ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[25 - 10 - 09, 06:38 م]ـ
ممتاز أخي أبو صهيب .. بارك الله فيك ونفع بك ...
ـ[أبا قتيبة]ــــــــ[25 - 10 - 09, 07:09 م]ـ
بوركت اخى.وفقك الله
هل من ترجمه لحصه ال شيخ ..
ـ[ابوعمر الدغيلبي]ــــــــ[25 - 10 - 09, 08:16 م]ـ
رفع الله قدرك
وخذل الله اعداء الدين
ـ[ابو هيلة]ــــــــ[26 - 10 - 09, 03:05 م]ـ
كل هذه الشبهات التي ذكرتها من سمت نفسها حصة ال الشيخ شبهات مسروقة فلا جديد في ذلك.
سبقها ابو رية وقد رد عليه المعلمي في كتابه الانوار الكشفة , وهو موجود على الشبكة ..
وسبقها حسن المالكي وقد سرق بقية شبهاته من مخرفي المتصوفة ومع ذلك لم يفلح.
بل من هذه الشبهات ما علمه محمد عبده قاسم امين فأين هم واين اقوالهم ..
وما ادل على ضعف قولها ردها لحديث البخاري لمجرد مخالفته لحسها وعقلها ..
ولقد سبقها في رد النصوص بالعقل والحس طحاطيح المعتزلة ومع ذلك لم يفلحوا ..
فالحمد لله ..
ـ[أبو عبد الله الحداد]ــــــــ[26 - 10 - 09, 06:08 م]ـ
إخواني الفضلاء
هل حصة هذه من عائلة آل الشيخ
أعني بذلك أنها من أحفاد الإمام
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
لأن الذي أعرفه أن آل الشيخ هم
هم سلالة الإمام المجدد.
أرجو الجواب
وجزاكم الله خيراً
ـ[ابن بجاد العتيبي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 10:17 م]ـ
بارك الله فيكم
أخي أبو عبدالله الحداد
الله أعلم
لكن سمعت أن في الحجاز عائلة آل الشيخ تختلف كلياً عن العائلة المعروفة
وربما هذا الكاتبة منهم
والله أعلم وأحكم
ـ[رياض السعيد]ــــــــ[26 - 10 - 09, 11:08 م]ـ
أسرة آل الشيخ الذين في مكة هم من ذرية الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب رحم الله الجميع
وحصة آل الشيخ ثقلت عليها معالم التوحيد والسنة.
ـ[أ. محمد حسن]ــــــــ[27 - 10 - 09, 01:52 ص]ـ
جزاك الله خيرا
وهناك أخت لها في الرضاعة من لبن شياطين الإنس والجن اسمها سهيلة زين العابدين، تضعف أحاديث البخاري من رأسها ـ دون علم ..
كن لهن بالمرصاد أيها العتيبي
ذب الله عنك كما تذب عن دينه
ـ[أنس الرشيد]ــــــــ[27 - 10 - 09, 05:43 ص]ـ
لله درك أخي الكريم ....
أحببتك في الله ...
ـ[أبوزياد العبدلي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 08:11 ص]ـ
أخي ابن بجاد:
أولا: بيض الله وجهك وذب عنه شرر نار جهنم كما ذببت عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
ثانيا: الناس في هذا الزمان الصالح منهم والطالح إنما هم أتباع , فالصالحون أبتاع لأسلافهم الصالحين وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم , والطالحون أتباع لأسلافهم الطالحين وإمامهم إبليس
ثالثا: يقول الأول عن هؤلاء وأمثالهم:
كناطح صخرة يوما ليوهنها , .. فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أخيرا: بيض الله وجهك وذب عنك شرر نار جهنم كما ذببت عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
ـ[يوسف محمد القرون]ــــــــ[27 - 10 - 09, 09:01 ص]ـ
هل تعلم يا ابا صهيب أن في ردودك هذه خير عظيم
فأنت تفتح أعين الناس على أشياء قد لا يعلموها
فأنا لأول مره أعلم عن هذه المنتسبه إلى أسرة العلماء و الدعاه
فذهبت و تتبعت مقالاتها في جريدة الوثن فتأكدت أن التافهين زادو في هذه الأيام
فإليكم نماذج و جمل بسيطه من مقالاتها التي تشع منها روح الانسانيه و الحب و الموده
تبين لي أنها عاشقة للموسيقى
==قبل حركة مفتي الجهل جهيمان كان الغناء يصدح في البيوت، ويتلذذ الجميع بنغمات الموسيقى،
==ومنذ تلقينا تعليمات جهيمان وتم تفعيلها بخروج جنود"الغفوة" المرعبة والقاتلة للجمال والإحساس،أسكنت النفوس مشاعر الكره وأمرت بإيقاف ناموسٍ طبيعي عبق كالسحر، لتختفي موسيقى العزف،وتهبّ كاسيتات الصراخ المسكون بالويل والثبور على من يمارس لهو الطبيعة ويلهو ببراءة الغناء ويستمع لآلة العزف والأوتار، ليجبرونا على تخيل العالم مجردا من لغته.
طبعاً من مثلها لا يحب أسود الهيئه
==تمترست قوى ذكورية أمام معرض الكتاب رافضة وجودي وطفولة بريئة أمسكتها بيدي، آمرة بالابتعاد عن البوابة، فاليوم يوم أصحاب الدماء النبيلة (الذكور) ولا يحق لي ولا للطفولة - المندهشة من التهجم النابذ - الدخول من البوابة الرسمية لنُكلّفَ عناء الالتفاف على المبنى من خارجه، بسبب تسلط رؤية أحادية؛ من أين تدخل وتخرج، وترسم الخطوات .. ، لكأن معرض الكتاب أملاكهم الخاصة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/69)
==سألَتْ الصغيرة الجميلة سوسو: "ليه ما يبغانا ندخل، أحنا وش سويّنا لهم؟ "تساؤل حقوقي لطفولة رفض عقلها هذا التصرف ضدها، أجبتها: "لأننا حريم يا حبيبتي"، ردت بجرأة: "وإذا .... !؟ "
سبحان الله عاشقة الموسيقى مندهشه جداً
==أما النساء المكتسيات بالسواد/موظفات الحرم فحتى القفازات ألزمن بلبسها"إحدى موظفات الحرم ذكرت لي ذلك"بل إحداهن جلست متعبة وحاولت رفع غطاء تضعه فوق النقاب، فخافت وامتنعت قائلة "يا بنتي لو يشوفوني رفعت عن عيني فصلوني وأنا امرأة كبيرة ولا أرى جيدا"!!
تولت الدهشة عن صاحب فتوى النقاب ذي الفتحة الواحدة فقد غالاه موظفو الحرم ليعموا عينيها بنقاب تغطي به الاثنتين، لعله كان متسامحا ولعلنا ظلمنا تسامحها
لا و توظف الأحاديث على ما تشتهي نفسها
==اعترضت السيدة عائشة رضي الله عنها على حديث الكلب الأسود وحق لنا مشاركتها الاعتراض، فالسواد لون العنصرية المفضل لدى الرجل فرضه للون عباءة المرأة فخضعت لتكتسيه عنصريا كلما ارتدتها خلفه وكلما رآها في الشارع، ليسدر الحرملك بساطه فيحمله على عرش الولاية الذكورية، إنه واقع يخنق الألوان والأشكال بتشدده!
من يقرأ هذا الكلام يظن أن للنساء يوماً في الاسبوع يُسمح لهم فيه بدخول الحرم و اداء المناسك!!
==ما يمارس من مضايقات ضد المرأة ومحاربة وجودها في الأماكن المقدسة/من المقام للملتزم للصحن، أمر يشق على زوار بيت الله،ويشوه صورة بيت الله.
كان صحن الحرم قديما مقسما لمربعات متوالية للنساء والرجال لكامل المنطقة المحيطة بالكعبة، حبذا العود له فهو على أقله أقل بمراحل من التسيد الذكوري الحالي
و هنا طُرفه جميله يبدو أنها أخطأت و لا أحب الظلم
تقول عاشقة الموسيقى حصه آل الشيخ
==وسأدلف اليوم لذات المكان الحبيب مع فتيات من قطر الشقيقة، ابتدرهن موظف الحرم بمنعهن من الجلوس في الصحن،كنت أسمع حوار الفتاة بجانبي وقد فرشت سجادتها فطواها، سألتني: أنت سعودية؟ أجبتها نعم، تحدثت مبدية استنكارها: لماذا لا يريدني أن أجلس وأنت جالسة؟ قلت: أنا لا أحد يملي رغباته الشخصية علي، جلسَت، وبدأت مرحلة البرهنة على الرجولة بممارسات ذكورية مضحكة مبكية، تطالب بإبعادنا رغم سعة المكان وبعد الرجال عنا! حدثتني الأخت مستغربة إنه يأمرني:غطي وجهك وأنا لا أغطي وجهي وهذا مذهبي، وهو (شكو)؟
تقول أن الفتيات من قطر و الغالب أنها تقصد أنهن قطريات الجنسيه
و من ثم تقول أن الفتاه القطريه (في الغالب) قالت: وهذا مذهبي، وهو (شكو)؟
قلت: أصلاً كلمة (شكو) هي بمعني (وش دخله) باللهجه السعوديه
و كلمة (شكو) هي كويتيه بإجماع الخليجيين (ابتسامه)
فيبدو أن الفتيات من الكويت و لعلها أخطأت الأخت السعوديه حصه ال الشيخ
و السلام
ـ[يوسف محمد القرون]ــــــــ[27 - 10 - 09, 09:05 ص]ـ
هل تعلم يا ابا صهيب أن في ردودك هذه خير عظيم
فأنت تفتح أعين الناس على أشياء قد لا يعلموها
فأنا لأول مره أعلم عن هذه المنتسبه إلى أسرة العلماء و الدعاه
فذهبت و تتبعت مقالاتها في جريدة الوثن فتأكدت أن التافهين زادو في هذه الأيام
فإليكم نماذج و جمل بسيطه من مقالاتها التي تشع منها روح الانسانيه و الحب و الموده
تبين لي أنها عاشقة للموسيقى
==قبل حركة مفتي الجهل جهيمان كان الغناء يصدح في البيوت، ويتلذذ الجميع بنغمات الموسيقى،
==ومنذ تلقينا تعليمات جهيمان وتم تفعيلها بخروج جنود"الغفوة" المرعبة والقاتلة للجمال والإحساس،أسكنت النفوس مشاعر الكره وأمرت بإيقاف ناموسٍ طبيعي عبق كالسحر، لتختفي موسيقى العزف،وتهبّ كاسيتات الصراخ المسكون بالويل والثبور على من يمارس لهو الطبيعة ويلهو ببراءة الغناء ويستمع لآلة العزف والأوتار، ليجبرونا على تخيل العالم مجردا من لغته.
طبعاً من مثلها لا يحب أسود الهيئه
==تمترست قوى ذكورية أمام معرض الكتاب رافضة وجودي وطفولة بريئة أمسكتها بيدي، آمرة بالابتعاد عن البوابة، فاليوم يوم أصحاب الدماء النبيلة (الذكور) ولا يحق لي ولا للطفولة - المندهشة من التهجم النابذ - الدخول من البوابة الرسمية لنُكلّفَ عناء الالتفاف على المبنى من خارجه، بسبب تسلط رؤية أحادية؛ من أين تدخل وتخرج، وترسم الخطوات .. ، لكأن معرض الكتاب أملاكهم الخاصة
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/70)
==سألَتْ الصغيرة الجميلة سوسو: "ليه ما يبغانا ندخل، أحنا وش سويّنا لهم؟ "تساؤل حقوقي لطفولة رفض عقلها هذا التصرف ضدها، أجبتها: "لأننا حريم يا حبيبتي"، ردت بجرأة: "وإذا .... !؟ "
سبحان الله عاشقة الموسيقى مندهشه جداً
==أما النساء المكتسيات بالسواد/موظفات الحرم فحتى القفازات ألزمن بلبسها"إحدى موظفات الحرم ذكرت لي ذلك"بل إحداهن جلست متعبة وحاولت رفع غطاء تضعه فوق النقاب، فخافت وامتنعت قائلة "يا بنتي لو يشوفوني رفعت عن عيني فصلوني وأنا امرأة كبيرة ولا أرى جيدا"!!
تولت الدهشة عن صاحب فتوى النقاب ذي الفتحة الواحدة فقد غالاه موظفو الحرم ليعموا عينيها بنقاب تغطي به الاثنتين، لعله كان متسامحا ولعلنا ظلمنا تسامحها
لا و توظف الأحاديث على ما تشتهي نفسها
==اعترضت السيدة عائشة رضي الله عنها على حديث الكلب الأسود وحق لنا مشاركتها الاعتراض، فالسواد لون العنصرية المفضل لدى الرجل فرضه للون عباءة المرأة فخضعت لتكتسيه عنصريا كلما ارتدتها خلفه وكلما رآها في الشارع، ليسدر الحرملك بساطه فيحمله على عرش الولاية الذكورية، إنه واقع يخنق الألوان والأشكال بتشدده!
من يقرأ هذا الكلام يظن أن للنساء يوماً في الاسبوع يُسمح لهم فيه بدخول الحرم و اداء المناسك!!
==ما يمارس من مضايقات ضد المرأة ومحاربة وجودها في الأماكن المقدسة/من المقام للملتزم للصحن، أمر يشق على زوار بيت الله،ويشوه صورة بيت الله.
كان صحن الحرم قديما مقسما لمربعات متوالية للنساء والرجال لكامل المنطقة المحيطة بالكعبة، حبذا العود له فهو على أقله أقل بمراحل من التسيد الذكوري الحالي
و هنا طُرفه جميله يبدو أنها أخطأت و لا أحب الظلم
تقول عاشقة الموسيقى حصه آل الشيخ
==وسأدلف اليوم لذات المكان الحبيب مع فتيات من قطر الشقيقة، ابتدرهن موظف الحرم بمنعهن من الجلوس في الصحن،كنت أسمع حوار الفتاة بجانبي وقد فرشت سجادتها فطواها، سألتني: أنت سعودية؟ أجبتها نعم، تحدثت مبدية استنكارها: لماذا لا يريدني أن أجلس وأنت جالسة؟ قلت: أنا لا أحد يملي رغباته الشخصية علي، جلسَت، وبدأت مرحلة البرهنة على الرجولة بممارسات ذكورية مضحكة مبكية، تطالب بإبعادنا رغم سعة المكان وبعد الرجال عنا! حدثتني الأخت مستغربة إنه يأمرني:غطي وجهك وأنا لا أغطي وجهي وهذا مذهبي، وهو (شكو)؟
تقول أن الفتيات من قطر و الغالب أنها تقصد أنهن قطريات الجنسيه
و من ثم تقول أن الفتاه القطريه (في الغالب) قالت: وهذا مذهبي، وهو (شكو)؟
قلت: أصلاً كلمة (شكو) هي بمعني (وش دخله) باللهجه السعوديه
و كلمة (شكو) هي كويتيه بإجماع الخليجيين (ابتسامه)
فيبدو أن الفتيات من الكويت
أو لعلهن كويتيات متجنسات قطريات
أو لعلهن قطريات و يحتكّون بالكويتيات
أو لعلهن قطريات متراضعات مع كويتيات
أو لعلهن قطريات خوالهن كويتيون
أو لعلها أخطأت الأخت السعوديه حصه آل الشيخ
أو .. أو .. أو .. أو .. أو ...... إلخ
و السلام
ـ[يوسف محمد القرون]ــــــــ[27 - 10 - 09, 09:06 ص]ـ
أرجو حذف الردو الأول
و المقالات منقوله من موقع جريدة الوطن
ـ[رودريقو البرازيلي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 09:41 ص]ـ
جزاك الله يا ابا مصعب.
قاتل الله المنافقين و العلمانيين و المفسدين.
المفروض هو اغلاق منبع الشر و الفساد و هذه الجريدة المدمرة للاخلاق و الدين و الوطن.
و ان يحكّم من ينشر الفساد بين المسلمين.
حسبي الله على كل من يريد ان ينشر الفساد و الشكوك. حسبي الله عليهم و على من يبحث مبررات لهم براهم معدودة.
اين الذين لا يخافون في الله لامة لائم؟؟
حسبي الله و نعم الوكيل.
اليوم يشككون في احاديث الصحيحين غدا يشككون في ماذا؟
عن حذيفة - رضي الله عنه -، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ
ثُمَّ تَدْعُوْنَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)) رواه الترمذي، وَقالَ: ((حديث حسن))
.
ـ[أبو عبد الله الحداد]ــــــــ[27 - 10 - 09, 10:44 ص]ـ
أشكرك أخي
ابن بجاد العتيبي
وأخي
رياض السعيد
على هذا التوضيح
وفعلاً العبرة ليست بالأنساب ولا بالأحساب
إنما العبرة بالتقوى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
ولو كانت الأنساب تنفع لنفع ابن نبي الله نوح وأمه نسبهم
وكذلك والد إبراهيم آزر, وغيرهم الكثير.
فلكم مني كل الشكر والتقدير.
ـ[وكيع الكويتي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 11:02 ص]ـ
تقول أن الفتيات من قطر و الغالب أنها تقصد أنهن قطريات الجنسيه
و من ثم تقول أن الفتاه القطريه (في الغالب) قالت: وهذا مذهبي، وهو (شكو)؟
قلت: أصلاً كلمة (شكو) هي بمعني (وش دخله) باللهجه السعوديه
و كلمة (شكو) هي كويتيه بإجماع الخليجيين (ابتسامه)
فيبدو أن الفتيات من الكويت و لعلها أخطأت الأخت السعوديه حصه ال الشيخ
و السلام
كلمة شكو يقولها عامة أهل الخليج باستثناء أهل نجد .... وليست مختصة في الكويت
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/71)
ـ[الموسى]ــــــــ[27 - 10 - 09, 03:54 م]ـ
مقالة في نفس الموضوع:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=190668
ـ[محمود الرشيد]ــــــــ[27 - 10 - 09, 08:43 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى {والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما}
وقال تعالى {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين ءامنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والاخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون}
وقال تعالى {ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم بلحن القول والله يعلم أعمالكم}
وقال تعالى في آيات عظيمات من سورة النساء تراجع مع تفاسيرها قال جل وعز {ألم تر الى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيد}
وقال تعالى {وإن منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}
وقال تعالى {أتواصوا به بل هم قوم طاغون}
ـ[أبا قتيبة]ــــــــ[27 - 10 - 09, 09:48 م]ـ
نسأل الله لها الهدايه
اللهم ثبت قلوبنا على دينك
ـ[يوسف محمد القرون]ــــــــ[28 - 10 - 09, 06:52 ص]ـ
أتراجع عن قولي في كلمة (شكو)
جزاك الله خير أخي وكيع الكويتي
ـ[أبو سليمان الجسمي]ــــــــ[02 - 11 - 09, 06:24 م]ـ
أخي ابن بجاد العتيبي جزاك الله خيرا على ردك على هذه الجاهلة كفانا الله شر الجهل و أهله، و قد قال صلى الله عليه و سلم (من ذب عن وجه أخيه ذب الله عن وجهه النار يوم القيامة) أو كما قال صلى الله عليه و سلم، و قد ذببت عن حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، أخي محمد يوسف القرون جزاك الله خيرا، وجزى الله خيرا كل من شارك في هذا الموضوع أو غيره على هذا الملتقى.
ـ[أبو العلاء الأزدي]ــــــــ[02 - 11 - 09, 07:00 م]ـ
قرأت كما قرأ غيري في 5/ 11/1431هـ مقالاً لحصة آل الشيخ عاملها الله بما تستحق
قد يكون الصواب 1430
بارك الله فيك يا أخي ..
ـ[ابن بجاد العتيبي]ــــــــ[06 - 11 - 09, 02:51 م]ـ
بارك الله فيكم أجمعين
أبو العلاء .. وهو كذالك
ـ[أبو راشد التواتي]ــــــــ[06 - 11 - 09, 06:50 م]ـ
نسأل الله لها الهدايه(118/72)
الأرأيتيون!
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[25 - 10 - 09, 02:14 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
نقل الشيخ العلامة محمد بن إسماعيل المقدّم فى كتابه الماتع"حرمة أهل العلم" (1) ص251 عن ابن عبدالبر فى "الجامع" (2/ 1076)
(وقال أبو وائل:"لا تقاعد أصحاب: أرأيت"، وقال الشعبى:" ما كلمة أبغض إلىَّ من: أرأيت"،وقال أيضاً إذا سألت عن مسألة فأجبتَ فيها،فلا تتبع مسألتك: "أرأيت" فإن الله يقول فى كتابه {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43)} الفرقان حتى فرغ من الآيه.
علق الشيخ –حفظه الله- فى الهامش قائلاً "الأرأيتيون:الذى يكثرون من قول "أرأيت" فى غير موضعها كأن يسأل عن علة الحكم فى أمر تعبدى،أو يكون السائل غير أهل لذلك، وكما يفعل المتنطعون الذين يعقبون جواب العالم بقولهم"أرأيت" لأجل تفريغ الأسئلة، والتوليد منها، والإيغال فيها،لمجرد المراء.
_______________________________________________
(1) وقد أثنى عليه الشيخ العلامة المحدث سليمان العلوان فى فتوى عن أسباب الأنتكاس عن الدين والمبدأ
قال: الأمر الثاني الولوع، ولوع كثير من الشباب على بعض العلماء، والدعاة والمصلحين، فهم يشتغلون الآن بالغيبة، والنميمة، والسب، والشتم، وتقويم العلماء، والمقارنة هذا أعلم، وهذا أخطر، وهذا أحفظ، وهذا كدا ... بدون علم كما يقعون في الغيبة، والنميمة، والتصنيف، ونحو ذلك. هذه الأشياء تؤدي الى العبد بالانحراف، والزيغ، والضلال، وقد ذكر أبو يعلى في طبقات ابن رجب حكايات، وقصص عن بعض من انحرف بسبب غيبته، ونميمته، ووقوعه في أعراض الصالحين، ومثل هذا كثير في تراجم الأئمة، وكتاب للمقدم محمد اسماعيل جيد اسمه "حرمة أهل الإسلام" (الصحيح الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام) كتاب جيد ونافع ومفيد في هذا الباب. مشاركة رقم 43 للشيخ أبى عائش وخويلد.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119205 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119205)
ـ[ربى الجزائرية]ــــــــ[25 - 10 - 09, 02:27 م]ـ
أخي الفاضل أبا مالك موضوعك هذا قد يستغله بعض الطلبة قليلي الفهم والدراية لاغراض سيئة ...
وكنت قرات مثل هذا الموضوع عن الارائيتين يذم فيه الفقهاء المالكية والحنفية القدامي لان مصنفاتهم مشحونة بهذه الكلمة وبهذا النوع من الاستفسارات
لذا اخي حدد من تقصد و الي شيء تريد الوصول من طرحك هذا الموضوع
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[25 - 10 - 09, 02:32 م]ـ
لذا اخي حدد من تقصد و الي شيء تريد الوصول من طرحك هذا الموضوع
علق الشيخ –حفظه الله- فى الهامش قائلاً "الأرأيتيون:الذى يكثرون من قول "أرأيت" فى غير موضعها كأن يسأل عن علة الحكم فى أمر تعبدى،أو يكون السائل غير أهل لذلك، وكما يفعل المتنطعون الذين يعقبون جواب العالم بقولهم"أرأيت" لأجل تفريغ الأسئلة، والتوليد منها، والإيغال فيها،لمجرد المراء.
ـ[ربى الجزائرية]ــــــــ[25 - 10 - 09, 02:43 م]ـ
بورك فيكم أخي الفاضل ..
لكني مع ذلك أرى ان الموضوع مجرد مقتطفات تنقصها زيادات علمية وتوضيحات وانقال عن الائمة القدامي كي لا يتجرأ من قد تسول له نفسه التعدي على الفقه والائمة والفقهاء الذين أكثروا من أرايت في مصنفاتهم
ثم انت لم تبين ما هي مواضعها الصحيحة من الفاسدة فلم تأت بشيء جديد في ردك الاخير
أما المراء الذي كتبت عنه فكل من يجادل أو يماري يرى نفسه على الجادة وعلى الحق الابلج
فليتكم اخي تفصلون في الموضع اكثر .. بل وأطمع في أن تردوا على من تعدي بهذه الحجة على أئمتنا المالكية وسادتنا الحنفية
موفق ان شاء الله
ـ[عبدالحميد حسن]ــــــــ[25 - 10 - 09, 05:48 م]ـ
جزاك الله خير وبارك فيك أبا مالك
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[26 - 10 - 09, 08:05 ص]ـ
بورك فيكم أخي الفاضل ..
لكني مع ذلك أرى ان الموضوع مجرد مقتطفات تنقصها زيادات علمية وتوضيحات وانقال عن الائمة القدامي كي لا يتجرأ من قد تسول له نفسه التعدي على الفقه والائمة والفقهاء الذين أكثروا من أرايت في مصنفاتهم
ثم انت لم تبين ما هي مواضعها الصحيحة من الفاسدة فلم تأت بشيء جديد في ردك الاخير
أما المراء الذي كتبت عنه فكل من يجادل أو يماري يرى نفسه على الجادة وعلى الحق الابلج
فليتكم اخي تفصلون في الموضع اكثر .. بل وأطمع في أن تردوا على من تعدي بهذه الحجة على أئمتنا المالكية وسادتنا الحنفية
موفق ان شاء الله
أخيتي الفاضلة ربى الجزائرية، وفقها الله
كلام شيخنا أبا مالك المصري من الوضوح ما يغني عن الخوض في شرح ما نقله. وإستشكالك ليس في محله فالنقد والملام في ما نقله مختص بالسائل والمتعلم، لا العالم وأهل العلم كما هو ظاهر. واظري ما أظهرته لكي باللون الأحمر من تعليق الشيخ على ما ذكره أهل العلم:
قائلاً "الأرأيتيون:الذى يكثرون من قول "أرأيت" فى غير موضعها كأن يسأل عن علة الحكم فى أمر تعبدى،أو يكون السائل غير أهل لذلك، وكما يفعل المتنطعون الذين يعقبون جواب العالم بقولهم"أرأيت" لأجل تفريغ الأسئلة، والتوليد منها، والإيغال فيها،لمجرد المراء.
إذا علمتي ذلك، علمني الله وإياكي، وضحت لك الصورة وتبين لكي أنّ ليس في الكلام ما يعيب أهل العلم فالكلام موجه للعوام ومن تعقب أهل العلم في كلامهم على هذه الصورة المذمومة. فتأملي.
والله أعلم وأحكم(118/73)
متى يبدأ وقت صلاة الظهر بالتحديد؟
ـ[أحمد البكيرات]ــــــــ[25 - 10 - 09, 03:28 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أريد أن يفيدني أخوتي في بداية وقت صلاة الظهر بالتحديد , متى يبدأ؟
فأنا بصدد عمل مشروع مزولة (ساعة شمسية) في الأردن و أريد أن أستخرج و قت صلاة الظهر ....
فالفلكيون يقولون أن وقت صلاة الظهر يبدأ عندما تتوسط الشمس السماء بالضبط , و بطريقة أخرى: يطرحون و قت الشروق من وقت الغروب و يقسمون الناتج على إثنين و يضيفون دقيقة (يعني: الوقت الوسط بين الشروق و الغروب + دقيقة)
و الفقهاء يقولون أن وقت صلاة الظهر بعد زوال الشمس بقدر شعرة
و من الجدير ذكره:
أننا كلما زدنا طول الشاخص في المزولة كلما حصلنا على دقة أكثر ............ إلى أن تصل للوقت الذي يحدده الفلكيون ...
فما هو رأيكم دام فضلكم؟
ـ[أبو صهيب أشرف المصري]ــــــــ[26 - 10 - 09, 12:03 م]ـ
قال العثيمين: قال أهل العلم رحمهم الله: علامة الزَّوال أن تنصب شاخصاً؛ أي: شيئاً مرتفعاً، وتَنْظُرَ إِليه فما دام ظِلُّه ينقص فالشَّمس لم تَزُلْ، فإِذا بدأ يزيد ولو شعرة فقد زالت
[الممتع]
ـ[أحمد البكيرات]ــــــــ[26 - 10 - 09, 02:17 م]ـ
جزاك الله خيراً و أحسن إليك
لا بد من التجربة لنرى هذا الأمر على أرض الواقع ...
شكراً لك مرة أخرى(118/74)
من هو أحمد بن أحمد الشنقيطي صاحب مواهب الجليل؟.
ـ[مؤمن محمد ناصر الدين]ــــــــ[25 - 10 - 09, 03:37 م]ـ
من هو أحمد بن أحمد الشنقيطي صاحب مواهب الجليل؟.
ـ[مؤمن محمد ناصر الدين]ــــــــ[25 - 10 - 09, 10:00 م]ـ
هل هو ممن يؤخذ عنه العلم؟
وما ترجمته؟.
ـ[أحمد محمد بسيوني]ــــــــ[26 - 10 - 09, 12:59 ص]ـ
هو الشيخ الجليل المحضري الذي يدرس الفقه المالكي والأصول بجوار مكتبة الحديث عند باب عمر - رضي الله عنه - بالمسجد النبوي، وهو تلميذ العلامة محمد الأمين - طيب الله ثراه -.
اقرأ ترجمته في مقدمة نثر الورود شرح المراقي.
نفع الله بكم.
ـ[محمدزين]ــــــــ[26 - 10 - 09, 12:59 ص]ـ
نعم هو من أهل العلم
وهو من كبار طلبة الشيخ الأمين رحمة الله عليه
وجوابا لسؤالك أقول لا شك في أنه ممن يؤخد عنه العلم
وبالله التوفيق
ـ[محمدزين]ــــــــ[26 - 10 - 09, 01:02 ص]ـ
معذرة أخي أحمد ,لم أر ردك على الأخ(118/75)
القرآن والحياة .. أو [[الحياة بالقرآن]] .. خطط وبرامج وآليات
ـ[شعيب القاضي]ــــــــ[25 - 10 - 09, 03:51 م]ـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فما أحوجنا أيها الإخوة إلى (الحياة بالقرآن) ..
أعني أن تنصبغ شخصية الإنسان بروح الوحي ونصوصه ظاهراً وباطناً .. قلباً وقالباً ..
وهذه هي الشخصية التي نريد أن نصنعها في أنفسنا وفي الناس والمجتمع من حولنا ..
نريد أن تصبح شخصياتنا قرآناً يمشي على الأرض ..
نريد أننمثل الإسلام عقيدةً وسلوكاً .. علماً وعملاً .. منهجاً وواقعاً .. تنظيراً وتطبيقاً ..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوااسْتَجِيبُوالِلَّهِ وَلِلرَّسُولِإِذَا دَعَاكُمْلِمَا يُحْيِيكُمْ (
فالقرآن والسنة هماحياة قلب المؤمن .. وروحه ..
وهما النور الذي يهتدي به في الظلمات ..
والضياء الذي ينير له الظلمات ويبدد به الهموم والمشكلات ..
هما الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ..
== انتبه لهذه الآيات:
- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)
- (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌوَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِوَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (
- (وَهُدًى وَبُشْرَىلِلْمُؤْمِنِينَ (
- (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)
كلاما هذه صفاته .. ألم يكن بحاجة مناإلى .. وعي به .. وحفظ .. وتدبر .. وتفكر .. وتلاوة .. وتكرار .. وقيام .. وعمل بأحكامه .. وإحياءً لروحه .. وبعثاً لمكانته .. ونصراً صدارته؟!!
أيها الأحبة:
إن عندنا وبين أيدينا وفي بيوتنا ما نستطيع أن ننتصر به على العالم كله ..
لكن فقط إذا صبغنا قلوبنا وأعمالنا وشخصياتنا به .. فتتشرب أنفسنا القرآن والسنة .. وتشربه .. وتتشبع به ..
حينئذ .. وحينئذ فقط .. نستطيع أن ندعو به القلوب كلها دون أدلة .. وأن نغزو به العالم بأسره دون أسلحة ..
وإذا سعينا في نشر الحياة بالقرآن في أنفسنا أولا .. وفي بيوتنا وأسرنا ومجتمعاتنا ثانيا .. فلنثق تماما أننا نسير على طريق مستقيم راشد ..
ولنثق أيضاً أن هذا الجيل الذي عاش القرآن حياً لن تجد فيه أثراً للتشوهات الفكرية والسلوكية والنفسيةالتي أثرت فينا عندما حدنا عن هذا المنهج ..
ووالله ما ظهرت فينا أمراض مثل الكبر والغرور والأنانية وحب الذات والمظهرية الجوفاء؛ إلا بسبب ابتعادنا عن الحياة بالكتاب والسنة ..
وإنك -والله- لتعجب من أناس ضلوا حين ضلوا وقد حفظوا القرآن وكثيرا من السنة وكلام العرب وأقوال السلف .. بل بعضهم من عداد المشايخ والعلماء .. وبعضهم دكاترة في الجامعات والمعاهد الإسلامية ...
وما ذلك إلا بسبب ابتعادهم عن القرآن .. حفظاً وتلاوة وتفسيرا ... علما وعملا .. عقيدة ومنهجا وسلوكا ..
وأنصح من يشك في كلامي أن يقرأ سيرة أي صحابي ليرى ما هو أثر القرآن في حياة ذلك الصحابي ثم يقارن ذلك بأثر القرآن في حياته هو .. !!
اقرأ سيرة أبوبكر .. عمر .. عثمان .. علي -رضي الله عنهم- .... الخ.
أو أن يقرأ سيرة أي عالم رباني .. سعيد بن المسيب .. سفيان الثوري .. الأوزاعي .. مالك بن أنس .. الشافعي .. أحمد بن حنبل .. ابن تيمية .. ابنالقيم ... الخ.
اقرؤوا ..
وسترون الفرق جلياً ..
لم يكن أحداً من الصحابة فيما أعلم لم يكن يقوم الليل بالقرآن متدبرا لآياته ..
قال تعالى:
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (
لقد كان لكل واحد منهم ورد يومي من القرآن .. يقرؤه بخشوع وتدبر ..
كانوا وقافين عند حدود الله ..
مستجيبين لأوامر الله ..
حياتهم قرآن وسنة .. دعوتهم قرآن وسنة .. جهادهم على الكتاب والسنة ..
عن عمر قال: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله (.
قال تعالى:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/76)
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُواإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109))
وعملياً ..
فقد قام الدكتور خالد اللاحم بخدمة الوحي قرآنا وسنة بوضع ثلاثة كتب تعالج هذه الرؤية .. وتطرح آفاقاًوسبلاً ووسائل وتقنيات مهمة جداً لمن أراد أن يحيا بالكتاب والسنة ..
الكتاب الأول:
مفاتح تدبر القرآن والنجاح في الحياة
الكتاب الثاني:
مفاتح تدبر السنة والقوة في الحياة
وتناول فيهما المؤلف القراءة المثمرة للكتاب والسنة .. أهدافها ووسائلها العملية ..
الكتاب الثالث:
الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان
ستجد في هذا الكتاب كل ما يهمك حول سبل حفظ القرآن الكريم .. والأهم من ذلك كيف تصنع شخصيتك من
خلال حفظ القرآن ..
- وأنصح بقراءة مفاتح تدبر القرآن أولاً ثم مفاتح تدبر السنة ثم الحفظ التربوي ..
-لتحميل الكتب:
زر موقع القرآن والحياة .. بإشراف الشيخ خالد اللاحم
http://www.quranlife.com/index.php
أيها الأحبة:
انصروا هذه القضية .. بكل وسيلة تستطيعونها ..
تكلموا عنها في الخطب والمجالس والمنتديات والحوارات والنصائح والمجلات والجرائد ..
انصروها بلسانكم وبحالكم وبشخصياتكم ...
نشئوا أبناءكم إناثاً وذكوراً على الحياة بالقرآن والسنة ..
ازرعوها في قلوب الشباب والأطفال في المدارس والجامعات والمساجد والمحاضن ..
أما جهد المقل:
فانشروا هذا الموضوع وهذه الكتب .. بكل ما تستطيعون من جهد .. في كل منتدى .. وفي كل مجلس .. وفي كل موقع ..
- هناك حملة أيضاً قامت بها الدكتورة أسماء الرويشد بعنوان: (مشروع الحياة من جديد) تجدون فعالياتها على هذا الرابط:
http://www.asyeh.net/forumdisplay.php?f=136
وجزاكم الله خيراً(118/77)
نختلف ولانفترق
ـ[زيد سلطان الشريف]ــــــــ[25 - 10 - 09, 09:44 م]ـ
أيها الأخوة إن هناك فرق بين الإختلاف والإفتراق وكلاهما ذكرا في الكتاب العزيز
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119))
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103))
فالإفتراق مذموم وقد أخبر نبينا عن وقوعه عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم
: (إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة. وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة. كلها في النار إلا واحدة. وهي الجماعة)
في الزوائد إسناده صحيح. رجاله ثقات.
قال الشيخ الألباني: صحيح
فالأختلاف دون فُرقة غير مذموم: فهنا وصفان: الاختلاف، والافتراق، وهما خلافان لا يلزم وجود أحدهما حصول الآخر، فالافتراق وصف مذموم في الشرع، ولهذا نهى الله عنه نهياً مطلقاً فقال: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " [آل عمران: 103]. وقال: "أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" [الشورى:13]. أما الاختلاف فقد يكون رحمة، وأهله معذورون. قال ابن تيمية: (والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتاباً سماه: كتاب الاختلاف، فقال أحمد: سمه كتاب السعة، وإن الحق في نفس الأمر واحد، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه لما في ظهوره من الشدة عليه) (24). وقد حصل الاختلاف في الاجتهاد الفقهي والتنزيل الواقعي للأحكام بين سلف هذه الأمة الذين هم أفضل قرونها – من الصحابة و التابعين – ولم يلزم منه افتراقهم، بل كانوا أهل مودة وتناصح، كما لم يكن سبباً للذم أو مدعاةً للتأثم ما دام هذا الخلاف في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد وإبداء الرأي. قال ابن القيم: (وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه؛ لتفاوت إرادتهم وأفها مهم وقدرات إدراكهم، ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا إذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب، وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله، لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية. ولكن إذا كان الأصل واحداً والغاية المطلوبة واحدة والطريق المسلوكة واحدة، لم يكد يقع اختلاف، وإن وقع كان اختلافاً لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة؛ فإن الأصل الذي بنوا عليه واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والقصد واحد، وهو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة وتقديمها على كل قول ورأي وقياس وذوق وسياسة) (25).
لذلك ينبغي ألا تضيق صدورنا بما نسمعه من خلافات فقهيه على الساحة ولعلنا نوضح ذلك
أولا الخلاف في أصول الدين والعقيده:-
أ- فمن خرج عن موارد إتفاق السلف قيل خرج من السنة إلى القبله وقد تكون البدعة كفرية وقد لاتكون
ب-من خرج عن موارد إتفاق أهل القبلة فقد خرج من الكفر إلى الإسلام
2 - الخلاف في فروع الدين:-
وهو على أقسام:-ا
أ- إختلاف تنوع:- كالختلاف أهل العلم في صيغ بعض الأدعية وصفة الأذان والتسليم وغيرها
ب-إختلاف التضاد:- وهذا النوع وقع فيه خلط وتحصل فيه ضجة وإنكار وتهجم وقدح لأهل العلم وهو على نوعين
النوع الأول:-الخلاف الغير السائغ:- كمخالفة إجماع العلماء وكذلك الخلاف في أحكام هي من الأمور المعلومه من الدين بالضرورة ومخالفة صريح الكتاب والسنه قال الناظم
وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر
الثاني:-الخلاف السائغ:- فهناك جملة من المسائل يسوغ الخلاف فيها لعدم وجود دليل من الكتاب والسنه أوللإختلاف في أوجه الدلالات وإختلافهم في جملة من مسائل الأصول أو الإختلاف في صحة الحديث
قال شيخ الأسلام
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/78)
(وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ -الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا- يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ.
فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ, إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَكِنْ إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ, فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ. وَجَمِيعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:
أَحَدُهَا: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ.
وَالثَّانِي: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ إرَادَةَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ.
وَالثَّالِثُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ.
وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ تَتَفَرَّعُ إلَى أَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ:
أَن لا يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ, وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمُوجَبِهِ, وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَهُ -وَقَدْ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِمُوجَبِ ظَاهِرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ؛ أَوْ بِمُوجَبِ قِيَاسٍ؛ أَوْ مُوجَبِ اسْتِصْحَابٍ- فَقَدْ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ تَارَةً, وَيُخَالِفُهُ أُخْرَى.
وَهَذَا السَّبَبُ: هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُوجَدُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ.
فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَّةِ
السَّبَبُ الثَّانِي:
أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ, لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ.
إمَّا لِأَنَّ مُحَدِّثَهُ, أَوْ مُحَدِّثَ مُحَدِّثِهِ, أَوْ غَيْرَهُ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ أَوْ مُتَّهَمٌ أَوْ سَيِّئُ الْحِفْظِ.
وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مُسْنَدًا بَلْ مُنْقَطِعًا؛ أَوْ لَمْ يَضْبُطْ لَفْظَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ قَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ لِغَيْرِهِ بِإِسْنَادِ مُتَّصِلٍ, بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَعْلَمُ مِنْ الْمَجْهُولِ عِنْدَهُ الثِّقَةَ, أَوْ يَكُونُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أُولَئِكَ الْمَجْرُوحِينَ عِنْدَهُ؛ أَوْ قَدْ اتَّصَلَ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الْمُنْقَطِعَةِ, وَقَدْ ضَبَطَ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ الْحُفَّاظِ؛ أَوْ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ مِنْ الشَّوَاهِدِ وَالْمُتَابَعَاتِ مَا يُبَيِّنُ صِحَّتَهَا. وَهَذَا أَيْضًا كَثِيرٌ جِدًّا, وَهُوَ فِي التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَى الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ, أَوْ كَثِيرٌ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ كَانَتْ قَدْ انْتَشَرَتْ وَاشْتَهَرَتْ, لَكِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ, وَقَدْ بَلَغَتْ غَيْرَهُمْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ, فَتَكُونُ حُجَّةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ, مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْوَجْهِ الآخر.
وَلِهَذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَعْلِيقُ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ, فَيَقُولُ: {قَوْلِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بِكَذَا؛ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ قَوْلِي}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/79)
وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مُسْنَدًا بَلْ مُنْقَطِعًا؛ أَوْ لَمْ يَضْبُطْ لَفْظَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ قَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ لِغَيْرِهِ بِإِسْنَادِ مُتَّصِلٍ, بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَعْلَمُ مِنْ الْمَجْهُولِ عِنْدَهُ الثِّقَةَ, أَوْ يَكُونُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أُولَئِكَ الْمَجْرُوحِينَ عِنْدَهُ؛ أَوْ قَدْ اتَّصَلَ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الْمُنْقَطِعَةِ, وَقَدْ ضَبَطَ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ الْحُفَّاظِ؛ أَوْ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ مِنْ الشَّوَاهِدِ وَالْمُتَابَعَاتِ مَا يُبَيِّنُ صِحَّتَهَا. وَهَذَا أَيْضًا كَثِيرٌ جِدًّا, وَهُوَ فِي التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَى الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ, أَوْ كَثِيرٌ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ كَانَتْ قَدْ انْتَشَرَتْ وَاشْتَهَرَتْ, لَكِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ, وَقَدْ بَلَغَتْ غَيْرَهُمْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ, فَتَكُونُ حُجَّةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ, مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْوَجْهِ الآخر.
وَلِهَذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَعْلِيقُ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ, فَيَقُولُ: {قَوْلِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بِكَذَا؛ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ قَوْلِي} وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مُسْنَدًا بَلْ مُنْقَطِعًا؛ أَوْ لَمْ يَضْبُطْ لَفْظَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ قَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ لِغَيْرِهِ بِإِسْنَادِ مُتَّصِلٍ, بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَعْلَمُ مِنْ الْمَجْهُولِ عِنْدَهُ الثِّقَةَ, أَوْ يَكُونُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ أُولَئِكَ الْمَجْرُوحِينَ عِنْدَهُ؛ أَوْ قَدْ اتَّصَلَ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الْمُنْقَطِعَةِ, وَقَدْ ضَبَطَ أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ الْحُفَّاظِ؛ أَوْ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ مِنْ الشَّوَاهِدِ وَالْمُتَابَعَاتِ مَا يُبَيِّنُ صِحَّتَهَا. وَهَذَا أَيْضًا كَثِيرٌ جِدًّا, وَهُوَ فِي التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ إلَى الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ, أَوْ كَثِيرٌ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.
فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ كَانَتْ قَدْ انْتَشَرَتْ وَاشْتَهَرَتْ, لَكِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ, وَقَدْ بَلَغَتْ غَيْرَهُمْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ, فَتَكُونُ حُجَّةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ, مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْوَجْهِ الآخر.
وَلِهَذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَعْلِيقُ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ, فَيَقُولُ: {قَوْلِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بِكَذَا؛ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ قَوْلِي}
لسَّبَبُ الثَّالِثُ:
اعْتِقَادُ ضَعْفِ الْحَدِيثِ بِاجْتِهَادِ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ) رفع الملام عن الإئمة الأعلام
وقد ذكر غير هذه الأسباب
واعلم رحمك الله أن تحقيق المناط في هذه الأقسام قد يقع الخلاف فيه فعالم قد يسوغ الخلاف في مسألة ما واخر قد لايسوغ وعالم يرى أن الخلاف من باب التنوع واخر قد لا يراه كذلك
ثم اعلم رحمك الله
أن لزوم منهج أهل السنة والجماعه أنه السبيل الصحيح إلى الجنه ومن خالف من أهل العلم في هذا وقد ان نعذره ونحسن الظن به لكن انت الزم هذا الطريق فهذا نهج محمد الذي اوصى به وأصحابه من بعد
واعلم رحمك الله أن الخلاف في فروع الدين فيه رحمة وقد ذكرنا ذلك
قال ابن تيمية: (والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم، ولهذا صنف رجل كتاباً سماه: كتاب الاختلاف، فقال أحمد: سمه كتاب السعة، وإن الحق في نفس الأمر واحد، وقد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه لما في ظهوره من الشدة عليه)
فاحذر اخي ان تتنقص من عالم في مسألة أو تطلق عليها الشذوذ جزافا من دون رويه ولا على بصيره
وماقررناه سابقا يبين لنا فضل ومكانة العلماء حيث ينبغي لنا ملازمتهم وطلب مشورتهم فقد كفونا المؤونه(118/80)
كلام مؤثر للعالم الرباني أحمد الحواشي حفظه الله حول سورة الفاتحة
ـ[محمود غنام المرداوي]ــــــــ[25 - 10 - 09, 09:52 م]ـ
في هذا الرابط كلام نفيس و مؤثر حول سورة الفاتحة، لا يدخل الا الى القلب
http://www.youtube.com/watch?v=Rbh5gLfxX5
السؤال
فلا تنسو الشيخ من دعائكم
و لا تنسونا كذالك من الدعاء
ـ[أبو حذيفة الأثري السلفي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 12:12 ص]ـ
شكرااا(118/81)
الدعاء الدعاء لإخواننا المقدسيين, قوات الاحتلال تعاود اقتحام باحات الأقصى
ـ[أبوعبدالله العربي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 12:15 ص]ـ
السلام عليكم,
عاودت قوات الاحتلال اقتحام باحات المسجد الأقصى بعدما طردهم إخواننا المقدسيين منه صباح اليوم, فالدعاء الدعاء لإخواننا المرابطين هناك بالنصر والتثبيت(118/82)
الكلامُ المُشْبِعْ من شَرحِ الشَّيخِ ذِياب الغَامِدي للرَوْضِ المُرْبِع
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 12:35 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فهذه درر جمعتها , بعد ترتيبها وتعديلها عسى أن تكون خالصة لله عز وجل , وان يستفيد منها طالب العلم
ما كتب بالاسود فهو المتن , وأما ما كتب باللون الأحمر فهذا من شرح شيخنا المبارك
ومن لديه سؤال حول ماذكر الشيخ أو أراد أن يضيف فائدة فنأمل أن يتحفنا مأجوراً إن شاء الله
للمعلومية: سوف تكون الإضافات إن شاء الله أسبوعية بعد إنتهاء كل درس
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الأول بعد الانقطاع
الأحد 6/ 11/1430هـ
كتاب الجنائز
-من حق الميت الصلاة عليه, فأُلحق كتاب الجنائز بكتاب الصلاة عند الفقهاء وجُعل آخر كتاب الصلاة , كما أن الموت آخر مراحل الدنيا.
-الأصل أن الجنازة دعاء فأخذت المعنى المعنوي للصلاة.
-الأصل في كتب الفقه الإتباع , والحجاوي صاحب الزاد ممن ذكر آداب الموت في المختصرات.
-الأصل في الموت مفارقة الطاعات ومفارقة العمل لله , وعلى هذا حين يُذكر الموت عند الصالحين يزدادوا طاعة وقرباً.
بفتح الجيم جمع جنازة بالكسر والفتح لغة اسم للميت أو للنعش الذي عليه ميت فإن لم يكن عليه ميت فلا يقال نعش ولا جنازه بلا سرير
-جمع الجنازة بالفتح لاخلاف في ذلك.
-اختلف العلماء في ضبط الجنازة بالفتح أو بالكسر ,فجعلوا الفتح للجثة والكسر للحمل الذي يحمل عليه ,فقالوا الفتح للجثة لأنها فوق النعش فناسب الفتح ,والكسر للحمل لأنه تحت الجثة فناسب الكسر.
قاله الجوهري واشتقاقه من جنز إذا ستر وذكره هنا (أي كتاب الجنائز) لأن أهم ما يفعل بالميت الصلاة.
(كتاب الجوهري الصحاح يعتبره أهل اللغة أصح الكتب وهو عندهم مثل البخاري عند أهل الحديث)
ويسن الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له (لأنه السبيل للإستكثار من الطاعات) لقوله صلى الله عليه وسلم أكثروا من ذكر هادم اللذات وهو بالذال المعجمة. (أكثر أهلم العلم قالوا بتضعيف هذا الحديث لكن القرآن والسنة بهما شواهد تدل على ذكر الموت)
ويكره الأنين (الأنين من العلماء من اعتبره جائزاً بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " .. أنا ورأساه" ومنهم من قال أنه يكره لأنه تسخط, وقول ثالث جمع بين القولين وقال إن غُلب عليه دون تسخط وتضجر فلا بأس) وتمني الموت (لا يجوز تمني الموت بالأثر وبالنظر .. فبالنظر إن كان من أصحاب الجنة فهو يطلب انقطاع عمله ورفعته, وإن كان من أصحاب النار فقد استعجل على مصيره, لكن بعض أهل العلم ذكروا جواز تمني الموت في حالات بعضها صحيح مثل تمني الموت في كثرة الفتن والبعض الآخر لا يصح) ويباح التداوي بمباح (التداوي عند العلماء مُجمع عليه , لكنهم أجمعوا على عدم وجوب التداوي واختلفوا ما بين الحالتين, فالجمهور أنه مباح, واختلف الجمهور أيضا في المباح فمنهم من قال تركه أولى والآخر قالوا فعله أولى) وتركه أفضل (عند الحنابلة) ويحرم بمحرم (المحرم من الأدوية إما بخمر وإما بنجاسة والنجاسات عند العلماء لايقصدون بها الأقذار , والأحناف قالوا بجواز التدواي بنجاسة بشروط عندهم, والتداوي بالمخدر المسكر هو نوع من الخمر ,والتخدير نوعان أحدهما فيه كحول والآخر فيه كحول مستحالة) مأكول وغيره من صوت ملهاة وغيره (بعض الشافعية المتأخرين قالوا بجواز ذلك بشروط.لايعتد بقول ابن حزم في الغناء لأنه من المتأخرين ولا يعتد أيضا بموافقته) ويجوز ببول إبل فقط (بول الإبل فيه دليل من الصحيح فجاز منه ومن من غيره من الأنعام) قاله في المبدع (لابن مفلح)
فائدة: -فرق بين وجود النفع وإباحة النفع فالخمر محرم على رغم وجود النفع.
-المباح ليس فيه دليل من كتاب ولا سنة والإستحباب فيه دليل.
ويكره أن يستطب مسلم (أن يطلب أو تطلب الوصفة الطبية) ذميا لغير ضرورة وأن يأخذ منه دواء لم يبين له مفرداته المباحة (يجوز أخذ الدواء من غير المسلم إذا توفرت الشروط الثلاث: إذا كان لضرورة وإذا عُلمت مفرداته وإذا كانت مباحة , قلت والرابع أن يكون مجرباً)
فائدة:- العلاج بسيط وإما مركب , فمن كان يأكل الطعام البسيط فلا يناسبه إلا العلاج البسيط ومن كان يأكل الطعام المركب فلا يناسبه إلا العلاج المركب , وهذا معروف عند الأطباء القدماء من المسلمين وغير المسلمين.
-العلاج النبوي يختلف عن العلاج الشعبي , وللأسف أصبحت كتب الطب النبوي مهجورة.
ـ[أبو مجاهد الحنبلي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 02:03 ص]ـ
جزاك الله خيراً، ونفع بك ..
وأتمنى أخي الحبيب أن تعطيني بريدك؛ لكي اكلمك في أمر هام بالنسبة لي ..
تقبل الله مان و منك ..
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 08:49 ص]ـ
شكر الله اهتمامك
بريدي b6@live.in
ومعك دائما
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 09:27 ص]ـ
فائدة:ما أبيح للحاجة جاز التداوي به , وما أبيح للضرورة كالمطاعم الخبيثة لايجوز التداوي به (حاشية الشيخ ابن عثيمين على الروض)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/83)
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 09:29 ص]ـ
فائدة: لا يجوز التداوي بشرب الخمر ,لما روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن التداوي بالحرام (حاشية الشيخ ابن عثيمين على الروض)
ـ[مزاحمة الركب]ــــــــ[26 - 10 - 09, 10:09 ص]ـ
جزاكم الله خيراً و أعانكم على الإستمرار ...
ننتظر فوائد الشيخ على (كتاب البيوع) بشغف .. عجَّل الله لكم الوصول إليه ..
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[05 - 11 - 09, 07:21 م]ـ
الدرس الثاني بعد الانقطاع
الأحد13/ 11/1430هـ
(ويسن عيادة المريض) والسؤال عن حاله للأخبار ويغب بها وتكون بكرة أو عشيا ويأخذ بيده ويقول لا بأس طهورا إن شاء الله تعالى لفعله صلى الله عليه وسلم وينفس له في أجله لخبر رواه ابن ماجه عن أبي سعيد فإن ذلك لايرد شيئا ويدعو له بما ورد.
(و) يسن (تذكيره التوبة) لأنها واجبة على كل حال وهو أحوج إليها من غيره (والوصية) لقوله صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به
يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده متفق عليه عن ابن عمر (وإذا نزل له) أي نزل به الملك لقبض روحه (سن تعاهد) أرفق أهله وأتقاهم لربه (ببل حلقه بماء أو شراب وتندى شفتيه) بقطنة (لأن ذلك يطفئ ما نزل به من الشدة وتسهل عليه النطق بالشهادة) (وتلقينه لا إله إلا الله) لقوله صلى الله عليه وسلم لقنوا موتاكم لا إله إلا الله رواه مسلم عن أبي سعيد (مرة ولم يزد على ثلاث) لئلا يضجره (إلا أن يتكلم بعده فيعيد تلقينه) إلى ثلاث ليكون آخر كلامه لا إله إلا الله ويكون
(برفق) أي بلطف ومداراة لأنه مطلوب في كل موضع فهنا أولى (ويقرأ عنده) سورة (يس والقرآن الحكيم) لقوله صلى الله عليه وسلم اقرأوا على موتاكم سورة يس رواه أبو داود ولأنه يسهل خروج الروح ويقرأ عنده الفاتحة (ويوجهه إلى القبلة) لقوله صلى الله عليه وسلم عن البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا رواه أبو داود وعلى جنبه الأيمن أفضل إن كان المكان واسعا وإلا فعلى ظهره مستلقيا ورجلاه إلى القبلة ويرفع رأسه قليلا ليصير وجهه إلى القبلة.
الشرح:
1 - معاني المفردات:
السنه / مايثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها على تفصيل عند الأصوليين
العياده/ مصدر من العود والأصل فيه تكرار الزياره
يغب عني / مره بعد مره او يوم بعد يوم في الحديث ((زد غبا تزدد حبا))
الإبكار / أول النهار ~ بدليل العرف
العشي/ آخر النهار ~ بدليل العرف
- ينفس/ يوسع ويفرح
- قول المؤلف لأنها واجبه على كل حال /يقصد التوبه من الذنوب.
- (اذا انزل به) / نزل به ملك الموت.
- سن تعاهد / 1 - أرفق أهله به
2 - التقي لربه/أي العالم العارف بسنن المحتضر
- بل الحلق / (قطرات) , قالوا إلا الشجاع في المعركه.
2 - الفوائد الفقهية والعقدية:
-قام الإجماع على مشروعيه عيادة المريض.
- اختلف أهل العلم في حكم عيادة المريض:
1 - الجمهور انه سنه
2 - أما البخاري فيرى وجوب العياده في تبويبه للصحيح وذهب لذلك شيخ الإسلام ابن تيميه
- من زار مريضا مره واحده تنله فضيله العياده
- السؤال يكون أثناء الزياره عن حال المريض فيذكر له فضل المرض ويحث على الصبر.
-قد تكون الزياره لا تصح شرعا ولا عرفا خلاف السنه.بل السنه أن يكون فيها المريض مستعدا للزياره.
-كيف نجمع ببين قولنا ((لا بأس طهور ان شاء الله)) , وقد ورد في الحديث (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي ان شئت)؟
الجواب:الصحيح أن المشيئه قسمين:
أ- مشيئه معلقه
ب- مشيئه محققه
فالمقصود أي أن شفائك وطهورك بالمشيئه المحققه وليس بالمشيئه المعلقه
- خبر ابن ماجه (إن دخلتم على المريض فنفسوا) لا يصح لكن معناه يصح.
- اذا أراد الله للعبد دخول الجنه فله أمور ثلاث /
1 - ينقيه بالأمراض ويطهره الله بها فيدخل الجنه.
2 - أحداث القيامه من أهوال القبر وبعده تكفير له من الخطايا.
3 - يدخله الله النار فيطهره ما شاء ثم يدخله الله الجنه.
-يدعوا للمريض ثلاث بما ورد في الحديث.
- يسن التذكير في مرض الموت بالشهادة فهو أحوج إليها في تلك الحاله.
- الإجماع على التوبه من الذنوب.
- بعض أهل العلم قال يسن زيارة المريض الذي يُحبس , وهذا له وجه لكن ظاهر الأدله الشرعيه خلاف ذلك ,بل ورد في الحديث في الرمد ودونه , فالعبره ليست بالمريض وإنما بالأجر المترتب.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/84)
-الوصيه في التبرعات أو الواجبات والمراد هنا في التبرعات.
- الوصيه مقدمه في القرآن على سبيل الذكر على الدين.
- في الحديث (قبل ليلتين .. ) لأن الأنفس تشح عند الموت وليس المراد التخصيص لأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في كل لحظة.
- الصحيح أن اسم ملك الموت لم يرد بل ورد في أخبار بني اسرائيل. لكن يقال باسم ملك الموت.
- المقصود بتبليل الحلق لما بعده حتى يقول الشهاده وينطقها.
- التلقين يكون بحسب حال المحتضر إن كان المحتضر ينازع بشده وقد ينفر فيقال التلقين بالحال , وإن كان لا ينفر فيقال له بالمقال مباشره / قل لا إله إلا الله. مع أن المقال مقدم على الحال.
- ظاهر الحديث أن التلقين مره واحده والجمهور يرون أن لا يزداد عن ثلاث وقالوا أن النبي كلاما وسلاما يقول ثلاثا وقاسوا على ذلك
- قصة الأمام احمد مع الشيطان لا تصح لأن في السند انقطاع.
- ان تكلم بعد التلقين فيعاد عليه لحدوث الانقطاع.
- حديث قراءة سورة يس لا يصح ولا ينبغي قراءة القران على المحتضر بل الانشغال بتلقين الشهادة.
- يقول شيخ الإسلام .. (إذا صح الحديث-حديث سورة يس- فيسن القراءة أما إذا لم يصح فلا يسن)) والحديث عند عامة أهل الحديث لا يصح.
- أن يقرأ عليه القرآن عند الموت أما بعد الموت فهذا بعيد.
- اهداء ثواب القراءة للميت يجوز بدلائل كثيره وبعضهم حكى الإجماع.
- لم يثبت قراءه الفاتحة لا من قريب ولا من بعيد
- حين ينازع الميت يسن توجيهه للقبله واختلفوا في الطريقه:
1 - بعضهم قال على جنبه قياسا للموته الصغرى فالعله واحده.
2 - بعضهم قال على ظهره.وهي روايتان عند الإمام أحمد.
- لا أعلم خلافا في جواز توجيه المحتضر للقبله.
- الرفع ليس فيه دليل , بل على ظهره أولى لحديث عمران.
- العبره ليست في نطق الميت بل العبره بالعمل بالشهاده في الحياة.
3 - الفوائد العامة:
-فضل عيادة المريض عظيم والأحاديث في ذلك كثيره مضانها في كتب الترغيب والترهيب / والآداب الشرعيه.
- البخاري في الأدب المفرد ذكر أحاديث كثيره في فضل العياده.
- الأصل في المرض انها مكفره للخطايا لحديث ((من يرد الله به خيرا يصب منه)) في الصحيح
- تكفير السيئات لا يحتاج للعمل بعكس الحسنات تحتاج لشرطي العمل (الإخلاص ,المتابعة).
- يحتاج المريض أن يصبر على ما أصابه حتى يتحقق له التكفير عن السيئات.
- الصبر منزله يليه الرضا يليه الشكر.
- أجمع الأطباء قديما وحديثا أن للنفس قوة تتقوى بها بحسب ما تسمع.
- على السائل إن أرد أن يسأل أن لا يصرح بإسم شيخ ما فيقول (قال الشيخ الفلاني كذا ... بل يقول ما رأيكم فيمن يقول ..
- الاعتبار في الضبط لكتاب الروض نسخة الشيخ ابن قاسم.
- نجاسة الخمر الذي يرجح عند الشيخ ذياب انها حكميه.
- العطور التي بها كحول جائزة سواء كانت حكمية أو عينية لأنها استحالت.
