـ ثلاثة حروف موحدة هي: ص. ق. ن.
ب ـ عشرة حروف مثناة هي: طه، طس، يس، وحم استعملت في افتتاح سبع سور، فهذه عشرة.
ج ـ إثنا عشر مثلثة الحروف هي: آلم، آلر، طسم.
وقد تكرر الأولان عدة مرات في المصحف دون طسم.
د ـ إثنان حروفهما أربعة: آلمر. آلمص.
--------------------------------------------------------------------------------
(85)
هـ ـ إثنان حروفها خمسة: كهيعص. حمعسق.
وقد اهتم علماء الإعجاز القرآني بالتصنيف الصوتي لهذه الحروف في فواتح هذه السور، وبيان أسرارها التركيبية، ودلائلها الصوتية، وكان أبو بكر الباقلاني (ت: 403 هـ) في طليعة هؤلاء الاعلام، فقال:
(يُتْبَعُ)
(/)
«إن الحروف التي بني عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفاً، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون (1) سورة، وجملة ما ذكر من هذه [الحروف] في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفاً ليدل بالمذكور على غيره، والذي تنقسم إليه هذه الحروف أقساماً: فمن ذلك قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة، فالمهموسة منها عشرة وهي: الحاء والهاء والخاء والكاف والشين والثاء والفاء والتاء والصاد والسين.
وما سوى ذلك من الحروف فهي مجهورة، وقد عرفنا أن نصف الحروف المهموسة مذكورة في جملة الحروف المذكورة في أوائل السور، وكذلك نصف الحروف المجهورة على السواء لا زيادة ولانقصان» (2).
فالباقلاني يعدد حروف المعجم، ويقارن ذلك بأعداد حروف السور المفتتحة بها، ويضيف هذه الحروف، وهي إما مجهورة، وإما مهموسة ونصف هذه الحروف بتقسيمها مقسوم على السواء بين حروف هذه الفواتح القرآنية، فنصف المهموسة مذكور في جملة هذه الحروف، ونصف المجهورة مذكور أيضاً دون تزيّد عليها أو نقصان منها.
وقد أيّد أهل اللغة المذهب الأول للباقلاني بما أورده الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) عنهم «فقال بعضهم: هي حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السور عن ذكر بواقيها التي هي تمام ثمانية وعشرين حرفاً كما يستغنى بذكر: أ. ب. ت. ث. عن ذكر الباقي» (3).
____________
(1) تقدم أنها تسع وعشرون سورة.
(2) الباقلاني، إعجاز القرآن: 66.
(3) الطوسي، التبيان في تفسير القرآن: 1|48.
--------------------------------------------------------------------------------
(86)
ثم يعرض الباقلاني إلى تفصيل آخر: أن نصف حروف الحلق (العين والحاء والهمزة والهاء والخاء والغين) مذكور في جملة هذه الحروف، وأن النصف المذكور هو: العين والحاء والهاء. وكذلك نصف عدة الحروف التي ليست من حروف الحلق مذكور في جملة هذه الحروف. وأن نصف الحروف الشديدة: (الهمزة والقاف والكاف والجيم والتاء والدال والطاء والباء) مذكور في جملة هذه الحروف، والمذكور: الطاء والقاف والكاف والهمزة. وأن نصف الحروف المطبقة وهي (الطاء والضاد والصاد والضاء) مذكور في جملة هذه الحروف، والمذكور هو الصاد والطاء (1).
والذي يخلص لنا من هذا الاهتمام المتكامل اشتمال فواتح السور القرآنية المبدوءة بالحروف الهجائية على نصف تقسيمات أصناف الحروف، بل على أنصاف كل الأصناف على هذا النحو:
1 ـ نصف الحروف المجهورة.
2 ـ نصف الحروف المهموسة.
3 ـ نصف حروف الحلق.
4 ـ نصف حروف غير الحلق.
5 ـ نصف الحروف الشديدة.
6 ـ نصف الحروف المطبقة.
وجميع هذه الحروف المثبتة في جدولة الباقلاني لها تمثل نصف حروف المعجم العربي، وهذا التصنيف بعامة يمثل بعداً استقرائياً في حصر اوائل السور ذات الحروف الهجائية المقطّعة على أساس مخارج الصوت اللغوي.
ولا يكتفي الباقلاني بهذه البرمجة حتى يضيف إليها تصوراً صوتياً منظّماً، ويعلل ظاهرة استعمال بعض الحروف دون سواها للتأكيد على المناخ الصوتي المتميز في وضع الحروف بموقعها المناسب بحسب
____________
(1) ظ: للتفصيل، الباقلاني، إعجاز القرآن: 67 ـ 68.
--------------------------------------------------------------------------------
(87)
تسلسلها في النطق مترددة بجهاز النطق من مبتداه إلى منتهاه، وذلك حينما يبدأ القرآن الكريم بـ (ألم) في أول سورة قرآنية ضمن الترتيب المصحفي وهي سورة البقرة التي استعملت هذه الأصوات متقاطرة، فيعطي التعليل الصوتي الآتي: «لأن الألف المبدوءة بها هي أقصاها مطلقاً، واللام متوسطة، والميم متطرفة، لأنها تأخذ في الشفة، فنبه بذكرها على غيرها من الحروف، وبيّن أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تردد بين هذين الطرفين» (1).
وسيأتي فيما بعد إفادة الزركشي (ت: 794 هـ) من هذا المنحنى لهذه الأصوات وتوسعه فيه وفي سواه على أس صوتي مكثف.
وقد أفاض جار الله الزمخشري (ت: 538 هـ) في تعقب هذه الوجوه، وذكر هذه الملاحظ، وأفاد مما أبداه الباقلاني وزاد عليه متوسعاً، وفصل ما ذكره مجملاً بما نحاول برمجته باختصار على النحو التالي:
(يُتْبَعُ)
(/)
أولاً: قال الزمخشري: «اعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عزّ سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء، وهي: الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف» (2).
والملاحظ من هذا النص أن الزمخشري قد جعل أسامي حروف المعجم ثمانية وعشرين، بينما ينص على أن عدد حروف المعجم تسعة وعشرون حرفاً، مما قد يتصور معه التناقض وعدم الدقة، وليس الأمر كذلك، لأن الألف اسم يتناول عندهم جزئين من الحروف هما رسماً (ا) و (ء) أي المدة والهمزة، لهذا قالوا الألف إما ساكنة أو متحركة، والألف الساكنة هي المدة، والألف المتحركة هي الهمزة، ومن ثم بدأ التفريق الدقيق بينهما، فأطلقت (ا) على الألف اللينة، وأطلقت (ء) على الهمزة،
____________
(1) الباقلاني، إعجاز القرآن: 68 ـ 69.
(2) الزمخشري، الكشاف: 1|101.
--------------------------------------------------------------------------------
(88)
فنبه بقوله الألف على هذين الملحظين، وتذرع بقوله:
«الهمزة والألف حرف واحد عند الفقهاء وحرفان في عرف العامة» (1). و سواء أكانا حرفاً أم حرفين فإنهما صوتان لا شك في هذا.
ثانياً: أوضح الزمخشري تبعاً للباقلاني أن في هذه الحروف من المهموسة نصفها وعدّدها، ومن المجهورة نصفها وعدّدها، ومن الشديدة نصفها وعدّدها، ومن الرخوة نصفها وعدّدها، ومن المطبقة نصفها وعددها، ومن المنفتحة نصفها وعدّدها، ومن المستعلية نصفها وعدّدها، ومن المنخفضة نصفها وعدّدها، ومن حروف القلقلة نصفها، ويمكن جدولة هذه الحروف في منهج الزمخشري على النحو التالي: (2)
1ـ الحروف المهموسة: الصاد، الكاف، الهاء، السين، الحاء.
2 ـ الحروف المجهورة: الألف، اللام، الميم، الراء، العين، الطاء، القاف، الباء، النون.
3 ـ الحروف الشديدة: الأف، الكاف، الطاء، القاف.
4 ـ الحروف الرخوة: اللام، الميم، الراء، الصاد، الهاء، العين، السين، الحاء، الياء، النون.
5 ـ الحروف المطبقة: الصاد، الطاء.
6 ـ الحروف المنفتحة: الألف، اللام، الميم، الراء، الكاف، الهاء، العين، السين، الحاء، القاف، الياء، النون.
7 ـ الحروف المستعلية: القاف، الصاد، الطاء.
8 ـ الحروف المنخفضة: الألف، اللام، الميم، الراء، الكاف، الهاء، الياء، العين، السين، الحاء، النون.
9 ـ حروف القلقلة: القاف، الطاء.
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 1|101.
(2) ظ: المصدر نفسه: 1|102 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(89)
ويلاحظ أن الزمخشري قد استدرك على الباقلاني في جدولته لأنصاف الحروف الواردة في فواتح السورة استدرك عليه: الحروف الرخوة، والمنفتحة، والمستعلية، والمنخفضة، وحروف القلقلة، ولكنها داخلة عند الباقلاني في جملة حروف الحلق وغير الحلق، إلا أن الزمخشري قد وسعها تفصيلاً، وترك الاجمال، وأورد المسميات.
ثالثاً: وبعد هذا التقسيم الدقيق تعقب الزمخشري حكمة هذا التركيب، وغاية هذا الذكر، وفلسفة هذه الأصوات، فقال: «ثم إذا استقريت الكلم وتراكيبها، رأيت الحروف التي ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة مكثورة بالمذكور منها، فسبحان الذي دقت في كل شيء حكمته. وقد علمت أن معظم الشيء وجله ينزل منزلة كله، وهو المطابق للطائف التنزيل واختصاراته، فكأن الله عزّ اسمه عدّد على العرب الألفاظ التي منها تراكيب كلامهم، إشارة إلى ما ذكرت من التبكيت لهم، وإلزام الحجة إياهم» (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
رابعاً: ورصد الزمخشري مواطن استعمال هذه الأصوات وكثرتها، بحسب الجاري على ألسنة العرب في تكاثر بعض الحروف دون بعض، وعرض لفائدة التكرار في جملة منها، وتناول مسألة تفريقها على السور دون جمعها في أول القرآن، وكأنه يشير إلى الحكمة المتوخاة من كل جانب فقال: «ومما يدل على أنه تعمد بالذكر من حروف المعجم أكثرها وقوعاً في تراكيب الكلم: أن الألف واللام لما تكاثر وقوعهما فيها جاءتا في معظم هذه الفواتح مكررتين، وهي: فواتح سورة البقرة، وآل عمران، والروم، والعنكبوت، ولقمان، والسجدة، والأعراف، والرعد، ويونس، وإبراهيم، وهود، ويوسف، والحجر. فإن قلت: فهلا عدّدت بأجمعها في أول القرآن، وما لها جاءت مفرقة على السور؟ قلت: لأن إعادة التنبيه على أن المتحدى به مؤلف منها لا غير، وتجديده في غير موضع واحد، أوصل إلى الغرض، وأقوله في الأسماع والقلوب، من أن يفرد ذكره مرة، وكذلك مذهب كل تكرير جاء في القرآن فمطلوب به تمكين المكرر في النفوس
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 1|103.
--------------------------------------------------------------------------------
(90)
وتقريره. فإن قلت: فهلا جاءت على وتيرة واحدة، ولم اختلفت أعداد حروفها؟ قلت: هذا على عادة افتنانهم في أساليب الكلام وتصرفهم فيه على طرق شتى ومذاهب متنوعة، وكما أن أبنية كلماتهم على حرف وحرفين إلى خمسة أحرف لم تتجاوز ذلك، سلك بهذه الفواتح ذلك المسلك (1).
ووقف بدر الدين الزركشي (ت: 794 هـ) عند الصدى الصوتي للحروف المقطعة في فواتح هذه السور من عدة وجوه صوتية، يمكن رصد أبعادها بالخطوط الآتية:
أولاً: عرض الزركشي لأعداد هذه الأصوات في فواتح السور، ووقف عندما أبتدىء به بثلاثة حروف، واعتبر لذلك سراً صوتياً بارزاً علّله بقوله عن «ألم» في تركيبها: «وذلك أن الألف إذا بدىء بها أولاً كانت همزة، وهي أول المخارج من أقصى الصدر، واللام من وسط مخارج الحروف، وهي أشد الحروف اعتماداً على اللسان، والميم آخر الحروف، ومخرجها من الفم. وهذه الثلاثة هي أصل مخارج الحروف أعني الحلق واللسان والشفتين، وترتبت في التنزيل من البداية إلى الوسط، إلى النهاية. فهذه الحروف تعتمد المخارج الثلاثة، التي يتفرع منها ستة عشر مخرجاً، ليصير منها تسعة وعشرون حرفاً، عليها مدار الحلق أجمعين، مع تضمنها سراً عجيباً، وهو أن الألف للبداية، واللام للتوسط، والميم للنهاية، فاشتملت هذه الأحرف الثلاثة على البداية والنهاية والواسطة بينهما» (2).
وهذه الإنارة في استعمال مصطلحات الصوت في المخارج إلى الحلق واللسان والشفتين يضطلع فيها الزركشي بحسّ صوتي رفيع قد سبق إليه الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175 هـ) وسيبويه (ت: 180هـ) وأبو الفتح عثمان بن جني (ت: 392 هـ) يؤكده الخط الثاني في تذوقه الحروف، وتأكيده على مسافتها ومكانها وزمانها.
ثانياً: والزركشي بطلق لفظ الحروف ويريد بذلك الأصوات كما هو
____________
(1) الزمخشري، الكشاف: 1|104 وما بعدها.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|168.
--------------------------------------------------------------------------------
(91)
شأن الخليل في بدايات العين. وكأن قدماء العرب كانوا ينظرون الحرف والصوت بمنظار واحد، فيطلقون اسم أحدهما على الآخر، لا سيما في إطلاق الحرف وإرادة الصوت، وهذا ما نهجه الزركشي لدى بحثه أسرار صوت الهمزة، واللام، والميم من وجه آخر غير الوجه الصوتي الأول فقال:
«وأيضاً من أسرار علم الحروف أن الهمزة من الرئة، فهي أعمق الحروف، واللام مخرجها من طرف اللسان ملصقة بصدر الغار الأعلى من الفم، فصوتها يملأ ما وراءها من هواء الفم، والميم مطبقة، لأن مخرجها من الشفتين إذا أطبقا، ويرمز بهن إلى باقي الحروف» (1).
ثالثاً: وتعقب الزركشي ملائمه صوت الطاء للسين في (طس) ومجانسته للهاء في (طه)، وهو يعمم هذه الملائمة وتلك المجانسة صوتياً على القرآن فيقول:
(يُتْبَعُ)
(/)
«وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن، فإن الطاء جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها وهي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والسين: مهموس، رخو، مستفل، صفير، منفتح، فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها، كالسين والهاء، فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف» (2).
وهذا التعقب خالص الصوتية في الاستقراء والاستنتاج معاً، فإن ما ذكره اهتمام صوتي ليس غير، وإن ما عدده من المصطلحات: الجهر، الشدة، الاستعلاء، الإطباق، الأصمات، المهموس، الرخو، المستفل، الصفير، المنفتح، مصطلحات صوتية في الصميم، وهو وإن سبق إلى التسمية وسبق إلى الضبط، إلا أنه طبقها تنظيراً صوتياُ على فواتح السور.
رابعاً: وتنبه الزركشي أيضاً إلى اشتمال سورة (ق) على ذات الحرف، لما في صوت القاف من القلقلة والشدة من جهة، ولاشتماله على
____________
(1) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|168.
(2) المصدر نفسه: 1|169.
--------------------------------------------------------------------------------
(92)
الجهر والانفتاح من جهة أخرى. «وتأمل السورة التي اجتمعت على الحروف المفردة: كيف تجد السورة مبنية على كلمة ذلك الحرف، ممن ذلك (ق والقرآن المجيد) (1) فإن السورة مبنية على الكلمات القافية: من ذكر القرآن، ومن ذكر الخلق، وتكرار القول ومراجعته مراراً؛ والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين، وقول العتيد، وذكر الرقيب، وذكر السابق، والقرين، والإلقاء في جهنم، والتقدم بالوعد، وذكر المتقين، وذكر القلب، والقرآن، والتنقيب في البلاد، وذكر القتل مرتين، وتشقق الأرض، وإلقاء الرواسى فيها، وبسوق النخل، والرزق، وذكر القوم، وخوف الوعيد، وغير ذلك» (2).
والحق أنني تتبعت سورة (ق) فوجدت ذكر هذا الحرف قد تكرر بعده أربعاً وخمسين مرة في خمس وأربعين آية زيادة على الحرف الاستفتاحي. فما هذا السر الصوتي لهذا الحرف؟ وما علاقة تسمية السورة به من خلال هذا البناء عليه؟ وما هو موقع القلقلة في القاف، والشدة في صوتها، والجهر بأدائها، والانفتاح عند نطقها بهذا التكرار في شتى الكلمات، مما ذكره الزركشي ومما لم يذكره. الجواب عن هذا وذاك بعد إدراك العناية الصوتية: الله أعلم.
خامساً: وأشار الزركشي إلى خصوصية للدلالة الصوتية في سورة (ص) للإبانة بهذا الحرف وصوتيته على أصداء الخصومات النازلة، والمحاكمات الشديدة الوقع، بما يتناسب واصطكاك الصاد في الحلحلة، وصداها الواقع على الأذن، واشتمالها على ما حدث من مجريات أحاديث السورة نفسها محاكاة في الأصوات الشديدة لما نشب من الأحداث الجسيمة، فقال مؤكداً وجهة نظره الصوتية، في تذوق الشدة والوقعة والخصومة من خلال صوت الصاد، ومصاقبته لما ورد في السورة ذاتها من إشارات موحية بذلك:
«وإذا أردت زيادة إيضاح فتأمل ما أشتملت عليه سورة (ص) من
____________
(1) سورة ق: 1.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|169.
--------------------------------------------------------------------------------
(93)
الخصومات المتعددة، فأولها خصومة الكفار مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقولهم: (أجعل الآلهة إلاهاً واحدًا) (1) إلى آخر كلامهم. ثم أختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم، وهو الدرجات والكفارات، ثم تخاصم ابليس واعتراضه على ربه وأمره بالسجود، ثم اختصامه ثانياً في شأن بنيه، وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم» (2).
وهكذا نجد الزركشي في تنبيهاته الصوتية ـ سواء أكان ناقلاً لها، أم مجمعاً لشتاتها، أم مبرمجاً لخططها، أم مبتدعاً لبعضها ـ، يؤكد العمق الصوتي لدى علماء العربية في إبراز حقيقة الصوت اللغوي فيما اتسمت به فواتح السور القرآنية ذات الحروف الهجائية المقطّعة.
والحق أن استقرار المراد من هذه الحروف المقطعة ـ وإن لم تدرك أسراره ـ لا يخرجها عن حقيقة واقعها الصوتي في الأسماع، ولا جوهرها الأنصاتي لدى الإطلاق، فهي من جنس أصوات العرب في لغتهم، ومن سنخ حروف معجمهم، ومن روح أصداء لغة القرآن العظيم، ولا يمانع هذا الاستقراء على اختلاف وجهات النظر فيه من شموخ الصوت اللغوي في أضوائها، وبروز الملحظ الصوتي في تأويلاتها ـ توصل إلى الواقع أو لم يتوصل ـ على أن السلف الصالح مختلف في المراد من هذه الحروف المقطعة، أو الأصوات المنطوقة على قولين:
الأول: ان هذه الحروف في دلالتها وإرادتها من العلم المستور والسر المحجوب الذي استأثر به الله تعالى.
وادعى الشعبي: أنها من المتشابه، نؤمن بظوواهرها، ونكل العلم فيها إلى الله عزّ وجل (3).
وقد روى الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) أنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، واختاره الحسين بن علي المغربي (4).
____________
(1) سورة ص: 5.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|170.
(3) (4) ظ: الطوسي، التيبان في تفسير القرآن: 1|48.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أبو سارة]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 07:18 ص]ـ
السلام عليكم
أخي صالح
ليتك ابلغتني بطول الموضوع حتى أقول "دعاء السفر ":)
امزح معك
جزيت خيرا يا أستاذ صالح وبارك الله في جهدك ووقتك
لك مني أجزل التحايا(/)
سؤال في اللغة
ـ[العمري]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 04:00 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
فضلا أريد السؤال التالي
ماذا يطلقون العرب من مسمى على من فقد حاسة الشم
وشكرا جزيلاً سلفاً لمن يتكرم ويجيب
والسلام عليكم
:=
ـ[القيصري]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 06:01 ص]ـ
- anophrésie
- خُشام (فقد حاسة الشم)
الذي فقد حاسة الشم خُشامي
والله اعلم
القيصري(/)
عجبي!!!!!
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 07:50 م]ـ
عجبي لا أرى منكم من يرويني بجواب أشفي به سقمي لقد سألت سؤالا وها أنتم قد أبيتم مداواتي!!!!
فهل أرى منكم من طبيب يشفيني!!!!
سؤالي ما الفرق بين السيئة والذنب والأثم؟؟؟؟؟؟
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[21 - 10 - 2005, 08:32 م]ـ
السيئة = العمل السيء مجردا
الذنب = يكون بعد أقتراف العمل السيء
الأثم = التفاعل مع النفس مع الميل السيء
وقال رسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم:
الأثم ماحاك في الصدر وخفت أن يطلع عليه الناس
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[23 - 10 - 2005, 02:55 ص]ـ
أحسنت أخي بارك الله فيك ولكنك ما دخلت في العمق ولا صميم الفرق فلعلي أظن أن الفرق أعمق من ذلك ولكني ما يسعني إلا أن أقول لك شكرا جزيلا على مشاركتك:)
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[23 - 10 - 2005, 03:50 ص]ـ
فدني لكي أفيدك
و زدني لكي أزيدك
فأنا لست طالبا عندك
و أنت لست أستاذا لدي
مددت لك الخيط فإما أن تشده
و أما أن تتركه
و هل قولك عجبي تعجبا في نفسك أم على غيرك أم ماذا
لكل مقال معنى
فما معتى عجبي
إن صمت عجبي
و إن رددت عجبي
فأي عجبي تختار
وأي عجبي تريد
ياعجبي
و ماترمي بقولك:
يكلمني السفيه ولا أبالي وخير إجابتي له السكوت
أليس هذا عجبا في نفسك وتباهي على غيرك
عجبي
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[25 - 10 - 2005, 03:35 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أبدأ بالصلاة على النبي الكريم وأختم بادئتي بالسلام على أخي صالح
ردا على ما كتب أريد أن أوضح ما لم يفهمه مني أخي العزيز:ـــ
أولا كيف أفيدك وأنا السائل وليس سؤالي عن علم وإنما عن جهل!!!!
ثانيا لقد أصبتت في قولك أني لست تلميذك وأنت لست أستاذي ولقد مددت لي الخيط ولكني وجدته غير مكتمل فعندما قلت لك أن الفرق ليس عميقا كنت أريد المزيد من العلم فلا يمكن أن يكون هذا هو الفرق الوحيد فلماذا لا نبحث سويا عن باقي الفوارق أفي هذا جرم؟؟؟!!!
ثالثا أما عن قولي " عجبي " فأنا كنت قد قمت بسأل هذا السؤال من قبل ولم يجبني أحد وأخذ هذا فترة من الوقت فقلت عجبي أي أوليس هناك من يجيب أم أنا لا أجاب؟ هل فهمت قصدي؟؟؟؟؟
رابعا أما عن قولي " يكلمني السفيه ولا أبالي وخير إجابتي له السكوت " فلم أقصدك أخي ــ معاذ الله ــ فهذا توقيعي ويعلم الله أنه ليس في نيتي أي أحد من مشتركي هذا المنتدى فكيف لي أن أقول هذا عليهم وهم أعلم مني ولطالما كنت خادما لمن يعلمني!!!!!
خامسا فوالله لقد قصمت ظهري بما أزعمته عليّ في كوني مختالا فخورا أو متباهيا على حد قولك أما تعرف أن هذا ظلم في حقي وكيف تقول هذا وأنت لا تعرفني فأنظر إلى كل مشاركاتي في هذا المنتدى وسترى من أنا , وأعلم أني فوجئت بردك هذا فلقد شكرتك على مشاركتك وأردت منك المزيد لو كان عندك فكيف تتهمني بهذا , أعلم أخي أني من محبي العلوم واللغة العربية خاصة فلذلك من أراد أن يستعبدني فيملك جواب سؤالي!!!!!!!!!!!
ـ[لخالد]ــــــــ[25 - 10 - 2005, 10:23 ص]ـ
السلام عليكم
أخي أحمد عمر
كن متأكدا أن مشاركا ما حاول البحث عن جواب لكن تعذر عليه الأمر لسبب ما فلا تعد ذلك إهمالا
أخي صالح بن سعد بن حسن المطوي
لا أرى في رد أخينا أحمد عمر ما يدعو إلى غضبك , فما هو إلا سوء تفاهم.
فتريثوا بارك الله فيكم حتى نحافظ على الجو الأخوي السائد في المنتدى
رمضان كريم
:)
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 05:20 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أعلم أخي خالد عفاك الله أني مسرور جدا لمشاركتك ولكني دعني أوضح لك أمرا
لم أتهم أخي صالح بكونه مهملا في إجابته ولكن لكوني متعمق في معرفة المعاني فهناك جوانب أخرى من الفروق لم يذكرها أخي صالح وقد طلبت منه أن إذا كان لديه المزيد فليأتني به وإن لم يكن فشكرا لجهوده ولا أقول أن إجابته خطأ و لكن لو كنت تريد أن تعرف ماذا أقصد فسارع بمراجعة وزيارة موضوع بإسم " ما الفرق؟؟؟ " كتب بواسطتي وسترى إجابه أخرى عن الموضوع بعيدة كل البعد عما قاله أخي صالح وهذا ما أرمي إليه لمعرفتي أن للموضوع جوانب عديدة وليس جانب واحد فلماذا لا نعرف كل الجوانب أنصحك أن تزور هذا الموضوع " ما الفرق؟؟؟؟ "
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 08:52 م]ـ
أخي في الله سبحانه له الحمد
أحمد عمر
عمر الله أيامك وخاتمتك وأخرتك بالخير والرضى
منه سبحانه له الحمد
وحمد فعلك وشخصك عنده
وعند ملائكته المقربين
وعند جميع خلقه
أولا: أستميحك عذرا لأني فهمتك خطأ
وهذا راجع إلى أسلوبك الخاطئ في الطلب
وعدم حسن الضن فيني وهذا شئ قبيح فيني
ثانيا: لتأخيري في الرد وذلك لظرف طارئ
حصل في جهازي
وأعدك أني سأكتب لك في معاني هذه الكلمات حتى ترضى
و لأجل هذه المصالحة أفيدك في معنى أسمك
(أحمد) فهو من جذر (حمد) فالألف و الميم في (محمد) تعني ذو أي معناه ذو الحمد
فقول عيسى عليه السلام (أسمه أحمد) كان صحيحا
فمحمد وأحمد معناهما واحد
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 12:24 ص]ـ
أخي في الله سبحانه له الحمد
أحمد عمر
أساس معنى سيئة سوء
والسوء عكس سوي
والسوء يطلق على كل شئ ليس بصالح
و لا يتناغم مع الكون ويتكامل به
فنقول قال كلمة سوء بمعنى قال كلمة مخالفة
أما للأدب أو للمقام أو للزمان أو للمكان
بمعنى أن قائل هذه الكلمة نشز عن محيطه الذي هو فيه
ونقول أستعمل فلان هذه الآلة استعمالا سيئا
إذا لم يستعملها كما يجب أن يكون الاستعمال
أما الذنب:
فيأتي نتيجة اقتراف (وكلمة اقتراف مأخوذة من قرف
وهو صفة من صفات الفعل الدنيء الغير السوي الذي لا يرتقي لمستوى
الفعل السليم فما بالك بالصالح) الإنسان لفعل
يجرم عليه (والجريمة من الجرم وهو الشيء الظاهر
الملموس والجريمة ظاهره وملموسة لدى فاعلها قبل غيره)
و (الذنب) مشتق من الذنب وهو وصف على أن هذا
العمل يبقى لدى فاعله ملتصقا به كالذنب لدى الحيوان
فالذنب يلاحق فاعله مهما كان ويكون
إما بتأنيب الضمير
وإما بملاحقة الغير له
أم الإثم:
فمعناه اختلال الإيقاع الطبيعي
فنقول أثمت الناقه إذا أبطأت في مشيها أي كان سيرها
غير طبيعي من دون ظهور علة
و الآثم لديه اختلال في داخل نفسه نتيجة الصراع النفسي
الداخلي من دون أن يظهر ذلك عليه
و هو ناتج عن الفعل الخاطئ
أرجو أن أكون بهذه العجالة قد أرضيت شغفك وفضولك
العلمي
و أنا مستعد لكل توضيح تريده
على شرط التحديد
وآسف على كتابتي على عجالة لظروف خاصة بي
ـ[لخالد]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 12:41 ص]ـ
بارك الله فيكم
سأرى الموضوع المشار إليه لأستفيد أكثر
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 12:58 ص]ـ
أخي في الله سبحانه له الحمد
أحمد عمر
أساس معنى سيئة سوء
والسوء عكس سوي
والسوء يطلق على كل شئ ليس بصالح
و لا يتناغم مع الكون ويتكامل معه
فنقول قال كلمة سوء بمعنى قال كلمة مخالفة
إما للأدب أو للمقام أو للزمان أو للمكان
بمعنى أن قائل هذه الكلمة نشز عن محيطه الذي هو فيه
ونقول استعمل فلان هذه الآلة استعمالا سيئا
إذا لم يستعملها كما يجب أن يكون الاستعمال
أما الذنب:
فيأتي نتيجة اقتراف الإنسان لفعل يجرم عليه (وكلمة
اقتراف مأخوذة من قرف وهو صفة من صفات الفعل
الدنيء غير السوي الذي لا يرتقي لمستوى الفعل السليم
فما بالك بالصالح)
(والجريمة من الجرم وهو الشيء الظاهر الملموس,
والجريمة ظاهرة وملموسة لدى فاعلها قبل غيره)
والذنب: مشتق من الذنب وهو وصف على أن هذا
العمل يبقى لدى فاعله ملتصقا به كالذنب لدى الحيوان
فالذنب يلاحق فاعله مهما كان ويكون
إما بتأنيب الضمير
وإما بملاحقة الغير له
أما الإثم: فمعناه اختلال الإيقاع الطبيعي الداخلي
فنقول أثمت الناقة إذا أبطأت في مشيها أي كان سيرها
غير طبيعي من دون ظهور علة ولكن ظهر عليها نتيجة
العلة المخفية في طريقة المشي
والآثم لديه اختلال في داخل نفسه نتيجة الصراع النفسي
من دون أن يظهر ذلك الصراع عليه لزاما وإن
تظهر عليه آثاره من اقتراف الذنب في بعض الانفعالات
أو التصرفات حيث قد ينتج عنه الفعل الخاطئ
أرجو أن أكون بهذه العجالة قد أرضيت شغفك وفضولك
العلمي
و أنا مستعد لكل توضيح تريده
على شرط التحديد
وآسف على كتابتي على عجالة لظروف خاصة بي
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 02:50 ص]ـ
هذه المقالة تقلتها من موقع
الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم للدكتور الشيخ أحمد الكبيسي حفظه الله
أطلعت عليه بعد ما كتبت مقالتي صدفة فنقلته لكي تكون الصورة أوضح
مع اختلاف وجهات النظر
منظومة إثم
ذنب –خطيئة – سوء وسيئات – فحشاء – إثم – معصية – جُرم - مُنكر - ضلالة
هذه المنظومة هي كل ما يتعلق بالذنب ومرادفاته في القرآن الكريم وكل كلمة لها معنى يختصّ بها.
(يُتْبَعُ)
(/)
الذنب: هو كل شيء يجعلك في مؤخرة الناس. وهو مشتق من الذَنَب وهو أخسّ شيء في الحيوان. وهو يستعمل في كل فعل يُستوخم عقباه اعتباراً بذَنَب الشيء ولهذا يُسمى الذنب تبِعة اعتباراً لما يحصل من عاقبته. (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ {11} آل عمران) (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {40} العنكبوت).
الخطيئة: هي كل عمل قبيح يصدر عن عمل مُباح في الغالب. وأكثر ما تقال الخطيئة فيما لا يكون مقصوداً إليه في نفسه بل يكون القصد سبباً لتولّد ذلك الفعل منه كمن يرمي صيداً فيصيب إنساناً (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به). ويُسمى الذنب خاطئة (والمؤتفكات بالخاطئة) بمعنى الذنب العظيم. هناك خطأ بالإرادة أنت تريد شيئاً غير صحيح فهذا هو الخطأ التام وهو المأخوذ به الإنسان، خطيء يخطأ خِطأ (إن قتلهم كان خِطئاً كبيرا) و (إن كنا لخاطئين). وهناك خطأ في التنفيذ كأن يريد الإنسان أن يُحسّن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال أخطأ إخطاء فهو مخطئ وهنا تكون الإرادة مشروعة لكن تصير خطأ أي أنه أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل كأنك تريد أن تضرب عصفوراً فتصيب به إنساناً خطأ وهذا النوع من الخطأ معفو عنه بنسب معينة (ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة) (نغفر لكم خطاياكم) (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وجاء في الحديث الشريف: " رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان" و "من اجتهد فأخطأ فله أجر" " كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابين". وهناك نوع آخر أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق مع خلافه فهذا مخطيء في الإرادة ومصيب في الفعل فهو مذموم بقصده وغير محمود على فعله وهناك نوع آخر من الخطأ وهو الخطأ في العقيدة.
فالخطأ هو الذي يصدر عن مباحات وأكثر ما يقع في العبادات كالحب يتطور إلى أن يصير وداً ثم عشقاً ثم يبالغ العاشق حتى يصل إلى المبالغة والمغالاة التي قد تكون مقبولة محمودة وقد لا تكون حتى يصل إلى البدعة أي خرج من مشروع إلى غير مشروع كما فعل النصارى بعيسى حتى ألّهوه من شدة حبهم له. بينما قد يكون هذا الحب محموداً كما أحب صحابة رسول الله r الرسول r فمنهم من عشق النبي r عشقاً عظيماً وكان الرسول r قد أمر أصحابه أن لا يقوموا له عند دخوله عليهم لتواضعه r فلم يستطع أحد الصحابة ذلك وبقي يقوم للرسول r فلمّا سأله قال:
قيامي للحبيب عليّ فرض إلى أن قال: عجبت لمن له عقل ولُبّ يرى هذا الجمال ولا يقوم.
وكذلك بنو اسرائيل أخطأوا في العبادات (نغفر لكم خطاياكم) وقوم نوح (مما خطيئاتهم أُغرقوا) فقد كانوا مؤمنين موحّدين وكانوا من نسل شيث ثم بعد 400 سنة تقريباً كان بينهم أناس صالحون هم ودّ وسواع ويعوق وازداد حب الناس لهؤلاء الصالحين حتى صنعوا لهم تماثيل ثم انتهى بهم الأمر إلى عبادتهم دون الله تعالى. هذه خطيئات وهكذا تبدأ في العبادات غالباً. وفي حياتنا اليومية يقع الكثير من الأخطاء وهذا ما يُغفر. والخطيئة التي تكون في العقيدة هي التي تُخرج من المِلّة كالفرق الضّالة التي تتطور أفكارها حتى تخرج من الملّة.
وكلمة خطايا هي جمع كثرة (نغفر لكم خطاياكم) بينما كلمة خطيئاتكم جمع قلة (نغفر لكم خطيئاتكم).
السوء والسيئات: هو المُستقبح إما طبعاً أو عقلاً أو شرعاً. وهو كل ما يغُمّ الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية ومن الأحوال النفسية والبدنية والخارجية. والشيئة هي أفعال قبيحة تترك للإنسان سمعة سيئة عند الناس وهي ضد الحسنة (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من شيئة فمن نفسك) وقال r : " يا أنس أتبع السيئة الحسنة تمحها" لذا يجب أن نحرص على الإسراع في الأعمال الحسنة لتمحو السيئات. والحسنة والسيئة نوعان أحدهما باعتبار العقل والشرع كما في قوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلا مثلها) وهناك حسنة وسيئة بحسب اعتبار الطبع وذلك ما يستخفّه الطبع وما يستثقله (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا
(يُتْبَعُ)
(/)
هذه وإن تصبهم سيئة يطّيروا بموسى ومن معه) و (ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة).
وهناك فرق بين السوء وظُلم النفس قال تعالى (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه) والفرق هنا أن السوء قد يعود ببعض النفع على الإنسان كالذي يشرب الخمر أو يزني أو السارق فهو يشعر باللذة ولو للحظات أما ظلم النفس فهو لا يعود على الإنسان بأي نفع كالذي يشهد الزور لغيره دون أن يعود عليه الأمر بالنفع أو كالذي يقتل أحداً لأجل غيره من الناس فالفائدة هنا لا تعود على الشخص نفسه وإنما على غيره وهذا هو ظلم النفس.
الفحشاء: هو كل فعل من الأفعال يترك في القلب والنفس شعوراً بالتدني كالقتل والزنى وما إلى ذلك. والفحشاء هي أكثر من الفاحشة وأعمال الفحشاء ثلاثة: الزنى (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا) واللواطة (إنهم كانوا يأتون الفاحشة ما سبقهم بها من أحد من العالمين) وإتيان المحارم (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلا).
الإثم: هو الذنب الذي يجعلك تشعر بالنقص وبالحقارة والخِسّة كشهادة الزور فبعد أن يرجع شاهد الزور إلى بيته ونفسه ويُفكّر فيما أقدم عليه يشعر بالحقارة وفي منتهى السوء وأنه أقل قيمة من غيره مع نفسه. (ومن يفعل ذلك يلق أثاما). والإثم هو الإقصاء والتبديل (فمن بدّله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم). والإثم هو ما حاك في الصدر وكرهت أن يطّلع عليه الناس (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبينا) كأن تصوّب على غزال فتقتل إنساناً (هذه خطيئة) ثم تتهم غيرك بالقتل (هذا إثم) والكذب فرع منه ويُسمى الكذب إثماً لكونه من جملة الإثم. والإثم شعور خفي (أخذته العزة بالإثم) يشعر بالحقارة وبأنه وضيع لكن تأخذه العزة (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) يشعر بالحقارة إذا كتم الشهادة. وقوله تعالى (كفّار أثيم) هذا في الذي كان يكذب على الرسول r وبه خِسّة.
إذن الإثم هو كل شيء يُشعرك في داخل النفس وتُنقص من قدر نفسك وأنك لست كريماً بذلك الفعل يُسمة إثماً وهذه ذنوب الجبناء.
والإثم أعمّ من العدوان (يسارعون في الإثم والعدوان) والعدوان فيه اعتداء على حقوق الآخرين وهو أن يكون لي حق عليك فأتجاوزه وهناك البغي وهو أن أسلبك حقك بالقهر أو بالسلاح وهناك الظلم وهو أن ألسبك حقك سِلماً.
المعصية: نوعان إما أن لا تفعل أمراً فتتمرد عليه (ولا أعصي لك أمراً) وإما أن ترتكب أمراً منهياً عنه (وعصى آدم ربه) وهذه تحصل ساعة صدور الأمر بافعل أو لا تفعل. يقال لك إفعل فلا تفعل أو يقال لك لا تفعل فتفعل. ولا تُسمى عاصياً إلا إذا لم تُطبق الأمر ساعة صدوره إليك (لا يعصون الله ما أمرهم) (فإن عصوك فقل إني بريء).
والكفر أنواع: كفر العقيدة وهو أن تجعل لله نداً وهو خلقك وهناك كفر لا يُخرج من المِلة كما جاء في بعض الأحاديث عن الرسول r " النياحة على الميت كفر" و "الحلِف بغير الله كفر". وهناك كفر النعمة بأن لا تشكرها لكنك لا تعتدي بها على غيرك وهناك شكر النعمة أن تشكر الله عليها وهناك بطر النعمة وهو أن لا تشكر النعمة وأن تعتدي بها على غيرك من الناس لتأخذ حقوقهم.
وهناك كفر وشرك وكفر وإلحاد. والكفر في القرآن يعني المشرك المحارب (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) والشرك هو أن تجعل لله نداً وهو خالقك. أما الإلحاد والرياء والنفاق منظومة واحدة: فالرياء هو أن اُجوّد العمل لأسمع المديح من غيري (كالذي يُحسّن صلاته أمام الناس فقط) وهذا رياء العمل فالمرائي قلبه مؤمن، وهم الذين جاء فيهم الحديث أنهم أول من تُسعّر بهم النا عالم وشهيد ومُنفق كل منهم فعل ما فعل ليقول الناس عنه أنه كذا. أما النفاق فهو إبطان الكفر وإظهار الإسلام إما خوفاً أو جبناً (لا يصلي إلا إذا رأى الناس) وهذا المنافق يعمل لغير الله تعالى، وهناك الإلحاد وهو نوع من النفاق الصادق من وجهة نظر صاحبه كالمسلم الذي يُصلي ويصوم ولكنه يُحب الشيوعية، فهو إذن اعترتفك بالشيء الصواب لكنك تضيف عليه ما ينافي العقيدة (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) وعليه لا يُقال للمسيحي الذي يُثلّث أو اليهودي أنه ملحد (إن الذين يلحدون في أسمائه) هؤلاء يؤمنون بالله لكنهم يجعلون له أسماء غير التي هي له.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما الفسق فهو الخروج عن طاعة والدخول في كبيرة كالذي كان يصلي ثم توقف عن الصلاة أو لم يكن زانياً فأصبح زانياً. وهناك فسق عمل وفسق عقيدة (سأوريكم دار الفاسقين).
وهنالك الفجور: إذا صار الفسق ديدناً يُسمى فجوراً. فإذا أصبح الفسق فيه إدمان صار فاجراً كالذي يشرب الخمر بشكل مستمر ولو شرب مرة واحدة وتاب يُعاقب وينتهي الأمر (ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا) لأنهم اعتادوا على الفسق.
الضلال والضلالة: هو كل طريق لا يؤدي إلى المقصود كالذي يدور في حلقة مفرغة (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدّا). متى ما سلك الإنسان سبلاً أخرى غير السبيل الصحيح فهو لن يصل إلى المقصود فهو ضالّ لأنه لا بد من الإتجاه نحو الهدف عن طريق السبيل الصحيح (قل هذه سبيلي) (ولا تتبعا السبل فتفرّق بكم عن سبيله). والضلال نسبي وقد يُصاب به الصالحون كما جاء على لسان موسى u ( وما أنا من الضالين)، ومطلق وهو ضلال العقيدة كعبادة الأصنام ونحوها ويُطلقها تعالى على الكافرين غير الموحّدين (واغفر لأبي إنه كان من الضالّين). وقد تأتي ضلّ بمعنى تاه (الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) لم يكن سعيهم في الطريق المرسوم.
الجُرم: هناك فرق بين الجَرم الذي هو من الحسم والجزم من أنواع القطع فهناك قطع سريع ونوع بتر ونوع قطع فرعي (لا جَرَم أنهم في الآخرة من الخاسرين) هذا قطع نهائي قد يكون هناك قطع يمكن أن يلتحم بعده المقطوع أما النهائي فهو ما لا يمكن أن يلتحم ويعود كما كان.
أما الجُرم والمجرم والجريمة: فالمجرم هو الذي بفعله انقطع عن مجتمعه انقطاعاً كاملاً فهو منذ وجوده يسعى لأن يكون هو في ناحية والمجتمع كله في ناحية أخرى بحيث أن كل سعيه ينحصر بأن يتميّز عنهم ولا يكون بينهم وبينه صلة بل يقضي عمره كله في مكره بهم. والجريمة لغة من بعض معانيها النواة فالإنسان عندما يأكل التمرة يرمي بالنواة ولا يبقى بينه وبينها صلة. ولو علم الناس كلمة مجرم لفهموا معناها فهناك إجرام نسبي لا يأخذ الحد الكبير في الإجرام لكنه ذنب لا يمحوه الصلاة والصوم ومن الإجرام النسبي تعسّف الأزواج مع زوجاتهم أو أبنائهم بضربهم إل حد العوَق فهذا مجرم قطع ما بين نفسه وبين زوجه وأولاده ويوم القيامة يعاقبه الله تعالى عقاباً شديداً، وإجرام مطلق كالحاكم الذي عزل نفسه عن شعبه وكان ماكراً بهم ويتسلط عليهم فهو مجرم جبار متكبر ظالم متسلط هذا الذي يعامله الله تعالى بصغار (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) والمكر هو التفاف الأغصان بعضها على بعض بحيث لا يعرف الناس أي ورقة تنتمي لأي غصن، والإجرام المطلق مثل فرعون مثلاً الذي سخّر كل الناس لخدمته وتفنن في مكره بهم فالمجرم لا بد في النهاية من أن يُخذل قبل أن يموت (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون) مفرعون والنمرود وغيرهم حتى في التاريخ المعاصر. والعذاب أنواع هناك عذاب أليم وعظيم وشديد ومهين وكل عذاب يليق بأحد الناس فالعذاب المهين مثلاً يكون على القيم والكرامة فلو أُلقي القبض على أحدهم بتهمة صك مزور وكان هذا المزور تاجراً كبيراً عظيماً أو عاملاً بسيطاً أما هذا الأخير فقد يُسجن أياماً قليلة ثم يفرج عنه أما التاجر فيهان لأن الإهانة عنده تساي السجن عشرات السنين. وقوله تعالى (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها) يدل على أن حساب يوم القايمة عذاب مهين ومن هذه الإهانة أن لا يُسأل المجرم عن ذنبه وهذا إمعان في إهانته واحتقاره بحيث أنه لم يُعطى حتى المجال أن يدافع عن نفسه وهذا منتهى الصّغار للمجرم، ولهذا جاء في قوله تعالى (يومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان) وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى (تالله لتسئلن عما كنتم تعملون).
المُنكر: هو الذي ينكره المجتمع أو العرف الصالح وهو عكس الحسن وهذا يتغير من جيل إلى جيل ولهذا يُراعى العُرف ما دام صالحاً لذا لا ينبغي أن يخرج أحدهم عن العرف. أو هو الأمر الذي تُقبّحه الشريعة فهناك ذنوب تُقبّحها الشريعة لكنها في عرف الناس أخفّ والعكس صحيح.
(يُتْبَعُ)
(/)
البغي غير الظلم فالظلم كما قلنا هو أخذ حق الغير بدون قهر والبغي أخذ حق غيرك بالقوة والتعسّف كأن يكون للشخص نفوذاً وقوة فيأخذ بها حقوق الآخرين. والتفرق بين المسميات هذه يترتب عليه أن لكل نوعاً من هذه الذنوب علاج خاص به وعقوبة خاصة به أيضاً. فيجب معرفة نوع الذنب لإيجاد العلاج المناسب الخاص به. ولذلك نلاحظ أن الأنبياء جاءوا لأقوام كل قوم منهم عنده عيب معين خاص به فأعطى تعالى لكل قوم علاجاً خاصاً بهم. فإذا كثرت الآثام في القوم يكون العلاج بالنزاهة وتطهير النفس بحيث يأنف من هذه الذنوب التي تترك في نفسه أثراً وشعوراً بالتدني. والخطيئة في العبادات وهي كل خطيءة ناتجة عن عمل مشروع أصلاً كالصلاة مثلاً يطوّرها الإنسان حتى يخرج بها عن عن المشروع، هنا العلاج يكون بتعليم الإتّباع الصحيح حق الإتّباع (فاتّبعوني يحببكم الله (فلا يجب أن يُسفّه القوم المبتدعون وعلى الداعية أن يُبيّن لهم السنّة الصحيحة ويعلمهم الإتباع الصحيح حتى يعرفوها حق المعرفة ويعرفون حكم الشرع فيها، والخطيئة مثل العاطفة والهوى التي تسوق الإنسان، وقد جاء في الحيث:"لاتكونا عون الشيطان على أخيكم" "لا يؤمن أحدكم إلا أن يكون هواه .. " فيجب عدم المبادرة إلى تسفيه المبتدعين واتهامهم بالكفر (ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (وقولا له قولاً ليّنا) فالمؤمن يُخطئ عن حسن نيّة. أما السوء والسيئات فهي تسبب لصاحبها حزناً ولذلك فإن علاجها يكون بالدرء أي الحث على عمل الحسنات التي تمحو السيئات (ويدرؤون بالحسنة السيئة) وكما جاء في الحديث عن الرسول r " أتبع الحسنة السيئة تمحها" فمن عمل سوءاّ ترك في نفسه نوعاً من الحزن والكآبة يعالج الأمر بعمل الحسنات مكانها حتى يدرأها.
وأضيف على هذه الكلمات كلمة لمم (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) وكلمة زلل (وإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيّنات) والله أعلم أنها تدخل في هذه المنظومة.
أسئلة المشاهدين خلال الحلقة:
سؤال: وصف الله تعالى قوم لوط بأنهم أهل فاحشة (أهل لواطة) والفاحشة في القرآن هو كل ما يزيد عن حده فيقال طول فاحش إذا زاد عن الحدّ، وجاء في القرآن الكريم كما قلنا سابقاً الفاحشة بأنها إما الزنى أو نكاح المحارم أو اللواطة. والفواحش هي من الذنوب التي لا تُخلّد في النار والأنبياء جاءوا لأقوامهم لمرحلتين أولاً التوحيد وثانياً تخليصهم من الذنوب مثل اللواطة وتطفيف الكيل والميزان فعندما عاقب الله تعالى آل لوط في الدنيا لا لارتكابهم الفواحش وإنما أخذهم بالكفر والشرك وإن كانوا من أهل الفواحش فلو آمن قوم لوط بلوط لكان عاقبهم عاقبة اللواط في الدنيا فقط ولكانت العقوبة حدّية كحدّ الزنى أو غيره وطالما أقيم عليه الحد وتاب وكفّر عن سيئاته لا يُعاقب. والله تعالى يعاقب الذين يحبهم في الدنيا بحيث لا يخرجون من الدنيا وعليهم ذنب فيعاقب على الجرائم الدنيوية حتى لا يبقى عليهم عذاب أو حساب في الآخرة كما جاء في الحديث القدسي (وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي عذابين أو أمنين أو خوفين) أو كما جاء في الحديث (إذا أحبّ الله عبداً أصاب منه)، أما الكافر فله عذابين (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) (النار يُعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب).
وبالمناسبة فإن تسمية الفاحشة باللواطة نسبة إلى لوط u أمر لم يرد في القرآن والتسمية خطأ أصلاً لكن ما جاء في القرآن عن هذه الفعلة القبيحة هو (الفاحشة) ولكن لأن قوم لوط هم الذين فعلوا هذه الفاحشة أطلق الناس على الفاحشة إسم اللواطة وهذا لا يجوز.
سؤال: ما فائدة تكرار كلمة خلقنا في آية سورة المؤمنون أما كلمة جعل فجاءت مرة واحدة فقط؟
قال تعالى في سورة المؤمنون (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) هناك فرق بين الجعل والخلق فالجعل هو أن تُغيّر الصيرورة فنقول جعلت الماء ثلجاً أي أنه لم يكن فصار كما جاء في قوله تعالى (واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي) لم يكن هارون وزيراً من قبل فصار وزيراً. أما الخلق فهو مرحلة مستقلة عن غيرها والخلق هو من مادة بخلاف الإبداع الذي هو من عدم بدليل قوله تعالى (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) النار مخلوقة قبل الجان. وقوله تعالى (إني خالق بشراً من طين) استخدام حرف من يفيد أن الطين موجود وخلق آدم من مادة موجودة هي الطين أما قوله تعالى (جاعل في الأرض خليفة) لم يكن فيها خليفة فصار فيها.
سؤال: هل كان آدم موجوداً قبل عملية الأنسنة؟
هناك فرق بين البشر والإنسان فالبشر يدخل في المملكة الحيوانية أي أنه يتّحد مع الحيوانات في الصفات العضوية أما الإنسان هو الذي لديه العلوم الإنسانية.
سؤال: ما الفرق بين اصطفى واختار؟
الإختيار هو أن تختار من غير متشابهات كأن أختار قلماً من بين ورقة وكتاب وقلم (وربك يخلق ما يشاء ويختار). أما الإصطفاء فهو أن أختار من بين أشياء متناظرة متشابهة (إن الله اصطفى آدم) اصطفاه من متناظرين كان هناك مخلوقات مشابهة لآدم
سؤال: يقول تعالى عن المؤمنين: (سيماهم في وجوههم) ما هي سمات الكافرين يوم القيامة؟
يُعرف الكافرون بسيماهم (يُعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام) وسيماء الكافرين يوم القيامة هي وجوههم السوداء الزرقاء التي فيها شيء من البهت (وجوههم مسودة) وهذا هو سواد الخوف لا سواد لون البشرة لأنه لا فرق عند الله بين أبيض وأسود (يوم يُحشر المجرمون إلى جهنم زرقا).
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 04:46 ص]ـ
والله أخي صالح لقد لجم لساني وعجزت عن التعبير بما في قلبي فوالله ليس شاعرا وليس رساما يعرف أن يجسد حالتي بعد سماعي كلامك اللين الرطب
والله يا أخي يا صالح لقد دعوت لي دعوات هي عندي خير من الدنيا وما فيها ولا أجد أحدا دعُي له بمثل هذا إلا وكفته فشكرا جزيلا لك أخي وأعطا لك الله أكثر من هذا
والله يا أخي ياصالح بأسفك هذا صرت أنا محقوق لك فلا تدري كيف أنني أقدر الأسف كثيرا وأعرف بأن الأسف جزءاً من القوة حينما يكون ليس عن ضعف ولقد أعتبرتك رجلا نبيلا بعد أسفك هذا وأعلم أخي لو كان خطئي في تعبيري فلك أنت مني كل أسفي
وشكرا لك على توضيح بعضا من معاني أسمي
وأعلم أخي أنك لم تأسف بل وأجدت وجدت " جاد , يجود , إجادة " أظنك تفهم ما أرمي إليه
ولقد جودت علي بالعلم وزدت فما يسعني إلا أن أقول لك كما قلت سابقا " من أراد أن يستعبدني فيملك إجابتي " ولقد ملكتها فهنيئا لك
ولكن دعني أدعوك لزيارة موضوع " ما الفرق؟؟؟؟ " ستجد فيه إجابة أخرى عن موضوعنا هذا
وأخيرا وليس آخرا دعني أقبلك صديق وفي ومخلص لي وشكرا لك ولك مني فائق إحترامي وتقديري
ـ[القيصري]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 07:43 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخ العزيز صالح المطوي
الاخ الفاضل أحمد عمر
تحية طيبة وبعد
فساترك الدعاء الى الاخ صالح لانني وجدته كريما في هذه الصفة المحمودة. الا ان ما لا يحمد له هو الاستعجال في الرد قبل فهم الاخر او من هو او حتى قبل قراءة اسم المشارك او المشاركة!!!! والاهم من كل ذلك ان الآخر دائما هو الخاطئ وان الصواب دائما لديه ولسان حاله يقول سلوني قبل ان تفقدوني. فقد حصل معي ايضا ما يشبه سوء التفاهم الذي حصل بينكما فرد علي بشكل لا ادري ما اقول عنه الا انه عاد واعتذر وكانت النتيجة بالنسبة لي هو صديق كريم يحب العلم والعلماء والمتعلمين ويسارع الى اغاثة الاخرين بما لديه من خزين العلوم والفنون وحسب رايه تفكيره الخاص به.
اخي صالح
اكتب اليكم هذه الكلمات وانا مرتاح البال لانني سبق وحصلت منكم على تأشيرة الدخول الى مقالاتكم ولكنكم يا اخي الفاضل لم تذكروا لي الصلاحية هل هي تاشيرة لمرة واحدة ام تاشيرة دائمية وطبعا ارجو ان تكون الثانية.
اخي احمد
لقد شبهت الفصيح (في احدى ردودي او اكثر) بطبق يحوي ما لذ وطاب من انواع الفواكه والثمار المختلفة الالوان والاشكال والروائح منها الفواكه الناضجة التامة النضوج او نصف الناضجة او التي لا زالت خضراء فجة الا انها مع مرور الزمن ستنضج هي الاخرى لمجاورتها الاولى واخذها لاريجها وروائحها (هورموناتها).
واحدى ثمار هذا الطبق هي جوزة الهند والاخ العزيز صالح المطوي هو ثمرة جوز الهند. صلب من الخارج ولكنه يحوي الماء الزلال وما لذ وطاب من الابيض الدهني في باطنه. ارجو ان اكون صائبا في ظني.
اخي صالح
ملحوظتان
- قولكم (وعدم حسن الضن فيني وهذا شئ قبيح فيني) ما هذا!!!؟؟؟ لا اقبله منكم.
- مقالة ... للدكتور الشيخ (العلامة) أحمد الكبيسي حفظه الله ........... أطلعت عليه ..........
فنقلته .......... مع اختلاف وجهات النظر!!!!!؟؟؟؟؟؟
شكرا
القيصري
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[30 - 10 - 2005, 05:37 م]ـ
أخي أحمد عمر
أخي القيصري
حفظكما الله سبحانه له الحمد ورعاكم
لقد أخجلتموني في الرد
وتأخرت أياما ولكن لم تزدني إلا عجزا على عجزي
فقلمي لا يستطيع أن يباري نبلكم وطهركم
فجزاكم الله سبحاته له الحمد كل خير
و أحسن خاتمتكم
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 03:20 ص]ـ
يا أخي يا صالح أنت لا تعلم كم أنا سعيد بهذا الأسف الذي أوضح لي أن الدنيا ما زالت فيها أناس طيبون ولديهم عفة وقوة ونبلا مثلك تماما أخي صالح
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 03:26 ص]ـ
0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000000 0000
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[01 - 11 - 2005, 07:09 ص]ـ
عذرا أخي صالح ماذا كنت تكتب وتقول فأنا لم أرَ ما كتبت فلقد وصلتني الرساله على هذا المنوال
00000000000000000000000000000000000000000000000000 00000000000000000000000000000000000000000000000000 00000000000000000000000000000000000000000000000000 00000000000000000000000000000000000000000000000000 00000000000000000000000000000000000000000000000000 00000000000000000000000000000000000000000000000000 00000000000000000000000000000000000000000000000000 00000000000000000000000000000000000000000000000000
أرأيت؟؟؟؟
علما بأن جهازي لم يحدث فيه تغيرات في إعدادات اللغة فما الحل في ذلك؟؟؟؟؟
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[02 - 11 - 2005, 08:36 م]ـ
أخي في الله سبحانه له الحمد
أحمد عمر
وضعت هذه الأصفار وفي سبعة خطوط
دلالة على عجزي عن الرد
فحروفك ألجمتني ومازالت تلجمني
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 06:48 ص]ـ
ويحي وعذرا لأني لم أفهمك منذ البداية(/)
ارجو المساعدة للتوضيح
ـ[منسيون]ــــــــ[22 - 10 - 2005, 12:03 ص]ـ
السلام عليكم
اشكر الاخوان الذين ساهمو في المساعدة في عدة مواضيع طلبتها
اريد التوضيح في سؤال بعثته ولم اجد الرد الصحيح له حول دراسة لكتاب الكشاف للزمخشري
واود هنا التوضيح الى انني اريد دراسة لمنهج الزمخشري في كتابه الكشاف حول تفسيره للسور من حيث اللغة والصرف والنحو والصوت ارجو المساعدة يا اخوان وجزاكم الله خيرا(/)
سااااعددددوني ضرررررروررررري ومهههههههم
ـ[الطالبة المجتهدة]ــــــــ[23 - 10 - 2005, 09:41 م]ـ
اريد مذكرة شخصية
أريد فقط الاحداث الهامة فيها وأنا برتبها
الله يخليكم ...........
ـ[محمد نوري محمد]ــــــــ[12 - 12 - 2005, 03:28 م]ـ
انا لم افهم ما تريدين ممكن توضيح(/)
سااااعددددوني ضرررررروررررري ومهههههههم
ـ[الطالبة المجتهدة]ــــــــ[23 - 10 - 2005, 09:42 م]ـ
أريد مذكرة شخصية
أريد فقط الافكار وأنا أرتبها
الله يخليكم ..................
ـ[وسماء]ــــــــ[17 - 11 - 2005, 03:09 م]ـ
وضحي سؤالك(/)
ندااااااااااء لـ""صدى المسجد ""
ـ[الطالبة المجتهدة]ــــــــ[23 - 10 - 2005, 11:53 م]ـ
ارجوك ياصدى المسجد ساعدني مادام إنك موجود
ـ[محمد نوري محمد]ــــــــ[16 - 11 - 2005, 05:36 م]ـ
بم اساعدك هل عندك شي اقوم بمساعدتك به وشكرا
ـ[صدى المسجد]ــــــــ[28 - 11 - 2005, 12:34 م]ـ
في شنو اساعدك؟؟؟؟؟؟(/)
استعمالات (ما) في القرآن الكريم
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 01:33 ص]ـ
استعمالات (ما) في القرآن الكريم
ما اسمية وحرفية فالاسمية ترد موصولة بمعنى الذي نحو ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ويستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع والغالب استعمالها فيما لا يعلم وقد تستعمل في العالم نحو والسماء وما بناها ولا أنتم عابدون ما أعبد أي الله ويجوز في ضميرها مراعاة اللفظ والمعنى واجتمعتا في قوله تعالى ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون وهذه معرفة بخلاف الباقي.
واستفهامية بمعنى أي شيء ويسئل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته وأجناس العقلاء وأنواعهم وصفاتهم نحو ما لونها ما ولاهم ما تلك بيمينك وما الرحمن ولا يسئل بها عن أعيان أولى العلم خلافاً لمن أجازه.
وأما قول فرعون وما رب العالمين فإنه قاله جهلاً ولهذا أجابه موسى بالصفات.
ويجب حذف ألفها إذا جرت وإبقاء الفتحة دليلاً عليها فرقاً بينها وبين الموصولة نحو عم يتساءلون فيم أنت من ذكراها لم تقولون ما لا تفعلون بم يرجع المرسلون وشرطية نحو ما ننسخ من آية أوننسها نأت وما تفعلوا من خير يعلمه الله.
فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم وهذه منصوبة بالفعل بعدها.
وتعجبية نحو فما أصبرهم على النار قتل الإنسان ما أكفره ولا ثالث لهما في القرآن إلا في قراءة سعيد بن جبير ما أغرك بربك الكريم ومحلها رفع الابتداء وما بعدها خبر وهي نكرة تامة.
ونكرة موصوفة نحو بعوضة فما فوقها.
نعماً يعظكم أي نعم شيئاً يعظكم به.
وغير موصوفة نحو فنعماً هي أي نعم شيئاً هي.
والحرفية ترد مصدرية: إما زمانية نحو فاتقوا الله ما استطعتم أي مدة استطاعتكم.
أوغير زمانية نحو فذوقوا بما نسيتم أي بنسيانكم.
ونافية: إما عاملة عمل ليس نحو ما هذا بشر.
ما هن أمهاتهم.
فما منكم من أحد حاجزين ولا رابع لها في القرآن.
أوغير عاملة نحو {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} {فما ربحت تجارتهم} قال ابن الحاجب: وهي لنفي الحال ومقتضى كلام سيبويه أن فيها معنى التأكيد لأنه جعلها في النفي جواباً لقد في الإثبات فكما أن قد فيها معنى التأكيد فكذلك ما جعل جواباً لها وزائدة للتأكيد.
إما كافة نحو إنما الله إله واحد إنما إلهكم إله واحد كأنما أغشيت وجوههم.
ربما يود الذين كفروا أوغير كافة نحو فإما ترين.
أياماً تدعوا.
أيما الاجلين قضيت.
فبما رحمة مما خطاياكم مثلاً ما بعوضة قال الفارسي: جميع ما في القرآن من الشرط بعد إما مؤكد بالنون لمشابهة فعل الشرط بدخول ما للتأكيد لفعل القسم من جهة أن ما كاللام في القسم لما فيها من التأكيد.
وقال أبو البقاء: زيادة ما مؤذنة بإرادة شدة التأكيد.
فائدة حيث وقعت ما قبل ليس أولم أولا أوبعد إلا فهي موصولة نحو ما ليس لي بحق ما لم يعلم.
ما لا يعلمون إلا ما علمتنا وحيث وقعت بعد كاف التشبي فهي مصدرية وحيث وقعت بعد الباء فإنها تحتملهما نحو بما كانوا يظلمون وحيث وقعت بين فعلين سابقهما علم أودراية أونظر احتملت الموصولة والاستفهامية نحو وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ما أدري ما يفعل بي ولا بكم ولتنظر نفس ما قدمت لغد وحيث وقعت في القرآن قبل إلا فهي نافية إلا في ثلاثة عشر موضعاً مما آتيتموهن إلا أن يخافا فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ولا أخاف ما تشركون به إلا وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما دامت السموات والأرض إلا في موضعي هود فما حصدتم فذروه في سنبله إلا ما قدمتم لهن إلا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله وما بينهما إلا بالحق.
من كتاب الاتقان في علوم القرآن للسيوطي
ـ[الأحمر]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 02:01 ص]ـ
السلام عليكم
بارك الله في وجزاك كل خير
أرجو زيارة هذا الرابط ففيه موضوع له صلة بموضوعك
http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=3555
ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[03 - 09 - 2007, 03:24 م]ـ
مالوجه الدلالى لكونها تعود على اللفظ والمعنى فى مثل قوله تعالى" ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقا من السموات ..... "النحل 73(/)
معانى "حرف الباء"
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 01:36 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أعرض فى هذا الموضوع عددا من معانى حرف الباء غير الزائدة
أى الأصلية، فهى حرف جر لثلاثة عشر معنى:
1 - الإلصاق: و هو معنى لا يفارقها، و هو نوعان:
أ- حقيقى: مثل " أمسكْتُ بالحبل "
ب- مجازى: مثل " مررت بزيد " أى ألصقت ُ مرورى بمكان يقرب من زيد
2 - التعدية: و الباء فى هذا تشبه الهمزة " همزة التعدية " فى تصيير الفاعل مفعولا
فتقول فى ذهب زيد " ذهبتُ بزيد " و منه قوله عز جل " ذهب الله بنورهم "
و قد قُرِىء " أذهب الله نورهم "
3 - الاستعانة: و هى الداخلة على آلة الفعل، نحو " كتبْتُ بالقلم "، " ضربْتُ بالسيف:
و منه الباء فى قوله عز و جل " بسم الله الرحمن الرحيم "
4 - السببية: مثل " إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل " أى بسبب اتخاذكم العجل
" فبظلم من الذين هادوا حرَّمنا عليهم "
5 - المصاحبة: وهذا المعنى له علامتان:
أ- أن تكون الباء بمعنى مع. ب- أن يصح إحلال الحال مكان الباء و مجرورها
مثل " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق " أى " مع الحق " أو " محقا "
و منه قوله عز وجل " اهبط بسلام "،" و قد دخلوا بالكفر".
6 - الظرفية: مثل " و لقد نصركم الله ببدر"، " نجيناهم بسَحَر"
7 - البدل: كقول الحماسى:
فليت لى بهم قوما إذا ركبوا ***** شنُّوا الإغارة فرسانا و ركبانا
أى " فليت لى بدلا منهم قوما "
8 - المقابلة: و هى الداخلة على الأعواض نحو " اشتريته بألفٍ "
" ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون "
9 - المجاوزة: كحرف الجر " عن " كقوله عز و جل " فاسأل به خبيرا "
أى فاسأل عنه خبيرا.
و منه قول الشاعر:
فإن تسألونى بالنساء فإننى ***** خبير بأدواء النساء طبيب
10 - الاستعلاء: مثل " مَنْ إن تأمنه بقنطار " أى " من إن تأمنه على قنطار "
و منه قول الشاعر:
أرَبٌّ يبول الثُّعلبان برأسه؟ ***** لقد هان مَن بالت عليه الثعالبُ
11 - التبعيض: و منه " عينا يشرب بها عباد الله " أى يشرب منها.
12 - القَسَم: و الباء أصل حروف القسم و لذلك خُصَّت بجواز ذكر الفعل معه نحو
" أقسم بالله لتفعلَنَّ "ولا يجوز أن نقول " أقسم تالله " ولا " أقسم والله "
كما أن الباء تدخل على الاسم الظاهر و الضمير فتقول " بك لأفعلنَّ" و لا يجوز
ذلك مع التاء و الواو من حروف القسم.
13 - الغاية: نحو " و قد أحسن بى " أى " إلىَّ "
منقول بتصرف من كتاب " مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب " لابن هشام الأنصارى المصرى
ـ[د. حقي إسماعيل]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 02:21 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أعرض فى هذا الموضوع عددا من معانى حرف الباء غير الزائدة
أى الأصلية، فهى حرف جر لثلاثة عشر معنى:
1 - الإلصاق: و هو معنى لا يفارقها، و هو نوعان:
أ- حقيقى: مثل " أمسكْتُ بالحبل "
ب- مجازى: مثل " مررت بزيد " أى ألصقت ُ مرورى بمكان يقرب من زيد
2 - التعدية: و الباء فى هذا تشبه الهمزة " همزة التعدية " فى تصيير الفاعل مفعولا
فتقول فى ذهب زيد " ذهبتُ بزيد " و منه قوله عز جل " ذهب الله بنورهم "
و قد قُرِىء " أذهب الله نورهم "
3 - الاستعانة: و هى الداخلة على آلة الفعل، نحو " كتبْتُ بالقلم "، " ضربْتُ بالسيف:
و منه الباء فى قوله عز و جل " بسم الله الرحمن الرحيم "
4 - السببية: مثل " إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل " أى بسبب اتخاذكم العجل
" فبظلم من الذين هادوا حرَّمنا عليهم "
5 - المصاحبة: وهذا المعنى له علامتان:
أ- أن تكون الباء بمعنى مع. ب- أن يصح إحلال الحال مكان الباء و مجرورها
مثل " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق " أى " مع الحق " أو " محقا "
و منه قوله عز وجل " اهبط بسلام "،" و قد دخلوا بالكفر".
6 - الظرفية: مثل " و لقد نصركم الله ببدر"، " نجيناهم بسَحَر"
7 - البدل: كقول الحماسى:
فليت لى بهم قوما إذا ركبوا ***** شنُّوا الإغارة فرسانا و ركبانا
أى " فليت لى بدلا منهم قوما "
8 - المقابلة: و هى الداخلة على الأعواض نحو " اشتريته بألفٍ "
" ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون "
9 - المجاوزة: كحرف الجر " عن " كقوله عز و جل " فاسأل به خبيرا "
أى فاسأل عنه خبيرا.
و منه قول الشاعر:
فإن تسألونى بالنساء فإننى ***** خبير بأدواء النساء طبيب
10 - الاستعلاء: مثل " مَنْ إن تأمنه بقنطار " أى " من إن تأمنه على قنطار "
و منه قول الشاعر:
أرَبٌّ يبول الثُّعلبان برأسه؟ ***** لقد هان مَن بالت عليه الثعالبُ
11 - التبعيض: و منه " عينا يشرب بها عباد الله " أى يشرب منها.
12 - القَسَم: و الباء أصل حروف القسم و لذلك خُصَّت بجواز ذكر الفعل معه نحو
" أقسم بالله لتفعلَنَّ "ولا يجوز أن نقول " أقسم تالله " ولا " أقسم والله "
كما أن الباء تدخل على الاسم الظاهر و الضمير فتقول " بك لأفعلنَّ" و لا يجوز
ذلك مع التاء و الواو من حروف القسم.
13 - الغاية: نحو " و قد أحسن بى " أى " إلىَّ "
منقول بتصرف من كتاب " مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب " لابن هشام الأنصارى المصرى
فاتك أخي الكريم أن تذكر أن الباء حرف جر زائد يفيد التوكيد
والزيادة قسمان؛ زيادة واجبة، وزيادة جائزة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 05:37 م]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا أخى: د/ حقى اسماعيل
ونسأل الله ان يعلمنا ويعلمكم وجل من لا يسهو
فارس العربية الخـ زيد ــــــــيل
ـ[تركي2]ــــــــ[17 - 11 - 2005, 07:17 م]ـ
ألف شكر لك
ـ[أبو سارة]ــــــــ[17 - 11 - 2005, 11:22 م]ـ
جزيتم خيرا على هذه الفوائد
ـ[د. حقي إسماعيل]ــــــــ[19 - 11 - 2005, 03:16 ص]ـ
أخواني الكرام.
لم ألمه على أنه فات عليه ـ فذلك والله جار علينا كلنا ـ ولكنني وددت التذكير فقط، لعلمي أن الذكرى تنفع المؤمنين، ورغبت في أن يكمل أحدنا الآخر ..
سلمكم الله وجزاكم خير الجزاء.(/)
إعجاز القرآن اللفظي
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 01:43 ص]ـ
إعجاز القرآن اللفظي
إن إعجاز القرآن أمر متعدد النواحي متشعب الاتجاهات، ومن المتعذر أن ينهض لبيان الإعجاز القرآني شخص واحد ولا حتى جماعة في زمن ما مهما كانت سعة علمهم وإطلاعهم وتعدد اختصاصاتهم، إنما هم يستطيعون بيان شيء من أسرار القرآن في نواح متعددة حتى زمانهم هم، ويبقى القرآن مفتوحاً للنظر لمن يأتي بعدنا في المستقبل ولما يجدّ من جديد. وسيجد فيه أجيال المستقبل من ملامح الإعجاز وإشاراته ما لم يخطر لنا على بال.
وأضرب مثلاً لتعدد نواحي الإعجاز، فإني سمعت وقرأت لأشخاص مختصين بالتشريع والقانون يبيّنون إعجاز القرآن التشريعي، ويبينون اختيارات الألفاظ التشريعية في القرآن ودقتها في الدلالة على دقة التشريع ورفعته ما لا يصح استبدال غيرها بها، وإن اختيار هذه الألفاظ في بابها أدق وأعلى مما نبيّن نحن من اختيارات لغوية وفنية وجمالية.
وقرأت وسمعت لأشخاص متخصصين بعلم التشريح والطب في بيان شيء من أسرار التعبير القرآني من الناحية الطبية التشريحية ودقتها يفوق ما نذكره في علم البلاغة. فألفاظه مختارة في منتهى الدقة العلمية. من ذلك على سبيل المثال أن ما ذكره القرآن من مراحل تطور الجنين في الرحم هي التي انتهى إليها العلم مما لم يكن معروفاً قبل هذا العصر مما دعا علماء أجانب إلى أن يعلنوا إسلامهم. وليس ذلك فقط، بل إن اختيار تعبير (العلقة) و (المضغة) – مثلاً – أعجب اختيار علمي.
فاختيار التعبير بـ (العلقة) اختيار له دلالته، فإن المخلوق في هذه المرحلة أشبه شيء بالعلقة وهي الطفيلية المعروفة. وكذلك التعبير بـ (المضغة)، فالمضغة كما قرأنا في كتب التفسير، هي القطعة من اللحم قدر ما يمضغ الماضغ. ولكن لاختيار كلمة (مضغة) سبب آخر، ذلك أن المضغة هي قطعة اللحم الممضوغة أي التي مضغتها الأسنان، وقد أثبت العلم الحديث أن الجنين في هذه المرحلة ليس قطعة لحم عادية بل هو كقطعة اللحم التي مضغتها الأسنان، فاختيار لفظ (المضغة) اختيار علمي دقيق. إنه لم يقل "قطعة لحم صغيرة" ولو قال ذلك لكان صواباً ولكن قال: (مضغة) لما ذكرتُ وربما لغيره أيضاً والله أعلم.
وقرأت فيما توصل إليه علم التاريخ وما دلت عليه الحفريات الحديثة من أخبار ذي القرنين أدق الكلام وأدق الأخبار ما لم يكن يعرفه جميع مفسري القرآن فيما مضى من الزمان. وأن الذي اكتشفه المؤرخون والآثاريون وما توصلوا إليه في هذا القرن منطبق على ما جاء في القرآن الكريم كلمة كلمة ولم يكن ذلك معلوماً قبل هذا القرن البتة.
وقرأت في اختيار التعبير القرآني لبعض الكلمات التاريخية كـ (العزيز) في قصة يوسف، وكاختيار تعبير (الملك) في القصة نفسها، واختيار كلمة (فرعون) في قصة موسى، فعرفت أن هذه ترجمات دقيقة لما كان يُستعمل في تلك الأزمان السحيقة فـ (العزيز) أدق ترجمة لمن يقوم بذلك المنصب في حينه، وأن المصريين القدامى كانوا يفرقون بين الملوك الذين يحكمونهم فيما إذا كانوا مصريين أو غير مصريين، فالملك غير المصري الأصل كانوا يسمونه (الملك)، والمصري الأصل يسمونه (فرعون)، وأن الذي كان يحكم مصر في زمن يوسف غير مصري، وهو من الهكسوس فسماه (الملك)، وأن الذي كان يحكمها في زمن موسى هو مصري فسماه (فرعون)، فسمى كل واحد بما كان يُسمى في الأزمنة السحيقة.
وعرفت من الإشارات الإعجازية في مختلف العلوم كما في أسرار البحار والضغط الجوي وتوسع الكون وبداية الخلق ما دعا كثيراً من الشخصيات العلمية إلى إعلان إسلامهم.
بل إن هناك أموراً لم تُعرف إلا بعد صعود الإنسان في الفضاء واختراقه الغلاف الجوي للأرض، وقد أشار إليه القرآن إشارات في غاية العجب ذلك أن الإنسان إذا اخترق الغلاف الجوي للأرض، وجد نفسه في ظلام دامس وليل مستديم ولم تُر الشمس إلا كبقية النجوم التي نراها في الليل. فالنهار الذي نعرفه نحن، لا يتعدى حدود الغلاف الجوي فإن تجاوزناه كنا في ظلام لا يعقبه نهار. وقد أشار إلى ذلك القرآن إشارة عجيبة في قوله: "وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) " يس فجعل النهار كالجلد الذي يُسلخ وأما الليل: فهو الأصل، وهو الكل، فشبّه الليل بالذبيحة، والنهار جلدها، فإن سُلخ الجلد ظهر الليل
(يُتْبَعُ)
(/)
فجعل النهار غلافاً والليل هو الأصل.
وقال: "وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) " الحجر أي لو مكنّاهم من الصعود إلى السماء لانتهوا إلى ظلام وقالوا (سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا) وغير ذلك وغيره.
وعلى هذا فالإعجاز القرآني متعدد النواحي متشعب الاتجاهات ولا يزال الناس يكتشفون من مظاهر إعجازه الشيء الكثير فلا غرو أن أقول إذن: إن الإعجاز أكبر مما ينهض له واحد أو جماعة في زمن ما.
إن التعبير الواحد قد ترى فيه إعجازاً لغوياً جمالياً، وترى فيه في الوقت نفسه إعجازاً علمياً، أوإعجازاً تاريخياً، أو إعجازاً نفسياً، أو إعجازاً تربوياً، أو إعجازاً تشريعياً، أو غير ذلك.
فيأتي اللغوي ليبيّن مظاهر إعجازه اللغوي وأنه لا يمكن استبدال كلمة بأخرى، ولا تقديم ما أُخّر ولا تأخير ما قُدّم، أو توكيد ما نُزع منه التوكيد أو عدم توكيد ما أُكّد. ويأتيك العالم في الطب ليقول من وجهة نظر الطب ألطف وأدق مما يقوله اللغوي. ويأتيك العالم في التشريع ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التشريع والقانون ويأتيك المؤرخ ليقول مثل ذلك من وجهة نظر التاريخ، ويأتيك صاحب كل علم ليقول مثل ذلك من وجهة نظر علمه.
إننا ندل على شيء من مواطن الفن والجمال في هذا التعبير الفني الرفيع، ونضع أيدينا على شيء من سُمو هذا التعبير، ونبيّن إن هذا التعبير لا يقدر على مجاراته بشر، بل ولا البشر كلهم أجمعون، ومع ذلك لا نقول إن هذه هي مواطن الإعجاز ولا بعض مواطن الإعجاز وإنما هي ملامح ودلائل تأخذ باليد، وإضاءات توضع في الطريق، تدل السالك على أن هذا القرآن كلام فني مقصود وُضع وضعاً دقيقاً ونُسج نسجاً محكماً فريدا، لا يشابهه كلام، ولا يرقى إليه حديث "فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ 34" الطور.
أما شأن الإعجاز فهيهات، أنه أعظم من كل ما نقول، وأبلغ من كل ما نصف وأعجب من كل ما نقف عليه من دواعي العجب.
إن هذا القادم من الملأ الأعلى، والذي نزل به سيد من كبار سادات الملأ الأعلى فيه من الأسرار ودواعي الإعجاز ما تنتهي الدنيا ولا ينتهي.
قد ترى أن في قولي مبالغة وادعاء أو انطلاقاً من عاطفة دين أو التهاب وجدان وليس بوسعي أن أمنعك من هذا التصور، ولا أن أرد عنك ما ترى.
ولكن لو فتح القلب المقفل وأُقد السراج المعطل وأشرقت بالنور حنايا لم تكن تعرف النور، ولا مست فؤادك نفحةٌ من روح الملك القدوس، وهبّت على أودية نفسك نسمة من عالم الروح، وسمعت صوتاً يملأ نفسك قادماً من بعيد، من الملأ الأعلى يقول: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ (16) " الحديد. "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) " القمر. فقفّ شعر بدنك، واقشعرّ جلدك، ومار فؤادك، وتحركت السواكن، واضطرب بين جنبيك ما اضطرب، والتهب فيه ما التهب، وانهمرت الدموع تسيل في شعاب القلوب التي قتلها الظمأ، وأقفرها الجفاف تغسل الأوضار وتروي حبات القلب وتندّي اليبس وتُحيي الموات، فعند ذاك تذوق ما لم تعهد له مذاقاً ولا طعماً، وتحسّ ما لم يكن لك فيه سابق معرفة، ولا إحساس، وتصيح بكل جوارحك قائلاً: والله لقد آن والله لقد آن! وعند ذاك تعرف ما أقول وتفهم ما أشير إليه ولكن أنّى لي أن أوُصلك إلى هذا؟!
وكيف أوصلك وأنا المنقطع، وأعطيك وأنا المحروم؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إنما هي دلائلُ أضعها في الطريق وإشارات وصُوى، وشيء من خافت النور في مصباح ناضب الزيت، غير نافع الفتيل، عسى الله أن ينفع بها سالكاً، ويجنّب العثار سارياً في الليل البهيم؛ فتنالنا منه دعوة صالحة تنعنا في عرصات القيامة.
وفي الختام لا أجد خيراً من أن أوصيك ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه أبا ذر، وليكن ذلك منك على ذكر وإياك أن تنساه:
يا أبا ذر أحكم السفينة فإن البحر عميق
وخفف الحمل فإن العقبة كؤود
وأكثر الزاد فإن السفر طويل
وأخلص العمل فإن الناقد بصير
المصدر: كتاب لمسات بيانية بقلم الدكتور فاضل السامرائي(/)
لمسات بيانية فى سورة التين
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[24 - 10 - 2005, 01:47 ص]ـ
ابتدأت السورة بالقسم بالتين والزيتون. والتين والزيتون قد يكون قصد بهما الشجران المعروفان، وقد ذكر المفسرون لاختيار هذين الشجرين للقسم بهما أسباباً عدة، فقد ذكروا أنه أقسم بنوعين من الشجر، نوع ثمره ليس فيه عجم ونوع فيه عجم، وأنه ورد في الأثر أن التين من شجر الجنة فقد روي أنه أُهدي لرسول الله r طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه:" كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم". وقد ذكر أن آدم خصف من ورقه ليستر عورته حين انكشفت في الجنة.
وأما الزيتون فإنه شجرة مباركة كما جاء في التنزيل العزيز.
وقد ذكروا أموراً أخرى لا داعي لسردها ههنا.
ولا ندري هل لبدء السورة بالقسم بالشجر الذي يذكر أن له أصلاً في الجنة أعني التين له علاقة بعدد آيات هذه السورة أو لا؟ فإن عدد آيات هذه السورة ثمانية وهن بعدد أبواب الجنة. وقد يكون هذا القول خرصاً محضاً وأنا أميل إلى ذلك، ولكنا قد وجدنا شيئاً من أنواع هذه العلاقات في القرآن. فقد تكرر كما سبق أن ذكرنا قوله تعالى: "فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" الرحمن، عند الكلام في وصف الجنة ثماني مرات بعدد أبواب الجنة، وحصل هذا مرتين في السورة، وتكرر في الوعيد سبع مرات بعدد أبواب جهنم 1 ابتداء من قوله: "سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ" (31) الرحمن
وقالوا إن سورة القدر ثلاثون كلمة بعدد أيام شهر رمضان وإن قوله (هي) في قوله تعالى: "سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) " هي الكلمة السابعة والعشرون وهي إشارة إلى أن هذه الليلة هي الليلة السابعة والعشرون من رمضان.
وعلى أي حال فإن كثيراً من هذه العلاقات ربما كانت موافقات والله أعلم.
وقيل: إن المقصود بالتين والزيتون جبلان من الأرض المقدسة يقال لهما بالسريانية طور تينا وطور زيتا لأنهما منبتا التين والزيتون. 2
والعلاقة بين التين والزيتون وما بعدهما ليست ظاهرة على هذا إلا بتكلف.
وقيل: " هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار. فالأول: محلة التين والزيتون وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى بن مريم u والثاني: طور سنين وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران، والثالث: مكة وهو البلد الأمين الذي مَن دخله كان آمناً، وهو الذي أرسل فيه محمداً صلى الله عليه وسلم 3
وجاء في (التبيان في أقسام القرآن): " فأقسم سبحانه بهذه الأمكنة الثلاثة العظيمة التي هي مظاهر أنبيائه ورسله، أصحاب الشرائع العظام والأمم الكثيرة. فالتين والزيتون المراد به نفس الشجرتين المعروفتين ومنبتهما وهو أرض بيته المقدس ... وهو مظهر عبد الله ورسوله وكلمته وروحه عيسى بن مريم. كما أن طور سينين مظهر عبده ورسوله وكليمه موسى، فإنه الجبل الذي كلمه عليه وناجاه وأرسله إلى فرعون وقومه.
ثم أقسم بالبد الأمين وهو مكة مظهر خاتم أنبيائه ورسله سيد ولد آدم. وترقى في هذا القسم من الفاضل إلى الأفضل، فبدأ بموضع مظهر المسيح، ثم ثنّى بموضع مظهر الكليم، ثم ختمه بموضع مظهر عبده ورسوله وأكرم الخلق عليه. ونظير هذا بعينه في التوراة التي أنزلها الله على كليمه موسى: (جاء الله من طور سيناء وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران).
فمجيئه من طور سيناء بعثته لموسى بن عمران، وبدأ به على حكم الترتيب الواقع، ثم ثنّّى بنبوة المسيح، ثم ختمه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم 4
وهذا هو الراجح فيما أرى لأن المناسبة بين هذه المحالّ المُقسَم بها ظاهرة على هذا.
ثم لننظر إلى ترتيب هذه الأشياء المقسم بها:
فقد بدأ بالتين والزيتون. والزيتون أشرف وأفضل من التين فقد شهد الله له أنه شجرة مباركة قال تعالى "اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ
(يُتْبَعُ)
(/)
شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) " النور، وهي فاكهة من وجه، وإدامٌ من وجه وزيتها يُستعمَل في إنارة المصابيح والسُّرُج.
ثم أقسم بطور سنين وهو أفضل مما ذكر قبله، فإنه الجبل الذي كلم الرب عليه موسى وناجاه وأرسله إلى فرعون وقومه.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف وضع طور سنين بجوار الزيتون لا بجوار التين، وقد ورد ذكر الزيتون بجوار الطور في موطن آخر من التنزيل العزيز 5
قال تعالى: "وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20) " المؤمنون، وهذه الشجرة هي شجرة الزيتون بإجماع المفسرين. قال الواحدي: "والمفسرون كلهم يقولون إن المراد بهذه الشجرة شجرة الزيتون" 6
ثم أقسم بالبلد الأمين وهو مكة المكرمة: مكان مولد رسول الله r ومبعثه ومكان البيت الذي هو هدى للعالمين 7. وهو أفضل البقاع عند الله وأحبها إليه كما جاء في الحديث الشريف، فتدرّج من الفاضل إلى الأفضل ومن الشريف إلى الأشرف.
فأنت ترى أنه تدرج من التين إلى الزيتون إلى طور سنين إلى بلد الله الأمين، فختم بموطن الرسالة الخاتمة أشرف الرسالات.
وقد وصف الله هذا البلد بصفة (الأمين) وهي صفة اختيرت هنا اختياراً مقصوداً لا يسدُّ مسدّها وصف آخر.
فالأمين وصف يحتمل أن يكون من الأمانة، كما يحتمل أن يكون من الأمن. وكلا المعنيين مُراد.
فمن حيث الأمانة وُصف بالأمين لأنه مكان أداء الأمانة وهي الرسالة. والأمانة ينبغي أن تؤدى في مكان أمين. فالرسالة أمانة نزل بها الروح الأمين وهو جبريل، وأداها إلى الصادق الأمين وهو محمد، في البلد الأمين وهو مكة. فانظر كيف اختير الوصف ههنا أحسن اختيار وأنسبه.
فالأمانة حملها رسول موصوف بالأمانة فأداها إلى شخص موصوف بالأمانة في بلد موصوف بالأمانة. جاء في (روح المعاني): "وأمانته أن يحفظ من دَخَله كما يحفظ الأمين ما يُؤتمن عليه" 8
وأما من حيث الأمن فهو البلد الآمن قبل الإسلام وبعده، دعا له سيدنا ابراهيم u بالأمن قبل أن يكون بلداً، وبعد أن صار بلداً فقال أولاً: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا (126) " البقرة، وقال فيما بعد: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا (35) " إبراهيم، فهو مدعو له بالأمن من أبي الأنبياء. وقد استجاب الله سبحانه هذه الدعوة قال تعالى: "وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا (97) " آل عمران، وقال: "وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا (125) " البقرة
فـ (الأمين) على هذا (فعيل) للمبالغة بمعنى الآمن، ويحتمل أن تكون (الأمين) فعيلاً بمعنى مفعول، مثل جريح يمعنى مجروح وأسير بمعنى مأسور، أي: المأمون، وذلك لأنه مأمون الغوائل 9
جاء في روح المعاني: "الأمين فعيل بمعنى فاعل أي الآمن، من أمُن الرجل بضمّ الميم أمانة فهو أمين .. وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه .. وأما بمعنى مفعول أي: المأمون من (أمنه) أي: لم يَخَفْه، ونسبته إلى البلد مجازية. والمأمون حقيقة الناسُ أي: لا تخاف غوائلهم فيه، أو الكلام على الحذف والإيصال أي: المأمون فيه من الغوائل " 10
وجاء في البحر المحيط: "وأمين للمبالغة أي: آمنٌ مَنْ فيه ومن دخله وما فيه من طير وحيوان، أو من أمُن الرجل بضمّ الميم أمانة، فهو أمين كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه. ويجوز أن يكون بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل ". 11
وقد تقول: ولم اختار لفظ (الأمين) على (الآمن) الذي تردد في مواطن أخرى من القرآن الكريم؟ قال تعالى: "أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) " القصص، وقال: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ (67) " العنكبوت
والجواب: أنه باختياره لفظ (الأمين) جمع معنيي الأمن والأمانة، وجمع معنى اسم الفاعل واسم المفعول، وجمع الحقيقة والمجاز، فهو أمين وآمن ومأمون، وهذه المعاني كلها مُرادة مطلوبة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم انظر إلى جواب القسم وهو قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين) كيف تناسب مع المُقسَم به تناسباً لطيفاً ولاءمه ملاءمة بديعة. فإنه أقسم بالرسالات على بداية الإنسان ونهايته 12 فقال: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) " وهذه بدايته، ثم قال: "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) " وهذه نهايته.
"ثم لما كان الناس في إجابة هذه الدعوة فريقين منهم مَنْ أجاب ومنهم من أبى، ذكر حال الفريقين. فذكر حال الأكثرين وهو المردودون إلى أسفل سافلين 13 (والآخرين وهم المؤمنون الذين لهم أجر غير ممنون.
ولما كانت الرسالات إنما هي منهج للإنسان وشريعة له، كان الجواب يتعلق بالإنسان طبيعة ومنهجاً، فذكر طبيعة الإنسان في قوله: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) " وذكر المنهج في قوله: "إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) ".
وفي هذه إشارة إلى أن المنهج لا بد أن يكون متلائماً مع الطبيعة البشرية غير مناقض لها وإلا فشل.
فكان الجواب كما ترى أوفى جواب وأكمله وأنسب شيء لما قبله وما بعده.
ثم انظر من ناحية أخرى إلى قوله تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) " فإنه أسند الخلق إلى نفسه ولم يبنه للمجهول، وذلك أنه موطن بيان عظيم قدرته وحسن فعله وبديع صنعه فأسند ذلك إلى نفسه، وهذا في القرآن خط واضح، فإنه في مثل هذا المقام وفي مقام النعمة والتفضّل يسند الأمر إلى نفسه، قال تعالى: "وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) " الأعراف.
وقال: "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) " يس
فانظر كيف أسند الخلق في مقام النعمة والتفضّل إلى ذاته في حين قال: "وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) " النساء ببناء الفعل للمجهول لما كان القصد بيان نقص الإنسان وضعفه. وقال: "خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ (37) " الأنبياء، وقال: "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) " المعارج.
فانظر إلى الفرق بين المقامين، وقد مرّ شيء من هذا في موطن سابق.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنه أسند الخلق إلى نفسه لأن المقام مقام بيان منهج للإنسان، فأراد أن يبين أن واضع المنهج للإنسان هو خالق الإنسان ولا أحد غيره أعلم بما يصلح له وما هو أنسب له، ولو بنى الفعل للمجهول لم يفهم ذلك صراحة.
فأنت ترى أن إسناد الخلق إلى ذات الله العلية أنسب شيء في هذا المقام. وقد تقول: ولم أسند الرد إلى أسفل سافلين إلى نفسه فقال: " (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) " وهذا ليس مقام تفضّل ولا بيان نعمة؟
فنقول: إن هذا الإسناد أنسب شيء ههنا ولا يليق غيره، وذلك أنه أراد أن يذكر أن بيده البداية والنهاية، وأنه القادر أولاً وأخيراً لا معقّب لحكمه يفعل ما يشاء في البداية والختام، وهذا لا يكون إلا بإسناد الأمر إلى ذاته العليّة.
ألا ترى أنه لو قال: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رًدّ أسفل سافلين) لكان يُفهم ذاك أن هناك رادّاً غيره يفسد خلقته ويهدم ما بناه؟
ومعنى قوله: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) " أنه صيّره على أحسن ما يكون في الصورة والمعنى والإدراك وفي كل ما هو أحسن 14 من الأمور المادية والمعنوية.
وقال بعدها "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) " فجاء بـ (ثم) التي تفيد الترتيب والتراخي، لأن كونه أسفل سافلين لا يعاقب خلقه بل يتراخى عنه في الزمن، فهي من حيث الوقت تفيد التراخي، كما أنها من حيث الرتبة تفيد التراخي، فرتبة كونه في أحسن تقويم تتراخى وتبعد عن رتبة كونه في أسفل سافلين، فثمة بَوْن بعيد بين الرتبتين فأفادت (ثم) ههنا التراخي الزماني والتراخي في الرتبة.
(يُتْبَعُ)
(/)
واختلف في معنى (أَسْفَلَ سَافِلِينَ) فذهب قسم من المفسرين إلى أن المقصود به أرذل العمر، والمُراد بذلك: الهرم وضعف القُوى الظاهرة والباطنة وذهول العقل حتى يصير لا يعلم شيئاً 15
ومعنى الاستثناء على هذا أن الصالحين من الهرمى لهم ثواب دائم غير منقطع 16 يُكتب لهم في وقت شيخوختهم كما كان يُكتب لهم في وقت صِحّتهم وقوتهم وفي الحديث "إن المؤمن إذا رُدّ لأرذل العمر كُتِب له ما كان يعمل في قوّته" وذلك أجر غير ممنون 17 أي غير منقطع.
وذهب آخرون إلى أن المقصود به أسفل الأماكن السافلة وهو جهنم أو الدرك الأسفل من النار.
ومعنى الاستثناء على هذا ظاهر، فالصالحون مستثنون من الرد إلى ذلك.
وركز بعضهم على الخصائص الروحية. جاء في ظلال القرآن: "والتركيز في هذا المقام على خصائصه الروحية. فهي التي تنتكس إلى أسفل سافلين حين ينحرف عن الفطرة ويحيد عن الإيمان المستقيم معها. فهو مهيّأ لأن يبلغ من الرِّفعة مدى يفوق مقام الملائكة المقربين .. بينما هذا الإنسان مهيأ حين ينتكس لأن يهوي إلى الدرك الذي لا يبلغ إليه مخلوق قط: "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) " حيث تُصبح البهائم أرفع وأقوم لاستقامتها على فطرتها ...
" (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (6) " فهؤلاء هم الذين يبقون على سواء الفطرة ويكملونها بالإيمان والعمل الصالح. ويرتقون بها إلى الكمال المقدّر لها" 18
وظاهر أن معنى الآية يتسع لكل ما ذكروه، وهي تفيد أيضاً أن حياة غير المؤمن نكد وغمّ، وعيشة ضنك وشقاء قال تعالى: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) " طه وقال: "حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) " الحج.
فحياة هؤلاء هابطة سافلة بل هم في أسفل سافلين. ثم لننظر إلى الاستثناء وهو قوله تعالى: "إلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (6) " فإنه استثنى من الرد أسفل سافلين مَنْ آمن وعمل صالحاً ولم يزد على ذلك، فلم يقل مثل ما قال في سورة العصر: "وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) " وذلك لاختلاف الموطنين، فإن سورة العصر في بيان الخسران الذي يصيب الإنسان، وسورة التين فيما يُنجي من دركات النار، قال تعالى: "وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) " العصر فبيّن لنا أن الإيمان والعمل الصالح يمنعه من الرد أسفل سافلين. ولكن لا يمنعه من الخسران الذي يفوته فيما لو تواصى بالحق وبالصبر فإن كلّ من ترك شيئاً من ذلك خسر شيئاً من الأجر الذي كان يربحه فيما لو فعله، فانظر الفرق بين الموطنين وبين الاستثنائين.
جاء في (التبيان): "وتأمل حكمة القرآن لما قال: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)) فإنه ضيّق الاستثناء وخصصه فقال: "إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)) ولمّا قال (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) " وسّع الاستثناء وعممه فقال: "إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (6) " ولم يقل (وتواصوا) فإن التواصي هو أمر الغير بالإيمان والعمل الصالح، وهو قدر زائد على مجرد فعله. فمن لم يكن كذلك فقد خسر هذا الربح فصار في خُسر، ولا يلزم أن يكون في أسفل سافلين.
فإن الإنسان قد يقوم بما يجب عليه ولا يأمر غيره، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتبة زائدة. وقد تكون فرضاً على الأعيان، وقد تكون فرضاً على الكفاية وقد تكون مستحبّة.
والتواصي بالحق يدخل فيه الحق الذي يجب، والحق الذي يُستحب، والصبر يدخل فيه الصبر الذي يجب والصبر الذي يُستحب. فهؤلاء إذا تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر حصل لهم من الربح ما خسره أولئك الذين قاموا بما يجب عليهم في أنفسهم ولم يأمروا غيرهم به. وإن كان أولئك لم يكونوا من الذين خسروا أنفسهم وأهليهم. فمطلق الخسار شيء، والخسار المطلق شيء ". 19
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم قال: "فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" قيل: ومعنى غير ممنون غير منقوص ولا منقطع، وقيل معناه غير مكدر بالمنّ عليهم 20. والحق أن كل ذلك مراد وهو من صفات الثواب، لأنه يجب أن يكون غير منقطع ولا منغصاً بالمنة 21.
فقال: (غير ممنون) ليجمع هذه المعاني كلها، ولم يقل غير مقطوع ولا نحو ذلك فيفيد معنى دون آخر.
ثم انظر كيف زاد الفاء في قوله (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ولم يفعل مثل ذلك في آية شبيهة بها وهي قوله: "إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) " الانشقاق بدون فاء. وذلك لأن السياقين مختلفان، فسياق سورة الانشقاق أكثره في ذكر الكافرين، وقد أطال في ذكرهم ووصف عذابهم فقال: "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) " الانشقاق. ثم قال مقرّعاً للكافرين مؤنّباً لهم: "فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25) "
في حين لم يزد في الكلام على المؤمنين عن قوله: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) " الانشقاق.
فانظر كيف أطال في وصف الكافرين وأعمالهم وعقابهم، وأوجز في الكلام على المؤمنين، ولذا حذف الفاء من جزاء المؤمنين في سورة الانشقاق مناسبة للإيجاز. في حين لم يذكر الكافرين في سورة التين ولم يزد على أن قال: "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) " يعني الإنسان، وهو غير صريح في أن المقصود به الكافرون أو غيرهم كما أسلفنا.
ثم انظر إلى كل من السورتين كيف تناولت الكلام على الإنسان. فقد بدأت سورة الانشقاق بذكر كدح الإنسان ومشقته ونصبه: "يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) " وتوعّده ربه بركوب الأهوال والشدائد المتتابعة التي يفوق بعضها بعضاً في الشدة فقال: "فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) ".
في حين بدأ في سورة التين بتكريم الإنسان فقال: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) " فناسب ذلك تأكيد استمرار أجره وعدم تنغيصه، وذلك بزيادة الفاء في التين دون الانشقاق.
ثم قال بعدها: "فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) " والمعنى: أي شيء يجعلك أيها الإنسان مكذّباً بالجزاء بعد هذا الدليل الواضح؟ والمعنى أن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه بشراُ سوياً وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي مع تحويله من حال إلى حال، أوضح دليل على قدرة الخالق على الحشر والنشر 22 فإن الذي خلقك أقدر على أن يعيدك بعد موتك ويُنشئك خلقاً جديداً، وأن ذلك لو أعجزه لأعجزه خلقك الأول 23.
فانظر جلالة ارتباط هذا الكلام بما قبله.
ثم انظر كيف استدل على الجزاء بالأدلة النقلية والعقلية. فالدليل النقلي هو ما أخبرت به الرسالات السماوية، وقد ذكر من هذه الرسالات كبراها وهي رسالات موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
والدليل العقلي هو الاستدلال بخلق الإنسان في أحسن تقويم وتدريجه في مراتب الزيادة والنقص.
ثم انظر كيف اختار كلمة (الدين) ولم يختر كلمة الجزاء أو الحساب أو النشور ونحوها، وذلك لما تقدم ذكر مواطن الرسالات ناسب ذلك ذكر الدين، لأن هذه أديان، ولأنه قد يُراد بذلك معنى (الدين) علاوة على معنى الجزاء. والمعنى أي شيء يجعلك مكذّباً بصحة الدين بعد هذه الأدلة المتقدمة؟ فالذي خلقك في أحسن تقويم يرسم لك أحسن منهج تسعد به في الدنيا وفي الآخرة. فجمعت كلمة (الدين) معنى الدين ومعنى الجزاء في آن واحد، ولو قال فما الذي يكذبك بالجزاء لم يجمع هذين المعنيين.
(يُتْبَعُ)
(/)
فأنت ترى أنه اختار كلمة (الدين) لتقع في موقعها المناسب لها تماماً. ثم قال بعدها: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8) " وأحكم الحاكمين يحتمل أن يكون معناه: أعظم ذوي الحكمة وأحسنهم تدبيراً، ويحتمل أن يكون معناه أقضى القاضين، لأن (حكم) يحتمل أن يكون من الحكمة، ويحتمل أن يكون من القضاء وهو الفصل في المحاكم.
وعلى الوجه الأول يكون المعنى: أليس الذي فعل ذلك بأحكم الحاكمين صنيعاً وتدبيراً وأن حكمته بالغة لا حدود لها. وإذا تبيّن أن الله سبحانه أحكم الحاكمين ـ وهو بيّن ـ تعيّنت الإعادة والجزاء لأن حكمته تأبى أن يترك الإنسان سدى ولا يحاسب على أعماله، فكيف يليق بأحكم الحاكمين أن لا يُجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته؟ وهل ذلك إلا قدح في حكمه وحكمته 24
وعلى الوجه الثاني يكون المعنى: أليس الله بأقضى القاضين 25 فيحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، كما قال تعالى: "قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " (46) الزمر
فانظر قوة ارتباط هذه الآية بما قبلها على كلا الوجهين، فإن حكمته تقتضي الإعادة والجزاء. والجزاء والفصل بين الخلائق يقتضي وجود قاضٍ، بل يقتضي وجود أقضى القاضين.
فجمع بهذه العبارة معنيين: القضاء والحكمة بل لقد جمع معاني عدة بهذا التعبير، إذ كل لفظ من (أحكم الحاكمين) يحتمل أن يكون بمعنى القضاء والحكمة فيكون قد جمع أربعة معان كلها مرادة وهي (أحكم الحاكمين) بمعنى أكثرهم حكمة و (أقضى الحكماء) و (أقضى القضاة) و (أحكم القضاة).
فانظر كيف جمع أربعة معان تُؤدى بأربع عبارات في عبارة واحدة موجزة ولو قال (أقضى القاضين) لدلت على معنى واحد.
ثم انظر كيف جعل ذلك بأسلوب الاستفهام التقريري ولم يجعله بالأسلوب الخبري فهو لم يقل (إن الله أحكم الحاكمين) ولا نحو ذلك، وإنما قرر المخاطب ليقوله بنفسه وليشترك في إصدار الحكم فيقول: بلى (وأنا على ذلكم من الشاهدين)
ثم انظر إلى ارتباط خاتمة السورة بفاتحتها، فإن فاتحة السورة في ذكر مواطن الرسالات العظمى وارتباطها بخاتمتها واضح بيّن، فإن الذي أنزل هذه الشرائع العظيمة وما تضمنته من أحكام سامية هو أحكم الحاكمين.
ثم انظر إلى التنسيق الجميل في اختيار خواتم الآي، فإن خاتمة كل آية اختيرت لتجمع عدة معان في آن واحد. فاختيرت (الأمين) لتجمع معنيي الأمن والأمانة، و (أسفل سافلين) لتجمع معنى أرذل العمر ودركات جهنم السفلى. و (غير ممنون) لتجمع معنى غير منقطع ولا منغّص بالمِنّة عليهم، وكلمة (الدين) لتجمع الجزاء والدين، و (أحكم الحاكمين) لنجمع الحكمة والقضاء.
فانظر إلى هذا الدقة في الاختيار وهذا الحسن في التنسيق. أليس الذي قال ذلك بأحكم الحاكمين؟ بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
--------------------------------------------------------------------------------
** التعبير القرآني: من صفحة 337 إلى صفحة 348.
--------------------------------------------------------------------------------
المراجع:
1 ـ انظر ملاك التأويل 2/ 888
2 ـ التفسير الكبير 32/ 9، روح المعاني 30/ 174
3 ـ تفسير ابن كثير 4/ 526
4 ـ التبيان 35 - 55
5 ـ في ظلال القرآن 30/ 190
6 ـ فتح القدير 3/ 463، روح المعاني 18/ 22 - 23
7 ـ روح المعاني 30/ 173
8 ـ نفس المصدر والصفحة
9 ـ روح المعاني 30/ 173، البحر المحيط 8/ 490، الكشاف 3/ 348
10 ـ روح المعاني 30/ 173
11 ـ البحر المحيط 8/ 490، الكشاف 3/ 348
12 ـ التبيان في أقسام القرآن 55
13 ـ التبيان في أقسام القرآن 56
14 ـ روح المعاني 30/ 175، البحر المحيط 8/ 490
15 ـ روح المعاني 30/ 176، البحر المحيط 8/ 490
16 ـ الكشاف 3/ 348
17 ـ البحر المحيط 8/ 490
18 ـ في ظلال القرآن 30/ 194
19 ـ التبيان 91
20 ـ البحر المحيط 8/ 490، روح المعاني 30/ 176
21 ـ التفسير الكبير 32/ 11
22 ـ الكشاف 3/ 349، التفسير الكبير 32/ 12
23 ـ التبيان 61
24 ـ انظر التبيان 33 وما بعدها، التفسير الكبير 32/ 12
25 ـ روح المعاني 30/ 177، مجمع البيان 10/ 512
ـ[لخالد]ــــــــ[25 - 10 - 2005, 10:34 ص]ـ
بارك الله فيك و أثابك على هذا المجهود(/)
لمسات بيانية فى سورة البلد
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 12:23 ص]ـ
لمسات بيانية فى سورة البلد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ {1} وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ {2} وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ {3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ {4} أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ {5} يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا {6} أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ {7} أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ {8} وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ {9} وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ {10} فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ {11} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ {12} فَكُّ رَقَبَةٍ {13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ {14} يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ {15} أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ {16} ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ {18} وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ {19} عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ)
سئلت مرة: ما علاقة القسم بمكة على خلق الإنسان في كبد في قوله تعالى: (لا أقسم بهذا البلد).
فقلت له ابتداءً: إن الله أقسم بمكة حال كون الرسول فيها والرسول كان يلاقي فيها عنتاً ومشقة وهو يبلغ الدعوة، فقال الله تعالى: إن الله خلق الإنسان مكابداً في دنياه، ليسليه ويصبره. ثم رأيت أن أنظر في السورة وأدون ما أجد فيها من لمسات فنية.
إن مناسبة هذه السورة لما قبلها ـ أعني سورة الفجر ـ مناسبة ظاهرة.
فقد جاء فيها ـ أعني في سورة الفجر ـ قوله تعالى: (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلاً لما وتحبون المال حباً جماً) [الفجر].
فقد ذكر فيها صنفي الإنسان: الغني والفقير. الصنف الذي أكرمه ربه ونعمه، والصنف الذي ابتلاه وضيق عليه الرزق، وهو ما ذكره في سورة البلد. فقد ذكر الإنسان الذي أهلك المال الكثير، وذكر المسكين ذا المتربة واليتيم ذا المقربة.
ووصف الله الإنسان بأنه لا يكرم اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين في سورة الفجر، وأوصانا بالرحمة وحضنا على الإنفاق في سورة البلد ذاكراً هذين الصنفين اللذين ذكرهما في سورة الفجر فقال: (أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة) فذكر الصنفين المذكورين في سورة الفجر، اليتيم والمسكين. ولما وصف الله الإنسان بأنه يحب المال حباً شديداً ويأكل التراث أكلاً لما في سورة الفجر، ذكر في سورة البلد أن هذه عقبة لا يجتازها إلا من أعان الآخرين بماله وسمح لهم به.
ثم انظر إلى علاقة قوله: (وتأكلون التراث) بقوله: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) وأنه كما يأكل ينبغي أن يطعم الآخرين، فانظر إلى قوة المناسبة وجمال الارتباط. وقد انتبه المفسرون ـ رحمهم الله ـ إلى علاقة هذه السورة بما قبلها.
جاء في (البحر المحيط): "لما ذكر تعالى ابتلاءه للإنسان بحالة التنعيم، وحالة التقدير وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر وما آل إليه حاله وحال المؤمن أتبعه بنوع من ابتلائه ومن حاله السيئ، وما آل إليه في الآخرة" [1].
وجاء في (روح المعاني): "ولما ذم سبحانه فيما قبلها من أحب المال، وأكل التراث أكلاً لما، ولم يحض على طعام المسكين، ذكر جل وعلا فيها الخصال التي تطلب من صاحب المال من فك الرقبة، وإطعام في يوم ذي مسغبة. وكذا لما ذكر ـ عز وجل ـ النفس المطمئنة هناك ذكر سبحانه بعض ما يحصل به الاطمئنان" [2].
ثم انظر من ناحية أخرى، كيف أن هذه السورة ـ أعني سورة البلد ـ استوفت عناصر البلاغ والإرسال، فقد ذكرت موطن الرسالة، والرسول، والمرسل إليهم، والرسالة. فقد ذكرت (مكة) وهي المرادة بقوله: (بهذا البلد)، والرسول: وهو المراد بقوله: (وأنت حل بهذا البلد) وذكرت المرسل إليه وهو (الإنسان) ويدخل فيه أيضاً: (الوالد وما ولد)، وذكرت الرسالة، وهي الإيمان والعمل الصالح، وهو ما ذكرته من فك الرقبة ونحوه من الأعمال الصالحة. وذكرت أصناف الخلق بالنسبة للاستجابة إلى الرسالة، وهم أصحاب الميمنة الذين اقتحموا العقبة وأصحاب
(يُتْبَعُ)
(/)
المشأمة، وهم الكفرة. فانظر أي عموم واستيفاء وشمول في هذه السورة المباركة؟
(لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد).
لقد أقسم الله تعالى بما ذكر "على أن الإنسان خلق مغموراً في مكابدة الشدائد والصعاب" [3].
فقد أقسم سبحانه بالبلد الحرام في حال حلول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وإقامته به يبلغ دعوته.
وقد تقول: ولم قال: (وأنت حل) ولم يقل: وأنت حال أو مقيم بهذا البلد.
والجواب: أنه جمع بالعدول إلى كلمة (حل) عدة معان في آن واحد كلها مرادة مطلوبة. ذلك أن كلمة (حل) تحتمل معاني عدة:
منها: أنها تأتي بمعنى الحال والمقيم [4].
وقالوا: إن المقصود، تعظيم المقسم به، وهو أنه لما حل الرسول بمكة جمعت شرفين، شرفها هي الذي شرفها الله به، وشرف الرسول فازدادت تعظيماً على تعظيم وشرفاً على شرف، واستحقت بذلك القسم.
جاء في (البحر المحيط): "إنه تعالى أقسم لما جمعت من الشرفين شرفها بإضافتها إلى الله تعالى، وشرفها بحضور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقامته فيها فصارت أهلاً لأن يقسم بها" [5].
وجاء في (تفسير البيضاوي): "أقسم سبحانه بالبلد الحرام، وقيده بحلوله عليه السلام فيه، إظهاراً لمزيد فضله وإشعاراً بأن شرف المكان بشرف أهله" [6].