ـ[الطائفي ابو عمر]ــــــــ[06 - 11 - 09, 02:12 م]ـ
درس الشيخ أين ومتى
بارك الله فيك
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[07 - 11 - 09, 11:13 ص]ـ
أخي أبا عمر
الدرس كل يوم أحد بجامع ابن القيم بحي السحيلي بعد صلاة العشاء(118/85)
سؤال في قبول رواية الكتب
ـ[قيس الأثري]ــــــــ[26 - 10 - 09, 04:55 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الأحبة، أردت أن أستفسر عن راو يعرف ب"محمد بن إسحاق المقرئ" وهو منكر الحديث، لكن في تغليق التعليق كتب الحافظ ابن حجر العسقلاني أنه أخذ كتاب غريب الحديث للحربي من طريقه حيث قال في ج5ص463:
"36 غَرِيب الحَدِيث لإِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الْحَرْبِيّ وَله تَكْمِلَة
أَنبأَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَة بن الذَّهَبِيّ عَن يَحْيَى بن مُحَمَّد بن سعد عَن جَعْفَر بن عَلّي عَن أبي طَاهِر السلَفِي عَن يُونُس بن مُحَمَّد بن مغيث عَن جده مغيث بن يُونُس بن عبد الله الصفار عَن أَبِيه عَن يَعْقُوب بن الدخيل عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمُقْرِئ عَن مُصَنفه"
فأرجو إفادتي بسبب قبول الحافظ ابن حجر العسقلاني للكتاب من طريقه.
وجزاكم الله خيرا(118/86)
المسك أنواعه ومصادره واستعمالاته
ـ[أبو الحسن الأثري]ــــــــ[26 - 10 - 09, 06:43 ص]ـ
* يعتبر المسك ملك الأطياب والمسك كلمة عربية هي اسم لطيب من الأطياب القليلة التي مصادرها حيوانية, وقد ورد ذكر المسك في القرآن الكريم في وصف الأبرار إذ يقول عز وجل: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
* المسك في التاريخ:
- ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (أطيب الطيب المسك) وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، ويوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت، بطيب فيه مسك).
- والمسك ملك أنواع الطيب وأشرفها وأطيبها وهو الذي يضرب به المثل بين الأطياب جميعها لأنه يسر النفس ويقويها ويقوي الأعضاء, الباطنة جميعها شربا وشما والأعضاء الظاهرة إذا وضع عليها.
- والمسك الجيد كان يوضع في آنية خاصة به تسمى (النوافج) ومفردها نافجة مصنوعة من الذهب أو الفضة أو النحاس, ثم تملأ بمسحوق المسك وتوضع في ردهات قصور الخلفاء والأمراء فتعطرها بأريجها ورائحتها الذكية.
- ويتكون المسك في غدة كيسية يبلغ حجمها حجم البرتقالة في بطن نوع من الظباء يسمى غزال المسك وتوجد هذه الغدة بقرب الفتحة القلفية للذكر ولا يوجد المسك في الإناث وفي هذه الأكساي يفرز الغزال مسكه.
- يعرف غزال المسك علميا باسم Moschus moschi ferus وهو غزال طوله حوالي متر وارتفاعه من عند الأكتاف نصف المتر وشعره بني رمادي وطويل وخشن وسهل الكسر.
- وغزال المسك خواف, يسعى لطلب طعامه ليلا وهو سريع الهرب, لهذا يتعب الصيادون في اصطياده وعادة ينصبون له المصائد في الأماكن التي يعتقدون تواجده بها.
- وغزال المسك يسكن غابات الهملايا ويفضل أعاليها وتمتد مساكنه إلى التبت والى سيبيريا والشمال الغربي من الصين وأواسط آسيا عامة.
- تعتبر أنثى الغزال البري كنز في عالم العطور فهي المصدر الوحيدة للمسك الأسود حيث يقوم الصيادون المتخصصون بمراقبة أنثي الغزال لفترة طويلة حتى يتأكدوا من حالتها الصحية، وفي فصل مخصوص في السنة يقوم هؤلاء الصيادين باصطياد أنثى الغزال البري مستخرجين من صرتها المسك الأسود الذي يعتبر كتلة متجمدة من الدم.
* كيف يحصلون على المسك من غزال المسك deer musk؟
- يقوم الصيادون بقتل غزال المسك الذكر أولا ثم فصل هذا الكيس, أو الغدة, فصلا كاملا ثم تجفيفها في الشمس أو على الصخور أو تغطس في زيت ساخن جدا.
- ويمكن الحصول عليه دون صيد غزال المسك وقتله حيث يقوم الغزال عند نضج الكيس الذي يحتوي على المسك بحكه على صخور خشنة لأن الغزال يشعر بحكة شديدة في الكيس عند امتلائه فيقوم بحك الكيس على الصخور فينقشع الكيس بما فيه من مسك ويلصق بالصخور ويقوم خبراء المسك بجمعه من على الصخور ويسمى الكيس الجلدي بما فيه من مسك "فأرة المسك" ولون المسك داخل هذا الكيس أسود والذي قل أن يوجد في الوقت الحاضر وهو غال جدا وإذا وجد يقوم تجار العطور بإدخال بعض المواد عليه وخلطه بها.
- وأفضل أنواع المسك: هو الوارد من الصين أو التبت ويليه الوارد من أسام أو نيبال واقلها الوارد من سيبريا. والمسك الجيد مادة جافة, قاتمة اللون, أرجوانية, ملساء مرة المذاق.
* المحتويات الكيميائية للمسك:
- يحتوي المسك على حوالي 1.4% زيت طيار ذي لون أسود إلى بني والمركب الرئيسي الذي تعزى إليه الرائحة الجميلة والمنعشة المعروفة للمسك هو مسكون ( Muskone) كما يحتوي على هرمونات استيروليه أهمها مسكوبايريدين ( Muskcopyridine) وكذلك قلويدات وانزيمات.
* إيجابياته وسلبياته:
- المسك الطبيعي إذا أخذ بكميات قليلة لا تزيد على 100 مللتر فإن له تأثيرا منبهاً للجهاز العصبي مثله مثل الكافين الموجود في القهوة والشاي، ولكن زيادة الكمية لها تأثيرات عكسية حيث يسبب الهبوط العام والخمول، مع ملاحظة أن المسك الصناعي ليس له ذلك التأثير الإيجابي أو السلبي.
* استعمالات المسك:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/87)
- المسك ملك أنواع الأطياب وأشرفها وأطيبها وهو الذي تضرب به الأمثال ويشبه به غيره ولا يشبه بغيره, وهو كثبان الجنة يسر النفس ويقويها وعليه فانه يستخدم في تثبيت أغلى العطور ليبقى رائحتها فواحة سنين طويلة ولذلك يستخدم كمثبت للروائح أما فيما يتعلق باستعمالاته الدوائية فهي:
- يعتبر المسك مقويا للقلب نافعا للخفقان والأرياح الغليظة في الأمعاء وسمومها.
- يستعمل في الأدوية المقوية للعين ويجلو بياضها الرقيق وينشف رطوبتها ويزيل من الرياح.
- منشط للباءة وينفع من العلل الباردة في الرأس.
- ينفع إذا أستعط به الزكام.
- من أفضل الترياقات لنهش الأفاعي.
* هل هناك مصادر أخرى للمسك؟
- نعم هناك مصادر حيوانية أخرى للمسك وهي:
1 ـ ثور المسك Musk-ox:
- يعرف علميا باسم Ovibos moschatus يعيش في شمال كندا وقد نقل إلى منطقة الألاسكا وهو عبارة عن ثور قصير القامة ولكنه قوي عضليا يصل ارتفاعه إلى متر ونصف المتر تقريبا, ووزنه حوالي 400 كيلوجرام.
- له رأس كبير مدلى إلى الأسفل وله قرنان منحنيان إلى الداخل ويحمي ثور المسك شعر كثيف يغطي جميع أجزاء جسمه إلى الأرض وذلك لحمايته من البرودة الشديدة ولون شعره بني إلى البني المسود له رائحة المسك, ولا يوجد في ثيران المسك غدد أو أكياس كما هو في غزلان المسك وإنما يوجد المسك في دم الثيران ذكورا وإناثا.
2 ـ مسك السلحفاة Musk turtle:
- يوجد حوالي ثلاثة إلى أربعة أنواع من السلاحف الحاملة للمسك والتي تعيش في جنوب اونتاريو بكندا ويمتد وجودها إلى السواحل الأمريكية. توجد غدة أو غدد في الجزء الأسفل من جسم السلحفاة قرب الذيل.
3 ـ قط الزباد Civet cat:
- وقط الزباد يتراوح طوله ما بين 41 ـ 81 سم وله ذيل طويل كث الشعر يصل طوله إلى 76 سم وله وجه يشبه وجه القط وهو صنفان أفريقي وآسيوي.
- ويتميز عن القط بان له جسما أطول وكذلك وجها أطول وأرجلا اقصر وبكل رجل خمسة أصابع بها خمسة مخالب يمكن طيها والفرو طويل وخشن رمادي اللون به نقط أو خطوط سوداء, يتميز قط الزباد بنمو غدد عطرية في البطن وهي تنمو في الذكر والأنثى على السواء ويحصلون على الزباد من هذه الغدد بكشطه بملعقة من الغدد من الحيوانات الحية من حين لآخر وهي عملية غاية في القسوة والقط يحجز في أقفاص بعد صيده ويغذى باللحم النيئ ولكنه لا يستأنس أبدا ويقال أنهم يهيجون القط ليزيد من إنتاج الزباد وأكثر مصادر الزباد بلاد الحبشة وتشبه رائحة الزباد رائحة المسك تماما.
4 ـ فأر المسك Muskrat:
- ( فأرة المسك) ويعرف عالمياً باسم mosk in Pogs أو مستخلصاً على هيئة حبيبات ويعرف باسم ( mosk in grian) وتستخدم هذه الألفاظ الأجنبية لأنها ألفاظ التجارة العالمية.
- يعيش هذا الفأر في المستنقعات وفي المياه الراكدة وينتشر في أمريكا الشمالية وهو يتغذى على أي نبات ينبت بالماء ويأكل الحيوانات اللينة من حيوانات الماء له فروة بنية اللون تميل إلى الحمرة وهو دافئ ولا يتبلل بالماء, طول جسم الفأر قدم واحد وطول ذيله عشر بوصات وهو ذيل عجيب فهو ليس ذا شعر وإنما ذو قشور وهو مفلطح وهو بسبب ذلك يعمل في الماء كمجداف.
- توجد غدتان تحت الذيل تفرزان ما يعطي رائحة المسك ويعتبر فرو هذا الفأر من أغلى الفراء العالمية.
5 ـ المسك الكيميائي المشيد:
- لقد شيد العالم ( Baur) المسك في عام 1880م وله رائحة المسك إلا انه يختلف عن المسك الطبيعي في الصيغة الكميائية , ويستخدم هذا المسك الكيميائي على نطاق واسع في تحضير العطور كما يوجد عدة أنواع من المسك المشيد والتي لها خاصية رائحة المسك وتشمل هذه الأنواع Musk xylol, Ketone musk, Musk ambrette.
- ولون المسك المشيد أبيض على هيئة بللورات وهو رخيص الثمن حيث لا يقارن على الإطلاق بقيمة المسك الطبيعي.
6 ـ النبات المسكي:
- يوجد مسك مكسيكي له رائحة المسك تماماً يعرف علمياً باسم Mimulus Cardinilis وهو نبات له أزهار برتقالية جذابة بها بقع حمراء. ويسمى بالمسك الأمريكي.
http://www.lovely0smile.com/Msg-3605.html
* المسك عند ابن سينا:
- الماهية: المسك سرّة دابة كالظبي أو هو بعينه ونابان أبيضان معقفان إلى الأنسي كقرنين.
- الاختيار: أجوده بسبب معدنه التبتي وقيل بل الصيني ثم الجرجيري ثم الهندي البحري ومن جهة الرعي ثم قرون ما يرعى البهمنين والسنبل ثم المر.
- وأجوده من جهة لونه ورائحته الفقاحي الأصفر.
- الطبع: حار يابس في الثانية ويبسه عند بعضهم أرجح.
- الأفعال والخواص: لطيف مقو.
- الزينة: يبخر إذا وقع في الطبيخ.
- أعضاء الرأس: إذا أسعط بالمسك مع زعفران وقليل كافور نفع الصداع البارد ووحده أيضاً لما فيه من التحلل والقوة وهو مقو للدماغ المعتدل.
- أعضاء النفس والصدر: يقوّي القلب ويفرح وينفع من الخفقان والتوحش.
* كيس المسك:
http://www.lovely0smile.com/Msg-3605.html
صور: المسك ومصادره وأفضل أنواعه واستعمالاته
http://www.lovely0smile.com/Msg-3605.html
صور: المسك ومصادره وأفضل أنواعه واستعمالاته
http://www.lovely0smile.com/Msg-3605.html
صور: المسك ومصادره وأفضل أنواعه واستعمالاته
http://http://www.lovely0smile.com/Msg-3605.html
منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/88)
ـ[أبو عمر الرضواني]ــــــــ[26 - 10 - 09, 07:17 ص]ـ
جزاك العليم الخبير (سبحانه) كل خير، وبارك لك في وقتك.
ـ[بهاء الدين السماحي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 09:28 م]ـ
جزاك الله خيرا وطيبك من الجنة
ـ[أحمد سعد سامي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 10:37 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي الاضل ونفع بك
ـ[ابو اسحاق فيصل الاحمداني]ــــــــ[26 - 10 - 09, 11:11 م]ـ
جزاك الله خيرا ونفع بك(118/89)
النبي صلى الله عليه وسلم في سطور لمن يسمع للنصارى
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[26 - 10 - 09, 11:55 ص]ـ
المبحث الرابع
الرسول ? في سطور
مستخرج من كتاب الكذاب اللئيم زكريا بطرس.
http://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=4911
* لم تعرف العرب المُلك إلا على أطراف الجزيرة العربية، في اليمن وفي العراق وفي الشام, ولم يكن مُلكًا مستقلاًّ, بل كان تابعًا للدول العظمى يومها، العراق واليمن للفرس والشام للروم, وباقي الجزيرة العربية قبائل تتعامل بالأعراف السائدة بينها، وتتقاتل فيما بينها.
* ولم يكن هناك مَلِك متوج في قريش ولا في غيرها من القبائل التي تسكن الحجاز ونَجَدٍ وما ويلي الحجاز من السروات وأطراف اليمن، وإنما يسود بعض الناس تبعًا للأعراف السائدة بينهم، وكانت لقريش نوع من المكانة الروحية عند العرب؛ كونهم يشرفون على بيت الله الحرام في مكة المكرمة.
* وكانت العرب في مجموعها على الوثنية، تعبد الأصنام وتقيم بيوتًا كالكعبة في أكثر من مكان تعظمها بشد الرحال إليها والطواف حولها والذبح عندها, وغير ذلك مما كانوا يتنسكون به لآلهتهم. وكانت الأصنام والبيوت المعظمة في أرجاء الجزيرة العربية بل وفي كل البيوت تقريبًا.
* وكان للنصرانية الموافقة للمذهب الأرثوذكسي ([1] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftn1)) وجود في داخل الجزيرة العربية، في نجران تحديدًا، وعلى أطراف الجزيرة العربية في العراق والشام، إلا أنها لم يكن لها وجود يذكر في الحجاز ـ حيث كان سيد الأولين والآخرين وخير خلق الله أجمعين ـ ولا نجد ولا ما جاورهما.
* وكان نفر قليل من العرب يعدون على أصابع اليد الواحدة قد تركوا عبادة الأصنام وعبدوا الله على ملة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وهم من يسمون الحنفاء، ولم يكن لهم أي أثر في حياة الناس, ولم يسجل التاريخ غير أسمائهم وقليلاً جدًّا من أحوالهم.
* وكانت يهود كلها بين ظهراني العرب في المدينة المنورة (يثرب يومها) وحولها في خيبر ووادي القرى وفَدَك، وفي اليمن، ولم تكن يهود تمارس دعوة بين العرب ولا بين غيرهم؛ وذلك لأن الدين عند يهود مرتبط بالجنس، ووعد الله عندهم خاص بهم هم لا بغيرهم كما يزعمون, على أنه تهود بعض العرب من الأوس والخزرج بعامل الاختلاط بين العرب واليهود في (يثرب)، وكانوا قلة، وكانوا معروفين بأنسابهم، وفصل في حال النصرانية واليهودية في الجزيرة العربية صاحب كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، على انه اعتمد على الصحيح والفاسد.
* وكانوا ينتظرون نبيًّا يخرج من بين أظهرهم، يقولون: إنه منهم، يقاتلون به من حولهم من الناس، وهذا قول الله تعالى: ژ ? ? ? ? ? پ پ پ پ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ٹٹ ٹ ٹ ? ? ? ژ [البقرة: 89].
* ولم يظهر في العرب .. كل العرب نصارى ويهود وعبَّاد الأصنام والأوثان أحد ادعى النبوة قبل رسول الله ?، ولا طيلة حياته ?, وإنما في آخر أيامه ?، ظهر عدد من الرجال في أحياء من العرب ادّعوا النبوة؛ في اليمن ونجد؛ ولم نقرأ لهم كتابًا، ولا عرفت لهم شرائع، ولم يتبعهم غير قومهم، واتبعوهم حميةً على عادة أهل الجاهلية في التعصب لكبرائهم، وكانوا يقولون (كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر) [2] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20%
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/90)
D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftn2)، وقُتِل هؤلاء الأدعياء بعد أشهر من دعوتهم .. لم يتبعهم غير قومهم، ولم تتحرك دعوتهم خارج أرضهم، وهذه من الأمارات الدالة على نبوة النبي محمد ? بشهادة كتاب النصارى؛ إذ إن الأدعياء الكذبة يموتون قتلاً ولا يكتب لهم نصر في هذه الحياة كما يقول كتاب النصارى.
* قريش ـ وهي قبيلة النبي ? ـ كانت أشرف العرب نسبًا وأفضلهم فيما بينهم حسباً [3] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftn3)، وبنو هاشم هم أفضل قريش، وفي الحديث: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ, وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ, وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ, وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ» ([4] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftn4)). وكانت لهم منزلة روحية عند العرب، فهم سدنة البيت الحرام في مكة المكرمة , وهم القائمون على أمر الحجيج سقاية ورفادة، وكانت قريش كلها ـ بنو هاشم وغيرهم ـ وثنيين مشركين, يعبدون الأصنام, ويستقسمون بالأزلام, ويدَّعون أن ذلك هو الحنيفية التي كان عليها إبراهيم عليه السلام [5] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftn5).
* ورسول الله ? ولد يتيمًا، ربّاه جده عبد المطلب حتى بلغ الثامنة من عمره، ثم رباه عمه أبو طالب بعد وفاة جده عبد المطلب, وكان أبو طالب فقيرًا ذا عيال, فتربى رسول الله ? تربية خشنة بعض الشيء.
* والملاحظ أن النبي ? لم يتعامل مع أحدٍ ولم يصاحب أحدًا من غير قريش ـ أهل مكة تحديدًا ـ لذلك حين كذّبوه واتهموه بالسحر والجنون وغير ذلك احتج عليهم القرآن بأنه صاحبهم, الذي لازمهم أربعين سنة وعرفوه معرفة الصاحب لصاحبه والصديق لصديقه، فهو بين أظهرهم لم يخرج من بينهم ولم يجلس لغيرهم أربعين سنة, وتدبّر: ژ ہ ھ ھ ھ ژ [التكوير: 22]، ژ ? پ پ پ پ ? ژ [النجم: 2] , ژ ? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ [سبأ: 46].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/91)
* واشتهر رسول الله ? بينهم بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق؛ حتى لقبوه بالصادق الأمين ?؛ ولذا حين جهر بالدعوة استدل بحاله على صدق مقاله ?: «يَا بَنِي فُلَانٍ .. يَا بَنِي فُلَانٍ .. يَا بَنِي فُلَانٍ .. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ .. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .. » , فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ, فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟!» , قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا, قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» , قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ, أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا؟! ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ ژ ژ ژ ڑ ڑ ژ ([6] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftn6)).
وفي التنزيل: ژ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ?? ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک ژ [يونس: 16].
* لم يكن رسول الله ? معروفًا بكتابة ولا بقراءة ولا بقولِ الشعر، ولا بالجلوس لمن يقرأ أو يكتب, ولم تكن العرب تهتم بغير الشعر، لم يكن عندهم علم بخبر الأولين من الوثنيين أو المغضوب عليهم أو الضالين، كانت أمّةً أمِّيةً لم يبعث فيها نبي من قبل؛ قال تعالى: ژ ? ? ?? ? ? ? ? ? ? ٹ ٹ ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ژ [السجدة: 3] , وقال تعالى: ژ ? ? ? ? ? ? ? چ چ چ چ ? ? ? ? ? ? ? ? ? ? ژ.
* أول من آمن بالنبي ? هم أهل بيته، زوجته، وأبناؤه وخدمه، ثم صاحبه أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ، أي أن الدائرة القريبة من النبي ?هي أول من آمن به، وهذه من أمارات صدقه ?؛ إذ أن أعرف الناس بالرجل أهل بيته، فلولا أنهم يعرفون منه الصدق ما صدقوه.
* كذبت قريشٌ كلها إلا نفرًا يسيرًا كانوا من بطون قريش كلها، بني زهرة، وتيم، وعبد الدار، وأمية، ومخزوم، وفردين من بني هاشم ... صبيين صغيرين ... علي بن أبي طالب الذي كان في بيت النبي ? وأخيه جعفر بن أبي طالب، وكذا نفر من الموالي (العبيد) في مكة، وأول من كذَّب النبي ? وردَّ عليه هو عمه ـ أخو أبيه ـ أبو لهب، ونزل القرآن يهدده: ژ ژ ژ ڑ ڑ ک ک ک ک گ گ گ گ ? ? ? ? ? ? ? ? ں ں ? ? ? ? ژ [المسد: 1ـ5].
كفرت قريش وكذبت، وعاندت واستكبرت. أبت إلا الكفر بربها ورسول ربها، وقفت بكل طريق تُوعد وتصد عن سبيل الله، ثلاثة عشر عامًا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعوهم إلى الله، وما استجاب له إلا نفر قليل جدًّا، لا يتجاوزون المائة, ثم أمر الله سبحانه وتعالى رسوله ? بالهجرة إلى المدينة المنورة، إلى قبيلتين غير قريش هما (الأوس) و (الخزرج) , ودخل الإسلام المدينة بالدعوة لا بالقتال.
وفي المدينة وحولها كان اليهود، ومن أول يوم لم يرحبوا بالنبي ?, وكشروا عن أنيابهم وغدروا كعادتهم، وراحوا يكذبون هنا وهناك، ويتحالفون مع عباد الأصنام على رسول الله ? ويقولون لهم: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً؛ اليهود يقولون هذا وهم يعلمون أنه رسول من عند الله ?, وهددوا بالسيف والقتال وتعدوا على الحرمات في أسواقهم، فقاتلهم رسول صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من ربه حتى أخرجهم، وأراح الناس من شرورهم.
فلم يجلس لهم، ولم يتعلم مما في أيديهم من كتاب، بل أرادوا به ما أرادوه بالمسيح ـ عليه السلام ـ وغيره من أنبياء الله ـ ولكنه الإسلام, كتب الله فيه الغلبة لأوليائه على أعدائه!!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/92)
ثم أمر الله رسوله ? بالجهاد وإزالة العقبات في طريق الدعوة إلى الله؛ فأرسل السرايا في الحجاز ونجد والعراق والشام حتى مكن الله لدينه ودخل الناس في دين الله أفواجًا, فلم يبدأ بالقتال، ولم يأمر أصحابه وأتباعه ? أن يبدءوا بالقتال، وإنما بالدعوة إلى الله بالتي هي أحسن, فإن أسلموا وإلا فالقتال حتى تكون كلمة الله هي العليا، ولم يقاتل قريشًا وحدها، ولم يقاتل الناس من أجل أموالهم ولا نسائهم ولا أرضهم, بل من أجل أن يسلموا لله رب العالمين، ويستجيبوا لنداء الفطرة ويتركوا العناد والاستكبار، قاتلهم بعد أن وعظهم وبيّن لهم، وجعل لمن أسلم ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، يعصم ماله ودمه وعرضه، ويرد له ما أخذ منه.
كانت قضيته هي هداية الناس لدين الله، لا أخذ أموالهم ونسائهم، وهذا بين جدًّا من سياق وتفاصيل غزواته ?؛ فقد كان القتال مؤقتاً لهدف محدد، وهو إزالة العقبات من طريق الدعوة، وقبل القتال وبعد القتال دعوة بالتي هي أحسن، (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، بل وتفاصيل القتال كلها تشهد على أنها كانت دعوة ولم تكن أبداً حرباً للإبادة أو الاستيلاء على الأموال؛ ردَّ السبايا على هوازن حين أسلموا، وأطلق سبايا بني المصطلق حين أسلموا، وعفا عن أسارى طيء حين بدا له منهم الميل للإسلام فقط، وأطلق سراح ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة بلا مالٍ ولا عوض وكان ثمامة غنياً يعرض المال على النبي ?، وتأتي تفاصيل أكثر إن شاء الله.
* وكان النبي ? يسكن في غرفات من طين يطال سقفها الرجل بيده, وينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه الشريف ?، وكان يربط على بطنه الحجر والحجرين من شدة الجوع، ويمر الهلال والهلالان ولا يوقد في بيت رسول الله ? نار، شهر وشهران ولا يطهى في بيت رسول الله? طعام، كانت هذه حاله على الدوام، منذ بعث حتى توفاه الله، فلو كان ملكًا لجمع الأموال وبنى القصور واتخذ الجواري والإماء, ولقضى ليله مع النساء.
وبيتٌ من طين، وغرفةٌ لا يجد الساجدُ فيها مكانًا لسجوده، كأنها متران في متر ونصف، لا تظهر فيها الأنوثة، ولا يسكن فيها من يشتهي النساء.
وكانت غرفات النبي ? التي يسكن فيها مليئة بالأطفال من أبناء نسائه من غيره ? وبأحفاده، وبيت من طين، مجاور للمسجد، يسمع من بالمسجد صوت من يتكلم فيه إن أنصت، مليء بالأطفال ليس بيتًا للخلوة والمتعة بالنساء.
* ولو كانت الدعوة قرشية لما قاتلته قريش وقاتلها، ولما أخرجته من بين أظهرها وخرج من مكة وتركها، ولو كانت الدعوة عربية تريد ملكًا للعرب كما يدعي الكذّاب اللئيم زكريا بطرس لما قاتلته العرب كلها وبذلت أموالها وأبناءها في وجه النبي ?.
هذا هو نبينا محمد ?, وهذه بعض أوصافه وأحواله، وليست كما زعم الكذّاب اللئيم زكريا بطرس.
لا تَعجَبَنْ لِحَسُودٍ راحَ يُنكِرُهَا
قد تُنكِرُ العينُ ضوءَ الشمسِ مِن رَمَدٍ
تجاهُلاً وَهْوَ عينُ الحاذِقِ الفَهِمِ
ويُنكِرُ الفَمُ طعمَ الماءِ مِن سقَمِ
* * *
[/ URL] ([1]) معروف ما كان بين نصارى نجران وقيصر الروم من نصرة، وشيء من هذا في قصة وفد نجران الذي جاء النبي ? في العام التاسع من الهجرة. أقول هذا لأن الكذاب اللئيم زكريا
بطرس يقول: إن النصرانية التي كانت في الجزيرة العربية كانت نوعًا من الهرطقات التي وقفت لها الكنيسة وقضت عليها، وهي إحدى كذباته، فقد كانت بنتًا للنصرانية الحاكمة= =على النصارى يومها في القسطنطينية؛ ومشهور أن عثمان بن الحويرث الذي يقول عنه بطرس: إنه بطريرك مكة كانت له علاقة حميمة بملك الروم الأرثوذكس يومها. فلم تكن النصرانية في الجزيرة العربية هرطقة تم القضاء عليها كما يدعي بطرس، وإنما كانت تابعة للنصرانية الأم .. الحاكمة في أسيا الصغرى وأوروبا يومها.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/93)
[2] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftnref1) الكامل في التاريخ 1/ 373، وربيعة حي من أحياء العرب منهم مسيلمة الكذاب، ومضر حي من أحياء العرب منهم النبي صلى الله عليه وسلم.
[3] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftnref3) الحسب غير النسب، الحسب هو المحامد الموروثة عن الآباء، أو الصفات الحميدة في الآباء، ويرتفع النسب بالحسب، وبطرس يخلط بين الحسب والنسب تدليساً على المستمعين.
([4]) صحيح مسلم، حديث (4221).
[5] ( file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftnref4) من شاء المزيد من هذا فليرجع إلى المفصل في تاريخ العرب لجواد علي
[ URL="file:///D:/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF%20%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%8 4/%D8%B1%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A7%D8%A 8%20%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A6%D9%8A%D9%85%20%D8%B9% D9%86%20%D8%AC%D9%86%D8%A7%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D9 %86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D 9%85/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%20%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D8%A 8%D8%B9%20%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%20% D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%20%20 %D8%A5%D9%86%20%D8%B4%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D 9%84%D9%87/word/9.doc#_ftnref6"] ([6]) صحيح مسلم (2664).(118/94)
ذكاء الامام سحنون من يستطيع أن يستخرجه من هذه الفتوى؟؟؟؟
ـ[أمين بن أبي القاسم البوجليلي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 02:45 م]ـ
جاء رجل لسحنون، فقال: توضأت للصبح وصليت به الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، ثم أحدثت، وتوضأت، فصليت العشاء، ثم تذكرت أني نسيت مسح رأسي من أحد الوضوءين لا أدري أيهما هو، فقال سحنون: امسح برأسك، وأعد الصلوات الخمس، فذهب، فأعاد الصلوات الخمس، ونسي مسح رأسه، فجاء إليه، فقال: أعدت الصلوات، ونسيت مسح رأسي، فقال له: امسح برأسك، وأعد العشاء وحدها، ففرق سحنون بين الجوابين مع أن السائل نسي في الحالتين.
ما وجه الفقه من هذه المسألة؟؟؟
أريد أن تستعملوا أذهانكم فلا تستعينوا بالكتب.
و أنا أنتظر الإجابة.
ـ[أمين بن أبي القاسم البوجليلي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 02:41 م]ـ
أين إجابات الإخوة؟؟؟
ـ[محمد بن عمران]ــــــــ[28 - 10 - 09, 02:02 م]ـ
أظن والله أعلم، وسوف أبحث بعد كتابة هذه الأسطر:
السر والله أعلم أن الإمام سحنون المالكى قال له فى الأخيرة امسح برأسك، أى ما برأسك من جنون أو بلاء.
لأنه فى الغالب غير متوقع من عاقل أن ينسى مسح رأسه أكثر من مرة مع أنه يشتكى وكذلك ينسى فى أىّ الوضوئين نسىّ مسح رأسه، فكان الغالب أن القلم عنه مرفوع.
فأمره الإمام بمحاولة مسح ما برأسه من جنون أو ابتلاء ثم إدراك فريضة الوقت الحاضر (العشاء).
والله أعلم.
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[28 - 10 - 09, 07:46 م]ـ
لا .. الجواب ليس كما قال الاخ ابن عمران ولكنه جواب فقهي دقيق نقله بعض ائمتنا في مصنفاتهم
فتابعوا الموضوع كي تستفيدوا فالجواب حقا جواب إمام فقيه ألمعي
ـ[الليث السكندري]ــــــــ[28 - 10 - 09, 10:35 م]ـ
لأنه في الحالة الثانية:
ان كان قد نسى مسح رأسه في الوضوء الأول فالوضوء الثاني صحيح و قد صلى به الرجل جميع الصلوات.
و إن كان قد نسي المسح في الوضوء الثاني فقد صحت الأربع صلوات الأول وبقيت العشاء.
فعلى هذا يكون قد حصل اليقين بأدائه للأربع ووقع الشك في العشاء فقط فوجبت اعادتها
ـ[عبد الحكيم بن عبد القادر]ــــــــ[28 - 10 - 09, 10:39 م]ـ
تنظر الاجابة في الفروق أو الذخيرة للقرافي
ـ[محمد عبدالكبير]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:25 ص]ـ
لأنه في الحالة الثانية:
ان كان قد نسى مسح رأسه في الوضوء الأول فالوضوء الثاني صحيح و قد صلى به الرجل جميع الصلوات.
و إن كان قد نسي المسح في الوضوء الثاني فقد صحت الأربع صلوات الأول وبقيت العشاء.
فعلى هذا يكون قد حصل اليقين بأدائه للأربع ووقع الشك في العشاء فقط فوجبت اعادتها
أتفق مع الأخ السكندري ..
ـ[أمين بن أبي القاسم البوجليلي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 07:00 م]ـ
ووجه الفقه في المسألة: أنه أمره أولا بإعادة الصلوات كلها لتطرق الشك للجميع، والذمة معمرة بالصلوات حتى يتحقق المبرئ، فلما أعادها بوضوء العشاء صارت الصلوات الأربع كل واحدة منها قد صليت بوضوءين: الوضوء الأول والثاني، وأما العشاء، فصليت بوضوئها أولا، وأعيدت بوضوئها أيضا، فلم يوجد فيها إلا وضوء واحد، فجاز أن يكون هو الذي نسي منه مسح الرأس، فلم تتحقق براءة الذمة منها، فتجب إعادتها، وأحد الوضوءين في الصلوات الأول صحيح جزما بأنه ما نسي المسح إلا من أحدهما.
وإذا وقعت بوضوءين: صحيح، وفاسد صحت بالوضوء الصحيح، فلا تعاد، ولا فرق في هذه المسألة بين أن تكون الصلوات الأول كل واحدة بوضوء، أو كلها بوضوء، وهذا فرع لا يكاد تختلف العلماء فيه.
وبارك الله فيك أخي الليث السكندري ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/member.php?u=15464) (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/member.php?u=15464) و أخي محمد عبدالكبير ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/member.php?u=47147)
وبارك الله في الإخوة
ـ[أمين بن أبي القاسم البوجليلي]ــــــــ[04 - 10 - 10, 05:30 م]ـ
فتابعوا الموضوع كي تستفيدوا فالجواب حقا جواب إمام فقيه ألمعي
صدقت بارك الله فيك.
ـ[أيمن صارم]ــــــــ[04 - 10 - 10, 05:45 م]ـ
بارك الله فيكم
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[04 - 10 - 10, 05:56 م]ـ
فكرتُ مليا ً، فخرجت بنتيجة الليث.
ـ[أمين بن أبي القاسم البوجليلي]ــــــــ[04 - 10 - 10, 05:59 م]ـ
فكرتُ مليا ً، فخرجت بنتيجة الليث.
ممتاز، زادك الله ذكاء ...(118/95)
عبادات تجتمع في قلب الموحد أثناء الذبح للعلامة صالح آل الشيخ
ـ[عبد المنعم السلفي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 04:28 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من شرح ثلاثة الأصول
للعلامة الشيخ صالح آل الشيخ
الذبح كما أنه عمل ظاهر وهو إراقة الدم، والدم الذي بَثَّهُ في أعضاء المذبوح هو الله جل وعلا، وهو علامة الحياة، فلا يُزهق إلا لمن خلَقه، ولمن بثه في أعضاء من به الحياة.
ولهذا قال العلماء إن العبد حال الذبح يجتمع في قلبه أنواع من العبوديات:
ï منها الذل لربه جل وعلا.
ï ومنها التعظيم له جل وعلا.
ï ومنها الرجاء؛ رجاء ما عنده حال ذبحه.
ï ومنها طلب البركة؛ لأنه ما ذبح إلا لله.
وهذه كلها عبادات قلبية، فكما أن الذبح عمل ظاهر؛ به تحريك اليد، تحريك اللسان ببعض القول، كذلك يقوم بالقلب حال الذبح أنواع من العبوديات، قد ما يقوم بالقلب شيء البتة، مثل ما يُذبح لضيافة أو نحو ذلك، فهذا يجب أن يكون ظاهرا لله جل وعلا وحده، وإذا اجتمع أن يكون في الذبيحة، أن تكون اجتمعت فيها العبادة الظاهرة والعبادة الباطنة؛ العبادة القلبية، كانت أكمل في رجاء ثواب الذبح، ولو كان في الأمور العادية من ضيافة ونحوها، فيكون الذبح لله جل وعلا ظاهرا لم يُرد بهذا إلا الله جل وعلا، وباسمه لم يذكر إلا اسم الله جل وعلا، ثم يكون بالقلب ذل لله جل وعلا وخضوع وتعظيم ورجاء المثوبة منه وحده، فتجتمع العبادات القلبية وعبادات الجوارح حال الذبح.
لهذا، الذبح من العبادات العظيمة، لكن قد يغفل الناس عن تعلق القلب وفعل الجوارح حين الذبح، وكيف تكون لله جل وعلا، ولهذا على طالب العلم أن يتعلم هذا إن لم يحسنه، يتعلم كيف يكون حال الذبح؛ حال ذبحه لذبيحته للأضحية وهي آكد وآكد وآكد، أو لغيرها، أن يكون موحدا تماما، يرجو في ذبحه أن يكون على غاية من العبودية في لسانه وقلبه وجوارحه؛ لأنه فيه حركة لسان للتسمية والتكبير، وفيه عمل القلب بأنواع من العبوديات ذكرت بعضها، وفيه أيضا حركة اليد، وهذا كله مما يجب أن يكون لله جل وعلا وحده.
قال (ومن السنة «لعن الله من ذبح لغير الله») وجه الاستدلال: أن من ذبح لغير الله لم يذبح لله، وإنما ذبح لغيره، أنه ملعون لعنه الله, وهذا الدعاء من النبي عليه الصلاة والسلام بقوله (لعن الله من ذبح لغير الله) يدل على أن الذبح لغير الله كبيرة من الكبائر، وإذا كانت كذلك فهي إذن يُبغضها الله جل وعلا، وإذا كان يُبغض الله جل وعلا الذبح لغيره، معنى ذلك أن الذبح له وحده محبوب له، في مقابلة، فيستقيم بذلك الاستدلال.
ـ[عبد المنعم السلفي]ــــــــ[04 - 11 - 09, 12:25 ص]ـ
للرفع رقع الله قدري(118/96)
هل الزيادة عن التأخير في دفع فاتورة الخدمة من الربا؟
ـ[عبد القادر المغربي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 04:39 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العددي من الخدمات، - كخدمة التزويد بالماء والكهرباء - تفرض عند التأخير في سداد الفاتورة زيادة جزافية،
ويبرر اصحاب الشركة الزيادة بكونها زجرية، لسد باب التهاون في الأداء
فهل هذه الزيادة ربوية؟
وهل الموافقة عليها في الشروط لا يجوز؟
وفقكم الله
ـ[أبو عامر الصقر]ــــــــ[26 - 10 - 09, 05:15 م]ـ
يمكن أن تكون ربا على الدين يفرض قسرا على الزبائن بدون رضاهم طبعا حبث لا يوجد من يدافع عنهم في هذه الظروف .............
ويمكن أن تكون عقوبة تفرضها الشركة عنوة:
وفي كلتا الحالتين الأمر غاية في الفحش من قبل الشركات والحكومات التي تجيز ذلك لهم!! حيث لا يجوز أخذ مال الملم قطعا إلا عن طيب خاطر منه ....
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) -النساء:29 -
وعن ابن عباس أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} خطب الناس يوم النحر فقال: (يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يومٌ حرامٌ قال فأي بلد هذا قالوا بلدٌ حرامٌ قال فأي شهر هذا قالوا شهرٌ حرامٌ قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال (اللهم هل بلغت) قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته (فليبلغ الغائب الشاهد لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)
متفق عليه أيضا من حديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنهم جميعا .....
ومن هنا يتبين لنا حرمة الضرائب والجمارك والرسوم وغيرها من المكوس التي تفرض على المسلم بغير وجه حق .........
فلا يجوز للشركة فرض هذا المال على أي حال -ويجوز لهم بدلا من ذلك وقف الخدمة حتى تدفع الفواتير ....
والله أعلم والله الموفق ...
ـ[أبو السها]ــــــــ[26 - 10 - 09, 11:00 م]ـ
زيادة في المبلغ عند تأخير السداد
السؤال:
سؤالي يتعلق بسداد فواتير الهاتف أو رسوم الجامعة. إذا أخرت دفع فاتورة الهاتف، يضاف إلى قيمتها نسبة محددة من مبلغ الفاتورة، و إذا أخرتها لشهرٍ آخر، ستضاف نفس النسبة مرة أخرى (مقارنةً بمبلغ الفاتورة الكلي). هل هذه المبالغ الإضافية ربا؟ و إن لم تكن كذلك، هل من الحرام دفع هذه المبالغ الإضافية؟
الجواب:
الحمد لله
نعم إن هذه الزيادة ربا ولا شكّ، وكلما أمهلوك في مدة التسديد زادوا عليك المبلغ فالواجب عليك الامتناع عن هذه المعاملة فإن أُرغمت عليها فادفع المبلغ الأصلي دون زيادة فإن أُجبرت على دفع الزيادة فادفعها مع التوبة إلى الله وعدم العودة إلى مثل هذه المعاملة.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد
http://www.islamqa.com/ar/ref/590/ الزيادة(118/97)
وهج المعرفة
ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[26 - 10 - 09, 06:05 م]ـ
سبحان من له المجد والثناء والحمد والبقاء ذو الجلال والاكرام.
وصلوات منك ربي ورحمة الى خير الخلق والمرسلين محمد وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
اللهم اني أسألك أن تعصمني من الزلل، وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل، وارزقني في أموري حسن العواقب.
من أسرار الله تعالى المودعة في عباده مضغة القلب
والقلب مضغة للتفقه (لهم قلوب لا يفقهون بها) الآية
ولكي يفقه القلب عليه النظر والتبصر، ولا تبصر بدون تعلم وعلم ومعرفة، فالقلب الأعمى لا يبصر حقائق الايمان ..
فقد تتعظ القلوب في مشهد عابر من مشاهد الحياة، أو تأمل عميق مع النفس، أو الاتعاظ من الحكم والتجارب البالغة الأثر في النفوس.
واذا تعلمت القلوب تفقهت ووعت وأدركت معدن كنهها الحقيقي وعلمت غاية غاياتها فارتقت الى مدارك أرقى.
وليس ذلك بالأمر السهل و الهين فالقلوب سميت قلوبا بتقلباتها الغامرة والمثيرة، ولا تترسخ فيها ادراكات المعرفة الا بالعلم والمجاهدة مع النفس.
والقلب لا ينال مطالبه الا بالتقوى والايمان وأن تعرف نفسك بالذل والعجز والقصور وافتقارك الشديد لمالك قلبك فتجعل همك واشتغالك به في خوف وحسرة ووجل حتى لا تفقده في لحظات الغفلة والنسيان لأن قلبك هو الصلة الموصولة مع ربك العزيز الشأن فمتى فقدت قلبك فقدت ربك ومن فقده فهو يعيش في غفلة مريبة.
فحضور القلب ضروري في العبادات حتى يتزكى العمل الخالص مع الله العليم بالسرائر.
قال اسحاق بن ابراهيم: لأن تردد قلبك الى الله تعالى ذرة خير لك من جميع ما طلعت الشمس.
فهذا القلب مضغة نورانية بحاجة الى من يحرك جنوده وملكاته و بواعثه لينهل من حقيقته ليسمو ويترقى الانسان بمداركه وبكيانه النفسي والروحي، وكلما ترسخت فيه حقائق الايمان العظيمة ناله شوق عظيم وتآلف وقرب وأنس ومحبة بنور التأييد.
وصفاء القلوب اذا صفت من أدناس الشهوات، وتطهرت من الغفلات، وتنقت من الكدورات، والقلوب السليمة هي التي سلمت من آفات النفس الذميمة.
قال الجنيد صفاء القلوب على حسب صفاء الذكر، وخلوصه من الشوائب.الكواكب الدرية
وبقدر اقبالك على الله يكون قرب القلب منه سبحانه لأنه مضطلع على القلوب في كل لحظة وحين فاشغل قلبك به وأنت تذكره وتستشعر عظمته وجلاله.
والعبد الموقن في مجاهداته يجب أن يعلم أن منتهى معرفته أنه بين يديه سبحانه فهو الذي يريك ويطلعك على آياته، قال الملائكة الكرام قوله تعالى في محكم كتابه: (وما منا الا له مقام معلوم) الصافات، 164، فاذا كان هذا شأن الملائكة الكرام في المقامات فما بالك بعباده المتقين وقوله تعالى: (أولئك المقربون) الواقعة، 11
فذكر سبحانه المقربون بعين الجمع فعلم أنه بتقريب ربهم، والقرب ليس قرب مسافة بل مقربة قلوبهم من بساط المعرفة، والمعرفة تتضمن الحقائق الايمانية ذكرا وحبا وخوفا ورجاءا، فالمحب لا تفتر محبته فهو دائم الشوق الى مولاه وتقوية المحبة تكون بالهمة فمن ملت همته ضعفت محبته، ولولا أن الله تعالى يبدأ العبد بالمحبة ويهديه لما أحبه لما وصل الى شيء، ولو سلك عبد من عباده طريقا يريد به وجه الله تعالى فتح الله له من أبواب الرحمة ما يخفى على البشر وقربه من بساط هذه المعرفة وعلمه ومكنه برحمته.
والطريق المفتوح هو ما جاء به الشرع عمقا وتفصيلا والتزود بخير الزاد والتخلق بمحامد الأخلاق.
فالمطلوب والمقصود والغاية هو الله سبحانه وتعالى، فليس من استأنس بالذكر كمن استأنس بالمذكور ولو عرف العبد ربه ما اشتغل بسواه، فمساكين هؤلاء المماليك نظروا بعيونهم الى الملكوت المخلوق ورضوا بالجنات المخلوقة فبقوا معها خالدين فيها، أما الملوك فلم يرضوا بها فنظروا بقلوبهم الى ملك الملوك فبقوا معه في مقعد صدق.
فالعبد عليه ألا ينسى الله ويستحضر عظمته وجلاله ويعلم أنه سبحانه مضطلع عليه في كل وقت وحين، فطرفة عين في غفلة عن الله لأهل المعرفة شرك.
ليس تخلو جوارحي منك وقتا
هي مشغولة بحمل هواك
وهذه المعرفة غاية العبد المؤمن وانتباهه لله دون نسيانه تبقي قلبه منشرحا وحيا يستضيء من نوره
وهنا عمق المعادلة الايمانية المعرفية للعبد في عبادة ربه، قال تعالى: (وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون) الذاريات، 56، وفي رواية لابن عباس (الا ليعرفون)، وقال عز من قائل: (وجعلنا له نورا يمشي به) الأنعام، 122.
جاء في الحديث النبوي: (وسعني قلب عبدي المؤمن) أي وسع معرفة دون احاطة
وكما قال ذو النون: (المعرفة اطلاع الخلق على الأسرار لمواصلة لطائف الأنوار).
ان الله تعالى هو الذي ينور قلوب عباده لعبادته ومعرفته برحمته وهذه المضغة النورانية الملكوتية يحملها كل فرد من عباده بين جوانبه في محل أرفع في العقل يتطهر من الأدناس ليبصر حقائق الايمان، فيعلم أن الغاية والمبتغى والمنتهى الله جل جلاله ولكل عبد من عباده حظ ونصيب ومقام قرب من هذه المعرفة التي لا رسم لها بل معرفة ملكوتية.
و من اشراقاتها أن عباد الله الصالحين قد يتوهموا أنهم يذكروا الله ويعرفوه ويحبوه ويطلبوه فعندما ينتهوا يروا أن ذكر الله لهم كان الأسبق ومعرفته ومحبته وطلب الله لهم الأقدم، فسبحان من جعل هذه المعرفة محققة وليست مكتسبة بل أكثر من ذلك كونها تمام وكمال ونور نستضيء به في حياتنا وسبحان من جعل الغاية من الخلق المعرفة.(118/98)
أسئلة هامة للعلماء فقط الرجاء الإجابة بالتفصيل
ـ[منذر ماجد ادريس]ــــــــ[26 - 10 - 09, 06:05 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
عندي أسئلة:
هل من حق الوالدين على بناتهم المتزوجات أن يقوموا بخدمتهم؟
وما مدى سلطة الزوج على زوجته فهل يحق له أن يمنعها أن تخدم والديها؟
وهل للزوج أن يجبر زوجته ان تخدم والديه؟
وهل تأثم من لم تخدم والديها بسبب انشغالها بابنائها؟
وجزاكم الله خيرا
ـ[محمود المدني]ــــــــ[27 - 10 - 09, 12:50 م]ـ
لا يوجد هنا علماء
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[27 - 10 - 09, 01:40 م]ـ
لا يوجد هنا علماء
أخي الفاضل، محمود المدني وفقه الله
لو قلت: ليس الملتقى مكان للفتوى لكان أليق وأنسب دون الحط من أقدار مشايخنا وأهل العلم في الملتقى وإن لم يزينوا أنفسهم بقلب شيخ أو عالم قبل أسمائهم. وما لم تعلمه قد يعلمه غيرك، بارك الله بك. والأخوة ينقلون عن العلماء أصلاً فلا أجد منهم من يذكر الرأي من رأسه إلا إن كانت المسألة محل مدارسة ومذاكرة.
أخي الفاضل منذر ماجد ادريس، وفقه الله
أظنك جانبت الصواب في صيغة سؤالك، فكان الأليق أن تقول:
ما قول أهل العلم في .....
نفع الله بكم والله الموفق
ـ[أبو فالح العتيبي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 03:08 م]ـ
نعم لا يوجد بالملتقى علماء
ويوجد به طلاب علم فضلاء
ويجب على الجميع احترام الألفاظ الشرعية وخاصة عبارة (العلماء) فإنه كلمة عظيمة أثنى الله عليها في القران بقوله " إنما يخشى الله من عباده العلماء "
وشكراً
ـ[منذر ماجد ادريس]ــــــــ[27 - 10 - 09, 09:00 م]ـ
اعتذر أيها الاخوة الكرام على صيغة السؤال
غفر الله لي ولكم
ولكن من يعلم الجواب فبارك الله فيه فليفصل لنا
وجزاكم الله خيرا
وأكرر اعتذاري فليس قصدي الحط من قدر أحد منكم فإني أقلكم قدرا وعلما
وربما لأهمية الأسئلة لدي اخترت هذا العنوان
والآن أصحح السؤال واقول: من كان عنده علم بالمسائل هذه فليتفضل علي بالجواب وجزاؤه عند الملك الوهاب
ـ[منذر ماجد ادريس]ــــــــ[27 - 10 - 09, 09:01 م]ـ
اعتذر أيها الاخوة الكرام على صيغة السؤال
غفر الله لي ولكم
ولكن من يعلم الجواب فبارك الله فيه فليفصل لنا
وجزاكم الله خيرا
وأكرر اعتذاري فليس قصدي الحط من قدر أحد منكم فإني أقلكم قدرا وعلما
وربما لأهمية الأسئلة لدي اخترت هذا العنوان
والآن أصحح السؤال واقول: من كان عنده علم بالمسائل هذه فليتفضل علي بالجواب وجزاؤه عند الملك الوهاب
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[28 - 10 - 09, 09:02 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
واختلف الفقهاء في زيارة الزوجة لوالديها خاصة، هل للزوج أن يمنعها من ذلك، وهل يلزمها طاعته.
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من ذلك.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه له أن يمنعها، ويلزمها طاعته، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما، فيمنعهما دفعا للضرر.
قال ابن نجيم (حنفي): " ولو كان أبوها زمِنا مثلا وهو يحتاج إلى خدمتها والزوج يمنعها من تعاهده، فعليها أن تعصيه مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير. وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم، فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/ 212).
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/ 549): " وفي العُتْبية: ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها، ويُقضى عليه بذلك، خلافا لابن حبيب. ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى.
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها. "الموسوعة الفقهية" (29/ 294).
وقال ابن حجر المكي (شافعي): " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ أو حمام خرجت بإذن زوجها غير متبرجة، في ملحفة وثياب بذلة، وتغض طرفها في مشيتها، ولا تنظر يمينا ولا شمالا، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/ 78).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/99)
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/ 239): " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها، والأولى خلافه " انتهى.
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة: " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/ 47).
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/ 362): " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها. بل طاعة زوجها أحق ".
المصدر: http://www.islamqa.com/ar/ref/83360
--------------------------------------------------------------------------------------------------
ينبغي على الزوج أن لا يمنعها من زيارة أهلها، بل يعينها على صلة الرحم، وهذا من حسن عشرتها.
فالأولى للزوج أن يسمح لزوجته من وقت لآخر بالزيارة، والتواصل بين زوجته وأهلها؛ لما في زيارة والديها من تطييبٍ لخاطرها، وإدخالٍ السرور عليها، وعلى أولادها، وهذا مطلب شرعي.
المصدر: http://islamqa.com/ar/ref/134033
--------------------------------------------------------------------------------------------------
لا يجب على المرأة خدمة أبوى زوجها وإخوانه، ولو طلب منها زوجها ذلك لا تلزمها طاعته لأن طاعته إنما تجب في النكاح وتوابعه، قال
ابن نجيم: لأن المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصاً إذا كان في أمره إضرار بها. أما إن فعلت ذلك مختارة فلا شك أن هذا أمر طيب خاصة أن فيه كسبا لود زوجها وتطييباً لخاطره، وبخصوص طلاق الزوج لها لمجرد أنها امتنعت من خدمة أبويه، فأدنى مراتب ذلك الكراهة لأن العلماء نصوا على أن الطلاق من غير موجب مكروه، ومنهم من قال بحرمته، قال ابن قدامة في المغني في معرض ذكره لأنواع الطلاق: ومكروه وهو طلاق من غير حاجة إليه، وقال القاضي فيه روايتان إحداهما أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة إليه فكان حراماً كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. والثانية مباح. انتهى.
المصدر: http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/ShowFatwa.php?Option=FatwaId&lang=A&Id=66237
---------------------------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: الواجب على المرأة أن تبر أباها وأمها وأن تصل إخوتها وعلى الزوج أن يعين امرأته على أداء واجباتها نحو أهلها، وله في ذلك الأجر العظيم. وفقك الله إلى كل خير.
المصدر: http://www.islamweb.net/ver2/fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=166&Option=FatwaId
--------------------------------------------------------------------------------------------------
ولله أعلم
ـ[منذر ماجد ادريس]ــــــــ[28 - 10 - 09, 08:27 م]ـ
بارك الله فيكم وسدد على الحق خطاكم(118/100)
كتب مهمة لطالب العلم الشرعي
ـ[أبو حجّاج]ــــــــ[26 - 10 - 09, 07:03 م]ـ
نريد نصيحة في الكتب التي يقتنيها طالب العلم الشرعي ويدرسها ويرجع إليها؟.
الحمد لله
أولاً: العقيدة:
1 - كتاب (ثلاثة الأصول).
2 - كتاب (القواعد الأربعة).
3 - كتاب (كشف الشبهات).
4 - كتاب (التوحيد).
وهذه الكتب الأربعة لشيخ الإسلام الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ.
5 - كتاب (العقيدة الواسطية) وتتضمن توحيد الأسماء والصفات , وهي من أحسن ما أُلف في هذا الباب وهي جدير بالقراءة والمراجعة.
6 - كتاب (الحموية).
7 - كتاب (التدمرية) وهما رسالتان أوسع من (الواسطية).
وهذه الكتب الثلاثة لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ.
8 - كتاب (العقيدة الطحاوية) للشيخ أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي.
9 - كتاب (شرح العقيدة الطحاوية) لأبي الحسن علي بن أبي العز.
10 - كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم ـ رحمه الله تعالى ـ.
11 - كتاب (الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية) لمحمد بن أحمد السفاريني الحنبلي , وفيها بعض الإطلاقات التي تخالف مذهب السلف كقوله:
وليس ربنا بجوهر ولا عرض ولا جسم تعالى في العلى
لذلك لا بد لطالب العلم أن يدرسها على شيخ مُلم بالعقيدة السلفية لكي يبين ما فيها من الإطلاقات المخالفة لعقيدة السلف الصالح.
ثانياً: الحديث:
1 - كتاب (فتح الباري شرح صحيح البخاري) لابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله تعالى ـ.
2 - كتاب (سبل السلام شرح بلوغ المرام) للصنعاني , وكتابه جامع بين الحديث والفقه.
3 - كتاب (نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار) للشوكاني.
4 - كتاب (عمدة الأحكام) للمقدسي , وهو كتاب مختصر , وأحاديثه كلها في الصحيحين أو في أحدهما فلا يحتاج إلى البحث عن صحتها.
5 - (كتاب الأربعين النووية) لأبي زكريا النووي - رحمه الله تعالى - وهذا كتاب طيب؛ لأن فيه آداباً , ومنهجاً جيداً , وقواعد مفيدة جداً مثل حديث (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) أخرجه الإمام أحمد (1 - 201) , والترمذي (2318) , وحسنه النووي في (رياض الصالحين) صلى الله عليه وسلم 73 , وصححه أحمد شاكر (المسند) (1737). فهذه قاعدة لو جعلتها هي الطريق الذي تمشي عليه لكانت كافية , وكذلك قاعدة في النطق حديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) أخرجه البخاري , كتاب الأدب , ومسلم , كتاب اللقطة , باب الضيافة.
6 - كتاب (بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر العسقلاني وهو كتاب نافع ومفيد , لا سيما وأنه يذكر الرواة , ويذكر من صحح الحديث ومن ضعفه , ويعلق على الأحاديث تصحيحاً أو تضعيفاً.
7 - كتاب (نخبة الفكر) للحافظ ابن حجر العسقلاني , وتعتبر جامعة , وطالب العلم إذا فهمها تماماً وأتقنها فهي تغني عن كتب كثيرة في المصطلح , ولابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ طريقة مفيدة في تأليفها وهي السبر والتقسيم , فطالب العلم إذا قرأها يجد نشاطاً لأنها مبنية على إثارة العقل وأقول: يَحْسُن على طالب العلم أن يحفظها لأنها خلاصة مفيدة في علم المصطلح.
8 - الكتب الستة (صحيح البخاري , ومسلم , والنسائي , وأبو داود , وابن ماجه , والترمذي) وأنصح طالب العم أن يكثر من القراءة فيها؛ لأن في ذلك فائدتين:
الأولى: الرجوع إلى الأصول.
الثانية: تكرار أسماء الرجال على ذهنه , فإذا تكررت أسماء الرجال لا يكاد يمر به رجل مثلاً من رجال البخاري في أي سند كان إلا عرف أنه من رجال البخاري فيستفيد هذه الفائدة الحديثية.
ثالثاً: كتب الفقه:
1 - كتاب (آداب المشي إلى الصلاة) لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ.
2 - كتاب (زاد المستقنع في اختصار المقنع) للحجاوي , وهذا من أحسن المتون في الفقه , وهو كتاب مبارك مختصر جامع , وقد أشار علينا شيخنا العلامة عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ بحفظه , مع أنه قد حفظ متن (دليل الطالب).
3 - كتاب (الروض المربع شرح زاد المستقنع) للشيخ منصور البهوتي.
4 - كتاب (عمدة الفقه) لابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ.
5 - كتاب (الأصول من علم الأصول) وهو كتاب مختصر يفتح الباب للطالب.
رابعاً: الفرائض:
1 - كتاب (متن الرحبية) للرحبي.
2 - كتاب (متن البرهانية) لمحمد البرهاني , وهو كتاب مختصر مفيد جامع لكل الفرائض , وأرى أن (البرهانية) أحسن من (الرحبية) لأن (البرهانية) أجمع من (الرحبية) من وجه , وأوسع معلومات من وجه آخر.
خامساً: التفسير:
1 - كتاب (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ وهو جيد بالنسبة للتفسير بالأثر ومفيد ومأمون , ولكنه قليل العرض لأوجه الإعراب والبلاغة.
2 - كتاب (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) للشيخ عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله تعالى ـ وهو كتاب جيد وسهل ومأمون وأنصح بالقراءة فيه.
3 - كتاب (مقدمة شيخ الإسلام في التفسير) وهي مقدمة مهمة وجيدة.
4 - كتاب (أضواء البيان) للعلامة محمد الشنقيطي ـ رحمه الله تعالى ـ وهو كتاب جامع بين الحديث والفقه والتفسير وأصول الفقه.
سادساً: كتب عامة في بعض الفنون:
1 - في النحو (متن الأجرومية) وهو كتاب مختصر مبسط.
2 - في النحو (ألفية ابن مالك) وهي خلاصة علم النحو.
3 - في السيرة وأحسن ما رأيت كتاب (زاد المعاد) لابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ وهو كتاب مفيد جداً يذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ثم يستنبط الأحكام الكثيرة.
4 - كتاب (روضة العقلاء) لابن حبان البُستي ـ رحمه الله تعالى ـ وهو كتاب مفيد على اختصاره , وجمع عدداً كبيراً من الفوائد ومآثر العلماء والمحدثين وغيرهم.
5 - كتاب (سير أعلام النبلاء) للذهبي وهذا الكتاب مفيد فائدة كبيرة ينبغي لطالب العلم أن يقرأ فيه ويراجع.
من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين , كتاب العلم الصفحة (92).
الإسلام سؤال وجواب
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/101)
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[26 - 10 - 09, 07:56 م]ـ
بارك الله فيك ..
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[26 - 10 - 09, 08:36 م]ـ
جزاك الله خير(118/102)
إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا!!!
ـ[ياسرالأفندي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 07:30 م]ـ
إذا رأيت الله يحبس عنك الدنيا ويكثر عليك الشدائد والبلوى ..
فاعلم أنك عزيز عنده .. وأنك عنده بمكان ..
وأنه يسلك بك طريق أوليائه وأصفيائه .. وأنه .... يراك ..
أما تسمع قوله تعالى .. ((واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)) ..
-----
-----
إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها .. لتفوز بالسباق ..
فلا تكن الخيل أفطن منك .. !
فإنما الأعمال بالخواتيم ..
-----
-----
قال أحد السلف:
(المخلص: الذي يستر طاعاته كما يستر عيوبه) ..
-----
جسمي على البرد لا يقوى .. ولا على شدة الحرارة ..
فكيف يقوى على حميم .. وقودها الناس والحجارة؟؟ ..
" الامام الشافعي " ..
-----
ما رأيك لو تفعل أحدها غدا ..