وجاء في (التبيان في أقسام القرآن): "إنه إذا كان الحل من الحلول، فهو متضمن لهذا التعظيم مع تضمنه أمراً آخر، وهو الإقسام ببلده المشتمل على رسوله وعبده، فهو خير البقاع، وقد أشتمل على خير العباد. فجعل بيته هدى للناس ونبيه إماماً وهادياً لهم، وذلك من أعظم نعمه وإحسانه إلى خلقه" ([7]).
"وقيل: هو نفي للقسم. والمعنى: لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه" [8].
ومن معاني (الحل): أنها تأتي بمعنى اسم المفعول، أي: مستحل، على هذا يكون المعنى: وأنت مستحل قتلك لا تراعى حرمتك في هذا البلد الحرام الذي يأمن فيه الناس على دمائهم وأموالهم والذي يأمن فيه الطير والوحش.
جاء في (الكشاف): "ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك، مستحل بهذا البلد الحرام كما يستحل الصيد في عير الحرم.
عن شرحبيل: يحرمون أن يقتلوا بها صيداً ويعضدوا بها شجرة ويستحلون إخراجك وقتلك.
وفيه تثبيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة وتعجيب من حالهم في عداوته.
أو سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد" [9].
وجاء في (روح المعاني): "وفيه تحقيق مضمونه بذكر بعض المكابدة على نهج براعة الاستهلال، وإدماج لسوء صنيع المشركين، ليصرح بذمهم على أن الحل بمعنى المستحل بزنة المفعول الذي لا يحترم، فكأنه قيل: ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمته يستحل بهذا البلد ولا يحترم كما يستحل الصيد في غير الحرم… وفي تأكيد كون الإنسان في كبد، بالقسم تثبيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث على أن يطامن نفسه الكريمة على احتماله، فإن ذلك قدر محتوم" [10].
وجاء في (التبيان في أقسام القرآن): "وفي الآية قول ثالث، وهو أن المعنى: وأنت مستحل قتلك وإخراجك من هذا البلد الأمين الذي يأمن فيه الطير والوحش والجاني، وقد استحل قومك فيه حرمتك، وهم لا يعضدون به شجرة ولا ينفرون به صيداً… وعلى كل حال فهي جملة اعتراض في أثناء القسم موقعها من أحسن موقع وألطفه.
فهذا القسم متضمن لتعظيم بيته ورسوله" [11].
ومن معاني (الحل) أنها تأتي بمعنى الحلال ضد الحرام، أي: "وأنت حلال بهذا البلد يحل لك فيه قتل من شئت. وكان هذا يوم فتح مكة" [12].
وجاء في (الكشاف): "يعني وأنت حل به في المستقبل، تصنع فيه ما تريد من القتل والأسر… فإن قلت: أين نظير قوله: (وأنت حل) في معنى الاستقبال؟ قلت: قوله: (إنك ميت وإنهم ميتون) ومثله واسع في كلام العباد" [13].
وعلى هذين القولين الأخيرين تكون (لا) نافية، أي: لا أقسم بهذا البلد في حين أن أهله يستحلون حرمتك، ولا يرعون لك قدراً، أو لا أقسم به وقد جاء أهله بأعمال تستحل حرمتهم والوقيعة بهم في هذا البلد الآمين. فعلى كلا القولين: تكون (لا) نافية.
(يُتْبَعُ)
(/)
جاء في (البحر المحيط): "وقال ابن عطية: وهذا يتركب على قول من قال: (لا) نافية، أي: أن هذا البلد لا يقسم الله به، وقد جاء أهله بأعمال توجب الإحلال، إحلال حرمته" [14].
وقيل: المعنى: "وأنت حل بهذا البلد مما يقترفه أهله من المآثم متحرج بريء منها" [15]، كما تقول: أنا في حل من هذا.
وهذه المعاني كلها مرادة مطلوبة، فهو صلى الله عليه وسلم حال بهذا البلد الكريم يبلغ رسالة ربه متحرج من آثامهم بريء من أفعال الجاهلية، وقد استحلت حرمته وأريد قتله في حين حلوله به وتبليغ دعوة ربه. وأنه حل لهذا الرسول أن يقتل ويأسر في هذا البلد يوم الفتح ما لا يحل لغيره. وهذا على الاستقبال وعلى الوعد بنصره.
فانظر كيف جمعت كلمة (حل) هذه المعاني المتعددة بخلاف ما لو قال: (حال) أو مقيم، أو حلال، أو ما إلى ذلك مما يقصر الكلام على معنى واحد. فإنها جمعت اسم الفاعل وهو الحال، واسم المفعول وهو المستحل، والمصدر وهو الحلال. فانظر أي اتساع في المعنى؟
وهي في هذه المعاني كلها مرتبطة بالمقسم عليه، وهو قوله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أحسن ارتباط وأوثقه كما سنبين ذلك.
وقد تقول: ولم لم يقل: (لا أقسم بهذا البلد الأمين) كما أقسم في سورة التين؟
والجواب: أنه لما جرى ذكر المكابدة في هذا البلد، وما استحل به من الحرمات وما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المشقة والعنت والتعذيب لم يناسب ذلك ذكر الأمن.
كما لا يصح ذكر ذلك على معنى أنه حل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصنع فيه ما يشاء من القتل والأسر كما حدث في فتح مكة، فإن ذلك لا يناسب ذكر الأمن أيضاً.
كما أن جو السورة لا يناسب ذكر الأمن، فإن جو السورة في المكابدة والمشقة حتى أنه لم يذكر جزاء المؤمنين في الآخرة، بل ذكر جزاء الكافرين وهذا الجزاء لا يأمن معه الكافر أبد الآبدين. فلم يناسب ذلك ذكر (الأمين).
وقد تقول: ولم كرر (بهذا البلد) في الآيتين فقال: (وأنت حل بهذا البلد) ولم يقل: (وأنت حل به)؟.
والجواب: أن هذا أجمل تكرير وأحسنه ولا يقع الضمير موقعه في الحسن. إذ من المعلوم أن العرب إذا عنيت بلفظ كررته وذلك كأن يكون في موطن التشويق أن التحسر أو التعظيم أو التهويل وغير ذلك من مواطن العناية والاهتمام وذلك نحو قال الشاعر:
يا موقد النار بالهندي والغار
هيجت لي حزناً يا موقد النار
فأنت ترى أن تكرار (يا موقد النار) من أجمل التكرار وأحسنه.
ومثل ذلك التكرار للتحسر نحو قوله:
فيا قبر معن أنت أول حفرة
من الأرض خطت للسماحة موضعاً
ويا قبر معن كيف واريت جوده
وقد كان منه البر والبحر مترعاً
ونحوه قول أبي العتاهية:
مات والله سعيد بن وهب
رحم الله سعيد بن وهب
يا أيا عثمان أبكيت عيني
يا أبا عثمان أوجعت قلبي
ومن التكرير للتعظيم والتهويل قوله تعالى: (الحاقة ما الحاقة) و (القارعة ما القارعة) [16] و: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين).
ومن التكرير للإنذار قوله تعالى: (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ {97} أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف].
فانظر حسن هذا التكرير وجمال موقعه.
وقد يكون التكرير للإنكار وذلك كأن تقول لشخص أساء إلى من أحسن إليه في حين تنكر له الأقربون وطرده الناس أجمعون: أتعادي خالداً الذي أكرمك، وآواك وأنت حينذاك طريد مهان لا أحد يؤويك؟ أتهين خالداً الذي أكرمك وآواك من أجل شخص رذيل؟ أتسرق خالداً الذي أكرمك وآواك، وقد وثق بك وائتمنك؟ ثم أتتهم خالداً الذي أكرمك وآواك بما تعلم أنه كذب ووزر؟ أيسيء أحد إلى الشخص الذي أكرمه وآواه؟ أيفعل أحد كل هذا مع الشخص الذي أكرمه وآواه؟ أي فعل هذا. وأي إنسان ذلك الإنسان؟!.
والتكرار في الآية لتعظيم بلد الله الحرام فقد قال: (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) أي: وأنت حال بهذا البلد تلقى العنت والظلم والأذى، بهذا البلد الذي يأمن فيه الخائف، ويأمن فيه الوحش والطير، فأي انتهاك لحرمة هذا البلد، وأي جور يقع بهذا البلد؟
وما إلى ذلك من المعاني الأخرى، التي تقال في تفسير كلمة (حل).
(يُتْبَعُ)
(/)
جاء في (ملاك التأويل): "للسائل أن يسأل عن تكرير لفظ (البلد) وجعله معطوفاً وفاصلة في الآيتين وكيف موقع ذلك في البلاغة، وعند الفصحاء.
والجواب: أنه قد تقدم أن العرب مهما اعتنت بشيء وتهممت به كررته، وإن ذلك من فصيح كلامهم وأن منه قوله:
وإن صخراً لوالينا وسيدنا
وإن صخراً إذا نشتو لنحار
وإن صخراً لتأتم الهداة به
كأنه علم في رأسه نار
… وذكره ظاهراً لما يحرز هذا المعنى من تعظيمه، لما فيه من تعظيمه لما فيه من التنبيه والتحريك" [17].
وقيل إن التكرير جيء به لفائدة أخرى وهي أن هذا البلد حرام لا تستحل حرمته، ولا يسفك فيه دم ولا يروع فيه آمن، ولكن الله أحل لنبيه يوم فتح مكة ما لم يحله لغيره من قتل وأسر فكأن هذا البلد في هذا اليوم غيره في سائر الأيام وأنه أصبحت له صفة أخرى، وهي صفة الحل فجمع صفتي الحرم والحل فتكرر لتكرر الوصفين، وكأنه أصبح بلدين لا بلداً واحداً.
جاء في (درة التنزيل): "السائل أن يسأل عن تكرير (البلد) وجعله فاصلة بين الآيتين.
والجواب أن يقال: إذا عني بالثاني غير المقصود بالأول من وصف يوجب له حكماً غير حكم الأول كان من مختار الكلام. فالبلد الأول قصد به وصف لم يحصل في الثاني وهو مكة. لأن معنى أقسم بالبلد المحرم الذي جبلت على تعظيمه قلوب العرب، فلا يحل فيه لأحد ما أحل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقوله: (وأنت حل) أي: محل حل لك منه ما حرم على غيرك.
فصار المعنى: أقسم بالبلد المحرم تعظيماً له، وهو مع أنه محرم على غيرك. محل لك إكراماً لمنزلتك. فالبلد في الأول محرم وفي الثاني محلل" [18].
(ووالد وما ولد)
اختلف في الوالد هذا وما ولد، فقيل: هو آدم وذريته "وعلى هذا فقد تضمن القسم، أصل المكان وأصل السكان، فمرجع البلاد إلى مكة ومرجع العباد إلى آدم" [19].
وقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم وآباؤه فعلى هذا "أقسم ببلده الذي هو مسقط رأسه وحرم أبيه ومنشأ أبيه إسماعيل وبمن ولده وبه. فإن قلت: لم نكر؟ قلت: للإبهام المستقل بالمدح والتعجب" [20].
وقيل: هو كل والد وما ولد من العقلاء وغيرهم " لا يراد به معين، بل ينطلق على كل والد. وقال ابن عباس ذلك. قال: هو على العموم يدخل فيه جميع الحيوان" [21].
وهذا الذي يترجح عندي فهو يشمل كل والد وولده يدخل فيه ما ذكره الأولون ولا يخصهم.
ووجه ارتباطها بالمقسم عليه ظاهر، ذلك أن الولادة مشقة وتعب ومكابدة، فارتباطها بقوله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) بين.
وكما هي مرتبطة بالمقسم عليه في أول السورة هي مرتبطة أيضاً بآخر السورة، وهو قوله: (وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) ذلك أن الوالد من الأناسي والبهائم، يحتاج في تربية ولده وحفظه وإطعامه والقيام عليه إلى صبر ورحمة. فأتضح بذلك قوة ارتباط الآية بأول السورة وآخرها.
ثم انظر كيف انتقل من الوالد وما ولد إلى خلق الإنسان ـ وهو من جملة الوالد وما ولد ـ فخصه من بين هذا العام لأن مدار الكلام معقود عليه.
ثم انظر كيف قال: (وما ولد) ولم يقل: (ومن ولد) ولذلك أكثر من سبب.
فإن (ما) عامة و (من) خاصة، فإن (ما) تقع لذوات غير العاقل، وتقع لصفات من يعقل، فتقول: (اركب ما تركب) و (آكل ما تآكل) فهي هنا لذوات غير العاقل. وتقع لصفات العقلاء قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) [النساء]. وقال: (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت) [آل عمران] وقال: (وما خلق الذكر والأنثى) [الليل]. وهو الله سبحانه. وتقول: (زيد ما زيد) قال تعالى: (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) [الواقعة].
فهي تكون للعاقل وغيره، فهي أعم وأشمل من (من) قال الفراء: "وصلحت (ما) للناس، ومثله (وما خلق الذكر والأنثى) وهو الخالق للذكر والأنثى مثله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) ولم يقل: من طاب" [22].
ثم عن لفظها يوحي بالسعة والشمول، ذلك أنهال منتهية بحرف الإطلاق وهو الألف، وهو الذي يمتد فيه النفس بخلاف (من) الذي ينتهي بحرف مقيد، وهو النون الساكنة، فجعل المنتهي بحرف مطلق للمطلق الكثير، والمنتهي بحرف مقيد للقليل المقيد بالعقل.
فجاء بـ (ما) لتناسب العموم والشمول في الآية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثم إن هذه الآية مناسبة لجو السورة على وجه العموم، فهي مرتبطة بإطعام المحتاجين في اليوم ذي المسغبة، فإن الوالد يسعى إلى إطعام ولده ويلاقي من أجل ذلك ما يلاقي من مشقة ومكابدة. إن جو السورة تسيطر عليه المكابدة والمشقة والصبر والرحمة وكل ذلك يعانيه الوالد لحفظ ولده ورعايته.
ثم انظر من ناحية أخرى، كيف يحتمل قوله: (ووالد وما ولد) ما تحتمله كلمة (حل) من السعة في احتمالات المعنى، وكيف يناسب ذلك سعة (ما) نطقاً ومعنى.
(لقد خلقنا الإنسان في كبد).
الكبد: الشدة والمشقة [23]. ومعنى (في كبد) أنه "يكابد مشاق الدنيا والآخرة. ومشاقه لا تكاد تنحصر من أول قطع سرته إلى أن يستقر قراره، إما في جنة، فتزول عنه المشقات، وإما في نار فتتضاعف مشاقته وشدائده" [24].
وقيل: "يكابد الشكر على السراء ويكابد الصبر على الضراء لا يخلو عن أحدهما" [25].
لقد عبر عن هذا المعنى بقوله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) ولم يقل: (يكابد) أو (مكابداً) ونحو ذلك، ذلك أن (في) تفيد الظرفية والوعاء. ومعناه: أن الإنسان خلق مغموراً في المشاق والشدائد والصعاب منغمساً فيها كما ينغمر الشيء في الماء، وكما يكون الشيء في الوعاء. فالشدائد والمشاق تحيط بالإنسان لا تنفك عنه إلى أن يموت. وبعد الموت إما أن يجتاز العقبة، فيدخل الجنة فتزول عنه الشدائد والمصائب، وإما أن لا يجتازها فيبقى في المشقات والشدائد أبد الآبدين منغمراً في النار وهي أكبر الشدائد وأعظمهن.
ومن معاني (الكبد) أيضاً القوة والشدة والصلابة.
جاء في (لسان العرب): "وكبد كل شيء عظم وسطه وغلظه كبد كبداً وهو أكبد، ورملة كبداء عظيمة الوسط… والكبداء: الرحى التي تدار باليد، سميت كبداء لما في إرادتها من المشقة. وفي حديث الخندق: فعرضت كبدة شديدة وهي القطعة الصلبة من الأرض. وأرض كبداء وقوس كبداء: أي شديدة" [26].
وهذا المعنى من لوازم المعنى الأول، فإن الذي خلق مكابداً للشدائد والمصائب متحملاً مشاق الدنيا لا بد أن يكون خلق مستعداً لذلك قوياً عليه شديد التحمل له.
إن هذه الآية هي جواب القسم الذي تقدم، فقد اقسم بالبلد الحرام في وقت حلول الرسول الأعظم فيه، وأقسم بالوالد وما ولد على أن الإنسان خلق مغموراً في الشدائد والمشاق.
والسورة كلها مبنية على هذا الأمر، فهي مبنية على مكابدة الإنسان للشدائد والمصائب والمشاق. وكل لفظة وكل تعبير في هذه السورة مبني على ذلك ويخدم هذا الشيء.
أما ارتباط القسم بالجواب، فهو واضح فقد ذكرنا ارتباط قوله تعالى: (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) بهذه المكابدة وكيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلقى ما يلقى من قومه من مشقة وشدة وهو يبلغ دعوة ربه وفي هذا إشارة إلى أن الدعاة ينبغي أن يوطنوا أنفسهم على المكابدة والصبر، وتحمل المشاق، فإن هذا من لوازم الدعوة إلى الله تعالى، فقلما يكون الداعية في عافية من ذاك. قال تعالى: (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) [العنكبوت].
والفتنة مشقة كبيرة وشدة بالغة، نسأل الله العافية. وعلى الإنسان أن يكابد ويجاهد للنجاة منها. ثم انظر من ناحية أخرى كيف ارتبطت مفردات القسم بكل معانيها بقوله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد).
فالحل كما ذكرنا لها أكثر من معنى، وهي في كل معانيها مرتبطة بهذا الأمر. فهي إذا كانت بمعنى الحال والمقيم فهي مرتبطة به، ذلك أن الرسول في أثناء حلوله بمكة كان يكابد ويتحمل من أصناف الأذى والمشاق الشيء العظيم فهو في كبد من ذلك، وكان يتلقى ذلك بصر وثبات وقوة وشدة، فهي مرتبطة بالكبد بمعنييه، المشقة والقوة.
وإذا كانت بمعنى اسم المفعول، أي: مستحل قتلك وإيذاؤك لا تراعى حرمتك، فهي مرتبطة بذلك ارتباطاً واضحاً فهذا كله مشقة ونصب.
وإذا كانت بمعنى أنك حل من أعمالهم متحرج من آثامهم بريء منها فهي مرتبطة بها كذلك، ذلك أنه يكابد ويجاهد ليخرج عن مألوف عادات قومه وأفعالهم، ويكابد للقيام بفضائل الأعمال وجلائلها، وهي أمور مستكرهة على النفس ثقيلة عليها، تحتاج إلى مكابدة وقوة للقيام بها، قال تعالى: (إنا سنقلى عليك قولاً ثقيلاً) [المزمل]. وقال صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".
(يُتْبَعُ)
(/)
فهي في كل معانيها مرتبطة بالجواب أحسن ارتباط وأتمه.
وكذلك قوله: (ووالد وما ولد) مرتبط بالجواب أحسن ارتباط وأتمه، كما ذكرنا فهو مرتبط بـ (الكبد) بمعنييه: المشقة والقوة. فقد ذكرنا أن الولادة مشقة وعنت، وهي تحتاج إلى قوة ومثابرة ومكابدة لحفظ المولود وتربيته وبقائه وتوفير غذائه.
كما أن هذه الآية مرتبطة بما بعدها من اقتحام العقبة، ومشاق الجوع وغيرها أتم ارتباط، كما هو ظاهر وكما سنبين ذاك.
(أيحسب أن لن يقدر عليه أحد).
قيل: إن المعني بقوله: (أيحسب) بعض "صناديد قريش الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكابد منهم ما يكابد. والمعنى: أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتضعف للمؤمنين أن لن تقوم قيامة، ولم يقدر على الانتقام منه وعلى مكافأته بما هو عليه" [27].
وقيل: إن التهديد "مصروف لمن يستحقه" [28].
وقيل: إن المعني به الإنسان، أي: أيظن هذا الإنسان الذي خلق مكابداً شديداً، أن لن يقدر عليه أحد؟
جاء في (البحر المحيط): "والظاهر أن الضمير في (أيحسب) عائد على الإنسان، أي هو لشدة شكيمته وعزته وقوته، يحسب أن لا يقاومه أحد، ولا يقدر عليه أحد لاستعصامه بعدده وعدده" [29].
وجاء في (التبيان): "ثم أنكر سبحانه على الإنسان ظنه وحسبانه أن لن يقدر عليه من خلقه في هذا الكبد والشدة والقوة التي يكابد بها الأمور.
فإن الذي خلقه كذلك أولى بالقدرة منه وأحق. فكيف يقدر على غيره من لم يكن قادراً في نفسه. فهذا برهان مستقل بنفسه. مع أنه متضمن للجزاء الذي مناطه القدرة والعلم فنبه على ذلك بقوله: (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) وبقوله: (أيحسب أن لم يره أحد) فيحصي عليه ما عمل من خير وشر ولا يقدر عليه فيجازيه بما يستحقه" [30].
وارتباط هذه الآية بما قبلها واضح، فالذي خلق يكابد المصائب والمشاق لا بد أن يكون خلاق مستعداً لاحتمال ذلك ولا بد أن يكون شديد الخلق قوياً، وهو من معاني (الكبد) كما ذكرنا.
قال تعالى: (نحن خلقناهم وشددنا أسرهم) [الإنسان] فهذا الذي خلق شديداً قوياً ويكابد المصائب والمشاق قد يسبق إلى وهمه أن لن يقدر عليه أحد، فيهدده ربه ويتوعده إذا كان عنده هذا الحسبان بأن الذي خلقه وزوده بهذه القوة والشدة أقدر منه على نفسه.
والظاهر أن هذا الحسبان واقر في نفوس البشر فهم يتصورون أنه لا يتمكن منهم أحد ولا يقدر عليهم أحد، ولذا تراهم يعيشون في غطرسة وكبرياء وظلم بعضهم لبعض معتصمين بجبروتهم وقوتهم لا يحسبون لمن خلقهم حساباً، ولو حسبوا حساباً لخالقهم وربهم القوي القادر لتطامنوا وتواضعوا.
ثم إن هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى: (وأنت حل بهذا البلد) أي: ألا يتصور هؤلاء الذين ينتهكون محارم البلد الحرام ولا يرعون لك حرمة فيؤذنك ويعذبونك مستندين إلى قدرتهم وجبروتهم ألا يظنون أن هناك من هو أقدر عليهم منهم عليك؟
فهي مرتبطة بما قبلها أتم ارتباط وأحسنه.
جاء في (تفسير الرازي): "اعلم أنا إن فسرنا (الكبد) بالشدة في القوة، فالمعنى أيحسب ذلك الإنسان الشديد أنه لشدته لا يقدر عليه أحد، وإن فسرناه بالمحنة والبلاء، كان المعنى تسهيل ذلك على القلب، كأنه يقول: وهب أن الإنسان كان في النعمة والقدرة، أفيظن أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه أحد؟ " [31].
(يقول أهلكت مالاً لبداً)
اللبد: هو الكثير المجتمع من تلبد الشيء إذا اجتمع [32].
ومعنى الآية: إنه يقول إنه أنفق مالاً كثيراً، وهو يقول ذاك إما على جهة الافتخار أو على جهة التحسر.
جاء في (الكشاف): "يريد كثرة ما أتفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها، مكارم ويدعونها معالي ومفاخر" [33].
وجاء في (روح المعاني): "أي: يقول ذلك وقت الاغترار فخراً ومباهاة وتعظماً على المؤمنين وأراد بذلك ما أنفقه رياء وسمعة…
وقيل: المراد ما تقدم أولاً، إلا أن هذا القول وقت الانتقام منه، وذلك يوم القيامة. والتعبير عن الإنفاق بالإهلاك لما أنه لم ينفعه يومئذ" [34].
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد عبر عن الإنفاق بالإهلاك، فإنه لم يقل: (أنفقت مالاً) كما هو الشائع في استعمال القرآن الكريم، واختيار تعبير الإهلاك في هذا الموطن أحسن اختيار وأجمله، فإنه المناسب لجو السورة، وذلك أنه مناسب لجو المشاق والشدائد التي تؤدي إلى الهلاك وتفضي إليه. وهو متناسب مع ما يعانيه الرسول وأصحابه في البد الحرام من الشدائد والمحن التي قد أدت ببعضهم إلى الهلاك كياسر وسمية، ومتناسب مع حسبان الإنسان أن لن يقدر عليه أحد فيهلكه، ومتناسب مع ذكر العقبة التي قد تفضي إلى الهلاك. ومتناسب مع ذوي المسغبة من اليتامى والمساكين وهلاكهم من الجوع إن لم يطعموا، ومتناسب مع خاتمة أصحاب المشأمة التي هي هلاك مقيم.
وعبر عن الإنفاق بالإهلاك لأسباب أخرى غير هذه.
جاء في (روح المعاني): "وعبر عن الإنفاق بالإهلاك إظهاراً لعدم الاكتراث، وأنه لم يفعل ذلك رجاء نفع فكأنه جعل المال الكثير ضائعاً" [35].
وجاء في (التبيان): "ثم أنكر سبحانه على الإنسان قوله: (أهلكت مالاً لبداً) وهو الكثير الذي يلبد بعضه فوق بعض، فافتخر هذا الإنسان بإهلاكه وإنفاقه في غير وجهه، إذ لو أنفقه في وجوهه التي أمر بإنفاقه فيها ووضعه مواضعه لم يكن ذلك إهلاكاً له بل تقرباً به إلى الله وتوصلاً به إلى رضاه وثوابه وذلك ليس بإهلاك له. فأنكر سبحانه افتخاره وتبجحه بإنفاق المال في شهواته وأغراضه التي إنفاقه بها إهلاك له" [36].
فانظر أي اختيار هذا. ثم انظر أيحسن (أنفقت) مكان (أهلكت) ههنا؟
واختيار (اللبد) في الآية مكان (الكثير) اختيار دقيق ذلك أن اللبلد معناه الكثير المجتمع من تلبد الشيء إذا اجتمع.
جاء في (الكشاف): "لبداً قرئ بالضم والكسر جمع لبدة ولبدة، وهو ما تلبد يريد الكثرة" [37].
وهو متناسب مع اجتماع الكفرة لإيذاء الرسول والمسلمين لصدهم عن دعوتهم كما قال تعالى: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا).
فاجتماع المال في الإهلاك مناسب لاجتماع الكفرة على الرسول لإهلاكه، وإهلاك دعوته وهو حل بهذا البلد.
فانظر حسن هذا الاختيار وعلو هذا التعبير.
ثم انظر جو الاجتماع الذي تفيده كلمة (لبد) وشيوعه في السورة في الوالد وما ولد، وفي العينين، وفي اللسان والشفتين في آلة النطق، وفي النجدين وليس نجداً واحداً فإنه ذكر نجدين ولم يذكر نجداً واحداً كما في قوله تعالى: (ثم السبيل يسره) [عبس] وقوله: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً) [الإنسان] وفي تفسير العقبة بجملة أمور، وفي ذكر المؤمنين بصيغة الجمع (الذين أمنوا) واجتماعهم على التواصي بالصبر والمرحمة أي: يوصي بعضهم بعضاً، ثم في اجتماع أهل الكفار في جهنم وإيصاد النار عليهم.
فانظر حسن اختيار كلمة (لبد) ههنا، ثم انظر هل تغني عنها كلمة (الكثير)؟
(أيحسب أن لم يره أحد).
والمعنى: أيظن هذا الإنسان الذي يدعي أنه أهلك المال الكثير أنه لم يره أحد؟ أو يظن أن أعماله تخفى لا يطلع على حقيقتها أحد؟ فالله يعلم إن كان أنفق مالاً أو لم ينفق شيئاً، وإنما كان مدعياً كاذباً في قوله. وإذا كان قد أنفق فهو يعلم الغرض والمقصد الذي أنفق المال من أجله.
جاء في (الكشاف): "يعني أن الله كان يراه وكان عليه رقيباً. ويجوز أن يكون الضمير للإنسان" [38].
وجاء في (البحر المحيط): "أيحسب أن أعماله تخفى، وأنه لا يراه أحد، ولا يطلع عليه في إنفاقه ومقصد ما يبتغيه مما ليس لوجه الله منه شيء" [39].
وجاء في (التبيان): (ثم وبخه بقوله: (أيحسب أن لم يره أحد) وأتى ههنا بلم الدالة على المضي في مقابلة قوله: (أهلكت مالاً لبداً) فإن ذلك في الماضي، أفيحسب أن لم يره أحد فيما أنفقه وفيما أهلكه؟ " [40].
وأنت ترى مما مر أنه ذكر من صفات الله تعالى القدرة والعلم الذي دلت عليه الرؤية، وهما الغاية في التهديد.
ثم أقام الدليل على قدرته وعلمه بقوله:
(ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين)
أفترى أن الذي يجعل للإنسان عينين يبصر بهما لا يبصر هو ولا يرى وأن الذي أقدر الإنسان على النطق لا يستطيع أن يتكلم، وأن الذي هداه إلى طريقي الخير والشر ليس عنده علم؟
(يُتْبَعُ)
(/)
جاء في (تفسير الرازي): "واعلم أنه تعالى لما حكى عن ذلك الكافر قوله: (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) أقام الدلالة على كمال قدرته فقال: (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين) [41].
وجاء في (التبيان): "ثم ذكر برهاناً مقدراً أنه سبحانه أحق بالرؤية وأولى من هذا العبد الذي له عينان يبصر بهما. فكيف يعطيه البصر من لم يره؟ وكيف يعطيه آلة البيان من الشفتين واللسان، فينطق ويبين عما في نفسه ويأمر وينهى من لا يتكلم ولا يكلم، ولا يخاطب ولا يأمر ولا ينهى؟
وهل كمال المخلوق مستفاد إلا من كمال خالقه؟
ومن جعله عالماً بنجدي الخير والشر ـ وهما طريقاهما ـ أليس هو أولى وأحق بالعلم منه" [42].
ثم انظر من ناحية أخرى إلى ارتباط قوله تعالى: (ألم نجعل له عينين) بقوله: (أيحسب أن لم يره أحد) وهو ارتباط العين بالرؤية، وارتباط قوله: (ولساناً وشفتين) بقوله: (يقول أهلكت مالاً لبداً) فإن اللسان والشفتين، هما آلة النطق وبها يقول ما يقول. فهو يتقلب بنعم الله ويحاربه ويحارب أولياءه ورسله ويحارب دعوته.
(وهديناه النجدين)
النجد: هو الطريق العالي المرتفع [43].
جاء في (لسان العرب): "النجد من الأرض قفافها وصلابها، وما غلط منها وأشرف وارتفع واستوى… ولا يكون النجاد إلا قفاً أو صلابة من الأرض في ارتفاع مثل الجبل معترضاً بين يديك يرد طرفك عما وراءه" [44].
والمقصود بالنجدين: طريقا الخير والشر. وقيل: الثديان [45]. والأول أشهر وهو الذي ذهب إليه عامة المفسرين. وعن أبي هريرة أنه عليه السلام قال: "إنما هما النجدان، نجد الخير ونجد الشر ولا يكون نجد الشر أحب إلى أحدكم من نجد الخير" [46].
واختيار كلمة (نجد) للطريق ههنا اختيار لطيف مناسب، فإنه لم يقل كما قال في مواطن أخرى (إنا هديناه السبيل) أو (ثم السبيل يسره) أو (اهدنا الصراط المستقيم) أو (يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) ذلك أن التعبير مناسب لجو السورة فإن سلوك النجد فيه مشقة وصعوبة لمات فيه من صعود وارتفاع فهو مناسب للمكابدة والمشقة التي خلق الإنسان فيها، ومناسب لاقتحام العقبة وما فيه من مشقة وشدة.
(فلا اقتحم العقبة)
العقبة: "طريق في الجبل وعر… والعقبة الجبل الطويل يعرض للطريق، فيأخذ فيه، وهو طويل صعب شديد" [47]. وسميت بذلك لصعوبة سلوكها ([48]).
والاقتحام: هو الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة [49] والقحمة هي الشدة [50] والمهلكة والأمر العظيم [51].
والمقصود بالعقبة: الأعمال الصالحة التي سيبينها على سبيل الاستعارة.
جاء في (البحر المحيط): "العقبة استعارة لهذا العمل الشاق من حيث هو بذل مال تشبيه بعقبة الجبل، وهو ما صعب منها وكان صعوداً، فإنه يلحقه مشقة في سلوكها… ويقال: قحم في الأمور قحوماً: رمى نفسه من غير روية" [52].
وجاء في (روح المعاني): "وهي هنا استعارة لما فسرت به من الأعمال الشاقة المرتفعة القدر عند الله تعالى… ويجوز أن يكون قد جعل ما ذكر اقتحاماً وصعوداً شاقاً، وذكره بعد النجدين جعل الاستعارة في الذروة العليا من البلاغة" [53].
ومعنى الآية أنه: "لم يشكر تلك الأيادي والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب وإطعام اليتامى والمساكين… والمعنى: أن الإنفاق على هذا الوجه، هو الإنفاق المرضي النافع عند الله لا أن يهلك مالاً لبدا في الرياء والفخار، فيكون مثله (كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم) الآية" [54].
وجاء في (التبيان في أقسام القرآن): "ولم يقتحم العقبة التي بينه وبين ربه التي لا يصل إليها، حتى يقتحمها بالإحسان إلى خلقه بفك الرقبة، وهو تخليصها من الرق، ليخلصه الله من رق نفسه ورق عدوه، وإطعام اليتيم والمسكين في يوم المجاعة، وبالإخلاص له سبحانه بالإيمان الذي هو خالص حقه. وهو تصديق خبره وطاعة أمره وابتغاء وجهه وبنصيحة غيره أن يوصيه بالصبر والرحمة ويقبل وصية من أوصاه بها، فيكون صابراً رحيماً في نفسه معيناً لغيره على الصبر والرحمة" [55].
واختيار هذا التعبير أنسب شيء ههنا، فاختيار (العقبة) بعد (النجدين) اختيار بديع، وهو كما جاء في (روح المعاني): إن ذكرها بعد النجدين جعل الاستعارة في الذروة العليا من البلاغة، ذلك أن النجد: وهو الطريق العالي المرتفع يؤدي إلى العقبة، وهي الطريق الوعر في الجبل، فإن العقبة تقع في النجاد غالباً.
(يُتْبَعُ)
(/)
واختيار لفظ (الاقتحام) وما فيه من شدة ومخاطرة هو المناسب لبيان وعورة وصعوبة هذه العقبة، فإن لم يعبر عن ذلك بالاجتياز ونحوه، مما يدل على شدة هذه العقبة، فانظر كيف أن كل لفظة وقعت في مكانها المناسب وأن اختيار كل لفظة اختيار مناسب لجو السورة. فكل من الاقتحام والعقبة مناسب لقوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) ذلك أن من معاني (الكبد) المشقة والقوة، وأن اقتحام العقبة فيه مشقة وتعب كما أنه يحتاج إلى قوة وشدة. فانظر حسن المناسبة. كما أن هذه الآية تناسب ما بعدها من المشقات والشدائد التي يعانيها المسكين واليتيم، وفي اليوم ذي المسغبة.
ثم انظر علاقة هذه الآية بأول السورة وخاتمتها، وهو كيف أن الرسول كان في حال اقتحام للعقبة، وهو حال ببلد الله الحرام، يلقى ما يلقى من العنت والمشقة في تبليغ دعوة ربه. وبخاتمتها وهم الذين لم يقتحموا العقبة، فبقوا في عقبة، جهنم أبد الآبدين، وكانت النار عليهم مؤصدة.
ثم إن اختيار (لا) في هذا الموطن اختيار عجيب دقيق، وهو ما وقف عنده النحاة والمفسرون وحاولوا تخريجه وتفسيره.
فقد ذهب قسم منهم إلى أنها نافية للفعل الماضي، أي: (فلم يقتحم العقبة). ومن المعلوم أن (لا) إذا نفت الفعل الماضي المعنى، وجب تكرارها، إلا ما ندر نحو قوله تعالى: (فلا صدق ولا صلى) في حين لم تتكرر ههنا، وأجابوا عن ذلك بأنها مكررة في المعنى لأن (العقبة) مفسرة بشيئين: فك الرقبة، وإطعام المسكين فكأنه قال: فلا فك رقبة، ولا أطعم مسكيناً" [56].
ومن النادر الذي دخلت فيه (لا) على الفعل الماضي المعنى ولم تكرر قول، أبي خراش الهذلي:
إن تغفر اللهم تغفر جماً
وأي عبد لك لا ألما
أي: لم يلم. والمعنى: وأي عبد لم يذنب
وقول الشاعر:
وكان في جاراته لا عهد له
وأي أمر سيئ لا فعله
أي: لم يفعله [57].
قالوا: وهي هنا بمعنى (لم) وتكرارها كثير وهو غيرواجب [58].
جاء في (روح المعاني): "والمتيقن عندي أكثرية التكرار، وأما وجوبه فليس بمتيقن" [59].
وقسم ذهب إلى أنها في الآية دعاء، فلا يلزم تكرارها، كقولهم: (لا فض الله فاك) و (لا عافاه الله) وهي هنا دعاء عليه أن لا يفعل خيراً [60].
وقيل: إن الفعل يراد به الاستقبال، بمعنى لا يقتحم العقبة، وإذا كان الفعل الماضي دالاً على الاستقبال لم يلزم تكرارها [61].
جاء في (المغني): "ومثله في عدم وجوب التكرار بعدم قصد المضي، إلا أنه ليس دعاء قولك: (والله لا فعلت كذا) وقول الشاعر:
حسب المحبين في الدنيا عذابهم
تالله لا عذبتهم بعدها سقر" [62]
وجاء في (الفوائد في مشكل القرآن) للعز بن عبد السلام في هذه الآية: "ويشكل النفي بـ (لا) وهي إنما تنفي الاستقبال.
والجواب: إنها بمعنى (لم) والصحيح اشتراكهما… وعدل إليها لأن النفي بها أبلغ، لما توهمه من نفي الاستقبال في أصل الوضع، أوي جعلها على بابها، أي: صفة هذا يقتضي أنه لا يقتحم العقبة أبداً، فيكون ذماً له باعتبار صفته لا باعتبار عدن فعله وتضمنها معنى (لم) فيكون الذم أيضاً لعدم الفعل في الماضي" [63].
وقيل هي للاستفهام، والتقدير: أفلا اقتحم العقبة، وقد حذفت الهمزة، والمعنى: أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير؟ " [64]
وقال آخر: هي تحضيض والأصل: ألا اقتحم العقبة ثم حذفت الهمزة، وهو ضعيف ولا يعرف أن (لا) وحدها تكون للتحضيض وليس معها الهمزة [65].
هذا أبرز ما قيل في (لا) هذه.
والذي يبدو لي والله أعلم أن هذا التعبير جمع معاني عدة في آن واحد.
فهو يحتمل المضي، أي أن هذا الإنسان الذي يذكر عن نفسه أنه أهلك مالاً كثيراً ويحسب أن لن يقدر عليه أحد، وأنه لم يطلع أحد عليه فيما يفعل ـ سواء كان هذا واحداً معيناً أم كان صنفاً هذا وصفه ـ لم يقتحم العقبة، فهو لم يؤمن ولم يطعم المحتاجين من اليتامى والمساكين ولم يتواص بعمل الخير.
ويحتمل أن هذا الإنسان فرداً كان أم صنفاً لا يقتحم العقبة في المستقبل، لأن من كان هذا وصفه لا يقتحم العقبة، إلا إذا آمن وغير من حاله. فهو لم يقتحم العقبة في الماضي ولا يقتحمها في المستقبل، بل هو باق على حاله على وجه الدوام.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويحتمل أن هذا التغبير دعاء على هذا الصنف أو الشخص بألا يقتحم العقبة كما في قوله تعالى: (ويلٌ لكل همزة لمزة) وقوله: (قاتلهم الله أنى يؤفكون) [التوبة] فإن من كان هذه صفته لا يستحق الدعاء له بالخير.
كما يحتمل الاستفهام المراد به التنديم والتوبيخ على ما فرط والحض على الإنفاق بمغنى "افلا اقتحم العقبة" وقد حذفت منه الهمزة ونحو هذا وارد في القرآن الكريم والفصيح من كلام العرب، فقد جاء فيه قوله تعالى: (وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين) [الأعراف] بدلالة قوله تعالى: (قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين) [الشعراء] ونحو قول الشاعر:
قالوا: تحبها؟ قلت: بهراً
أي: أتحبها؟ وقول الكميت:
طربت وما شوقاً إلى البيض أطرب
ولا لعباً مني وذو الشيب يلعب
أي: أوذو الشيب يلعب؟
وهذه المعاني كلها مرادة مطلوبة، فقد جمع هذا التعبير عدة معان في لآن واحد: المضي والاستقبال والتوبيخ والحض والدعاء. فهو أخبر أنه لن يقتحم العقبة فيما مضى من عمره، وأنه لا يقتحمها في المستقبل، وأنه وبخه على ذلك، ودعا عليه بعدم اقتحامها.
فانظر كيف جمع هذا التعبير هذه المعاني، وكلها مرادة مطلوبة وأنه لو جاء بأي حرف آخر غير (لا) لم يفد هذه المعاني الكثيرة المتعددة. فهو لو قال: (ما اقتحم العقبة) أو (لم يقتحم العقبة) لم يفد إلا الإخبار عنه في الماضي. فانظر كيف وسعت (لا) المعنى وجمعت معاني عدة في تعبير واحد؟
(وما أدراك ما العقبة)
هذا الأسلوب من أساليب التفخيم والتعظيم والتهويل ونحوه قوله: (وما أدراك ما القارعة) وقوله: (وما أدراك ما الحاقة) و (وما أدراك ما الحطمة) تعظيماً لأمرها ثم فسر العقبة بعد ذلك بقوله: (فك رقبة أو إطعام).
(فك رقبة)
"وفك الرقبة: تخليصها من رق أو غيره… وفي الحديث: "أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دلني على عمل يدخلني الجنة، فقال: تعتق النسمة وتفك الرقبة. قال: أوليسا سواء؟ قال: لا. إعتاقها: أن تنفرد بعتقها. وفكها: أن تعين في تخليصها من قود أو غرم" [66].
وجاء في (فتح القدير): "كل شيء أطلقته، فقد فككته، ومنه فك الرهن، وفك الكتاب… والفك في الأصل حل القيد، سمي العتق فكاً، لأن الرق كالقيد وسمي المرقوق رقبة، لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته" [67].
واختيار هذا التعبير يوحي بشدة حال المسترق، وكربه ومعاناته ومكابدته. والاسترقاق هو من أكثر أحوال المكابدة والمعاناة شدة. وارتباط الآية بقوله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) ارتباط واضح بين.
(أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتمياً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة)
المسغبة: المجاعة [68] وهي الجوع العام [69] وليس الجوع الفردي.
والفرق بين المسغبة والسغب، أن السغب معناه: الجوع، والجوع قد يكون عاماً، وقد يكون خاصاً. أما المسغبة فهي عامة ولذا قيل: إن معناه "في يوم فيه الطعام عزيز" [70].
وهذا مما يدل على شدة الكرب والضيق واللأواء، فالإطعام في هذا اليوم له شأنه فهناك فرق بين إطعام المسكين والطعام موفور والخلة مسدودة، والإطعام في وقت قلة الطعام وشحته والخوف من فقدانه والإمساك عن بيعه، فهذه عقبة كؤود من عقبات المجتمع، والإطعام في مثل هذا اليوم اقتحام لهذه العقبة أي اقتحام.
(يتيماً ذا مقربة) وهو اليتيم القريب في النسب ليجتمع له صدقة وصلة [71]. وذلك ليتفقد كل واحد أقرباءه المحتاجين ليتم التكافل والتراحم بينهم.
(أو مسكيناً ذا متربة) والمتربة مأخوذة من (ترب): "إذا افتقر، ومعناه: التصق بالتراب" [72]. وذو المتربة: هو الذي مأواه المزابل [73] وقيل "وهم المطروحون على ظهر الطريق قعوداً على التراب لا بيوت لهم" [74] وهما شيء واحد.
وجاء بـ (أو) ولم يأت بالواو ذلك أن الواو تفيد معنى الجمع ومعناه: لو أتى بالواو لا يقتحم العقبة إلا إذا فك الرقبة، وأطعم هذين الصنفين جميعاً فإن أطعم صنفاً واحداً لم يقتحم العقبة. وهو غير مراد، بل المراد التنويع. والمقصود أن يطعم هذه الأصناف من الناس، اليتيم أو المسكين، على سبيل الاجتماع أو الانفراد.
وقد قدم فك الرقاب على إطعام اليتامى والمساكين إشارة إلى عظم الحرية في الإسلام وأن المطلوب أولاً تحرير الناس من العبودية والاسترقاق.
(يُتْبَعُ)
(/)
وانظر بعد ذلك ارتباط هؤلاء الأصناف بقوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فهؤلاء من أشد الناس مكابدة ومعاناة. ثم انظر إلى ارتباط هؤلاء الأصناف بقوله: (يقول أهلكت مالاً لبداً) فقد أهلكها هذا القائل في غير محلها، فلم يطعم جائعاً ولم يفك رقبة.
ثم انظر إلى ارتباط هؤلاء الأصناف بالآية بعدها، وهو قوله: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) فإن فك الرقاب وإطعام المحتاجين من المرحمة. وهؤلاء الأصناف من الناس من المسترفين والمساكين من أحوج الخلق إلى الصبر.
(ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة)
إن (ثم) هنا لا تفيد التراخي في الوقت وإلا تأخر الإيمان عن العمل الصالح الذي ذكره من فك الرقاب وإطعام المحتاجين في حين أنه لا يفيد عمل من دون إيمان. وإنما تفيد (ثم) ههنا تراخي رتبه الإيمان ورفعه محله عما ذكره من الأعمال لأنه هو الأصل، وهو مدار القبول والرفض.
جاء في (الكشاف): "جاء بثم لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدقة لا في الوقت لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره، ولا يثبت عمل صالح إلا به" [75].
وجاء في (فتح القدير): "جاء بثم للدلالة على تراخي رتبة الإيمان ورفعة محله. وفيه دليل على أن هذه القرب، إنما تنفع مع الإيمان" [76].
وذكر بعد الآيات التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة.
جاء في (الكشاف): "المرحمة: الرحمة أي: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على الإيمان والثبات عليه، أو بالصبر عن المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلى بها المؤمن، وبأن يكونوا متراحمين متعاطفين أو بما يؤدي إلى رحمة الله" [77].
إن السورة مبنية على هذين الأمرين: الصبر والمرحمة.
فالصبر مرتبط بقوله تعالى: (وأنت حل بهذا البلد) لما يلاقيه الرسول من عنت وأذى وهو حال بهذا البلد.
وبقوله: (ووالد وما ولد) فإن تربية الولد وحفظه بحاجة إلى الصبر.
ومرتبط بقوله: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) لأن المكابدة والمشقة والشدة، تحتاج إلى صبر.
وسلوك النجدين يحتاج إلى صبر لما في صعودهما وسلوكهما من تعب ونصب، واقتحام العقبة يحتاج إلى صبر، والرقبة المسترقة تحتاج إلى صبر على القيام بشأن العبودية، وقضاء اليوم ذي المسغبة يحتاج إلى صبر كثير وشديد. واليتيم يحتاج إلى صبر، وكذلك المسكين ذو المتربة، فإن هذه الأصناف تحتاج إلى صبر طويل.
والذين آمنوا يحتاجون إلى الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي. فانظر كيف ارتبط الصبر بالسورة وكيف بنيت السورة عليه؟
وكذلك الرحمة فإن ذكرها مع الصبر أحسن ذكر وأجمله. فهي مرتبطة بقوله: (وأنت حل بهذا البلد) على كل معاني (الحل) فإذا كان حالاً يبلغ دعوة ربه فإنه أحرى أن يعامل بالرحمة لا بالأذى. وإذا كان المعنى أنه حلال للرسول هذا البلد وذلك في فتح مكة فقد عامل الرسول قريشاً بالرحمة والإحسان، وقال في ذلك اليوم: "اليوم يوم المرحمة". وقال لهم: "ما تظنون أني فاعل بكم؟ " قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
فانظر أي رحمة هذه؟
ومرتبطة بقوله: (ووالد وما ولد) فإن العلامة بين الوالد وولده، علاقة رحمة وبر.
وهذا الذي أهلك مالاً لبداً، يحتاج إلى الرحمة لينفق المال على ذوي الحاجة، ولئلا يهلكه فيما لا ينفع.
وذو الرقبة المسترقة محتاج إلى الرحمة والإشفاق.
واليوم ذو المسغبة ينبغي أن تشيع فيه الرحمة وهو من أحوج الأوقات إلى إشاعة الرحمة، واليتيم المسكين من أحوج الخلق إلى الرحمة.
والذي آمنوا ينبغي أن يتواصوا بينهم بالرحمة.
وهكذا بنيت السورة على الصبر والمرحمة.
ثم انظر كيف كرر التواصي مع كل منها فقال: (وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) ولم يقل: (وتواصوا بالصبر وبالمرحمة) ولا: (وتواصوا بالصبر والمرحمة) لأهمية التواصي بكل منهما وللدلالة على أن كلا منهما جدير بالتواصي به.
فأنت ترى أن هناك ثلاثة تعبيرات لكل تعبير دلالته:
(وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة)
وتواصوا بالصبر وبالمرحمة.
وتواصوا بالصبر والمرحمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
والتعبير الأول أقوى التعبيرات للدلالة على أهمية كل منهما، وذلك لتكرار الفعل مع حرف الجر توكيداً على أهمية ذلك. ثم يأتي التعبير الثاني بالدرجة الثانية وهو تكرار حرف الجر مع المرحمة دون تكرار الفعل، ثم يأتي التعبير الثالث بالدرجة الثالثة، وهو العطف من دون ذكر للفعل ولا لحرف الجر. فيكون معنى التعبير الأول، وهو الذي عبرت به الآية أدل على أهمية كل من الصبر والمرحمة وآكد من التعبيرين الآخرين.
ثم انظر من ناحية أخرى كيف قدم التواصي بالصبر على التواصي بالمرحمة ذلك لأنه تقدم ما يحتاج إلى الصبر من المكابدة والمشقة، وانغمار الإنسان فيها، واقتحام العقبة وذكر النجدين. وأخر المرحمة لما جاء بعد ذلك من فك الرقاب وإطعام الأيتام والمساكين فقدم التواصي بالصبر لما تقدم ما يدعو إليه.
وقد تقول: ولم لم يقل كما قال في سورة (العصر): (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)؟ فقد ذكر التواصي بالحق ثم ذكر بعده التواصي بالصبر.
والجواب: أن المقام مختلف ففي سورة (العصر) كان الكلام على خسارة الإنسان على وجه العموم، فجاء بالتواصي بالحق على وجه الهموم ولما كان الكلام في سورة البلد على جزء من الحق وهو ما يتعلق بالرحمة والإطعام قال: (وتواصوا بالمرحمة).
وقدم الحق في سورة (العصر): لأنه الأهم ولأن الصبر إنما يكون صبراً على الحق. إذ ليس المهم هو الصبر، وإنما المهم أن يصبر على ماذا، ثم إن التمسك بالحق والتواصي به يحتاج إلى صبر أي صبر. فقدم الحق لذلك بخلاف سورة البلد، فإنه قدم الصبر على المرحمة لما ذكرنا.
(أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة)
أي: أولئك الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، وفكوا الرقبة وأطعموا لمحتاج في اليوم ذي المسغبة أصحاب الميمنة. والميمنة: مفعلة من اليمن، وهو الخير والبركة أو من اليمن. وقد يكون معناها جهة اليمين التي تقابل الميسرة وهي الجهة التي فيها السعداء. وقد يكون معناها أصحاب اليمين أي: الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم. وقد يكون معناها: أصحاب اليمن والخير على أنفسهم وعلى غيرهم [78].
والذين كفروا هم أصحاب المشأمة، والمشأمة مفعلة من الشأم، وهي جهة الشمال، أو من الشؤم، وهو ضد اليمن [79].
ومعنى أصحاب المشأمة أصحاب جهة الشمال التي فيها الأشقياء أو الذين يؤتون صحائفهم بشمائلهم أو أصحاب الشؤم على أنفسهم وعلى غيرهم.
وقد تقول: ولم لم يقل أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال كما قال في مواطن أخرى من القرآن الكريم؟
والجواب أن اختيار هذين اللفظين له عدة فوائد:
منها: أن الميمنة والمشأمة جمعت عدة معان، وهي كلها مرادة مطلوبة في آن واحد، ولو قال: أصحاب اليمين أو أصحاب الشمال لأعطى معنى واحداً.
فأصحاب الميمنة هم أصحاب جهة اليمين التي فيها السعداء، وهم الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم، فيذهبون إلى الجنة، وهم أصحاب اليمن والخير والبركة على أنفسهم وعلى غيرهم في الدنيا والآخرة.
هذا إضافة إلى التناسب اللفظي، فالعمل والوصف والجزاء كله (مفعلة) فالذين يطعمون في يوم ذي (مسغبة) يتمياً ذا (مقربة) أو مسكيناً ذا (متربة) ويتواصون بـ (المرحمة) أصحاب (الميمنة) ومقابلهم من الكفار أصحاب (المشأمة).
فاقتضى المقام هذا الاختيار من كل جهة.
وقد تقول: ولم جاء في آية الكفار بضمير الفصل، فقال: (والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة) ولم يأت به مع المؤمنين.
والجواب: أن المذكورين من المؤمنين هم من أصحاب ميمنة غيرهم فإنه لم يذكر مثلاً: الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أو الذين آمنوا وتواصوا بالحق، أو الذين آمنوا وتواصوا بالجهاد، أو الذين آمنوا وتواصوا بالدعوة إلى الله، فكل هؤلاء من أصحاب الميمنة، بل ربما كان من أصحاب الميمنة من لم يتواص بصبر ولا مرحمة أصلاً من عامة المسلمين، وقد قال تعالى في سورة التين: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) ولم يذكر تواصياً بشيء.
أما الذين كفروا فهم أصحاب المشأمة حصراً، ولا يخرجهم منهم وصف آخر أو عمل آخر إذا بقوا على كفرهم.
جاء في (روح المعاني): إنه "جيء بضمير الفصل معهم لإفادة الحصر" [80].
فكان ذكر ضمير الفصل في آية الكفار، وعدم ذكره في آية المؤمنين هو المناسب.
(عليهم نار مؤصدة)
(يُتْبَعُ)
(/)
ومعنى الآية: إنها عليهم "مطبقة فلا ضوء فيها، ولا فرج ولا خروج منها آخر الأبد" [81] وههنا سؤالات:
لم قدم الجار والمجرور: (عليهم) ولم يؤخرهما؟
ولم قرئت (مؤصدة) بالهمز؟ وما الفرق بينهما وبين عدم الهمز؟
ولم لم يقل كما قال في سورة الهمزة: (في عمد ممددة)
ولم ذكر جزاء الكافرين، ولم يذكر جزاء المؤمنين؟
أنا تقديم الجار والمجرور فقد يظن ظان أنه لفاصلة الآية، فإن كلمة (مؤصدة) هي المناسبة لخواتم الآي: المسغبة، المقربة، المتربة، المرحمة، المشأمة. ولو قال: (نار مؤصدة عليهم) لم يكن مناسباً.
وهذا صحيح فإنه لو أخر الجار والمجرور لم يناسب خواتم الآي، غير أن المعنى يقتضي ذلك أيضاً، فإن التقديم ههنا يفيد الحصر، فإن النار مؤصدة على الكافرين لا يخرجون منها ابداً. أما غير الكافرين من عصاة المؤمنين، فقد يخرجون منها بعد أن ينالوا عقابهم، فهي إذن مؤصدة عليهم حصراً ولو قال: (نار مؤصدة عليهم) لم يفد الحصر بل لأفاد أنها مؤصدة عليهم، وقد تكون مؤصدة على غير الكفار أيضاً، وهو غير مراد. أما قراءة الهمز في (مؤصدة) فإنها قرئت أيضاً (مؤصدة) فإنها قرئت أيضاً (موصدة) بغير الهمزة.
وقد يظن ظان أن التخفيف أولى لأنه من (وصد) و (أوصد)
والحق أنهما لغتان أصد ووصد، يقال: أصد الباب وآصده وأوصده، إذا أطبقه وأغلقه.
جاء في (لسان العرب): "أصد الباب أطبقه كأوصد إذا أغلقه ومنه قرأ أبو عمرو: إنها عليهم مؤصدة بالهمز أي مطبقة" [82]
وجاء في (روح المعاني): "مؤصدة مطبقة من آصدت الباب، إذا أغلقته وأطبقته، وهي لغة قريش على ما روي عن مجاهد ويجوز أن يكون من (أوصدته) بمعنى غلقته أيضاً وهمز على حد من قرأ بالسؤق مهموزاً وقرأ غير واحد من السبعة، موصدة بغير همز فيظهر أنه من أوصدت .. والمراد مغلة أبوابها، وإنما أغلقت لتشديد العذاب والعياذ بالله تعالى عليهم" [83].
أما اختيار الهمز، فله دلالته ذلك أن الهمزة حرف ثقيل شديد، وهي على كل حال أثقل من الواو [84] فاختار الهمزة على الواو لثقلها وشدتها، لأن الموقف شديد وصعب، فهي المناسبة لثقل ذلك اليوم وصعوبته وشدته قال تعالى: (ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً) [الإنسان]، وإن النطق بها لثقيل، فإذا قال (مؤ) كان كأن الشخص يعاني من أمر ثقيل. فهي أنسب وأدل على الكرب والثقل من التسهيل والنطق بالواو.
وهو المناسب أيضاً لجو المكابدة والشدة والقوة في السورة. والله أعلم. د
أما السؤال الثالث وهو: لماذا لم يقل كما قال في سورة الهمزة: (في عمد ممددة) فذلك له أكثر من سبب، وكل تعبير هو أليق بمكانه من نواح عدة منها:
1ـ إنه توسع في سورة الهمزة في ذكر صفات المعذب وتوسع في ذكر العذاب، فقال: (ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لنبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة)
فقال في ذكر صفات المعذب، أنه همزة لمزة، وأنه جمع مالاً وعدده، يحسب أن ماله أخلده، في حين لم يزد في سورة البلد على قوله: (والذين كفروا بأياتنا) ولما توسع في صفات المعذب توسع في ذكر عذابه، فقال: (كلا لنبذن في الحطمة وما أدراك)
فناسب ذلك ذكر الزيادة في سورة الهمزة دون سورة البلد.
2ـ إنه ذكر في أول الهمزة (ويل لكل همزة لمزة) فدعا عليهم بالهلاك الدائم الذي لا ينقطع ورفع (الويل) يفيد الثبوت، فناسب الدلالة على الدوام، أن يقول: (إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة للدلالة على الاستيثاق من غلق الأبواب عليهم.
3ـ ذكر في سورة الهمزة أن هذا الكافر يجمع المال ويعدده، ويحفظه فكما حفظ المال وجمعه وأغلق عليه الأبواب، واستوثق من حفظه أغلقت عليه أبواب جهنم واستوثق منها بأنها مدت عليها الأعمدة.
فناسب الاستيثاق من حفظ المال وإيصاد الأبواب عليه الاستيثاق، وإطباق الأبواب عليه في النار. في حين أنه ذكر في سورة (البلد) أنه أهلك مالاً لبداً فذلك أهلك المال وأنفقه، وهذا جمع المال وحفظه، فناسب ذكر الحفظ وشدة الاستيثاق في سورة الهمزة الاستيثاق من غلق باب عليه، والجزاء من جنس العمل.
(يُتْبَعُ)
(/)
4ـ ذكر في سورة الهمزة أن هذا الكافر يحسب أن ماله أخلده في الدنيا وأبقاه، وأنه لا يفارقها، فعوقب بذلك بالخلود في النار، وإطباق أبوابها عليه والاستيثاق بالعمد الممدة عليها، للدلالة على خلوده في النار أبد الآبدين فحسبانه الخلود في الدنيا مقابل لحقيقة الخلود في النار فهناك ظن وهنا يقين وهناك خلود مظنون في الدنيا وهنا خلود واقع حقيقة في النار.
5ـ ذكر في سورة الهمزة أن هذا الكافر يتعدى على الآخرين، فهو لم يكف أذاه عنهم، ولم ينلهم من خيره شيء، فهو يهمزهم ويلمزهم ويمنع خيره عنهم، فلم ينفق من ماله شيئاً فلما اعتدى على الآخرين وآذاهم انبغى له الحبس لتخليص الناس من شره وعدوانه.
والمحبوس تغلق عليه أبواب الحبس ويستوثق من إلاغلاقها وعدم فتحها لئلا يخرج منها فناسب ذلك زيادة الاستيثاق بالعمد الممددة على الأبواب لئلا تفتح في حين لم يذكر في سورة البلد سوى الكفر بآيات الله، ولم يذكر أنهم تعدوا على الآخرين.
6ـ إن المعذبين في سورة الهمزة كفار وزيادة، فهم:
1ـ كافرون.
2ـ يتعدون على الآخرين بالهمز واللمز والسخرية والتكبر.
3ـ أنهم جمعوا الأموال ولم ينفقوها.
4ـ يحسبون أن الأموال تخلدهم في الدنيا.
في حين لم يذكر في سورة البلد إلا الكفر.
فأولئك كفار وزيادة في العدوان، فاقتضى ذلك الزيادة في تعذيبهم وحبسهم.
فانظر كيف ناسب كل تعبير موطنه. ولو جعلت الزيادة في سورة البلد لم تحسن كما هو ظاهر.
وأما السؤال الأخير وهو: لماذا ذكر جزاء الكافرين ولم يذكر جزاء المؤمنين.
فالجواب عنه أن ذلك لمناسبة ما ذكر في أول السورة من خلق الإنسان في كبد، فلم يناسب ذلك ذكر النعيم وإنما الذي يناسبه ذكر الجحيم وما فيه من مشقة.
جاء في (روح المعاني): "وصرح بوعيدهم ولم يصرح بوعد المؤمنين، لأنه بما سيق له الكلام والأوفق بالغرض والمرام [85]
ثم انظر بعد ذلك إلى هذه السورة المحكمة النسج، كيف وضعت تعبيراتها لتؤدي أكثر من معنى.
فـ (لا أقسم) تحتمل النفي والإثبات.
و (حل) تحتمل الحال والمستحل والحلال.
و (ووالد وما ولد) تحتمل العموم والخصوص من آدم وذريته أو إبراهيم وذريته أو الرسول وآبائه. وغير ذلك على وجه العموم.
و (الكبد) تحتمل المكابدة والمعاناة، وتحتمل القوة والشدة، وتحتمل استقامة الجسم واعتداله وغير ذلك.
و (أيحسب) تحتمل العموم والخصوص، فهي تحتمل كل إنسان، وتحتمل إنساناً معيناً تشير إليه الآية.
و (أهلكت مالاً لبداً) تحتمل أكثر من معنى، فهو قد يكون أنفقته في المفاخر والمكارم والمباهاة. وتحتمل الإنفاق في عداوة الرسول، وتحتمل غير ذلك. وتحتمل الكذب فلم ينفق شيئاً، وإنما هو ادعاء محض.
و (اللبد) تحتمل الجمع وتحتمل المفرد، فعلى الجمع تكون جمع (لبدة) كنقطة ونقط، وخطوة وخطى وعلى المفرد تكون صفة كحطم ولكع.
و "النجدان" يحتملان طريقي الخير والشر، ويحتملان الثديين وكلاهما هدانا ربنا إليهما.
و (لا) في قوله: (فلا اقتحم العقبة) تحتمل النفي الدعاء، وتحتمل المضي والاستقبال.
و (العقبة) تحتمل أموراً كثيرة، ذكر قسم من المفسرين: أنها في الآخرة. وقال آخرون: هي في الدنيا. وقيل: هي جبل في جهنم، وقيل: هي عقبة بين الجنة والنار.
و (فك رقبة) يحتمل العتق وغيره من فك المغارم والديون وغيرها.
و (أصحاب الميمنة) تحتمل أصحاب جهة اليمين. وأصحاب اليمين، وأصحاب اليمن ضد الشؤم.
و (المشئمة) كذلك.
فانظر كيف وضعت تعبيراتها للاتساع في المعاني.
والملاحظ في هذه السورة أن فيها خطوطاً تعبيرية ومقامية واضحة أشرنا إليها.
منها: خط المكابدة الذي تدل عليه الآية (لقد خلقنا الإنسان في كبد) وخط العموم والاتساع في المعنى وهو الذي بيناه آنفاً.
وخط الاجتماع الذي ذكرناه في قوله: (أهلكت مالا لبداً)
وخط الصبر الذي دل عليه قوله: (وتواصوا بالصبر).
وخط المرحمة الذي دل عليه قوله: (تواصوا بالمرحمة).
فانظر أي إحكام في النسج، وأي دقة في التعبير هذا الذي بين الدفتين.
--------------------------------------------------------------------------------
(يُتْبَعُ)
(/)
[1] البحر المحيط 8/ 474. [2] روح المعاني 30/ 133. [3] الكشاف 3/ 338. [4] البحر المحيط 8/ 474، تفسير الرازي 31/ 180، روح المعاني 30/ 134. [5] البحر المحيط 8/ 475. [6] تفسير البيضاوي 799. [7] البيان 26. [8] فتح القدير 5/ 430. [9] الكشاف 3/ 338. [10] روح المعاني 30/ 133. [11] التبيان 26.
[12] البحر المحيط 8/ 474 وانظر تفسير الرازي 31/ 180. [13] الكشاف 3/ 338 ـ 339 وانظر روح المعاني 30/ 133. [14] البحر المحيط 8/ 474. [15] روح المعاني 30/ 133، وانظر تفسير الرازي 31/ 181. [16] انظر ملاك التأويل 2/ 883. [17] ملاك التأويل 2/ 950 ـ 952. [18] درة التنزيل 530. [19] التبيان 25. [20] الكشاف 3/ 339. [21] البحر المحيط 8/ 475، روح المعاني 30/ 135، الكشاف 3/ 339. [22] معاني القرآن 3/ 263. [23] لسان العرب كبد 4/ 379. [24] البحر المحيط 8/ 475، لسان العرب كبد 4/ 379. [25] فتح القدير 5/ 431. [26] لسان العرب كبد 4/ 379. [27] الكشاف 3/ 339. [28] روح المعاني 30/ 135. [29] البحر المحيط 8/ 475. [30] التبيان في أقسام القرآن 26. [31] تفسير الرازي 31/ 183. [32] روح المعاني 30/ 136. [33] الكشاف 3/ 339. [34] روح المعاني 30/ 136. [35] روح المعاني 30/ 136. [36] التبيان. [37] الكشاف 3/ 339. [38] الكشاف 3/ 339. [39] البحر المحيط 8/ 475. [40] التبيان 27. [41] تفسير الرازي 31/ 184. [42] التبيان 27. [43] انظر القاموس المحيط نجد 1/ 340، البحر المحيط 8/ 473، فتح القدير 5/ 431. [44] لسان العرب نجد 4/ 442. [45] الكشاف 3/ 339، البحر المحيط 8/ 476. [46] التفسير الكبير 31/ 184. [47] لسان العرب عقب 2/ 111. [48] فتح القدير 5/ 432. [49] الكشاف 3/ 340. [50] الكشاف 3/ 340. [51] انظر التفسير الكبير 31/ 184. [52] البحر المحيط 8/ 476. [53] روح المعاني 30/ 137. [54] الكشاف 3/ 339. [55] التبيان 27. [56] انظر التفسير الكبير 31/ 185، المغني 1/ 244، روح المعاني 30/ 138. [57] انظر المغني 1/ 243ـ 244. [58] التفسير الكبير 31/ 185، روح المعاني 30/ 139. [59] روح المعاني 30/ 139. [60] البحر المحيط 8/ 476، المغني لا 1/ 243ـ244. [61] روح المعاني 30/ 139. [62] المغني 1/ 243. [63] الفوائد 179. [64] تفسير ابن كثير 4/ 513، وانظر روح المعاني 30/ 139. [65] انظر المغني 1/ 244، البحر المحيط 8/ 476. [66] الكشاف 3/ 340. [67] فتح القدير 5/ 432. [68] فتح القدير 5/ 432. [69] روح المعاني 30/ 138. [70] روح المعاني 30/ 138. [71] البحر المحيط 8/ 476. [72] الكشاف 3/ 340. [73] الكشاف 3/ 340. [74] البحر المحيط 8/ 476. [75] الكشاف 3/ 340. [76] فتح القدير 5/ 433. [77] الكشاف 3/ 340 وانظر البحر المحيط 8/ 476. [78] انظر البحر المحيط 8/ 204، روح المعاني 30/ 139، لسان العرب يمن. [79] انظر روح المعاني 30/ 139. [80] روح المعاني 30/ 140. [81] تفسير ابن كثير 4/ 516 [82] لسان العرب أصد 4/ 39 [83] روح المعاني 30/ 139 - 140 [84] الخصائص 3/ 143 [85] روح المعاني 30/ 139 - 140
للامانة العلمية:
عن الدكتور فاضل السامرائى
فارس العربية الخـ زيد ــــــــــــيل
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 05:51 م]ـ
ما يسعني إلا أن أشكرك من صميم قلبي على كل هذه المعرفة الواسعة والعلم الغزير الذي تهديه إيانا
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 05:26 م]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا أخى: أحمد عمر
على هذا التقدير منك ونسأل الله ان يعلمنا ويعلمكم
فارس العربية الخـ زيد ــــــــــــيل
ـ[السناعيس]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 01:36 ص]ـ
للامانة العلمية:
عن الدكتور فاضل السامرائى
احسنت ايها الأمين:)
ولكن لو اشفقت علينا وذلك بتلخيص الموضوع وإختصارهـ،، إستنباط الفائدة،،!!
والذي لا شك فيه انك قمت بعمل مفيد ومهم،، نسأل الله ان يجزيك عنه خير الجزاء،،،
والسلام
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[01 - 11 - 2005, 03:52 ص]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا أخى السناعيس على تقديرك هذا
وأسأل الله أن يعلمنا ويعلمكم
فارس العربية الخـ زيد ـــــــيل(/)
تحدي للعموم
ـ[ابن الأبار]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 06:31 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
اريد كلمة تبدأ بحرف الذال ويتلوها حرف السين مباشرة (عليها تحدي)
الشروط: 1 - يكون لها معنى
2 - تكون عربية أو معربة
3 - تكون غير كلمة (ذس) بالانجليزي
ـ[د. حقي إسماعيل]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 06:52 ص]ـ
انظر .....
ـ[د. حقي إسماعيل]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 06:53 ص]ـ
الأخ الكريم.
تحية مباركة.
أصلحك الله يا أخي أنا ممكن أعطيك الكلمة التي تحديت بها العموم، يا أخي التواضع مقلد من مقاليد شرف الإنسانية، وإذا كنت قد تحديت الإنس على أن يأتوا بهذه الكلمة تناسيت أن قد يتحداك أحد في مسألة أصغر من هذه المسألة ولا تعرفها، فما يكون موقفك أمام الآخرين؟؟، تواضع أخي الكريم ـ فالتواضع من سمات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ـ ولا تنظر للناس من فوق، انظر لهم وأنت بينهم، فالطائر كلما علا في السماء كلما صغر في أعين الناس .. مع تقديري لشخصك الكريم.
ـ[القيصري]ــــــــ[26 - 10 - 2005, 07:22 م]ـ
هكذا ذكر المجلسي، ولكنّ الظاهر أنّ «سوذنيق» كلمة واحدة وبالذال المعجمة - وزان زنجبيل، ويُضمّ أوّلُه - بمعنى الصقر والشاهين. انظر: القاموس المحيط «سذق».
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 05:58 م]ـ
أخي د0 أاسماعيل حقي
الأخ أبن الأبار لا أرى فيه ما نسبته إليه
بل أرى أنك متعد عليه
ولا تستطيع أن تأتي بكلمته التي أرادها
فلا تغطي عيبك بالتعدي على الأخرين
الظلم حرام
ـ[القيصري]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 09:31 م]ـ
تبدأ بالسين ثم الذال
سذج جمع ساذج
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 02:49 ص]ـ
أخي القيصري هداك الله وحفظك
المطلوب
الذال قبل السين
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 04:05 ص]ـ
أخي صالح كيف حالك وأحوالك
لقد وددت أن أعرف لماذا قلت ذلك على أخينا د. حقي إسماعيل فأنا أرى ما يراه فلو تمهلت لعرفت أن أبن الأبار لم يلق بسؤاله بالطريقة التي تليق ففهمنا أنه يتحدى الجميع ولا يستطيع أحد سواه الإجابه وهذا ما ضايق أخونا د. حقي إسماعيل
ولي عندك عتاب: ألم أقل لك أن تتمهل في حكمك على الآخرين فلقد صورت د. حقي إسماعيل بالظالم ورميته بهتانا وزورا ألم تعلم قول الله (ومن يعمل سوءً أو يرم به بريئاً فقد أحتمل بهتانا وإثما عظيما) فأنت لم ترتكب الظلم ولكن رميت به بريئا فخذ وقتك قبل الحكم وراع قول الرسول (إن المرء ليقول الكلمة ولا يلقي لها بالاً فتهوي به في النار سبعين خريفا)
أرجوك أخي وحبيبي وصديقي صالح لا تتسرع مرة أخرة في حكمك ولا تسيء فهمي فما أنا إلا مجرد صديق لك أنصحك وهذا من واجبي تجاهك
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 09:00 م]ـ
هي " تحد للعموم"
وليست " تحدي للعموم"
ـ[الهذلي]ــــــــ[07 - 11 - 2005, 03:02 ص]ـ
إن كان في الذال و السين لغة فلربما "ذسّسّ"
أقوله بداهة ... والله أعلم وسأبحث
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[07 - 11 - 2005, 03:12 ص]ـ
لقد سمعت برنامج ذات يوما وقيل فيه هذا السؤال ولكن أبى من عرف الإجابة أن يجيب؟ فليس عندي ما أعرفه(/)
تفسير ابن فارس الدكتور هادي حسن حمودي
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 04:08 ص]ـ
من مجلة تراثنا العدد 7 و8
(468)
الدكتور هادي حسن حمودي تفسير ابن فارس (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
لا نعرف كتاباً، على مدار التاريخ، نال من الحظوة والعناية والتأثير، ما ناله القرآن العزيز، حتى أنه يمكن القول: إن من وجوه إعجاز القرآن كثرة ما كتب فيه وعنه، وعمق تأثيره في حياة الناس منذ أن ظهر وإلى أيامنا هذه، بل وإلى ما شاء الله سبحانه وتعالى.
ولعل من نافلة القول أن نقرر أن جميع اللغات الحية في العالم تحتفل بتراث غزير، كتبه أكابر العلماء في موضوع القرآن وعلومه وتأثيره.
وبدهي أن تكون عناية المسلمين بهذا الكتاب العظيم، عناية تناسب مكانته في نفوسهم، ودوره الخطير في صياغه حياتهم، باعتباره دستورهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فأدرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان» (1). ويصفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقول: «كتاب الله: تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على
____________
(1) الأمالي للطوسي 4.
(269)
بعض ... » (2). ويذكره الإمام الصادق عليه السلام ذكر التقديس والإجلال، داعياً إلى مدارسته والتفكر فيه، قائلاً: «إن هذا القرآن فيه منار الهدى، ومصابيح الدجى، فليجل جال بصره، ويفتح للضياء نظره، فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور» (3) ... إلى غير ذلك من أحاديث كثيرة تجدها مبسوطة في مظانها، وكلها حث على تعلم القرآن ن وتعليمه، والتمكث في أفيائه الظليلة. مما كان له تأثير في نفوس أجله علماء التراث الإسلامي الباذخ، بحيث لا يخلو تراث أي عالم منهم من جهود تصب في هذا التيار القرآني المتصاعد، كما ونوعاً.
ولقد وجدنا في بيئة اللغويين توجهاً خاصاً يتمثل في الاستفادة من آيات القرآن العظيم في فهم المعاني اللغوية للألفاظ، على سبيل الاسترشاد والاستشهاد.
ومن هؤلاء العلماء أحمد بن فارس الذي وجدنا عنده نهجاً خاصاً في تفسير القرآن العزيز، نهجاً ينبني على نظر صاف الى النص القرآني المقدس، في التبين والاستبانة (4). ولقد عن لي ـ وأنا أتابع تراث هذا العالم الجليل ـ أن له في كتبه المتبقية، ما يمكن أن يشكل رؤية تفسيرية ذات نفع لهذه الأمة الناهضة التي تروم تجديد عهدها بكتابها الأول الذي تدور في كونه الرحيب سائر الكتب.
لذا عكفنا على ما تبقى من تراث ابن فارس، نستخرج منه تفسيره للقرآن سواء ما كان معدوداً في الجانب النظري، أم ما كان في الجانب التطبيقي العملي. حتى استقام لنا هذا التفسير، الذي نأمل أن يكون ذا فائدة للقاريء الباحث الغيور على تراثه الجليل.
وإني ـ في هذا التقديم ـ أصبو إلى أن تتقبل مؤسسة آل البيت عليهم السلام، بالغ شكري وتقديري، على اهتمامها بهذا التفسير، سائلاً المولى القدير أن يوفق الجميع إلى ما يحب ويرضى.
د. هادي حسن حمودي
____________
(2) نهج البلاغة، الخطبة رقم 133.
(3) الكافي 2|138.
(4) تنظر رسالتنا: AHMAD IBNFARIS et sa me'thode linguistique المقدمة إلى جامعة السوربون ـ باريس [ Chap . 1.. Par . 11 . P . 165 ]
( 270 )
المفسر (5)
هو أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب القزويني الرازي اللغوي. لم ينص القدماء على سنة ولادته، غير أننا اذا ما افترضنا أنه توفي في سنة (395 هـ) على ما هو المتيقن، ونظرنا في أحداث حياته الحافلة، أيقنا أنه عمر عمراً مديداً ربما شمل القرن الرابع للهجرة كله، منذ عقده الأول، يسعفنا في هذا أنه ذكر أخذه العلم عن أبي الحسن علي بن ابراهيم القطان منذ سنة 332 هـ، وأنه روى عنه كتاب العين، مما يدل على أن ابن فارس كان آنذاك في ريعان شبابه واكتمال مداركه بحيث أنه كان يروي عن عالم ثبت ثقة مستوعباً ما يرويه عنه. لذا فإن من الراجح أنه قد ولد في العقد الأول من القرن الرابع. ولا نستطيع الجزم بالسنة التي ولد فيها، ونميل إلى ما ذهب إليه بعض
(يُتْبَعُ)
(/)
الأقدمين من ترجيح أن ولادته كانت ما بين سنتي (306 ـ 308 هـ).
موطنه:
كان ابن فارس كثير الترحال، ما يستقر ببلدة إلا ليرتحل إلى أخرى طالباً للعلم، أو شيخاً لهذا وذاك من رجالات القرن الرابع، ولا تقدم لنا المصادر الموثقة شيئاً ذا بال عن تفاصيل نشأته، وأطوار حياته، ثم إنها اختلفت في تحديد موطنه، وقد لخص القفطي ذلك الاختلاف بقوله: « ... واختلفوا في وطنه، فقيل: كان من قزوين، ولا يصح ذلك، وإنما قالوه لأنه كان يتكلم بكلام القزوانه ... » (6). ونص ابن تغري بردي على أنه ولد في قزوين (7)، وكذا قرر السيوطي (8) والحافظ
____________
(5) ينظر: تزهة الألباء 220، يتيمة الدهر 3 | 400، إنباه الرواة 1 | 94، معجم الأدباء 4 | 80، وفيات الأعيان 1 | 100، شذرات الذهب 3 | 132، البداية والنهاية 11 | 335، النجوم الزاهرة 4 | 212، الديباح المذهب 36، الفلاكة والمفلكون 108 ن المتختصر في أخبار البشر 4 | 28، أعيان الشيعة 216 | 217، تنقيح المقال في علم الرجال 1 | 76، ومقدمتنا لكتاب مجمل اللغة 1 | 11 ـ 140.
(6) إنباه الرواة 1 | 96.
(7) النجوم الزاهرة 4 | 212.
(8) بغية الوعاة 153.
(271)
السلفي (9).
غير أن الاستقراء يهدينا إلى أن رأي القفطي هو الأرجح، فقد نقل الرواة أن آتياً أتاه فسأله عن وطنه، فقال: كرسف، فتمثل الشيخ:
بلاد بها شدت علي تمائمي * وأول أرض مس جلدي ترابها (10)
فهو ـ إذن ـ من قرية كرسف جياناباد، من رستاق الزهراء من همدان لأمن قزوين.
وفاته:
كما اختلف المؤرخون في ولادته وموطنه، اختلفوا في تحديد سنة وفاته، فمن قائل إنه توفي في سنة 357 هـ (11)، وقائل إنه توفي في سنة 369 هـ (12)، إلى قائل إنه توفي في سنة 390 هـ (13). ونجد أنفسنا إلى اطراح هذه الأقوال أميل، وذلك أن ابن فارس كتب «الصاحبي» في المحمدية في الري سنة 382 هـ (14) ولأنه كتب «الفصيح» بخ كفه ـ بحسب تعبير ياقوت ـ سنة 391 هـ (15)، وفي مخطوطة «الفصيح» أنه كتبه سنة 393 هـ (16)، فإذا كان ابن فارس حياً سنة 391 هـ أو سنة 393 هـ حينما كتب «الفصيح»، فنحن ملزمون بالأخذ بالرأي الذي أجمعت عليه معظم المصادر، القائل إنه توفي ف سنة 395 هـ (17).
كتبه وتآليفه:
عرف ابن فارس بحسن التأليف (18) وكثرة الملفات، على الرغم من ظروف
____________
(9) ينظر: معجم الأدباء 4 | 82.
(10) ن. م 4 | 92.
(11) الديباج المذهب 33.
(12) الكامل 8 | 117، معجم الأدباء 4 | 80، المنتظم 7 | 103.
(13) المختصر 4 | 80، شذرات الذهب 3 | 132، البداية والنهاية 11 | 328.
(14) الصاحبي 17.
(15) معجم الأدباء 4 | 82.
(16) تمام فصيح الكلام 16.
(17) البداية والنهاية 11 | 335، إنباه الرواة 1 | 95، النجوم الزاهرة 4 | 212، طبقات المفسرين 4.
(18) ينظر نزهة الألباء 220، يتيمة الدهر 3 | 400، إنباه الرواة 1 | 92، وغيرها.
(272)
حياته، وكثرة رحلاته، لقد خلف ابن فارس سبعة وخمسين كتاباً في معظم أبواب العلوم التي كانت معروفة في عهده، وقد ضاع كثير من تلك الكتب، ولم يتبق إلا القليل، وفي هذا القليل غناء، أي غناء!! ومنفعة أية منفعة!!
ومن أشهر ما تبقى له: مجمل اللغة. ومقاييس اللغة. ومتخير الألفاظ والصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها. وشرح ديوان حماسة أبي تمام. ورسائل أخرى طبعت في معظمها وشهرت.
ومن تراثه الضائع كتب تدخل في مضمار الدراسات القرآنية، ولعل من أهمها: «جامع التأويل في تفسير القرآن» (19) او «جامع التأويل في تفسير التنزيل» (20). وذكرت المصادر القديمة أنه في أربعة مجلدات. وكتاب «الجوابات» وقد أشار إليه في الصاحبي (21) وكتاب «غريب إعراب القرآن» (22)، وكتاب «المسائل الخمس» وقد استشهد الزركشي بقطعة قصيرة منه. ولعل أتم ما بقي من تراثه في هذا الصدد رسالة «الإفراد».
هذا التفسير وطريقة صنعته:
(يُتْبَعُ)
(/)
لقد حتمت علي ظروف دراستي العليا في جامعة السوربون، ومتابعتي لتراث ابن فارس، أن أقرأ كتبه جميعاً، كتاباً كتاباً، كلمة بكلمة، فوجدت نفسي أمام طود شامخ من أعمدة التراث الإسلامي، منهجاً ونتائج، يزينهما إيمان وورع وتقى. فتتبعت أصول كتبه في كتبات العالم المختلفة التي تعنى بالتراث الإسلامي ومخطوطاته، فلم أقع له على أي أثر متبق في ميدان الدراسات القرآنية.
هنا، وجدت نفسي أمام مسؤولية تاريخية، هي أن أتلمس ملامح ذلك التفسير فيما تبقى بين أيدينا من تراثن، فكانت فكرة هذا التفسير، عمدت إلى كتبه أستخرج منها الآيات القرآنية الكريمة، وأردفها بما قاله فيها من تفسير أو تأويل، أو
____________
(19) معجم الأدباء 4 | 84، طبقات المفسرين 4.
(20) هدية الارفين 1 | 68.
(21) الصاحبي 242، فس سياق حديثه عن البيان القرآني.
(22) نزهة الألباء 220، طبقات المفسرين 4.
(273)
بيان. ثم نظمت تلك الآيات، لا بحسب طريقة استشهاده بها، وجراسته لها، وإنما بحسب ورودها في القرآن الكريم، فكنت أذكر الآية مسبوقة بعلامة (*) ثم أتبعها برقم السورة فرقم الآية بين قوسين ()، فإذا ما تم لي نقل قول ابن فارس أو تعقيبه عليها، وضعف بإزاء ذلك رقماً، ثم أحلت في الحاشية إلى مصدر القول او التعقيب. ووضعت قبل ذلك كله ما يتصل بالقرن العزيز من حيث وجهة الدراسة النظرية.
فأما الرموز المستعملة في الحاشية فهي:
مق = مقاييس اللغة ـ تحقيق عبد السلام هارون ـ 6 أجزاء.
مج = مجمل اللغة ـ تحقيق هادي حسن حمودي ـ 5 أجزاء.
صا = الصاحبي ـ تحقيق مصطفى الشويمي ـ جزء واحد.
مت = متخير الألفاظ ـ تحقيق هلال ناجي ـ جزء واحد.
ثم ذكرت في الحواشي ما من شأنه زيادة إيضاح ما في المتن، أو تقريبه إلى القارئ الحديث، من قبيل ترجمة الأعلام، وتخريج الأشعار، مع ملاحظة أننا بعدنا جهد الإمكان عن ذكر الشوهد الشعرية استجابة لمتطلبات منهج ابن فارس في ذلك، حيث أنه صرح بتحرجه في الجمع بين القرآن والشعر في كتاب واحد، غير أنه اعتذر عن الجمع بينهما أنه سار على نهج من كان قبله من العلماء، ثم دعا الله تعالى أن يغفر له ولهم.
وبذلك يكون هذا العمل قد استقام لنا طريقاً من شأنه أن يوصلنا، يوماً ما، بتكاتف الجهود وتضامها، إلى الكشف الدقيق عن منهج هذا العالم الجليل في تفسيره للقرآن العظيم (23).
وإني إذ أنهي هذا الجهد، على هذه الصورة التي يراها القارئ الفاضل أسأله سبحانه وتعالى، أن يتقبله بأحسن قبوله، فما قصدت إلا وجهه الكريم، له المنة والفضل والنعم السابغات.
____________
(23) نحيل إلى موضوع: «مفسر وتفسير» في مجلة البصائر ـ السنة الثانية ـ العدد الرابع.
(274)
باب
القول في اللغة التي نزل بها القرآن
وأنه ليس في كتاب الله ـ جل ثناؤه ـ شيء بغير لغة العرب
حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم القطان (1) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز (2)، عن أبي عبيد (3)، عن شيخ له أنه سمع الكلبي (4) يحدث عن أبي صالح (5)، عن ابن عباس (6)،، قال: نزل القرآن على سبعة أحرف أو قال: سبع لغات، منها خمس بلغة العجز من هوازن، وهم الذين يقال لهم عليا هوازن، وهي خمس قبائل، أو أربع، منها: سعد بن بكر، وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف.
قال أبو عبيد: وأحسب أفصح هؤلاء نبي سعد بن بكر، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا أفصح العرب ميد أني من قريش، وأني نشأت في بني سعد بن
____________
(1) علي بن إبراهيم بن سلمة القطان (254 ـ 354 هـ) شيخ من شيوخ الفقه والعربية، تلمذ عليه ابن فارس وأكثر في الرواية عنه في كتبه، كما قرأ عليه كتاب العين للخليل.
معجم الأدباء 4 | 82 ـ 12 | 218، نزهة الأدباء 219، بغية الوعاة 153، طبقات المفسرين 4، غاية النهاية 1 | 516.
(2) أبو الحسن علي بن عبد العزيز المكي البغوي الجوهري، نزيل مكة صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام، توفي سنة 287 هـ.
إنباه الرواة 2 | 292، نزهة الألباء 131.
(3) أبو عبيد القاسم بن سلام، إشتغل بالحديث والأدب والفقه، وشهر بتفسير غريب الحديث، توفي بمكة وقيل بالمدينة بعد الفراغ من الحج سنة إثنين أو ثلاث وعشرين ومائتين، وقيل غير هذا مما يقاربه.
(يُتْبَعُ)
(/)
الفهرست 70، تاريخ بغداد 12 | 403، إنباه الرواة 3 | 12، معجم الأدباء 16 | 254، وتنظر مقدمتنا لمجمل اللغة 1 | 25.
(4) أبو النضر محمد بن السائب الكلبي، النسابة الكوفي، وصاحب التفسير، وكان إماماً في هذين العلمين، توفي سنة 146 هـ في الكوفة.
الفهرست 95، شذرات الذهب 309، وفيات الأعيان 4 | 309، المعارف 535.
(5) أحد من أخذ عنهم الكلبي علم الأنساب. ينظر المعارف 547 ...
(6) أبو العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ولد قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه آله بثلاث عشرة سنة. وكان يلقب بالبحر لسعة علمه، وتوفي سنة ثمان وسبعين بالطائف.
تذكرة الحفاظ 40، غاية النهاية 1 | 425، وفيات الأعيان 8 | 62.
(275)
بكر، وكان سترضعاً فيهم، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء (7): أفصح العرب عليا هوازن ن وسفلى تميم، وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يستحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر، وقال عمر: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف، وقال عثمان: إجعلوا المملي من هذيل، والكاتب من ثقيف.
قال أبو عبيد: فهذا ما جاء في لغات مضر، وقد جاءت لغايات لأهل اليمن في القرآن معروفة، منها قوله جل ثناؤه: (متكئين فيها على الأرائك) (8).
وحدثنا أبو الحسن علي بن [إبراهيم القطان]، قال: حدثنا هشيم (9)، قال: أخبرنا ( .......... ) (10)، عن الحسن، قال: كنا لا ندري ما الأرائك، حتى لقينا رجلاً من أهل اليمن فأخبرنا أن الأريكة عندهم: الحجلة فيها سرير.
قال أبو عبيد: وحدثنا الفزاري (11)، عن نعيم بن بسطام (12)، عن أبيه، عن الضحاك بن مزاحم (13)، في قوله جل وعز: (ولو ألقى معاذيره) (14) قال: ستوره، وأهل اليمن يسمون الستر: المعذار.
وزعم الكسائي (15)، عن القاسم بن معن (16) في قوله جل وعز: (أسكن أنت وزوجك الجنة) (17) أنها لغة لأزد شنوءة، وهم من اليمن.
____________
(7) أبو عمرو زبان بن العلاء (154 هـ) العلم المشهور في القراءة واللغة.
نزهة الألباء 16، أخبار النحويين البصريين 22، طبقات القراء 1 | 288، معجم الأدباء 11 = 156.
(8) الكهف: 18.
(9) محدث، من طبقة الثوري وابن المبارك، ينظر الوفايت 2 | 54 و 5 | 358 ـ 359.
(10) النقص من الأصل.
(11) يبدو أن في النص تصحيفاً، والأولى: القزاز، وهو من أخذ عنه أبو عبيد. ينظر غاية النهاية 2 | 276.
(12) لم نقع له على ترجمة وافية فيما بين أيدينا من مصادر.
(13) من المتقدمين في التفسير، أخذ عنه مقاتل بن سليمان بن بشير، والثوري وغيرهما. ينظر الوفايت 2 | 391 ـ 5 | 255 ـ 256.
(14) القيامة: 15.
(15) أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي (183 هـ) رأس الكوفة في العربية في عصره.
مراتب النحويين 74، طبقات القراء 1 | 535، الفهرست 65، إنباه الرواة 2 | 256.
(16) من علماء الكوفة بالعربية واللغة والفقه والحديث والشعر والأخبار، ومن الزهاد الثقات، توفي سنة خمس وسبعين، وقيل: ثمان وثمانين ومائة.
معجم الأدباء 17 | 5، بغية الوعاة 2 | 263، وفيات الأعيان 4 | 306.
(17) البقرة: 35.
(276)
ويروى، مرفوعاً أن القرآن نزل على لغة الكعبين، كعب بن لؤي، وكعب بن عمرو، وهو أبو خزاعة.
فأما قولنا: إنه ليس في كتاب الله تعالى شيء بغير لغة العرب فلقوله تعالى: (إنا جعلنا قرآناً عربياً) (18)، وقال: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (19) وقال الله تعالى: (بلسان عربي مبين) (20).
قال ابن عباس: ما أرسل الله جل وعز من نبي إلا بلسان قومه، وبعث الله محمداً صلى الله عليه وآله بلسان العرب.
وادعى ناس أن في القرآن ما ليس بلغة العرب، حتى ذكروا لغة الروم والقبط والنبط. فحدثني أبو الحسين محمد بن هارون (21)، قال: قال أبو عبيدة (23): إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن (كنا) بالنبطية، فقد أكبر القول. قال: وقد يوافق اللفظ اللفظ، ويفارقه، ومعناهما واحد، وأحدهما بالعربية، والآخر بالفارسية أو يرهما. قال: فمن ذلك الإستبرق، بالعربية، وهو: الغليظ من الديباج، وهو إستبره بالفارسية قال: وأهل مكة يسمون المسح الذي يجعل فيه أصحاب الطعام البر
(يُتْبَعُ)
(/)
: البلاس، وهو بالفارسية بلاس، فأمالوها وأعربوها، فقاربت الفارسية العربية في الفظ والمعنى. ثم ذكر أبو عبيدة البالغاء، وهي: الأكارع، وذكر القمنجر: الذي يصلح القسي، وذكر الدست والدشت، والخيم والسخت، ثم قال: وذلك كله من لغات العرب، وإن وافقه في لفظه ومعناه شيء من غير لغاتهم.
____________
(18) الزخرف: 3.
(19) إبراهيم: 4.
(20) الشعراء: 195.
(21) من أئمة بغداد في التفسير واللغة. ينظر وفيات الأعيان 5 | 222.
(22) من طبقة أبي عبيد القاسم بن سلام، سمع أبا عبيدة والأصمعي، توفي سنة ثنتين وثلاثين ومائتين، نزهة الألباء 65، وفيات 4 | 195 ن بغية الوعاة 2 | 206.
(23) أبو عبيدة معمر بن المثنى، التيمي ولاء، وكان من أعلم الناس باللغة وأخيار العرب وأنسابها، ولد في سنة عشر ومائة، وتوفي في سنة سبع ومائتين، وقيل غير هذا مما هو قريب منه.
نزهة الألباء 64، وفيات 5 | 235، بقية الوعاة 2 | 294 ـ 296.
(277)
وهذا كما قاله أبو عبيدة، وقول سائر أهل اللغة: أنه دخل في كلام العرب ما ليس من لغاتهم، فعلى هذا التأويل الذي تأوله أبو عبيدة.
فأما أبو عبيد القاسم بن سلام، فأخبرنا علي بن إبراهيم (24)، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، قال: أما لغات العجم في القرآن فإن الناس اختلفوا فيها، فروي عن إبن عباس وعن مجاهد (25) وابن جبير (26)، وعكرمة (27)، وعطاء (28)، وغيرهم من أهل العلم أنهم قالوا في أحرف كثيرة أنها بلغات العجم، منها: طه، والطور، والربانيون، فيقال: إنها بالسريانية، ومنها قوله: كمشكاة، و (كفلين من رحمته) (29)، يقال إنها بالحبشية، وقوله: (هيت لك) (30)، يقال: إنها بالحورانية، قال: فهذا قول أهل العلم من الفقهاء. قال: وزعم أهل العربية أن القرآن ليس فيه من كلام العجم شيء، وأنه كله بلسان عربي، يتأولون قوله جل ثناؤه: (إنا جعلناه قرآناً عربيا) (31) وقوله: (بلسان عربي مبين) (32).
____________
(24) في الصاحبي: فأخبر نعمي بن إبراهيم، تصحيف، والصحيح ما أثبتناه، وهي سلسلة روايات ابن فارس، ينظر مجمل اللغة 1 | 144 ـ 22، وغيرهما كثير.
(25) قيل: مجاهد بن جبر، وقيل: ابن سعيد، وهو أبو الحجاج، المكي مولى بني مخزوم، من أجلة التابعين، والأعلام في التفسير، اختلفغ في سنة وفاته ما بين (100 و 104 هـ).
حلية الأولياء 3 | 279 ـ 310، معجم الأدباء 6 | 242، غاية النهاية 2 | 41.
(26) أبو عبد الله سعيد بن جبير بن هشام الكوفي، من كبار التابعين وأئمتهم، شهر بالتفسير والحديث والفقه والعبادة والورع، وقتله الحجاج بن يوسف الثقفي، وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مقتصر إلى علمه، بحسب عبارة ابن حنبل.
حلية الأولياء 3 | 371 ـ 374، حلية الأولياء 4 | 272، شذرات الذهب 1 | 108.
(27) أبو عبد الله عكرمة بن عبد الله المدني، مولى عبد الله بن عباس. من العارفين بالتفسير والمغازي، واختلف في وفاته ما بين سنة 104 وسنة 115 هـ.
وفيات الأعيان 3 | 265، شذرات الذهب 1 | 130، تهذيب الأسماء 1 | 340.
(28) هو عطاء بن أبي رباح، من أعلام التابعين، إنتهت إليه الفتوى في مكة مع مجاهد. توفي في سنة 114، وقيل 15.
وفيات الأعيان 3 | 261، كتاب الوفيات 112.
(29) الحديد: 28.
(30) يوسف: 32.
(31) الزخرف: 3.
(32) الشعراء: 195.
قال أبوعبيد: والصواب من ذلك عندي، والله أعلم، مذهب فيه تصديق القولين جميعا. وذلك إن هذه الحروف اصولها أعجمية كما قال الفقهاء إلا أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية. ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب. فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: عجمية فهو صادق. قال: وإنما فسرنا هذا لئلا يقدم أحد على الفقهاء فينسبهم إلى الجهل، ويتوهم عليهم أنهم أقدموا على كتاب الله جل ثناؤه بغير ما أراد الله عزوجل، وهم كانوا أعلم بالتأويل وأشد تعظيما للقرآن.
(يُتْبَعُ)
(/)
قال أحمد بن فارس: وليس كل من خالف قائلا في مقالته فقد نسبه إلى الجهل، وذلك أن الصدر الاول اختلفوا في تأويل آي من القرآن فخالف بعضهم بعضا، ثم خلف من بعدهم من خلف، فأخذ بعضهم بقول، وأخذ بعض بقول، حسب اجتهادهم، وما دلتهم الدلالة عليه، فالقول اذا ما قاله أبوعبيدة، وإن كان قوم من الاوائل قد ذهبوا إلى غيره.
فإن قال قائل: فما تأويل قول أبي عبيدة: (فقد أعظم وأكبر)، قيل له: تأويله أنه أتى بأمر عظيم وكبير، وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شئ لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الاتيان بمثله لانه أتى بلغات لا يعرفونها، وفي ذلك ما فيه.
وإذا كان كذا فلاوجه لقول من يجيز قراءة القرآن في صلاته بالفارسية، لان الفارسية ترجمة غير معجزة، وإنما أمرالله جل ثناؤه بقراءة القرآن العربي المعجز، ولو جازت القراءة بالترجمة الفارسية لكانت كتب التفسير والمصنفات في معاني القرآن باللفظ العربي أولى بجواز الصلاة بها، وهذا لا يقوله أحد
(279)
باب القول على الحروف المفردة الدالة على المعنى
فأما الحروف التي في كتاب الله جل ثناؤه فواتح سور، فقال قوم: كل حرف منها مأخوذ من إسم من أسماء الله: فالالف من إسمه: الله، واللام من: لطيف، والميم من مجيد، فالالف من آلائه، واللام من لطفه، والميم من مجده. يروى ذا عن ابن عباس، وهو وجه جيد وله في كلام العرب شاهد، وهو:
قلنا لها قفي فقالت: قاف (33)
كذا ينشد هذا الشطر، فعبر عن قولها وقفت، بقاف.
وقال آخرون، إن الله جل ثناؤه أقسم بهذه الحروف أن هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله، هو الكتاب الذي أنزله الله جل ثناؤه، لا شك فيه.
وهذا وجه جيد، لان الله عزوجل دل على جلالة قدر هذه الحروف إذ كانت مادة البيان ومباني كتب الله عزوجل المنزلة باللغات المختلفة، وهي اصول كلام الامم، بها يتعارفون، وبها يذكرون الله جل ثناؤه. وقد أقسم الله جل ثناؤه، بالفجر والطور، وغير ذلك، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها.
وقال قوم: هذه الاحرف من التسعة وعشرين حرفا، دارت به الالسنة فليس منها حرف إلا وهو مفتاح إسم من أسمائه عزوجل. وليس منها حرف إلا وهو في آلائه وبلائه، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم. فالالف سنة، واللام ثلاثون سنة، والميم أربعون. رواه عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع ابن أنس. وهو قول حسن لطيف، لان الله جل ثناؤه، أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله والفرقان فلم يدع نظما عجيبا، ولا علما نافعا إلا أودعه إياه، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله. فليس منكرا أن ينزل الله جل ثناؤه هذه الحروف مشتملة مع إيجازها على ما قاله هؤلاء.
وقول آخر روي عن إبن عباس في (ألم): أنا الله أعلم. وفي (ألمص) أنا الله أعلم وأفصل. وهذا وجه يقرب مما مضى ذكره من دلالة الحرف الواحد على الاسم
____________
(33) الصاحبي: 122، وينظر لسان العرب (قوف).
(280)
التام، والصفة التامة.
وقال قوم: هي أسماء للسور فـ (ألم) إسم لهذه، و (حم) إسم لغيرها. وهذا يؤثر عن جماعة من أهل العلم. وذلك أن الاسماء وضعت للتمييز، فكذلك هذه الحروف في أوائل السور موضوعة لتمييز تلك السور من غيرها. فإن قال قائل: فقد رأينا (ألم) افتتح بها غير سورة فأين التمييز · قلنا: قد يقع الوفاق بين إسمين لشخصين، ثم يميز ما يجيء بعد ذلك من صفة ونعت، كما يقال: زيد وزيد، ثم يميز بأن يقال: زيد الفقيه، وزيد العربي، فكذلك إذا قرأ القارئ: (الم ذلك الكتاب) (34) فقد ميزها عن التي أولها: (الم الله لا إلا إلا هو) (35).
وقال آخرون: لكل كتاب سر: وسر القران فواتح السور، وأظن قائل هذا أراد أن ذلك من السر الذي لا يعلمه إلا الخاص من أهل العلم والراسخون فيه.
وقال قوم: إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، وقال بعضهم لبعض (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) (36)، فأنزل الله تبارك وتعالى هذا النظم ليتعجبوا منه، ويكون تعجبهم منه سببا لا ستماعهم، واستماعهم له سببا لا ستماع ما بعده، فترق حينئذ القلوب، وتلين الافئدة.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقول آخر: إن هذه الحروف ذكرت لتدل على أن القرآن مؤلف من الحروف التي هي:، أ ب ت ث، فجاء بعضها مقطعا، وجاء تمامها مؤلفا، ليدل القوم الذين نزل القرآن فيما بين ظهرانيهم أنه بالحروف التي يعقلونها، فيكون ذلك تعريفا لهم، ودلالة على عجزهم عن أن يأتوا بمثله بعد أن أعلموا أنه منزل بالحروف التي يعرفونها، ويبنون كلامهم منها.
وقال أحمد بن فارس: وأقرب القول في ذلك وأجمعه قول بعض علمائنا: إن أولى الامور أن تجعل هذه التأويلات كلها تأويلا واحدا، فيقال: إن الله عزوجل افتتح السور بهذه الحروف إرادة منه الدلالة بكل حرف منها على معان كثيرة لا على معنى واحد، فتكون هذه الحروف جامعة لان تكون افتتاحا للسور، وأن يكون كل
____________
(34) البقرة: 1.
(35) آل عمران: 1.
(36) فصلت: 26.
(281)
واحد منها مأخوذا من إسم من أسماء الله جل ثناؤه، وأن يكون الله جل ثناؤه قد وضعها هذا الموضع قسما بها، وأن كل حرف منها في آجل قوم وأرزاق آخرين. وهي مع ذلك مأخوذة من صفات الله عزوجل، في إنعامه وإفضاله ومجده، وأن الافتتاح بها سبب لان يستمع إلى القرآن من لم يكن يستمع، وأن فيها إعلاما للعرب أن القرآن الدال على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وآله، هو بهذه الحروف، وأن عجزهم عن الاتيان بثمله مع نزوله بالحروف المتعالمه بينهم دليل على كذبهم وعنادهم وجحودهم، وأن كل عدد منها إذا وقع في أول سورة فهو إسم لتلك السورة.
وهذا هو القول الجامع للتأويلات كلها من غير اطراح لواحد منها. وإنما قلنا هذا لان المعنى فيها لايمكن استخراجه عقلا من حيث يزول به العذر، ولان المرجع إلى أقاويل العلماء، ولن يجوز لاحد أن يتعرض عليهم بالطعن، وهم من العلم بالمكان الذي هم به، ولهم مع ذلك فضيلة التقدم ومزية السبق.
والله أعلم بما أراد من ذلك.
(282)
نسخ القرآن
قال أبوالحسين أحمد بن فارس: جمع القرآن على ضربين:
أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطوال، وتعقيبها بالمئين فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة.
والجمع الآخر: وهو جمع الآيات في السور، فهو توقيفي تولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ما تبقى من كتابه (المسائل الخمس) نقلا عن
البرهان للزركشي 1|237 ـ 238
مقالة (كلا) وما جاء منها في
كتاب الله
قال أبوالحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب رحمه الله تعالى:
هذه ـ أكرمك الله وأيدك ووفقك ـ مقالة (كلا)، ومعنى ما جاء من هذا الحرف في كتاب الله تعالى، واختلاف أهل العلم في موضعوعه، وأين تقع نفيا، ومتى تقع تحقيقا.
وقد فسرنا مالاح من ذلك واتجه، ودللنا على الاصح من ذلك بشواهد من غير إحالة، وبالله التوفيق.
قال بعض أهل العلم: إن (كلا) تجئ لمعنيين: للرد والاستئناف.
وقال قوم: تجيء كلا بمعنى التكذيب.
وقال آخرون: كلا: ردع وزجر.
وقال آخرون: كلا، تكون بمعنى حقا.
وقال قوم: كلا، رد وإبطال لما قبله من الخبر، كما أن (كذلك) تحقيق وإثبات لم قبله من الخبر، قال: والكاف في قوله (كلا) كاف تشبيه، و (لا) نفي وتبرئة.
(283)
وقال بعضهم: كلا، تنفي شيئا، وتوجب غيره.
فهذا ما قيل في (كلا).
وأقرب ما يقال في ذلك: أن (كلا) تقع في تصريف الكلام على أربعة أو جه:
أولها: الرد، والثاني: الردع. والثالث: صلة اليمين وافتتاح الكلام بها كألا، والوجه الرابع: التحقيق لما بعده من الاخبار.
وسأذكر ما جاء منها في كتاب الله عزوجل، على ترتيب هذه الوجوه الثلاث حكاية لمقالة من زعم: أن (كلا) منحوتة من كلمتين وأن الكاف للتشبيه والرد على قائل ذلك إن شاء الله تعالى.
زعم بعض المتأخرين أن (كلا) رد وإبطال لما قبله من الخبر، كما أن (كذلك) تحقيق، وإثبات لم قبله من الخبر، والكاف في (كلا) كاف تشبيه، وزعم أن أصل (كلا): التخفيف، إلا أنهم كانوا يكررون (لا) فيقولون: هذا الشيء كلا ولا. ثم حذفوا إحداهما، وشددوا الباقي طلبا للتخفيف، قال: ومنه قول الشاعر:
قبيلي وأهلي لم الاق مشوقهم * لوشك النوى إلا فواقا كلا ولا (37)
قال: وربما تركوه على خفته ولم يثقلوه، وذلك كقول ذي الرمة:
أصاب خصاصة فبدا كليلا * كلا وأنغل سائره انغلالا (38)
ومنه قول جرير:
(يُتْبَعُ)
(/)
يكون وقوف الركب فيها كلا ولا * غشاشا، ولا يدنون رحلا إلى رحل (39)
وهذا كلام مدخول من جهتين:
إحداهما: أنه غير محفوظ عن القدماء من أهل العلم بالعربية.
والثانية: أنه مما لا يتأيد بدليل.
____________
(37) لابي تمام في ديوان 225، وأبن فارس ـ هاهنا ـ يرويه لا مستشهدا به، وإنما حكاية عمن استشهد به من المتأخرين.
(38) الخصاصة: فرجة. والكليل: الضعيف. وانفل: غاب ودخل. الديوان 3|1518.
(39) يريد أنهم لا يحطون عن إبلهم، إنما يخفق أحدهم خفقة ثم ينتبه مسرعا كقولك: لا ولا، تريد السرعة، والغشاش: وصف للسرعة المقصودة في (لا ولا).
وهو برواية (يكون نزول الركب. . .) في الديوان 2 | 949.
(284)
والفرق ما بين (كلا)، مشددة و (كلا) مخففة بين جدا (40). وذلك أن قول القائل: هذا شئ كلا، وإنما هو تشبيه الشيء، وحقارته، وقلته وأنه لا محصول له ب (لا)، وذلك أن (لا) كلمة نفي. وأما (كلا) فكلمة مشددة بعيدة التشبيه بلا.
وبإعتبار (41) ما قلناه: أنك لو حملت قوله تعالى (كلا والقمر) (42) على معنى أنه: كلا ولا القمر، لكنت عند أهل العربية كلهم مخطئا. لان (كلا ولا) ليس بموافق لقوله: والقمر.
فإن قال قائل فما الاصل فيها · قلنا: أن (كلا) كلمة موضوعة للمعاني التي قد ذكرناها مبنية هذا البناء، وهي مثل: أن ولعل وكيف، وكل واحدة من هذه مبني بناء يدل على معنى، فكذا (كلا) كلمة مبنية بناء يدل على المعاني التي نذكرها.
وهذا قول لا إستكراه فيه.
باب
الوجه الاول من (كلا) وهو باب الرد
إعلم أنك إذا أردت رد الكلام ب (كلا) جاز لك الوقف عليها، لان المعنى قد تم عند الرد، وذلك أن تقول: كلا، لقائل: أكلت تمرا (43) أي: إني لم آكله. فقولك: كلا، مبني على خبر قد ذكره غيرك، ونفيته أنت.
قال الله عزوجل في قصة من قال: (لا وتين مالا وولدا. اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا. كلا. . .) (44) أي: إنه لم يطلع الغيب، ولم يتخذ العهد، وأصوب ما يقال في ذلك أن (كلا) رد للمعنيين جميعا وذلك أن الكافر ادعى (45)
____________
(40) المبطوع في (مقالة كلا): والامرين وكلا مشددة، وكلا مخففة مبين جدا، تحريف. والصحيح ما أثبتناه.
(41) في المطبوع: واعتبار.
(42) المدثر: 35.
(43) في المطبوع: أن تقول لقائل أكلت تمرا، فتقول كلا. وهي عبارة مضطربة، والصواب ما أثبتناه.
(44) مريم: 80 ـ 81.
(45) في الطبوع: أدي. والصواب ما أثبتناه.
(285)
أمرا فكذب فيه، ثم قيل: أتراه اتخذ عهد أم اطلع الغيب ·! كلا. أي: لا يكون ذا ولا ذاك.
وأما قوله تعالى: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا. . .) (46). فكلا: رد لما قبله، وإثبات لما بعده، لانهم زعموا أن الآلهة تكون لهم عزا، وذلك لقولهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (47). فقيل لهم: كلا، أي: ليس الامر على ما تقولون، ثم جيء بعد بخبر، وأكد بكلا وهو قوله: (سيكفرون بعبادتهم) [مريم 82].
وأما قوله في سورة المؤمنين: (لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا) (48) فلها مواضع ثلاثة:
أولها: رد لقوله: إرجعون، فقيل له: كلا، أي لا يرد (49).
والثاني: قوله تعالى (أعمل صالحا) فقيل له: كلا، أي لست ممن يعمل صالحا، وهو لقوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) (50).
والموضع الثالث: تحقيق لقوله: (إنها كلمة هو قائلها) (51).
وأما قوله في الشعراء: (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون، قال كلا) (52) فهو: رد في حالة، وردع في اخرى. فأما الردع (53) فقوله: (أخاف أن يقتلون) (54). فقيل له (كلا)، أي: لا تخف، فذا ردع. وأما الرد، فقوله: (أن يقتلون) فقيل له: لا يقتلونك، فنفى (أن يقتلون) (55) واعلم أنهم لا يصلون إلى ذلك.
____________
(46) مريم: 81.
(47) الزمر: 3.
(48) المؤمنين: 102.
(49) في المطبوع: لا ترد، تصحيف.
(50) الانعام: 28.
(51) لم يعدها آية في المطبوع. وهي من الآية 100 من سورة (المؤمنون).
(52) الشعراء: 13.
(53) في المطبوع فأما إمكان (مكان ·). وهذه زيادات لاوجه لها.
(54) الشعراء: 14.
(55) في المطبوع: (أن يقتلوه)، على توهم النصب، خارج إطار الآية.
(يُتْبَعُ)
(/)
(286)
وأما قوله في هذه السورة: (قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا) (56) فهو نفي لما قبله، واثبات لما بعده.
وأما قوله في سورة سبأ: (قل: أروني الذين الحقتم به شركاء كلا) (57) فلها تثلاثة مواضع:
أحدها أن تكون ردا على قوله: (أروني)، أي أنهم: لا يرون ذلك وكيف يرون شيئا لا يكون ·!
والموضع الثاني: قوله: (ألحقتم به شركاء) فهو رد له، أي: لا شريك له.
والثالث: أنها تحقيق لقوله: (بل هوالله العزيز الحكيم).
وقال بعض أهل التأويل: إنما رد على قوله: (ألحقتم به شركاء) دون أن يكون ردا على قوله (أروني). وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله، لما أمر بأن يقول لهم: (أروني) قال لهم ذلك. فكأنهم قالوا: هذه هي الاصنام التي تضرنا وتنفعنا فأروه إياها فرد عليهم ذلك بقوله: بل هو، أي: أن الذي يضركم وينفعكم ويرزقكم ويمعنكم هو الله. ومعنى قوله: (أروني) هاهنا: أعلموني.
وأما قوله ـ عزوجل ـ في سورة سأل سائل: (لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته ألتي تؤويه، ومن في الارض جميعا ثم ينجيه، كلا) (58) فرد لقولهم (ثم ينجيه) أو رد لقوله (لويفتدي).
وقال في هذه السورة: (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم · كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) (59) من نطفة، كما خلقنا بني آدم كلهم، ومن حكمنا في بني آدم أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالايمان والعمل الصالح فلا (60) يطمع كل امرئ منهم ليس بمؤمن ولا صالح أن يدخل الجنة ولا يدخلها، إلا مؤمن صالح العمل.
وأما قوله في سورة المدثر: (ثم يطمع أن أزيد؟ كلا) (61) فهو رد (أن
____________
(56) الشعراء: 61.
(57) سبأ: 26.
(58) المعارج: 11 ـ 15.
(59) المعارج: 38 ـ 39.
(60) في المطبوع: فلم. والصواب ما أثبتناه.
(61) المدثر: 15 ـ 16.
(287)
أزيد) (62) وذلك أن الوليد كان يقول: ما اعطعيت ما اعطيته إلا من خير، ولا حرمه غيري إلا من هوان. فإن كان ما يقوله محمد صلى الله عليه وآله، حقا فما أعطاه في الآخرة أفضل، فقيل له: (ثم يطمع أن أزيد؟ كلا)، أي لا يكون ذلك.
وكذلك قوله: (فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول: ربي أكرمن. . . إلى قوله: أهانن، كلا) (63).
ومن الرد قوله: (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة، كلا) (64) أي: لامفر أكد ذلك بقوله: (لاوزر) تأكيدا لقوله كلا.
ومنه: (إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الاولين، كلا) (65) فهورد، أي: أنها ليست بأساطير الاولين.
ومن الرد قوله: (أيحسب أن ماله أخلده، كلا) (66) أي: ليس كما يظن، فإن ماله لن يخلده.
فذا ما في القرآن من النفي والرد بكلا.
وما كان في أشعار العرب منه، وهو كثير، قول القائل:
فقالوا قد بكيت، فقلت: كلا * وهل يبكي من الطرب الجليد (67)
فنفى بذلك قولهم: قد بكيت، وقال ابن الدمينة:
أردت لكيما تجمعينا ثلاثة * أخي وابن عمي ضله من ظلالك
أردت بأن نرضى ويتفق الهوى * على الشرك، كلا، لا تظني كذلك (68)
____________
(62) في المطبوع: أن لا يزيد (كذا!).
(63) الفجر: 15 ـ 17.
(64) المدثر: 52 ـ 53.
(65) المطففين: 13 ـ 14.
(66) الهمزة: 3 ـ 4.
(67) وبعده:
ولكني أصاب سواد عيني * عويد قذى له طرف حديد
في الامالي 1|50.
(68) الديوان: 46.
(288)
وقال آخر:
أليس قليلا نظرة إن نظرتها * إليك، وكلا، ليس منك قليل (69)
وصف النظرة بالقلة، ثم تدارك فنفى أن تكون نظرته إليها قليلة.
باب
(كلا) إذا كانت تحقيقا لما بعدها
وذلك قولك: كلا، لاضربنك، ومنه في كتاب الله: (كلا إنها تذكرة) (70) إن: يكون تأكيدا، وكلا: زيادة تأكيد: ومثل: (كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون) (71). وكان بعض أهل التأويل يقول: هو رد شئ قد تقدم إلا إنه لم يذكر ظاهرا، وذلك قوله (الذي هم فيه مختلفون) [النبأ: 3]. ثم قال: (كلا) فهو رد على قوله: مختلفون، ومعناها: لا اختلاف فيه.
ومن التحقيق قوله: (كلا لما يققض ما أمره) (72)، أي: أنه لم يقض ما أمر به، وكان بعضهم يقول: معناها (إن).
(يُتْبَعُ)
(/)
ومثله: (كلا إنه تذكرة) (73). ومنه: (كلا بل تكذبون بالدين) (74) وهو تحقيق لما بعده ومنه: (كلا إن كتاب الفجار) (75). و (كلا إن كتاب الابرار) (76) و: (كلا إن الانسان ليطغى) (77) و: (كلا لئن لم ينته) (78).
____________
(69) ليزيد بن الطثرية في الديوان 53.
(70) عبس: 11.
(71) النبأ: 4 ـ 5.
(72) عبس: 23.
(73) المدثر 54.
(74) الانفطار: 9.
(75) المطففون: 7.
(76) المطففون 18.
(77) العلق: 6.
(78) العلق: 15.
(289)
باب الردع
وأما ما كان ردعا فقوله ـ جل ثناؤه ـ (الهيكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون. كلا لو. . .) (79) ردعهم عن التكاثر، ثم أعاد اخرى فقال: كلا، أي أنكم افتخرتم وتكاثرتم، وظننتم أن هذا ينفع شيئا، ثم أكد ذلك بقوله: كلا ثم كلا، إبلاغا في الموعظة.
ومنه قوله ـ عزوجل: (فأنت عنه تلهى، كلا) (80) أي: لا تفعل ذلك.
ومنه (كلا، لا تطعمه) (81).
باب صلة الايمان
وأما ما كان من صلة اليمين فقوله: (كلا والقمر) (82) فهو صلة اليمين وتأكيد لها ويقال: إن معناها ألا والقمر، أي: والقمر كذا كان أبوزكريا الفراء (83) يقول.
هذا ما في القرآن.
فإن سأل سائل عن (كلا) فقل: هي في كتاب الله على أربعة أوجه يجمعها وجهان: رد، وردع، وهما متقاربان، وتحقيق وصلة يمين، وهما متقاربان.
فالرد مثل: (ليكونوا لهم عزا، كلا) (84) وهو الذي يوقف عليه.
والردع: مثل قوله: (كلا سيعلمون) (85).
والتحقيق، مثل: (كلا، إن كتاب الابرار لفي عليين) (86).
____________
(79) التكاثر: 1 ـ 5.
(80) عبس: 10 ـ 11.
(81) العلق: 21.
(82) القمر: 35.
(83) أبوزكريا يحيى بن زياد الفراء، رأس مدرسة الكوفة في عصره (ت 207).
الفهرست 66، وفيات اللاعيان 6|176، تاريخ بغداد 14|149.
(84) مريم: 81.
(85) النبأ: 4.
(86) المطففين: 18.
(290)
وصلة اليمين: مثل قوله: (كلا والقمر) (87).
واعلم أنه ليس في النصف الاول من كتاب الله، عزوجل، كلا. وما كان منه في النصف الآخر فهو الذي أوضحنا معناه بحسب مالاح واتجه.
والله ولي التوفيق، وله الحمد وصلى الله على
سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
كتاب الافراد
(. . . وقال ابن فارس في كتاب (الافراد): كل ما في كتاب الله من ذكر (الاسف) فمعناه: الحزن، كقوله تعالى في قصة يعقوب: (يا أسفا على يوسف)، إلا قوله تعالى: (فلما آسفونا) فإن معنا: أغضبونا. وأما قوله في قصة موسى (غضبان أسفا)، فقال ابن عباس، مغتاظا.
وكل ما في القرآن من ذكر (البروج) فإنها الكواكب، كقوله تعالى: (وسماء ذات البروج) إلا التي في سورة النساء (ولو كنتم في بروج مشيدة) فإنها القصور الطوال، المرتفعة في السماء، الحصينة.
وما في القرآن من ذكر (البر) و (البحر) فإنه يراد بالبحر: الماء وبالبر: التراب اليايس، غير واحد في سورة الروم: (ظهر الفساد في البر والبحر) فإنه بمعنى البرية والعمران. وقال بعض علمائنا: في البر قتل ابن آدم أخاه، وفي البحر أخذ الملك كل سفينة غصبا.
و (البخس) في القرآن: النقص، مثل قوله تعالى: (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) إلا حرفا واحدا في سورة يوسف: (وشروه بثمن بخس)، فإن أهل التفسير قالوا: بخس: حرام.
وما في القرآن من ذكر (البعل) فهو الزوج، كقوله تعالى: (وبعلوتهن أحق بردهن) إلا حرفا واحدا في سورة الصافات: (أتدعون بعلا) فإنه أراد صنما.
وما في القرآن من ذكر (البكم) فهو الخرس عن الكلام بالايمان كقوله: (صم بكم) إنما أراد بكم عن النطق بالتوحيد مع صحة ألسنتكم، إلا حرفين: أحدهما
____________
(87) المدثر: 32.
(291)
في سورة بني اسرائيل (عميا وبكما وصما). والثاني في سورة النحل قوله عزوجل: (أحدهما أبكم) فإنهما ـ في هذين الموضعين ـ اللذان لا يقدران على الكلام.
وكل شيء في القرآن (جثيا) فمعنا: جميعا، إلا التي في سورة الشريعة (الجاثية): (وترى كل أمة جاثية) فإنه أراد: تجثو على ركبتيها.
وكل حرف في القرآن (حسبان) فهو من العدد، غير حرف في سورة الكهف (حسبانا من السماء) فإنه بمعنى العذاب.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكل ما في القران (حسرة) فهو الندامة، كقوله ـ عزوجل ـ (يا حسرة على العباد). إلا التي في سورة آل عمران: (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) فإنه يعني به حزنا.
وكل شيء في القرآن (الدحض) و (الداحض) فمعناه الباطل كقوله: (حجتهم داحضة) إلا التي في سورة الصافات (فكان من المدحضين).
وكل حرف في القرآن من (رجز) فهو العذاب، كقوله تعالى في قصة بني إسرائيل: (لئن كشف عنا الرجز) إلا التي في سورة المدثر (والرجز فاهجر) فإنه يعني الصنم فاجتنبوا عبادته.
وكل شيء في القرآن من (ريب) فهو شك، غير حرف واحد، وهو قوله تعالى: (نتربص به ريب المنون) فإنه يعني: حوادث الدهر.
وكل شيء في القرآن (نرجمنكم) أو (يرجمونكم) فهو القتل، غير التي في سورة مريم (لارجمنك) يعني لاشتمنك.
وكل شيء في القرآن من (زور) فهو الكذب، ويراد به الشرك، غير التي في المجادلة (منكر من القول وزورا) فإنه كذب غير شرك.
وكل شيء في القرآن من (زكاة) فهو المال، غير التي في سورة مريم (وحنانا من لدنا وزكاة) فإنه يعني تعطفا.
وكل شيء في القرآن من (زاعوا) و (لا تزغ) فإنه من (مالوا) و (لا تمل) غير واحدة في سورة الاحزاب (وإذ زاغت الابصار) بمعنى شخصت.
وكل شيء في القران من (يسخرون) وسخرنا) فإنه يراد فإنه يراد به الاستهزاء غير التي في سورة الزخرف: (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) فإنه أراد: أعوانا وخدما.
(292)
وكل سكينة في القرآن: طمأنينة القلب، غير واحدة في سورة البقرة (فيه سكينة من ربكم) فإنه يعني كرأس الهرة لها جناحان كانت في التابوت.
وكل شيء في القرآن من ذكر (السعير) فهو النار والوقود إلا قوله ـ عزوجل ـ: (إن المجرمين في ضلال وسعر) فإنه المعناد.
وكل شيء في القرآن من ذكر (شيطان) فإنه إبليس وجنوده وذريته، إلا قوله تعالى في سورة البقرة: (وإذا خلو إلى شياطينهم) فإنه يريد كهنتهم مثل كعب بن الاشرف وحيي بن أخطب، وأبي ياسر أخيه.
وكل شهيد في القرآن ـ غير القتلى في الغزو ـ فهم الذين يشهدون على امور الناس إلا التي في سورة البقرة قوله عزوجل: (وادعو شهداء كم) فإنه يريد شركاء كم.
وكل ما في القرآن من (أصحاب النار) فهم أهل النار إلا قوله: (وماجعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) فإنه يرد خزنتها.
وكل (صلاة) في القرآن فهي عبادة ورحمة إلا قوله تعالى: (وصلوات ومساجد) فإنه: يريد بيوت عبادتهم.
وكل (صمم) في القرآن فهو عن الاستماع للايمان، غير واحد في بني إسرائيل، قوله: ـ عزوجل ـ: (عميا وبكما وصما) معناه: لا يسمعون شيئا.
وكل (عذاب) في القرآن فهو التعذيب إلا قوله ـ عزوجل ـ: (وليشهد عذابهما) فإنه يريد الضرب.
والقانتون: المطيعون، لكن قوله ـ عزوجل ـ في البقرة: (كل له قانتون) معناه: مقرون يعني: مقرون بالعبودية.
وكل (كنز) في القرآن فهو المال إلا الذي في سورة الكهف: (وكان كنز لهما) فإنه أراد صحفان وعلما.
وكل (مصباح) في القرآن فهو الكوكب إلا الذي في سورة النور (المصباح في زجاجة) فإنه السراج في نفسة
(النكاح) في القرآن: التزويج، إلا قوله ـ جل ثناؤه ـ: (حتى إذا بلغوا النكاح) فإنه يعني الحلم.
و (النبأ) و (الانبياء) في القرآن: الاخبار، إلا قوله تعالى: (فعميت عليهم
(293)
الانباء) فإنه يعني الحج.
(الورود) في القرآن: الدخول إلا في القصص (ولما ورد ماء مدين) يعني هجم عليه ولم يدخله.
وكل شيء في القرآن من (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) يعني عن العمل إلا التي في سورة النساء (إلا ما آتاها) يعني النفقة.
وكل شئ في القرآن من (يأس) فهو القنوط، إلا التي في الرعد (أفلم ييأس الذين آمنوا) أي: لم يعلموا: قال ابن فارس: أنشدني أبي فارس بن زكريا.
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني * ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وكل شئ في القرآن من ذكر (الصبر) محمود إلا قوله عزوجل: (لولا أن صبرنا عليها) و (اصبروا على آلهتكم).
* * *
(294)
الفاتحة
* الحمد الله رب العالمين (1|2).
قال قوم: سمي العالم لاجتماعه. والمراد بالآية: الخلائق أجمعون. وكل جنس من الخلق في نفسه معلم، وعلم. جمعه: العالمون (88).
* مالك يوم الدين (1|4).
(يُتْبَعُ)
(/)
أي: يوم الحكم. وقال قوم: الحساب والجزاء. وأي ذلك كان فهو أمر ينقاد له (89).
* إياك نعبد وإياك نستعين (1|5)
معناه: فأعنا على عبادتك (90).
* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (1|7).
وهو الاستثناء بغير، تقول العرب: عشرة غير واحد، ليس هو من العشرة (91).
و (لا) من حروف الزوائد لتتميم الكلام، والمعنى: إلغاؤها (92).
سورة البقرة
* ذلك الكتاب لا ريب فيه (2|2).
الريب: الشك (93).
* سواء عليهم أانذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (2|6).
الهمزة للاستفهام، ومعناها: التسوية (94).
* في قلوبهم مرض (2|10).
____________
(88) مق 4|110.
(89) مق 2 | 319 ـ 320.
(90) ص 180.
(91) مق 4|44.
(92) صا 166.
(93) مق 2|463.
(94) صا 182.
قال أبوعبيد: والصواب من ذلك عندي، والله أعلم، مذهب فيه تصديق القولين جميعا. وذلك إن هذه الحروف اصولها أعجمية كما قال الفقهاء إلا أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية. ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب. فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: عجمية فهو صادق. قال: وإنما فسرنا هذا لئلا يقدم أحد على الفقهاء فينسبهم إلى الجهل، ويتوهم عليهم أنهم أقدموا على كتاب الله جل ثناؤه بغير ما أراد الله عزوجل، وهم كانوا أعلم بالتأويل وأشد تعظيما للقرآن.
قال أحمد بن فارس: وليس كل من خالف قائلا في مقالته فقد نسبه إلى الجهل، وذلك أن الصدر الاول اختلفوا في تأويل آي من القرآن فخالف بعضهم بعضا، ثم خلف من بعدهم من خلف، فأخذ بعضهم بقول، وأخذ بعض بقول، حسب اجتهادهم، وما دلتهم الدلالة عليه، فالقول اذا ما قاله أبوعبيدة، وإن كان قوم من الاوائل قد ذهبوا إلى غيره.
فإن قال قائل: فما تأويل قول أبي عبيدة: (فقد أعظم وأكبر)، قيل له: تأويله أنه أتى بأمر عظيم وكبير، وذلك أن القرآن لو كان فيه من غير لغة العرب شئ لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الاتيان بمثله لانه أتى بلغات لا يعرفونها، وفي ذلك ما فيه.
وإذا كان كذا فلاوجه لقول من يجيز قراءة القرآن في صلاته بالفارسية، لان الفارسية ترجمة غير معجزة، وإنما أمرالله جل ثناؤه بقراءة القرآن العربي المعجز، ولو جازت القراءة بالترجمة الفارسية لكانت كتب التفسير والمصنفات في معاني القرآن باللفظ العربي أولى بجواز الصلاة بها، وهذا لا يقوله أحد
(279)
باب القول على الحروف المفردة الدالة على المعنى
فأما الحروف التي في كتاب الله جل ثناؤه فواتح سور، فقال قوم: كل حرف منها مأخوذ من إسم من أسماء الله: فالالف من إسمه: الله، واللام من: لطيف، والميم من مجيد، فالالف من آلائه، واللام من لطفه، والميم من مجده. يروى ذا عن ابن عباس، وهو وجه جيد وله في كلام العرب شاهد، وهو:
قلنا لها قفي فقالت: قاف (33)
كذا ينشد هذا الشطر، فعبر عن قولها وقفت، بقاف.
وقال آخرون، إن الله جل ثناؤه أقسم بهذه الحروف أن هذا الكتاب الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله، هو الكتاب الذي أنزله الله جل ثناؤه، لا شك فيه.
وهذا وجه جيد، لان الله عزوجل دل على جلالة قدر هذه الحروف إذ كانت مادة البيان ومباني كتب الله عزوجل المنزلة باللغات المختلفة، وهي اصول كلام الامم، بها يتعارفون، وبها يذكرون الله جل ثناؤه. وقد أقسم الله جل ثناؤه، بالفجر والطور، وغير ذلك، فكذلك شأن هذه الحروف في القسم بها.
وقال قوم: هذه الاحرف من التسعة وعشرين حرفا، دارت به الالسنة فليس منها حرف إلا وهو مفتاح إسم من أسمائه عزوجل. وليس منها حرف إلا وهو في آلائه وبلائه، وليس منها حرف إلا وهو في مدة أقوام وآجالهم. فالالف سنة، واللام ثلاثون سنة، والميم أربعون. رواه عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن الربيع ابن أنس. وهو قول حسن لطيف، لان الله جل ثناؤه، أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله والفرقان فلم يدع نظما عجيبا، ولا علما نافعا إلا أودعه إياه، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله. فليس منكرا أن ينزل الله جل ثناؤه هذه الحروف مشتملة مع إيجازها على ما قاله هؤلاء.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقول آخر روي عن إبن عباس في (ألم): أنا الله أعلم. وفي (ألمص) أنا الله أعلم وأفصل. وهذا وجه يقرب مما مضى ذكره من دلالة الحرف الواحد على الاسم
____________
(33) الصاحبي: 122، وينظر لسان العرب (قوف).
(280)
التام، والصفة التامة.
وقال قوم: هي أسماء للسور فـ (ألم) إسم لهذه، و (حم) إسم لغيرها. وهذا يؤثر عن جماعة من أهل العلم. وذلك أن الاسماء وضعت للتمييز، فكذلك هذه الحروف في أوائل السور موضوعة لتمييز تلك السور من غيرها. فإن قال قائل: فقد رأينا (ألم) افتتح بها غير سورة فأين التمييز · قلنا: قد يقع الوفاق بين إسمين لشخصين، ثم يميز ما يجيء بعد ذلك من صفة ونعت، كما يقال: زيد وزيد، ثم يميز بأن يقال: زيد الفقيه، وزيد العربي، فكذلك إذا قرأ القارئ: (الم ذلك الكتاب) (34) فقد ميزها عن التي أولها: (الم الله لا إلا إلا هو) (35).
وقال آخرون: لكل كتاب سر: وسر القران فواتح السور، وأظن قائل هذا أراد أن ذلك من السر الذي لا يعلمه إلا الخاص من أهل العلم والراسخون فيه.
وقال قوم: إن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن لغوا فيه، وقال بعضهم لبعض (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) (36)، فأنزل الله تبارك وتعالى هذا النظم ليتعجبوا منه، ويكون تعجبهم منه سببا لا ستماعهم، واستماعهم له سببا لا ستماع ما بعده، فترق حينئذ القلوب، وتلين الافئدة.
وقول آخر: إن هذه الحروف ذكرت لتدل على أن القرآن مؤلف من الحروف التي هي:، أ ب ت ث، فجاء بعضها مقطعا، وجاء تمامها مؤلفا، ليدل القوم الذين نزل القرآن فيما بين ظهرانيهم أنه بالحروف التي يعقلونها، فيكون ذلك تعريفا لهم، ودلالة على عجزهم عن أن يأتوا بمثله بعد أن أعلموا أنه منزل بالحروف التي يعرفونها، ويبنون كلامهم منها.
وقال أحمد بن فارس: وأقرب القول في ذلك وأجمعه قول بعض علمائنا: إن أولى الامور أن تجعل هذه التأويلات كلها تأويلا واحدا، فيقال: إن الله عزوجل افتتح السور بهذه الحروف إرادة منه الدلالة بكل حرف منها على معان كثيرة لا على معنى واحد، فتكون هذه الحروف جامعة لان تكون افتتاحا للسور، وأن يكون كل
____________
(34) البقرة: 1.
(35) آل عمران: 1.
(36) فصلت: 26.
(281)
واحد منها مأخوذا من إسم من أسماء الله جل ثناؤه، وأن يكون الله جل ثناؤه قد وضعها هذا الموضع قسما بها، وأن كل حرف منها في آجل قوم وأرزاق آخرين. وهي مع ذلك مأخوذة من صفات الله عزوجل، في إنعامه وإفضاله ومجده، وأن الافتتاح بها سبب لان يستمع إلى القرآن من لم يكن يستمع، وأن فيها إعلاما للعرب أن القرآن الدال على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وآله، هو بهذه الحروف، وأن عجزهم عن الاتيان بثمله مع نزوله بالحروف المتعالمه بينهم دليل على كذبهم وعنادهم وجحودهم، وأن كل عدد منها إذا وقع في أول سورة فهو إسم لتلك السورة.
وهذا هو القول الجامع للتأويلات كلها من غير اطراح لواحد منها. وإنما قلنا هذا لان المعنى فيها لايمكن استخراجه عقلا من حيث يزول به العذر، ولان المرجع إلى أقاويل العلماء، ولن يجوز لاحد أن يتعرض عليهم بالطعن، وهم من العلم بالمكان الذي هم به، ولهم مع ذلك فضيلة التقدم ومزية السبق.
والله أعلم بما أراد من ذلك.
(282)
نسخ القرآن
قال أبوالحسين أحمد بن فارس: جمع القرآن على ضربين:
أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطوال، وتعقيبها بالمئين فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة.
والجمع الآخر: وهو جمع الآيات في السور، فهو توقيفي تولاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ما تبقى من كتابه (المسائل الخمس) نقلا عن
البرهان للزركشي 1|237 ـ 238
مقالة (كلا) وما جاء منها في
كتاب الله
قال أبوالحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب رحمه الله تعالى:
هذه ـ أكرمك الله وأيدك ووفقك ـ مقالة (كلا)، ومعنى ما جاء من هذا الحرف في كتاب الله تعالى، واختلاف أهل العلم في موضعوعه، وأين تقع نفيا، ومتى تقع تحقيقا.
وقد فسرنا مالاح من ذلك واتجه، ودللنا على الاصح من ذلك بشواهد من غير إحالة، وبالله التوفيق.
قال بعض أهل العلم: إن (كلا) تجئ لمعنيين: للرد والاستئناف.
وقال قوم: تجيء كلا بمعنى التكذيب.
وقال آخرون: كلا: ردع وزجر.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقال آخرون: كلا، تكون بمعنى حقا.
وقال قوم: كلا، رد وإبطال لما قبله من الخبر، كما أن (كذلك) تحقيق وإثبات لم قبله من الخبر، قال: والكاف في قوله (كلا) كاف تشبيه، و (لا) نفي وتبرئة.
(283)
وقال بعضهم: كلا، تنفي شيئا، وتوجب غيره.
فهذا ما قيل في (كلا).
وأقرب ما يقال في ذلك: أن (كلا) تقع في تصريف الكلام على أربعة أو جه:
أولها: الرد، والثاني: الردع. والثالث: صلة اليمين وافتتاح الكلام بها كألا، والوجه الرابع: التحقيق لما بعده من الاخبار.
وسأذكر ما جاء منها في كتاب الله عزوجل، على ترتيب هذه الوجوه الثلاث حكاية لمقالة من زعم: أن (كلا) منحوتة من كلمتين وأن الكاف للتشبيه والرد على قائل ذلك إن شاء الله تعالى.
زعم بعض المتأخرين أن (كلا) رد وإبطال لما قبله من الخبر، كما أن (كذلك) تحقيق، وإثبات لم قبله من الخبر، والكاف في (كلا) كاف تشبيه، وزعم أن أصل (كلا): التخفيف، إلا أنهم كانوا يكررون (لا) فيقولون: هذا الشيء كلا ولا. ثم حذفوا إحداهما، وشددوا الباقي طلبا للتخفيف، قال: ومنه قول الشاعر:
قبيلي وأهلي لم الاق مشوقهم * لوشك النوى إلا فواقا كلا ولا (37)
قال: وربما تركوه على خفته ولم يثقلوه، وذلك كقول ذي الرمة:
أصاب خصاصة فبدا كليلا * كلا وأنغل سائره انغلالا (38)
ومنه قول جرير:
يكون وقوف الركب فيها كلا ولا * غشاشا، ولا يدنون رحلا إلى رحل (39)
وهذا كلام مدخول من جهتين:
إحداهما: أنه غير محفوظ عن القدماء من أهل العلم بالعربية.
والثانية: أنه مما لا يتأيد بدليل.
____________
(37) لابي تمام في ديوان 225، وأبن فارس ـ هاهنا ـ يرويه لا مستشهدا به، وإنما حكاية عمن استشهد به من المتأخرين.
(38) الخصاصة: فرجة. والكليل: الضعيف. وانفل: غاب ودخل. الديوان 3|1518.
(39) يريد أنهم لا يحطون عن إبلهم، إنما يخفق أحدهم خفقة ثم ينتبه مسرعا كقولك: لا ولا، تريد السرعة، والغشاش: وصف للسرعة المقصودة في (لا ولا).
وهو برواية (يكون نزول الركب. . .) في الديوان 2 | 949.
(284)
والفرق ما بين (كلا)، مشددة و (كلا) مخففة بين جدا (40). وذلك أن قول القائل: هذا شئ كلا، وإنما هو تشبيه الشيء، وحقارته، وقلته وأنه لا محصول له ب (لا)، وذلك أن (لا) كلمة نفي. وأما (كلا) فكلمة مشددة بعيدة التشبيه بلا.
وبإعتبار (41) ما قلناه: أنك لو حملت قوله تعالى (كلا والقمر) (42) على معنى أنه: كلا ولا القمر، لكنت عند أهل العربية كلهم مخطئا. لان (كلا ولا) ليس بموافق لقوله: والقمر.
فإن قال قائل فما الاصل فيها · قلنا: أن (كلا) كلمة موضوعة للمعاني التي قد ذكرناها مبنية هذا البناء، وهي مثل: أن ولعل وكيف، وكل واحدة من هذه مبني بناء يدل على معنى، فكذا (كلا) كلمة مبنية بناء يدل على المعاني التي نذكرها.
وهذا قول لا إستكراه فيه.
باب
الوجه الاول من (كلا) وهو باب الرد
إعلم أنك إذا أردت رد الكلام ب (كلا) جاز لك الوقف عليها، لان المعنى قد تم عند الرد، وذلك أن تقول: كلا، لقائل: أكلت تمرا (43) أي: إني لم آكله. فقولك: كلا، مبني على خبر قد ذكره غيرك، ونفيته أنت.
قال الله عزوجل في قصة من قال: (لا وتين مالا وولدا. اطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا. كلا. . .) (44) أي: إنه لم يطلع الغيب، ولم يتخذ العهد، وأصوب ما يقال في ذلك أن (كلا) رد للمعنيين جميعا وذلك أن الكافر ادعى (45)
____________
(40) المبطوع في (مقالة كلا): والامرين وكلا مشددة، وكلا مخففة مبين جدا، تحريف. والصحيح ما أثبتناه.
(41) في المطبوع: واعتبار.
(42) المدثر: 35.
(43) في المطبوع: أن تقول لقائل أكلت تمرا، فتقول كلا. وهي عبارة مضطربة، والصواب ما أثبتناه.
(44) مريم: 80 ـ 81.
(45) في الطبوع: أدي. والصواب ما أثبتناه.
(285)
أمرا فكذب فيه، ثم قيل: أتراه اتخذ عهد أم اطلع الغيب ·! كلا. أي: لا يكون ذا ولا ذاك.
(يُتْبَعُ)
(/)
وأما قوله تعالى: (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا. . .) (46). فكلا: رد لما قبله، وإثبات لما بعده، لانهم زعموا أن الآلهة تكون لهم عزا، وذلك لقولهم: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (47). فقيل لهم: كلا، أي: ليس الامر على ما تقولون، ثم جيء بعد بخبر، وأكد بكلا وهو قوله: (سيكفرون بعبادتهم) [مريم 82].
وأما قوله في سورة المؤمنين: (لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا) (48) فلها مواضع ثلاثة:
أولها: رد لقوله: إرجعون، فقيل له: كلا، أي لا يرد (49).
والثاني: قوله تعالى (أعمل صالحا) فقيل له: كلا، أي لست ممن يعمل صالحا، وهو لقوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) (50).
والموضع الثالث: تحقيق لقوله: (إنها كلمة هو قائلها) (51).
وأما قوله في الشعراء: (ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون، قال كلا) (52) فهو: رد في حالة، وردع في اخرى. فأما الردع (53) فقوله: (أخاف أن يقتلون) (54). فقيل له (كلا)، أي: لا تخف، فذا ردع. وأما الرد، فقوله: (أن يقتلون) فقيل له: لا يقتلونك، فنفى (أن يقتلون) (55) واعلم أنهم لا يصلون إلى ذلك.
____________
(46) مريم: 81.
(47) الزمر: 3.
(48) المؤمنين: 102.
(49) في المطبوع: لا ترد، تصحيف.
(50) الانعام: 28.
(51) لم يعدها آية في المطبوع. وهي من الآية 100 من سورة (المؤمنون).
(52) الشعراء: 13.
(53) في المطبوع فأما إمكان (مكان ·). وهذه زيادات لاوجه لها.
(54) الشعراء: 14.
(55) في المطبوع: (أن يقتلوه)، على توهم النصب، خارج إطار الآية.
(286)
وأما قوله في هذه السورة: (قال أصحاب موسى إنا لمدركون، قال كلا) (56) فهو نفي لما قبله، واثبات لما بعده.
وأما قوله في سورة سبأ: (قل: أروني الذين الحقتم به شركاء كلا) (57) فلها تثلاثة مواضع:
أحدها أن تكون ردا على قوله: (أروني)، أي أنهم: لا يرون ذلك وكيف يرون شيئا لا يكون ·!
والموضع الثاني: قوله: (ألحقتم به شركاء) فهو رد له، أي: لا شريك له.
والثالث: أنها تحقيق لقوله: (بل هوالله العزيز الحكيم).
وقال بعض أهل التأويل: إنما رد على قوله: (ألحقتم به شركاء) دون أن يكون ردا على قوله (أروني). وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله، لما أمر بأن يقول لهم: (أروني) قال لهم ذلك. فكأنهم قالوا: هذه هي الاصنام التي تضرنا وتنفعنا فأروه إياها فرد عليهم ذلك بقوله: بل هو، أي: أن الذي يضركم وينفعكم ويرزقكم ويمعنكم هو الله. ومعنى قوله: (أروني) هاهنا: أعلموني.
وأما قوله ـ عزوجل ـ في سورة سأل سائل: (لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته ألتي تؤويه، ومن في الارض جميعا ثم ينجيه، كلا) (58) فرد لقولهم (ثم ينجيه) أو رد لقوله (لويفتدي).
وقال في هذه السورة: (أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم · كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) (59) من نطفة، كما خلقنا بني آدم كلهم، ومن حكمنا في بني آدم أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالايمان والعمل الصالح فلا (60) يطمع كل امرئ منهم ليس بمؤمن ولا صالح أن يدخل الجنة ولا يدخلها، إلا مؤمن صالح العمل.
وأما قوله في سورة المدثر: (ثم يطمع أن أزيد؟ كلا) (61) فهو رد (أن
____________
(56) الشعراء: 61.
(57) سبأ: 26.
(58) المعارج: 11 ـ 15.
(59) المعارج: 38 ـ 39.
(60) في المطبوع: فلم. والصواب ما أثبتناه.
(61) المدثر: 15 ـ 16.
(287)
أزيد) (62) وذلك أن الوليد كان يقول: ما اعطعيت ما اعطيته إلا من خير، ولا حرمه غيري إلا من هوان. فإن كان ما يقوله محمد صلى الله عليه وآله، حقا فما أعطاه في الآخرة أفضل، فقيل له: (ثم يطمع أن أزيد؟ كلا)، أي لا يكون ذلك.
وكذلك قوله: (فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول: ربي أكرمن. . . إلى قوله: أهانن، كلا) (63).
ومن الرد قوله: (بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة، كلا) (64) أي: لامفر أكد ذلك بقوله: (لاوزر) تأكيدا لقوله كلا.
ومنه: (إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الاولين، كلا) (65) فهورد، أي: أنها ليست بأساطير الاولين.
(يُتْبَعُ)
(/)
ومن الرد قوله: (أيحسب أن ماله أخلده، كلا) (66) أي: ليس كما يظن، فإن ماله لن يخلده.
فذا ما في القرآن من النفي والرد بكلا.
وما كان في أشعار العرب منه، وهو كثير، قول القائل:
فقالوا قد بكيت، فقلت: كلا * وهل يبكي من الطرب الجليد (67)
فنفى بذلك قولهم: قد بكيت، وقال ابن الدمينة:
أردت لكيما تجمعينا ثلاثة * أخي وابن عمي ضله من ظلالك
أردت بأن نرضى ويتفق الهوى * على الشرك، كلا، لا تظني كذلك (68)
____________
(62) في المطبوع: أن لا يزيد (كذا!).
(63) الفجر: 15 ـ 17.
(64) المدثر: 52 ـ 53.
(65) المطففين: 13 ـ 14.
(66) الهمزة: 3 ـ 4.
(67) وبعده:
ولكني أصاب سواد عيني * عويد قذى له طرف حديد
في الامالي 1|50.
(68) الديوان: 46.
(288)
وقال آخر:
أليس قليلا نظرة إن نظرتها * إليك، وكلا، ليس منك قليل (69)
وصف النظرة بالقلة، ثم تدارك فنفى أن تكون نظرته إليها قليلة.
باب
(كلا) إذا كانت تحقيقا لما بعدها
وذلك قولك: كلا، لاضربنك، ومنه في كتاب الله: (كلا إنها تذكرة) (70) إن: يكون تأكيدا، وكلا: زيادة تأكيد: ومثل: (كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون) (71). وكان بعض أهل التأويل يقول: هو رد شئ قد تقدم إلا إنه لم يذكر ظاهرا، وذلك قوله (الذي هم فيه مختلفون) [النبأ: 3]. ثم قال: (كلا) فهو رد على قوله: مختلفون، ومعناها: لا اختلاف فيه.
ومن التحقيق قوله: (كلا لما يققض ما أمره) (72)، أي: أنه لم يقض ما أمر به، وكان بعضهم يقول: معناها (إن).
ومثله: (كلا إنه تذكرة) (73). ومنه: (كلا بل تكذبون بالدين) (74) وهو تحقيق لما بعده ومنه: (كلا إن كتاب الفجار) (75). و (كلا إن كتاب الابرار) (76) و: (كلا إن الانسان ليطغى) (77) و: (كلا لئن لم ينته) (78).
____________
(69) ليزيد بن الطثرية في الديوان 53.
(70) عبس: 11.
(71) النبأ: 4 ـ 5.
(72) عبس: 23.
(73) المدثر 54.
(74) الانفطار: 9.
(75) المطففون: 7.
(76) المطففون 18.
(77) العلق: 6.
(78) العلق: 15.
(289)
باب الردع
وأما ما كان ردعا فقوله ـ جل ثناؤه ـ (الهيكم التكاثر، حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون، ثم كلا سوف تعلمون. كلا لو. . .) (79) ردعهم عن التكاثر، ثم أعاد اخرى فقال: كلا، أي أنكم افتخرتم وتكاثرتم، وظننتم أن هذا ينفع شيئا، ثم أكد ذلك بقوله: كلا ثم كلا، إبلاغا في الموعظة.
ومنه قوله ـ عزوجل: (فأنت عنه تلهى، كلا) (80) أي: لا تفعل ذلك.
ومنه (كلا، لا تطعمه) (81).
باب صلة الايمان
وأما ما كان من صلة اليمين فقوله: (كلا والقمر) (82) فهو صلة اليمين وتأكيد لها ويقال: إن معناها ألا والقمر، أي: والقمر كذا كان أبوزكريا الفراء (83) يقول.
هذا ما في القرآن.
فإن سأل سائل عن (كلا) فقل: هي في كتاب الله على أربعة أوجه يجمعها وجهان: رد، وردع، وهما متقاربان، وتحقيق وصلة يمين، وهما متقاربان.
فالرد مثل: (ليكونوا لهم عزا، كلا) (84) وهو الذي يوقف عليه.
والردع: مثل قوله: (كلا سيعلمون) (85).
والتحقيق، مثل: (كلا، إن كتاب الابرار لفي عليين) (86).
____________
(79) التكاثر: 1 ـ 5.
(80) عبس: 10 ـ 11.
(81) العلق: 21.
(82) القمر: 35.
(83) أبوزكريا يحيى بن زياد الفراء، رأس مدرسة الكوفة في عصره (ت 207).
الفهرست 66، وفيات اللاعيان 6|176، تاريخ بغداد 14|149.
(84) مريم: 81.
(85) النبأ: 4.
(86) المطففين: 18.
(290)
وصلة اليمين: مثل قوله: (كلا والقمر) (87).
واعلم أنه ليس في النصف الاول من كتاب الله، عزوجل، كلا. وما كان منه في النصف الآخر فهو الذي أوضحنا معناه بحسب مالاح واتجه.
والله ولي التوفيق، وله الحمد وصلى الله على
سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
كتاب الافراد
(. . . وقال ابن فارس في كتاب (الافراد): كل ما في كتاب الله من ذكر (الاسف) فمعناه: الحزن، كقوله تعالى في قصة يعقوب: (يا أسفا على يوسف)، إلا قوله تعالى: (فلما آسفونا) فإن معنا: أغضبونا. وأما قوله في قصة موسى (غضبان أسفا)، فقال ابن عباس، مغتاظا.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكل ما في القرآن من ذكر (البروج) فإنها الكواكب، كقوله تعالى: (وسماء ذات البروج) إلا التي في سورة النساء (ولو كنتم في بروج مشيدة) فإنها القصور الطوال، المرتفعة في السماء، الحصينة.
وما في القرآن من ذكر (البر) و (البحر) فإنه يراد بالبحر: الماء وبالبر: التراب اليايس، غير واحد في سورة الروم: (ظهر الفساد في البر والبحر) فإنه بمعنى البرية والعمران. وقال بعض علمائنا: في البر قتل ابن آدم أخاه، وفي البحر أخذ الملك كل سفينة غصبا.
و (البخس) في القرآن: النقص، مثل قوله تعالى: (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) إلا حرفا واحدا في سورة يوسف: (وشروه بثمن بخس)، فإن أهل التفسير قالوا: بخس: حرام.
وما في القرآن من ذكر (البعل) فهو الزوج، كقوله تعالى: (وبعلوتهن أحق بردهن) إلا حرفا واحدا في سورة الصافات: (أتدعون بعلا) فإنه أراد صنما.
وما في القرآن من ذكر (البكم) فهو الخرس عن الكلام بالايمان كقوله: (صم بكم) إنما أراد بكم عن النطق بالتوحيد مع صحة ألسنتكم، إلا حرفين: أحدهما
____________
(87) المدثر: 32.
(291)
في سورة بني اسرائيل (عميا وبكما وصما). والثاني في سورة النحل قوله عزوجل: (أحدهما أبكم) فإنهما ـ في هذين الموضعين ـ اللذان لا يقدران على الكلام.
وكل شيء في القرآن (جثيا) فمعنا: جميعا، إلا التي في سورة الشريعة (الجاثية): (وترى كل أمة جاثية) فإنه أراد: تجثو على ركبتيها.
وكل حرف في القرآن (حسبان) فهو من العدد، غير حرف في سورة الكهف (حسبانا من السماء) فإنه بمعنى العذاب.
وكل ما في القران (حسرة) فهو الندامة، كقوله ـ عزوجل ـ (يا حسرة على العباد). إلا التي في سورة آل عمران: (ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) فإنه يعني به حزنا.
وكل شيء في القرآن (الدحض) و (الداحض) فمعناه الباطل كقوله: (حجتهم داحضة) إلا التي في سورة الصافات (فكان من المدحضين).
وكل حرف في القرآن من (رجز) فهو العذاب، كقوله تعالى في قصة بني إسرائيل: (لئن كشف عنا الرجز) إلا التي في سورة المدثر (والرجز فاهجر) فإنه يعني الصنم فاجتنبوا عبادته.
وكل شيء في القرآن من (ريب) فهو شك، غير حرف واحد، وهو قوله تعالى: (نتربص به ريب المنون) فإنه يعني: حوادث الدهر.
وكل شيء في القرآن (نرجمنكم) أو (يرجمونكم) فهو القتل، غير التي في سورة مريم (لارجمنك) يعني لاشتمنك.
وكل شيء في القرآن من (زور) فهو الكذب، ويراد به الشرك، غير التي في المجادلة (منكر من القول وزورا) فإنه كذب غير شرك.
وكل شيء في القرآن من (زكاة) فهو المال، غير التي في سورة مريم (وحنانا من لدنا وزكاة) فإنه يعني تعطفا.
وكل شيء في القرآن من (زاعوا) و (لا تزغ) فإنه من (مالوا) و (لا تمل) غير واحدة في سورة الاحزاب (وإذ زاغت الابصار) بمعنى شخصت.
وكل شيء في القران من (يسخرون) وسخرنا) فإنه يراد فإنه يراد به الاستهزاء غير التي في سورة الزخرف: (ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) فإنه أراد: أعوانا وخدما.
(292)
وكل سكينة في القرآن: طمأنينة القلب، غير واحدة في سورة البقرة (فيه سكينة من ربكم) فإنه يعني كرأس الهرة لها جناحان كانت في التابوت.
وكل شيء في القرآن من ذكر (السعير) فهو النار والوقود إلا قوله ـ عزوجل ـ: (إن المجرمين في ضلال وسعر) فإنه المعناد.
وكل شيء في القرآن من ذكر (شيطان) فإنه إبليس وجنوده وذريته، إلا قوله تعالى في سورة البقرة: (وإذا خلو إلى شياطينهم) فإنه يريد كهنتهم مثل كعب بن الاشرف وحيي بن أخطب، وأبي ياسر أخيه.
وكل شهيد في القرآن ـ غير القتلى في الغزو ـ فهم الذين يشهدون على امور الناس إلا التي في سورة البقرة قوله عزوجل: (وادعو شهداء كم) فإنه يريد شركاء كم.
وكل ما في القرآن من (أصحاب النار) فهم أهل النار إلا قوله: (وماجعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) فإنه يرد خزنتها.
وكل (صلاة) في القرآن فهي عبادة ورحمة إلا قوله تعالى: (وصلوات ومساجد) فإنه: يريد بيوت عبادتهم.
وكل (صمم) في القرآن فهو عن الاستماع للايمان، غير واحد في بني إسرائيل، قوله: ـ عزوجل ـ: (عميا وبكما وصما) معناه: لا يسمعون شيئا.
(يُتْبَعُ)
(/)
وكل (عذاب) في القرآن فهو التعذيب إلا قوله ـ عزوجل ـ: (وليشهد عذابهما) فإنه يريد الضرب.
والقانتون: المطيعون، لكن قوله ـ عزوجل ـ في البقرة: (كل له قانتون) معناه: مقرون يعني: مقرون بالعبودية.
وكل (كنز) في القرآن فهو المال إلا الذي في سورة الكهف: (وكان كنز لهما) فإنه أراد صحفان وعلما.
وكل (مصباح) في القرآن فهو الكوكب إلا الذي في سورة النور (المصباح في زجاجة) فإنه السراج في نفسة
(النكاح) في القرآن: التزويج، إلا قوله ـ جل ثناؤه ـ: (حتى إذا بلغوا النكاح) فإنه يعني الحلم.
و (النبأ) و (الانبياء) في القرآن: الاخبار، إلا قوله تعالى: (فعميت عليهم
(293)
الانباء) فإنه يعني الحج.
(الورود) في القرآن: الدخول إلا في القصص (ولما ورد ماء مدين) يعني هجم عليه ولم يدخله.
وكل شيء في القرآن من (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) يعني عن العمل إلا التي في سورة النساء (إلا ما آتاها) يعني النفقة.
وكل شئ في القرآن من (يأس) فهو القنوط، إلا التي في الرعد (أفلم ييأس الذين آمنوا) أي: لم يعلموا: قال ابن فارس: أنشدني أبي فارس بن زكريا.
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني * ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وكل شئ في القرآن من ذكر (الصبر) محمود إلا قوله عزوجل: (لولا أن صبرنا عليها) و (اصبروا على آلهتكم).
* * *
(294)
الفاتحة
* الحمد الله رب العالمين (1|2).
قال قوم: سمي العالم لاجتماعه. والمراد بالآية: الخلائق أجمعون. وكل جنس من الخلق في نفسه معلم، وعلم. جمعه: العالمون (88).
* مالك يوم الدين (1|4).
أي: يوم الحكم. وقال قوم: الحساب والجزاء. وأي ذلك كان فهو أمر ينقاد له (89).
* إياك نعبد وإياك نستعين (1|5)
معناه: فأعنا على عبادتك (90).
* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين (1|7).
وهو الاستثناء بغير، تقول العرب: عشرة غير واحد، ليس هو من العشرة (91).
و (لا) من حروف الزوائد لتتميم الكلام، والمعنى: إلغاؤها (92).
سورة البقرة
* ذلك الكتاب لا ريب فيه (2|2).
الريب: الشك (93).
* سواء عليهم أانذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (2|6).
الهمزة للاستفهام، ومعناها: التسوية (94).
* في قلوبهم مرض (2|10).
____________
(88) مق 4|110.
(89) مق 2 | 319 ـ 320.
(90) ص 180.
(91) مق 4|44.
(92) صا 166.
(93) مق 2|463.
(94) صا 182.
المرض: ما يخرج به الانسان عن حد الصحة في أي شيء كان. والمراد ـ هاهنا ـ: النفاق (95).
* وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (2|11 ـ 12).
ألا: إفتتاح كلام، وقيل: إن الهمزة لتنبيه، و (لا) نفي لدعوى وهي ـ هاهنا نفي للاصلاح عنهم (96).
* واذا خلوا إلى شياطينهم (2|14)
يقال: خلا فلان إلى فلان: إذا اجتمعا في الخلوة (97).
* وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون الله يستهزئ بهم (2|14 ـ 15).
هذا مما يترك حكم ظاهر لفظه، لانه محمول على معناه، وإن كان جعله في باب المحاذاة أحسن (98)، والمحاذاة: أن يجعل كلام بحذاء كلام فيؤتى به على وزنه لفظا، وإن كانا مختلفين (99).
* فلما اضاءت ما حوله (2|17).
الضوء، والضوء، بمعنى. وهو: الضياء والنور. قال أبوعبيد: أضاءت النار، وأضاءت غيرها (100).
* أو كصيب من السماء (2|19).
الصيب: السحاب ذو الصوب (101).
* يجعلون أصابعهم في آذانهم (2|19).
الاصابع: واحدهما إصبع الانسان. قالوا: الاصبع مؤنثة، وقالوا: قد يذكر.
____________
(95) مق (5|311.
(96) صا 133.
(97) مق 2|258.
(98) صا 254.
(99) صا 230.
(100) مق 3|376.
(101) مق 3|318.
(296)
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:
هل أنت إلا إصبع دميت * في سبيل الله ما لقيت (102).
هكذا على التأنيث (103). ويقولون: إن ولد قحطان يسمون الاصابع: الشناتر (104).
* يكاد البرق يخطف أبصارهم (2|20).
الخطف: الاستلاب. تقول: خطفته أخطفه، وخطفته أخطفه، وبرق خاطف الابصار (105).
* كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم (2|28).
كيف: من التعجيب (106).
* أتجعل فيها من يفسد فيها (2|30).
(يُتْبَعُ)
(/)
إستخبار، والمعنى: إسترشاد (107).
* وعلم آدم الاسماء كلها (2|31).
علمه الاسماء كلها، وهي هذه الاسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وجمل وحمار، وأشباه ذلك من الامم وغيرها (108).
* وعلم آدم الاسماء كلها (2|31).
كان ابن عباس يقول: علمه الاسماء كلها، وهي هذه الاسماء التي يتعارفها الناس من دابة، وأرض، وسهل، وجبل، وجمل، وحمار، وأشباه ذلك من الامم وغيرها، وروى خصيف (109) عن مجاهد قال: علمه إسم كل شيء، وقال غيرهما: إنما علمه أسماء الملائكة. وقال آخرون: علمه أسماء ذريته أجمعين. والذي نذهب إليه في ذلك ما ذكرناه عن إبن عباس. فإن قال قائل: لو كان ذلك كما تذهب إليه لقال:
____________
(102) مجمل اللغة 3|258، للسان (صبع).
(103) مق 3|331.
(104) صا 55.
(105) مقا 2|196.
(106) يريد أنها إستفهام خرج إلى التعجب. صا 159.
(107) يريد أنه خبر يؤدي معنى الاسترشاد، أي: طلب الارشاد. صا 182.
(108) صا 31.
(109) راوية من التابعين، أخذ عن مجاهد، وسعيد بن جبير ومن في طبقتهما، ينظر وفيات الاعيان 2|372.
(297)
(ثم عرضهن أو عرضها) فلما قال: عرضهم، علم أن ذلك الاعيان بني آدم أو الملائكة، لان موضوع الكناية في كلام العرب أن يقال لما يعقل: (عرضهم)، ولما لا يعقل عرضها أو عرضهن، قيل له: إنما قال ذلك ـ والله أعلم ـ لانه جمع ما يعقل وما لا يعقل، فغلب ما يعقل، وهي سنة من سنن العرب، أعني باب التغليب، وذلك كقوله ـ جل ثناؤه ـ: (والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع، يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) (110)، فقال: (منهم) تغليبا لمن يمشي على رجلين، وهم بنو آدم (111).
* اسكن أنت وزوجك الجنة (2|35).
زعم الكسائي عن القاسم بن معن أن (زوجك) لغة لازد شنوءة، وهم من اليمن (112) وزوجها: بعلها، وهو الفصيح (113).
* أوفوا بعهدي أوف بعهدكم (2 |40).
بيان هذا العهد، قوله تعالى: (لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي) (114) فهذا عهده، جل ثناؤه، وعهدهم تمام الآية في قوله، جل ثناؤه: (لاكفرن عنكم سيئاتكم) (115) فإذا وفوا بالعهد الاول أعطوا ما وعدوه (116).
* ولا تكونوا أول كافر به (2|41).
الكفر لا يجوز في حال من الاحوال. ومذهب العرب، أن العربي قد يذكر الشئ باحدى صفتيه فيؤثر ذلك، وقد يذكره فلا يؤثر، بل يكون الامر في ذلك وفي غيره سواء، ألا ترى القائل يقول:
من أناس ليس من أخلاقهم * عاجل الفحش، ولا سوء الطمع (117)
فلو كان الامر على ما يذهب إليه من يخالف مذهب العرب لاستجيز: آجل
____________
(110) النور: 45.
(111) صا 32.
(112) صا 58 ـ 59.
(113) مق 3|35.
(114) المائدة: 12.
(115) المائدة: 12.
(116) صا 240 ـ 241.
(117) الصاحبي 195.
(298)
الفحش، إذ كان الشاعر إنما ذكر العاجل.
وحكى ناس عن أبي عبيد أنه كان يقول بالمذهب الاول، ويقول في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لي الواجد يحل عقوبته وعرضه) فدل أن غير الواجد مخالف للواجد.
والذي نقوله في هذا الباب أن أبا عبيد إنما سلك فيما قاله من هذا مسلك التأول، ذاهبا إلى مذهب من يقول بهذه المقالة، ولم يحك ما قاله عن العرب. فأما في الذي تأوله فإنا نحن نخالفه فيه (118).
* وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة (2|43).
إذا جاء الخطاب بلفظ مذكر ولم ينص فيه على ذكر الرجال، فإن ذلك الخطاب شامل للذكران والاناث (119).
* وأقيموا الصلاة (2|43).
فهذا مجمل غير مفصل حتى فسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مما يشكل لانه لا يحد في نفس الخطاب، وقد فسره النبي (120). وهو بلفظ الامر (أفعل) (121).
* واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة (2|45).
أي: وانهما، وهذا من باب نسبة الفعل إلى أحد إثنين، وهو لهما (122).
* يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئا (2|48).
أي: لا تقضي، وأهل المدينة يسمون المتقاضي: المتجازي (123).
* فتوبوا إلى بارئكم (2|54).
البارئ: الله، جل ثناؤه (124).
____________
(118) صا 196.
(119) صا 188.
(120) صا 76.
(121) صا 184.
(122) صا 218.
(123) مق 1|456.
(يُتْبَعُ)
(/)
(124) مق 1|226.
(299)
* وقولوا حطة (2|58 ـ والاعراف 161).
قالوا: كلمة امربها بنو إسرائيل لو قالوها لحطت أو زارهم (125)، وقالوا: تفسيرها: اللهم حط عنا أوزارنا (126).
* كونوا قردة خاسئين (2|65).
اللفظ أمر، والمعنى تكوين. وهذا لا يجوز أن يكون إلا من الله، جل ثناؤه (127).
* لا فارض ولا بكر (2|68).
الفارض: المسنة (128).
* فذبحوها وما كادوا يفعلون (2|71).
إذا قرنت (كاد) بجحد فقد وقع، إذا قلت: ما كاد يفعله، فقد فعله (129).
* وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها (2|72).
وينسب الفعل إلى الجماعة وهو لواحد منهم. وإنما كان القاتل واحدا (130).
* فقلنا: اضربوه ببعضها، كذلك (2|73).
وهذا من الاضمار، معناه: فضربوه فحي (131).
* كذلك يحيي الله الموتى (2|73).
وهو أيضا، من الاضمار (132).
* ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة (2|74).
القسوة: من غلظ القلب، وهي من قسوة الحجر (133) وقال بعضهم: بعضها
____________
(125) مج 2|15.
(126) مق 2|13.
(127) صا 185.
(128) مج 4|89.
(129) مق 5|145.
(130) صا 217.
(131) صا 235.
(132) صا 235.
(133) مق 5|87.
(300)
كالحجارة، وبعضها أشد قسوة، أي: هي ضربان، ضرب كذا، وضرب كذا (134).
* لا يعلمون الكتاب إلا أماني (2|78).
تمنى الرجل الكتاب: إذا قرأه (135).
* وقالوا: قلوبنا غلف (2|88).
أي أوعية للعلم (136).
* فقليلا ما يؤمنون (2|88).
كان قطرب (137) يقول: إن العرب تدخل، لا، وما، توكيدا في الكلام (138).
* واشربوا في قلوبهم العجل (2 | 93).
أشرب فلان حب فلان: إذا خالط قلبه، وقال المفسرون: حب العجل (139).
* قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله (2|97).
هذا مما لا يعلم معناه إلا بمعرفة قصته (140).
* ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق (2|102).
فأثبت لهم علما، ثم قال: (ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102) لما كان علما يعلموا به، كانوا كأنهم لا يعلمون (141).
* فلم تقتلون أنبياء الله من قبل (2|91).
وهذا مما جاء بلفظ المستقبل وهو في المعنى ماض · وقوله ـ جل ثناؤه ـ:
* واتبعوا ما تتلوا الشياطين (2|102) أي: ما تلت (142).
* لا تقولوا راعنا (2 | 104).
____________
(134) صا 129.
(135) مج 4|296.
(136) صا 242.
(137) محمد بن المستنير، المعروف بقطرب، صاحب المثلثات في اللغة والعشرات، وغيرها. فهرست ابن النديم 52، طبقات النحويين 106، تأريخ بغداد 3|298. إنباه الرواة 3|219. (138) صا 165.
(139) مق 3 | 268.
(140) صا 76.
(141) صا 259.
(142) صا 220.
(301)
راعنا: كلمة كانت اليهود تتساب بها، وهو من (الارعن) ومن قرأها (راعنا) منونة فتأويلها: لا تقولوا حمقا من القول، وهو الكلام الارعن: أي: المضطرب الاهوج (مق 3|408).
* من خير من ربكم (2|105).
من: صلة (143).
* أم تريدون أن تسألوا رسولكم (2|108).
كان أبوعبيدة يقول: أم تأتي بمعنى ألف الاستفهام، بمعنى: أتريدون؟ (144).
* قل هاتوا برهانكم (2 | 111).
هات: بمعنى: أعط. على لفظ رام وعاط. قال الفراء: ولم تسمع في الاثنين إنما تقال للواحد والجميع (145).
* ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب (2|177).
يقولون: فلان يبر ربه، أي: يطيعه، وهو الصدق (146).
* إني جاعلك للناس إماما (2|124).
جعل: صير (147).
* وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا (2|125).
المثابة: المكان يثوب إليه الناس. قال أهل التفسير: مثابة: يثوبون إليه لا يقضون منه وطرا أبدا (148).
* رب اجعل هذا البلد آمنا (2|126).
آمنا: ذا أمن (149).
* لا نفرق بين أحد منهم (2|136).
____________
(143) صا 173.
(144) صا 126.
(145) صا 175 ـ 176.
(146) مق 1|177.
(147) مج 1 | 441.
(148) مق 1|393.
(149) مق 1|135.
(302)
التفريق لا يكون إلا بين اثنين. وهذا من سنن العرب ذكر الواحد والمراد الجميع (150).
* وما جعلنا القبلة التي كنت عليها (2|143).
بمعنى: أنت عليها (151)
* امة وسطا (2|143).
أعدل الشيء أوسطه، ووسطه (152) والوسط من كل شيء: أعدله (153).
* ولكل وجهة (2|148).
(يُتْبَعُ)
(/)
الوجهة: كل موضع استقبلته (154).
* لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا (2|150).
أراد: إلا على الذين ظلموا، فإن عليهم الحجة (155).
* فولوا وجوهكم شطره (2|150).
شطر كل شيء: قصده وجهته (156).
* إن الصفا والمروة من شعائر الله (2|158).
الشعائر: واحدتها شعيرة، وهي: أعلام الحج وأعماله (157).
* فما أصبرهم على النار (2|175).
هذا من التعجب، وقد قيل إن معنى هذا: ما الذي صبرهم؟ وآخرون يقولون: ما أصبرهم! ما أجرأهم! (158).
* وآتى المال على حبه (2|177).
____________
(150) صا 211.
(151) صا 236.
(152) مق 6|108.
(153) مج 4|524.
(154) مق 6|89.
(155) صا 126.
(156) مج 3|158.
(157) مق 3|194.
(158) صا 188.
(303)
الحب في الظاهر مضاف إلى المال، وهو في الحقيقة لصاحب المال (159).
* فمن خاب من موص جنفا (2|182).
يقال جنف: إذا عدل وجار (160). والجنف: الميل (161).
* كتب عليكم الصيام (2|183). الكتاب: الفرض (مق 5|159).
* وإن تصوموا خير لكم (2|184).
بمعنى: الصوم خير لكم (162).
* أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم (2|178).
الرفث: النكاح (163).
* حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر (2|187).
الخيط الابيض: بياض النهار، والخبط الاسود: سواد الليل (164).
* وتدلوا بها إلى الحكام (2|188).
أدلى بماله إلى الحاكم: إذا دفعه إليه (165).
* لاعدوان إلا على الظالمين (2|193).
للعرب كلام بألفاظ تختص به معان لا يجوز نقلها إلى غيرها. وهذا مما لا يقال في الخير (166).
* واتموا الحج والعمرة لله (2|196).
الاتمام: القيام بالامر، أي: قوموا بفرضها (167).
* فإن احصرتم (2|196).
____________
(159) صا 249.
(160) مق 1|486.
(161) مج 1|464.
(162) صا 131.
(163) مج 2|403. مق 2|421.
(164) مق 2|233.
(165) مق 2|293.
(166) صا 264.
(167) مج 1|320 (وحواشيه).
(304)
أحصره المرض: إذا منعه من سفر أو حاجة يريدها (168).
* فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي (2|196).
أي: فعليكم (169).
* فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة (2|196).
تقول العرب: عشرة وعشرة فتلك عشرون: وذلك زيادة في التأكيد. وإنما قال، تبارك وتعالى، (ثلاثة أيام في الحج، وسبعة. . .) لنفي الاحتمال أن يكون أحدهما واجبا: إما ثلاثة، وإما سبعة، فأكد وازيل التوهم بأن جمع بينهما (170).
* ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس (2|199).
أفاض القوم من عرفة: إذا دفعوا، وذلك كجريان السيل (171).
* كان الناس امة واحدة (2|213).
قيل: كانوا كفارا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين. وقيل: كان جميع من مع نوح (عليه السلام) في السفينة مؤمنا ثم تفرقوا (172).
* وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصرالله · ألا ان نصر الله قريب (2|214).
قالوا: لما لم يصلح أن يقول الرسول: متى نصر الله · كان التأويل وزلزلوا حتى قال المؤمنون: متى نصرالله · فقال الرسول: ألا إن نصرالله قريب، ورد الكلام إلى من صلح أن يكون له (صا 245).
* عسى أن تكرهوا شيئا (2|216).
قال الكسائي: كل ما في القرآن على وجه الخبر فهو موحد، ووحد على: عسى الامرأن يكون كذا (173).
* نساؤكم حرث لكم (2|223).
____________
(168) مج 2|76.
(169) صا 234.
(170) صا 271 ـ 272.
(171) مق 4|465.
(172) مق 1|27.
(173) صا 157.
(305)
المرأة حرث الزوج: لانها مزدرع ولده (174). فهذا تشبيه (175).
* لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم (2|225).
أي: مالم تعتقدوه بقلوبكم. والفقهاء يقولون: هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله. وقوم يقولون: هو قول الرجل لسواد مقبلا: والله إن هذا فلان، يظنه إياه، ثم لا يكون كما ظن، قالوا: فيمينه لغو، لانه لم يتعمد الكذب (176). واللغو مالم يعقد عليه. القلب من الايمان واشتقاق ذلك من قولهم لما لم يعد من أولاد الابل في الدية، أو غيرها: لغو (177).
* والمطلقات يتربصن (2|228).
خبر يحتمل معنى الامر (178).
* والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (2|228).
هذا مما يختلف فيه الفقهاء، وهو مما يوكل إلى غير الاحتجاج بلغة العرب (179).
(يُتْبَعُ)
(/)
* الطلاق مرتان (2|229).
المعنى: من طلق امرأته مرتين فليمسكها بعدهما بمعروف، أو يسرحها بإحسان (180).
* فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله (2|230).
قوله (إن ظنا) شرط لاطلاق المراجعة، فلو كان محتوما مفروضا لما جاز لهما أن يتراجعا إلا بعد الظن أن يقيما حدود الله، فالشرط، هاهنا كالمجاز غير المعزوم (181).
* فلا تعضلوهن (2|232).
____________
(174) مج 2|53.
(175) مق 2|49.
(176) مق 5|255 ـ 256.
(177) مج 4|281 ـ 282.
(178) صا 179.
(179) صا 63.
(180) صا 180.
(181) صا 260.
(306)
هذا من المشكل لغرابة لفظه، وصنف فيه علماؤنا كتب غريب القرآن (182).
* حتى يبلغ الكتاب أجله (2|232).
حتى: للغاية (183).
* والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن (2|234).
خبر عن الازواج وترك الذين (184).
* لا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء (2|235).
الخطبة في النكاح: الطلب أن يزوج (185).
* ولكن لا تواعدوهن سرا (2|235).
كناية عن النكاح (186).
* قوموا لله قانتين (2|238).
قيل: لطول القيام في الصلاة قنوت. وسمي السكوت في الصلاة والاقبال عليها قنوتا (187).
* وزاده بسطة في العلم والجسم (2 | 247).
البسطة في كل شيء: السعة. وهو بسيط الجسم والباع والعلم (188).
* قال الذين يظنون انهم ملاقوا الله (2|249).
ظننت ظنا، أي: أيقنت (189).
* إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني (2|249).
الاطعام يقع في كل ما يطعم، حتى الماء (190).
____________
(182) صا 74 ـ 75.
(183) صا 150.
(184) صا 217.
(185) مق 2|198.
(186) صا 26.
(187) مق 5|31.
(188) مق 1|47 ·.
(189) مق 3|462).
(190) مج 3|322.
(307)
* ولا يؤوده حفظهما (2|255).
آدني الشيء، يؤودني، أودا: إذا أثقلك (191).
* فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها (2|256).
يقال: إن عروة الاسلام: بقيته، كقولهم: بأرض بني فلان عروة، أي: بقية من كلا. وهذا عندي كلام فيه جفاء، لان الاسلام والحمد لله باق أبدا، وإنما عرى الاسلام: شرائعه التي يتمسك بها، كل شريعة عروة (192).
* يخرجونهم من النور إلى الظلمات (2|257).
وهم لم يكونوا في نور قط. وهذا من النظم الذي للعرب لا يقوله غيرهم (193).
* أنى يحيي هذه الله. . (2|259).
أنى: بمعنى: كيف (194).
* فصرهن إليك (2|260).
أي: قطعهن إليك، وشققهن، من: صار (195).
* فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت (2|226).
الاعصار: غبار العجاجة (196).
* يكفر عنكم من سيئاتكم (2|271).
من، هاهنا، صلة، ومثله (من خير من ربكم) (105) (197).
* إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس (2|276).
يقال لداء يشبه الجنون: الخباط، كأن الانسان يتخبط (198).
* ومنهم من يلمزك في الصدقات (2|276).
____________
(191) مج 1 | 215.
(192) مق 4|296.
(193) صا 266.
(194) صا 142.
(195) مج 3|249.
(196) مق 4|343.
(197) صا 172.
(198) مق 2|241.
(308)
اللمز: العيب، يقال لمز، يلمز لمزا (199).
* يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله (2|278).
إذا جاء الخطاب بلفظ المذكر، ولم ينص فيه على ذكر الرجال فإن ذلك الخطاب شامل للذكران، والاناث (200).
* وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (2|280)
الاقلال: عسرة، لان الامر ضيق عليه، شديد (201). ويقولون: كان الشئ يكون كونا: إذا وقع وحضر (202).
سورة آل عمران
* وما يعلم تأويله إلا الله (3|7).
أي: لا يعلم الآجال والمدد إلا الله (203).
* شهد الله أنه لا إله إلا هو (3|18).
قال أهل العلم: معناه: أعلم الله عزوجل، بين الله، كما يقال: شهد فلان عند القاضي: إذا بين وأعلم لمن الحق، وعلى من هو (204).
* ويحذركم الله نفسه (3 | 28).
أي: إياه (205).
* وكفلها زكريا (3|37).
الكافل: الذي يكفل إنسانا يعوله (206).
* من أنصاري إلى الله (3|52).
____________
(199) مق 5|209.
(200) صا 188.
(201) مق 4|319.
(202) مق 5|148.
(203) صا 193.
(204) مج 3|181. مق 3|221.
(205) صا 252.
(206) مق 5|188.
(309)
(يُتْبَعُ)
(/)
قالوا: بمعنى: مع الله، وقال قوم: معناها من يضيف نصرته إلى نصرة الله، عزوجل، لي، فيكون (إلى) بمعنى الانتهاء (207).
* ومكروا ومكر الله (3|54).
الجزاء عن الفعل بمثل لفظه، وهذا من المحاذاة (208).
* ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين (3|61).
الابتهال والتضرع في الدعاء. والمباهلة: يرجع إلى هذا، فإن المتباهلين يدعو كل واحد منهما على صاحبه (209).
* ولكن كان حنيفا مسلما (3|67).
الحنيف: المائل إلى الدين المستقيم (210).
وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله (3|101).
كيف، هاهنا، للتوبيخ (211).
* ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير (3|104).
الامة: جماعة العلماء (212).
* فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم (3|106).
معناه: فيقال لهم (213).
* كنتم خير امة أخرجت للناس (3|110).
أي: أنتم (214).
* يولوكم الادبار ثم ينصرون (3|111).
ثم، هاهنا، على بابها، أي: لتراخي الثاني عن الاول (215).
____________
(207) صا 132.
(208) صا 231.
(209) مق 1|311.
(210) مج 2|114.
(211) صا 160.
(212) مق 1|27 ـ 28.
(213) صا 219.
(214) صا 219.
(215) صا 148.
(310)
* قل موتوا بغيظكم (3|119).
اللفظ أمر، والمعنى تلهيف وتحسير، كقول القائل: مت بغيظك ومت بدائك (216).
* ولله ما في السماوات (3|129).
قال بعض أهل العربية إن لام الاضافة، هاهنا، تصير المضاف للمضاف إليه (217).
* والكاظمين الغيظ (3|134).
الكظم: إجتراع الغيظ والامساك عن إبدائه، وكأنه يجمعه الكاظم في جوفه (218).
* إن يمسسكم قرح فقدمس القوم قرح مثله (3|140).
القرح: قرح الجلد يجرح. والقرح: ما يخرج به من قروح تؤلمه، يقال: قرحه: إذا جرحه (219).
* وليمحص الله الذين آمنوا (3|141).
محص الله العبد من الذنب: طهره منه ونقاه ومحصه (220).
* أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم (3|144).
تأويله: أفتنقلبون على أعقابكم إن مات (221).
* إذ تحسونهم بإذنه (3 | 152).
الحس: القتل (222).
* وطائفة قد أهمتهم (3|154).
الواو بمعنى إذ، يريد. إذ طائفة، وتقول: جئت وزيد راكب أي: إذ
____________
(216) صا 186.
(217) صا 113.
(218) مق 5|184.
(219) مق 5 | 82.
(220) مق 5|300.
(221) صا 183.
(222) مج 2|10. مق 2|9.
(311)
زيد (223).
* لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم (3|154).
رد على ما حكاه من قولهم: (لو أطاعونا ما قتلوا ـ 3|168) وهذا مما يكون بيانه منفصلا منه ويجئ في السورة معه (224).
* والله عليم بذات الصدور (3|154).
أراد: السرائر (225).
* ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك (3|159).
أي: تفرقوا. وانفض القوم: تفرقوا (226).
* الذين قال لهم الناس إن الناس. . . (3|173).
هذا من العام الذي يراد به الخاص. ف (الناس) الاولى: نعيم بن مسعود. و (الناس) الثانية: أبوسفيان وعيينة بن حصن (227).
* فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز (3|185).
زحزح عن النار، أي: بوعد (228).
وفازيفوز: إذا نجا. ويقال لمن ظفر بخير وذهب به: فاز (229).
* فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب (3|188).
أي بحيث يفوزون (230). والمفازة: المنجاة. وقيل: هي من فوز: إذا هلك (231).
* * *
____________
(223) صا 119.
(224) صا 241.
(225) صا 154.
(226) مق 4|440).
(227) صا 210.
(228) مق 3|8.
(229) مق 4|459.
(230) صا 107 ـ 108.
(231) مق 4|459
(312)
سورة النساء
* ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم (4|2).
قامت (إلى) مقام اللام (232).
* وإنه كان حوبا كبيرا (4|2).
الحوب والحوب: الاثم (233).
* ذلك أدنى ألا تعولوا (4|3).
أي: لا يكثر من تعولون. والعرب تقول في كثيرة العيال: أعال الرجل فهو معين (234).
* وآتوا النساء صدقاتهن نحلة (4|4).
الصداق: صداق المرأة، سمي بذلك لقوته وأنه حق يلمزم، ويقال: صداق، وصدقة وصدقة، وقرئت: (صدقاتهن) (235).
والنحلة: من نحلت المرأة مهرها نحلة، أي: عن طيب نفس من غير مطالبة (236).
* فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا (4|4).
هذا من الشرط الواجب إعماله (237).
* فإن آنستم منهم رشدا (4|6).
(يُتْبَعُ)
(/)
يقال: آنست الشيء: إذا رأيته (238).
* فإن كان له إخوة فلامه السدس (4|11).
____________
(232) صا 132.
(233) مق 2|113. مج 2|115.
(234) صا 65.
(235) مق 3|339.
(236) مق 5|403.
(237) صا 259.
(238) مق 1|145.
(313)
إخوة: لا يكون إلا بأكثر من إثنين (239).
* فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيد (4|41).
فالانبياء من الاشهاد الاربعة (240) والثلاثة الآخرون: الملائكة: (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) (241). وامة محمد صلى الله عليه وآله،: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (242)، والاعضاء (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعلمون) (243).
وهو توكيد لما تقدم من خبر، وتحقيق لما بعده على تأويل أن الله لا يظلم مثقال ذرة في الدنيا فكيف في الآخرة! · (244).
* ولا يكتمون الله حديثا (4|42).
من: كتمت الحديث كتما وكتمانا: إذا أخفيته وسترته (245).
* أو جاء أحد منكم من الغائط (4|43).
الغائط: مطمئن من الارض، وهذا من الكناية لتحسين اللفظ (246).
* أو لامستم النساء (4|43).
كل ماس لامس. وقال قوم: أريد به الجماع. وذهب ناس إلى أنه المس. واللمس يكون بغير جماع، واحتج الشافعي (247) بقول القائل:
لمست بكفي كفه ابتغي الغنى * ولم أدر أن الجود من كفه يعدي (248).
____________
(239) صا 190.
(240) صا 239.
(241) ق 21.
(242) البقرة 143.
(243) النور 24.
(244) صا 160.
(245) مق 5|157.
(246) صا 260.
(247) أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع، أحد الائمة الاربعة عند السنة، ولد في فلسطين سنة 150 هـ، وتوفي سنة 204 في مصر.
تاريخ بغداد 2|56. شذرات الذهب 2|9.
(248) لعبدالله بن سالم في الاغاني 18 |94.
(314)
وهذا شعر لا يحتج به (249).
* فتيمموا صعيدا طيبا (4 |43).
أي: تعمدوا. قال الخليل: لتيمم يجرى مجرى التوخي، يقال له: تيمم أمرا حسنا. وتيمموا أطيب ما عندكم تصدقوا به والتيمم بالصعيد: من هذا المعنى، أي: توخوا أطيبه وانظفه وتعمدوه. فصار التيمم في أفواه العامة فعلا للتمسح بالصعيد، حتى يقولوا: قد تيمم فلان بالتراب (250).
* يحرفون الكلم عن مواضعه (4|46) (وأيضا: المائدة 13).
وذلك تحريف الكلام، وهو: عدله عن جهته (251).
* فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم (4|65).
شجر بين القوم الامر: اذا اختلف او اختلفوا وتشاجروا فيه. وسميت مشاجره لتداخل كلامهم بعضه في بعض. واشتجروا: تنازعوا (252).
* ولو كنتم في بروج مشيدة (4|78).
أصل البروج: الحصون والقصور (253).
* وكان الله على كل شيء مقيتا (4|85).
أي: حافظا له، شاهدا عليه، وقادرا على ما أراد (254).
* والله أركسهم بما كسبوا (4|88).
الركس: قلب الشيء على نفسه، ورد أوله على آخره. والمعنى: ردهم إلى كفرهم (255).
* او جاؤوكم حصرت صدورهم (4|90).
أي: قد حصرت (256)، بمعنى ضاقت، وذلك من قولهم: أحصره المرض: اذا
____________
(249) مج 4 | 250. مق 5|210. (250) مق 1|30.
(251) مق 2|43.
(252) مق 3 |246.
(253) مق 1|238.
(254) مق 5|38.
(255). مج 2|417. مق 2|434.
(256) صا 234.
منعه من سفر أو حاجة يريدها. ومثله: قد حصره العدو، يحصرونه حصرا: اذا ضيقوا عليه (257).
* ولو شاء الله لسلطهم عليكم (4|90).
فاللام التي في (لسلطهم) جواب لو، ثم قال: (فلقاتلوكم) فهذه حوذيت بتلك اللام، وإلا فالمعنى: لسلطهم عليكم فقاتلوكم (258).
* واقتلوهم حيث ثقفتموهم (4|91 ـ وأيضا البقرة 191)
أي: أدركتموهم. وثقفت فلانا في الحرب: اذا أدركته (259).
* يجد في الارض مراغما (4|100).
المراغم والمذهب والمهرب (260).
* اذ يبيتون مالا يرضى من القول (4|108).
بيت الرجل الامر اذا دبره ليلا (261).
* ها أنتم هولاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا (4|109).
ها: تنبيه. والعرب اذا أرادت تعظيم شيء أكثرت فيه من التنبيه والاشارة (262).
* فليبتكن آذان الانعام (4|119).
بتكت الشيء: قطعته، أبتكه بتكا. وقال الخليل: البتك: قطع الاذن (263).
* ومن يعمل من الصالحات (4|173).
(يُتْبَعُ)
(/)
كان أبوعبيدة يقول: ان (من) صلة. قال ابوذؤيب (264):
____________
(257) مج 2|76.
(258) صا 230.
(259) مج 2|363.
(260) مج 2|397.
(261) مج 1|305.
(262) مج 4|443 ـ 444. مق 6 | 4.
(263) مق 1|195.
(264) خويلد بن خالد، جاهلي إسلامي، كان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي. خرج في غزاة نحو المغرب فمات هناك. ينظر وفيات الاعيان 6|155 ـ 156.
(316)
جريتك ضعف الود لما أردته * وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي (265)
وقال غيره: لا تزاد في امر واجب. يقال: ما عندي من شيء، وما عنده من خير، وهل عندك من طعام · فإذا كان واجبا لم يحسن شيء من هذا، لا تقول: عندك من خير (266).
* وترغبون ان تنكحوهن (4|127).
معناه: عن، وقوم يقولون: في ان تنكحوهن (267).
* وأنتم الاعلون إن كنتم مؤمنين (4|139).
إن: بمعنى إذ. لانه ـ عزوجل ـ لم يخبرهم بعلوهم إلا بعدما كانوا مؤمنين (268).
* ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار (4 |145).
وهي منازلهم التي يدركونها، ويلحوقون بها، نعوذ بالله منها! وذلك ان الجنة درجات، والنار دركات (269).
* لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم (4|148).
قال قوم: انما يريد المكره لانه مظلوم، فذلك عنه موضوع وان نطق بالكفر (270).
* أرنا الله جهرة (4|153).
فالسؤال، هاهنا، طلب. والكناية مبتدأة (271).
* فبما نقضهم (4|155).
كان قطرب يقول: ان العرب تدخل، لا وما، توكيدا في الكلام (272).
* وما قتلوه يقينا (4|157).
____________
(275) برواية (لما شكيته) في ديوان الهذليين 1|35.
(266) صا 173.
(267) صا 334.
(268) صا 131.
(269) مق 2|269.
(270) صا 262.
(271) صا 262.
(272) صا 165 ـ 166.
(317)
هذا من قولهم: قتلت الشيء خبرا وعلما (273).
* وإن من أهل الكتاب إلا اليؤمنن به (4|159).
المعنى: إلامن، ومن مضمرة (274).
* إنما الله إله واحد (4|174)
سمعت علي بن إبراهيم القطان يقول: سمعت ثعلبا (275) يقول: سمعت سلمة (276) يقول: سمعت الفراء يقول: إذا قلت إنما قمت، فقد نفيت عن نفسك كل فعل إلا القيام، وإذا قلت: إنما قام إنا، فإنك نفيت القيام عن كل أحد وأثبته لنفسك، وقال قوم: (إنما) معناه التحقير. تقول: إنما أنا بشر. محقرا لنفسك. وهذا ليس بشيء. والذي قاله الفراء صحيح (277).
سورة المائدة
* أوفوا بالعقود (5|1).
عاقدته: مثل عاهدته، وهو العقد، والجمع: عقود (278).
* ولا آمين البيت الحرام (5|2).
جمع آم، يؤمون بيت الله، أي: يقصدونه (279).
* اليوم أكملت لكم دينكم (5|3)
يقال: كمل الشيء، وكمل، فهو كامل، أي: تام، وأكملته أنا (280).
____________
(273) مق 5|56. مج 4|143.
(274) صا 173.
(275) أبوالعباس أحمد بن يحيى ثعلب، إمام الكوفيين في العربية، ثبت ثقة حجة في الحديث والرواية. ولد سنة 200 هـ، وتوفي في سنة 291 على أصح الاقوال.
إنباه الرواة 1|138. شذرات الذهب 2|207. معجم الادباء 2|133.
وفيات الاعيان 1|102.
(276) أبومحمد سلمة بن عاصم النحوي، أخذ عن الفراء، واخذ عنه ثعلب وكان ثقة عالما. نزهة الالباء 92، وفيات الاعيان 4|206.
(277) صا 133 ـ 134.
(278) مق 4|86.
(279) مق 1|30.
(280) مق 5|139.
(318)
* وأن تستقسموا بالازلام (5|3).
الاصل: الزلم والزلم قدح يستقسم به، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية وحرم ذلك في الاسلام (281).
* يسألونك ماذا أحل لهم؟ قل: أحل لكم الطيبات (5|4).
هذا من الامر المحتاج إلى بيان، وبيانه متصل به (282).
* إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا (5|6).
هذا ضرب يكون المأمور به قبل الفعل مع (إذا) (283).
* وإن كنتم جنبا (5|6).
العرب تصف الجميع بصفة الواحد، فقال: جنبا، وهم جماعة (284).
* وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم؟ (5|18).
المعنى: فلم عذب آبائكم بالمسخ والقتل · لان النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ لم يؤمر بأن يحتج عليهم بشئ لم يكن، لان الجاحد يقول: (إني لم اعذب) لكن احتج عليهم بما قد كان (285).
* يحرفون الكلم عن مواضعه (5|13، 41).
يجمعون الكلمة كلمات، وكلما (286).
وتحريف الكلام: عدله عن جهته (287).
(يُتْبَعُ)
(/)
* إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله. . . إلا الذين تابوا (5|33 ـ 34).
الاستثناء جائز في كل ذلك ولقد جاز رجعه ـ هاهنا ـ على جميع الكلام (288).
____________
(281) مق 3|18.
(282) صا 240.
(283) صا 139.
(284) صا 213.
(285) صا 220.
(286) مق 5|131.
(287) مق 2|43.
(288) صا 137.
(319)
* وليحكم أهل الانجيل (5|47).
هذا من الامر الذي إن لم يفعله المأمور به سمي عاصيا (289)
* وقد دخلوا بالكفر (5|61).
الباء ـ هاهنا ـ للمصاحبة (290).
* يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك (5|67).
هذا خاص، يريد: هذا الامر المجدد بله، فإن لم تفعل ولم تبلغ (فما بلغت رسالته)، يريد: جميع ما أرسلت به (291).
* ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام (5|75).
كناية عما لابد لآكل الطعام منه (292).
* ولكن يؤاخذ كم بما عقدتم الايمان (5|89).
العقد: عقد اليمين (293).
* فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة (5|89).
أو، هاهنا: للتخيير (294).
* لا تسألوا عن أشياء إن تبدكم تسؤكم (5|101).
من الكناية المتصلة باسم، وهي لغيره. وقيل: إنها نزلت في ابن خذافة حين قال للنبي (صلى الله عليه وآله): من أبي · فقال: حذافة، وكان يسب به، فساءه ذلك، فنزلت الآية، وقيل: نزلت في الحج حين قال القائل: أفي كل عام مرة؟ ثم قال: (وإن تسألوا عنها) يريد ان تسألوا عن أشياء اخر من أمر دينكم ودنياكم بكم إلى علماها حاجة (تبدلكم) ثم قال: (قد سألها) فهذه ـ ال (ها) من غير الكنايتين لان
____________
(289) صا 184.
(290) صا 105.
(291) صا 209.
(292) صا 260.
(293) مق 2|86.
(294) صا 127.
(320)
معناها: قد طلبها، والسوأل، هاهنا: طلب (295).
* وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (5|106).
الضرب في الارض للتجارة، وغيرها من السفر (296).
* وإذ قال الله يا عيسى (5|116).
قال قوم: قال له ذلك لما رفعه اليه (297).
* أأنت قلت للناس (5|116).
هذا استخبار معناه: تبكيت. تبكيت للنصارى فيما ادعوه (298).
* تعلم ما في نفسي (5|116).
ذكر بعض الشيء، وهو يريده كله (299). وهذا من سنن العرب.
* لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا (5|148).
الشرعة: الدين، والشريعة. والشريعة، في الاصل: مورد الشاربة الماء (300).
سورة الانعام
* ثم الذين كفروا بربهم يعدلون (6|1)
ثم، هاهنا: بمعنى التعجب (301).
* خلقكم من طين ثم قضى أجلا (6|2)
وقد كان قضى الاجل، فمعناه: أخبركم أني خلقته من طين، ثم أخبركم أني قضيت الاجل، كما تقول: كلمتك اليوم، ثم قد كلمتك أمس، أي، أني اخبرك بذلك، ثم اخبرك بهذا.
وهذا يكون في الجمل، فأما في عطف الاسم على الاسم، والفعل على الفعل،
____________
(295) صا 262.
(296) مق 3|398.
(297) صا 140.
(298) صا 181 ـ 182.
(299) صا 252.
(300) مق 3|242.
(301) صا 148.
(321)
فلا يكون إلا مرتبا، أحدهما بعد الآخر (302).
* ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال. . (6|7).
لو، لا بدلها من جواب ظاهر، أو مضمر (303).
* وللبسنا عليهم ما يلبسون (6|9).
اللبس: إختلاط الامر، لبست عليه الامر ألبسه لبسا (304).
* قل لمن من في السماوات والارض قل لله (6|12).
فها هنا فعل مضمر، كأنه لما سألهم عادوا بالسؤال عليه، فقيل له قل لله (305).
* قالوا والله ربنا ما كنا مشركين (6|32)
بيان للحلف المذكور في قوله تعالى: (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له) (306).
* ولو ترى اذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا (6|27).
فترى: مستقيل، وإذ: للماضي، وإنما كان كذا لان الشئ كائن، وإن لم يكن يعد، وذلك عندالله، جل ثناؤه، قد كان، لان علمه به سابق، وقضاءه به نافذ، فهو كائن لامحالة (307).
* ياليتنا نرد (6|27)
هذا من نفي الشئ جملة من اجل عدمه كمال صفته، فهم قد نطقوا لكنهم نطقوا بما لم ينفع فكأنهم لم ينطقوا (308) وقال ـ جل ثناؤه ـ: (لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (309).
* فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا. . . (6|43)
لولا: بمعنى: هلا، أي: فهلا (310).
____________
(يُتْبَعُ)
(/)
(302) صا 148 ـ 149.
(303) صا 163.
(304) مج 4|262.
(305) صا 235.
(306) المجادلة: 18.
(307) صا 140.
(308) صا 259.
(309) المرسلات: 35 ـ 34.
(310) صا 143.
(322)
* فإذا هم مبلسون (6|44)
الابلاس: اليأس (311).
* قل أرأيتم ان أخذ الله سمعكم وابصاركم وختم على قلوبكم من إله غيرالله يأتيكم به (6|46).
به: أراد، والله أعلم: بهذا الذي تقدم ذكره. وربما كنى العرب عن الجماعة كناية الواحد (312).
* ولا تطرد الذين يدعون ربهم الغداة والعشي يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين (6|52)
تأويله، والله أعلم: ولا تطرد الذين يدعون ربهم الغداة والعشي فتكون من الظالمين، ما عليك من حسابهم من شيء، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم، وفى هذا جمع شيئين في إلابتداء بهما، وجمع خبريهما ثم يرد إلى كل مبتدأ به خبره (313).
* فتنا بعضهم ببعض ليقولوا (6|53)
هي لام العاقبة (314).
* اولئك الذين أبسلوا بما كسبوا (6|70)
أبسلته: أسلمته للهلكة: وأبسلت ولدي: رهنته (315).
* هذا ربي (6|77).
حمله بعض المفسرين على حذف ألف الاستفهام، أي: أهذا ربي؟ (316).
* وما قدروا الله حق قدره (6|91).
____________
(311) مج 1|291.
(312) صا 246.
(313) صا 246.
(214) صا 115.
(315) مج 1|266. مق 1|248.
(316) صا 184.
(317) مج 4|148.
(323)
وتلخيصه: أنهم لم يصفوه بصفته التي تنبغي له تعالى (318).
* ولقد تقطع بينكم (6|94).
أي: ما بينكم (319).
* أني يكون له ولد (6|101)
أي: من أين؟ والاجود أن يقال: كيف؟ قال الكميت:
أنى؟ ومن أين؟ أبك الطرب * من حيث لا صبوة ولا ريب (320).
* وما يشعركم أنها إذا جاءت (6|109)
أنها، بمعنى: لعلها، وحكى الخليل: إيت السوق أنك تشتري لنا شيئا (321)، بمعنى لعلك (322).
* يجعل صدره ضيقا حرجا (6 |125)
الحرج: الضيق (323).
* سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا (6|156)
صدف عن الشيء: إذا مال عنه، وولى ذاهبا (324).
سورة الاعراف
* قليلا ما تذكرون (7|3)
ما: صلة. المعنى: قليلا تذكرون. ولو كانت إسماء لارتفع فقلت: (قليل ما تتذكرون)، أي، قليل تذكرهم (325).
* وكم قرية أهلكناها (7|4)
____________
(318) مق 5|63.
(319) صا 172.
(320) صا 142.
(321) الكتاب 3|123.
(322) صا 130.
(323) مج 2 | 54. مق 2|50.
(324) مق 3|338.
(325) صا 171.
(324)
كم: إستخبار، والمعنى تكثير (326).
* ولقد خلقناكم ثم صورناكم (7|11)
ثم، هاهنا: بمعنى واو العطف. فقال قوم: معناها: وصورناكم، وقال آخرون المعنى: ابتدأنا خلقكم، لانه، جل ثناؤه، بدأ خلق آدم، عليه السلام، من تراب، ثم صوره. وابتدأ خلق الانسان من نطفة ثم صوره، قالوا: فتم على بابها، أي: لتراخي الثاني عن الاول (327).
* ما منعك ألا تسجد (7|12)
أي: ما منعك أن تسجد، وكان قطرب يقول: إن العرب تدخل (لا) توكيدا في الكلام. (328).
* أخرج منها مذءوما مدحورا (7|18)
الدحر: الطرد والابعاد (329).
* وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة (7|22)
يقولون: طفق يفعل كذا، كما يقال: ظل يفعل (330).
* قد أنزلنا عليكم لباسا (7|25)
وهو، جل ثناؤه، إنما أنزل الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لايكون إلا بالماء ـ وهذا من باب الاسماء التي تسمى بها الاشخاص على المجاورة والسبب (331).
* إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم (7|27)
لذلك سمي الجن جنا، لانهم متسترون عن أعين الخلق (332).
* أتقولون على الله مالا تعلمون (7 | 28)
هذا إستخبار، والمعنى إنكار (333).
____________
(326) صا 182.
(327) صا 148.
(328) صا 165 ـ 166.
(329) مق 2|331 ـ مج 2|318.
(330) مج 3|413.
(331) صا 94 ـ 95.
(332) مق 1|422.
(333) صا 182.
(325)
* حتى يلج الجمل في سم الخياط (7|40)
السم: الثقب في الشيء (334).
(فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قالوا نعم) (7 | 44).
معلوم إن الكلام إذا خرج جوابا فقد فهم إنه جواب عن سؤال (335).
* هل ينظرون إلا تأويله (7|53).
تأويل الكلام: عاقبته وما يؤول اليه، والمعنى: ما يؤول اليه في وقت بعثهم ونشورهم (336).
(يُتْبَعُ)
(/)
* قالوا: معذرة إلى ربكم (7|64)
اعتذر، يعتذر، اعتذارا، وعذرة من ذنبه فعذرته. والمعذرة: الاسم. (337).
* أو أمن أهل القرى (7|98)
فليس ب (او)، وإنما هي واو عطف دخل عليها ألف الاستفهام. كأنه لما قيل لهم: (إنكم مبعوثون وآباؤكم) استفهموا عنهم (338).
* حقيق علي (7|105)
قال بعض أهل العلم: واجب علي، ومن قرأها: (حقيق على) فمعناها حريص على (339).
* فاذا هي تلقف ما يأفكون (7|117)
لقفت الشيء وتلقفته: إذا أخذته أو بلعته (340).
* ألا إنما طائرهم عند الله (7|131).
يراد: حظهم، ومايحصل لهم، والعرب تقول:
فإني لست منك، ولست مني إذا ما طارمن مالي الثمين أي حصل (341).
____________
(334) مق 3|62.
(335) صا 65.
(336) مق 1|162.
(337) مق 4|254.
(338) صا 119 ـ 120.
(339) مق 2|18. مج 2|19 وحواشيه.
(340) مج 4|288.
(341) صا 204 ـ 205.
(326)
* وقالوا مهما تأتنا به من اية (7|132)
مهما بمنزلة (ما) في الشرط (342).
* إن هؤلاء متبر ماهم فيه وباطل ما كانوا يعملون (7 |139)
يقال: تبرالله عمل الكافر: أي أهلكه وأبطله (مق 1|262)
* وأنا أول المؤمنين (7|143)
حكاية عن موسى، عليه السلام، ولم يرد كل المؤمنين، لان الانبياء قبله قد كانوا مؤمنين. وهذا من العام الذي يراد به الخاص (343).
* أعجلتم أمر ربكم (7|150)
استعجلت فلانا: حثثته، وعجلته: سبقته (344).
* فلا تشمت بي الاعداء (7|150)
يقال: شمت به، يشمت شماتة، وأشمته الله، عزوجل، بعدوه (345).
* واختار موسى قومه (7|155)
أي: من قومه (346).
* فانبجست منه اثنتا عشرة عينا (7|160)
قال الخليل: البجس: إنشقاق في قربة أو حجر، أو أرض ينبع منها ماء، فإن لم ينبع فليس بانبجاس، وإلانبجاس عام، والنبوع: للعين خاصة (347).
* وقولوا: حطة، وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطاياكم (7|161).
تفسيره: اللهم حط عنا أوزارنا (348)، وقالوا: هي كلمة أمربها بنو إسرائيل لو قالوها لحطت أوزارهم (349).
* إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا (7|163)
قيل في التفسير: إنها الرافعة رؤوسهما (350)
* فخلف من بعدهم خلف (7|169).
____________
(342) صا 174.
(343) صا 210.
(344) مق 4|237.
(345) مق 3 |210.
(346) صا 233.
(347) مق 2|199.
(348) مق 2|13.
(349) مج 2|15.
(350) مق 3|263.
(327)
وخلف سوء من أبيه (351).
* وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه (7|169)
العرض، بفتح الراء: ما يصيبه الانسان من حظه من الدنيا (352).
* وإذ تنقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة (7|171)
الظلة: أول سحابة تظل، والظلة: كهيئة الصفة (353).
* ألست بربكم؟ قالوا: بلى (7|172).
المعنى، والله أعلم: بل أنت ربنا، ف (بلى): بل: رجوع عن حجد، والالف: دلالة كلام (354).
والالف في (ألست) إستخبار، والمعنى: تسوية (355).
* ولكنه أخلد إلى الارض (17|176)
أخلد إلى الارض: إذا لصق بها (356).
* لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها (7|179)
هذا من باب نفي الشيء جملة من أجل عدمه كمال صفته (357).
* يسألونك عن الساعة، قل: إنما علمها عند ربي (7|187)
إستخبار محتاج إلى بيان، وبيانه متصل به (358).
* إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون (7|201)
هذه صفة الاتقياء المؤمنين، ثم (وإخوانهم يمدونهم في الغي ((7|20)
فهذا راجع على كفار مكة، أن كفار مكة، يمدهم إخوانهم من الشياطين في الغي (359).
وتقرأ (طائف) أيضا، والطائف العاس، والطيف والطائف: ما أطاف بالانسان من الجنان، يقال: وطاف وأطاف (360).
____________
(351) مق 2|210.
(352) مق 4|276.
(353) مق 3|461.
(354) صا 145.
(355) صا 182.
(356) مق 2|208.
(357) صا 258 ـ 259.
(358) صا 240.
(359) صا 243.
(360) مق 3|432.
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 04:21 ص]ـ
من مجلة تراثنا العدد 9
تفسير ابن فارس (2)
الدكتور هادي حسن حمودي
سورة الانفال
* يسألونك عن الانفال (8 | 1).
من الامر المحتاج إلى بيان، وبيانه متصل به، وهو:
* قل الانفال لله والرسول (8 | 1) (1).
* وأصلحوا ذات بينكم (8 | 1).
(يُتْبَعُ)
(/)
أي: الحال بينكم، وأزيلوا المشاجرة، وتكون (ذات) كناية عن الحال (2).
* واضربوا منهم كل بنان (8 | 12).
قال أبوإسحاق إبراهيم بن السرى الزجاج (3): واحد البنان، بنانة. ومعناه، هاهنا: الاصابع وغيرها من الاعضاء. وإنما اشتقاق البنان من قولهم: أبن بالمكان: إذا أقام، فالبنان به يعتمد كل مايكون للاقامة والحياة (4).
* وما ورميت إذ رميت ولكن الله رمى (8 | 17).
قال قوم: (لكن) كلمة استدراك تتضمن ثلاثة معان: منها (لا) وهي نفي،
____________
(1) صا 240.
(2) صا 153.
(3) عالم بالنحو واللغة، ومن أهل الفضل والدين، درس على المبرد وله مؤلفات كثيرة معروفة. تاريخ بغداد 6 | 89 معجم الادباء 1 | 47، طبقات النحويين للزبيدي 81، وفيات الاعيان 1 | 49.
(4) مق 1 | 192.
(118)
والكاف ـ بعدها ـ مخاطبة، والنون بعد الكاف بمنزلة إن الخفيفة أو الثقيلة، إلا ان الهمزة حذفت منها إستثقالا لاجتماع ثلاثة معان في كلمة واحدة. فـ (لا) تنفي خبرا ـ متقدما، و (إن) تثبت خبرا متأخرا، ولذلك لاتكاد تجيء إلا بعد نفي وجحد، كما في الأية (5).
* وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية (8 | 35).
التصدية: التصفيق باليدين (6).
* واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول (8 | 41).
الغنيمة: إفادة شيء لم يملك من قبل، ثم يختص به ما اخذ من مال المشركين بقهر وغلبة (7).
* شرد بهم من خلفهم (8 | 57)
نكل بهم وسمع (8)
* واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء (8 | 58).
أي: إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد، فخفت منهم خيانة ونقضا فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطته لهم واذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء (9).
* وإن جنحوا للسلم فاجنح لها (8 | 61).
السلم: هو الصلح وقد يؤنث ويذكر (10).
* حرض المؤمنين على القتال (8 | 65).
قال الشافعي: إنه أراد الذكور دون الاناث، وقال أبوبكر: هذا من غريب ما يغلط فيه مثله. يقول الله جل ثناؤه: يابني آدم، افتراه أراد الرجال دون النساء؟ (11).
____________
(5) صا 170 ـ 171.
(6) مق 3 | 341.
(7) مق 4 | 397.
(8) مج 3 | 213.
(9) صا 41 (وهو من شواهده على أنه لايقدر أحد من التراجم على نقل القرآن كما ينبغي).
(10) مق 3 | 91.
(11) صا 65.
(119)
* حرض المؤمنين على القتال (8 | 65).
قال بعض أهل العلم: أأمرهم به، وحرضت فلانا على كذا: إذا أمرته به (12)، ولانهم إذا خالفوه فقد أهلكوا (13).
* حتى يثخن في الارض (8 | 67).
أثخنته: أثقلته. والقتيل قد أثقل حتى لاحراك به (14).
سورة التوبة
*فسيحوا في الارض أربعة أشهر (9 | 2).
من قولهم: ساح في الارض، وهو دال على استمرار شيء وذهابه (15).
* كيف يكون للمشركين عهد عند الله؟ (9 | 7)
كيف، بمعنى النفي (16) ومثله قوله ـ عزوجل ـ: (وكيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم؟) (17).
* ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله (9 | 17).
إنما أراد: المسجد الحرام. والعرب تصف الواحد بلفظ الجميع (18).
* جنات عدن (9 | 22) (ومواضع اخر .. ).
العدن: الاقامة (19).
* ولو كره الكافرون (9 | 32).
بمعنى وان كره (20).
____________
(12) مج 2 | 44.
(13) مق 2 | 41.
(14) مق 1 | 372.
(15) مقا 119 ـ 120.
(16) صا 159.
(17) آل عمران: 86.
(18) صا 213.
(19) مج 3 | 454.
(20) صا 163.
(120)
* إنما النسيء زيادة في الكفر (9 | 37).
النسيء، في كتاب الله ـ جل ثناؤه ـ: التأخير. وكانوا إذا صدروا عن منى يقول رجل من كنانة: أنا الذي لايرد لي قضاء، فيقولون: انسئنا شهرا، أي: أخر عنا حرمة المحرم، واجعلها في صفر. وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لايغيرون فيها، لان معاشهم كان من الغارة فيحل لهم الكناني المحرم (21).
* ولكن بعدت عليهم الشقة (9 | 42).
الشقة: مسير بعيد إلى أرض نطية، تقول: هذه شقة شاقة (22).
* لايستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الاخران يجاهدوا (9 | 44).
التأويل: لايستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الاخر ان يقعدوا عن الجهاد (23).
* فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا (9 | 55).
المعنى: لاتعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا (24).
(يُتْبَعُ)
(/)
* لولوا اليه وهم يجمحون. (9 | 57).
أراد: يسعون (25).
* ومنهم من يلمزك في الصدقات (9 | 58).
يلمزيك: يعيبك، واللمز: العيب (26).
* منهم الذين يؤذون النبي ويقولون: هو أذن ... (9 | 61).
يقال للرجل السامع من كل أحد: أذن (27).
* والله ورسوله أحق أن يرضوه (9 | 62).
____________
(21) مج 4 | 339.
(22) مق 3 | 171.
(23) صا 236.
(24) صا 247.
(25) مج 1 | 455 ـ مق 1 | 476.
(26) مج 4 | 249.
(27) مق 1 | 76.
(121)
من نسبة الفعل إلى احد اثنين، وهو لهما (28).
* فان له نار جهنم (9 | 63).
زعم الاخفش (29) ان الفاء تزاد، يقولون: أخوك فجهد، يريد: أخوك جهد، واحتج بالآية (30).
* ان يعف (31) عن طائفة منكم تعذَت طائفة (9 | 66).
من سنن العرب الاتيان بلفظ الجميع والمراد واحد أو اثنان، وكأن رجلا من القوم لايمالئهم على أقاويلهم في النبي، صلى الله عليه واله، ويسير مجانبا لهم، فسماه الله، جل ثناؤه، طائفة، وهو واحد (32).
* نسوا الله فنسيهم (9 | 66).
هذا من المحاذاة، أي: أن يكون الجزاء عن الفعل بمثل لفظ الفعل (33).
* نسوا الله فنسيهم (9 | 67).
النسيء: ما سقط من منازل المرتحلين، من رذال أمتعتهم (34).
* والذين لايجدون إلا جهدهم (9 | 79).
الجهد: الطاقة (35).
* ويسخرون منهم، سخر الله منهم (9 | 79).
هذا أيضا من المحاذاة، وهو الجزاء عن الفعل بمثل لفظه (36).
* فليضحكوا قليلا، وليبكوا كثيرا (9 | 82)
____________
(28) صا 218.
(29) يبدو أنه يريد به سعيد بن مسعدة الاخفش الاوسط، الذي أخذ النحو عن سيبويه،وله فيه آثار كثيرة. وكانت وفاته في سنة 215 وقيل 221. وفيات الاعيان 2 | 380.
(30) صا 110.
(31) قراءة الستة.
(32) صا 212.
(33) صا 231.
(34) مق 5 | 421 ـ 422.
(35) مج 1 | 465.
(36) صا 231.
(122)
هذا أمر، والمعنى: خبر. المعنى انهم سيضحكون قليلا، ويبكون كثيرا (37).
* رضوا بان يكونوا مع الخوالف (9 | 87).
الخوالف: النساء، لان الرجال يغيبون في حروبهم ومغاوراتهم وتجاراتهم وهن يخلفنهم في البيوت والمنازل، ولذلك يقال: الحي خلوف: اذا كان الرجال غيبا والنساء مقيمات (38).
* ولا على الذين اذا ما أتوك لتحملهم قلت: لا اجد ما أحملكم عليه تولوا (9 | 92).
الواو مضمرة، والتأويل: ولا على الذين اذا ما أتوك لتحملهم وقلت: لااجد ما احملكم عليه تولوا، فجواب الكلام الاول تولوا (39).
* لايرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة (9 | 101).
الال: القرابة، والال: العهد (40).
* خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (9 | 103).
الزكاة: النماء والزيادة، ويقال: الطهارة: زكاة المال. قال بعضهم: سميت بذلك لانها مما يرجى به زكاء المال، وهو: زيادته ونماؤه. قال بعضهم: سميت زكاة لانها: طهارة، والاصل في ذلك كله راجع إلى هذين المعنيين، وهما: النماء والطهارة (41).
*ان ابراهيم لأواه حليم (9 | 114).
الاواه: الدعاء، وقال قوم: هو الفقيه والمؤمن والرحيم والمتأوه شفقا وفرقا، والمتضرع يقينا ولزوما للطاعة (42).
* وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت ... ثم
____________
(37) صا 186.
(38) مق 2 | 210 ـ 211
> (39) صا 118 ـ 119.
(40) مج 1 | 150.
(41) مق 3 | 17.
(42) مج 1 | 217 ـ 218. مق 1 | 163.
(123)
تاب عليهم (9 | 118).
زعم ناس ان (ثم) زائدة، والمعنى: حتى اذا ضاقت عليهم الارض تاب عليهم (43).
سورة يونس
* إنه هو يبدئ ويعيد (10 | 4).
الله تعالى المبدئ والبادئ، يقال: بدأت بالامر وابتدأت، من الابتداء (44).
* كأن لم يدعنا إلى ضر مسه (10 | 12).
كأن: كلمة تشبيه، فالقوم: هي إن، دخلت عليها كاف التشبيه ففتحت، تثقل وتخفف، إلا انها اذا ثقلت في مثل هذا الموضع بها الهاء، فقيل: كأنه لم يدعنا (45).
* قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي (10 | 15).
يقولون: بدلت الشيء: اذا غيرته وان لم تأت له ببدل وأبدلته اذا أتيت له ببدل (46).
* حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم (10 | 22).
العرب تخاطب الشاهد ثم تحول الخطاب إلى الغائب (47).
* والله يدعو إلى دار السلام (10 | 25).
(يُتْبَعُ)
(/)
قال أهل العلم: الله جل ثناؤه، هو السلام، لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، وداره: الجنة (48).
____________
(43) صا 148 ـ 149.
(44) مق 1 | 212.
(45) صا 161 ـ 162.
(46) مق 1 | 210.
(47) صا 215.
(48) مق 3 | 90.
(124)
* ولا يرهق وجوههم قتر ولاذلة (10 | 26).
القتر: ما يغشى الوجه من كرب (49).
ورهقه الامر غشيه، والرهوق من النوق: الجواد الوساع التي ترهقك إذا مددتها، أي تغشاك لسعة خطوها (50).
* مكانكم انتم وشركاؤكم (10 | 28).
انتطروا مكانكم حتى يفصل بينكم (51).
* فزيلنا بينهم (10 | 28).
التزايل: التباين، يقال: زيلت بينه، أي: فرقت (52).
* إن كنا عن عبادتكم لغافلين (10 | 29).
زعم ناس أن (إن) ـ هاهنا ـ بمعنى: لقد، أي: لقد كنا (53).
* لم يلبثوا إلا ساعة من نهار (10 | 45).
يقال: لبث بالمكان: أقام (54).
* فإلينا مرجعهم، ثم الله شهيد على ما يفعلون (10 | 46).
أي: وهو شهيد (55).
* ماذا يستعجل منه المجرمون (10 | 50).
استخبار لتفخيم العذاب الذي يستعجلونه (56).
* ويستنبؤنك أحق هو قل: إي وربي (10 | 53).
أي نعم وربي ـ (57).
____________
(49) مق 5 | 55.
(50) 2 | 451.
(51) صا 264.
(52) مق 3 | 41.
(53) صا 131.
(54) مق 5| 228.
(55) صا 148.
(56) صا 181.
(57) صا 129.
(125)
* وأسروا الندامة لما رأوا العذاب (10 | 54).
أي: أظهروها، وحدثني بعض من أثق به عن علي بن عبدالعزيز عن أبي الاثرم عن أبي عبيدة، قال: اسررت الشيء: اخفيته، واسررته: أعلنته (58).
* ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه (10 | 61).
أي: حين تفيضون (59).
* لهم البشرى في الحياة الدنيا (10 | 64).
البشرى قوله في مكان آخر: (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولاتحزنوا وأبشروا بالجنة) (60).
* واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه: ياقوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله، فعلى الله توكلت فاجمعوا امركم (10 | 71).
إنما أراد: إن كان كبر عليكم مقامي وتذكري بايات الله فأجمعوا أمركم و اعترض بينهما قوله: (فعلى الله توكلت). ومثله: قول الاعشى:
فقد بن منى، والسلام تفلقُ * فان يمس عندي الهم والشيب والعشا
< Tr> فمن أي ما تجني الحوادث افرق (61) </ * بأشجع اخاذ على الدهر حكمه
أراد: فقد بن مني بإشجع، والسلام تفلق: اعتراض.
ومثل هذا في كتاب الله، جل ثناؤه كثير (62).
* فاجمعوا أمركم وشركاء كم (10 | 71).
معناها: مع شركائكم، كما يقال: لو تركت الناقة وفصيلها، أي: مع فصيلها. وقال اخرون: أجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم،إعتبارا بقوله ـ جل ثناؤه ـ: (وادعوا من استطعتم (10 | 38) (63).
____________
(58) مج 3 | 26.
(59) صا 141.
(60) فصلت: 20، وينظر صا 242.
(61) الديوان 116.
(62) صا 248.
(63) صا 119.
(126)
* ثم اقضوا الي (10 | 71).
أي: اعملوا ما أنتم عاملون (64).
* على خوف من فرعون وملإهم (10 | 82).
أي: من آل فرعون، وهو من الحذف والاختصار (65).
* ربنا ليضلوا عن سبيلك (10 | 88).
أي آتيتهم زينة الحياة الدنيا فأصارهم ذلك إلى ان ضلوا (66).
* آلان وقد عصيت قبل (10 | 91).
أي في هذا الوقت وهذا الاوان تتوب وقد عصيت قبل (67)، ومثله قوله، عزوجل: (وقد كنتم به تستعجلون) (10 | 51).
سورة هود
* ألا انهم يثنون صدروهم (11 | 5).
قرأ بعض القراء: تثنوني، على الزيادة في حروف الفعل للمبالغة (68).
* ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى امة معدودة (11 | 8).
الامة: الحين (69).
* لاجرم أنهم في الاخرة هم الاخسرون (11 | 22).
المعنى: لا، أي: لا ينفعهم ظنهم (70).
* فإنا نسخرمنكم كما تسخرون (11 | 38).
سخرت منه: اذا هزئت به، ولا يزالون يقولون سخرت به (71).
____________
(64) صا 201.
(65) صا 206.
(66) صا 115.
(67) صا 166.
(68) صا 264.
(69) مج 1 | 152.
(70) صا 150.
(71) مق 3 | 144.
(127)
* لاعاصم اليوم من امر الله (11 | 43)
. أي: لا معصوم (72).
* وغيض الماء (11 | 44).
يقال: غاض الماء، يغيض: خلاف فاض، وغيض: اذا نقصه غيره (73).
* ومن وراء اسحاق يعقوب (11 | 71) يقال: الوراء: ولد الولد (74).
(يُتْبَعُ)
(/)
*واتخذ تموه وراء كم ظهريا (11 | 92).
الظهري: كل شيء تجعله بظهر، أي: تنساه (75).
* وما أمر فرعون برشيد (11 | 97).
رد على قول فرعون (الذي حكاه عز وجل في): (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (76).