.. الدعاء في جوف الليل
.. هدية بسيطة لأحد الوالدين
.. صلة قريب لم تره منذ أشهر
.. التسامح مع انسان غاضب منك
.. نصيحة أخوية ودية لإنسان عاص
.. رسم بسمة على شفة يتيم
.. صدقة لا تخبر بها أحد
.. قراءة سورة البقرة
.. صلاة الضحى
-----
قال ابن تيميه:
" والاستغفار أكبر الحسنات وبابه واسع .. فمن أحس بتقصير في قوله أو عمله أو حاله أو
رزقه أو تقلب قلبه .. فعليه بالتوحيد والاستغفار .. ففيهما الشفاء إذا كان بصدق وإخلاص " ..
-----
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
" أفضل الدعاء .. اللهم إني أسألك الأنس بقربك "
يتحقق لمؤمن فيها أربع ..
1. عز من غير عشيرة 2. علم من غير طلب
2. غنى من غير مال 4. انس من غير جماعه
فاحرص على هذه الدعوة لك ..
-----
يقول الشيطان عجبا من بني آدم ..
يحبون الله ويعصوه .. ويكرهوني ولا يعصوني ....
فاسأل الله الكريم أن يجعلنا ممن نحبه ولا نعصيه ..
-----
الدنيا مسألة حسابية ..
خذ من اليوم عبرة .. ومن الغد خبرة ..
اطرح عليهم التعب والشقاء .. واجمع عليهم الحب والوفاء ..
" وتوكل على رب الأرض والسماء "
-----
قال أحد السلف ..
إن الله ضمن لك الرزق فلا تقلق .. ولم يضمن لك الجنة فلا تفتر ..
واعلم أن الناجين قلة .. وأن زيف الدنيا زائل .. وأن كل نعمة دون الجنة فانية ..
وكل بلاء دون النار عافية ..
فقف محاسبا لنفسك قبل فوات الأوان ..
-----
يقول أحد السلف ..
إذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب أعمالهم .. لم يروا ثوابا أفضل من ذكر الله تعالى ..
فيتحسر عند ذلك أقوام فيقولون: ماكان شيء أيسر علينا من الذكر ..
فاللهم ارزقنا ألسنة رطبة بذكرك وشكرك ..
آمين ..
-----
قل دائما ..
اللهم اشغلني بما خلقتني له ..
ولا تشغلني بما خلقته لي ..
-----
لما كبر خالد بن الوليد ..
أخذ المصحف .. وبكى وقال .. " شغلنا عنك الجهاد " ..
فكيف و نحن الآن .. مالذي شغلنا عنه ...
غير الدنيا وحطامها ..
فاللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته يارب ..
-----
تبسم ..
فإن هناك من ..
يحبك .. يعتني بك .. يحميك .. ينصرك .. يسمعك .. يراك ..
هو الرحمن ..
-----
تخيل ..
أنك واقف يوم القيامة وتتحاسب .. ولست ضامن .. دخول الجنة ..
وفجأة تأتيك جبال من الحسنات ....
هل تدري من أين؟
من الاستمرار بقول .. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم ..
ولتضاعف هذه الجبال فقط قم بإرسال هذه الرسالة لكل من تعرفه!
تخيل سهولة الحصول على جبال الحسنات هذه
!!
-----
" تبسم "
فإن .. الله ..
ما أشقاك إلا ليسعدك ..
وما أخذ منك إلا ليعطيك ..
وما أبكاك إلا ليضحكك ..
وما حرمك إلا ليتفضل عليك ..
وما ابتلاك .. إلا لأنه ..
" أحبك " ..
جعلك الرحمن ممن ينادى في الملأ .. أني أحب فلان فأحبوه
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[26 - 10 - 09, 07:52 م]ـ
أخي ياسر جزاك ربي خير الجزاء ..
استفدت منها ونقلتها .. استأذنك في ذلك .. غفر الله لك ..
ولكن موجود في المقالة أن ابن عثيمين أوصى بدعاء وهذه لاتصح عن الشيخ محمد رحمه الله ...
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[26 - 10 - 09, 08:37 م]ـ
جزاك الله خير
ـ[ياسرالأفندي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 09:06 م]ـ
حياكم الله .. أخي الكريم ... وجزاك الله خيرا على نقل المقالة ليعم الأجر والفائدة .. وجزيت خيرا على التنبيه المفيد ...
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[26 - 10 - 09, 11:26 م]ـ
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
" أفضل الدعاء .. اللهم إني أسألك الأنس بقربك "
يتحقق لمؤمن فيها أربع ..
1. عز من غير عشيرة 2. علم من غير طلب
2. غنى من غير مال 4. انس من غير جماعه
فاحرص على هذه الدعوة لك ..
جزاك الله خيرًا استفدت من موضوعك خاصة الفائدة التي قالها شيخ الإسلام ابن تيمية
وتفضل أخي الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين
اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
تنبيه مهم جداً
ورد إلينا عبر البريد الإلكتروني أنه نُسب إلى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله قوله:
أفضل الدعاء:
[اللهم إني أسألك الأنس بقربك]
يتحقق للمؤمن فيها أربع:
1 - عز من غير عشيرة.
2 - علم من غير طلب.
3 - غنى من غير مال.
4 - أنس من غير جماعة.
وهذه النسبة إلى الشيخ غير صحيحة إطلاقاً حيث كان فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى يتحرى أن يدعو بالدعاء الوارد ويختار الجوامع من الدعاء إتباعاً للسنة وكان من عباراته المشهورة قوله رحمه الله: (عليك بالدعاء الوارد ودع عنك الجمل الشوارد).
ولا شك أن هذا الدعاء المنقول غير وارد فلا تصح نسبته إلى الشيخ ولذا جرى التنبيه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ,,,
القسم العلمي
في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
http://www.ibnothaimeen.com/all/shaikh/article_18079.shtml
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/103)
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[26 - 10 - 09, 11:28 م]ـ
وهذا الرابط كاملا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=884267
---
منور أبى راكان - ابتسامة -
ـ[ربى الجزائرية]ــــــــ[22 - 11 - 09, 08:47 م]ـ
" تبسم "
فإن .. الله ..
ما أشقاك إلا ليسعدك ..
وما أخذ منك إلا ليعطيك ..
وما أبكاك إلا ليضحكك ..
وما حرمك إلا ليتفضل عليك ..
وما ابتلاك .. إلا لأنه ..
" أحبك " ..
جعلك الرحمن ممن ينادى في الملأ .. أني أحب فلان فأحبوه
ماشاء الله كلام رائع ... عسى أن يهدينا المولى سبحانه وتعالى الى طريق محبته ورضاه و الانس به وترك الدنيا الا ما اعان على الاخرة
ـ[حارث البديع]ــــــــ[22 - 11 - 09, 09:04 م]ـ
الله يبارك فيك
ـ[محمد الرشدان]ــــــــ[22 - 11 - 09, 09:22 م]ـ
جزاكم الله خيرا جميعا ونفع بكم(118/104)
أطايب الكلم لطالبي الهمم
ـ[أمين يوسف الأحمدي]ــــــــ[26 - 10 - 09, 08:05 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال محمد بن إبراهيم الوزير اليماني رحمه الله في كتابه النفيس العواصم والقواصم (1/ 255):
"إن الدواعي تحرك القوى، وإن القلوب ليست بسوا، إن الإبل إذا كلت قواها، ونفخت في بُراها، أطربها السائق بحداها فنفحت في سراها، فعللوها بحديث حاجر، ولتصنع الفلاة ما بدا لها، هذا وهي غليظة الطباع بهيمية، فكيف بأهل القلوب الروحانية، فإياك والاستبعاد لكل ما عز عليك، والاستنكار لما خرج من يديك، طالب المعالي لا يعنو كمدا ولا يهدأ أبدا، وكلما قيل له: قف تسترح جزتَ المدى قال وهل نلت المدى؟؟ ".(118/105)
معنى كلمة (عرب)
ـ[ملتقي أهل الأثر]ــــــــ[26 - 10 - 09, 08:18 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلاة وسلام على النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين .. وبعد
سؤال أتمنى أن أجد إجابته في منتدانا المبارك ملتقى أهل الحديث:
هل العرب هم ابتداء عرق أو أمة من الناس كما قال ابن منظور وغيره:
(لسان العرب)
عرب: العُرْبُ والعَرَبُ: جِيْلٌ من الناس معروف، خِلافُ العَجَم، وهما واحدٌ، مثل العُجْمِ والعَجَم، مؤنث، وتصغيره بغير هاء نادر. الجوهري: العُرَيْبُ تصغير العَرَبِ
أم هي راجعة إلى اللغة والفصاحة والإبانة كما قيل في مقاييس اللغة
(مقاييس اللغة)
العين والراء والباء أصول ثلاثة: أحدها الإبانة والإفصاح، والآخر النَّشاطُ وطيبُ النَّفس، والثالث فسادٌ في جسمٍ أو عضو. فالأوّل قولهم: أعرب الرّجُل عن نفسه، إذا بيَّنَ وأوضح. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الثَّيِّبُ يعرب عنها لسانُها، والبِكر تُسْتَأْمَر فينفسها".
وجاء في الحديث: "يستحبُّ حين يعرب الصبيُّ أن يقول لا إله إلا الله. سبْعَ مرات"، أي حين يُبِين عن نفسه.
وليس هذا من إعراب الكلام.
وإعرابُ الكلام أيضاً من هذا القياس، لأنَّ بالإعراب يُفرَق بين المعاني في الفاعل والمفعول والنفي والتعجب والاستفهام، وسائر أبواب هذا النَّحو من العلم. فأمّا الأمَّة التي تسمَّى العرب فليس ببعيدٍ أن يكون سمِّيت عربا من هذا القياس لأنَّ لسانَها أعرب الألسنة، وبيانَها أجودُ البيان.
وممّا يوضِّح هذا الحديثُ الذي جاء: "إنَّ العربية ليست باباً واحداً، لكنّها لسانٌ ناطق".
ـ[ملتقي أهل الأثر]ــــــــ[06 - 04 - 10, 12:33 م]ـ
عربي (الفصيح) وعكسه عجمي (الذي لا يفصح عن نفسه باللغة العربية) واللغة العربية هي اللغة التي علما الله - سبحانه وتعالى - أدم عليه السلام , قال الله تعالى: " وعلم آدم الأسماء كلها " وتناقلها بعد آدم ادريس ونوح وإبراهيم ثم اسماعيل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام ومن كان قريب منهم سكنا هو الذي حافظ على لغته العربية ومن ابتعد سكناه في الأرض تغيرت لغته وأصبح عجمي .... والله أعلم
ما زال السؤال قائم للمناقشة والإثراء(118/106)
ما حكم هذا الطفل؟
ـ[أم أوس بنت المدينة]ــــــــ[27 - 10 - 09, 07:26 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد سُئلت هذا السؤال فلم أعرف له إجابة
لذا فإني أمل أن أجد الإجابة عند طلبة العلم الأفاضل بارك الله فيهم ونفع بعلمهم
رجلا زنا – والعياذ بالله – بابنته، فحملت وأنجبت
فما يعتبر هذا الابن بالنسبة للأب – الزاني -؟
وما الأحكام المترتبة على هذا الأمر الشنيع؟
ـ[هشام بن محمد البسام]ــــــــ[27 - 10 - 09, 08:18 ص]ـ
هذا الابن لا أب له شرعا، فلا يجوز أن ينسب ولد الزنى إلى الزاني.
لكن تثبت أمومة الزانية لولدها، في المحرمية ووجوب النفقة وجريان التوارث بينهما، وغير ذلك.
بخلاف الزاني فلا يثبت في حقه شيء من الأحكام المترتبة على أبوته، كالنسب والمحرمية والنفقة والتوارث.
لكن يحرم على الزاني نكاح ابنته التي هي من مائه، وكذلك يحرم نكاحها على أبي الزاني وابنه وأخيه وعمه وخاله ونحوهم.
وفي المسألة المذكورة يكون الزاني جد الولد من أمه، فتثبت له أحكام أبي الأم مع ابن ابنته.
ويجب أن يفرق بين الأب وابنته إن خشي تكرر ذلك منهما، حتى يتوبا إلى الله عز وجل.
ـ[أبو معاذ باوزير]ــــــــ[27 - 10 - 09, 07:40 م]ـ
اللهم إنا نعوذ بك من الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن!
اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء!
.. آمين يارب العالمين ..
ـ[أم أوس بنت المدينة]ــــــــ[02 - 11 - 09, 07:39 م]ـ
جزاك الله خيرَا أخي هشام بن محمد البسام على هذا التبيان وجعله في موازين حسناتك.(118/107)
المنتقى المفيد من شرح الشيخ ذياب الغامدي لكتاب التوحيد
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 07:46 ص]ـ
فهذه فوائد منتقاه من شرح الشيخ ذياب الغامدي حفظه الله لكتاب التوحيد
نضعها بصفة دورية , كانت طريقتي أن أضع شرح الشيخ على المتن تحت كل مقطع، ومن ثم وضعت في النهاية عنوان "المنتقى من الفوائد"كتبت فيه ما يسر الله لي من كلام الشيخ أثناء الدرس
عسى الله أن تكون خالصة لوجهه ,وأن ينفع بقائلها وكاتبها وقارئها إنه سميع مجيب ,,
والله أعلم
ماكتب باللون الأحمر فهذا من شرح الشيخ وأما ما كتب باللون الأسود فهذا المتن
والمنتقى من الفوائد هي من كلام الشيخ حفظه الله
الاثنين 7/ 11/1430
ما جاء في الرياء
أي ماجاء في ذم الرياء
وقول الله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (93) الآية.
معنى فليعمل عملا صالحا ... أي من أراد لقاء الله فليعمل عملا خالصا مُتَّبعا فيه للنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى (قل إنما أنا بشر مثلكم) فيه تأكيد لبشرية محمد وأنه متميز بالوحي , وعلى هذا اصطفاه الله من بين البشر بالرسالة, فالرسالة اصطفاء من الله.
استدل السلف بهذه الآية على رؤية المؤمنين لربهم ,لأن اللقاء عند العرب يستلزم الرؤية
قوله (أحدا) نكرة في سياق النهي فهي تعم
عن أبي هريرة مرفوعاً: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه). رواه مسلم.
وعند ابن ماجه (فأنا بريءٌ وهو للذي أشرك)
أغنى اسم توقيفي.
وعن أبي سعيد مرفوعاً: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟) قالوا: بلى يا رسول الله! قال: (الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي، فيزيّن صلاته، لما يرى من نظر رجل). رواه أحمد.
في الحديث إخبار بخطورة الرياء حيث خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه, وخافه أكثر من المسيح الدجال الذي يعلم الصحابة فتنته.
قوله عليه الصلاة والسلام "عندي" أي بعلمي.
حين سأل النبي أصحابه جاء الرد مباشرة بكلمة واحدة (بلى) لجلالة الأمر وأهميته. في الحديث الرجل والحكم يشمل أيضا المرأة.
قصد النبي صلى الله عليه وسلم كل عبادة ولم يقصد الصلاة بذاتها.
عند رواية لابن خزيمة قال النبي صلى الله عليه وسلم (أيها الناس إياكم وشرك السرائر, قالوا يارسول الله وماشرك السرائر؟ قال يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهدا لما يرى من نظر الرجل إليه ,فذلك شرك السرائر)
المنتقى من الفوائد:
-الأصل في الرياء أنه حرام , وقد يصل بصاحبه إلى الكفر.
-الفرق بين الرياء والسمعة: أن الرياء فيه إرادة إظهار العمل كالصلاة, والسمعة إرادة مايسمع كالقراءة.
-الفرق بين الرياء والعجب: الرياء إرادة الثناء والشكر في العبادات , والعجب إرادة لفت الأنظار في العادات.
-الرياء شرك أصغر واختلف العلماء هل الرياء يأخذ الشرك الأصغر أم أنه شرك في نفسه , والصحيح أن الرياء شرك أصغر.
-الرياء قادح في شرط صحة العمل وهو الإخلاص.
-سئل الفضيل بن عياض عن قوله تعالى (أحسن عملا) فقال أخلصه وأصوبه. فلا يقبل إلا خالصا صائبا.
-الرياء أعظم صفة عند المنافقين , ولا يجتمع الرياء مع الإخلاص في عمل.
-كثير من المفسرين والمحققين قالوا أن النفاق خرج بعد غزوة بدر.
-العبادة من حيث بنائها قسمين:
1 - عبادة منفصلة كالصيام فمن أفطر يوما لايفطر بقية الشهر.
2 - عبادة مرتبطة مثل الصلاة.
فباب الرياء يتحدث عن القسم الثاني من أنواع العبادة.
-العبادة من حيث الإخلاص والرياء أربعة أقسام:
1 - أن يكون الإخلاص اصلا في العبادة من أولها إلى منتهاها فالعبادة حينئذ صحيحة.
2 - أن يكون الرياء أصلا من أولها إلى منتهاها فالعبادة حينئذ باطلة.
3 - أن يكون الرياء أصلا ثم طرأ الإخلاص فالعبادة باطلة لأن الأصل باطل.
4 - أن يكون الإخلاص أصلا ثم طرأ الرياء فله حالتان:
أ-أن يعرض عليه الرياء فيدافعه حتى ينتهي فهذا عبادته صحيحة وهو مأجور على المجاهدة.
ب- أن يعرض عليه الرياء ويستمر معه حتى نهاية العبادة فاختلف العلماء في ذلك على قولين:
قول قال بصحة العبادة لأن الأصل الإخلاص ,وقول قال أنها باطلة وهو الذي نرجحه وهو قول كثير من المحققين من أهل العلم.
-القول الراجح أنه يجوز الصلاة في الكنيسة.
-الصحيح أن الأنبياء غير معصومين في الصغائر ومعصومين في الكبائر بنص القرآن (عفا الله عنك).
-طالب العلم عليه أن يقرأ كتبه الفقه بأدلتها , وأما القراءة في كتب الفتاوى فهي زاد للعامة , وإن قرأها طالب العلم فعليه أن يقرأ الفتاوى بأدلتها.
-ليس لطالب علم حينما يسأل أن يحاج شيخه مالم يكن عنده دليل.
-الجاهل بالإجماع ليس عالماً.
ـ[ابو ايهم المهيرات]ــــــــ[27 - 10 - 09, 08:01 ص]ـ
الله يجزيك الخير
اللهم اجعلنا من طلاب العلم المخلصين
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/108)
ـ[أبو فالح العتيبي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 03:15 م]ـ
هل الشيخ ذياب موجود بالطائف وشكراً
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 06:23 م]ـ
أخي أبو فالح
نعم الشيخ موجود بالطائف
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[28 - 10 - 09, 12:39 ص]ـ
بارك الله فيك أبا سليمان ونفع بك .. واصل ..
لكن عندي سؤال:
هناك كتاب للشيخ واسمه: الجهاد بين التأصيل والتعطيل ..
أين أجده ..
وجزاك ربي خير الجزاء ..
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 07:39 ص]ـ
أخي أبا راكان
الكتاب لم يصدر ولم يؤلف أصلا
كان فكرة عند الشيخ لكنه تراجع ولم يبدأ تأليفه
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[07 - 11 - 09, 04:18 م]ـ
الدرس الثاني
الاثنين 14/ 11/1430
المتن:
باب
من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا
وقول الله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) (94) الآيتين.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع).
الفوائد المختارة:
1 - معنى الباب أي أنه نوع من الشرك
2 - الإرادة نفع معنوي أو نفع مادي ,فالنفع المعنوي فهو إرادة الثناء والشكر وهذا في الباب الذي سبق, أما النفع المادي فهو المراد به في هذا الباب.
3 - إختلف الشرّاح في سبب المناسبة بين البابين / - بعضهم قال تاكيد لما سبق. - بعضهم قال أنه تخصيص. - بعضهم قال أنه مغاير للسابق حيث أراد المؤلف من الباب السابق النفع المعنوي, أما في هذا الباب فأراد رحمه الله النفع المادي.
4 - السلف رحمهم الله كانوا لايتحدثون في التعريفات بعكس أهل الكلام ومن تاثر بهم من الأصوليين.فما كانوا يقفون عند التعريفات.
5 - تراجم السنة يذكر المؤلف منهم عددا من الأحاديث النبوية , ولذا شرح كثير من العلماء تراجم البخاري لما لها من أهمية.
6 - شرح الترجمة مقبول لكن ربط الترجمة فيما بعدها لايخرج عن ثلاث حالات: - قسم الترجمة فيه ظاهرة بينة. – قسم المناسبة فيها تكلف بيّن. – قسم يحتمل الأمرين. وللشوكاني رحمه الله قول يشنّع فيه على من يرى المناسبة بين التراجم ,لا يًوافق في كثير منها.
7 - سميت الدنيا بهذا الاسم لأنها دنية وقريبة من الآخرة ,ومنهم من قال أنها من الدناءة وهذا خطأ لا يصح.
8 - الدعاء نوعان / - دعاء عبادة: وهذا لايتضمن مسألة. – دعاء مسألة:ويتضمن أيضا دعاء العبادة.
9 - (من كان) شرطية.
10 - النسخ يأتي لتخصيص حكم عام ,ويأتي لتعميم أمر خاص , فابن عباس رضي الله عنه فسر قوله وتعالى (وهم فيها لايبخسون) نسختها آية (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) فلم تبق الآية على إطلاقها.
11 - العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس لايخرج عن عدة أمور: - الأول:أن يكون ابتغاء وجه الله لكن لا يريد ثواب الآخرة إنما يريد أن يحفظ الله له ماله وتنميته أو حفظ أهله وولده, أو حفظ نعمته, فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة من نصيب. – أن يعمل عملا صالحا رياء الناس لايطلب فيه ثواب الآخرة. – أن يعمل أعمالا صالحة يقصد بها مالا كغنيمة أو امرأة أو وظيفة ... الخ فهذا على ما عمل. – أن يعمل عملا صالحا طاعة لله ,مخلصا لله ولكنه على عمل يكفره كفراً من الإسلام.
12 - من الخطأ أن يذكر من فائدة العبادة لأجل دنيا بل المطلوب أن بفعلها ينال العبد الجزاء في الآخرة.
13 - قوله في الصحيح: أي عند البخاري.
14 - قوله "تعس": بكسر العين دعوة عند العرب تعني التعاسة والهلاك.
15 - النبي صلى الله عليه وسلم أراد المثال ولم يرد التخصيص.
16 - كيف نعرف أن الشخص يعبد شيئا من الدنيا؟ ج / كل من توجه بقصده لغير الله فقد جعل لنفسه شيئا يعبده.
17 - الخميصة: الثوب المخرز , والخميلة:الوفيرة.
18 - تعس وانتكس: دعوة عليه بالإنتكاس.
19 - وإذا شيك: أصابته شوكة , وهي أقل مايصاب به الشخص.
20 - قوله إن أعطي منها رضي وإن منع منها سخط: أي أن رضاهم لغير الله , وسخطهم لغير الله.
21 - قوله طوبى: قيل طوبى اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها.
22 - قوله آخذ بعنان فرسه في سبيل الله: أي في جهاد المشركين كناية أنه في مقدمة الجيش.
23 - قوله إن كان في الحراسة كان في الحراسة: دليل على القبول على الفور دون تردد مع أنه فارس قائما بعلمه على أكمل وجه.
24 - قوله وإن كان في الساقة كان في الساقة: أي مؤخرة الجيش.
25 - قوله إن استئذن لم يؤذن له:لايؤذن له من قبل الأمراء ونحوهم, لا يطلب بعمله سوى ما عند الله.
26 - في الحديث ترك حب الرياسة والشهرة , وفضل الخمول والتواضع.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/109)
ـ[حسن البركاتي]ــــــــ[07 - 11 - 09, 04:42 م]ـ
أخي الفاضل
استفدت من فوائدك، لكن أين موقع مسجد الشيخ للأهمية؟
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[07 - 11 - 09, 05:31 م]ـ
أخي حسن بارك الله فيك
مسجد الشيخ الذي يقيم فيه الدرس (جامع ابن القيم بحي السحيلي)
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[09 - 01 - 10, 02:11 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحبتي أعتذر أشد العذر لعدم إدراج الدروس تباعا ...
فالهمة قصّرت .. والحيلة أضعفت
لكن بعون الله سيتم الإدراج بما نستطيع من جهد
والله أسأل أن لا يضيع أجر من أحسن عملا(118/110)
سؤال في البيوع
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 11:54 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الأفاضل نفع الله بكم، رجل عنده أرض يريد بيعها فأتى المشتري واتفق معه على إجراء وعد بيع مع البنك ويغلب على الظن أن المشتري سيقترض قرضا ربويا من هذا البنك ... فما الحكم؟
ـ[أبو السها]ــــــــ[27 - 10 - 09, 11:59 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هل يجوز له الإشراف على بناء بيت لأناس اقترضوا من بنك بالربا؟
أنا مهندس، لدي مكتب هندسي أعمل فيه، يأتيني أناس مقترضون من البنك بقروض ربوية، وهذه القروض لبناء مساكن، المهم: يُطلب مني أن أشرف على البناء الذي استقرضوا من أجله، أو يستشيرونني في أمر البناء، أو أي عمل يخص هذا البناء، سواء بمقابل، أو بدون مقابل أقوم به، فهل يلحقني إثم في ذلك، أو شجعت على الربا في عملي هذا؟ مع العلم كنت في السابق أرسم الخرائط التي على ضوئها يأخذ القرض، وأكتب التقرير عند انتهاء أي مرحلة من مراحل البناء ليؤخذ بها دفعات القرض، وعند سماعي فتوى من أحد أصدقائي بأني أكون أنا بمثابة كاتبه: أوقفت هذا الأمر، فهل عليَّ شيء؟ وإن كان عليَّ شيء: فما هو كفارته؟.
الحمد لله
لسنا بحاجة لبيان حكم قرضهم الربوي، فهو واضح بيِّن، وقد وقع أصحابه في كبيرة من كبائر الذنوب، وعليك نصحهم وتذكيرهم بحرمة فعلهم، وضرورة التوبة منه.
وأما بالنسبة لسؤالك:
فيمكن لمهندس البناء أن يكون فعله محرَّماً، ويمكن أن يكون حلالاً:
فإذا صمم لهم البيت، أو خططه لهم لأجل الحصول على قرض ربوي: ففعله حرام، وهو متعاون على الإثم والعدوان؛ لأن فعله هنا له تعلق بالقرض الربوي، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2.
وإذا كان التصميم أو التخطيط بعد حصولهم على القرض الربوي: فلا حرج على المهندس أن يصمم ويخطط ويشرف على البناء، ولو كانت أموال أصحابه أخذت بقرضٍ ربوي محرَّم؛ لأن القرض الربوي تعلق بذمة أولئك المرابين، لا بعين المال، وهو إنما يأخذ المال مقابل جهده وتعبه، وهكذا من باعهم أرضاً أو مواد بناء: فإنه لا حرج عليه أن يفعل ذلك؛ لأنهم جميعاً استوفوا المال مقابل ما بذلوه من بضائع ومواد، ولا تعلق لهم بالقرض الربوي.
وانظر جواب السؤال رقم (82277)
والله أعلم
http://www.islamqa.com/ar/ref/98340
الإسلام سؤال وجواب
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[28 - 10 - 09, 09:34 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
فائدة متعلقة بالموضوع:
إن علم البائع أنّ المشتري سيقع في الربا لشراء أرضه، فالبائع ليس أمامه إلا حلٌ واحد مما يلي:
إما أن يبيعه الأرض بحيث يقسط له الباقي بدلاً من البنك فيكون من باب القرض الحسن حتى لا يقع المشتري في الربا، وفي هذا خير كثير لما فيه من تفريج كرب وعون ونهي عن المنكر ونصرة.
أو
أن يغض النظر عن بيعه الأرض، فيبيع الأرض لغيره ممن يغلب على ظنه أنه لن يقع في الربا لشراء أرضه
والله أعلم
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 10:42 ص]ـ
جزاكما الله خيرا وأحسن إليكما(118/111)
ماحكم قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن؟
ـ[حارث البديع]ــــــــ[27 - 10 - 09, 12:57 م]ـ
سمعت من الشيخ سلمان العودة انه يقول:
لابأس به
واريد من اخواننا الافاضل ان يتكرموا علينا
ويفيدونا.
ـ[أبوعمرو المصري]ــــــــ[27 - 10 - 09, 04:36 م]ـ
قول بعض الكلمات عند سماع القرآن
فتوى رقم (3303):
س: ما حكم قول (صدق الله العظيم) بعد الفراغ من قراءة القرآن؟
ج: قول (صدق الله العظيم) بعد الانتهاء من قراءة القرآندعة؛ لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الخلفاء الراشدون، ولا سائر الصحابة رضي الله عنهم، ولا أئمة السلف رحمهم الله، مع كثرة قراءتهم للقرآن، وعنايتهم ومعرفتهم بشأنه، فكان قول ذلك والتزامه عقب القراءة بدعة محدثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (1) رواه البخاري ومسلم وقال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (2) رواه مسلم.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
============================
السؤال الثالث من الفتوى رقم (4310):
س3: ما حكم قول: صدق الله العظيم بعد نهاية قراءة القرآن الكريم؟
ج3: قول القائل (صدق الله العظيم) في نفسها حق، ولكن ذكرها بعد نهاية قراءة القرآن باستمرار بدعة؛ لأنها لم تحصل من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من خلفائه الراشدين فيما نعلم، مع كثرة قراءتهم القرآن، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي رواية: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
==========================================
السؤال الحادي عشر من الفتوى رقم (7306):
س11: لقد سمعت في بعض حلقات (نور وهداية) للشيخ علي الطنطاوي أن كلمة (صدق الله العظيم) بعد الفراغ من قراءة القرآن الكريم بدعة، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان كذلك فماذا يقال بعد القراءة؟ وإذا كان ذلك جائزا، فهل يجوز أن يقول القارئ: (صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم)؟ وهل ورد ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ج11: اتخاذ كلمة (صدق الله العظيم) ونحوها ختاما لتلاوة القرآن بدعة؛ لأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قالها عقب تلاوته القرآن، ولو كانت مشروعة ختاما للتلاوة لقالها عقبها، وقد ثبت عنه أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
===============================================
قول: (صدق الله العظيم) في القراءة
السؤال الثاني من الفتوى رقم (16025)
س2: هل عبارة (صدق الله العظيم) عندما نقولها في نهاية التلاوة بدعة، وليست من السنة في شيء؟
ج2: قول (صدق الله العظيم) في نهاية التلاوة ليس لها أصل، فالتزامها دائما بدعة يجب تركها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (1).
وبالله التوفيق، وصلى الله علي نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز آل الشيخ ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
===============================================
السؤال الأول من الفتوى رقم (21039).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/112)
س 1: لقد أفدتمونا فيما يخص قول: صدق الله العظيم بأنه بدعة، ولم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كان واضحا وجزاكم الله خيرا. لكن أمر كتابتها في المصاحف ونحن نعلم أنها تكون تحت إشراف علماء وفقهاء في الدين واللغة، أيخفى عليهم هذا الأمر أن تكتب في الآخر؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
ج 1: الحجة في مسائل الدين هو ما كان في الكتاب والسنة نصا أو استنباطا، وأما اجتهادات العلماء التي خالفوا فيها الأدلة الصحيحة لعدم علمهم بها، أو عدم ثبوتها لديهم، أو أولوها على غير وجهها أو نحو ذلك من الأسباب، فليس ذلك مسوغا لترك الأدلة الصحيحة لأقوالهم، بل الواجب اتباع الدليل وترك ما خالفه، مع حفظ أقدار العلماء وعدم تنقصهم والدعاء لهم، وننصح بالاطلاع على كتاب: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وبناء على ما ذكر فإن ختم المصحف بكتابة: (صدق الله العظيم) أمر محدث لا أصل له، فيجب تجريد المصاحف منه إن وجد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... عضو ... الرئيس
بكر أبو زيد ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
=================================================
حكم قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن
س - ما حكم قول صدق الله العظيم بعد الفراغ من قراءة القرآن الكريم؟
ج- هذه كلمة شاعت بين الناس وكثرت وليس لها أصل عند أهل العلم في هذا المقام، فينبغي عدم اعتيادها، فهي داخلة في قوله النبي، - صلى الله عليه وسلم -، {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} فهي أشبه بالبدعة، فإن لم تقل بدعة، فإن لم تقل بدعة فهي أشبه بها، حيث ملازمتها في كل قراءة، حتى إن بعضهم صار يقرؤها في الصلاة واعتادها.
فلم يؤثر عن الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، ولا عن سلف الأمة، أنهم كانوا إذا فرغوا من القراءة قالوا صدق الله العظيم، أما كونها شاعت بين الناس وانتشرت واستحسنتها بعض العقول، فهذا لا يكفي في شرعيتها أو استحسانها أو لزومها. لو فعلها الإنسان بعض الأحيان تعظيماً لكتاب الله عندما يقرأ شيئاً يتعجب منه، ويظهر له ما به من الخير العظيم، يقول صدق الله العظيم الله ما أعظم هذا .. من باب التعجب ومن باب إظهار عظمة كتاب الله فلا بأس، أما اعتياد ذلك عند كل تلاوة فليس لهذا أصل مما علمنا بعد العناية وبعد التتبع المذاكرة مع أهل العلم.
الشيخ ابن باز -فتاوى إسلامية
=================================================
س5:سئل الشيخ: عن التزام " صدق الله العظيم " ختاما للقراءة؟
فقال الشيخ - رحمه الله - التزاما هذا القوزل بعد التلاوة بدعة لان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته أقرأ الناس للقرآن ولم ينقل هذا عنهم فهو بدعة.
فتاوى الشيخ عبد الرزاق عفيفي
==========================================
قال الشيخ بكر أبوزيد رحمه الله في معجم المناهي اللفظية:
(صدق الله العظيم: ((صدق الله العظيم: بِدع القراء. لراقمه. إزالة الستار لابن عثيمين: 79 - 82. فتاوى الشيخ ابن باز: 7/ 329 - 331.
نعم صدق الله العظيم {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: من الآية122]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: من الآية87].
وقول القائل: صدق الله العظيم، ذكر مطلق، فتقييده بزمان أو مكان، أو حال من الأحوال، لابد له من دليل؛ إذ الأذكار المقيدة لا تكون إلا بدليل، وعليه:
فإن التزام هذه بعد قراءة القرآن، لا دليل عليه، فيكون غير مشروع، والتعبد بما لم يشرع من البدع، فالتزامها والحال هذه بدعة. والله أعلم.)
================================================== ==
والخلاصة أن جعل قول:" صدق الله العظيم" من الأذكار المقيدة بالانتهاء من قراءة القرآن، بل والإنكار على من لم يفعل ذلك واعتباره مسيئا كل هذا من البدع، والله أعلم.
ـ[ابو الأشبال الدرعمي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:10 ص]ـ
الاشكال في قولها مع اعتقاد مشروعيتها او التعامل الفعلي معها بما يشبه التعامل مع المشروع من حيث المداومة عليها و الانكار على من لم يأت بها و نحو ذلك
أما المقولة من حيث هي فلا توصف ببدعية و لا مشروعية
ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[28 - 10 - 09, 09:12 ص]ـ
الأمر كما قاله شيخنا أبو الأشبال الدرعمي، وفقه الله
وإن كنت مع إستحباب القول في عصرنا لجهل الناس بكلام الله وعدم تفرقتهم بين كلام الله وكلام الناس، فكان اللفظ في مقام الفصل للتنبيه لا التقرير
وقد وجدت من الناس من يُقرأ أمامه القران متبوعاً بقول البشر دون فصل، فإذا ما سكت المتكلم، سمعت بعضهم يقول "صدق الله العظيم" لعدم تفريقه بين القولين، لظنه الكلام كله قراءة للقران.
والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/113)
ـ[أبو معاذ فؤاد الأثري]ــــــــ[28 - 10 - 09, 10:18 ص]ـ
إخوتي في الله أظن كلام أهل العلم نورا على نور
أما جملة: صدق الله العظيم
فمعناها حق وصدق
لكنه لم يثبت بها العمل في آخر القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أو عن أحد من أصحابه
أو أحد من الأئمة الأعلام
وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وخير الفهم فهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
ـ[مؤسسة ابن جبرين الخيرية]ــــــــ[28 - 10 - 09, 10:51 ص]ـ
(8809)
سؤال: هل قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن بدعة؟
الجواب: لم يكن مأثوراً ولا مستعملاً بكثرة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولكن لا ينبغي إنكاره إنكاراً بشدة وإنما ينكر برفق لمن اعتاده، وذلك لأن المعنى صحيح، ولأن معناه قد ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}، وفي قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} وقوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً}، فلا ينكر لأنه من باب الذكر ولا يتخذ عادة متبعة. والله أعلم.
قاله وأملاه
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
(7546)
سؤال: ما حكم قول (صدق الله العظيم) بعد قراءة القرآن؟ وهل لابد من قولها بعد الانتهاء من قراءة القرآن؟
الجواب: لا بأس بقول (صدق الله العظيم) بعد القراءة لقوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ} ? في سورة آل عمران، ولأن ذلك تصديق لكلام الله وإيمان به، وقد قال تعالى: ?ومن أصدق من الله حديثًا? ? {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} ? وحيث أنه لم ينقل عن السلف استعمالها دائمًا فلا ينبغي المداومة عليها دائمًا ولا يُنكر على من قالها لوجود الدليل القرآني.
قاله وأملاه
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
9/ 4/1416هـ
ـ[حارث البديع]ــــــــ[30 - 10 - 09, 12:14 ص]ـ
اشكر الاخوة المشاركين ولي عودة(118/114)
ما حكم هذا الفعل؟؟
ـ[عبدالله العمران]ــــــــ[27 - 10 - 09, 02:22 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
س/ اشتريت من التموينات لبن بـ 5 ريالات، وأعطيت البائع 50 ريال، ولعدم توفر صرف تركت الباقي (45 ريال) عنده، على أن استرجعها لاحقاً.
هل في فعلي هذا شي؟
ـ[أبو فالح العتيبي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 03:17 م]ـ
من العلماء من يى أنه ربا
ومنهم من يقول إن السلعة تخرجه من الربا
فالعلم عند الله جل وعلا
وننتظر مشاركة الإخوة
ـ[أبو البركات]ــــــــ[27 - 10 - 09, 03:21 م]ـ
اين المشكلة؟
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 06:14 م]ـ
ليس هذا من الربا
وهذا العمل جائز لا بأس به فـ 5 ريالات مقابل اللبن
والباقي يعتبر دينا في ذمة صاحب البقالة
ـ[محبة لطيبه]ــــــــ[27 - 10 - 09, 08:46 م]ـ
رجل اشترى بضاعة بخمسين ريالًا وكان معه مائة ريال، وبقيت الخمسون الأخرى عند البائع وهو لم يجد عنده صرف، فهل يُعتبر هذا ربا؟
المفتي: محمد بن محمد الشنقيطي
http://www.islamway.com/?iw_s=Fatawa&iw_a=view&fatwa_id=5344
الرجاء النظر للمشاركه رقم 13
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=169637
.(118/115)
مشروعيه الزياره في القران الكريم
ـ[جابر بن محمد العرجاني]ــــــــ[27 - 10 - 09, 02:30 م]ـ
مشروعيه الزياره في القران الكريم(118/116)
تحذير من بعض الرسائل الدينية المشبوهة
ـ[أمل العلمي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 03:16 م]ـ
تحذير من بعض الرسائل الدينية المشبوهة
إخواني أخواتي في الله ... نتوصل من الفينة إلى أخرى ببعض الرسائل ذات الصبغة الدينية التي تطلب منا القيام ببعض الأدعية والأذكار وتوزيع الرسائل على معارفنا وذوي صلة بنا عبر البريد الالكتروني أو بطباعة عدد من صفحات تلك الرسائل وتوزيعها على عدد من الناس ... وتتوعد تلك الرسائل من يخل بهذا الواجب بسوء الخاتمة أو بقارعة تحل به وبأهله ويضربون أمثالا على تلك الافتراءات والترهات التي لا تستند على منطق ولا على دليل شرعي ... بل هي على عكس منطق الإسلامي السليم المرتكز على الدليل والبرهان ... وعلى إعمال الفكر ... والموضوع هذا يستحق المناقشة والتنبيه ... وتنطلي الحيلة على جل الناس ... وتلك الافتراءات مدسوسة لتخلي الأمة عن قضاياها الكبرى ... وترتكن إلى الدعة والاهتمام بالآخرة في معزل عن حياة الناس وقضاياهم ... وقضية المسلمين الكبرى ألا وهي بيت المقدس وتحرير فلسطين كل فلسطين ... وطرد المستعمر من أراضي المسلمين ... والجهاد فرض؛ والعبادات التطوعية تصنف ضمن النوافل ... فلا تغرنكم تلك الرسائل ... ولا ينبغي أن توهمكم بالوعيد ... فلن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا ...
منذ يوم توصلت من زميل طبيب بملف Noomaa.pps به شرائح للعرض وقمت كما فعل زميلي بنشر الملف على بريدكم ... وهذا خطأ أستدركه بهذا التنبيه ... وكان عذري ما احتواه الملف من بعض الأمور التي تحث المسلمين بالرجوع إلى الدين وإصلاح أحوالهم الفاسدة وذلك بسبب زيغهم عن تعاليم الإسلام ... والملف المعنون "يوم القيامة قريب والدليل" ... يذكر تلك الرؤيا لرجل يحمل مفاتيح حرم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حسب زعم المرسل ... ومهما يكن من أمر هذا الملف (هل هو عسل أم سم في عسل؟) تستوقفني بعض الملاحظات والتساؤلات المنطقية: ولن أكثر عليكم من: من، وما، وكيف، وأين، ومتى ... وما شابه ... حتى أبرهن على الافتراء الواضح في الرسالة تلك ... أقتصر على متى؟ ... وأسأل المرسل متى كتب الحوادث المذكورة ... من توسعة الأرزاق لبعضهم والمصير المشئوم لآخرين ... هل وقعت تلك الحوادث قبل الإرسال، أو بعد الإرسال، أو أثناء الكتابة ... وهي الاحتمالات البديهية الثلاث التي نفترضها ونناقشها بفكر منطقي:
- أما الحالة الأولى: تصديق أو تكذيب محتوى الرسالة قبل إبلاغها (قبل إعلام الناس بها) فهي مستحيلة وغير منطقية. إذا يستحيل وقوع أحداث قبل أن نعرف خبر الرسالة الموجهة إلى المصدقين والمكذبين على السواء. فسلم الكل من وعيد الرسالة ... والحمد لله ...
- وأما الحالة الثانية: تصديق أو تكذيب محتوى الرسالة بعد إبلاغها، فهي مستحيلة كذلك ... لأن خبر التصديق والتكذيب واقع في أخبار الرسالة ... فكيف يتأتى لكاتب الرسالة أن يعرف خبر المصدقين والمكذبين وما أصابهم من خير وشر ... وقد أرسل رسالته ... المفروض أنها كانت قبل وقوع الحوادث الناجمة عن التصديق والتكذيب. ولا يعقل أن تتحدث الرسالة عن تلك الأحداث ... فتسبق الخبر وتعطي النتائج وتحذر منها ... إلا أن تكون من نسج الخيال ... ومن افتراء قلم خبيث ...
- ويبقى الاحتمال الثالث: وهو افتراء الأحداث أثناء كتابة الرسالة وهو الاحتمال الوحيد من الوجهة المنطقية (فهو إذا باطل) ... وهذا من دأب من يريد إشغالنا عن قضايا الأمة بالاهتمام بالساعة واقترابها وأن نتقوقع في ركن نعبد الله بالإكثار من الأذكار ... ولا نهتم بقضايا الأمة المصيرية ونترك المستعمر والصهاينة يفعلون فينا الأفاعيل ... ولا ندبر لأنفسنا أمرا؛ لأن أهل التدبير هلكا ... على حد زعم أنصار هذا الفكر الفاسد المتغلغل عند بعض الجماعات ... وأن نلغي من قاموسينا وثقافتنا فريضة الجهاد ...
ويمكننا أن نسوق حججا أخرى للاستدلال على بطلان الرسالة: فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يطلب من الصحابة رضوان الله عليهم إبلاغ الحديث أو الآية عنه ... لم يتوعد أحداً ... إن لم يبلغ ... بل كان يشجع ويبشر بالأجر لمن صدق في التبليغ ... ويحذر من عدم الصدق في التبليغ والافتراء عليه كذبا ... ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ... فكيف يطلب من الشخص أن يصور صفحات ويوزع منها عددا كبيرا ... (وقد يكون ممن لا يتوفر على مستلزمات القوت اليومي)؛ ولا يعلم أكان ما ينشره صحيحا أو خطأ ... فيقع في المحظور بنشر أحاديث موضوعة على سبيل المثال ... أو الكذب متعمدا أو غير متعمد على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخوكم الدكتور أمل العلمي(118/117)
ـ هل قولنا عن عالم: مال إلى قول. يعني: أنه رجحه؟
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 04:43 م]ـ
ـ هل قولنا عن عالم: مال إلى قول. يعني: أنه رجحه؟ فهل الميل هو الترجيح أو الإشارة والتلميح فقط؟ بارك الله فيكم.
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[15 - 12 - 09, 02:53 م]ـ
للرفع
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[06 - 02 - 10, 08:10 م]ـ
للرفع
بارك الله فيكم.(118/118)
غرائب العلم المذكورة في الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[27 - 10 - 09, 05:12 م]ـ
ـ غرائب العلم المذكورة في الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رخمه الله تعالى. هل من فاضل يجمعها. جزاكم الله خيرا.
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[28 - 10 - 09, 12:41 ص]ـ
لعلك أول من يجمعها إن شاء الله ...
أظن قصدك: بالغرائب, هو قول الشيخ بعد إيراده لمسألة أو مناقشته لمسألة يقول: وهذه المسألة من الغرائب أو من غرائب العلم .. أليس كذلك حبيبنا أبا عبدالله ..
ـ[أبو عبد الله الزاوي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 03:16 م]ـ
هو كذلك بارك الله فيك.(118/119)
سؤال عن ولي المرأة
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[27 - 10 - 09, 07:33 م]ـ
السلام علكم و رحمة الله
هل يشترط ان يكون ولي المراة في عقد النكاح بالغا
ام يجوز ان يكون سنه 12 سنة مثلا
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[27 - 10 - 09, 08:24 م]ـ
لقد وجدت الحل و جزاكم الله خير(118/120)
المسألة في الدين والدائن والمدين
ـ[أبو حبيب التتاري]ــــــــ[27 - 10 - 09, 07:42 م]ـ
السلام عليكم
زيد له دين على عمرو
ولكن عمرو لا يسدد الدين بسبب فسقه وفجوره
وهناك جهات تختص بإخراج الدين من امثال هؤلاء بطريقة أو أخرى
ولكن على شطر المال
كأن زيد يبيع دينه لهؤلاء بنصف مبلغ الدين
ثم هم يأخذزن المبلغ من عمرو بتهديد او بيع ممتلكاته
هل إرجاع فلوسه منه ولو نصفه حلال؟
ـ[أبو حبيب التتاري]ــــــــ[28 - 10 - 09, 10:50 م]ـ
????? ???????
ـ[أبو السها]ــــــــ[29 - 10 - 09, 02:04 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته"
هذه صورة من الصورالكثيرة لبيع الدين، أذكر منها بيع الكالئ بالكالئ وهو بيع دين مؤجل لم يقبض بدين مؤجل آخرلم يقبض وهذا النوع لا يجوز باتفاق لحديث عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" غير إن الحديث ضعيف، لكن وقع الإجماع على العمل به
ومن هذه الصور "بيع الساقط بالساقط"وهو: بيع دين ثابت في الذمة يسقط إذا بيع بدين ثابت في الذمة يسقط كأن يكون لأحدهما عند الآخردراهم، وللآخر عند الأول دراهم، فيبيع هذا بهذا"
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: "وهذا بيع دين ساقط بدين ساقط، ومذهب أبي حنيفة، ومالك، جوازه (العقود)
وقال رحمه الله: "والأظهر جواز هذا، لأنه برئت ذمة كل منهما، فهو خلاف ما يشغل ذمة كل منهم،ّ انتهى.
ومن هذه الصور بيع الساقط بالواجب: وهو بيع دين ثابت في الذمة يجب ثمنه،كمن باع عشرين صاعا من شعير ثابتة له في ذمة شخص بعشرين ريالا، سواء باعه على من هو عليه، أو على الغير وهذا جائز-على الراجح- لكن بشروط:
أولا:أن يكون البيع بقدر القيمة لكي لا يدخل في ربح ما لم يضمن
ثانيا: القدرة على أخذه من الغريم لأن من الشروط القدرة على تسليم المبيع.
ثالثا: وأن لا يباع بما لا يباع به نسيئة، كبيع دراهم بدراهم –كالصورة التي سألت عنها- أو بيع طعام مكيل ثابت في الذمة بطعام مكيل ولو كان مثلا بمثل، أما إذا كان بأكثر منه، فقد اشتمل العقد على نوعي الربا: الفضل والنسيئة،لأن المشتري دفع أقل ليأخذ عنه أكثر من جنسه بعد حين، وفي الحديث: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائباً منها بناجز. متفق عليه
وكذلك ربما لا يقدر المشتري على تحصيل الدين من المدين فيدخل في بيع الغرر إما لتعنته أو ربما يتوفى وتنكر الورثة. هذا ما ظهر لي بعد النظر في أقوال أهل العلم، إذن فالصورة التي سألت عنه من الصور غير الجائزة، والله أعلم وأحكم
.
ـ[أبو حبيب التتاري]ــــــــ[31 - 10 - 09, 09:42 م]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا على جهودك وبارك الله في علمك
ولو كانت الصورة كالتالي:
يقول مثلا أحمد لزيد: انا آخذ من عمرو فلوسك ولكن إذا أخرجتها منه تعطني ثلثه فوافق زيد
هل العمل بهاي شكل جائز؟
ـ[أبو حبيب التتاري]ــــــــ[31 - 10 - 09, 09:46 م]ـ
السلام عليكم
جزاك الله خيرا على جهودك وبارك الله في علمك
ولو كانت الصورة كالتالي:
يقول مثلا أحمد لزيد: انا آخذ من عمرو فلوسك ولكن إذا أخرجتها منه تعطني ثلثه فوافق زيد
هل العمل بهاي شكل جائز؟
ـ[أبو السها]ــــــــ[01 - 11 - 09, 04:43 م]ـ
رقم الفتوى: 103961
عنوان الفتوى: حكم بيع صك الدين بنصف قيمته
تاريخ الفتوى: 15 محرم 1429/ 24 - 01 - 2008
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية طيبة وبعد ... هناك شخص لي عليه مائة ألف دولار كدين فرفض أن يعطيني حقي, وهناك شخص يريد أن يشتري مني هذا الدين بنصف قيمة الدين، علما بأني لا أستطيع أخذ حقي من المستدين, فهل يجوز بيع صك الدين؟
الفتوى
خلاصة الفتوى:
بيع هذا الدين بالنقد غير جائز، ومن عجز عن استخلاص ماله من ظالم جاز له بذل مال لمن يخلصه له.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبيع الصك في الصورة المذكورة معناه بيع الدين على غير من هو عليه بأقل من قيمة الدين، وهذه الصورة غير جائزة ولو على مذهب من يجوز بيع الدين على غير من هو عليه، ذلك أن من شروط الجواز على قول المجوزين أن لا يباع الدين الذي هو نقد بالنقد، لأن في هذا ربا النسيئة، وإذا كان بأقل اجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة، وفي الحديث: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائباً منها بناجز. متفق عليه.
فإذا تقررت حرمة بيع الدين في الصورة المسؤول عنها فإن البديل الشرعي لمثل حالة الأخ السائل أن يبذل مبلغاً من المال لمن يقدر على استخلاص دينه من هذا الظالم، إما على سبيل الأجرة، وإما المجاعلة أو حتى الرشوة إذا لم يك بُُد من بذل رشوة، ويكون الإثم على المرتشي في هذه الحالة.
جاء في بلغة السالك: سئل بعضهم عن رجل حبسه السلطان أو غيره ظلماً فبذل مالاً لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره هل يجوز أم لا فأجاب نعم يجوز وصرح به جماعة منهم القاضي حسين. انتهى.
وراجع في معنى الرشوة المحرمة الفتوى رقم: 2487.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=103961&Option=FatwaId
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/121)
ـ[أبو حبيب التتاري]ــــــــ[04 - 11 - 09, 12:19 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ولكن ما الفرق بين بيع هذا الدين بالنقد وبين أن يبذل مبلغاً من المال؟
ـ[أبو حبيب التتاري]ــــــــ[16 - 11 - 09, 10:23 م]ـ
????? ???????
ـ[أبو السها]ــــــــ[17 - 11 - 09, 04:50 م]ـ
جزاكم الله خيرا
ولكن ما الفرق بين بيع هذا الدين بالنقد وبين أن يبذل مبلغاً من المال؟
عذرا أخي،فإني لم أعد أدخل الملتقى إلا نادرا:
الفرق أخي واضح، فبيع الدين بالنقد هو بيع دراهم بدراهم وهذا يشترط فيه التقابض والتماثل لأنه جنس ربوي بدليل نص الحديث الذي تقدم آنفا
بخلاف الصورة الثانية وهي بذل المال لمن استخلص الدين فهذا جعالة أو إجارة -على حسب الاتفاق بين الطرفين- وليس بيعا،والجعالة والإجارة جائزتان بإجماع ولا عبرة لمن خالف فيهما.
وصورة البيع إذا تغيرت يتغير تبعها الحكم،كما في حديث أبي هريرة-المتفق عليه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب-أي جيد- فقال أكل تمر خيبر هكذا؟ قال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاث فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا. وقال في الميزان مثل ذلك. فانظر كيف تغير الحكم بتغير صورة المبادلة مع أن الظاهر لا فرق -والله أعلم(118/122)
مشروعية برنامج قطاف من شركة الاتصالات السعوديه
ـ[يوسف محمد القرون]ــــــــ[28 - 10 - 09, 09:23 ص]ـ
السلام عليكم
أود السؤال عن مشروعية برنامج قطاف من شركة الاتصالات السعوديه
حيث أن العميل يُعطى نقاط ..
و في كل 500 نقطه كوبون شراء بـ 100 ريال من بعض المحلات التجاريه
هل تكلم احد من أهل العلم حول هذه الخدمه
انا استخرجت الكوبون و كنت أنوي شراء كتب من مكتبة العبيكان و لكن قدّر الله أن لا أشتري و من ثم فكرت فقلت لعل أحد من أهل العلم تكلم بهذا الموضوع
أفيدونا أثابكم الله
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 10:08 ص]ـ
أخي الكريم
هناك موضوع سابق في الملتقى حول هذا الأمر أحيلك للرابط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=111929
ـ[يوسف محمد القرون]ــــــــ[28 - 10 - 09, 12:44 م]ـ
جزاك الله خير أخي أبو سليمان الثبيتي(118/123)
الإلمام بعلوم شيخ الإسلام
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 11:00 ص]ـ
هذه بعض النقول من فتاوى شيخ الإسلام خاصة بأحكام بعض العلوم النافعة حسب ما جاء في فهرسة الشيخ ابن قاسم
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 11:16 ص]ـ
مسألة متى خلقت النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 230)
هِيَ آخِرُ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْمَخْلُوقَاتِ.
مسألة ما المراد بالنفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 292)
فَصْلٌ:
وَلَكِنَّ لَفْظَ " الرُّوحِ وَالنَّفْسِ " يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ عِدَّةِ مَعَانٍ: فَيُرَادُ بِالرُّوحِ الْهَوَاءُ الْخَارِجُ مِنْ الْبَدَنِ وَالْهَوَاءُ الدَّاخِلُ فِيهِ وَيُرَادُ بِالرُّوحِ الْبُخَارُ الْخَارِجُ مِنْ تَجْوِيفِ الْقَلْبِ مِنْ سويداه السَّارِي فِي الْعُرُوقِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْأَطِبَّاءُ الرُّوحَ وَيُسَمَّى الرُّوحُ الْحَيَوَانِيُّ. فَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ غَيْرُ الرُّوحِ الَّتِي تُفَارِقُ بِالْمَوْتِ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ. وَيُرَادُ بِنَفْسِ الشَّيْءِ ذَاتُهُ وَعَيْنُهُ كَمَا يُقَالُ رَأَيْت زَيْدًا نَفْسَهُ وَعَيْنَهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وَقَالَ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ {قَالَ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَّ بِمَا قلتيه لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ} وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ}. فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُرَادُ فِيهَا بِلَفْظِ النَّفْسِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: اللَّهُ نَفْسُهُ الَّتِي هِيَ ذَاتُهُ الْمُتَّصِفَةُ بِصِفَاتِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا ذَاتًا مُنْفَكَّةً عَنْ الصِّفَاتِ وَلَا الْمُرَادُ بِهَا صِفَةً لِلذَّاتِ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ يَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ أَنَّهَا الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الصِّفَاتِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ. وَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ النَّفْسِ الدَّمُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ كَقَوْلِ الْفُقَهَاءِ " مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ " وَمِنْهُ يُقَالُ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ وَنَفِسَتْ (*) إذَا نَفَّسَهَا وَلَدُهَا وَمِنْهُ قِيلَ النُّفَسَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظباة نُفُوسُنَا وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظباة تَسِيلُ فَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ بِالنَّفْسِ لَيْسَا هُمَا مَعْنَى الرُّوحِ وَيُرَادُ بِالنَّفْسِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ صِفَاتُهَا الْمَذْمُومَةُ فَيُقَالُ: فُلَانٌ لَهُ نَفْسٌ وَيُقَالُ: اُتْرُكْ نَفْسَك وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي مَرْثَدٍ " رَأَيْت رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ فَقُلْت أَيْ رَبِّ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَيْك فَقَالَ اُتْرُكْ نَفْسَك " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ ذَاتَه وَإِنَّمَا يَتْرُكُ هَوَاهَا وَأَفْعَالَهَا الْمَذْمُومَةَ
مسألة ما أنواع النفس؟ و ماذا يحصل إذا فسدت النفوس؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 294)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/124)
لَفْظُ " النَّفْسِ " يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَوَاهَا أَوْ عَنْ اتِّبَاعِهَا الْهَوَى بِخِلَافِ لَفْظِ " الرُّوحِ " فَإِنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ ذَلِكَ إذْ كَانَ لَفْظُ " الرُّوحِ " لَيْسَ هُوَ بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهَا لِلْبَدَنِ. وَيُقَالُ النُّفُوسُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: وَهِيَ " النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ " الَّتِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا بِفِعْلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي. وَ " النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ " وَهِيَ الَّتِي تُذْنِبُ وَتَتُوبُ فَعَنْهَا خَيْرٌ وَشَرٌّ لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ الشَّرَّ تَابَتْ وَأَنَابَتْ فَتُسَمَّى لَوَّامَةً لِأَنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الذُّنُوبِ وَلِأَنَّهَا تَتَلَوَّمُ أَيْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَ " النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " وَهِيَ الَّتِي تُحِبُّ الْخَيْرَ وَالْحَسَنَاتِ وَتُرِيدُهُ وَتُبْغِضُ الشَّرَّ وَالسَّيِّئَاتِ وَتَكْرَهُ ذَلِكَ وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ لَهَا خُلُقًا وَعَادَةً وَمَلَكَةً. فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَأَحْوَالٌ لِذَاتٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا فَالنَّفْسُ الَّتِي لِكُلِّ إنْسَانٍ هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ.
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 148)
وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ الثُّلَاثِيَّةُ كَمَا قِيلَ: الْأَنْفُسُ ثَلَاثٌ: أَمَّارَةٌ؛ وَمُطَمْئِنَةٌ؛ وَلَوَّامَةٌ. فَالْأَوَّلُونَ هُمْ أَهْلُ الْأَنْفُسِ الْأَمَّارَةِ الَّتِي تَأْمُرُهُ بِالسُّوءِ. وَالْأَوْسَطُونَ هُمْ أَهْلُ النُّفُوسِ الْمُطْمَئِنَّةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} {ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} {وَادْخُلِي جَنَّتِي}. وَالْآخَرُونَ هُمْ أَهْلُ النُّفُوسِ اللَّوَّامَةِ الَّتِي تَفْعَلُ الذَّنْبَ ثُمَّ تَلُومُ عَلَيْهِ؛ وَتَتَلَوَّنُ: تَارَةً كَذَا. وَتَارَةً كَذَا. وَتَخْلِطُ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا.
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اقْتَدُوا بالذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ} أَقْرَبُ عَهْدًا بِالرِّسَالَةِ وَأَعْظَمُ إيمَانًا وَصَلَاحًا؛ وَأَئِمَّتُهُمْ أَقْوَمُ بِالْوَاجِبِ وَأَثْبَتُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ: لَمْ تَقَعْ فِتْنَةٌ؛ إذْ كَانُوا فِي حُكْمِ الْقِسْمِ الْوَسَطِ. وَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَخِلَافَةِ عَلِيٍّ كَثُرَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ؛ فَصَارَ فِيهِمْ شَهْوَةٌ وَشُبْهَةٌ مَعَ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ؛ وَصَارَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْوُلَاةِ وَبَعْضِ الرَّعَايَا ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ بَعْدُ؛ فَنَشَأَتْ الْفِتْنَةُ الَّتِي سَبَبُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ تَمْحِيصِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ؛ وَاخْتِلَاطِهِمَا بِنَوْعِ مِنْ الْهَوَى وَالْمَعْصِيَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَأَوِّلٌ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَنَّهُ مَعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَمَعَ هَذَا التَّأْوِيلِ نَوْعٌ مِنْ الْهَوَى؛ فَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ؛ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ الْأُخْرَى.
مسألة ما أنواع قوى النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 15 / ص 428)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
فَصْلٌ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/125)
أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ثَلَاثٌ: الْكُفْرُ ثُمَّ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ثُمَّ الزِّنَا كَمَا رَتَّبَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: {قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك}.