* وما زادوهم غير تتبيب (11 | 101).
أي: تخسير. وتبا للكافر، أي: هلاكا له (77).
* عطاء غير مجذوذ (11 | 108).
أي: غيرمقطوع، وجذدته: كسرته، وقطعته (78).
* فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية، ينهون عن الفساد في الارض (11 | 116).
بمعنى لم يكن (79).
سورة يوسف
* إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين (12 | 4).
____________
(72) صا 220.
(73) مق 4 | 405.
(74) مق 6 | 104.
(75) مج 3 | 367.
(76) غافر 29، وينظر صا 242.
(77) مق 1 | 341.
(78) مق 1 | 409 ـ مج 1 | 386.
(79) صا 164.
(128)
من سنن العرب ان تجري الموات وما لا يعقل في بعض الكلام مجرى بني آدم (80).
* وما أنت بمؤمن لنا (12 | 17).
أي: مصدق لنا (81).
* وجاؤوا على قميصه بدم كذب (12 | 18).
روي ان بعضهم قرأ (كدب): أي: الدم الطري (82).
* وشروه بثمن بخس (12 | 20).
شريت اذا بعت (83) والبخس النقص، وثمن بخس، أي: نقص (84).
* وكذلك مكنا ليوسف في الارض ولنعلمه (12 | 21).
الواو في (ولنعلمه) مقحمة، اراد: لنعلمه.وقد قيل: ولنعلمه فعلنا ذلك (85).
* وغلقت الابواب (12 | 23).
فعلت، بمعنى: التكثير (86).
* وألفيا سيدها لدى الباب (12 | 25).
لدى، بمعنى: لدن (87).
* وقد شغفها حبا (12 | 30).
أي: أوصل الحب إلى شغاف قلبها، والشغاف، غلاف القلب (88).
* قال: رب السجن أحب إلي مما يدعونني اليه (12 | 33).
____________
(80) صا 251.
(81) مق 1 | 135.
(82) مق 5 | 167.
(83) مق 2 | 266.
(84) مق 1 | 205.
(85) صا 220.
(86) صا 222.
(87) صا 169.
(88) مق 3| 195 ـ مج 3 | 164.
(129)
والسجن: المكان يسجن فيه الانسان. ويقرأ في الاية. فتحا على المصدر وكسرا على الموضع ـ (89).
* للرؤيا تعبرون (12 | 43).
اللام زائدة (90).
* وادكر بعد أمة (12 | 45).
قرىء بعد أمة، أي: بعدحين (91) وأمهت الرجل: إذا نسبة (92).
* وادكر بعد أمة (12 | 45).
أي: بعد حين (93) وقرىء بعد أمة، أي: نسيان (94) وامهت الرجل: اذا نسية (95).
* وفيه يعصرون (12 | 49): فسر: يشتغلون بأرضهم (مق 4 | 344) في الاصل يستغلون بارضيهم)
* الان حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وانه لمن الصادقين (12 | 51).
هذا قول المرأة، ثم قال يوسف: (ذلك ليعلم الملك أني لم أخنه بالغيب) (12 | 52) (96).
وحصحص الشيء: وضح (97).
* ليأخذ اخاه في دين الملك (13 | 76).
أي: في طاعته، ويقال: في حمكه (98).
____________
(89) مق 3 | 137.
(90) صا 116.
(91) مق 1 | 28.
(92) مق 1 | 136.
(93) مق 1 | 28.
(94) مق 1 | 136.
(95) مج 1 | 206.
(96) صا 243.
(97) مق 2 | 12.
(98) مق 2 | 319.
(130)
* واسأل القرية (12 | 82).
أراد أهلها، على الحذف والاختصار (99).
* حتى تكون حرضا (12 | 82).
الحرض: المشرف على الهلاك (100).
* انما اشكو بثي وحزني إلى الله (12 | 86).
البث من الحزن، فتفريقة واظهاره، لانه شيء يشتكى ويبث ويظهر (101).
* وتصدق علينا (12 | 88).
المتصدق: المعطي (102).
* ببضاعة مزجاة (12 | 88).
مزجاة: قليلة والمزجن: القليل (103).
* لا تثريب عليكم اليوم (12 | 92).
التثريب: اللوم والاخذ على الذنب (104).
* لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم (12 | 92).
اللفظ خبر، والمعنى: دعاء وطلب (105).
سورة الرعد
* ونخيل صنوان وغير صنوان (13 | 4).
الاصل في ذلك النخلتان تخرجان من أصل واحد، فكل منهما على حيالها صنو، والجمع: صنوان (106)
____________
(99) صا 206.
(100) مج 2 | 44 ـ مق 2 | 41.
(101) مق 1 | 172.
(102) مق 3 | 340 ـ مج 3 | 265.
(103) مج 3 | 41.
(104) مق 1 | 375.
(105) صا 180.
(106) مق 3 | 312
.
(131)
* له معقبات من بين يديه ومن خلفه (13 | 11) يقال انه اراد ملائكة الليل وملائكة النهار لانهم يتعاقبون (107).
* وقد خلت من قبلهم المثلات (13 | 16).
(يُتْبَعُ)
(/)
أي: العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لاجله، وواحدها مثلة كسمرة صدقة، ويحتمل أنها التي تنزل بالانسان فتجعل مثالا ينزجز به، ويرتدع غيره (108).
* فاما الزبد فيذهب جفاء (13 | 17).
روي عن رؤبة الشاعر أنه كان يقرأ (فاما الزبد فيذهب جفالا) (109) والجفال: مانفاه السيل من غثائه (110).
*جنات عدن (13 | 23).
العدن: الاقامة (111).
* ولو ان قرآنا سيرت به الجبال (13 | 31).
تمامه مضمر، كأنه قال ـ جل ثناؤه ـ: لكان هذا القرآن (112).
* أم تنبؤونه بمالا يعلم؟ (13 | 33).
أراد، والله أعلم: بما ليس في الارض (113).
* ويقول الذين كفروا: لست مرسلا (13 | 43).
الرد على هذا قوله: (يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين) (114).
سورة إبراهيم
* وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (14 | 4).
____________
(107) مج 3 | 392.
(108) مق 5 | 297.
(109) من شواذ القراءات التي لايعمل بها أحد.
(110) مق 1 | 464.
(111) مج 3 | 454.
(112) صا 240.
(113) صا 207.
(114) يس 1 ـ 2، وينظر: صا 241.
(132)
قراءة: إلا بلسن قومه، يقال: ان لكل قوم لسنا، واللسَن واللسِن: ـ اللغة (115).
وقال ابن عباس: ما أرسل الله ـ عزوجل ـ من نبي إلا بلسان قومه وبعث الله محمد ـ صلى الله عليه واله ـ بلسان العرب (116).
* وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم (14 | 7).
قال الخليل: التأذن، من قولك: لافعلن كذا، تريد به: إيجاب الفعل، أي سأفعله لامحالة، وهذا قول، واوضح منه قول الفراء: تأذن ربكم: اعلم ربكم، وربما قالت العرب في معنى افعلت: تفعلت، ومثله: أوعدني، وتوعدني، وهو كثير (117).
* ذلك لمن خاف مقامي (14 | 14).
أي: مقامه بين يدي (118).
* في يوم عاصف (14 | 18).
يوم عاصف: المعنى: عاصف الريح، وعاصف: لان عصوف الريح يكون فيه (119).
* ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي (14 | 22).
يقال: الصارخ: المستغيث، الصارخ: المغيث، ويقال: بل المغيث: مصرخ (120).
* تؤتي اكلها كل حين (14 | 25).
أكل الشجرة ثمرها (121).
وقال الفراء: الحين حينان، حين لا يوقف على حده، وهو الاكثر، وحين
____________
(115) مج 4 | 275.
(116) صا 59.
(117) مق 1 | 77.
(118) صا 249 ـ 250.
(119) صا 221.
(120) مق 3 | 348.
(121) مق 1 | 124.
(133)
ذكره الله، تعالى، هاهنا، وهذا محدود لانه ستة اشهر (122).
* مهطعين مقنعي رؤوسهم (14 | 43).
قال أهل التفسير: رافعي رؤوسهم (123).
* وافئدتهم هواء (14 | 43) قالوا: كل خال هواء، وأصله: الهواء بين الارض والسماء سمي لخلوه (مق | 15).
سورة الحجر
* ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين (15 | 2).
قال قوم: وضعت ربما لتذكر شيء ماض من خير او شر (124).
* إلا ولها كتاب معلوم (15 | 4).
الواو: صلة زائدة، المعنى: إلا لها. (125).
* لو ماتأتينا بالملائكة (15 | 7).
أي: هلا تأتينا (126).
* لقالوا إنما سكرت أبصارنا (15 | 15).
التسكير: التحيير، وناس يقرؤونها: سكرت،مخففة، قالوا: ومعناها سحرت (127).
* من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون (15 | 56).
قنط: كلمة تدل على اليأس من الشيء: يقال: قنط يقنط، وقنط يقنط (128).
* كذب أصحاب الايكة (15 | 78).
____________
(122) مق 2 | 126.
مج 2 | 128.
(123) مق 5 | 33.
(124) صا 152.
(125) صا 119.
(126) صا 164.
(127) مقا 3 | 89.
(128) مق 5 | 32.
(134)
قال أصحاب التفسير: كانوا أصحاب شجر ملتف (129).
* ولقد آتيناك سبعا من المثاني (15 | 78).
المثناة: ماقرىء من الكتاب وكرر، أراد: إن قراءتها تثنى وتكرر (130).
* الذين جعلوا القرآن عضين (15 | 91).
قال الخليل: أي عضة، عضة، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه، والاسم منه التعضية، والعضة: والقطة من الشيء (131).
* فاصدع بما تؤمر (15 | 94).
صدع بالحق: إذا تكلم به جهاراً (132).
سورة النحل
* أتى أمر الله (16 | 1) أي يأتي (133).
* لكم فيها دفء ومنافع (16 | 5).
الدفء عند العرب: نتايج الابل، وألبانها، والانتفاع بها (134).
* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس (16 | 7).
(يُتْبَعُ)
(/)
يقال: أصاب فلانا شق ومشقة، وذلك: الامر الشديد كأنه من شدته يشق الانسان شقا (135) وأثقال والارض: كنوزها (136)، ويقال هي أجسام بني آدم (137).
* فيه تسيمون (16 | 10). أي ترعون (138).
____________
(129) مق 1 | 165.
(130) مق 1 | 392.
(131) مق 4 | 347.
(132) مق 3 | 338.
(133) صا 219.
(134) مج 2 | 287.
(135) مق 3 | 171.
(136) مج 1 | 362.
(137) مق 1 | 382.
(138) مق 3 | 118.
(135)
* وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون (16 | 15).
يريد: لكي تهتدوا (139).
* ولدار الاخرة (16 | 30).
من إضافة الشيء إلى نعته (140).
* فتمتعوا فسوف تعلمون (16 | 55).
هذا أمر، والمعنى وعيد (141).
* أيمسكه على هون أم يدسه في التراب (16 | 59).
الدس: دخول الشيء تحت خفاء وسر، يقال: دسست الشيء في التراب، أدسه دسا (142). والهون: الهوان (143).
* وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم ان لهم النار (16 | 63).
لا: نفي، وهو رد عليهم، وجرم: حق وكسب (144).
* وأنهم مفرطون (16 | 62).
أي: مؤخرون، وأفرطت القوم: إذا تقدمتهم وتركتهم وراءك (145).
*يرد إلى أرذل العمر (16 | 70).
قال: يرد، وهو لم يكن في ذلك قط وهذا، نظم للعرب لايقوله غيرهم (146) وهو أن يهرم فيرد إلى حالة سيئة (مق 2 | 409).
* وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة (16 | 72).
يقال: إن الحفدة ـ ها هنا ـ: الاعوان، وهو الصحيح. ويقال: الاختان (147).
____________
(139) صا 170.
(140) صا 244.
(141) صا 185.
(142) مق 6 | 21.
(143) مق 2 | 256.
(144) صا 150.
(145) مج 4 | 91.
(146) مق 266.
(147) الاختان، بفتح الهمزة: الاصهار مق 2 | 84 ـ 245.
(136)
* وهو كل على مولاه (16 | 76).
الكل: العيال، والثقل، وقال ناس من أهل العلم: الكل: اليتيم (148).
* كلمح البصر أوهو أقرب (16 | 77).
أو، ها هنا: للابهام على المخاطب، فان المخاطب يعلمه لكنه أبهمه على المخاطب وطواه عنه (149).
* والذين هم به مشركون (16 | 100).
الباء: باء السبب، أي: من أجله (150).
* إن ابراهيم كان أمة (16 | 120.
(أي: إماما يهتدى به، وهو سبب الاجماع (151) إجتماع الناس في قوله تعالى (كان الناس امة واحدة) (152).
* فلا تك في ضيق مما يمكرون (16 | 127).
الضيق الشك (153).
سورة الاسراء
* وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب (17 | 4).
أي: أعلمناهم (154).
* فجاسوا خلال الديار (17 | 5).
يقال: جاسوا خلال الديار، يجوسون: تخللوا (155).
وذكر عن الخليل، ولم أسمعه سماعا، أنه قال: إنما أراد فحاسوا فقامت الجيم
____________
(148) مج 4 | 188 ـ مق 5 | 121.
(149) صا 129.
(150) صا 106.
(151) مق 1 | 27.
(152) البقرة: 213.
(153) مج 3 | 299.
(154) صا 201.
(155) مق 1 | 495.
(137)
مقام الحاء (156) وما أحسب الخليل قال هذا ولا أحقه عنه (157).
* وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا (17 | 8).
الحصير: هو المحبس (158).
* أمرنا مترفيها (17 | 16).
الامر: نقيض النهي، ومن قرأ (امرنا) فتأويله: ولينا (159).
* ولا تبذر تبذيرا.إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين (17 | 27).
يقال بذرت البذر، أبذره، بذرا، وبذرت المال اُبذره تبذيرا: وهو نثرالشيء وتفريقه (160).
* ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك (17 | 29).
أي: لا تكونن عادتك المنع، فتكون يدك مغلولة (161).
* حجابا مستورا (17 | 45).
أي: ساترا (162).
* فسينغضون إليك رؤوسهم (17 | 15).
الانغاض: تحريك الانسان رأسه نحو صاحبه كالمتعجب منه (163).
* وما منعنا أن نرسل بالايات إلا ان كذب بها الاولون (17 | 59).
أراد الايات التي إذا كذب بها نزل العذاب على المكذب وهذا من العام الذي يراد به الخاص (164).
____________
(156) قال الخليل: الجوسان: التردد خلال الدؤور والبيوت في الغارة ونحوها، قال الله ـ جل وعلا ـ: (فجاسوا خلال الديار) العين 6 | 160.
(157) صا 204.
(158) مق 1 | 139.
(159) مق 2 |73.
(160) مق 1 | 216.
(161) صا 272.
(162) صا 238.
(163) مق 5 | 454.
(164) صا 210.
(138)
* ان ربك أحاط بالناس (17 | 60).
روى شعبة (165)، عن أبي رجاء (166)، عن الحسن (167) أي عصمك ـ منهم (168).
(يُتْبَعُ)
(/)
* أرأيتك هذا الذي كرمت علي (17 | 62).
هذا الكاف الزائدة زيدت لمعني المخاطبة (169).
* لاحتنكن ذريته إلا قليلا (17 | 62).
من قولهم: إحتنك الجراد الارض: أتى عليها، أي: على نبتها (170).
* إذا لاذقناك ضعف الحياة (17 | 75).
أي ضعف عذابها (171).
* وان كادوا ليستفزونك من الارض (17 |76).
فزه واستفزه: إذا استخفه أي: يحملونك على أن تخف عنها (172).
* أقم الصلاة (17 | 78).
أي: ايت بها كما امرت به (173).
* لدلوك الشمس (17 | 78).
اللام ـ ها هنا ـ بمعني عند، أي: وعند دلوك الشمس (174).
* ومن الليل فتهجد به (17 | 79).
____________
(165) هو شعبة بن الحجاج، الازدي بالولاء معروف في رواية الحديث، كما كان عالما بالشعر والادب ولد ـ سنة 82 هـ وتوفي في حدود سنة 159 هـ تاريخ بغداد 9 | 255 شذرات 1 | 247.
(166) عمران بن تيم، بصرى من كبار التابعين، ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة، وتوفي سنة 105 غاية ـ النهاية 1 | 604.
(164) أبو سعيد الحسن البصري توفي في سنة 110 ه حلية الاولياء 2 | 131 شذرات الذهب 1 | 138.
(168) صا 205.
(169) صا 111.
(170) مج 2 | 114.
(171) صا 206.
(172) مق 206.
(173) صا 205.
(174) صا 113.
التهجد: التيقظ (175).
* وما اوتيتم من العلم إلا قليلا (17 | 85).
رد على قولهم: (قلوبنا غلف) (176) أي: أوعية للعلم. وهذا في القرآن كثير، أفردنا له كتابا وهو الذي يسمي: الجوابات (177).
* قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (17 | 88).
إعلام لهم ألا سبيل لهم إلى معارضة القرآن، وقطع العذر عنهم (178).
ورد (179) على قولهم: (قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا) (180).
* أو ترقى السماء ولن نؤمن لرقيك حتى ... (17 | 93)
من قولهم رقيت في السلم أرقى رقيا: صعدت (مق 2 | 426).
* قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا (17 | 93).
كنت ـ هاهنا ـ بمعنى الرهون، أي: هل أنا إلا بشر (181).
* إذا لامسكتم خشية الانفاق (17 | 100).
أنفق الرجل: إفتقر، أي: ذهب ما عنده (182).
* وقرآنا فرقناه (17 | 106).
بيان (183) لقوله تعالى في سورة اخرى: (وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة) (184).
*أياً ما تدعوا (17 | 110).
____________
(175) مت 132.
(176) البقرة 88.
(177) صا 242.
(178) صا 198.
(179) صا 241.
(180) الانفال 31.
(181) صا 161.
(182) مق 5 | 455.
(183) صا 242.
(184) الفرقان: 32.
(140)
ما: كالصلة (185).
سورة الكهف
* فلعلك باخع نفسك على آثارهم (18 | 6).
قال الخليل (186): بخع الرجل نفسه: إذا قتلها غيضا من شدة الوجد (187).
* أم حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم كانو من آياتنا عجباً (18 | 9).
قيل ظننت يا محمد هذا، ومن عجائب ربك ـ جل وعز ـ ما هو أعجب من قصة أصحاب الكهف، وقال آخرون: أم بمعنى ألف الاستفهام كأنه قال: أحسبت؟ وحسبت: بمعنى: علمت، ويكون الاستفهام في حسبت بمعنى الامر، كما تقول لمن تخاطبه: أعلمت أن زيدا خرج؟ بمعنى أمر أي: إعلم أن زيدا خرج، قال: فعلى هذا التدريج يكون تأويل الآية: إعلم يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا (188).
* إذ أوى الفتية إلىالكهف (18 | 10).
قال الخليل: يقال: أوى الرجل إلى منزله، وآوى غيره، أويا وايواء، ويقال: الاوي أحسن (189).
* لولا يأتون عليهم بسلطان بين (18 | 5 1).
لولا ـ هاهنا ـ تأويلها النفي، والمعنى: اتخذوا من دونه آلهة لايأتون عليهم بسلطان بين (190).
* متكئين فيها على الارائك (18 | 31).
لغة لاهل اليمن، وهي الحجلة فيها سرير (191).
____________
(185) صا 174.
(186) العين 1 | 123.
(187) مق 1 | 206.
(188) صا 126 ـ 127.
(189) مق 1 | 151.
(190) صا 188.
(191) صا 58. وينظر (لغة القرآن).
(141)
* أو يرسل عليها حسبانا من السماء (18 | 40).
فسر الحسبان بالبرد (192)
* ما لهذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة (18 | 49).
إستخبار بمعنى: التفجع (193).
* فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما (18 | 61).
نسب الفعل إلىإثنين وهو لاحدهما (194)، قال: (بلغا ... ) وكان النسيان من أحدهما لانه قال: (إني نسيت الحوت) (195).
(يُتْبَعُ)
(/)
* لقد جئت شيئا امرا (18 | 71).
الامر: العجب (196).
* قد بلغت من لدني عذرا (18 | 76): لدني بمعنى عند (197).
* جدارا يريد أن ينقض (18 | 77).
من سنن العرب إضافة الفعل إلى ما ليس فاعلا في الحقيقة (198).
* هذا فراق بيني وبينك (18 | 78).
أي: ما بيني، وما: مضمرة (199).
* وكان وراءهم ملك (18 | 78).
يكون الوراء خلفا وقداما (200).
* وأقرب رحما (18 | 81).
____________
(192) مق 2 | 61.
(193) صا 181.
(194) صا 217.
(195) الكهف: 3.
(196) مق 1 | 139.
(197) صا 169.
(198) صا 210.
(199) صا 172.
(200) مج 4 | 521، مق 6 |104.
(142)
كان أبوعمرو بن العلاء يقرأ: (رحما) (201) وهوالرحمة (202).
* فأتبع سببا (18 | 85).
يقال: تبعت فلانا: إذا تلوته واتبعته. وأتبعته: إذا الحقته وقراءة في قوله عزوجل (ثم اتبع سببا) (18 | 92) فهذا معناه على هذه القراءة اللحوق، ومن أهل العربية من يجعل المعنى فيهما واحدا (203).
سورة مريم
* واشتعل الرأس شيبا (19 | 4).
الاشتعال: الانتشار والتفرق، يقال: أشعلت النار في الحطب، واشتعلت النار، واشتعل الشيب (204).
*وقد بلغت من الكبر عتيا (19 | 8).
حكى عن بعضهم أنه قرأ (وقد بلغت من الكبر غسيا) من قولهم: شيخ غاس: قد طال عمره (205).
* فخرج على قومه من المحراب (19 | 11).
يقال: المحراب: الغرفة (206).
* وحنانا من لدنا (19 |13).
الحنان: الرحمة (207).
* فإما ترين من البشر أحدا (19 | 26).
إما ـ هاهنا ـ بمعنى الشرط (208).
____________
(201) مج 2 | 473.
(202) مق 2 | 498.
(203) مق 1 | 362 ـ 363.
(204) مق 3 | 189.
(205) مج 4 | 42.
(206) مج 2 | 53.مق 2 | 48.
(207) مج 2 | 26. مق 2 | 25.
(208) صا 145.
(143)
* إني نذرت للرحمن صوما (19 | 26).
قالو: إنه الامساك عن الكلام، والصمت، فيكون الامساك عن الكلام صوما (209).
* أسمع بهم (19 | 38).
اللفظ أمر، والمعنى: تعجب (210).
* لئن لم تنته لارجمنك (19 | 46).
أي: لاشتمنك، وكأنه إذا شتمه فقد رجمه بالكلام، أي: ضربه به، كما يرجم الانسان بالحجارة، وقال قوم: لارجمنك: لاقتلنك، والمعنى قريب من الاول (211) وقد فسر (الرجم) في القرآن على: الشتم والقتل (212).
* انه كان وعده مأتيا (19 | 61).
قيل: أي: آتيا، حيث زعم ناس أن الفاعل يأتي بلفظ المفعول (213).
* وان منكم إلا واردها (19 | 71).
أي: لايردها إلابقدر ما يحلل القسم (214).
* تؤزهم أزا (19 | 83).
أزه على كذا، أي: أغراه به (215).
* لقد جئتم شيئا إدا (19 | 89).
الاد: الامر العظيم (216).
* وتنذر به قوما لدا (19 | 97).
اللدد: شدة الخصومة. يقال: رجل ألد، وقوم لد (217).
____________
(209) مق 3 | 323.
(210) صا 186.
(211) مق 2 | 494.
(212) مج 2 | 469.
(213) صا 221.
(214) مق 2 | 21 ـ مج 2 | 22.
(215) مج 1 | 147.
(216) مج 1 | 146.
(217) مق 5 | 203.
(144)
* هل تحس منهم من أحد (19 | 98).
الاحساس: العلم بالشيء (218) وهذا محمول على قولهم: قتلت الشيء علما (219).
سورة طه
* ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلاتذكرة (20 | 2 ـ 3).
بمعنى: بل تذكرة (220).
* لعلي آتيكم بقبس (20 | 10).
القبس: شعلة النار (221).
* أقم الصلاة لذكري (20 | 14).
اللام، بمعنى: عند (222).
*إن الساعة آتية أكاد أخفيها (20 | 15).
أي، اظهرها، على قراءة (اخفيها)، من قولهم: خفا البرق خفوا إذا لمع (223).
* وما تلك بيمينك؟ (20 | 17).
إستخبار، والمراد به الافهام: قد علم الله أن لها أمرا قد خفي على موسى، عليه السلام، فاعلمه من حالها مالم يعلمه (224).
* سنعيدها سيرتها الاولى (20 | 21).
قالوا: إلى سيرتها، فـ (إلى) مضمرة (225).
* وأشركه في أمري (20 | 32).
____________
(218) مج 2 | 10.
(219) مق 2 | 9.
(220) صا 135.
(221) مق 5 | 48.
(222) صا 113.
(223) مق 2 | 202.
(224) صا 182.
(225) صا 233.
(145)
يقال: شاركت فلانا في الشيء: إذا صرت شريكه، وأشركت فلانا: إذا جعلته شريكا لك (226) والشرك: للصائد (227).
*فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل (20 | 39).
(يُتْبَعُ)
(/)
قوله: فليلقه، مشترك بين الخبر والامر، كأنه قال: فاقذفيه/ في اليم يلقه اليم، ومحتمل أن يكون اليم أمر بإلقائه (228).
* مكانا، سوى (20 | 67).
المكان الوسط، بكسر السين من (سوى) (229).
* فأوجس في نفسه خيفة موسى (20 | 67).
توجس بالشيء: إذا أحس به، فتسمع إليه (230).
* ولاصلبنكم في جذوع النخل (20 | 71).
يقولون: في ـ هاهنا ـ بمعنى على، لان الجذع للمصلوب بمنزلة القبر للمقبور، فلذلك جاز أن يقال فيه هذا (231).
* فاقض ما أنت قاض (20 | 72).
أي: إصنع واحكم، ولذلك سمي القاضي قاضيا، لانه يحكم الاحكام وينفذها (232) واللفظ ـ هاهنا ـ أمر، والمعنى: تسليم (233).
* فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار (20 | 88).
يقولون: خارالثور، يخور، وذلك صوته (234).
* لن نبرح عليه عاكفين (20 | 91).
____________
(226) مق 3 | 265.
(227) مج 3 | 210.
(228) صا 269.
(229) صا 154.
(230) مج 4 | 507.
(231) صا 158.
(232) مق 5 | 99.
(233) صا 185.
(234) مق 2 | 227.
(146)
أي: لن نزال، ويقولون: ما برحت أفعل ذلك، في معنى: مازلت (235).
* لنحرقنه ثم لننسفنه (20 | 97).
قرئت لنحرقنه ثم لننسفنه، من حرقت الشيء: بردته وحككت بعضه ببعض (236) وقالوا: معناه: لنبردنه بالمبارد (237)
* ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (20 | 115).
أراد، والله أعلم: فترك العهد (238).
* ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى (20 | 129).
(أجل) معطوف على (كلمة)، والتأويل: ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى ـ أراد الاجل المضروب لهم، وهي الساعة ـ لكان العذاب لازما لهم (239).
سورة الانبياء
* وكم قصمنا من قرية (21 | 11).
القصم: الكسر (240).
* لو أردنا أن نتخذ لهوا (21 | 17).
يكنى باللهو عن غيره، قال الحسن وقتادة: أراد باللهو: المرأة وقال قوم: أراد به الولد (241) وقيل: اللهو كناية عن الجماع (242).
* لاتخذنا من لدنا (21 | 17).
أي: من عندنا (243).
____________
(235) مق 1 | 238.
(236) مج 2 | 46 ـ 47.
(237) مق 2 | 44.
(238) مق 5 | 422.
(239) صا 247.
(240) مج 4 | 167.
(241) مق 5 | 213.
(242) مج 4 | 252.
(243) صا 169.
(147)
* وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون (21 | 26).
قالوا: إن بل تأتي للاضراب بعد غلط أو نسيان، وهذا منفي عن الله ـ عزوجل ـ فإن اتي بها بعد كلام قد سبق من غيرالقائل فالخطأ إنما لحق كلام الاول نحو (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) فهم أخطأوا في هذا وكفروا به فقال عزوجل (بل عباد مكرمون) (244).
* ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما (21 | 30).
العرب تذكر جماعة وجماعة، أو جماعة وواحدا، ثم تخير عنهما بلفظ الاثنين (245).
* وجعلنا السماء سقفا (21 | 32).
السماء: سقف (246).
* في فلك يسبحون (21 | 33).
من سنن العرب أن تجري الموات وما لايعقل في بعض الكلام مجرى بني آدم (247).
* أفإن مت فهم الخالدون (21 | 34).
تأويل لكلام: أفهم الخالدون إن مت، وهذا من دقيق باب الاستفهام وذلك أن يوضع في الشرط وهو في الحقيقه للجزاء (248).
* خلق الانسان من عجل (21 | 37).
وهذا من باب القلب (249).
* فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم (21 | 58).
يقال: جذذت الشيء: كسرته فالمعنى: كسرهم (250).
____________
(244) صا 128.
(245) صا 214.
(246) مق 3 | 87.
(247) صا 250.
(248) صا 183.
(249) صا 203.
(250) مق 1 | 409.
(148)
* لقد علمت ما هولاء ينطقون (21 | 65).
من سنن العرب أن تجري الموات، وما لايعقل في بعض الكلام مجرى بني آدم (251).
* ونصرناه من القوم (21 | 77).
من، بمعنى: على (252) وهو بيان (253) لقوله ـ جل ثناؤه ـ في قصة نوح (عليه السلام): (اني مغلوب فانتصر) (254).
* اذ نفشت فيه غنم القوم (21| 78).
يقال: نفشت الابل: ترددت ليلا بلا راع (255).
* وحرام على قرية أهلكناها (21 | 95).
فالحرام: ضد الحلال والحرام: المنع والتشديد، وقرئت (وحرم) (256).
* وهم من كل حدب ينسلون (21 | 69).
الحدب: ما ارتفع من الارض (257). وينسلون: يسرعون (258).
* حصب جهنم (21 | 98).
قراءة: حضب جهنم، وهوالوقود بفتح الواو (259).
* لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها (21| 99).
(يُتْبَعُ)
(/)
من سنن العرب ان تجري الموات وما لايعقل في بعض الكلام مجرى بني آدم (260).
* وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم (21 | 103).
____________
(251) صا 250.
(252) صا 172.
(253) صا 242.
(254) القمر: 10.
(255) مج 4 | 425.
(256) مق 2 | 45.
(257) مج 2 | 37.
(258) مق 5 | 421.
(259) مق 2 | 75 ـ مج 2 | 78.
(260) صا 251.
(149)
أي: يقولون، وهذا من باب إضمار الافعال (261).
سورة الحج
* يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت (22 | 2). اذا وصفت بالارضاع قلت: مرضعة (مق 2 | 400).
* وترى الناس سكارى وما هم بسكارى (22 | 2).
أي: ما بسكرى مشروب، ولكن سكرى فزع ووله (262).
* وانبتت من كل زوج بهيج (22 | 5).
يقال: نبات بهيج، أي: ناضر حسن (263).
* ومن الناس من يعبد الله على حرف (12 | 11).
أي: على وجه، أي: طريقة واحدة، لان العبد يجب عليه طاعة الله ـ جل ثناؤه ـ عندالسراء والضراء، فاذا أطاعه عند السراء، وعصاه عند الضراة فذلك ممن عبدالله على حرف (264) الاترى انه قال ـ جل ثناؤه:
* (فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه) (22 | 11) (265).
* فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع (22 | 15).
في بعض الكتب (266) إن (القطع) هاهنا الاختناق.
* إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا (22| 17).
فبدأ بهم ثم قال:
* إن الله يفصل بينهم (22 | 17).
____________
(261) صا 235.
(262) صا 259.
(263) مق 1 | 308.
(264) مج 2 | 45 ـ مق 2 | 42.
(265) عده من المشكل لغرابة لفظه في صا 75.
(266) هذه الجملة من مج4 | 172 وبلفظ: (وفي بعض التفسير) في مق 5 | 102.
(150)
بدأ بهم ثم حول الخطاب، وهو من الابتداء بالشيء ثم يخبر عن غيره (267).
* ثم ليقضوا تفثهم (22 | 29).
قال ابوعبيدة (268): هو قص الاظافر واخذ الشارب.وشم الطيب وكل ما يحرم على المحرم الا النكاح (269) واللام في (ليقضوا) للامر (270).
* فاذا وجبت جنوبها (22 | 36).
أي: اذا ماتت (271).
* واطعموا القانع والمعتر (22 | 36).
القانع: السائل، وسمي قانعا لاقباله على من يسأله (272).
* فهي خاوية على عروشها (22 | 45).
يقال لسقف البيت: عرش، والمعنى: ان السقف يسقط ثم تتهافت عليه الجدران ساقطة (273).
* ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (22 | 46).
الصدر للانسان، والجمع: صدور (274).
* إلا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته (22 | 52).
أي: اذا قرأ. وقولنا: تمنى الكتاب: قرأه، وهو ذلك المعنى، لان القراءة تقدير ووضع كل آية موضعها، والتمني يدل على تقدير شيء ونفاذ القضاء به (275).
* يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل (22 | 61).
أي: يزيد من هذا في ذاك، ومن ذاك في هذا، وولج الشيء في غيره:
____________
(267) صا 216 ـ 217.
(268) عبارة أبي عبيدة: هو الاخذ من الشارب وقص الاظفار، ونتف الابط، والاستحداد وحلق العانة، مجاز القرآن 2 | 50.
(269) مق 1 | 350. مج 1 | 331.
(270) صا 114.
(271) مق6 | 89.
(272) مق 5 | 33.
(273) مق 4 | 5 26.
(274) مق 3 | 337.
(275) مق 5 | 276 ـ 277.
(151)
دخل (276).
سورة المؤمنون
* قد افلح المؤمنون (23 | 1).
قد: جواب لمتوقع وهي نقيض ما التي للنفي، وليس من الوجه الابتداء بها إلا ان تكون جوابا لمتوقع، والاية على هذا المعنى، لان القوم توقعوا علم حالهم عند الله تبارك اسمه (277).
* ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين (23 | 12).
فهذا آدم ـ عليه السلام ـ والكناية ـ هاهنا ـ متصلة باسم وهي لغيره ثم قال:.
* ثم جعلناه نطفة (23 | 13).
فهذا لولده لان آدم لم يخلق من نطفة (278).
* ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم (23 | 24).
المتفضل: المدعي للفضل على اضرابه واقرانه (279).
* واويناهما إلى ربوة (23 | 50).
قال الخليل: أوى الرجل إلى منزله، وآوى غيره أويا وايواء، ويقال: أوى: إواء ايضا، والاوي أحسن (280).
* عن الصراط لنا كبون (23 | 74).
نكب عن الشيء، ينكب: مال (281).
* ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم (23 | 75).
بيان لقوله ـ جل ثناؤه ـ في الاخبار عنهم: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا.
____________
(276) مج 4 | 553.
(277) صا 158.
(278) صا 262.
(279) مق 4 | 508.
(280) مق 1 | 151.
(281) مق 5 | 474.
(152)
مؤمنون) (282) فذلك رد لقولهم (283).
* اذا هم فيه مبلسون (23 |77).
مبلسون: يائسون، قالوا: ومنه اشتق اسم إبليس، كأنه يئس من رحمة الله (284)
* قل: رب إما تريني ما يوعدون (23 | 93).
إما: تكون تخييرا واباحة، والاكثر في جوابها نون التوكيد، كما هاهنا (285).
* قل: رب أعوذ بك من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب ان يحضرون (23 | 97 ـ 98).
تأولها ناس، أي: ان يصيبوني بسوء، وذلك أنهم يحضرونه بسوء (286).
والاية ايماء الى ان يصيبوني بسوء، وذلك أن العرب تقول: اللبن محضور أي: تصيبه الافات (287).
* قال: رب ارجعون (23 | 99).
من سنن العرب مخاطبة الواحد بلفظ الجميع (288).
* قال: اخسئوا فيها ولا تكلمون (23 | 108).
يقال: خسأت الكلب: أبعدته، واخسئوا، كما يقال: ابعدوا (289).
للبحث صلة ...
____________
(282) الدخان: 12.
(283) صا 241.
(284) مق 1 | 300.
(285) صا 145.
(286) مق 2 | 76.
(287) صا 249.
(288) صا 213.
(289) مق 2 | 182.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 04:23 ص]ـ
من مجلة تراثنا العدد 10
تفسير ابن فارس (3)
الدكتور هادي حسن حمودي
سورة النور
* ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله (24 | 2).
يقال: رؤف يرؤف، رأفة ورآفة، على فعلة وفعالة: وهي تدل على رقة ورحمة ـ وقرئت (رآفة) (1).
* وليشهد عذابهما طائفة (24 | 2).
يراد به واحد واثنان وما فوق (2).
* فاجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة أبدا (24 | 4).
الاستثناء هاهنا على ما كان من حق الله ـ جل ثناؤه ـ دون الجلد وهذا مما يمنع منه الدليل (3).
* ويدرأ عنها العذاب (24 | 8).
درأت الشيء: اذا دفعته (4).
* والذي تولى كبره (24 | 11).
____________
(1) مق 2 | 471.
(2) صا 212.
(3) صا 137.
(4) مج 2 | 265. مق 2 | 272.
(62)
أي:معظم امره (5).
* قلتم ما يكون لنا (24 | 11).
أي، ما ينبغي لنا (6).
* بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم (24 | 29).
المتعة والمتاع:المنفعة (7).
* قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم (24 | 30).
ذكروا ان (من) ـ هاهنا ـ تبعيضية. وقال اخرون: من هذه تبعيضية لانهم أمروا بالغض عما يحرم النظر اليه (8).
* غير أولي الاربة من الرجال (24 | 31).
المأربه والمأربة والاربة، كل ذلك: الحاجة (9).
* وأنكحوا الايامي منكم (24 | 32).
الايامى: مفردها: الايم، وهي: المرأة لا بعل لها، والرجل لا مرأة له (10).
* وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا (24 | 33).
إنما أراد ـ والله أعلم ـ الشيء ينكح به من مهر ونفقة، وما لابد للمزوج به منه (11).
* لا شرقية ولاغربية (24 | 35).
قال ابوعبيدة: لا شرقية تضحى للشرق، ولا غربية لا تضحى للشرق لكنها ـ شرقية غربية يصيبها ذا وذا: الشرق والغرب (12).
* لم يكد يراها (24 | 40).
____________
(5) مق 5 | 153.
(6) صا 161.
(7) مق 5 | 293.
(8) صا 252.
(9) مق 1 | 89.
(10) مق 1 | 166.
(11) صا 95.
(12) صا 268.
(63)
أي: لم يرها، ولم يقارب (13).
* يكاد سنا برقه يذهب بالابصار (24 | 43).
الهناء، والسنا: يدل على الرفعة إلا انه لشيء مخصوص، وهو الضوء (14).
* والله خلق كل دابة من ماء، فمنهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على اربع يخلق الله ما يشاء ان الله على كل شيء قدير (24 | 45).
قال: (منهم) تغليبا لمن يمشي على رجلين وهم بنو آدم (15).
وقوله ـ جل ثناؤه ـ (خلق كل دابة من ماء) عام يأتي على الجملة لا يغادر منها شيئا (16).
* والقواعد من النساء (24 | 60).
امرأة قاعد: عن الحيض والازواج والجمع: القواعد (17).
* قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً (24 | 63).
يقال: لاذ به يلوذ لوذا، ولا ذلياذا، وذلك اذا عاذ به من خوف أو طمع، ولاوذ لواذا، وكان المنافقون اذا أراد الواحد منهم مفارقة مجلس رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لاذ بغيره مستترا ثم نهض، وإنما قال (لواذا) لانه من لاوذ، وجعل مصدره صحيحا، ولو كان من لاذ، لقال: لياذا (18).
سورة الفرقان
* سعيرا (25 | 11).
السعير مذكر. ثم قال:
____________
(13) صا 160.
(14) مق 3 | 103 ـ 104.
(15) صا 209.
(16) صا 209.
(17) مج 4 | 176ـ مق 5 | 108.
(18) مق 5 | 221.
(64)
* إذا رأتهم من مكان بعيد (25 | 12).
فحمله على النار، وهذا باب يترك حكم ظاهر لفظه لانه محمول على معناه (19).
* فقد كذبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا (25 | 19).
الصرف في القرآن: التوبة (20).
* إلا أنهم ليأكلون (25 |20).
زعم ناس أن (اللام) تقع صلة لا اعتبار بها، ويزعم أنه اعتبر ذلك من قراءة بعض القراء: (إلا أنهم ليأكلون) ففتح (أن) وألغى اللام (21).
* يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون: حجرا محجورا (25 | 22).
يقول المجرمون ذلك كما كانوا يقولونه في الدنيا (22). والحجر: الحرام. وكان الرجل يلقى الرجل يخافه في الاشهر الحرم فيقول: حجرا، أي حراما، ومعناه: حرام عليك أن تنالني بمكروه، فإذا كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب فيقولون: (حجرا محجورا) فظنوا أن ذلك ينفعهم في الاخرة كما كان ينفعهم في الدنيا (23).
(يُتْبَعُ)
(/)
* وقال الرسول: يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا (25 | 30).
ولم يقل: هجروا لان شأن القوم كان هجران القرآن، وشأن القرآن عندهم أن يهجر أبدا، فذلك قال ـ والله أعلم ـ: (اتخذوا القرآن مهجورا) (24).
* وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة (25 | 32).
أي: مجموعا، قولك: أجملت الشيء، وهذه جملة الشيء، وأجملته: حصلته (25)
____________
(19) صا 253 ـ 254.
(20) مج 3 | 267 وحواشيه.
(21) صا 112.
(22) صا 93.
(23) مق 2 | 139 مج 2 | 140.
(24) صا 272 ـ 273.
(25) مق 1 | 480.
(65)
ثم قال: (كذلك) أي: كذلك فعلنا ونفعله من التنزيل (صا 163).
* وأحسن تفسسيرا (25 | 33).
قال ابن عباس: تفصيلا. وأما اشتقاقه فمن الفسر، أخبرني، القطان، عن المعداني (26)، عن أبيه، عن معروف (27)، عن الليث (28)، عن الخليل، قال: الفسر: البيان، واشتقاقه من فسر الطبيب للماء: إذا نظرإليه، ويقال لذلك: التفسره أيضا (29).
* وقرونا بين ذلك كثيرا (25 |38).
القرن: الامة من الناس، والجمع قرون (30).
* أمطرت مطر السوء (25 | 40).
قال ناس: لا يقال (امطر) إلا في العذاب (31).
* وأنزلنا من السماء ماء طهورا (25 | 48).
الطهور: الماء، وسمعت محمد بن هارون الثقفي يقول: سمعت أحمد بن يحيى ثعلبا يقول: الطهور: الطاهر في نفسه، المطهر لغيره (32).
* قل: ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء (25 | 57).
(إلا) هاهنا، بمعنى: لكن، وتكون من الذي يسمونه: الاستثناء المنقطع، وكان الفراء يقول: استثنى الشيء من الشيء ليس منه على الاختصار (33).
* يمشون على الارض هونا (25 | 63).
الهون: السكينة والوقار (34).
* إن عذابها كان غراما (25 | 65).
____________
(26).
(27).
(28) تلميذ الخليل، وراوي العين عنه. عرف بالشعر والادب. بغية
الوعاة 2 | 270.
(29) صا 193.
(30) مق 5 | 77.
(31) مق 5 | 332 ـ 333.
(32) مق3 | 428. مج 3 | 335.
(33) صا 135.
(34) مق 6 | 21.
(66)
الغرام: العذاب اللازم (مق 4 | 419).
* والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا (25 | 67).
يقال: قتر الرجل على أهله يقتر، وأقتر وقتر (35).
سورة الشعراء
* فظلت أعناقهم لها خاضعين (26 | 4).
أعناقهم: أي: جماعتهم، ألا ترى أنه قال: خاضعين، ولو كانت الاعناق. أنفسها لقال: خاضعة أو خاضعات، وإلى هذا ذهب أبوزيد (36). وقال النحويون: لما كانت الاعناق مضافة إليهم رد الفعل إليهم دونها (37).
* أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون (26 | 10).
هذا من الحث والتخصيص، معناه: إيتهم ومرهم بالاتقاء، فهو كالامر (38).
* إنا رسول رب العالمين (26 | 16).
قال أبوعبيدة: أراد الرسالة (39).
* وإنا لجميع حاذرون (26 | 56).
قالوا: متأهبون. و (حذرون) خائفون (40).
* أن اضرب بعصاك البحر فانفلق (26 | 63).
أي: فضرب فانفلق، وهذا من الحذف والاختصار (41).
* فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم (26 | 63).
____________
(35) مق 5 | 55.
(36) أبوزيد، سعيد بن أوس الانصاري، أخذ عنه أبوعبيد القاسم بن سلام (ت 214 أو 215) نزهة الالباء ـ 81.
(37) مق 4 | 159.
(38) 187 ـ 188.
(39) صا 254.
(40) مج 2 | 39. مق 2 | 37 وحواشيه.
(41) صا 206.
(67)
الفرق: الفلق من الشيء إذا انفلق (42). واللام والراء يتعاقبان كما تقول العرب: فلق الصبح وفرقه (43).
* قال: هل يسمعونكم إذ تدعون؟ (26 | 72).
بمعنى: لكم، وهذا من إضمار الحروف (44).
* فإنهم عدو لي إلا رب العالمين (26 | 77).
العدو، يقال للواحد والاثنين والجمع، وهو يدل على تجاوز في الشيء وتقدم لما ينبغي أن يقتصر عليه (45). و (إلا) هاهنا بمعنى: (لكن) وهي من الذي يسمونه الاستثناء المنقطع (46). وفيه قلب، فالاصنام لاتعادي أحدا، فكأنه قال: فإني عدو لهم، وعداوته لها بغضه إياها وبراءته منها (47).
* وما علمي بما كانوا يعملون (26 | 112).
أي: بما يعملون لانهقد كان عالما بما عملوه من إيمانهم به، و (كان) هاهنا، زائدة (48).
* إنما أنت من المسحرين (26 | 153).
قال قوم: من المخدوعين. وقال قوم:لك سحر: أي: رئة، ولابد لك من أكل الطعام (49).
(يُتْبَعُ)
(/)
* وزنوا بالقسطاس المستقيم (26 | 182).
القسطاس: الميزان (50).
* وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الامين على قلبك، لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين (26 | 192 ـ 195).
____________
(42) مج 4 | 92 مق 4 | 494.
(43) صا 204.
(44) صا 234.
(45) مق 4 | 252.
(46) صا 335 ـ 336.ـ (47) صا 203.
(48) صا 161.
(49) مج 3 | 123.
(50) مق 5 | 86.
(68)
هذا وصفه بأبلغ ما يوصف به الكلام، وهو: البيان (51) وهذا دليل لقولنا إنه ليس في كتاب الله ـ تعالى ـ شيء بغير لغة العرب (52).
* وسيعلم الذين ظلموا (26 | 227).
خبر يحتمل معنى الوعيد (53).
سورة النمل
* ولى مدبرا ولم يعقب (27 | 10).
أي: لم يعطف (54).
* وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم (27 | 14).
الجحود: ضد الاقرار. ولا يكون إلا مع علم الجاحد به أنه صحيح، وما جاء جاحد بخير قط (55).
* فهم يوزعون (27 | 17 ـ 83 ـ وكذا فصلت 19).
أي: يحبس أولهم على آخرهم، ووزعت الرجل عن الامر: كففته (56).
* يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم (27 | 18).
من سنن العرب أن تجري الموات وما لا يعقل في بعض الكلام مجرى بني آدم (57).
* لا عذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه (27 | 21).
هذا من باب المحاذاة، وذلك ان اللامين ـ هاهنا ـ لا ما قسم، ثم قال (أو ليأتيني) فليس ذا موضع قسم لانهعذر للهدهد، فلم يكن ليقسم على الهدهد أن
____________
(51) صا 40.
(52) صا 59.
(53) صا 180.
(54) مق 4 | 82.
(55) مق 1 | 426. مج1 | 402.
(56) مج 4 | 522 ـ مق 6 | 106.
(57) صا 250.
(69)
يأتي بعذر، لكنه لما جاء به على أثر ما يجوز به القسم أجراه مجراه (58).
* ألا يسجدوا (27 | 25).
يا: للتنبيه (59) بمعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فلما لم يذكر (هؤلاء) بل أضمرهم اتصلت (يا) بقوله: اسجدوا فصار كأنه فعل مستقبل (60). ومثله قول ذي الرمة.
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى * *ولا زال منهلا في جرعائك القطر (61)
.
* قال: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين (27 | 27).
المعنى: أم أنت من الكاذبين، وهذا من التعويض، وهو إقامة الكلمة مقام الكلمة، فيقيمون الفعل الماضي مقام الراهن (62).
* فالقه اليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون (27 | 28).
معناه: فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم، من التقديم والتاخير (63).
* إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون (27 | 34).
فقوله: (وكذلك يفعلون) من قول الله ـ جل اسمه ـ لا من قوله المرأة وذلك أن تجىء الكلمة كأنها في الظاهر معها، وهي في الحقيقة غير متصلة بها (64).
* بم يرجع المرسلون (27 | 35).
وهذا من الجمع الذي يراد به الواحد. والمرسلون، هاهنا، واحد، يدل عليه قوله ـ جل ثناؤه ـ:
* (إرجع إليهم) (27 | 37) (65).
____________
(58) صا 230 ـ 231.
(59) صا 178 ـ 179.
(60) صا 232.
(61) الديوان
(62) صا 236.
(63) صا247.
(64) صا 243.
(65) صا 212.
(70)
* ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون (27 | 45).
تفسير هذا الاختصام ما قيل في سورة اخرى: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه) (66). إلى آخر القصة (67).
* ما كان لكم أن تنبتوا شجرتها (27 | 60).
أي: ما قدرتم، وكان ـ هاهنا ـ دالة على المضي (68).
* أيان يبعثون (27 | 65).
أي: متى (69).
* بل ادارك علمهم في الاخرة (27 | 66).
أي: لا علم لهم في الاخرة (70). ويقولون: تداراك الثريان:
إذا ادرك الثرى الثاني المطر الاول، والاية من هذا، لان علمهم أدركهم في الاخرة حين لم ينفعهم (71).
* قل عسى أن يكون ردف لكم (27 | 72).
عسى: للقرب والدنو، والافصح أن يكون بعدها (أن) (72).
سورة القصص
* إن فرعون علا في الارض (28 | 4).
العلو: العظمة والتجبر، يقولون: علا الملك في الارض علوا كبيرا (73).
* فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا (28 | 8).
____________
(66) الاعراف: 75.
(67) صا 242.
(68) صا 160.
(69) صا 143.
(70) مج 2 | 262.
(71) مق 2 | 269.
(72) صا 157.
(73) مق 4 | 113.
(71)
(يُتْبَعُ)
(/)
اللام في (ليكون) لام العاقبة، فإنهم لم يلتقطوه لذلك، لكن صارت العاقبة ذلك (74).
* وحرمنا عليه المراضع من قبل (28 | 12).
هذا من القلب. ومعلومأن التحريم لا يقع إلا على من يلزمه الامر والنهي، وإذا كان كذا فالمعنى: وحرمنا على المراضع أن يرضعنه، ووجه تحريم إرضاعه عليهن ألا يقبل رضاعهن حتى يرد إلى امه (75).
* فذانك برهانان من ربك (28 | 32).
لم تحذف النون من (فذانك)، لانه لو خذفت النون ـ وقد اضيف ـ لذهب معنى التثنية أصلا، لانه لم يكن للتثنية ـ هاهنا ـ علامة إلا النون وحدها، فإذا حذفت أشبهت الواحد لذهاب علامة التثنية (76).
* فأرسله معي ردءا يصدقني (28 | 34).
الردء: المعين، وفلان ردء فلان، أي: معينه (77).
* ويوم القيامة هم من المقبوحين (28 | 42).
أي: من المبعدين (78).
* وربك يخلق مايشاء ويختار ما كان لهم الخيرة (28 | 68).
رد على قولهم: (ولو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (79). و ـ بيان له (80).
* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله (28 | 73).
المعنى: جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار لتبتغوا من فضله، وهذا من جمع
____________
(74) صا 115.
(75) صا 203.
(76) صا 50.
(77) مق 2 | 507.
(78) مق 5 | 47.
(78) مق 5| 47
(79) الزخرف: 31.
(80) صا 241.
(72)
شيئين في الابتداء بهما وجمع خبربهما ثم يرد إلى كل مبتدأ به خبره (81).
سورة العنكبوت
* والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين (29 |9).
هذا من الحذف والاختصار (فهاهنا إضمار لان قائلا لو قال: من عمل صالحا جعلته في الصالحين، لم تكن له فائدة، والاضمار ـ هاهنا ـ لندخلنهم الجنة في زمرة الصالحين) (82).
* وتخلقون إفكا (29 | 17).
الخلق: خلق الكذب، وهو اختلافه واختراعه (83).
* كيف بدأ الخلق (29 | 19).
فالله ـ عزاسمه ـ المبدىء المعيد، والبادىء (84).
* وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الاخرة لمن الصالحين (29 | 27).
والاخرة دار ثواب لا عمل، فهذا مقتص من قوله: (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فاولئك لهم الدرجات العلى) (85).
* إلا امرأته كانت من الغابرين (29 | 33).
غبر: إذا بقي (86).
* ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا (29 | 46).
قوله: إلا الذين ظلموا، إستثناء منقطع، فهذا قد انقطع من الاول، ويجوز أن يكون على الاستثناء من أوله كأنه قال: إلا الذين ظلموا فجادلوهم بالتي هي أسوأ من لسان أويد، أي: اغلظ، يريد مشركي العرب (87).
____________
(81) صا 244 ـ 245.
(82) صا 206 وحاشيته.
(83) مج 2 | 214.
(84) مج 1 | 248.
(85) طه 75. وينظر صا 239.
(86) مق 4 | 408.
(87) صا 136.
(73)
* وجعلنا حرما آمنا (29 | 67).
أي: مأمونا فيه (88).
سورة الروم
* الم. غلبت الروم في أدنى الارض (30 | 1 ـ 2).
معناها: لقد غلبت الروم، إلا أنه لما أضمر (قد) أضمر اللام (89). والغلبة واقعة بهم من غيرهم (90). ثم قال:
* وهم من بعد غلبهم سيغلبون (30 | 3).
فأضاف الغلب إليهم، وإنما كان كذا لان الغلب وإن كان لغيرهم فهو متصل بهم لوقوعه بهم (91).
* بضع سنين (30 | 4).
البضع: من العدد، وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة، ويقال: البضع سبعة (92).
* ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى (30 | 10).
سميت النار سوأى، لقبح منظرها (93).
* وكانوا بشركائهم كافرين (30 | 13).
محتمل أن يكونوا كفروا بها وتبرأوا منها، ويجوز أن تكون باء السبب كأنه قال: وكانوا من أجل شركائهم كافرين (94).
* فهم في روضة يحبرون (30 | 15).
الحبرة: الفرح (95).
____________
(88) صا 220.
(89) صا 233.
(90) صا 249.
(91) صا 249.
(92) مق 1 | 257.
(93) مق 3 | 113.
(94) صا 106.
(95) مق 2 | 127.
(74)
* فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (30 | 17).
أقام المصدر مقام الامر، والسبحة: الصلاة، يقولون: سبح سبحة الضحى فتأويل الاية: سبحوا الله ـ جل ثناؤه ـ فصار في معنى الامر والاغراء (96).
* ومن آياته يريكم البرق (30 | 24).
أي: أن يريكم (97).
* وهو أهون عليه (30 | 27).
(يُتْبَعُ)
(/)
يقولون: إن هذا من باب (أفعل) في الاوصاف لايراد به التفضيل (98).
* فمن يهدي من أضل الله (30 | 29).
ظاهره إستخبار، والمعنى: لا هادي لمن أضل الله، والدليل على ذلك قوله في العطف عليه (وما لهم من ناصرين) (99).
* كل حزب بما لديهم فرحون (30 | 32).
الحزب: الطائفة والجماعة (100).
* وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله، فاولئك هم المضعفون (30 | 39).
قوله (فاولئك هم المضعفون) تحويل الخطاب من الشاهد إلى الغائب (101).
* ظهر الفساد في البر والبحر (30 | 41).
قال بعض أهل التأويل: أراد بالبر: البادية، وبالبحر: الريف (102).
سورة لقمان
* ولا تصعر خدك للناس (31 | 16).
____________
(96) صا 237.
(97) صا 234.
(98) صا 257ـ 258.
(99) صا 183.
(100) مج | 2 | 59.
(101) صا 215.
(102) مج 1 | 241 وينظر مق 1 | 179.
(75)
هو من الصيعرية، وهو إعتراض البعير في سيره (103).
* وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض (31 | 20).
نقول: سخر الله ـ عزوجل ـ الشيء: وذلك إذا ذلله لامره وإرادته (104).ـ
* فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها (31 | 22).
عرى الاسلام شرائعه التي يتمسك بها، كل شريعة عروة. ويقال: إن عروة الاسلام: بقيته، كقولهم: بأرض بني فلان عروة، أي: بقيه من كلا. وهذا عندي كلام فيه جفاء، لان الاسلام باق أبدا (105).
* وما يجحد باياتنا إلا كل ختار كفور (31 | 32).
الختار: الغدار (106).
سورة الاحزاب
* يا أيها النبي اتق الله، ولا تطع الكافرين والمنافقين (33 | 1).
الخطاب له صلى الله عليه وآله وسلم والمراد الناس جميعا (107).
* يقولون: ان بيوتنا عورة وما هي بعورة (33 | 13).
قالوا: كأنها ليست بحريزة، وجمع العورة: عورات (108).
* فيطمع الذي في قلبه مرض (33 | 22).
قالوا: أراد القهر، وقد قلنا: المرض: كل شىء خرج به الانسان عن حد ـ الصحة (109).
* ومن يقنت منكن (33 | 31).
____________
(103) مق 3 | 288.
(104) مق 3 | 144.
(105) مق 4 | 296.
(106) مق 2 | 244.
(107) صا 210.
(108) مق 4 | 185.
(109) مق5 | 311.
(76)
من: إسم لمن يعقل، وتكون في المؤنث، كما هاهنا، وفي المذكر (110).
* وقرن في بيوتكن (33 | 33).
قال الاحمر (111): ليس من الوقار، إنما هو من الجلوس، يقال: وقرت أقر، وقرا: جلست. قال أبوعبيد: هو عندي من الوقار، يقال: قر كمال يقال: عد (112).
* واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة (33 | 34).
فايات الله: القرآن، والحكمة: سنته صلى الله عليه وآله وسلم (113).
* فما لكم عليهن من عدة تعتدونها (33 | 49).
أي: تستوفونها لانها حق للازواج على النساء (114).
* وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي (33 | 50).
هذا من الخاص الذي يتخلل فيقع على شيء دون أشياء (115).
* غير ناظرين إناه (33 | 53).
أنى الشيء: إدراكه (116).
سورة سبأ
* يا جبال أوبي معه والطير (34 | 10).
التأويل: التسبيح (117).
* وقدر في السرد (34 | 11).
السرد: إسم جامع للدروع وما أشبهها من عمل الحلق. وقالوا: معنى الاية: ليكن ذلك مقدرا، لا يكون الثقب ضيقا والمسمار غليظا، ولا يكون المسمار دقيقا،
____________
(110) صا 173.
(111) المقصود هاهنا: أبوعمرو الشيباني الكوفي صاحبكتاب (الجيم) وغيره. (ت 206 وقيل 218).
بغية الوعاة 1 | 440.
(112) مج 4 | 544.
(113) صا 274.
(114) صا 231.
(115) صا 209.
(116) مج 1 | 209 ـ مق 1 | 143.
(117) مق 1 | 153.
(77)
والثقب واسعاً، بل يكون على تقدير (118).
* ومزقنا هم كل ممزق (34 | 19).
وضع (ممزق) بموضع: تمزيق ـ كالمجرب والتحريب (119).
* حتى اذا فزع عنقلوبهم (34 | 23).
فزع: إذا أتاه الفزع، وفزع عن قلبه إذا أنحى عنه الفزع، وأراد ـ والله أعلم ـ أخرج منها الفزع (120). وفزعت عنه: كشفت عنه الفزع (121).
* وإنا وإياكم لعلى هدي أو في ضلال مبين (34 | 24).
معناه: وإنا على هدي، وإياكم في ضلال، وهذا من باب جمع شيئين في الابتداء بهما وجمع خبريهما، ثم يرد إلى كل مبتدأ به خبره (122).
* ولو ترى إذ فزعوا فلافوت، واخذوا من مكان قريب (34 | 51).
(يُتْبَعُ)
(/)
تأويله ـ والله أعلم ـ: ولو ترى إذ فزعوا واخذوا من مكان قريب، فلا فوت لان (لا فوت) يكون بعد الاخذ، وهذا من التقديم والتأخير (123).
وإذ ـ هاهنا ـ بمعنى: إذا (124).
* وأنى لهم التناوش من مكان بعيد (34 | 52).
تناوشت: تناولت (125).
للبحث صلة. . .
____________
(118) مق 3 | 157.
(119) صا 108.
(120) صا 202.
(121) مج 4 | 98 ـ مق 4 | 501.
(122) صا 244.
(123) صا 246.
(124) صا 140.
(125) مق 5 | 369.
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 04:28 ص]ـ
من مجلة تراثنا العدد11
تفسير ابن فارس (4)
الدكتور هادي حسن حمودي
سورة فاطر
* ولا يُنبَّئُك مثل خبير (35 | 14).
الله ـ تعالى ـ الخبير: أي: العالم بكل شيء (1).
* وما مسنا من لغوب (35 | 35 ـ وأيضا ق 38).
اللغوب: التعب والمشقة، يقال: أتانا ساغبا لاغبا، أي: جائعا تعبا (2).
* ولا يحيق المكر السيّء إلا بأهله (35 | 43).
حاق الشيء بالشيء: نزل (3)، يقال: حاق به السوء، يحيق (4).
سورة يس
ـ * يس .. والقرآن لحكيم إنك لمن المرسلين (36 | 1 ـ 2).
هذا الذي يسميه أهل القرآن: جوابا. وهو رد على قولهم (لست ـ مرسلا) (5). وبيان له (6).
____________
(1) مق 2 | 239.
(2) مج 4|282.
(3) مج 2 | 127.
(4) مق 2 | 125.
(5) الرعد 43.
(6) صا 241.
(21)
* إني آمنت بربكم فاسمعون (39 | 25).
أي: فلما قتل قيل: ادخل الجنة، وهو من الحذف والاختصار (7).
* يا حسرة على العباد (36 | 30).
يا: للتلهف والتأسف (8).
* والشمس تجري لمستقر لها (36 | 38).
وقرئت (لا مستقر لها) وسميت الشمس بذلك لانها غير مستقرة، هي أبدا متحركة (9).
* حتى عاد كالعرجون القديم (36 | 39).
قال: عاد، ولم يكن عرجونا قبل (10).
* يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا (36 | 52).
تم الكلام، فقالت الملائكة:
ـ * هذا ما وعد الرحمن (36 | 52).
وهذا من نظوم القرآن وهو أن تجيء الكلمة كأنها في الظاهر معها، وهي في الحقيقة غير متصلة بها (11).
* ألم أعهد إليكم (36 | 60).
معناه، والله أعلم: ألم اقدم إليكم من الامر الذي أوجبت عليكم الاحتفاظ به (12).
* قال من يحيي العظام وهي رميم (36 | 78).
الرميم: العظام البالية (مق 2 | 379).
سورة الصافات
* وحفظا من كل شيطان (37 | 7).
____________
(7) صا 205 ـ 206.
(8) صا 178.
(9) مق 3 | 212.
(10) صا 266.
(11) صا 243.
(12) مق 4 | 169.
(22)
أي: وحفظا فعلنا ذلك والواو مقحمة (13).
* إلا من خطف الخطفة (37 | 10).
الشيطان يخطف السمع، إذا استرق (14).
* إنالمبعوثون أو آباؤنا (37 | 17).
أو: ليس بـ (أو) وانما هي واو عطف دخل عليها ألف الاستفهام، كأنه لما قيل لهم: إنكم مبعوثون وآباؤكم، استفهموا عنهم (15).
* ما لكم لا تناصرون (37 | 25).
بيان لقوله تعالى: أم يقولون نحن جميع منتصر؟ (16) ورد على قولهم (17).
* فاطلع فرآه في سواء الجحيم (37 | 55).
في وسط الجحيم. والسواء: وسط الدار وغيرها، وسمي بذلك لاستوائه (18).
* ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين (37 | 57).
مأخوذ من قوله ـ جل ثناؤه ـ: (فاولئك في العذاب محضرون) (19). وقوله: (ثم لنحضرنهم حول جهنم) (20)
* طلعها كأنه رؤوس الشياطين (37 | 5).
سمي الشيطان بذلك، والنون فيه أصلية، لبعده عن الحق وتمرده، وذلك أن كل عات متمرد من الجن والانس والدواب: شيطان. وقيل: إنه اراد الحيات، وذلك أن الحية تسمى شيطانا (21) قال:
تلاعب مثنى حضرمي كأنه * تعمج شيطان بذي خروع قفر (22)
____________
(13) صا 120.
(14) مق 2 | 196.
(15) صا 120.
(16) القمر 44
(17) صا 241.
(18) مق 3 | 112.
(19) الروم: 16.
(20) مريم: 68. وينظر صا 239.
(21) مقا 3 | 184 ـ مج 3 | 157.
(22) لطرفة. الديوان.
(23)
* وتركنا عليه في الاخرين (37 | 78).
أراد: الثناء الحسن، وهو من الحذف والاختصار (23).
* فأقبلوا إليه يزفون (37 | 94).
زف القوم في سيرهم: أسرعوا، فيزفون: يسرعون (24) وقرئت (يزفون) مخففة، بمعنى يسرعون، أيضا (25).
*وتله للجبين (37 | 103).
تله: أي: صرعه (26).
* فساهم فكان من المدحضين (37 | 141).
(يُتْبَعُ)
(/)
السهمة: النصيب: ويقال: أسهم الرجلان: إذا اقترعا، وذلك من السهمة والنصيب، أن يفوز كل منهما بما يصيبه (27).
* فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه (37 | 144).
لولا ـ هاهنا ـ تدل على امتناع الشيء لوجودغيره (28).
* إلى مائة ألف أو يزيدون (37 | 147).
قال قوم: أو ـ هاهنا ـ بمعنى: الواو، ويزيدون، وقال آخرون: بمعنى بل، وقال قوم: هي بمعنى الاباحة، كأنه قال: إذا قال قائل: هم مائة ألف فقد صدق، وإن قال غيره: بل يزيدون على مائة ألف، فقد صدق (29).
* وما منا إلا لهمقام (37 | 164).
أي: من له مقام، وهذا من إضمار الاسماء (30).
____________
(23) صا 206.
(24) مج 3 | 6. مق 3 | 4.
(25) مق 6 | 106 ـ مج 4 | 523.
(26) مق 1 | 339.
(27) مق 3 | 111.
(28) صا 164.
(29) صا 127.
(30) صا 232.
(24)
سورة ص
* ص والقرآن ذي الذكر، بل الذين كفروا (38 | 1 ـ 2).
بل، بمعنى: إن (31)
* ولات حين مناص (38 | 3).
المناص: المصدر، والملجأ أيضا (32).
* وانطلق الملأ منهم أن امشوا (38 | 6).
بمعنى أي امشوا (33).
* واصبروا على آلهتكم (38 | 6).
فقيل لهم في الجواب: فإن يصبروا فالنار مثوى لهم (34).
* بل لما يذوقوا عذاب (38 | 8).
لما بمعنى لم، ولا تدخل إلا على مستقبل (35).
* ما لها من فواق (38 | 15).
قال قتادة: مالها من رجوع، ولا مثنوية، ولا ارتداد، وقال غيره: مالها من نظرة (36).
* وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب (38 | 16).
القط: يقال: إنه الصك بالجائزة، فكأنهمأرادوا كتبهم التي يعطونها من الاجر في الاخرة (37).
* ولا تشطط (38 | 22).
يقال: أشط فان في السوم: إذا أبعد وأتى الشطط، وهو: مجاوزة القدر، ويجوز
____________
(31) صا 141.
(32) مق 5 | 369.
(33) صا 132.
(34) فصلت 24 ـ وينظر صا 241.
(35) صا 164.
(36) مج 4 | 70.
(37) مق 5 | 13.
(25)
أن يكون بمعنى: ولا تمل، من الميل والجور في الحكم (38).
* فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب (38 | 25).
قيل للمصلي: راكع، وللساجد شاكرا: راكع (مج 2 | 435).
* وإن له عندنا لزلفى (38 | 25).
الزلفى: القربى (39).
* إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد (38 | 31).
الجواد: الفرس الذريع والسريع، والجمع: جياد، والمصدر: الجودة (40).
* فطفق مسحا بالسوق والاعناق (38 | 33).
طفق يفعل كذا، كما يقال: ظل يفعل (41).
* فاضرب به ولا تحنث (38 | 34).
الواو مقحمة. أراد ـ والله أعلم ـ فاضرب به لا تحنت، جزما على جواب الامر، وقد تكون نهيا، والاول أجود (42).
* قل لا أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين (38 | 36).
المتكلف: العريض لما لا يعنيه (مق 5 | 136)
* هذا وان للطاغين لشرّ مآب (38 | 55).
بمعنى: هذا كما قلنا، وإن للطاغين لشرّ مآب، قال بعضأهل العلم: ويدل على هذا المعنى دخول الواو بعد قوله: ذلك وهذا، لان ما بعد الواو يكون منسوقا على ما قبله بها، وإن كان مضمرا (43).
سورة الزمر
* يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل (39 | 5).
____________
(38) مق 3 | 166 ـ مج 3 | 145.
(39) مق 3 | 21.
(40) مق 1 | 493.
(41) مق 3 | 413.
(42) صا 120.
(43) صا 163.
(26)
أي: ينقص من هذا ويزيد في هذا، وينقص من هذا ويزيد في ذاك (44).
* وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج (39 | 6).
يعنى: خلق، وإنما جاز أن يقول: أنزل، لان الانعام لا تقوم إلا بالنبات والنبات لا يقوم إلا بالماء، والله ـ جل ثناؤه ـ ينزل الماء من السماء (45).
* أفأنت تنقذ من في النار (39 | 19).
أي: لست منقذهم، استخبار معناه النفي (46).
* فبما رحمة من الله (39 | 23).
ما: صلة، يقال: إن العرب تصل بما (47).
* قضىعليها الموت (39 | 42).
قضى ـ هاهنا ـ بمعنى: حتم (48).
* له مقاليد السماوات والارض (39 | 63).
المقاليد، يقال: هي الخزائن ولعلها سميت بذلك لانها تحصن الاشياء اي: تحفظها وتحوزها (49).
* ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين (39 | 71).
الحاقة: القيامة لانها تحق بكل شيء، أي: وجبت (50).
* حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها (39 | 73).
(يُتْبَعُ)
(/)
هذا محتاج إلى بيان لان (حتى إذا) لابدلها من تمام، فالبيان ـ هاهنا ـ مضمر، قالوا: تأويله: حتى إذا جاؤوها، جاؤوها وفتحت أبوابها (51).
* وترى الملائكة حافين من حول العرش (39 | 75).
____________
(44) مج 4 | 206 ـ مق 5 | 146.
(45) صا 95.
(46) صا 183.
(47) مق 1 | 269.
(48) صا201.
(49) مق 5 | 20
(50) مج 2 | 19 ـ مق 2 | 17.
(51) صا 240.
(27)
حافين: أي: مطيفين (52)، وحفوا به: أي: أطافوا به (53).
سورة غافر
* وقابل التوب (40 | 3).
التوب: التوبة (54).
* إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الايمان فتكفرون (40 | 10).
تأويله: لمقت الله إياكم في الدنيا حين دعيتم إلى الايمان فكفرتم، ومقته إياكم اليوم أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم، إذ دعيتم إلى الحساب، وعند ندمكم على ما كان منكم (55).
* وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم (40 | 28).
يقال: إن العرب تصل بـ (بعض) (56).
* إني أخاف عليكم يوم التناد (40 | 32).
قرئت مخففة ومشددة، فمن شدد فهو من ند: إذا نفر، وهو مقتص من قوله: (يوم يفر المرء من أخيه) (57) إلى آخر القصة. ومن خفف فهو تفاعل من النداء، مقتص من قوله جل ثناؤه: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار) (58) (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة) (59) (ونادى أصحاب الاعراف) (60) وما أشبه هذا من الاي التي فيها ذكر النداء (61).
____________
(52) مق 2 | 15.
(53) مج 2 | 16.
(54) مق 1 | 357.
(55) صا 247.
(56) مق 1 | 269.
(57) عبس: 38.
(58) الاعراف: 44.
(59) الاعراف: 50.
(60) الاعراف: 48.
(61) صا 239.
(28)
* ويوم يقوم الاشهاد (40 | 51).
يقال: إنها مقتصة من أربع آيات، لان الاشهاد أربعة: الملائكة في قوله ـ جل ثناؤه ـ: (وجاءت كلّ نفس معها سائق وشهيد) (62)، والانبياء (فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) (63) وأمة محمد صلى الله عليه وآله لقوله ـ جل ثناؤه ـ: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) (64)، والاعضاء لقوله ـ جل ثناؤه ـ: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) (65).
* وما كنتم تمرحون (40 | 75).
المرح: المسرة لا يكاد صاحبها يستقر معها طربا (66).
سورة فصلت
* وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا (41 | 21)
إن الجلود، في هذا الموضع، كناية عن آراب الانساب (67).
* فإن يصبروا فالنار مثوى لهم (41 | 24).
جواب (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم) (68).
* تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة (41 | 30).
بيان للبشرى في قوله تعالى: (لهم البشرى في الحياة الدنيا) (69).
* إعملوا ما شيء تم (41 | 40).
أمر، والمعنى وعيد (70).
____________
(62) ق 21.
(63) النساء: 41.
(64) البقرة: 143.
(65) النور: 24. وينظر صا 239.
(66) مق 5 | 316.
(67) صا 260.
(68) ص 6 ـ وينظر صا 241.
(69) يونس: 64. وينظر صا 242.
(70) صا 185.
(29)
* إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم (41 | 41).
ولم يجر للذكر خبر، ثم قال:
* وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (41 | 42).
وجواب (إن الذين كفروا) قوله ـ جل ثناؤه ـ: (اولئك ينادون من مكان بعيد) (41 | 44). وقيل: إن هذا من الاستطراد (71).
سورة الشورى
* ويستغفرون لمن في الارض (42 | 5).
أراد به: (وتستغفرون للذين آمنوا) (72) فهذا من العام الذي يراد به الخاص (73).
* يذرؤكم فيه (42 | 11).
الذروء: كالشيء يبذر ويزرع. يقال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم (74)، وهذا من الافعال التي لم يوصف بها، فلم يسمع في صفاته ـ جل ثناؤه ـ: الذارئ (75).
* ليس كمثله شيء (42 | 11).
الكاف ـ هاهنا ـ زائدة (76).
* حجتهم داحضة عند ربهم (42 | 16).
دحضت حجة فلان: إذا لم تثبت (77).
* وجزاء سيئة سيئة مثلها (42 | 40)
هذا من باب الجزاء عن الفعل بمثل لفظه، وهو من المحاذاة (78).
____________
(71) صا 270.
(72) غافر: 7.
(73) صا 210.
(74) مق 2 | 353.
(75) صا 271.
(76) صا 111.
(77) مق 2 | 332.
(78) صا 231.
(30)
سورة الزخرف
* سبحان الذي سخرلنا هذا وما كنا له مقرنين (43 | 13).
أي: مطيقين، من قولهم: فلان مقرن لكذا، أي: مطيق له (79).
(يُتْبَعُ)
(/)
* وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا (43 | 19).
ناس يقولون: جعل، بمعنى سمى (80).
* إنا وجدنا آباءنا على أمة (43 | 22).
قال الخليل: الامة: الدين (81).
* انني براء مما تعبدون (43 | 46).
براء، في لغة أهل الحجاز، وفي غير موضع من القرآن: (إني بريء) (82). فمن ـ قال: أنا براء لم يثن ولم يؤنث. ويقولون: نحن البراء والخلاء، من هذا، ومن قال: بريء، قال: بريئان وبريئون، وبرءآء على وزن برعاء، وبراء بلا همزثان، نحو براع، وبراء مثل: براع (83).
* أفلا تبصرون (43 | 51).
أراد: أم تبصرون، وهذا من الكف، وهو أن يكفّ عن ذكر الخبر اكتفاء بما يدل عليه الكلام (84) وكان سيبويه يقول: أفلا تبصرون أم أنتم بصراء (85).
* أم أنا خير من هذا الذي هو مهين (43 | 52).
معناه: أنا خير (86).
* إذا قومك منه يصدون (43 | 57).
____________
(79) مق 5 | 76.
(80) مج 1 | 441.
(81) مق 1 | 27.
(82) ورد اللفظ تسع مرات، ينظر المعجم المفهرس 116 ـ 117.
(83) مق 1 | 236.
(84) صا 256.
(85) صا 124.
(86) صا 126
(31)
أي: يضجّون، صد يصد: إذا ضج (87).
* وإنه لعلم للساعة (43 | 61).
قرأ بعض القراء (لعلم ـ بفتح العين واللام) قالوا: يراد به نزول عيسى عليه لسلام، وان بذلك يعلم قرب الساعة (88).
* لا يفتر عنهم (43 | 75).
أي: لا يضعف (89).
* قل: إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين (43 | 81).
أي أول من غضب عن هذا وأنف من قوله، وهذا هو العبد، مثل الانف والحمية .. يقال: هو يعبد لهذا الامر. وذكر عن علي عليه السلام أنه قال: (عبدت فصمت) أي أنفت فسكت (90).
سورة الدخان
* ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (44 | 12).
فقيل لهم: (ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون) (91) فهذا جواب ذاك (92).
* إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون (44 | 15).
فظاهره خبر، والمعنى: إنا ان نكشف عنكم العذاب تعودوا (93).
* ذق إنك أنت العزيز الكريم (44 | 19).
اللفظ خبر، وحقيقته تبكيت (94).
____________
(87) مق 3 | 282.
(88) مق 4 | 110.
(89) مق 4 | 670.
(90) مق 4 | 207.
(91) المؤمنون 75.
(92) صا 241.
(93) صا 180.
(94) صا 180.
(32)
سورة الجاثية
* ثم جعلناك على شريعة من الامر (45 | 18).
الشرعة في الدين، والشريعة، اشتق من الشريعة التي هي مورد الشاربة الماء (95).
* أم حسب الذين اجترحوا السيئات (45 | 21).
من قولهم: إجترح: إذا عمل وكسب، وإنما سمي ذلك اجتراحا لانه عمل بالجوارح، وهي: الاعضاء الكواسب (96).
سورة الاحقاف
* أو أثارة من علم (46 | 4).
يقال: إنه الخط الذي يخطه الزاجر (97)، والاثارة البقية من الشيء والجمع: أثارات (98) والعلم، هاهنا: الخط (99).
* إذ تفيضون فيه (46 | 8).
تندفعون فيه، من: أفاض القوم في الحديث: إذا اندفعوا فيه (100).
* ما كنت بدعا من الرسل (46 | 9).
أي: ما كنت أول (101).
* وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله (46 | 10).
أي: عليه (102).
____________
(95) مق 3 | 262.
(96) مق 1 | 451.
(97) مج 1 | 166.
(98) مق 1 | 55.
(99) مق 2 | 154.
(100) مق 4 | 465.
(101) مق 1 | 209.
(102) صا 207.
(33)
* قل أرأيتم إن كان من عندالله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فامن واستكبرتم (46 | 10).
اذا رد كل شيء إلى ما يصلح ان يتصل به كان التأويل: قل أرأيتم إن كان من عندالله، وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله، فامن وكفرتم به واستكبرتم (103).
* أذهبتم طيباتكم (46 | 20).
إستخبار والمعنى توبيخ (104).
* قالوا اجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا (46 | 22).
أفكت الرجل عن الشيء: إذا صرفته عنه (105).
* قالوا هذا عارضٌ مُمْطِرُنا (46 | 24).
العارض: السحاب (106).
* ولم يعي بخلقهن بقادر (46 | 33).
قال قوم: الباء في موضعها (بقادر) وان العرب تعرف ذلك وتفعله (107).
سورة محمد (صلى الله عليه وآله)
* فضرب الرقاب (47 |4).
أقام المصدر مقام الامر، فصار في معنى الامر (108).
* ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم (47 | 4).
على معنى: ذلك كما قلنا وكما فعلنا (109).
* ويدخلهم الجنة عرفها لهم (47 | 6).
أي: طيبها، والعرف: الرائحة الطيبة (110).
____________
(103) صا 245.
(104) صا 181.
(يُتْبَعُ)
(/)
(105) مق 1 | 118.
(106) مق 4 | 278
(107) صا 107.
(108) صا 236 ـ 237.
(109) صا 163.
(110) مق 4 | 281.
(34)
* والذين كفروا فتَعْساً لهم (47 | 8).
دخلت الفاء لانه جعل الكفر شريطة، وكأنه قال: ومن كفر فتعسا له (111).
* دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها (47 | 10).
الدمار: الهلاك (112).
* من ماء غير آسن (47 | 15).
يقال: أسن الماء: إذا تغير، يأسن، ويأسن، هذا هو المشهور وقد يقال: أسن (113).
* قالوا ماذا قال انفا (47 | 16).
كأنه: ابتداؤه، من قولهم: فعل كذا آنفا، ومؤتنف الامر: ما يبتدأ به (114).
* فإذا عزم الامر فلو صدقوا الله (47| 21).
معناه: فإذا عزم الامر كذبوه (115).
* فهل عسيتم (47 | 22).
جمع (عسى) هاهنا، لانه على الاستفهام، قال أبو عبيدة: معناه: هل عدوتم ذاك؟ هل جزتموه؟ (116).
* ولتعرفنهم في لحن القول (47 | 30).
اللحن: فحوى الكلام (117) ومعناه (118).
سورة الفتح
* إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله (48 | 1).
____________
(111) صا 110.
(112) مق 2 | 300.
(113) مق 1 | 104.
(114) مق 1 | 146.
(115) صا 206.
(116) صا 157.
(117) مج 4 | 269.
(118) مق 5 | 139.
(35)
قال قائل: لم جاز أن تكون المغفرة جزاء لما امتن به عليه، وهو قوله: (إنا فتحنا لك فتحا)؟ فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن الفتح، وان كان من الله ـ جل ثناؤه ـ فكل فعل يفعله العبد من خير فالله الموفق له والميسر، ثم يجازي عليه فتكون الحسنة منة من الله ـ عزوجل ـ عليه، وكذلك جزاؤه له عنها مِنّةً.
والوجه الاخر أن يكون قوله: (إذا جاء نصرالله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره) (119). فأمره بالاستغفار إذا جاء الفتح، فكأنه أعلمه أنه اذا جاء الفتح واستغفر غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكأن المعنى، على هذا الوجه: إنا فتحنا لك فتحا مبينا، فإذاجاء الفتح فاستغفر ربك ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
وقال قوم: فتحنا لك في الدين فتحا مبينا لتهتدي به أنت والمسلمون فيكون ذلك سبباً للغفران (120).
* لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه (48 | 9).
التعزير في هذه الاية: النصرة والتعظيم والمشايعة على الامر (121) والتوقير (122).
* يقولون بألسنتهم (48 | 11).
إعلم أن ذلك باللسان دون النفس (123).
* وكنتم قوما بورا (48 | 12).
يقال للواحد والجميع والنساء والذكور: بور. البور: الضالون الهلكى (124).
* سيماهم في وجوههم من أثر السجود (48 | 29).
السومة: العلامة تجعل في الشيء، والسيما، مقصور، من ذلك فإذا مّدوه قالوا:
____________
(119) النصر 1 ـ 3.
(120) صا 114 ـ 115.
(121) مج 3 | 483.
(122) مق 4 | 311.
(123) صا 272.
(124) مق 1 | 316.
(36)
السيماء (125).
* كزرع أخرج شطأه (48 |29).
الشطء: شطء النبات: وهو ما خرج من حول الاصل، والجمع: أشطاء (126).
سورة الحجرات
* إن الذين ينادونك من وراء الحجرات (49 | 4).
كأن رجلا نادى: يا محمد، ان مدحي زين، وإن شتمي شين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ويلك ذاك الله، جل ثناؤه (127).
* ولكن الله حبب إليكم الايمان ....... اولئك هم الراشدون (49 | 7).
حول الخطاب من الشاهد إلى الغائب (128).
* حتى تفيء إلى أمر الله (49 | 9).
كل رجوع فيء (129).
* لا يسخر قوم من قوم (49 | 11)
القوم: جماعة الرجال دون النساء (130) والقوم: جمع امرئ (131).
* عسى أن يكونوا خيرا منهم (49 | 11).
كل ما في القرآن من (عسى) على وجه الخبر فهو موحد (132).
* ولا نساء من نساء (49 | 11).
دل على أن (القوم) خاص بالرجال (133).
____________
(125) مق 3 | 118 ـ 119.
(126) مق 3 | 185.
(127) صا 212.
(128) صا 215.
(129) مق 4 | 53.
(130) مج 4 | 133.
(131) مق 5 | 43.
(132) صا 157.
(133) مج 4 | 133.
(37)
* ولاتنابزوا بالالقاب (49 | 11).
(يُتْبَعُ)
(/)
اللقب: النبز، واحد، ولقبته تلقيبا (134). وقال قتادة: هو أن تقول للرجل: يافاسق، يا منافق. وروى الشعبي (135) عن أبي جبيرة بن الضحاك ـ وأبو جبيرة رجل من الانصار، من بني سلمة ـ قال: فينا انزلت هذه الاية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله، قدم علينا، وليس منا رجل إلا له لقبان أو ثلاثة، فجعل بعضنا يدعو بعضنا بلقبه، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل هو أحيانا يدعو الرجل ببعض تلكالالقاب، فقيل له: يارسول الله إنه يغضب من هذا، فأنزل الله جل ثناؤه الاية (136).
* وجعلناكم شعوبا وقبائل (49 | 13).
الشعب: ما تشعب من قبائل العرب والعجم (137).
* قالت الاعراب آمنا (49 | 14).
إنما قاله فريق منهم (138).
* لا يلتكم من أعمالكم شيئا (49 | 14).
يقال: لاته يليته: نقصه (139)، وقرئت (يألتكم) من ألته يألته إذا نقصه (140).
سورة ق
* من كل زوج بهيج (50 | 7).
____________
(134) مق 5 | 261ـ مج 4 | 285.
(135) أبو عمرو عامر بن شراحيل، كوفي تابعي، كان نديم عبدالملك بن مروان وتوفي سنة 105، طبقات ابن سعد 6 | 246. تأريخ بغداد 12 | 227.
(136) صا 93 ـ 94.
(137) مق 3 | 191
(138) صا 210.
(139) مق 5 | 223.
(140) مق 1 | 130.
(38)
يقال: أراد بـ (زوج) اللون، كأنه قال: من كل لون بهيج (141).
* والنخل باسقات (50 | 10).
قال الخليل (142): يقال: بسقت النخلة بسوقا: إذا طالت وكملت (143).
* فأحيينا به بلدة ميتا (50 | 11).
قال: (ميتا) لا (ميتة)، لانه حمله على المكان. (144).
* ألقيا في جهنم (50 | 24).
هو خطاب لخزنة النار، والزبانية، وهذا من أمر الواحد والجماعة بلفظ أمر الاثنين (145).
* وما مسنا من لغوب (50 | 38).
اللغوب: التعب والاعياء والمشقة، وأتى ساغبا لاغبا، أي: جائعا تعبا (146).
سورة الذاريات
* والسماء ذات الحبك (51 | 7).
الحبك: الطرائق (147) وحبك السماء ذات الخلق الحسن المحكم (148).
* يؤفك عنه (51 | 9).
أي: يؤفك عن الدين أو عن النبي صلى الله عليه وآله، قال أهل العلم: وإنما جاز هذا لانه قد جرى الذكر في القرآن، وهذامن باب الكناية عن الشيء لم يجر له ذكر (في السياق) (149).
____________
(141) مق 3 | 35.
(142) العين 5 | 85.
(143) مق 1 | 147.
(144) صا 254.
(145) صا 219.
(146) مق 5 | 257.
(147) مج 2 | 132.
(148) مق 2 | 130 ـ مج 2 | 132.
(149) صا 261.
(39)
* قُتل الخرّاصون (51 | 10).
كان عبدالله بن مسلم بن قتيبة (150) يقول في هذا الباب: من ذلك الدعاء على جهة الذم لا يراد به الوقوع.
قال أحمد بن فارس: لا يجوز لاحد أن يطلق فيما ذكره الله ـ جل ثناوه ـ أنه دعاء لايراد به الوقوع، بل: هو دعاء عليهم أرادالله وقوعه بهم فكان كما أراد، لانهم قتلوا وأهلكوا وقوتلوا ولعنوا (151) وما كان الله ـ جل ثناؤه ـ ليدعو على أحد فتحيد الدعوة عنه قال الله ـ جل ثناؤه: (تبت يدا أبي لهب) (152) فدعا عليه ثم قال: (وتب) أي: وقد تب، وحاق به التباب.
وابن قتيبة يطلق إطلاقات منكرة، ويروي أشياء شنيعة، كالذي رواه عن الشعبي أن عليا عليه السلام توفي ولم يجمع القرآن.
قال: وروى شريك (153) عن إسماعيل بن أبي خالد (154). قال:سمعت الشعبي يقول، ويحلف بالله: (لقد دخل علي حفرته وما حفظ القرآن)، وهذا كلام شنيع جدا فيمن يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فما من آية إلا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل!).
وروى السدي (155) عن عبد خير، عن علي عليه السلام، أنه رأى من الناس طيرة عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأقسم ألا يضع على ظهره رداء حتى يجمع القرآن، قال: فجلس في بيته حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن، جمعه منقلبه، وكان عند آل جعفر. فانظر إلى قول القائل: جمعه من
____________
(150) ابو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، اختلف الرأي في نزاهته توفي في سنة 276.
نزهة الالباء 128، وفيات الاعيان 3 | 42، بغية الوعاة 2 | 63.
(151) يريد كل ماورد في القرآن الكريم مما يجري هذا المجرى، كقوله تعالى: (قتل الانسان ما أكفره) (عبس: 17) و (قاتلهم الله أنى يؤفكون) (المنافقون: 4).
(152) المسد: 1.
(يُتْبَعُ)
(/)
(153) أبو عبدالله القاضي شريك النخعي، تولى قضاء الكوفة أيام المهدي، ولد في سنة خمس وتسعين للهجرة في بخارى، وتوفي في سنة سبع وسبعين ومائة في الكوفة، وفيات الاعيان 2 | 264. تأريخ بغداد 9 | 279 ..
(154) من طبقة الاعمش، وأبي إسحاق الشيباني، تلمذله حفص بن غياث القاضي الذي ولي القضاء على أيام هارون الرشيد، ينظر: وفيات الاعيان 2 | 198.
(40)
قلبه ....... (156).
* أيان يوم الدين (51 | 12).
أي: متى؟ (157).
* والسماء بنيناها بأيد (51 | 47).
يقال: أيده الله، أي: قواه الله (158).
سورة الطور
* يوم يدعون إلى نار جهنم دعا (52 | 13).
الدع: الدفع، يقال: دععته أدعه دعا (159)
* وما ألتناهم (53 | 21).
الالت: النقصان (160).
* أم يقولون شاعر (52 | 30).
أم، هاهنا، في قول بعضهم، بمعنى: بل (161).
* أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون؟ قل تربصوا (52 | 30 ـ 31).
هذا، وما أشبهه، هو الابتداء الذي تمامه متصل به، في باب الامر المحتاج إلى بيان، وبيانه متصل به (162).
* أم يقولون تقوله (52 | 33).
رد عليهم قولهم هذا بـ (ولو تقول علينا بعض الاقاويل، لاخذنا منه باليمين) (163).
____________
(156) صا 199 ـ 201.
(157) صا 143.
(158) مق 1| 163.
(159) مق 2 | 257.
(160) مج 1 | 204.
(161) صا 125.
(162) صا 240.
(289) الحاقة: 44 ـ 45، وينظر: صا 241.
(41)
* فهم من مغرم مثقلون (52 | 40) (وايضا: القلم 46).
المغرم: المثقل دينا (164).
* أم عندهم الغيب فهم يكتبون (52 | 41) (وأيضا: القلم 47).
قال ابن الاعرابي (165): الكاتب عند العرب: العالم (166).
* أم يريدون كيدا (52 | 42).
يسمون المكر: كيدا (167).
* وإن يروا كسفا ساقطا (52 | 44).
الكسفة: القطعة من الغيم (168).
سورة النجم
* فكان قاب قوسين أو أدنى (53 | 9).
قاب عندنا فيها معنيان: إبدال، وقلب، فأماالابدال فالباء مبدلة من دال، والالف منقلبة من ياء، والاصل: القيد، ويقال:القاب: ما بين المقبض والسية، ولكل قوس قابان (169) وقاب قوسين: قال أهل التفسير: أراد: قيد ذراعين (170).
* الذين يجتبون كبائر الاثم والفواحش إلا للمم (53 | 32).
اللمم: ليس بمواقعة الذنب، وإنما هو مقاربته ثم ينحجز عنه (171) كذا قال بعض المفسرين (172)، وهو مختصر، معناه: إلا أن يصيب الرجل اللمم، واللمم أصغر الذنوب، والله ـ جل ثناؤه ـ لا يأذن في قليل الذنب ولا كثيره، وكان الفراء يقول:
____________
(164) مج 4 | 39.
(165) ابو عبدالله محمد بن زياد، مولى بني هاشم من أكابر أئمة اللغة وكان ربيبا للمفضل الضبي.
توفي في سنة إحدى، وقيل: ثلاث وثلاثين ومائتين، نزهة الالباء 96 وفيات الاعيان 4 | 406.
(166) مق 5 | 159 ـ مج 4 | 215.
(167) مق 5 | 149.
(168) مق 5 | 187.
(169) مق 5 | 46.
(170) مق 5 | 40.
(171) مق 5 | 197.
(42)
استثنى الشيء من الشيء ليس منه على الاختصار (173).
* وأعطى قليلا وأكدى (53 | 34).
يقال للرجل إذا أعطى يسيرا ثم قطع: أكدى، شبه بالحافر يحفر فيكدي فيمسك عن الحفر (174).
* أزفت الازفة (53 | 57).
إقتربت ودنت (175).
* وأنتم سامدون (53 | 61).
أي: لاهون (176).
سورة القمر
* أني مغلوب فانتصر (54 | 10).
بيانه في موضع آخر (ونصرناه من القوم الذين كذبوا باياتنا) (177).
* فتعاطى فعقر (54 | 29).
التعاطي: التناول: تناول ما ليس له بحق، يقال: فلان يتعاطى ظلم فلان (178).
* فكانوا كهشيم المحتظر (54| 31).
أي: الذين يعمل الحظيرة للغنم، ثم ييبس ذلك فيتهشم (179).
* أم يقولون نحن جميع منتصر (54 | 44).
فقيل لهم: (ما لكم لا تناصرون؟) (180).
____________
(299) صا 135.
(174) مق 5 | 166.
(175) مق1 | 94.
(176) مق 3 | 100.
(177) الانبياء: 77، وينظر: صا 242.
(178) مق 4 | 354.
(179) مق 2 | 81.
(180) الصافات: 25، وينظر: صا 241.
سورة الرحمن
* الرحمن. علم القرآن (55 | 1 ـ 2).
ردعلى قولهم: ( ... وما الرحمن) (181) وبيان له (182).
* خلق الانسان، علمه البيان (55 | 3 ـ 4).
فوصفه بأبلغ ما يوصف به الكلام، وهو البيان (183).
* علمه البيان (55 | 4).
وهل يكون أول البيان إلا علم الحروف التي يقع بها البيان؟ (184)
(يُتْبَعُ)
(/)
* الشمس والقمر بحسبان (55 | 5).
الحسب: مصدر حسبت الشيء، أحسبه حسبانا، وحسبانا وحسبة وحسبا (185).
* والنجم والشجر يسجدان (55 | 6).
الشجر: كل نبات له ساق (186).
* والنخل ذات الاكمام (55 | 11).
الكم: وعاء الطلع، والجمع: الاكمام (187).
* فبأي آلاء ربكما تكذبان (55 | 13 ـ 16 .... ).
التكرير والاعادة من سنن العرب إرادة إلا بلاغ بحسب العناية بالامر (188).
* مرج البحرين يلتقيان (55 | 19).
____________
(181) الفرقان: 60.
(182) صا 241.
(183) صا 40.
(184) صا 36.
(185) مج 2 | 63 ـ مق 2 | 59.
(186) مق 3 | 246.
(187) مق 5 | 122.
(188) صا 207 ـ 208.
(44)
كأنه، جل ثناؤه، أرسلهما فمرجا، والمرج: الاختلاط (189).
* ويبقى وجه ربك (55 | 27).
قال بعض أهل العلم: إن العرب تزيد في كلامها أسماء وأفعالا كالوجه وغيره (190).
* سنفرغ لكم أيها الثقلان (55 | 31).
مجاز، والله ـ تعالى ـ لا يشغله شأن عن شأن، قال أهل التفسير: سنفرغ، أي: نعمد، يقال: فرغت إلى أمر كذا، أي: عمدت له (191).
* فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (55 | 33)
لفظة أمر، ومعناه: تعجيز (192).
* شواظ من نار (55 | 35).
الشواظ: شواظ اللهب من النار لا دخان معه (193).
* فكانت وردة كالدهان (55 | 37).
الدهان: ما يدهن به، ويقال: إنه دردي الزيت (194).
* حميم آن (55 | 44).
قد انتهى حره (195).
* ولمن خاف مقام ربه (55 | 46).
أي: ولمن خاف ربه (196).
* مدهامتان (55 | 44).
أي: سوداوان في صفة الجنتين، وذلك للري والخضرة (197).
____________
(189) مق 5 | 315.
(190) صا 206.
(191) مق 4 | 493.
(192) صا 186.
(193) مق 3 | 228.
(194) مق 2 | 308 ـ مج 2 | 296.
(195) مق 1 | 143.
(196) صا 249.
(197) مج 2 | 195 ـ مق 2 | 308.
(45)
* على رفرف (55 | 76).
قال ابن دريد (198): هي الرياض. ويقال: هي البسط. وقال بعضهم: الرفرف ثياب خضر (199).
سورة الواقعة
* ليس لوقعتها كاذبة (56 | 2).
أي: تكذيب (200).
* وبست الجبال بسا (56 | 5).
يقال: سيقت سوقا (201).
* ما أصحاب الميمنة (56 | 8).
إستخبار في اللفظ، والمعنى تعجب، وقد يسمى هذا تفخيما (202).
* وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون (56 | 22).
سئل الاصمعي (203) عن (القوافي العين) فقال: لا أعرفها، وهذا من الورع الذي كان يستعمله في تركه تفسير القرآن، فكأنه لم يفسّر العين كما لم يفسر الحور لانهما لفظتان في القرآن (204) وإنما قيل للنساء: حور العين لانهن شبهن بالظباء والبقر (205)
* وفرش مرفوعة (56 | 34).
____________
(198) أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الازدي البصري، صاحب الاشتقاق والجمهرة، وغيرهما كثير. ولد في سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وتوفي في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، نزهة الالباء 154، وفيات الاعيان 4 | 323.
(199) مج 2 | 360.
(200) صا 237.
(201) مق 1 | 181.
(202) صا 181.
(203) عبدالملك بن قريب عرف بكثرة حفظه للشعر، وروايته للغة له مجموعة من الكتب، توفي في البصرة في سنة ثلاث عشرة ومائتين أو ما يقرب من هذا، نزهة الالباء 69 ـ 78، وفيات الاعيان 3 | 170 ـ 176.
(204) مق 4 | 202.
(205) مج 3 | 118.
(46)
أي: مقربة لهم (206).
* ثلة من الاولين وثلة من الاخرين (56 | 39 ـ 40).
الثلة: الجماعة من الناس (207).
* فظلتم تفكهون (56 | 65).
التفكه: التندم. ويقال: بل هو التعجب (208)، وفي التفكه إبدال، والاصل: تفكنون (209).
* لا يمسه إلا المطهرون (56 | 79).
اللفظ خبر، والمعنى نهي (210).
* وتجعلون رزقكم (56 | 82).
الرزق، بلغة أزد شنؤة: الشكر (مق 2 | 388).
سورة الحديد
* ألم يأن للذين آمنوا (57 | 16).
ما أنى لك، ولم يأن لك: أي: لم يحن (211). وهو من الحث الذي هو كالامر (212).
* يعجب الكفار نباته (57 | 20). يقال للزارع: كافر، لانه يغطي الحب بتراب الارض (مق 5 | 191).
سورة المجادلة
* أحصاه الله ونسوه (58 | 6).
أحصيته: اذا أطقته (213).
____________
(206) مج 2 | 407، مق 2 | 424.
(207) مق 1 | 368.
(208) مج 4 | 61، وحاشيته
(209) مق 6 | 446.
(210) صا 179.
(211) مق 1 | 143.
(212) صا 187.
(213) مج 2 | 74.
(47)
* يوم يبعثهم الله فيحلفون له (58 | 18).
(يُتْبَعُ)
(/)
ذكر هذا الحلف في قوله جل ثناؤه: (قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) (214).
سورة الحشر
* فاعتبروا يا اولي الابصار (59 | 2).
كأنه قال: انظروا إلى من فعل ما فعل فعوقب بما عوقب به، فتجنبوا مثل صنيعهم لئلا ينزل بكم مثل ما نزل باولئك (215).
* ما قطعتم من لينة (59 | 5).
اللينة: النخلة، وأصل الياء فيها واو (216).
* ماأفاء الله على رسوله من أهل القرى (59 | 7).
الفئ: غنائم تؤخذ من المشركين، أفاءها الله عليهم (217).
* ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (59 | 9).
الشح: البخل مع الحرص (218).
* لانتم أشد رهبة (59 | 13).
اللام: لام التأكيد، وربما قيل: لام الابتداء (219).
سورة الممتحنة
* عسىالله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة (60 | 7).
عسى: تدل على قرب وإمكان. وأهل العلم يقولون: (عسى) من الله تعالى واجب في مثل هذه الاية (220).
____________
(214) الانعام 23، ينظر صا 242.
(215) مق4 | 210.
(216) مق 5 | 223.
(217) مق 4 | 436.
(218) مق 3 | 178 ـ 179.
(219) صا 112.
(220) مق 4 | 317.
(48)
سورة الصف
* فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم (61 | 5).
أي: مالوا. ومنه: زاغت الشمس وذلك إذا مالت وفاء الفيء (221).
* فأصبحوا ظاهرين (61 | 14).
الظهور: الغلبة (222).
سورة الجمعة
* فانتشروا في الارض (62 | 10)
اللفظ أمر، وهو ندب، (223).
* وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها (62 | 11).
وإنما: انفضوا إليهما، وهذا من نسبة الفعل إلى أحد اثنين وهو لهما (224).
سورة التغابن
* وزعم الذين كفروا أن لن يبعثوا (64 | 7).
الزعم: القول في غير صحة (225).
سورة الطلاق
* فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف (65 | 2).
بلغت المكان: إذا أشرفت عليه وإنلم تدخله (226) وتسمى المشارفة بلوغا
____________
(221) مق 3 | 41.
(222) مق 3 | 471.
(223) صا 185.
(224) صا 218.
(225) مج 3 | 11، مق 3 | 10.
(226) مج 2 | 193.
(49)
بحق المقربة (227).
* وكأين من قرية عتت عن أمر ربها (65 | 8).
كأين، هاهنا، بمعنى: كم (228).
سورة التحريم
* يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك (66 | 1).
أي: مبتغيا، حيث اقيم الفعل مقام الحال (229).
* فقد صغت قلوبكما (66 | 4).
وهما قلبان. ومن سنن العرب الاتيان بلفظ الجميع، والمراد: واحد أو اثنان (230).
* والملائكة بعد ذلك ظهير (66 | 4).
ويوصف الجمع بصفة الواحد، كما يقولون عدل، ورضى (231).
سورة الملك
* تكاد تميز من الغيظ (67 | 8).
يتميز: ينقطع (مج 4 | 354).
* فسحقا لاصحاب السعير (67 | 11).
السُّحق: البعد (232).
* أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن (67 | 19).
قالوا: يُسرِعنَ في الطيران. والقبض: الاسراع، وهذه اللفظة من قولهم: راع قبضة: إذا كان لايتفسح في مرعى غنمه (233).
____________
(227) مق 1 | 131.
(228) صا 161.
(229) صا 238.
(230) صا 212
(231) صا 213.
(232) مق 3 | 139.
(233) مج 4 | 139، مق 5 | 50.
(50)
* إن الكافرون إلافي غرور (67 | 20).
إن، هاهنا: نفي (234).
* قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا (67 | 30).
الغور: دال على خفوض في الشيء وانحطاط وتطامن، يقال: غار الماء غورا (235).
سورة القلم
* ن. والقلم وما يسطرون (68| 1).
هذا دال على أن الخط توقيف، وإذا كان ظاهر الاية ذلك، فليس ببعيد أن يوقف آدم عليه السلام، أو غيره من الانبياء عليهم السلام على الكتاب، فأما أن يكون مخترع اخترعه من تلقاء نفسه فشيء لا تعلم صحته إلا من خبر صحيح (236).
* بأيكم المفتون (68 | 6).
أي: الفتنة، فأقام المفعول مقام المصدر (237).
* ودوا لو تدهن فيدهنون (68 | 9).
أدهنت إدهانا: غششت (238).
* سنسمه على الخرطوم (68 | 16).
هذا استعارة (239).
* فأصبَحَت كالصّريم (68 | 20).
الصريم: الليل (240)، يقول: احترقت فإسوادت كالليل، ويقال: أن الصريم: الصبح، أيضا، وكيف كان فهو القياس، لان كل واحد منهما يصرم صاحبه
____________
(234) صا 131.
(235) مق 4 | 401.
(236) صا 34 ـ 35.
(237) صا 237.
(238) مق 2 | 308.
(239) صا 198.
(240) مج 3 | 268.
(51)
وينصرم عنه (241).
* وغدوا على حرد قادرين (68 | 25).
الحرد: القصد (242).
(يُتْبَعُ)
(/)
* خاشعة أبصارهم (68 |43).
يقال: خَشَع: إذا تطامن، وطأطأ رأسه، يخشع خشوعا، وهو قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن، والاقرار بالاستخذاء والخشوع في الصوت والبصر (243).
* وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم (68 | 51)
حقيقة معناه: أنه من حدة نظرهما حسدا يكادون ينحونك عن مكانك (244).
سورة الحاقة
* الحاقة. ما الحاقة (69 | 1 ـ 2).
ما: للتفخيم (245).
* وثمانية أيام حسوما (69 | 7).
الحسوم: المتتابعة (246).
* إنّا لمّا طغى الماء (69 | 11).
يُريد ـ والله أعلم ـ: خروجه عن المقدار ويقال: طغى السيل: إذا جاء بماء كثير (247).
* والملك على أرجائها (69 | 17).
____________
(241) مق 3 | 345.
(242) مج 2 | 55.
(243) مق 2 |182.
(244) مق 3 | 21.
(245) صا 171.
(246) مج 2 | 61. مق 2 | 57.
(247) مق 3 | 412.
(52)
الرجا، مقصور: ناحية البئر، وكل ناحية: رجا. والجميع: أرجاء (248).
* هاؤم اقرؤوا كتابيه (69 | 19).
ها: معناها: خذ، تناول، ويؤمر بها، ولا ينهى بها (249).
* عيشة راضية (69 | 21).
أي: مرضي بها، فهو مفعول جاء بلفظ الفاعل (250).
* ولو تقول علينا بعض الاقاويل. لاخذنا منه باليمين (69 | 44 ـ 45).
رد على قولهم، كما حكاه جل ثناؤه (أم يقولون تقوله) (251).
* لحق اليقين (69 | 51).
من إضافة الشيء إلى نعته (252).
سورة المعارج
* سأل سائل بعذاب واقع (70 | 1).
الباء واقعة، هاهنا، موقع (عن) (253).
* تعرج الملائكة والروح إليه (70 | 4).
العروج: الارتقاء، يقال: عرج، يعرج عروجا ومعرجا، والمعرج: المصعد (254).
سورة نوح
* ما لك لا ترجون لله وقارا (71 |13).
____________
(248) مج 2 | 470
(249) صا 175.
(250) صا220.
(251) الطور 33، وينظر: صا 241.
(252) صا 244.
(253) صا 105.
(254) مق 4 | 304.
(53)
عبر عن الخوف بالرجاء، أي: لا تخافون له عظمة (255) وناس من أهل اللغة يقولون: تقول العرب: ما أرجوك: أي: ما ابالي وفسر الاية على هذا التأويل، وذكر قول القائل:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها (256).
أي: لم يكترث له (257).
* ومكروا مكرا كبارا (71 | 22).
يقال: هو كبير، وكبار وكبار: خلاف الصغر (258).
*مما خطيئاتهم (71 | 25).
العرب تصل بـ (ما) كما تصل ببعض (259).
سورة الجن
* وانه تعالى جد ربنا (72 | 3).
الجد: عظمة الله (260).
* لن نعجز الله في الارض ولن نعجزه هربا (72 | 12).
يقال: أعجزني فلان:إذا عجزت عن طلبه وإدراكه، ولن يعجز الله تعالى ـ شيء، أي: لا يعجز الله ـ تعالى عنه متى شاء (261).
* فلا يخاف بخسا ولا رهقا (72 | 13).
الرهق: العجلة والظلم (262).
____________
(255) مج 2 | 470، مق 2 | 494.
(256) لابي ذؤيب، وتمامه: (وخالفها في بيت نوب عواسل) الديوان 1 | 143.
(257) مج 2 | 470 ـ 471، مق 2 | 494 ـ 495.
(258) مق 5 | 153.
(259) ينظر: مق 1 | 269.
(260) مج 1 | 384، مق 1 | 406.
(261) مق 4| 232.
(262) مج 2 | 429، مق 2 | 451، مت 183.
(54)
سورة المزمل
* يا أيها المزمل، قم الليل إلا قليلا (73 | 1 ـ 2).
ثم قال: (نصفه).
قال قوم: لا يستثنى من الشيء إلا ما كان دون نصفه، لا يجوز أن يقال: عشرة إلا خمسة، وقال قوم: يستثنى القليل من الكثير، ويستثنى الكثير مما هو أكثر منه، وهذه العبارة هي الصحيحة (263).
* إن ناشئة الليل (73 | 6).
يريد القيام والانتصاب للصلاة (264)
* إن لك في النهار سبحا طويلا (73 | 7).
روي عن بعضهم أنه قرأ (سبخا) قال: والسبخ: الفراغ، لان الفارغ خفيف الامر (265).
* وتبتل إليه تبتيلا (73 | 8).
التبتل: إخلاص النية لله تعالى، والانقطاع إليه، أي: إنقطع إليه انقطاعا (266).
* وكانت الجبال كثيبا مهيلا (73 | 14).
من قولهم: هلت الطعام أهيله هيلا: أرسلته (267).
* السماء منفطربه (73 | 18).
حُمل على السقف فذكر (268).
* علم أن لن تحصوه (73 | 20).
____________
(263) صا 137.
(264) مج 4 | 403.
(265) مق 3 | 126.
(266) مق 1 | 196، مج 1 | 236.
(267) مق 6 | 26.
(268) صا 254.
(55)
أحصيت الشيء: إذا عددته وأطقته (269).
سورة المدثر
* والرجز فاهجر (74 | 5).
الرجز، هاهنا: صنم (270) وهو من الابدال لان أصله السين (271).
(يُتْبَعُ)
(/)
* ذرني ومن خلقت وحيدا (74 | 11).
هذا مشترك: محتمل أن يكون لله، جل ثناؤه، لانه انفرد بخلقه، ومحتمل أن يكون: خلقته وحيدا فريدا من ماله وولده (272).
* سأرهقه صعودا (74 | 17).
الصعود: العقبة الكؤود والمشقة من الامر (273).
* فقتل كيف قدر (74 | 19).
قالوا: معناها على أي حال قدر؟ فـ (كيف) بمعنىالتعجب والتعجيب (274).
* ثم عبس وبسر (74 | 22).
بسر الرجل وجهه: قبضه، بسرا (275).
* كلا والقمر (74 | 32).
كلا، هاهنا: صلة ليمين، وهي ـ وإن كانت صلة ليمين ـ راجعة إلى الرد والردع والنفي لدعوى مدع (276).
* والليل إذ أدبر (74 | 33).
قرئت: والليل إذا دبر. وفيهما: تبع النهار (277).
____________
(269) مج 2 | 74، مق 2 | 70.
(270) مج 2 | 465
(271) مق 2 | 489 ـ 490.
(272) صا 269.
(273) مق 3 |287.
(274) صا 159.
(275) مج 1 | 266.
(276) صا 162.
(277) مق 2 | 325.
(56)
* كأنهم حمر مستنفرة (74 | 50).
هذا من الاستعارة، يقولون للرجل المذموم: إنما هو حمار (278).
سورة القيامة
* لا أُقسمُ بِيَوم القيامة (75 | 1).
كان قطرب يقول: إن العرب تدخل (لا) توكيدا في الكلام، والمعنى ـ هاهنا ـ: أقسم. وقد يجوز فيه أن يكون نفى بها كلاما تقدم منهم، كأنه قال: ليس الامر كذا، ثم قال: أقسم (279).
* فإذا (75 | 7).
برق بصره برقا، فهو برق: فزع مبهوت فأما من قرأ: (بَرِق البَصَرُ) فإنه يقول: تراه يلمع من شدة شخوصه تراه لا يطيق (280).
* ولو ألقى معاذيره (75 | 15).
أي: أرخى ستوره، والمعذار: السّتر في لغة قوم من اليمن (281).
قال أبوعبيد: وحدثنا الفزاري عن نعيم بن بسطام، عن أبيه، عن الضحاك ابن مزاحم: إن المعاذير: الستور في لغة أهل اليمن (282).
* ثم إن علينا بيانه (75 | 19).
ثم، في هذا الموضع، بمعنى الواو (283).
* وجوه يومئذ ناضرة (75 | 33).
يُقال هذا في كل مشرق حسن (284).
* والتفت الساق بالساق (75 | 29).
____________
(278) صا 204.
(279) صا 165 ـ 166.
(280) مق 1 | 224.
(281) مج 3 | 462.
(282) ينظر صا 58.
(283) صا 148.
(284) مق 5 | 439.
(57)
إستعارة (285).
* فلا صدق ولا صلى (75 | 31).
أي: لم يصدق، ولم يصل، وتكون (لا) بمعنى (لم) إذا دخلت على ماض (286)
* ثم ذهب إلى أهله يتمطى (75 | 33).
أصله: يتمطط، فجعلت الطاء الثالثة ياء للتخفيف وهو المشي بتبختر لانه إذا فعل مط أطرافه (287).
سورة (الدهر) ـ الانسان
* هل أتى على الانسان حين من الدهر (76 | 1).
قالوا: معناه: قد أتى، وهو بلفظ الاستخبار، والمعنى: إخبار وتحقيق (288).
* عينا يشرب بها عباد الله (76 | 6).
أراد: منها. والباء واقعة موقع (من) (289).
* يخافون يوما كان شره مستطيرا (76 | 7).
أي: منتشرا، وكل مستطير منتشر (290).
* إنما نطعمكم لوجه الله (76 | 9).
لام الاضافة، في هذا الموضع سبب للاطعام وعلة له (291).
* يطوف عليهم ولدان مخلدون (76 | 19).
أي: مقرطون. ويقال: مخلدون، من الخلد، وهو البقاء (292).
____________
(285) صا 204.
(286) صا165.
(287) مق 5 | 273.
(288) صا 183.
(289) صا 105.
(290) يلاحظ مق 3 | 436.
(291) ينظر: صا 113.
(292) مج 2 | 210.
(58)
أي: لا يموتون (293).
* وإذا رأيت ثم ... (76 | 20).
أراد: ماثم، فـ (ما) مضمرة (294).
* وإذا رأيت ثم رأيت (76 | 20).
ثم: في هذا الموضع، بمعنى: هنالك (295).
* ولا تطع منهم آثما أو كفورا (76 | 24).
أو، هاهنا: للاباحة. وقال قوم: هذا يعارض ويقابل بضده فيصح المعنى، ويتبين المراد، وذلك أنا نقول: أطع زيدا أو عمرا، فإنما نريد أطع واحدا منهما، فكذلك إذا نهينا، وقلنا: لا تطع زيدا أو عمرا، فقد لا تطع واحدا منهما (296)
* وشددنا أسرهم (76 | 28).
الاسر: الخلق (297)، ويقال: بل أراد مجرى ما يخرج من السبيلين (298).
سورة المرسلات
* لاي يوم اجلت (77 | 12).
اللفظ إستخبار، والمعنى: تعجب.
* ألم نجعل الارض كفاتا، أحياء وأمواتا (77 | 25).
يقول ـ جل من قائل، وعز من متكلم ـ: ماداموا أحياء فإنهم يمشون على ظهرها، فإذا ماتوا ضمتهم إليها (299) في جوفها (300).
* إنها ترمي بشرر كالقصر (77 | 32).
الشرر ما تطاير من النار (301).
____________
(293) مق 2 | 208.
(يُتْبَعُ)
(/)
(294) صا 172.
(295) صا 149.
(296) صا 127.
(297) مج 1 | 191، مق 1 | 107.
(298) مق 1 | 107.
(299) مج 4 | 235.
(300) مق 5 | 191.
(301) مق 3 | 180.
(59)
* لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون (77 | 35 ـ 36).
وهم قد نطقوا بقولهم: (يا ليتنا نرد) (302) لكنهم نطقوا بما لم ينفع فكأنهم لم ينطقوا وهذا مما نفي جملة من أجل عدمه كمال صفته (303).
سورة النبأ
* عم يتساءلون (78 | 1).
اللفظ إستخبار، والمعنى تعجب (304).
* وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا (78 | 14).
ماء ثجاج، أي: صباب، يقال: ثج الماء: إذا صبه (305).
أما المعصرات فسحائب تجيء بمطر (306).
* وجنات ألفافا (78 | 16).
الالفاف: الشجر يلتف بعضه ببعض (307).
* لا يذوقون فيها بردا ولاشرابا (78 | 24).
البرد، في هذا الموضع: النوم (308).
* وكأسا دهاقا (78 | 34).
يقال: أدهقت الكأس: ملأتها (309).
سورة النازعات
* أإنا لمردودون في الحافرة (79 | 10).
____________
(302) الانعام: 27
(303) صا 259.
(304) صا 183.
(305) مق 1 | 367.
(306) مق 4 | 242.
(307) مق 5 | 207.
(308) مق 1 | 243، مج 1 | 260.
(309) مق 2 | 307.
(60)
الحافرة، هاهنا: أول الامر (310)، أي: قالوا: نحيا بعد ما نموت (311).
* فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة (37 | 19).
الساهرة: الارض (312).
* والارض بعد ذلك دحاها (79 | 30).
يتأولونه على أن (بعد) تكون بمعنى (مع)، أي: مع ذلك (313) والدحو: البسط (314)، فدحاها: أي: بسطها مثل: طحاها (315).
سورة عبس
* قُتل الإنسان ما أكفره (80 | 17).
ما: تعجب، (316).
* ثم أماته فأقبره (80 | 21).
القبر: قبر الميت. يقال: قبرته أقبره، فان جعلت له مكانا يقبر فيه، قلت أقبرته.
وقال ناس من أهل التفسير في قوله تعالى: (ثم أماته فأقبره): ألهم كيف يدفن (317).
* ثم إذا شاء أنشره (80 | 22).
نشر الله الموتى فنشروا، وأنشر الله الموتى، أيضا. والنشر دال على الفتح والتشعب (318).
* وفاكهة وأبا (80 | 31).
____________
(310) بلفظ (الامر الاول) في مق 2 | 85.
(311) مق 3 | 109.
(312) مج 2 | 86.
(313) صا 147.
(314) مج 2 | 320.
(315) مق 3 | 445.
(316) صا 188.
(317) مق 5 | 47 ـ 48.
(318) ينظر مق 5 | 430.
(61)
الاب: المرعى (319).
سورة التكوير
* إذا الشمس كورت (81 | 1)
كأنها جمعت جمعا (مق 5 | 146).
* وإذا العشار عطلت (81 | 4).
العشار: النوق التي نتج بعضها وبعضها قد أقرب ينتظر نتاجها (320) ومتى تركت الابل بلا راع فقد عطلت (321).
سورة الانفطار
* يا أيها الانسان ماغرك بربك الكريم (82 | 6).
هذا من باب مخاطبة الواحد يراد به الجمع (322).
سورة المطففين
* ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون (83 | 1 ـ 2 ـ 3).
الكيل: كيل الطعام. يقال: كلت فلانا: أعطيته، واكتلت عليه: أخذت منه (323).
* ان كتاب الابرار لفي عليين (83 | 8).
قال الفراء: قالوا: إنما هو ارتفاع بعد ارتفاع إلى ما لا حد له. وإنما جمع بالواو والنون لان العرب إذا جمعت جمعا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين، قالوه
____________
(319) مج 1 | 143، مق 1 | 6.
(320) مق 4 | 325.
(321) مق 4 | 351 ـ 352.
(322) صا 213 ـ 214.
(323) مق 5 | 150.
(62)
في المذكر والمؤنث، نحو عليين، فإنما يراد به شيء، لا يقصد به واحد ولا إثنان (324).
* بل ران على قلوبهم (83 | 14).
ران: أي: غلب. وهو من الاستعارة (325).
* ختامه مسك (83 | 26).
ختمت الشيء، أختمه: اذا بلغت آخره، أي ان آخر ما يجدونه منه رائحة المسك (326).
سورة الانشقاق
* اذا السماء انشقت (84 | 1).
قالوا: تأويله انشقت السماء، وان (اذا) لغو وفضل. كما قال: (إقتربت الساعة) (327) و (أتى أمرالله) (328) قالوا: وفي شعر العرب قوله:
حتى اذا أسلكوهم في قتائدة * شلا، كما تطرد الجمالة الشردا (329)
المعنى: حتى أسلكوهم، وأنكر ناس هذا، وقالوا: (اذا السماء انشقت) لها جواب مضمر، وقول القائل: (حتى اذا أسلكوهم) فجوابه قوله: (شلا)، يقول: أسلكوهم شلوهم شلا، واحتج أصحاب القول الاول بقول شاعر:
فاذا وذلك لامهاه لذكره * والدهر يعقب صالحا بفساد (330)
(يُتْبَعُ)
(/)
قالوا: المعنى: وذلك، وقال أصحاب القول الثاني: الواو مقحمة، المعنى فاذا ذلك (331).
* يا أيها الانسان إنك كادح (84 | 6).
____________
(324) مق 4 | 115.
(325) صا 204.
(326) مج 2 | 239، مق 2 | 245
(327) القمر: 1.
(328) النحل: 1.
(329) لعبد مناف بن ربع الهذلي، في ديوان الهذليين 2 | 42.
(330) للاسود بن يعفر في المفضليات 220.
(331) صا 139.
(63)
الخطاب للواحد يراد به الجمع (332).
* إنه ظن أن لن يحور (84 | 14).
حار، يحور: إذا رجع، (333).
* فلا أقسم بالشفق (84 | 16).
روى ابن نجيح (334)، عن مجاهد قال: هو النهار. وروى العوام بن حوشب (335)، عن مجاهد، قال: هي الحمرة، وفي تفسير مجاهد، قال: الشفق: الحمرة. قال الزجاج: الشفق: هي الحمرة التي ترى في المغرب بعد سقوط الشمس. وأخبرنا علي ابن إبراهيم، عن محمد بن فرج (336)، قال: حدثنا سلمة، عن الفراء، قال: الشفق: الحمرة ... (337).
* والليل وما وسق (84 | 17).
وسقت العين الماء: حملته. يقولون في النفي: لا أفعله ما وسقت عيني الماء (338).
* والله أعلم بما يوعون، فبشرهم بعذاب أليم. إلا الذين آمنوا (339) (84 | 23 ـ 25).
معناه: والذين آمنوا لهم أجر غير ممنون (84 | 23).
سورة البروج
* ذوالعرش المجيد (85 | 15).
____________
(332) صا 211ـ 212.
(333) مق 2 | 117.
(334).
(335).
(336) ويقال: محمد بن فرح. احد علماء النحو من الكوفيين، أخذ عن سلمة بن عاصم. تأريخ بغداد 3| 165، نزهه الالباء 144.
(337) مق 3 | 198، مج 3 | 166 ـ 167.
(338) مج 4 | 525، مق 6 | 109.
(339) صا 135
(64)
ذو، هاهنا: يدل على الملك (340).
سورة الطارق
* النجم الثاقب (86 | 3).
الثاقب: قالوا: هو نجم ينفذ السماوات كلها نوره (341).
* والسماء ذات الرجع (86| 11).
الرَّجْع: الغيث، وهو المطر، وذلك أن السماء تغيث وتصب ثم ترجع فتغيث (342).
* أمهلهم رويدا (86 | 17).
قال بعضهم: أي: قليلا (343).
سورة الاعلى
* فذكّر إن نفعت الذكرى (87 | 9).
الشرط هنا كالمجازغير المعزوم، لان الامر بالتذكير واقع في كل وقت والتذكير واجب نفع أو لم ينفع، وقد يكون بعض الشرط مجازا (344).
* لا يموت فيها ولا يحيى (87 | 12).
نفى عنه الموت لانه ليس بموت مريح، ونفي عنه الحياة لانها ليست بحياة طيبة ولا نافعة، وهذا في كلام العرب كثير (345).
سورة الغاشية
* هل أتاك حديث الغاشية (88 | 1).
____________
(340) صا 153.
(341) مق 1 | 382.
(342) مق 2 | 491.
(343) صا 153.
(344) صا 620.
(345) صا 258.
(65)
يعني: القيامة. ثم قال:
* وجوه يومئذ خاشعة (88 | 2)
وذلك يوم القيامة (أيضا). ثم قال:
* عاملة ناصبة (88 | 3).
والنصب والعمل يكونان في الدنيا. فكأنه ـ إذا ـ على التقديم والتأخير معناه: عاملة ناصبة في الدنيا، يومئذ ـ أي: يوم القيامة ـ خاشعة والدليل على هذا قوله جلّ اسمه: (وجوه يومئذ ناعمة) (88 | 8) (346).
* ليس لهم طعام إلا من ضريع (88 | 6).
وهو: الشِّبرِقُ، نبات (347).
* وأكواب موضوعة (88 | 114).
الكوب: القدح لا عروة له، والجمع: أكواب (348).
* وزرابي مبثوثة (88 | 17).
أي: كثيرة متفرقة، وإذا بسط المتاع بنواحي البيت والدار فهو مبثوث (349).
* لست عليهم بمسيطر إلا من تولى (88 | 22ـ 23)
معناه: لكن من تولى وكفر، و (إلا) في هذا الموضع بمعنى (لكن) وهي من الاستثناء المنقطع (350).
* إن إلينا إيابهم (88 | 25).
قال أبو حاتم (351): وكان الاصمعي يفسر الشعر الذي فيه ذكر (الاياب) أنه مع الليل ويحتج بقوله:
تأوبني داء مع الليل منصب (352).
____________
(346) صا 246 ـ 247.
(347) مج 3 | 310.
(348) مق 5 | 145.
(349) مق 1 | 172.
(350) صا 135.
(351) سهل بن محمد السجستاني، عالم ثقة، باللغة والشعر، أخذ عن أبي زيد والاصمعي وكان كثير التصانيف توفي في سنة خمسين ومائتين وقيل: خمس وخمسين ومائتين، نزهة الالباء 117 وفيات الاعيان 2 | 430.
(352) المقاييس 1 | 153.
(66)
وكذلك يفسر جميع مافي الاشعار. فقلت له: إنما الاياب: الرجوع أي وقت رجع، تقول: قد آب المسافر، فكأنه أراد أن أوضح له، فقلت: قول عبيد (353):
وكل ذي غيبة يؤوب * وغائب الموت لا يؤوب (354)
(يُتْبَعُ)
(/)
أهذا بالعشي؟ فذهب يكلمني فيه، فقلت: فقول الله تعالى: (إن إلينا إيابهم) أهذا بالعشي؟ فسكت.
قال أبو حاتم: ولكن أكثر ما يجيء على ما قال، رحمنا الله وإياه (355).
سورة الفجر
* والشفع والوتر (89 | 2).
قال أهل التفسير: الوتر: الله تعالى، والشفع الخلق (356).
* هل في ذلك قسم لذي حجر (89 | 5).
الحجر: العقل (357) وسمي العقل حجرا لانه يمنع من إتيان مالا ينبغي، كما سمي عقلا تشبيها بالعقال (358).
* إرم ذات العماد (89 | 7).
العماد: الطول: أي: ذات الطول (359).
* فصب عليهم ربك سوط عذاب (89 | 13).
السوط من العذاب: النصيب (360) من قولهم: سطته بالسوط ضربته (361).
* فقدر عليه رزقه (89 | 16).
____________
(353) هو عبيد بن الابرص، نسبت له معلقة.
(354) من معلقته. ينظر المعلقات 156.
(355) مق 1 | 153.
(356) مق 3 | 201.
(357) مج 2 | 139.
(358) مق 2 | 138
(359) مق 4 | 139.
(360) مج 3 | 102.
(361) مق 3 | 116.
(67)
فمعناه: قتر، وقياسه أنه أعطي ذلك بقدر (362).
* وتحبون المال حبا جما (89 | 20).
الجم: الكثير. وقرئت: ويحبون (363).
سورة البلد
* لقد خلقنا الانسان في كبد.
أي: ضيق وخدة (صا 204).
يُقال: لقي فلان من هذا الامر كبدا، أي: مشقة (مق 5 | 153).
سورة الشمس
* والسماء وما بناها (91 | 5).
أي: ومن بناها (364).
* والارض وما طحاها (91 | 6).
الطحو، كالدحو، وهو:البسط (365).
* ونفس وما سواها (91 | 7).
الاصل في (ما) أنها تكونلغير الناس. قال أبو عبيدة: وأهل مكة يقولون إذا سمعوا صوت الرعد: سبحان ما سبحت له (366).
* فألهمها فجورها وتقواها (91 | 8).
الالهام: كأنه شيء ألقي في الروع فالتهمه (367).
* قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها (9 ـ 10).
____________
(362) مق 5 | 63.
(363) مق 1 | 419.
(364) صا 171.
(365) مق 3 | 445.
(366) صا 171.
(367) مق 5 | 217.
(68)
دسسها: أي: أخفاها أو أغمضها هذا. و المعول عليه، غير أن بعض أهلال علم قال:
دساها، أي: أغواها وأغراها بالقبيح، قال:
وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت * حلائله منه أرامل ضيعا (368)
وقيل: دسها بالمعاصي، أي: أذلها. وقيل: دسها في المكان الغامض خوفا من أن يسأل أو يضاف، فيكون الياء عوضا من إحدى السينين (369).
* فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها (91 | 14).
الدمدمة: الاهلاك، وذلك لما غشيهم به من العذاب والاهلاك (370).
سورة الليل
* وما خلق الذكر والانثى (92 | 3).
قال أبو عبيدة: معناها: ومن خلق الذكر والانثى (371) وكان بعضهم يقرأ: (وما خلق الذكر والانثى) أي: وخلقة الذكر والانثى (372).
سورة الضحى
* فأما اليتيم فلا تقهر (93 | 9).
قرئت: (فلا تكهر)، أي: فلا تقهر (373).
سورة التين
* فلهم أجر غير ممنون (95 | 6).
____________
(368) مق 2 | 277، مج 2 | 269.
(369) مج 2 | 269.
(370) مق 2 | 260.
(371) صا 171.
(372) صا 171.
(373) مق 5 | 144.
(69)
أي: غير مقطوع. يقال: مننت الحبل: قطعته (374).
سورة العلق
* إقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم. علم الانسان مالم يعلم (96 | 1 ـ 5).
من الدليل على ان الخط توقيف ........ (375).
* أرأيت إنكذب وتولى، ألم يعلم بأن الله يرى؟ (96 | 13 ـ 14).
أرأيت، في هذا الموضع، للتنبيه ولا يقتضي مفعولا (376).
* لنسفعا بالناصية (96 | 15).
هذا من الاستعارة (377)، وسفعت الفرس: إذا أخذت بمقدم رأسها، وهي ـناصيته (378).
سورة القدر
* هي حتى مطلع الفجر (97 | 5).
حتى، في هذا الموضع، بمعنى: إلى (صا 151).
والمطلع: موضع الطلوع (مق 3 | 419).
سورة البينة
* يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة (98 | 2 ـ 3).
أي:أحكام مستقيمة (379)
____________
(374) مق 5 | 267.
(375) صا 34 | 35، وقد مر في سورة القلم.
(376) صا 269.
(377) صا 204.
(378) مق 3 | 84.
(379) مق 5 | 159.
(70)
سورة الزلزلة
* وأخرجت الارض أثقالها (99 | 2).
أثقال الارض: كنوزها، ويقال: هي أجساد بني آدم (380).
سورة العاديات
* والعاديات ضبحا (100 | 1).
يقال: هو صوت أنفاسها، ويقال: بل هو عدو فوق التقريب، ويقال: هو الضبع، وذلك ان يمدُّ ضَبْعَيه حتى لا يجد مزيدا (381).
(يُتْبَعُ)
(/)
* وإنه لحب الخير لشديد (100 | 8).
الشديد: دال على القوة (382).
سورة القارعة
* فأمه هاوية (101 | 9).
هوت أمه: شتم، أي: سقطت وهلكت، كما يقال: ثاكلة (383).
سورةالعصر
* ان الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا (103 | 2 ـ 3).
استثناء من الشيء الموحد لفظا وهو في المعنى جمع (384).
____________
(380) مج 1 |362. مق 1 | 392.
(381) مج 3 | 301.
(382) مق 3 | 179.
(383) مق 6 | 16.
(384) صا 136.
(71)
سورة الهمزة
* في عمد ممددة (104 | 9).
أي: في شبه أخبية من نار ممدودة، وقال بعضهم: (في عمد).
وقرئت: (في عُمُدٍ) وهو جمع عماد (385).
سورة الفيل
* طيرا أبابيل (105 | 3).
قال الخليل: أي: يتبع بعضها بعضا (386).
* فجعلهم كعصف مأكول (105 | 5).
قال بعض المفسرين: العصف: كل زرع أكل حبه وبقي تبنه. وكان ابن الاعرابي يقول: العصف: ورق كل نابت (387).
سورة الكوثر
* إنا أعطيناك الكوثر (108 | 1).
الكَوثَر: نهر في الجنة. قالوا هذا وقالوا: أراد الخير الكثير (388).
سورةالكافرون
كان يقال لهذه السورة، وسورة (قل هو الله أحد) (389) المقشقشات لانهما تخرجان قارئهما مؤمنا بهما من الكفر (390).
____________
(385) مق 4 | 139.
(386) مق 1 | 542.
(387) مق 4 | 328.
(388) مق 5 | 161.
(389) الصمد.
(390) مج 4 | 114، مق 5 | 10.
(72)
سورة النصر
* إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره (110 | 1 ـ 2 ـ 3).
أمره بالاستغفار إذا جاء الفتح، فكأنه أعلمه أنه إذا جاء الفتح واستغفر غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (391).
سورة المسد
* تبت يدا أبي لهب، وتب (111 | 1).
أي: وقد تب وحاق به التباب ... (392).
* وامرأته حمالة الحطب (111 | 4).
قالوا: هي كناية عن النميمة (393) يقولون: حطب فلان بفلان: سعى به (394).
سورة الاخلاص
هذه السورة من المقشقشتين (395).
* ولم يكن له كفوا أحد (112 | 4).
الكفء: المثل (396).
____________
(392) صا 115، وينظر ما مر في سورة الفتح (8 | 1).
(393) صا 199، وينظر ما مر في سورة عبس (80 | 17).
(391) مق 2 | 79.
(394) مج 2 | 83.
(395) مق 5 | 10.
وينظر ما مر في سورة الكافرون.
(396) مق 5 | 189.
(73)
سورة الفلق
* ومن شر النفاثات في العقد (113 | 4).
من السواحر اللواتي يعقدن في الخيوط (397).
* * *
____________
(397) مق 4 | 89.
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 05:14 م]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا أخى:صالح
ونسأل الله ان يعلمنا ويعلمكم
فارس العربية الخـ زيديل
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[27 - 10 - 2005, 06:09 م]ـ
شكرا يا أخي في
الله سبحانه له الحمد
زيد الخيل
وكثر الله خيرك(/)
لمسات بيانية فى سورة البقرة 1
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 05:08 م]ـ
:::
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين امام البلغاء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
لمسات بيانية في آي القرآن الكريم للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي استاذ الآدب في كلية اللغة العربية في جامعة الشارقة
1 - سؤال: ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (هذا بلاغ للناس) سورة ابراهيم آية 52 و (بلاغ) سورة الأحقاف آية 35؟
كلمة بلاغ في سورة الأحقاف هي خبر لمبتدأ محذوف وتقديره هذا بلاغ. ففي سورة الأحقاف سياق الآيات التي قبلها والمقام هو مقام إيجاز لذا اقتضى حذف المبتدأ فجاءت كلمة بلاغ ولم يخبرنا الله تعالى هنا الغرض من البلاغ. أما في سورة ابراهيم فإن الآيات التي سبقت الآية (هذا بلاغ للناس) فصّلت البلاغ والغرض منه من الآية (ولا تحسبن الله غافلاً عمّا يفعل الظالمون) آية 42.
2 - سؤال: (هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) سورة ثم الآية (فقالوا خصمان بغى بعضنا على بعض) وقوله تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) سورة، لماذا جاءت الخصم مرة مفردة ومرة مثنى وجمع؟
الخصم تأتي للمفرد والجمع (هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) مثل كلمة بشر والفلك وضيف وطفل، وربما تأتي للتثنية (هذان خصمان اختصموا في ربهم).يقول المفسرون هما فريقان كل فريق له جماعة فلمّا جاءا يختصمان جاء من كل فريق شخص واحد يمثّل الفريق والمتحدثان هما أصحاب المسألة (خصمان). كما في قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فكل طائفة لها جماعة عند الصلح يأتي من كل طائفة من يفاوض باسمها لكن إذا وقع القتال بينهما يقتتل كل الأفراد، فإذا اختصم الفريقين يقال اختصموا وإذا اختصم أفراد الفريقين يقال اختصموا. وكذلك في كلمة بشر (أبشراً منا واحده نتبعه) وقوله تعالى (بل أنتم بشر مما خلق). وكلمة طفل قد تأتي للمفرد وجمع وقد يكون لها جمع في اللغة (الأطفال) وقد استعمل القرآن هاتين الكلمتين.
3 - سؤال: ما الفرق بين البأساء والضرّاء من حيث المعنى في القرآن الكريم؟
البأساء هي الشدّة عموماً ولكن أكثر ما تُستعمل في الأموال والأنفس. أما الضرّاء فتكون في الأبدان.
4 - سؤال: (إن ربك هو أعلم من يضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) سورة الأنعام والآية (إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله) سورة النحل، ما الفرق من الناحية البيانية بين (بمن ضلّ) و (من يُضلّ)؟
من استفهامية وهي من باب التعليق ومعلّقة والجملة في محل نصب مفعول به لفعل مقدّر.
بمن: موصولة ومعناها هو أعلم بالذي ضلّ عن سبيله.
5 - ما الفرق بين كلمتي عباد وعبيد في القرآن؟
كلمة عباد تضاف إلى لفظ الجلالة فالذين يعبدون الله يضافون للفظ الجلالة فيزدادون تشريفاً فيقال عباد الله كما ورد في سورة الفرقان (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً {63})، أما كلمة عبيد فهي تُطلق على عبيد الناس والله معاً وعادة تضاف إلى الناس والعبيد تشمل الكل محسنهم ومسيئهم كما ورد في سورة ق (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ {29}). العبد يُجمع على عباد وتاعبد يُجمع على عبيد.
6 - ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (الله) و (الربّ) في الآيتين: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا) سورة النساء وقوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم) سورة النساء؟
لفظ الجلالة الله هو اللفظ العامّ لله تعالى ويُذكر هذا اللفظ دائماً في مقام التخويف الشديد وفي مقام التكليف والتهديد. أما كلمة الربّ فتأتي بصفة المالك والسيّد والمربي والهادي والمشد والمعلم وتأتي عند ذكر فضل الله على الناس جميعاً مؤمنين وغير مؤمنين فهو سبحانه المتفضّل عليهم والذي أنشأهم وأوجدهم من عدم وأنعم عليهم. والخطاب في الآية الثانية للناس جميعاً وهو سبحانه يذكر النعمة عليهم بأن خلقهم والذين من قبلهم، ولذا جاءت كلمة (ربكم) بمعنى الربوبية. وعادة عندما تذكر الهداية في القرآن الكريم تأتي معها لفظ الربوبية (ربّ).
7 - ما دلالة كلمة (لنريه) في سورة الإسراء؟
(يُتْبَعُ)
(/)
قد يحتمل المعنى أن الرسول r أُعطي الرؤية الإلهية وتعطلت الرؤية البشرية وربما يكون سبحانه وتعالى قد أعطاه رؤية قوية أكثر من قدرة البشر بدليل أنه رأى القافلة ورأى موسى وهو يصلي في قبره ورأى جبريل عليه السلام. والله أعلم.
8 - ما إعراب كلمة (الشُّحَ) في قوله تعالى (وأحضرت الأنفسُ الشُّحَ)
فعل أحضر يأخذ مفعولين وكلمة الشح هي مفعول به ثاني لفعل أحضر، والأنفس نائب فاعل والمعنى أحضرنا الأنفس الشُّحَّ، فكأنما المعنى أنه أحضر الشح للأنفس أو جيء بالشح وأُحضر للأنفس. (وعليه يكون الأنفس مفعول به أول والشح مفعول به ثاني). وكأن الله تعالى أحضر الأنفس عندما خلقها خلق الشحّ وجعله فيها.
9 - في سورة يوسف الآية (ليسجنن وليكوناً من الصاغرين) جاءت لفظة (ليكوناً) بالتنوين لماذا؟
في (ليكوناً) هذه ليست تنوين وإنما هي نون التوكيد الخفيفة إذا وُقف عليها يوقف عليها بالألف ويجوز أن تُرسم بالتنوين. وفي كلمة (ليسجنن) هذه نون التوكيد الثقيلة وهي مؤكّدة أكثر من الخفيفة وقد دلّت في المعنى أن دخوله السجن آكد من كونه من الصاغرين.
10 - ما إعراب كلمة (الوصية) في قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ {180}) سورة البقرة؟
الوصيةُ نائب فاعل
11 - لماذا الإستثناء في قوله تعالى في سورة هود (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك)؟
قال تعالى في سورة هود (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ {106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ {107} وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ {108}) أولاً السموات والأرض في هذه الآية هي غير السموات والأرض في الدنيا بدليل قوله تعالى (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات). أما الإستثناء فلأن الخلود ليس له أمد، والحساب لم ينته بعد ولم يكن أهل الجنة في الجنة ولا أهل النار في النّار فاستثنى منهم من في الحساب. وقول آخر أن أهل النار قد يُخرج بهم إلى عذاب آخر أما أهل الجنة فهناك ما هو أكبر من الجنة ونعيمها وهو رضوان الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم والله أعلم. قسم يقولون أن الإستثناء هو في مدة المكث في الحشر (مدته خمسين ألف سنة) وقسم من قال هذا حتى يقضي الله تعالى بين الخلائق، وقسم قال هم من يخرجون من النار من عصاة المسلمين، وقسم قال الإستثناء من بقائهم في القبر وخروجهم من الدنيا، وقسم قال هو إستثناء من البقاء في الدنيا وهذه المعاني كلها قد تكون مرادة وتفيد أنهم خالدين فيها إلا المدة التي قضاها الله تعالى قبل أن يدخلوا الجنة أو قد تكون عامة لكن قضى الله تعالى أن يكونوا خالدين.
12 - لماذا ذكر (شعيب) في سورة الشعراء بينما ذكر (أخوهم شعيب) في سورة هود؟
شعيب أُرسل إلى قومين هما قوم مدين وهو منهم فعندما ذهب إليهم قال تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {84}) وأصحاب الأيكة ولم يكن منهم وليسوا من أهله فلم يذكر معهم أخوهم شعيب لأنه ليس أخوهم (كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ {176} إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ {177}). وكذلك في القرآن الكريم لم يذكر في قصة عيسى u أنه خاطب قومه بـ (يا قوم) وإنما كان يخاطبهم بـ (بني إسرائيل) لأنه ليس له نسب فيهم أما في قصة موسى فالخطاب على لسان موسى جاء بـ (يا قوم) لأنه منهم.
13 - ما اللمسة البيانية في استخدام (لا أقسم) في القسم في القرآن الكريم؟ (لا أقسم بيم القيامة) (لا أقسم بهذا البلد)
(يُتْبَعُ)
(/)
ام يرد في القرآن كله كلمة (أقسم) أبداً وإنما استخدم لفظ (لا أقسم) بمعنى أقسم و (لا) لتأكيد القسم. فقد يكون الشيء من الوضوح بمكان بحيث لا يحتاج لقسم وفس هذا تعظيم للشيء نفسه. وقد تعني (لا أقسم) أحياناً أكثر من القسم (زيادة في القسم).
14 - ما الفرق البياني بين قوله تعالى (ما منعك أن تسجد) سورة ص و (ما منعك ألا تسجد) سورة الأعراف؟
هناك قاعدة (لا) يمكن أن تُزاد إذا أُمن اللبس، وسُمّيت حرف صلة وغرضها التوكيد وليس النفي. ونلاحظ أن سياق الآيات مختلف في السورتين ففي سورة الأعراف الآيات التي سبقت هذه الآية كانت توبيخية لإبليس ومبنية على الشدة والغضب والمحاسبة الشديدة وجو السورة عموماً فيه سجود كثير.
15 - ما دلالة تكرار الآية (فبأي آلآء ربكما تكذبان) في سورة الرحمن؟
تكرار الآيات قد يكون للتوكيد ففي ذكر النار من قوله تعالى (سنفرغ لكم أيها الثقلان) تكررت الآية 7 مرات على عدد أبواب جهنم أما في الجنة (من دونهما جنتان) تكررت الآية 8 مرات على عدد أبواب الجنة.
وفي نفس الآية لمن يوجّه الله تعالى خطابه في قوله (فبأي آلآء ربكما تكذبان)؟
نلاحظ أول آية في سورة الرحمن ابتدأت فيها هذه الآية ويقول المفسرون أن المقصود بهما الثقلان أي الإنس والجنّ. لكن السؤال لماذا جاءت أول مرة ولمن الخطاب هنا؟ يقول عامة المفسرون أنه ليس بالضرورة عندما تخاطب واحداً أو جماعة أن يسبقه كلام فمن الممكن مخاطبة جماعة لأول مرة بدون سابق خطاب (أين أنتم ذاهبون؟) ومع ذلك فقد ورد قبلها ما يدل على المخاطبين فقد قال تعالى (والأرض وضعها للأنام) والأنام من معانيها الثقلان أي الإنس والجنّ (وقسم من المفسرون يحصرونها بهذا المعنى) ومن معانيها البشر وقسم آخر يقول أنها تعني كل المخلوقات على الأرض لكن قطعاً من معانيها الثقلين مما يشمل الإنس والجنّ. والأمر الثاني هو أنه قبل الآية الأولى فيها خطاب المكلفين وهما الإنس والجن (أن لا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) والمكلفين هما الإنس والجنّ. وإذا أخذنا معنى الأنام المقصور على الثقلين انتهى الأمر وإذا أخذنا المعنى أنه المخلوقات حميعاً فالآيات تفيد التخصيص. ثم قال تعالى (الرحمن * علّم القرآن) والقرآن هو للإنس والجنّ. إذن من الممكن أن يخاطب تعالى الثقلين مباشرة دون أن يسبقه كلام وإنما في هذه الآيات سبقه كلام وأوامر ونواهي للثقلين والكتاب الذي أُنزل للإنس والجنّ إذن هو خطاب عادي للثقلين في قوله تعالى (فبأي آلآء ربكما تكذبان).
يبقى سؤال آخر: جاء الخطاب في الآية للثقلين (بالمثنّى) وقال تعالى (وأقيموا الوزن) بالجمع لماذا؟ الخطاب للثقلين بالمثنى هو للفريقين عموماً وهما فريقان اثنان (فريق الإنس وفريق الجنّ) على غرار قوله تعالى (قالوا خصمان) وقوله (وإن طائفتان من المؤمنين اققتلوا) وصيغة الجمع تدل على أن الخطاب هو لكل فرد من أفراد هذين الفريقين.
في بداية السورة قال تعالى (خلق الإنسان * علّمه البيان) الآية تدل على خلق الإنسان مع أن الأنام فيما بعد تدل على المخلوقات عامة وذلك لأن الإنسان هو الذي أُنزل عليه الكتاب أو القرآن وبيّنه للثقلين. وعلّمه البيان بمعنى ليبيّن عن نفسه والبيان هو القدرة على التعبير عمّا في النفس، والله أعلم.
16 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (ليس البِرَّ أن تولوا وجوهكم) سورة البقرة وقوله تعالى (ليس البرُّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها) سورة البقرة؟
البرَّ بالفتحة في الآية الأولى هي خبر ليس وأن تولوا هو الإسم، أما في الآية الثانية فكلمة (البرُّ) بالضم هي إسم ليس.
17 - ما الفرق بين كلمة (المخلَصين) بفتح اللام وكلمة (المخلِصين) بكسر اللام؟
المخلَصين بفتح اللام تعني من أخلصه الله لعبادته وطاعته، أما المخلِصين بكسر اللام فتعني من أخلص نفسه لعبادة الله وطاعته.
18 - ما معنى قوله تعالى (وأُمرت أن أكون أول المسلمين) عن سيدنا محمد مع العلم أن الأنبياء قبله كانوا مسلمين؟
الإسلام هو دين الله وهو الدين من أول الأنبياء إلى يوم الدين وقد سبق في القرآن الكريم ذكر نوح وابراهيم ولوط ومن اتبعهم بأنهم من المسلمين لكن دين الإسلام كإسلام أُطلق على ديننا وسيدنا محمد r هو أول من أسلم.
(يُتْبَعُ)
(/)
19 - ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة الحجر (ربما يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) بتخفيف الباء في كلمة (ربما)؟
هذه الآية فيها قراءتان متواتران صحيحتان نزل بهما الروح الأمين إحداهما مشددة (ربّما) والأخرى مخففة (ربما) فهي من الناحية اللغوية موجودة في اللغة ولا إشمال في هذا. أما من ناحية السر البياني فقد اختلفوا في (رُبّ) وقسم قالوا أنها تفيد التكثير (رُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه) وقسم قال إنها تفيد التقليل وهذا معناها على العموم. ويكون التقليل أو التكثير بحسب المعنى. يبقى التخفيف وعدم التخفيف يوجد في اللغة حروف تخفف مثل (إنّ) وتخفف وتصبح (إن) وكذلك نون التوكيد الثقيلة تخفف إلى نون التوكيد الخفيفة مثل قوله تعالى (وليسجنن وليكوناً) في سورة يوسف فالنون في (ليسجنن) نون توكيد ثقيلة وفي (ليكوناً) هي نون توكيد مخففة. وقديماً كانت النون المخففة أخف من النون الثقيلة لأن تكرار النون بمثابة تكرار التوكيد مثل السين وسوف السين مقتطعة من سوف وتفيد زمناً أقل.
(رب) في معناها أقل في التقليل والتكثير من رُبّ وربّما أشد في معناها من ربما المخففة. وكلمة (ربما) تحتمل أن تكون قد قيلت في الدنيا عندما رأوا الغنائم في بدر وغيرها فقسم تمنى أن يكون مسلماً ليأخذ الغنائم وهنا جاءت بمعنى التمني. وحتمل أن تكون قد قيلت في الآخرة عندما يُعطى المسلمون الأجور العظيمة فيمنى الكافرون لو كانوا مسلمين وهنا تأكيد على تمنيهم لأنهم رأوا أجر السملمين. وفي الدنيا هناك من يتمنى كثيراً أن يكون مسلماً ومنهم من يتمنى قليلاً ان يكون مسلماً عند رؤية الغنائم فكل منهم يتمنى حسب رغبته في الغنائم وحسب ما يرى من الغنائم أما في الآخرة فهم يرغبون قطعاً رغبة قوية أن يكونوا مسلمين وهذان الإحتمالان التمني القليل والتمني الكثير لا يمكن أن يُعبّر عنهما إلا باستخدام القراءتين التين وردتا في الآية (ربّما المشددة) و (ربما المخففة) فشمل كل الإحتمالات في جميع المواقف في الدنيا وفي الآخرة.
ربما بدون شدّة تأتي للتخفيف وهو لغرض التخفيف في الحدث، لم تكن المودة قوية لتحملهم على الإسلام لذا قال تعالى ربما مخففة. فإذا أراد تشديد المودة جاء بلفظ _ربّما) مشددة، وإذا أراد تخفيف المودة جاء بلفظ (ربما) بدون شدّة.
20 - ما اللمسة البيانية في استعمال صيغة المضارع مرة وصيغة الماضي مرة أخرى في قوله تعالى (من كان يريد الآخرة) و (من أراد الآخرة)؟
استعمال فعل المضارع مع الشرط يكون إذا كان مضمون أن يتكرر. أما استعمال فعل الماضي فالمضمون أن لا يتكرر أو لا ينبغي أن يتكرر. كما نلاحظ أيضاً في قوله تعالى (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) ينبغي تكرار الشكر لذا جاء بصيغة الفعل المضارع (يشكر) أما الكفر فيكون مرة واحدة وهو لا ينبغي أن يتكرر فجاء بصيغة الماضي في قوله (كفر). كذلك في قوله تعالى (من قتل مؤمناً خطأ) المفروض أن القتل وقع خطاً وللمفروض أن لا يتكرر أما في قوله تعالى (من يقتل مؤمناً متعمداً) هنا تكرار للفعل لأنه قتل عمد.
21 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق) سورة الإسراء وقوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)؟
في الآية الأولى في سورة الإسراء الأهل ليسوا فقراء أصلاً وعندهم ما يكفيهم ولا يخشون الفقر ولكنهم يخشون الفقر في المستقبل إذا أنجبوا بأن يأخذ المولود جزءاً من رزقهم ويصبح الرزق لا يكفيهم هم وأولادهم ويصبحوا فقراء فخاطبهم الله تعالى بقوله نحن نرزقهم وإياكم ليطمئنهم على رزقهم أولاً ثم رزق أولادهم ولهذا قدّم الله تعالى رزقهم على (إياكم) لأنه تعالى يرزق المولود غير رزق الأهل ولا يأخذ أحد من رزق الآخر. أما في الآية الثانية فهم فقراء في الأصل وهمّهم أن يبحثوا عن طعامهم أولاً ثم طعام من سيأتيهم من أولاد فالله تعالى يطمئن الأهل أنه سيرزقهم هم أولاً ثم يرزق أولادهم أن الأهل لهم رزقهم والأولاد لهم رزفهم أيضاً
22 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (من عزم الأمور) سورة لقمان وقوله تعالى (لمن عزم الأمور) في سورة الشورى؟
(يُتْبَعُ)
(/)
لو لاحظنا الآيات قبل هذه لوجدنا أن في سورة لقمان جاءت الآية (واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) سورة لقمان آية 17 أما في الآية الأخرى في سورة الشورى (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) آية 43 وهنا ورد ذكر أمرين الصبر والغفران وهما أشدّ من الصبر وحده التي وردت في سورة لقمان فكانت الحاجة لتوكيد الأمر باستخدام لام التوكيد والقسم في كلمة (لمن) لأنه أشقّ على النفس. فالصبر قد يقدر عليه كثير من الناس لمن أن يصبر ويغفر هذا بالطبع لا يقدر عليه الكثيرون ويحتاج إلى مشقة أكبر لذا اقتضى توكيد الأمر بأنه من عزم الأمور مؤكداً بخلاف الصبر وحده الذي ورد في سورة لقمان.
23 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (واصبر نفسك) سورة الكهف وقوله تعالى (وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) سورة طه؟
اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر.
24 - ما اللمسة البيانية في استخدام صيغة المذكر مرة والمؤنث مرة أخرى في قوله تعالى (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا) سورة الأحزاب آية 31؟ ثم ماذا الخطاب مرة لجماعة الإناث ثم جماعة الذكور؟
القاعدة النحوية هو أن الفعل يؤنّث ويذّكر فإذا كان الفعل مؤنثاً ووقع بين الفعل والفاعل فاصلاً ثم إن الخطاب الموجه لنساء النبي r في قوله (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) هذا خطاب خاص بهن فجاء بصيغة خطاب الإناث أما في الآية (يريد الله ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم تطهيرا) هذا الخطاب يشمل كل أهل بيت النبوة وفيهم الإناث والذكور لذا اقتضى أن يكون الخطاب بصيغة المذكر.
وكذلك نلاحظ الفرق بين سورة يوسف (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {30}) وآية سورة الأحزاب، الجمع الذي ليس له مفرد من نوعه يمكن معاملته معاملة المذكر والمؤنث. والتذكير يدلّ على القلة (قال نسوة) والتأنيث يدل على الكثرة (قالت الأعراب آمنا) وهكذا في القرآن كله كما في قوله تعالى (جاءتهم رسلهم) المجتمعات أكثر من (جاءكم رسل منكم).
25 - ما الحكم النحوي في استخدام (من) و (ما)؟
من وما يعامل لفظها الإفراد والتذكير ثم يؤتى بما يدلّ على المعنى. (ومن الناس من يقول آمنا بالله وماهم بمؤمنين) نبدأ بالإفراد والتذكير (هذا هو القياس) (ومن يقنت منكن).
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {74}) لما ومنه، لما ويشقق ومنه، لما ويهبط كلها فيها إفراد وتذكير. الأصل والأكثر في القرآن البدء بالإفراد والتذكير ثم يأتي ما يدل على المعنى.
26 - ما اللمسة البيانية في استعمال كلمة (اليم) في قصة سيدنا موسى مع فرعون؟
اليمّ كلمة عبرانية وقد وردت في القرآن الكريم 8 مرات في قصة موسى وفرعون فقط لأن قوم موسى كانوا عبرانيين وكانوا يستعلون هذه الكلمة في لغتهم ولا يعرفون كلمة البحر ولهذا وردت كلمة اليمّ كما عرفوها في لغتهم آنذاك.
27 - لماذا جاءت كلمة سيّد في القرآن الكريم في سورة يوسف (وألفيا سيدها لدا الباب)؟
أهل مصر كانوا يسمون الزوج سيداً وقد وردت هذه الكلمة مرة واحدة في سورة يوسف وفي القرآن كله لأنها كانت معروفة في لغتهم آنذاك.
28 - ما الفرق من الناحية البيانية بين كلمتي (واللآئي) و (اللآتي) في القرآن الكريم؟
لفظ اللآئي هي لفظة متخصصة وهي مشتقة من اللآء أو التعب وقد استخدم هذا اللفظ في الآيات التي تفيد التعب للنساء كما في الحيض في قوله تعالى: (واللآئي يئسن من المحيض). أما لفظ (اللآتي) فهو لفظ عام.
29 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى في سورة الأنعام (مشتبهاً وغير متشابه) وقوله تعالى (متشابهاً وغير متشابه)؟
(يُتْبَعُ)
(/)
قوله تعالى (مشتبهاً وليس متشابه) تفيد لفت النظر إلى قدرة الله تعالى وهذا يفيد اللبس والإلتباس، أما في قوله تعالى (متشابهاً وغير متشابه) فهذا للتشابه وقد وردت الآيات في الإبل عامة ولا داعي للفت النظر إلى القدرة الإلهية هنا. فنفي التشابه ينفي الإشتباه من باب أولى، والتشابه قد يكون في جزئية معينة والإشتباه هو الإلتباس لشدة التشابه.
30 - ما الفرق بين هذه الكلمات؟
سِخرياً وسُخرياً: سخرياً بكسر السين هي من الإستهزاء والسخرية أما سُخرياً بضم السين فهي من باب الإستغلال والتسخير.
يُقبل ويُتقبل: يقبل من الرسول r يقبل الصلاة والزكاة ومن العباد وهو في الدنيا، أما يتقبل فهم من الله تعالى يتقبل الأعمال أو لا وهذا في الآخرة.
كُرهاً وكَرهاً: كُرهاً بضم الكاف هو العمل مع المشقة أما كَرهاً بفتح الكاف فتفيد العمل بالإجبار من آخر.
طوعاً وطائعاً: طوعاً تعني تلقائياً من النفس وطائعاً تعني طائعاً لإرادة الله سبحانه وتعالى.
ضياء ونور: الضياء هو ضوء وحرارة مثل ضوء الشمس والسراج أما النور فهو ضوء بدون حرارة كنور القمر.
وعد وأوعد: وعد تأي دائماً بالخير (وعد الله الذين آمنوا منكم) وأوعد تأتي بالشرّ.
قِسط وقَسط و قَسَط: القِسط بكسر القاف تعني العدل، والقَسط بفتح القاف تعني الظلم والقَسَط بفتح القاف والسين تعني الإنحراف.
31 - ما الفرق بين قوله تعالى (رب اجعل هذا بلداً آمناً) سورة البقرة وقوله تعالى (رب اجعل هذا البلد آمناً)؟
الآية الأولى هي دعاء سيدنا ابراهيم قبل أن تكون مكة بلداً فجاء بصيغة التنكير (بلداً) أما الآية الثانية فهي دعاء سيدنا ابراهيم بعد أن أصبحت مكة بلداً معروفاً فجاء بصيغة التعريف في قوله (البلد).
32 - ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة) وما دلالة سبعين في الآية؟
العدد المراد به حقيقة العدد في الأحكام كما في الكفارات (صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) وكفارة اليمين (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) أو الإخبار عن الأمور التي وقعت (سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما) (اختار موسى لقومه سبعين رجلا) وإما في مقام التكثير. ولقد اختلف المفسرون في حقيقة العدد ويبدو من النصوص أنه أراد حقيقة العدد لأنه r لما نزلت هذه الآية قال سمعت ربي رخّص لي فلأستغفرنّ لهم سبعين وسبعين وسبعين ففهم من الأية أن الله رخّص له أن يستغفر أكثر من سبعين لعلّ الله تعالى يغفر لهم لكن نزلت آية أخرى نسخت هذه الآية (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لن يغفر الله لهم) فنفت هذه الآية ما فهمه الرسول r من الآية الأولى والله أعلم.
33 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب) في سورة هود آية 62 وقوله تعالى (وإن لفي شك مما تدعوننا إليه) في سورة ابراهيم آية 9؟
في آية سورة هود الكلام في قصة صالح فجاء بلفظ (تدعونا) أما في سورة ابراهيم فالكلام عم مجموعة من الرسل لذا جاء قوله (تدعوننا).
الذي يبدو أنه عندما يأتي (إننّا) هو آكد، إنا تأتي للتوكيد سواء كانت النون مشددة أو مخففة
نون التوكيد قد تأتي في أول الأسماء (إننا) وفي آخر الأقعال للتوكيد (ولتكوناً) (ليذهبنّ)
وعندما نقول (إننا) تحتمل معنيين: في مقام التفصيل (إننا) وفي مقام التوكيد (إننا) فلو قرأنا القصتين في السورتين لوجدنا أن قصة صالح فصّل تعالى فيها كثيراً فاقتضى النفصيل استخدام (إننا) وكذلك التكذيب في قوم صالح كان أشدّ فجاء التوكيد بلفظ (إننا) إذن القصة في قصة صالح أطول والتكذيب أشدّ في سورة هود بينما الكلام في سورة ابراهيم موجز فاقتضى التوكيد في سورة هود بـ (إننا) ولم يقتضي التوكيد في سورة ابراهيم (إنا).
34 - ما اللمسة البيانية في إفراد اليمين وجمع الشمائل في سورة النحل في قوله تعالى (يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجّداً لله وهم داخرون) آية 48؟
(يُتْبَعُ)
(/)
اليمين يُقصد بها جهة المشرق والشمائل يقصد بها جهة المغرب. وقد قال المفسرون أن كل المشرق جهة اليمين أما في جهة الغرب تكثر الظلال خاصة بعد الزوال بخلاف جهة المشرق حتى اتجاهات الظلال تختلف فلذلك أصبحت شمائل، يتحول الظل ويتسع ويمتد. والأمر الآخر أن اليمين جهة مطلع النور أو الشمس والشمال جهة الظلمة والمغرب والله تعالى في القرآن كله أفرد النور وجمع الظلمات) يخرجونهم من النور إلى الظلمات) (الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) وهذا لأن النور له جهة واحدة ومصدر واحد سواء كان نور الهداية أو نور الشمس وهو يأتي من السماء أما الظلمات فمصادرها كثيرة كالشيطان والنفس وأصدقاء السوء والوسوسة من الجِنّة والناس. إذن الظلمات مصادرها كثيرة والنور مصدره واحد، ولمّا كانت اليمين جهة مطلع النور أفردها ولما كانت الشمال الجهة الأخرى والتي تفيد الظلمات جمعها. وذكر المفسرون أمراً آخر هو الآية (ما خلق الله من شيء) شيء مفرد ولمًا قال سجّداً قال الشمائل فقالوا أمر لفظي الجمع ناسب الجمع والإفراد ناسب الإفراد ولكني (والكلام للدكتور فاضل) لا أراه مناسباً تماماً.
وكلمة يتفيأ هي من الفيء والظلّ والفيء هو بمعنى العودة (فاء فيء بمعنى عاد).
الظلّ هو ما نسخته الشمس والفيء هو ما نسخ الشمس.
35 - ما الفرق بين كلمتي (ألفينا) و (وجدنا) في الآيتين: (بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا) سورة البقرة آية 170 (وحسبنا ما وجدنا عليه آبائنا)؟
ألفى في اللغة تستعمل في الأمور المادية فقط وقسم من النحاة يقولون أنها لا تأتي في أفعال القلوب كما في قوله تعالى (إنهم ألفوا آباءهم ضالين) وقوله (ألفيا سيدها لدى الباب). أما كلمة (وجدنا) فيه تأتي مع أفعال القلوب (لوجدوا الله تواباً رحيما) وقد تأتي أحياناً في الأشياء الحسّية. وعندما يذكر القرآن كلمة ألفينا يريد أن يذمّهم أكثر وينفي عنهم العقل كما في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ سورة البقرة {170}) ولو لاحظنا الآية التي سبقت هذه في سورة المائدة (مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ {103}) فالذي يٌشرّع ليس عنده علم ولكن عنده عقل. وعندما يذكر كلمة وجدنا ينفي عنهم العلم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ سورة المائدة {104}) وكذلك في سورة لقمان (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ {20} وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ {21}). وقد تنفي العلم عن أحدهم ولكنه يبقى عاقلاً لكن إذا نفى عنهم العقل أصبحوا كالبهائم فكلمة ألفينا تأتي إذن في باب الذمّ.
36 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (خالدين فيها) وقوله (خالدين فيها أبدا)؟
هناك قاعدة في القرآن الكريم سواء في أهل الجنة أو في أهل النار، إذا كان المقام مقام تفصيل الجزاء أو في مقام الإحسان في الثواب أو الشدة في العقاب يذكر (أبدا) وإذا كان في مقام الإيجاز لا يذكرها. في سورة النساء آية 57 (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) هذه الآية فيها تفصيل للجزاء فذكر فيها أبدا، أما الآية 13 من سورة النساء (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
(يُتْبَعُ)
(/)
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ليس فيها تفصيل فلم يذكر فيها (أبدا). كذلك في سورة البيّنة لم يذكر مع الكافرين (أبدا) لأنه لم يفصّل في عقابهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) آية 6، وذكرها مع المؤمنين لأنه فصّل الجزاء لهم (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) آية 8، فالتفصيل زيادة في الجزاء ويتسع في قوله (أبداً) فيضيف إكراماً إلى ما هم فيه من إكرام وكذلك في العذاب. وقد وردت خالدين فيها أبداً في أهل الجنة 8 مرات في القرآن الكريم ووردت في أهل النار 3 مرات وهذا من رحمته سبحانه وتعالى لأن رحمته سبقت غضبه. والخلود عند العرب تعني المكث الطويل وليس بالضرورة المكث الأبدي.
37 - ماذا تفيد الفاء في آية سورة مريم من الناحية البيانية؟
في سورة مريم الآيات (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً {22} فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً {23} فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26} فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً {27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً {28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً {29}) تكرر استخدام حرف الفاء وهي تفيد تعقيب كل شيء بحسبه أي تفيد تعقيب الأحداث التي وردت في السورة. إذا كان الحمل في موعده تستخدم الفاء وإذا تأخر الحمل نستخدم (ثمّ) للترتيب والتراخي في الزمن. فمريم عليها السلام حملت عندما نفخ فيها ثم لم يكن هناك أي معوقات بعدها فانتبذت مكاناً قصياً وجاء الحمل بالمدة المقررة عُرفاً. كقوله تعالى (ثم أماته فأقبره) القبر يأتي عقب الموت مباشرة فاستخدم الفاء أما قوله تعالى (ثم إذا شاء أنشره) فالنشور والقيامة يأتي بعد القبر بمد طويلة لذا استخدم ثمّ التي تفيد الترتيب والتراخي.
ونأخذ مثال: إذا قلنا دخلت البصرة فالكوفة والمسافة بينهما تستغرق يومين تفيد أنه لو دخلت الكوفة في اليوم الثاني نستخدم الفاء لأنها هي التي دخلتها بهد البصرة مباشرة أما إذا دخلتها بعد عشر ساعات نستخدم ثمّ، لأنه كما يقول النحاة إذا كانت المدة طبيعية يُؤتى بالفاء. مثال آخر لو قلنا تزوج فلان فولد له بمعنى أنه وُلد له بعد فترة الحمل الطبيعية تزوج فحملت فولدت ولو تأخر الحمل يقال ثم وُلد له.
أما استخدام الواو كما في قولنا جاء محمد وخالد لا تفيد الترتيب إنما تفيد مطلق الجمع فقد يكون محمد هو الذي أتى أولاً وقد يكون خالد هو الذي أتى أولاً. أما الفاء وثمّ فتفيدان الترتيب والتعقيب أو الترتيب والتراخي.
38 - لماذا في سورة المؤمنون آية 15 و 16 جاء توكيدان في الموت وتوكيد واحد في البعث مع ان الناس يشككون في البعث أكثر؟
(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ {15} ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ {16}) جاء التوكيد في الآية 15 مع ذكر الموت بـ (إنّ) واللام، أما في الآية 16 مع ذكر ابعث جاء التوكيد بـ (إنّ) فقط ولم يأتي باللام لأن هناك قاعدة نحوية أن اللام إذا دخلت على الفعل المضارع أخلصته للحال فلا يصح أن يقال لتبعثون لأنها لن تفيد الإستقبال ولكنها تخلص الفعل المضارع للحال وليس هذا هو المقصود في الآية. يوم القيامة استقبال ولا تصح اللام هنا لأن الكلام على يوم القيامة واللام تخلّصه للحال ولو أن عندي رأي آخر كما جاء في قوله تعالى (إن ربك ليحكم بينهم
(يُتْبَعُ)
(/)
يوم القيامة) قال النحاة هذا تنزيل المستقبل تنزيل الماضي.
وفي سورة يوسف الآية (ليسجنن وليكوناً من الصاغرين) النون نون التوكيد التي تخلص الفعل للمستقبل واللام هي لام القسم وليست لام التوكيد هنا.
مسألة التوكيد أولاً تعود للسياق ومع أنه أكد الموت توكيدين في آية سورة المؤمنون ومرة واحدة في آية سورة الزمر (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}) ولم يذكر اللام هنا والسبب أنه ذكر الموت في سورة المؤمنون 10 مرات بينما ذكر في سورة الزمر مرتين فقط وتكررت صور الموت في سورة المؤمنون أكثر منها في سورة الزمر ففي سورة المؤمنون الكلام أصلاً عن خلق الإنسان وتطويره وأحكامه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}) وهذا أكبر دليل على أن إعادته ممكنة ولا شك أنها أسهل من الخلق والإبتداء فلهذا جعل سبحانه وتعالى توكيدين في الخلق وتوكيداً واحداً في البعث لأن البعث أهون عليه من الخلق من عدم وكلهما هين على الله تعالى.
الأمر الآخر لو لاحظنا ما ذكره تعالى في خلق الإنسان لتُوهّم أن الإنسان قد يكون مخلّداً في الدنيا لكن الحقيقة أن الإنسان سيموت وكثيراً ما يغفل الإنسان عن الموت وينساق وراء شهواته (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون) فيعمل الإنسان عمل الخلود (ألهكم التكاثر) فأراد تعالى أن يُذكّرهم بما غفلوا عنه كما ورد في الحديث الشريف (أكثروا من ذكر هادم اللذات) ثم الآية لم ترد في سياق المنكرين للبعث فليس من الضرورة تأكيد البعث كما أكدّ الموت. وقد أكدّ لأطماع الناس في الخلود في الدنيا وكل المحاولات للخلود في الدنيا ستبوؤ بالفشل مهما حاول الناس للخلود لا يمكنهم هذا.
39 - ما اللمسة البيانية في استخدام اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول والعكس في القرآن الكريم؟
قسم من المفسرين يرون أحياناً في الإستعمالات القرآنية أن اسم الفاعل يكون بمعنى اسم المفعول كما في قوله تعالى (من ماء دافق) يقولون بمعنى مدفوق، وقوله (لا عاصم اليوم من أمر الله) بمعنى لا معصوم، و (عيشة راضية) بمعنى مرضية، و (حجاباً مستوراً) بمعنى ساتراً، و (سقفاً محفوظاً) بمعنى حافظ. ومن الممكن تخريجها على صورتها الظاهرة ويبقى المعنى وليس بالضرورة أن نؤوّل كلمة دافق للمعنى دفوق لكن يمكن ابقاؤها بصيغها ومعانيها. وقد ذكر المفسرون آراء أخرى تؤكد الإقرار على المعاني والصيغ اسم الفاعل واسم المفعول ويستقيم المعنى.
المصدر قد يأتي بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول في القرآن مثل كلمة (حلق) فهي تأتي بمعنى مخلوق أحيانأً.
وفي قوله تعالى في سورة هود (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) تحتمل معنيين: لا عاصم إلا الراحم وهو الله، ولا معصوم إلا الناجي فقد يختلف التأويل لكن المعنى يحتمل هذه التأويلات لأن لا عاصم إلا من رحمه الله تعالى أي ليس هناك من ينجيه إلا الله الراحم وتأتي الآية بعده (وحال بينهما الموج فكان من المغرقين) لا تمنع كلا التفسيرين وهذا ما يُسمى من باب التوسع في المعنى.
هل يوجد اختلافات دلالية بين المشتقات وبعضها؟
أحياناً الصيغة الواحدة يمكن تخريجها على أكثر من دلالة كما في كلمة (حكيم) فقد تكون اسم مفعول مثل قتيل أو حكيم بمعنى ذو حكمة (حكيم عليم). وفي سورة يس (يس* والقرآن الحكيم) هل المقصود أنه مُحكم أو هو ينطق بالحكمة فيكون حكيم؟ يحتمل المعنى كل هذه التفسيرات.
40 - ما الفروق الدلالية بين فعل سار ومشى؟
(يُتْبَعُ)
(/)
السير غير المشي في اللغة ويقال سار القوم إذا امتدّ بهم السير من جهة إلى جهة معينة في الخصوص. والسير في القرآن الكريم قد يكون لغرض وفي جهة وهو إما للعظة والإعتبار أو للتجارة أو غير ذلك كما في قوله تعالى (فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله) سورة القصص فالسير هنا ممتد من مدين إلى مصر وهو ليس مشياً. وقد يكون معنى السير السير لفترة طويلة للعبرة والإتّعاظ كما في قوله تعالى (قل سيروا في الأرض ثم انظروا) وقد ورد هذا المعنى للسير في 11 آية قرآنية (أفلم يسيروا في الأرض) (قل سيروا في الأرض فانظروا) والسير هنا هو الإمتداد وكما قلنا يكون في القرآن الكريم إما لمسافة طويلة بغرض التجارة وإما لغرض العبرة والإتّعاظ.
أما المشي فهو مجرد الإنتقال وليس بالضرورة توجّه إلى هدف محدد كما في قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا).
41 - ما اللمسة البيانية في وصف الله تعالى لإسماعيل u بالحليم واسحق بالعليم؟
(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) سورة الصافات آية 101 و (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) سورة الذاريات آية 28 و (قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) سورة الحجر آية 53.
الحلم هو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب وهذا يظهر في علاقته مع الآخرين إذا غضب. وربنا تعالى لما ذكر اسماعيل وذكر علاقته مع أبيه والآخرين في سورة الصافات ذكر في الآية بعدها (قال با أبت افعل ما تؤمر) بعد أن أخبره أبوه بأنه أوحي إليه أن يذبحه وكذلك الحلم في علاقته مع أبيه في بناء البيت (وإذ يرفع ابراهيم البيت واسماعيل). وقد ذكر الله تعالى اسماعيل بأنه رسول نبي وأنه كان صادق الوعد كما في سورة مريم (واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا) آية 54، فكان صادق الوعد في التبليغ للآخرين وفي الرسالة. ولم يذكر تعالى مع اسحق علاقته بالآخرين في القرآن كله مطلقاً لكنه تعالى بيّن العلم فقط وهذا لا يتعلق بالعلاقة مع الآخرين إذن صفات اسماعيل التي ذُكرت في القرآن تقتضي الحلم.
والأمر الآخر أن الله تعالى لمّا يذكر صفات الأنبياء يذكر صفة بارزة لكل نبي منهم لكن هذا لا ينفي باقي الصفات عن كل نبي فإذا ذكر الحلم فلا ينتفي العلم، وقد وصف تعالى ابراهيم u بأنه أواه منيب وحليم ومع هذا لم ينفي صفات الإنابة عن غيره من الأنبياء فهم جميعاً منيبون إلى ربهم ويدعونه. والصفة البارزة في اسماعيل u هي الحلم وقد أخذها عن أبيه ابراهيم أما صفة اسحق فهي ليست كذلك.
والأمر الآخر أنه في تبشير ابراهيم باسماعيل جاءت البشارة مباشرة من الله تعالى كما ورد في آية سورة الصافات (فبشرناه بغلام حليم) أما في البشارة باسحق فهي جاءت على لسان الملائكة ولم تكن مباشرة من الله تعالى لإبراهيم كما في الآيتين في سورة الذاريات (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) وسورة الحجر (قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيم
42 - ما اللمسة البيانية في تكرار كلمة إله في قوله تعالى (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله)؟
قد يصح لغوياً القول (وهو الذي في السماء وفي الأرض إله) لكن لو جاءت هكذا في القرآن لدلت على أنه في السماء (موجود في السماء)، وفي الأرض إله (إله في الأرض) وهذا الإحتمال غير مراد أصلاً في الآية لأنه سبحانه إله في السماء وإله في الأرض أيضاً. كذلك يمكن القول من ناحية اللغة (وهو الذي في السماء والأرض إله) لكن هذا يؤدي إلى أنه إله مشترك فيهم وقد تعني أنه قد يكون هناك آلهة غيره وهذا لا يكون ولا يصح لأنه سبحانه هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله حصراً لا إله غيره في السماء ولا في الأرض. (إله) في الآية هي خبر عن مبتدأ محذوف تقديره هو أي بمعنى (هو الذي في السماء هو إله) لذا كان التكرار لمقتضى المعنى المراد.
43 - ما اللمسة البيانية في كلمة (عليهُ) في قوله تعالى (ومن أوفى بما عاهد عليهُ الله) في سورة الفتح؟
(يُتْبَعُ)
(/)
(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) آية 10. هذه الآية في سورة الفتح جاءت في سياق الحديث عن صلح الحديبية. ولم ترد هذه الصيغة بالرفع أو بغيره في القرآن إلا في هذا الموضع. أولاً عليهُ بضم الهاء هي لغة قريش وكذلك يقولون فيهُ أما سائر العرب فيقولون عليهِ وفيهِ وإليهِ وبهِ. وقد ورد هذا الأمر (أي الضم) مرتين في القرآن كله في هذا الموضع وفي سورة الكهف (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً {63}) والقياس أن يقول أنسانيه بالكسر.
قوله تعالى (عليهُ الله) في سورة الفتح ليس للموضوع علاقة بكون عليه حرف جر لكن هناك أكثر من سبب لاختيار الضم في عليهُ أولها أن الكلام في صلح الحديبية والعهد الذي كان بينهم وبين الرسول وهو عهد على الموت فكان الضم في عليهُ يؤدي إلى تفخيم لفظ الجلالة لتفخيم العهد فأراد سبحانه أن يتسق ويتناسق تفخيم العهد مع تفخيم لفظ الجلالة حتى لا يُرقق لفظ الجلالة بالكسرة. والأمر الثاني أن الضمة هي أثقل الحركات بالإتفاق وهذا العهد هو أثقل العهود لأنه العهد على الموت فجاء بأثقل الحركات مع أثقل العهود.
44 - لماذا تحديد ذكر ذرية ابراهيم واسرائيل في سورة مريم مع العلم أن اسرائيل هو من ذرية ابراهيم؟
(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً {58}) هذه الآية في سورة مريم ذكر فيها الله تعالى ذرية ابراهيم واسرائيل وصحيح أن اسرائيل هو من ذرية ابراهيم لكن ذرية ابراهيم أعمّ وفيها اسماعيل وذريته فهي إذن أعمّ وأشمل من ذرية اسرائيل الذي هو سيدنا يعقوب عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
45 - ما الفرق بين كلمتي (دارهم) و (ديارهم) من الناحية البيانية في القرآن الكريم؟
الصيحة هي أشمل وأهمّ من الرجفة لذا فإنها تُصيب عدداً أكبر وتبلغ أكثر من الرجفة والمعلوم أن الصوت يمتد أكثر من الرجفة ولهذا فهي تؤثر في ديار عديدة لذا جاء استخدام كلمة (ديارهم) مع الصيحة كما في الآية 67 والآية 94 في سورة هود (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ)، أما الرجفة فيكون تأثيرها في مكانها فقط لذا جاء استخدام كلمة (دارهم) مع الرجفة كما في قوله في سورة الأعراف (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) آية 78 و91 (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) وكذلك في قوله تعالى (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) سورة العنكبوت آية 37.ولم ترد في القرآن كلمة ديارهم إلا مع العذاب بالصيحة ولم ترد كلمة (دارهم) إلا مع العذاب الرجفة.
46 - ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في القرآن الكريم؟
قال تعالى في سورة الأنفال (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {10}) وفي سورة آل عمران (وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ {126}) لماذا جاءت قلوبكم مقدّمة على به في الأنفال ومتأخرة في آل عمران؟ يجب أن نرى أولاً سياق الآيات في السورتين، سياق آية آل عمران فيه ذكر لمعركة بدر وتمهيد لمعركة أحد وما أصاب المسلمون من حزن وقرح والمقام مقام مسح على
(يُتْبَعُ)
(/)
القلوب وطمأنة لها (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139} إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {140}) وغيرها من آيات التصبير والواساة وخصص البشرى بهم (بشرى لكم) وبه تعود على الإمداد السماوي لذا قدّم القلوب (قلوبكم) على (به) لأن المقام مقام تصبير ومواساة والكلام مسح على القلوب. أما في آية الأنفال قدّم (به) على (قلوبكم) لأن الكلام على الإمداد السماوي الذي هو محور آيات سورة الأنفال وكذلك لم يخصص البشرى وجعلها عامة (وما جعله الله إلا بشرى).
ومثال آخر قوله تعالى سورة هود: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ {28}) وقوله تعالى في سورة هود أيضاً (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {63}). في الآية الأولى قدّم الرحمة على الجارّ والمجرور، والآية تتكلم عن الرحمة (فعمّيت، أنلزمكموها، وأنتم لها كارهون) كلها تعود على الرحمة لذا اقتضى السياق تقديم الرحمة على الجارّ والمجرور. أما في الآية الثانية فالآية تتكلم عن الله تعالى (ربي، الله، منه، الضمير في عصيته) كلها تعود على الله تعالى لذا اقتضى السياق تقديم (منه) على الرحمة.
وفي القرآن الكريم أمثلة عديدة في التقديم والتأخير كما في قوله تعالى (لهم ما يشاؤون فيها) و (لهم فيها ما يشاؤون) وكذلك في قوله تعالى (ورفعنا فوقكم الطور) و (وإذ نتقنا الحبل فوقكم كأنه ظلّة)، وقوله تعالى (ومما رزقناهم ينفقون) و (وأنفقوا مما رزقكم الله).
ولا ينبغي الإكتفاء بالإهتمام لتفسير التقديم والتأخير في القرآن بل يجب أن يُعرف سياق الآيات ودلالتها على الإهتمام لأن السياق يقتضي هذا التقديم والتأخير يجب توضيح موطن الإهتمام.
47 - ما الفرق بين الخيفة والخفية في القرآن الكريم؟
قال تعالى في سورة الأعراف (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ {205}) وقال تعالى في سورة الأعراف أيضاً (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {55}). في اللغة الخفية من الخفاء (إذ نادى ربه نداء خفيا) والخيفة من الخوف. ومعنى قوله تعالى (واذكر ربك في نفسك) أن تعلم ما تقول أي لا تذكر ربك وقلبك غافل، وتضرعاً من التضرع والخيفة وهو بمعنى التذلل والتمسكن والمسكنة والتوسل، ودون الجهر من القول بمعنى أن تُسمع نفسك ولا ترفع صوتك، فلو ذكرت ربك بصوت غير مسموع ولكن لم تعلم ما تقول فأنت لم تذكر ربك في نفسك.
أما الخيفة فهي إسم قد تكون مصدر للهيئة كما في الحديث (إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة) أو هو المصدر أو الشيء الذي تجده في النفس كما يقال (الجُرح) هو مكان الشق الذي يسيل منه الدم و (الجَرح) هو المصدر، فإذا أردت الحدث تقول (جَرح) وكذلك الحِمل والحَمل الحمل هو المصدر والحِمل هو ما يُحمل، وكذلك الدُهن (هو الشيء) والدَهن (عملية الدهان) وكذلك (الوَقود) بمعنى الحطب الذي يوضع في النار و (الوُقود) هو الإشتعال. والخيفة يجعلونها إما إسماً مثل الدُهن والجُرح وإما أن تكون الهيئة أي الشي الذي تجده في نفسك. إذن الخفية من الخفاء والخيفة من الخوف.
48 - ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟
فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر. وكذلك قوله تعالى (فإذا جاء أمرنا وفار التنور) سورة هود. إذن الحضورة معناه الشهود والحضور والمجيء معناه الإنتقال من مكان إلى مكان.
ما الفرق الآن من الناحية البيانية بين قوله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً. سورة النساء {18}) () وفي سورة المائدة: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ {106}) وقوله تعالى في سورة البقرة (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133}) وفي سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}) وفي سورة الأنعام (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ {61})
القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير فهم يستعمل كلمة (بررة) للملائكة وكلمة (ابرار) للمؤمنين. وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة وكأن الموت هو من جملة الشهود فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد).
أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت. وكذلك في آية سورة الآنعام. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت.
49 - ما إعراب كلمة العلماء في قوله تعالى (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)؟
الله مفعول به والعلماء هم الفاعل وهم الذين يخشون ربهم وجاء بـ (إنما) للحصر بمعنى أنما الخشية الحقيقية لله تكون من عباده العلماء لأنهم يعرفون قدرته سبحانه ومن علِم خاف (أنا أعلمكم بالله وأتقاكم له) حديث شريف. وخشية العالم ليست كخشية الجاهل.
50 - لماذا جاءت كلة الصابئون مرفوعة في الآية في سورة المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {69})؟
(يُتْبَعُ)
(/)
قاعدة نحوية: العطف على اسم إنّ يجب أن يكون بالنصب ولكن قد يُعطف بالرفع وليس فيه إشكال. وكلمة الصابئون معطوف بالرفع على منصوب ليس فيها إشكال كما في قوله تعالى في سورة التوبة (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ {3}) فهي جائزة من الناحية النحوية والعطف بالرفع على منصوب وارد في النحو لكن يبقى السؤال ما الحكمة في ذلك في القرآن واللغة؟ إنّ تفيد التوكيد وأي كلمة على غير إرادة إنّ يكون التوكيد فيها أقلّ فعندما قال تعالى (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) رسولُهُ تعني أن براءة الرسول من المشركين ليست مستقلّة وإنما هي تابعة لإرادة الله تعالى ولبراءته سبحانه منهم، إذن الرسول يبرأ من ممن تبرّأ منه الله تعالى فبراءة الرسول r إذن لا توازي براءة الله تعالى من المشركين. وكلمة رسولُه بالرفع في الآية تعني ورسولُه كذلك (الواو هنا واو العطف) وبعض النحاة يعتبرها اعتراضية على حمل إسم إنّ قبل أن تدخل عليه إن، وفي كل الحالات فهي تفيد أنها أقلّ توكيداً.
وفي آية سورة المائدة إنّ تفيد التوكيد عندما تذكر أمر مرفوع بمعنى أنه ليس على إرادة التوكيد (الصابئون) ليست على إرادة التوكيد بإنّ. والصابئون معناها غيرمؤكد وعلى غير إرادة إنّ، ولو أراد إنّ لنصب كلمة (الصابئون). إذن لماذا لم ينصب الصابئون؟ لأن من بين المذكورن في الآية الصابئون هم أبعدهم عن الإيمان. إذن فلماذا قدّمهم على النصارى؟ ليس بالضرورة أن يكون التقديم للأفضل ولكن التقديم هنا لمقتضى السياق. فالسياق في سورة المائدة هو ذمّ عقائد النصارى وأنهم كفروا بالله الواحد وجعلوا له شركاء (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ {72} لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73}) ولهذا قدّم الصابئون على النصارى لكن رفعها للدلالة على أنهم (الصابئون) أبعد المذكورين في الضلال ولأنهم أقلّ منزلة، وكأن النصارى أشد حالاً من الصابئين لكن بما أنهم أهل كتاب عطفهم على إسم إنّ بالنصب. وكلمة الصابئون تُعرب على أنها مبتدأ وقد تكون اعتراضية وخبرها محذوف بمعنى (والصابئون كذلك)، أما كلمة النصارى فهي معطوفة على ما قبلها.
لماذا إذن في سورة الحج (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {17}) قال (الصابئين) منصوبة وقدمهم على النصارى؟
السياق في سورة الحج موقف قضاء والله تعالى لا يجوز أن يفصل بين المتخاصمين (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ولا يمكن له سبحانه أن يُفرّق بينهم ما داموا في طور الفصل (لذا جاءت الآسماء كلها منصوبة بإنّ) فالمتخاصمين إذن يجب أن يكونوا سواء أمام القاضي.
والعجيب في هذا قوله تعالى (إن الله يفصل بينكم) وفي آية أخرى في سورة السجدة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {25}) لأنه هنا ربنا سبحانه وتعالى حعل الذين آمنوا من جملة المتخاصمين فلم يقل (ربك) حتى لا ينحاز للمؤمنين وإنما جاء بالإسم الأعمّ وهو (الله). وفي آية سورة السجدة جاء قبلها (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {23} وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
(يُتْبَعُ)
(/)
وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24}) ليس فيهم جماعة من جماعة المؤمنين والإختيار هنا ليس للقضاء فقط وإنما هناك أمر آخر وهو السِمة اللفظية، فكلمة (ربك) وردت في سورة الحج ثلاث مرات ووردت في السجدة عشر مرات، وكلمة (الله) وردت 76 مرة في سورة الحج ومرة واحدة في سورة السجدة لذا اقتضى أن يأتي بكلمة (ربك) في سورة السجدة وكلمة (الله) في سورة الحج.
حتى أنه في آية سورة الحج لم يأت بـ (هو) (إن الله يفصل بينكم) وجاء بها في آية سورة السجدة (إن ربك هو يفصل بينهم) لأن خاتمة آية سورة السجدة (فيما كانوا فيه يختلفون) وخاتمة آية سورة الحج (إن الله على كل سيء شهيد) والإختلاف هو مظنّة الفصل لذا جاء بـ (هو) في آية سورة السجدة ولا يوجد اختلاف في آية سورة الحج.
والتقديم في القرآن الكريم وفي اللغة لا يفيد التفضيل دائماً كما في قوله تعالى في سورة (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40}) مساجد هي أفضل المذكور في الآية لكن أحياناً يُقدّم ما هو أقل تفضيلاً لأن سياق الآيات يقتضي ذلك، وكذلك نرى في ذكر موسى وهارون في القرآن فأحياناً يُقدّم موسى على هارون وأحياناً هارون على موسى وهذا يكون بحسب سياق الآيات.
51 - ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (لله) بدل (الله) في قوله قوله تعالى (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ {87}) في الجواب على الآية في سورة المؤمنون (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86} ُ)؟
وفي آية أخرى في سورة الرعد جاءت الآيات (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16}).
من حيث اللغة لو سألنا من صاحب هذه الدار؟ يكون الجواب لفلان أو فلان. فهي من حيث اللغة جائزة أن نقول الله أو لله. أما لماذا اختار الله تعالى (الله) مرة و (لله) مرة؟ لأن السياق في آية المؤمنون كان في السؤال عن الملكية (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) وقوله في نفس السورة أيضاً (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {88} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ {89}) إذن السؤال عن الملكية فيكون الجواب (لله) ولأن السياق كله في الملكية جاء بلام الملكية.
أما في آية سورة الرعد (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ {16}). فالسياق في مقام التوحيد وليس في مقام الملكية وإنما عن الذات الواحدة لذا جاء الجواب (الله).
52 - ما دلالة كلمة أنزل في قوله تعالى (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ {6})؟
أنزل في هذه الآية بمعنى خلق.
(يُتْبَعُ)
(/)
53 - ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (إناثاً) منكّرة ومقدمة على كلمة (الذكور) في سورة الشورى؟
قال تعالى في سورة الشورى (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ {49} أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {50}). سورة الشورى عموماً هي في مستكرهات الأمور أي فيما يشاؤه الله تعالى لا ما يشاؤه الإنسان (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {30}) وقوله تعالى: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {43}) وكذلك قوله تعالى: (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ {48}) (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {36}). وعند العرب الإناث مما يُستكره من الأمور كما في قوله تعالى (وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى) وقوله تعالى (ويجعلون لله البنات ولهم ما يشتهون). إذن تنكير الإناث ةتقديمهم على الذكور جاء للأسباب التالية:
1. الله سبحانه يهب ما يشاء هو لا ما يشاء الناس
2. التقديم فيه أمر آخر وهو أن الإحسان إليهن ستر من النار
3. التقديم له دلالة أخرى وهي أن الإناث ألصق بالأبّ من الذكور، فالذكر تنتهي رعايته عند البلوغ إنما البنت فلا بد من وجود قيّم عليها من الذكور (أبوها أو أخوها هي في بيت أهلها ثم زوجها بعد أن تتزوج)
4. تعريف الذكور تنكير الإناث: هناك قاعدة عامة عند العرب سجّلها أهل اللغة مفادها أن العرب لا يذكرون أسماء الإناث وينكّرونها عن التحدث فنسأل (كيف الأهل؟ ولا نقول كيف أختك فلانة أو ابنتك فلانة) أي لا يُصرّح باسم الإناث. لأن العرب يصونون بناتهم وإناثهم عن الذكر بخلاف الذكور حتى في الغرب ينسبون المرأة إلى زوجها.
5. والذكور من المعارف وإناث من التنكير (جاري بحسب طبيعة العرب صوناً للإناث) وليس من باب الحظوة أو تفضيل الذكور على الإنسان كما يفهمها البعض. وقد قال الشاعر:
وما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخرٌ للهلال.
أما استخدام كلمة (ذكرانا) في قوله تعالى (ويزوجهم ذكراناً وإناثا) كما في قوله تعالى (أتأتون الذكران من العالمين) فهي تفيد التخصيص وكلمة الذكور هي أعمّ وأشمل.
54 - ما اللمسة البيانية في استخدام فعل (سُيّرت) وفعل (نُسفت) في وصف الجبال في القرآن الكريم؟
قال تعالى في سورة التكوير (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ {3}) وقال في سورة المرسلات (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ {10}) والفرق بين النسف والتسيير أن النسف قد يكون له معنيان إما الإقتلاع والإزالة وإما التذرية في الهواء كما جاء في قصة السامري في سورة طه (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً {97}). والنسف والتسيير هي مشاهد من مشاهد يوم القيامة كالدكّ والنصب وغيرها فهي إذن تتابعات مشاهد يوم القيامة فتكون الجبال كالعهن المنفوض ثم يأتي النسف والتذرية في النهاية.
55 - ما دلالة كلمة الأيمن في قوله تعالى في سورة مريم (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً {52})؟
الأيمن في هذه الآية هي صفة للجانب وليس للطور أي معرّفة بالإضافة ويدل على ذلك قوله تعالى (وواعدناه جانب الطور).
56 - ما دلالة (إلا) في قوله تعالى في سورة المؤمنون (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ {22})؟
إلا هنا بمعنى غير وهي ليست إلا الإستثنائية وإنما هي صفة بمعنى غير.
(يُتْبَعُ)
(/)
57 - ما دلالة كلمة (أهلك) في قوله تعالى في سورة هود (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40})؟
أهلك هنا إسم أو فعل؟ الحكم القاطع هو إسم بمعنى الأهل وهناك مرجحات وهناك ما يقطع مبدئياً من الترجيح فالآية تشير أن الهلاك لم يحصل بعد لأنهم لم يركبوا. فالركوب لم يحصل ولم يحصل الهلاك فلا يصح أن تعتبر كلمة (أهلك) بمعنى الإهلاك. والأمر الآخر أنه لو كان (أهلك) فعل بمعنى الهلاك عادة يكون الإستثناء مفرّقاً والإستثناء المفرّق لا يكون إلا مسبوقاً بنفي أو ما يشبه النفي. (أهلك إلا من سبق عليه القول) مفرّق وليس مسبوقاً بنفي وهذا ما يُضعّف أن يكون أهلك بمعنى فعل الإهلاك.
أما الآية (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) في سورة المؤمنون فالضمير يعود على الأهل إذن نستدلّ من هذه الآية أن المقصود هو الأهل وليس فعل الإهلاك وهذه كلها مرجّحات. أما ما يقطع بأن المقصود هم الأهل فهو أنه لو كان أهلك فعل ماضي سيكون الناجون قسمين الأول (من سبق عليه القول) والثاني (من آمن) إذن من سبق عليه القول غير من آمن إذن فالناجون اثنين المؤمنون ومن سبق عليه القول وهؤلاء ليسوا مؤمنين لكن في الواقع أن الناجين هم المؤمنون فقط لذا فلا يمكن ولا يصح أن تكون النجاة لغير المؤمنين.
وهناك سؤال فني آخر: استدللنا بما في سورة المؤمنون (وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم) وفي آية سورة هود لم ترد منهم. وقد سبق القول عليه بالهلاك والعذاب. المقصود بقوله تعالى (المجيء على) تعني العذاب كما في قوله تعالى (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا) اللام تفيد الخير. والأهل هم من المؤمنين من آمن منهم ومن آمن من غير الأهل هم الناجون.
ولماذا قال تعالى في آية هود (احمل) (حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ {40}) وفي سورة المؤمنون (فاسلك) (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ {27}) فما المقصود بالسلوك؟ سلك هو النفاذ في الطريق كما قال تعالى (فاسلكي سبل ربك) سورة النحل وقد يأتي فيها معنى الدخول (ما سلككم في سقر) أما الحمل فيكون بعد السلوك أولاً يدخل السفينة ثم يحمل بعد دخوله. في سورة هود ذكر ما دلّ على الحمل لأن الحمل جاري في السفينة (حمل السفينة للأشخاص) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها وهي تجري بهم بمعنى تحملهم (يا نوح اهبط بسلام) إذن سورة هود فيها حمل. بينما في سورة المؤمنون لم يذكر الحمل أو صورة الحمل (وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين).
والقول (من سبق عليه القول) أعمّ من القول (من سبق عليه القول منهم) فسورة هود مبنية على العموم وليس على الخصوص (إلا من سبق عليه القول ومن آمن) فلم يذكر تعالى من آمن أي هي أعمّ، وكذلك الآيات (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين) (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) (يا أرض ابلعي ماءك) (بُعداً للقوم الظالمين) (قيل يا نوح اهبط بسلاممنا وأمم ممن معك وأمم سنمتّعهم) أما في سورة المؤمنون فالسياق في التخصيص فذكر تعالى السلام والبركات في سورة هود وهذا دليل العموم، وفي سورة المؤمنون لم يذكر السلام والبركات وإنما خصص كما في الآية (أنزلني منزلاً مباركاً)، ولهذا ذكر (منهم) و (اسلك) في سورة المؤمنون ولم يذكرهما في سورة هود.
(يُتْبَعُ)
(/)
58 - ما دلالة كلمة (ظنّ) في قوله تعالى في سورة يوسف (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ {42})؟
الظنّ هو أعلى درجات العلم وهو الشعور في الذهن الذي يصل إلى أعلى درجات العلم وهذا الظنّ الذي يصل إلى درجة التوكيد كما قال تعالى في سورة الحاقّة (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ {20}) وكذلك في قوله تعالى في سورة البقرة (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249}).
59 - ما دلالة كلمة نهَربفتح الهاء وكلمة مقتدر في قوله تعالى في سورة القمر (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ {54} فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ {55})؟
النهَر بالفتح هي من السعة في العيش والرزق وما تقتضيه السعادة وهي من الضياء ومقتطعة من كلمة (نهار) لأن الجنّة ليس فيها ظلمة ولا ليل. ونهر بمعنى مجرى الماء (فيها أنهار من ماء) و (تجري من تحتها الأنهار).
وفي قوله تعالى (في جنّات ونهَر) بمعنى أنهار وسعة وضياء وهذا ما يسمى التوسع بالمعنى
وفي قوله تعالى في سورة محمد (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ {15}) لم ترد كلمة تجري للأنهار لأن الماء الآسن لا يكون إلا بركود الماء فلم يتطلب السياق ذكر كلمة تجري، أما في قوله تعالى (تجري من تحتها الأنهار) لم يكن هناك من داع لتحديد غير آسن لأنه جاء وصف الأنهار بالجريان الأمر الذي لا يؤدي إلى أن تأسن الماء.
أما قوله تعالى (في مقعد صدق) هذه هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم كله التي وردت في وصف الجنة بهذا التعبير (في مقعد صدق). ودلالة مقعد صدق أن المقاعد الأخرى كلها كاذبة وهذا هو المقام الوحيد الصدق لأنها إما أن تزول بزوال القعيد أو الملك وهذا المقعد الوحيد الذي لا يزول. وقد يأتي الصدق في معنى الجودة فيقال نسيج صدق بمعنى مقعد الخير ولا أفضل منه.
فما هي دلالة كلمة (مقعد) ولماذا لم يستعمل كلمة (مقام)؟ لأن الأكرم هو القعود وهو يدل على الإنتهاء من القيام والراحة. وقد ورد في القرآن الكريم مقام آمين كلها ذكر مقام الربّ يذكر الخوف (ولمن خاف مقام ربه جنتان) فكلمة مقام تعني معه الخوف، فمن خاف المقام يؤمن كما انهم خافوا مقام ربهم في الدنيا أمنّهم في الآخرة. في جنات ونهَر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
واستعمل كلمة مليك من الملك وهو الحكم ولم يقل مالك من التملك والملِك ليس مالكاً. الله تعالى جمع لنفسه المتملك والملك (قل اللهم مالك الملك). الفرق بين مليك وملك: هذه الآية الوحيدة التي وردت فيها كلمة مليك في القرآن المَلَك على صيغة فَعَل اما مليك على صفة فعيل. وصيغة فعل تختلف عن صيغة فعيل بالدلالة فصيغة فعل تدل على الأعراض وتدلّ على الأشياء الطارئة مثال: صبرة، رجل غمَش، أما فعيل فتدل على الثبوت مثل جميل وصغير وقصير وهي صفة مشبهة أي صفات ثابتة أو تدل على التحول إلى الثبوت فلا يُسمّى الخطيب خطيباً من أول خطبة بل بعد عدة خطب. كما يقال فَقِه المسألة فهو فقِه ويقال فَقُه الرجل أي صار فقيهاً، وكذلك نقول عَسَر الأمر فهو عَسِر وعسُر الأمر فهو عسير. وبما أن المقعد في الآية (في مقعد صدق) ورد في مقام الإستمرارية وجب قول مليك مقتدر (عند مليك مقتدر)
واستخدام كلمة كلمة مقتدر تفيد المبالغة في القدرة وتماشت مع سياق الآية لأنها تشمل مبالغة في الوصف والجزاء والطاعة والأجر والسعة ولذا اقتضى المبالغة في القدرة.
ما دلالة كلمة ميسرة في قوله تعالى في سورة البقرة (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {280})؟
(يُتْبَعُ)
(/)
اليسار هو الغنى المؤقت كالفقير إذا جاءه مال فعليه أن يؤدي دينه وهذا يفسّر أن يُنظر المعسر حتى يزول عذره. وقد يكون الفقير موسراً بين ساعة وساعة ولا يصبح غنياً بين ساعة وساعة وقولنا ذو سعة بمعنى موسّع عليه.
60 - ما الفرق من الناحية البيانية بين (جاءهم البيّنات) و (جاءتهم البيّنات) في القرآن الكريم؟
هناك حكم نحوي مفاده أنه يجوز أن يأتي الفعل مذكراً والفاعل مؤنثاً. وكلمة البيّنات ليست مؤنث حقيقي لذا يجوز تذكيرها وتأنيثها. والسؤال ليس عن جواز تذكير وتأنيث البيّنات لأن هذا جائز كما قلنا لكن السؤال لماذا؟ لماذا جاء بالاستعمال فعل المذكر (جاءهم البيّنات) مع العلم أنه استعملت في غير مكان بالمؤنث (جاءتهم البيّنات)؟
جاءتهم البيّنات بالتأنيث: يؤنّث الفعل مع البيّنات إذا كانت الآيات تدلّ على النبوءات فأينما وقعت بهذا المعنى يأتي الفعل مؤنثاً كما في قوله تعالى في سورة البقرة (فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {209}) والآية (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {213}) و (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {253})، وقوله في سورة النساء (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً {153}).
أما جاءهم البيّنات بالتذكير: فالبيّنات هنا تأتي بمعنى الأمر والنهي وحيثما وردت كلمة البيّنات بهذا المعنى من الأمر والنهي يُذكّر الفعل كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {86}) و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {105}) وفي سورة غافر (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {66}).
61 - ما الفرق بين كلمة ريح ورياح في القرآن الكريم؟
كلمة ريح في القرآن الكريم تستعمل للشّر كما في قوله تعالى في سورة آل عمران (مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {117}) وفي سورة فصّلت (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ {16}) وفي سورة القمر (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ {19}) وسورة الحجّ (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ
(يُتْبَعُ)
(/)
بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ {31}) وسورة الإسراء (أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً {69}).
أما كلمة الرياح فهي تستعمل في القرآن الكريم للخير كالرياح المبشّرات كما في قوله تعالى في سورة البقرة (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {164}) وفي سورة الأعراف (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {57}) وسورة الحجر (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ {22}) وسورة الجاثية (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {5}) وسورة النمل (أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {63}).
وفي سورة سبأ (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ {12}) استعملت كلمة ريح مع سليمان لكنها لم تُخصص لشيء فجاءت عامة قد تكون للخير أو للشر لأن الله سخّرها لسليمان يتصرف بها كيف يشاء.
62 - ما الفرق بين (ثُمّ) و (ثَمّ) في القرآن الكريم؟
ثُمّ بضمّ الثاء هي حرف عطف تفيد الترتيب والتراخي كما في قوله تعالى في سورة البقرة (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {28}) وسورة الكهف (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً {37}).
أما (ثَمّ) بفتح الثاء فهي إسم ظرف بمعنى هناك كما في قوله تعالى في سورة الشعراء (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ {64}).
63 - ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة؟
قال تعالى في سورة البقرة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {48}) وقال في نفس السورة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {123}).جاءت الآية الأولى بتذكير فعل (يقبل) مع الشفاعة بينما جاء الفعل (تنفعها) مؤنثاً مع كلمة الشفاعة نفسها. الحقيقة أن الفعل (يقبل) لم يُذكّر مع الشفاعة إلا في الآية 123 من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع بمعنى أنه لن يُقبل ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة. أما في الآية الثانية فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفع وليس الكلام عن الشفيع. وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القرآن الكريم في آيات أخرى منها في سورة يس (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ {23}) وسورة النجم (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى {26}).
وفي لغة العرب يجوز تذكير وتأنيث الفعل فإذا كان المعنى مؤنّث يستعمل الفعل مؤنثاً وإذا كان المعنى مذكّراً يُستعمل الفعل مذكّراً، والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {11}) وسورة يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً، أما في قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) سوة القصص (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {37}) فجاء الفعل مؤنثاً لأن المقصود هو الجنّة نفسها.
فارس العربية الخـ زيد ــــــــــــيل(/)
لمسات بيانية فى سورة البقرة 2
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 05:40 م]ـ
:::
64 - ما اللمسة البيانية في استخدام (الذي) مرة ومرة (التي) مع عذاب النار؟
في سورة السجدة (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ {20}) الخطاب في السورة موجّه للفاسقين و (الذي) يشير إلى العذاب نفسه. أما في سورة سبأ (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ {42} فالخطاب في هذه السورة موجّه إلى الكافرين و (التي) مقصود بها النار نفسها. فالفاسق يمكن أن يكون مؤمناً ويمكن أن يكون كافراُ فهو لا يُكذّب بالنار إنما يُكذّب بالعذاب أما الكافرون فهم يُكذّبون بالنار أصلاً ولا ينكرون العذاب فقط وإنما يُنكرون النار أصلاً.
65 - ما اللمسة البيانية في كلمة (ويتّقهِ) بتسكين القاف؟
في سورة النور (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {52}) جاءت كلمة (وَيَتَّقْهِ) بتسكين القاف والقياس أنه يجب أن تكون بالكسرة (ويتّقِهِ) فالتسكين يخفف القاف فلماذا؟ لا نجد في القرآن الكريم فعل بالمواصفات الآتية:
فعل متصل بضمير الغيبة (الهاء) فيه حركة + حرف مكسور + ضمير الغيبة (الهاء) مكسور.
وإنما جاء ت الأفعال التالية في القرآن نحشُرُه بالضمّ، وقتَلَهُ بالفتح، ونُصلِهَ بالكسر، واقتدِه.
وجاءت كلمة (وَيَتَّقْهِ) بالتسكين لتخفيفها وتخفيف النطق بها بدل القول (يتّقِهِ) لأنه لم يرد في القرآن فعل بهذه الحركات مجتمعة.
66 - ما الفرق بين كلمتي (سنبلات) و (سنابل) في القرآن الكريم وكلاهما جمع؟
سنابل جمع كثرة وقد استخدمت هذه الكلمة في سورة البقرة (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {261}) والحديث في السورة عن مضاغفة ثواب المنفق في سبيل الله لذا ناسب السياق أن يُؤتى بجمع الكثرة (سنابل)
أما كلمة سنبلات كما وردت في سورة يوسف (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ {43})، فهي تدلّ على جمع قَلّة والسياق في سورة يوسف في المنام وما رآه الملك فناسب أن يُؤتى بجمع القلة (سنبلات).
67 - ما دلالة القسم بحرف التاء في القرآن الكريم؟
التاء حرف قسم مثل الواو لكن التاء تكون مختصّة بلفظ الجلالة (الله) وتستعمل للتعظيم وقد وردت في القرآن الكريم خمس مرات ثلاثة في سورة يوسف (قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ {73} قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85} قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ {91}) ومرتين في سورة النحل (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ {56} تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {63}). أما الواو فهي عادة تستخدم مع غير لفظ الجلالة مثل الفجر والضحى والليل والشمس وغسرها مما يقسم الله تعالى به في القرآن الكريم. والتاء في أصلها اللغوي مُبدلةٌ من الواو.
68 - ما دلالة كلمة (الحيوان) في التعبير عن الدار الآخرة في سورة العنكبوت؟
(يُتْبَعُ)
(/)
قال تعالى في سورة العنكبوت (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {64}). الحيوان مصدر على وزن فعلان مثل غثيان وفيضان ودوران وغليان. والحيوان صيغة في المصادر تدلّ على الحركة المستمرة والحدوث وهي أعلى أنواع الحياة لأن من أهم صفات الحياة الحركة، فالحياة الدنيا عبارة عن نوم وسُبات بالنسبة للآخرة وهي ليست حياة إذا ما قورنت بالآخرة من حيث الحركة المستمرة. والآخرة كلها حركة وفيها سعي وتفكر وانتقال وليس فيها نوم. ولو استعملت كلمة الحياة لدلّت على التقلب فقط ولم تدل على الحركة والحدوث فناسب استعمال كلمة الحيوان مع الحركة والحدوث الذي يكون في الآخرة.
69 - لماذا استعملت (من) مع الجنات في القرآن كله (جنات تجري من تحتها الأنهار) إلا في آية سورة التوبة جاءت جنات بدون (من)؟
قال تعالى في سورة النور (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {100}). ومعنى جنات تجري تحتها الأنهار دلالة على أن بداية الجريان ليس من تحتها وهي منزلة أقل لأن هذه الآية جاءت في ذكر السابقون الأولون ولم يُذكر معهم الأنبياء أبداً، وقد جاءت على هذه الصيغة في آية واحدة فقط في القرآن كله وهي هذه الآية في سورة النور. أما في باقي الآيات التي وردت فيها (جنات تجري من تحتها الأنهار) فالمؤمنون ذُكروا مع الأنبياء وهي دلالة على أن بداية الجريان من تحت هذه الجنات وهذه منزلة أكبر لأن بين أهل هذه الجنات أنبياء الله تعالى وهو الأعلى منزلة.
70 - ما دلالة كلمة يوم في قوله تعالى في سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {4})؟
مقدار يوم القيامة كما في الآية هو خمسين ألف سنة حسب ما جاء في كتب التفسير وهذا اليوم يُخفف على المؤمن حتى يكون بمقدار صلاة مكتوبة.
71 - ما دلالة كلمة قلب في القرآن الكريم؟
القلب عند بعض المفسرين هو العقل وقسم قال ليس العقل بدليل قوله تعالى (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). وقد استعمل الله تعالى كلمتي العقل والحجر في القرآن الكريم، لكن ليس المقصود بالقلب المضغة الموجودة في الصدر إنما المقصود أمر آخر أمر روحي بدليل أن القلب هو أمر روحاني غيبي. العقل يأخذ حُكماً ولا يعمل به فإيمان العقل بارد أحياناً أما القلب فهو الذي يحمل الإنسان على العمل بما يؤمن به والقلب من هذه الناحية أهمّ.
72 - ما اللمسة البيانية في اسخدام المفرد مرة والجمع مرة أخرى في الآية (إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً {23})؟
آية سورة الجن (إِلَّا بَلَاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً {23}) (من) لها لفظ ومعنى ويُعبّر عنها بالواحد أو الجمع، يقال جاء من حضر (اللفظ مفرد مذكر وحقيقتها مفرد أو مثنى أو جمع)
هناك قاعدة نحوية تقول: في كلام العرب يراعى المفرد أولاً ثم الجمع كما في قوله تعالى (ومن الناس من يقول آمنا ... وما هم بمؤمنين) وقوله (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا) وقوله (ألا في الفتنة سقطوا) وليس غريباً هذا الإستخدام في اللغة.
(من) في اللغة تستعمل للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث وعادة نبدأ لفظها أولاً على حالة الإفراد والتذكير ثم نحملها على معناها وهذا هو الأفصح عند العرب. كما في قوله تعالى (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً) نأتي بالإفراد والتذكير أولاً ثم يؤتى بما يدل على المعنى من تأنيث أو جمع أو تثنية.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد جاء في القرآن الكريم استخدام خالداً كما في سورة النساء (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ {14}) وفي سورة التوبة (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ {63}) وجاءت في سورة الجن (خالدين) والسبب أن الله تعالى لم يقل (خالدين فيها) في النار مرة واحدة إنما قال (خالداً فيها) أما في الجنة فيقول دائماً خالدين فيها. ولأن الله تعالى أراد أن يُعذّب أهل النار بالنار وبالوحدة لأن الوحدة هي بحد ذاتها عذاب أيضاً بينما في الجنّة هناك اجتماع (خالدين، متكئين، ينظرون، يُسقون).
73 - ما سبب التذكير مرة والتأنيث مرة مع الملائكة في القرآن الكريم؟
قال تعالى في سورة ص (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {73}) وجاءت الملائكة هنا بالتذكير، وفي سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ {39}) جاءت الملائكة بالتأنيث.
الحكم النحوي: يمكن أن يؤنّث الفعل أو يُذكّر إذا كان الجمع جمع تكسير كما في قوله تعالى (قالت الأعراب آمنا) و (قالت نسوة في المدينة) فيجوز التذكير والتأنيث من حيث الحكم النحوي.
اللمسة البيانية: أما لماذا اختار الله تعالى التأنيث في موطن والتذكير في موطن آخر فهو لأن في الآيات خطوط تعبيرية هي التي تحدد تأنيث وتذكير الفعل مع الملائكة. وهذه الخطوط هي:
1. في القرآن الكريم كله كل فعل أمر يصدر إلى الملائكة يكون بالتذكير (اسجدوا، أنبئوني، فقعوا له ساجدين)
2. كل فعل يقع بعد ذكر الملائكة يأتي بالتذكير أيضاً كما في قوله تعالى (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) و (الملائكة يشهدون) (الملائكة يسبحون بحمد ربهم)
3. كل وصف إسمي للملائكة يأتي بالتذكير (الملائكة المقرّبون) (الملائكة باسطوا أيديهم) (مسوّمين، مردفين، منزلين)
4. كل فعل عبادة يأتي بالتذكير (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) (لا يعصون الله ما أمرهم) لأن المذكر في العبادة أكمل من عبادة الأنثى ولذلك جاء الرسل كلهم رجالاً.
5. كل أمر فيه شِدّة وقوة حتى لو كان عذابين أحدهما أشدّ من الآخر فالأشدّ يأتي بالتذكير (ولو ترى إذا يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) (يتوفى) جاءت بالتذكير لأن العذاب أشد (وذوقوا عذاب الحريق) أما في قوله تعالى (فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) (تتوفاهم) جاءت بالتأنيث لأن العذاب أخفّ من الآية السابقة. وكذلك في قوله تعالى (ونزّل الملائكة تنزيلا) بالتذكير وقوله تعالى (تتنزّل عليهم الملائكة) بالتأنيث وقوله (تنزل الملائكة والروح فيها من كل أمر) بالتأنيث.
6. لم تأت بشرى بصيغة التذكير أبداً في القرآن الكريم فكل بشارة في القرآن الكريم تأتي بصيغة التأنيث كما في قوله تعالى (فنادته الملائكة) و (قالت الملائكة)
74 - ما اللمسة اليانية في استخدام فعل (يخرج) مرة والإسم (مخرج) في مرة أخرى في قوله تعالى في سورة الأنعام (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {95})؟
قاعدة نحوية: الإسم يدل على الثبوت والفعل يدل على الحدوث والتجدد. وهذه الآية تدخل في هذه القاعدة.
أبرز صفات الحيّ الحركة والتجديد (من الحياة) وقد قال تعالى مع الحيّ (يُخرج الحي من الميت) جاء بالصيغة الفعلية التي تدل على الحركة. ومن صفات الميّت هو السكون لذا جاء بالصيغة الإسمية مع ما تقتضيه من السكون.
وكذلك في قوله تعالى في سورة الأنعام أيضاً (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {96}) فالليل فيه السكون والهدوء فجاءت معه الصيغة الفعلية (جعل الليل سكناً) والإصباح يدلّ على الحركة والحياة فجاء بالصيغة الإسمية (فالق)
(يُتْبَعُ)
(/)
وكلمة (يُخرج) لا تأتي دائماً مع الحركة وإنما تأتي حسب سياق الآيات كما في سورة آل عمران (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {27}) لأن سياق الآيات كلها في التغييرات والتبديلات أصلاً (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {26}) وهذا ما يُعرف بمطابقة الكلام لمقتضى الحال.
75 - ما الفرق من الناحية البيانية بين (أنزلنا إليك) و (أنزلنا عليك)؟
هناك أمران يحددان استعمال إلى أو على:
1. (إلى) لم تستعمل في القرآن الكريم إلا مع العاقل (وأنزلنا إليك الكتاب) أما (على) فهي استعملت للعاقل وغير العاقل (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) و (الأرض أنزلنا عليها الماء).
2. على قد تستعمل في العقوبات (فأنزلنا عليهم رجزاً من السماء) وقوله تعالى (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين.
76 - لماذا حذفت الهمزة من (باسم) وتكتب (بسم)؟
حذفت الهمزة في كلمة (بإسم) للوصل فأصبحت تكتب وتلفظ بسم كما في بسم الله الرحمن الرحيم.
77 - ما اللمسة البيانية في استخدام كلمة (زوجك) بدل زوجتك في قوله تعالى (اسكن أنت وزوجك الجنة)؟
لغوياً الأصل هو كلمة زوج وفي اللغة الضعيفة تستعمل زوجة. ففي اللغة يقال المرأة زوج الرجل والرجل زوج المرأة. أما استخدام كلمة زوجة فهي لغة ضعيفة رديئة فالأولى والأصح أن تستخدم كلمة زوج ولذا استخدمها القرآن الكريم في الآية.
78 - ما اللمسة البيانية في استعمال كلمة (سلام) و (السلام) في سورة مريم في قصتي يحيى u وعيسى u؟
قال تعالى في سورة مريم في قصة يحيى u ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً {15})، أما في قصة عيسى u فقال تعالى (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً {33}) السلام معرفة وسلام نكرة والنكرة عادة تدل على الشمول والعموم والمعرفة تدل على الإختصاص. فكلمة سلام أعمّ من السلام ولذلك تحية أهل الجنة هي (سلام) وهي كلها جاءت بالتنكير وتدل على السلام العام الشامل (سلام عليكم) (تحيتهم يوم يلقونه سلام) وتحية أهل الجنة سلام وتحية الله تعالى لعباده سلام (سلام على موسى وهارون) ولم يحيي الله تعالى عباده المرسلين بالتعريف أبداً وجاء كله بالتنكير سواء في الجنة أو لعباده وتحية سيدنا يحيى u هي من الله تعالى لذا جاءت بالتنكير (سلام عليه) أما تحية عيسى u فهي من نفسه فجاءت بالمعرفة (والسلام عليّ). وهناك أمر آخر هو أن تحية الله تعالى أعمّ وأشمل وعيسى u لم يحيي نفسه بالتنكير تأدباً أمام الله تعالى فحيّى نفسه بالسلام المعرّف.
79 - ما سبب استخدام المفرد والجمع في قوله تعالى في سورة البقرة (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ {17})؟
1. من الممكن ضرب المثل للجماعة بالمفرد كما في قوله تعالى (لا تكونوا كالتي نقضت غزلها ... تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم)
2. (الذي) تستعمل للفريق وليس للواحد فالمقصود بالذي في الآية ليس الشخص إنما هي تدل على الفريق ويقال عادة الفريق الذي فعل كذا ولا يقال (الفريق الذين).
3. يمكن الإخبار عن الفريق بالمفرد والجمع (فريقان يختصمون)
4. الذي نفسها يمكن أن تستعمل للمفرد والجمع. كما جاء في الشعر العربي:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
80 - ما اللمسة البيانية في تقديم شبه الجملة (عليها زكريا) في قوله تعالى في سورة آل عمران (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {37})؟
(يُتْبَعُ)
(/)
قاعدة نحوية: يقول سيبويه في التقديم والتأخير: يقدمون الذي هو أهمّ لهم وهم أعنى به.
والتقديم والتأخير في القرآن الكريم يقرره سياق الآيات فقد يتقدم المفضول وقد يتقدم الفاضل. والكلام في الآية في سورة آل عمران والآيات التي سبقتها في مريم عليها السلام وليس في زكريا ولا في المحراب لذا قدّم عليها لأن الكلام كله عن مريم عليها السلام.
وكذلك قوله تعالى في الكلام عن بني إسرائيل والطور في سورة الأعراف (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {171}) قدّم الجبل على بني إسرائيل. أما في آية أخرى في سورة البقرة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {63}) أخّر الطور لأن سياق الآيات في السورة هو في الكلام عن بني إسرائيل وليس في الطور نفسه.
81 - ما اللمسة البيانية في قوله تعالى في سورة البقرة (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)؟
في هذه الآية تقدّم جواب الشرط على فعل الشرط ومعناه أن الله تعالى يجيب دعاء العبد حتى قبل أن يبدأ بالدعاء. وفي الآية لفتة أخرى أنه في سياق القرآن كله عندما تأتي الآية فيها وإذا سألك أو يسألونك يأتي الردّ من الله تعالى لرسوله (قل) إلا في هذه الآية فقد جاء الردّ مباشرة من الله تعالى لعباده في خطاب مباشر ليس بين الله تعالى وعباده أي وسيط حتى لو كان الرسول الكريم r. فما على العبد إلا الدعاء والله تعالى يجيب دعاء عباده فسبحانه وتعالى.
82 - ما حكم كتابة إذن وإذاً في القرآن الكريم؟
إذن كما قال النحاة هي حرف جواب وجزاء أي شرط. وفي النحو باب الجزاء يعني باب الشرط؟ كأن نقول (سأزورك فيأتي الجواب: إذن أُكرمك) الإكرام يكون مشترطاً بالزيارة.
وأحياناً تكون إذن حرف جواب كأن نقول: قال أحبك، فيردّ: إذن أنت صادق.
وقد جاء في قوله تعالى (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ {91}) إذاً هنا جواب شرط. وكذلك في قوله تعالى (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {41} قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {42}) جاء بـ (إذاً) هنا شرط الغلبة أي أن الأجر سيكون لهم إذا غلبوا موسى بسحرهم.
وإذن وإذاً تكتب بأي طريقة وقد كتبت في المصحف:
1. بالألف مطلقاً لأنه يوقف عليها بالألف (إذا) وليس بالتنوين (إذاً)
2. لم ترسم في المصحف بالنون أبداً
3. قسم ذهب لأنه إذا نصبت المضارع رسمت بالألف لأنها عند ذلك لا تلتبس بـ (إذا) وإن لم تنصب المضارع رسمت بالنون.
4. تكتب بالنون دائماً فيما عدا المصحف
5. لنا أن نكتبها كما نشاء بالألف أو النون.