وَلِهَذَا التَّرْتِيبِ وَجْهٌ مَعْقُولٌ وَهُوَ أَنَّ قُوَى الْإِنْسَانِ ثَلَاثٌ:
قُوَّةُ الْعَقْلِ وَقُوَّةُ الْغَضَبِ وَقُوَّةُ الشَّهْوَةِ. فَأَعْلَاهَا الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ - الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْإِنْسَانُ دُونَ سَائِرِ الدَّوَابِّ وَتَشْرَكُهُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ: خُلِقَ لِلْمَلَائِكَةِ عُقُولٌ بِلَا شَهْوَةٍ، وَخُلِقَ لِلْبَهَائِمِ شَهْوَةٌ بِلَا عَقْلٍ وَخُلِقَ لِلْإِنْسَانِ عَقْلٌ وَشَهْوَةٌ فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ فَالْبَهَائِمُ خَيْرٌ مِنْهُ. ثُمَّ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ الَّتِي فِيهَا دَفْعُ الْمَضَرَّةِ ثُمَّ الْقُوَّةُ الشهوية الَّتِي فِيهَا جَلْبُ الْمَنْفَعَةِ. وَمِنْ الطبائعيين مَنْ يَقُولُ: الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ هِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ؛ لِاخْتِصَاصِ الْحَيَوَانِ بِهَا دُونَ النَّبَاتِ. وَالْقُوَّةُ الشهوية هِيَ النَّبَاتِيَّةُ لِاشْتِرَاكِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ فِيهَا. وَاخْتِصَاصُ النَّبَاتِ بِهَا دُونَ الْجَمَادِ. لَكِنْ يُقَالُ: إنْ أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ الشَّهْوَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ النَّبَاتَ لَيْسَ فِيهِ حَنِينٌ وَلَا حَرَكَةٌ إرَادِيَّةٌ وَلَا شَهْوَةٌ وَلَا غَضَبٌ. وَإِنْ أَرَادَ نَفْسَ النُّمُوِّ وَالِاغْتِذَاءِ فَهَذَا تَابِعٌ لِلشَّهْوَةِ وَمُوجِبُهَا. وَلَهُ نَظِيرٌ فِي الْغَضَبِ. وَهُوَ أَنَّ مُوجَبَ الْغَضَبِ وَتَابِعَهُ هُوَ الدَّفْعُ وَالْمَنْعُ وَهَذَا مَعْنَى مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ الْقَوِيَّةِ فَذَاتُ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ مُخْتَصٌّ بِالْحَيِّ. وَأَمَّا مُوجِبُهُمَا مِنْ الِاعْتِدَاءِ وَالدَّفْعِ فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّبَاتِ الْقَوِيِّ فَقُوَّةُ الدَّفْعِ وَالْمَنْعِ مَوْجُودٌ فِي النَّبَاتِ الصُّلْبِ الْقَوِيِّ دُونَ اللَّيِّنِ الرَّطْبِ فَتَكُونُ قُوَّةُ الدَّفْعِ مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضِ النَّبَاتِ؛ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ فَبَيْنَ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ قُوَى الْأَفْعَالِ فِي النَّفْسِ إمَّا جَذْبٌ وَإِمَّا دَفْعٌ فَالْقُوَّةُ الْجَاذِبَةُ الْجَالِبَةُ لِلْمُلَائِمِ هِيَ الشَّهْوَةُ وَجِنْسُهَا: مِنْ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْقُوَّةُ الدَّافِعَةُ الْمَانِعَةُ لِلْمُنَافِي هِيَ الْغَضَبُ وَجِنْسُهَا: مِنْ الْبُغْضِ وَالْكَرَاهَةِ وَهَذِهِ الْقُوَّةُ بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْبَهَائِمِ هِيَ مُطْلَقُ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنْسَانُ الْعَقْلُ وَالْإِيمَانُ وَالْقُوَى الرُّوحَانِيَّةُ الْمُعْتَرِضَةُ. فَالْكُفْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ النَّاطِقَةِ الْإِيمَانِيَّةِ؛ وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَالْقَتْلُ نَاشِئٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَعُدْوَانٍ فِيهَا. وَالزِّنَا عَنْ الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ. فَالْكُفْرُ اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَقَتْلُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/126)
النَّفْسِ اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالزِّنَا اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ ظَاهِرٍ: أَنَّ الْخَلْقَ خَلَقَهُمْ اللَّهُ لِعِبَادَتِهِ وَقِوَامُ الشَّخْصِ بِجَسَدِهِ وَقِوَامُ النَّوْعِ بِالنِّكَاحِ وَالنَّسْلِ فَالْكُفْرُ فَسَادُ الْمَقْصُودِ الَّذِي لَهُ خُلِقُوا وَقَتْلُ النَّفْسِ فَسَادُ النُّفُوسِ الْمَوْجُودَةِ وَالزِّنَا فَسَادٌ فِي الْمُنْتَظَرِ مِنْ النَّوْعِ. فَذَاكَ إفْسَادُ الْمَوْجُودِ وَذَاكَ إفْسَادٌ لِمَا لَمْ يُوجَدْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْسَدَ مَالًا مَوْجُودًا أَوْ مَنَعَ الْمُنْعَقِدَ أَنْ يُوجَدَ وَإِعْدَامُ الْمَوْجُودِ أَعْظَمُ فَسَادًا فَلِهَذَا كَانَ التَّرْتِيبُ كَذَلِكَ. وَمِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ أَنَّ الْكُفْرَ فَسَادُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَلِكُ الْجَسَدِ وَالْقَتْلُ إفْسَادٌ لِلْجَسَدِ الْحَامِلِ لَهُ وَإِتْلَافُ الْمَوْجُودِ. وَأَمَّا الزِّنَا فَهُوَ فَسَادٌ فِي صِفَةِ الْوُجُودِ لَا فِي أَصْلِهِ لَكِنَّ هَذَا يَخْتَصُّ بِالزِّنَا وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ اللِّوَاطَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الزِّنَا.
مسألة ما منافع هذه القوى؟
مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 83)
يُقَالُ: الْقُوَّةُ الْمَلَكِيَّةُ وَالْبَهِيمِيَّةُ والسبعية والشيطانية فَإِنَّ الْمَلَكِيَّةَ فِيهَا الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْبَهِيمِيَّةَ فِيهَا الشَّهَوَاتُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ والسبعية فِيهَا الْغَضَبُ وَهُوَ دَفْعُ الْمُؤْذِي وَأَمَّا الشَّيْطَانِيَّةُ فَشَرٌّ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهَا جَلْبُ مَنْفَعَةٍ وَلَا دَفْعُ مَضَرَّةٍ. وَالْفَلَاسِفَةُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَ الشَّهْوَةَ وَالْغَضَبَ وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ خُلِقَا لِمَصْلَحَةِ وَمَنْفَعَةٍ؛ لَكِنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ الْعُدْوَانُ فِيهِمَا وَأَمَّا الشَّيْطَانُ فَيَأْمُرُ بِالشَّرِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَيُحِبُّ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ إبْلِيسُ بِآدَمَ لَمَّا وَسْوَسَ لَهُ
مسألة هل النفس تتحرك و تريد؟
مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 34)
فَصْلٌ:
وَهُوَ مِثْلُ الْمُقَدِّمَةِ لِهَذَا الَّذِي أَمَامَهُ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فَهُوَ هَمَّامٌ حَارِثٌ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ، بَلْ كُلُّ حَيٍّ فَهُوَ كَذَلِكَ لَهُ عِلْمٌ وَعَمَلٌ بِإِرَادَتِهِ. وَالْإِرَادَةُ هِيَ الْمَشِيئَةُ وَالِاخْتِيَارُ، وَلَا بُدَّ فِي الْعَمَلِ الْإِرَادِيِّ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَا يَحْصُلُ الْمُرَادُ إلَّا بِأَسْبَابِ وَوَسَائِلَ تُحَصِّلُهُ، فَإِنْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قُدْرَةٍ وَقُوَّةٍ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ خَارِجٍ فَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ غَيْرِهِ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ وَمِنْ الْخَارِجِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْآلَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ إرَادَةٍ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُرِيدٍ مِنْ عَوْنٍ يَحْصُلُ بِهِ مُرَادُهُ. فَصَارَ الْعَبْدُ مَجْبُولًا عَلَى أَنْ يَقْصِدَ شَيْئًا وَيُرِيدَهُ؛ وَيَسْتَعِينَ بِشَيْءِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ هَذَا أَمْرٌ حَتْمٌ لَازِمٌ ضَرُورِيٌّ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ.
مسألة ما أنواع حركة النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 6 / ص 559)
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ " قَسْرِيَّةً " وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْقَاسِرِ أَوْ " طَبِيعِيَّةً " وَإِنَّمَا تَكُونُ إذَا خَرَجَ الْمَطْبُوعُ عَنْ مَرْكَزِهِ فَيُطْلَبُ عَوْدُهُ إلَيْهِ؛ أَوْ " إرَادِيَّةً " وَهِيَ الْأَصْلُ فَجَمِيعُ الْحَرَكَاتِ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ
مسألة ما هو العقل؟ و أين مسكنه؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 271)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/127)
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
عَنْ " الْعَقْلِ " الَّذِي لِلْإِنْسَانِ هَلْ هُوَ عَرَضٌ؟ وَمَا هِيَ " الرُّوحُ " الْمُدَبِّرَةُ لِجَسَدِهِ؟ هَلْ هِيَ النَّفْسُ؟ وَهَلْ لَهَا كَيْفِيَّةٌ تُعْلَمُ؟ وَهَلْ هِيَ عَرَضٌ أَوْ جَوْهَرٌ؟ وَهَلْ يُعْلَمُ مَسْكَنُهَا مِنْ الْجَسَدِ؟ وَمَسْكَنُ الْعَقْلِ؟.
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، " الْعَقْلُ " فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ أَمْرٌ يَقُومُ بِالْعَاقِلِ سَوَاءٌ سُمِّيَ عَرَضًا أَوْ صِفَةً لَيْسَ هُوَ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا سَوَاءٌ سُمِّيَ جَوْهَرًا أَوْ جِسْمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا يُوجَدُ التَّعْبِيرُ بِاسْمِ " الْعَقْلِ " عَنْ الذَّاتِ الْعَاقِلَةِ الَّتِي هِيَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ وَيَدَّعُونَ ثُبُوتَ عُقُولٍ عَشَرَةٍ كَمَا يَذْكُرُ ذَلِكَ مَنْ يَذْكُرُهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَرِسْطُو أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمَشَّائِينَ. وَمَنْ تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْمِلَلِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبُيِّنَ أَنَّ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ وَالْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ وَالْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ مِنْهُ إلَّا نَفْسُ الْإِنْسَانِ وَمَا يَقُومُ بِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَتَوَابِعهَا؛ فَإِنَّ أَصْلَ تَسْمِيَتِهِمْ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مُفَارَقَاتٍ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مُفَارَقَةِ النَّفْسِ الْبَدَنَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا أَمْرٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ نَفْسَ الْمَيِّتِ تُفَارِقُ بَدَنَهُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ بِالْمَوْتِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّفْسَ هِيَ الْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ بِالْبَدَنِ. وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَالرِّيحِ الْمُتَرَدِّدَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الْبُخَارِ الْخَارِجِ مِنْ الْقَلْبِ. فَفِي الْجُمْلَةِ النَّفْسُ الْمُفَارِقَةُ لِلْبَدَنِ بِالْمَوْتِ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَلَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْبَدَنِ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا. وَإِنَّمَا يَقُولُ هَذَا وَهَذَا مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الْمُحْدَثِ مِنْ أَتْبَاعِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَالْفَلَاسِفَةُ الْمَشَّاءُونَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ النَّفْسَ تَبْقَى إذَا فَارَقَتْ الْبَدَنَ؛ لَكِنْ يَصِفُونَ النَّفْسَ بِصِفَاتِ بَاطِلَةٍ فَيَدَّعُونَ أَنَّهَا إذَا فَارَقَتْ الْبَدَنَ كَانَتْ عَقْلًا. وَالْعَقْلُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمَادَّةِ وَعَلَائِقِ الْمَادَّةِ وَالْمَادَّةُ عِنْدَهُمْ هِيَ الْجِسْمُ وَقَدْ يَقُولُونَ: هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ التَّعَلُّقِ بِالْهَيُولَى وَالْهَيُولَى فِي لُغَتِهِمْ هُوَ بِمَعْنَى الْمَحَلِّ. وَيَقُولُونَ: الْمَادَّةُ وَالصُّورَةُ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/128)
وَالْعَقْلُ عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا يُوصَفُ بِحَرَكَةِ وَلَا سُكُونٍ وَلَا تَتَجَدَّدُ لَهُ أَحْوَالٌ أَلْبَتَّةَ. فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ النَّفْسَ إذَا فَارَقَتْ الْبَدَنَ لَا يَتَجَدَّدُ لَهَا حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا عُلُومٌ وَلَا تَصَوُّرَاتٌ. وَلَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا إرَادَاتٌ. وَلَا فَرَحٌ وَسُرُورٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ بَلْ تَبْقَى عِنْدَهُمْ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ أَزَلًا وَأَبَدًا كَمَا يَزْعُمُونَهُ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النُّفُوسَ وَاحِدَةٌ بِالْعَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هِيَ مُتَعَدِّدَةٌ. وَفِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْبَاطِلِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَوْضِعَ: فَهُمْ يُسَمُّونَ مَا اقْتَرَنَ بِالْمَادَّةِ الَّتِي هِيَ الْهَيُولَى وَهِيَ الْجِسْمُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفْسًا كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ الْمُدَبِّرَةِ لِبَدَنِهِ. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْفَلَكِ نَفْسًا تُحَرِّكُهُ كَمَا لِلنَّاسِ نُفُوسٌ لَكِنْ كَانَ قُدَمَاؤُهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ نَفْسَ الْفَلَكِ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالْفَلَكِ كَنُفُوسِ الْبَهَائِمِ وَكَمَا يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ الشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ لَكِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ زَعَمُوا أَنَّ النَّفْسَ الْفَلَكِيَّةَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ وَمَا دَامَتْ نَفْسُ الْإِنْسَانِ مُدَبِّرَةً لِبَدَنِهِ سَمَّوْهَا نَفْسًا فَإِذَا فَارَقَتْ سَمَّوْهَا عَقْلًا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمَادَّةِ وَعَنْ عَلَائِقِ الْمَادَّةِ. وَأَمَّا النَّفْسُ فَهِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَالتَّصْرِيفِ.
وَأَصْلُ تَسْمِيَتِهِمْ هَذِهِ مُجَرَّدَاتٍ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ يُجَرِّدُ الْأُمُورَ الْعَقْلِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ عَنْ الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى أَفْرَادًا لِلْإِنْسَانِ كَزَيْدِ وَعَمْرٍو عَقَلَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَنَاسِيِّ وَبَيْنَ الْإِنْسَانِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرِكَةِ الْمَعْقُولَةِ فِي قَلْبِهِ. وَإِذَا رَأَى الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَبَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِ الْحَيَوَانِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا كُلِّيًّا مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ الْمَعْقُولَةُ. وَإِذَا رَأَى مَعَ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ وَالشَّجَرَ وَالنَّبَاتَ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا كُلِّيًّا وَهُوَ الْجِسْمُ النَّامِي الْمُغْتَذِي وَقَدْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ النَّفْسَ النَّبَاتِيَّةَ.
وَإِذَا رَأَى مَعَ ذَلِكَ سَائِرَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ الْفَلَكِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ الْعُنْصُرِيَّةِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا كُلِّيًّا هُوَ الْجِسْمُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ وَإِذَا رَأَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا وَهُوَ الْوُجُودُ الْعَامُّ الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْقَسِمُ إلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَهَذَا الْوُجُودُ هُوَ عِنْدَهُمْ مَوْضُوعُ " الْعِلْمِ الْأَعْلَى " النَّاظِرِ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ وَهِيَ " الْفَلْسَفَةُ الْأُولَى " وَ " الْحِكْمَةُ الْعُلْيَا " عِنْدَهُمْ. وَهُمْ يُقَسِّمُونَ الْوُجُودَ: إلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَالْأَعْرَاضُ يَجْعَلُونَهَا " تِسْعَةَ أَنْوَاعٍ " هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ يَجْعَلُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُفْرَدَاتِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَيْهَا الْحُدُودُ الْمُؤَلَّفَةُ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْبَابِ كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ فَقَالُوا: " الْكَلَامُ فِي هَذَا لَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/129)
يَخْتَصُّ بِالْمَنْطِقِ "
فَأَخْرَجُوهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَ ابْنِ سِينَا كَأَبِي حَامِدٍ وَالسُّهْرَوَرْدِي الْمَقْتُولِ وَالرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذِهِ هِيَ " الْمَقُولَاتُ الْعَشْرُ " الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ: الْجَوْهَرُ. وَالْكَمُّ. وَالْكَيْفُ. وَالْأَيْنُ. وَمَتَى وَالْإِضَافَةُ وَالْوَضْعُ وَالْمِلْكُ وَأَنْ يَفْعَلَ وَأَنْ يَنْفَعِلَ وَقَدْ جُمِعَتْ فِي بَيْتَيْنِ وَهِيَ:
زَيْدُ الطَّوِيلُ الْأَسْوَدُ ابْنُ مَالِكِ * * * فِي دَارِهِ بِالْأَمْسِ كَانَ متكي
فِي يَدِهِ سَيْفٌ نَضَاهُ فانتضا * * * فَهَذِهِ عَشْرُ مَقُولَاتٍ سوا
وَأَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَغَيْرِ أَتْبَاعِهِ أَنْكَرُوا حَصْرَ الْأَعْرَاضِ فِي تِسْعَةِ أَجْنَاسٍ وَقَالُوا: إنَّ هَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. وَيُثْبِتُونَ إمْكَانَ رَدِّهَا إلَى ثَلَاثَةٍ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْدَادِ. وَجَعَلُوا الْجَوَاهِرَ " خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ ": الْجِسْمَ وَالْعَقْلَ وَالنَّفْسَ وَالْمَادَّةَ وَالصُّورَةَ. فَالْجِسْمُ جَوْهَرٌ حِسِّيٌّ وَالْبَاقِيَةُ جَوَاهِرُ عَقْلِيَّةٌ؛ لَكِنْ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى إثْبَاتِ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَهَذِهِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا " الْمُجَرَّدَاتِ الْعَقْلِيَّةَ " وَيَقُولُونَ: الْجَوَاهِرُ تَنْقَسِمُ إلَى مَادِّيَّاتٍ وَمُجَرَّدَاتٍ فَالْمَادِّيَّاتُ الْقَائِمَةُ بِالْمَادَّةِ وَهِيَ الْهَيُولَى وَهِيَ الْجِسْمُ وَالْمُجَرَّدَاتُ هِيَ الْمُجَرَّدَاتُ عَنْ الْمَادَّةِ وَهَذِهِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُجَرَّدَاتِ أَصْلُهَا هِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ الْكُلِّيَّةُ الْمَعْقُولَةُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ كَمَا أَنَّ الْمُفَارَقَاتِ أَصْلُهَا مُفَارَقَةُ النَّفْسِ الْبَدَنَ وَهَذَانِ أَمْرَانِ لَا يُنْكَرَانِ؛ لَكِنْ ادَّعَوْا فِي صِفَاتِ النَّفْسِ وَأَحْوَالِهَا أُمُورًا بَاطِلَةً وَادَّعَوْا أَيْضًا ثُبُوتَ جَوَاهِرَ عَقْلِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِأَنْفُسِهَا وَيَقُولُونَ فِيهَا: الْعَاقِلُ وَالْمَعْقُولُ وَالْعَقْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَمَا يَقُولُونَ: مِثْلَ ذَلِكَ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَيَقُولُونَ: هُوَ عَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وعقل وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وعشق وَلَذِيذٌ وَمُلْتَذٌّ وَلَذَّةٌ. وَيَجْعَلُونَ الصِّفَةَ عَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَيَجْعَلُونَ كُلَّ صِفَةٍ هِيَ الْأُخْرَى فَيَجْعَلُونَ نَفْسَ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ نَفْسَ الْعَاقِلِ الْعَالِمِ وَنَفْسَ الْعِشْقِ الَّذِي هُوَ الْحُبُّ نَفْسَ الْعَاشِقِ الْمُحِبِّ وَنَفْسَ اللَّذَّةِ هِيَ نَفْسُ الْعِلْمِ وَنَفْسُ الْحُبِّ وَيَجْعَلُونَ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ هِيَ نَفْسَ الْعِلْمِ فَيَجْعَلُونَ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةَ وَهُوَ الْإِرَادَةَ وَهُوَ الْمَحَبَّةَ وَهُوَ اللَّذَّةَ وَيَجْعَلُونَ الْعَالِمَ الْمُرِيدَ الْمُحِبَّ الْمُلْتَذَّ هُوَ نَفْسَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْإِرَادَةِ وَهُوَ نَفْسُ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ نَفْسُ اللَّذَّةِ فَيَجْعَلُونَ الْحَقَائِقَ الْمُتَنَوِّعَةَ شَيْئًا وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَ نَفْسَ الصِّفَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ هِيَ نَفْسَ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ ثُمَّ يَتَنَاقَضُونَ فَيُثْبِتُونَ لَهُ عِلْمًا لَيْسَ هُوَ نَفْسَ ذَاتِهِ كَمَا تَنَاقَضَ ابْنُ سِينَا فِي إشَارَاتِهِ. وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِمَوْضِعِ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ الْعَقْلِ عَنْ جَوْهَرٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَيُثْبِتُونَ جَوَاهِرَ عَقْلِيَّةً يُسَمُّونَهَا الْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ لِلْمَادَّةِ وَإِذَا حُقِّقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ غَيْرُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا النَّاطِقَةَ وَغَيْرُ مَا يَقُومُ بِهَا مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمَّى عَقْلًا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/130)
وَكَانَ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ يُسَمُّونَ " الرَّبَّ " عَقْلًا وَجَوْهَرًا. وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا سِوَى نَفْسِهِ وَلَا يُرِيدُ شَيْئًا وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَيُسَمُّونَهُ " الْمَبْدَأَ " وَ " الْعِلَّةَ الْأُولَى " لِأَنَّ الْفَلَكَ عِنْدَهُمْ مُتَحَرِّكٌ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ أَوْ مُتَحَرِّكٌ لِلشَّبَهِ بِالْعَقْلِ فَحَاجَةُ الْفَلَكِ عِنْدَهُمْ إلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُتَشَبِّهٌ بِهَا كَمَا يَتَشَبَّهُ الْمُؤْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَالتِّلْمِيذُ بِالْأُسْتَاذِ. وَقَدْ يَقُولُ: إنَّهُ يُحَرِّكُهُ كَمَا يُحَرِّكُ الْمَعْشُوقُ عَاشِقَهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ أَبْدَعَ شَيْئًا وَلَا فَعَلَ شَيْئًا وَلَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَلَا يُقَسِّمُونَ الْوُجُودَ إلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ وَيَجْعَلُونَ الْمُمْكِنَ هُوَ مَوْجُودًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا كَالْفَلَكِ عِنْدَهُمْ. وَإِنَّمَا هَذَا فِعْلُ ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ وَهُمْ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ سَلَفَهُمْ وَجَمِيعَ الْعُقَلَاءِ وَخَالَفُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْضًا فَتَنَاقَضُوا؛ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَا صَرَّحَ بِهِ سَلَفُهُمْ وَسَائِرُ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا لَا يَكُونُ إلَّا مُحْدَثًا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ. وَأَمَّا الْأَزَلِيُّ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ سَائِرِ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ بَلْ كُلُّ مَا قَبِلَ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُحْدَثًا وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ مُحْدَثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. لَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَمُتَّبِعُوهُ تَنَاقَضُوا فَذَكَرُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إلَى: وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ. وَأَنَّ الْمُمْكِنَ قَدْ يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ وَيَقُولُونَ: هُوَ وَاجِبٌ بِغَيْرِهِ وَجَعَلُوا الْفَلَكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ فَخَرَجُوا عَنْ إجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ وَافَقُوهُمْ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ مُمْكِنٍ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَلَّا يُوجَدَ وَأَنَّهُ مَعَ هَذَا يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا مُمْتَنِعَ الْعَدَمِ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ. وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ لِمَنْ تَصَوَّرَ حَقِيقَةَ الْمُمْكِنِ الَّذِي يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ إنَّمَا تَسَلَّطُوا عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ. وَلَمْ يَحْتَجُّوا لِمَا نَصَرُوهُ بِحُجَجِ صَحِيحَةٍ فِي الْمَعْقُولِ. فَقَصَّرَ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي مَعْرِفَةِ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ. (حَتَّى قَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ [ثُمَّ حَدَثَ مَا حَدَثَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَزَعَمُوا دَوَامَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الرَّبِّ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ] ثُمَّ حَدَثَ مَا حَدَثَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَزَعَمُوا دَوَامَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الرَّبِّ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ فَعَّالًا لِمَا يَشَاءُ؛ لِزَعْمِهِمْ امْتِنَاعَ دَوَامِ الْحَوَادِثِ) (*) ثُمَّ صَارَ أَئِمَّتُهُمْ كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَبِي الهذيل الْعَلَّافِ إلَى امْتِنَاعِ دَوَامِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي فَقَالَ الْجَهْمُ: بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ أَبُو الهذيل: بِفَنَاءِ حَرَكَاتِهِمَا وَأَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ دَائِمًا فِي سُكُونٍ وَيَزْعُمُ بَعْضُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/131)
مَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ أَنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ابْتِدَاءٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ انْتِهَاءٌ. وَلَمَّا رَأَوْا الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ بِدَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَادَائِمٌ وَظِلُّهَا} وَقَالَ: {إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُ الشَّرْعِ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعَقْلِ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْحُجَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الصَّرِيحَةَ لَا تُنَاقِضُ الْحُجَّةَ الشَّرْعِيَّةَ الصَّحِيحَةَ بَلْ يَمْتَنِعُ تَعَارُضُ الْحُجَجِ الصَّحِيحَةِ سَوَاءً كَانَتْ عَقْلِيَّةً أَوْ سَمْعِيَّةً أَوْ سَمْعِيَّةً وَعَقْلِيَّةً. بَلْ إذَا تَعَارَضَتْ حُجَّتَانِ دَلَّ عَلَى فَسَادِ إحْدَاهُمَا أَوْ فَسَادِهِمَا جَمِيعًا. وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى جَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَذَكَرُوا فُرُوعًا عَرَفَ حُذَّاقُهُمْ ضَعْفَهَا كَمَا بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَهُوَ لُزُومُهُمْ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ ثُمَّ صَارَ قَادِرًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ يُوجِبُ كَوْنَهُ قَادِرًا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَتَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ ثُمَّ صَارَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا لَهُ بِدُونِ سَبَبٍ يُوجِبُ تَجَدُّدَ الْإِمْكَانِ. وَإِذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا قَالُوا: كَانَ فِي الْأَزَلِ قَادِرًا عَلَى مَا لَمْ يَزَلْ فَقِيلَ لَهُمْ: الْقَادِرُ لَا يَكُونُ قَادِرًا مَعَ كَوْنِ الْمَقْدُورِ مُمْتَنِعًا بَلْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَإِذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا فَلَمْ يَزَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ. وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ هَذَا صَارُوا فِي كَلَامِ اللَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فِرْقَةٌ قَالَتْ: الْكَلَامُ لَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ بَلْ لَا يَكُونُ كَلَامُهُ إلَّا مَخْلُوقًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ بِالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ بِالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ كَانَ مَخْلُوقًا لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ. إذْ لَوْ قَامَ بِذَاتِهِ كَانَتْ قَدْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ وَالْحَوَادِثُ لَا تَقُومُ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. قَالُوا: إذْ بِهَذَا الْأَصْلِ أَثْبَتْنَا حُدُوثَ الْأَجْسَامِ وَبِهِ ثَبَتَ حُدُوثُ الْعَالَمِ. قَالُوا: وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا لَمْ يَسْبِقْ الْحَادِثُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ إمَّا مَعَهُ وَإِمَّا بَعْدَهُ. وَمَا كَانَ مَعَ الْحَادِثِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ حَادِثٌ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ نَوْعِ الْحَوَادِثِ وَبَيْنَ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْحَادِثَ الْمُعَيَّنَ وَالْحَوَادِثَ الْمَحْصُورَةَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ أَزَلِيَّةً دَائِمَةً وَمَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا فَهُوَ إمَّا مَعَهَا وَإِمَّا بَعْدَهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَادِثٌ قَطْعًا. وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. وَلَكِنَّ مَوْضِعَ النَّظَرِ وَالنِّزَاعِ " نَوْعُ الْحَوَادِثِ ". وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّوْعُ دَائِمًا فَيَكُونُ الرَّبُّ لَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ أَوْ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَمْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ؟ فَلَمَّا تَفَطَّنَ لِهَذَا الْفَرْقِ طَائِفَةٌ قَالُوا: وَهَذَا أَيْضًا مُمْتَنِعٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا وَذَكَرُوا عَلَى ذَلِكَ حُجَجًا كَحُجَّةِ التَّطْبِيقِ وَحُجَّةِ امْتِنَاعِ انْقِضَاءِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ عَامَّةَ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/132)
هَذَا الْمَوْضِعِ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَأُولَئِكَ الْمُتَفَلْسِفَةُ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ الرَّبِّ يَصِيرُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَأَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُ أَثَرِهِ عَنْهُ - ظَنُّوا أَنَّهُمْ إذَا أَبْطَلُوا هَذَا الْقَوْلَ فَقَدْ سَلِمَ لَهُمْ مَا ادَّعَوْهُ عَنْ " قِدَمِ الْعَالَمِ " كَالْأَفْلَاكِ وَجِنْسِ الْمُوَلَّدَاتِ وَمَوَادِّ الْعَنَاصِرِ وَضَلُّوا ضَلَالًا عَظِيمًا خَالَفُوا بِهِ صَرَائِحَ الْعُقُولِ وَكَذَّبُوا بِهِ كُلَّ رَسُولٍ. فَإِنَّ الرُّسُلَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. لَيْسَ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ قَدِيمٌ بِقِدَمِهِ وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ. وَالْعُقُولُ الصَّرِيحَةُ تَعْلَمُ أَنَّ الْحَوَادِثَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا الْعِلَّةُ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِمَعْلُولِهَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مِنْ الْحَوَادِثِ. فَإِنَّ حُدُوثَ ذَلِكَ الْحَادِثِ عَنْ عِلَّةٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِمَعْلُولِهَا مُمْتَنِعٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَعْلُولُهَا لَازِمًا لَهَا كَانَ قَدِيمًا مَعَهَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ لِشَيْءِ مِنْ الْحَوَادِثِ سَبَبٌ اقْتَضَى حُدُوثَهُ فَتَكُونُ الْحَوَادِثُ كُلُّهَا حَدَثَتْ بِلَا مُحْدِثٍ وَهَؤُلَاءِ فَرُّوا مِنْ أَنْ يُحْدِثَهَا الْقَادِرُ بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا تَحْدُثُ بِغَيْرِ مُحْدِثٍ أَصْلًا لَا قَادِرٍ وَلَا غَيْرِ قَادِرٍ. فَكَانَ مَا فَرُّوا إلَيْهِ شَرًّا مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ وَكَانُوا شَرًّا مِنْ الْمُسْتَجِيرِ مِنْ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ. وَاعْتَقَدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمَفْعُولَ الْمَصْنُوعَ الْمُبْتَدَعَ الْمُعَيَّنَ كَالْفَلَكِ يُقَارِنُ فَاعِلَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا لَا يَتَقَدَّمُ الْفَاعِلُ عَلَيْهِ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا وَأُولَئِكَ قَالُوا: بَلْ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يَتَرَاخَى عَنْهُ أَثَرُهُ ثُمَّ يَحْدُثُ الْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ اقْتَضَى حُدُوثَهُ فَأَقَامَ الْأَوَّلُونَ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الصَّرِيحَةَ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا كَمَا أَقَامَ هَؤُلَاءِ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الصَّرِيحَةَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْآخَرِينَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ أَهْلِ الْمُقَارَنَةِ أَشَدُّ فَسَادًا وَمُنَاقَضَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ. وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِ أُولَئِكَ أَهْلِ التَّرَاخِي. وَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْقُولُ الصَّرِيحُ وَيُقِرُّ بِهِ عَامَّةُ الْعُقَلَاءِ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ لَمْ يَهْتَدِ لَهُ الْفَرِيقَانِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ أَثَرِهِ عَقِبَ تَأَثُّرِهِ التَّامِّ لَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَلَا يَتَرَاخَى كَمَا إذَا طَلَّقْت الْمَرْأَةَ فَطَلَقَتْ. وَأَعْتَقْت الْعَبْدَ فَعَتَقَ. وَكَسَرْت الْإِنَاءَ فَانْكَسَرَ وَقَطَعْت الْحَبْلَ فَانْقَطَعَ فَوُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لَيْسَ مُقَارِنًا لِنَفْسِ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعَهُ وَلَا هُوَ أَيْضًا مُتَرَاخٍ عَنْهُ بَلْ يَكُونُ عَقِبَهُ مُتَّصِلًا بِهِ. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مَعَهُ وَمُفَارِقٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَكُونُ عَقِبَهُ مُتَّصِلًا بِهِ كَمَا يُقَالُ: هُوَ بَعْدَهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَقِبَ التَّأْثِيرِ التَّامِّ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَكُونُ مَا يَشَاءُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/133)
تَكْوِينَهُ فَإِذَا كَوَّنَهُ كَانَ عَقِبَ تَكْوِينِهِ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يَكُونُ مَعَ تَكْوِينِهِ فِي الزَّمَانِ وَلَا يَكُونُ مُتَرَاخِيًا عَنْ تَكْوِينِهِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ فِي الزَّمَانِ؛ بَلْ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِتَكْوِينِهِ كَاتِّصَالِ أَجْزَاءِ الْحَرَكَةِ وَالزَّمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ. وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ قِيلَ مَعَ ذَلِكَ بِدَوَامِ فَاعِلِيَّتِهِ ومتكلميته وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا هُوَ أَصْلُ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ وَمَنْ قَالَ إنَّ الرَّبَّ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ وَلَا إرَادَةٌ بَلْ وَلَا عِلْمٌ بَلْ وَلَا حَيَاةٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الصِّفَاتِ. فَلَمَّا ظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ شَرْعًا وَعَقْلًا قَالَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ وَافَقَتْهُمْ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ: هُوَ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ كَلَامُهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِذَاتِهِ كَمَا تَلْزَمُ ذَاتَه الْحَيَاةُ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَامْتِنَاعِ تَخْصِيصِهِ بِعَدَدِ دُونَ عَدَدٍ وَقَالُوا: ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْأَمْرُ بِكُلِّ مَأْمُورٍ وَالْخَبَرُ عَنْ كُلِّ مُخْبَرٍ عَنْهُ إنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ كَانَ تَوْرَاةً وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بالسريانية كَانَ إنْجِيلًا. وَقَالُوا: إنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ صِفَاتٌ لِلْكَلَامِ لَا أَنْوَاعٌ لَهُ. فَإِنَّ مَعْنَى " آيَةِ الْكُرْسِيِّ " وَ " آيَةِ الدَّيْنِ " وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} مَعْنًى وَاحِدٌ. فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ لَهُمْ: تَصَوُّرُ هَذَا الْقَوْلِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِفَسَادِهِ وَقَالُوا لَهُمْ: مُوسَى سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ. إنْ قُلْتُمْ كُلَّهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ عِلْمَ اللَّهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ بَعْضَهُ فَقَدْ تَبَعَّضَ. وَقَالُوا لَهُمْ: إذَا جَوَّزْتُمْ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ الْخَبَرِ هِيَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَحَقِيقَةُ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. وَالْأَمْرِ بِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ هُوَ حَقِيقَةُ الْخَبَرِ عَنْ كُلِّ مُخْبَرٍ عَنْهُ فَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ هِيَ حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ وَحَقِيقَةُ الْقُدْرَةِ هِيَ حَقِيقَةَ الْإِرَادَةِ. فَاعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِأَنَّ هَذَا لَازِمٌ لَهُمْ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ وَلَزِمَهُمْ إمْكَانُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ الذَّاتِ هِيَ حَقِيقَةَ الصِّفَاتِ وَحَقِيقَةُ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ هِيَ حَقِيقَةَ الْوُجُوبِ الْمُمْكِنِ وَالْتَزَمَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا:
الْوُجُودُ وَاحِدٌ وَعَيْنُ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ الْقَدِيمِ الْخَالِقِ هُوَ عَيْنُ الْوُجُودِ الْمُمْكِنِ الْمَخْلُوقِ الْمُحْدَثِ. وَهَذَا أَصْلُ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ كَابْنِ عَرَبِيٍّ الطَّائِيِّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَأَتْبَاعِهِمَا كَمَا بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مَعَ قِيَامِ الْكَلَامِ بِهِ مَنْ قَالَ: كَلَامُهُ الْمُعَيَّنُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مُعَيَّنَةٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ. وَزَعَمُوا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ فَقَالَ لَهُمْ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ: مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْبَاءَ قَبْلَ السِّينِ وَالسِّينَ قَبْلَ الْمِيمِ فَكَيْفَ يَكُونَانِ مَعًا أَزَلًا وَأَبَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّوْتَ الْمُعَيَّنَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَزَلِيًّا لَمْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/134)
يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. فَقَالَتْ (الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ - مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَ أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمِينَ - بَلْ نَقُولُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِذَاتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لَا شَرْعًا وَلَا عَقْلًا بَلْ هَذَا لَازِمٌ لِجَمِيعِ طَوَائِفِ الْعُقَلَاءِ وَعَلَيْهِ دَلَّتْ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَنَقُولُ: إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى بِصَوْتِ سَمِعَهُ مُوسَى كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ لَكِنْ نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ مُتَكَلِّمًا وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَهُوَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ. فَقِيلَ لَهُمْ: مَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ كَمَالٍ لَا صِفَةُ نَقْصٍ وَأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَمَنْ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ صَارَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ. وَقَالُوا لَهُمْ: إذَا قُلْتُمْ تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكَلَامُ مُمْتَنِعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ أَوْجَبَ تَجَدُّدَ قُدْرَتِهِ وَتَجَدُّدَ إمْكَانِ الْكَلَامِ لَهُ قُلْتُمْ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ وَلَمْ يَزَلْ الْكَلَامُ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَهُ ثُمَّ صَارَ قَادِرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَسَلْبٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ عَنْ الْبَارِي وَجَعْلُهُ مِثْلَ الْمَخْلُوقِ الَّذِي صَارَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ. وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَمَا شَاءَ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَسَلَفِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ عَنْهُ. وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ صَارَ مُتَكَلِّمًا أَوْ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَقَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ والْكُلَّابِيَة والكَرَّامِيَة والسالمية وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ انْتَسَبُوا إلَى بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَخَالَفُوا بِهَا إجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةَ وَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَخَالَفُوا بِهَا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ الَّذِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ هِيَ الَّتِي سَلَّطَتْ أُولَئِكَ الْمُتَفَلْسِفَةَ الدَّهْرِيَّةَ عَلَيْهِمْ لَكِنَّ قَوْلَ الْفَلَاسِفَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ.
مسألة هل يسمى العلم عقلاً؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 286)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/135)
الْعَقْلَ مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْعَقْلُ لَا يُسَمَّى بِهِ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِهِ صَاحِبُهُ. وَلَا الْعَمَلُ بِلَا عِلْمٍ؛ بَلْ إنَّمَا يُسَمَّى بِهِ الْعِلْمُ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِالْعِلْمِ وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ النَّارِ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}. وَالْعَقْلُ الْمَشْرُوطُ فِي التَّكْلِيفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عُلُومًا يُمَيِّزُ بِهَا الْإِنْسَانُ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ فَالْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ وَلَا بَيْنَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَلَا يَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ لَيْسَ بِعَاقِلِ. أَمَّا مَنْ فَهِمَ الْكَلَامَ وَمَيَّزَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ فَهُوَ عَاقِلٌ
مسألة: هل العقل غريزة أو هو العمل بالعلم؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 287)
مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْعَقْلُ هُوَ عُلُومٌ ضَرُورِيَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْعَقْلُ هُوَ الْعَمَلُ بِمُوجَبِ تِلْكَ الْعُلُومِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَ الْعَقْلِ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا وَقَدْ يُرَادُ بِالْعَقْلِ نَفْسُ الْغَرِيزَةِ الَّتِي فِي الْإِنْسَانِ الَّتِي بِهَا يَعْلَمُ وَيُمَيِّزُ وَيَقْصِدُ الْمَنَافِعَ دُونَ الْمَضَارِّ كَمَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثُ المحاسبي وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْعَقْلَ غَرِيزَةٌ. وَهَذِهِ الْغَرِيزَةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ كَمَا أَنَّ فِي الْعَيْنِ قُوَّةً بِهَا يُبْصِرُ؛ وَفِي اللِّسَانِ قُوَّةً بِهَا يَذُوقُ وَفِي الْجِلْدِ قُوَّةً بِهَا يَلْمِسُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ.
مسألة أين مسكن العقل؟ و كيف يبدأ الإنسان بالنظر و ينتهي بالعمل ثم يعود للنظر؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 303)
أَمَّا قَوْلُهُ: أَيْنَ مَسْكَنُ الْعَقْلِ فِيهِ؟ فَالْعَقْلُ قَائِمٌ بِنَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تَعْقِلُ وَأَمَّا مِنْ الْبَدَنِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَلْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَاذَا نِلْت الْعِلْمَ: قَالَ: " بِلِسَانِ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عَقُولٍ " لَكِنَّ لَفْظَ " الْقَلْبِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُضْغَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ الشَّكْلِ الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ الْبَدَنِ الَّتِي جَوْفُهَا عَلَقَةٌ سَوْدَاءُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ}. وَقَدْ يُرَادُ بِالْقَلْبِ بَاطِنُ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا فَإِنَّ قَلْبَ الشَّيْءِ بَاطِنُهُ كَقَلْبِ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزَةِ وَالْجَوْزَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَلِيبُ قَلِيبًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَ قَلْبَهُ وَهُوَ بَاطِنُهُ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا أُرِيدَ بِالْقَلْبِ هَذَا فَالْعَقْلُ مُتَعَلِّقٌ بِدِمَاغِهِ أَيْضًا وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ. كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَيَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّ أَصْلَ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ فَإِذَا كَمُلَ انْتَهَى إلَى الدِّمَاغِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرُّوحَ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهَذَا وَمَا يَتَّصِفُ مِنْ الْعَقْلِ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَهَذَا لَكِنَّ مَبْدَأَ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ فِي الدِّمَاغِ وَمَبْدَأَ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ. وَالْعَقْلُ يُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ فَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ الِاخْتِيَارِيُّ أَصْلُهُ الْإِرَادَةُ وَأَصْلُ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ وَالْمُرِيدُ لَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/136)
يَكُونُ مُرِيدًا إلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِ الْمُرَادِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُتَصَوِّرًا فَيَكُونُ مِنْهُ هَذَا وَهَذَا وَيَبْتَدِئُ ذَلِكَ مِنْ الدِّمَاغِ وَآثَارُهُ صَاعِدَةٌ إلَى الدِّمَاغِ فَمِنْهُ الْمُبْتَدَأُ وَإِلَيْهِ الِانْتِهَاءُ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا مِقْدَارُ مَا وَسِعَتْهُ هَذِهِ الْأَوْرَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: ما هي شروط عقل القلب؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 309)
الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ يَقْبَلُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ وَاسْتِعْدَادٍ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا مِنْ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا وَقَدْ يَأْتِي فَضْلًا مِنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مَوْهُوبًا. فَصَلَاحُ الْقَلْبِ وَحَقُّهُ وَاَلَّذِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَشْيَاءَ لَا أَقُولُ أَنْ يَعْلَمَهَا فَقَطْ فَقَدْ يَعْلَمُ الشَّيْءَ مَنْ لَا يَكُونُ عَاقِلًا لَهُ بَلْ غَافِلًا عَنْهُ مُلْغِيًا لَهُ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ الشَّيْءَ هُوَ الَّذِي يُقَيِّدُهُ وَيَضْبُطُهُ وَيَعِيهِ وَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَكُونُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَنِيًّا فَيُطَابِقَ عَمَلُهُ قَوْلَهُ وَبَاطِنُهُ ظَاهِرَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَةَ. {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا وَلَا يُؤْتَى حُكْمًا وَإِنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ مِمَّنْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا. وَهَذَا مَعَ أَنَّ النَّاسَ مُتَبَايِنُونَ فِي نَفْسِ عَقْلِهِمْ الْأَشْيَاءَ مِنْ بَيْنِ كَامِلٍ وَنَاقِصٍ وَفِيمَا يَعْقِلُونَهُ مِنْ بَيْنِ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَجَلِيلٍ وَدَقِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
مسألة متى يسمى الشخص عاقلاً؟
مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 24)
لَفْظُ " الْعَقْلِ " - وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الْأَصْلِ: مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَكَثِيرٌ مِنْ النُّظَّارِ جَعَلَهُ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ - فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ عِلْمٌ يُعْمَلُ بِمُوجِبِهِ فَلَا يُسَمَّى " عَاقِلًا " إلَّا مَنْ عَرَفَ الْخَيْرَ فَطَلَبَهُ وَالشَّرَّ فَتَرَكَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ النَّارِ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. وَقَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}. وَمَنْ فَعَلَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ؛ فَمِثْلُ هَذَا مَا لَهُ عَقْلٌ. فَكَمَا أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِهِ؛ فَالْعِلْمُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ خَشْيَتَهُ وَخَشْيَتُهُ تَسْتَلْزِمُ طَاعَتَهُ. فَالْخَائِفُ مِنْ اللَّهِ مُمْتَثِلٌ لِأَوَامِرِهِ مُجْتَنِبٌ لِنَوَاهِيهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدْنَا بَيَانَهُ أَوَّلًا. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى}. فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَخْشَاهُ يَتَذَكَّرُ، وَالتَّذَكُّرُ هُنَا مُسْتَلْزِمٌ لِعِبَادَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ}. وَقَالَ: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}. وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/137)
{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} سَيَتَّعِظُ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. وَفِي قَوْلِهِ {وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ} إنَّمَا يَتَّعِظُ مَنْ يَرْجِعُ إلَى الطَّاعَةِ. وَهَذَا لِأَنَّ التَّذَكُّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ التَّأَثُّرَ بِمَا تَذَكَّرَهُ؛ فَإِنْ تَذَكَّرَ مَحْبُوبًا طَلَبَهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ مَرْهُوبًا هَرَبَ مِنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}. فَنَفَى الْإِنْذَارَ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ قَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْإِنْذَارَ مِنْ وَجْهٍ وَنَفَاهُ عَنْهُمْ مِنْ وَجْهٍ؛ فَإِنَّ الْإِنْذَارَ هُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَخُوفِ. فَالْإِنْذَارُ مِثْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّخْوِيفِ فَمَنْ عَلَّمْتَهُ فَتَعَلَّمَ فَقَدْ تَمَّ تَعْلِيمُهُ وَآخَرُ يَقُولُ: عَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ خَوَّفْتَهُ فَخَافَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَمَّ تَخْوِيفُهُ. وَأَمَّا مَنْ خُوِّفَ فَمَا خَافَ؛ فَلَمْ يَتِمَّ تَخْوِيفُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ هَدَيْتَهُ فَاهْتَدَى؛ تَمَّ هُدَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. وَمَنْ هَدَيْتَهُ فَلَمْ يَهْتَدِ - كَمَا قَالَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} - فَلَمْ يَتِمَّ هُدَاهُ كَمَا تَقُولُ: قَطَّعْتُهُ فَانْقَطَعَ وَقَطَّعْتُهُ فَمَا انْقَطَعَ. فَالْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ أَثَرَهُ: فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ أَثَرُهُ لَمْ يَكُنْ تَامًّا وَالْفِعْلُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا قَابِلًا تَمَّ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ. وَالْعِلْمُ بِالْمَحْبُوبِ يُورِثُ طَلَبَهُ وَالْعِلْمُ بِالْمَكْرُوهِ يُورِثُ تَرْكَهُ؛ وَلِهَذَا يُسَمَّى هَذَا الْعِلْمُ: الدَّاعِيَ وَيُقَالُ: الدَّاعِي مَعَ الْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَطْلُوبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِإِرَادَةِ الْمَعْلُومِ الْمُرَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ وَسَلَامَتِهَا وَأَمَّا مَعَ فَسَادِهَا فَقَدْ يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِاللَّذِيذِ فَلَا يَجِدُ لَهُ لَذَّةً بَلْ يُؤْلِمُهُ، وَكَذَلِكَ يَلْتَذُّ بِالْمُؤْلِمِ لِفَسَادِ الْفِطْرَةِ
مسألة: ما الأعضاء التي يتعلق بها العقل و العلم؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 308)
سَيِّدَ الْأَعْضَاءِ وَرَأْسَهَا هُوَ الْقَلْبُ: كَمَا سُمِّيَ قَلْبًا. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إلَى صَدْرِهِ وَقَالَ أَلَا إنَّ التَّقْوَى هَاهُنَا أَلَا إنَّ التَّقْوَى هَاهُنَا}. وَإِذْ قَدْ خُلِقَ الْقَلْبُ لِأَنْ يُعْلَمَ بِهِ فَتَوَجُّهُهُ نَحْوَ الْأَشْيَاءِ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ بِهَا هُوَ الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ كَمَا أَنَّ إقْبَالَ الْأُذُنِ عَلَى الْكَلَامِ ابْتِغَاءَ سَمْعِهِ هُوَ الْإِصْغَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ وَانْصِرَافَ الطَّرْفِ إلَى الْأَشْيَاءِ طَلَبًا لِرُؤْيَتِهَا هُوَ النَّظَرُ. فَالْفِكْرُ لِلْقَلْبِ كَالْإِصْغَاءِ لِلْأُذُنِ وَمِثْلُهُ نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ فِيمَا سَبَقَ وَإِذَا عَلِمَ مَا نَظَرَ فِيهِ فَذَاكَ مَطْلُوبُهُ كَمَا أَنَّ الْأُذُنَ كَذَلِكَ إذَا سَمِعَتْ مَا أَصْغَتْ إلَيْهِ أَوْ الْعَيْنُ إذَا أَبْصَرَتْ مَا نَظَرَتْ إلَيْهِ. وَكَمْ مِنْ نَاظِرٍ مُفَكِّرٍ لَمْ يُحَصِّلْ الْعِلْمَ وَلَمْ يَنَلْهُ كَمَا أَنَّهُ كَمْ مِنْ نَاظِرٍ إلَى الْهِلَالِ لَا يُبْصِرُهُ وَمُسْتَمِعٍ إلَى صَوْتٍ لَا يَسْمَعُهُ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/138)
وَعَكْسُهُ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا بِشَيْءِ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ وَلَمْ تَسْبِقْ مِنْهُ إلَيْهِ سَابِقَةُ تَفْكِيرٍ فِيهِ كَمَنْ فَاجَأَتْهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ أَوْ سَمِعَ قَوْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصْغِيَ إلَيْهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا لِأَنَّ الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ يَقْبَلُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ وَاسْتِعْدَادٍ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا مِنْ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا وَقَدْ يَأْتِي فَضْلًا مِنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مَوْهُوبًا. فَصَلَاحُ الْقَلْبِ وَحَقُّهُ وَاَلَّذِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَشْيَاءَ لَا أَقُولُ أَنْ يَعْلَمَهَا فَقَطْ فَقَدْ يَعْلَمُ الشَّيْءَ مَنْ لَا يَكُونُ عَاقِلًا لَهُ بَلْ غَافِلًا عَنْهُ مُلْغِيًا لَهُ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ الشَّيْءَ هُوَ الَّذِي يُقَيِّدُهُ وَيَضْبُطُهُ وَيَعِيهِ وَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَكُونُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَنِيًّا فَيُطَابِقَ عَمَلُهُ قَوْلَهُ وَبَاطِنُهُ ظَاهِرَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَةَ. {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا وَلَا يُؤْتَى حُكْمًا وَإِنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ مِمَّنْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا. وَهَذَا مَعَ أَنَّ النَّاسَ مُتَبَايِنُونَ فِي نَفْسِ عَقْلِهِمْ الْأَشْيَاءَ مِنْ بَيْنِ كَامِلٍ وَنَاقِصٍ وَفِيمَا يَعْقِلُونَهُ مِنْ بَيْنِ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَجَلِيلٍ وَدَقِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُمَّهَاتُ مَا يُنَالُ بِهِ الْعِلْمُ وَيُدْرَكُ أَعْنِي الْعِلْمَ الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ الْبَشَرُ عَنْ سَائِر الْحَيَوَانَاتِ دُونَ مَا يُشَارِكُهَا فِيهِ مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَهُنَا يُدْرِكُ بِهِ مَا يُحِبُّ وَيَكْرَهُ وَمَا يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ مَنْ يُحْسِنُ إلَيْهِ وَمَنْ يُسِيءُ إلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وَقَالَ: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} وَقَالَ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} وَقَالَ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}. وَقَالَ فِيمَا لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْعَمَلِ وَالْقُوَّةِ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا}. ثُمَّ إنَّ الْعَيْنَ تَقْصُرُ عَنْ الْقَلْبِ وَالْأُذُنِ وَتُفَارِقُهُمَا فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهَا إنَّمَا يَرَى صَاحِبُهَا بِهَا الْأَشْيَاءَ الْحَاضِرَةَ وَالْأُمُورَ الْجُسْمَانِيَّةَ مِثْلَ الصُّوَرِ وَالْأَشْخَاصِ فَأَمَّا الْقَلْبُ وَالْأُذُنُ فَيَعْلَمُ الْإِنْسَانُ بِهِمَا مَا غَابَ عَنْهُ وَمَا لَا مَجَالَ لِلْبَصَرِ فِيهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الروحانية وَالْمَعْلُومَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَفْتَرِقَانِ: فَالْقَلْبُ يَعْقِلُ الْأَشْيَاءَ بِنَفْسِهِ إذْ كَانَ الْعِلْمُ هُوَ غِذَاءَهُ وَخَاصِّيَّتَهُ أَمَّا الْأُذُنُ فَإِنَّهَا تَحْمِلُ الْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْعِلْمِ إلَى الْقَلْبِ فَهِيَ بِنَفْسِهَا إنَّمَا تَحْمِلُ الْقَوْلَ وَالْكَلَامَ فَإِذَا وَصَلَ ذَلِكَ إلَى الْقَلْبِ أَخَذَ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ فَصَاحِبُ الْعِلْمِ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ هُوَ الْقَلْبُ وَإِنَّمَا سَائِرُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/139)
الْأَعْضَاءِ حَجَبَةٌ لَهُ تُوَصِّلُ إلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى إنَّ مَنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ يَفْقِدُ بِفَقْدِهِ مِنْ الْعِلْمِ مَا كَانَ هُوَ الْوَاسِطَةَ فِيهِ. فَالْأَصَمُّ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الْكَلَامِ مِنْ الْعِلْمِ وَالضَّرِيرُ لَا يَدْرِي مَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ الْأَشْخَاصُ مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَظَرَ إلَى الْأَشْيَاءِ بِغَيْرِ قَلْبٍ أَوْ اسْتَمَعَ إلَى كَلِمَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ قَلْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ شَيْئًا؛ فَمَدَارُ الْأَمْرِ عَلَى الْقَلْبِ وَعِنْدَ هَذَا تَسْتَبِينُ الْحِكْمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} حَتَّى لَمْ يَذْكُرْ هُنَا الْعَيْنَ كَمَا فِي الْآيَاتِ السَّوَابِقِ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ هُنَا فِي أُمُورٍ غَائِبَةٍ وَحِكْمَةٍ مَعْقُولَةٍ مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لَا مَجَالَ لِنَظَرِ الْعَيْنِ فِيهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} وَتَتَبَيَّنُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. فَإِنَّ مَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ وَيَنْتَفِعُ بِالْعِلْمِ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ إمَّا رَجُلٌ رَأَى الْحَقَّ بِنَفْسِهِ فَقَبِلَهُ فَاتَّبَعَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَنْ يَدْعُوهُ إلَيْهِ فَذَلِكَ صَاحِبُ الْقَلْبِ؛ أَوْ رَجُلٌ لَمْ يَعْقِلْهُ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ وَيُبَيِّنُهُ لَهُ وَيَعِظُهُ وَيُؤَدِّبُهُ فَهَذَا أَصْغَى فَ: {أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. أَيْ حَاضِرُ الْقَلْبِ لَيْسَ بِغَائِبِهِ. كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: أوتى الْعِلْمَ وَكَانَ لَهُ ذِكْرَى. وَيَتَبَيَّنُ قَوْلُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ} {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} وَقَوْلُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}. ثُمَّ إذَا كَانَ حَقُّ الْقَلْبِ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ} إذْ كَانَ كُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَمْحَةَ نَاظِرٍ أَوْ يَجُولُ فِي لَفْتَةِ خَاطِرٍ فَاَللَّهُ رَبُّهُ وَمُنْشِئُهُ وَفَاطِرُهُ وَمُبْدِئُهُ لَا يُحِيطُ عِلْمًا إلَّا بِمَا هُوَ مِنْ آيَاتِهِ الْبَيِّنَةِ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ. وَأَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ.
أَيْ مَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إذَا نَظَرْت إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ إلَّا وَجَدْته إلَى الْعَدَمِ وَمَا هُوَ فَقِيرٌ إلَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ فَإِذَا نَظَرْت إلَيْهِ وَقَدْ تَوَلَّتْهُ يَدُ الْعِنَايَةِ بِتَقْدِيرِ مَنْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى رَأَيْته حِينَئِذٍ مَوْجُودًا مَكْسُوًّا حَلَّلَ الْفَضْلَ وَالْإِحْسَانَ فَقَدْ اسْتَبَانَ أَنَّ الْقَلْبَ إنَّمَا خُلِقَ لِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ - أَظُنُّهُ سُلَيْمَانَ الْخَوَّاصَ رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: الذِّكْرُ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ لِلْجَسَدِ فَكَمَا لَا يَجِدُ الْجَسَدُ لَذَّةَ الطَّعَامِ مَعَ السَّقَمِ فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الذِّكْرِ مَعَ حُبِّ الدُّنْيَا. أَوْ كَمَا قَالَ. فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مَشْغُولًا بِاَللَّهِ عَاقِلًا لِلْحَقِّ مُتَفَكِّرًا فِي الْعِلْمِ فَقَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا أَنَّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/140)
الْعَيْنَ إذَا صُرِفَتْ إلَى النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدْ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يُوعَ فِيهِ الْحَقُّ فَقَدْ نَسِيَ رَبَّهُ فَلَمْ يُوضَعْ فِي مَوْضِعٍ بَلْ هُوَ ضَائِعٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ قَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ لَمْ يُوضَعْ أَصْلًا. فَإِنَّ مَوْضِعَهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَى الْحَقِّ بَاطِلٌ فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِي الْحَقِّ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْبَاطِلُ وَالْبَاطِلُ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعًا. وَالْقَلْبُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْحَقَّ. فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ مَا خُلِقَ لَهُ. {سُنَّةَ اللَّهِ} {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَتْرُوكِ مُخِلٍّ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي أَوْدِيَةِ الْأَفْكَارِ وَأَقْطَارِ الْأَمَانِي لَا يَكُونُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ مِنْ الْفَرَاغِ وَالتَّخَلِّي فَقَدْ وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا مُطْلَقٍ وَلَا مُعَلَّقٍ مَوْضُوعٍ لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَسُبْحَانَ رَبِّنَا الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَإِنَّمَا تَنْكَشِفُ لِلْإِنْسَانِ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْحَقِّ إمَّا فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْإِنَابَةِ أَوْ عِنْدَ الْمُنْقَلَبِ إلَى الْآخِرَةِ فَيَرَى سُوءَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَكَيْفَ كَانَ قَلْبُهُ ضَالًّا عَنْ الْحَقِّ. هَذَا إذَا صُرِفَ فِي الْبَاطِلِ. فَأَمَّا لَوْ تُرِكَ وَحَالُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا فَارِغًا عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ خَالِيًا عَنْ كُلِّ فِكْرٍ فَقَدْ كَانَ يَقْبَلُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا جَهْلَ فِيهِ وَيَرَى الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ وَيُنِيبُ إلَيْهِ. فَإِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ لَا يُحَسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعٍ {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} وَإِنَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ فِي غَالِبِ الْحَالِ شُغْلُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَرَى مَعَ ذَلِكَ الْهِلَالَ أَوْ هُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَيَصُدُّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ كَالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا قَذًى لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ. ثُمَّ الْهَوَى قَدْ يَعْتَرِضُ لَهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَيَصُدُّهُ عَنْ النَّظَرِ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ كَمَا قِيلَ: حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيَصُمُّ. فَيَبْقَى فِي ظُلْمَةِ الْأَفْكَارِ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ كِبْرٍ يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَيَجْحَدَهُ وَيُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ فِيهِمْ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/141)
ثُمَّ الْقَلْبُ لِلْعِلْمِ كَالْإِنَاءِ لِلْمَاءِ وَالْوِعَاءِ لِلْعَسَلِ وَالْوَادِي لِلسَّيْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الْآيَةُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا: فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَسَقَى النَّاسُ وَزَرَعُوا. وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً إنَّمَا قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا أُرْسِلْت بِهِ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ} وَفِي حَدِيثِ كميل بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا. وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ: الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرَقُّهَا وَأَصْفَاهَا. وَهَذَا مَثَلٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا كَانَ رَقِيقًا لَيِّنًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ سَهْلًا يَسِيرًا وَرَسَخَ الْعِلْمُ فِيهِ وَثَبَتَ وَأَثَّرَ وَإِنْ كَانَ قَاسِيًا غَلِيظًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ صَعْبًا عَسِيرًا. وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ زَكِيًّا صَافِيًا سَلِيمًا حَتَّى يَزْكُوَ فِيهِ الْعِلْمُ وَيُثْمِرَ ثَمَرًا طَيِّبًا وَإِلَّا فَلَوْ قَبِلَ الْعِلْمَ وَكَانَ فِيهِ كَدَرٌ وَخَبَثٌ أَفْسَدَ ذَلِكَ الْعِلْمَ وَكَانَ كَالدَّغَلِ فِي الزَّرْعِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْحَبَّ مِنْ أَنْ يَنْبُتَ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَزْكُوَ وَيَطِيبَ وَهَذَا بَيِّنٌ لِأُولِي الْأَبْصَارِ.