83 - ما اللمسة البيانية في حذف نون (تكن) في قوله تعالى (ولا تك في ضيق مما يمكرون)؟
الحكم النحوي: جواز الحذف إذا كان الفعل مجزوماً بالسكون ولم يليه ساكن أو ضمير متصل. متى ما كان الفعل (كان) مجزوماً ويليه حرف متحرك ليس ساكناً على أن لا يكون ضميراً متصلاً يجوز فيه الحذف (يمكن القول لم يكن ولم يك) فتحذف النون تخفيفاً.
إما إذا كان ما بعده ساكناً فلا يجوز الحذف (لم يكن الرجل) لا يمكن القول لم يك الرجل.
ولا يجوز الحذف أيضاً لو كان ضمير متصل (لم يكن هو) لا يجوز قول لم يك هو.
إذن من حيث الحكم النحوي يجوز حذف النون أما السبب البياني: على العموم سواء في (يكن) أو في غيرها من الحذوف (تفرّق وتتفرق) (اسطاعوا واستطاعوا) (تنزّل وتتنزّل) في القرآن الكريم يوجد حذوف كثيرة يجمعها أمرين: هل هي في مقام إيجاز وتفصيل أو هل الفعل مكتمل أو غير مكتمل. عندما يأتي بالصيغة كاملة يكون الحذف أتمّ. إذا كان الشيء مكتملاً لا يُقتطع منه وإذا كان غير مكتمل يُقتطع منه.
(يُتْبَعُ)
(/)
والآن نستعرض مثالين وردا في القرآن الكريم الأول في سورة النحل (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127}) والثاني في سورة النمل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ {69} وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {70})
آية سورة النحل نزلت على الرسول r بعدما مثّل المشركون بحمزة عمّ الرسول في غزوة أُحُد فحزن الرسول r عليه حزناً شديداً وقال لأمثّلن بسبعين رجلاً من المشركين فنزلت الآية تطلب من الرسول r أن يعاقب بمثل ما عوقب به وأراد أن يُذهب الحزن من قلبه ولا يبقى فيه من الحزن شيء، وقوله تعالى (ولا تك في ضيق) بمعنى احذف الضيق من نفسك ولا تبقي شيئاً منه أبدا أي أن المطلوب ليس فقط عدم الحزن لكن مسح ونفي أي شيء من الحزن يمكن أن يكون في قلب الرسول r فحذفت النون من الفعل. أما في آية سورة النمل فالآيات في دعوة الناس للسير في الأرض والتفكّر والمقام ليس مقام تصبير هنا فجاء الفعل مكتملاً (ولا تكن في ضيق).
ومن الأمثلة الأخرى على حذف أو عدم حذف النون في فعل (تكن) قوله تعالى في سورة القيامة (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى {37}) حذفت النون هنا لأن النطفة هي من الذكر وهي غير مكتملة بعد وغير مخصّبة وهي لا تكتمل إلا بعد لقاح البويضة إذن حال النطفة الآن غير مكتمل فحذف ما يدل على أن الفعل أصلاً ليس مكتملاً فلزم الإقتطاع أنها غير كاملة والحدث غير كامل.
وكذلك قوله تعالى (وإن تك حسنة يضاعفها) وقوله في سورة مريم (ولم أك بغيّا) حذف النون لأنه ليس في مريم أدنى شيء من البغي وليس هناك جزء من الحدث مطلقاً أصلاً. أما في قوله تعالى (ولم أكن بدعائك رب شقيا) هذا سياق عام يحكمه المقام. وفي قوله تعالى (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) وقوله (ألم تكن آياتي تتلى عليكم) لم تحذف النون من الفعل هنا لأن الآيات مكتملة والأرض مكتملة فجاء بالفعل تامّاً لأن المعنى تامّ ولا يحتاج إلى حذف. وفي قوله تعالى في سورة لقمان (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ {16}) الأولى حذفت منها النون لأنه لم يذكر مكان الحبة أما الثانية فذكر فيها النون لأنه ذكر المكان وحدده إما الصخرة أو السموات أو الأرض وهي كلها مكتملة.
84 - ما دلالة كلمة (حين) في القرآن الكريم؟
في اللغة هناك ظروف محددة مثل (شهر، عام، أسبوع، حول) وظروف مبهمة. و (حين) هي من الظروف المبهمة بمعنى أنه ليس لها وقت محدد لكن قد يُعلم وقتها بما تُضاف إليه. كقوله تعالى في سورة الروم (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17}) وكذلك قوله تعالى في سورة ابراهيم (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25}) حسب الثمار.
85 - ما اللمسة البيانية في تقديم الرحيم على الغفور في سورة سبأ وقد وردت في باقي القرآن الغفور الرحيم؟
لو قرأنا الآية في سورة سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {1} يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ {2}) لم يتقدّم الآية ما يخصّ المكلَّفين أبداً والمغفرة لا تأتي إلا للمكلَّفين والمذنبين الذين يغفر الله تعالى لهم وإنما جاء ذكرهم بعد الأيتين الأولى والثانية لذا اقتضى تأخير الغفور لتأخر المغفور لهم في سياق الآية. أما في باقي سور القرآن الكريم فقد مردت الغفور الرحيم لأنه تقدّم ذكر المكلَّفين فيذنبون فيغفر الله تعالى لهم فتطلّب تقديم المغفرة على الرحمة.
86 - ما دلالة (لا) في قوله تعالى (لا نفرّق بين أحد من رسله)؟
(يُتْبَعُ)
(/)
(لا) هي النافية لا تجزم ولا تؤثر على الفعل إنما نفي فقط فى حاجة للجزم في الفعل الذي يليها.
87 - ما إعراب كلمة (حمّالةَ) في آية سورة المسد؟
قال تعالى (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4}) وكلمة حمّالةَ هي مفعول به لفعل محذوف تقديره (أذُمُّ حمالةَ الحطب) وهو ما يعرف في القرآن بالقطع وله دلالة خاصة في القرآن الكريم وهي منصوبة على الذّم أو القطع لغرض الذّم. (انظر موضوع القطع في القرآن الكريم). وفي هذه الآية ذّم الله تعالى امرأة أبي لهب مرتين مرة باستخدام القطع ومرة باستخدام صيغة المبالغة في (حمّالة) على وزن فعّالة.
88 - ما دلالة أن في قوله تعالى (وأن ألق عصاك)؟
أن هي أن التفسيرية.
89 - ما الفرق من الناحية البيانية بين (ولمّا) و (فلمّا) في سورة يوسف؟
(ولمّا) و (فلمّا) وردت في السورة 19 مرة، 6 مرّات (ولمّا) والباقي (فلمّا) فكيف نفرق بينهم؟ هناك سبيلين للتمييز بين (لمّا) و (فلمّا) الطريقة الأولى إحصائية والثانية معنوية:
الطريقة الإحصائيى للحفظ: يحفظ أمكنة (لمّا) الستة وهي (ولمّا بلغ أشدّه، ولمّا جهزهم بجهازهم، ولمّا فتحوا متاعهم، ولمّا فصلت العير، ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم، ولمّا دخلوا على يوسف) والباقي يكون (فلمّا).
أما من الناحية التعبيرية فالفاء تدلّ على الترتيب والتعقيب أما الواو فهي لمطلق الجمع. يأتي بالفاء عندما يكون هناك تعقيب (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ {14} فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ {15}) لا يوجد فاصل زمني بين الأمرين وهذا يدل على التعقيب والترتيب، وكذلك في قصة يوسف مع امرأة العزيز في قوله تعالى (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)) جاء بـ (فلمّا) لأن الآية في نفس المشهد والموقف ولا يحتمل التأخير والأحداث تسلسلت وتعاقبت الأحداث تأتي الواحدة تلو الأخرى بترتيب وتعقيب وليس بين الأحداث أي تراخي أو فترة زمنية فاصلة طويلة لذا استخدمت (فلمّا). أما في الآية التي جاء فيها (ولمّا) استغرق سنوات طويلة حتى بلغ أشدّه (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {22}) وكذلك لما ذهب اخوة يوسف إليه في مصر استغرق الأمر زمناً حتى سافروا ووصلوا إلى يوسف بعد أن كلّمهم أبوهم (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)).
90 - ما الفرق بين كلمة النِعمة والنَعمة في القرآن الكريم؟
نَعمة بالفتح وردت في سورة الدخان (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ {27}) وفي سورة المزمل (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً {11}) لم ترد في القرآن كلّه إلا في السوء والشر والعقوبات.
نِعمة بالكسر جاءت في مواضع كثيرة في القرآن منها في سورة النحل (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {18}) دائماً تأتي في الخير في القرآن.
91 - ما الفرق بين قوله تعالى (فتحت أبوابها) في النار و (وفتحت أبوابها) في الجنة في سورة الزمر؟
الفرق بين وصف دخول الكفار إلى النار ودخول المؤمنين إلى الجنة والفرق بينهما حرف واحد غيّر معنى الآيتين وهو حرف (الواو). في وصف دخول الكفار قال تعالى (حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها) وفي دخول المؤمنين الجنة قال: (حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها) والفارق أن جهنم هي كالسجن أبوابها مقفلة لا تفتح إلا لداخل أو خارج فالأصل أن تكون الأبواب مغلقة ولا تفتح إلا لإدخال العصاة إليها وفي هذا الوصف تهويل ومفاجأة للكفار الذي يساقون ثم فجأة وهم لا يدرون أين يذهبون تفتح أبوب النار فيفاجأوا ويصابوا بالهلع. أما في حال المؤمنين فالجنة أبوابها
(يُتْبَعُ)
(/)
مفتوحة على الدوام كما في قوله (جنّات عدن مفتّحة لهم الأبواب) وأهلها يتنقلون فيها من مكان إلى آخر في يسر وسرور وهم في طريقهم إليها يرونها من بعيد فيسعدون ويسرّون بالجزاء والنعيم الذي ينتظرهم وكأن الله تعالى يريد أن يعجّل لهم شعورهم بالرضا والسعادة بجزائهم وبالنعيم المقيم الذي ينتظرهم. ومن الناحية البيانية أن جواب الشرط في حال جهنم (إذا جاؤوها) مذكور وهو: (فتحت أبوابها)، أما في حال الجنة فلا يوجد جواب للشرط لأنه يضيق ذكر النعمة التي سيجدها المؤمنون في الجنة فكل ما يقال في اللغة يضيق بما في الجنة والجواب يكون في الجنة نفسها. فسبحانه جلّ جلاله.
92 - ما الفرق بين قوله تعالى في سورة البقرة (فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف) و (من معروف)؟
أولاً يجب أن نلاحظ دلالة التعريف والتنكير فالمعرفة في اللغة هي ما دلّ على شيء معين والنكرة ما دلّ على شيء غير معيّن. وفي الآية الأولى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {234}) المعروف يقصد به الزواج بالذات لأن الآية بعدها (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ {235}). أما الآية الثانية (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {240}) فهي عامة ويقصد بـ (معروف) هنا كل ما يُباح لها. ولمّا جاء بالزواج جاء بالباء وهي الدالّة على المصاحبة والإلصاق وهذا هو مفهوم الزواج بمعناه المصاحبة والإلصاق.
93 - ما الفرق بين كلمة (ميت) و (ميّت) في القرآن الكريم؟
كلمة (ميت) بتسمين الياء تقال لمن مات فعلاً مثال ما جاء في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12}) ولذا جاء في القرآن الكريم تحريم أكل لحم الميتة بتسكين الياء وقد تكون حقيقة أو مجازاً. أما الميّت فقد يكون لمن مات أو من سيموت بمعنى من مآله إلى الموت حتماً كما في قوله تعالى في سورة الزمر (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ {30}).
94 - ما الفرق بين قوله تعالى في سورة البقرة (أولئك يلعنهم الله) و (أولئك عليهم لعنة الله)؟
يلعن فعل والفعل يدل على الحدوث والتجدد أما اللعنة فهي إسم والإسم يدل على الثبوت. في الآية الأولى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159}) اللعنة تستمر ما داموا يكتمون ما أنزل الله وهو ما زالوا أحياء، وهؤلاء المذكورين في الآية تكونوا ملعونين ما داموا لم يتوبوا وكتموا ما أنزل الله أما إذا تابوا عما فعلوا يغفر الله لهم ولهذا جاء بالصيغة الفعلية (يلعنهم الله). أما الآية الثانية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {161}) فالمذكورين في الآية هم الذين كفروا وماتوا أي هم أموات واقد حلّت عليهم اللعنة فعلاً وانتهى الأمر ولا مجال لأن يتوبوا بعدما ماتوا ولهذا جاء بالصيغة الإسمية في (عليهم اللعنة) لأنها ثابتة
(يُتْبَعُ)
(/)
ولن تتغير لأنهم ماتوا على الكفر.
95 - لماذا جاء الخطاب في سورة الإسراء لـ (بني إسرائيل) وليس لليهود؟
لأن بني إسرائيل هم أبناء يعقوب u ( وهو إسرائيل) وهم المعنيّون بالأمر وليس اليهود عموماً هم المقصودون في الآية.
96 - ما دلالة اللام في قوله تعالى (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال)؟
الآية في سورة ابراهيم (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ {46}) واللام في (لتزول) هي لام الجحود وإن نافية بمعنى (وما كان مكرهم لتزول منه الجبال) تماماً كما في قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) في سورة الأنفال. وقد تكون اللام للتعليل وإن شرطية بمعنى (وإن كان مكرهم معدّاً لزوال الجبال).
97 - ما دلالة استعمال (إذا) و (إن) في القرآن الكريم؟
(إذا) في كلام العرب تستعمل للمقطوع بحصوله كما في الآية: (إذا حضر أحدكم الموت) ولا بد ان يحضر الموت، (فإذا انسلخ الاشهر الحرم) ولا بد للأشهر الحرم من أن تنسلخ، وقوله تعالى: (وترى الشمس إذا طلعت) ولا بد للشمس من أن تطلع وكقوله: (فإذا قضيت الصلاة) ولا بد للصلاة أن تنقضي.
وللكثير الحصول كما في قوله تعالى (فإذا حُييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردوها). ولو جاءت (إذا) و (إن) في الآية الواحدة تستعمل (إذا) للكثير و (لإن) للأقلّ كما في آية الوضوء في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {6}) القيام إلى الصلاة كثيرة الحصول فجاء بـ (إذا) أما كون الإنسان مريضاً أو مسافراً أو جنباً فهو أقلّ لذا جاء بـ (إن).
وكذلك في سورة النساء (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {25}) إذا جاءت مع (أُحصنّ) ووهذا الأكثر أما إن فجاءت مع الواتي يأتين بفاحشة وهو قطعاً أقل من المحصنات. وكذلك في سورة الرعد (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ {5}).
وفي سورة الليل (وما يغني عنه ماله إذا تردى) التردّي حاصل والتردي اما أن يكون من الموت او الهلاك، او تردى في قبره، او في نار جهنم فماذا يغني عنه ماله عندها؟ وهذه ليست افتراضاً وانما حصولها مؤكد وهي امر حاصل في كل لحظة ولهذا السبب جاء بلفظ (إذا) بدل (إن) لأن (إذا) مؤكد حصولها) و (إن) مشكوك فيها او محتمل حدوثها. وهذه إهابة بالشخص أن لا يبخل او يطغى او يكذب بالحسنى، إذن لا مفر منه فلماذا يبخل ويعسر على الآخرين ويطغى ويكذب بالحسنى؟
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد وردت إذا في القرآن الكريم 362 مرة لم تأتي مرة واحدة في موضع غير محتمل البتّة فهي تأتي إمّا بأمر مجزوم وقوعه أو كثير الحصول كما جاء في آيات وصف أهوال يوم القيامة لأنه مقطوع بحصوله كما في سورة التكوير (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ {1} وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ {2} وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ {3} وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ {4} وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ {5} وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ {6} وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ {7} وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ) وسورة الإنفطار (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ {1} وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ {2} وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ {3} وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ {4}).
أما (إن) فستعمل لما قد يقع ولما هو محتمل حدوثه أو مشكوك فيه أو نادر او مستحيل كما في قوله تعالى (أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا) هنا احتمال وافتراض، و (وإن يروا كِسفاً من السماء ساقطاً) لم يقع ولكنه احتمال، و (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) الأصل أن لا يقع ولكن هناك احتمال بوقوعه، وكذلك في سورة (انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه) افتراض واحتمال وقوعه.
98 - ما الفرق بين دلالة الجمع في معدودة ومعدودات؟
القاعدة: جمع غير العاقل إن كان بالإفراد يكون أكثر من حيث العدد من الجمع السالم كأنهار جارية وأنهار جاريات، فالجارية أكثر من حيث العدد من الجاريات، وأشجار مثمرة أكثر من مثمرات وجبال شاهقة أكثر من حيث العدد من شاهقات فالعدد في الأولى أكثر، وجمع السالم قلة. فهذه من المواضع التي يكون فيها المفرد أكثر من الجمع.
معدودات جمع قلّة وهي تفيد القلّة (وهي أقل من 11) أما معدودة فهي تدل على أكثر من 11، وقد قال تعالى في سورة يوسف عليه السلام (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)) أي أكثر من 11 درهما، ولو قال معدودات لكانت أقل.
مثال: قال تعالى في سورة آل عمران (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {24}) اختيار كلمة (معدودات) في هذه الآية لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أقلّ. وقال تعالى في سورة البقرة (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {80}) اختيار كلمة (معدودة) في هذه الآية لأن الذنوب التي ذُكرت في هذه الآية أكثر.
99 - ما اللمسة البيانية في التقديم والتأخير في الضر والنفع في القرآن الكريم؟
حيث تقدّم النفع على الضر يكون في السياق ما يتضمن النفع وبالعكس.
قال تعالى في سورة الأعراف: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ {188}) قدّم النفع على الضر لأن السياق في الآيات ما قبلها في النفع (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178}) قدّم الهداية التي النفع على الضلال الذي هو من الضر. وكذلك في الآية نفسها قدّم النفع مع الخير (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) على الضر.
أما في قوله تعالى في سورة يونس (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {49}) فقد جاء قبلها الآية (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ {11} وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا
(يُتْبَعُ)
(/)
كَانُواْ يَعْمَلُونَ {12}) وهنا قدّم الشرّ على الخير فناسب أن يقدّم الضرّ على النفع. والأمثلة على هذا التقديم والتأخير كثيرة في القرآن منها في سورة سبأ (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ {42}) وقد تقدّمها قوله تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {39}).
100 - ما اللمسة البيانية في تقديم وتأخير ضمير (فيه) في آيتي سورة النحل وفاطر؟
قال تعالى في سورة النحل (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {14}) وقال في سورة فاطر (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {12}). ففي سورة النحل قدّم (مواخر) على (فيه) وذكر صفة الفلك قبل ضمير البحر وإذا نظرنا في سياق الآيات قبلها نلاحظ أنها ذُكرت بعد ذكر وسائل النقل لذا قدّم مواخر على ضمير البحر. أما في سورة فاطر فقد ذكر البحر أولاً لأن الكلام في السياق كان عن البحر لذا قدّم ضمير البحر على مواخر.
101 - ما الفرق من الناحية البيانية بين (انفجرت) في سورة البقرة و (انبجست) في سورة الأعراف في قصة موسى؟
جاء في سورة البقرة (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {60}) وجاء في سورة الأعراف (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ {160}).
والسؤال ماذا حدث فعلاً هل انفجرت أو انبجست؟ والجواب كلاهما وحسب ما يقوله المفسرون أن الماء انفجرت أولاً بالماء الكثير ثم قلّ الماء بمعاصيهم وفي سياق الآيات في سورة البقرة الذي يذكر الثناء والمدح والتفضّل على بني إسرائيل جاء بالكلمة التي تدل على الكثير فجاءت كلمة (انفجرت) أما في سورة الأعراف فالسياق في ذمّ بني إسرائيل فذكر معها الإنبجاس وهو أقلّ من الإنفجار وهذا أمرٌ مشاهد فالعيون والآبار لا تبقى على حالة واحدة فقد تجفّ العيون والآبار فذكر الإنفجار في موطن والإنبجاس في موطن آخر وكلا المشهدين حصل بالفعل.
إذا لاحظنا سياق الآيات في سورة البقرة (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {58} فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ {59} وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ {60})
(يُتْبَعُ)
(/)
أما سياق الآيات في سورة الأعراف (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {161}) يمكن ملاحظة اختلافات كثيرة في اختيار ألفاظ معينة في كل من السورتين ونلخّص هذا فيما يأتي:
سورة البقرة
سورة الأعراف
سياق الآيات والكلام هو في التكريم لبني إسرائيل فذكر أموراً كثيرة في مقام التفضيل والتكرّم والتفضّل (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ {49} وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ {50}) و (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {47})
السياق في ذكر ذنوبهم ومعاصيهم والمقام مقام تقريع وتأنيب لبني إسرائيل (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {138}) والفاء هنا تفيد المباشرة أي بمجرد أن أنجاهم الله تعالى من الغرق أتوا على قوم يعبدون الأصنام فسألوا موسى أن يجعل لهم إلهاً مثل هؤلاء القوم.
قوم موسى استسقوه فأوحى إليه ربه بضرب الحجر (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ) وفيها تكريم لنبيّ الله موسى u واستجابة الله لدعائه. والإيحاء أن الضرب المباشر كان من الله تعالى.
فموسى هو الذي استسقى لقومه (إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ)
(كلوا واشربوا) والشرب يحتاج إلى ماء أكثر لذا انفجرت الماء من الحجر في السياق الذي يتطلب الماء الكثير
(كلوا من طيبات ما رزقناكم) لم يذكر الشرب فجاء باللفظ الذي يدل على الماء الأقلّ (انبجست)
جعل الأكل عقب الدخول وهذا من مقام النعمة والتكريم (ادخلوا هذه القرية فكلوا) الفاء تفيد الترتيب والتعقيب.
لم يرد ذكر الأكل بعد دخول القرية مباشرة وإنما أمرهم بالسكن أولاً ثم الأكل (اسكنوا هذه القرية وكلوا)
(رغداً) تذكير بالنعم وهم يستحقون رغد العيش كما يدلّ سياق الآيات.
لم يذكر رغداً لأنهم لا يستحقون رغد العيش مع ذكر معاصيهم.
(وادخلوا الباب سجّداً وقولوا حطة) بُديء به في مقام التكريم وتقديم السجود أمر مناسب للأمر بالصلاة الذي جاء في سياق السورة (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ {43}) والسجود هو من أشرف العبادات.
(وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً) لم يبدأ بالسجود هنا لأن السجود من أقرب ما يكون العبد لربه وهم في السياق هنا مبعدين عن ربهم لمعاصيهم.
(نغفر لكم خطاياكم) الخطايا هم جمع كثرة وإذا غفر الخطايا فقد غفر الخطيئات قطعاً وهذا يتناسب مع مقام التكريم الذي جاء في السورة.
(نغفر لكم خطيئاتكم) وخطيئات جمع قلّة وجاء هنا في مقام التأنيب وهو يتناسب مع مقام التأنيب والذّم في السورة.
(وسنزيد المحسنين) إضافة الواو هنا تدل على الإهتمام والتنويع ولذلك تأتي الواو في موطن التفضّل وذكر النعم.
(سنزيد المحسنين) لم ترد الواو هنا لأن المقام ليس فيه تكريم ونعم وتفضّل.
(فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم)
(الذين ظلموا منهم) هم بعض ممن جاء ذكرهم في أول الآيات
(فأنزلنا على الذين ظلموا)
(فأرسلنا) أرسلنا في العقوبة أشدّ من أنزلنا، وقد تردد الإرسال في السورة 30 مرة أما في البقرة فتكرر 17 مرة
(بما كانوا يفسقون)
(بما كانوا يظلمون) والظلم أشدّ لأنه يتعلّق بالضير
(فانفجرت) جاءت هنا في مقام التكريم والتفضّل وهي دلالة على أن الماء بدأ بالإنفجار بالماء الشديد فجاء بحالة الكثرة مع التنعيم.
(فانبجست) في مقام التقريع قلّ الماء بمعاصيهم فناسب ذكر حالة قلّة الماء مع تقريعهم.
(يُتْبَعُ)
(/)
102 - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (فنفخنا فيها) وقوله (فنفخنا فيه) في قصة مريم عليها السلام؟
قال تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {91}) وقال في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12})
بين هاتين الآيتين أكثر من نقطة يجب الإلتفات إليها وهي كما يلي:
1. في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (ابراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها في سورة الأنبياء لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم (امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالإسم يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح أيضاً.
2. ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى u) نبيّ أيضاً فناسب ذكره في السورة وكذلك لأن سورة الأنبياء ورد فيها ذكر ابني ابراهيم وويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء.
3. لم يذكر أنها من القانتين في الأنبياء وذكرها من القانتين في سورة التحريم. ونسأل لماذا لم تأتي (القانتات) القانتات بدل القانتين؟ لأنه في القاعدة العامة عند العرب أنهم يغلّبون الذكور على الإناث وكذلك في القرآن الكريم عندما يذكر المؤمنون والمسلمون يغلّب الذكور إلا إذا احتاج السياق ذكر النساء ومخاطبتهن. وكذلك عندما يذكر جماعة الذكور يقصد بها العموم. وإضافة إلى التغليب وجماعة الذكور فهناك سبب آخر أنه ذكرها من القانتين وهو أن آباءها كانوا قانتين فهي إذن تنحدر من سلالة قانتين فكان هذا أمدح لها وكذلك أن الذين كملوا من الرجال كثير وأعلى أي هي مع الجماعة الذين هم أعلى فمدحها أيضاً بأنها من القانتين ومدحها بآبائها وجماعة الذكور والتغليب أيضاً.
ونعود إلى الآيتين ونقول لماذا جاء لفظ (فيه) مرة و (فيها) مرة أخرى؟ فنقول أن الآية في سورة الأنبياء (فنفخنا فيها من روحنا) أعمّ وأمدح:
دليل أنها أعمّ: ونسأل أيهما أخصّ في التعبير (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها) سورة التحريم أو (والتي أحصنت فرجها) سورة الأنبياء. فنقول أن الأخصّ مريم ابنت عمران وقوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) أعمّ من (نفخنا فيه) وأمدح. إذن مريم ابنت عمران أخصّ من التي أحصنت فرجها فذكر الأخصّ مع الأخصّ (فنفخنا فيه) وجعل العام مع العام (ونفخنا فيها). وكذلك في قوله تعالى (وجعلناها وابنها) في سورة الأنبياء أعمّ فجاء بـ (فيها) ليجعل الأعمّ مع الأعمّ. وسياق الآيات في سورة الأنبياء تدل على الأعمّ.
عرفنا الآن لماذا هي أعم ويبقى أن نعرف لماذا هي أمدح؟ أيهما أمدح الآية (وجعلناها وابنها آية) أو (صدّقت يكلمات ربها)؟ الآية الأولى أمدح لأن أي كان ممكن أن يصدق بكلمات ربها لكن لا يكون أي كان آية، والأمر الثاني أن ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنياء لا شك أنه أمدح من ذكرها مع النساء في سورة التحريم فالآية في سورة الأنبياء إذن هي أمدح لها.
ومن الملاحظ في قصة مريم عليها السلام وعيسى u أن الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها) أي عن طريق جبريل u وهذا الضمير للتعظيم يأتي دائماً مع ذكر قصة مريم وعيسى عليهما السلام أما في قصة آدم u يأتي الخطاب (فنفخت فيه من روحي) لأن الله تعالى قد نفخ في آدم الروح بعد خلقه مباشرة أما في مريم فالنفخ عن عن طريق جبريل u.
(يُتْبَعُ)
(/)
103 - ما هي الآية التي نزلت داخل الكعبة؟
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً {58}) هي الآية التي نزلت داخل الكعبة عندما دخل الرسول u يوم فتح مكة طلب من عثمان بن طلحة وكان حاجب الكعبة أن يعطيه مفتاح الكعبة فأبى وصعد إلى سطح الكعبة فأرسل الرسول r بلالاً ليحضره منه ففتح الكعبة وحطّم الأصنام ثم نزلت هذه الآية يأمر الله تعالى رسوله أن يردّ المفتاح إلى عثمان وما زال في بني شيبة إلى الآن.
104 - ما إعراب كلمة (الكواكب) في قوله تعالى (بزينة الكواكب)؟
الكواكب بدل. والبدل والمبدل منه لا يشترط تطابقهما تعريفاً وتنكيراً مثل قوله تعالى (لنسفعاً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة.
105 - ما إعراب كلمة حافظاً في قوله تعالى (والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين)؟
هذه الآية والآية (سلامٌ قولاً من رب رحيم) وكذلك (كبرت كلمةً تخرج من أفواههم) فيها وجهين إعرابيين: إما أن تكون تمييز أو تكون حال لأن القاعدة النحوية تنص على أن إسم التفضيل إذا كان ما بعده ليس من جنسه يُنصب مثال (أنت أكثرُ مالاً، هو أحسنُ شعراً) وإذا كان ما بعده من جنسه يُضاف. (يقال: أنت أفضلُ رجلٍ، أحسنُ دارٍ).
وفي الآية (الله خيرٌ حافظاً) في سورة يوسف تعني أن حفظة الله تعالى خير منكم بدليل قوله تعالى (ونرسل عليكم حفظة) فكأنه تعالى قارن بينهم (بين إخوة يوسف) وبين حفظة الله (والتمييز أقوى من الحال) لسبب أن الحال قيد لعاملها كأنه خير فقط في هذه الحال من حالة الحفظ أما في التمييزفهي أقوى. ولو قال الله خيرُ حافظٍ فهي تدلّ على أن الله هو الحافظ.
سلامُ قولاً من رب رحيم: قولاً مفعول مطلق.
كبُرت كلمةً: تمييز (الفاعل مفسّر بتمييز بمعنة كبرت الكلمة كلمة)
تبسّم ضاحكاً: حال مؤكدة (إسم فاعل).
106 - ما دلالة (من) في قوله تعالى (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ {77})؟
يقول النحاة أن (نصرناه من) تعني نجّيناه من و (نصرناه على) تفيد الإستعلاء. ونسأل لماذا لم يستخدم سبحانه كلمة (نجّيناه من) بدل نصرناه من؟ ونقول أن الفرق بين نجيناه من ونصرناه من أن الأولى تتعلق بالناجي نفسه أما الثانية فهي تتعلق بالجانبين بمعنى أنه نجّى نوحاً وعاقب الآخرين فالنصرة هنا نجاة للناجي وعقاب لخصمه. وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى في سورة هود (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ {63}) و (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {30}) وفي سورة العنكبوت (فأنجاه الله من النار) وقوله تعالى في سورة التحريم (ونجّني من فرعون وعمله).
107 - ما إعراب كلمة القوم ومشارق في الآية (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا)؟
قال تعالى في سورة الأعراف: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا) الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ {137}). فعل أورثنا ينصب مفعولين وعليه فإن القوم مفعول به أوّل ومشارقَ مفعول به ثاني لفعل أورثنا. وهذا ينطبق أيضاً على قوله تعالى في سورة الأحزاب (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً {27}) أرضهم مفعول به أول وديارهم مفعول به ثاني.
(يُتْبَعُ)
(/)
108 - لماذا جاءت كلمة المقيمين منصوبة في قوله تعالى (لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً {162})؟
الآية جاءت في سورة النساء وهذا ما يُعرف بالقطع في القرآن الكريم. والقطع يكون في النعوت وفي المتعاطفات. يُقطع مع المرفوع منصوب أو هذا منصوب فيأتي بصيغة مرفوعة أو منصوبة فنقول: مررت بزيدٍ العالمِ، العالمُ، العالمَ) وهذا يُسمى قطع في النعت.
القطع في العطف يُقطع الأمر المهم في المدح وهي تدلّ على أن الأمر المقطوع هو أمدح أو أخصّ وفي الآية التي بين أيدينا (المقيمين الصلاة) هم أعلى المذكورين والصلاة هي أعلى العبادات. (والمقيمين الصلاة) معطوفة على مرفوعاتها (لكن الراسخون في العلم هي الأصل) و (المقيمين الصلاة) نصب على رفع أما باقي المعطوفات فهي مرفوعة (والمؤتون الزكاة، والمؤمنون بالله، والمؤمنون).
109 - ما الفرق من الناحية البيانية بين استخدام (ما) و (من) في القرآن الكريم؟
ما: خاصة بالعقلاء. قال تعالى (لله ما في السموات وما في الأرض) ما هنا تدل على العقلاء من الملائكة والمكلّفين من أصحاب العقل.
من: لذوات غير العاقل وصفات العقلاء. كما في قوله تعالى (ولله من في السموات ومن في الأرض).
110 - ما الفرق بين الحال المؤكّدة والحال المؤسسة؟
الحال المؤكدة: هي التي يستفاد معناها من غيرها ومما قبلها وهي مؤكدة لصاحبها أو لمعنى الجملة كقوله تعالى (فتبسّم ضاحكاً من قولها) والتبسّم هو الضحك. وكأن نقول مثلاً: قدر مستطيعاً.
الحال المؤسسة: هي التي لا يستفاد معناها من غيرها.
111 - ما دلالة الفعل المضارع يسعون في قوله تعالى في سورة سبأ (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ {38})؟
الفعل المضارع له أزمنة كثيرة فقد يكون للمضي (فلم تقتلون أنبياء الله) أو للحال أو الإستمرار أو الإستقبال. فهو إذن له زمن متّسع اتساعاً كبيراً. وهنا في الآية استعمل للمزاولة وليس بالضرورة ما كان في المستقبل فقط ولو قال سعوا لحتمل أن يكون هذا الساعي تاب ولا يقام عليه هذا الأمر لكن الذي هو مستمر هو الذي يُقام عليه الأمر.
وقد ورد هذا الفعل (يسعون) بصيغة المضارع أيضاً في سورة المائدة (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {33}) والآية (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {64}).
112 - ما اللمسة البيانية في اختيار كلمة (تفتأ) في سورة يوسف (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85})؟
في سورة يوسف قال تعالى على لسان إخوة يوسف مخاطبين أباهم يعقوب (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85}). استخدمت كلمة (تفتأ) هنا بمعنى لا يزال وهي من أخوات كان (ما انفك، ما برح، ما زال، ما فتيء) ما زال تدل على الإستمرار والدوام (نقول ما زال المطر نازلاً) لكن يبقى السؤال لماذا اختار تعالى كلمة (تفتأ) دون غيرها من أخواتها التي قد تعطي نفس المعنى من الإستمرار والدوام؟ ونستعرض معنى كلمة فتيء في اللغة: من معانيها (سكّن) بمعنى مستمر لأنه عندما لا يسكن فهو مستمر، ومعناها أطفأ النار (يقال فتيء
(يُتْبَعُ)
(/)
النار) ومن معانيها أيضاً نسي (فتئت الأمر أي نسيته). إذن كلمة (فتأ) لها ثلاثة معاني سكّن وأطفأ النار ونسي. وفاقد العزيز سكن بمجرد مرور الزمن فمن مات له ميت يسكن بعد فترة لكن الله تعالى أراد أن يعقوب لا ينسى ولا يكفّ بدليل قوله تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ {84})، وفاقد العزيز كأنما هناك ناراً تحرق جنبيه ويقال (حرق قلبي) والنار التي بين جنبي يعقوب u لم تنطفئ مع مرور الأيام ولم تزل النار ملتهبة مستعرة في قلب يعقوب u، وهو لم ينسى وفاقد العزيز ينسى بعد فترة ولذا يدعو له المعزّون بالصبر والسلوان. إذن تفتأ جمعت كل هذه المعاني المرادة هنا في الآية ولا يؤدي أي لفظ آخر هذه المعاني مجتمعة غير هذه الكلمة. والقرآن الكريم لم يستعمل هذه الكلمة إلا في هذا الموضع في سورة يوسف واستعمل (يزال ولا يزال) كثيراً في آيات عديدة (ولا تزال تطّلع على خائنة منهم).
واستخدام كلمة حرضاً في الآية تدل على الذي يمرض مرضاً شديداً ويهلك.
ومن الغريب أن القياس أن يُقال (لا تفتأ) لأن استعمالها نفي أو شبه نفي. وهذه من مواطن النفي ولم تحذف الـ (لا) في جواب القسم إلا في هذا الموطن في القرآن الكريم فهذه هي الآية الوحيدة التي وقعت في جواب القسم منفية ولم يذكر معها اللام ففي عموم القرآن عندما يكون القسم منفياً يأتي باللام (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لآيبعث الله من يموت) إذن من الناحية النحوية هناك خياران: إما ذكر اللام أو حذفها. فمن الناحية النحوية إذا كان جواب القسم فعل مضارع لا بد أن يكون باللام مع النون مثل (تالله لأكيدنّ أصنامكم) وإما مع اللام إذا اقتضى حف النون. لا بد في جواب القسم المثبت أن تذكر اللام سواء مع النون او بدونها. وعندما لا تذكر اللام فهذا يدل على النفي ولا يكون مثبتاً إلا بذكر اللام مع الفعل المضارع. إذا لم تأتي بـ (لا) فهو نفي قطعاً كقول الشاعر (فلا والله أشربها حياتي) بمعنى لا أشربها قطعاً. وقولنا (والله أذهب) يعني لا أذهب. فقد ورد قوله تعالى (فلا وربّك لا يؤمنون) لم تحذف الـ (لا) هنا ونسأل عن السبب؟ لماذا حذف الـ (لا) في الآية؟ لأن هذا القول قاله إخوة يوسف لكن هل هم أقسموا على أمر يعلمونه حق العلم؟ كلا هم أقسموا على أمر يتصورونه فالأمر إذن ليس مؤكداً ولم يحصل أصلاً فالذكر آكد من الحذف ولذا لم تذكر (لا) في جواب القسم ولقد جاء في الآية ما يفهم المعنى بدون الحاجة لذكر (لا) ولأن الذكر آكد من الحذف ولأن الأمر ليس مؤكداً عند إخوة يوسف. وهذا ما يُعرف بالتوسّع في المعنى في القرآن الكريم.
113 - ما اللمسة البيانية في تقديم الأكل على الشرب في سورة مريم (فكلي واشربي وقرّي عينا)؟
نلاحظ الآية قبلها في سورة مريم (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26}). فقد وردت كلمة السري وهي تعني السيّد وجمعها سُراة أي السادة (ولا سُراة إذا جُهّالهم سادوا)، وهي بمعنى أن الله تعالى قد جعلك تحتك سيّدا. أما التقديم والتأخير في الأكل والشرب فنلاحظ أنه في القرآن كله حيثما اجتمع الأكل والشرب قدّم تعالى الأكل على الشرب حتى في الجنّة (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) وقوله (كلوا واشربوا من رزق الله) وكذلك في آية سورة مريم (فكلي واشربي وقرّي عينا) والسبب في ذلك أن الحصول على الأكل أصعب من الحصول على الشرب.
114 - ما اللمسة البيانية في حذف (لا) (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ) وذكرها (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ) في سورة التوبة؟
(يُتْبَعُ)
(/)
لو نظرنا في الآيتين في سورة التوبة هناك تشابه واختلاف ففي الأولى ذكرت (لا) وزادت اللام في (ليعذّبهم) وذكر كلمة الحياة الدنيا في الآية الأولى وذكر الدنيا في الثانية (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ {55}) و (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ {85}) ونستعرض بالتفصيل الفرق بين الآيتين:
1. بدأ الآية الأولى بالفاء والثانية بالواو. لأن الآية الثانية معطوفة على ما قبلها فسياق الآيات السابقة يقتضي العطف أما الآية الأولى فالفاء للإستئناف وليس هناك عطف (قد تأتي الفاء للإستئناف أو التفريع).
2. (تعجبك أموالهم ولا أولادهم) في سياق الإنفاق أي إنفاق الأموال. (قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً) (وما منعهم أن تُقبل لهم) (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) (فلا تعجبك أموالهم) (إنما الصدقات) فالكلام كله إذن في الإنفاق في الآيات التي قبلها وبعدها. أما الآية الثانية فسياق الآيات قبلها وبعدها في الجهاد وليس الإنفاق. فلمّا كان السياق في الأموال أضاف (لا) وفصل الأولاد والأموال للتوكيد.
3. . (ليعذّبهم) زيادة اللام في الآية الأولى وهي زيادة التوكيد لأن السياق في الأموال والإنفاق وكما أكّد بـ (لا) أكدّ باللام بمعنى (إنما يريد الله أن يعذبهم). فزيادة اللام قياسية للتوكيد (تؤكد معنى الإرادة) واللام تزاد قياساً وتُزاد سمعاً في المفعول به كما في قوله (والذين هم لربهم يرغبون) واللام زائدة في فعل الإرادة أن (أراد) فعل يتعدّى بنفسه فيؤتى باللام الزائدة للتوكيد، أو اللام للتعليل وهي على أي قول فهي للتوكيد (علّل الإرادة في الآية الأولى أو أكدّ الإرادة في الآية الأولى). فلمّا كانوا متعلقين بالمال تعلّقاً شديداً أكّد باللام (ليعذبهم فيها) فكان التعذيب أشدّ.
ذكر الحياة الدنيا في الآية الأولى والدنيا في الآية الثانية: الآية الأولى في سياق الأموال والأموال عند الناس هي مبعث الرفاهية والحياة والسعادة والمال هو عصب الحياة، أما الآية الثانية فهي في الجهاد مظنّة مفارقة الحياة في القتال فاقتضى السياق ذكر الحياة في الآية الأولى وحذفها في الآية الثانية.
فارس العربية الخـ زيد ـــــــــــيل
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 03:26 ص]ـ
لا أعرف ما أقول لك فوالله لقد أستفدت منك الكثير والكثير حتى ظننت أني لا أعرف شيئاً
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 03:33 ص]ـ
فها أنا ذا أسألك سؤالا وأرجو أن تفيدني
قال تعالى في سورة النساء الآية (140)
" إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم َ جميعاً"
فلماذا جاءت كلمة (جهنم َ) مفتوحة رغم أنه يسبقها حرف جر
السؤال الثاني
قال تعالى في سورة النحل الآية رقم (3)
" خلق السماوات ِ والأرض َ بالحق "
فلماذا جاءت كلمة السماواتِ بهذا الشكل؟
أهي جمع تكسير فلذلك نصبت بالكسرة أم ماذا؟
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[01 - 11 - 2005, 02:42 ص]ـ
السلام عليكم
الاخ العزيز: أحمد عمر
اجابة سؤالك الاول: لقد جاءت كلمة (جهنم) مفتوحة رغم أنها مسبوقة بحرف جر لانها ممنوعة من الصرف للعلمية والتأنيث
أما اجابة سؤالك الثانى: لقد جاءت كلمة (السموات) منصوبة بالكسرة وذلك لانها جمع مؤنث سالم وجمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة
وأسأل الله أن ينفعنا و ينفعكم وينفع أبناء العربية لغة القران الكريم
فارس العربية الخـ زيد ــــــــيل
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[01 - 11 - 2005, 07:37 ص]ـ
شكرا لك أخي زيد الخيل
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[01 - 11 - 2005, 05:21 م]ـ
جاء في موقع لمسات للدكتور فاضل السامرائي ما يلي
(112 - ما اللمسة البيانية في اختيار كلمة (تفتأ) في سورة يوسف (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85})؟
(يُتْبَعُ)
(/)
في سورة يوسف قال تعالى على لسان إخوة يوسف مخاطبين أباهم يعقوب (قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85}). استخدمت كلمة (تفتأ) هنا بمعنى لا يزال وهي من أخوات كان (ما انفك، ما برح، ما زال، ما فتيء) ما زال تدل على الإستمرار والدوام (نقول ما زال المطر نازلاً) لكن يبقى السؤال لماذا اختار تعالى كلمة (تفتأ) دون غيرها من أخواتها التي قد تعطي نفس المعنى من الإستمرار والدوام؟ ونستعرض معنى كلمة فتيء في اللغة: من معانيها (سكّن) بمعنى مستمر لأنه عندما لا يسكن فهو مستمر، ومعناها أطفأ النار (يقال فتيء النار) ومن معانيها أيضاً نسي (فتئت الأمر أي نسيته). إذن كلمة (فتأ) لها ثلاثة معاني سكّن وأطفأ النار ونسي. وفاقد العزيز سكن بمجرد مرور الزمن فمن مات له ميت يسكن بعد فترة لكن الله تعالى أراد أن يعقوب لا ينسى ولا يكفّ بدليل قوله تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ {84})، وفاقد العزيز كأنما هناك ناراً تحرق جنبيه ويقال (حرق قلبي) والنار التي بين جنبي يعقوب u لم تنطفئ مع مرور الأيام ولم تزل النار ملتهبة مستعرة في قلب يعقوب u، وهو لم ينسى وفاقد العزيز ينسى بعد فترة ولذا يدعو له المعزّون بالصبر والسلوان. إذن تفتأ جمعت كل هذه المعاني المرادة هنا في الآية ولا يؤدي أي لفظ آخر هذه المعاني مجتمعة غير هذه الكلمة. والقرآن الكريم لم يستعمل هذه الكلمة إلا في هذا الموضع في سورة يوسف واستعمل (يزال ولا يزال) كثيراً في آيات عديدة (ولا تزال تطّلع على خائنة منهم).
واستخدام كلمة حرضاً في الآية تدل على الذي يمرض مرضاً شديداً ويهلك.
ومن الغريب أن القياس أن يُقال (لا تفتأ) لأن استعمالها نفي أو شبه نفي. وهذه من مواطن النفي ولم تحذف الـ (لا) في جواب القسم إلا في هذا الموطن في القرآن الكريم فهذه هي الآية الوحيدة التي وقعت في جواب القسم منفية ولم يذكر معها اللام ففي عموم القرآن عندما يكون القسم منفياً يأتي باللام (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لآيبعث الله من يموت) إذن من الناحية النحوية هناك خياران: إما ذكر اللام أو حذفها. فمن الناحية النحوية إذا كان جواب القسم فعل مضارع لا بد أن يكون باللام مع النون مثل (تالله لأكيدنّ أصنامكم) وإما مع اللام إذا اقتضى حف النون. لا بد في جواب القسم المثبت أن تذكر اللام سواء مع النون او بدونها. وعندما لا تذكر اللام فهذا يدل على النفي ولا يكون مثبتاً إلا بذكر اللام مع الفعل المضارع. إذا لم تأتي بـ (لا) فهو نفي قطعاً كقول الشاعر (فلا والله أشربها حياتي) بمعنى لا أشربها قطعاً. وقولنا (والله أذهب) يعني لا أذهب. فقد ورد قوله تعالى (فلا وربّك لا يؤمنون) لم تحذف الـ (لا) هنا ونسأل عن السبب؟ لماذا حذف الـ (لا) في الآية؟ لأن هذا القول قاله إخوة يوسف لكن هل هم أقسموا على أمر يعلمونه حق العلم؟ كلا هم أقسموا على أمر يتصورونه فالأمر إذن ليس مؤكداً ولم يحصل أصلاً فالذكر آكد من الحذف ولذا لم تذكر (لا) في جواب القسم ولقد جاء في الآية ما يفهم المعنى بدون الحاجة لذكر (لا) ولأن الذكر آكد من الحذف ولأن الأمر ليس مؤكداً عند إخوة يوسف. وهذا ما يُعرف بالتوسّع في المعنى في القرآن الكريم.
113 - ما اللمسة البيانية في تقديم الأكل على الشرب في سورة مريم (فكلي واشربي وقرّي عينا)؟
نلاحظ الآية قبلها في سورة مريم (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً {24} وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً {25} فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً {26}). فقد وردت كلمة السري وهي تعني السيّد وجمعها سُراة أي السادة (ولا سُراة إذا جُهّالهم سادوا)، وهي بمعنى أن الله تعالى قد جعلك تحتك سيّدا. أما التقديم والتأخير في الأكل والشرب فنلاحظ أنه في القرآن كله حيثما اجتمع الأكل والشرب قدّم تعالى الأكل على الشرب حتى في الجنّة (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) وقوله (كلوا واشربوا من رزق الله) وكذلك في آية سورة مريم (فكلي واشربي وقرّي عينا) والسبب في ذلك أن الحصول على الأكل أصعب من الحصول على الشرب.)
وهذا بعض مما ورد في مشاركة الأخ زيد الخيل
فلماذا لم يشر لكونه قد نقل كل مشاركته منه؟؟؟
http://www.islamiyyat.com/lamasat-aya.htm#112
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 03:53 ص]ـ
لعله غفل أو نسى وجلّ من لا يسهو(/)
اللفظ والمعنى في لغة التنزيل
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 05:49 م]ـ
:::
اللفظ والمعنى في لغة التنزيل
لعلي غير مفرّط لو أني قلت ((نظرية الشكل والمعنى)) وذلك في الكشف عن أشكال نحوية عربية قديمة. وتعني ((النظرية)) النمط النحوي الذي درج عليه المعربون القدماء في عربيتهم الفصيحة، ولعل شيئاً من هذا ((النمط)) مما لم يعرض له النحاة الأقدمون.
عرف الدارسون للنحو القديم وغيرهم من الذين اقتصروا في درسهم على النحو المدرسي، مادة في باب ((التوابع)) هي ((النعت السببي)) كقولهم: ((مررت بزيد العظيم أبوه))، فالعظيم نعت سببي وهو يصف موصوفاً له علاقة بالمتبوع، ولكنه يتبع في ((إعرابه)) المتبوع الذي يسبقه، ومن أجل هذا سُمّي ((النعت السببي))، وهو يقابل النعت الحقيقي الذي يصف المتبوع ليس غير.
أقول: وموطن الإشكال في هذه المقولة النحوية ما فيها من نقض للإسناد الذي تقدم عليه الجملة في العربية، وذلك أن ((العظيم)) في الجملة الآنفة الذكر ((مسند)) وأن ((أبوه)) مسند إليه، فكيف يكون ((العظيم)) تابعاً في إعرابه للمتبوع وهو ((زيد))؟
فهل لنا أن نقول: إن الجرّ في كلمة ((العظيم)) خطأ وصوابه الضم لأنه مرفوع باعتبار الإسناد؟ لا، لن نقول هذا لأن المعربين قد درجوا على الجر، وكلامهم حق، وما انطلق به المعربون هو العربية، فكان على النحاة أن يجدوا تفسيراً فيعملوا اجتهادهم في ذلك.
ولو أنهم ذهبوا إلى غير ما ذهبوا إليه في موضوع ((السببي)) لأدركوا أن حكاية هذه المسألة كحكاية اللغويين في مسألة ((جُحر ضبّ خَرب))، فقد قالوا في جرّ ((خَرب)): إن ذلك للمجاورة.
أقول: ربما كان قولهم بـ ((المجاورة)) داخلاً في الذي أسميته ((الشكل))، وأعني أن المُعرب يستحسن المشاكلة بين ((خَرب)) والاسم الذي يسبقه وهو ((ضَبّ)). ومن هنا كانت ((المجاورة)) التي قال بها اللغويون هي ((المشاكلة))، وهي ما دعوته بـ ((النظر إلى الشكل)).
وهذا النظر إلى ((الشكل)) هو الذي دفع أبا جعفر يزيد بن القعقاع أن يقرأ: ((سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً)). في حين ذهب جمهور القراء إلى عدم التنوين في ((سلاسل))، وهو الأصل.
هذان نموذجان روعي فيهما ((الشكل))، وعلى هذا أيجوز لي أن أقول في جر ((العظيم)) في قولي: ((مرت بزيد العظيم أبوه)): إن مراعاة الشكل قد جرى عليها المعربون على أنها من طبيعة اللغة.
وبعدُ، فهل لي أن أقول بهذا النظر إلى ((الشكل)) فأجري عليه قوله تعالى: (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلُها)، وهو القول بالجوار، واحتساب الجر للمشاكلة ابتعاداً من اللجوء إلى ((السببيّ)) الذي أشرت إليه آنفاً. ومثل هذا ما ورد في قوله تعالى: (ثم يُخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه).
وقد ينبري غير واحد من الدارسين فيردّ عليّ قولي هذا بالجوار الذي صرفته إلى ((المشاكلة)) متذرعاً بما قال النحاة بـ ((السببيّ)).
وما أريد أن أفسد على هذا الذي يتصدى راداً عليّ بقولي: إن الذهاب إلى ((المشاكلة)) بسبب الجوار يصرفنا عن افتعال شيء يقوم على أساس فاسد، وهو إذا كان النعت لمنعوت معروف فكيف يكون إعرابه مبطلاً لهذه العلاقة النحوية في الإسناد؟ والمشاكلة شيء جَرَت عليه العربية في مواضع كثيرة كما سنرى.
ولنعرض للمواد التي جاءت في لغة التنزيل مرتبة على حروف المعجم:1
1 ـ أمة:
وقد وردت موصوفة بصفة مؤنثة نحو قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدةً).
وفي وصف ((الأمة)) بـ ((واحدة)) مراعاة للفظ، وهي المطابقة بين المؤنث الموصوف والمؤنث الصفة.
وهذه المرعاة لجانب اللفظ هي ما دعوته ((النظر إلى الشكل))، وليس من ضير أن تدخل ((المشاكلة)) فيه. وقد وُصفت ((أمة)) بصفة لا يتحقق حملها على جنس معين مذكراً كان أم مؤنثاً، وهي كلمة ((وَسَط)) كما في قوله تعالى: ( ... وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ... ).
(يُتْبَعُ)
(/)
ونقرأ قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ... ) فنجد الفعل الأول يشير إلى الفاعل المؤنث، وهو ((أمة))، والفعل مبدوء بتاء المضارعة، وليست هذه التاء إلا علامة تطابق بين الفعل والفاعل. وفي هذا نظر إلى الشكل يبدو في المطابقة، ويلي الفاعل فعل مسند إلى ضمير الجمع المذكر، وهو الواو في ((يدعون)). وهذا يعني أن المطابقة قد زالتن وأن مجيء الفعل على ما جاء عليه يشير إلى مراعاة المعنى، وهو النظر إلى المعنى، و ((الأمة)) جماعة من الناس غُلّب عليها التذكير. وعلى هذا جاءت مراعاة المعنى، كما جاءت مطابقة اللفظ، وإن كانت مراعاة اللفظ أكثر وروداً في العربية كما دلّ الاستقراء في آيات عدة وردت فيها كلمة ((أمة)).
وقد روعي التأنيث في ((أمة))، ولو فُصل بينها وبين الفعل فصال هو مذكر في لفظه، وهو الفاعل في ترتيب الجملة النحوية كقوله تعالى: ( ... وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجاءوا بالباطل). إن الفاعل للفعل ((همّت)) هو ((كلّ)) وهو كلمة مفردة مذكرة باعتبار اللفظ، وإن كانت جمعاً في المعنى، وقد روعي الشكل في هذا البناء النحوي، كما روعي المعنى في الاسم والفعل الذي وَلي ((أمة))، وهذا كله من خصائص لغة التنزيل.
2 ـ بَشَر:
جاءت ((بَشَر)) في قوله تعالى: (قالت رب أنّى يكونُ لي ولد ولم يمسسني بشر).
أقول: لابد أن نعرض لدلالة ((بَشَر)) ليتأتّى لنا أن نقول في مراعاتها والنظر إليها. وهي في هذه الآية تعني ((الرجل))، وهي على هذا مفرد مذكر، وكذلك جاءت مراعاةً للمعنى.
وجاءت في قوله تعالى: (بل أنتم بشر ممن خَلَق يغفر لمن يشاء ... ).
وهي هنا جمع مذكر بدلالة الضمير ((أنتم)).
3 ـ بعض:
إن الكلام على ((بعض)) مفيد، فقد تكلم فيها المعنيون بهذه اللغة القديمة الشيء الكثير، فمنهم مَن قَصَر دلالتها على الواحد، وفي هذا مراعاة للشكل، ذلك أن لفظ ((بعض)) هو الإفراد والتذكير. ومنهم مَن صرفها إلى الجمع، وكأن هؤلاء قد لمحوا فيها ما لمحوه في ((بضع)) ودلالة هذه الأخيرة على الثلاثة إلى العشرة.
ولنعد إلى استقراء ((بعض)) في لغة التنزيل فنقول: إنها جاءت للدلالة على الواحد كقوله تعالى:
(ولولا نزلناه على بعض الأعجمين فقرأه) والدلالة واضحة بدلالة الفعل اللاحق ((فقرأه)) وفي هذا فائدة لغوية أخرى هي النظر إلى ((الشكل))، والشكل هنا هو اللفظ، وليس ((المعنى)) الذي هو إفادة الجمع. ومثل هذا قوله تعالى: (وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به).
وقد يحمل ((بعض)) على الواحد دلالة معنوية، فيكون في ذلك مراعاة للشكل، وهو اللفظ المذكر الواحد، ولكنه على الرجحان لا القطع كما في قوله تعالى: ( ... وألقَوه في غيابة الجُب يلتقطه بعض السيارة)، و ((بعض السيارة)) أحدهم استرجاحاً.
والكثير في ((بعض)) في كلام الله ـ عزوجل ـ دالّ على الجمع استرجاحاً، وفي ذلك يتحقق النظر إلى المعنى كقوله تعالى: ( ... إن تقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء)، وإذا كنت استرجح دلالة الجمع ففي دلالتها على الواحد قبول، و ((بعض الآلهة)) قد يكون جمعاً، وقد يكون واحداً، وفي كليهما ضرب من النظر يقوم إما على مراعاة الشكل أي اللفظ، وإما على مراعاة المعنى وهو الجمع.
(تلك الرسلُ فضلنا بعضَهم على بعض ... ).
(وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء مَنّ الله عليهم).
ودلالة الجمع تتحقق من المعنى، وقد يأتي مستفادة من قرينة دالة كقوله تعالى:
(والذين كفروا بعضهم أولياء بعض).
(وأقبل بعضُهم على بعض يتساءلون).
وقد تأتي ((بعض)) مكررة دالة على الواحد استرجاحاً، نحو قوله تعالى:
(وإن كثيراً من الخُلَصاء يَبغي بعضهم على بعض).
( ... خصمان بَغَى بعضُنا على بعض فاحكم بيننا بالحق).
وجملة هذه الآيات تكشف عن أن ((بعض)) مفرد في لفظه، فروعي هذا في آيات، وجمع في معناه فروعي هذا في آيات أخرى.
4 ـ جبل:
و ((الجبال)) جمع ((جَبَل)) وقد روعيت في لغة التنزيل على أنها مؤنث، ولكن هذا المؤنث مع صفته الدالة على الجمع كان له مع الفعل نمط خاص، فهو فعل لحقته تاء التأنيث التي تلحق الفعل إذا كان الفاعل مؤنثاً مفرداً، ومثله نائب الفاعل، كقوله تعالى:
(ولو أن قرآناً سُيّرت به الجبال ... ).
ومثل ذلك إذا ابتدئ بها فجاء الفعل بعدها واقترنت تاء التأنيث كقوله تعالى:
( ... وإذا الجبال نُسفَت).
(يُتْبَعُ)
(/)
وهذا نظير قوله تعالى: (يوم تمور السماء مَوراً وتسير الجبال سيراً).
ومراعاة ((الجبال))، وهي جمع مؤنث كمراعاة المفرد المؤنث يتضح في قوله تعالى: (ولقد آتينا داود منّا فضلاً يا جبالُ أوبي معه والطيرَ ... ).
ويتبين هذا أيضاً في عود الضمير ا لمؤنث المفرد على ((الجبال)) وهي جمع كقوله تعالى:
(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نَسفاً).
غير أننا نجد ((الجبال)) وقد روعيت جمعاً مؤنثاً بدلالة الفعل بعدها مسنداً إلى نون النسوة كما في قوله تعالى: (إنا سخّرنا الجبال معه يُسبحنَ بالعشي والإشراق).
وقد وُصفت ((الجبال)) بصفة مفردة مؤنثة في قوله تعالى: (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرَّ السحاب).
5 ـ جمل:
وقد جاء في لغة التنزيل ((جمالة)) اسم جمع لـ ((جمل كالصحب والصحابة ونحو هذا، وذلك في قوله تعالى: (إنها ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالة صُفر).
غير أن ((جمالة)) قد وصفت بالجمع المؤنث وهو ((صُفر)) جمع أصفر أو صفراء، وفي هذا نظر إلى معنى الجمعية دون ((الشكل)) وهو لفظ المفرد المؤنث.
6 ـ رحم:
وتعرض في هذا الأصل ((رحمة)) وهي اسم مؤنث في قوله تعالى:
(إن رحمةَ الله قريب من المحسنين).
تعليق:
في هذه الآية وُصفت ((الرحمة)) وهي اسم مؤنث حقيقي بـ ((قريب)) على جهة الإسناد لا الوصف. وقد اكتفى النحاة بقولهم: إن ما جاء على ((فعيل) يستوي فيه المذكر والمؤنث، وحملوا على هذا بناء ((فَعول)) نحو: صَبور وغيره.
وقالوا أيضاً: إن ((فعيل)) الذي يستوي فيه المذكر والمؤنث لابد أن يكون بمعنى ((مفعول))، وهو غير مطرد، فقد يأتي منه بمعنى ((فاعل)) نحو: ((قريب)) الذي جاء في الآية.
أن العربية بعد أن فارقت عصر القرآن قد وجد فيها شيء اقتضاه تحول الزمن الذي قضى بالتمييز بين المذكر والمؤنث دفعاً للبس، ولأن الحياة الجديدة بعد تلك الحقبة كان فيها من العلم بحقوق المرأة و ((الزوج)) وبما يكون من حقها في الإرث والزواج والطلاق وسائر ما يدعى ((الأحوال الشخصية)) من خصوصيات تختلف عنها في الرجل ((الزوج))، كل ذلك كان من شأنه أن يميز في كلمة ((زوج)) لتدل على المراد لأن ((زوج)) للرجل والمرأة، وهكذا لحقت العلامة كلمة ((زوج)) للدلالة على المرأة فشاعت كلمة ((زوجة)).
ومن الدليل على أن التأنيث حادث وليس بأصيل ميل العربية إلى الابتعاد عن المؤنث بجعل الفعل يَعرَى عما يشير إلى المؤنث الفاعل كما في قوله تعالى: (وقال لهم خزَنتها سلام عليكم). وأدَلّ من هذا قوله تعالى: (وقال نسوة في المدينة).
إن الفعل في الآية قد عَري عما يشير إلى أن الفاعل مؤنث وهو ((خَزَنتها)) بسبب الفاصل ((لهم))، وكأن الفاصل سوّغ الرجوع إلى الأصل، وهو التذكير في العربية، وهو صاحب الأصالة.
والفعل ((قال)) في الآية الثانية قد عَريَ عما يشير إلى أن الفاعل مؤنث حقيقي جَرياً مع العربية التي ننظر إلى الأصل، وهو عدم العلامة المميزة للمؤنث.
ولعلي أُلحق بهذا ما ورد من مجيء الصفة مذكرة والموصوف مؤنث كقوله تعالى: (خُشَعاً أبصارهم)، إن ((خُشّعاً)) جمع ((خاشع)) مثل ((ساجد)) وجمعه ((سُجَّد))، وعودها إلى الأبصار على طريقة النعت السببي يومئ إلى إغفال المؤنث باعتبار التذكير، وهو الأصل، في حين وصفت ((الأبصار)) بـ ((خاشعة)) وهي مؤنثة جرياً على ما انتهت إليه العربية في تطورها في قوله تعالى: (خاشعةً أبصارُهم).
وجاءت مراعاة المعنى في كثير من الكلم الذي قد يعني الكثرة كما رأينا في ((بعض))، وكما هو الحاصل في ((كلّ)) و ((جميع)) كما سنرى، ولكنها تجاوزت هذا الحد إلى ما هو أقرب إلى الجمع مما له مفرد من لفظه أو غيره. ومن هذا الضرب الأخير ((ذباب)) فقد روعي إفراده وتذكيره، وإن كان منه ((ذبابة)) كسائر أسماء الجمع وأسماء الجنس نحو: شَجَر وشَجَرة، وتَمر وتَمرة، قال تعالى:
(وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه). وقد يُلحَق بهذا مما لم يأت منه مفرد كما في ((ذُرّيّة))، فقد وُصفت، وهي اسم مؤنث بالصفة مجموعة جمعاً مذكراً كما في قوله تعالى: (ولهم ذرية ضعفاء)، وهذا يعني أن مراعاة المعنى قد غُلّب في الوصف، ذلك أن ((ذرية))، وهي لفظ مؤنث، تشتمل على الذكور والإناث. والتغليب للذكورة.
(يُتْبَعُ)
(/)
غير أن مراعاة اللفظ، والنظر إلى الشكل قد تحقق في هذه الكلمة في قوله تعالى: ( ... قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة)، فقد وُصفت بصفة مفردة مؤنثة حملاً على لفظها أي شكلها. كما جاء الضمير مفرداً مؤنثاً في قوله تعالى: ( ... ذرية بعضُها من بعض).
7 ـ رسل:
قال اللغويون القدامى: إن الجمع في العربية مؤنث على الغلبة التي يستبعد منها جمع المذكر السالم، وقد كانت النصوص مؤيدة كثيراً هذا الذي ذهبوا إليه، ولنعرض لكلمة ((رُسل)) في لغة التنزيل لنقف على ((رُسل)) وكيف وردت في الآيات الكثيرة.
ولا بد من القول: إن ((الرُسل)) جمع ((رسول))، وعلى هذا فالتذكير أصيل فيها إفراداً ودلالة في المعنى.
جاء في قوله تعالى: ( ... رُسُلاً مبشرين ومنذرين ... ).
وقد روعي التذكير بالوصف المجموع وبالضمير الجمع المذكر العائد على ((الرُسُل)). غير أننا نجد النظر إلى الشكل بتحقق في التأنيث الذي نجده في الفعل وغيره كما في قوله تعالى:
(قد جاءت رُسُل ربنا بالحق).
8 ـ ريح:
جاءت كلمة ((الرياح)) في لغة التنزيل، وهي جمع، وقد اعتُبر فيها التأنيث فوُصفت بالجمع كما في قوله تعالى:
(وأرسَلنا الرياحَ لواقح ... ).
وقد يتقدمها الفعل مشيراً إلى تأنيثها كما في قوله تعالى: ( ... فأصبَحَ تَذوره الرياحُ).
9 ـ زوج:
ويأتي الجمع ((أزواج)) في لغة التنزيل فيدل على أنه جمع لـ ((زوج)) وهي ((زوج)) الرجل، كما يأتي جمعاً لـ ((زوج)) للأنعام وغيرها مما تنبت الأرض من الشجر والنبات.
فأما ((الأزواج)) في دلالتها على جمع ((زوج)) للرجل فقد جاء موصوفة بصفة مؤنثة مفردة، وفي التأنيث مراعاة للحقيقة، ولكن الإفراد جَرَت عليه العربية في وصف الجمع ما عدا جمع المذكر السالم، ومن ذلك قوله تعالى: (ولهم فيها أزواج مطهرة).
كما ورد في الضمير العائد على ((أزواج)) مفرداً مؤنثاً وذلك في قوله تعالى: (ومن آياته أن خَلَقَ لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها).
غير أننا نجد ((الأزواج)) قد روعي فيها التأنيث والجمع فعاد عليها ((النون)) ضمير الإناث كما في قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن ... ).
10 ـ سحب:
قد وردت ((السحاب)) في جملة من الآي الكريم، وهو في بعض منها مفرد مذكر بدلالة الوصف، وهذا يأتي من مراعاة اللفظ والشكل، فاللفظ مذكر كما في قوله تعالى: (وإن يَرَوا كسفاً من السماء ساقطاً يقولون سحاب مركوم).
وقد يأتي بعد ضمير مفرد مذكر يعود عليه نحو قوله تعالى: (الله الذي يُرسل الرياحَ فتُثير سحاباً فيبسُطُه في السماء كيف يشاء).
ولكنك تجد ((السحاب)) في آيتين قد وُصف بصفة مجموعة تخلُص للتأنيث، وهذا يعني أن النظر إلى المعنى كقوله تعالى: (ويُنشئ السحابُ الثقال). وقوله تعالى: (حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً).
11 ـ سبل:
ويحسن بنا أن نقف على ((سنبلة)) في لغة التنزيل فتجدها في قوله تعالى: (إني أرى سبع بقرات سمان يأكُلُهنّ سبع عجاف وسبع سنبلات خضر ... ).
تعليق:
أقول: وجمع المؤنث في ((سنبلات)) وغيرها هو جمع أدنى العدد (أي جمع القلة)، وهو يفيد هذه الدلالة القليلة العدد في كل اسم يجمع هذا الجمع إلا إذا كان الاسم لا يجمع إلا بالألف والتاء نحو البنات، والهبات وغيرهما، فهو في هذه الحالة يدل على الكثرة، ولا يخلص إلى القلة إلا بقرينة دالة فيقال مثلاً: سبع بنات، أو بضع هبات، فإذا قلنا: سبع سنبلات، فهو جمع قلة من غير دلالة العدد عليه، ومثل هذا ((بقرات)) التي وردت في الآية، والجمع الكثير فيهما: سنابل وبقر.
وقد يعترض معترض فيقول: وردت ((سنابل)) في القرآن، وهي مفيدة القلة، في قوله تعالى: (كمثل حبّة) أنبتت سبع سنابل ... )، والجواب عن هذا أن ((سنابل)) تفيد الكثرة، وإنما أفادت القلة بقرينة العدد ((سبع))، وليس في هذا ما يخرم القاعدة، وهذا باب من فصاحة العربية.
12 ـ سوء:
ولنرجع إلى مراعاة المعنى في بناء الجملة القديمة فنجد ((السيئات)) في قوله تعالى: (ولئن أذقناه نعماء من بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني ... )، وفي هذه الآية جاءَ الفعل ((ذَهَبَ)) وفاعلُه ((السيئات)) جمع مؤنث حقيقي التأنيث. ولو كان بين الفعل والفاعل فاصل من ضمير لقلت قام الضمير حاجزاً فأبعَدَ التأنيث كقوله تعالى: (فأصابَهم سيئاتُ ما عملوا).
(يُتْبَعُ)
(/)
ولنقف قليلاً على ((سَوأة)) وهي ما يُستَر من عَورة الإنسان كما في قوله تعالى: ( ... كيف يُواري سوأة أخيه). وهذه تجمع على ((سوآت)) جمعاً مؤنثاً كقوله تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يوُاري سوءاتكم ... ).
ولكن هذه الكلمة قد وردت في آية في الكلام على آدم وحواء، فجمُعت ولم يُدلّ على التثنية وهي المقصودة في الآية إلا بالضمير الذي عاد عليهما، قال تعالى: (فوسوس لهما الشيطان ليُبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما).
أقول: وهذا باب من العربية يُراد به إحسان الأداء، وإن الكلمة ((سَوأة)) لو ثنيت فلحقها ضمير التثنية، لم تكن حسنة مستملحة، ولفقدت شيئاً من طلاوة درجت لغة التنزيل على أن يكون فيها شيء كثير من الكلم النوابغ.
13 ـ شرذم:
قلت: إن إحسان الأداء وإصابة الغرض وإبداع القول من خصائص لغة التنزيل، ومن هنا وُصفَت ((شرذمة)) وهي الفئة القليلة العدد بصفة جُمعت جمع تصحيح مذكر في قوله تعالى: (إن هؤلاء لشرذمة قليلون).
14 ـ صحف:
وقد وردت ((الصحف)) في جملة آيات روعي فيها النظر إلى الشكل، وهي أنها جمع مؤنث، فكانت ((الصحف)) موصوفة بـ ((الأولّى، ومُكَرّمة، ومطهّرة، ومُنشّرة)). وليس لي أن أذكر قوله تعالى: (وإذا الصحف نُشرت).
15 ـ ضيف:
وجاءت كلمة ((ضيف)) في بعض الآيات، ويراد بها الجمع كما جاءت في آيات أخرى لا يتجه فيها شيء إلى إرادة المفرد فقد يكون ولا يكون، قال تعالى: (هل أتاكَ حديثُ ضيف إبراهيم المكرمين)، وقوله تعالى أيضاً: (قال أن هؤلاء ضيفي فلا تفضَحون). ودلالة الجمع في هاتين الآيتين واضحة مؤيدة. غير أننا نجد قوله تعالى: (وقد راودوه عن ضيفه فطمَسنا أعينهم)، وقوله تعالى: (فاتقوا الله ولا تخرون في ضيفي). ولسنا على يقين من دلالة ((ضيف)) في هاتين الآيتين.
16 ـ طوف:
الطائفة جماعة، وهي مفردة مؤنثة باعتبار اللفظ، وجمع مؤنث باعتبار المعنى، ويتبين هذا في قوله تعالى: (ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يُضلّونكم). إن الفعل ((ودّت)) تلحقه التاء، والفاعل ((طائفة)) وهو مؤنث، ولفظة لفظ المفرد، وهو جمع في المعنى، فجاء الفعل اللاحق ((يُضلّونكم)) مسنداً إلى جماعة الذكور متصلاً بضمير الجمع المذكر.
على أننا نجد هذا الاسم مسبوقاً بالفعل ((بيَّتَ)) على أنه فاعل، وهو مفرد مذكر، وذلك في قوله تعالى: (فإذا بَرزوا من عندك بيَّتَ طائفة منهم غير الذي تقول).
وقد وُصفت الطائفة بصفة مفردة مراعاة للفظ فجاء قوله تعالى: (ولتأت طائفة أخرى لم يُصلّوا فليُصلّوا معك)، ولكن الفعل بعد الفعل قد اعتبر فيه المعنى فلحقه واو الجمع المذكر.
ولنقف على مثنّى ((طائفة)) وكيف جاء في لغة التنزيل فنقرأ قوله تعالى: (إذ هَمَّت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما)، وقد جاء الفعل بعد المثنى يشير إلى أن الاسم مثنى بدلالة ألف التثنية فيه ((تفشلا))، وفي هذا نظر إلى اللفظ أو الشكل وهو التثنية. غير أننا نجد في آية أخرى هذا المثنى وقد لحقه فعل قد أُسند إلى جماعة الذكور كما في قوله تعالى:
(ون طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بَغَت إحداهما فقاتلوا التي تبغى ... )، وفي هذه الآية نظر إلى المعنى وهو الجمع، على أنك تجد في آخر هذه الآية عوداً إلى اللفظ أو الشكل في ضمير التثنية المتصل في ((بينهما))، وجملة هذا التحول بين التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية من خصائص لغة التنزيل العزيز.
17 ـ عنق:
وروت ((الأعناق في آية وقد وصفت بصفة مصروفة إلى ((الخبر)) وهي جمع سلامة مذكر، وذلك في قوله تعالى: (فظلت أعناقهم خاضعين)، ولابد من جعل ((خاضعين)) خبراً لـ ((ظلّ)) غذاكان دأبنا الدرس النحوي، غير أنك تتوقف قليلاً وأنت تنظر إلى الآية في حدود ما يوصف به العاقل وغيرا لعاقل، وذلك أن ((خاضعين))، وهي جمع مذكر سالم لا يمكن أن يوصف بها ((عناق)) وهو غير عاقل، ولكنك تجد في التأويل والدرس البلاغي سعة في قبول هذا، بل استحسانه في وروده في هذه الديباجة المشرقة من كلام الله تعالى.
18 ـ فلك:
وجاءت ((الفُلك)) في آيات كثيرة، وهي، في شيء منها، مؤنث مفرد، فاعل لفعل يسبقها، أو إنها مسند إليه يتلوها فعل يشير إلى تأنيثها، وذلك في قوله تعالى:
(ولتجري الفلك بأمره).
(يُتْبَعُ)
(/)
وجاءت في آيات أخرى متلوةً بما يفيد أنها جمع مؤنث كما في قوله تعالى: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة)، فالفعل ((جَرَين)) بنون الإناث يشير إلى أن ((الفلك)) جمع مؤنث.
ونقرأ كل هذا ثم نقرأ قوله تعالى: (فأنجَيناه ومَن معه في الفلك المشحون)، فنجد ((الفلك)) قد وصف بـ ((المشحون)) وهو مفرد مذكر.
19 ـ كلّ:
جاءت كلمة ((كل)) في أكثر من ثلاث مئة آية، وكلها يشير إلى أن ((كل)) تعني ((أي)) وهي مفرد، كقوله تعالى: (إن الله على كل شيء قدير).
ولم نجد في مجموع هذه الآيات إلا قوله تعالى: (كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل)، ففي هذه الآية تلمح في ((كلّ)) دلالة الجمع، وقد تحتمل معنى الإفراد.
20 ـ نحل:
((النحل)) من أسماء الجمع، والواحدة ((نحلة))، وقد روعي فيها التأنيث والإفراد كما في قوله تعالى:
(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي بيوتاً)، وفي هذا نظر إلى اللفظ.
وقد نقف إزاء هذه المسألة اللغوية الخاصة بالنحل فندرك أسلوب القرآن في مراعاتها، ثم نقف على نظيرها وهو ((النمل)) فنقرأ قوله تعالى: (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم)، فنجد ((النمل)) جمعاً مذكراً، وقد يكون هذا بسبب ما أسند إليه من صفات العاقلين ولوازمهم، وهو ((القول)) الذي ورد في الآية ((قالت نخلة)) على أن هذا التأويل لا يدخل في النظام النحوي لبناء الجملة.
21 ـ نخل:
ورد ((النخل)) في إحدى عشرة آية، وهو مفرد مؤنث في بعض منها كما في قوله تعالى: (فترى القوم فيها صَرعَى كأنهم أعجاز نخل خاوية). وقد يدل على الإفراد والتأنيث بما ولي ((النخل)) من ضمير مفرد مؤنث كما في قوله تعالى: (وزرع ونخل طلعها هضيم).
وقد يأتي ((النخل)) جمعاً مؤنثاً بدلالة الوصف المؤنث جمعاً كما في قوله تعالى: (والنخلُ باسقات لها طَلُع نضيد)، والضمير العائد عليها مفرد مؤنث.
وكما جاءت ((النخل)) مفردة مؤنثة كما مثّلنا، وكقوله تعالى: (والنخلُ ذاتُ الكمام)، جاءت أيضاً مفرداً مذكراً كما في قوله تعالى: ((تنزع الناسَ كأنهم أعجاز نخل مُنقعر).
----------------------------------
* المصدر: معجميات
فارس العربية الخـ زيد ــــــــــــــــيل(/)
تَطوُّرُ البَحْث الدَّلالي ِدراسة تطبيقية في القرآن الكريم
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 10:07 م]ـ
:::
تَطوُّرُ البَحْث الدَّلاليِ
دراسة تطبيقية في القرآن الكريم
تمهيد وتحديد 9
الفصل الأول: نظرية البحث الدلالي عند المحدثين 13
الفصل الثاني: أصالة البحث الدلالي عند العرب 25
الفصل الثالث: تطبيقات البحث الدلالي في القرآن الكريم 45
الفصل الرابع: معجم العلماء الدلاليين من العرب والأوروبيين 65
خاتمة البحث 92
موسوعة الدراسات القرآنية
(8)
تَطوُّرُ البَحْث الدَّلاليِ
دراسة تطبيقية في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة الكوفة
--------------------------------------------------------------------------------
(5)
«ثبت الكتاب»
تمهيد وتحديد 9 ـ 12
مكانة البحث الدلالي في المنظور النقدي بلاغياً ولغوياً / التفكير في العلاقة الدلالية جملي / التبادر الذهني يحدث دفعة واحدة / مصطلح البحث الدلالي مصطلح نقدي أوروبي معاصر / معالم هذا البحث في التحديث والتراثية / استبعاد السبق المنطقي والعرض الأصولي عن مهمة البحث / استقرار المنهج الأصولي عند الأستاذ الأعظم ولدى الإمام الخوئي / صلتي برئيس جامعة النجف الدينية تابعت إنجاز هذا البحث. الفصل الأول 13 ـ 24
(نظرية البحث الدلالي عند المحدثين)
ميشال بريال مؤسس علم الدلالة الفرنسي / أوجدن وريتشاردز في نظرية معنى المعنى في النقد الإنكليزي / مفهوم الدلالة لدى الأوروبيين / صلة اللغة بالفكر والصورة بالصوت / تصورنا للمصطلح الدلالي بظاهرتيه: الحسية والمعنوية / كشف الفروق المميزة للدلالة بين النظرية والتطبيق / إيجاد صيغة المصطلح الدلالي في حدود الفهم العربي والأوروبي المشترك / آراء علماء الفريقين في اطار الدلالة للخلوص إلى المؤدى / عدم وضوح رؤية الدلالة / العناية بالجانب التأريخي للألفاظ مقترنة بالجانب النفسي / طه حسين أجمل المعيار القديم والحديث لدلالة الألفاظ / روح الدلالة عند العرب / الجواري يستلهم الدلالة من القرآن العظيم / جميل سعيد يكتشف روح الدلالة في لغة الشعر الجاهلي.
--------------------------------------------------------------------------------
(6)
الفصل الثاني 25ـ24
(اصالة البحث الدلالي عند العرب)
الجهود المبكرة لعلماء العروبة والإسلام في تأصيل البحث الدلالي / البحث الدلالي سبق علمي للعرب والمسلمين / الخليل بن أحمد والجاحظ ذهبا إلى هذا المنهج / ابن جنّي نظر للمصطلح الدلالي من الواقع اللغوي والصوتي في التراث / الشريف الرضي صاحب منهج تطبيقي في الدلالة / تبلور الظاهرة الدلالية عند الثعالبي / عبد القاهر أصّل موضوع الدلالة وخطط لمفاهيمه / ابن الأثير وحازم القرطاجني والسيوطي في جهودهم النظرية والتنظيرية في علم الدلالة وتوابعها.
الفصل الثالث: 45ـ46
(تطبيقات البحث الدلالي في القرآن الكريم)
لغة القرآن ذات طابع دلالي خاص / نشاط اللغة العربية في القرآن مستمد من سمات بلاغية متجانسة تؤكد المعاني الثانوية فضلاً عن المعاني اللغوية الأولية / تطبيقات البحث الدلالي كشفت اختيار القرآن اللفظ المناسب في الموقع المناسب من العبارة القرآنية / ثلاث ظواهر قرآنية متميزة في دلالة الألفاظ بالمعنى الاصطلاحي الدقيق / التناسق القرآني مع مقتضيات الأحوال / الألفاظ في القرآن منضمة إلى المعاني دون تمايز / الخطاب بألفاظ القرآن إلى سكان الأرض لكشف الأسرار العلوية بحسب الذائقة الفطرية / تحليل نقدي لظواهر الألفاظ في القرآن / الوقوف عند جهود الخطابي فيما أورده من افتراضات وفيما أثبته من تطبيق دلالي لألفاط القرآن / دقة الخطابي فيما أجمله من إفاضات في هذا المجال على سنن العرب الأقحاح.
الفصل الرابع 65 ـ 91
(معجم العلماء الدلاليين من العرب والأوروبيين)
طبيعة هذا المعجم الأحصائية / التزامه بطريقة الألفباء
--------------------------------------------------------------------------------
(7)
المعجمية / الأسس الأولية التي قام عليها المعجم / الاعتذار عن السهو بالنسبة للمحدثين / الدلاليون العرب القدامى / الدلاليون العرب المحدثون / الدلاليون الأوروبيون.
5ـ خاتمة البحث 92 ـ 94
(يُتْبَعُ)
(/)
نتائج كل فصل من الفصول السابقة التي توصلنا إليها. 6ـ المصادر والمراجع 95 ـ 98
أ ـ العربية
ب ـ الأجنبية 7ـ ثبت الآيات القرآنية 99 ـ 101
الواردة في الكتاب بحسب ترتيب المصحف.
--------------------------------------------------------------------------------
(8)
--------------------------------------------------------------------------------
(9)
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد وتحديد:
في منظور النقد البلاغي واللغوي يحتل البحث الدلالي ذروة التأصيل الفني حيث تتبلور الدلالة بلاغياً و لغوياً ونقدياً جملة واحدة، وذلك عند التفاصيل الدقيقة التي تجعل الدال علامة يرمز إليها بالأشكال، والمدلول إمارة يؤكد عليها بالمعاني، والعلاقة القائمة بينهما نتيجة محورية تتمخض عن التقائهما.
إن التفكير في استنباط هذه العلاقة التي هي جوهر الدلالة يجب أن يحدث جملياً دون تردد، ومتى تم لنا هذا كانت الدلالة المتصورة ذهنياً حصيلة عملية فورية لاقتران الدال بالمدلول، أو اللفظ بالمعنى، أو الشكل بالمادة، أو الاطار بالمحتوى ... بمختلف التعبيرات المختلفة المنطوق، والمتحدة المفهوم ... ويمكن تجسيد هذا هذا المنظار في ضوء ما نجده في التصور الأولي للحرف (أ) في اللغة العربية عند الذهن وذلك حين يرسم هذا الأمر دالاً بشكله على هيئته الذهنية، وهو نفسه في اللغة الانكليزية يرتسم شكلياً على هذا النحو ( A ) حينما نتصوره بهذه اللغة دون سواها.
والتبادر الذهني لهذه الرموز عند نطقها يحدث دفعة واحدة عند تصور أشكالها في الخارج بحيث لا يلتبس التصور للحرف نفسه، ولا يختلط بغيره من الحروف في كل من اللغتين.
البحث الدلالي الحق هو ذلك البحث الذي يخلص إلى نتائج النظرية والتطبيق في دلالة الألفاظ بحيث لا ينفصل التصور الذهني المجرد عن الشكل المادي الخارجي، وهذه المهمة هي المنعطف الهادف لمسيرة البحث الدلالي المتطورة عند العرب والأوروبيين.
--------------------------------------------------------------------------------
(10)
ومصطلح البحث الدلالي من المصطلحات النقدية المعاصرة في منهج التحديث الأوروبي ولهذا فقد كان طبيعياً وموضوعياً أن نستعرض بعض ملامح هذا البحث بلغته المحدثة، والتي يمكن لمحها عند المقارنة الجادة بين الموروث الدلالي عند العرب والمسلمين ـ قبل أن يتحقق مفهومه في الدرس النقدي الجديد ـ وبين معطيات الفكر الأوروبي الحديث والعربي المعاصر.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة العلمية فقد فضلت أن أشير إلى أن دراسات المحدثين في هذا الميدان تستأهل الاهتمام المبكر بغية تخطيط البحث نظرياً وموقفاً، ولدى عرضه سيتجلى التجديد في مجال الأسلوب، والبقاء على الموقف الأم في التراث الاسلامي عند العرب، وستجري تطبيقات البحث بالوقوف عملياً عند طائفة مختارة من الزخم القرأني لغوياً ونقدياً في لمحات خاطفة على سبيل الأنموذج والمثال، ونكون بذلك قد أجرينا المقارنة العلمية الكاشفة من جهة، ودللنا على تطور البحث من جهة أخرى ونظّرنا له بالقرآن الكريم تطبيقاً.
وفي ضوء هذا التخطيط الأولي كانت معالم البحث متسعةً لثلاثة فصول على النحو الاتي: ـ
الفصل الأول:نظرية البحث الدلالي عند المحدثين.
الفصل الثاني: أصالة البحث الدلالي عند العرب المسلمين.
الفصل الثالث: تطبيقات البحث الدلالي في القرآن الكريم.
ولقد رأيت من المفيد حقاً ـ بعد هذه الفصول ـ أن أخصص فصلاً إضافياً قائماً بذاته، لمعجم تقريبي إحصائي بأسماء أبرز الدلاليين العالميين من النقاد والبلاغيين، قدامى ومحدثين، تسهيلاً لمهمة الباحث الأكاديمي حينما يتناول نظرية الدلالة لدى «السمانتيكيين» في الموضوع على وجه التفصيل لأوجه الإشارة والتمثيل كما هو في طبيعة هذا البحث في النظرية والتطبيق.
وتبقى محاور هذا البحث المركزية متمثلة بالتحديث أولاً، وبالتراثية ثانياً، وبالتنظير القرآني أخيراً، وليس في البحث مسح إحصائي لهذه
--------------------------------------------------------------------------------
(11)
(يُتْبَعُ)
(/)
المحاور بقدر ما فيه من لمح لتطور البحث الدلالي نظرياً، مع احتفاظ الفكر الإسلامي والعربي بحق الابتداع للموضوع، والابتكار في منهجية البحث، مما يلقي نوعاً من التوجه نحو الجهود المبتكرة للدلالة اللغوية في ضوء النقد البلاغي في أرقى مقاييسه الفنية رؤية ومعاصرة.
ولما كانت هذه المهمة في البحث مهمة نقدية وبلاغية ولغوية فقد أبعدنا السبق المنطقي، والعرض الأصولي للمسألة ولسنا بصدد الخلط بين مفهوم الدلالة عند المناطقة باعتبارها تضمينة أو التزامية أو مطابقية، وبين المفهوم البلاغي المتشابك للدلالة كما فعل الخطيب القزويني (ت: 739 هـ) تبعاً لأبي يعقوب السكاكي (ت: 626 هـ).
ولسنا نريد إضافة شيء على ما أفاده علماء الأصول في مباحث الألفاظ باعتبارها تشخص صغريات أصالة حجية الظهور في الأمر والنهي، والمفاهيم، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والتعارض على وجه.
فهذه كلها مباحث أصولية وعليها مسحة دلالية، لاشك في هذا، ولكنها مباحث تتعلق بالألفاظ خالصة من حيث إفادتها أحكاماً شرعية معينة، بل هي ضوابط أساسية فيما يستفيده المجتهد لدى عملية الاستنباط، وبناء الحكم على أصل من دلالة اللفظ المتبادرة اليه فيما يحتمله لسان الشارع المقدس. ولسنا بأزاء بيان هذا الأصل أو الخوض فيه، فضلاً إلى أن السبق المنطقي والعرض الأصولي، وأن تعلقاً بالبحث هامشياً، إلا أنهما من المباحث المستفيضة التي كتبت ودوّنت وطوّرت ونضجت واستقرت بمنهج ثابت في المنطق وأصول الفقه لا سيما عند الأستاذ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري (ت: 1281هـ) والتعرض لهما حديث عنهما لاعن النقد البلاغي. كما هي الحال في محاضرات زعيم الحوزة العلمية الإمام الأكبر السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) وإفاضاته الأصولية المتطورة.
إذن: هذا العرض بعيد عن المفاهيم المقحمة بالنقد والبلاغة نتيجة تأثير البيئة الكلامية، وسيطرة المنطق، وسيرورة علم الأصول، وإنما هو كشف دلالي لصميم المخزون التراثي من النقد البلاغي في ضوء المتغيرات الأوروبية المتواجدة. ومن خلال التطبيق القرآن العظيم.
--------------------------------------------------------------------------------
(12)
وقد أفدت من صلتي العلمية بالأستاذ الحجة السيد محمد كلانتر رئيس جامعة النجف الأشرف متابعته في إنجاز هذا البحث على وجه السرعة لأنه يتسم بالأصالة فيما أفاض، فكان له ما أراد. فإن كان الأمر كذلك فبفضل من الله تعالى وحده، وإن كانت الأخرى فما لايدرك كله، لايترك كله.
وفقنا الله جميعاً لاستقراء الحقائق من ينابيعها الأولى.
وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم عليه توكلت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. النجف الأشرف
الدكتور محمد حسين علي الصغير
أستاذ في جامعة الكوفة
--------------------------------------------------------------------------------
(13)
الفصل الأول
نظرية البحث الدلالي عند المحدثين
--------------------------------------------------------------------------------
(14)
--------------------------------------------------------------------------------
(15)
نظرية البحث الدلالي عند المحدثين:
يرى علماء الدلالة المحدثون إن اللغوي الفرنسي ميشال بريال ( M.Breal ) يعتبر مؤسس علم الدلالة المتعارف عليه اليوم، وهو الذي وجه الاهتمام لدراسة المعاني بذاتها، وقد اقترنت أهمية ريال هذه بمحاولة الناقدين اللغويين الإنكليزيين: أوجدن ( C.K.OGden ) وريتشاردز ( I.A.Richards ) الذين حوّلا مسار الدلالة بكتابهما المشترك: معنى المعنى ( The meaning of meaning ) الصادر عام 1923 (1). وذلك بتساؤلهما الحثيث عن ماهية المعنى من حيث هو عمل متزاوج من اتحاد وجهي الدلالة: أي الدال والمدلول، فوجّها العناية بالعلاقة التي تربط مكونات الدلالة التي يجب أن تبدأ من الفكرة أو المحتوى الفعلي الذي تستدعيه الكلمة والذي يومي إلى الشيء (2).
فالدلالة لدى هؤلاء مجتمعين ـ كما يبدو ـ عبارة عن اتحاد شامل بإطار متكامل بين الدال والمدلول غير قابل للتجزئة والفصل.
(يُتْبَعُ)
(/)
وفي ضوء هذا الفهم الأولي للدلالة أخذت البحوث تشق طريقها إلى استكناه مفهوم الدلالة ومصطلحها لدى المحدثين من العرب والأوروبيين حين لمسوا أن التعميم الفضفاض غير كافٍ لإعطاء صيغة علمية او فنية متميزة تنهض بالاصطلاح مستوياً على قدميه. ومن هنا حاولوا جعل الدال والمدلول قسيمين أساسيين لمفهوم الدلالة.
____________
(1) طبع هذا الكتاب طبعة منقحة في لندن، 1956 م.
(2) ظ. د. موريس أبو ناصر، مدخل إلى علم الدلالة الألسني، الفكر العربي المعاصر، آذار، 1982+ كمال محمد بشر، دراسات في علم اللغة: 2/ 159.
--------------------------------------------------------------------------------
(16)
يستوقفنا الدكتور بسام بركة، في تقسيمه وتعقيبه حين يقول: «أما الدال فهو الصورة الصوتية التي تنطبع مباشرة في ذهن السامع، وهو بعبارة أخرى: الإدراك النفسي للكلمة الصوتية، وأما المدلول فهو الفكرة التي تقترن بالدال» (1).
ويهمنا من هذا المنحنى التأكيد على صلة اللغة بالفكر فيما يوحيه من علاقة مباشرة قد تكون ضرورية بين عناصر الأشارات المتولدة في الذهن نتيجة لاقتران الدال والمدلول خلف الدلالة، في حين يقول بعض الدارسين العرب: «لا تقتصر دلالة الكلمة على مدلولها فقط، وإنما تحتوي على كل المعاني التي قد نتخذها ضمن السياق اللغوي. وذلك لأن الكلمات، في الواقع، لا تتضمن دلالة مطلقة بل تتحقق دلالتها في السياق الذي ترد فيه، وترتبط دلالة الجملة بدلالة مفرداتها» (2).
ومع تقويمنا للنصين السابقين واعتدادنا بهما فإن بالأمكان أن نتصور ـ بكل تواضع وسماح ـ أن للألفاظ ظاهرتين متلازمتين تتمم إحداهما الأخرى:
الظاهرة الأولى: ظاهرة حسية، باعتبار الألفاظ أصواتاً تنطلق بها الأوتار الصوتية من داخل الجهاز الصوتي ـ ابتداءً من أقصى الحلق وانتهاءً بانطباق الشفتين لتتصل بالأسماع، وتصل إلى الآذان.
الظاهرة الثانية: ظاهرة معنوية، باعتبار الألفاظ رموزاً تشتمل على أصواتها لدى انطباقها على مسمياتها، وإن كانت غيرها.
وتأسيساً على هذه الرؤية يتحقق لنا لمس إطارين حيّين للألفاظ بعامة: ـ
إطار خارجي، يتمثل بالصوت اللساني لكل لفظ، وإطار داخلي يحمل لنا الصورة الذهنية لذلك الصوت.
____________
(1) د. بسام بركة، اللغة والفكر بين علم النفس وعلم اللسانية (بحث). ظ: المصادر.
(2) د. ميشال زكريا، المكون الدلالي في القواعد التوليدية والتحويلية (بحث). ظ: المصادر
--------------------------------------------------------------------------------
(17)
والإطار الخارجي، وهو الظاهرة الحسية، يمثل الشكل.
والإطار الداخلي، وهو الظاهرة المعنوية، يمثل المضمون.
ويراد بالشكل هنا ـ كما هو مفهوم من السياق ـ مادة اللفظ الصوتية أو الوترية، وبالمضمون دلالة اللفظ الانطباقية أو المعنوية.
ولتنظير هذا الفهم نرى أن دلالة أي لفظ من الألفاظ على معناه المحدد له، ترتبط فيما يوحيه هذا اللفظ في الأذهان من انصراف وتبادر ألى مشخصاته الخارجية إن كان عيناً، أو ما يرمز إليه في التصور الذهني إن كان معنىً، بحيث يكسبه هذا وذاك دلالته عند التطبيق الخارجي الذي لا يلتبس بمفهوم آخر في الأدراك حتى يعود رمزاً له، أو علاقة تشير إليه، وفي هذا الضوء تشترك الرموز الصوتية لأي لفظ في الدلالة عليه لتشكل أصلاً في كيانه بتصوره جملي دفعة واحدة سواء أكان الاستعمال على جهة الحقيقة اللغوية، أم على جهة الاستعمال المجازي إذ مناسبة الصلة بين الاستعمالين الحقيقي والمجازي قائمة على إرادة المعنى المحدد دون التباس أو إيهام لتوافر القرينة الدالة على ذلك.
وفيما نرى فلعل استيفن أولمان أستاذ علم اللغة بجامعة ليدز بإنكلترا قد صاغ دلالة الألفاظ بإطار موجز واضح، فاللفظ عنده: الصيغة الخارجية للشكل، والمدلول: الفكرة التي يستدعيها اللفظ (1).
وقد أوجد بهذا مقارنة سليمة بين المصطلحين، فلاحظ أن بينهما علاقة متبادلة، فليس اللفظ وحده هو الذي يستدعي المدلول، بل إن المدلول أيضاً قد يستدعي اللفظ، وهذه العلاقة المزدوجة هي القوة التي تربط الدال بالمدلول، أي الصيغة الخارجية للكلمة بالمحتوى الداخلي لها.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد أيد هذا المذهب اللغوي الفرنسي (أندريه مارتينيه) فذهب أن اللفظ لا يمكن له أن يمثل الوحدة العضوية الصغرى في الكلام، لأن اللغة الأنسانية تقوم بإزاء تلفظ مزدوج مركب من اللفظ المكّون من مجموعات
____________
(1) ظ. ستيفن أولمان، دور الكلمة في اللغة: 64.
--------------------------------------------------------------------------------
(18)
صوتية ومن المدلول في إعطاء المعنى، فاللفظ دال، ومعنى ذلك اللفظ مدلول (1).
ومضافاً إلى اقتناعنا بهذا المنهج فإن المحدثين من علماء الدلالة الأوروبين، مقتنعون أيضاً ولكن بصعوبة تحديد الكلمة في شتى اللغات، غير أنهم مجموعون أن الأساس الصوتي وحده لا يصلح لتحديد معالم الكلمات وأنه لا بد أن تشترك معه الكلمة أو وظيفتها اللغوية ليمكن تحديدها.
وقد اتضح للعالم المشهور ساپير ( sapir) أن تحليل الكلام إلى عناصر أو وحدات ذات دلالة، يقسم هذا الكلام إلى مجموعات صوتية منها ما ينطبق على الكلمة، ومنها ما ينطبق على جزء من الكلمة، ومنها ما ينطبق على كلمتين أو أكثر (2).
وطبيعي أن مفهوم ساپير لهذه الدلالة ينطبق على الأحداث والأسماء والحروف، ودلالة الإضافة في وحدة المضاف، والمضاف إليه مما يعني تغايراً حقيقياً بين مفهومه ومفهوم القدامى العائلين: «الكلمة قول مفرد، أو لفظ مفرد» (3).
فهل أل التعريف من هذا القول؟ وهل الباء كحرف جر من هذا اللفظ؟ وهل الضمائر المتصلة كالتاء منه على وجه ما؟ وهي مع اندماجها في الأفعال ... هل تشكل قولاً مفرداً أم قولين؟ أو لفظاً مفرداً ام لفظين؟
إن استقلالية الألفاظ في اللغة العربية تعني الفصل في الدلالة، فلكل من الأفعال و الأسماء والحروف والضمائر دلالات خاصة.
ومع هذا التغاير، فإن الفهم النحوي للكلمات عند القدامى يختلف عن المفهوم النقدي والبلاغي عندهم في الدلالات.
وقد كشف الأستاذ مطاع صفدي عمق الفروق بين النظرية والتطبيق
____________
(1). Mrtinet, Elements de Linguitigue General, Paris. 1970. p.16.
(2) ظ.إبراهيم أنيس. دلالة الألفاظ: 42 وما بعدها.
(3) ابن هشام، شذور الذهب: 12.
--------------------------------------------------------------------------------
(19)
في المجال الدلالي فرأى: أن الأهمية المميزة للدلالة، إنها لدى تطبيقها على حقل ما لا يتوقف عند حد تفكيك بنيته، ولكنها عندما تنجح في هذه المهمة، وتكشف مدلوله، تتغير علاقته بالوعي، يصبح خطاباً آخر بمستويات من الدلالة ذات أنساق متناظرة، تضفي على منظر الخطاب عمقاً استراتيجياً جديداً.
لذلك فإن الباحثيين في نضرية الدلالة، محتاجون دائماً إلى ممارسة نظرياتهم عبر الخطابات والنصوص التي يطبقون عليها مناهجهم الدلالية لأن هذا التطبيق ذاته لا يبرهن على نجوع المنهج فحسب وإنما يطوّره، يعطي الخطاب من ذاته، ويأخذ منه الحس الحي بعمقه العضوي الجديد.
إن خصب الدلالة حقق شكلية التداخل المنهجي بين العلوم الإنسانية وجعلها تعكس ظلالها بعضها على بعض، حولها إلى مرايا لبعضها، وغني عن البيان أن تقدم العلوم الإنسانية لا يزال مرتبطاً إلى ما لا نهاية بالكشوف المنهجية، وأهم هذه الكشوف التي ساهمت في نهضتها هي المناهج المساعدة على استنباط أجهزة الإنتاج المعرفية لموضوع البحث وللخطاب العلمي المفسر للموضوع في وقت واحد (1).
ومع اتساع هذا العرض في الاستدلال، فقد يراد بهذا التعبير مشاركة الدلالة في إرساء مناهج المعرفة الإنسانية ضمن تعدد خصائصها الفنية، وبرامجها في التنقل بين حقول الحضارة المختلفة تراثية وحداثة في آن واحد.
والذي يهمنا من هذا المنظور هو المنهج النقدي الذي يرتبط بالدلالة تكوناً جمالياً.
ويقول الدكتور عناد غروان ـ وهو يتحدث عن طبيعة هذا المنهج في وجهاته الجمالية المتنوعة ـ:
«فقد يكون المنهج شكلياً يهتم بالبنية الشكلية ـ العضوية والتجريدية ـ للتجربة الأدبية أو قد يكون تحليلياً قائماً على تحليل عناصر التركيب الأدبي
____________
(1) ظ: مطاع صفدي، نظرية الدلالة وتطبيقاتها، الفكر العربي المعاصر: آذار 1982.
--------------------------------------------------------------------------------
(20)
(يُتْبَعُ)
(/)
وخصائصه البيانية والبلاغية، أوقد يكون منهجاً تقنياً فنياً جديداً يدرس هذه التجربة أو تلك على أساس كونها ظواهر حضارية إنسانية تخضع لمثل جديدة في تقدير قيمتها النقدية ـ الفنية الجمالية ـ التي تخلق الإعجاب والتقدير في طبيعة العمل الأدبي بالنسبة للقارئ والمتذوق» (1).
واحسب أن التطور الدلالي هو من النوع الأخير، لأن الحركة النقدية المعاصرة التي اهتمت بالمنطق السمانتيكي (علم الدلالة) وعلاقته بالرمز تارة وبالصورة الفنية تارة أخرى، وبالخيال غيرهما تذهب إلى قيمة الدلالة باعتبارها كائناً حضارياً متطوراً يمثل قوة الإدراك في حياة الألفاظ والمعاني، وإن اهتمت بالخصائص البيانية والبلاغية في توجيه مسيرتها النقدية.
على أن المحدثين من الأوروبيين يختلفون في أولويت الدلالة بين اللفظ والمعنى و ينقسمون في ذلك إلى مدرستين نقديتين «المدرسة التحليلية» التي ترى أن المعنى يمكن تحليله إلى عناصره ووحداته الأساسية و «المدرسة العملية» التي ترى أن الكلمة ترمز إلى فكرة أوإشارة وأخيراً إلى مجمل المعنى العام في الجملة أو التعبير. وتدرس هذه المدرسة الكلمات ذاتها مرتبطة بحدثها وعلاقاتها العلمية مع غيرها دونما اهتمام مباشر بالمعنى قبل الكلمة (2).
وهذه النظرة التي ترجمها لنا عن الأوروبيين الدكتور عناد غزوان يحللها بقوله: ـ
«واختلاف المدرستين يعود إلى مدى اهتمامهما بالقارىء، السامع قبل المتكلم، أو بالمتكلم قبل السامع، فعلاقة اللغة بالفكر ليست من القضايا البسيطة لتداخلهما من جهة، لأنهما روح الحضارة الإنسانية من جهة أخرى فما ينشأ عن هذه العلاقة من غموض أو وضوح من إشارة أو رمز، من صواب أو خطأ، من حقيقة أو مجاز يتوقف على قدرة اللغة في توصيل فكرها إلى الآخرين وفي الإفصاح عن تلك التجربة الإدبية، وهنا
____________
(1) عناد غزوان، التحليل النقدي والجمالي للأدب: 29.
(2) ظ. عناد غزوان، المصدر السابق: 32 بتصرف.
--------------------------------------------------------------------------------
(21)
يبرز دور النقد الأدبي حضارياً من خلال تحليله لعناصر التجربة بحثاً عن فكرها ودلالتها، ومدى ارتباطها بالأحداث الذاتية والإنسانية» (1).
ومهما يكن من أمر فإن طبيعة البحث الدلالي في نظرية المحدثين من عرب وأوروبيين، لا تعدو إطار التعريف لكل من الدال والمدلول وعلاقة الألفاظ والمعاني، ومشاركة هذه العلاقة في إرساء دعائم الحضارة الإنسانية ضمن إشارات ثقافية ولمسات منهجية بأسلوب تغلب عليه السلاسة حيناً، والنعومة حيناً آخر، والتعقيد في المؤدي ثالثاً، وتزاحم الألفاظ، وتغاير التعبيرات، وتراكم الصيغ بين هذا وذاك في كثير من الأحيان.
ونحن بدورنا نؤيد ما أورده الدكتور إبراهيم أنيس في عدم وضوح الرؤية لدى هؤلاء الباحثين في التفرقة بين أصول الدلالات ومحدثاتها فهم يتجاهلون تأثير العامل التأريخي في اكتساب الألفاظ دلالتها بمرور الزمن، فيقول: «والأمر الذي لم يبد واضحاً في علاج كل هؤلاء الباحثين هو وجوب التفرقة بين الصلة الطبيعية الذاتية والصلة المكتسبة، ففي كثير من ألفاظ كل لغة نلحظ تلك الصلة بينهما وبين دلالتها ولكن هذه الصلة لم تنشأ مع تلك الألفاظ أو تولد بمولدها وإنما اكتسبتها اكتساباً بمرور الأيام وكثرة التداول والاستعمال.
وهي في بعض الألفاظ أوضح منها في البعض الآخر، ومرجع هذا إلى الظروف الخاصة التي تحيط بكل كلمة في تأريخها وإلى الحالات النفسية المتباينة التي تعرض للمتكلمين والسامعين في اثناء استعمال الكلمات» (2).
وهذا تعقيب يعنى بالجانب التاريخي للفظ من جهة وبالجانب النفسي من جهة أخرى.
وهذان الملحظان لم يغب تصورهما الدقيق عن الذهن العربي الإسلامي في القرون السابقة وهو ما ستجده فيما بعد.
____________
(1) عناد غزوان، المرجع السابق: 32 وما بعدها.
(2) إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ: 71.
--------------------------------------------------------------------------------
(22)
(يُتْبَعُ)
(/)
ولعل عميد الأدب العربي المرحوم الدكتور طه حسين (ت: 1973م) قد أجمل المنظور القديم والحديث في دلالة الألفاظ على شكل تساؤل إيحائي في إطار نقدي يعنى بمفهوم الأدب فقال: «وما عسى أن تكون هذه الصاغة، أهي التأليف بين المعاني أو بين هذه الصور لتلتئم وتأتلف، والدلالة عليها بالألفاظ التي يؤديها إلى القراء؟ أم هي شيء آخر؟ فإن تكن الأولى ففيم الأخذ والرد والجدال الطويل وقد قلت لهم: إن الألفاظ وحدها لا تغني شيئاً، وإنّ الأدب لا يكون إلا إذا ائتلفت المعاني بينهما، وائتلفت الألفاظ فيما بينها وبين المعاني، كان الجمال الفني هو الذي ألف بينها فأحسن التأليف، وإن تكن الصياغة شيئاً آخر فما عسى أن تكون» (1).
هذه روح الدلالة عند العرب بأسلوب واضح كما سترى، لأن الفروق التعبيرية بين حالتين ـ كما هو الظاهر ـ عند المحدثين من الأوروبيين والقدامى من العرب، تتجلى في نتائج البحث عن الدلالة، فكأنك لا تلمس شيئاً محسوساً في التعبير الحديث، بينما تضع بصماتك على الأثر الجلي في المدرسة الدلالية عند العرب، فهناك الألفاظ الأخاذة دون حصيلة مجدية، وهناك الأصالة العلمية في المقدمات والنتائج الموضوعية، ولايعني هذا العرض الغض من معطيات المدرسة الحديثة بقدر ما يعني الاعتداد بما أسداه الأوائل ضمن صفائهم الفطري للموروث الحضاري الأنساني المتصاعد.
ولا بد لي من الوقوف قليلاً بل الإشارة تلميحاً إلى ما حققه إثنان من علماء الأمة العربية المعاصرين بل علمان من أعلامها: في مجال التنظير الدلالي في رؤية تراثية تستلهم القرآن العظيم عند الأول، والشعر العربي القديم عند الثاني:
1ـ لقد استلهم أستاذنا وصديقنا العلامة المرحوم الدكتور أحمد عبد الستار الجواري روح الدلالة في المنظور القرآني من خلال حذف القول في العبارات القرآنية التي تدل معانيها على مرادها، دون استخدام الألفاظ لهذا الغرض، مما يحمل السامع على توقع أمر ذي بال، كما هي الحال في
____________
(1) طه حسين، خصام ونقد: 102.
--------------------------------------------------------------------------------
(23)
الانقطاع والالتفات وسواهما في عبارة القرآن فيقرع بهما أسماعاً غير واعية، ويهز مشاعر غير صاغية، يقول المرحوم الجواري:
«ومما يكثر وروده في العبارة القرآنية حكاية القول دون العناية بذكر القول، وهو أشبه ما يكون بلوحة أسقط منها مالا حاجة به من خطوط ابتغاء التنويه بجوهر الموضوع، صورة قصد فيها إلى إهمال ما لا يتعلق بالمعنى أو الفكرة التي أريد التعبير عنها، والالتفات إلى الأصل والأساس. ولو اتصل الكلام لما أثار قدراً من الانتباه والاهتمام مثل الذي يثيره الانقطاع، كالذي يسير في طريق ممهدة لاحبة، تقوده قدماه حتى لا يعود يتلفت حوله، ولايثنيه لما يحيط به حتى يفاجئه انحراف في الطريق، أو التواء، أو انقطاع، يسلم إلى منحدر أو مرتقى فيفتح عينيه، ويرهف حواسه بعد ذلك الانقطاع» (1).
وينظر إلى هذا الملحظ بالتأمل في قوله تعالى:
(فلمّآ أتاها نودي من شاطيء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشّجرة أن يا موسى إنّي أنا الله ربّ العالمين * وأن ألق عصاك فلمّا رءاها تهتزّ كأنّها جآنّ ولّى مدبراً ولم يعقّب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الأمنين *) (2).
2ـ وقد استفاد أستاذنا الجليل الدكتور جميل سعيد عضو المجمع العلمي العراقي أن في لغة الشعر الجاهلي ألفاظاً استعملت ولا يسدّ غيرها مسدّها. وكانت تلك الألفاظ قد استخدمت في لغة التخاطب والحديث «تلك اللغة ذات الألفاظ الواضحة المتداولة المفهومة، يقولها ـ امرؤ القيس ـ: وكأنه لا يرى استبدال هذه الألفاظ بغيرها يسد مسدها، يتذكر الحوار، ويعيد الحديث الذي سلّى به صاحبه، يعيده وكأنه يرى فيه تسلية وعزاء لنفسه، يقول (3):
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه * وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما * نحاول ملكاً، أو نموت فنعذرا
____________
(1) أحمد عبد الستار الجواري، نحو القرآن: 38.
(2) سورة القصص: 30 ـ 31.
(3) امرؤ القيس، الديوان: 72.
--------------------------------------------------------------------------------
(24)
(يُتْبَعُ)
(/)
فلغة الشعر عند امرؤ القيس وسواه تهبط إلى لغة الحديث التي يتبع بها أسلوب الحوار، وأسلوب السؤال والجواب، ولغة الحديث هذه، هي لغة النثر التي يقصد بها الأفهام. ومن هنا تكون واضحة ذات جمل قصيرة، وتكون بعيدة عن الصناعة اللفظية التي تعمد إلى التزويق في الألفاظ، وإلى الاستعارات والمجازات» (1).
فكأن الغرض الفني عند العربي بفطرته ـ كما يرى ذلك أستاذنا الدكتور جميل سعيد ـ أن يقصد بالألفاظ إيصال المعنى المراد إلى المتلقي بما يفهمه و يسبر غوره، وتلك روح الدلالة عند العرب.
ولعل في تعقب الصفحات الآتية ما يعطي صيغة مقنعة أو مرضية في هذا المنحنى المقارن الذي لا يخلو من طرافة استدلالية على صحة هذا المنظور المجرد عن الحساسية والإثارة بقدر ما هو أصيل في مصادره الريادية الأولى، عسى أن يكون ذلك مؤشراً ينبه على قيمة هذا التراث بين هذه السطور التي لا تعدو كونها نماذج في مسيرة الدلالة.
____________
(1) جميل سعيد، لغة الشعر «بحث» مستل من المجلد الثاني والعشرين من مجلة المجمع العلمي العراقي، مطبعة المجمع، بغداد 1973.
الفصل الثاني
أصالة البحث الدلالي عند العرب
--------------------------------------------------------------------------------
(26)
--------------------------------------------------------------------------------
(27)
أصالة البحث الدلالي عند العرب:
ولا تحسبن أن المحدثين قد أتوا بجديد محض، أو ابتكروا ما لم يكن، أو بحثوا ما لم يسبق إليه فالأمر قد يكون على العكس هنا، ذلك أذا لاحظنا جهود السابقين من علماء العرب والمسلمين الذين أشارو لجمل من الموضوع أو كتبوا في دلالته أو كشفوا عن سماته، فكوّنوا بذلك ركائزه الضخمة وحققوا مزية الاكتشاف العلمي.
إن وضع اللبنات الأولى لهذا التخطيط، قد يعتبر سبقاً إلى الموضوع وابتكاراً متقصداً لمفرداته، وتأصيلاً متميزاً لمصطلحه، مهما كان التعبير عنه متفاوتاً في الصيغ الإدائية لقد ذهب جملة من علمائنا القدامى إلى وجود مناسبة طبيعية بين اللفظ ومدلوله، فالألفاظ عندهم لم تنفصل عن دلالاتها الصوتية في كثير من الأحيان، كما لم تتخل عن المعاني الدالة عليها نقدياً وبلاغياً ولغوياً في شتى الوجوه المرتبطة بها عند الإطلاق (1).
إن هذه المدرسة المتفوقة الأدراك لم تتأصل فجأة، ولم تتبلور معطياتها الجمالية بغتة، وإنما عركها الزمن في تطوره من خلال الأخذ والرد وتقلب أيدي الفطاحل من العلماء الناقدين، فأتت مختمرة الأبعاد وإن عبر عنها بشكل وآخر، إلا أننا نرصدها هنا وهناك بعد جهد وعناء، حتى تتكامل الرؤية الحقيقية لهذه المكنونات المجتزأة في إشارة عابرة حيناً، وفي إفادة عامة حيناً آخر، وبين طيّات تلك الكتب التي يصور هدفها الأولي مراداً معيناً قد يختلف عما نحن بصدد إبرازه إلى العيان، وليس اكتشاف هذه الشذرات أمراً هيناً. ولكنه بطبيعة البحث العلمي عناء متراكم تتولد عنه
____________
(1) ظ. المؤلف، نظرية النقد العربي في ثلاثة محاور متطورة، قضية اللفظ والمعنى.
--------------------------------------------------------------------------------
(28)
راحة تامة إذا حقق أصلاً تراثياً أو مجداً فنياً تعقبهما النتائج الرصينة، ولا أدعي هذا للبحث، فقد يحدث وقد لا يحدث، ولكني أشير إليه باستقراء محدود قد يفتح الطريق أمام الباحثين، لأنه سمات إلى الركب الصاعد، ومؤشرات في مسيرته كما سنرى.
1ـ لا شك أن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: 175هـ) قد أفاد الدارسين العرب في مباحث معجمه الأصيل (العين) (1) حين بحث في تراكيب الكلمات من مواردها الأولية في الجذر البنيوي، الحرفي، ومن ثم تقسيمه على ما يحتمله من ألفاظ مستعملة، وأخرى مهملة لدى تقلب الحرف في التركيب لتعود ألفاظاً بداية ونهاية طرداً وعكساً، ومن ثم إيجاد القدر الجامع بين المستعمل منها في الدلالة. والمهمل دون استعمال.
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد كان الخليل هو الرائد الأول لهذا الباب دون الخوض في التفصيلات المضنية للبحث الدلالي كما يفهم في لغة التحديث، لأن مهمته كانت لغوية إحصائية ولكنها على كل حال تشير إلى دلالة الألفاظ كما يفهمها المعاصرون عن قصد أو غير قصد، وهو إلى القصد أقرب وبه ألصق لما تميز به الخليل من عبقرية ولما اتسمت به بحوثه من أصالة وابتكار. وقد أفاد من ذلك كثيراً سيبويه (ت: 180 هـ) كما يتضح من استقراء الكتاب.
2ـ وهذا أبو عثمان الجاحظ (ت: 255هـ) وهو حينما يتحدث عن مناسبة الكلام لمقتضيات المقام، وهي حالة بلاغية، إنما يتحدث عما يحدثه معنى اللفظ عند السامع من فهم لايتعدى فيه المتكلم حدود دلالة الألفاظ على المعاني لدى المتلقي فيقول: ـ (ينبغي للمتلكم أن يعرف أقدار المعاني ويوازن بينها وبين أقدار المستمعين، وبين أقدار الحالات فيجعل لكل طبقة من ذلك مقاماً حتى يقسم أقدار الكلام على أقدار المعاني،
____________
(1) حقق الدكتور عبد الله درويش عميد كلية دار العلوم في جامعة القاهرة ما عثر عليه من كتاب العين وطبعه ومن ثم قام الأستاذان الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي بتحقيقه كما تركه مؤلفه وقامت وزارة الثقافة والإعلام في العراق بطبعه طباعة أنيقة في ثمانية أجزاء.
--------------------------------------------------------------------------------
(29)
ويقسم المعاني على أقدار المقامات، وأقدار المستمعين على أقدار تلك الحالات) (1).
وهو بهذا يريد أن يتحدث عن الدلالة في ابعادها المخصصة لها فلا تتعدى حدودها ولا تتجاوز مفهومها، وإن ربط بينها وبين عقلية المتلقي في مطابقة المقال لمقتضى الحال كما يقول البلاغيون، أو مطابقة الكلام لمناسبة المقام.
3ـ وأبو الفتح، عثمان بن جني (ت: 392 هـ) يعود بدلالة الألفاظ عند اختراعها وابتكارها وموضعتها إلى أصول حسية باديء ذي بدء حين تكلم عن ذلك.
وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك، ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.
«وهذا عندي وجه صالح، ومذهب متقبل» (2).
وكما ربط ابن جني بين الحس والأصداء والأصوات والانفعالات وبين ابتكار الألفاظ في أصولها الأولى، وترجيحه للرأي القائل بهذا على أساس تأثر الاستخراج النطقي بهذه المداليل الصوتية، فتكونت الكلمات، وتراصفت الألفاظ شدة وانطباقاً ورخاوة، فقد ربط بين استقرار هذه الألفاظ، وتمام فائدة الصوت الذي قد يكون مهملاً، وقد يكون مستعملاً، وعقد لذلك مقارنة دقيقة في استكناه الفروق المميزة بين الكلام والقول وإن هذا له دلالة وذلك له دلالة، وذلك أول مباحث علم دلالة الألفاظ في صيغتها الاصطلاحية السليمة.
يقو ابن جني في هذا الملحظ: ـ (ومن أدل الدليل على الفرق بين الكلام والقول: إجماع الناس على أن يقولوا: القرآن قول الله، وذلك إن
____________
(1) الجاحظ البيان والتبيين: 1/ 139.
(2) ابن جني، الخصائص: 1/ 46 - 47.
--------------------------------------------------------------------------------
(30)
هذا موضع ضيق متحجر لا يمكن تحريفه، ولا يسوغ تبديله شيء، فعبر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أصواتاً تامة مفيدة، وعدل به عن القول الذي قد يكون أصواتاً غير مفيده، وآراء معتقدة (1).
وفي الملحظ نفسه نجده يتلمس المناسبة بين كلمتي المسك والصوار (2).
ويستمر ابن جني في المنظور التطبيقي لدلالة الألفاظ فيستنبط العلاقة الدلالية لمادة (جبر) بكل تفريعاتها المتناثرة كالجبر والجبروت والمجرب، والجراب.
فيجد في قوتها وصلابتها وقسوتها وشدتها معنىً عاماً مشتركاً بين مفرداتها تجمعه القوة والصلابة والتماسك (3).
ولا يكتفي بذلك حتى يعقد في كتابه المذكور فصلاً بعنوان (تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني) وباباً آخر لمناسبة الألفاظ للمعاني، وقال عنه: إنه موضع شريف لطيف، وقد نبّه عليه الخليل (4).
وإليك هذا النص الدلالي كما يقومّه ابن جني: ـ
(يُتْبَعُ)
(/)
«فأما مقابلة الألفاظ بما يشكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع، ونهج متلئب عند عارفيه مأموم، وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر عنها فيعدلونها بها، ويحتذونها عليها، وذلك أكثر مما نقدّره، وأضعاف ما نستشعره، ومن ذلك قولهم خضم وقضم، فالخضم لأكل الرطب ... والقضم لأكل اليابس» (5).
4ـ أما أحمد بن فارس (ت: 395 هـ) فيعد بحق صاحب نظرية في دلالة الألفاظ، فكتابه مقاييس اللغة يعنى بالكشف عن الصلات القائمة بين
____________
(1) المصدر نفسه: 1/ 18.
(2) المصدر نفسه: 507.
(3) المصدر نفسه: 525.
(4) ظ: للتفصيل في الموضوع: السيوطي، المزهر: 47 وما بعدها.
(5) ابن جني، الخصائص: 1/ 65.
--------------------------------------------------------------------------------
(31)
الألفاظ والمعاني في أكثر من وجه، ويشير إلى تقلبات الجذور في الدلالة على المعاني، ويستوحي الوجوه المشتركه في معاني جملة من الألفاظ. وكتابه:
(الصّاحبي في فقه اللغة) ينطلق إلى الدلالة معه، فيشير، إلى مرجعها، ويحدده في ثلاثة محاور هي: المعنى، والتفسير، والتأويل. وهي وإن اختلفت فإن المقاصد منها متقاربة (1).
ويشير بأصالة إلى دلالة المعاني في الأسماء باعتبارها سمات وعلامات دالة على المسميات (2).
ويتابع ابن فارس بتمرس عملية تنوّع الدلالات وأقسامها بالشكل الذي حدده المناطقة فيما بعد وتسالموا عليه (3).
والجدير بالذكر أن يبحث ابن فارس بكل يسر وسماح: دلالة تسمية الشيء الواحد بالأسماء المختلفة كالسيف والمهند والحسام وما بعده من الألقاب ويقرر مذهبه: أن كل صفة من هذه الصفات فمعناها غير معنى الأخرى وكذلك الحال بالنسبة للأفعال فيما يتوهّم من دلالتها على مدلول واحد وهو مختلف عنده نحو: مضى، وذهب، وانطلق، وقعد وجلس، وكذلك القول فيما سواه وبهذا نقول: ومن سنن العرب في المتضادين باسم واحد نحو: الجون للأسود والجون للأبيض ... ثم يعقب ذلك بدلالة الاسم الواحد للأشياء المختلفة، ويعقد له باباً باسم (أجناس الكلام في الاتفاق والافتراق)، ويضرب لجميع ذلك الأمثلة، ويخرج عن هذا بالأسماء المختلفة للشيء الواحد (4).
وفضلاً عما سبق نجد ابن فارس دقيق الملاحظة، وحديد النظر، فيما يستنبط من تآلف الأصوات وتكوينها للكلمات مسموعة أو مفهومة أو دالة
____________
(1) ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة: 193.
(2) المصدر نفسه: 88.
(3) ظ: المصدر نفسه: 98.
(4) المصدر نفسه: 201.
--------------------------------------------------------------------------------
(32)
على معنى، وذلك عنده شيء واحد متقارب في استنتاج الدلالة الخاصة بكل شكل ذي حروف مؤلفة. وفي هذا الصدد يقول: «زعم قوم أن الكلام ما سمع وفهم، وذلك قولنا قام زيد وذهب عمرو، وقال قوم: الكلام حروف مؤلفة دالة على معنى والقولان عندنا متقاربان لأن المسموع المفهوم لا يكاد يكون ألا بحروف مؤلفة تدل على معنى» (1).
وقد يطول بنا الحديث لو أردنا استقراء نظرية ابن فارس في هذا المدرك الدلالي، ومفهوم الدلالة عنده، وما تقدم استعراض للمهم من توجهه الدلالي، أما نظريته في جزء منها فقد لخصها مشكوراً بعض الدارسين العرب (2).
5ـ والشريف الرضي (ت: 406 هـ) وهو الناقد الخبير والبلاغي المتنور الذي جمع رهافة الحس ودقة الملاحظة، فقد جاء نقده تطبيقاً لموارد النقد، وتحقيقه البلاغي تنظيراً لمظاهر البلاغة، وهو تشخيصي النقد، تطبيقي البلاغة، و «تلخيص البيان» من أهم كتبه الريادية (3) وأعطف عليه «المجازات النبوية» (4) فهما الميدان الدلالي لهذا المنحى المتطور.
أما تعقيبه النقدي أو البلاغي أو اللغوي على مختاراته من كلام ورسائل وخطب ووصايا وحكم أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) المسمى «نهج البلاغة» (5) فيعد ـ بحق ـ من أبرز مصاديق النقد البلاغي التحليلي القائم على أساس استعمال العرب البياني في أمثلة ونماذج حيّة ارتفعت بالشريف الرضي إلى مستوى أساطين هذا الفن كما أوضحنا ذلك
____________
(1) ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة.
(يُتْبَعُ)
(/)
(2) ظ: د. صبحي البستاني، مفهوم الدلالة عند ابن فارس في كتابه الصاحبي، بحث: الفكر العربي المعاصر آذار 1982 م.
(3) حققه في طبعة منقحة الأستاذ الدكتور محمد عبد الغني حسن، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1955 م.
(4) علق عليه وطبعه الأستاذ محمود مصطفى مدرس الآداب بكلية اللغة العربية بالأزهر، مطبعة مصطفى البابي، القاهرة، 1937.
(5) شرحه عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد (ت: 656هـ) وحققه في عشرين مجلداً الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1959م.
--------------------------------------------------------------------------------
(33)
في مهرجان الشريف الرضي (1).
وبين يدي الآن «المجازات النبوية» وهو حاشد بإفاضات الشريف الرضي الدلالية في المجاز والتشبيه والاستعارة والكناية وما تلاحظه فيه تجده في تلخيص البيان، وكله نماذج صالحة للاستدلال، وليس على سبيل الاختيار وأورد هذا المثال من شرح وإبانة الرضي في الحديث الشريف: ـ
«إيّاكم والمغمضات من الذنوب».
فإنه يقف عند دلالة اللفظ ويقول: ـ
«المراد بالمغمضات هنا على ما فسره الثقات من العلماء: الذنوب العظام يركبها الرجل وهو يعرضها فكأنه يغمض عينيه تعاشياً عنها وهو يبصرها، ويتناكرها اعتمادا وهو يعرفها، وربما روي هذا الخبر بفتح الميم من المغمضات فيكون المراد به على هذا الوجه ضد المراد به على الوجه الأول لأن المغمضات بالكسر: الذنوب العظام، والمغمضات بالفتح الذنوب الصغار، ... وإنما سميت مغمضات لأن تدق وتخفى، فيركبها الأنسان بضرب من الشبهة ولا يعلم أنه عاصٍ يفعلها» (2).
فالرضي هنا أشار لدلالة اللفظ بلاغياً فاعتبره استعارة ونقدياً بقوله: «فكأنه يغمض عينيه تعاشياً عنها وهو يبصرها» ولغوياً فأعطى المعنى على جهة الأضداد في حالتي فتح الميم من (مغمضات) وكسرها، وهو بذلك يعطي نظرة الدلالة عملياً.
وكذلك شأنه في جميع مختاراته من الحديث في الكتاب المذكور. والطريف عند الشريف الرضي في هذا المجال تداخل تطبيقاته لا في اختياراته فحسب، بل فيما يجري مجراها، ويتعلق بمضمونها، فيحمله عليها ويعتبره منها، وإن لم يقصد إليه أولاً وبالذات، ولكنه تدافع الكلام، وسبيل الاستشهاد المركز كما فعل عند قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كيف أنت إذا بقيت في
____________
(1) عقد في بغداد بمناسبة ذكراه الألفية (1406هـ) من قبل وزارة الثقافة والإعلام في قاعة ابن النديم وقاعة المتحف العراقي للفترة: 6، 7/ 10/1985م.
(2) الشريف الرضي، المجازات النبوية: 228 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(34)
حثالة من الناس وقد مرجت عهودهم وأماناتهم».
فهو يعقب عى ذلك شارحاً ومدللاً ومسوغاً، لغة وبلاغة ونقداً فيقول: ـ
«أي لا يستقرون على عهد ولا يقيمون على عقد يصفهم عليه السلام بقلة الثبات وكثرة الانتقالات. وأراد أصحاب الأمانات والعهود وإن كان ظاهر اللفظ يتناولها وصريح الكلام يتعلق بها وذلك أيضاً من جملة المجازات المقصود بيانها في هذا الكتاب. والحثالة الرديء من كل شيء واصله ما يتهافت من نشارة التمر والشعير» (1).
وهذا المنهج التطبيقي الذي اختطه الشريف الرضي لقي قبولاً عند جملة من علماء الدلالة العرب والمسلمين فسلكوا سبيله ومن بينهم أبو منصور، عبد الملك بن محمد الثعالبي في جملة من إفادته في هذا الشأن كما سنرى.
6ـ فإذا وقفنا عند الثعالبي، أبي منصور (ت: 429هـ) لمسنا منهج التنظير المتتابع متكاملاً لديه في التنقل بين حقول الألفاظ الدلالية، فمن دلالة لغوية إلى أخرى مجازية، إلى دلالة نقدية، وهكذا تصاعدياً في لفظ يكاد يكون مترادفاً في دلالة ثابتة، مترقياً بذلك في اللفظ في ترقيه بالدلالة من صيغة إلى صيغة، وإن تغير جنس اللفظ إلى جنس من المعنى، ولكنه مرتبط باللفظ الأول، وهكذا يترتب ترتيباً دلالياً هذا اللفظ ليكون حقيقة أخرى، بتدرجه في المنازل، وتقلبه على المعاني شدة وضعفاً، مما يعطي تصوراً فنياً بتبلور هذه الظاهرة الدلالية لديه، وإن لم يستطع أن يعبر عنها بمستوى الاسطلاح والحدود والرسوم إلا أنه قد أدركها
(يُتْبَعُ)
(/)
أدراكاً جيداً عند تناولها واضحة نقية عند التطبيق الدلالي المركزي.
وانظر إليه هنا وهو يفصل القول في هذا المنهج بحديثه عن مراتب الحب في الألفاظ المناسبة لكل حالة لها دلالة خاصة فيقول: ـ
«أول الحب الهوى ثم العلاقة: وهي الحب اللازم للقلب ثم
____________
(1) المصدر نفسه: 55.
--------------------------------------------------------------------------------
(35)
الكلف: وهو شدة الحب ثم العشق: وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب، ثم الشعف: وهو إحراق القلب مع لذة يجدها وكذلك اللوعة واللاعج: فإن تلك حرقة الهوى وهذا هو الهوى المحرق ثم الشغف: وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب وهي جلدة دونه، ثم الجوى: وهو الهوى الباطن ثم التيم: وهو أن يستعبده الحب ثم التبل: هو أن يسقمه الهوى ثم التدليه: وهو ذهاب العقل من الهوى، ثم الهيوم: وهو أن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه، ومنه: رجل هائم» (1).
أرأيت هذا العرض المتسلسل، وهذه الدلالات المتفاوتة في هذا البيان الدقيق، وكيف قد تتبع مسميات الحب بدلالته المنبعثة من حالاته المتمايزة، وكيف قد كشف الزخم الدلالي لدى العربيّة في نموذج واحد.
7ـ فإذا جئنا إلى عبد القاهر الجرجاني (ت: 471هـ)، وجدناه مخططاً عملياً للموضوع، فهو حينما يتكلم عن الدلالة من خلال نظرية النظم لديه، فإنما يتكلم عن الصيغة الفنية التي خلص إليها في شأن الدلالة، يقول عبد القاهر:
«وجب أن يعلم مدلول اللفظ ليس هو وجود المعنى أو عدمه، ولكن الحكم بوجود المعنى أو عدمه» (2).
فالألفاظ دالة على المعاني لا شك، ولكن الحكم القطعي عقلياً بوجود المعاني التي تدل عليها الألفاظ هو الأمر المبحوث عنه وجوداً أو عدماً، وكأنه بذلك يريد الفائدة المتوخاة عند إطلاق الألفاظ على المعاني المقصودة الثابتة لذلك فهو يعقب على هذا: «معنى اللفظ عندنا: هو الحكم بوجود المخبر به من المخبر عنه أو فيه إذا كان الخبر إثباتاً، والحكم بعدمه، إذا كان منفياً» (3).
ومراده أن من شأن الجملة أن يتغير معناها بالبناء عليها عند الدلالة
____________
(1) الثعالبي، فقه اللغة وأسرار العربية: 171.
(2) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز: 234.
(3) المصدر نفسه: 336.
--------------------------------------------------------------------------------
(36)
في عملية الإسناد: المسند والمسند إليه فيما له مزية، وما ليس له مزية عن طريق إثبات الدلالة في المعنى الأيجابي وإثبات الدلالة عن ذلك في المعنى السلبي لأن بهما إثبات معنى اللفظ، وبه يتحقق أن كان مثبتاً، وينفي ذلك المعنى عنه أن كان منفياً، وهذا إنما يتحقق في طبيعة الأخبار، لذلك يقول:
«اعلم أن معاني الكلام كلها معان لا تتصور إلا فيما بين شيئين، والأصل الأول هو الخبر» (1).
وإفادة عبد القاهر الجرجاني وأن كانت صعبة الاستدلال أو القبول في «دلائل الإعجاز» ولكنها واضحة ومتناسقة في «أسرار البلاغة».
ودلالة الألفاظ لديه مرتبطة فيما تفيد من معنى عند التركيب، وما يتصور جملياً عند اقترانهما فإذا راقك هذا المعنى دون ذاك، فيعود ذلك إلى حسن التأليف ودقة التركيب، والدليل لديه على ذلك: أنك لو فككتها ونثرتها متباعدة غير منتظمة فلا تحصل على الدلالة نفسها وهي مترابطة مركبة، وهو في أسرار البلاغة يبدأ الحديث عن هذه الدلالة بكل وضوح وجلاء، ويسيطر لإثباتها بكل يسر فيقول متسائلاً ومجيباً:
«كيف ينبغي أن يحكم في تفاضل الأقوال إذا أراد أن يقسم بينها حظوظها من الاستحسان ويعدل القسمة بصائب القسطاس والميزان؟ ومن البيّن الجلي أن التباين في هذه الفضيلة والتباعد عنها إلى ماينافيها عن الرذيلة، وليس مجرد اللفظ، كيف والألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضرباً خاصاً من التأليف ... وفي ثبوت هذا الأصل ما تعلم به أن المعنى الذي كانت له هذه الكلم ... أعني الاختصاص في الترتيب، وهذا الحكم يقع في الألفاظ قريباً على المعاني المترتبة في النفس المنتظمة فيها على قضية العقل ولن يتصور في الألفاظ وجوب تقديم وتأخير، وتخصص في ترتيب وتنزيل، وعلى ذلك وضعت المراتب والمنازل في الجمل المركبة، وأقسام الكلام المدوّنة» (2).
____________
(يُتْبَعُ)
(/)
(1) المصدر نفسه: 333.
(2) عبد القاهر، أسرار البلاغة: 3 - 4.
--------------------------------------------------------------------------------
(37)
فالدلالة عنده فيما انتظم فيه الكلام فدلت ألفاظه على معانيه جملياً كما هو رأينا في تمهيد هذا البحث.
أما القول بدلالة الألفاظ على الألفاظ أو هو من الألفاظ نفسها فلا توافق السديد من التنظير، إلا من حيث جرس الألفاظ، وقد بحث عبدالقاهر هذا «وأما رجوع الاستحسان إلى اللفظ من غير شرك المعنى فيه، وكونه من أسبابه ودواعيه، فلا يكاد يعد نمطاً واحداً وهو أن تكون اللفظة فيما يتعارفه الناس في استعمالهم، ويتداولونه في زمانهم، ولا يكون وحشياً غريباً أو عاميا سخيفاً، فسخفه بإزالته عن موضوع اللغة وإخراجه عما فرضته من الحكم والصفة بأمر يرجع إلى المعنى دون مجرد اللفظ (1).
وما أفاده عبد القاهر هنا بالنسبة للألفاظ وحدها فهو يعود على دلالة الألفاظ أيضاً، فيما يتعلق بالدلالة الهامشية التي بحثناها في عمل مستقل (2).
ولا غرابة أن يربط عبد القاهر بين دلالة الألفاظ وعلم النفس في جملة من أضافته القيمة (3).
8 ـ ويرى ضياء الدين بن الأثير (ت: 637 هـ): في الألفاظ مركبة دلالة مستنبطة هي غير دلالتها مجردة، ويعطي بذلك رأياً تطبيقياً بعد حديثه عن الموضوع: «وأعجب ما في ذلك أن تكون الألفاظ المفردة التي تركبت منها المركبة واضحة كلها، وإذا نظر إليها مع التركيب احتاجت إلى استنباط وتفسير ... وقد ورد عن النبي (صل الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون» وهذا الكلام مفهومة مفردات ألفاظه، لأن الصّوم والأضحى مفهوم كله وإذا سمع الخبر من غير فكرة قيل: علمنا أن صومنا يوم نصوم، وفطرنا يوم نفطر، وأضحانا يوم نضحي، فما الذي أعلمنا به مما لم نعلم؟
____________
(1) المصدر نفسه: 4 - 5.
(2) ظ: المؤلف، الصورة الفنية في المثل القرآني، الدلالة الصوتية: 238 - 242.
(3) ظ: عبد القاهر، أسرار البلاغة: 5 - 8.
--------------------------------------------------------------------------------
(38)
وإذا أمعن الناظر فيه علم أن معناه يحتاج إلى استنباط، والمراد به أنه إذا اجتمع الناس على أن أول شهر رمضان كذا يوم، ولم يكن ذلك اليوم أوله فإن الصوم صحيح، وأوله هوذلك اليوم الذي اجتمع الناس عليه، وكذا يقال في يوم الفطر ويوم الأضحى، ولهذا الخبر المشار إليه أشباه كثيرة، تفهم معاني ألفاظها مفردة، وأذا تركبت تحتاج في فهمها ألى استنباط» (1).
ورأي ابن الأثير في التقرير والتنظير سليم، وفي الشرح والأرادة مناقش مفهوماً وشرعاً، إذ يرجع بذلك عادة إلى الفقهاء عندما يراد تقرير حكم من الأحكام، إذ ما قيمة صيام يوم وهو ليس من رمضان عند الله وهو رمضان عند الناس، وما أهمية عيد الناس وهو رمضان عند الله وأنى يحصل هذا الاجتماع المشار إليه. وهذا من عيوب ابن الأثير الذي تؤخذ عليه أن معتد بنفسه اعتداداً لا يحسد بل لا يحمد عليه، وإن أحكامه قطعية غير قابلة للأخذ والرد، وأنه لا يقلب الوجوه المحتملة للنص، والأولى بالنسبة لهذا الخبر أن يفسر دلالة الألفاظ التي يستنبطها ابن الأثير بأحد وجهين أو بهما معاً لا من باب القطع بأن هذا هو مراد رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) ولكن من قبيل الانطباق ولا مانع أن يدل على معنى لم نهتد إليه، والوجهان هما: ـ
أ ـ إنّ يوم صومكم وفطركم وأضحاكم، إنما يتحدد بثبوت الهلال ولثبوته طرق شرعية معروفة لدى الفقهاء، وهذا اليوم ثابت لكم أيها المسلمون إذا حصل فيه الشياع العام، بحيث لا تحتاج رؤية الهلال إلى شهود إثبات، فهو شائع وظاهر في السماء لا يختلف به اثنان وبذلك يكون واقعياً لتواتر القول من قبل الصغير والكبير والقريب والبعيد بوجود الهلال في السماء دون ريب. هذا إذا كان المراد هو الحديث عن هذه النقطة دون غيرها، أما إذا كان الحديث إرشادياً عبادياً تربوياً فقد يراد به المعنى العرفاني الذي يغلب على الظن إرادته من قبل المنقذ الأعظم لأنه واقعي الدلالة وإنساني الإرادة وهو الوجه التالي: ـ
____________
(1) ابن الأثير، المثل السائر: 1/ 116 وما بعدها.
(يُتْبَعُ)
(/)
--------------------------------------------------------------------------------
(39)
ب ـ إنّ صومكم أيها المسلمون، عبارة عن أيام معدودات، وفيه المتقبل غير المتقبل، وفيه الخالص وفيه المشوّب، وفيه الامتناع عما يسخط الله، والله عزّ وجلّ يريد لهذه الأيام أن تكون متتابعة في القبول، ومتاوقة بالرضا، فيوم صومكم يوم تصومون واقعاً بشرط الصيام وشروطه، صيام الجوارح والأعضاء والأجهزة كافة، عن النظر المحرم والغيبة والنميمة والكذب والسعي في غير طاعة الله مضافاً إليه الأكل والشرب من الفجر إلى الغسق، فيكون حينئذٍ خالصاً لله دون رياء أو دجل أو جهل أو إغماض، وإن فطركم يوم تفطرون، مغفوراً ذنوبكم، ومتجاوزاً عن سيئاتكم، ومقبولاً ما مضى من صيامكم، ومباركاً عليكم في الأجر والثواب والإنابة وإن لم يتحقق ذلك فليس لكم يوم فطر بالمعنى الدقيق وإن فطرتم، لأن يوم تفطرون هو ذلك اليوم الذي يكون للمسلمين عيداً ولمحمدٍ وآله ذخراً وشرفاً ومزيداً ولا يكون ذلك إلا مع الصوم المتقبل، والعيد الذي يأمن به المسلمون الوعيد.
وإن أضحاكم يوم تضحون، وقد تكاملت مناسك الحج على سنتها وتعاقبت على فروضها، فعاد حجكم مبروراً، وسعيكم مشكوراً، و ذنبكم مغفوراً، لأداء هذا الفرض بموازينه ودقائقه فذلك هو اليوم الواقعي لأضحاكم، لانسلاخكم فيه عن الخطايا كما سلخت الأضاحي وكل هذا مما تنهض به دلالة الألفاظ ونحن نتدارس هذا النص في ضوء معطياتها البلاغية والنقدية واللغوية.
وفي دلالة الألفاظ على معانيها مسبوكة، يشير ابن الأثير إلى موقع اللفظ من النظم وإلى أهمية النظم في تقويم دلالة اللفظ فيقول: «بل أريد أن تكون الألفاظ مسبوكة سبكاً غريباً، يظن السامع أنها غير ما في أيدي ألناس وهي مما في ايدي الناس» (1).
ويريد بالسبك الغريب هنا كما هو واضح من دلالة اللفظ، السبك الطريف، لا الإيغال الوحشي.
____________
(1) ابن الأثير، المثل السائر: 1/ 122.
--------------------------------------------------------------------------------
(40)
ومع ذلك فهو لا يهمل المعاني حينما يؤكد على الألفاظ بل يريد دلالتها متوازنة متسقة فيقول: «ومع هذا فلا تظن أني أردت إهمال جانب المعاني بحيث يؤتى باللفظ الموصوف بصفات الحسن والملاحة، كان كصورة حسنة بديعة في حسنها إلا أن صاحبها بليد أحمق، والمراد أن تكون هذه الألفاظ المشار إليها حسماً لمعنى شريف» (1).
ويؤكد ابن الأثير على المعنى الدلالي بمنظور يقابل المنظور السابق فيقول عند حديثه عن الإيجاز: «والنظر فيه إنما هو إلى المعاني لا إلى الألفاظ، بحيث تعرى عن أوصافها الحسنة، بل أعني أن مدار النظر في هذا النوع، إنما يختص بالمعاني فربّ لفظ قليل يدل على معنى كثير ورب لفظ كثير يدل على معنى قليل» (2).
والدقيق المضني عند ابن الأثير أن يعقد المقالة الأولى من كتابه «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» للصناعة اللفظية فيبحثها من جميع وجوهها: الشكلية والسمعية والبيانية ويقسم كل ذلك بدقة وشمولية واستيعاب إلى قسمين: ـ
القسم الأول في اللفظة المفردة والقسم الثاني في الألفاظ المركبة ويستغرق ذلك أكثر من مئتي صحيفة» (3).
وفي جميع هذه البحوث الطائلة نجده يبحث تفصيلات واسعة المداليل، ولكنه لا ينسى نظريته في دلالة الألفاظ أو المعنى الدلالي عند التراكيب يقول: ـ
«واعلم أن تفاوت التفاضل يقع في تركيب الألفاظ أكثر مما يقع في مفرداتها لأن التركيب أعسر وأشق ألا ترى ألفاظ القرآن الكريم ـ من حيث انفرادها ـ يفوق جميع كلامهم، ويعلو عليه، وليس ذلك إلا لفضيلة التركيب» (4).
____________
(1) المصدر نفسه: 1/ 123.
(2) المصدر نفسه: 2/ 265.
(3) المصدر نفسه: 1/ 210 - 416.
(4) المصدر نفسه: 1/ 213.
ولا يكتفي ابن الأثير بهذا العرض دون التنظير الدلالي ويختار لذلك قوله تعالى: ـ
(وقيل يآ أرض ابلعي مآءك ويا سمآء أقلعي وغيض المآء وقضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بعدا لّلقوم الظّالمين *) (1).
(يُتْبَعُ)
(/)
ويعقب بقوله: «إنك لم تجد ما وجدته لهذه الألفاظ من المزية الظاهرة لا لأمر يرجع إلى تركيبها، وإنه لم يعرض لها هذا الحسن إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة وكذلك إلى آخرها» (2).
ويتعرض لدلالة اللفظ الواحد في تركيبين مختلفين، فتجد اللفظ مستكرهاً في تركيب، وهو نفسه مستحسناً في تركيب آخر ويضرب لذلك مثالاً فيقول: ـ
«وسأضرب لك مثالاً يشهد بصحة ما ذكرته، وهو أنه قد جاءت لفظة واحدة في آية من القرآن، وبيت من الشعر، فجاءت جزلة متينة في القرآن، وفي الشعر ركيكة ضعيفة، فأثّر التركيب فيها هذين الوصفين الضدين، أما الآية فهي قوله تعالى: ـ
(فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديثٍ إنّ ذالكم كان يؤذي النبيّ فيستحي منكم والله لا يستحي من الحقّ ... ) (3)
وأما بيت الشعر فهو قول أبي الطيب المتنبي (4):
تلذ له المروءة وهي تؤذي * ومن يعشق يلذ له الغرام
وهذا البيت من أبيات المعاني الشريفة إلا أن لفظة: «تؤذي» قد جاءت فيه وفي الآية من القرآن فحطت من قدر البيت لضعف تركيبها، وحسن موقعها في تركيب الآية» (5).
____________
(1) سورة هود: 44.
(2) ابن الأثير، المثل السائر: 1/ 214.
(3) سورة الأحزاب: 53.
(4) المتنبي، ديوان المتنبي: 4/ 75.
(5) ابن الأثير، المثل السائر: 1/ 214.
--------------------------------------------------------------------------------
(42)
والذي يؤخذ على ابن الأثير في هذا المقام وغيره من مواطن إفاضاته البلاغية والنقدية والدلالية هو نسبته جميع المفاهيم وإن سبق إليها من هو قبله وادعاؤه التنبيه عليها وإن نبه غيره، ولا يعلل منه هذا إلا بعدم قراءة جهود السابقين، وهو بعيد على شخصيته العلمية المتمرسة، وأما ببخس الناس أشياءهم، وهذا ما لا يحمد عليه عالم جليل مثله، وإلا فقد رأيت قبل وريقات أن عبد القاهر قد خطط بل وجدد لما أبداه هنا ابن الأثير.
9ـ وهذا حازم القرطاجني (ت: 684 هـ) بكثرة إضاءته وتنويره في منهاج البلغاء، نجده يؤكد الحقائق الدلالية السابقة لعصره، وعنده أنها من المسلمات حتى أنه ليقارن بين دلالة المعاني والألفاظ ويعبر عنهما بصورة ذهنية، وهو إنما يحقق في ذلك من أجل أن يتفرغ لإتمام اللفظ بالمعنى وإتمام المعنى باللفظ، في تصور جملي متتابع، فيقول: ـ
«إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان. فكل شيء له وجود خارج الذهن وأنه إذا أدرك حصلت له صورة في الذهن تطابق لما أدرك منه، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصورة في أفهام السامعين وأذهانهم» (1).
فهو يرى تشخيص اللفظ للصورة الذهنية عند إدراكها بما يحقق الدلالة المركزية التي يتعارف عليها الاجتماع اللغوي، أو العرف التبادري العام بما يسمى الآن الدلالة الاجتماعية، اللغوية، المركزية، وهي تسميات لمسمى واحد.
10 ـ ونجد السيوطي (ت: 911 هـ) وهو كثير النقل عمن سبقه، وكتاباته لا تعبر عن جهده الشخصي في الاستنتاج بل قد تعبر عن جهده الشخصي في الاختيار، وله في هذا الاختيار مذاهب ومذاهب، قد ينسب بعضها إلى أهلها وقد يحشر بعضها في جملة آرائه، وقد ينقلها نقلاً حرفياً،
____________
(1) حازم القرطاجني، منهاج البلغاء: 18.
--------------------------------------------------------------------------------
(43)
ولكنك تظنها له، وهو في هذا المجال كذلك، نجده يتنقل هنا وهناك لاستقراء المناسبة القائمة بين اللفظ ومدلوله، في مجالات شتى فيقول: ـ
«نقل أهل اصول الفقه عن عباد بن سليمان الصيمري من المعتزلة أنه ذهب إلى أن بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية حاملة للواضع أن يضع وإلا لكان تخصيص الاسم المعين ترجيحاً من غير مرجح» (1).
وهذا رأي جملة من الأصوليين، ولما كان ما يعنيه هو رأي اللغويين فإنه يدع الأصوليين إليهم، فيبين وجهة نظرهم في هذه الحالة ومن ثم يعقد مقارنة بين الرأيين لاستجلاء الفروق بين الأمرين:
«وأما أهل اللغة والعربية فقد كانوا يطبقون على ثبوت المناسبة بين الألفاظ والمعاني، ولكن الفرق بين مذهبهم ومذهب عباد، أن عباداً يراها ذاتية موجبة بخلافهم» (2).
(يُتْبَعُ)
(/)
وهو ينقل عمن يرى «أنه يعرف مناسبة الألفاظ لمعانيها، ويربط بين دلالة الصوت والمعنى، فسئل ما مسمى (أدغاغ) وهو بالفارسية الحجر، فقال: أجد فيه يبساً شديداً أو أراه الحجر» (3).
وقد يكون النقل لهذا التنظير مبالغاً فيه، ولكن المهم في الموضوع أدراك المناسبة على المستوى النظري، وأنها مفهومة ومفروغ عن إثباتها حتى أصبحت من الهضم لديهم أن يتلمسوا ذلك في لغات أخرى ... وما أثبتناه هنا عن السيوطي مستخرج من صحيفة واحدة فما ظنك باستقراء آرائه.
ومن الطريف أن ينتصر جاسبرسن (1860 - 1943م) إلى آراء العلماء العرب القدامى في كشف الصلة بين الألفاظ ودلالتها واستنباط المناسبة بينهما إلا أنه حذر من المغالاة والاطراد في هذا الرأي إلا أنه يؤكد على جانب مهم من آرائهم فيما يتعلق بمصادر الأصوات فقد تسمى حركات
____________
(1) السيوطي، المزهر في اللغة: 47.
(2) المصدر نفسه: 47.
(3) المصدر نفسه: 47.
--------------------------------------------------------------------------------
(44)
الإنسان بما ينبعث عنها من أصوات، فيطلق صوت الشيء على الشيء نفسه (1).
ولما كان القرآن الكريم يمثل الذروة البيانية في الموروث البلاغي عند العرب، يبتعد عن النمط الجاهلي في ألفاظه ويستقل استقلالاً تاماً في مداليله فلا أثر فيه لبيئة أو إقليمية أو زمنية، فهو المحور الرئيس لدى البحث الدلالي باعتباره نصاً عربياً ذا طابع إعجازي وكتاباً إلاهياً ذا منطق عربي، فقد توافرت فيه الدلائل والأمارات والبينات لتجلية هذا البحث والتنظير له تطبيقاً في لمح أبعاد الدلالة الفنية.
وليس في هذا التنظير إحصاء أو استقصاء، فلذلك عمل مستقل به قيد البحث بعنوان: «دلالة الألفاظ في القرآن الكريم» ولكنه هنا على سبيل الأنموذج المتأصل لمبحث الدلالة، كمقدمة للمبحث الأم، وهو جزء ضئيل مما أفاده علماؤنا العرب، فلا تطلبن مني التفصيل في موضوع مقتضب أو الأطناب في بحث موجز.
جاء هذا التنظير كشفاً لنظرية البحث الدلالي لا غير، تدور حول محوره، وتتفيّأ ظلاله، وليست استقطاباً لما أورده القرآن العظيم في هذا المجال فهو متطاول ينهض بموضوع ضخم وحده.
____________
(1) إبراهيم أنيس، دلالة الألفاظ: 68 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(45)
الفصل الثالث
تطبيقات البحث الدلالي في القرآن الكريم
--------------------------------------------------------------------------------
(46)
--------------------------------------------------------------------------------
(47)
وفي ضوء ما تقدم من كشف وممارسة، فقد لمسنا في مجموعة التركيبة اللفظية للقرآن الكريم لغة اجتماعية ذات طابع دلالي خاص، تستمد نشاطها البنائي من بنيات بلاغية متجانسة حتى عادت لغة مسيطرة في عمقها الدلالي لدى عامة الناس في الفهم الأولي، وعند خاصة العلماء في المعاني الثانوية، وتوافر حضورها في الذهن العربي المجرد حضوراً تكاملياً، بعيداً عن الإبهام، والغموض والمعميات ولا مجال للألغاز في تصرفاتها ولا أرضية للمخلّفات الجاهلية في ثروتها، تبتعد عن الوحشي الغريب، وتقترب من السهل الممتنع ذلك من خلال التعامل اللغوي الموجه للفرد والأمة مما فرز حالة حضارية متميزة تعنى بالجهد الفني تلبية للحاجة الإنسانية الضرورية في التقاء الفكر بالواقع واللغة بالعاطفة والشكل بالمحتوى دون تعقيد ثقافي يجر إلى تكوينات متنافرة.
وعلى الرغم من توقف جملة من علمائنا الأوائل عن الخوض في حديث المداليل في القرآن الكريم، فإن القرآن يبقى ذا دلالة أصلية، وما معاملتهم له إلا دليل تورع وتحرج عن الفتوى بغير مراد الدلالة حتى وإن أدركوها إجمالاً.
كان الأصمعي ـ وهو إمام أهل اللغة ـ لا يفسر شيئاً من غريب القرآن وحكي عنه أنه سئل عن قوله سبحانه: (قد شغفها حبّاً ... ) (1) فسكت و قال: هذا في القرآن ثم ذكر قولاً لبعض العرب في جاريةٍ لقوم أرادوا بيعها:
____________
(1) سورة يوسف: 30.
--------------------------------------------------------------------------------
(48)
(يُتْبَعُ)
(/)
أتبعونها، وهي لكم شغاف ولم يزد على ذلك، أو نحو من هذا الكلام» (1).
ولو تجاوزنا حدود العلماء والنقاد العرب، إلى القادة والسلف الصالح لوجدنا الأمر متميزاً في احترام النص القرآني، ومحاطاً بهالة متألقة من التقديس، فلقد قال الإمام علي عليه السلام مجاهراً: «وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه وبيت لا تهدم أركانه، وعز لا تهزم أعوانه» (2).
وهو تعبير حي عن حماية القرآن وصيانته، وتبيان لحجج القرآن ودلالته.
وقد كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ـ وهو من الفصاحة في ذروة السنام والغارب ـ يقرأ قوله عزّ وجلّ: (وفاكهةً وأبّا (31)) (3) فلا يعرفه فيراجع نفسه ويقول: ما الأب؟ ثم يقول: إن هذا تكلف منك يا ابن الخطاب» (4).
وكان ابن عباس رحمه الله وهو ترجمان القرآن و وارث علمه يقول: لا أعرف حناناً ولا غسلين ولا الرقيم (5).
ولا يعني التحرج في كشف الدلالة القرأنية عدم وضوح الرؤية، أو انعدام المراد بل على العكس أحياناً، فقد أجمع النقاد على سلامة النظم القرآني، وتواضعوا على إعجازه، بل اعتبروا استعمال القرآن لأفصح الألفاظ بأحسن المواقع متضمنة أسلم المعاني وأعلى الوجوه دلالة، من مخائل الإعجاز القرآن، حتى أوضح الخطابي (ت: 388 هـ) هذا العلم بقوله: «واعلم أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف متضمناً أصح المعاني» (6).
____________
(1) الخطابي، بيان إعجاز القرآن: 34.
(2) ظ: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: 8/ 273.
(3) سورة عبس: 31.
(4) الخطابي، بيان إعجاز القرآن: 36.
(5) المصدر نفسه: 36.
(6) المصدر نفسه: 27.
--------------------------------------------------------------------------------
(49)
وقد اعتبر الخطابي نفسه اختيار اللفظ المناسب للموقع المناسب عمود البلاغة القرآنية فقال: الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به الذي إذا أبدل مكانه غيره جاء منه: أما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وأما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة وذلك أن في الكلام ألفاظاً متقاربة في المعاني، يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب كالعلم والمعرفة، والحمد والشكر، وبلى ونعم، وذلك وذاك، ومن وعن، ونحوهما من الأسماء والأفعال والحروف والصفات مما سنذكر تفصيله فيما بعد، والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك، لأن كل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا قد يشركان في بعضهما» (1).
واستناداً إلى هذا المفهوم الدقيق في المتميز بين دلالة لفظ ولفظ، وفروق قول عن قول، فإننا نشير هنا على سبيل الأنموذج التمييز في القرآن إلى ثلاث خصائص مهمة في الدلالة تتجلى في ثلاث ظواهر بيّنة:
الظاهرة الأولى:
إن اختيار القرآن للألفاظ في دلالتها إنما جاء متناسقاً مع مقتضيات الحال وطبيعة المناسبة وقد يكون ذلك التناسق صادراً لجهات متعددة تؤخذ بعين الاعتبار لدى تجديد القرآن لمراد الاستعمال في الحالات الوصفية والتشبيهية والتمثيلية والتقديرية مما نستطيع التنظير له بما يلي:
أ ـ ما أراد به القرآن صيغة معينة لحالة معينة تستوعب غيرها ولا يستوعبها غيرها، فإنه يعمد إلى اختيار اللفظ الدقيق لهذه الغاية فيتبناه دون سواه من الألفاظ المقاربة أو الموافقة أو الدارجة كما في قوله تعالى: (والّذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظّمئان مآءً حتّى إذا جآءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب *) (2).
____________
(1) الخطابي، بيان إعجاز القرآن: 29.
(2) سورة النور: 39.
--------------------------------------------------------------------------------
(50)
(يُتْبَعُ)
(/)
وقد يسد غيرها في معنى دلالي متميز، فالله تعالى أراد الظمآن بكل ما تحمله الكلمة في تضاعيفها الأولية والثانوية من دلالات خاصة بها فلا تسد مسدها ـ مثلاً ـ كلمة الرائي، لأنّ الرائي قد يرى السراب من بعيد وهو ليس بحاجة إليه، فلا يتكلف إلا الخداع البصري أما الظمآن فإنه يكد ويكدح ويناضل من أجل الوصول إلى الماء حتى إذا وصل إليه وإذا بما حسبه ماءً قد وجده سراباً، فكانت الحسرة أعظم والحاجة أشد ولم يبرد غليلاً، ولم يدرك أملاً.
قال أبو هلال العسكري (ت: 395 تقريباً): «فلو قال يحسبه الرائي ماءً لم يقع قوله (الظمآن) لأن الظمآن أشد فاقة إليه وأعظم حرصاً عليه (1).
ب ـ وما أراد به القرآن الاتساع المترامي، فإنه يختار له الألفاظ الدالة على هذا الاتساع بكل شمولية واستيعاب فحينما نتدارس بإجلال قوله تعالى:
(وما من دابّة في الأرض إلاّ على الله رزقها ويعلم مستقرّها ومستودعها كل في كتاب مبين *) (2).
فسنجد عمومية الألفاظ وشموليتها مما يتناسب مع عمومية المعاني وتطاولها، ويتواكب مع استقرار كل الجزئيات وعدم تناهيها، وذلك من أعاجيب القرآن وطرائفه، وهذه الألفاظ في هذه الآية هي: دابة، الأرض، الله، رزقها، مستقرها، مستودعها، كل، كتاب.
هذه الألفاظ في تراصفها وتقاطرها تفيد عموماً لا خصوص معه وتتجه نحو الإطلاق فلا تقييد، كما سنرى في هذا العرض: ـ
الدابة تستوعب مجموعة عامة مركبة من خلق الله مما دبّ وهب ودرج من الانس والجن والطير والأنعام والوحوش والهوام وكائنات لا نعرفها، ومخلوقات لا نتصورها، أرأيت عمومية وشمولية كهذا في دلالة لفظ واحد عليه مع عدم إمكان حصر ملايين النسمات في ضوئه.
والأرض هذه الكرة الفسيحة بجبالها ووهادها ومفاوزها وأشجارها
____________
(1) العسكري، كتاب الصناعتين: 246.
(2) سورة هود: 6.
--------------------------------------------------------------------------------
(51)
وأنهارها وآبارها، داخلها وخارجها، ظاهرها وباطنها كلها عوالم مترامية الأطراف واسمها الأرض، هذا اللفظ البسيط الساذج المتداول، ولكنها بقاع العالم وأصقاع الدنيا ومحيطات الكون.
ولفظ الجلالة في إشارته لذاته القدسية التي لا تحد بزمان ولا مكان، ولا تنظر بأين أو كم أو كيف، ولا تمثل بجسم أو كائن أو تشخيص يتناهى لله كل متناه، ولا يدركه نظر أو بعد ولا يسمو إليه فكر أو عقل، دال على ذاته بذاته، ومتعالٍ عن سائر مخلوقاته.
والرزق بمختلف اصنافه، وعلى كثرة سبله وطرقه عام لا خاص، ومطلق لا مقيد في الملبوس والمأكول والمشروب والمدّخر والمقتنى، بل في الأولاد إن كانت من الرزق، والصحة أعظم هبة ومنحة يهبها الله تعالى لعباده فهي من الرزق الحسن العظيم ولا نريد تحديد اللفظ وتصنيفه، أو توسيعه وتحميله ما لا يتسع إليه، ولكن جميع هذا الرزق على فضفاضيته في حرز متكامل، ونظام دقيق يشمل هذه الكائنات المتعددة بحسب احتياجاتها المتكاثرة، وشؤونها المتنوعة غير المحصورة إلى كل هذه الخلائق يصل هذا الرزق وهو مكفول لكل نسمة حسب حاجتها على ما توجبه الحكمة العليا وتقتضيه مصلحة العباد في تفاوت أو تقدير، وسعة إملاء من أجل تنظيم مسيرة العالم في استدرار المعايش وتحقيق معنى الاستخلاف على الأرض.
والمستقر بالنسبة لهذا الكائنات قد يراد به موضع القرار أو حيث تأوي إليه من الأرض أو مايستقر عليه عملها واللفظ عام ولا مانع من إرادة هذه المعاني كافة، بل ومفاهيمها عامة.
والمستودع بالنسبة للكائنات ذاتها، قد يراد به الموضع الذي أودعها الله فيه وهو أصلاب الآباء وأرحام الأمهات أو هو مستودعها الأخير حين تموت، فتموت لتبعث أو ما يؤول أليه مصيرها نتيجة عملها، واللفظ عام، ولا مانع من استيعابه هذه المعاني (1).
____________
(1) ظ: في كلمتي: مستقر ومستودع، الطبرسي، مجمع البيان: 3/ 144.
--------------------------------------------------------------------------------
(52)
وكل لفظ يدل على العموم بل هو من أدوات العموم ليتساوى المعنى العام مع اللفظ العام.
والكاتب جامع مانع في إحصائية استقصائية لأعمال الخلائق وتصريف شؤونها، وهو اللوح المحفوظ الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن آية واحدة من كتاب الله ترتفع بنا إلى المستوى الدلالي المتطور في جملة ألفاظها، فكيف بسورة منه يا ترى وأين موقعنا من آياته وسوره كافة.
حـ ـ وما أراد به الإيحاء الخاص الكامن وراء دلالة اللفظ فإنه يختار بذاته لتلك الدلالة بذلك الإيحاء ولو دققت النظر في استعمال لفظ «زرتم» في سورة التكاثر (حتّى زرتم المقابر *) (1) لتبين لنا أن القرآن لم يستعمل الزيارة إلا في هذه الأية وإنه استعمل مادتها في آيات أخر، وهذا الاستعمال يوحي بدلالة حسبة قد لا ينبئ عنها ظاهر اللفظ، ومركزي المعنى بقدر ما يصوره إيحائي التعبير الدقيق، ويبدو أن أعرابياً مرهف الحس قد التفت إلى هذا الملحظ الشاخص فقال حينما سمع الآية على فطرته الصحراوية، وبوحي من بداوته الصافية قال: ـ
«بعث القوم للقيامة ورب الكعبة فإن الزائر منصرف لا مقيم» (2)، لقد وضع هذا الإعرابي يده على حسّ بلاغي عميق، أدرك فلسفة تخير هذا اللفظ دون سواه، بعيداً عن الفهم التقليدي والوعي القاصر في ترددات الناس بصورة الزيارة وكيفيتها ومؤداها لأنه في استعمال الزيارة عدة احتمالات فقد يأتي بمعنى الموت وقد يعبر عن الموت بالزيارة، وقد يراد غير هذا وذاك، في إيحاء باهر جديد يضع القرآن له أصلاً مبتكراً في عالمي النقد الأدبي والبيان العربي.
تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن في هذا المقام: ـ
____________
(1) سورة التكاثر: 2.
(2) أبو حيان، البحر المحيط: 8/ 507.
--------------------------------------------------------------------------------
(53)
«وفي التعبير عن الموت بالزيارة ملحظ بياني بالغ القوة فاستعمال الزيارة بهذا المعنى صريح الإيحاء بأن الإقامة في القبر ليست إقامة دائمة، وإنما نحن فيها زائرون، وسوف تنتهي الزيارة حتماً إلى بعث وحساب وجزاء، وهذا الإيحاء ينفرد به لفظ «زرتم» دون غيره، فلا يمكن أن يؤديه لفظ آخر كأن قال: «قبرتم أو سكنتم المقابر، أو انتهيتم إليها، أو أقمتم بها ألى غير ذلك من ألفاظ تشترك كلها في الدلالة على ضجعة القبر، ولكن يعوزها سر التعبير الدال على أنها زيارة، أي إقامة موقتة، يعقبها بعث ونشور» (1).
الظاهرة الثانية:
إن هذا الاختيار للألفاظ ذاتها، بل الألفاظ منضمة إلى المعاني، بحيث لا يتحقق المعنى المراد إلا بهذا اللفظ دون سواه، بغض النظر عن الاعتبارات البديعة الأخرى فلا الألفاظ ذات أولوية على حساب المعاني ولا المعاني ذات أولوية على حساب الألفاظ.
القرآن الكريم فضلاً عن كونه نصاً إعجازياً لا طاقة لنا على إدراك خصائصه الفنية على الوجه الأكمل، فإنه نص أدبي باهر تتوافر فيه سمات أرقى نص عربي وصل إلينا دون ريب. ومن هنا فإننا نختلف مع جملة من العلماء الذين يرون عناية القرآن بالألفاظ ناجمة عن العناية بأصناف البديع، وفنون المحسنات اللفظية المتوافرة في القرآن، ومع توافر هذه الفنون في القرآن فإنها غير مقصودة لذاتها، وإنما جاءت بتناسقها ضرورة بيانية يقتضيها جمال القول، وهذه الضرورة نفسها لم تكن متكلفة ولا ذات نزعة مفروضة كما هي الحال في الأسجاع المتناثره هنا وهناك في النثر العربي القديم، فإنها أريدت في النصوص الأدبية هكذا، سواء أحققت الغرض المعنوي أم لم تحققه إطلاقاً، لأن المهمة في مثل هذه اللوحات مهمة لفظية فحسب حتى أنها لتثقل النص بمحسنات يزداد معها النص انصرافاً عن الديباجة والذائقة الفنية وتزداد معه النفس تبعاً لهذا الانصراف عزوفاً أو نفوراً.
____________
(1) بنت الشاطئ التفسير البياني للقرآن: 1/ 206.
--------------------------------------------------------------------------------
(54)
(يُتْبَعُ)
(/)
أما بالنسبة للقرآن العظيم فإن هذه الظاهرة مدفوعة أصلاً إذا ليس في القرآن مهمة لفظية على وجه، ومهمة معنوية على وجه آخر بل هما مقترنان معاً في أداء المراد من كلامه تعالى دون النظر إلى جزء على حساب جزء غيره، فالتصور فيه دفعي جملي مرة واحدة دون تردد أو إمهال، وحسبك ما تشاهده في جميع أصناف المحسنات البديعية الواردة في القرآن، وفي طليعتها السجع وانتظام الفواصل وتوافقها دليلاً على صحة هذا الرأي، وطبيعي أن نهاية الفقرات والسجع في النثر العربي، تقابله الفواصل في القرآن الكريم وهي تسمية اختيارها جهابذة الفن، وعلماء الصناعة تكريماً للقرآن عن مقايسته بسواه.
إذن هذه الفواصل على تقاطرها وتواردها في النصوص القرآنية وقد يرتفع بعضها إلى سور متكاملة لا سيّما القصار كالإخلاص، والقدر، والناس، والجحد، والعصر، والكوثر ... الخ.
وهناك سور متوسطة الطول والقصر وقد تناوبها السجع من أولها إلى آخرها كما هي الحال ـ على سبيل الأنموذج في سورة الأعلى.
إن هذه السورة ولنتبرك بذكرها كاملةً: ـ
«بسم الله الرحمن الرحيم»
(سبّح اسم ربّك الأعلى * الذي خلق فسوّى * والّذي قدّر فهدى * والذي أخرج المرعى * فجعله غثاءً أحوى * سنقرئك فلا تنسى * إلاّ ما شآء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى * ونيسرك لليسرى * فذكر إن نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى * ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيى * قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والأخرة خير و أبقى * إنّ هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى *)».
مما وقف عنده العرب موقف المتحير المتعجب بوقت واحد فهي على وتيرة واحدة في فاصلة متساوية تختتم بالألف، ومن أولها إلى نهايتها، ولو شئت أن تغير أية كلمة من هذه الفواصل، وتضع ما يلائمها بدلها في سبيل تغيير صيغة الفاصلة لما استطعت أن تحقق الدلالة اللفظية
--------------------------------------------------------------------------------
(55)
التي حققها القرآن الكريم، وما يقال في جميع السور والآيات الأخرى، وبالنسبة للصنوف البديعة كافة.
وهنا ـ ونحن في هذا السياق ـ أود أن أشير إلى صيغة تنسجم مع هذا العرف الذي نتحدث عنه بإيجاز، هذه الصّيغة هي كلمة» المقابر «في قوله تعالى: (الهاكم التكاثر * حتّى زرتم المقابر *) (1) كلا سوف تعلمون * ثم كلا سوف تعلمون *) (2)، فإذا جاز له الانتقال بها جاز له الانتقال فيما قبلها مباشرة كما هو ظاهر، بل إن هذا اللفظ «المقابر» يفرض نفسه فرضاً قاطعاً، وذلك أن هذا الأنسان المتناسي الطاغي المتكاثر بأمواله ولذاته، وشهواته، ومدخراته، ونسائه، وأولاده، ودوره، وقصوره وخدمه وحشمه، وإداراته وشؤونه، وهذا كله تكاثر قد يصحبه التفاخر، والتنابز، والتنافر، إن هذا مما يناسبه «المقابر» وهي جمع مقبرة، والمقبرة الواحدة لا سيّما المترامية الأطراف مرعبة هائلة. فإذا ضممنا مقبرة أخرى ومقبرة مثلها ازددنا إيحاشاً ورعباً وفزعاً، فإذا أصبحت مقابر عديدة، تضاعف الرعب والرهب، إذن هذا التكاثر الشهواني في كل شيء، يناسبه ويوافقه الجمع المليوني للقبور، لتصبح مقابر لا قبوراً ولو قيل في غير القرآن بمساواة القبور للمقابر في الدلالة لما سد هذا الشاغر الدلالي شيء آخر من الألفاظ.
وتعقب الدكتورة بنت الشاطئ على هذا الإدراك فتقول: «وقد تجد الصيغة البلاغية في استعمال المقابر هنا مجرد ملائمة صوتية للتكاثر، وقد يحس أهل هذه الصنعة ونحن معهم فيها، نسق الأيقاع، وانسجام النغم لكن أهذا كل ما في استعمال للفظ «المقابر» في آية التكاثر؟.
الذي أراه أن وراء هذا الملحظ البلاغي اللفظي ملحظاً بيانياً يتصل
____________
(1) سورة التكاثر: 1 ـ 2.
(2) سورة التكاثر: 3 ـ 4.
--------------------------------------------------------------------------------
(56)
(يُتْبَعُ)
(/)
بالمعنى: فالمقابر جمع مقبرة، وهي مجتمع القبور ... واستعمالها هنا ملائم معنوياً لهذا التكاثر، دال على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون من متاع دنيوي فإن ... هناك حيث مجتمع القبور ومحتشد الرمم ومساكن الموتى على اختلاف أعمارهم، وطبقاتهم، ودرجاتهم، وأزمنتهم، وهذه الدلالة من السعة والعموم والشمول لا يمكن أن يقوم لفظ «القبور» بما هي جمع لقبر، فبقدر ما بين قبر ومقبرة من تفاوت يتجلى إيثار البيان القرآني «المقابر» على «القبور» حين يتحدث عن غاية ما يتكاثر به المتكاثرون، وحين بلغت إلى مصيره هذه الحشود من ناس يلهيهم تكاثرهم عن الاعتبار بتلكم المقابر التي هي مجتمع الموتى ومساكن الراحلين الفانين» (1).
هذا العرض يكشف أن دلالة اللفظ لا تتحكم بها الفاصلة كما تحكمت بها المعاني الإضافية، واقتضاها البعد البياني في استيعاب المراد من وجوهه المختلفة، وجوانبه كافة، وذلك من دلائل إعجاز القرآن، في جمعه بين الصيغة الجمالية للشكل، والدلالة الإيحائية في المعنى.
الظاهرة الثالثة:
إن اختيار هذه الألفاظ إنما اتّجه بالخطاب إلى سكان الأرض الذين يهمهم أمرها ليتعرفوا على ما فيها عقلياً، ويتطلعوا إلى كشف أسرارها علمياً، بحسب الذائقة الفطرية الخالصة التي تبدو بأدنى تأمل وتلبث وترصد، وهنا نضع أيدينا على جملة من التعابير القرآنية بألفاظ لها دلالتها الهامشية إن لم نقل المركزية في كثير من الأبعاد النقدية والبلاغية زائداً العلمية:
أ ـ ففي قوله تعالى: ـ (أفلا يرون أنًا نأتي الأرض ننقصها من أطرافهآ ... ) (2).
يتجلى موقع «أطراف» «ننقصها» في التعبير، ... فالأطراف توحي بنظرة شمولية لشكل الأرض، و «ننقصها» توحي بفكرة آلية عن طبيعة
____________
(1) بنت الشاطئ، التفسير البياني: 1/ 207 وما بعدها.
(2) سورة الأنبياء: 44.
انتقاص الأطراف وهاتان حقيقتان علميتان بنظرية دحو القطبين وحركتهما يوضحهما قوله تعالى: ـ
(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهآر وكل في فلك يسبحون *) (1).
ب ـ وفي قوله تعالى: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان مآء حتّى إذا جآءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب *) (2).
«ففي هذه الصورة الأخاذة يتجلى سطح الصحراء العربية المنبسطة، والخداع الوهمي للسراب، فنحن هنا أمام عناصر مجاز عربي النوع، فأرض الصحراء وسماؤها قد طبعا عليه انعكاسهما ... حين نستخدم خداع السراب المغم، لنؤكد بما تلقيه من خلال تبدد الوهم الهائل، لدى إنسان مخدوع، ينكشف في نهاية حياته غضب الله الشديد في موضوع السراب الكاذب ... سراب الحياة» (3)، فلفظ «سراب» استقطب مركزياً دلالته من خلال البيئة العربية المشاهدة المحسوسة، وكما يتلاشى هذا السراب فجأة، وينطفي تلألؤه بغتة، فكذلك ما أمله هؤلاء الكافرون بأعمالهم الخادعة، متماثلة معه في خداع البصر وانطماس الأثر، فلو عطفنا دلالة «الظمآن» الإيحائية، لوجدنا الظمآن في تطلبه للماء، ووصوله إلى السراب يقضي حسرة أشد، وفاقة أعظم، وحاجة متواصلة، ولكنه يصطدم بالحقيقة الكبرى وهي الله تعالى، فيوفّيه حسابه، دون معادلات معروفة، فلا المراد حقق، ولا الحياة استبقى ولا الثواب استقصى، وإنما هي حسرات في حسرات.
حـ ـ ولو تتبعنا مآل هؤلاء الكافرين في خيبة أمالهم وخسران أعمالهم، لو جدنا الصورة المتقابلة مع تلك الصورة بقوله تعالى: ـ
(أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات
____________
(1) سورة يس: 14.
(2) سورة النور: 39.
(3) مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية: 355.
--------------------------------------------------------------------------------
(58)
(يُتْبَعُ)
(/)
بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور *) (1)، ليتضح في التصوير القرآني عظم الدلالة من خلال هيأتين متقابلتين ونموذجين مختلفين، فبعد أن أوضحت الصورة الفنية الأولى الشعاع الكاذب في السراب والالتماع الخلب في البيداء، عقبت ذلك بنقيض الشعاع والالتماع وبعد تصوير الخيبة من الظفر بالسناء، عقبته بالظلمات المتراكمة بعظها فوق بعض والفوقيات المتراكبة طبقاً عن طبق فهي ظلمات في بحر لا قعر له، عميق غزير المياه، تحوطه الأمواج المتدافعة، والسحب الثقال، والظلمات المتعاقبة في ثلاثة مظاهر من ظلام الليل، وظلام الغمام، وظلام البحر حتى ليخطؤه تمييز يده، فلا يرى ذلك إلا بعد عسر وحرج، أو لا يرى ذلك أصلاً، وأنى له الرؤية، وقد انغمس في ظلمات الكفر وارتطم بمتاهات الضلال، فانعدمت الرؤية وانطمست البصيرة، فهو في شبهات لا نجاة معها، ومن لم يقدر له الخلاص من الله فلا خلاص له» (2).
يقول الأستاذ مالك بن نبي عن هذه الآية: ـ
«فهذا المجاز يترجم على عكس سابقه عن صورة لا علاقة لها بالوسط الجغرافي للقرآن، بل لا علاقة لها بالمستوى العقلي أو المعارف البحرية في العصر الجاهلي وإنما هي في مجموعها منتزعة من بعض البلدان الشمالية التي يلفها الضباب، ولا يمكن للمرء أن يتصورها إلا في النواحي كثيفة الضباب في الدنيا الجديدة، فلو افترضنا أن النبي رأى في شبابه منظر البحر فلن يعدو الأمر شواطئ البحر الأحمر أو الأبيض ومع تسليمنا بهذا الفرض فلسنا ندري كيف كان يمكن أن يرى الصورة المظلمة التي صورتها الآية المذكورة؟ وفي الآية فضلاً عن الوصف الخارجي الذي يعرض المجاز المذكور سطر خاص بل سطران: أولهما: الإشارة الشفافة ألى تراكب الأمواج، والثاني: هو الإشارة إلى الظلمات المتكاتفة في أعماق البحار، وهاتان العبارتان تستلزمان معرفة علمية بالظواهر الخاصة بقاع
____________
(1) سورة النور: 40.
(2) ظ: المؤلف، الصورة الفنية في المثل القرآني: 281 - 282.
--------------------------------------------------------------------------------
(59)
البحر، وهي معرفة لم تعرف للبشرية إلا بعد معرفة جغرافية المحيطات، ودراسة البصريات الطبيعية، وغني عن البيان أن نقول: إن العصر القرآني كان يجهل كلية تراكب الأمواج، وظاهرة امتصاص الضوء واختفائه في عمق معين في الماء، وعلى ذلك فما كان لنا أن ننسب هذا المجاز إلى عبقرية صنعتها الصحراء ولا إلى ذات إنسانية صغتها بيئة قاريّة» (1).
هذه الظواهر الثلاث في دلالة الألفاظ، توصلنا إلى المنهج الدلالي الأم في استكناه أصول الدلالة وهذا المنهج الأصل هو القرآن الكريم بحق.
ومن هذا المنطلق فقد وجدنا الخطابي (ت: 388هـ) بالذات عالماً ودلالياً فيما أورده من افتراضات، وما أثبته من تطبيقات بالنسبة لجملة من ألفاظ القرآن الكريم بتقرير أنها لم تقع ـ ما زعموا توهماً ـ في أحسن وجوه البيان وأفصحها، لمخالفتها لوضعي الجودة والموقع المناسب عند أصحاب اللغة، وذلك كدعوى افتراضية، يتعقبها بالرد والكشف والدفاع.
والألفاظ هي كما يلي نذكرها ونعقبها في آياتها في موارد اختيارها من قبل الخطابي نفسه ليرد عليها فيما بعد: ـ
1ـ فأكله، من قوله تعالى: (فأكله الذئب) يوسف / 17.
2ـ كيل، من قوله تعالى: (ذلك كيل يسير) يوسف / 65.
3 - امشوا، من قوله تعالى: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا *)، ص / 6.
4ـ هلك، من قوله تعالى: (هلك عني سلطانيه *)، الحاقة / 29.
5ـ لحب، من قوله تعالى: (وإنه لحب الخير لشديد *)، العاديات / 8.
6ـ فاعلون، من قوله تعالى: (والذين هم للزكاة فاعلون *)، المؤمنون / 4.
7ـ سيجعل، من قوله تعالى: (إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل
____________
(1) مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية: 356.
--------------------------------------------------------------------------------
(60)
لهم الرحمن ودّا *) مريم / 96.
8ـ ردف، من قوله تعالى: (قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون *) النمل / 72.
أ ـ (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) الحج /25.
(يُتْبَعُ)
(/)
ب ـ (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر ... ) الأحقاف / 33.
هذه النماذج التي أبانها الخطابي تعقب عادة بالحجج المدعاة أولاً فيوردها، ولكنه يفندها واحدة كما سنرى (1).
فقد ذهبوا في فعل السباع خصوصاً إلى الافتراس، وأما الأكل فهو عام لا يختص به نوع من الحيوان.
وقالوا ما اليسير والعسير من الكيل والاكتيال وما وجه اختصاصه به؟
وقد زعموا بأن المشي في هذا ليس بأبلغ الكلام، ولو قيل بدل ذلك أن امضوا وانطلقوا لما كان أبلغ وأحسن وأدعوا إنما يستعمل لفظ الهلاك، في الأعيان والأشخاص كقوله:
هلك زيد، فأما الأمور التي هي معان وليست بأعيان ولا أشخاص فلا يكادون يستعملونه فيها ...
وأنت لا تسمع فصيحاً يقول: أنا لحب زيد شديد وإنما وجه الكلام وصحته أن يقال: أنا شديد الحب لزيد وللمال.
ولا يقول أحد من الناس فعل زيد الزكاة، وإنما يقال زكّى الرجل ماله
ومن الذي يقول: جعلت لفلان وداً بمعنى أحببته؟ وإنما يقول: وددته وأحببته.
____________
(1) الخطابي، بيان إعجاز القرأن: 38 وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
(61)
وفي ردف إنما هو يردفه من غير إدغام اللام، والباء لا موضع لها في الحاد أو بظلم، ولو قيل: قادر على أن يحيي الموتى كان كلاماً صحيحاً لا يشكل معناه ولا يشتبه (1).
وقد حررت للخطابي مقارنة سليمة في الإجابة عن هذه الافتراضات رداً ومناقشة وبيان حال، وسأحاول أن ألخصها بشكل لا تفقد فيه جوهرها، وأوردها بصورة تحكي عن هدف صاحبها ولعل في ذكرها تخليداً لذكراه، ولكن فيها أيضاً وأولاً، بياناً لطاقات بيانية مهمة واستعمالات بلاغية رائدة، انفرد بها القرآن دون سائر النصوص الإلهية والبشرية، مما يجعل الخطابي ـ رحمه الله ـ من أوائل أولئك الأفذاذ الذين يسروا الطريق أمام فهم القرآن بلاغياً ونقدياً على الوجه التالي: ـ
1ـ فأما قوله تعالى: (فأكله الذئب) يوسف / 17، فإن الافتراس معناه في فعل السبع القتل فحسب، واصل الفرس دق العنق، والقوم إنما أدعوا على الذئب أنه أكله أكلاً، وأتى على جميع أجزائه وأعضائه فلم يترك مفصلاً ولا عظماً، وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم بأثر باق منه يشهد بصحة ما ذكروه، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، والفرس لا يعطي تمام هذا المعنى، فلم يصلح على هذا أن يعبر عنه إلا بالأكل على أن لفظ الأكل شائع الاستعمال في الذئب وغيره من السباع.
وحكى ابن السكيت في ألفاظ العرب قولهم: ـ
أكل الذئب الشاة فما ترك منها تامورا.
2ـ وأما قوله تعالى: (ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير) يوسف / 65.
فإن معنى الكيل المقرون بذكر البعير والمكيل، والمصادر توضع موضع الأسماء كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، هذا ثوب نسيج اليمن، أي مضروب الأمير، ونسيج اليمن والمعنى في الأية: أنا نزداد من الميرة المكيلة إذا صحبنا أخونا حمل بعير، فإنه كان لكل رأس منهم حمل واحد لا يزيد على ذلك لعزة الطعام، فكان ذلك في السنين السبع المقحطة،
____________
(1) الخطابي، بيان إعجاز القرآن: 38، وما بعدها بتصرف واختصار.
--------------------------------------------------------------------------------
(62)
وكانوا لا يجدون الطعام إلا عنده ولا يشير لهم صراحة إلا من قبله، فقيل على هذا المعنى (ذلك كيل يسير) يوسف / 65.
أي متيسر لنا إذا تسببنا إلى ذلك باستصحاب أخينا، واليسير شائع الاستعمال فيما يسهل من الأمور كالعسير مما يتعذر منها ولذلك قيل: يسر الرجل.
وقد قيل: إن معنى الكيل هنا السعر، أخبرني أبو عمرو عن ابن العباس قال: الكيل بمعنى السعر، فكيف الكيل عندكم؟ بمعنى كيف السعر؟
3ـ وأما قوله سبحانه: (أن امشوا واصبروا على ءالهتكم) ص / 6.
وقول من زعم أنه لو قيل بدله: امضوا وانطلقوا كان أبلغ فليس الأمر على ما زعمه، بل امشوا في هذا المحل أولى وأشبه بالمعنى وذلك لأنه إنما قصد به الاستمرار على العادة الجارية ولزوم السجية المعهودة في غير انزعاج منهم، ولا انتقال عن الأمر الأول، وذلك أشبه بالثبات والصبر المأمور به في قوله: (واصبروا على ءالهتكم) ص / 6.
(يُتْبَعُ)
(/)
والمعنى كأنهم قالوا: (امشوا على هينتكم وإلى مهوى أموركم، ولا تعرجوا على قوله ولا تبالوا به ... وقيل بل المشي ها هنا معناه التوفر في العدد والاجتماع للنصرة دون المشي الذي هو نقل الأقدام.
4ـ وأما قوله سبحانه: (هلك عني سلطانيه *) الحاقة /29، وزعمهم أن الهلاك لا يستعمل إلا في تلف الأعيان فإنهم ما زادوا أن عابوا أفصح الكلام وأبلغه، وقد تكون الاستعارة في بعض المواضع أبلغ من الحقيقة كقوله عزّ وجلّ: (و ءاية لهم الليل نسلخ منه النهار) يس /37.
والسلخ ها هنا مستعار هو ابلغ منه لو قال نخرج منه النهار وإن كان هو الحقيقة، وكذلك قوله: (فاصدع بما تؤمر) الحجر /94، وهو أبلغ قوله فأعمل بما تؤمر وإن كان هو الحقيقة، والصدع مستعار، وكذلك قوله: (هلك عنّي سلطانيه *) الحاقة / 29، وذلك أن الذهاب قد يكون على مراصده العودة، وليس مع الهلاك بقيا ولا رجعى، وقد قيل إن معنى
--------------------------------------------------------------------------------
(63)
السلطان ها هنا الحجة والبرهان.
5ـ وأما قوله سبحانه: (وإنه لحب الخير لشديد *) العاديات / 8، وأن الشديد معناه ها هنا البخيل، واللام في قوله (لحب الخير) بمعنى لأجل حب الخير وهو المال لبخيل.
6ـ وأما قوله عزّ و جلّ: (والذين هم للزكاة فاعلون *) المؤمنون / 4، وقولهم إن المستعمل في الزكاة المعروف من الألفاظ، كالأداء، والإيتاء، والإعطاء ... فالجواب إن هذه العبارات لا تستوي في مراد هذه الآية، وإنما تفيد حصول الاسم فقط، ولا تزيد على أكثر من الأخبار على أدائها فحسب، ومعنى الكلام ومراده المبالغة في أدائها والمواظبة عليه حتى يكون ذلك صفة لازمة لهم فيصير في أداء الزكاة فعلاً لهم مضافاً إليهم يعرفون به، فهم له فاعلون، وهذا المعنى لا يستفاد على الكمال إلا بهذه العبارة، فهي إذن أولى العبارات وأبلغها في هذا المعنى.
7ـ وأما قوله عزّ وجلّ: (سيجعل لهم الرحمان ودا) مريم /96، وإنكارهم قول من يقول: جعلت لفلان وداً، بمعنى وددته فإنهم قد غلطوا في تأويل هذا الكلام، وذهبوا عن المراد منه، وإنما المعنى أن الله سيجعل لهم في قلوب المؤمنين، أي يخلق لهم في صدور المؤمنين، ويغرس لهم فيها محبة كقوله عزّ وجلّ: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ... ) النحل / 72، أي خلق.
8 ـ وأما قوله سبحانه: (ردف لكم) النمل / 72، فإنهما لغتان فصيحتان: ردفته وردفت له كما نقول نصحته، ونصحت له.
9ـ وأما قوله: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) الحج /25، ودخول الباء فيه فإن هذا الحرف كثيراً ما يوجد في كلام العرب الأول الذي نزل القرأن به، وإن كان يعز ووده في كلام المتأخرين، قال أبو عمرو بن العلاء: اللسان الذي نزل به القرآن، وتكلمت به العرب على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عربية أخرى عن كلامنا هذا.
نقول: قد قيل إن الباء زائدة، والمعنى: ومن يرد فيه إلحاداً والباء قد
--------------------------------------------------------------------------------
(64)
تزاد في مواضع من الكلام، ولا يتغير به المعنى، وعليه شواهد من كلام العرب (1).
لقد كان الخطابي دقيقاً فيما أورده من إفاضات في هذا المجال استند فيها إلى المتبادر في العرف العربي العام واستشهد على صحة ذلك بالموروث الأدبي عند العرب شعراً ومثلاً وكلمة وقولاً مصداقاً على ما يريد، وقلّب كل لفظ في وجوهه المحتملة فضلاً عن استنارته بآراء علماء العربية وأهل اللغة وأئمة البيان مستوفياً بذلك موقع اللفظ في دلالته على المعنى، وصحته اختياره في استيفاء المؤشر الدلالي، مؤكداً على العرف العربي والاستعمال البياني، والأصالة اللغوية، في كشف الدلالات التي ينطوي عليها اللفظ المختار في الآيات المشار إليها اللفظ ذاته دون سواه، ومعللاً بفطرة نافذة دقة التركيب من خلال وضع الألفاظ بإمكانها المحددة لها، بحيث لو استبدلت بالمرادف أو المساوي لفقدت مميزات لا تتوافر باللفظ البديل، ولو جرت على سنن ما يفترض المدعون لافتقرت إلى عبارات إضافية من أجل أن يخلص إلى المعنى الذي يريده القرآن في ألفاظه المنتقاة إزاء الدلالات المقصودة بالذات.
(يُتْبَعُ)
(/)
أما أنواع الدلالات وأقسامها في كل من البحث الدلالي والقرآن فهو معلم مستفيض ينهض بعمل فني مستقل يشمل مدارك الدلالات كافة، وقد أرجأنا الحديث عنها إلى مبحث خاص بإذن الله تعالى.
____________
(1) الخطابي، بيان إعجاز القرآن: 41 - 48.
--------------------------------------------------------------------------------
(65)
الفصل الرابع
معجم العلماء الدلاليين
من العرب والاوروبيين
--------------------------------------------------------------------------------
(66)
--------------------------------------------------------------------------------
(67)
هذا المعجم: ـ
فيما يلي أضع بين يدي الباحثين معجماً بأبرز الدلاليين العالميين قد يكون إحصائياً في حدود معينة، وقد حاولت فيه أن أجمع أكبر عدد ممكن منهم ممن اطلعت على آثارهم في مبحث الدلالة، أو قرأت عنها، فكانوا كالأتي: ـ
أ ـ الدلاليين العرب القدامى.
ب ـ الدلاليين العرب المحدثين.
ج ـ الدلاليين الأوروبيين.
وقد التزمت في سرد أسمائهم الطريقة المعجمية المتبعة (ألف باء) تسهيلاً لمهمة الباحثين وبغية سرعة الاطلاع عليهم.
وكانت الطريقة الإحصائية تقوم على أسس معينة، فبالنسبة للدلاليين العرب القدامى، اذكر الشهرة، والكنية والاسم، وتاريخ الوفاة، وأشير إلى أبرز الآثار العلمية التي انطوى في صفحاتها ذكر الدلالة أو الحديث عنها، وبالنسبة للدلاليين العرب المحدثين، فإني إذكر أسماءهم متكاملة مع ألقابهم العلمية، ومواطن عملهم، قدر الإمكان ولم ألتزم بذكر جهودهم العلمية لأنها متفرقة بين البحوث والمقالات والكتب، مما يعني عدم الأحاطة بها متكاملة، لأنها تشحن المعجم بقوائم طويلة من أسماء الكتب أو البحوث مما لا ضرورة معه وقد أكون مخطئاً في التقدير، فأسهو عن ذكر من يجب ذكره، والسهو مغتفر للباحث بالنسبة للدلاليين المحدثين نظراً لتعذر الأحاطة. أما الدلاليون الأوروبيون فقد التزمت بذكر الاسم مع تاريخ الولادة والوفاة قدر الإمكان وبيان مكان الولادة أو محل العمل العلمي
--------------------------------------------------------------------------------
(68)
(أ)
«الدلاليون العرب القدامى»
ـ الآلوسي، أبو الفضل، محمود شكري الآلوسي البغدادي (ت 1270 هـ).
ظ: روح المعاني في تفسر القرآن العظيم والسبع المثاني.
ـ الآمدي، أبوقاسم، الحسن بن بشر (ت: 370 هـ).
ظ: الموازنة بين الطائيين.
ـ ابن الأثير، أبو الفتح، ضياء الدين، نصر الله بن محمد (ت: 637 هـ).
ظ: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر.
ـ الأزهري، أبو منصور، محمد بن أحمد (ت: 370 هـ).
ظ: تهذيب اللغة.
ـ ابن أبي الأصبع، زكي الدين، عبد العظيم بن عبد الواحد (ت: 654 هـ)
ظ: بديع القرآن + تحرير التحبير.
ـ الأصمعي، عبد الملك بن قريب (ت: 216 هـ).
ظ: الأضداد.
ـ ابن الأنباري، محمد بن القاسم بن بشار (ت: 328 هـ).
ظ: إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل.
ـ الأنصاري، مرتضى بن محمد أمين (ت: 1281 هـ).
ظ: رسائل الشيخ الانصاري.
(ب)
ـ الباقلاني، أبو بكر، محمد بن الطيب (ت: 403 هـ).
ظ: إعجاز القرآن.
ـ أبو البقاء، أيوب بن موسى الحسيني (ت: 1095 هـ).
ظ: الكليات.
--------------------------------------------------------------------------------
(69)
ـ البهائي، محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي: (ت: 1031 هـ).
أسرار البلاغة + المخلاة.
(ت)
ـ التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر الهروي: (ت: 793 هـ).
ظ: المطول على التلخيص + المختصر.
ـ التهانوي، محمد علي بن التهانوي (علماء القرن الثاني عشر الهجري).
ظ: كشاف اصطلاحات الفنون.
(ث)
ـ الثعالبي، أبو منصور، عبد الملك بن محمد (ت: 429 هـ).
ظ: فقه اللغة وأسرار العربية + التمثيل والمحاضرة + خاص الخاص.
ـ ثعلب: أبو العباس، أحمد بن يحيى بن زيد النحوي: (ت: 291 هـ).
ظ: قواعد الشعر.
(ج)
ـ الجاحظ، أبو عثمان، عمرو بن بحر (ت: 255 هـ)
ظ: البيان والتبيين + الحيوان.
ـ الجرجاني، أبو بكر، عبد القاهر بن عبد الرحمن: (ت: 471 هـ)
(يُتْبَعُ)
(/)
ظ: أسرار البلاغة + دلائل الإعجاز.
ـ ابن جني، أبو الفتح، عثمان بن جني (ت: 392 هـ).
ظ: الخصائص + سر صناعة الأعراب.
ـ الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت: 393 ـ 398 هـ).
ظ: تاج اللغة وصحاح العربية.
(ح)
ـ الحاتمي، أبو علي، محمد بن الحسن بن المظفر البغدادي (ت: 388 هـ).
ظ: الرسالة الموضحة.
--------------------------------------------------------------------------------
(70)
ـ أبو حيان أثير الدين، محمد بن يوسف الأندلسي: (ت: 754 هـ).
ظ: البحر المحيط.
(خ)
ـ ابن خالويه، الحسين بن أحمد (ت: 370 هـ).
ظ: إعراب ثلاثين سورة من القرآن.
ـ الخطابي، أبو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم: (ت: 383 - 388 هـ).
ظ: بيان إعجاز القرآن، (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن).
ـ الخطيب القزويني، أبو المعالي، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن الشافعي (ت: 739 هـ).
ظ: الإيضاح + التلخيص في علوم البلاغة.
ـ الخفاجي، أبو محمد بن سعيد بن سنان (ت: 466 هـ).
ظ: سر الفصاحة.
(ر)
ـ الرازي، فخر الدين، محمد بن عمر بن الحسين: (ت: 606 هـ).
ظ: نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز.
ـ الراغب الأصبهاني، الحسين بن محمد بن المفضل: (ت: 502 هـ).
ظ: المفردات في غريب القرآن.
ـ ابن رشيق، أبو علي، الحسين بن رشيق القيرواني (ت: 456 هـ).
ظ: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده.
ـ الرماني، أبو الحسن، علي بن عيسى (ت: 386 هـ).
ظ: النكت في إعجاز القرآن، (ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن).
(ز)
ـ الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني (ت: 1025)
ظ: تاج العروس.
--------------------------------------------------------------------------------
(71)
ـ الزركشي، بدر الدين، محمد بن عبد الله الزركشي: (ت: 794 هـ).
ظ: البرهان في علوم القرآن.
ـ الزمخشري، أبو القاسم، جار الله، محمود بن عمر الخوارزمي (ت: 538 هـ).
ظ: أساس البلاغة + الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
ـ ابن الزملكاني، كمال الدين، عبد الواحد عبد الكريم الشافعي (ت: 651 هـ).
ظ: البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن + التبيان في علم البيان المطلع على إعجاز القرآن.
(س)
ـ السكاكي، أبو يعقوب، يوسف بن إبي بكر الخوارزمي (ت: 626 هـ).
ظ: مفتاح العلوم.
ـ سيبويه، أبو بشر، عمرو بن قنبر (ت: 180 هـ).
ظ: الكتاب.
ـ ابن سيده، أبو الحسن، علي بن إسماعيل الأندلسي (ت: 458 هـ).
ظ: المخصص في اللغة + المحكم.
ـ السيرافي، أبو سعيد، الحسن بن عبد الله (ت: 368 هـ).
ظ: أخبار النحويين البصريين.
ـ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر: (ت: 911 هـ).
ظ: الاتقان في علوم القرآن + المزهر في علوم اللغة وأنواعها.
(ش)
ـ الشريف الرضي، أبو الحسن، محمد بن الحسين الموسوي (ت: 406 هـ).
ظ: تلخيص البيان في مجازات القرآن + المجازات النبوية.
ـ موريس أبو ناصر (الدكتور)
الجامعة الأمريكية / بيروت.
ـ ميخائيل عواد
عضو المجمع العلمي العراقي / بغداد.
ـ ميشال زكريا (الدكتور)
الجامعة اللبنانية / بيروت.
(ن)
ـ ناجي الأصيل
رئيس المجمع العلمي العراقي سابقاً.
ـ ناصر الدين الأسد (الدكتور)
رئيس الجامعة الأردنية سابقاً.
ـ النعمان القاضي (الدكتور)
كلية الآداب / جامعة القاهرة.
ـ نعمة رحيم العزاوي (الدكتور)
كلية التربية / جامعة بغداد.
ـ نعيم علوية
من لبنان.
ـ نهاد الموسى من لبنان (الدكتور)
الجامعة الأردنية.
ـ نوري حمودي القيسي (الدكتور)
أستاذ في كلية الآداب / جامعة بغداد، وعضو المجمع العلمي العراقي (الأمين العام)
(هـ)
ـ هادي الحمداني (الدكتور)
كلية التربية / جامعة بغداد.
--------------------------------------------------------------------------------
(88)
ـ هادي شريف القرشي
أستاذ في الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
ـ هادي عطية مطر الهلالي (الدكتور)
كلية البنات / جامعة بغداد.
ـ هادي نهر (الدكتور)
كلية الآداب / الجامعة المستنصرية.
(ي)
ـ يحيى الجبوري (الدكتور)
أستاذ في جامعة بغداد وعميد كلية الآداب في جامة قطر.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ يحيى علوان البلداوي (الدكتور)
أستاذ في كلية التربية / الجامعة المستنصرية.
ـ يوسف عبد القادر خليف (الدكتور)
رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب جامعة القاهرة وعضو المجمع اللغوي في القاهرة (الأستاذ والمشرف على رسالة الدكتوراه للمؤلف).
--------------------------------------------------------------------------------
(89)
(ج)
«الدلاليون الأوروبيون»
(أ)
ـ أتو جاسبرسن (1860ـ 1943 م)، كوبنهاغن.
ـ أ. ج. غريماس، صاحب علم الدلالة البنيوي، فرنسي معاصر.
ـ أدموند هوسرسل، (1859م ـ 1936م)، ألماني.
ـ أدوار ساپير، (1848م ـ 1939م)، أمريكي.
ـ أدوار تيتشفر، ( ... ـ 1898م)، ...
ـ أمبرتو إيكون، عالم إيطالي معاصر.
ـ أندريه مارتينه، ( .... ـ 1908م)، أستاذ في جامعة السوربون / فرنسا.
ـ أندريه ميكال، (أستاذ في جامعة السوربون / فرنسا).
ـ أنطوان مابة، (1866م ـ 1936م)، فرنسي.
ـ أ. ي. ريتشاردز، دلالي إنكليزي معاصر.
ـ أوتو بريتسل (1893 ـ 1941م) مستشرق ألماني.
(ب)
ـ براجشتراسر (1889 ـ 1933م) مستشرق ألماني.
ـ بول ريكور، معاصر.
(ث)
ـ ثيودور نولدكه (1836م ـ 1930م) مستشرق ألماني.
(ج)
ـ جان مالينو «معاصر»
ـ جوليا كريستيفا «معاصرة» بلغارية الأصل تعمل في جامعة السوربون / فرنسا.
--------------------------------------------------------------------------------
(90)
ـ جون فيرث (1890م ـ 1960م) دلالي إنكليزي.
(ر)
ـ رومان جاكسون (ولد 1896م) دلالي روسي.
ـ ريجيس بلاشير (1900 ـ 1973م) أستاذ في جامعة السوربون / باريس.
(ز)
ـ زرليغ هاديز (ولد 1909م) أمريكي.
(س)
ـ ستيفن لاند «معاصر».
ـ سي، كي، أوجدن، دلالي معاصر.
(ش)
ـ شارلي بالي (1865م ـ1947م) دلالي سويسري.
(غ)
ـ غوستاف غيوم (1883م ـ1960م) دلالي فرنسي.
(ف)
ـ فردينان دي سوسور (1857م ـ1913م) بنيوي سويسري شهير.
ـ فؤاد سزكين «تركي الأصل» مدير المركز الإسلامي في فرانكفورت.
(ك)
ـ كارلو نالينو، مستشرق أسباني من مؤسسي جامعة القاهرة وأساتذتها (أستاذ العميد الدكتور طه حسين).
(ل)
ـ لرولان بارت، أستاذ في «الكولج دي فرانس» جامعة السوربون / باريس.
--------------------------------------------------------------------------------
(91)
ـ لويس يلمست (1899 ـ1965م) دلالي كوبنهاغن.
ـ ليفي شتراوس «معاصر».
ـ ليونرد بلومفيلد (1887 ـ1949م) أمريكي.
(م)
ـ ميشال بريال (مؤسس علم الدلالة الفرنسي).
(ن)
ـ نوام شومسكي (ولد 1928م) أستاذ في معهد ماسثيوست في الولايات المتحدة الأمريكية (معاصر).
ـ نيقولاي تروبتسكوي (1890 ـ1938م) روسي.
(و)
ـ ولهام فان همبولد (1767م ـ1835م) دلالي ألماني.
(ي)
ـ يان پودوان دي كورتناي (1845 ـ1929م) بولوني.
--------------------------------------------------------------------------------
(92)
«خاتمة البحث»
في مسيرة هذا البحث نود أن نشير إلى أهم النتائج التي توصلنا إليها على شكل نقاط رئيسية: ـ
أ ـ تم لنا في الفصل الأول استقراء جهود المحدثين من العرب والأوروبيين في نظرية البحث الدلالي وانتهينا إلى ما يلي: ـ
1ـ إن ميشال بريال اللغوي الفرنسي يعتبر مؤسس علم الدلالة المتعارف عليه اليوم، وقد اقترن اهتمامه المتزايد
بالأمر مع الناقدين اللغويين الإنكليزيين (أوجدن وريتشاردز) الذين حولا مسيرة الدلالة بكتابهما المشترك «معنى المعنى».
2ـ إن مفهوم الدلالة لدى الأوروبيين عبارة عن اتحاد شامل بإطار متكامل بين الدال و المدلول غير قابل للتجزئة والفصل.
3ـ إن بحث الدلالة المعاصر يؤكد صلة اللغة بالفكر بما يوحيه من علاقة مباشرة بين عناصر الأشارات في الذهن.
4ـ تصور ظاهرتين للدلالة، حسيّة، وهي الإطار الخارجي المتمثل بالشكل، ومعنوية , وهي الإطار الداخلي المتمثل بالمضمون.
5ـ كشف الفروق المميزة للدلالة بين النظرية والتطبيق وإيجاد صيغة اصطلاحية لها في حدود الفهم العربي والأوروبي المشترك من خلال المقارنة بين الآراء.
(يُتْبَعُ)
(/)
ب ـ تم لنا في الفصل الثاني إبانة الجهود المبكرة لعلماء الإسلام والعرب، وأصالة البحث الدلالي عندهم من خلال الاستقراء التأريخي لآرائهم المتنوعة في الموضوع، وتوصلنا معه إلى ما يلي: ـ
1ـ إن وضع اللبنات الأولى الخطيط مباحث الدلالة يعتبر ابتكاراً وسبقاً علمياً من العرب دون سواهم من الأمم اللاحقة الثقافة بعدة قرون.
2ـ إن المدرسة الدلالية لدى العرب لم تتأصل فجأة، ولم تتبلور
--------------------------------------------------------------------------------
(93)
معطياتها الجمالية بغتة، وإنما عركها الزمن في تطوره من خلال الأخذ والرد، وتقلب أيدي الفطاحل من العلماء على مصطلحها حتى عادت مختمرة الأبعاد.
3ـ عرضنا لسبق الخليل بن أحمد (ت: 175هـ) وأبي عثمان الجاحظ (255هـ) وأبي الفتح عثمان بن جني (ت: 392هـ) إلى هذا المصطلح، وتدوين الملاحظات والكشوف والتنظيرات عنه في مجالات شتى.
4ـ اعتبرنا أحمد بن فارس (ت: 395هـ) صاحب نظرية متكاملة في علم الدلالة من خلال تمرسه بإيضاح تنوع الدلالات وأقسامها وتآلف الأصوات، واستنتاج الدلالة الخاصة لكل شكل ذي حروف مؤلفة.
5ـ ووقفنا عند الشريف الرضي (ت: 406هـ) وأبي منصور الثعالبي (ت: 429هـ)، وعبد القادر الجرجاني (ت: 471هـ) ووجدناهم مؤصلين للموضوع، ومخططين له عملياً في جملة من آثارهم العلمية.
6ـ وأما ضياء الدين بن الأثير (ت: 637هـ)، وحازم القرطاجني (ت: 684هـ)، وجلال الدين السيوطي (ت: 911هـ) فقد تراوحت جهودهم في الموضوع بين النظرية والتطبيق.
جـ ـ وتم لنا في الفصل الثالث استكناه المجموعة التركيبية اللفظية في القرآن الكريم ووجداننا فيها لغة اجتماعية ذات طابع دلالي خاص تستمد نشاطها البياني من سمات بلاغية متجانسة تؤكد المعاني الثانوية مضافاً إلى المعاني الأولية، وذلك من خلال تطبيقات البحث الدلالي على جملة مختارة من تلك الألفاظ وتوصلنا معها إلى ما يلي: ـ
1ـ اختيار القرآن الكريم اللفظ المناسب للموقع المناسب من خلال ثلاث ظواهر قرآنية.
الظاهرة الأولى: اختيار القرآن للألفاظ في دلالتها، وإنما جاء متناسقاً مع مقتضيات الحال في طريقة الاستعمال في صدوره إلى جهات متعددة.
الظاهرة الثانية: إن هذا الاختيار للألفاظ لا يراد به ذاتها بل الألفاظ منضمة إلى المعاني، فلا الألفاظ ذات أولوية على حساب المعاني، ولا المعاني على حساب الألفاظ.
--------------------------------------------------------------------------------
(94)
الظاهرة الثالثة: إن اختيار هذه الألفاظ أنما يتجه بالخطاب إلى سكان الأرض الذين يهمهم أمرها ليتعرفوا على ما فيها عقلياً ويتطلعوا إلى كشف أسرارها علمياً بحسب الذائقة الفطرية.
2ـ ضرب الأمثلة المختارة وتحليلها نقدياً لتلك الظواهر المتقدمة مع ذكر الأشباه والنظائر، ومتابعة سنن العرب في الاستعمال مما يوصلنا إلى المنهج الدلالي الأم في استقراء أصول الدلالة في القرآن الكريم.
3ـ وقوفنا عند الخطابي (ت: 388هـ) ووجداننا له عالماً موفقاً فيما أورده من افتراضات، وما أثبته من تطبيقات بالنسبة لجملة من ألفاظ القرآن الكريم، بتقرير أنها لم تقع ـ على ما زعموا توهماً ـ في أحسن وجوه البيان وأفصحها، لمخالفتها لوضعي الجودة والوقع المناسب عند أصحاب اللغة، وذلك كدعوى افتراضية، يتعقبها بالرد والكشف والدفاع، واعتبرناه دقيقاً فيما أورده من إفاضات في هذا المجال، استند فيها إلى المتبادر في العرف العربي العام، واستشهد على صحة ذلك بالموروث الأدبي عند العرب.
د. وتم لنا في الملحق الأحصائي، إنارة الدرب أمام الباحثين الموسوعيين، فوضعنا معجماً عاماً للعلماء الدلاليين من العرب والأوروبيين، القدامى والمحدثين، ورتبناه بحسب الترتيب المعجمي المعاصر، وأضفنا له بعض المعلومات المهمة في الموضوع، أسماءً وكتباً وتواريخ وعناوين، تأخذ في تسهيل مهمة البحث الأكاديمي.
وبعد فالبحث خطوة أولية في استلهام بحوث متطورة في مجال البحث الدلالي، أخلصنا في القصد، والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فارس العربية الخـ زيد ــــــــيل
ـ[صالح بن سعد بن حسن المطوي]ــــــــ[28 - 10 - 2005, 11:18 م]ـ
أحسنت يا زيد الخيل
ونطلب من كرمكم أن تنزلوا باقي ومستجد سلسلة موسوعة الدراسات القرآنية
للدكتور محمد حسين علي الصغير
فهل أنتم مجيبونا
ـ[زيد الخيل]ــــــــ[31 - 10 - 2005, 02:03 ص]ـ
السلام عليكم
جزام الله خيرا أخى: صالح
و ان شاء الله سوف أعمل على ذلك
ونسأل الله ان يعلمنا و يعلمكم
فارس العربية الخـ زيد ــــــــــــيل(/)
لغة الإعلام وآثارها في تحقيق التنمية اللغوية
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 05:23 ص]ـ
مستقبل اللغة العربية
.........................................................................................
مقدمة
لغة الإعلام وآثارها في تحقيق التنمية اللغوية
مشروع الإيسيسكو لكتابة اللغات الأفريقية بالحرف العربي
اللغة العربية .. قضية وجود
اللغة العربية ... إلى أين؟
توصيات الندوة الدولية حول اللغة العربية ... إلى أين؟
...........................................................
الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري
..................................................................................................
منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ـ إيسيسكو ـ 1425هـ/2004م
لغة الإعلام وآثارها في تحقيق التنمية اللغوية
يجمع علماء اللغة وفقهاؤها على حقيقة لا شك فيها قط، وهي أن اللغة، من حيث هي لغة، كائن حي، يخضع لقانون النمو ولسنة التطور.
إنّ التطوّر أصلٌ أصيلٌ في حياة اللغة بما هي كائن اجتماعي، وأساس التطور هو الوجود البسيط أولاً، ثم النماء المترقي ثانياً، وخلال هذا الانتقال يتكون الكائن مترقياً، ويتغير تغيرات مندرجة (1).
ولكننا لا نذهب إلى أبعد مدى في التسليم بهذه المقولة، أو لنقل بعبارة أدق، إننا لا نفهم التطور بمعنى القطيعة مع التراث، والاقتلاع من الجذور، وتجاوز الأصول والثوابت. ولذلك فإنَّ الرأي الذي نعتمده في هذه القضية، هو تطور اللغة في إطار خصائصها وضوابطها، وبمنهجية يضعها اللغويون.
وليس في حرصنا على الالتزام بهذه المنهجية حجرٌ على الفكر اللغوي، أو ضربٌ من التزمت والانغلاق والانكفاء على الذات، وإنما هو الانضباط الذي يقتضيه تعاملنا مع هذه القضية، والاحتياط الذي يستوجبه قيامنا بواجبنا تجاه لغتنا.
وإلى ذلك، فإن للتطور اللغوي مستويات؛ المستوى الأول، تطوير اللغة من الداخل، ونقصد به مسايرة نموّ المجتمع ومواكبة تطوره، من خلال الاشتقاق والنحت والتجوز والتوليد والتعريب، وهذا الضرب من التطوّر بطيء بطبيعته، قد لا يشعر به أهل اللغة في جيل أو عدة أجيال، لأنهم يعيشونه ويندمجون فيه، وإنما تشعر به وتلمسه الأجيال اللاحقة. أما المستوى الثاني، فهو تطوير اللغة من الخارج، ونقصد به التأثيرات الضاغطة التي تفرض التصرّف في اللغة قلباً وتحويراً، وحذفاً وإضافة، وإفساداً وتشويهاً، وخروجاً على القواعد المتبعة والأصول المعتمدة، وهذا الضرب من التطور قَسْريٌّ وقهريٌّ، لأنه مفروض بقوة الواقع، أو تحت تأثير غزو فكري يستصحب غزواً لغوياً.
كذلك هو النموّ الذي قد تعرفه لغة من اللغات، فهو لا يكون نموًّا سليماً بصورة مطردة، وإنما قد يكون نموًّا عشوائياً يفسد اللغة ويدمّر أركانها.
ولم تعرف اللغة العربية عبر تاريخها الطويل ما تعرفه اليوم من سرعة في النموّ، واندفاع في التطوّر ومسايرة المتغيرات، بحكم عوامل كثيرة ونتيجة لأسباب متعددة، لعلَّ أقواها تأثيراً، النفوذ الواسع الذي تمتلكه وتمارسه وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، والذي يبلغ الدرجة العليا من التأثير على المجتمع، في قيمه ومبادئه، وفي نظمه وسلوكياته، وفي ثقافته ولغته، وعلى النحو الذي يفقد بعض المجتمعات هويتها الحضارية، وينال من خصوصياتها الثقافية، وفي المقدمة منها الخصوصية اللغوية.
إن العلاقة بين اللغة والإعلام لا تسير دائماً في خطوط متوازية؛ فالطرفان لا يتبادلان التأثير، نظراً إلى انعدام التكافؤ بينهما، لأنّ الإعلام هو الطرف الأقوى، ولذلك يكون تأثيره في اللغة بالغاً الدرجة التي تضعف الخصائص المميزة للغة، وتُلحق بها أضراراً تصل أحياناً إلى تشوّهات تفسد جمالها.
وإذا كان لكلّ علم وفن وكلّ فرع من فروع النشاط الإنساني لغة خاصة به، بمعنى من المعاني، فإن اللغة في الإعلام تختلف، من وجوه كثيرة، عنها في تلك الحقول من التخصصات جميعاً، فهي في موقف ضعف أمام قوة الإعلام وجبروته، فقلما تفرض اللغة نفسها على الإعلام، وإنما الإعلام هو الذي يهيمن على اللغة، ويقتحم حرمها، وينال من مكوّناتها ومقوماتها، فتصبح أمام عنفوانه وطغيانه، طيّعة لينة، تسير في ركابه، وتخضع لإرادته، وتخدم أهدافه، ولا تملك إزاءه سلطة ولا نفوذاً.
(يُتْبَعُ)
(/)
ولما كانت قوة اللغة تستمدها من قوة أهلها، لأن اللغة تقوى وتزدهر وتنتشر، بقدر ما تتقوّى الأمة التي تنتسب إليها وتترقى في مدارج التقدم الثقافي والأدبي والعلمي والازدهار الاجتماعي والسياسي والحضاري، فإن الوضع الذي تعيشه الأمة العربية الإسلامية في هذه المرحلة من التاريخ، لا يوفر للغة العربية حظوظاً أكبر للبروز وامتلاك شروط القوة، مما يترتب عليه ضعف اللغة وعدم قدرتها على فرض الوجود والتحكم في توجّهات الإعلام، والخروج من دائرة سيطرة نفوذه، والفكاك من هيمنة وسائله، بحيث تصير اللغة تابعة للإعلام، متجاوزةً بذلك الفواصل بين الإصلاح والإفساد.
لقد كان الغيورون على لغة الضاد عند ظهور الصحافة في البلاد العربية في القرن التاسع عشر، يحذرون من انحدار اللغة إلى مستويات متدنية، فتعالت صيحات الكتاب والأدباء في غير ما قطر عربي، داعية إلى الحرص على صحة اللغة وسلامتها، وظهرت عدة كتب تعنى بما اصطلح عليه بلغة الجرائد؛ تصحح الخطأ، وتقوّم المعوج من أساليب الكتابة، وتردّ الاعتبار إلى اللغة العربية. وقد أفلحت الجهود التي بذلها أساطين اللغة والرواد الأُول الحريصون على سلامة اللغة السائدة في الصحافة، أو (اللغة السيَّارة)، قياساً على قولنا (الصحف السيَّارة).
ولكن مع الانتشار الواسع للصحافة الذي تَزَامَنَ مع الازدياد في عدد المتعلمين من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس، وما استصحب ذلك كلّه من هبوط في المستوى الدراسي بصورة عامة، نتيجة لأسباب وعوامل كثيرة، اقتصادية وسياسية وثقافية، انتهى الأمر إلى ضعف اللغة العربية وهيمنة اللهجات العامية المحلية عليها، وسريان ذلك إلى وسائل الإعلام، على نحو يكاد يكون مطرداً، بعد أن لم تعد تجدي صيحات التحذير التي يطلقها علماء اللغة والغيورون عليها، ولم تعد تنفع القرارات والتوصيات التي تصدر عن المجامع اللغوية، أو تلك التي تصدر عن الندوات والمؤتمرات المختصة.
وقد ترتَّب على هذا الوضع الذي وصلت إليه اللغة العربية، أن دخلت عصر الإعلام الواسع الانتشار، وهي تعاني من ضعف المناعة، مما أدَّى إلى هجوم مكتسح وغزو جارف لما يطلق عليه (لغة الإعلام)، على اللغة الفصحى، فوقع تداخل بين اللغتين الفصيحة والعامية، تولَّدت عنه لغة ثالثة هجينة ما لبثت أن انتشرت على نطاق واسع داخل الأقطار العربية وخارجها حيث يوجد من يعرف اللغة العربية من الجاليات العربية وممن تعلَّم العربية وهي ليست لغته الأم.
واللغة الثالثة هذه، والتي صارت لغة الإعلام المعتمدة، هي منزلة بين المنزلتين، كما كان يقول أهل العدل والتوحيد في تاريخنا؛ فلا هي اللغة الفصيحة في قواعدها ومقاييسها وأبنيتها وأصولها، ولا هي لغة عامية لا تلتزم قيوداً ولا تخضع لقياس ولا تسري عليها أحكام. ولكن ميزة هذه اللغة أنها واسعة الانتشار انتقل بها الحرف العربي إلى آفاق بعيدة، ولكن الخطورة هنا، تكمن في أنها تحل محل الفصحى، وتنتشر بما هي عليه من ضعف وفساد باعتبارها اللغة العربية التي ترقى فوق الشك والريبة. وبذلك تكتسب هذه اللغة الجديدة (مشروعية الاعتماد)، ويخلو لها المجال، فتصير هي لغة الفكر والأدب والفن والإعلام والإدارة والديبلوماسية، أي لغة الحياة التي لا تزاحمها لغة أخرى من جنسها أو من غير جنسها.
وبحكم التوسّع في وسائل الإعلام وتعدّد قنواته ومنابره ووسائطه، ونظراً إلى التأثير العميق والبالغ الذي يمارسه الإعلام في اللغة، وفي الحياة والمجتمع بصورة عامة، فإن العلاقة بين اللغة العربية والإعلام أضحت تشكل ظاهرة لغوية جديرة بالتأمل، وهي ذات مظهرين اثنين:
ـ أولهما أن اللغة العربية انتشرت وتوسَّع نطاق امتدادها وإشعاعها إلى أبعد المدى، بحيث يمكن القول إن العربية لم تعرف هذا الانتشار والذيوع في أي مرحلة من التاريخ. وهذا مظهر إيجابي، باعتبار أن مكانة اللغة العربية قد تعززت كما لم يسبق من قبل، وأن الإقبال عليها زاد بدرجات فائقة، وأنها أصبحت لغة عالمية بالمعنى الواسع للكلمة.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ ثانيهما ويتمثَّل في شيوع الخطأ في اللغة، وفشوّ اللحن على ألسنة الناطقين بها، والتداول الواسع للأقيسة والتراكيب والصيغ والأساليب التي لا تمتّ بصلة إلى الفصحى، والتي تفرض نفسها على الحياة الثقافية والأدبية والإعلامية، فيقتدى بها ويُنسج على منوالها، على حساب الفصحى التي تتوارى وتنعزل إلاَّ في حالات استثنائية. وبذلك تصبح اللغة الهجينة هي القاعدة، واللغة الفصيحة هي الاستثناء. وهذا مظهر سلبي للظاهرة.
وإذا قمنا بالتكييف اللغوي ـ على غرار التكييف القانوني ـ لهذه الظاهرة، لا نعدو الحق إذا قلنا إن اللغة العربية تعاني في هذه المرحلة من (التلوث) الذي يُلحق أفدح الأضرار بالبيئة اللغوية، ويفسد الفكر، ويشيع ضروباً من الاضطراب والإرباك والقلق في العقول، علاوة على ما يسبّبه هذا الوضع اللغوي غير المستقر، من فساد في الحياة العقلية للأمة، تنتقل عدواه إلى فساد في معظم المجالات، فتختلط المعاني والدلالات والمفاهيم والرموز في لغة الحوار بين الطبقات المثقفة، وبين قيادات المجتمع، فيؤدي ذلك إلى الغموض والالتباس والتداخل في مدلولات الكلمات، مما ينشأ عنه حالة من (الفوضى اللغوية) التي إن عمّت وانتشرت، أفضت إلى فوضى عارمة في الحياة الفكرية والثقافية، وإلى ما هو أعظم خطراً من ذلك كله.
إن هذا التشخيص للعلاقة بين اللغة والإعلام يمكننا من أن نقف على حقيقة الوضع اللغوي للضاد (2)، في هذه المرحلة الحافلة بالمتغيرات الإقليمية والدولية الحاسمة. وليس من المبالغة في شيء، في ضوء ذلك، قولنا إن هذا الوضع خطير بالمقاييس جميعاً، وبالمعاني كلها، ومن عدة وجوه، ولكن هذه الخطورة لا تمنع من معالجة الخلل وتطهير البيئة اللغوية من التلوث، وإفساح المجال أمام تنمية لغوية يُعاد فيها الاعتبار إلى الفصحى، وتستقيم فيها حال اللغة، بحيث تقوم العلاقة بينها وبين الإعلام على أساس سليم، فيتبادلان التأثير في اعتدال وفي حدود معقولة، فلا يطغى طرف على آخر، بحيث تبقى اللغة محتفظة بشخصيتها، ويظل الإعلام يؤدي وظيفته في التنوير والتثقيف والترفيه النظيف، فيتكامل الطرفان وينسجمان، فتصبح اللغة في خدمة الإعلام، ويصبح الإعلام داعماً لمركز اللغة.