وَ تَلْخِيصُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْحَقِّ فَلَهُ وَجْهَانِ:وَجْهٌ مُقْبِلٌ عَلَى الْحَقِّ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ: وِعَاءٌ وَإِنَاءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ مَا يُوعَى فِيهِ وَيُوضَعُ فِيهِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ وُجُودٍ وَثُبُوتٍ.
وَوَجْهٌ مُعْرِضٌ عَنْ الْبَاطِلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ: زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ وَطَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الشَّرِّ وَانْتِفَاءِ الْخَبَثِ وَالدَّغَلِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ عَدَمٍ وَنَفْيٍ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إذَا صُرِفَ إلَى الْبَاطِلِ فَلَهُ وَجْهَانِ كَذَلِكَ.
وَجْهُ الْوُجُودِ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إلَى الْبَاطِلِ مَشْغُولٌ بِهِ.
وَوَجْهُ الْعَدَمِ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْحَقِّ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ وَهَذَا يُبَيِّنُ مِنْ الْبَيَانِ وَالْحُسْنِ وَالصِّدْقِ مَا فِي قَوْلِهِ:
إذَا مَا وَضَعْت الْقَلْبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ * * * بِغَيْرِ إنَاءٍ فَهُوَ قَلْبٌ مُضَيِّعُ
فَإِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَ مَنْ ضَيَّعَ قَلْبَهُ فَظَلَمَ نَفْسَهُ بِأَنْ اشْتَغَلَ بِالْبَاطِلِ وَمَلَأَ بِهِ قَلْبَهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِلْحَقِّ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْوُلُوجِ فِيهِ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَوَصَفَ حَالَ هَذَا الْقَلْبِ بِوَجْهَيْهِ وَنَعَتَهُ بِمَذْهَبَيْهِ فَذَكَرَ أَوَّلًا وَصْفَ الْوُجُودِ مِنْهُ فَقَالَ: إذَا مَا وَضَعْت الْقَلْبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. يَقُولُ إذَا شَغَلْته بِمَا لَمْ يُخْلَقْ لَهُ فَصَرَفْته إلَى الْبَاطِلِ حَتَّى صَارَ مَوْضُوعًا فِيهِ. ثُمَّ الْبَاطِلُ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: تَشْغَلُ عَنْ الْحَقِّ وَلَا تُعَانِدُهُ مِثْلَ الْأَفْكَارِ وَالْهُمُومِ الَّتِي فِي عَلَائِقِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/142)
وَالثَّانِيَةُ: تُعَانِدُ الْحَقَّ وَتَصُدُّ عَنْهُ مِثْلَ الْآرَاءِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ وَشِبْهِ ذَلِكَ بَلْ الْقَلْبُ لَمْ يُخْلَقْ إلَّا لِذِكْرِ اللَّهِ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مَوْضِعًا لَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ " ثَانِيًا " وَصْفَ الْعَدَمِ فِيهِ فَقَالَ بِغَيْرِ إنَاءٍ ثُمَّ يَقُولُ: إذَا وَضَعْته بِغَيْرِ إنَاءٍ ضَيَّعْته وَلَا إنَاءَ مَعَك كَمَا تَقُولُ حَضَرْت الْمَجْلِسَ بِلَا مَحْبَرَةٍ فَالْكَلِمَةُ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ. لَا مِنْ الْمَوْضُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَقُولُ إذَا مَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَدْ شُغِلَ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْحَقُّ وَيَنْزِلُ إلَيْهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْقَلْبِ فَقَلْبُك إذًا مُضَيَّعٌ ضَيَّعْته مِنْ وَجْهَيْ التَّضْيِيعِ وَإِنْ كَانَا مُتَّحِدَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّك وَضَعْته فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا إنَاءَ مَعَك يَكُونُ وِعَاءً لِلْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْطَاهُ؛ كَمَا لَوْ قِيلَ لِمَلِكِ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهْوِ: إذَا اشْتَغَلَ بِغَيْرِ الْمَمْلَكَةِ وَلَيْسَ فِي الْمَمْلَكَةِ مَنْ يُدَبِّرُهَا فَهُوَ مَلِكٌ ضَائِعٌ لَكِنَّ الْإِنَاءَ هُنَا هُوَ الْقَلْبُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيمَا يَجِبُ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
وَإِنَّمَا خَرَجَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ اثْنَيْنِ بِذِكْرِ نَعْتَيْنِ لِشَيْءِ وَاحِدٍ. كَمَا جَاءَ نَحْوُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} قَالَ قتادة وَالرَّبِيعُ: هُوَ الْقُرْآنُ: فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ لَهُ وَصْفَانِ كَبِيرَانِ فَهُوَ مَعَ وَصْفٍ وَاحِدٍ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَمَعَ الْوَصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاثْنَيْنِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ صِفَاتُهُ لَتَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ أَشْخَاصٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُحْسِنُ الْحِسَابَ وَالطِّبَّ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حَاسِبٍ وَطَبِيبٍ وَالرَّجُلُ الَّذِي يُحْسِنُ النِّجَارَةَ وَالْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ نَجَّارٍ وَبَنَّاءٍ. وَالْقَلْبُ لَمَّا كَانَ يَقْبَلُ الذِّكْرَ وَالْعِلْمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْإِنَاءَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَسْمَاءِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ رَقِيقًا وَصَافِيًا وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُسْتَطْعِمُ الْمُسْتَعْطِي فِي مَنْزِلَةِ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ. وَلَمَّا كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ الْبَاطِلِ فَهُوَ زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ فَكَأَنَّهُ اثْنَانِ. وَلِيَتَبَيَّنَ فِي الصُّورَةِ أَنَّ الْإِنَاءَ غَيْرُ الْقَلْبِ فَهُوَ يَقُولُ: إذَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْمَطْلُوبُ فَمِثْلُك مِثْلُ رَجُلٍ بَلَغَهُ أَنَّ غَنِيًّا يُفَرِّقُ عَلَى النَّاسِ طَعَامًا وَكَانَ لَهُ زُبْدِيَّةٌ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/143)
أَوْ سُكْرُجَةٌ فَتَرَكَهَا ثُمَّ أَقْبَلَ يَطْلُبُ طَعَامًا فَقِيلَ لَهُ: هَاتِ إنَاءً نُعْطِيَك طَعَامًا فَأَمَّا إذَا أَتَيْت وَقَدْ وَضَعْت زُبْدِيَّتَك - مَثَلًا - فِي الْبَيْتِ وَلَيْسَ مَعَك إنَاءٌ نُعْطِيك فَلَا تَأْخُذْ شَيْئًا فَرَجَعْت بِخُفَّيْ حنين. وَإِذَا تَأَمَّلَ مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِأَسَالِيبِ الْبَيَانِ وَتَصَارِيفِ اللِّسَانِ وَجَدَ مَوْقِعَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ كِلَيْهِمَا مَوْقِعًا حَسَنًا بَلِيغًا فَإِنَّ نَقِيضَ هَذِهِ الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُقْبِلًا عَلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالذِّكْرِ مُعْرِضًا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتِلْكَ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ الْحَنَفَ هُوَ إقْبَالُ الْقَدَمِ وَمَيْلُهَا إلَى أُخْتِهَا فَالْحَنَفُ الْمَيْلُ عَنْ الشَّيْءِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى آخَرَ؛ فَالدِّينُ الْحَنِيفُ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ. وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَرْجَمَتْهُ كَلِمَةُ الْحَقِّ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَهَذَا آخِرُ مَا حَضَرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.
مسألة: هل العلم و العقل يقبلان الزيادة و النقصان؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 722)
ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ - أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ وَنَحْوَهُمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بَلْ وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ الَّتِي تَقُومُ بِغَيْرِ الْحَيِّ: كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْأَرْوَاحِ. فَنَقُولُ أَوَّلًا الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ هِيَ الَّتِي يَجِبُ وُقُوعُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً فَإِنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَجَبَ وُجُودُ الْفِعْلِ لِكَمَالِ وُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ وَمَتَى وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ لَمْ تَكُنْ الْإِرَادَةُ جَازِمَةً وَهُوَ إرَادَاتُ الْخَلْقِ لِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْإِرَادَاتُ مُتَفَاوِتَةً فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ تَفَاوُتًا كَثِيرًا؛ لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ الْمُرَادُ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ فَلَيْسَتْ الْإِرَادَةُ جَازِمَةً جَزْمًا تَامًّا. وَهَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " إنَّمَا كَثُرَ فِيهَا النِّزَاعُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا إرَادَةً جَازِمَةً لِلْفِعْلِ لَا يَقْتَرِنُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْفِعْلِ وَهَذَا لَا يَكُونُ. وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْعَزْمِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فَقَدْ يَعْزِمُ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَنْ لَا يَفْعَلُ مِنْهُ شَيْئًا فِي الْحَالِ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكْفِي فِي وُجُودِ الْفِعْلِ بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِهِ مِنْ حُدُوثِ تَمَامِ الْإِرَادَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْفِعْلِ وَهَذِهِ هِيَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ.
أيهما أفضل العلم أو العقل؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 305)
سُئِلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
أَيُّمَا أَفْضَلُ: الْعِلْمُ، أَوْ العقل؟
فَأَجَابَ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/144)
إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْكِتَابُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا صِفَةُ الْخَالِقِ: وَالْعَقْلُ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ وَصِفَةُ الْخَالِقِ أَفْضَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَقْلِ أَنْ يَعْقِلَ الْعَبْدُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ فَيَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَيَتْرُكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَهَذَا الْعَقْلُ يَدْخُلُ صَاحِبُهُ بِهِ الْجَنَّةَ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ صَاحِبُهُ بِهِ الْجَنَّةَ. كَمَنْ يَعْلَمُ وَلَا يَعْمَلُ. وَإِنْ أُرِيدَ الْعَقْلُ الْغَرِيزَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي الْعَبْدِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ فَاَلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَغَرِيزَةُ الْعَقْلِ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ. وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ وَسَائِلِهَا. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَقْلِ الْعُلُومُ الَّتِي تَحْصُلُ بِالْغَرِيزَةِ فَهَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ فَلَا يُقَالُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ الْعِلْمُ أَوْ الْعَقْلُ وَلَكِنْ يُقَالُ أَيُّمَا أَفْضَلُ هَذَا الْعِلْمُ أَوْ هَذَا الْعِلْمُ فَالْعُلُومُ بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ فَالْعِلْمُ بِاَللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ بِخَلْقِهِ وَلِهَذَا كَانَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ أَفْضَلَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَتْ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ " ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ ": ثُلُثٌ تَوْحِيدٌ وَثُلُثٌ قَصَصٌ وَثُلُثٌ أَمْرٌ وَنَهْيٌ. وَثُلُثُ التَّوْحِيدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْمَيْنِ يَحْتَمِلُ مَعَانٍ كَثِيرَةً فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ بِلَا تَفْصِيلٍ وَلِهَذَا كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهَا لِمَنْ لَمْ يَفْصِلْ وَمَنْ فَصَلَ الْجَوَابَ فَقَدْ أَصَابَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة ما هي الفطرة التي فطر عليها الناس و لماذا يخالفونها أحياناً؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 30)
الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ لِغَلَطِ الْحِسِّ الْبَاطِنِ أَوْ الظَّاهِرِ وَالْعَقْلِ: بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْعَارِضِ لِحَرَكَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَالْأَصْلُ هُوَ الصِّحَّةُ فِي الْإِدْرَاكِ وَفِي الْحَرَكَةِ. فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ يُعْلَمُ الْغَلَطُ فِيهَا بِأَسْبَابِهَا الْخَاصَّةِ؛ كَالْمُرَّةِ الصَّفْرَاءِ الْعَارِضَةِ لِلطَّعْمِ وَكَالْحَوَلِ فِي الْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَجْزِمُ بِهِ وَجَدَ أَكْثَرَ النَّاسِ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِمَا لَا يُجْزَمُ بِهِ إنَّمَا جَزْمُهُمْ لِنَوْعِ مِنْ الْهَوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَقَالَ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}. وَلِهَذَا تَجِدُ الْيَهُودَ يُصَمِّمُونَ وَيُصِرُّونَ عَلَى بَاطِلِهِمْ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْقَسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَهْوَاءِ. وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَعْظَمُ ضَلَالًا مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي الْعَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ أَقَلَّ مِنْهُمْ شَرًّا فَلَيْسُوا جَازِمِينَ بِغَالِبِ ضَلَالِهِمْ بَلْ عِنْدَ الِاعْتِبَارِ تَجِدُ مَنْ تَرَكَ الْهَوَى مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَنَظَرَ نَوْعَ نَظَرٍ تَبَيَّنَ لَهُ الْإِسْلَامُ حَقًّا.
مسألة ما الفرق بين فطرة الإسلام و فطرة الخلق؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 245)
سُئِلَ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/145)
عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} مَا مَعْنَاهُ؟: أَرَادَ فِطْرَةَ الْخَلْقِ أَمْ فِطْرَةَ الْإِسْلَامِ؟. وَفِي قَوْلِهِ: {الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ} الْحَدِيثَ. هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ. وَفِي الْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ هَلْ يُحْيِيهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ} فَالصَّوَابُ أَنَّهَا فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِطْرَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}. وَهِيَ السَّلَامَةُ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْقَبُولُ لِلْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ. فَإِنَّ حَقِيقَةَ " الْإِسْلَامِ " أَنْ يَسْتَسْلِمَ لِلَّهِ؛ لَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: {كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟} بَيَّنَ أَنَّ سَلَامَةَ الْقَلْبِ مِنْ النَّقْصِ كَسَلَامَةِ الْبَدَنِ وَأَنَّ الْعَيْبَ حَادِثٌ طَارِئٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُرْوَى عَنْ اللَّهِ: {إنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ
عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}. وَلِهَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: إلَى أَنَّ الطِّفْلَ مَتَى مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ؛ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلتَّغْيِيرِ عَنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ؛ وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَعَنْهُمَا: أَنَّهُمْ قَالُوا " يُولَدُ عَلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ مِنْ شَقَاوَةٍ وَسَعَادَةٍ " وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ فَإِنَّ الطِّفْلَ يُولَدُ سَلِيمًا وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَكْفُرُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ جَمْعَاءَ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا سَتُجْدَعُ. وَهَذَا مَعْنَى مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ: طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا؛ وَلَوْ تُرِكَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} يَعْنِي طَبَعَهُ اللَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَيْ كَتَبَهُ وَأَثْبَتَهُ كَافِرًا؛ أَيْ أَنَّهُ إنْ عَاشَ كَفَرَ بِالْفِعْلِ. وَلِهَذَا {لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ يَمُوتُ مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ} أَيْ اللَّهُ يَعْلَمُ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْهُمْ وَمَنْ يَكْفُرُ لَوْ بَلَغُوا. ثُمَّ إنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " {إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْتَحِنُهُمْ وَيَبْعَثُ إلَيْهِمْ رَسُولًا فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ أَجَابَهُ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ أَدْخَلَهُ النَّارَ} فَهُنَالِكَ يَظْهَرُ فِيهِمْ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَيَجْزِيهِمْ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْعِلْمِ وَهُوَ إيمَانُهُمْ وَكُفْرُهُمْ؛ لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْعِلْمِ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/146)
وَهَذَا أَجْوَدُ مَا قِيلَ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَعَلَيْهِ تَتَنَزَّلُ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ. وَمَثَلُ الْفِطْرَةِ مَعَ الْحَقِّ: مَثَلُ ضَوْءِ الْعَيْنِ مَعَ الشَّمْسِ وَكُلُّ ذِي عَيْنٍ لَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ حِجَابٍ لَرَأَى الشَّمْسَ وَالِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةَ الْعَارِضَةَ مَنْ تَهَوَّدَ وَتَنَصَّرَ وَتَمَجَّسَ: مَثَلُ حِجَابٍ يَحُولُ بَيْنَ الْبَصَرِ وَرُؤْيَةِ الشَّمْسِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ يُحِبُّ الْحُلْوَ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ فِي الطَّبِيعَةِ فَسَادٌ يُحَرِّفُهُ حَتَّى يُجْعَلَ الْحُلْوُ فِي فَمِهِ مُرًّا. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَوْلُودِينَ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونُوا حِينَ الْوِلَادَةِ مُعْتَقِدِينَ لِلْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نَعْلَمُ شَيْئًا وَلَكِنْ سَلَامَةُ الْقَلْبِ وَقَبُولُهُ وَإِرَادَتُهُ لِلْحَقِّ: الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ مِنْ غَيْرِ مُغَيِّرٍ لَمَا كَانَ إلَّا مُسْلِمًا. وَهَذِهِ الْقُوَّةُ الْعِلْمِيَّةُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي تَقْتَضِي بِذَاتِهَا الْإِسْلَامَ مَا لَمْ يَمْنَعْهَا مَانِعٌ: هِيَ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ - {إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ: اُكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ}. وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ - بِعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لَهُ - الشَّقِيَّ مِنْ عِبَادِهِ وَالسَّعِيدَ وَكَتَبَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَيَأْمُرُ الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ حَالَ كُلِّ مَوْلُودٍ مَا بَيْنَ خَلْقِ جَسَدِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ إلَى كُتُبٍ أُخَرَ يَكْتُبُهَا اللَّهُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. وَمَنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَجَمِيعُهَا يَحْشُرُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} وَحَرْفُ (إذَا إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَأْتِي لَا مَحَالَةَ. وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْشُرُ الْبَهَائِمَ وَيَقْتَصُّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ يَقُولُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا. فَتَصِيرُ تُرَابًا. فَيَقُولُ الْكَافِرُ حِينَئِذٍ {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} وَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَحْيَا فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ أَقْبَحَ خَطَأٍ؛ بَلْ هُوَ ضَالٌّ أَوْ كَافِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -::
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/147)
{كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَطَرَ الْقُلُوبَ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي مَحْبُوبَاتِهَا وَمُرَادَاتِهَا مَا تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَتَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا اللَّهُ؛ وَإِلَّا فَكُلَّمَا أَحَبَّهُ الْمُحِبُّ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ قَلْبَهُ يَطْلُبُ سِوَاهُ وَيُحِبُّ أَمْرًا غَيْرَهُ يتألهه وَيَصْمُدُ إلَيْهِ وَيَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَيَرَى مَا يُشْبِهُهُ مِنْ أَجْنَاسِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
مسألة هل يمكن أن تزول فطرة الإسلام أو يذهل عنها الإنسان؟
مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 344)
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مَحَبَّتَهُ هُمْ الَّذِينَ قَالُوا: مَعْرِفَتُهُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالنَّظَرِ فَأَنْكَرُوا مَا فِي فِطَرِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ. ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْإِنْكَارُ سَبَبًا إلَى امْتِنَاعِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ وَقَدْ يَزُولُ عَنْ قَلْبِ أَحَدِهِمْ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ قَدْ تَفْسُدُ فَقَدْ تَزُولُ وَقَدْ تَكُونُ مَوْجُودَةً وَلَا تُرَى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} {مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ}. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}.
مسألة متى يحصل ذلك؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 312)
إِذَا كَانَ الْقَلْبُ مَشْغُولًا بِاَللَّهِ عَاقِلًا لِلْحَقِّ مُتَفَكِّرًا فِي الْعِلْمِ فَقَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ إذَا صُرِفَتْ إلَى النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدْ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يُوعَ فِيهِ الْحَقُّ فَقَدْ نَسِيَ رَبَّهُ فَلَمْ يُوضَعْ فِي مَوْضِعٍ بَلْ هُوَ ضَائِعٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ قَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ لَمْ يُوضَعْ أَصْلًا. فَإِنَّ مَوْضِعَهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَى الْحَقِّ بَاطِلٌ فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِي الْحَقِّ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْبَاطِلُ وَالْبَاطِلُ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعًا. وَالْقَلْبُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْحَقَّ. فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ مَا خُلِقَ لَهُ. {سُنَّةَ اللَّهِ} {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَتْرُوكِ مُخِلٍّ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي أَوْدِيَةِ الْأَفْكَارِ وَأَقْطَارِ الْأَمَانِي لَا يَكُونُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ مِنْ الْفَرَاغِ وَالتَّخَلِّي فَقَدْ وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا مُطْلَقٍ وَلَا مُعَلَّقٍ مَوْضُوعٍ لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَسُبْحَانَ رَبِّنَا الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَإِنَّمَا تَنْكَشِفُ لِلْإِنْسَانِ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْحَقِّ إمَّا فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْإِنَابَةِ أَوْ عِنْدَ الْمُنْقَلَبِ إلَى الْآخِرَةِ فَيَرَى سُوءَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَكَيْفَ كَانَ قَلْبُهُ ضَالًّا عَنْ الْحَقِّ. هَذَا إذَا صُرِفَ فِي الْبَاطِلِ. فَأَمَّا لَوْ تُرِكَ وَحَالُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/148)
فَارِغًا عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ خَالِيًا عَنْ كُلِّ فِكْرٍ فَقَدْ كَانَ يَقْبَلُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا جَهْلَ فِيهِ وَيَرَى الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ وَيُنِيبُ إلَيْهِ. فَإِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ لَا يُحَسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعٍ
{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} وَإِنَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ فِي غَالِبِ الْحَالِ شُغْلُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَرَى مَعَ ذَلِكَ الْهِلَالَ أَوْ هُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَيَصُدُّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ كَالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا قَذًى لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ. ثُمَّ الْهَوَى قَدْ يَعْتَرِضُ لَهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَيَصُدُّهُ عَنْ النَّظَرِ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ كَمَا قِيلَ: حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيَصُمُّ. فَيَبْقَى فِي ظُلْمَةِ الْأَفْكَارِ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ كِبْرٍ يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَيَجْحَدَهُ وَيُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ فِيهِمْ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.
مسألة هل فساد الفطرة مرض؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 135)
فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ؛ فَإِذَا تُرِكَتْ الْفِطْرَةُ بِلَا فَسَادٍ كَانَ الْقَلْبُ عَارِفًا بِاَللَّهِ مُحِبًّا لَهُ عَابِدًا لَهُ وَحْدَهُ لَكِنْ تَفْسُدُ فِطْرَتُهُ مِنْ مَرَضِهِ كَأَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُغَيِّرُ فِطْرَتَهُ الَّتِي فَطَرَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ - كَمَا يُغَيَّرُ الْبَدَنُ بِالْجَدْعِ - ثُمَّ قَدْ يَعُودُ إلَى الْفِطْرَةِ إذَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا مَنْ يَسْعَى فِي إعَادَتِهَا إلَى الْفِطْرَةِ. وَالرُّسُلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ بُعِثُوا لِتَقْرِيرِ الْفِطْرَةِ وَتَكْمِيلِهَا لَا لِتَغْيِيرِ الْفِطْرَةِ وَتَحْوِيلِهَا وَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مُحِبًّا لِلَّهِ وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ لَمْ يُبْتَلَ بِحُبِّ غَيْرِهِ أَصْلًا، فَضْلًا أَنْ يُبْتَلَى بِالْعِشْقِ. وَحَيْثُ اُبْتُلِيَ بِالْعِشْقِ فَلِنَقْصِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ يُوسُفُ مُحِبًّا لِلَّهِ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ لَمْ يُبْتَلَ بِذَلِكَ بَلْ قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. وَأَمَّا امْرَأَةُ الْعَزِيزِ فَكَانَتْ مُشْرِكَةً هِيَ وَقَوْمُهَا فَلِهَذَا اُبْتُلِيَتْ بِالْعِشْقِ وَمَا يُبْتَلَى بِالْعِشْقِ أَحَدٌ إلَّا لِنَقْصِ تَوْحِيدِهِ وَإِيمَانِهِ وَإِلَّا فَالْقَلْبُ الْمُنِيبُ إلَى اللَّهِ الْخَائِفُ مِنْهُ فِيهِ صَارِفَانِ يَصْرِفَانِ عَنْ الْعِشْقِ: (أَحَدُهُمَا إنَابَتُهُ إلَى اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَلَذُّ وَأَطْيَبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا تَبْقَى مَعَ مَحَبَّةِ اللَّهِ مَحَبَّةُ مَخْلُوقٍ تُزَاحِمُهُ.
كيف تجتمع فطرة الإسلام مع فطرة الخلق بالشقاوة؟ فكيف يولد الإنسان على فطرة الإسلام و مع هذا يكون مكتوباً عليه الشقاء؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/149)
مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 395)
نَقُولُ: الْجَبْرُ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فَسَّرْنَاهُ وَأَمَّا إثْبَاتُ الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الِاسْتِنَانِ وَالْآثَارِ وَأُولِي الْأَلْبَابِ وَالْأَبْصَارِ لَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَبْرِ خَشْيَةَ الِالْتِبَاسِ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَفِرَارًا مِنْ تَبَادُرِ الْأَفْهَامِ إلَيْهِ وَرُبَّمَا سُمِّيَ جَبْرًا إذَا أَمِنَ مِنْ اللَّبْسِ وَعُلِمَ الْقَصْدُ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ دَاحِي الْمَدْحُوَّاتِ وَبَارِيَ الْمَسْمُوكَاتِ جَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَاتِهَا شَقَاهَا أَوْ سَعْدِهَا. فَبَيَّنَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَبَرَ الْقُلُوبَ عَلَى مَا فَطَرَهَا عَلَيْهِ: مِنْ شَقَاوَةٍ أَوْ سَعَادَةٍ وَهَذِهِ الْفِطْرَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَتْ الْفِطْرَةُ الْأُولَى وَبِكِلَا الْفِطْرَتَيْنِ فُسِّرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} وَتَفْسِيرُهُ بِالْأُولَى وَاضِحٌ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القرظي - وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلِ تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَعْيَانِهِمْ وَرُبَّمَا فُضِّلَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ - فِي قَوْلِهِ {الْجَبَّارُ} قَالَ جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَشَهَادَةُ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ وَرُؤْيَةُ أَهْلِ الْبَصَائِرِ وَالِاسْتِدْلَالِ التَّامِّ لِتَقْلِيبِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قُلُوبَ الْعِبَادِ وَتَصْرِيفِهِ إيَّاهَا وَإِلْهَامِهِ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا وَتَنْزِيلِ الْقَضَاءِ النَّافِذِ مِنْ عِنْدِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ فِي أَدْنَى مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ عَلَى قُلُوبِ الْعَالَمِينَ حَتَّى تَتَحَرَّكَ الْجَوَارِحُ بِمَا قُضِيَ لَهَا وَعَلَيْهَا بَيَّنَ غَايَةَ الْبَيَانِ إلَّا لِمَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصَرَهُ وَقَلْبَهُ.
ما الرد على من أنكر فطرة الإسلام لفطرة الخلق؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 243)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
رَدًّا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَائِرٌ إلَيْهِ:
مَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ فَجَمِيعُ الْبَهَائِمِ هِيَ مَوْلُودَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لَهَا؛ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كُلُّ مَخْلُوقٍ مَخْلُوقًا عَلَى الْفِطْرَةِ. وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ {فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ} مَعْنًى: فَإِنَّهُمَا فَعَلَا بِهِ مَا هُوَ الْفِطْرَةُ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّهْوِيدِ وَالتَّنْصِيرِ. ثُمَّ قَالَ: فَتَمْثِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَهِيمَةِ الَّتِي وَلَدَتْ جَمْعَاءَ؛ ثُمَّ جُدِعَتْ: يُبَيِّنُ أَنَّ أَبَوَيْهِ غَيَّرَا مَا وُلِدَ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُقَالُ: وَقَوْلُكُمْ خُلِقُوا خَالِينَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ بَلْ يَكُونُ الْقَلْبُ كَاللَّوْحِ الَّذِي يَقْبَلُ كِتَابَةَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَلَيْسَ هُوَ لِأَحَدِهِمَا أَقْبَلَ مِنْهُ لِلْآخَرِ فَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا.
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 244)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/150)
فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِنْكَارِ وَالتَّهْوِيدِ وَالتَّنْصِيرِ وَالْإِسْلَامِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فَأَبَوَاهُ يُسَلِّمَانِهِ وَيُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ؛ فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَبَوَيْهِ يُكَفِّرَانِهِ وَذَكَرَ الْمِلَلَ الْفَاسِدَةَ دُونَ الْإِسْلَامِ: عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي حُصُولِ سَبَبٍ مُفَصَّلٍ غَيْرِ حُكْمِ الْكُفْرِ. ثُمَّ قَالَ: فَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا كَانَ قَابِلًا لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا وَلَا ذَمًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}. وَأَيْضًا: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهَا بِالْبَهِيمَةِ الْمُجْتَمِعَةِ الْخَلْقِ وَشَبَّهَ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا مِنْ الْكُفْرِ بِجَدْعِ الْأَنْفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَمَالَهَا مَحْمُودٌ وَنَقْصَهَا مَذْمُومٌ فَكَيْفَ تَكُونُ قَبْلَ النَّقْصِ لَا مَحْمُودَةً وَلَا مَذْمُومَةً؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة على ماذا تدل الفطرة؟
مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 345)
مَعْنَى قَوْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا: {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ} وَرُوِيَ {عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ}. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {إنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}. فأخبر أَنَّهُ خَلَقَهُمْ حُنَفَاءَ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ مَعْرِفَةَ الرَّبِّ وَمَحَبَّتَهُ وَتَوْحِيدَهُ. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَضَمَّنَتْهَا الْحَنِيفِيَّةُ وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي هِيَ {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} فِيهَا إثْبَاتُ مَعْرِفَتِهِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ. وَفِيهَا إثْبَاتُ مَحَبَّتِهِ فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَأْلُوهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَأْلُوهًا؛ وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَحَبَّةِ. وَفِيهَا أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. فَفِيهَا الْمَعْرِفَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالتَّوْحِيدُ. وَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي خَلَقَهُمْ عَلَيْهَا. وَلَكِنَّ أَبَوَاهُ يُفْسِدَانِ ذَلِكَ فَيُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ وَيُشْرِكَانِهِ.
كَذَلِكَ يُجَهِّمَانِهِ فَيَجْعَلَانِهِ مُنْكِرًا لِمَا فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَمَحَبَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ. ثُمَّ الْمَعْرِفَةُ يَطْلُبُهَا بِالدَّلِيلِ وَالْمَحَبَّةُ يُنْكِرُهَا بِالْكُلِّيَّةِ. وَالتَّوْحِيدُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْمَحَبَّةِ يُنْكِرُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ تَوْحِيدُ الْخَلْقِ وَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذَا التَّوْحِيدِ وَهَذَا الشِّرْكُ. فَهُمَا يُشْرِكَانِهِ وَيُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَقْوَالُ النَّاسِ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
مسألة كيف يولدون على الفطرة و هم خرجوا من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 247)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/151)
لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَوْلُودِينَ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونُوا حِينَ الْوِلَادَةِ مُعْتَقِدِينَ لِلْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نَعْلَمُ شَيْئًا وَلَكِنْ سَلَامَةُ الْقَلْبِ وَقَبُولُهُ وَإِرَادَتُهُ لِلْحَقِّ: الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ مِنْ غَيْرِ مُغَيِّرٍ لَمَا كَانَ إلَّا مُسْلِمًا. وَهَذِهِ الْقُوَّةُ الْعِلْمِيَّةُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي تَقْتَضِي بِذَاتِهَا الْإِسْلَامَ مَا لَمْ يَمْنَعْهَا مَانِعٌ: هِيَ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا.
مسألة: إذا كانت الفطرة أصل الخير في الإنسان فما أصل الشر؟
مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 289)
الْغَفْلَةُ وَالشَّهْوَةُ أَصْلُ الشَّرِّ. قَالَ تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} وَالْهَوَى وَحْدَهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِ السَّيِّئَاتِ إلَّا مَعَ الْجَهْلِ. وَإِلَّا فَصَاحِبُ الْهَوَى، إذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِك يَضُرُّهُ ضَرَرًا رَاجِحًا: انْصَرَفَتْ نَفْسُهُ عَنْهُ بِالطَّبْعِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّفْسِ حُبًّا لِمَا يَنْفَعُهَا، وَبُغْضًا لِمَا يَضُرُّهَا. فَلَا تَفْعَلُ مَا تَجْزِمُ بِأَنَّهُ يَضُرُّهَا ضَرَرًا رَاجِحًا. بَلْ مَتَى فَعَلَتْهُ كَانَ لِضَعْفِ الْعَقْلِ. وَلِهَذَا يُوصَفُ هَذَا بِأَنَّهُ عَاقِلٌ، وَذُو نُهًى، وَذُو حِجًا.
مسألة: هل هناك من يزين للنفس السيئات؟
مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 289)
لِهَذَا كَانَ الْبَلَاءُ الْعَظِيمُ مِنْ الشَّيْطَانِ. لَا مِنْ مُجَرَّدِ النَّفْسِ. فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُزَيِّنُ لَهَا السَّيِّئَاتِ. وَيَأْمُرُهَا بِهَا، وَيَذْكُرُ لَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْمَحَاسِنِ. الَّتِي هِيَ مَنَافِعُ لَا مَضَارَّ. كَمَا فَعَلَ إبْلِيسُ بِآدَمَ وَحَوَّاءَ. فَقَالَ {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وَقَوْلُهُ {زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} هُوَ بِتَوْسِيطِ تَزْيِينِ الْمَلَائِكَةِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُؤْمِنِينَ لِلْخَيْرِ. وَتَزْيِينِ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لِلشَّرِّ. قَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} فَأَصْلُ مَا يُوقِعُ النَّاسَ فِي السَّيِّئَاتِ: الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهَا تَضُرُّهُمْ ضَرَرًا رَاجِحًا، أَوْ ظَنُّ أَنَّهَا تَنْفَعُهُمْ نَفْعًا رَاجِحًا. وَلِهَذَا قَالَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ " وَفَسَّرُوا بِذَلِك قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} كَقَوْلِهِ {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَلِهَذَا يُسَمَّى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/152)
حَالُ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ: الْجَاهِلِيَّةَ. فَإِنَّهُ يُصَاحِبُهَا حَالٌ مِنْ حَالٍ جَاهِلِيَّةٍ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَأَلْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ؟ {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} فَقَالُوا: كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ. وَمَنْ تَابَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ: فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ. وَعَنْ قتادة قَالَ " أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَصَى رَبَّهُ فَهُوَ فِي جَهَالَةٍ، عَمْدًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَكُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ " وَكَذَلِك قَالَ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ مُجَاهَدٌ: مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا - مِنْ شَيْخٍ، أَوْ شَابٍّ - فَهُوَ بِجَهَالَةٍ، وَقَالَ: مَنْ عَصَى رَبَّهُ فَهُوَ جَاهِلٌ. حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ إعْطَاءُ الْجَهَالَةِ الْعَمْد. وَقَالَ مُجَاهَدٌ أَيْضًا: مَنْ عَمِلَ سُوءًا خَطَأً، أَوْ إثْمًا عَمْدًا: فَهُوَ جَاهِلٌ. حَتَّى يَنْزِعَ مِنْهُ.
أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ قتادة، وَعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَنَحْوِ ذَلِك " خَطَأٌ، أَوْ عَمْدًا ". وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهَدٍ وَالضَّحَّاكِ قَالَا: لَيْسَ مِنْ جَهَالَتِهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا. وَلَكِنْ مِنْ جَهَالَتِهِ: حِينَ دَخَلَ فِيهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الدُّنْيَا كُلُّهَا جَهَالَةٌ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا؟ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ لَمْ يَعْلَمُوا مَا لَهُمْ مِمَّا عَلَيْهِمْ. قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا؟ قَالَ: فَلْيَخْرُجُوا مِنْهَا. فَإِنَّهَا جَهَالَةٌ. قُلْت: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِك: قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وَكُلُّ مَنْ خَشِيَهُ، وَأَطَاعَهُ، وَتَرَكَ مَعْصِيَتَهُ: فَهُوَ عَالِمٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. وَقَالَ رَجُلٌ لِلشَّعْبِيِّ: أَيُّهَا الْعَالِمُ. فَقَالَ: إنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ. فَإِنَّهُ لَا يَخْشَاهُ إلَّا عَالِمٌ.
وَيَقْتَضِي أَيْضًا: أَنَّ الْعَالِمَ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. كَمَا قَالَ السَّلَفُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا، وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ جَهْلًا ". وَمِثْلُ هَذَا الْحَصْرُ يَكُونُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. حَصْرُ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي. وَهُوَ مُطَّرِدٌ، وَحَصْرُ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ نَحْوَ قَوْلِهِ {إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} وَقَوْلِهِ {إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} وَقَوْلِهِ {إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}. وَذَلِك: أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخَشْيَةَ لِلْعُلَمَاءِ، وَنَفَاهَا عَنْ غَيْرِهِمْ. وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ. فَإِنَّهُ مِنْ النَّفْيِ: إثْبَاتٌ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. كَقَوْلِنَا " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " قَوْله تَعَالَى {وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وَقَوْلِهِ {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وَقَوْلِهِ {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}. وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/153)
مَسْكُوتٌ عَنْهُ. لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مَا ذَكَرَ. ولم يَنْفِ عَنْهُ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ ذَلِك فِي صِيغَةِ الْحَصْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَيَقُولُونَ: نَفَى الْخَشْيَةَ عَنْ غَيْرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُثْبِتْهَا لَهُمْ
وَالصَّوَابُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ. أَنَّ هَذَا كَقَوْلِهِ {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} فَإِنَّهُ يَنْفِي التَّحْرِيمَ عَنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَيُثْبِتُهَا لَهَا. لَكِنْ أَثَبَتَهَا لِلْجِنْسِ. أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؟ كَمَا يُقَالُ: إنَّمَا يَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ. وَلَا يَحُجُّ إلَّا مُسْلِمٌ. وَذَلِك أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هَلْ هُوَ مُقْتَضٍ أَوْ شَرْطٌ؟. فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا: هُوَ مُقْتَضٍ. فَهُوَ عَامٌّ. فَإِنَّ الْعِلْمَ بِمَا أَنَذَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ يُوجِبُ الْخَوْفَ. فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ الْحَامِلَةَ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وِتْرِك السَّيِّئَاتِ. وَكُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ. لَيْسَ بِتَامِّ الْعِلْمِ. يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ السَّيِّئَاتِ الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ. فَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ شَيْئًا مَوْجُودًا. بَلْ هُوَ مِثْلُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَعَدَمِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَسَائِرِ الأعدام. وَالْعَدَمُ: لَا فَاعِلَ لَهُ. وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا. وَإِنَّمَا الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. فَلَا يَجُوز أَنْ يُضَافَ الْعَدَمُ الْمَحْضُ إلَى اللَّهِ. لَكِنْ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِاَللَّهِ، لَا يَدْعُوهُ إلَى الْحَسَنَاتِ، وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ. وَالنَّفْسُ بِطَبْعِهَا مُتَحَوِّلَةٌ. فَإِنَّهَا حَيَّةٌ. وَالْإِرَادَةُ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ} فَكُلُّ آدَمِيٍّ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ. أَيْ عَامِلٌ كَاسِبٌ، وَهُوَ هَمَّامٌ. أَيْ يَهِمُّ وَيُرِيدُ. فَهُوَ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {مَثَلُ الْقَلْبِ: مَثَلُ رِيشَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ وَلَلْقَلْبُ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنْ الْقِدْرِ إذَا اُسْتُجْمِعَتْ غَلَيَانًا}. فَلَمَّا كَانَتْ الْإِرَادَةُ وَالْعَمَلُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهَا. فَإِذَا هَدَاهَا اللَّهُ: عَلَّمَهَا مَا يَنْفَعُهَا وَمَا يَضُرُّهَا. فَأَرَادَتْ مَا يَنْفَعُهَا، وَتَرَكَتْ مَا يَضُرُّهَا.
ما سبب وجود الشر في النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 211)
قَالَ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَلَهُ الْوَحْدَانِيَّةُ فِي إلَهِيَّتِهِ، وَلَهُ الْعَدْلُ وَلَهُ الْعِزَّةُ وَالْحِكْمَةُ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ إنَّمَا يُثْبِتُهَا السَّلَفُ وَأَتْبَاعُهُمْ، فَمَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ السُّنَّةِ نَقَصَ الرَّبَّ بَعْضَ حَقِّهِ. والجهمي الْجَبْرِيُّ: لَا يُثْبِتُ عَدْلًا وَلَا حِكْمَةً، وَلَا تَوْحِيدَ إلَهِيَّتِهِ، بَلْ تَوْحِيدُ رُبُوبِيَّتِهِ، وَالْمُعْتَزِلِيُّ لَا يُثْبِتُ تَوْحِيدَ إلَهِيَّتِهِ، وَلَا عَدْلًا وَلَا عِزَّةً وَلَا حِكْمَةً، وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ يُثْبِتُ حِكْمَةً مَا، مَعْنَاهَا يَعُودُ إلَى غَيْرِهِ، فَتِلْكَ لَا تَكُونُ حِكْمَةً، فَمَنْ فَعَلَ لَا لِأَمْرِ يَرْجِعُ إلَيْهِ بَلْ لِغَيْرِهِ، فَهَذَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ قَاطِبَةً لَيْسَ بِحَكِيمِ، وَإِذَا كَانَ الْحَمْدُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ رَأْسُ الشُّكْرِ، فَهُوَ أَوَّلُ الشُّكْرِ وَالْحَمْدِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى نِعْمَةٍ وَعَلَى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/154)
حِكْمَةٍ، فَالشُّكْرُ بِالْأَعْمَالِ هُوَ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ لَهُ لِإِلَهِيَّتِهِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ حِكْمَتَهُ، فَقَدْ صَارَ مَجْمُوعُ الْأُمُورِ دَاخِلًا فِي الشُّكْرِ. وَلِهَذَا عَظَّمَ الْقُرْآنُ أَمْرَ الشُّكْرِ، وَلَمْ يُعَظِّمْ أَمْرَ الْحَمْدِ مُجَرَّدًا إذْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الشُّكْرِ، وَشُرِعَ الْحَمْدُ الَّذِي هُوَ الشُّكْرُ مَقُولًا أَمَامَ كُلِّ خِطَابٍ مَعَ التَّوْحِيدِ، فَفِي الْفَاتِحَةِ الشُّكْرُ مَعَ التَّوْحِيدِ، وَالْخُطَبُ الشَّرْعِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشُّكْرِ وَالتَّوْحِيدِ. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ نَوْعَانِ: فَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِيهَا الشُّكْرُ وَالتَّنْزِيهُ وَالتَّعْظِيمُ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فِيهَا التَّوْحِيدُ وَالتَّكْبِيرُ، [وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}] (*) وَهَلْ الْحَمْدُ عَلَى الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، كَمَا قِيلَ فِي الْعَزْمِ، أَمْ عَامٌّ؟ فِيهِ نَظَرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدُّ مِنْكَ الْجَدُّ} هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ. و " أَحَقُّ " أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَقَالُوا: {حَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ} وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ؛ بَلْ حَقُّ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ، كَمَا قَالَ: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} وَلَكِنْ أَحَقُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ الْحَمْدُ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ فَفِيهِ أَنَّ الْحَمْدَ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ.
وَإِذَا قِيلَ: يَخْلُقُ مَا هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُوجِبًا لِمَحَبَّةِ الْعِبَادِ لَهُ، وَحَمْدِهِمْ؛ بَلْ الْعَكْسُ؛ وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ بِالذَّمِّ وَالشَّتْمِ نَظْمًا وَنَثْرًا، وَكَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ، فَقَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِهِ لَكِنْ يَرَى أَنْ لَيْسَ فِي ذِكْرِهِ مَنْفَعَةٌ، أَوْ يَخَافُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي شِعْرِ طَائِفَةٍ مِنْ الشُّيُوخِ ذِكْرُ نَحْوِ هَذَا؛ وَيُقِيمُونَ حُجَجَ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ عَلَى اللَّهِ؛ وَهُوَ خِلَافُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} فَقَوْلُهُ: {أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ} يَقْتَضِي أَنَّ حَمْدَهُ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ. . . (1) (*).
وَنَفْسُهُ مُتَحَرِّكَةٌ بِالطَّبْعِ حَرَكَةً لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشَّرِّ حِكْمَةً بَالِغَةً وَنِعْمَةً سَابِغَةً. فَإِذَا قِيلَ: فَلِمَ لَا خَلَقَهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ؟. قِيلَ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ خَلْقًا غَيْرَ الْإِنْسَانِ، وَكَانَتْ الْحِكْمَةُ بِخَلْقِهِ لَا تَحْصُلُ، وَهَذَا سُؤَالُ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ قَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} - إلَى قَوْلِهِ - {إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فَعَلِمَ مِنْ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ هَذَا مَا لَمْ تَعْلَمْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَكَيْفَ يَعْلَمُهُ آحَادُ النَّاسِ، وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ خُلِقَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} {إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} {وَإِذَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/155)
مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} وَقَالَ: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} فَقَدْ خَلَقَ خِلْقَةً تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَا خُلِقَ مِنْهَا، لِحِكْمَةِ عَظِيمَةٍ وَرَحْمَةٍ عَمِيمَةٍ. فَهَذَا مِنْ جِهَةِ الْغَايَةِ مَعَ أَنَّ الشَّرَّ لَا يُضَافُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ.
وَأَمَّا (الْوَجْهُ الثَّانِي): مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ - فَإِنَّ هَذَا الشَّرَّ إنَّمَا وُجِدَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ الَّتِي تُصْلِحُ النَّفْسَ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ بِفِطْرَتِهَا تَقْتَضِي مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ، وَقَدْ هُدِيَتْ إلَى عُلُومٍ وَأَعْمَالٍ تُعِينُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ؛ لَكِنَّ النَّفْسَ الْمُذْنِبَةَ (*) لَمَّا حَصَلَ لَهَا مَنْ زَيَّنَ لَهَا السَّيِّئَاتِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مَالَتْ إلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مُرَكَّبًا مِنْ عَدَمِ مَا يَنْفَعُ، وَهَذَا الْأَصْلُ وَوُجُودُ هَذَا الْعَدَمِ لَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهَؤُلَاءِ الْقَوْلُ فِيهِمْ كَالْقَوْلِ فِيهَا خَلَقَهُمْ لِحِكْمَةِ، فَلَمَّا كَانَ عَدَمُ مَا تَصْلُحُ بِهِ هُوَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ، وَالشَّرُّ الْمَحْضُ هُوَ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، وَهُوَ لَيْسَ شَيْئًا، وَاَللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَكَانَتْ السَّيِّئَاتُ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ. وَالْعَبْدُ إذَا اعْتَرَفَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ إقْرَارًا بِخَلْقِ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَبِكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ، وَاعْتِرَافًا بِفَقْرِهِ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَهْدِهِ فَهُوَ ضَالٌّ، فَخَضَعَ لِعِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ فَهَذَا حَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ اعْتَرَفَ احْتِجَاجًا بِالْقَدَرِ فَهَذَا الذَّنْبُ أَعْظَمُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مِنْ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ.
مسألة: هل النفس و الشيطان يعبدان من دون الله؟
مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 362)
أَصْلُ الشَّرِّ: عِبَادَةُ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَجَعْلُهُمَا شَرِيكَانِ لِلرَّبِّ وَأَنْ يَعْدِلَا بِهِ. وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ تَفْعَلُ الشَّرَّ بِأَمْرِ الشَّيْطَانِ. وَقَدْ {عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ - إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ - اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك. إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وَهَذَا مِنْ تَمَامِ تَحْقِيقِ قَوْله تَعَالَى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} مَعَ قَوْله تَعَالَى {إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} وَقَوْلِهِ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} وَقَدْ ظَهَرَتْ دَعْوَى النَّفْسِ الْإِلَهِيَّةِ فِي فِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ ادَّعَى أَنَّهُ إلَهٌ مَعَ اللَّهِ أَوْ مِنْ دُونِهِ وَظَهَرَتْ فِيمَنْ ادَّعَى إلَهِيَّةَ بَشَرٍ مَعَ اللَّهِ كَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ.
وَأَصْلُ الشِّرْكِ فِي بَنِي آدَمَ: كَانَ مِنْ الشِّرْكِ بِالْبَشَرِ الصَّالِحِينَ الْمُعَظَّمِينَ. فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا: عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ. فَهَذَا أَوَّلُ شِرْكٍ كَانَ فِي بَنِي آدَمَ. وَكَانَ فِي قَوْمِ نُوحٍ. فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. يَدْعُوهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ. وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الشِّرْكِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/156)
{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} وَهَذِهِ أَسْمَاءُ قَوْمٍ صَالِحِينَ كَانُوا فِي قَوْمِ نُوحٍ. فَلَمَّا مَاتُوا جَعَلُوا الْأَصْنَامَ عَلَى صُوَرِهِمْ ثُمَّ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ أَهْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ صَارَتْ إلَى الْعَرَبِ. كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. إنْ لَمْ تَكُنْ أَعْيَانُهَا وَإِلَّا فَهِيَ نَظَائِرُهَا. وَأَمَّا الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ: فَهَذَا كَثِيرٌ. فَمَتَى لَمْ يُؤْمِنْ الْخَلْقُ بِأَنَّهُ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " بِمَعْنَى: أَنَّهُ الْمَعْبُودُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ. وَأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُعْبَدَ وَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُعْبَدَ وَأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ إلَّا بِمَا أَحَبَّهُ مِمَّا شَرَعَ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ - فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعُوا فِي الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ.
إذا كان الشيطان سبب لحصول الجهل في النفس فهل يوجد أسباب لحصول العلم في النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 31)
الْعِلْمُ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ كَمَا تَحْصُلُ سَائِرُ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ بِمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَعَامَّةِ ذَلِكَ بِمَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُنْزِلُ بِهَا عَلَى قُلُوبِ عِبَادِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ. وَلِهَذَا {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ: اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} " وَقَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ} " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا: " إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً فَلَمَّةُ الْمَلَكِ: إيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ. وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ " وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ مَحْفُوظٌ عَنْهُ وَرُبَّمَا رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِأُصُولِ مَا يَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ مِنْ شُعُورٍ وَإِرَادَةٍ. وَذَلِكَ: أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُوَّةُ الشُّعُورِ وَالْإِحْسَاسِ وَالْإِدْرَاكِ وَقُوَّةُ الْإِرَادَةِ وَالْحَرَكَةِ وَإِحْدَاهُمَا أَصْلُ الثَّانِيَةِ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا. وَالثَّانِيَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْأُولَى وَمُكَمِّلَةٌ لَهَا. فَهُوَ بِالْأُولَى يُصَدِّقُ بِالْحَقِّ وَيُكَذِّبُ بِالْبَاطِلِ وَبِالثَّانِيَةِ يُحِبُّ النَّافِعَ الْمُلَائِمَ لَهُ؛ وَيُبْغِضُ الضَّارَّ الْمُنَافِيَ لَهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فِيهَا مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ الْبَاطِلِ وَالتَّكْذِيبُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ النَّافِعِ الْمُلَائِمِ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ وَمَعْرِفَةُ الضَّارِّ الْمُنَافِي وَالْبُغْضُ لَهُ بِالْفِطْرَةِ. فَمَا كَانَ حَقًّا مَوْجُودًا صَدَّقَتْ بِهِ الْفِطْرَةُ وَمَا كَانَ حَقًّا نَافِعًا عَرَفَتْهُ الْفِطْرَةُ فَأَحَبَّتْهُ وَاطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ. وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَمَا كَانَ بَاطِلًا مَعْدُومًا كَذَّبَتْ بِهِ الْفِطْرَةُ فَأَبْغَضَتْهُ الْفِطْرَةُ فَأَنْكَرَتْهُ. قَالَ تَعَالَى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}. وَالْإِنْسَانُ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: " {أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ} " فَهُوَ دَائِمًا يَهُمُّ وَيَعْمَلُ لَكِنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا مَا يَرْجُو نَفْعَهُ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّتِهِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/157)
وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الرَّجَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِقَادٍ بَاطِلٍ إمَّا فِي نَفْسِ الْمَقْصُودِ: فَلَا يَكُونُ نَافِعًا وَلَا ضَارًّا وَإِمَّا فِي الْوَسِيلَةِ: فَلَا تَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهِ. وَهَذَا جَهْلٌ. وَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ يَضُرُّهُ وَيَفْعَلُهُ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ وَيَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ عَارَضَهُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ طَلَبِ لَذَّةٍ أُخْرَى أَوْ دَفْعِ أَلَمٍ آخَرَ جَاهِلًا ظَالِمًا حَيْثُ قَدَّمَ هَذَا عَلَى ذَاكَ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: " سَأَلْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}؟ فَقَالُوا. كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ وَكُلُّ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ ". وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَتَحَرَّكُ إلَّا رَاجِيًا. وَإِنْ كَانَ رَاهِبًا خَائِفًا لَمْ يَسْعَ إلَّا فِي النَّجَاةِ وَلَمْ يَهْرُبْ إلَّا مِنْ الْخَوْفِ فَالرَّجَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا يُلْقَى فِي نَفْسِهِ مِنْ الْإِيعَادِ بِالْخَيْرِ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْمَحْبُوبِ أَوْ فَوَاتُ الْمَكْرُوهِ فَكُلُّ بَنِي آدَمَ لَهُ اعْتِقَادٌ؛ فِيهِ تَصْدِيقٌ بِشَيْءِ وَتَكْذِيبٌ بِشَيْءِ وَلَهُ قَصْدٌ وَإِرَادَةٌ لِمَا يَرْجُوهُ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ مَحْبُوبٌ مُمْكِنُ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَحْبُوبِ عِنْدَهُ؛ أَوْ لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ. وَاَللَّهُ خَلَقَ الْعَبْدَ يَقْصِدُ الْخَيْرَ فَيَرْجُوهُ بِعَمَلِهِ فَإِذَا كَذَّبَ بِالْحَقِّ فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهِ وَلَمْ يَرْجُ الْخَيْرَ فَيَقْصِدَهُ وَيَعْمَلَ لَهُ: كَانَ خَاسِرًا بِتَرْكِ تَصْدِيقِ الْحَقِّ وَطَلَبِ الْخَيْرِ فَكَيْفَ إذَا كَذَّبَ بِالْحَقِّ وَكَرِهَ إرَادَةَ الْخَيْرِ؟ فَكَيْفَ إذَا صَدَّقَ بِالْبَاطِلِ وَأَرَادَ الشَّرَّ؟ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ لِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمَّةً مِنْ الْمَلَكِ وَلَمَّةً مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَمَّةُ الْمَلَكِ تَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ وَ لَمَّةُ الشَّيْطَانِ هُوَ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ إرَادَةِ الشَّرِّ وَظَنِّ وُجُودِهِ: إمَّا مَعَ رَجَائِهِ إنْ كَانَ مَعَ هَوَى نَفْسٍ وَإِمَّا مَعَ خَوْفِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَحْبُوبٍ لَهَا. وَكُلٌّ مِنْ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ.
فَمَبْدَأُ الْعِلْمِ الْحَقِّ وَالْإِرَادَةِ الصَّالِحَةِ: مِنْ لَمَّةِ الْمَلَكِ. وَمَبْدَأُ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَالْإِرَادَةِ الْفَاسِدَةِ: مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ}. وَالشَّيْطَانُ وَسْوَاسٌ خَنَّاسٌ إذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ فَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ وَسْوَسَ فَلِهَذَا كَانَ تَرْكُ ذِكْرِ اللَّهِ سَبَبًا وَمَبْدَأً لِنُزُولِ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَالْإِرَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي الْقَلْبِ وَمِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى: تِلَاوَةُ كِتَابِهِ وَفَهْمُهُ وَمُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: " وَمُذَاكَرَتُهُ تَسْبِيحٌ ".
من علم الحق فأعرض عنه تبعاً لهواه فهل يورثه ذلك الجهل؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 10)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/158)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُهُ تَبَعًا لِهَوَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُهُ الْجَهْلَ وَالضَّلَالَ حَتَّى يَعْمَى قَلْبُهُ عَنْ الْحَقِّ الْوَاضِحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وَهَذَا اسْتِفْهَامُ نَفْيٍ وَإِنْكَارٍ: أَيْ وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِنَّا نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
و ماذا في النفس من الدواعي؟
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 146)
دَاعِي الظُّلْمِ لِنَفْسِهَا بِتَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ الْقَبِيحَةِ كَالزِّنَا وَأَكْلِ الْخَبَائِثِ. فَهِيَ قَدْ تَظْلِمُ مَنْ لَا يَظْلِمُهَا؛ وَتُؤْثِرُ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهَا؛ فَإِذَا رَأَتْ نُظَرَاءَهَا قَدْ ظَلَمُوا وَتَنَاوَلُوا هَذِهِ الشَّهَوَاتِ صَارَ دَاعِي هَذِهِ الشَّهَوَاتِ أَوْ الظُّلْمِ فِيهَا أَعْظَمَ بِكَثِيرِ وَقَدْ تَصْبِرُ؛ وَيَهِيجُ ذَلِكَ لَهَا مِنْ بُغْضِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَحَسَدِهِ وَطَلَبِ عِقَابِهِ وَزَوَالِ الْخَيْرِ عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهَا حُجَّةٌ عِنْدَ نَفْسِهَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؛ يَكُونُ ذَلِكَ الْغَيْرُ قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَالْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ؛ وَالْجِهَادُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ.
و غير ذلك من الدواعي؟
مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 83)
الشَّهْوَةَ وَالْغَضَبَ وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ خُلِقَا لِمَصْلَحَةِ وَمَنْفَعَةٍ؛ لَكِنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ الْعُدْوَانُ فِيهِمَا
كيف نستعمل دواعي النفس و قواها في طاعة الله؟
مجموع الفتاوى - (ج 15 / ص 435)
فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ صَادِرٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْإِرَادِيَّةِ الحبية الشهوية وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ صَادِرٌ عَنْ الْقُوَّةِ الكَرَاهِيَّةِ الْبُغْضِيَّةِ الْغَضَبِيَّةِ النفرية وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ صَادِرٌ عَنْ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ صَادِرٌ عَنْ الْبُغْضِ وَالْكَرَاهَةِ كَذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي الْمَعْرُوفِ وَالتَّرْهِيبُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْحَضُّ عَلَى هَذَا وَالزَّجْرُ عَنْ هَذَا وَلِهَذَا لَا تَكُفُّ النُّفُوسُ عَنْ الظُّلْمِ إلَّا بِالْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ الدفعية وَبِذَلِكَ يَقُومُ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْإِحْسَانَ يَقُومُ بِالْقُوَّةِ الْجَذْبِيَّةِ الشهوية فَإِنَّ انْدِفَاعَ الْمَكْرُوهِ بِدُونِ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ عَدَمٌ؛ إذْ لَا مَحْبُوبَ وَلَا مَكْرُوهَ وَحُصُولُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وُجُودٌ فَاسِدٌ إذْ قَدْ حَصَلَا مَعًا وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ فِي التَّرْجِيحِ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ بَعْضَ النُّفُوسِ هَذَا وَيَخْتَارُ بَعْضَهَا هَذَا وَهَذَا عِنْدَ التَّكَافُؤِ وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ الْيَسِيرُ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْكَثِيرِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهِ الْوُجُودُ كَمَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ الْكَثِيرَ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْيَسِيرِ يَتَرَجَّحُ فِيهِ الْعَدَمُ. لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْتَضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَوْجُودًا؛ وَبِتَقْدِيرِ وَجُودِهِمَا يَحْصُلُ النَّصْرُ كَالرِّزْقِ مَعَ الْخَوْفِ صَارَ يَعْظُمُ فِي الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ. أَمَّا فِي الشَّرْعِ فَبِالتَّقْوَى فَإِنَّ اسْمَهَا فِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/159)
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَظِيمٌ وَالْعَاقِبَةُ لِأَهْلِهَا وَالثَّوَابُ لَهُمْ. وَأَمَّا فِي الطَّبْعِ فَتَعْظِيمُ النُّفُوسِ لِمَنْ نَصْرُهُمْ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ أَهْلَ الرِّزْقِ مُعَظَّمُونَ لِأَهْلِ النَّصْرِ أَكْثَرُ مِنْ تَعْظِيمِ أَهْلِ النَّصْرِ لِأَهْلِ الرِّزْقِ وَذَاكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ النَّصْرَ بِلَا رِزْقٍ يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الْجَالِبَةَ لِلرِّزْقِ مَوْجُودَةٌ تَعْمَلُ عَمَلَهَا وَأَمَّا الرِّزْقُ بِلَا نَصْرٍ فَلَا يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ النَّاصِرَةَ تَابِعَةٌ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ: هُمَا مُتَقَابِلَانِ فَإِنَّ أَهْلَ النَّصْرِ يُحِبُّونَ أَهْلَ الرِّزْقِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ أَهْلُ الرِّزْقِ لِأَهْلِ النَّصْرِ فَإِنَّ الرِّزْقَ مَحْبُوبٌ وَالنَّصْرَ مُعَظَّمٌ.
وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْإِحْسَانَ يَقُومُ بِالْقُوَّةِ الْجَذْبِيَّةِ الشهوية فَإِنَّ انْدِفَاعَ الْمَكْرُوهِ بِدُونِ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ عَدَمٌ؛ إذْ لَا مَحْبُوبَ وَلَا مَكْرُوهَ وَحُصُولُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وُجُودٌ فَاسِدٌ إذْ قَدْ حَصَلَا مَعًا وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ فِي التَّرْجِيحِ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ بَعْضَ النُّفُوسِ هَذَا وَيَخْتَارُ بَعْضَهَا هَذَا وَهَذَا عِنْدَ التَّكَافُؤِ وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ الْيَسِيرُ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْكَثِيرِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهِ الْوُجُودُ كَمَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ الْكَثِيرَ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْيَسِيرِ يَتَرَجَّحُ فِيهِ الْعَدَمُ. لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْتَضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَوْجُودًا؛ وَبِتَقْدِيرِ وَجُودِهِمَا يَحْصُلُ النَّصْرُ كَالرِّزْقِ مَعَ الْخَوْفِ صَارَ يَعْظُمُ فِي الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ. أَمَّا فِي الشَّرْعِ فَبِالتَّقْوَى فَإِنَّ اسْمَهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَظِيمٌ وَالْعَاقِبَةُ لِأَهْلِهَا وَالثَّوَابُ لَهُمْ. وَأَمَّا فِي الطَّبْعِ فَتَعْظِيمُ النُّفُوسِ لِمَنْ نَصْرُهُمْ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ أَهْلَ الرِّزْقِ مُعَظَّمُونَ لِأَهْلِ النَّصْرِ أَكْثَرُ مِنْ تَعْظِيمِ أَهْلِ النَّصْرِ لِأَهْلِ الرِّزْقِ وَذَاكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ النَّصْرَ بِلَا رِزْقٍ يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الْجَالِبَةَ لِلرِّزْقِ مَوْجُودَةٌ تَعْمَلُ عَمَلَهَا وَأَمَّا الرِّزْقُ بِلَا نَصْرٍ فَلَا يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ النَّاصِرَةَ تَابِعَةٌ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ: هُمَا مُتَقَابِلَانِ فَإِنَّ أَهْلَ النَّصْرِ يُحِبُّونَ أَهْلَ الرِّزْقِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ أَهْلُ الرِّزْقِ لِأَهْلِ النَّصْرِ فَإِنَّ الرِّزْقَ مَحْبُوبٌ وَالنَّصْرَ مُعَظَّمٌ.
يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَلَمْ عَظُمَتْ التَّقْوَى؟ فَيُقَالُ: إنَّهَا هِيَ تَحْفَظُ الْفِطْرَةَ وَتَمْنَعُ فَسَادَهَا وَاحْتَاجَ الْعَبْدُ إلَى رِعَايَتِهَا لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ الْفِطْرِيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى مُحَرِّكٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَعْظَمُ مَا دَعَتْ إلَيْهِ الرُّسُلُ الْإِخْلَاصَ وَالنَّهْيَ عَنْ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْفِطْرِيَّ حَاصِلٌ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إخْلَاصِهِ وَدَفْعِ الشِّرْكِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ حَاجَةُ النَّاسِ إلَى السِّيَاسَةِ الدَّافِعَةِ لِظُلْمِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَالْجَالِبَةِ لِمَنْفَعَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا كَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ الزَّكَاةَ النَّافِعَةَ وَحَرَّمَ الرِّبَا الضَّارَّ وَأَصْلُ الدِّينِ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ: الَّذِي أَصْلُهُ الْحُبُّ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ وَهُوَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا النَّاسَ. وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الدِّينِ: انْحَرَفَ فِيهَا فَرِيقٌ مِنْ مُنْحَرِفَةِ الموسوية مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين حَتَّى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/160)
أَنْكَرُوهَا وَزَعَمُوا أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَيْسَتْ إلَّا إرَادَةُ عِبَادَتِهِ ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ تَارِكُونَ لِلْعَمَلِ بِمَا أُمِرُوا بِهِ فَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهَذَا فَاشٍ فِيهِمْ وَهُوَ عَدَمُ الْمَحَبَّةِ وَالْعَمَلِ وَفَرِيقٌ مِنْ مُنْحَرِفَةِ العيسوية مِنْ الصُّوفِيَّةِ والمتعبدين خَلَطُوهَا بِمَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ وَأَنْكَرُوا الْبُغْضَ وَالْكَرَاهِيَةَ فَلَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا وَلَمْ يُكَرِّهُوهُ أَوْ قَصَّرُوا فِي الْكَرَاهَةِ وَالْإِنْكَارِ وَأَدْخَلُوا فِيهَا الصُّوَرَ وَالْأَصْوَاتَ وَمَحَبَّةَ الْأَنْدَادِ. وَلِهَذَا كَانَ لِغُوَاةِ الْأَوَّلِينَ وَصْفُ الْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ النَّاشِئُ عَنْ الْبُغْضِ لِأَنَّ فِيهِمْ الْبُغْضَ دُونَ الْحُبِّ وَكَانَ لِضَلَالِ الْآخَرِينَ وَصْفُ الضَّلَالِ وَالْغُلُوِّ لِأَنَّ فِيهِمْ مُحِبَّةً لِغَيْرِ مَعْبُودٍ صَحِيحٍ فَفِيهِمْ طَلَبٌ وَإِرَادَةٌ وَمَحَبَّةٌ وَلَكِنْ لَا إلَى مَطْلُوبٍ صَحِيحٍ وَلَا مُرَادٍ صَحِيحٍ وَلَا مَحْبُوبٍ صَحِيحٍ بَلْ قَدْ خَلَطُوا وَغَلَوْا وَأَشْرَكُوهُ فَفِيهِمْ مَحَبَّةُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ وُجُودُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ كَمَا فِي الْآخَرِينَ بُغْضُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ دَفْعُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَهْدِينَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ. فَيُحْمَدُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَحَبَّةُ الْحَقِّ وَالِاعْتِرَافُ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ بُغْضُ الْبَاطِلِ وَإِنْكَارُهُ.
لما كانت النفوس فيها شر و الشياطين تزينه لها فهل هناك أثر لخلطة النفوس و الشياطين و إجتماعها؟
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 149)
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا تَعْظُمُ بِهَا الْمِحْنَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى شَيْئَيْنِ: إلَى دَفْعِ الْفِتْنَةِ الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ فِتْنَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَنْ نُفُوسِهِمْ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لَهَا: فَإِنَّ مَعَهُمْ نُفُوسًا وَشَيَاطِينَ كَمَا مَعَ غَيْرِهِمْ فَمَعَ وُجُودِ ذَلِكَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ يَقْوَى الْمُقْتَضِي عِنْدَهُمْ؛ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ فَيَقْوَى الدَّاعِي الَّذِي فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَشَيْطَانُهُ؛ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الدَّاعِي بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَالنَّظِيرِ. فَكَمْ مِمَّنْ لَمْ يَرِدْ خَيْرًا وَلَا شَرًّا حَتَّى رَأَى غَيْرَهُ - لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ نَظِيرُهُ -يَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ فَإِنَّ النَّاسَ كَأَسْرَابِ الْقَطَا؛ مَجْبُولُونَ عَلَى تَشَبُّهِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ. وَلِهَذَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ: لَهُ مِثْلُ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا؛ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا} وَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ نَظِيرِهِ. وَشَبَهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ هَذَانِ دَاعِيَيْنِ قَوِيَّيْنِ: فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِمَا دَاعِيَانِ آخَرَانِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمُنْكَرِ يُحِبُّونَ مَنْ يُوَافِقُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ؛ وَيُبْغِضُونَ مَنْ لَا يُوَافِقُهُمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الدِّيَانَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنْ مُوَالَاةِ كُلِّ قَوْمٍ لِمُوَافَقِيهِمْ؛ وَمُعَادَاتِهِمْ لِمُخَالِفِيهِمْ. وَكَذَلِكَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ كَثِيرًا مَا يَخْتَارُونَ وَيُؤْثِرُونَ مَنْ يُشَارِكُهُمْ: إمَّا لِلْمُعَاوَنَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ كَمَا فِي الْمُتَغَلِّبِينَ مِنْ أَهْلِ الرِّيَاسَاتِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِمْ. وَإِمَّا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/161)
بِالْمُوَافَقَةِ؛ كَمَا فِي الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُمْ يَخْتَارُونَ أَنْ يَشْرَبَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُمْ وَإِمَّا لِكَرَاهَتِهِمْ امْتِيَازَهُ عَنْهُمْ بِالْخَيْرِ: إمَّا حَسَدًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَعْلُوَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَيُحْمَدُ دُونَهُمْ. وَإِمَّا لِئَلَّا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ. وَإِمَّا لِخَوْفِهِمْ مِنْ مُعَاقَبَتِهِ لَهُمْ بِنَفْسِهِ؛ أَوْ بِمَنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ؛ وَلِئَلَّا يَكُونُوا تَحْت مِنَّتِهِ وَخَطَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَدَّتْ الزَّانِيَةُ لَوْ زَنَى النِّسَاءُ كُلُّهُنَّ. وَالْمُشَارِكَةُ قَدْ يَخْتَارُونَهَا فِي نَفْسِ الْفُجُورِ كَالِاشْتِرَاكِ فِي الشُّرْبِ وَالْكَذِبِ وَالِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ وَقَدْ يَخْتَارُونَهَا فِي النَّوْعِ؛ كَالزَّانِي الَّذِي يَوَدُّ أَنَّ غَيْرَهُ يَزْنِي؛ وَالسَّارِقُ الَّذِي يَوَدُّ أَنَّ غَيْرَهُ يَسْرِقُ أَيْضًا؛ لَكِنْ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ الَّتِي زَنَى بِهَا أَوْ سَرَقَهَا. وَأَمَّا الدَّاعِي الثَّانِي فَقَدْ يَأْمُرُونَ الشَّخْصَ بِمُشَارَكَتِهِمْ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرِ. فَإِنْ شَارَكَهُمْ وَإِلَّا عَادُوهُ وَآذَوْهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَهِي إلَى حَدِّ الْإِكْرَاهِ؛ أَوَّلًا يَنْتَهِي إلَى حَدِّ الْإِكْرَاهِ ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْتَارُونَ مُشَارَكَةَ الْغَيْرِ لَهُمْ فِي قَبِيحِ فِعْلِهِمْ أَوْ يَأْمُرُونَهُ بِذَلِكَ وَيَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ: مَتَى شَارَكَهُمْ وَعَاوَنَهُمْ وَأَطَاعَهُمْ انْتَقَصُوهُ وَاسْتَخَفُّوا بِهِ. وَجَعَلُوا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ فِي أُمُورٍ أُخْرَى. وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ عَادَوْهُ وَآذَوْهُ. وَهَذِهِ حَالُ غَالِبِ الظَّالِمِينَ الْقَادِرِينَ. وَهَذَا الْمَوْجُودُ فِي الْمُنْكَرِ نَظِيرُهُ فِي الْمَعْرُوفِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} فَإِنَّ دَاعِيَ الْخَيْرِ أَقْوَى؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ دَاعٍ يَدْعُوهُ إلَى الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ؛ وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ؛ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا وُجِدَ مَنْ يَعْمَلُ مِثْلَ ذَلِكَ صَارَ لَهُ دَاعٍ آخَرُ؛ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ نَظِيرُهُ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ الْمُنَافَسَةِ وَهَذَا مَحْمُودٌ حَسَنٌ. فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُشَارَكَتَهُ لَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالصَّالِحِينَ؛ وَيُبْغِضُهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ: صَارَ لَهُ دَاعٍ ثَالِثٌ؛ فَإِذَا أَمَرُوهُ بِذَلِكَ وَوَالَوْهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَادَوْهُ وَعَاقَبُوهُ عَلَى تَرْكِهِ صَارَ لَهُ دَاعٍ رَابِعٌ. وَلِهَذَا يُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُقَابِلُوا السَّيِّئَاتِ بِضِدِّهَا مِنْ الْحَسَنَاتِ؛ كَمَا يُقَابِلُ الطَّبِيبُ الْمَرَضَ بِضِدِّهِ. فَيُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُ بِأَنْ يُصْلِحَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ: بِفِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ مَعَ وُجُودِ مَا يَنْفِي الْحَسَنَاتِ وَيَقْتَضِي السَّيِّئَاتِ. وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ. وَيُؤْمَرُ أَيْضًا بِإِصْلَاحِ غَيْرِهِ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبِعَةِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ وَإِمْكَانِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ} {إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي سُورَةِ (وَالْعَصْرِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/162)
لَكَفَتْهُمْ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ خَاسِرُونَ إلَّا مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُؤْمِنًا صَالِحًا؛ وَمَعَ غَيْرِهِ مُوصِيًا بِالْحَقِّ مُوصِيًا بِالصَّبْرِ. وَإِذَا عَظُمَتْ الْمِحْنَةُ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ سَبَبًا لِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ وَعَظِيمِ الْأَجْرِ؛ كَمَا {سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ: ثُمَّ الصَّالِحُونَ؛ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ. وَلَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ} وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ مِنْ الصَّبْرِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ غَيْرُهُ: وَذَلِكَ هُوَ سَبَبُ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. فَلَا بُدَّ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَرْكِ السَّيِّئِ الْمَحْظُورِ؛ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّبْرُ عَلَى فِعْلِ الْأَذَى وَعَلَى مَا يُقَالُ؛ وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَكَارِهِ؛ وَالصَّبْرُ عَنْ الْبَطَرِ عِنْدَ النِّعَمِ: وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ. وَلَا يُمْكِنُ الْعَبْدُ أَنْ يَصْبِرَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ وَيَتَنَعَّمُ بِهِ وَيُغْتَذَى بِهِ وَهُوَ الْيَقِينُ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ؛ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ فَسَلُوهُمَا اللَّهُ}. وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ يُحْسِنُ أَوْ أَحَبَّ مُوَافَقَتَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ أَوْ نَهَى غَيْرَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ إحْسَانًا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ؛ مِنْ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ وَانْدِفَاعِ الْمَكْرُوهِ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ لَا تَصْبِرُ عَلَى الْمُرِّ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْحُلْوِ؛ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ؛ حَتَّى جَعَلَ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ نَصِيبًا فِي الصَّدَقَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْبِرَ وَأَنْ يَرْحَمَ وَهَذَا هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ.
مسألة: ما هي أخلاق النفوس و صفاتها و ما الذي يمدح و يذم منها؟
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 154)
النُّفُوسَ لَا تَصْبِرُ عَلَى الْمُرِّ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْحُلْوِ؛ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ؛ حَتَّى جَعَلَ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ نَصِيبًا فِي الصَّدَقَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْبِرَ وَأَنْ يَرْحَمَ وَهَذَا هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ. وَلِهَذَا يُقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ تَارَةً؛ وَهِيَ الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبْرِ تَارَةً. وَلَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ: الصَّلَاةِ؛ وَالزَّكَاةِ؛ وَالصَّبْرِ. لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا بِذَلِكَ؛ فِي صَلَاحِ نُفُوسِهِمْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/163)
وَإِصْلَاحِ غَيْرِهِمْ؛ لَا سِيَّمَا كُلَّمَا قَوِيَتْ الْفِتْنَةُ وَالْمِحْنَةُ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ أَشَدَّ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى السَّمَاحَةِ وَالصَّبْرِ عَامَّةً لِجَمِيعِ بَنِي آدَمَ لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَلَا دُنْيَاهُمْ إلَّا بِهِ. وَلِهَذَا جَمِيعُهُمْ يَتَمَادَحُونَ بِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ حَتَّى إنَّ ذَلِكَ عَامَّةُ مَا يَمْدَحُ بِهِ الشُّعَرَاءُ فِي شِعْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ يَتَذَامُّونَ بِالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ. وَالْقَضَايَا الَّتِي يَتَّفِقُ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ لَا تَكُونُ إلَّا حَقًّا؛ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَدْحِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ؛ وَذَمِّ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ. وَقَدْ قَالَ {النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ الْأَعْرَابُ؛ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إلَى سَمُرَةٍ فَتَعَلَّقَتْ بِرِدَائِهِ؛ فَالْتَفَتَ إلَيْهِمْ وَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ عِنْدِي عَدَدَ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْته عَلَيْكُمْ؛ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذُوبًا}. لَكِنْ يَتَنَوَّعُ ذَلِكَ بِتَنَوُّعِ الْمَقَاصِدِ وَالصِّفَاتِ؛ فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَلِهَذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِذَمِّ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ؛ وَمَدْحِ الشَّجَاعَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي سَبِيلِهِ دُونَ مَا لَيْسَ فِي سَبِيلِهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {شَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ}. وَقَالَ: {مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ؟ فَقَالُوا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنَّا نَزِنُهُ بِالْبُخْلِ فَقَالَ: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ؟} وَفِي رِوَايَةٍ: {إنَّ السَّيِّدَ لَا يَكُونُ بَخِيلًا بَلْ سَيِّدُكُمْ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ}. وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي فَقَالَ تَقُولُ: وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ؟ فَجَعَلَ الْبُخْلَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمْرَاضِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: {قَالَ عُمَرُ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَغَيْرُ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ فَقَالَ: إنَّهُمْ خَيَّرُونِي بَيْنَ أَنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ وَبَيْنَ أَنْ يبخلوني وَلَسْت بِبَاخِلِ يَقُولُ: إنَّهُمْ يَسْأَلُونِي مَسْأَلَةً لَا تَصْلُحُ فَإِنْ أَعْطَيْتهمْ وَإِلَّا قَالُوا: هُوَ بَخِيلٌ فَقَدْ خَيَّرُونِي بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُكْرِهِينَ لَا يَتْرُكُونِي مِنْ أَحَدِهِمَا: الْفَاحِشَةُ وَالتَّبْخِيلُ. وَالتَّبْخِيلُ أَشَدُّ؛ فَأَدْفَعُ الْأَشَدَّ بِإِعْطَائِهِمْ}. وَالْبُخْلُ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعُ: كَبَائِرَ؛ وَغَيْرُ كَبَائِرَ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. وَقَالَ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}. وَقَالَ: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}. وَقَالَ: {وَمَنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/164)
يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}. وَقَالَ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}. وَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} الْآيَةَ. وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِيتَاءِ وَالْإِعْطَاءِ وَذَمِّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ: كُلُّهُ ذَمٌّ لِلْبُخْلِ وَكَذَلِكَ ذَمُّهُ لِلْجُبْنِ كَثِيرٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. وَقَوْلُهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}. وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}. وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}. وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْحَضِّ عَلَى الْجِهَادِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ وَذَمِّ النَّاكِلِينَ عَنْهُ وَالتَّارِكِينَ لَهُ: كُلُّهُ ذَمٌّ لِلْجُبْنِ. وَلَمَّا كَانَ صَلَاحُ بَنِي آدَمَ لَا يَتِمُّ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إلَّا بِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ: بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَنْ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ أَبْدَلَ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ؛ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ} {إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وَقَالَ تَعَالَى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
وَبِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَضَّلَ السَّابِقِينَ فَقَالَ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}. وَقَدْ ذَكَرَ الْجِهَادَ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ فِي سَبِيلِهِ؛ وَمَدَحَهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ؛ وَذَلِكَ هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالسَّمَاحَةُ فِي طَاعَتِهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/165)
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. وَالشَّجَاعَةُ لَيْسَتْ هِيَ قُوَّةُ الْبَدَنِ وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ قَوِيَّ الْبَدَنِ ضَعِيفَ الْقَلْبِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ قُوَّةُ الْقَلْبِ وَثَبَاتُهُ. فَإِنَّ الْقِتَالَ مَدَارُهُ عَلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ وَصَنْعَتِهِ لِلْقِتَالِ؛ وَعَلَى قُوَّةِ الْقَلْبِ وَخِبْرَتِهِ بِهِ. وَالْمَحْمُودُ مِنْهُمَا مَا كَانَ بِعِلْمِ وَمَعْرِفَةٍ؛ دُونَ التَّهَوُّرِ الَّذِي لَا يُفَكِّرُ صَاحِبُهُ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَحْمُودِ وَالْمَذْمُومِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ. حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَصْلُحُ. فَأَمَّا الْمَغْلُوبُ حِينَ غَضَبِهِ فَلَيْسَ بِشُجَاعِ وَلَا شَدِيدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جِمَاعَ ذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَالصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ وَصَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جُرْعَةً أَعْظَمَ مِنْ جُرْعَةِ حِلْمٍ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ وَجُرْعَةِ صَبْرٍ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ. وَهَذَا هُوَ الشُّجَاعُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ. وَالْمُؤْلِمُ إنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثَارَ الْغَضَبَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثَارَ الْحُزْنَ؛ وَلِهَذَا يَحْمَرُّ الْوَجْهُ عِنْدَ الْغَضَبِ لِثَوَرَانِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْقُدْرَةِ وَيَصْفَرُّ عِنْدَ الْحُزْنِ لِغَوْرِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْعَجْزِ؛ وَلِهَذَا جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: الرَّقُوبُ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالرَّقُوبِ؛ وَلَكِنَّ الرَّقُوبَ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قُلْنَا: الَّذِي لَا تَصْرَعُهُ الرِّجَالُ فَقَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّ الصُّرَعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ} فَذَكَرَ مَا يَتَضَمَّنُ الصَّبْرَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالصَّبْرَ عِنْدَ الْغَضَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُصِيبَةِ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} {الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى فِي الْغَضَبِ: {وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. وَهَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ صَبْرِ الْمُصِيبَةِ وَصَبْرِ الْغَضَبِ نَظِيرُ الْجَمْعِ بَيْنَ صَبْرِ النِّعْمَةِ وَصَبْرِ الْمُصِيبَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} {إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. وَقَالَ: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}. وَبِهَذَا وَصَفَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ مَنْ وَصَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرِينَ حَيْثُ قَالَ:
لَا يَفْرَحُونَ إذَا نَالَتْ سُيُوفُهُمْ * * * قَوْمًا وَلَيْسُوا مجازيعا إذَا نِيلُوا
وَكَذَلِكَ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي صِفَةِ الْأَنْصَارِ:
لَا فَخْرَ إنْ هُمْ أَصَابُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ * * * وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خَوْرَ وَلَا هَلَعَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/166)
وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ؛ وَيَغْلِبُ فَلَا يَضْجَرُ. وَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُو النَّاسَ عِنْدَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ إلَى تَعَدِّي الْحُدُودِ بِقُلُوبِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ: {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَمَّا قِيلَ لَهُ: وَقَدْ بَكَى لَمَّا رَأَى إبْرَاهِيمَ فِي النَّزْعِ أَتَبْكِي؟ أَوَلَمْ تَنْهَ عَنْ الْبُكَاءِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا نَهَيْت عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٌ عِنْدَ نَغْمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرَ شَيْطَانٍ. وَصَوْتٌ عِنْدَ مُصِيبَةِ لَطْمِ خُدُودٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَدُعَاءٍ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ} فَجَمَعَ بَيْنَ الصَّوْتَيْنِ.
وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَصَائِبِ فَمِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ}. وَقَالَ: {أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْحَالِقَةِ وَالصَّالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ}. وَقَالَ: {مَا كَانَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ الْيَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنْ الشَّيْطَانِ}. وَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ عَلَى دَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا حُزْنِ الْقَلْبِ؛ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ - وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ وَقَالَ: مَنْ يُنَحْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ}. وَاشْتَرَطَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا يَنُحْنَ وَقَالَ: {إنَّ النَّائِحَةَ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا فَإِنَّهَا تَلْبَسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دِرْعًا مَنْ جَرَبٍ وَسِرْبَالًا مِنْ قَطِرَانٍ}. وَقَالَ فِي الْغَلَبَةِ وَالْمَصَائِبِ وَالْفَرَحِ: {إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ؛ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ}. وَقَالَ: {إنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ}. وَقَالَ: {لَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا}. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْعَدْلِ وَتَرْكِ الْعُدْوَانِ؛ اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. وَنَهَى عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ وَتَخَتُّمِ الذَّهَبِ؛ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَإِطَالَةِ الثِّيَابِ؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ فِي النِّعَمِ وَذَمِّ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَجَعَلَ فِيهِمْ الْخَسْفَ وَالْمَسْخَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}. وَقَالَ عَنْ قَارُونَ: {إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}. وَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ مَعَ الصَّبْرِ عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الشَّهْوَةِ هِيَ جَوَامِعُ هَذَا الْبَابِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ وَيَشْتَهِيهِ: وَبَيْنَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ فَهُوَ يَطْلُبُ الْأَوَّلَ بِمَحَبَّتِهِ وَشَهْوَتِهِ وَيَدْفَعُ الثَّانِيَ بِبُغْضِهِ وَنُفْرَتِهِ. وَإِذَا حَصَلَ الْأَوَّلُ أَوْ انْدَفَعَ الثَّانِي أَوْجَبَ لَهُ فَرَحًا وَسُرُورًا وَإِنْ حَصَلَ الثَّانِي أَوْ انْدَفَعَ الْأَوَّلُ حَصَلَ لَهُ حُزْنٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ عِنْدَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ عُدْوَانِهِمَا؛ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَالنُّفْرَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/167)
عُدْوَانِهِمَا؛ وَعِنْدَ الْفَرَحِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ عُدْوَانِهِ؛ وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ الْجَزَعِ مِنْهَا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْفَاجِرَيْنِ: الصَّوْتُ الَّذِي يُوجِبُ الِاعْتِدَاءَ فِي الْفَرَحِ حَتَّى يَصِيرَ الْإِنْسَانُ فَرِحًا فَخُورًا؛ وَالصَّوْتُ الَّذِي يُوجِبُ الْجَزَعَ. وَأَمَّا الصَّوْتُ الَّذِي يُثِيرُ الْغَضَبَ لِلَّهِ: كَالْأَصْوَاتِ الَّتِي تُقَالُ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْأَشْعَارِ الْمُنْشَدَةِ: فَتِلْكَ لَمْ تَكُنْ بِآلَاتِ وَكَذَلِكَ أَصْوَاتُ الشَّهْوَةِ فِي الْفَرَحِ؛ فَرَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الضَّرْبِ بِالدُّفِّ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَفْرَاحِ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَعَامَّةِ الْأَشْعَارِ الَّتِي تُنْشَدُ بِالْأَصْوَاتِ لِتَحْرِيكِ النُّفُوسِ هِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبِعَةِ وَهِيَ التَّشْبِيبُ؛ وَأَشْعَارُ الْغَضَبِ وَالْحَمِيَّةِ؛ وَهِيَ الْحَمَاسَةُ وَالْهِجَاءُ. وَأَشْعَارُ الْمَصَائِبِ كَالْمَرَاثِي وَأَشْعَارِ النِّعَمِ وَالْفَرَحِ وَهِيَ الْمَدَائِحُ. وَالشُّعَرَاءُ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَمْشُوا مَعَ الطَّبْعِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} وَلِهَذَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَتْبَعُهُمْ الْغَاوُونَ وَالْغَاوِي: هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ هَوَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ وَهَذَا هُوَ الْغَيُّ؛ وَهُوَ خِلَافُ الرُّشْدِ. كَمَا أَنَّ الضَّالَّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَصْلَحَتَهُ هُوَ خِلَافُ الْمُهْتَدِي قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي}. فَلِهَذَا تَجِدُهُمْ يَمْدَحُونَ جِنْسَ الشُّجَاعَةِ وَجِنْسَ السَّمَاحَةِ؛ إذْ كَانَ عَدَمُ هَذَيْنِ مَذْمُومًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا وُجُودُهُمَا فَبِهِ تَحْصُلُ مَقَاصِدُ النُّفُوسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لَكِنَّ الْعَاقِبَةَ فِي ذَلِكَ لِلْمُتَّقِينَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَّقِينَ فَلَهُمْ عَاجِلَةٌ لَا عَاقِبَةٌ وَالْعَاقِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ قِصَّةَ نُوحٍ وَنَجَاتَهُ بِالسَّفِينَةِ: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إلَى قَوْلِهِ: {فَاصْبِرْ إنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}. وَقَالَ:
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. وَالْفُرْقَانُ: أَنْ يَحْمَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا حَمِدَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَمْدُهُ زَيْنٌ وَذَمُّهُ شَيْنٌ؛ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَرَاءِ وَالْخُطَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْقَائِلُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَذَمِّي شَيْنٌ قَالَ لَهُ: " ذَاكَ اللَّهُ ". وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ حَمِدَ الشَّجَاعَةَ وَالسَّمَاحَةَ فِي سَبِيلِهِ؛ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ {أَبِي مُوسَى قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً؛ وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً؛ وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/168)
الْمَقْصُودُ الَّذِي خُلِقَ الْخَلْقُ لَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} فَكُلُّ مَا كَانَ لِأَجْلِ الْغَايَةِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا الْخَلْقُ كَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى لِصَاحِبِهِ وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ. وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: مَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْجَنَّةِ. وَمَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ؛ فَهَذَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. وَمَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ لَكِنْ لَا بِشَجَاعَةِ وَلَا سَمَاحَةٍ؛ فَهَذَا فِيهِ مِنْ النِّفَاقِ وَنَقْصِ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَمَنْ لَا يَعْمَلْ لِلَّهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَلَا سَمَاحَةٌ؛ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٌ. فَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ وَالْأَفْعَالُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُؤْمِنُ عُمُومًا وَخُصُوصًا فِي أَوْقَاتِ الْمِحَنِ وَالْفِتَنِ الشَّدِيدَةِ؛ فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى صَلَاحِ نُفُوسِهِمْ وَدَفْعِ الذُّنُوبِ عَنْ نُفُوسِهِمْ عِنْدَ الْمُقْتَضِي لِلْفِتْنَةِ عِنْدَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى أَمْرِ غَيْرِهِمْ وَنَهْيِهِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ مِنْ الصُّعُوبَةِ مَا فِيهِ؛ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَمَرَهُمْ بِدَعْوَةِ النَّاسِ وَجِهَادِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} {الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. وَكَمَا قَالَ: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} وَكَمَا قَالَ: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. وَكَمَا قَالَ: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
مسألة: ما هي آثار أخلاق النفس على البدن؟
مجموع الفتاوى - (ج 5 / ص 570)
الْغَضَبُ - وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إنَّهُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ فَهُوَ - صِفَةٌ تَقُومُ بِنَفْسِ الْغَضْبَانِ غَيْرُ غَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَثَرُهُ؛ فَإِنَّ حَرَارَةَ الْغَضَبِ تُسَخِّنُ الدَّمَ حَتَّى يَغْلِيَ. فَإِنَّ مَبْدَأَ الْغَضَبِ مِنْ النَّفْسِ هِيَ الَّتِي تَتَّصِفُ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي ذَلِكَ إلَى الْجِسْمِ وَكَذَلِكَ الْحُزْنُ وَالْفَرَحُ وَسَائِرُ الْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ. وَالْحُزْنُ يُوجِبُ دُخُولَ الدَّمِ؛ وَلِهَذَا يَصْفَرُّ لَوْنُ الْحَزِينِ وَهُوَ مِنْ الْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ؛ لَكِنَّ الْحَزِينَ يَسْتَشْعِرُ الْعَجْزَ عَنْ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي أَصَابَهُ وَيَيْأَسُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَيَغُورُ دَمُهُ وَالْغَضْبَانُ يَسْتَشْعِرُ قُدْرَتَهُ عَلَى الدَّفْعِ أَوْ الْمُعَاقَبَةِ؛ فَيَنْبَسِطُ دَمُهُ. وَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي تُوصَفُ بِهَا النَّفْسُ لَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لِمَا يُوصَفُ بِهِ الْجِسْمُ قَالَ تَعَالَى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وَالِاطْمِئْنَانُ هُوَ السُّكُونُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا وَطُمَأْنِينَةً: أَيْ سَكَنَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} {ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} وَكَذَلِكَ لِلْقُلُوبِ سَكِينَةٌ تُنَاسِبُهَا. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/169)
لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ}. وَكَذَلِكَ " الرَّيْبُ " حَرَكَةُ النَّفْسِ لِلشَّكِّ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فَقَالَ لَا يُرِيبُهُ أَحَدٌ} وَيُقَالُ: رَابَنِي مِنْهُ رَيْبٌ و {دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك} وَقَالَ: {الْكَذِبُ رِيبَةٌ وَالصِّدْقُ طُمَأْنِينَةٌ} فَجَعَلَ الطُّمَأْنِينَةَ ضِدَّ الرِّيبَةِ وَكَذَلِكَ الْيَقِينُ ضِدُّ الرَّيْبِ.
مسألة: هل تتألم النفس و تتلذ؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 325)
سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ أَوْ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ أَوْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْآلَامِ الَّتِي تَلْحَقُ النَّفْسَ بِسَبَبِ فِعْلِ مَا يَضُرُّهَا؛ فَإِذَا اسْتَشْعَرَ الْقَلْبُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا يَضُرُّهُ حَصَلَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ كَانَ مِنْ السَّيِّئَاتِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ، وَكَرَاهِيَةٌ لِمَا كَانَ فَعَلَهُ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْإِرَادَاتِ؛ وَحَصَلَ لَهُ أَذًى وَغَمٌّ لِمَا كَانَ فَعَلَهُ؛ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْآلَامِ كَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ كَمَا أَنَّ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ هُوَ مِنْ بَابِ اللَّذَّاتِ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ: إنَّ اللَّذَّةَ هِيَ إدْرَاكُ الْمُلَائِمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلَائِمٌ، وَأَنَّ الْأَلَمَ هُوَ إدْرَاكُ الْمُنَافِرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُنَافِرٌ، فَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللَّذَّةَ وَالْأَلَمَ حَالَانِ يَتَعَقَّبَانِ إدْرَاكَ الْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ، فَإِنَّ الْحُبَّ لِمَا يُلَائِمُهُ كَالطَّعَامِ الْمُشْتَهَى مَثَلًا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: (أَحَدُهَا) الْحُبُّ كَالشَّهْوَةِ لِلطَّعَامِ.
وَالثَّانِي: إدْرَاكُ الْمَحْبُوبِ كَأَكْلِ الطَّعَامِ.
وَالثَّالِثُ: اللَّذَّةُ الْحَاصِلَةُ بِذَلِكَ وَاللَّذَّةُ أَمْرٌ مُغَايِرٌ لِلشَّهْوَةِ وَلِذَوْقِ الْمُشْتَهِي؛ بَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِذَوْقِ الْمُشْتَهِي؛ لَيْسَتْ نَفْسَ ذَوْقِ الْمُشْتَهِي. وَكَذَلِكَ " الْمَكْرُوهُ " كَالضَّرْبِ مَثَلًا. فَإِنَّ كَرَاهَتَهُ شَيْءٌ وَحُصُولَهُ شَيْءٌ آخَرُ وَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ بِهِ ثَالِثٌ.
مسألة: كيف تطمئن القلوب؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 249)
وَقَالَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -::
{كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَطَرَ الْقُلُوبَ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي مَحْبُوبَاتِهَا وَمُرَادَاتِهَا مَا تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَتَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا اللَّهُ؛ وَإِلَّا فَكُلَّمَا أَحَبَّهُ الْمُحِبُّ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ قَلْبَهُ يَطْلُبُ سِوَاهُ وَيُحِبُّ أَمْرًا غَيْرَهُ يتألهه وَيَصْمُدُ إلَيْهِ وَيَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَيَرَى مَا يُشْبِهُهُ مِنْ أَجْنَاسِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
مسألة: بم تسعد النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 206)
سَعَادَتَهَا أَنْ تَحْيَا الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ فَتَعْبُدَ اللَّهَ، وَمَتَى لَمْ تَحْيَا هَذِهِ الْحَيَاةَ كَانَتْ مَيِّتَةً، وَكَانَ مَا لَهَا مِنْ الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ مُوجِبًا لِعَذَابِهَا، فَلَا هِيَ حَيَّةٌ مُتَنَعِّمَةٌ بِالْحَيَاةِ، وَلَا مَيِّتَةٌ مُسْتَرِيحَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ لَمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَيِّ الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ وَلَا مَيِّتًا عَدِيمَ الْإِحْسَاسِ، كَانَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ، وَالنَّفْسُ إنْ عَلِمَتْ الْحَقَّ وَأَرَادَتْهُ فَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَهِيَ بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ مَعْبُودٍ غَيْرِ اللَّهِ؛ وَمُرَادَاتٍ سَيِّئَةٍ؛ فَهَذَا تَرَكَّبَ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْ اللَّهَ وَلَمْ تَعْبُدْهُ وَهَذَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/170)
عَدَمٌ. وَالْقَدَرِيَّةُ يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا، وَبِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُرِيدًا، لَكِنْ يَجْعَلُونَهُ مُرِيدًا بِالْقُوَّةِ وَالْقَبُولِ، أَيْ قَابِلًا لِأَنْ يُرِيدَ هَذَا وَهَذَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُرِيدًا لِهَذَا الْمُعَيَّنِ وَهَذَا الْمُعَيَّنِ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ لَيْسَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ، وَغَلِطُوا بَلْ اللَّهُ خَالِقُ هَذَا كُلِّهِ، وَهُوَ الَّذِي أَلْهَمَ النَّفْسَ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا} إلَخْ " وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ إبْرَاهِيمَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ، وَجَعَلَ آلَ فِرْعَوْنَ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّارِ
مسألة: هل الذكاء و الفطنة و الزهد و الأخلاق تكفي لسعادة النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 58)
لَا يَكْفِي فِي السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَيَتَّخِذُوهُ إلَهًا دُونَ مَا سِوَاهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَكَيْفَ وَهُمْ فِي الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ مُعَطِّلُونَ جَاحِدُونَ لَا مُوَحِّدُونَ وَلَا مُخْلِصُونَ فَإِذَا كَانَ مَا تَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ وَالنَّجَاةُ مِنْ الشَّقَاوَةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَصْلًا كَانَ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالسِّيَاسَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. وَالْقَوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ وَفِيهِمْ زُهْدٌ وَأَخْلَاقٌ فَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنَّمَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَالْإِرَادَةِ فَاَلَّذِي يُؤْتَى فَضَائِلَ عِلْمِيَّةٍ وَإِرَادِيَّةٍ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤْتَى قُوَّةً فِي جِسْمِهِ وَبَدَنِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ قَدْ يُعَارِضُونَ الرُّسُلَ، وَقَدْ يُتَابِعُونَهُمْ ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَذَكَرَ فِرْعَوْنَ؛ وَاَلَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ؛ وَالْمَلَأَ مِنْ قَوْمٍ نُوحٍ وَعَادٍ وَغَيْرَهُمْ وَذَكَرَ قَوْلَ عُلَمَائِهِمْ كَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} وَقَالَ: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} إلَى قَوْلِهِ: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} إلَى قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَالسُّلْطَانُ: هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: " حم غَافِرُ " مِنْ حَالِ مُخَالِفِي الرُّسُلِ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَمُجَادَلَتِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} وَمِثْلَ قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ} إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}. وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَعَامَّةِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ؛
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/171)
فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ هَؤُلَاءِ وَضَرْبِ الْمَقَايِيسِ وَالْأَمْثَالِ لَهُمْ وَذِكْرِ قَصَصِهِمْ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ مَعَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ - سُبْحَانَهُ -: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً}. . الْآيَةَ. فَأَخْبَرَ بِمَا مُكِّنُوا فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا حَيْثُ جَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَالرِّسَالَةِ؛ وَلِهَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ الشَّيْخِ الْفَقِيه الْخُضَرِيّ (*) عَنْ وَالِدِهِ شَيْخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَنِهِ قَالَ: كَانَ فُقَهَاءُ بخارى يَقُولُونَ فِي ابْنِ سِينَا: {كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ وَالْقُوَّةُ تَعُمُّ قُوَّةَ الْإِدْرَاكِ النَّظَرِيَّةِ وَقُوَّةَ الْحَرَكَةِ الْعَمَلِيَّةِ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} فَأَخْبَرَ بِفَضْلِهِمْ فِي الْكُمِّ وَالْكَيْفِ وَأَنَّهُمْ أَشَدَّ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي آثَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ.
مسألة: بم تكمل النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 94)
تَفَرَّقَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ - الَّذِي هُوَ غَايَةُ مَطَالِبِ الْعِبَادِ - فَطَائِفَةٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ: يَظُنُّونَ أَنَّ كَمَالَ النَّفْسِ فِي مُجَرَّدِ الْعِلْمِ وَيَجْعَلُونَ الْعِلْمَ - الَّذِي بِهِ تَكْمُلُ مَا يَعْرِفُونَهُ هُمْ مِنْ - عِلْمِ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ وَيَجْعَلُونَ الْعِبَادَاتِ رِيَاضَةً لِأَخْلَاقِ النَّفْسِ حَتَّى تَسْتَعِدَّ لِلْعِلْمِ. فَتَصِيرُ النَّفْسُ عَالَمًا مُعْتَزِلًا مُوَازِيًا لِلْعَالَمِ الْمَوْجُودِ. وَهَؤُلَاءِ ضَالُّونَ؛ بَلْ كَافِرُونَ مِنْ وُجُوهٍ: - مِنْهَا: أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا الْكَمَالَ مِنْ مُجَرَّدِ الْعِلْمِ كَمَا اعْتَقَدَ جَهْمٌ والصالحي وَالْأَشْعَرِيُّ - فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلَيْهِ - وَأَكْثَرُ أَتْبَاعِهِ: أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ؛ لَكِنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْجَهْمِيَّة؛ فَإِنَّ الْجَهْمِيَّة يَجْعَلُونَ الْإِيمَانَ هُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَأُولَئِكَ يَجْعَلُونَ كَمَالَ النَّفْسِ: فِي أَنْ تَعْلَمَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ وَالْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ؛ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ وَالْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطِ لَا يُوجَدُ أَيْضًا فِي الْخَارِجِ إلَّا مُعَيَّنًا. وَإِنْ عَلِمُوا الْوُجُودَ الْكُلِّيَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ فَلَيْسَ لِمَعْلُومِ عِلْمِهِمْ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَهَكَذَا مَنْ تَصَوَّفَ وَتَأَلَّهَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَنَحْوِهِمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْجَهْمِيَّة يُقِرُّونَ بِالرُّسُلِ وَبِمَا جَاءُوا بِهِ فَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ؛ بِخِلَافِ الْمُتَفَلْسِفَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَكَمَالُ النَّفْسِ لَيْسَ فِي مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ فَهَذَا عَمَلُ النَّفْسِ وَإِرَادَتُهَا وَدَالُّ عِلْمِهَا وَمَعْرِفَتِهَا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي تَكْمُلُ بِهِ النَّفْسُ هُوَ عِلْمُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُ جَهْلٌ لَا عِلْمٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الْعِلْمَ الْإِلَهِيَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَهُوَ الْعِلْمُ الْأَعْلَى؛ الَّذِي تَكْمُلُ بِهِ النَّفْسُ مَعَ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لَهُمْ ذَاكَ الْعِلْمُ: سَقَطَتْ عَنْهُمْ وَاجِبَاتُ الشَّرْعِ وَأُبِيحَتْ لَهُمْ مُحَرَّمَاتُهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَاطِنِيَّةِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/172)
مِنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَغَيْرِهِمْ؛ مِثْلُ أَبِي يَعْقُوبَ السجستاني صَاحِبِ الْأَقَالِيدِ الملكوتية وَأَتْبَاعِهِ وَطَرِيقَةُ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ مَلَاحِدَةِ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَهُ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أَنَّك تَعْمَلُ حَتَّى يَحْصُلَ لَك الْعِلْمُ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ سَقَطَ عَنْك الْعَمَلُ وَقَدْ قِيلَ للجنيد إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ طَرِيقِ الْبِرِّ إلَى أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُمْ الْفَرَائِضُ وَتُبَاحَ لَهُمْ الْمَحَارِمُ - أَوْ نَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ - فَقَالَ: الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ: خَيْرٌ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ طَلَبُهُ لِلْمُكَاشَفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعِلْمِ: أَعْظَمَ مِنْ طَلَبِهِ لِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُك الْعِصْمَةَ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْخُطُوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْكَلِمَاتِ؛ مِنْ الشُّكُوكِ؛ وَالظُّنُونِ؛ وَالْإِرَادَةِ؛ وَالْأَوْهَامِ السَّاتِرَةِ لِلْقُلُوبِ عَنْ مُطَالَعَةِ الْغُيُوبِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُكْنَةَ الَّتِي هِيَ الْكَمَالُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُكْنَةِ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى: عِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَمَالَ فِي الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْوُجُودِ: نَفَاذُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ إمَّا بِالْمُلْكِ وَالْوِلَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِمَّا بِالْبَاطِنِ. وَتَكُونُ عِبَادَتُهُمْ وَمُجَاهَدَتُهُمْ - لِذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُ فِي الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ فَيَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ؛ لِتُعِينَهُ الشَّيَاطِينُ عَلَى مَقَاصِدِهِ وَهَؤُلَاءِ أَضَلُّ وَأَجْهَلُ مِنْ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ وَغَايَةُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ: يَطْلُبُ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ يَكُونُ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا؛ وَلِهَذَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُرَى طَائِرًا وَمِنْهُمْ يُرَى مَاشِيًا وَمِنْهُمْ.
وَفِيهِمْ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ. وَطَائِفَةٌ تَجْعَلُ الْكَمَالَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ فَيَدْخُلُونَ فِي أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ مِنْ الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ لِيَسْتَعِينُوا بِالشَّيَاطِينِ عَلَى مَا يَطْلُبُونَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَعَلَى مَا يَنْفُذُ بِهِ تَصَرُّفُهُمْ فِي الْعَالَمِ. وَالْحَقُّ الْمُبِينُ: أَنَّ كَمَالَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ عِلْمًا وَعَمَلًا كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ وَهَؤُلَاءِ هُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ وَحِزْبُ اللَّهِ الْمُفْلِحُونَ وَجُنْدُ اللَّهِ الْغَالِبُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَهُمْ الَّذِينَ زَكُّوا نُفُوسَهُمْ وَكَمَّلُوهَا كَمَّلُوا الْقُوَّةَ النَّظَرِيَّةَ الْعِلْمِيَّةَ وَالْقُوَّةَ الْإِرَادِيَّةَ الْعَمَلِيَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وَقَالَ تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
مسألة هل النفس تزكو و ترتاض بالغناء؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 571)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/173)
كَانَ الْفَارَابِيُّ قَدْ حَذَقَ فِي حُرُوفِ الْيُونَانِ الَّتِي هِيَ تَعَالِيمُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشَّائِينَ وَفِي أَصْوَاتِهِمْ صِنَاعَةُ الْغِنَاءِ فَفِي هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ وَيَجْعَلُهُ مِمَّا تَزْكُو بِهِ النُّفُوسُ وَتَرْتَاضُ بِهِ وَتُهَذَّبُ بِهِ الْأَخْلَاقُ.
وَأَمَّا " الْحُنَفَاءُ " أَهْلُ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ إمَامًا وَأَهْلُ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا غَيْرَهُ الْمُتَّبِعُونَ لِشَرِيعَةِ خَاتَمِ الرُّسُلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَرْغَبُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَدْعُو إلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ وَالْهُدَى وَالسَّعْدِ وَالرَّشَادِ وَالنُّورِ وَالْفَلَّاحِ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْخَشْيَةِ لَهُ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ. وَلَكِنْ قَدْ حَضَرَهُ أَقْوَامٌ مِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ وَمِمَّنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَحَبَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيكِ لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا غَائِلَتَهُ وَلَا عَرَفُوا مَغَبَّتَهُ كَمَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ الْمُخَالِفِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ حَقٌّ مُوَافِقٌ وَلَمْ يَعْلَمُوا غَائِلَتَهُ وَلَا عَرَفُوا مَغَبَّتَهُ فَإِنَّ الْقِيَامَ بِحَقَائِقِ الدِّينِ عِلْمًا وَحَالًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا وَمَعْرِفَةً وَذَوْقًا وَخِبْرَةً لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ الْجَامِعَ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. قَالَ {عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطًّا وَخَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}} فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ السَّابِقِينَ رِضًا مُطْلَقًا وَرَضِيَ عَمَّنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قَلْبَهُ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بَعْدَ قَلْبِهِ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/174)
حَقَّهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ. وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِحَقَائِقِ الدِّينِ وَأَحْوَالِ الْقُلُوبِ وَمَعَارِفهَا وَأَذْوَاقِهَا وَمَوَاجِيدِهَا عَرَفَ أَنَّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ لَا يَجْلِبُ لِلْقُلُوبِ مَنْفَعَةً وَلَا مَصْلَحَةً إلَّا وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَالْمَفْسَدَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَهُوَ لِلرُّوحِ كَالْخَمْرِ لِلْجَسَدِ يَفْعَلُ فِي النُّفُوسِ فِعْلَ حُمَّيَا الْكُؤُوسِ. وَلِهَذَا يُوَرِّثُ أَصْحَابَهُ سُكْرًا أَعْظَمَ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ فَيَجِدُونَ لَذَّةً بِلَا تَمْيِيزٍ كَمَا يَجِدُ شَارِبُ الْخَمْرِ؛ بَلْ يَحْصُلُ لَهُمْ أَكْثَرُ وَأَكْبَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لِشَارِبِ الْخَمْرِ وَيَصُدُّهُمْ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ أَعْظَمَ مِمَّا يَصُدُّهُمْ الْخَمْرُ وَيُوقِعُ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ أَعْظَمَ مِنْ الْخَمْرِ حَتَّى يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ بِيَدِ بَلْ بِمَا يَقْتَرِنُ بِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِينِ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ بِحَيْثُ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الشَّيَاطِينُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيَتَكَلَّمُونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ: إمَّا بِكَلَامٍ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْأَعَاجِمِ الَّذِينَ لَا يُفْقَهُ كَلَامُهُمْ كَلِسَانِ التُّرْكِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَيَكُونُ الْإِنْسَانُ الَّذِي لَبِسَهُ الشَّيْطَانُ عَرَبِيًّا لَا يُحْسِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ مَنْ تَكُونُ تِلْكَ الشَّيَاطِينُ مِنْ إخْوَانِهِمْ. وَإِمَّا بِكَلَامٍ لَا يُعْقَلُ وَلَا يُفْهَمُ لَهُ مَعْنًى وَهَذَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمُكَاشَفَةِ " شُهُودًا وَعِيَانًا ". وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ مَعَ خُرُوجِهِمْ عَنْ الشَّرِيعَةِ هُمْ مِنْ هَذَا النَّمَطِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تُلَابِسُ أَحَدَهُمْ بِحَيْثُ يَسْقُطُ إحْسَاسُ بَدَنِهِ حَتَّى إنَّ الْمَصْرُوعَ يُضْرَبُ ضَرْبًا عَظِيمًا وَهُوَ لَا يُحِسُّ بِذَلِكَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي جِلْدِهِ فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ تَلْبِسُهُمْ الشَّيَاطِينُ وَتَدْخُلُ بِهِمْ النَّارَ وَقَدْ تَطَيَّرَ بِهِمْ فِي الْهَوَاءِ وَإِنَّمَا يَلْبَسُ أَحَدُهُمْ الشَّيْطَانَ مَعَ تَغَيُّبِ عَقْلِهِ كَمَا يَلْبَسُ الشَّيْطَانُ الْمَصْرُوعَ. وَبِأَرْضِ الْهِنْدِ وَالْمَغْرِبِ ضَرْبٌ مِنْ الزُّطِّ يُقَالُ لِأَحَدِهِمْ: الْمُصْلَى فَإِنَّهُ يَصْلَى النَّارَ كَمَا يَصْلَى هَؤُلَاءِ وَتَلْبَسُهُ وَيُدْخِلُهَا وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَيَقِفُ عَلَى رَأْسِ الزَّجِّ وَيَفْعَلُ أَشْيَاءَ أَبْلَغَ مِمَّا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ وَهُمْ مِنْ الزُّطِّ الَّذِينَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَالْجِنُّ تَخْطَفُ كَثِيرًا مِنْ الْإِنْسِ وَتُغَيِّبُهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ وَتَطِيرُ بِهِمْ فِي الْهَوَاءِ وَقَدْ بَاشَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ هَذَا هَؤُلَاءِ الْمُتَوَلِّهُونَ وَالْمُنْتَسِبُونَ إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذَا حَصَلَ لَهُ وَجْدٌ سَمَاعِيٌّ وَعِنْدَ سَمَاعِ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ مِنْهُمْ مَنْ يَصْعَدُ فِي الْهَوَاءِ وَيَقِفُ عَلَى زَجِّ الرُّمْحِ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَيَأْخُذُ الْحَدِيدَ الْمُحْمَى بِالنَّارِ ثُمَّ يَضَعُهُ عَلَى بَدَنِهِ. وَأَنْوَاعٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَلَا تَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَلَا عِنْدَ الذِّكْرِ وَلَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَاتٌ شَرْعِيَّةٌ إيمَانِيَّةٌ إسْلَامِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ تَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ وَتِلْكَ عِبَادَاتٌ بِدْعِيَّةٌ شَرِكِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ فَلْسَفِيَّةٌ تَسْتَجْلِبُ الشَّيَاطِينَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/175)
مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا غَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السِّكِّينَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ} " وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {أَنَّ أسيد بْنَ حضير لَمَّا قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ تَنَزَّلَتْ الْمَلَائِكَةُ لِسَمَاعِهَا كَالظُّلَّةِ فِيهَا السُّرُجُ.} وَلِهَذَا كَانَ الْمُكَاءُ وَالتَّصْدِيَةُ يَدْعُو إلَى الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَيَصُدُّ عَنْ حَقِيقَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ كَمَا يَفْعَلُ الْخَمْرُ وَالسَّلَفُ يُسَمُّونَهُ تَغْبِيرًا؛ لِأَنَّ التَّغْبِيرَ هُوَ الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ عَلَى جِلْدٍ مِنْ الْجُلُودِ وَهُوَ مَا يُغَبِّرُ صَوْتَ الْإِنْسَانِ عَلَى التَّلْحِينِ فَقَدْ يُضَمُّ إلَى صَوْتِ الْإِنْسَانِ. إمَّا التَّصْفِيقُ بِأَحَدِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَإِمَّا الضَّرْبُ بِقَضِيبٍ عَلَى فَخِذٍ وَجِلْدٍ وَإِمَّا الضَّرْبُ بِالْيَدِ عَلَى أُخْتِهَا أَوْ غَيْرِهَا عَلَى دُفٍّ أَوْ طَبْلٍ كَنَاقُوسِ النَّصَارَى وَالنَّفْخِ فِي صَفَّارَةٍ كَبُوقِ الْيَهُودِ. فَمَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْمَلَاهِي عَلَى وَجْهِ الدِّيَانَةِ وَالتَّقَرُّبِ فَلَا رَيْبَ فِي ضَلَالَتِهِ وَجَهَالَتِهِ. وَأَمَّا إذَا فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ وَالتَّلَعُّبِ فَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ كُلَّهَا حَرَامٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْحَرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يُمْسَخُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ}. و " الْمَعَازِفُ " هِيَ الْمَلَاهِي كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ. جَمْعُ مِعْزَفَةٍ وَهِيَ الْآلَةُ الَّتِي يُعْزَفُ بِهَا: أَيْ يُصَوَّتُ بِهَا. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ فِي آلَاتِ اللَّهْوِ نِزَاعًا. إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَ فِي الْيَرَاعِ وَجْهَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوْتَارِ وَنَحْوِهَا؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا نِزَاعًا. وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِهِ وَأَتْبَعُ لَهُ فَلَمْ يَذْكُرُوا نِزَاعًا لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا بَلْ صَنَّفَ أَفْضَلُهُمْ فِي وَقْتِهِ أَبُو الطَّيِّبِ الطبري شَيْخُ أَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا مَعْرُوفًا. وَلَكِنْ تَكَلَّمُوا فِي الْغَنَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ آلَاتِ اللَّهْوِ: هَلْ هُوَ حَرَامٌ؟ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ أَوْ مُبَاحٌ؟ وَذَكَرَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَذَكَرُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا. وَذَكَرَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الساجي - وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَائِلِينَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي وَأَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِي وَغَيْرُهُمَا: عَنْ مَالِكٌ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ فَغَلِطَ. وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ يَحْضُرُ السَّمَاعَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ أَئِمَّتِهِمْ وَفُقَهَائِهِمْ؛ بَلْ قَالَ إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطِّبَاعُ: سَأَلْت مَالِكًا عَمَّا يَتَرَخَّصُ فِيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ الْغِنَاءِ فَقَالَ: إنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كُتَّابِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَائِفَةٍ فِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/176)
الْمَشْرِقِ لَا عِلْمَ لَهَا بِمَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ ضَرَبَ بِعُودِ فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ فِيمَا جَمَعَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي وَمُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ المقدسي فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٌ وَآثَارٌ يَظُنُّ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْعِلْمِ وَأَحْوَالِ السَّلَفِ أَنَّهَا صِدْقٌ.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 594)
فَلَمَّا كَانَ هَذَا السَّمَاعُ لَا يُعْطِي بِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمَعَارِفِ بَلْ قَدْ يَصُدُّ عَنْ ذَلِكَ وَيُعْطِي مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَلَا أَعْيَانُ مَشَايِخهَا. وَمِنْ نُكَتِهِ أَنَّ الصَّوْتَ يُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ بِحُسْنِهِ: فَتَارَةً يَفْرَحُ وَتَارَةً يَحْزَنُ وَتَارَةً يَغْضَبُ وَتَارَةً يَرْضَى وَإِذَا قَوِيَ أَسْكَرَ الرُّوحَ فَتَصِيرُ فِي لَذَّةٍ مُطْرِبَةٍ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ. كَمَا يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ إذَا سَكِرَتْ بِالرَّقْصِ وَلِلْجَسَدِ أَيْضًا إذَا سَكِرَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ السُّكْرَ هُوَ الطَّرَبُ الَّذِي يُؤَثِّرُ لَذَّةً بِلَا عَقْلٍ فَلَا تَقُومُ مَنْفَعَتُهُ بِتِلْكَ اللَّذَّةِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْبَةِ الْعَقْلِ الَّتِي صَدَّتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَأَوْقَعَتْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ.
مسألة: ما هي مكاشفات و مشاهدات القلب و سماعه ومخاطباته و محادثاته؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 636)
قَدْ كَتَبْت فِيمَا تَقَدَّمَ: الْكَلَامَ فِي " الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ " وَأَنَّهَا عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ " فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. وَكَذَلِكَ " السَّمَاعُ وَالْمُخَاطَبَاتُ وَالْمُحَادَثَاتُ " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ. فَإِنَّ " السَّامِعَ " إمَّا أَنْ يَسْمَعَ نَفْسَ الصَّوْتِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ الصَّوْتِيُّ أَوْ غَيْرُ كَلَامِهِ. كَمَا تَرَى عَيْنُهُ وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَ صَدَى الصَّوْتِ وَرَجْعَهُ كَمَا يَرَى تِمْثَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ فَهَذِهِ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَسَمَاعٌ مُقَيَّدٌ كَمَا يُقَالُ: رَأَيْته فِي الْمِرْآةِ لَكِنَّ السَّمْعَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَإِمَّا أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ: يَعْنِي كَلَامَهُ فِي أَصْوَاتٍ مَسْمُوعَةٍ كَمَا يَتَمَثَّلُ لَهُ فِي صُورَةٍ فَيَرَاهَا. مِثْلُ أَنْ يَنْقُرَ بِيَدِهِ نَقَرَاتٍ أَوْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ أَوْتَارًا أَوْ يُظْهِرَ أَصْوَاتًا مُنْفَصِلَةً عَنْهُ يُبَيِّنُ فِيهَا مَقْصُودَهُ.
وَكَذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ: إمَّا أَنْ يَسْمَعَ فِي الْمَنَامِ أَوْ فِي الْيَقَظَةِ نَفْسَ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ. مِثْلُ الْمَلَائِكَةِ مَثَلًا كَمَا يَرَى بِقَلْبِهِ عَيْنَ مَا يُكْشَفُ لَهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ. وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَ مِثَالَ كَلَامِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَرَى مِثَالَهُ فِي نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي يَكُونُ تَعْبِيرُهَا عَيْنَ مَا رُئِيَ وَإِمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ لَهُ الْمَعَانِي فِي صُورَةِ كَلَامٍ مَسْمُوعٍ يَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ. كَمَا تَتَمَثَّلُ لَهُ الْأَعْيَانُ فِي صُورَةِ أَشْخَاصٍ مَرْئِيَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ. وَهَذَا غَالِبُ مَا يُرَى وَيُسْمَعُ فِي الْمَنَامِ. فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ. فَهَذَا هَذَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
فِي الْكَوْنِ يَقَظَةً وَمَنَامًا: لَمَّا كَانَتْ الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/177)
أَحَدُهُمَا: رُؤْيَةُ الْعَيْنِ الشَّيْءَ بِلَا وَاسِطَةٍ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ الْمُطْلَقَةُ. مِثْلُ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} " وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ هَلْ الرُّؤْيَةُ انْطِبَاعُ الْمَرْئِيِّ فِي الْعَيْنِ أَوْ لِانْعِكَاسِ شُعَاعِ الْبَصَرِ أَوْ لَا لِوَاحِدِ مِنْهُمَا. عَلَى أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ.