ولكننا لا نيأس من إصلاح اللغة العربية في المدى القريب، فلقد تحقق اليوم ما يعبر عنه (بالتضخم اللغوي)، أو (التوسّع اللغوي) (3)، وذلك نتيجة لاتساع رقعة الإعلام وتأثيره في المجتمعات، ولانتشار اللغة العربية بوضعها الحالي، على نطاق واسع، وهو الأمر الذي يخدم أحد أغراض التنمية اللغوية بالمعنى الشامل للتنمية المعتمد في الخطاب المعاصر. وليس في التضخم اللغوي خطر على اللغة، كما هو الشأن في الاقتصاد، لأن التضخم هنا توسيع لنطاق استخدام اللغة، وإغناء لمضامينها ومعانيها، وتلك غاية سامية من الغايات التي تهدف إليها التنمية اللغوية.
وكما أن للتنمية من حيث هي، سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية، قواعد وضوابط ومعايير وأهداف مرسومة، فكذلك هي التنمية اللغوية التي لن يتحقق الغرض منها ما لم تتوافر لها الشروط الموضوعية.
ويأتي في مقدمة هذه الشروط التي إن انتفى شرط واحد منها، فقدت التنمية اللغوية الهدف المتوخى منها، ثلاثة شروط، هي:
أولاً: أن تلتزم اللغة القواعد والأبنية والتراكيب والمقاييس المعتمدة والتي بها تكتسب الصحة والسلامة، في غير ما تزمت، أو تقعر، أو انغلاق، مع مراعاة المرونة والتكيّف مع المستجدات التعبيرية، فلا تسف، ولكنها تحافظ على طبيعتها وأصالتها ونضارتها.
ثانياً: أن تفي اللغة بحاجات المجتمع، وأن ترتقي إلى المستويات الرفيعة لشتى ألوان التعبير، بحيث تكون لغة متطورة، مسايرة لعصرها، مندمجة في محيطها، معبرة عن ثقافة المجتمع ونهضته وتطوره، مواكبة لأحواله، مترجمة لأشواقه وآماله.
(يُتْبَعُ)
(/)
ثالثاً: أن يُحتفظ بمساحات معقولة بين لغة الخطاب اليومي عبر وسائل الإعلام جميعاً، وبين لغة الفكر والأدب والإبداع في مجالاتهما، بحيث يكون هناك دائماً المثل الأعلى في استعمال اللغة، يتطلع إليه المتحدثون والكتاب على اختلاف طبقاتهم، ويسعون إلى الاقتداء به ويجتهدون للارتفاع إليه، فإذا عدم هذا المثل الراقي حلَّ محله مثل أدنى قيمة وأحط درجة، لا يربي ملكة ولا يصقل موهبة ولا يحافظ على اللغة، إن لم يسيء إليها ويفسدها.
والشرط الثالث هو من الأهمية بمكان، لأن انتفاء المثل الأعلى في اللغة يؤدي إلى هبوط حادّ في مستوى التعبير الشفاهي والكتابي على السواء، ويتسبَّب في شيوع اللهجات العامية التي تنازع الفصحى السيادةَ على الفكر واللسان، لدرجة أنها تصبح مثلاً يحتذى به. وتلك هي الخطورة التي تتهدّد شخصية اللغة العربية في الصميم. وهذه هي النتيجة التي يخشى اللغويون العرب من الوصول إليها، لأنها تمثّل خطراً حقيقياً على الفصحى وعلى ما تمثله من قيم ثقافية رفيعة، هي من الخصوصيات الحضارية للأمة العربية الإسلامية.
وهذه الشروط الثلاثة تتمثل اليوم في (الفصحى المعاصرة) التي تجري على سنن اللغات، فتراكيبها وصيغها جميعاً لا تستعصي على التطور، ولا هي أشياء ثابتة راسخة كالصخر الأصم، بل هي كائنات حية مثل أصحابها، فهم في تطور وتغيّر مستمرين من يوم هبوطهم في مهودهم إلى يوم استقرارهم في لحودهم، وكذلك التراكيب والصيغ في اللغة، فهي ما تني تتحرك وتتطور وتتغيّر، وهو جانب واسع جداً في الأسلوب المبسط الجديد لفصحانا المعاصرة (4).
والفصحى المعاصرة هي خلاصة التطور الذي عرفته اللغة العربية في هذا العصر، وهي اللغة (الوسطى) التي هي أعلى مستوى وأرفع مقاماً من (اللغة السيَّارة)، فهي لغة عربية تحافظ على خصائصها ومميزاتها وتراكيبها وصيغها، ولكنها لغة عربية معاصرة، بكل ما في المعاصرة من دلالات. ولذلك كانت الفصحى المعاصرة تعيش مرحلة خصبة من جميع الوجوه، إذ وسعت مضامينَ شتى من العلوم والآداب، ونفذت إلى أسلوب ميسر مبسط، من شأنه أن يساعدها على انتشارها في جميع الألسنة، وقد ظفرت بفنون كانت خاصة بالعامية. ولكنا نعرف أن الفصحى المعاصرة استولت منذ القرن الماضي على أكبر ساحة لغوية شعبية في هذا العصر (5).
والفصحى المعاصرة من هذا المنظور، هي الأمل في تطور اللغة العربية تطوراً سليماً، في هذه المرحلة التي تُهاجم فيها الهوية الثقافية والخصوصية الحضارية للأمم والشعوب، فهي لغة الإعلام والفكر والثقافة والإدارة والديبلوماسية، وهي لغة لا تنفصل عن الماضي، ولا تتنكر للتراث اللغوي، ولكنها لا تجمد عند مرحلة تاريخية من تطور اللغة، وإنما تساير المستجدات في غير ما اندفاع أو غلوّ أو تطرف، لأن التطرف في اللغة هو الانفلات من القواعد، والانقلاب على التراكيب والصيغ البيانية المقطوع بصحتها وسلامتها.
واستناداً إلى هذه المرتكزات، فنحن نرى أن الفصحى المعاصرة هي لغة الحاضر والمستقبل، وهي الردُّ الموضوعيُّ على الأخطار التي تتهدّد اللغة العربية، وهي إلى ذلك، التطور الطبيعيُّ للفصحى الأصيلة التي ضعف استعمالها في المجتمع نتيجة للأسباب والعوامل التي ذكرناها آنفاً.
وليس في هذا التركيب: (الفصحى المعاصرة)، المعنى المجرد الواحد فقط الذي يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى، وإنما فيه معانٍ كثيرة، منها ربط الفصحى بالمعاصرة، بما يستلزمه ذلك من الانخراط في العصر، والاندماج في تحولاته، والاستغراق في تياراته، وهو الأمر الذي يعني في المقام الأول الأخذَ بالنتائج التي انتهى إليها علم اللغة الحديث، والاستفادة من ابتكارات العلوم المرتبطة بفقه اللغة وعلم الأصوات. وبذلك يكون أحد المعاني التي يوحي بها مصطلح (الفصحى المعاصرة)، أنها لغة تلتزم قواعد العلم الحديث.
(يُتْبَعُ)
(/)
إن تزايد نفوذ الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، يشكل عاملاً مساعداً لذيوع اللغة العربية وسعة انتشارها ووصولها إلى آفاق بعيدة، تتخطى رقعة الوطن العربي إلى العالم الإسلامي، وإلى مناطق شتى من العالم، خصوصاً وأن الإعلام المرئي يلعب دوراً بالغ التأثير في تبليغ الرسالة الإعلامية إلى العالم أجمع. وبذلك اتسعت الساحة أمام الضاد على نحو لا عهد لها به من قبل. وفي هذا الامتداد للغة العربية تجديدٌ لها، على نحو من الأنحاء، وتبديدٌ للوهم الذي ساد في فترات سابقة، بأن الضاد لم يعد لها مكان في هذا العصر.
ولئن كان هذا الاتساع المطرد والانتشار المستمر للغة العربية يعبّران عن حالة صحية تبعث على الارتياح، فإن التأمل المتأني في الوجه الثاني لهذه الظاهرة، ينتهي بنا إلى الوقوف على الحجم الحقيقي للمشكلة التي تعاني منها اللغة العربية في هذا العصر، والتي ستتفاقم في المستقبل، ما لم نبادر إلى البحث عن الحلول المناسبة. وبيان ذلك أن ثمة نوعاً من الخداع في الظاهرة موضع البحث، لأن لها مستويين؛ أولهما إيجابي، وثانيهما سلبي، فالإيجابي يتمثّل في انتشار اللغة العربية على أوسع نطاق في هذا العصر، والسلبي يكمن في أن الرضا بمستوى اللغة والركون إلى وضعها الحالي، يورثان حالة من الاطمئنان والقبول والتسليم بالأمر الواقع، مما يتسبَّب في العزوف عن تراث اللغة والزهد في رصيدها على النحو الذي قد يؤدي، إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه اليوم، إلى ما يشبه القطيعة مع الثقافة العربية الإسلامية في مصادرها وأصولها.
ولتلافي هذه الازدواجية، ولتجاوز هذه السلبية، فإنه لا مناص لنا من اعتماد المنهج التكاملي في تعاملنا مع اللغة، وقوامُه أن تواكب الجهودُ التي نبذلها على مستوى مجامع اللغة العربية في الوطن العربي وعلى مستويات أخرى في أقسام اللغة العربية بالجامعات العربية، التطورَ الذي تعرفه اللغة بحكم تأثير وسائل الإعلام فيها، وأن يساير هذا العملُ الأكاديميُّ والفني، الوضعَ الحاليَّ للغة العربية، فلا يرتفع عنه، ولا يستهين به، وإنما يتفهمه، ويستوعبه، بحيث لا يتم خارج نطاق الواقع، وإنما يكون جزءاً من هذا الواقع، يتفاعل معه تفاعلاً إيجابياً ينتج عنه ازدهار اللغة العربية وانتشارها، والحفاظ عليها وحمايتها، وتطويرها وتجديدها.
ولهذا المنهج أربع قواعد نُوجزها فيما يلي:
أولاها: التعامل مع اللغة على أساس أنها كائن حي قابل للتطور وفق ما يقرره أبناء اللغة، أي أن تطوير اللغة يأتي من إرادة الناطقين بها، ويصدر عنهم، فهم أصحاب المصلحة في هذا التطوير.
ثانيتها: إحكام العلاقة بين عملية تطوير اللغة وإصلاحها وتحسينها وتجديدها، وبين المتغيرات التي تعيشها المجتمعات العربية، بحيث تكون عملية التطوير استجابةً لتطور المجتمع ونابعة عن واقعه المعيش.
ثالثتها: الانفتاح على المستجدات في العالم، خاصة في مجالات العلوم والتقانة والمعلوميات وعلم اللغة الحديث بكل تفريعاته والحقول البحثية المرتبطة به، والسعي إلى الاقتباس والنقل والاستفادة الواسعة من نتائج هذه العلوم جميعاً في إغناء اللغة العربية وربطها بحركة الفكر الإنساني.
رابعتها: الاهتمام بالجانب القانوني والتشريعي في عملية التطوير، حرصاً على ضبط مساره والتحكم في نتائجه، من خلال وضع قوانين تصادق عليها الجهات المختصة في الدولة، لفرض هيبة اللغة وإلزام أفراد المجتمع والهيئات والجماعات باحترامها طبقاً للقانون، أسوة بما هو عليه الأمر في بعض الدول الغربية.
إن هذا المنهج الذي ندعو إليه، يلائم عصر العولمة الذي نعيشه، وينسجم مع طبيعة التحديات التي تواجه الضاد، ويتناسب والواقع الثقافي في العالم العربي.
إن لغة الإعلام في عصر العولمة لا تستقر على حال، فهي في تطور مطرد، لا يكون دائماً في خدمة اللغة. ولكنا لا نملك أن نعزل أنفسنا عن تيار العولمة، أو ننأى بلغتنا عن (الإعلام العولمي).
ومهما كان حكمنا على العولمة، ومهما يكن رأينا فيها (6)، فإنها تتيح فرصاً كثيرة لكل من يرغب في تطوير لغته، حيث تقدم الصحون اللاقطة والأنترنيت والبريد الإلكتروني والحاسوب، كل ما يستلزم من عمليات الإحصاء والترتيب والتخزين والاسترجاع والتصحيح، والمستقبل مفتوح لما لا يخطر على البال.
(يُتْبَعُ)
(/)
ويستلزم الأمر في هذا المجال القيام بالخطوات التالية:
أولاً: تفعيل المنظومة التربوية تفعيلاً معاصراً، وذلك بتطوير الخطاب اللغويّ، حتى يلبي كل أنماط الخطاب البسيط العلمي، ويغطي كل أساليب التعبير، ويصاحب هذا بالتجديد في متن اللغة استجابة لملاحقة العصر.
ثانياً: بناء الذخيرة اللغوية، وبنوك المعطيات.
ثالثاً: علاج اللغة علاجاً آلياً، من خلال اعتماد نظم الترجمة الآلية منها وإليها.
رابعاً: إدخال التراث اللغوي العربي في أقراص ممغنطة ( c. D.) (7).
ونحن نعدُّ العمل الذي قام به الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في مجال تيسير اللغة مثالاً يحتذى، فمن جملة الكتب التي أصدرها والتي تعدّ قدوة وأسوة حسنة، كتابه (تيسيرات لغوية) الذي جاء فيه بتيسيرات في جوانب من استعمالات اللغة وقواعد العربية، رأى أن يعرضها على الكتاب والقراء، حتى ينحي عن طريقهم ما قد يظنونه إزاء بعض الصيغ انحرافاً عن جادة العربية وقواعدها السديدة (8).
إن قسماً كبيراً من مشاكل اللغة العربية يعود إلى أسباب ذاتية، ونقصد بها ضعف همة أبناء الضاد وقصورهم في القيام بواجبهم تجاه لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية، وتفريطهم في مسؤوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم وحماية وجودهم المعنوي.
إن محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، إلى عالمها الذي يبدو متخلفاً، ليس ذلك فحسب، بل إن محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسياً أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية، بحيث قد تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العلوم والتكنولوجيا، فما دامت صفوة المشتغلين بالعلوم تعرف الانجليزية أو الفرنسية مثلاً، فلا بأس من عزل العربية، بل وقتلها. هذا مع أن هناك شبه إجماع على ثلاثة أمور تشكّل اقتناعاً مشتركاً بين جميع من يُعنى بحاضر اللغة العربية ومستقبلها، ويهتم بمعالجة مشكلاتها، وهي:
ـ الأول: أن العربية قادرة على استيعاب العلوم، ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ويتحضر إلا من خلال لغته، ومن ثم لن ينهض العرب إلاَّ بواسطة العربية.
ـ الثاني: أن معرفة أكثر المشتغلين بالعلوم للغة الإنجليزية لا ترقى إلى مستوى معرفة أهلها أنفسهم، فهم يستخدمون لغة لا يتقنونها إتقاناً كاملاً، ويهملون لغتهم التي يمكن أن يحققوا بها مستوى أداء أفضل، فيزدادون ضعفاً على ضعف.
ـ والثالث: أن مستوى الطلاب في الكليات العلمية لما يتلقونه بالإنجليزية أو الفرنسية ضعيف، وهو أضعف قطعاً مما لو تلقوا موادهم بالعربية على أيدي أساتذة يحسنونها (9).
ويمكن لنا أن نقول، في ضوء هذا كله، إن العيب في أبناء اللغة وليس في اللغة، وإن التنمية اللغوية مرهونة بالجهد الذي نبذله نحن في الواقع وبين الناس، لا في القراطيس، وإن الآثار الإيجابية للعلاقة بين اللغة والإعلام، لا يكون لها نفع أو جدوى أو فائدة، ما لم نقم، كل في موقعه ومجال تخصصه، بما يجب أن نقوم به، من العمل المدروس والممنهج للحفاظ على صحة اللغة وسلامتها، ولتحقيق المزيد من التنمية اللغوية مستغلين الإمكانات الفنية والتقانية الهائلة التي تتاح لنا اليوم، لتعزيز مكانة لغتنا بالعلم والعمل وتضافر الجهود ووضع الضوابط والتشريعات التي تحول دون انفلات اللغة وتراجعها عن أداء دورها في البناء الحضاري والنماء الاجتماعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أمين الخولي، مشكلات حياتنا اللغوية، ص: 46، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، القاهرة.
(2) لا نقصد هنا الوضع في اللغة، وإنما نقصد إلى الحالة الراهنة للغة، وشتان بين المعنيين.
(3) يُعطي د. حسن ظاظا في كتابه (كلام العرب، من قضايا اللغة العربية)، ص: 85، مكتبة الدراسات اللغوية، دار القلم دمشق، الدار الشامية بيروت، الطبعة الثانية 1990، معنى أكاديمياً لمصطلح (التضخم اللغوي)، وذلك انطلاقاً من أن الأصل في وضع الألفاظ في اللغات المختلفة، أن يكون لكل معنى يجول بالخاطر لفظ يعبر عنه، أي أن يكون للفكرة الواحدة لفظة واحدة، وللكلمة الواحدة معنى واحد أيضاً، ويبدأ الخلط والاضطراب بمجرد أن يوجد لفظان فأكثر لمعنى واحد، أو معنيان فأكثر للفظ واحد، وإن كانت اللغات جميعاً لا تنجو من هذه الإصابة بقدر ما، قل أو كثر. ونحن وإن كنا لا نجادل في صواب هذا التعريف الفني للمصطلح، إلاّ أننا نميل إلى المعنى المباشر الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة، أي المعنى التلقائي الذي يفيد الوفرة والكثرة.
(4) د. شوقي ضيف، في التراث والشعر واللغة، ص: 242، (سلسلة مكتبة الدراسات الأدبية 100)، دار المعارف، القاهرة، 1987.
(5) المصدر نفسه، ص: 242.
(6) يراجع كتابنا (تأملات في قضايا معاصرة)، دار الشروق، القاهرة، 2002، فقد بحثنا فيه قضية العولمة من جوانبها المختلفة وأبعادها المتعددة. ولنا كتاب عن (العالم الإسلامي في عصر العولمة) تحت الطبع في دار الشروق أيضاً.
(7) د. صالح بلعيد، محاضرات في قضايا اللغة العربية، ص: 301، مطبوعات جامعة منتوري قسنطينة، 1999.
(8) صدرت الطبعة الأولى من (تيسيرات لغوية) عن دار المعارف بالقاهرة، في 1990. وللمؤلف كتاب ثان حول هذا الموضوع صدر له عن دار المعارف بالقاهرة في 1994 بعنوان (تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبنيات والحروف والحركات)، وفي الكتابين فوائد جمة، وقد نحا فيهما المؤلف منحى اجتهادياً في اللغة جديراً بأن يقتدى به.
(9) د. عبد الصبور شاهين، العربية لغة العلوم والتقنية، ص: 366، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، 1986 م
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[معالي]ــــــــ[08 - 11 - 2005, 07:00 ص]ـ
الأستاذ القيصري
رائعٌ كما عهدناك ..
أنا هنا لأقول بورك جهدك الدؤوب ..
عائدةٌ بإذن الله بعد قراءتي لموضوعك الطويل الذي أجزم أنه متميزبإذن الله.
تحية تشبه حضورك الماتع النافع دائمًا
ـ[منسيون]ــــــــ[22 - 03 - 2008, 06:49 م]ـ
بحث رائع بل أكثر من رائع
بوركت أخي الكريم وجزاك الله خيرا
ـ[ياسر البهيجان]ــــــــ[01 - 04 - 2008, 12:49 م]ـ
بحث جدير بالاهتمام والقراءة.
مجهود رائع تستحق الإشادة عليه , فلا تحرمنا أخي القيصري من أمثال
هذه الأبحاث التي أسأل الله أن تؤتي أكلها في القريب العاجل لأنها تهدف
إلى إعادة توهج اللغة وتألقها , فتعود كما كانت تلك اللغة التي بهرت جميع
الأمصار ببلاغتها وفصاحتها.(/)
صور من رحلة الكلمات العربية إلى الفرنسية
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 05:49 ص]ـ
صور من رحلة الكلمات العربية إلى الفرنسية
تقديم وترجمة وتعليق
أ. د.عبد العلي الودغيري*
I- التقديم
نشرت السيدة هنرييت والتر Henriette Walter كتابا في 344 صفحة من الحجم الكبير بعنوان:
" L’aventure des mots français venus d’aileurs"
مغامرة الكلمات الفرنسية القادمة من الخارج. صدر بباريس سنة 1997م وعن دار روبير لافون" Robert Laffont".
وصاحبة هذا الكتاب باحثة فرنسية وأستاذة للسانيات في جامعة رين " Rennes" الفرنسية، ومديرة لمختبر الفونولوجيا في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا، ورئيسة للجمعية الدولية للسانيات الوظيفية، أصدرت من قبل مجموعة من المؤلفات في مجالي الصوت والمعجم، كان من بينها قاموس صدر لها بالاشتراك مع جيرار والتر Gérard Walter سنة 1991م عن دار لاروس" Larousse" بباريس عنوانه:
" Dictionnaire des mots français d’origine " étrangère" قاموس الكلمات الفرنسية ذات الأصل الأجنبي.
وفي بداية الأمر، عملت السيدة هـ.والتر مع مشاركها في تأليف هذا القاموس، على جمع 8088 كلمة فرنسية مستعارة من لغات أجنبية مختلفة من بينها اللغة العربية، تم استخراجها من متن معجمي مكون من حوالي 70.000 كلمة ومستمد من مصادر متعددة منها قاموسان مشهوران جدا هما1: Le Petit Larousse» « و» « Le Petit Robert ولكنهما وجدا كثيرا من الكلمات التي اشتمل عليها هذا المتن المعجمي الواسع، أصبح مهملا بفعل تقادمه وسقوطه من الاستعمال، وعددا آخر منها ينتمي إلى مجالات علمية وتقنية متخصصة، أو مغرقا في الإقليمية والمحلية والانتماء إلى فئة محدودة جدا من المستعملين. ومن ثم قررا الاعتماد على متن معجمي أقل اتساعا وأكثر رواجا، فجعلا من القاموسين الفرنسيين
" Le Petit dictionnaire de la langue française"
المطبوع بباريس سنة 1988م. و Le Micro-Robert plus المطبوع سنة 1987م، اللذين يحتوي كل منهما على 35.000 كلمة، مرجعهما في استخراج الألفاظ الفرنسية ذات الأصل الأجنبي. ونتيجة لذلك تقلص مجموع الكلمات الأجنبية التي تم استخلاصها من هذا المتن (المكون من 35.000 كلمة)، فأصبح في هذه الحالة يتألف من 4061 كلمة فقط، أي أنه تم الاستغناء عن 4027 كلمة أخرى لها أصل أجنبي في اللغة الفرنسية، اعتبرت من الألفاظ العتيقة غير المستعملة في الفرنسية الحديثة، أو من تلك المغرقة في التخصص العلمي والتقني والاستعمال المحلي.
ومن النتائج التي توصل إليها مؤلفا القاموس المذكور، أن مجموع الكلمات الفرنسية القادمة إليها من لغات أخرى، شرقية وغربية، يصل إلى نسبة13% تقريبا2، وأن الكلمات الفرنسية القادمة من اللغة العربية تقع في المرتبة الخامسة من بين اللغات التي استعارت منها الفرنسية كلماتها، أي أن الكلمات العربية تأتي من حيث عددها في مرتبة قبل الألمانية (المرتبة السادسة)، والإسبانية (المرتبة السابعة)، والفارسية (المرتبة الثالثة عشرة) والبرتغالية (المرتبة السادسة عشرة) ... وغيرها من اللغات الأخرى. وهكذا تبين أنه من بين 8088 كلمة أجنبية الأصل في الفرنسية توجد 420 كلمة ذات أصل عربي، ومن بين 4016 كلمة أجنبية الأصل في الفرنسية (و هو عدد مداخل القاموس المسمى: Dictionnaire des mots "français d’origine étrangère" توجد 212 كلمة عربية3.
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 05:52 ص]ـ
عربية الكيميائيين:
إن الكيمياء ( La Chimie) بما هي مادة علمية، لن ترى النور إلا مع نهاية القرن الثامن عشر] لميلادي [أي في الوقت الذي وضعت فيه على الخصوص مدونة للمصطلحات العلمية الصارمة و. إلا أن هذه المادة العلمية كانت منذ العصر الوسيط، ماثلة حاضرة فيما يقوم به الكيميائيون القدامى المختصون في تحويل المعادن ( Alchimistes)5 . فهؤلاء العلماء الذين كان فيهم مس من الجنون، كانوا يحاولون عن طريق تحويل المعادن واستعمال حجر الفلاسفة6 pierre philosophale أن يصلوا إلى صنع الذهب الذي كان يعتبر عندهم أرفع المعادن، وكانوا يحلمون أيضا باكتشاف العنصر الغريب الذي يمكن من تأخير تحلل الأجسام بصفة شبه دائمة، أي تأخير الموت.
إنه لمن المحتمل أن تكون بعض الألفاظ مثل: ( alcali, alcool, antimoine, élixir, Alambic) جاءت إلى اللغة الفرنسية بواسطة كيميائيين قدامى.
فكلمة Alambic7 تعني أداة للتقطير.
وكلمة 8 alcali تعني الصودا. وفي قولهم ( alcali Voloti) تعني أحيانا الأمونياك (النشادر)، وهو عنصر آخر قِلْوي ( Alcaline) مثل الصودا.
وكلمة Alcool أصلها من الكلمة العربية (الكُحْل) الدالة على مسحوق الِإثْمِد (أو الأنتيمون) الذي ما يزال يستعمل اليوم مسحوقا من مساحيق تجميل الأجفان ويحمل اسم (كُحُول Khôl) 9 . وسيكون الكيميائي والطبيب السويسري براسيلز Paracelse هو المسؤول في القرن السادس عشر عن تغيير معنى كلمة ( Alcool) 10.
وكلمة Antimoine11 هو مصطلح من أصل عربي يدل على سلفور الِإثْمِد ( Sulfure d’antimoine )، وهو منتوج طبيعي يعطي عند سحقه سحقا ناعما مادة الكُحْل.
وكلمة Elixir، كان الكيميائيون العرب القدامى يطلقونها على حجر الفلاسفة، وهي مادة شبه سحرية كان يعتقد أنها تملك القدرة على تحويل المعادن إلى ذهب. وأما الكلمة العربية الأصلية (الإكسير) فقد أُخذت بدورها عن الأصل الإغريقي Ksêron التي تعني دواء (مصنوعا من مسحوقات جافة).
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 05:55 ص]ـ
عربية الطبيعيين:
لقد استعيرت من اللغة العربية أسماء العديد من الحيوانات، وكان ذلك بواسطة اللاتينية التي اصطنعها علماء الطبيعيات. ومن هذه الأسماء:
- Civette، وكان هذا الاسم يدل في العربية 12 على مادة عَطِرة يفرزها حيوان بهذا الاسم.
- Alezan، وهو في العربية اسم لثعلب ذي فراء أشقر13،مثلها مثل كلمة ( Fennec): ( الفَنَك) 14 التي تعني ثعلبا صغيرا ذا فراء رَمْلِي اللون.
- Gerboise ( يربوع)، وهو قاضم صغير قوائمه الأمامية قصيرة، ويقف غالبا على قوائمه الخلفية الطويلة (مثل القَنْغر Kangourou مع الفارق في النسبة).
- Gazelle، من العربية (غزالة).
- Girafe، من العربية (زرافة)، لكن المؤلفين اللاتينيين كانوا يسمون هذا الحيوان: ( Camelo-Pardalis) أي (جَمَل- نَمِر)، لأنه كان له رأس جمل وجلد مبرقش مثل جلد النمر. وكلمة ( Camelopard) 15 كانت موجودة في الفرنسية القديمة. ز
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 05:56 ص]ـ
عربية النباتيين:
هنالك بعض المنتوجات النباتية التي تحمل أيضا أسماء عربية في الأصل مثل:
Henné- ( الحِنَّاء) التي هي صبغ من الأصباغ.
- Séné وهو] نبات [مليِّن (مسهِّل). 16
Abricot- 17 و Artichaut 18: اللذين احتفظا معا بشيء من أداة التعريف في العربية وهي ( AL) أول الكلمة.
- Tamarin و Chicotim: اللذين عمل التطور الصوتي على محو ما فيهما من إحالة جغرافية. فكلمة Tamarin من تمر هندي أو تمور الهند. ونجد الإحالة على مكان الأصل واضحة في الإنجليزية Tamarind أما كلمة 19 Chicotim فهو أَلُوَّة ( Aloès) 20 ] شجر صَبْرى [جاءت من جزيرة سُقُطْرى الموجودة قبالة اليمن21.
العِلْم العربي:
وكما رأينا، فإنه عن طريق الترجمة من الإغريقية إلى العربية، ثم من العربية إلى اللاتينية ومنها إلى الإسبانية أو الإيطالية، تم أخيرا نشر أغلب النصوص العلمية في العالم الغربي. وهذا هو السبب الذي يقود أحيانا إلى التردد في الجزم حول الأصل الأول لبعض الكلمات العالِمَة التي تعود إلى العصر الوسيط، وحول اللغات الوسيطة التي حملتها قبل أن تصل إلى لغات أوربا.
الباء في Abricot:
من حسن الحظ أن توجد هنالك بعض المؤشرات اللغوية الخاصة التي نستطيع الاهتداء بها.
وأحسن مثال على ذلك هو كلمة Abricot، فقبل أن يصبح هذا الاسم دالا على تلك الفاكهة التي يدل عليها، قطع طريقا طويلا في مسيرته قبل أن يصل إلى الفرنسية و يدخل إليها بواسطة القطلانية. إذ يمكن أن نعزو أصله البعيد إلى كلمة (البرقوق) العربية التي لوحظ وجودها بالفرنسية في القرن السادس عشر في شكلها الأول وهو: ( Aubercot)، ولكن العربية نفسها كانت قد استعارتها من اللاتينية ( Praecoquum) بمعنى باكورة، بواسطة الإغريقية التي كانت قد حملت هذه الكلمة إلى سوريا. ح وكان أصل معناها "ثمرة مبكرة"، فكلمة (البرقوق) إذن تعني (باكورة) أو مبكرة ( Précoce).
والذي يحملنا على اعتبار العربية بمثابة اللغة الوسيطة المحتملة بالنسبة لهذه الكلمة، هو وجود حرف ( B) في كلمة Abricot)) مقابل حرف ( P) في الأصل اللاتيني ( Praecoquum)، فالعربية التي لا تتوفر على صوت ( P) في نظام صوامتها، كانت في العموم تعوض صوت ( P) بصوت ( F)، مثل Platon التي تتحول في العربية إلى (أفلاطون). فلو كان لفظ (البرقوق) قد نقل إلينا مباشرة من اللاتينية، لكنا قد حصلنا على حرف ( P) وليس حرف ( B) في الفرنسية (مثلما هو الشأن في كلمة: Poire التي أخذت من اللاتينية ( Pira).
وآخر ما يمكن ذكره من معلومات، هو أن كلمة (البرقوق) نفسها التي عرفت انتشارا واسعا في اللغات الرومانية والجرمانية لم تعد تحتفظ في العربية المعاصرة بالمعنى الذي كان لها من قبل22.
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 05:58 ص]ـ
أداة لا تفصح عن اسمها:
يمكن أن نقترح وسيلة بسيطة للتعرف على الأصل العربي لعدد كبير من الألفاظ الفرنسية، وتلك الوسيلة هي وجود المقطع ( AL) في بداية الكلمة. فليس هذا المقطع سوى أداة للتعريف (ال) التي يقابلها في الفرنسية ( la-le). وإذن فالكلمات الآتية:
( Alambic, alccol, alcali, alcôve, alezan,
algèbre, algorithme etc... 23)، هي من هذا القبيل.
(يُتْبَعُ)
(/)
وإذا كانت الأداة العربية قد ظلت موجودة بكاملها في الأمثلة السابقة، فإنه يصعب أن نحدس وجودها في كلمة artichaut حيث هي موجودة بلا شك. فأصل الكلمة هو ( Al-karchôuf = الخرشوف) وقد نقلت إلينا عن طريق الإسبانية ( alcarchofa) التي هي أقرب ما تكون إلى الأصل.
أما لفظ amiral فهو مثال أكثر خداعا، ذلك أنه علينا أن نبحث عن أداة التعريف في آخره لا في أوله.
فالعبارة العربية ( amir al-bahr = أمير البحر) بتر جزء منها في الفرنسية لتصبح ( amiral) التي تعني حرفيا (أمير أل ... ) وتدل على معنى غير تام. لكننا أيضا يمكن أن نعتبر ( al) لاحقة فرنسية كانت موجودة من قبل في عدد من الألفاظ مثل: Maréchal 24
و Sénéchal 25 اللذين جاءا من الجرمانية.
وإذا كنا في كلمتي ( Azimut و Zénith) نجد صعوبة في تبين أصلهما العربي وهو سَمْت (بمعنى الطريق)، فلأن جزءا من الأداة لا يزال في ( Azimut) ( الأصل فيه: as-samt السَّمت)، بينما اختفت هذه الأداة تماما في ( Zénith) ط، وذلك لأن الصيغة الفرنسية لهذه الكلمة الأخيرة جاءت من خطأ قراءة حرف ( M) من Samt(= سَمْت)، إذ قرئت نونا ( N)، فقيل Sanit ثم تحولت إلى Zénith .
وأخيرا، ليس في كلمة ( Luth) ( المأخوذة من العود Al'oud العربية) ما يشير إلى الشكل القديم للأداة العربية سوى الصامت الأول وحده. بينما في كلمة ( hasard) المأخوذة من الكلمة العربية الزّهْر az-zahr ( في لعبة النرد) نجد حضور صوت الهاء ( H) في كتابة الكلمة الفرنسية ينهي حيرة الباحثين المتضلعين.
ويبدو أن عكس هذه الظاهرة حدث في كلمة Benjoin المأخوذة من المركب العربي اللُّبان الجاوي Louban-Djaoui ( وهو نوع من البخور أو اللبان المستورد من جاوة)، حيث نجد المقطع الأول و هو ( Lou) قد استعمل للدلالة على أداة التعريف.
أضف إلى ذلك، أن هذه العبارة قد تم تحريفها، فتحولت إلى Bonzoe في لاتينية علماء النبات، لتتولد منها، فيما بعد، كلمة Benzine26 ( بنزين) (وهو خليط من سائل قابل للاشتعال)، ثم كلمة Benzène ( وهو عضو كيمائي معروف، رمزه: C6 H6)
كلمات تتوالد:
هذا المثال الأخير يبين كيف أن العبارة الواحدة – وهي تنتقل من لغة إلى أخرى – يمكنها أن تنقسم إلى ثلاث كلمات ذات صيغ و دلالات مختلفة ( Benzène, Benzine, Benjoin ).
وهناك مقاربات أخرى يمكن القيام بها انطلاقا من العربية، كما هو الشأن في ( Chiffre و zéro) أو ( Azimut و zénith)، التي سبق شرحها، و كذلك الأمر في كلمة Sirop و Sorbet أو Magazin و Magazine التي سيأتي ذكرها. وهذا هو الشأن أيضا في Mohair و Moire.
فكلمة Moire كانت قد استعيرت منذ العصر الوسيط من العربية بمعناها الذي كان لها في تلك اللغة، وهو (ثوب من شعر المَعِز) 27. ويمكن أن نتساءل بأية معجزة أصبح لهذه الكلمة منذ القرن الثامن عشر معنى "الحرير المتموج لامعا وغير لامع"28؟. ذلك أنه في هذه الحقبة وجدنا أن هذه الكلمة العربية نفسها تعود إلى الفرنسية، لكن هذه المرة تعود عن طريق الإنجليزية في صيغة أخرى وهي Mohair29 لتدل على "صوف ناعم"، وهذا ما يمكن تفسيره بتأثير الكلمة الإنجليزية hair التي تعني: (شَعَر).
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:00 ص]ـ
مفاجآت الدلالة:
تكون التطورات الدلالية سهلة التفسير أحيانا، وتكون تارة غريبة لا تكاد تصدَّق.
فمن أمثلة النوع الأول كلمة Mousson التي كانت تدل في العربية على أي فصل من فصول السنة، فأصبحت في الفرنسية لا تعني سوى التقلبات الجوية الخاصة بفصل معيَّن 30.
ونحن نفهم أيضا أن الكلمة التي تدل على الشخص المترجم نفسه، قد أمكن أن تتحول إلى كلمة تجريدية 31 وهي Truchement.
ومن هذا النوع أيضا كلمة جُبَّة التي كانت تعني في العربية لباسا داخليا طويلا يتخذ من الصوف. فنحن نستطيع أن نتبين علاقتها بالكلمة الفرنسية Jupe، لكن كلمة Jupe لم تعد في الفرنسية تدل على معنى اللباس الداخلي، وليس من الضروري أن يكون هذا اللباس طويلا، كما أنها يمكن أن تصنع من القطن أو المورة ( Moire). ( وكلمتا Coton و Moire هما أيضا من أصل عربي). فالمعنى الذي كان للكلمة من قبل لم يحتفظ به، ولكن لم يخرج عن المجال نفسه 32.
و التطور الدلالي للنعت Cafard من معناه الأصلي في العربية، و هو كافر، إلى معناه في الفرنسية، وهو الوصف الذي يطلق على الشخص الذي يبيح سرا من الأسرار، يبدو غريبا شيئا ما 33.
أما لفظ mesquin ( مسكين) الذي يعني في العربية (فقير أو محروم)، فلم يكن في تطوره ما يجعلنا نتصور أن ذلك الوصف سيصبح اليوم مرادفا لكلمة بخيل ( avare).
وتبلغ الدهشة ذروتها، بل قد تصل إلى حد الريبة والشك، حين نعلم أن كلمة عربية تعني "سُرعوبا من سيبريا" Belette Sibérienne34، قد استطاعت أن تأتي للفرنسية بكلمة Chamarrer35. وأن كلمة Laquais كانت في الأصل تعني موظفا كبيرا. وبالنسبة لهذه الكلمة الأخيرة، هناك معطيات تاريخية تسمح بإعطاء بعض الإضاءات. فحين انتقلت كلمة Laquais بواسطة القطلانية إلى اللغة الفرنسية، كان الرؤساء العرب قد فقدوا قوتهم في إسبانيا بفعل حملات الغزو لاسترجاع الأرض التي فتحوها، و بذلك لم تعد Laquais تطلق على الرئيس أو القائد، و لكن على مجرد جندي بسيط 36 يعمل في الخدمة العسكرية ( Valet d'armée) ل.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:03 ص]ـ
العربية لغة العبور:
كانت العربية أيضا هي اللغة التي حملت عددا من الكلمات القادمة من الشرق ونقلتها إلى اللغات الأوربية. فنحن نجد أن كلمة Babouche المأخوذة من الفارسية: Papouch ( بمعنى ما يغطي الرِّجل)، قد تم نقلها عن طريق العربية. ولكن لماذا حدث هذا التغيير في نطقها الفرنسي؟ حين نتذكر أن العربية لا تعرف الصامت / P/ في نظام صوامتها، و أنها تتوصل إلى نطقه بواسطة صامت مجاور هو / B/، إذ ذاك نفهم بشكل عاد أن هذه الكلمة الفارسية قد وصلت إلينا عن طريق العربية، وهذا ما قد يفسر وجود الصامتين/ B/ في الكلمة الفرنسية. على أن الشك يمكن أن يظل قائما رغم ذلك، لأن كل الشواهد] النصية [القديمة للكلمة الفرنسية Babouche لها علاقة بالإمبراطورية العثمانية، مما قد يرجح فرضية أن الكلمة37 ربما كان لها مرحلة عبور باللغة التركية م.
العربية حاملة الكلمات الإغريقية:
لقد استطاعت بعض الكلمات الإغريقية أن تصل إلى الفرنسية عن طريق عربية العصور الوسطى، ولنا على ذلك هذه الأمثلة:
- Alambic : و نجد فيها أداة التعريف العربية ( al) متبوعة بكلمة إغريقية ambix ( بمعنى إناء للتقطير).
- Elixir : ونجد فيها الأداة العربية تتحول إلى ( él) متبوعة بالكلمة الإغريقية التي نظن أنها: Kséron ( بمعنى دواء من المساحيق الجافة).
- Estragon 38: و لعل أصلها هو المصطلح النباتي الإغريقي ( drakontion) ( أي ثعباني الشكل) المشتق من drakon ( ثعبان). و ربما سمي بذلك نظرا لشكله الذي يشبه الخيط.
- Guitare : وقد جاءت عن طريق العربية قيثارة بعد أن مرت بالإسبانية. وهي صنو كلمة Cithare التي جاءت بدورها من الإغريقية 39 Kithara .
Chiffre-Zéro:
يظهر أن الفرنسي جربر دورياك Gerbert d’Aurillac40 الذي أصبح البابا فيما بعد، هو الذي عمل خلال القرن العاشر على نشر استعمال الأرقام الهندية – العربية (ن) على نطاق واسع41. لكن الفضل يعود إلى الإيطالي ليونار دوبيز Léonard de Pise المدعو فيبوناشي42 Fibonnacci في القرن الثاني عشر، في استعمال كلمة ( Zéro) التي جاءت من (صفر) العربية، مثلها في ذلك تماما مثل كلمة 43 Chiffre. فقد قام أولاً بصب الكلمة العربية في قالب لاتيني ( Zephirum) التي تحولت في الإيطالية إلى: ( Zéféro) و ( Zefro) ثم تحولت أخيرا إلى Zéro للدلالة على انعدام وجود الوحدات (أي فراغ). وبهذه الصيغة الأخيرة انتقلت الكلمة إلى الفرنسية في نهاية القرن الخامس عشر] الميلادي [، وهذا ما يجعلنا نقول دون الوقوع في التناقض إن Zéro= Chiffre ص.
من Magasin إلى Magazine:
هل هناك من علاقة بينهما؟ نعم هناك علاقة. فقد جاءت الكلمتان معا من اللفظ العربي الدال على "مستودع البضائع" 44، لكنهما لم تدخلا للفرنسية في وقت واحد، فبينهما مسافة قرون.
دخلت كلمة Magazin في نهاية العصر الوسيط عن طريق البروفنصالية.
أما كلمة Magazine بمعناها الجديد (وهو مجلة مصورة) فقد دخلت في القرن الثامن عشر بواسطة الإنجليزية التي قامت بدورها باستعارتها من الفرنسية، لكن بمعنى مغاير و هو الجمع أو التجميع
( Collection).
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:05 ص]ـ
أمراء العرب:
] من الكلمات الدالة على أسماء الأمراء نجد الألفاظ الآتية [:
- Calife: ] الخليفة [: الرئيس الأعلى للإمبراطورية الإسلامية، ينوب عن النبي و يخلفهع.
- Sultan: ] سلطان [لقب أعطي في الأصل للرؤساء السلاجقة الترك الذين حكموا خلال القرنين 11 و12 باسم خليفة بغداد.
- Chérif: شريف منحدر من سلالة النبي 45
- & Eacute;mir: أمير بلد مسلم، حاكم هذا البلد ويقود جيشه.
- Vizir: ] وزير [وزير عاهل مسلم.
- Caïd:] قائد [موظف كبير في إفريقيا الشمالية (في الإدارة و الضرائب…إلخ)
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:07 ص]ـ
العربية في ملتقى الطرق:
كان العرب معروفين بأنهم من التجار و الرحالين الكبار، فكانوا غالبا ما يحملون إلى أوربا أشياء تأتي من الشرق ومن أنحاء البحر المتوسط. وكانوا يحملون معهم الكلمات التي تدل على هذه البضائع. و هكذا وصلت هذه الكلمات الآتية عن طريق العرب:
- Orange: وهي كلمة سنسكريتية46.
-47 Riz: ] أرز [هندية.
- Azur : من الفارسية48.
- Minaret: من التركية49.
- Alambic: من الإغريقية.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:12 ص]ـ
- ترجع بعض القواميس الاشتقاقية كلمة ( Moire) إلى الأصل العربي (المخَيَّر)، وتقول: إن (مُخَيَّر) هو ثوب صوفي خشن.
وأضاف قاموس D.E.H.F أن الكلمة انتقلت إلى الفرنسية عن طريق الإيطالية Mocajarro . و كذلك فعل صاحب المنهل الذي ترجم Moire ب (مُخَيَّر) وفسرها بأنها نسيج متموج المظهر. ولكن القواميس العربية المعتمدة مثل اللسان والقاموس، لم تورد هذا المعنىأصلا (ولم يرد هذا المعنى أيضا في محيط المحيط للبستاني ومنجد اليسوعي و المعجم الوسيط…)
والصحيح عندي أن الأصل العربي لكلمة ( Moire) هو (مورة). قال في اللسان: " والمورة و اْلمُوَاَرة: ما نَسَل من عقيقة الجحش، وصوف الشاة حية كانت أو ميتة. قال:
أَوَيْتُ لعَشْوة في رأس نيقٍ
و مُورةِ نَعْجَةٍ ماتت هزالاً
و أما القاموس الاشتقاقي لصاحبه D.Mathieu –Rosay فقد جعل أصل الكلمة في العربية هو ( Muhaijar)، و ما أرى ذلك إلا خطأ في النقل عمن قال إن أصلها (مُخَيًَّر)، ولو كان هؤلاء قالوا: إن الأصل (مُحَبَّر) لكان أقرب إلى الاحتمال، لأن له أصلا في المعجم العربي، فالثوب الحبير هو الجديد الناعم، والحِبَرَة والحَبَرة أضرب من برود اليمن، ويقال بُرْد حبير، والتحبير عامة هو التحسين و التجميل. ولكن الصواب عندي هو ما ذكرت من قبل و هو أن Moire الفرنسية أصلها مورة و موارة كما سبق، ولا أدل على ذلك من أن الكلمة كانت تكتب في فرنسية القرن السابع عشر هكذا ( Mouaire).
28- مادة (م و ر) في المعجم العربي نفسها تدل على التموج و الحركة و الميلان و النعومة أيضا. قال في اللسان:"مار الشيء يمور مورا أي تَرَهْيَأَ: أي تحرك وجاء وذهب ( .. ) ومارت الناقة في سيرها ما جت وترددت ( .. ) ومار يمور: إذا جعل يذهب و يجيء ويتردد. قال أبو منصور: ومنه قوله تعالى:} يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً، وتَسِيرُ الجِبَالُ سَيْراً {.قال في الصحاح: تموج موجا ( .. ) و مار الشيءمورا (اضطرب و تحرك". وقال: " و قطعة مارية: ملساء. وامرأة مارية: بيضاء برَّاقة كأنَّ اليد تمور عليها أي تذهب و تجيء". إلى أن يصل إلى (المورة و الموارة) و هي صوف الشاة….
29 - تقول القواميس الفرنسية إن كلمة ( Mohair) استُعيرت من الإنجليزية في القرن التاسع عشر، وأن الإنجليزية أخذتها من الأصل العربي (مخير).و اللافت للنظر في هذه الكلمة أن الهاء ( H) فيها لا تنطق هاء في اللغة الفرنسية، مما يجعل علاقتها ب (مورة) أوضح في نظرنا. والمهم أن كلمة (مورة) دخلت الفرنسية فأعطت ( Mouaire) ثم ( Moire)، ودخلت الإنجليزية فأعطت ( Mohair) التي أخذتها الفرنسية في القرن التاسع عشر.
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:15 ص]ـ
31 - يقصد إلى أن كلمة (ترجمان) العربية هي أصل الكلمة الفرنسية Truchement التي تغيرت في النطق كما تغيرت في المعنى. فمن حيث النطق دخلت هذه الكلمة إلى الفرنسية القديمة في القرن الثاني عشر بصيغة drugment ثم Trucheman ثم تطورت إلى Truchement، ومن حيث المعنى كانت الكلمة تدل على المترجم نفسه أو الشخص الذي يتحدث باسم شخص آخر، ثم انتقلت عن طريق التوسع إلى الدلالة على معنى تجريدي، فتقول: ( Par le truchement de …) أي: بواسطة كذا، أو عن طريق كذا أو عبر كذا…
ومعلوم أن كلمة (ترجمان) ليست عربية الأصل ولكنها تعربت منذ عهد قديم. وقد دخلت أيضا إلى الفرنسية عن طريق آخر غير طريق العربية، ففي القرن الثاني عشر – وهو نفس التاريخ الذي ظهرت فيه كلمة Truchement المأخوذة من العربية مباشرة – ظهرت في الفرنسية القديمة كلمة Drogman المأخوذة من الإيطالية Drogomanno المشتقة بدورها من الإغريقية البيزنطية Dragomanos التي يقال إن أصلها سامي أيضا. (انظر قاموس D.E.H.F.).
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:19 ص]ـ
- التعليقات *
*: ننبه القارئ الكريم إلى أننا استعملنا في هذه التعليقات على النص المترجم، اختصارات لبعض القواميس والكتب المرجعية التي تكرر ورودها، وتوضيحها في آخر البحث.
1 - يقع هذا النص ما بين صفحتي 120 و 129 من كتاب هـ والتر:
« L’aventure des mots français venus d’ailleurs »Ed.Robert Laffont,Paris1997"
2- تقصد الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور
(ت 158 هـ /775م).
(يُتْبَعُ)
(/)
3 - في الأصل Abu’lqasi والصواب أبو القاسم Abulqasim، وهو أبو القاسم الزهراوي (خلف بن عباس 422 - 500 هـ /1030 - 1106م) الطبيب الأندلسي المشهور، صاحب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف في الجراحة، تُرجم إلى اللاتينية. وقد وقع أيضا عند الكاتبة خطأ في اسمه في الهامش رقم 107 من كتابها، إذ ورد عندها أن اسمه حلف بن العباس الزهراوي، والصواب خلف، بالخاء لا بالحاء المهملة.
4 - يعني كلمتي Chiffre و zéro على ما سيأتي ذكره.
5 - بعض القواميس مثل المنهل يترجم كلمة Alchimie بخيمياء تمييزا لها عن Chimie التي تترجم عندهم بكيمياء، وآثرنا نحن ترجمة الكلمة الأولى ب (كيمياء قديمة).
6 - حجر كيميائي خيالي اعتقد أصحاب الكيمياء القديمة أنه قادر على تحويل المعادن الحسية إلى ذهب أو فضة و على إطالة الحياة (المنهل).
7 - وهي الأنبيق في العربية، معربة عن الإغريقية في الأصل.
8 - أصلها العربي (القِلْي).
9 - استعملت الكاتبة هذا اللفظ هنا حسب نطقه الدارج في المغرب العربي، وإلا فهو في الفصحى (كُحْل).
10 - من المعاني التي أصبحت لكلمة ( Alcool) في الفرنسية المتأخرة:
* سائل لا لون له متبخر سريع الاشتعال.
* شراب كحولي مسكر.
11 - تعتقد القواميس الفرنسية أن أصل Antimoine الفرنسية جاء من (إِثْمِد) العربية عن طريق لاتينية العصر الوسيط ( Antimonium).
12- ذكرت القواميس الفرنسية أن أصل Civelte الفرنسية هز زَباد ( Zàbàd) العربية، بمعنى طِيب مسكي يؤخذ من حيوان يسمى بهذا الاسم، وفي لسان العرب، بنقل عن أبي حنيفة في كتاب النبات: " الزّباد مثل السنور الصغير يجلب من نواحي الهند، وقد يأنس فيقتنى و يحتلب شيئا شبيها بالزُّبد يظهر على حلمته بالعصر مثل ما يظهر على أنوف الغلمان المراهقين، فيجتمع، وله رائحة طيبة، وهو يقع في الطيب".
وفي القاموس المحيط:" وكسحاب: طيب معروف، وغلط الفقهاء و اللغويون في قولهم: الزَّباد: دابة يجلب (أو يحلب) منها الطيب، وإنما الدابة: السنور، والزباد: الطُّيب، وهو رشح يجتمع تحت ذنبها على المخرج، فتمسك الدابة و تمنع الاضطراب، ويُسلَت ذلك الوسخ المجتمع هناك بليطة أو خرقة". وعلى كل حال، لقد دخلت الكلمة العربية إلى الفرنسية بواسطة الإيطالية التي استعملت الكلمة بصيغة Zebitto .
13- الذي نصت عليه القواميس الفرنسية هو أن كلمة ( Alezan) التي تعني الفرس الأشقر، مأخوذة من (حصان) العربية، وكلمة حصان معناها الفرس الذكر وليس الثعلب كما ذكرت السيدة هـ. والتر. وقد تكرر هذا الخطأ أيضا في القاموس الذي ألفته بمعية جيرار والتر بعنوان: Dictionnaire des mots d’origine étrangère حيث قال المؤلفان: إن كلمة Alezan أصلها من حصان العربية بمعنى الثعلب. وعلى كل حال، لقد دخلت الكلمة إلى الفرنسية عن طريق الإسبانية Alezan)).
14- في لسان العرب: الفنك: جلد يلبس، ودابة يفترى جلدها، أي يلبس جلدها فرواً، وفيه أن الكلمة معربة. وفي القاموس المحيط: دابة فروتها أطيب أنواع الفراء وأشرفها و أعدلها. وفي حياة الحيوان:" الفنك كالعسل دويبة يؤخذ منها الفرو، وقال ابن البيطار: إنه أطيب من جميع الفراء يجلب كثيرا من بلاد الصقالبة، ويشبه أن يكون في لحمه حلاوة". و في محيط المحيط: أنها نوع من جراء الثعلب التركي أو جلد ابن آوى في بلاد الترك. وللكلمة صيغة معربة أيضا وهي: الفَنَج.
15 - وهي من اللاتينية ( Camelos-Pordalis ).
16- شرح قاموس ( P.R.) هذه الكلمة بأنها: شُجَيْرَة بقلية تنتج ثمارا يستخرج منها عقار ملين. إلا أنه ذكر أن أصلها العربي هو ( Sanas) ودخلت إلى الفرنسية عن طريق اللاتينية المتوسطة. والصواب هو ما ذكره قاموس D.E.H.F. وقاموس D.M.O.E إذ قالا إن الأصل العربي لهذه الكلمة الفرنسية هو Senà، و هذا هو ما يقابل لفظ (سنا و سناة): نبت يتداوى به. فقد جاء في لسان العرب: أن السنا والسناء: نبت يكتحل به يمد و يقصر واحدته سناة وسناءة. ونقل عن أبي حنيفة صاحب (كتاب النبات) أن السنا: شجيرة من الأغلاث (فصيلة من الأشجار والنبات) تخلط بالحناء فتكون شِبابا له و تقوي لونه وتسوده، وله حِمْل أبيض إذا يبس فحركته الريح سمعت له زجلا. وذكر في لسان العرب أيضا سَنَّاه: إذا فتحه وسَهَّله و عليه قول الشاعر:
وأعلم علما ليس بالظن أنه
إذا الله سَنَّى عَقْدَ شيء تيسَّرا
(يُتْبَعُ)
(/)
ومنه المساناة و هي الملاينة و الملاطفة في المطالبة، و المداراة و المصانعة.
وفي تذكرة الأنطاكي: "سَنَا: نبت ربيعي كأنه الحناء إلا أن عوده أدق منها، و فيه رخاوة و له زهر إلى الزرقة يخلف غلفا داخلها حب مفرطح إلى الطول محزوز الوسط إلى اعوجاج ما. ومنه نوع عريض من الأوراق أصفر الزهر…"، وذكر منافعه الطبية. وانظر: حديقة الأزهار للغساني. وذكر في ضياء النبراس نوعين معروفين في المغرب للسنا: هما البلدي أو العينون، والسنا الأندلسي.
17 - كلمة Abricot في المعجم الفرنسي تعني المشمش، وأصلها العربي (البرقوق)، والبرقوق في استعماله الحالي يعني شجرا من الفصيلة الوردية ينمو في المناطق المعتدلة ويعطي ثمرة صيفية مخالفة لونا وطعما للمشمش، وتسمى بالفرنسية Prune. إلا أن البرقوق في القديم كان يطلق على الإجاص وشجره، وفي مصر والمغرب والأندلس على المشمش وشجره. (انظر: تكملة دوزي و المعجم الوسيط).
وذكر صاحب ضياء النبراس الأجاص و قال: إنه يشمل الخوخ والبرقوق، وفي تذكرة الأنطاكي أن البرقوق كان يطلق على صغار الإجاص بمصر و على المشمش في المغرب. وهو ما يدل على أن كلمة Abricot دخلت اللغة العربية عن طريق المغرب و الأندلس. والحجة أنها ما تزال تحتفظ بمعناها في الاستعمال المغربي و الأندلسي القديم وهو المشمش، وهذا ما تؤكده القواميس الاشتقاقية الفرنسية التي تذكر أن Abricot جاءت عن طريق الإسبانية. ومعلوم أيضا أن هذا اللفظ ليس أصيلا في العربية ولكنه يوناني تعرّب. ومن العربية انتقل إلى الإسبانية ومنها إلى الفرنسية.
18 - أصلها العربي الخُرْشُف أو الخُرْشُوف، نبات من الفصيلة المركبة الأنبوبية الزهر في طرفه ثمرة مغلفة بأوراق، يطهى ويؤكل. (المعجم الوسيط). وجعله الغساني في حديقة الأزهار وغيره نوعا من الخرشف. والنوع الثاني هو القَنَّارية بلغة أهل الأندلس و المغرب. وقد يطلق على الخرشف اسم: أرض شوكي. وقال دوزي: إن هذه الأخيرة ليست سوى كتابة بأحرف عربية للفظة الإيطالية Articiocco.
19- تطلق كلمة ( Chicotin) الآن على عُصارة مرة جدا مستخرجة من أَلُوَّة، أو على مسحوق مر يستخرج من الحنظل ( Coloquinte)، كما تطلق وصفا لكل ما هو مر. وقد تطور نطق الكلمة من Socotora الذي هو اسم الجزيرة، إلى Socotrin نسبة إلى سُقُطْرى ثم إلى Cicotin وأخيرا Chicotin.
20- كلمة ( Aloès) أيضا من الألفاظ العربية التي دخلت إلى الفرنسية. فأصلها العربي هو أَلُوَة أو أُلُوَّة.ففي لسان العرب: الَألُوَة و الأُلُوَة – بفتح الهمزة وضمها بالتشديد- العود الذي يتبخر به، والجمع أَلاَوِية. ونقل عن اللحياني صيغتان أخريان وهما لِيَّه ولُوَة. ثم يذكر ابن منظور عن مصادره أن اللفظ من حيث الاشتقاق فارسي معرب، بذلك قال الأصمعي وغيره. وقال أبو منصور الأزهري"الأَلُوة: العود، وليست بعربية و لا فارسية، قال: وأراها هندية". ومع ذلك فاللفظ قديم في العربية الفصحى، فقد ورد ذكره في أشعار قديمة منها ما رواه اللحياني وابن الأعرابي، ومنها بيت لحسان بن ثابت. وقد ورد استعمال الكلمة في الحديث النبوي الشريف أيضا منه حديثه صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة " وَمَجَامِرُهم الأَلوَة غير مُطَرَّاةٍ" وفي حديث ابن عمر أنه كان يتبخر بالأَلُوَة.
ومن جهة أخرى، فإن مصادرنا من القواميس الفرنسية لم تشر مع ذلك إلى الأصل العربي للفظ أو على الأقل مرحلته العربية، أي المرحلة التي تَعرَّب فيها اللفظ و اكتسب مواطنته في لغة الضاد قبل أن ينتقل إلى أوربا. بل لم تشر أيضا إلى أصله الفارسي أو الهندي المحتمل، وإنما ذكرت أن أصله لاتيني إغريقي.
21 - أي في البحر الذي كان يسمى بحر العرب الواقع جنوب اليمن.
22 - ذكرنا في تعليق سابق أن كلمة (برقوق) لا تطابق الآن في معناها كلمة (( Abricot، فبرقوق تدل على المعنى الذي تدل عليه كلمة Prune الفرنسية، و Abricot معناها المشمش في المعجم الفرنسي.
23 - الأصول العربية لهذه الكلمات هي: الأنبيق، الكحل، القلي، القبة (مخدع)، الحصان، الجبر، الخوارزمي.
24 - مشير (رتبة عسكرية).
25 - قهرمان، أو وزير العدل قديما.
26 - عَرَّبَه صاحب المنهل على النحو الآتي: بنزين أو بترول و هو سائل ملتهب يستخرج من قطران الفحم، ويستعمل في صنع اللدائن و السُّكَّرين و الأسبرين.
(يُتْبَعُ)
(/)
27 - ترجع بعض القواميس الاشتقاقية كلمة ( Moire) إلى الأصل العربي (المخَيَّر)، وتقول: إن (مُخَيَّر) هو ثوب صوفي خشن.
وأضاف قاموس D.E.H.F أن الكلمة انتقلت إلى الفرنسية عن طريق الإيطالية Mocajarro . و كذلك فعل صاحب المنهل الذي ترجم Moire ب (مُخَيَّر) وفسرها بأنها نسيج متموج المظهر. ولكن القواميس العربية المعتمدة مثل اللسان والقاموس، لم تورد هذا المعنىأصلا (ولم يرد هذا المعنى أيضا في محيط المحيط للبستاني ومنجد اليسوعي و المعجم الوسيط…)
والصحيح عندي أن الأصل العربي لكلمة ( Moire) هو (مورة). قال في اللسان: " والمورة و اْلمُوَاَرة: ما نَسَل من عقيقة الجحش، وصوف الشاة حية كانت أو ميتة. قال:
أَوَيْتُ لعَشْوة في رأس نيقٍ
و مُورةِ نَعْجَةٍ ماتت هزالاً
و أما القاموس الاشتقاقي لصاحبه D.Mathieu –Rosay فقد جعل أصل الكلمة في العربية هو ( Muhaijar)، و ما أرى ذلك إلا خطأ في النقل عمن قال إن أصلها (مُخَيًَّر)، ولو كان هؤلاء قالوا: إن الأصل (مُحَبَّر) لكان أقرب إلى الاحتمال، لأن له أصلا في المعجم العربي، فالثوب الحبير هو الجديد الناعم، والحِبَرَة والحَبَرة أضرب من برود اليمن، ويقال بُرْد حبير، والتحبير عامة هو التحسين و التجميل. ولكن الصواب عندي هو ما ذكرت من قبل و هو أن Moire الفرنسية أصلها مورة و موارة كما سبق، ولا أدل على ذلك من أن الكلمة كانت تكتب في فرنسية القرن السابع عشر هكذا ( Mouaire).
28- مادة (م و ر) في المعجم العربي نفسها تدل على التموج و الحركة و الميلان و النعومة أيضا. قال في اللسان:"مار الشيء يمور مورا أي تَرَهْيَأَ: أي تحرك وجاء وذهب ( .. ) ومارت الناقة في سيرها ما جت وترددت ( .. ) ومار يمور: إذا جعل يذهب و يجيء ويتردد. قال أبو منصور: ومنه قوله تعالى:} يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً، وتَسِيرُ الجِبَالُ سَيْراً {.قال في الصحاح: تموج موجا ( .. ) و مار الشيءمورا (اضطرب و تحرك". وقال: " و قطعة مارية: ملساء. وامرأة مارية: بيضاء برَّاقة كأنَّ اليد تمور عليها أي تذهب و تجيء". إلى أن يصل إلى (المورة و الموارة) و هي صوف الشاة….
29 - تقول القواميس الفرنسية إن كلمة ( Mohair) استُعيرت من الإنجليزية في القرن التاسع عشر، وأن الإنجليزية أخذتها من الأصل العربي (مخير).و اللافت للنظر في هذه الكلمة أن الهاء ( H) فيها لا تنطق هاء في اللغة الفرنسية، مما يجعل علاقتها ب (مورة) أوضح في نظرنا. والمهم أن كلمة (مورة) دخلت الفرنسية فأعطت ( Mouaire) ثم ( Moire)، ودخلت الإنجليزية فأعطت ( Mohair) التي أخذتها الفرنسية في القرن التاسع عشر.
30 - الأصل العربي للكلمة (مَوْسِم)، وهي تعني التقلبات الجوية المنذرة بتغير الفصول، كما تعني الرياح الموسمية.
31 - يقصد إلى أن كلمة (ترجمان) العربية هي أصل الكلمة الفرنسية Truchement التي تغيرت في النطق كما تغيرت في المعنى. فمن حيث النطق دخلت هذه الكلمة إلى الفرنسية القديمة في القرن الثاني عشر بصيغة drugment ثم Trucheman ثم تطورت إلى Truchement، ومن حيث المعنى كانت الكلمة تدل على المترجم نفسه أو الشخص الذي يتحدث باسم شخص آخر، ثم انتقلت عن طريق التوسع إلى الدلالة على معنى تجريدي، فتقول: ( Par le truchement de …) أي: بواسطة كذا، أو عن طريق كذا أو عبر كذا…
ومعلوم أن كلمة (ترجمان) ليست عربية الأصل ولكنها تعربت منذ عهد قديم. وقد دخلت أيضا إلى الفرنسية عن طريق آخر غير طريق العربية، ففي القرن الثاني عشر – وهو نفس التاريخ الذي ظهرت فيه كلمة Truchement المأخوذة من العربية مباشرة – ظهرت في الفرنسية القديمة كلمة Drogman المأخوذة من الإيطالية Drogomanno المشتقة بدورها من الإغريقية البيزنطية Dragomanos التي يقال إن أصلها سامي أيضا. (انظر قاموس D.E.H.F.).
32- في اللسان: الجُبَّة: ضرب من مُقطَّعات الثياب تلبس… الجبة من أسماء الدِّرع. وفي القاموس المحيط: الجبة: ثوب معروف وفي محيط المحيط: ثوب مقطوع الكم طويل يلبس فوق الثياب. وفي المعجم الوسيط: الجبة: ثوب واسع الكمّين مشقوق المقدم يلبس فوق الثياب. فقول المؤلفة إن الجبة لباس داخلي طويل يتخذ من الصوف، لا أدري معتمده.
(يُتْبَعُ)
(/)
والمعنى الذي تدل عليه Jupe الفرنسية هو ما أصبح يعرف بالتنّورة، وهي لباس للمرأة يغطي نصفها الأسفل، وقد يكون قصيرا كما يكون طويلا.
33 - يطلق لفظ Cafard في الفرنسية نعتا للمتزمت المتعصب، والمنافق المرائي، والسودواوي ومبلغ الأخبار و ناقل أسرار الناس، كما يطلق اسما على القلق والحزن. واشتق منه الفعل Cafarder، والصفة Cafardeux، والاسم Cafardage. وقد ظهر في الفرنسية منذ القرن السادس عشر. والآن وبعد أن تنوسي استعمال Cafard بمعنى كافر، بدأت من جديد كلمة (كافر) تزحف إلى الاستعمال الحديث بصيغة ( Cafer) دون تغيير في النطق أو المعنى.
34 - نوع من الحيوان
35 - من معاني هذا الفعل: زَيَّن، وزخرف، ولوَّن، وزَرْكَشَ. وفي قاموس D.M.O.E. أن الفعل Chamarrer مأخوذ من الكلمة العربية Sammûr بمعنى (سرعوب سيبري Belette Sibérienne) عن طريق الإسبانية Zamarra التي تعني كساء جلديا.
وفي اللسان:"والسَّمُّور: دابة معروفة تُسَرَّى من جلودها فراء غالية الأثمان. وقد ذكره أبو زيد الطائي فقال يذكر الأسد:
حتى إذا ما رأى الأبصار قد غَفَلتْ واجتاب من ظُلْمة جوديَّ سَمُّور
(…) أراد جبة سَمُّور لسواد وَبرِه. واجتاب: دخل فيه ولبسه". وفي المصباح: "و السمور: حيوان من بلاد الروس وراء بلاد الترك يشبه النمس. ومنه أسود لامع و أشقر. وحكى لي بعض الناس أن أهل تلك الناحية يصيدون الصغار منها فَيُخْصُون الذكور منها ويرسلونها ترعى، فإذا كان أيام الثلج خرجوا للصيد، فما كان فحلا فاتهم وما كان مخصيا استلقى على قفاه فأدركوه و قد سمن وحسن شَعَره. والجمع سمامير مثل تَنُّور و تنانير". وفي حياة الحيوان أن السَّمور، بفتح السين المشددة وضم الميم المشددة على وزن سَفُّود: حيوان بري يشبه السنور، وزعم بعض الناس أنه النمس .. ، وقال: وخُصَّ هذا النوع باتخاذ الفراء من جلوده للينها وخفتها ودفئها و حسنها، ويلبسه الملوك والأكابر.
36 - كلمة Laquais في الفرنسية تعني خادم، دنيء، خسيس، ذليل. ويذهب قاموس D.M.O.E اعتمادا على بيير غيرو في كتابه المشار إليه في الهامش (ل)، إلى أن كلمة Laquais من أصل عربي وهو القائد Al-Kaïd، ودخلت الإسبانية Alcayo بمعنى الرئيس العسكري، ومنها إلى القطلانية alacayo وأخيرا إلى الفرنسية القديمة alacays في القرن الخامس عشر.
ولكن القواميس الأخرى لا تؤيد هذا القول، ففي P.L. و D.E.H.F. أن أصلها تركي aloq، بمعنى العَدَّاء الذي يستعمل قدميه في الجري، ومنها انتقلت إلى الإغريقية المتوسطة Oulakès، و يضيف الثاني منهما أنها دخلت الفرنسية عن طريق القطلانية alacay أو الإسبانية Lacayo . وفي D.E. أنه يحتمل أن تكون من الإسبانية Lacayo (a) بمعنى جندي بسيط يعمل في الخدمة العسكرية، وهي بدورها من البروفنصالية Lecai من فعل Lecar أي لَحَسَ ولَعَقَ Lécher، و هو ما يدعو للتفكير في "لحس الأحذية" ( léche-bottes) أي التملق و الذلة و الخنوع للسيد، وهي صفات الخادم الخاضع لسيده.
وإذا صح هذا الرأي الذي يجعل أصل كلمة Laquais الفرنسية هو لفظ القائد في العربية، فسيكون هذا اللفظ العربي قد أعطى للمعجم الفرنسي كلمتين اثنتين، فبالإضافة إلى Laquais التي دخلت قديما (ق 15 م) هناك لفظ Caïd الذي دخل حديثا (ق 19م) عن طريق عربية الشمال الإفريقي.
37 - في D.E أن كلمة Babouche التي دخلت الفرنسية في القرن السابع عشر (وهناك من يؤرخ لظهورها بالقرن السادس عشر أو الثامن عشر)، ترجع في الأصل إلى كلمة فارسية عربت تحت اسم Baboûg ( بابوج). وفي القرن السادس عشر كانت هنالك كلمة قريبة منها جدا وهي Papouch تدل على حذاء يُستعمل داخليا، مأخوذة من التركية Papuc، مما قد يوحي بأن Babouche من أصل فارسي
و Papouche من أصل تركي. وهو رأي تخالفه أوثق القواميس التي اطلعنا عليها.
و كلمة (بابوش) أو (بابوج) لا تظهر في القواميس العربية الفصيحة، القديم منها و الحديث، والسبب أنها من الألفاظ العامية (وانظر دوزي في التكملة و معجم الألبسة).
(يُتْبَعُ)
(/)
38 - أصلها العربي (طَرْخُون)، المنقول بدوره عن الإغريقية، وكانت الكلمة الفرنسية في القرن السادس عشر تكتب ( dragon). وفي عمدة الطبيب لأبي الخير الإشبيلي أن الطرخون اختلف في تفسيره، فقيل هو نوع من الصعاتر، و قيل هو بقل يؤكل في زمن الربيع. والصحيح عنده أنه نبات ورقه كورق الحَبَق على ساق حمراء، في طعمه حرارة يسيرة… وزهره دقيق كزهر البخور، وهو كثير بالمشرق معروف هناك، ويستعملونه على المائدة كالنعنع و الكرفس…
أما الغساني في حديقة الأزهار، فقال:" والصحيح الذي عليه الجمهور أنه المقدونس، وهو نبات يشبه الكرفس (…) ويعرف عند العامة بفاس وتلمسان والجزائر بالمعدنوس، وإنما يسمى بمقدنوس لأنه كثير ببلاد اسمها مقدونيا فيسمى بها…"
وقال في ضياء النبراس:" طرخون كان مختلفا فيه قبل هذا الزمان (…)، وأما الآن فقد تحقق نباته بسبب استقصاء البحث في علم النبات و اشتهاره في هذا الزمان، وتبين أنه غير المقدونس و غير بقلة العاقر قرحا".
39 - مقصود المؤلفة أن الكلمة الإغريقية Kithara أعطت الفرنسية كلمتين اثنتين: guithare و cithare بمعنى واحد، إلا أن الأولى مرت في محطة من محطاتها بالعربية (الإغريقية Kithara ? العربية qitara ? الإسبانية guitarra ? الفرنسية guithare)، والثانية لم تكن العربية من محطات عبورها فسلكت خطا للسير آخر (الإغريقية Kithara ? اللاتينية cithare ? الفرنسية cithare).
40- ولد حوالي 983 م وتوفي سنة 1003م، وكان معروفا بثقافته الواسعة وتضلعه في علم الحساب، وتولى منصب البابوية فلقب بسلفستر الثاني Sylvestre II).
41- تطلق الأرقام العربية الهندية أو الأرقام العربية ( Les chiffres arabes) على الرموز الكتابية التي تمثل الأعداد وتكتب على النحو الآتي: (1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 0)، وذلك في مقابل الأرقام الرومانية التي كانت مستعملة من قبل مثل ( I.V.X.D.M.). والغريب هو أن تعترف القواميس الفرنسية بأن الرموز الرقمية المستعملة في أوربا وأكثرية بلدان العالم هي أرقام عربية، وأن يعتقد الكثيرون من العرب اليوم أنها أرقام غربية إفرنجية.
42 - ولد حوالي 1175م وتوفي 1240م، وهو عالم رياضيات إيطالي، قال القاموس الفرنسي P.L. في ترجمته: إنه عمل من خلال أحد مؤلفاته الذي ظهر سنة 1202م على نشر علم الرياضيات العربي والإغريقي في أنحاء الغرب، وأنه كان يستعمل الأرقام العربية مع الصفر.
43 - كلمة (صفر) العربية لم تعط للغة الفرنسية Zéro و Chiffre فقط، ولكن أعطت كثيرا من المشتقات الأخرى المأخوذة من هذه الكلمة الثانية chiffre مثل:
Chiffrer, Chiffreur, Chiffrage, Chiffrable,
Déchiffrer, Déchiffrement, Déchiffrable ,
.Indéchiffrable
وإذا كان Zéro = Chiffre كما تقول المؤلفة، أي أن كلا منهما أخذ من كلمة (صفر) العربية، فإن الكلمة الثانية Chiffre)) لم تعد تحتفظ بالمعنى القديم حين أخذت من (صفر)، بل أصبحت الآن تدل على مجرد رقم أو عدد أو على الرمز الكتابي الدال على العدد، ومن معانيها الشَّفرة أيضا. وبذلك يتضح أن كلمة (الصفر) العربي لم تعط للمعجم الفرنسي ألفاظا عديدة فقط بل ولدت له أيضا معاني و دلالات جديدة.
44 - تقصد لفظ (مَخْزَن)، ولفظ (مخزن) العربي لم يعط للفرنسية كلمة واحدة هي Magasin بل لقد اشتقت من هذه الأخيرة ألفاظ فرنسية أخرى مثل:
Magasinage، Magasiner، Emmagasiner … إلخ.
ثم إن لفظ (مخزن) بقدر ما اكتسب معنى جديدا في الفرنسية اكتسب أيضا معنى جديدا في عربية المغرب الأقصى، فالكلمة تعني في الاستعمال المغربي: السلطة الإدارية و السياسية أو أصحاب السلطة.
45 - لم تعد كلمة Chérif تعني هذا المعنى فقط، بل تعني أيضا مطلق أمير عند العرب (انظر P.R.). ثم إن كلمة شريف قد أعطت أيضا كلمة أخرى ( Sherif) التي دخلت إليها هذه المرة عن الانجليزية ( Sheriff)، وبمعنى مغاير بعض الشيء: أي تعني القاضي المكلف بتطبيق القانون في جماعة أو منطقة معينة بإنجلترا، كما تعني الضابط الإداري المنتخب ليكلف بتطبيق النظام وتنفيذ الأحكام كما في الولايات المتحدة. انظر P.R..
(يُتْبَعُ)
(/)
46 - تذكر بعض القواميس الاشتقاقية أن كلمة Orange جاءت أصلا من كلمة Naranga السنسكريتية (الهندية)، ومنها انتقلت إلى الفارسية Narandj ثم إلى العربية بمعنى البرتقال المر، ثم إلى الإيطالية فالفرنسية. أما البرتقال الحلو الذي أصبحت تدل عليه كلمة Orange فقد جاءت مؤخرا عن طريق الصين بواسطة البرتغاليين.
وإذا صح هذا، فهو يفسر لنا أصل كلمة (برتقال) العربية التي لم تكن شائعة في الاستعمال القديم، فهي تحريف بسيط لكلمة (بُرتغال)،كما يستفاد منه أن هذه الثمرة الحلوة التي تعرف بالبرتقال لم تكن معروفة قديما، أي قبل أن يصل البرتغال في حملاتهم التوسعية إلى آسيا، وإنما المعروف قديما هو الثمرة المرة الطعم التي تسمى بالأترج أو النارنج في كتب التراث العربي.
ويعزو قاموس D.E.H.F. التغيير الصوتي الذي طرأ على الكلمة حين انتقلت من Rancia في الإيطالية إلى Orange في الفرنسية إلى كونها ربما تأثرت باسم مدينة فرنسية تحمل هذا الاسم ( Orange)، ومنها كانت تجلب هذه الثمرة إلى مناطق أخرى في البلاد. وقد يكون العكس هو الصحيح، أي أن اسم المدينة تأثر باسم الثمرة التي كثرت فيها، وبعضهم يرى أن المقطع الأول من الكلمة ( OR) بمعنى الذهب دال على لون هذه الثمرة (انظر D.E.).
وعلى كل حال، لقد أعطت كلمة نارنج العربية الفارسية للمعجم الفرنسي كلمات كثيرة أخرى اشتقت بدورها من Orange مثل: Orangeade و Oranger
و Orangette و orangier و Orangerie وغيرها.
47 - تذكر القواميس الفرنسية التي اطلعنا عليها أن كلمة Riz دخلت عن طريق الإيطالية ( Riso) المنحدرة من اللاتينية فالإغريقية، وبعضهم يعيد أصلها الأول إلى السنسكريتية أو إلى الشرق مطلقا دون تحديد، هذا دون الإشارة إلى مرورها بالعربية.
48 - من معاني كلمة Azur في الفرنسية: الحجر الكريم (اللازورد)، الزجاج الملون اصطناعيا بالأزرق، اللون الأزرق الفاتح (السماوي)، لون السماء الصافي الزرقة، السماء. والكلمة مأخوذة من (لازورد) العربية ذات الأصل الفارسي.
49 - اعتقاد المؤلفة بأن الكلمة ( Minaret) كلمة تركية الأصل عملت العربية على نقلها إلى الفرنسية خطأ واضح. و الصحيح أنها عربية الأصل ذات مادة اشتقاقية معروفة انتقلت إلى الفرنسية مباشرة أو عن طريق التركية أيام بسط الخلافة العثمانية سلطانها على أرجاء واسعة من العالم، ومنها قسم مهم من أوربا. وكل القواميس الفرنسية التي اطلعنا عليها تؤكد ذلك. ووجود كلمة minàret في التركية لا يقوم دليلا على هذا الادعاء بل هو مما يؤكد عروبة الكلمة. والغريب أن المؤلفة نفسها تذكرها في لائحة الألفاظ الأجنبية الموضوعة بآخر كتابها الذي ترجمنا منه هذا النص، عكس ما ذكرته هنا، أي أنها ذكرت أن الكلمة العربية نقلت إلى الفرنسية عن طريق التركية، وكذلك وقع في قاموس D.M.O.E الذي شاركت في تأليفه. فهذا سهو من المؤلفة إذن.
ثم إن كلمة منارة التي أخذت منها Minaret قديمة جدا في العربية، فقد استشهد لسان العرب على وجودها القديم ببيت أبي ذؤيب:
وكلاهما في كفه يَزَنية
فيها سِنَاتٌ كالمنارة أصلعُ
وذكر ابن منظور من معاني المنارة: موضع النور، والشمعة ذات السراج، والمكان أو الشيء الذي يوضع عليه السراج، والعلامة التي تجعل بين الحدين، ثم المنارة التي يؤذن عليها وهي المئذنة و هي من المعاني المتأخرة للكلمة. وذكر جمعها على مناور، ومنائر، ومنار. أما من حيث اشتقاقها فهي مَفْعلة من النور أي أن أصلها منورة كما وضح ذلك صاحب القاموس.
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:22 ص]ـ
IV- المراجع
أ-مراجع عربية:
1 - تذكرة الأنطاكي:
تذكرة أولي الألباب في الجامع للعجب العجاب، تأليف داود بن عمر الأنطاكي، دار الفكر، بيروت.
2 - تكملة دوزي:
تكملة المعاجم العربية، رينهارت دوزي، تعريب محمد سليم النعيمي، بغداد،1978م
3 - حديقة الأزهار:
في ماهية العشب والعقار، لأبي القاسم محمد بن إبراهيم الغساني، تحقيق محمد العربي الخطابي، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1985م
4. حياة الحيوان:
حياة الحيوان الكبرى، لكمال الدين الدميري، دار الفكر، بيروت.
5. الصحاح:
صحاح اللغة وتاج العربية، للجوهري (إسماعيل بن حماد)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين.
6. ضياء النبراس:
في حل مفردات الأنطاكي بلغة فاس، تأليف عبد السلام بن محمد العلمي، مكتبة دار التراث، الرباط، 1986م.
7. عمدة الطبيب:
عمدة الطبيب في معرفة النبات، تأليف أبي الخير الأندلسي، تحقيق محمد العربي الخطابي، منشورات أكاديمية المملكة المغربية، الرباط 1990م.
8. القاموس (القاموس المحيط):
للفيروزآبادي، مؤسسة الرسالة بيروت، ط3،1993 م
9.لسان العرب:
لابن منظور، دار صادر، 1992م
10. محيط المحيط:
بطرس البستاني، بيروت، 1986م.
11. المصباح:
المصباح المنير، للفيومي، ط 3، المطبعة الأميرية -مصر، 1912 م.
12. المنجد:
المنجد في اللغة و الأعلام، تأليف لويس المعلوف، ط 33، دار المشرق، بيروت، 1992م.
13. المنهل:
قاموس فرنسي عربي، تأليف د. جبور عبد النور، ود. سهيل إدريس، بيروت، دار الآداب ط 6، 1980م.
14. المعجم الوسيط:
مجمع اللغة العربية بالقاهرة، 1972م.
ب- مراجع أجنبية:
15. A.M.F. : l'aventure des mots français venus d'ailleurs. Par, Henriette Walter, éd, R. Laffont, Paris,1997.
16. D.D.N.V. : dictionnaire détaillé des noms des vêtements chez les arabes. Par R.Dozy, Librairie du Liban ,BEIRUT.
17.D.E. : Dictionnaire étymologique et historique du Français. Par Jean Mathieu-Rosay, Milano,Italie, 1985.
18. D.E.H.F. : Dictionnaire étymologique et historique du Français . Par J.Dubois, et autres, Larousse, Paris,1993.
19. P.L. : Le Petit Larousse, Paris,1999.
20.D.M.O.E. : Dictionnaire des mots d’origine étrangère. Par, Henriette Walter et Gérard Walter , Larousse, Paris, 1991.
21. P.R. : Le Petit Robert, Paris,1996.
(يُتْبَعُ)
(/)
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:24 ص]ـ
هوامش التقديم:
H. walter, G. Walter : )1(
Dictionnaire des mots français d’origine étrangère. Ed. Larousse, 1991, PP: 9-11, p: 111, P: 115.
H. Walter: )2(
L’aventure des mots français venus d’ailleurs. Ed Robert Laffont, 1997. Paris p.14
وقد أخذت هذه النسبة من متن معجمي يتكون من 60.000 إلى 70.000 كلمة. وانظر المرجع المذكور في الهامش السابق ص 115.
H.Walter; G.Walter : )3(
Dictionnaire des mots français d’origine étrangère. Ed. Larousse, 1991. P:115.
أصول هذه الكلمات في عربية بلدان المغرب العربي العامية هي على التوالي: بلاد، كلاب، مهبول، طبيب، زمالة (عامية جزائرية بمعنى تجمع من الخيام يأوي العائلة، أو الجماعة المرافقة للأمير في تنقلاته من بطانة وحاشية ... )، كوخ، فلوس.) 4 (
في كتاب أمين معلوف بعنوان) 5 (
Les croisades vues par les arabes
الصليبيون في نظر العرب، ورد هذا المقطع الذي يصف أسواق حلب خلال فترة الصليبين، وقد استشهدت به الكاتبة على استعمال كلمتي sirop و sorbet ودخولهما إلى الفرنسية في فترة الصليبيين هذه.
Les souks d'Alep pendant les croisades:"Non loin des gargots s'entend le tintement caractéristique des vendeurs de charab, ces boissons fraîches aux fruits concentrés que les franj empruntent aux Arabes sous forme de liquide sirop ou glacée, sorbets".
هوامش النص المترجم:
(أ) Rousseau, pierre :
Histoire de la science , Fayard. 1945. Paris. p: 134.
Tuiller, Pierre : ( ب)
D’Archimède à Einstein : les faces cachées de l’invention scientifique.
Ed. Fayard,1988, Paris p :43
( ج) قام نادي الكتاب Club du livre ( تحت مسؤولية هكتور أوبالك Hector Obalk الموجود بالعنوان الآتي: (26 rue de Clichy 75009,Paris) بنشر صورة النسخة اللاتينية مع ترجمتها للفرنسية والألمانية، بباريس سنة 1922م، وهي الترجمة اللاتينية التي عنونها: " Chirurgica Albucasis" ( جراحة أبي القاسم)، وقد كتبت في القرن الثاني عشر الميلادي انطلاقا من النص العربي لأبي القاسم خلف بن عباس الزهراوي، المعروف ب Albucasis وهذه الترجمة اللاتينية موجودة بالمكتبة الوطنية النمساوية بفيينا ( Codex vindobonensis séries nova 2641) وتحتوي على 68 رسما مصغرا و 200 أداة مرسومة.
(د) Coulon, Alain :
Introduction à la chirurgie d’Albucasis
انظر الهامش السابق
(هـ) Rousseau, Pierre:
Histoire de la Science. Fayard, 1945, Paris, pp : 125-129
( و) Walter, Henriette:
Des mots sans culottes. Ed. Robert Laffont, 1989. Paris, p.p :82-85
( ز) Guyot, Lucien et Gibassier, Pierre:
Les noms des animaux terrestres. PUF, Que sais-je ? n°1250. 1967. p: 126
( أسماء الحيوانات الأرضية).
(ح) Wartburg, Walter von et Bloch, Oscar:
In : Dictionnaire étymologique de la langue française. Ed. P.U.F, 1950. Paris, p:651.
Walter , Henriette : ( ط)
Le Français dans tous les sens. Ed. Robert Lafont,1988, Paris p.96
وكتب المقدمة أندري مارتيني، وحاز جائزة الأكاديمية الفرنسية لسنة 1988.
(ي) Maalouf, Amine :
Les croisades vues par les arabes. Ed? 1983,Paris, p.117.
( ك) Maalouf, Amine :
Samarcande. Ed. Jean-Claude Lattès, 1988, Paris p: 150
( ل) Guiraud,Pierre:
Les mots étrangers. Ed. PUF,Que sais-je? n° 1166, 1965,Paris p.44.
( م) Rey Alain (sous la direction),
Dictionnaire historique de la langue Française. Le Robert, 2 tomes 1992, (Babouche)
( ن) Ifrah, georges :
Histoire universelle des chiffres. Ed Seghers. 1981. Paris.
Réédition : Robert Laffont.1994. 2tomes. Col. Bouquins. Vol. 2. p. 344
( ص) انظرهامش (ن) Ibid; p 367..
Sourdel, Dominique: ( ع)
Histoire des Arabes. Ed P.U.F Que sais-je ? n°1627. 1976. Paris. p: 32.
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 06:33 ص]ـ
صور من رحلة الكلمات العربية إلى الفرنسية
تقديم وترجمة وتعليق أ. د.عبد العلي الودغيري*
مدير الجامعة الإسلامية لمنظمة المؤتمر الإسلامي بالنيجر.
ان شاء الله في ميزان الحسنات
لها و له
ـ[لخالد]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 10:55 ص]ـ
مشاركة قيمة و متكاملة
بارك الله فيك و تقبل منك(/)
اللهجات العربية " الرديئة"
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 07:43 ص]ـ
منقول
كانت في اللغة العربية لهجات متفرقة مختلفة وجدت عدة عوامل أدت إلى توحدها فيما بعد في لهجة قريش، من هذه اللهجات:
ـ الكشكشة: وهي في ربيعة ومضر وتنسب لأسد، يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شينا فيقولون رأيتكش وبكش وعليكش، فمنهم من يثبتها حالة الوقف فقط وهو الأشهر، ومنهم من يثبتها في الوصل أيضا، ومنهم من يجعلها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف فيقول: منش وعليش.
ـ الكسكسة: وهي في ربيعة ومضر يجعلون بعد الكاف أو مكانها في المذكر سينا على ما تقدم وقصدوا بذلك الفرق بينهما.
ـ العنعنة: وهي في لغة قيس وتميم وكثير من العرب، وهي جعل الهمزة المبدوء بها عينا فيقولون في أنك عنك وفي أسلم عسلم وفي أذن عذن.
ـ الوكم: في لغة ربيعة وهم قوم من كلب يقولون: عليكِم وبكِم حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة.
ـ الوهم: في لغة كلب يقولون: منهِم وعنهِم وبينهِم وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة.
ـ العجعجة: في لغة قضاعة يجعلون الياء المشددة جيما يقولون في تميمي تميمج.
ـ الاستنطاء: في لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار تجعل العين الساكنة نونا إذا جاورت الطاء كأنطي في أعطي.
ـ الوتم: في لغة اليمن تجعل السين تاء كالنات في الناس.
ـ الشنشنة: في لغة اليمن تجعل الكاف شينا مطلقا كلبيش اللهم لبيش أي لبيك، ومن العرب من يجعل الكاف جيما كالجعبة يريد الكعبة.
ـ الخرم: وهو زيادة حرف الكلام لا الذي في العروض كقوله:
ولا للما بهم أبدا دواء
وقول الراجز:
وصاليات ككما يؤثفين
ـ اللخلخانية: تعرض في لغة أعراب الشحر وعمان، وهي قولهم: مشا الله كان، يريدون ما شاء الله كان.
ـ الطمطمانية: تعرض في لغة حمير، وهي قولهم: طاب امهواء أي طاب الهواء.
ـ التلتلة: عند بهراء، وهي كسر أوائل الأفعال المضارعة.
ـ[أبو عثمان_1]ــــــــ[13 - 11 - 2005, 09:31 م]ـ
بارك الله فيك
أخي الكريم المصدر الذي نقلته منه، هل ذكر مصدر هذه المعلومات، لأن هذه المعلومات مرت عليّ ولكن لم اذكر اين فلعلك تساعدني بذلك
===============
وأخيرا أقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أبو عثمان
ـ[روح زايد]ــــــــ[02 - 12 - 2005, 06:48 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيمإن هذه اللغات أو اللهجات التي نطقت بها القبائل العربية قد نسبت إليها مما جعل العلماء القدامى من أمثال: أحمد بن فارس وجلال الدين السيوطي رحمهم الله أن يطلقوا عليها مصطلح اللغات أو اللهجات الرديئة، إلى أن، وجد لها مصطلح آخر أطلق عليها من قبل الدكتور: ع. م من جامعة حلب وهو مصطلح اللهجات أو اللغات المرجوحة لأن الرسول:= قد نطق بها ومنها قوله:= ليس من أمبر أم صيام في أم سفر حينما سأله رجل فرد عيه بنفس لغته فكيف بنا أن نسميها بالرديئة.
وأنا أوافق الدكتور على هذه التسمية.
هل من يؤيد أو من يعارض مع الدليل.
أتمنى حسن تعاونكم وشكرا.(/)
الكلمات البرتغالية من اصل عربي
ـ[القيصري]ــــــــ[29 - 10 - 2005, 12:55 م]ـ
منقول
.... لكن المؤكد ايضا اننا نجد باحثين اجانب يهتمون بالتنقيب في اللغة العربية عما يرتبط منها بلغاتهم. فقد كتب الاديب والروائي الاسباني خوان جويتسولو كتابا ضمنه كل الكلمات الاسبانية ذات الاصل العربي وهي بالآلاف، وفي المدة الاخيرة وضع الباحث البرازيلي جواو باتيست فارجنيز كتابا احصى فيه كل الكلمات البرتغالية من اصل عربي وهي تصل إلى 3000 كلمة. والكتاب في الاصل بحث دكتوراه في الآداب. كما سبق لهذا الباحث البرازيلي ان وضع كتابا باللغة العربية لتقريب الاسلام من المواطن البرازيلي، تحت عنوان «اسلامي زنجي». وقد قضى بالمغرب سنوات كرسها لبحثه السالف الذكر، اضافة إلى تدريسه اللغة البرتغالية بجامعة عبدالمالك السعدي بمدينة تطوان بشمال المغرب
ـ هل البداية يتعلق بدراسة منتظمة للغة العربية وفق منهج تربوي ام ان الأمر يتعلق باجتهاد شخصي؟
- الباحث البرازيلي جواو باتيست فارجنيز
- لا اخفيك ان علاقتي باللغة العربية اصبحت علاقة انسان بلغة يحبها إلى درجة العشق وهكذا اصبحت استاذا لهذه اللغة بالجامعة الفيدرالية بريودي جانيرو، وهذا التعايش المتواصل مع هذه اللغة التي وصلت إلى البرازيل بفعل الهجرة والعلاقات الانسانية، زادت من رغبتي للاطلاع على منابعها الحضارية، والذهاب إلى حيث يتكلمها الجميع .. وهكذا توجهت إلى المغرب، حيث سمحت لي الظروف بقضاء سنتين كاستاذ للغة البرتغالية بجامعة عبدالمالك السعدي بتطوان.
ـ لكن منذ متى انتبهت إلى وجود هذا الكم من الكلمات العربية في اللغة البرتغالية؟
ـ جواو باتيست فارجنيز: الأمر لا يحدث هكذا دفعة واحدة فقد تطور معي على امتداد السنوات التي ارتبطت بها باللغة العربية. بدأت الأمور بالانتباه إلى الكلمات المتشابهة في النطق، ثم إلى الاسماء والمعنى. الأمر يتعلق باكتشاف وبحث دائم. وحين انتبهت إلى ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع استغرق مني البحث فيه قرابة عشر سنوات.
ـ طبعاً، بدأت في كتابة هذا البحث في البرازيل ... ؟
ـ جواو باتيست فارجنيز: نعم، لكن انهيت اللمسات الأولى منه بمدينة تطوان المغربية سنة 1996، وإلى حدود سنة 2000 واصلت عمليات البحث. وعموما فقد تطلب مني البحث في موضوع الكلمات البرتغالية ذات الاصول العربية، الاعتماد على بعض القواميس المعروفة في لشبونة بالبرتغال، والتي قضيت بها سنتين. وبشكل خاص هناك قاموس «اوراليو» وقاموس لغوي اخر قديم يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، وهذا الاخير مكنني بشكل خاص من الوقوف على اصل الكلمات ومعانيها وتطوراتها وبحثت كذلك في العديد من القواميس اللغوية العربية للوقوف على المحددات الزمنية التي دخلت فيها هذه الكلمة او تلك الى اللغة البرتغالية التي ساعدتني كثيراً.
ـ توصلتم في بحثكم الذي وصلت صفحاته الى 928 صفحة الى وجود 3000 كلمة عربية في البرتغالية. ما هي الملاحظات التي استنتجتموها من هذا الكم الكبير من الكلمات العربية في لغتكم؟
ـ جواو باتيست فارجنيز: هناك بالفعل مجموعة من الملاحظات من بينها: قيمة التأثيرات الحضارية والتواصل الذي تعمق في مراحل معينة من تاريخ البرازيل والعالم العربي، فقد كانت الهجرة العربية الى البرازيل نشيطة ومتواصلة على امتداد القرنين الماضيين. والملفت هنا ان الفئات العربية المثقفة كانت مؤثرة وفاعلة في اللغة البرتغالية.
لكن قبل ذلك هناك المئات من الكلمات العربية التي وصلت الى اللغة البرتغالية لان
اللغة العربية ومن خلالها الثقافة والفكر العربيين سادت لقرون عديدة، وشكلت لغة العصر انذاك. المثقف او المفكر غير العربي الذي لم يكن له اطلاع على ما يُكْتَبْ باللغة العربية، كان مثقفا لا ينتمي الى ثقافة عصره، تماماً كما هو الامر الآن مع اللغة الانجليزية. فقد كانت اللغة العربية لغة العلم والطب والفنون والادب .. لذلك يصعب على اي لغة كيفما كانت ان تنجو من مؤثراتها.
وهناك ملاحظة اخرى، وهي ان ما تفعله اللغة الانجليزية الان بكل لغات العالم من تأثير وتعديل في الاسماء وبنية الجمل والتعابير، اقل بكثير مما فعلته اللغة العربية في الماضي ببعض اللغات انذاك كاللغة الاسبانية والبرتغالية ..
لكن ايضاً على اللغات ان تتعلم من دروس ما آلت اليه اللغة العربية اليوم. فقد كانت لغة العالم في الماضي لكنها اصبحت الان من اللغات الثانوية. وما وصلت اليه، له اسبابه ودوافعه المعروفة.
واول هذه الاسباب واهمها ان الاستهانة باللغة هي اول عتبات دمارها وانحطاطها ..
لكن لدي ملاحظة اخيرة وشخصية، فانا أتأسف كثيراً لما وصلت اليه هذه اللغة الجميلة، واعرف ان العرب يتأسفون على لغتهم،
لكن استعادة عظمة اي لغة لا يصنعها الأسف بل اشياء اخرى كثيرة، هذا شيء مؤكد.(/)
لوالِدينا ... وليس لوالدَينا!
ـ[المبتدأ]ــــــــ[01 - 11 - 2005, 10:51 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
كثيرا ما يتردد في الخطب والمحاضرات والدروس الدينية هذا الدعاء:
(اللهم اغفر لنا ولوالدينا و ............ )
ولفظ (والدَينا) بالتثنية خطأ يقع فيه الكثيرون ولا ينتبه له ألا القليل إذ أن الصواب أن تكون بالجمع (والدِينا)
لأن التثنية تعني أن الذي يدعو ومن يؤمن على دعائه كلهم أخوة أبوهم واحد وأمهم واحدة , بينما هم ليسوا كذلك
ـ[أبو سارة]ــــــــ[09 - 11 - 2005, 07:28 م]ـ
أحسنت،وجزيت خيرا(/)
لغزٌ حيرني.
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[02 - 11 - 2005, 08:29 م]ـ
:::
في هذه الأبيات لغز، ما هو؟
أتتنا وما لاح الصباح وقد سرت = إلينا الدجى إن الحرائر لا تسرى
منعمة بيضاء ما نفحاتها = بعطر ولكن هن أشهى من العطر
لها والد عال وأم كريمة = وحاضنة سوداء جائشة الصدر
إذا أودعت سراً غلا في ضميرها = فباتت من السر المصون على الجمر
من لها؟
ـ[سليم]ــــــــ[19 - 11 - 2005, 10:54 م]ـ
السلام عليكم
اظن ان الحل هو: النجوم
عساني اصبت هذه االمرة.
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[19 - 11 - 2005, 11:27 م]ـ
لا أخي سليم، جرب مرة أخرى.
ـ[الهذلي]ــــــــ[22 - 11 - 2005, 05:41 م]ـ
الحريرة؟
ـ[عاشق اللغة العربية]ــــــــ[22 - 11 - 2005, 06:25 م]ـ
يمكن الريح؟؟
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[23 - 11 - 2005, 09:31 م]ـ
أيها الأخوة من يعرفها فله مني صدر هريسة.
ـ[سليم]ــــــــ[23 - 11 - 2005, 10:20 م]ـ
السلام عليكم
أخي موسى إن عرفتها أتعطيني اياها ناشفة (أي ثمنها).
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[23 - 11 - 2005, 11:27 م]ـ
حياك وبياك
ـ[قلم الرصاص]ــــــــ[04 - 12 - 2005, 12:49 ص]ـ
السلام عليكم
أخي / موسى أحمد
لديّ محاولة
..... (ليلة القدر) ... ؟؟
وهل أنت متأكد من صحة كلمة (إلينا) في البيت الأول
أتتنا وما لاح الصباح وقد سرت = إلينا الدجى إن الحرائر لا تسرى
ألم تكن (بليل الدجى) .. ؟
.
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[04 - 12 - 2005, 11:01 م]ـ
أخي العزيز قلم الرصاص / جوابك غير صحيح
ولكي اريح الجميع
الجواب هي
الهريسة.
ـ[سند الربع]ــــــــ[02 - 01 - 2006, 12:21 ص]ـ
ألمح لكم الأخ موسى ولم تنتبهوا
ـ[عبير نور اليقين]ــــــــ[30 - 01 - 2006, 12:52 م]ـ
أخي موسى هاك غيره
ألم تر شيئا في السماء يطير إذا سار صاح الناس حيث يسير
فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا وكل أمير يعتليه أسير
يحض على التقوى ويكره قربه وتنفر منه النفوس وهو نذير
ـ[ربحي شكري محمد]ــــــــ[30 - 01 - 2006, 07:45 م]ـ
البرق؟
ـ[نسيبة]ــــــــ[31 - 01 - 2006, 02:35 ص]ـ
ألم تر شيئا في السماء يطير إذا سار صاح الناس حيث يسير
فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا وكل أمير يعتليه أسير
يحض على التقوى ويكره قربه وتنفر منه النفوس وهو نذير
النعش
ـ[ابو هيف]ــــــــ[31 - 01 - 2006, 04:08 م]ـ
أخي موسى هاك غيره
ألم تر شيئا في السماء يطير إذا سار صاح الناس حيث يسير
فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا وكل أمير يعتليه أسير
يحض على التقوى ويكره قربه وتنفر منه النفوس وهو نذير
الطائرة .. ؟
هو جواب سطحي جداً ..
ولكن لنقضي على الأجابات الخاطئة بداية << سياسة ديكتاتورية ( ops(/)
سؤال فقط لأحمد عمر.
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[02 - 11 - 2005, 08:49 م]ـ
السلام عليكم أخي العزيز: أحمد عمر:
ما الفرق بين:
المِثْل ِ و المَثَلُ؟
السؤال لأحمد عمر.
يكلمني السفيه ولا أبالي وخير إجابتي له السكوت.
ـ[.الجامعي.]ــــــــ[04 - 11 - 2005, 03:20 م]ـ
وماالسبب؟؟
ـ[.الجامعي.]ــــــــ[04 - 11 - 2005, 03:31 م]ـ
يكلمني السفيه ولا أبالي وخير إجابتي له السكوت.
انعوج هذا البيت ولم يستقم.
الجامعي ......
يكلمني السفيه ولاأبالي **** وخير من إجابته السكوت
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[04 - 11 - 2005, 09:16 م]ـ
أخي الجامعي، أنا ضعيفٌ جداً في العروض.هذا أولاً.
ثانيا: عن سبب اختيار أحمد عمر فقط فالسبب واضح أخي الجامعي؛ (مشاكسة).
وسوف أشاكسك أيضا ً؛ وذلك لأني أشاكس من أحب فقط
ما هو الوزن الصرفي للكلمات التالية:
إمعات:
طواغيت:
معين:
مهو:
شيطان:
أولق:
باب:
تأمور:
خنزير:
أندلس:
ريحان:
وهذا السؤال فقط للجامعي.
_______
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 07:00 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قيل في الأثر أنه من يعرف الجواب فليتكلم ومن لم يعرف فعليه بالإنصات لمن يعرف
فما أنا إلا رجلٌ قد أوتيت من العلم القليل وردا على ما قد كُتب دعني أسأل سؤالاً أرى أن الموضوع بعنوان " سؤال فقط لأحمد عمر " وأرى أن توقيعي قد جيء في الموضوع فما العلة ولماذا أنا شخصيا وردا على سؤالك فأنا لا أعرف الإجابة وأرجوك وضح لي ما يجري قبل أن يسيء ظني؟؟؟؟؟؟
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 07:55 ص]ـ
لا لا تسيء الظنّ به يا أحمد فهو يداعبك
ثمّ لي عندك عتاب وهو---أنت لم تعقب على كلامي حول اللمسات البيانية في سورة البقرة---فهلا فعلت؟؟
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 08:17 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قيل في الأثر أنه من يعرف الجواب فليتكلم ومن لم يعرف فعليه بالإنصات لمن يعرف
فما أنا إلا رجلٌ قد أوتيت من العلم القليل وردا على ما قد كُتب دعني أسأل سؤالاً أرى أن الموضوع بعنوان " سؤال فقط لأحمد عمر " وأرى أن توقيعي قد جيء في الموضوع فما العلة ولماذا أنا شخصيا وردا على سؤالك فأنا لا أعرف الإجابة وأرجوك وضح لي ما يجري قبل أن يسيء ظني؟؟؟؟؟؟
أخي العزيز أحمد عمر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية محبة في الله من القدس، من جوار المسجد الأقصى.
أخي الكريم
أولاً أنا لا أضمر الضغينة لأحد في هذا المنتدى الشامخ.
ثانياً: تًعجبني طروحاتك، ولكن توقيعك، إن سمحت لي في بعض المشاكسة، وقد يُساء فهمه.
ثالثاً: وانا لست بعالم، وإنما اطلب العلم شأني شأن الآخرين.
رابعاً:اعتبر الأمر كان لم يكن.ولا تزعل.
وتحية لمصر ومن فيها.
ـ[أبو سارة]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 12:25 م]ـ
السلام عليكم
أنتم فطاحلة،وأحمد تلميذكم،فلا تثقلوا على أحمد بمزحكم،وظنوا بأخيكم خيرا، ولاتضنوا علينا بعلمكم.
وكل عام وأنتم بخير
ـ[.الجامعي.]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 01:12 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة كما حييت بها أنت أخي موسى من جوار المسجد الأقصى فأنا أُحييك وأحيي الإخوة الكرام من جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ...
وكل عام وأنتم بخير
أخوكم الجامعي ...
ـ[المبتدأ]ــــــــ[05 - 11 - 2005, 08:27 م]ـ
والآن
تركتم الإجابة عن السؤال فهل تسمحون لي بالمحاولة؟
اليس المِثل هو الشبيه , والمَثَل ما يحتذى به؟؟
أنتظر الرد من الأخ موسى
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 12:13 ص]ـ
أخواني السلام عليكم، وكل عام وأنت بخير، وكل عام وأنتم إلى طاعة الله أقرب.
أخي الجامعي، بذكرك لجوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، أذكيت نار شوقي، فنسأل الله عز وجل قرب الزيارة للحبيب صلى الله عليه وسلم.
أخي المبتدأ إن كنت أنت المبتدأ فأنا الخبر، وإليك الجواب:
المِثْل ِو المَثَلُ: والفرق بينهما، هو أن المِثلين (مثنى مِثل) ما تكافآ في الذات، ومنه قوله تعالى {ليس كمثله شيء}. وليس في الكلام شيء يصلح في المماثلة إلا الكاف والمِثل.، فأدخل الكاف على المِثل، وهما الإسمان اللذان جعلا للماثلة، فنفى بهما الشبه عن نفسه، فأكد النفي بذلك.
=====
(يُتْبَعُ)
(/)
أما المَثَلُ فهو الصفة قال الله تعالى {مثلُ الجنة التي وعد المتقون}، أي صفة الجنة.
وقال تعالى {كمثل الحمار يحمل أسفاراً}، وحاملو التوراة لا يماثلون الحمار، ولكن جمعهم وإياه صفة فاشتركوا فيها.
وتحياتي للجميع
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 03:41 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أبدأ بالصلاة والسلام على النبي الكريم والرسول الأمين عليه الصلاة والسلام وأختم بادئتي بالسلام على كل من شارك في هذا الموضوع وبالأخص أخي وحبيبي أبا سارة
أولا: أخي جمال حسني لقد قرأت موضوعك المشار إليه ولكن لم تسنح لي الفرصة لكي أكتب الرد فعفوا مني على غفلتي
ثانيا: أخي أبا سارة لقد صدقتني في وصفك إياي في كوني تلميذا فلك مني كل شكري وتقديري وإحترامي
ثالثا: أخي الجامعي أرى أنك عدلت عن توقيعي وهذا لا أسمح به إلا في حالة وجود خطأ في النحويات أو العروض وإذا كان فقل؟ ولقد عدلت عنه وقلت أنه معوج ولم يستقم (يكلمني السفيه ولا أبالي وخير من إجابته السكوت) فلو قرأته لرأيته أحدث ثقلا وغلظة على لساني ولكن توقيعي سهل وسلس
رابعا: السيد الأستاذ موسى زغاري:
أولا قال تعالى (وما أؤتيتم من العلم إلا قليلا) ولقد قلت آنفاً في وصف أبا سارة لي أنه صدق في كوني تلميذا فما الداعي لسؤالي أنا فقط أتقصد أن تحرجني بعدم معرفتي للإجابه فوالله لو دخلت في قلبي لوجدت إجابتك في داخلي ولكن تجاهلي لإجابتك تحمل معانٍ كثيرة أستحفظها لنفسي.
وإذا كان في توقيعي ما هو خطأ فقل لي وإن لم يكن فصمتاً ألا تدري قول الرسول في الحديث (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) فليتك تقل لي لماذا هذا الموضوع منذ البداية فأرجوك زن كلامك وأختر مواضيعك أكرم لك فوالله لو كان أحداً غيري لسمعت منه ما لا تطيق فلقد فتحت على نفسك واجهه لا تطيق لها وأرى أن هناك ليس ما تقول مشاكسة وإنما (شغل عيال صغيرة).
وأنت أتتحداني أم تقصد إهانتي , فوالله لقد أوجدت في نفسي سوءً ومزاجا لا أطيقة بعد كلامك هذا.
فإليك عني
ـ[.الجامعي.]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 08:24 ص]ـ
أخي أحمد انظرالفرق بين هذين البيتين:
يُكلِّمُنِي السَّفيهُ فلاأُجِبهُ ... فخيرٌ مِنْ إجابتِهِ السُّكُوتُ
فإن كلمتُه فرجتُ عنه ... وإن خليتُه كمدًا يموتُ
مفاعلتن مفاعلتن فعولن ... مفاعلتن مفاعلتن فعولن
وهو من البحر الوافر.
وهو على وزن البيت الذي هو في نفس المعنى وكلها للشافعي رحمه الله:
يُخَاطِبُنِي السفيهُ بِكلِّ قُبْحً ... فأكرهُ أن أكونَ له مجيبا
يَزِيدُ سفاهةً فأزيدُ حلمًا ... كعودٍ زادَه الإحراقُ طيبا
أما:
يكلمني السفيه فلاأجبه ... وخيرُ إجابتي له السكوت
مفاعلتن مفاعلتن فعولن ... مفاعلتن مفاعلن فعولن
ففيه خطأ عَرُوضي
أيهما أسلس وأسهل الأول أم الثاني؟
تقبل تحياتي ..
أخوك الجامعي ...
ـ[موسى أحمد زغاري]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 08:57 ص]ـ
أخي أحمد عمر
غفر الله لك.
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 08:03 م]ـ
يا سيدي يغفر الله لنا جميعاً ومالك تقولها كأني محقوق لك
ألم أقل لك إليك عني فأفعل أكرم لك
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 08:16 م]ـ
وها أنا قد غيرت من توقيعي وقبلت كلام أخي الجامعي حفظه الله وهذا لأنه أحسن سياق الكلام وعرف كيف يقول لي خطأي أما عن موسى زغاري فلم يحسن قول هذا وشكرا لك أخي الجامعي على هذه الملحوظة وإن كانت لتكون أفضل لو جاءت بطريقة أفضل من هذه ولكن على كل حال شكرا جزيلا لك أخي الجامعي
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 08:26 م]ـ
أما أنا فلا أعترض على خطأي ولاأتكبر على نفسي ولكن النصيحة على الملأ فضيحة كما قيل.
وسأروي لكم قصة قصيرة لعلكم تتذكرون
كان الحسن والحسين ـ رضى الله عنهما ـ يتوضآن ووجدا رجلا يتوضأ ولكن لم يحسن الوضوء وكان رجلٌ كباراً , فلم ينهراه ولم يقولا له نحن أسلاف محمد رسول الله ولكن قالوا له نريدك حكماً علينا فلقد أختلفنا في وضوئنا
وعندما توضئا عرف الرجل خطأه وأستغفر ربه وأعاد وضوئه!!!
ولكن ما حدث هنا أن جميع من هم في المنتدى عرفوا خطأي وعرف الجميع أن أحمد عمر لا يعرف في علم العروض وقد أكون كاذبا لو قلت أني أفقه شيئا في العروض ولكن رسالتي إليكم جميعا وخاصة موسى زغاري زنوا كلامكم وأختروا مواضيعكم أكرم لكم وحب لأخيك ما تحب لنفسك فما بالكم لو كان أحدكم مكاني!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
ـ[لخالد]ــــــــ[06 - 11 - 2005, 09:00 م]ـ
ولكن ما حدث هنا أن جميع من هم في المنتدى عرفوا خطأي وعرف الجميع أن أحمد عمر لا يعرف في علم العروض
أخي أحمد عمر
كل من في المنتدى يقول:سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
ولن تجد من يقول: أنا عالم
فلا تحزن
و الله أعلم
ـ[أحمد عمر]ــــــــ[07 - 11 - 2005, 03:10 ص]ـ
حسنا أخي وحبيبي خالد لقد إنتهى الموضوع وشكرا لك على حرصك في تهدئة النفوس وجعلك الله مثالا يحتذى به(/)