وَالثَّانِي: رُؤْيَةُ الْمِثَالِ؛ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ فِي مَاءٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَهِيَ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ حَلَفَ لَا رَأَيْت زَيْدًا؛ فَرَأَى صُورَتَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا فِي الرُّؤْيَةِ. كَسَمَاعِ الصَّدَى فِي السَّمْعِ فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَرَى مَا يَمُرُّ وَرَاءَهُ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ الَّتِي تُوَاجِهُهُ فَتَنْجَلِي لَهُ فِيهَا حَقَائِقُ مَا وَرَاءَهُ فَمِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَدْ يَرَى بَيَانَ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ تَتَمَثَّلُ لَهُ الْحَقِيقَةُ بِمِثَالِ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ. كَمَا تَمَثَّلَ جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَهَكَذَا الْقَلْبُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبْصِرَ فَإِنَّ بَصَرَهُ هُوَ الْبَصَرُ وَعَمَاهُ هُوَ الْعَمَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. فَتَارَةً يَرَى الشَّيْءَ نَفْسَهُ إذَا كُشِفَ لَهُ عَنْهُ وَتَارَةً يَرَاهُ مُتَمَثِّلًا فِي قَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مِرْآتُهُ وَالْقَلْبُ هُوَ الرَّائِي أَيْضًا. وَهَذَا يَكُونُ يَقَظَةً وَيَكُونُ مَنَامًا كَالرَّجُلِ يَرَى الشَّيْءَ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ يَكُونُ إيَّاهُ فِي الْيَقَظَةِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ. وَلِلْقَلْبِ " حَالٌ ثَالِثَةٌ " كَمَا لِلْعَيْنِ نَظَرٌ فِي الْمَنَامِ: وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ لِغَالِبِ الْخَلْقِ. أَنْ يَرَى الرُّؤْيَا مَثَلًا مَضْرُوبًا لِلْحَقِيقَةِ لَا يَضْبُطُ رُؤْيَةَ الْحَقِيقَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِوَاسِطَةِ مِرْآةِ قَلْبِهِ. وَلَكِنْ يَرَى مَا لَهُ تَعْبِيرٌ فَيَعْتَبِرُ بِهِ وَ " عِبَارَةُ الرُّؤْيَا " هُوَ الْعُبُورُ مِنْ الشَّيْءِ إلَى مِثَالِهِ وَنَظِيرِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُقَايَسَةِ وَالِاعْتِبَارِ؛ فَإِنَّ إدْرَاكَ الشَّيْءِ بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ الَّذِي أَلِفَهُ الْإِنْسَانُ وَاعْتَادَهُ أَيْسَرُ مِنْ إدْرَاكِ شَيْءٍ عَلَى الْبَدِيهَةِ مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ مَعْرُوفٍ. ثُمَّ الْمَرْئِيُّ فِي هَذَا الْوَجْهِ: فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ وَفِي الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ وَنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَثَلًا لِلْحَقِيقَةِ وَوَاسِطَةً لَهَا. وَالْمَرْئِيُّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا مَرْئِيٌّ فِي الْقَلْبِ وَمِنْ الْعَامَّةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ مَنْ يَزْعُمُ: أَنَّ مَا يَسْمَعُهُ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ الْكَلَامِ وَيَرَوْنَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إنَّمَا وُجُودُهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَذَلِكَ مَبْلَغُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ غَايَةُ مَا وَجَدُوهُ وَرَأَوْهُ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ فَظَنُّوا أَنْ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ غَايَةٌ. وَقَدْ يُعَارِضُهُمْ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَا يُسْمَعُ وَيُرَى لَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ بَلْ جَمِيعُهُ مِنْ الْخَارِجِ. وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ؛ بَلْ مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ: مِثْلُ مَا يَرَاهُ وَيَسْمَعُهُ فِي الْمَنَامِ إمَّا مِثَالًا لَا تَعْبِيرَ لَهُ أَوْ لَهُ تَعْبِيرٌ. وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ: مِثْلُ رُؤْيَةِ مَرْيَمَ لِلرَّسُولِ إذْ تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا وَرُؤْيَةِ الصَّحَابَةِ لِجِبْرِيلَ فِي صُورَةِ الْأَعْرَابِيِّ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رُؤْيَةَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/178)
الْحَقَائِقِ بِالْعَيْنِ تُطَابِقُ لِرُؤْيَاهَا بِالْقَلْبِ كُلٌّ مِنْهُمَا " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " إدْرَاكُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ بِعَيْنِهِ وَإِدْرَاكُهُ بِوَاسِطَةِ تَمَثُّلِهِ فِي مِرْآةٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ وَإِدْرَاكُهُ مُتَمَثِّلًا فِي غَيْرِ صُورَتِهِ إمَّا بَاطِنًا فِي الْقَلْبِ وَإِمَّا ظَاهِرًا فِي الْعَيْنِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. فَالْقِيَاسُ فِي الْحِسِّيَّاتِ كَالْقِيَاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَهَذَا الَّذِي كَتَبْته فِي الْمُكَاشَفَاتِ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْمُخَاطَبَاتِ فَإِنَّ الْبَصَرَ وَالسَّمْعَ يُظْهِرَانِ مَا يَتْلُوهُ.
مسألة ما أنواع الرؤيا التي يراها الإنسان في منامه؟
مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 522)
{الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: رُؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي النَّوْمِ} وَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ سِيرِين لَكِنَّ تَقْسِيمَ الرُّؤْيَا إلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ مِنْ اللَّهِ وَنَوْعٌ مِنْ الشَّيْطَانِ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا رَيْبٍ. فَهَذَانِ النَّوْعَانِ: مِنْ وَسْوَاسِ النَّفْسِ وَمِنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ وَكِلَاهُمَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَإِنَّ النَّائِمَ قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ وَوَسْوَاسُ الشَّيْطَانِ يَغْشَى الْقَلْبَ كَطَيْفِ الْخَيَالِ فَيُنْسِيهِ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْمَى عَنْ الْحَقِّ فَيَقَعُ فِي الْبَاطِلِ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَسَّهُمْ بِطَيْفٍ مِنْهُ يَغْشَى الْقَلْبَ وَقَدْ يَكُونُ لَطِيفًا وَقَدْ يَكُونُ كَثِيفًا إلَّا أَنَّهُ غِشَاوَةٌ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُهُ إبْصَارُ الْحَقِّ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَذْنَبَ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ. فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الران الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}}. لَكِنَّ طَيْفَ الشَّيْطَانِ غَيْرُ رَيْنِ الذُّنُوبِ هَذَا جَزَاءٌ عَلَى الذَّنَبِ وَالْغَيْنِ أَلْطَفُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّهُ ليغان عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً} فَالشَّيْطَانُ يُلْقِي فِي النَّفْسِ الشَّرَّ وَالْمَلَكُ يُلْقِي الْخَيْرَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَإِيَّايَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرِ} أَيْ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ. وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَة يَرْوِيه فَأَسْلَمَ بِالضَّمِّ وَيَقُولُ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُسْلِمُ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ يَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَهَذَا إسْلَامُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ خُضُوعِهِ وَذِلَّتِهِ لَا عَنْ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ كَمَا يَقْهَرُ الرَّجُلُ عَدُوَّهُ الظَّاهِرَ وَيَأْسِرُهُ وَقَدْ عَرَفَ الْعَدُوَّ الْمَقْهُورَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَاهِرَ يَعْرِفُ مَا يُشِيرُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرِّ. فَلَا يَقْبَلُهُ بَلْ يُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ لِانْقِهَارِهِ مَعَهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشِيرُ عَلَيْهِ إلَّا بِخَيْرٍ لِذِلَّتِهِ وَعَجْزِهِ لَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/179)
لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرِ} وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً وَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ. وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبُ بِالْحَقِّ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أَيْ يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاؤُهُ بِمَا يَقْذِفُ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ الْوَسْوَسَةِ الْمُرْعِبَةِ كَشَيْطَانِ الْإِنْسِ الَّذِي يُخَوِّفُ مِنْ الْعَدُوِّ فَيَرْجُفُ وَيَخْذُلُ. وَعَكْسُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} وَالتَّثَبُّتُ جَعَلَ الْإِنْسَانَ ثَابِتًا لِأَمْرِ تَابَا وَذَلِكَ بِإِلْقَاءِ مَا يُثْبِتُهُ مِنْ التَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ وَالْوَعْدِ بِالْخَيْرِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّةُ الْمَلَكِ وَعْدٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فمتى عَلِمَ الْقَلْبُ أَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ صَدَّقَهُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَهُ بِالتَّصْدِيقِ وَثِقَ بِوَعْدِ اللَّهِ فَثَبَتَ فَهَذَا يَثْبُتُ بِالْكَلَامِ كَمَا يُثَبِّتُ الْإِنْسَانُ الْإِنْسَانَ فِي أَمْرٍ قَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ بِأَنْ يُخْبِرَهُ بِصِدْقِهِ وَيُخْبِرَهُ. بِمَا يُبَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ مَنْصُورٌ فَيَثْبُتُ وَقَدْ يَكُونُ التَّثَبُّتُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يُمْسِكَ الْقَلْبَ حَتَّى يَثْبُتَ كَمَا يَمْسِكُ الْإِنْسَانُ الْإِنْسَانَ حَتَّى يَثْبُتَ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ} فَهَذَا الْمَلَكُ يَجْعَلُهُ سَدِيدَ الْقَوْلِ بِمَا يُلْقِي فِي قَلْبِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ وَالْوَعْدِ بِالْخَيْرِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ سَبَبٌ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَقَدْ ذَكَرَ إخْرَاجَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ فِي غَيْرِ آيَةٍ. كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ} وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} وَقَالَ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} وَفِي الْحَدِيثِ {أَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ} وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا بِتَعْلِيمِهِ الْخَيْرَ يُخْرِجُ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَلِهَذَا كَانَ الرَّسُولُ أَحَقَّ النَّاسِ بِكَمَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}. وَالصَّلَاةُ هِيَ الدُّعَاءُ إمَّا بِخَيْرٍ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ وَإِمَّا بِصِيغَةِ الدُّعَاءِ فَالْمَلَائِكَةُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/180)
وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ} فَبَيَّنَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ قَوْلُهُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَفِي الْأَثَرِ {إنَّ الرَّبَّ يُصَلِّي فَيَقُولُ: سَبَقَتْ - أَوْ غَلَبَتْ - رَحْمَتِي غَضَبِي}
وَهَذَا كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ هُوَ خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَسْبِقُ الْغَضَبَ وَتَغْلِبُهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَدْعُو غَيْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَدْعُوهُ الْمَلَائِكَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْخَلْقِ بَلْ طَلَبَهُ بِأَمْرِهِ وَقَوْلُهُ وَقَسَمِهِ كَقَوْلِهِ: لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. وَقَوْلُهُ: كُنْ فَيَكُونُ؛ وَقَوْلِهِ: لَأَفْعَلَنَّ كَذَا قَسَمٌ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ} وَقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وَقَوْلِهِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} وَقَوْلِهِ: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} وَهَذَا وَعْدٌ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فَإِنَّ هَذَا وَعْدٌ وَخَبَرٌ لَيْسَ فِيهِ قَسَمٌ لَكِنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِاللَّامِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ جَوَابَ قَسَمٍ وَقَوْلِهِ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} وَنَحْوُ ذَلِكَ وَعْدٌ مُجَرَّدٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُوحِي إلَى الْبَشَرِ تَارَةً وَحْيًا مِنْهُ وَتَارَةً يُرْسِلُ رَسُولًا فَيُوحِي إلَى الرَّسُولِ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ.
وَالْمَلَائِكَةُ رُسُلُ اللَّهِ. وَلَفْظُ الْمَلَكِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْكَلِمَةِ مَلْأَك عَلَى وَزْنِ مفعل لَكِنْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ خُفِّفَتْ. بِأَنْ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا وَحُذِفَتْ الْهَمْزَةُ وَمَلَاك مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَأْلُك وَالْمَلْأَك بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ وَاللَّامِ عَلَى الْهَمْزَةِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَكَذَلِكَ الْأَلُوكَةُ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبْلِغْ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلُكًا * * * أَنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي
وَهَذَا بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ. لَكِنَّ الْمَلَكَ هُوَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْهَمْزَةِ وَهَذَا أَجْوَدُ فَإِنَّ نَظِيرَهُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ لَاكَ يَلُوكُ إذَا لَاكَ الْكَلَامَ وَاللِّجَامَ وَالْهَمْزُ أَقْوَى مِنْ الْوَاوِ وَيَلِيهِ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَوْسَطِ: أَكَلَ يَأْكُلُ فَإِنَّ الْآكِلَ يَلُوكُ مِمَّا يَدْخُلُهُ فِي جَوْفِهِ مِنْ الْغِذَاءِ وَالْكَلَامِ وَالْعِلْمِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِنِ وَيُغَذِّي بِهِ صَاحِبَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ كُلَّ آدِبٍ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى مَأْدُبَتُهُ وَإِنَّ مَأْدُبَةَ اللَّهِ الْقُرْآنُ. وَالْآدِبُ الْمُضِيفُ وَالْمَأْدُبَةُ الضِّيَافَةُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ مِنْ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ. فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ ضَيَّفَ عِبَادَهُ بِالْكَلَامِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَيْهِمْ فَهُوَ غِذَاءُ قُلُوبِهِمْ وَقُوتِهَا وَهُوَ أَشَدُّ انْتِفَاعًا بِهِ وَاحْتِيَاجًا إلَيْهِ مِنْ الْجَسَدِ بِغِذَائِهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/181)
عَنْهُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمْ الَّذِينَ يُغَذُّونَ النَّاسَ بِالْحِكْمَةِ وَيُرَبُّونَهُمْ عَلَيْهَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنِّي أَبِيت عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي} وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَالنَّاسُ إلَى الْغِذَاءِ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إلَى الشِّفَاءِ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَشَرِبَ النَّاسُ وَسَقُوا وَزَرَعُوا وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مِثْلُ مِنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ وَمَثَلُ مِنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ}. فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا بُعِثَ بِهِ لِلْقُلُوبِ كَالْمَاءِ لِلْأَرْضِ تَارَةً تَشْرَبُهُ فَتَنْبُتُ وَتَارَةً تَحْفَظُهُ وَتَارَةً لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَالْأَرْضُ تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتُغْتَذَى بِهِ حَتَّى يَحْصُلَ الْخَيْرُ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رُوحٌ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ فَقَالَ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وَإِذَا كَانَ مَا يُوحِيهِ إلَى عِبَادِهِ تَارَةً يَكُونُ بِوَسَاطَةِ مَلَكٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ وَسَاطَةٍ فَهَذَا لِلْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ مُطْلَقًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} وَإِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ} الْآيَةَ. فَذَكَرَ أَنَّهُ يُوحِي إلَيْهِمْ فَإِلَى الْإِنْسَانِ أَوْلَى وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الْفُجُورَ وَالتَّقْوَى لِلنَّفْسِ وَالْفُجُورُ يَكُونُ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ إلْهَامُ وَسْوَاسٍ وَالتَّقْوَى بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ وَهُوَ إلْهَامُ وَحْيٍ هَذَا أَمْرٌ بِالْفُجُورِ وَهَذَا أَمْرٌ بِالتَّقْوَى وَالْأَمْرُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ خَبَرٌ.
وَقَدْ صَارَ فِي الْعُرْفِ لَفْظُ الْإِلْهَامِ إذَا أُطْلِقَ لَا يُرَادُ بِهِ الْوَسْوَسَةُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ إلْهَامِ الْوَحْي وَبَيْنَ الْوَسْوَسَةِ. فَالْمَأْمُورُ بِهِ إنْ كَانَ تَقْوَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْ إلْهَامِ الْوَحْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْفُجُورِ فَهُوَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِلْهَامِ الْمَحْمُودِ وَبَيْنَ الْوَسْوَسَةِ الْمَذْمُومَةِ هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُلْقِيَ فِي النَّفْسِ مِمَّا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ تَقْوَى لِلَّهِ فَهُوَ مِنْ الْإِلْهَامِ الْمَحْمُودِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فُجُورٌ فَهُوَ مِنْ الْوَسْوَاسِ الْمَذْمُومِ وَهَذَا الْفَرْقُ مُطَّرِدٌ لَا يَنْتَقِضُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَازِمٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فَقَالَ: مَا كَرِهَتْهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/182)
نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَمَا أَحَبَّتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ نَفْسِك فَانْهَهَا عَنْهُ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ النُّظَّارُ فِي الْعِلْمِ الْحَاصِلِ فِي الْقَلْبِ عَقِبَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَذَكَرُوا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ - فِي مُسْتَصْفَاهُ - وَغَيْرُهُ قَوْلُ الْجَهْمِيَّة وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ وَقَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ. وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ لَا يَذْكُرُ إلَّا الْقَوْلَيْنِ: قَوْلَ الْجَهْمِيَّة وَقَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَقْوَالِ مَنْ يَعْرِفُونَهُ تَكَلَّمَ فِي هَذَا وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا هَؤُلَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ فُرُوعِ الْقَدَرِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِي نَفْسٍ حَادِثٍ فِيهَا فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْأَقْوَالِ فِي أَمْثَالِهِ. وَمَذْهَبُ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُثَبِّتَةِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ سَبَبًا وَلَا قُدْرَةً مُؤَثِّرَةً وَلَا حِكْمَةً لِفِعْلِ الرَّبِّ فَأَنْكَرَ الطَّبَائِعَ وَالْقُوَى الَّتِي فِي الْأَعْيَانِ وَأَنْكَرَ الْأَسْبَابَ وَالْحُكْمَ فَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ لِشَيْءِ سَبَبًا. بَلْ يَقُولُ هَذَا حَاصِلٌ بِخَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ سَبَبًا وَهُمْ صَادِقُونَ فِي
إضَافَتِهِ إلَى قَدَرِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُهُ خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ لَكِنَّ مِنْ تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ إثْبَاتُ الْأَسْبَابِ وَمَعْرِفَتُهَا. وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِ الْعَبْدِ فَهُوَ فِعْلُهُ لَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَزَهُوقِ الرُّوحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذَا الْعِلْمُ مُتَوَلَّدٌ عَنْ نَظَرِ الْعَبْدِ أَوْ تَذَكُّرِ النَّظَرِ. والمتفلسفة بَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: فِي أَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الصُّوَرِ هُوَ مِنْ فَيْضِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ الْمَوَادِّ الْقَابِلَةِ فَقَالُوا: يَحْصُلُ فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ مِنْ فَيْضِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ النَّفْسِ بِاسْتِحْضَارِ الْمُقْدِمَتَيْنِ وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَحْقِيقُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ. وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالْإِنْسِ مَلَائِكَةً وَشَيَاطِينَ يُلْقُونَ فِي قُلُوبِهِمْ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَالْعِلْمُ الصَّادِقُ مِنْ الْخَيْرِ وَالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ مِنْ الشَّرِّ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّةُ الْمَلَكِ تَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَكَمَا {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَاضِي: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ} وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُوحِي إلَى الْبَشَرِ مَا تُوحِيهِ وَإِنْ كَانَ الْبَشَرُ لَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَلَكِ كَمَا لَا يَشْعُرُ بِالشَّيْطَانِ الْمُوَسْوِسِ لَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَلِّمُ الْبَشَرَ وَحْيًا وَيُكَلِّمُهُ بِمَلَكِ يُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ وَالثَّالِثُ التَّكْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالْوَحْيِ هُنَا الْوَحْيُ فِي الْمَنَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْفَرَجِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الْمَنَامَ تَارَةً يَكُونُ مِنْ اللَّهِ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ النَّفْسِ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهَكَذَا مَا يُلْقَى فِي الْيَقَظَةِ. وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ فِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/183)
الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ. وَلِهَذَا كَانَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيًا كَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَقَرَأَ قَوْلَهُ: {إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى رُؤْيَا كَانَتْ وَحْيًا فَكَذَلِكَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَلْقِي فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ يَكُونُ وَحْيًا وَالْإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ نَفْسُهُ فِي يَقَظَتِهِ أَكْمَلَ مِنْهَا فِي نَوْمِهِ كَالْمُصَلِّي الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ النَّوْمِ فَلِمَاذَا لَا يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ كَمَا أَوْحَى إلَى أُمِّ مُوسَى وَالْحَوَارِيِّينَ وَإِلَى النَّحْلِ لَكِنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ وَحْيٌ لَا فِي يَقَظَةٍ وَلَا فِي الْمَنَامِ إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَسْوَاسَ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة هل الكاذب في الرؤيا متنبئ كاذب؟
مجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 25)
ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الْكَذَّابِ وَالْمُتَنَبِّئِ. فَقَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَجَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ مَنْ أَضَافَ مَا يَفْتَرِيهِ إلَى اللَّهِ وَبَيْنَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ مَنْ أَوْحَاهُ فَإِنَّ الَّذِي يَدَّعِي الْوَحْيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ. وَيَدْخُلُ فِي " الْقِسْمِ الثَّانِي " مَنْ يُرِي عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَا تَرَيَا
مسألة: ما هي الأحوال التي تحصل للنفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 612)
إِذَا كَانَتْ " الرُّؤْيَا " عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ":
رُؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ. وَرُؤْيَا مِنْ الشَّيْطَانِ فَكَذَلِكَ مَا يُلْقَى فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ فِي حَالِ يَقَظَتِهِ " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " وَلِهَذَا كَانَتْ الْأَحْوَالُ " ثَلَاثَةً " رَحْمَانِيٌّ وَنَفْسَانِيٌّ وَشَيْطَانِيٌّ. وَمَا يَحْصُلُ مِنْ نَوْعِ الْمُكَاشَفَةِ وَالتَّصَرُّفِ " ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ " مَلَكِيٌّ وَنَفْسِيٌّ وَشَيْطَانِيٌّ فَإِنَّ الْمَلَكَ لَهُ قُوَّةٌ وَالنَّفْسَ لَهَا قُوَّةٌ وَالشَّيْطَانَ لَهُ قُوَّةٌ وَقَلْبَ الْمُؤْمِنِ لَهُ قُوَّةٌ. فَمَا كَانَ مِنْ الْمَلَكِ وَمِنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ فَهُوَ حَقٌّ وَمَا كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَةِ النَّفْسِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَدْ اشْتَبَهَ هَذَا بِهَذَا عَلَى طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ بَلْ صَارُوا يَظُنُّونَ فِي مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّارِ - أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ - أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ. وَالْكَلَامُ فِي هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
مسألة: ماذا تفيد الرؤيا؟
مجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 278)
" الرُّؤْيَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " رُؤْيَا بُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي الْمَنَامِ. وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا التَّقْسِيمُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مسألة: إذا كانت الرؤيا في النوم و هو وفاة فما هي أنواع الوفاة؟ و كيف تحصل الرؤيا و كيف تصدق و كيف تكذب؟
مجموع الفتاوى - (ج 5 / ص 452)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/184)
اللَّهَ قَالَ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فَذَكَرَ إمْسَاكَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْفُسِ الَّتِي تَوَفَّاهَا بِالنَّوْمِ وَأَمَّا الَّتِي تَوَفَّاهَا حِينَ مَوْتِهَا فَتِلْكَ لَمْ يَصِفْهَا بِإِمْسَاكِ وَلَا إرْسَالٍ وَلَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْتِقَاءَ الْمَوْتَى بِالنِّيَامِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ تَوْفِيَتَيْنِ: تَوَفِّي الْمَوْتِ وَتَوَفِّي النَّوْمِ وَذَكَرَ إمْسَاكَ الْمُتَوَفَّاةِ وَإِرْسَالَ الْأُخْرَى. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُمْسِكُ كُلَّ مَيْتَةٍ سَوَاءٌ مَاتَتْ فِي النَّوْمِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَيُرْسِلُ مَنْ لَمْ تَمُتْ. وَقَوْلُهُ: {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} يَتَنَاوَلُ مَا مَاتَتْ فِي الْيَقَظَةِ وَمَا مَاتَتْ فِي النَّوْمِ؛ فَلَمَّا ذَكَرَ التَّوْفِيَتَيْنِ ذَكَرَ أَنَّهُ يُمْسِكُهَا فِي أَحَدِ التَّوْفِيَتَيْنِ وَيُرْسِلُهَا فِي الْأُخْرَى؛ وَهَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمَدْلُولُهُ بِلَا تَكَلُّفٍ. وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْتِقَاءِ أَرْوَاحِ النِّيَامِ وَالْمَوْتَى لَا يُنَافِي مَا فِي الْآيَةِ؛ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ لَكِنَّ قَوْلَهُ: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} يَقْتَضِي أَنَّهُ يُمْسِكُهَا لَا يُرْسِلُهَا كَمَا يُرْسِلُ النَّائِمَةَ؛ سَوَاءٌ تَوَفَّاهَا فِي الْيَقَظَةِ أَوْ فِي النَّوْمِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْت نَفْسِي وَأَنْتَ تَتَوَفَّاهَا؛ لَك مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا؛ فَإِنْ أَمْسَكْتهَا فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَك الصَّالِحِينَ} فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا فِي حَالِ تَوَفِّي النَّوْمِ إمَّا مُمْسَكَةٌ وَإِمَّا مُرْسَلَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثنا أَبِي ثنا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ؛ ثنا بَقِيَّةُ؛ ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْجَبُ مِنْ رُؤْيَا الرَّجُلِ أَنَّهُ يَبِيتُ فَيَرَى الشَّيْءَ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ عَلَى بَالٍ؛ فَتَكُونُ رُؤْيَاهُ كَأَخْذِ بِالْيَدِ وَيَرَى الرَّجُلُ الشَّيْءَ؛ فَلَا تَكُونُ رُؤْيَاهُ شَيْئًا؛ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَفَلَا أُخْبِرُك بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فَاَللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ كُلَّهَا فَمَا رَأَتْ - وَهِيَ عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ - فَهُوَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَمَا رَأَتْ - إذَا أُرْسِلَتْ إلَى أَجْسَادِهَا - تَلَقَّتْهَا الشَّيَاطِينُ فِي الْهَوَاءِ فَكَذَّبَتْهَا فَأَخْبَرَتْهَا بِالْأَبَاطِيلِ وَكَذَبَتْ فِيهَا؛ فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ. وَذَكَرَ هَذَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ منده فِي كِتَابِ " الرُّوحِ وَالنَّفْسِ " وَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ مَشْهُورٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وَالْأَرْوَاحُ يُعْرَجُ بِهَا فِي مَنَامِهَا فَمَا رَأَتْ وَهِيَ فِي السَّمَاءِ فَهُوَ الْحَقُّ فَإِذَا رُدَّتْ إلَى أَجْسَادِهَا تَلَقَّتْهَا الشَّيَاطِينُ فِي الْهَوَاءِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/185)
فَكَذَّبَتْهَا. فَمَا رَأَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْبَاطِلُ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ منده: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ نُعَيْمٍ الرعيني عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الأصبحي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: إذَا نَامَ الْإِنْسَانُ عُرِجَ بِرُوحِهِ حَتَّى يُؤْتَى بِهَا الْعَرْشَ قَالَ: فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا أُذِنَ لَهَا بِالسُّجُودِ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا بِالسُّجُودِ. رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ الحباب وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى ابْنُ منده حَدِيثَ عَلِيٍّ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا حَدَّثَنَا أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا ابْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي إسْمَاعِيلَ وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا قُتَيْبَةُ وَالرَّازِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حميد ثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مغراء الدوسي ثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأزدي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَان عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ رُبَّمَا شَهِدْت وَغِبْنَا وَرُبَّمَا شَهِدْنَا وَغِبْت ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَسْأَلُك عَنْهُنَّ فَهَلْ عِنْدَك مِنْهُنَّ عِلْمٌ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ خَيْرًا: وَالرَّجُلُ يُبْغِضُ الرَّجُلَ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ شَرًّا. فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ تَلْتَقِي فِي الْهَوَاءِ فتشام فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ قَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ. قَالَ عُمَرُ: وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ الْحَدِيثَ إذْ نَسِيَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ قَدْ نَسِيَهُ إذْ ذَكَرَهُ. فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ الْقُلُوبِ قَلْبٌ إلَّا وَلَهُ سَحَابَةٌ كَسَحَابَةِ الْقَمَرِ فَبَيْنَمَا الْقَمَرُ يُضِيءُ إذْ تَجَلَّلَتْهُ سَحَابَةٌ فَأَظْلَمَ؛ إذْ تَجَلَّتْ عَنْهُ فَأَضَاءَ؛ وَبَيْنَمَا الْقَلْبُ يَتَحَدَّثُ إذْ تَجَلَّلَتْهُ فَنَسِيَ إذْ تَجَلَّتْ عَنْهُ فَذَكَرَ. قَالَ عُمَرُ: اثْنَتَانِ. قَالَ: وَالرَّجُلُ يَرَى الرُّؤْيَا: فَمِنْهَا مَا يَصْدُقُ وَمِنْهَا مَا يَكْذِبُ. فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَنَامُ فَيَمْتَلِئُ نَوْمًا إلَّا عُرِجَ بِرُوحِهِ إلَى الْعَرْشِ فَاَلَّذِي لَا يَسْتَيْقِظُ دُونَ الْعَرْشِ فَتِلْكَ الرُّؤْيَا الَّتِي تَصْدُقُ وَاَلَّذِي يَسْتَيْقِظُ دُونَ الْعَرْشِ فَهِيَ الرُّؤْيَا الَّتِي تَكْذِبُ. فَقَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ كُنْت فِي طَلَبِهِنَّ؛ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَصَبْتهنَّ قَبْلَ الْمَوْتِ.} وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَ عَنْهُ عُمَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ثَنَا آدَمَ بْنُ أَبِي إيَاسٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الخثعمي عَنْ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْقُرَشِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْيَاءُ أَسْأَلُك عَنْهَا؟ قَالَ: سَلْ عَمَّا شِئْت؛ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّ يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَمِمَّ يَنْسَى؟ وَمِمَّ تَصْدُقُ الرُّؤْيَا وَمِمَّ تَكْذِبُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَمَّا قَوْلُك مِمَّ يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَمِمَّ يَنْسَى؛ فَإِنَّ عَلَى الْقَلْبِ طخاة مِثْلَ طخاة الْقَمَرِ فَإِذَا تَغَشَّتْ الْقَلْبَ نَسِيَ ابْنُ آدَمَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/186)
فَإِذَا تَجَلَّتْ عَنْ الْقَلْبِ ذَكَرَ مِمَّا كَانَ يَنْسَى. وَأَمَّا مِمَّ تَصْدُقُ الرُّؤْيَا وَمِمَّ تَكْذِبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} فَمَنْ دَخَلَ مِنْهَا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فَهِيَ الَّتِي تَصْدُقُ وَمَا كَانَ مِنْهَا دُونَ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فَهِيَ الَّتِي تَكْذِبُ. قُلْت: وَفِي هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ ذَكَرَ أَنَّ الَّتِي تَكْذِبُ مَا لَمْ يَكْمُلْ وُصُولُهَا إلَى الْعُلُوِّ. وَفِي الْأَوَّلِ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مِمَّا يَحْصُلُ بَعْدَ رُجُوعِهَا. وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُمْكِنٌ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعِهِ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ إذَا نَامَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّ لَهُ سَبَبًا تَجْرِي فِيهِ الرُّوحُ وَأَصْلُهُ فِي الْجَسَدِ. فَتَبْلُغُ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ فَمَا دَامَ ذَاهِبًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ نَائِمٌ. فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْبَدَنِ انْتَبَهَ الْإِنْسَانُ؛ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ شُعَاعٍ هُوَ سَاقِطٌ بِالْأَرْضِ وَأَصْلُهُ مُتَّصِلٌ بِالشَّمْسِ. قَالَ ابْنُ منده: وَأُخْبِرْت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَلَهُ بَصَرٌ بِالطِّبِّ وَالتَّعْبِيرِ - قَالَ: إنَّ الْأَرْوَاحَ تَمْتَدُّ مِنْ مَنْخِرِ الْإِنْسَانِ وَمَرَاكِبُهَا وَأَصْلُهَا فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَلَوْ خَرَجَ الرُّوحُ لَمَاتَ كَمَا أَنَّ السِّرَاجَ لَوْ فَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَتِيلَةِ لطفئت. أَلَا تَرَى أَنَّ تَرَكُّبَ النَّارِ فِي الْفَتِيلَةِ وضوءها وَشُعَاعَهَا مَلَأَ الْبَيْتَ فَكَذَلِكَ الرُّوحُ تَمْتَدُّ مِنْ مَنْخِرِ الْإِنْسَانِ فِي مَنَامِهِ حَتَّى تَأْتِيَ السَّمَاءَ وَتَجُولُ فِي الْبُلْدَانِ وَتَلْتَقِي مَعَ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى. فَإِذَا رَآهَا الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِأَرْوَاحِ الْعِبَادِ أَرَاهُ مَا أَحَبَّ أَنْ يَرَاهُ وَكَانَ الْمَرْءُ فِي الْيَقَظَةِ عَاقِلًا ذَكِيًّا صَدُوقًا لَا يَلْتَفِتُ فِي الْيَقَظَةِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْبَاطِلِ رَجَعَ إلَيْهِ رُوحُهُ فَأَدَّى إلَى قَلْبِهِ الصِّدْقَ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَسَبِ صِدْقِهِ. وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا نَزِقًا يُحِبُّ الْبَاطِلَ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ فَإِذَا نَامَ وَأَرَاهُ اللَّهُ أَمْرًا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ رَجَعَ رُوحُهُ فَحَيْثُ مَا رَأَى شَيْئًا مِنْ مخاريق الشَّيْطَانِ أَوْ بَاطِلًا وَقَفَ عَلَيْهِ كَمَا يَقِفُ فِي يَقَظَتِهِ وَكَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِهِ فَلَا يَعْقِلُ مَا رَأَى لِأَنَّهُ خَلَطَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ؛ فَلَا يُمْكِنُ مُعَبِّرٌ يَعْبُرُ لَهُ وَقَدْ اخْتَلَطَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ منده: وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا الْكَلَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قُلْت: وَخَرَجَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ " تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا " قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الْمَرْوَزِي أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا الْمُبَارَكُ {عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: أُنْبِئْت أَنَّ الْعَبْدَ إذَا نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ فِي طَاعَتِي}. وَإِذَا كَانَتْ الرُّوحُ تَعْرُجُ إلَى السَّمَاءِ مَعَ أَنَّهَا فِي الْبَدَنِ. عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عُرُوجُهَا مِنْ جِنْسِ عُرُوجِ الْبَدَنِ الَّذِي يَمْتَنِعُ هَذَا فِيهِ. وَعُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ وَنُزُولُهَا مِنْ جِنْسِ عُرُوجِ الرُّوحِ وَنُزُولِهَا لَا مِنْ جِنْسِ عُرُوجِ الْبَدَنِ وَنُزُولِهِ. وَصُعُودُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ هَذَا كُلِّهِ وَأَجَلُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَبْعَدُ عَنْ مُمَاثَلَةِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/187)
مُمَاثَلَةِ مَخْلُوقٍ لِمَخْلُوقِ. وَإِذَا قِيلَ: الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَالْمَجِيءُ وَالْإِتْيَانُ أَنْوَاعٌ جِنْسُ الْحَرَكَةِ؛ قِيلَ: وَالْحَرَكَةُ أَيْضًا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلَيْسَتْ حَرَكَةُ الرُّوحِ كَحَرَكَةِ الْبَدَنِ وَلَا حَرَكَةُ الْمَلَائِكَةِ كَحَرَكَةِ الْبَدَنِ. وَالْحَرَكَةُ يُرَادُ بِهَا انْتِقَالُ الْبَدَنِ وَالْجِسْمِ مِنْ حَيِّزٍ وَيُرَادُ بِهَا أُمُورٌ أُخْرَى كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الطبائعية وَالْفَلَاسِفَةِ: مِنْهَا الْحَرَكَةُ فِي الْكَمِّ كَحَرَكَةِ النُّمُوِّ وَالْحَرَكَةُ فِي الْكَيْفِ كَحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ جَهْلٍ إلَى عِلْمٍ وَحَرَكَةِ اللَّوْنِ أَوْ الثِّيَابِ مِنْ سَوَادٍ إلَى بَيَاضٍ وَالْحَرَكَةُ فِي الْأَيْنِ كَالْحَرَكَةِ تَكُونُ بِالْأَجْسَامِ النَّامِيَةِ مِنْ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ: فِي النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ أَوْ فِي الذُّبُولِ وَالنُّقْصَانِ؛ وَلَيْسَ هُنَاكَ انْتِقَالُ جِسْمٍ مِنْ حَيِّزٍ إلَى حَيِّزٍ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْجَوَاهِرَ الْمُفْرَدَةَ تَنْتَقِلُ؛ فَقَوْلُهُ غَلَطٌ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
مسألة: كيف تعبر الرؤيا؟
مجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 82)
الِاعْتِبَارِ وَالتَّشْرِيكِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّنْظِيرِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْمُشَابَهَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّؤْيَا وَتَأْوِيلِهَا.
مسألة كيف تمرض النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 34)
الْإِنْسَانُ إذَا فَسَدَتْ نَفْسُهُ أَوْ مِزَاجُهُ يَشْتَهِي مَا يَضُرُّهُ وَيَلْتَذُّ بِهِ؛ بَلْ يَعْشَقُ ذَلِكَ عِشْقًا يُفْسِدُ عَقْلَهُ وَدِينَهُ وَخُلُقَهُ وَبَدَنَهُ وَمَالَهُ
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 599)
طَالِبُ الرِّئَاسَةِ - وَلَوْ بِالْبَاطِلِ - تُرْضِيهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِيهَا تَعْظِيمُهُ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا، وَتُغْضِبُهُ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِيهَا ذَمُّهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا.
وَالْمُؤْمِنُ تُرْضِيهِ كَلِمَةُ الْحَقِّ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَتُغْضِبُهُ كَلِمَةُ الْبَاطِلِ لَهُ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْحَقَّ وَالصِّدْقَ وَالْعَدْلَ وَيُبْغِضُ الْكَذِبَ وَالظُّلْمَ. فَإِذَا قِيلَ: الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالْعَدْلُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ أُحِبُّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةُ هَوَاهُ. لِأَنَّ هَوَاهُ قَدْ صَارَ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَإِذَا قِيلَ: الظُّلْمُ وَالْكَذِبُ فَاَللَّهُ يُبْغِضُهُ وَالْمُؤْمِنُ يُبْغِضُهُ وَلَوْ وَافَقَ هَوَاهُ. وَكَذَلِكَ طَالِبُ " الْمَالِ " - وَلَوْ بِالْبَاطِلِ - كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ} الْحَدِيثَ. فَكَيْفَ إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْقَلْبِ مَا هُوَ أَعْظَمُ اسْتِعْبَادًا مِنْ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْمَحْبُوبَاتِ الَّتِي تَجْذِبُ الْقَلْبَ عَنْ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَعِبَادَتِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُزَاحَمَةِ وَالشِّرْكِ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَيْفَ تَدْفَعُ الْقَلْبَ وَتُزِيغُهُ عَنْ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ لِرَبِّهِ وَعِبَادَتِهِ وَخَشْيَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَحْبُوبٍ يَجْذِبُ قَلْبَ مُحِبِّهِ إلَيْهِ وَيُزِيغُهُ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِ مَحْبُوبِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ يَدْفَعُهُ وَيُزِيلُهُ وَيَشْغَلُهُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
مسألة: ما هي الروح المدبرة لجسم الإنسان؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 301)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/188)
النَّفْسُ - وَهِيَ الرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِبَدَنِ الْإِنْسَانِ - هِيَ مِنْ بَابِ مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ الَّتِي تُسَمَّى جَوْهَرًا وَعَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِغَيْرِهَا. وَأَمَّا التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِلَفْظِ " الْجَوْهَرِ " " وَالْجِسْمِ " فَفِيهِ نِزَاعٌ بَعْضُهُ اصْطِلَاحِيٌّ وَبَعْضُهُ مَعْنَوِيٌّ. فَمَنْ عَنَى بِالْجَوْهَرِ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ فَهِيَ جَوْهَرٌ وَمَنْ عَنَى بِالْجِسْمِ مَا يُشَارُ إلَيْهِ وَقَالَ إنَّهُ يُشَارُ إلَيْهَا فَهِيَ عِنْدُهُ جِسْمٌ وَمَنْ عَنَى بِالْجِسْمِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ أَوْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ فَبَعْضُ هَؤُلَاءِ قَالَ إنَّهَا جِسْمٌ أَيْضًا. وَمَنْ عَنَى بِالْجَوْهَرِ الْمُتَحَيِّزَ الْقَابِلَ لِلْقِسْمَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا جَوْهَرٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ وَلَا مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَجْسَامِ الْمُتَحَيِّزَاتِ الْمَشْهُودَةِ الْمَعْهُودَةِ وَأَمَّا الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُشَارُ إلَيْهَا وَتَصْعَدُ وَتَنْزِلُ وَتَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ وَتُسَلُّ مِنْهُ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّوَاهِدُ الْعَقْلِيَّةُ.
مسألة: ما هو الذي تسميه الأطباء الروح الحيواني؟
مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 32)
الدَّمِ الَّذِي هُوَ الْبُخَارُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْأَطِبَّاءُ الرُّوحَ الْحَيَوَانِيَّ الْمُنْبَعِثُ مِنْ الْقَلْبِ السَّارِي فِي الْبَدَنِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْبَدَنِ
مسألة: هل للروح اختصاص بشيء من الجسد؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 302)
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَيْنَ مَسْكَنُهَا مِنْ الْجَسَدِ؟ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلرُّوحِ بِشَيْءِ مِنْ الْجَسَدِ بَلْ هِيَ سَارِيَةٌ فِي الْجَسَدِ كَمَا تَسْرِي الْحَيَاةُ الَّتِي هِيَ عَرَضٌ فِي جَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ مَشْرُوطَةٌ بِالرُّوحِ فَإِذَا كَانَتْ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ وَإِذَا فَارَقَتْهُ الرُّوحُ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ.
مسألة: مم خلق الإنسان و الملك و الجان؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 94)
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 95)
صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ؛ وَخَلَقَ إبْلِيسَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ؛ وَخَلَقَ آدَمَ مِمَّا وَصَفَ لَكُمْ} وَلَيْسَ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ مَا خُلِقَتْ مِنْهُ فَقَطْ؛ بَلْ قَدْ يُخْلَقُ الْمُؤْمِنُ مِنْ كَافِرٍ؛ وَالْكَافِرُ مِنْ مُؤْمِنٍ؛ كَابْنِ نُوحٍ مِنْهُ وَكَإِبْرَاهِيمَ مِنْ آزَرَ؛ وَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ: فَلَمَّا سَوَّاهُ؛ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ؛ وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةَ؛ وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ وَبِأَنْ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ؛ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ. فَهُوَ وَصَالِحُو ذُرِّيَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ؛ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ مَخْلُوقِينَ مِنْ طِينٍ؛ وَهَؤُلَاءِ مِنْ نُورٍ. وَهَذِهِ " مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ " مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَإِنَّ فَضْلَ بَنِي آدَمَ هُوَ بِأَسْبَابِ يَطُولُ شَرْحُهَا هُنَا. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْقَرَارِ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. وَالْآدَمِيُّ خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ؛ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ؛ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ انْتَقَلَ مَنْ صِغَرٍ إلَى كِبَرٍ ثُمَّ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ فَلَا يَظْهَرُ فَضْلُهُ وَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ أَحْوَالِهِ؛ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُ عِنْدَ كَمَالِ أَحْوَالِهِ؛ بِخِلَافِ الْمَلَكِ الَّذِي تَشَابَهَ أَوَّلُ أَمْرِهِ وَآخِرِهِ. وَمِنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/189)
هُنَا غَلِطَ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَيْثُ نَظَرَ إلَى أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ. وَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْأَحْوَالِ. قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى مَا وُعِدُوا بِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مِنْ نِهَايَاتِ الْكَمَالِ.
مسألة: و كيف يخلق الحيوان؟
مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 243)
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَالْمَطَرِ وَالنَّارِ الَّتِي تُورَى بِالزِّنَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ تَحْدُثُ أَعْيَانُ هَذِهِ الْأَجْسَامِ فَيُقْلَبُ هَذَا الْجِنْسُ إلَى جِنْسٍ آخَرَ. كَمَا يُقْلَبُ الْمَنِيُّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً أَوْ لَا تَحْدُثُ إلَّا أَعْرَاضٌ وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الَّتِي هِيَ الْجَوَاهِرُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ بِغَيْرِ صِفَاتِهَا بِمَا يُحْدِثُهُ فِيهَا مِنْ الْأَكْوَانِ الْأَرْبِعَةِ: الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التجزي كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. وَإِمَّا مِنْ جَوَاهِرَ لَا نِهَايَةَ لَهَا كَمَا يُحْكَى عَنْ النَّظَّامِ.
مسألة: من هم الشياطين؟
مجموع الفتاوى - (ج 15 / ص 7)
سُئِلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَنْ قَوْله تَعَالَى {إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ. هَلْ ذَلِكَ عَامٌّ لَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ أَمْ يَرَاهُمْ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ؟ وَهَلْ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَدُ إبْلِيسَ أَمْ جِنْسَيْنِ: وَلَدُ إبْلِيسَ وَغَيْرُ وَلَدِهِ؟.
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ آمِينَ - فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِنْسَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُمْ الْإِنْسُ وَهَذَا حَقٌّ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِنْسَ فِي حَالٍ لَا يَرَاهُمْ الْإِنْسُ فِيهَا وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ لَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْإِنْسِ بِحَالِ؛ بَلْ قَدْ يَرَاهُمْ الصَّالِحُونَ وَغَيْرُ الصَّالِحِينَ أَيْضًا؛ لَكِنْ لَا يَرَوْنَهُمْ فِي كُلِّ حَالٍ وَالشَّيَاطِينُ هُمْ مَرَدَةُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَجَمِيعُ الْجِنِّ وَلَدُ إبْلِيسَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 11:27 ص]ـ
مسألة متى خلقت النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 230)
هِيَ آخِرُ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْمَخْلُوقَاتِ.
مسألة ما المراد بالنفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 292)
فَصْلٌ:
وَلَكِنَّ لَفْظَ " الرُّوحِ وَالنَّفْسِ " يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ عِدَّةِ مَعَانٍ: فَيُرَادُ بِالرُّوحِ الْهَوَاءُ الْخَارِجُ مِنْ الْبَدَنِ وَالْهَوَاءُ الدَّاخِلُ فِيهِ وَيُرَادُ بِالرُّوحِ الْبُخَارُ الْخَارِجُ مِنْ تَجْوِيفِ الْقَلْبِ مِنْ سويداه السَّارِي فِي الْعُرُوقِ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْأَطِبَّاءُ الرُّوحَ وَيُسَمَّى الرُّوحُ الْحَيَوَانِيُّ. فَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ غَيْرُ الرُّوحِ الَّتِي تُفَارِقُ بِالْمَوْتِ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ. وَيُرَادُ بِنَفْسِ الشَّيْءِ ذَاتُهُ وَعَيْنُهُ كَمَا يُقَالُ رَأَيْت زَيْدًا نَفْسَهُ وَعَيْنَهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وَقَالَ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ {قَالَ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَّ بِمَا قلتيه لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ} وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ عَنْ النَّبِيِّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/190)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْته فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ}. فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُرَادُ فِيهَا بِلَفْظِ النَّفْسِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: اللَّهُ نَفْسُهُ الَّتِي هِيَ ذَاتُهُ الْمُتَّصِفَةُ بِصِفَاتِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا ذَاتًا مُنْفَكَّةً عَنْ الصِّفَاتِ وَلَا الْمُرَادُ بِهَا صِفَةً لِلذَّاتِ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ يَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ أَنَّهَا الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الصِّفَاتِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ. وَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ النَّفْسِ الدَّمُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ كَقَوْلِ الْفُقَهَاءِ " مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ " وَمِنْهُ يُقَالُ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ وَنَفِسَتْ (*) إذَا نَفَّسَهَا وَلَدُهَا وَمِنْهُ قِيلَ النُّفَسَاءُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظباة نُفُوسُنَا وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظباة تَسِيلُ فَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ بِالنَّفْسِ لَيْسَا هُمَا مَعْنَى الرُّوحِ وَيُرَادُ بِالنَّفْسِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ صِفَاتُهَا الْمَذْمُومَةُ فَيُقَالُ: فُلَانٌ لَهُ نَفْسٌ وَيُقَالُ: اُتْرُكْ نَفْسَك وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي مَرْثَدٍ " رَأَيْت رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ فَقُلْت أَيْ رَبِّ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَيْك فَقَالَ اُتْرُكْ نَفْسَك " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ ذَاتَه وَإِنَّمَا يَتْرُكُ هَوَاهَا وَأَفْعَالَهَا الْمَذْمُومَةَ
مسألة ما أنواع النفس؟ و ماذا يحصل إذا فسدت النفوس؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 294)
لَفْظُ " النَّفْسِ " يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَوَاهَا أَوْ عَنْ اتِّبَاعِهَا الْهَوَى بِخِلَافِ لَفْظِ " الرُّوحِ " فَإِنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ ذَلِكَ إذْ كَانَ لَفْظُ " الرُّوحِ " لَيْسَ هُوَ بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهَا لِلْبَدَنِ. وَيُقَالُ النُّفُوسُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: وَهِيَ " النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ " الَّتِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا بِفِعْلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي. وَ " النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ " وَهِيَ الَّتِي تُذْنِبُ وَتَتُوبُ فَعَنْهَا خَيْرٌ وَشَرٌّ لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ الشَّرَّ تَابَتْ وَأَنَابَتْ فَتُسَمَّى لَوَّامَةً لِأَنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الذُّنُوبِ وَلِأَنَّهَا تَتَلَوَّمُ أَيْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَ " النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " وَهِيَ الَّتِي تُحِبُّ الْخَيْرَ وَالْحَسَنَاتِ وَتُرِيدُهُ وَتُبْغِضُ الشَّرَّ وَالسَّيِّئَاتِ وَتَكْرَهُ ذَلِكَ وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ لَهَا خُلُقًا وَعَادَةً وَمَلَكَةً. فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَأَحْوَالٌ لِذَاتٍ وَاحِدَةٍ وَإِلَّا فَالنَّفْسُ الَّتِي لِكُلِّ إنْسَانٍ هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ.
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 148)
وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ الثُّلَاثِيَّةُ كَمَا قِيلَ: الْأَنْفُسُ ثَلَاثٌ: أَمَّارَةٌ؛ وَمُطَمْئِنَةٌ؛ وَلَوَّامَةٌ. فَالْأَوَّلُونَ هُمْ أَهْلُ الْأَنْفُسِ الْأَمَّارَةِ الَّتِي تَأْمُرُهُ بِالسُّوءِ. وَالْأَوْسَطُونَ هُمْ أَهْلُ النُّفُوسِ الْمُطْمَئِنَّةِ الَّتِي قِيلَ فِيهَا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} {ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} {وَادْخُلِي جَنَّتِي}. وَالْآخَرُونَ هُمْ أَهْلُ النُّفُوسِ اللَّوَّامَةِ الَّتِي تَفْعَلُ الذَّنْبَ ثُمَّ تَلُومُ عَلَيْهِ؛ وَتَتَلَوَّنُ: تَارَةً كَذَا. وَتَارَةً كَذَا. وَتَخْلِطُ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/191)
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اقْتَدُوا بالذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ} أَقْرَبُ عَهْدًا بِالرِّسَالَةِ وَأَعْظَمُ إيمَانًا وَصَلَاحًا؛ وَأَئِمَّتُهُمْ أَقْوَمُ بِالْوَاجِبِ وَأَثْبَتُ فِي الطُّمَأْنِينَةِ: لَمْ تَقَعْ فِتْنَةٌ؛ إذْ كَانُوا فِي حُكْمِ الْقِسْمِ الْوَسَطِ. وَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَخِلَافَةِ عَلِيٍّ كَثُرَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ؛ فَصَارَ فِيهِمْ شَهْوَةٌ وَشُبْهَةٌ مَعَ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ؛ وَصَارَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْوُلَاةِ وَبَعْضِ الرَّعَايَا ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ بَعْدُ؛ فَنَشَأَتْ الْفِتْنَةُ الَّتِي سَبَبُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ تَمْحِيصِ التَّقْوَى وَالطَّاعَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ؛ وَاخْتِلَاطِهِمَا بِنَوْعِ مِنْ الْهَوَى وَالْمَعْصِيَةِ فِي الطَّرَفَيْنِ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَأَوِّلٌ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَنَّهُ مَعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَمَعَ هَذَا التَّأْوِيلِ نَوْعٌ مِنْ الْهَوَى؛ فَفِيهِ نَوْعٌ مِنْ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ؛ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْ الْأُخْرَى.
مسألة ما أنواع قوى النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 15 / ص 428)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
فَصْلٌ:
أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ثَلَاثٌ: الْكُفْرُ ثُمَّ قَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ثُمَّ الزِّنَا كَمَا رَتَّبَهَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: {قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِك}.
وَلِهَذَا التَّرْتِيبِ وَجْهٌ مَعْقُولٌ وَهُوَ أَنَّ قُوَى الْإِنْسَانِ ثَلَاثٌ:
قُوَّةُ الْعَقْلِ وَقُوَّةُ الْغَضَبِ وَقُوَّةُ الشَّهْوَةِ. فَأَعْلَاهَا الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ - الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْإِنْسَانُ دُونَ سَائِرِ الدَّوَابِّ وَتَشْرَكُهُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُ: خُلِقَ لِلْمَلَائِكَةِ عُقُولٌ بِلَا شَهْوَةٍ، وَخُلِقَ لِلْبَهَائِمِ شَهْوَةٌ بِلَا عَقْلٍ وَخُلِقَ لِلْإِنْسَانِ عَقْلٌ وَشَهْوَةٌ فَمَنْ غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَقْلَهُ فَالْبَهَائِمُ خَيْرٌ مِنْهُ. ثُمَّ الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ الَّتِي فِيهَا دَفْعُ الْمَضَرَّةِ ثُمَّ الْقُوَّةُ الشهوية الَّتِي فِيهَا جَلْبُ الْمَنْفَعَةِ. وَمِنْ الطبائعيين مَنْ يَقُولُ: الْقُوَّةُ الْغَضَبِيَّةُ هِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ؛ لِاخْتِصَاصِ الْحَيَوَانِ بِهَا دُونَ النَّبَاتِ. وَالْقُوَّةُ الشهوية هِيَ النَّبَاتِيَّةُ لِاشْتِرَاكِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ فِيهَا. وَاخْتِصَاصُ النَّبَاتِ بِهَا دُونَ الْجَمَادِ. لَكِنْ يُقَالُ: إنْ أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ الشَّهْوَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ النَّبَاتَ لَيْسَ فِيهِ حَنِينٌ وَلَا حَرَكَةٌ إرَادِيَّةٌ وَلَا شَهْوَةٌ وَلَا غَضَبٌ. وَإِنْ أَرَادَ نَفْسَ النُّمُوِّ وَالِاغْتِذَاءِ فَهَذَا تَابِعٌ لِلشَّهْوَةِ وَمُوجِبُهَا. وَلَهُ نَظِيرٌ فِي الْغَضَبِ. وَهُوَ أَنَّ مُوجَبَ الْغَضَبِ وَتَابِعَهُ هُوَ الدَّفْعُ وَالْمَنْعُ وَهَذَا مَعْنَى مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ الْقَوِيَّةِ فَذَاتُ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ مُخْتَصٌّ بِالْحَيِّ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/192)
وَأَمَّا مُوجِبُهُمَا مِنْ الِاعْتِدَاءِ وَالدَّفْعِ فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ النَّبَاتِ الْقَوِيِّ فَقُوَّةُ الدَّفْعِ وَالْمَنْعِ مَوْجُودٌ فِي النَّبَاتِ الصُّلْبِ الْقَوِيِّ دُونَ اللَّيِّنِ الرَّطْبِ فَتَكُونُ قُوَّةُ الدَّفْعِ مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضِ النَّبَاتِ؛ لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي سَائِرِ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ فَبَيْنَ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ قُوَى الْأَفْعَالِ فِي النَّفْسِ إمَّا جَذْبٌ وَإِمَّا دَفْعٌ فَالْقُوَّةُ الْجَاذِبَةُ الْجَالِبَةُ لِلْمُلَائِمِ هِيَ الشَّهْوَةُ وَجِنْسُهَا: مِنْ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْقُوَّةُ الدَّافِعَةُ الْمَانِعَةُ لِلْمُنَافِي هِيَ الْغَضَبُ وَجِنْسُهَا: مِنْ الْبُغْضِ وَالْكَرَاهَةِ وَهَذِهِ الْقُوَّةُ بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْبَهَائِمِ هِيَ مُطْلَقُ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنْسَانُ الْعَقْلُ وَالْإِيمَانُ وَالْقُوَى الرُّوحَانِيَّةُ الْمُعْتَرِضَةُ. فَالْكُفْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ النَّاطِقَةِ الْإِيمَانِيَّةِ؛ وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ بِهِ مَنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَالْقَتْلُ نَاشِئٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَعُدْوَانٍ فِيهَا. وَالزِّنَا عَنْ الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ. فَالْكُفْرُ اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَقَتْلُ النَّفْسِ اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالزِّنَا اعْتِدَاءٌ وَفَسَادٌ فِي الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ ظَاهِرٍ: أَنَّ الْخَلْقَ خَلَقَهُمْ اللَّهُ لِعِبَادَتِهِ وَقِوَامُ الشَّخْصِ بِجَسَدِهِ وَقِوَامُ النَّوْعِ بِالنِّكَاحِ وَالنَّسْلِ فَالْكُفْرُ فَسَادُ الْمَقْصُودِ الَّذِي لَهُ خُلِقُوا وَقَتْلُ النَّفْسِ فَسَادُ النُّفُوسِ الْمَوْجُودَةِ وَالزِّنَا فَسَادٌ فِي الْمُنْتَظَرِ مِنْ النَّوْعِ. فَذَاكَ إفْسَادُ الْمَوْجُودِ وَذَاكَ إفْسَادٌ لِمَا لَمْ يُوجَدْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَفْسَدَ مَالًا مَوْجُودًا أَوْ مَنَعَ الْمُنْعَقِدَ أَنْ يُوجَدَ وَإِعْدَامُ الْمَوْجُودِ أَعْظَمُ فَسَادًا فَلِهَذَا كَانَ التَّرْتِيبُ كَذَلِكَ. وَمِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ أَنَّ الْكُفْرَ فَسَادُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَلِكُ الْجَسَدِ وَالْقَتْلُ إفْسَادٌ لِلْجَسَدِ الْحَامِلِ لَهُ وَإِتْلَافُ الْمَوْجُودِ. وَأَمَّا الزِّنَا فَهُوَ فَسَادٌ فِي صِفَةِ الْوُجُودِ لَا فِي أَصْلِهِ لَكِنَّ هَذَا يَخْتَصُّ بِالزِّنَا وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ اللِّوَاطَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الزِّنَا.
مسألة ما منافع هذه القوى؟
مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 83)
يُقَالُ: الْقُوَّةُ الْمَلَكِيَّةُ وَالْبَهِيمِيَّةُ والسبعية والشيطانية فَإِنَّ الْمَلَكِيَّةَ فِيهَا الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَالْبَهِيمِيَّةَ فِيهَا الشَّهَوَاتُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ والسبعية فِيهَا الْغَضَبُ وَهُوَ دَفْعُ الْمُؤْذِي وَأَمَّا الشَّيْطَانِيَّةُ فَشَرٌّ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهَا جَلْبُ مَنْفَعَةٍ وَلَا دَفْعُ مَضَرَّةٍ. وَالْفَلَاسِفَةُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَ الشَّهْوَةَ وَالْغَضَبَ وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ خُلِقَا لِمَصْلَحَةِ وَمَنْفَعَةٍ؛ لَكِنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ الْعُدْوَانُ فِيهِمَا وَأَمَّا الشَّيْطَانُ فَيَأْمُرُ بِالشَّرِّ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَيُحِبُّ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ إبْلِيسُ بِآدَمَ لَمَّا وَسْوَسَ لَهُ
مسألة هل النفس تتحرك و تريد؟
مجموع الفتاوى - (ج 1 / ص 34)
فَصْلٌ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/193)
وَهُوَ مِثْلُ الْمُقَدِّمَةِ لِهَذَا الَّذِي أَمَامَهُ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فَهُوَ هَمَّامٌ حَارِثٌ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ، بَلْ كُلُّ حَيٍّ فَهُوَ كَذَلِكَ لَهُ عِلْمٌ وَعَمَلٌ بِإِرَادَتِهِ. وَالْإِرَادَةُ هِيَ الْمَشِيئَةُ وَالِاخْتِيَارُ، وَلَا بُدَّ فِي الْعَمَلِ الْإِرَادِيِّ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَا يَحْصُلُ الْمُرَادُ إلَّا بِأَسْبَابِ وَوَسَائِلَ تُحَصِّلُهُ، فَإِنْ حَصَلَ بِفِعْلِ الْعَبْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ قُدْرَةٍ وَقُوَّةٍ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْ خَارِجٍ فَلَا بُدَّ مِنْ فَاعِلٍ غَيْرِهِ؛ وَإِنْ كَانَ مِنْهُ وَمِنْ الْخَارِجِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْآلَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ حَيٍّ مِنْ إرَادَةٍ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُرِيدٍ مِنْ عَوْنٍ يَحْصُلُ بِهِ مُرَادُهُ. فَصَارَ الْعَبْدُ مَجْبُولًا عَلَى أَنْ يَقْصِدَ شَيْئًا وَيُرِيدَهُ؛ وَيَسْتَعِينَ بِشَيْءِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ مُرَادِهِ هَذَا أَمْرٌ حَتْمٌ لَازِمٌ ضَرُورِيٌّ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ يَجِدُهُ فِي نَفْسِهِ.
مسألة ما أنواع حركة النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 6 / ص 559)
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ " قَسْرِيَّةً " وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْقَاسِرِ أَوْ " طَبِيعِيَّةً " وَإِنَّمَا تَكُونُ إذَا خَرَجَ الْمَطْبُوعُ عَنْ مَرْكَزِهِ فَيُطْلَبُ عَوْدُهُ إلَيْهِ؛ أَوْ " إرَادِيَّةً " وَهِيَ الْأَصْلُ فَجَمِيعُ الْحَرَكَاتِ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ
مسألة ما هو العقل؟ و أين مسكنه؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 271)
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدِّينِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
عَنْ " الْعَقْلِ " الَّذِي لِلْإِنْسَانِ هَلْ هُوَ عَرَضٌ؟ وَمَا هِيَ " الرُّوحُ " الْمُدَبِّرَةُ لِجَسَدِهِ؟ هَلْ هِيَ النَّفْسُ؟ وَهَلْ لَهَا كَيْفِيَّةٌ تُعْلَمُ؟ وَهَلْ هِيَ عَرَضٌ أَوْ جَوْهَرٌ؟ وَهَلْ يُعْلَمُ مَسْكَنُهَا مِنْ الْجَسَدِ؟ وَمَسْكَنُ الْعَقْلِ؟.
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، " الْعَقْلُ " فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَكَلَامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ هُوَ أَمْرٌ يَقُومُ بِالْعَاقِلِ سَوَاءٌ سُمِّيَ عَرَضًا أَوْ صِفَةً لَيْسَ هُوَ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا سَوَاءٌ سُمِّيَ جَوْهَرًا أَوْ جِسْمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا يُوجَدُ التَّعْبِيرُ بِاسْمِ " الْعَقْلِ " عَنْ الذَّاتِ الْعَاقِلَةِ الَّتِي هِيَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ وَيَدَّعُونَ ثُبُوتَ عُقُولٍ عَشَرَةٍ كَمَا يَذْكُرُ ذَلِكَ مَنْ يَذْكُرُهُ مِنْ أَتْبَاعِ أَرِسْطُو أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْمَشَّائِينَ. وَمَنْ تَلَقَّى ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْمِلَلِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبُيِّنَ أَنَّ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ وَالْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ وَالْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ مِنْهُ إلَّا نَفْسُ الْإِنْسَانِ وَمَا يَقُومُ بِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَتَوَابِعهَا؛ فَإِنَّ أَصْلَ تَسْمِيَتِهِمْ لِهَذِهِ الْأُمُورِ مُفَارَقَاتٍ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مُفَارَقَةِ النَّفْسِ الْبَدَنَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا أَمْرٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ نَفْسَ الْمَيِّتِ تُفَارِقُ بَدَنَهُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا تَبْقَى بَعْدَ فِرَاقِ الْبَدَنِ بِالْمَوْتِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْمِلَلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/194)
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّفْسَ هِيَ الْحَيَاةُ الْقَائِمَةُ بِالْبَدَنِ. وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كَالرِّيحِ الْمُتَرَدِّدَةِ فِي الْبَدَنِ أَوْ الْبُخَارِ الْخَارِجِ مِنْ الْقَلْبِ. فَفِي الْجُمْلَةِ النَّفْسُ الْمُفَارِقَةُ لِلْبَدَنِ بِالْمَوْتِ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَلَا صِفَةً مِنْ صِفَاتِ الْبَدَنِ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا. وَإِنَّمَا يَقُولُ هَذَا وَهَذَا مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الْمُحْدَثِ مِنْ أَتْبَاعِ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَالْفَلَاسِفَةُ الْمَشَّاءُونَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ النَّفْسَ تَبْقَى إذَا فَارَقَتْ الْبَدَنَ؛ لَكِنْ يَصِفُونَ النَّفْسَ بِصِفَاتِ بَاطِلَةٍ فَيَدَّعُونَ أَنَّهَا إذَا فَارَقَتْ الْبَدَنَ كَانَتْ عَقْلًا. وَالْعَقْلُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمَادَّةِ وَعَلَائِقِ الْمَادَّةِ وَالْمَادَّةُ عِنْدَهُمْ هِيَ الْجِسْمُ وَقَدْ يَقُولُونَ: هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ التَّعَلُّقِ بِالْهَيُولَى وَالْهَيُولَى فِي لُغَتِهِمْ هُوَ بِمَعْنَى الْمَحَلِّ. وَيَقُولُونَ: الْمَادَّةُ وَالصُّورَةُ.
وَالْعَقْلُ عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا يُوصَفُ بِحَرَكَةِ وَلَا سُكُونٍ وَلَا تَتَجَدَّدُ لَهُ أَحْوَالٌ أَلْبَتَّةَ. فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ النَّفْسَ إذَا فَارَقَتْ الْبَدَنَ لَا يَتَجَدَّدُ لَهَا حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا عُلُومٌ وَلَا تَصَوُّرَاتٌ. وَلَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا إرَادَاتٌ. وَلَا فَرَحٌ وَسُرُورٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ بَلْ تَبْقَى عِنْدَهُمْ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ أَزَلًا وَأَبَدًا كَمَا يَزْعُمُونَهُ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النُّفُوسَ وَاحِدَةٌ بِالْعَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هِيَ مُتَعَدِّدَةٌ. وَفِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْبَاطِلِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَوْضِعَ: فَهُمْ يُسَمُّونَ مَا اقْتَرَنَ بِالْمَادَّةِ الَّتِي هِيَ الْهَيُولَى وَهِيَ الْجِسْمُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفْسًا كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ الْمُدَبِّرَةِ لِبَدَنِهِ. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْفَلَكِ نَفْسًا تُحَرِّكُهُ كَمَا لِلنَّاسِ نُفُوسٌ لَكِنْ كَانَ قُدَمَاؤُهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ نَفْسَ الْفَلَكِ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالْفَلَكِ كَنُفُوسِ الْبَهَائِمِ وَكَمَا يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ الشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ لَكِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ زَعَمُوا أَنَّ النَّفْسَ الْفَلَكِيَّةَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ وَمَا دَامَتْ نَفْسُ الْإِنْسَانِ مُدَبِّرَةً لِبَدَنِهِ سَمَّوْهَا نَفْسًا فَإِذَا فَارَقَتْ سَمَّوْهَا عَقْلًا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمَادَّةِ وَعَنْ عَلَائِقِ الْمَادَّةِ. وَأَمَّا النَّفْسُ فَهِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَالتَّصْرِيفِ.
وَأَصْلُ تَسْمِيَتِهِمْ هَذِهِ مُجَرَّدَاتٍ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ يُجَرِّدُ الْأُمُورَ الْعَقْلِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ عَنْ الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى أَفْرَادًا لِلْإِنْسَانِ كَزَيْدِ وَعَمْرٍو عَقَلَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَنَاسِيِّ وَبَيْنَ الْإِنْسَانِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرِكَةِ الْمَعْقُولَةِ فِي قَلْبِهِ. وَإِذَا رَأَى الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَبَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِ الْحَيَوَانِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا كُلِّيًّا مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ الْمَعْقُولَةُ. وَإِذَا رَأَى مَعَ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ وَالشَّجَرَ وَالنَّبَاتَ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا كُلِّيًّا وَهُوَ الْجِسْمُ النَّامِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/195)
الْمُغْتَذِي وَقَدْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ النَّفْسَ النَّبَاتِيَّةَ.
وَإِذَا رَأَى مَعَ ذَلِكَ سَائِرَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ الْفَلَكِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ الْعُنْصُرِيَّةِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا كُلِّيًّا هُوَ الْجِسْمُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ وَإِذَا رَأَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا وَهُوَ الْوُجُودُ الْعَامُّ الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْقَسِمُ إلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَهَذَا الْوُجُودُ هُوَ عِنْدَهُمْ مَوْضُوعُ " الْعِلْمِ الْأَعْلَى " النَّاظِرِ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ وَهِيَ " الْفَلْسَفَةُ الْأُولَى " وَ " الْحِكْمَةُ الْعُلْيَا " عِنْدَهُمْ. وَهُمْ يُقَسِّمُونَ الْوُجُودَ: إلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَالْأَعْرَاضُ يَجْعَلُونَهَا " تِسْعَةَ أَنْوَاعٍ " هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ يَجْعَلُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُفْرَدَاتِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَيْهَا الْحُدُودُ الْمُؤَلَّفَةُ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْبَابِ كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ فَقَالُوا: " الْكَلَامُ فِي هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمَنْطِقِ "
فَأَخْرَجُوهَا مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَ ابْنِ سِينَا كَأَبِي حَامِدٍ وَالسُّهْرَوَرْدِي الْمَقْتُولِ وَالرَّازِيَّ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرِهِمْ. وَهَذِهِ هِيَ " الْمَقُولَاتُ الْعَشْرُ " الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ: الْجَوْهَرُ. وَالْكَمُّ. وَالْكَيْفُ. وَالْأَيْنُ. وَمَتَى وَالْإِضَافَةُ وَالْوَضْعُ وَالْمِلْكُ وَأَنْ يَفْعَلَ وَأَنْ يَنْفَعِلَ وَقَدْ جُمِعَتْ فِي بَيْتَيْنِ وَهِيَ:
زَيْدُ الطَّوِيلُ الْأَسْوَدُ ابْنُ مَالِكِ * * * فِي دَارِهِ بِالْأَمْسِ كَانَ متكي
فِي يَدِهِ سَيْفٌ نَضَاهُ فانتضا * * * فَهَذِهِ عَشْرُ مَقُولَاتٍ سوا
وَأَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَغَيْرِ أَتْبَاعِهِ أَنْكَرُوا حَصْرَ الْأَعْرَاضِ فِي تِسْعَةِ أَجْنَاسٍ وَقَالُوا: إنَّ هَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. وَيُثْبِتُونَ إمْكَانَ رَدِّهَا إلَى ثَلَاثَةٍ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْدَادِ. وَجَعَلُوا الْجَوَاهِرَ " خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ ": الْجِسْمَ وَالْعَقْلَ وَالنَّفْسَ وَالْمَادَّةَ وَالصُّورَةَ. فَالْجِسْمُ جَوْهَرٌ حِسِّيٌّ وَالْبَاقِيَةُ جَوَاهِرُ عَقْلِيَّةٌ؛ لَكِنْ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى إثْبَاتِ الْجَوَاهِرِ الْعَقْلِيَّةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. وَهَذِهِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا " الْمُجَرَّدَاتِ الْعَقْلِيَّةَ " وَيَقُولُونَ: الْجَوَاهِرُ تَنْقَسِمُ إلَى مَادِّيَّاتٍ وَمُجَرَّدَاتٍ فَالْمَادِّيَّاتُ الْقَائِمَةُ بِالْمَادَّةِ وَهِيَ الْهَيُولَى وَهِيَ الْجِسْمُ وَالْمُجَرَّدَاتُ هِيَ الْمُجَرَّدَاتُ عَنْ الْمَادَّةِ وَهَذِهِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْمُجَرَّدَاتِ أَصْلُهَا هِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ الْكُلِّيَّةُ الْمَعْقُولَةُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ كَمَا أَنَّ الْمُفَارَقَاتِ أَصْلُهَا مُفَارَقَةُ النَّفْسِ الْبَدَنَ وَهَذَانِ أَمْرَانِ لَا يُنْكَرَانِ؛ لَكِنْ ادَّعَوْا فِي صِفَاتِ النَّفْسِ وَأَحْوَالِهَا أُمُورًا بَاطِلَةً وَادَّعَوْا أَيْضًا ثُبُوتَ جَوَاهِرَ عَقْلِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِأَنْفُسِهَا وَيَقُولُونَ فِيهَا: الْعَاقِلُ وَالْمَعْقُولُ وَالْعَقْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ كَمَا يَقُولُونَ: مِثْلَ ذَلِكَ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ. فَيَقُولُونَ: هُوَ عَاقِلٌ وَمَعْقُولٌ وعقل وَعَاشِقٌ وَمَعْشُوقٌ وعشق وَلَذِيذٌ وَمُلْتَذٌّ وَلَذَّةٌ. وَيَجْعَلُونَ الصِّفَةَ عَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَيَجْعَلُونَ كُلَّ صِفَةٍ هِيَ الْأُخْرَى فَيَجْعَلُونَ نَفْسَ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ نَفْسَ الْعَاقِلِ الْعَالِمِ وَنَفْسَ الْعِشْقِ الَّذِي هُوَ الْحُبُّ نَفْسَ الْعَاشِقِ الْمُحِبِّ وَنَفْسَ اللَّذَّةِ هِيَ نَفْسُ الْعِلْمِ وَنَفْسُ الْحُبِّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/196)
وَيَجْعَلُونَ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ هِيَ نَفْسَ الْعِلْمِ فَيَجْعَلُونَ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةَ وَهُوَ الْإِرَادَةَ وَهُوَ الْمَحَبَّةَ وَهُوَ اللَّذَّةَ وَيَجْعَلُونَ الْعَالِمَ الْمُرِيدَ الْمُحِبَّ الْمُلْتَذَّ هُوَ نَفْسَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْإِرَادَةِ وَهُوَ نَفْسُ الْمَحَبَّةِ وَهُوَ نَفْسُ اللَّذَّةِ فَيَجْعَلُونَ الْحَقَائِقَ الْمُتَنَوِّعَةَ شَيْئًا وَاحِدًا وَيَجْعَلُونَ نَفْسَ الصِّفَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ هِيَ نَفْسَ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ ثُمَّ يَتَنَاقَضُونَ فَيُثْبِتُونَ لَهُ عِلْمًا لَيْسَ هُوَ نَفْسَ ذَاتِهِ كَمَا تَنَاقَضَ ابْنُ سِينَا فِي إشَارَاتِهِ. وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِمَوْضِعِ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِلَفْظِ الْعَقْلِ عَنْ جَوْهَرٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ وَيُثْبِتُونَ جَوَاهِرَ عَقْلِيَّةً يُسَمُّونَهَا الْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ لِلْمَادَّةِ وَإِذَا حُقِّقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ غَيْرُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا النَّاطِقَةَ وَغَيْرُ مَا يَقُومُ بِهَا مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي يُسَمَّى عَقْلًا.
وَكَانَ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ يُسَمُّونَ " الرَّبَّ " عَقْلًا وَجَوْهَرًا. وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا سِوَى نَفْسِهِ وَلَا يُرِيدُ شَيْئًا وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَيُسَمُّونَهُ " الْمَبْدَأَ " وَ " الْعِلَّةَ الْأُولَى " لِأَنَّ الْفَلَكَ عِنْدَهُمْ مُتَحَرِّكٌ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ أَوْ مُتَحَرِّكٌ لِلشَّبَهِ بِالْعَقْلِ فَحَاجَةُ الْفَلَكِ عِنْدَهُمْ إلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُتَشَبِّهٌ بِهَا كَمَا يَتَشَبَّهُ الْمُؤْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَالتِّلْمِيذُ بِالْأُسْتَاذِ. وَقَدْ يَقُولُ: إنَّهُ يُحَرِّكُهُ كَمَا يُحَرِّكُ الْمَعْشُوقُ عَاشِقَهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ أَبْدَعَ شَيْئًا وَلَا فَعَلَ شَيْئًا وَلَا كَانُوا يُسَمُّونَهُ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَلَا يُقَسِّمُونَ الْوُجُودَ إلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ وَيَجْعَلُونَ الْمُمْكِنَ هُوَ مَوْجُودًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا كَالْفَلَكِ عِنْدَهُمْ. وَإِنَّمَا هَذَا فِعْلُ ابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ وَهُمْ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ سَلَفَهُمْ وَجَمِيعَ الْعُقَلَاءِ وَخَالَفُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْضًا فَتَنَاقَضُوا؛ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَا صَرَّحَ بِهِ سَلَفُهُمْ وَسَائِرُ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا لَا يَكُونُ إلَّا مُحْدَثًا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ. وَأَمَّا الْأَزَلِيُّ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ فَيَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَ سَائِرِ الْعُقَلَاءِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ بَلْ كُلُّ مَا قَبِلَ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ لَمْ يَكُنْ إلَّا مُحْدَثًا وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ مُحْدَثٌ مَسْبُوقٌ بِالْعَدَمِ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. لَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَمُتَّبِعُوهُ تَنَاقَضُوا فَذَكَرُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْوُجُودَ يَنْقَسِمُ إلَى: وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ. وَأَنَّ الْمُمْكِنَ قَدْ يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ يَمْتَنِعُ عَدَمُهُ وَيَقُولُونَ: هُوَ وَاجِبٌ بِغَيْرِهِ وَجَعَلُوا الْفَلَكَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ فَخَرَجُوا عَنْ إجْمَاعِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ وَافَقُوهُمْ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ مُمْكِنٍ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَلَّا يُوجَدَ وَأَنَّهُ مَعَ هَذَا يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا مُمْتَنِعَ الْعَدَمِ وَاجِبَ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ. وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ لِمَنْ تَصَوَّرَ حَقِيقَةَ الْمُمْكِنِ الَّذِي يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ كَمَا بُسِطَ فِي مَوْضِعِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ إنَّمَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/197)
تَسَلَّطُوا عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ. وَلَمْ يَحْتَجُّوا لِمَا نَصَرُوهُ بِحُجَجِ صَحِيحَةٍ فِي الْمَعْقُولِ. فَقَصَّرَ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي مَعْرِفَةِ السَّمْعِ وَالْعَقْلِ. (حَتَّى قَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ [ثُمَّ حَدَثَ مَا حَدَثَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَزَعَمُوا دَوَامَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الرَّبِّ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ] ثُمَّ حَدَثَ مَا حَدَثَ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَزَعَمُوا دَوَامَ امْتِنَاعِ كَوْنِ الرَّبِّ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ فَعَّالًا لِمَا يَشَاءُ؛ لِزَعْمِهِمْ امْتِنَاعَ دَوَامِ الْحَوَادِثِ) (*) ثُمَّ صَارَ أَئِمَّتُهُمْ كَالْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَبِي الهذيل الْعَلَّافِ إلَى امْتِنَاعِ دَوَامِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي فَقَالَ الْجَهْمُ: بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ أَبُو الهذيل: بِفَنَاءِ حَرَكَاتِهِمَا وَأَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ دَائِمًا فِي سُكُونٍ وَيَزْعُمُ بَعْضُ مَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ أَنَّ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ وَأَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ابْتِدَاءٌ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ انْتِهَاءٌ. وَلَمَّا رَأَوْا الشَّرْعَ قَدْ جَاءَ بِدَوَامِ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُكُلُهَادَائِمٌ وَظِلُّهَا} وَقَالَ: {إنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُ الشَّرْعِ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعَقْلِ وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الْحُجَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الصَّرِيحَةَ لَا تُنَاقِضُ الْحُجَّةَ الشَّرْعِيَّةَ الصَّحِيحَةَ بَلْ يَمْتَنِعُ تَعَارُضُ الْحُجَجِ الصَّحِيحَةِ سَوَاءً كَانَتْ عَقْلِيَّةً أَوْ سَمْعِيَّةً أَوْ سَمْعِيَّةً وَعَقْلِيَّةً. بَلْ إذَا تَعَارَضَتْ حُجَّتَانِ دَلَّ عَلَى فَسَادِ إحْدَاهُمَا أَوْ فَسَادِهِمَا جَمِيعًا. وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى جَوَازِ دَوَامِ الْحَوَادِثِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي وَذَكَرُوا فُرُوعًا عَرَفَ حُذَّاقُهُمْ ضَعْفَهَا كَمَا بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَهُوَ لُزُومُهُمْ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ ثُمَّ صَارَ قَادِرًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ سَبَبٍ يُوجِبُ كَوْنَهُ قَادِرًا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَتَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ ثُمَّ صَارَ الْفِعْلُ مُمْكِنًا لَهُ بِدُونِ سَبَبٍ يُوجِبُ تَجَدُّدَ الْإِمْكَانِ. وَإِذَا ذُكِرَ لَهُمْ هَذَا قَالُوا: كَانَ فِي الْأَزَلِ قَادِرًا عَلَى مَا لَمْ يَزَلْ فَقِيلَ لَهُمْ: الْقَادِرُ لَا يَكُونُ قَادِرًا مَعَ كَوْنِ الْمَقْدُورِ مُمْتَنِعًا بَلْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مُمْتَنِعَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَإِذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا فَلَمْ يَزَلْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ. وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ هَذَا صَارُوا فِي كَلَامِ اللَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فِرْقَةٌ قَالَتْ: الْكَلَامُ لَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ بَلْ لَا يَكُونُ كَلَامُهُ إلَّا مَخْلُوقًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا قَدِيمٌ وَإِمَّا حَادِثٌ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ بِالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَإِذَا كَانَ الْكَلَامُ بِالْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ كَانَ مَخْلُوقًا لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ. إذْ لَوْ قَامَ بِذَاتِهِ كَانَتْ قَدْ قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ وَالْحَوَادِثُ لَا تَقُومُ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ قَامَتْ بِهِ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَخْلُ مِنْ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ. قَالُوا: إذْ بِهَذَا الْأَصْلِ أَثْبَتْنَا حُدُوثَ الْأَجْسَامِ وَبِهِ ثَبَتَ حُدُوثُ الْعَالَمِ. قَالُوا: وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا لَمْ يَسْبِقْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/198)
الْحَادِثُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ إمَّا مَعَهُ وَإِمَّا بَعْدَهُ. وَمَا كَانَ مَعَ الْحَادِثِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ حَادِثٌ. وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ نَوْعِ الْحَوَادِثِ وَبَيْنَ الْحَادِثِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْحَادِثَ الْمُعَيَّنَ وَالْحَوَادِثَ الْمَحْصُورَةَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ أَزَلِيَّةً دَائِمَةً وَمَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا فَهُوَ إمَّا مَعَهَا وَإِمَّا بَعْدَهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ حَادِثٌ قَطْعًا. وَهَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ. وَلَكِنَّ مَوْضِعَ النَّظَرِ وَالنِّزَاعِ " نَوْعُ الْحَوَادِثِ ". وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّوْعُ دَائِمًا فَيَكُونُ الرَّبُّ لَا يَزَالُ يَتَكَلَّمُ أَوْ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَمْ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ؟ فَلَمَّا تَفَطَّنَ لِهَذَا الْفَرْقِ طَائِفَةٌ قَالُوا: وَهَذَا أَيْضًا مُمْتَنِعٌ لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا وَذَكَرُوا عَلَى ذَلِكَ حُجَجًا كَحُجَّةِ التَّطْبِيقِ وَحُجَّةِ امْتِنَاعِ انْقِضَاءِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرَ عَامَّةَ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ. وَأُولَئِكَ الْمُتَفَلْسِفَةُ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَيَمْتَنِعُ كَوْنُ الرَّبِّ يَصِيرُ فَاعِلًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. وَأَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُ أَثَرِهِ عَنْهُ - ظَنُّوا أَنَّهُمْ إذَا أَبْطَلُوا هَذَا الْقَوْلَ فَقَدْ سَلِمَ لَهُمْ مَا ادَّعَوْهُ عَنْ " قِدَمِ الْعَالَمِ " كَالْأَفْلَاكِ وَجِنْسِ الْمُوَلَّدَاتِ وَمَوَادِّ الْعَنَاصِرِ وَضَلُّوا ضَلَالًا عَظِيمًا خَالَفُوا بِهِ صَرَائِحَ الْعُقُولِ وَكَذَّبُوا بِهِ كُلَّ رَسُولٍ. فَإِنَّ الرُّسُلَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ. لَيْسَ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ قَدِيمٌ بِقِدَمِهِ وَأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ. وَالْعُقُولُ الصَّرِيحَةُ تَعْلَمُ أَنَّ الْحَوَادِثَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُحْدِثٍ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا الْعِلَّةُ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِمَعْلُولِهَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ مِنْ الْحَوَادِثِ. فَإِنَّ حُدُوثَ ذَلِكَ الْحَادِثِ عَنْ عِلَّةٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ مُسْتَلْزِمَةٍ لِمَعْلُولِهَا مُمْتَنِعٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مَعْلُولُهَا لَازِمًا لَهَا كَانَ قَدِيمًا مَعَهَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْهَا فَلَا يَكُونُ لِشَيْءِ مِنْ الْحَوَادِثِ سَبَبٌ اقْتَضَى حُدُوثَهُ فَتَكُونُ الْحَوَادِثُ كُلُّهَا حَدَثَتْ بِلَا مُحْدِثٍ وَهَؤُلَاءِ فَرُّوا مِنْ أَنْ يُحْدِثَهَا الْقَادِرُ بِغَيْرِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا تَحْدُثُ بِغَيْرِ مُحْدِثٍ أَصْلًا لَا قَادِرٍ وَلَا غَيْرِ قَادِرٍ. فَكَانَ مَا فَرُّوا إلَيْهِ شَرًّا مِمَّا فَرُّوا مِنْهُ وَكَانُوا شَرًّا مِنْ الْمُسْتَجِيرِ مِنْ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ. وَاعْتَقَدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمَفْعُولَ الْمَصْنُوعَ الْمُبْتَدَعَ الْمُعَيَّنَ كَالْفَلَكِ يُقَارِنُ فَاعِلَهُ أَزَلًا وَأَبَدًا لَا يَتَقَدَّمُ الْفَاعِلُ عَلَيْهِ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا وَأُولَئِكَ قَالُوا: بَلْ الْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يَتَرَاخَى عَنْهُ أَثَرُهُ ثُمَّ يَحْدُثُ الْأَثَرُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ اقْتَضَى حُدُوثَهُ فَأَقَامَ الْأَوَّلُونَ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الصَّرِيحَةَ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا كَمَا أَقَامَ هَؤُلَاءِ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ الصَّرِيحَةَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْآخَرِينَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ أَهْلِ الْمُقَارَنَةِ أَشَدُّ فَسَادًا وَمُنَاقَضَةً لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ. وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/199)
أُولَئِكَ أَهْلِ التَّرَاخِي. وَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَعْقُولُ الصَّرِيحُ وَيُقِرُّ بِهِ عَامَّةُ الْعُقَلَاءِ وَدَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ لَمْ يَهْتَدِ لَهُ الْفَرِيقَانِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ أَثَرِهِ عَقِبَ تَأَثُّرِهِ التَّامِّ لَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَلَا يَتَرَاخَى كَمَا إذَا طَلَّقْت الْمَرْأَةَ فَطَلَقَتْ. وَأَعْتَقْت الْعَبْدَ فَعَتَقَ. وَكَسَرْت الْإِنَاءَ فَانْكَسَرَ وَقَطَعْت الْحَبْلَ فَانْقَطَعَ فَوُقُوعُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لَيْسَ مُقَارِنًا لِنَفْسِ التَّطْلِيقِ وَالْإِعْتَاقِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعَهُ وَلَا هُوَ أَيْضًا مُتَرَاخٍ عَنْهُ بَلْ يَكُونُ عَقِبَهُ مُتَّصِلًا بِهِ. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ مَعَهُ وَمُفَارِقٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَكُونُ عَقِبَهُ مُتَّصِلًا بِهِ كَمَا يُقَالُ: هُوَ بَعْدَهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَقِبَ التَّأْثِيرِ التَّامِّ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَكُونُ مَا يَشَاءُ تَكْوِينَهُ فَإِذَا كَوَّنَهُ كَانَ عَقِبَ تَكْوِينِهِ مُتَّصِلًا بِهِ لَا يَكُونُ مَعَ تَكْوِينِهِ فِي الزَّمَانِ وَلَا يَكُونُ مُتَرَاخِيًا عَنْ تَكْوِينِهِ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ فِي الزَّمَانِ؛ بَلْ يَكُونُ مُتَّصِلًا بِتَكْوِينِهِ كَاتِّصَالِ أَجْزَاءِ الْحَرَكَةِ وَالزَّمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضِ. وَهَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ حَادِثٌ كَائِنٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَإِنْ قِيلَ مَعَ ذَلِكَ بِدَوَامِ فَاعِلِيَّتِهِ ومتكلميته وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَ الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا هُوَ أَصْلُ مَنْ قَالَ الْقُرْآنُ مُحْدَثٌ وَمَنْ قَالَ إنَّ الرَّبَّ لَمْ يَقُمْ بِهِ كَلَامٌ وَلَا إرَادَةٌ بَلْ وَلَا عِلْمٌ بَلْ وَلَا حَيَاةٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الصِّفَاتِ. فَلَمَّا ظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ شَرْعًا وَعَقْلًا قَالَتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ وَافَقَتْهُمْ عَلَى أَصْلِ مَذْهَبِهِمْ: هُوَ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ كَلَامُهُ أَمْرٌ لَازِمٌ لِذَاتِهِ كَمَا تَلْزَمُ ذَاتَه الْحَيَاةُ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ لِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَامْتِنَاعِ تَخْصِيصِهِ بِعَدَدِ دُونَ عَدَدٍ وَقَالُوا: ذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْأَمْرُ بِكُلِّ مَأْمُورٍ وَالْخَبَرُ عَنْ كُلِّ مُخْبَرٍ عَنْهُ إنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ كَانَ تَوْرَاةً وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بالسريانية كَانَ إنْجِيلًا. وَقَالُوا: إنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ صِفَاتٌ لِلْكَلَامِ لَا أَنْوَاعٌ لَهُ. فَإِنَّ مَعْنَى " آيَةِ الْكُرْسِيِّ " وَ " آيَةِ الدَّيْنِ " وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} مَعْنًى وَاحِدٌ. فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ لَهُمْ: تَصَوُّرُ هَذَا الْقَوْلِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِفَسَادِهِ وَقَالُوا لَهُمْ: مُوسَى سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ. إنْ قُلْتُمْ كُلَّهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ عِلْمَ اللَّهِ. وَإِنْ قُلْتُمْ بَعْضَهُ فَقَدْ تَبَعَّضَ. وَقَالُوا لَهُمْ: إذَا جَوَّزْتُمْ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ الْخَبَرِ هِيَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَحَقِيقَةُ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. وَالْأَمْرِ بِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ هُوَ حَقِيقَةُ الْخَبَرِ عَنْ كُلِّ مُخْبَرٍ عَنْهُ فَجَوَّزُوا أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ الْعِلْمِ هِيَ حَقِيقَةَ الْقُدْرَةِ وَحَقِيقَةُ الْقُدْرَةِ هِيَ حَقِيقَةَ الْإِرَادَةِ. فَاعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِأَنَّ هَذَا لَازِمٌ لَهُمْ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ وَلَزِمَهُمْ إمْكَانُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/200)
الذَّاتِ هِيَ حَقِيقَةَ الصِّفَاتِ وَحَقِيقَةُ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ هِيَ حَقِيقَةَ الْوُجُوبِ الْمُمْكِنِ وَالْتَزَمَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا:
الْوُجُودُ وَاحِدٌ وَعَيْنُ الْوُجُودِ الْوَاجِبِ الْقَدِيمِ الْخَالِقِ هُوَ عَيْنُ الْوُجُودِ الْمُمْكِنِ الْمَخْلُوقِ الْمُحْدَثِ. وَهَذَا أَصْلُ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ كَابْنِ عَرَبِيٍّ الطَّائِيِّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَأَتْبَاعِهِمَا كَمَا بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ مَعَ قِيَامِ الْكَلَامِ بِهِ مَنْ قَالَ: كَلَامُهُ الْمُعَيَّنُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مُعَيَّنَةٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ. وَزَعَمُوا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ فَقَالَ لَهُمْ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ: مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْبَاءَ قَبْلَ السِّينِ وَالسِّينَ قَبْلَ الْمِيمِ فَكَيْفَ يَكُونَانِ مَعًا أَزَلًا وَأَبَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّوْتَ الْمُعَيَّنَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَزَلِيًّا لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ. فَقَالَتْ (الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ - مِمَّنْ سَلَكَ مَسْلَكَ أُولَئِكَ الْمُتَكَلِّمِينَ - بَلْ نَقُولُ إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ كَلَامًا قَائِمًا بِذَاتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ قِيَامُ الْحَوَادِثِ بِهِ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لَا شَرْعًا وَلَا عَقْلًا بَلْ هَذَا لَازِمٌ لِجَمِيعِ طَوَائِفِ الْعُقَلَاءِ وَعَلَيْهِ دَلَّتْ النُّصُوصُ الْكَثِيرَةُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ. وَنَقُولُ: إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى بِصَوْتِ سَمِعَهُ مُوسَى كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ لَكِنْ نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ مُتَكَلِّمًا وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا. وَهُوَ أَصْلُ هَؤُلَاءِ. فَقِيلَ لَهُمْ: مَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ كَمَالٍ لَا صِفَةُ نَقْصٍ وَأَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَمَنْ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ صَارَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ. وَقَالُوا لَهُمْ: إذَا قُلْتُمْ تَكَلَّمَ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكَلَامُ مُمْتَنِعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ أَوْجَبَ تَجَدُّدَ قُدْرَتِهِ وَتَجَدُّدَ إمْكَانِ الْكَلَامِ لَهُ قُلْتُمْ إنَّهُ لَمْ يَزَلْ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْكَلَامِ وَلَمْ يَزَلْ الْكَلَامُ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَهُ ثُمَّ صَارَ قَادِرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ مِنْ غَيْرِ حُدُوثِ شَيْءٍ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَسَلْبٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ عَنْ الْبَارِي وَجَعْلُهُ مِثْلَ الْمَخْلُوقِ الَّذِي صَارَ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِ. وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَمَا شَاءَ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَسَلَفِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إنَّهُ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ عَنْهُ. وَلَا قَالَ أَحَدٌ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/201)
مِنْهُمْ إنَّهُ صَارَ مُتَكَلِّمًا أَوْ قَادِرًا عَلَى الْكَلَامِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَقَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ الْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ والْكُلَّابِيَة والكَرَّامِيَة والسالمية وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ انْتَسَبُوا إلَى بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَخَالَفُوا بِهَا إجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةَ وَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَخَالَفُوا بِهَا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ الَّذِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ هِيَ الَّتِي سَلَّطَتْ أُولَئِكَ الْمُتَفَلْسِفَةَ الدَّهْرِيَّةَ عَلَيْهِمْ لَكِنَّ قَوْلَ الْفَلَاسِفَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ.
مسألة هل يسمى العلم عقلاً؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 286)
الْعَقْلَ مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْعَقْلُ لَا يُسَمَّى بِهِ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ بِهِ صَاحِبُهُ. وَلَا الْعَمَلُ بِلَا عِلْمٍ؛ بَلْ إنَّمَا يُسَمَّى بِهِ الْعِلْمُ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِالْعِلْمِ وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ النَّارِ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا}. وَالْعَقْلُ الْمَشْرُوطُ فِي التَّكْلِيفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عُلُومًا يُمَيِّزُ بِهَا الْإِنْسَانُ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ فَالْمَجْنُونُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالْفُلُوسِ وَلَا بَيْنَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَلَا يَفْقَهُ مَا يُقَالُ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ لَيْسَ بِعَاقِلِ. أَمَّا مَنْ فَهِمَ الْكَلَامَ وَمَيَّزَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ فَهُوَ عَاقِلٌ
مسألة: هل العقل غريزة أو هو العمل بالعلم؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 287)
مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْعَقْلُ هُوَ عُلُومٌ ضَرُورِيَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْعَقْلُ هُوَ الْعَمَلُ بِمُوجَبِ تِلْكَ الْعُلُومِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَ الْعَقْلِ يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا وَقَدْ يُرَادُ بِالْعَقْلِ نَفْسُ الْغَرِيزَةِ الَّتِي فِي الْإِنْسَانِ الَّتِي بِهَا يَعْلَمُ وَيُمَيِّزُ وَيَقْصِدُ الْمَنَافِعَ دُونَ الْمَضَارِّ كَمَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَارِثُ المحاسبي وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْعَقْلَ غَرِيزَةٌ. وَهَذِهِ الْغَرِيزَةُ ثَابِتَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ كَمَا أَنَّ فِي الْعَيْنِ قُوَّةً بِهَا يُبْصِرُ؛ وَفِي اللِّسَانِ قُوَّةً بِهَا يَذُوقُ وَفِي الْجِلْدِ قُوَّةً بِهَا يَلْمِسُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ.
مسألة أين مسكن العقل؟ و كيف يبدأ الإنسان بالنظر و ينتهي بالعمل ثم يعود للنظر؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 303)
أَمَّا قَوْلُهُ: أَيْنَ مَسْكَنُ الْعَقْلِ فِيهِ؟ فَالْعَقْلُ قَائِمٌ بِنَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تَعْقِلُ وَأَمَّا مِنْ الْبَدَنِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَلْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: بِمَاذَا نِلْت الْعِلْمَ: قَالَ: " بِلِسَانِ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عَقُولٍ " لَكِنَّ لَفْظَ " الْقَلْبِ " قَدْ يُرَادُ بِهِ الْمُضْغَةُ الصَّنَوْبَرِيَّةُ الشَّكْلِ الَّتِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ مِنْ الْبَدَنِ الَّتِي جَوْفُهَا عَلَقَةٌ سَوْدَاءُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ}. وَقَدْ يُرَادُ بِالْقَلْبِ بَاطِنُ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا فَإِنَّ قَلْبَ الشَّيْءِ بَاطِنُهُ كَقَلْبِ الْحِنْطَةِ وَاللَّوْزَةِ وَالْجَوْزَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَلِيبُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/202)
قَلِيبًا لِأَنَّهُ أَخْرَجَ قَلْبَهُ وَهُوَ بَاطِنُهُ وَعَلَى هَذَا فَإِذَا أُرِيدَ بِالْقَلْبِ هَذَا فَالْعَقْلُ مُتَعَلِّقٌ بِدِمَاغِهِ أَيْضًا وَلِهَذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ. كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَد وَيَقُولُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: إنَّ أَصْلَ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ فَإِذَا كَمُلَ انْتَهَى إلَى الدِّمَاغِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرُّوحَ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهَذَا وَمَا يَتَّصِفُ مِنْ الْعَقْلِ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَهَذَا لَكِنَّ مَبْدَأَ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ فِي الدِّمَاغِ وَمَبْدَأَ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ. وَالْعَقْلُ يُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ فَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ الِاخْتِيَارِيُّ أَصْلُهُ الْإِرَادَةُ وَأَصْلُ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ وَالْمُرِيدُ لَا يَكُونُ مُرِيدًا إلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِ الْمُرَادِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُتَصَوِّرًا فَيَكُونُ مِنْهُ هَذَا وَهَذَا وَيَبْتَدِئُ ذَلِكَ مِنْ الدِّمَاغِ وَآثَارُهُ صَاعِدَةٌ إلَى الدِّمَاغِ فَمِنْهُ الْمُبْتَدَأُ وَإِلَيْهِ الِانْتِهَاءُ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا مِقْدَارُ مَا وَسِعَتْهُ هَذِهِ الْأَوْرَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: ما هي شروط عقل القلب؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 309)
الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ يَقْبَلُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ وَاسْتِعْدَادٍ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا مِنْ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا وَقَدْ يَأْتِي فَضْلًا مِنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مَوْهُوبًا. فَصَلَاحُ الْقَلْبِ وَحَقُّهُ وَاَلَّذِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَشْيَاءَ لَا أَقُولُ أَنْ يَعْلَمَهَا فَقَطْ فَقَدْ يَعْلَمُ الشَّيْءَ مَنْ لَا يَكُونُ عَاقِلًا لَهُ بَلْ غَافِلًا عَنْهُ مُلْغِيًا لَهُ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ الشَّيْءَ هُوَ الَّذِي يُقَيِّدُهُ وَيَضْبُطُهُ وَيَعِيهِ وَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَكُونُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَنِيًّا فَيُطَابِقَ عَمَلُهُ قَوْلَهُ وَبَاطِنُهُ ظَاهِرَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَةَ. {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا وَلَا يُؤْتَى حُكْمًا وَإِنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ مِمَّنْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا. وَهَذَا مَعَ أَنَّ النَّاسَ مُتَبَايِنُونَ فِي نَفْسِ عَقْلِهِمْ الْأَشْيَاءَ مِنْ بَيْنِ كَامِلٍ وَنَاقِصٍ وَفِيمَا يَعْقِلُونَهُ مِنْ بَيْنِ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَجَلِيلٍ وَدَقِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
مسألة متى يسمى الشخص عاقلاً؟
مجموع الفتاوى - (ج 7 / ص 24)
لَفْظُ " الْعَقْلِ " - وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الْأَصْلِ: مَصْدَرُ عَقَلَ يَعْقِلُ عَقْلًا وَكَثِيرٌ مِنْ النُّظَّارِ جَعَلَهُ مِنْ جِنْسِ الْعُلُومِ - فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ عِلْمٌ يُعْمَلُ بِمُوجِبِهِ فَلَا يُسَمَّى " عَاقِلًا " إلَّا مَنْ عَرَفَ الْخَيْرَ فَطَلَبَهُ وَالشَّرَّ فَتَرَكَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ النَّارِ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. وَقَالَ عَنْ الْمُنَافِقِينَ: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}. وَمَنْ فَعَلَ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّهُ؛ فَمِثْلُ هَذَا مَا لَهُ عَقْلٌ. فَكَمَا أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِهِ؛ فَالْعِلْمُ بِهِ يَسْتَلْزِمُ خَشْيَتَهُ وَخَشْيَتُهُ تَسْتَلْزِمُ طَاعَتَهُ. فَالْخَائِفُ مِنْ اللَّهِ مُمْتَثِلٌ لِأَوَامِرِهِ مُجْتَنِبٌ لِنَوَاهِيهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَصَدْنَا بَيَانَهُ أَوَّلًا. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/203)
الْكُبْرَى}. فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ يَخْشَاهُ يَتَذَكَّرُ، وَالتَّذَكُّرُ هُنَا مُسْتَلْزِمٌ لِعِبَادَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ}. وَقَالَ: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}. وَلِهَذَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ
{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} سَيَتَّعِظُ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. وَفِي قَوْلِهِ {وَمَا يَتَذَكَّرُ إلَّا مَنْ يُنِيبُ} إنَّمَا يَتَّعِظُ مَنْ يَرْجِعُ إلَى الطَّاعَةِ. وَهَذَا لِأَنَّ التَّذَكُّرَ التَّامَّ يَسْتَلْزِمُ التَّأَثُّرَ بِمَا تَذَكَّرَهُ؛ فَإِنْ تَذَكَّرَ مَحْبُوبًا طَلَبَهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ مَرْهُوبًا هَرَبَ مِنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}. فَنَفَى الْإِنْذَارَ عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ قَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}. فَأَثْبَتَ لَهُمْ الْإِنْذَارَ مِنْ وَجْهٍ وَنَفَاهُ عَنْهُمْ مِنْ وَجْهٍ؛ فَإِنَّ الْإِنْذَارَ هُوَ الْإِعْلَامُ بِالْمَخُوفِ. فَالْإِنْذَارُ مِثْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّخْوِيفِ فَمَنْ عَلَّمْتَهُ فَتَعَلَّمَ فَقَدْ تَمَّ تَعْلِيمُهُ وَآخَرُ يَقُولُ: عَلَّمْتُهُ فَلَمْ يَتَعَلَّمْ. وَكَذَلِكَ مَنْ خَوَّفْتَهُ فَخَافَ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَمَّ تَخْوِيفُهُ. وَأَمَّا مَنْ خُوِّفَ فَمَا خَافَ؛ فَلَمْ يَتِمَّ تَخْوِيفُهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ هَدَيْتَهُ فَاهْتَدَى؛ تَمَّ هُدَاهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. وَمَنْ هَدَيْتَهُ فَلَمْ يَهْتَدِ - كَمَا قَالَ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} - فَلَمْ يَتِمَّ هُدَاهُ كَمَا تَقُولُ: قَطَّعْتُهُ فَانْقَطَعَ وَقَطَّعْتُهُ فَمَا انْقَطَعَ. فَالْمُؤَثِّرُ التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ أَثَرَهُ: فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ أَثَرُهُ لَمْ يَكُنْ تَامًّا وَالْفِعْلُ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا قَابِلًا تَمَّ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ. وَالْعِلْمُ بِالْمَحْبُوبِ يُورِثُ طَلَبَهُ وَالْعِلْمُ بِالْمَكْرُوهِ يُورِثُ تَرْكَهُ؛ وَلِهَذَا يُسَمَّى هَذَا الْعِلْمُ: الدَّاعِيَ وَيُقَالُ: الدَّاعِي مَعَ الْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْمَطْلُوبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِإِرَادَةِ الْمَعْلُومِ الْمُرَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَحْصُلُ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ وَسَلَامَتِهَا وَأَمَّا مَعَ فَسَادِهَا فَقَدْ يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِاللَّذِيذِ فَلَا يَجِدُ لَهُ لَذَّةً بَلْ يُؤْلِمُهُ، وَكَذَلِكَ يَلْتَذُّ بِالْمُؤْلِمِ لِفَسَادِ الْفِطْرَةِ
مسألة: ما الأعضاء التي يتعلق بها العقل و العلم؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 308)
سَيِّدَ الْأَعْضَاءِ وَرَأْسَهَا هُوَ الْقَلْبُ: كَمَا سُمِّيَ قَلْبًا. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إلَى صَدْرِهِ وَقَالَ أَلَا إنَّ التَّقْوَى هَاهُنَا أَلَا إنَّ التَّقْوَى هَاهُنَا}. وَإِذْ قَدْ خُلِقَ الْقَلْبُ لِأَنْ يُعْلَمَ بِهِ فَتَوَجُّهُهُ نَحْوَ الْأَشْيَاءِ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ بِهَا هُوَ الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ كَمَا أَنَّ إقْبَالَ الْأُذُنِ عَلَى الْكَلَامِ ابْتِغَاءَ سَمْعِهِ هُوَ الْإِصْغَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ وَانْصِرَافَ الطَّرْفِ إلَى الْأَشْيَاءِ طَلَبًا لِرُؤْيَتِهَا هُوَ النَّظَرُ. فَالْفِكْرُ لِلْقَلْبِ كَالْإِصْغَاءِ لِلْأُذُنِ وَمِثْلُهُ نَظَرُ الْعَيْنَيْنِ فِيمَا سَبَقَ وَإِذَا عَلِمَ مَا نَظَرَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/204)
فِيهِ فَذَاكَ مَطْلُوبُهُ كَمَا أَنَّ الْأُذُنَ كَذَلِكَ إذَا سَمِعَتْ مَا أَصْغَتْ إلَيْهِ أَوْ الْعَيْنُ إذَا أَبْصَرَتْ مَا نَظَرَتْ إلَيْهِ. وَكَمْ مِنْ نَاظِرٍ مُفَكِّرٍ لَمْ يُحَصِّلْ الْعِلْمَ وَلَمْ يَنَلْهُ كَمَا أَنَّهُ كَمْ مِنْ نَاظِرٍ إلَى الْهِلَالِ لَا يُبْصِرُهُ وَمُسْتَمِعٍ إلَى صَوْتٍ لَا يَسْمَعُهُ.
وَعَكْسُهُ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا بِشَيْءِ لَمْ يَنْظُرْ فِيهِ وَلَمْ تَسْبِقْ مِنْهُ إلَيْهِ سَابِقَةُ تَفْكِيرٍ فِيهِ كَمَنْ فَاجَأَتْهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ أَوْ سَمِعَ قَوْلًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصْغِيَ إلَيْهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا لِأَنَّ الْقَلْبَ بِنَفْسِهِ يَقْبَلُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرَائِطَ وَاسْتِعْدَادٍ قَدْ يَكُونُ فِعْلًا مِنْ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ مَطْلُوبًا وَقَدْ يَأْتِي فَضْلًا مِنْ اللَّهِ فَيَكُونُ مَوْهُوبًا. فَصَلَاحُ الْقَلْبِ وَحَقُّهُ وَاَلَّذِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهِ هُوَ أَنْ يَعْقِلَ الْأَشْيَاءَ لَا أَقُولُ أَنْ يَعْلَمَهَا فَقَطْ فَقَدْ يَعْلَمُ الشَّيْءَ مَنْ لَا يَكُونُ عَاقِلًا لَهُ بَلْ غَافِلًا عَنْهُ مُلْغِيًا لَهُ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ الشَّيْءَ هُوَ الَّذِي يُقَيِّدُهُ وَيَضْبُطُهُ وَيَعِيهِ وَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَكُونُ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَنِيًّا فَيُطَابِقَ عَمَلُهُ قَوْلَهُ وَبَاطِنُهُ ظَاهِرَهُ وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي أُوتِيَ الْحِكْمَةَ. {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُؤْتَى عِلْمًا وَلَا يُؤْتَى حُكْمًا وَإِنَّ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ مِمَّنْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا. وَهَذَا مَعَ أَنَّ النَّاسَ مُتَبَايِنُونَ فِي نَفْسِ عَقْلِهِمْ الْأَشْيَاءَ مِنْ بَيْنِ كَامِلٍ وَنَاقِصٍ وَفِيمَا يَعْقِلُونَهُ مِنْ بَيْنِ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَجَلِيلٍ وَدَقِيقٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُمَّهَاتُ مَا يُنَالُ بِهِ الْعِلْمُ وَيُدْرَكُ أَعْنِي الْعِلْمَ الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ الْبَشَرُ عَنْ سَائِر الْحَيَوَانَاتِ دُونَ مَا يُشَارِكُهَا فِيهِ مِنْ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَاللَّمْسِ وَهُنَا يُدْرِكُ بِهِ مَا يُحِبُّ وَيَكْرَهُ وَمَا يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ مَنْ يُحْسِنُ إلَيْهِ وَمَنْ يُسِيءُ إلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وَقَالَ: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} وَقَالَ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} وَقَالَ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}. وَقَالَ فِيمَا لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْعَمَلِ وَالْقُوَّةِ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا}. ثُمَّ إنَّ الْعَيْنَ تَقْصُرُ عَنْ الْقَلْبِ وَالْأُذُنِ وَتُفَارِقُهُمَا فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهَا إنَّمَا يَرَى صَاحِبُهَا بِهَا الْأَشْيَاءَ الْحَاضِرَةَ وَالْأُمُورَ الْجُسْمَانِيَّةَ مِثْلَ الصُّوَرِ وَالْأَشْخَاصِ فَأَمَّا الْقَلْبُ وَالْأُذُنُ فَيَعْلَمُ الْإِنْسَانُ بِهِمَا مَا غَابَ عَنْهُ وَمَا لَا مَجَالَ لِلْبَصَرِ فِيهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الروحانية وَالْمَعْلُومَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَفْتَرِقَانِ: فَالْقَلْبُ يَعْقِلُ الْأَشْيَاءَ بِنَفْسِهِ إذْ كَانَ الْعِلْمُ هُوَ غِذَاءَهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/205)
وَخَاصِّيَّتَهُ أَمَّا الْأُذُنُ فَإِنَّهَا تَحْمِلُ الْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْعِلْمِ إلَى الْقَلْبِ فَهِيَ بِنَفْسِهَا إنَّمَا تَحْمِلُ الْقَوْلَ وَالْكَلَامَ فَإِذَا وَصَلَ ذَلِكَ إلَى الْقَلْبِ أَخَذَ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ فَصَاحِبُ الْعِلْمِ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ هُوَ الْقَلْبُ وَإِنَّمَا سَائِرُ الْأَعْضَاءِ حَجَبَةٌ لَهُ تُوَصِّلُ إلَيْهِ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَأْخُذَهُ بِنَفْسِهِ حَتَّى إنَّ مَنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ يَفْقِدُ بِفَقْدِهِ مِنْ الْعِلْمِ مَا كَانَ هُوَ الْوَاسِطَةَ فِيهِ. فَالْأَصَمُّ لَا يَعْلَمُ مَا فِي الْكَلَامِ مِنْ الْعِلْمِ وَالضَّرِيرُ لَا يَدْرِي مَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ الْأَشْخَاصُ مِنْ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَكَذَلِكَ مَنْ نَظَرَ إلَى الْأَشْيَاءِ بِغَيْرِ قَلْبٍ أَوْ اسْتَمَعَ إلَى كَلِمَاتِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ قَلْبٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ شَيْئًا؛ فَمَدَارُ الْأَمْرِ عَلَى الْقَلْبِ وَعِنْدَ هَذَا تَسْتَبِينُ الْحِكْمَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} حَتَّى لَمْ يَذْكُرْ هُنَا الْعَيْنَ كَمَا فِي الْآيَاتِ السَّوَابِقِ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ هُنَا فِي أُمُورٍ غَائِبَةٍ وَحِكْمَةٍ مَعْقُولَةٍ مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمُورِ لَا مَجَالَ لِنَظَرِ الْعَيْنِ فِيهَا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} وَتَتَبَيَّنُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. فَإِنَّ مَنْ يُؤْتَى الْحِكْمَةَ وَيَنْتَفِعُ بِالْعِلْمِ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ إمَّا رَجُلٌ رَأَى الْحَقَّ بِنَفْسِهِ فَقَبِلَهُ فَاتَّبَعَهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى مَنْ يَدْعُوهُ إلَيْهِ فَذَلِكَ صَاحِبُ الْقَلْبِ؛ أَوْ رَجُلٌ لَمْ يَعْقِلْهُ بِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى مَنْ يُعَلِّمُهُ وَيُبَيِّنُهُ لَهُ وَيَعِظُهُ وَيُؤَدِّبُهُ فَهَذَا أَصْغَى فَ: {أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. أَيْ حَاضِرُ الْقَلْبِ لَيْسَ بِغَائِبِهِ. كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: أوتى الْعِلْمَ وَكَانَ لَهُ ذِكْرَى. وَيَتَبَيَّنُ قَوْلُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ} {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} وَقَوْلُهُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}. ثُمَّ إذَا كَانَ حَقُّ الْقَلْبِ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ} إذْ كَانَ كُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَمْحَةَ نَاظِرٍ أَوْ يَجُولُ فِي لَفْتَةِ خَاطِرٍ فَاَللَّهُ رَبُّهُ وَمُنْشِئُهُ وَفَاطِرُهُ وَمُبْدِئُهُ لَا يُحِيطُ عِلْمًا إلَّا بِمَا هُوَ مِنْ آيَاتِهِ الْبَيِّنَةِ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ. وَأَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ.
أَيْ مَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إذَا نَظَرْت إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ إلَّا وَجَدْته إلَى الْعَدَمِ وَمَا هُوَ فَقِيرٌ إلَى الْحَيِّ الْقَيُّومِ فَإِذَا نَظَرْت إلَيْهِ وَقَدْ تَوَلَّتْهُ يَدُ الْعِنَايَةِ بِتَقْدِيرِ مَنْ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى رَأَيْته حِينَئِذٍ مَوْجُودًا مَكْسُوًّا حَلَّلَ الْفَضْلَ وَالْإِحْسَانَ فَقَدْ اسْتَبَانَ أَنَّ الْقَلْبَ إنَّمَا خُلِقَ لِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ - أَظُنُّهُ سُلَيْمَانَ الْخَوَّاصَ رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: الذِّكْرُ لِلْقَلْبِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/206)
بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ لِلْجَسَدِ فَكَمَا لَا يَجِدُ الْجَسَدُ لَذَّةَ الطَّعَامِ مَعَ السَّقَمِ فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الذِّكْرِ مَعَ حُبِّ الدُّنْيَا. أَوْ كَمَا قَالَ. فَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مَشْغُولًا بِاَللَّهِ عَاقِلًا لِلْحَقِّ مُتَفَكِّرًا فِي الْعِلْمِ فَقَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ إذَا صُرِفَتْ إلَى النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدْ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يُوعَ فِيهِ الْحَقُّ فَقَدْ نَسِيَ رَبَّهُ فَلَمْ يُوضَعْ فِي مَوْضِعٍ بَلْ هُوَ ضَائِعٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ قَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ لَمْ يُوضَعْ أَصْلًا. فَإِنَّ مَوْضِعَهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَى الْحَقِّ بَاطِلٌ فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِي الْحَقِّ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْبَاطِلُ وَالْبَاطِلُ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعًا. وَالْقَلْبُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْحَقَّ. فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ مَا خُلِقَ لَهُ. {سُنَّةَ اللَّهِ} {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَتْرُوكِ مُخِلٍّ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي أَوْدِيَةِ الْأَفْكَارِ وَأَقْطَارِ الْأَمَانِي لَا يَكُونُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ مِنْ الْفَرَاغِ وَالتَّخَلِّي فَقَدْ وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا مُطْلَقٍ وَلَا مُعَلَّقٍ مَوْضُوعٍ لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَسُبْحَانَ رَبِّنَا الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَإِنَّمَا تَنْكَشِفُ لِلْإِنْسَانِ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْحَقِّ إمَّا فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْإِنَابَةِ أَوْ عِنْدَ الْمُنْقَلَبِ إلَى الْآخِرَةِ فَيَرَى سُوءَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَكَيْفَ كَانَ قَلْبُهُ ضَالًّا عَنْ الْحَقِّ. هَذَا إذَا صُرِفَ فِي الْبَاطِلِ. فَأَمَّا لَوْ تُرِكَ وَحَالُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا فَارِغًا عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ خَالِيًا عَنْ كُلِّ فِكْرٍ فَقَدْ كَانَ يَقْبَلُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا جَهْلَ فِيهِ وَيَرَى الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ وَيُنِيبُ إلَيْهِ. فَإِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ لَا يُحَسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعٍ {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} وَإِنَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ فِي غَالِبِ الْحَالِ شُغْلُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَرَى مَعَ ذَلِكَ الْهِلَالَ أَوْ هُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَيَصُدُّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ كَالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا قَذًى لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ. ثُمَّ الْهَوَى قَدْ يَعْتَرِضُ لَهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَيَصُدُّهُ عَنْ النَّظَرِ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ كَمَا قِيلَ: حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيَصُمُّ. فَيَبْقَى فِي ظُلْمَةِ الْأَفْكَارِ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ كِبْرٍ يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَيَجْحَدَهُ وَيُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ فِيهِمْ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/207)
ثُمَّ الْقَلْبُ لِلْعِلْمِ كَالْإِنَاءِ لِلْمَاءِ وَالْوِعَاءِ لِلْعَسَلِ وَالْوَادِي لِلسَّيْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} الْآيَةُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا: فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَسَقَى النَّاسُ وَزَرَعُوا. وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً إنَّمَا قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا أُرْسِلْت بِهِ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ} وَفِي حَدِيثِ كميل بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا. وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ: الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ فَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرَقُّهَا وَأَصْفَاهَا. وَهَذَا مَثَلٌ حَسَنٌ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا كَانَ رَقِيقًا لَيِّنًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ سَهْلًا يَسِيرًا وَرَسَخَ الْعِلْمُ فِيهِ وَثَبَتَ وَأَثَّرَ وَإِنْ كَانَ قَاسِيًا غَلِيظًا كَانَ قَبُولُهُ لِلْعِلْمِ صَعْبًا عَسِيرًا. وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ زَكِيًّا صَافِيًا سَلِيمًا حَتَّى يَزْكُوَ فِيهِ الْعِلْمُ وَيُثْمِرَ ثَمَرًا طَيِّبًا وَإِلَّا فَلَوْ قَبِلَ الْعِلْمَ وَكَانَ فِيهِ كَدَرٌ وَخَبَثٌ أَفْسَدَ ذَلِكَ الْعِلْمَ وَكَانَ كَالدَّغَلِ فِي الزَّرْعِ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْحَبَّ مِنْ أَنْ يَنْبُتَ مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَزْكُوَ وَيَطِيبَ وَهَذَا بَيِّنٌ لِأُولِي الْأَبْصَارِ.
وَ تَلْخِيصُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْحَقِّ فَلَهُ وَجْهَانِ:وَجْهٌ مُقْبِلٌ عَلَى الْحَقِّ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ: وِعَاءٌ وَإِنَاءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ مَا يُوعَى فِيهِ وَيُوضَعُ فِيهِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ وُجُودٍ وَثُبُوتٍ.
وَوَجْهٌ مُعْرِضٌ عَنْ الْبَاطِلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقَالُ لَهُ: زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ وَطَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الشَّرِّ وَانْتِفَاءِ الْخَبَثِ وَالدَّغَلِ وَهَذِهِ الصِّفَةُ صِفَةُ عَدَمٍ وَنَفْيٍ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إذَا صُرِفَ إلَى الْبَاطِلِ فَلَهُ وَجْهَانِ كَذَلِكَ.
وَجْهُ الْوُجُودِ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إلَى الْبَاطِلِ مَشْغُولٌ بِهِ.
وَوَجْهُ الْعَدَمِ أَنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْ الْحَقِّ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ وَهَذَا يُبَيِّنُ مِنْ الْبَيَانِ وَالْحُسْنِ وَالصِّدْقِ مَا فِي قَوْلِهِ:
إذَا مَا وَضَعْت الْقَلْبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ * * * بِغَيْرِ إنَاءٍ فَهُوَ قَلْبٌ مُضَيِّعُ
فَإِنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَ مَنْ ضَيَّعَ قَلْبَهُ فَظَلَمَ نَفْسَهُ بِأَنْ اشْتَغَلَ بِالْبَاطِلِ وَمَلَأَ بِهِ قَلْبَهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِلْحَقِّ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْوُلُوجِ فِيهِ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَوَصَفَ حَالَ هَذَا الْقَلْبِ بِوَجْهَيْهِ وَنَعَتَهُ بِمَذْهَبَيْهِ فَذَكَرَ أَوَّلًا وَصْفَ الْوُجُودِ مِنْهُ فَقَالَ: إذَا مَا وَضَعْت الْقَلْبَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. يَقُولُ إذَا شَغَلْته بِمَا لَمْ يُخْلَقْ لَهُ فَصَرَفْته إلَى الْبَاطِلِ حَتَّى صَارَ مَوْضُوعًا فِيهِ. ثُمَّ الْبَاطِلُ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: تَشْغَلُ عَنْ الْحَقِّ وَلَا تُعَانِدُهُ مِثْلَ الْأَفْكَارِ وَالْهُمُومِ الَّتِي فِي عَلَائِقِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/208)
وَالثَّانِيَةُ: تُعَانِدُ الْحَقَّ وَتَصُدُّ عَنْهُ مِثْلَ الْآرَاءِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ وَشِبْهِ ذَلِكَ بَلْ الْقَلْبُ لَمْ يُخْلَقْ إلَّا لِذِكْرِ اللَّهِ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مَوْضِعًا لَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ " ثَانِيًا " وَصْفَ الْعَدَمِ فِيهِ فَقَالَ بِغَيْرِ إنَاءٍ ثُمَّ يَقُولُ: إذَا وَضَعْته بِغَيْرِ إنَاءٍ ضَيَّعْته وَلَا إنَاءَ مَعَك كَمَا تَقُولُ حَضَرْت الْمَجْلِسَ بِلَا مَحْبَرَةٍ فَالْكَلِمَةُ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ. لَا مِنْ الْمَوْضُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَقُولُ إذَا مَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَدْ شُغِلَ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْحَقُّ وَيَنْزِلُ إلَيْهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْقَلْبِ فَقَلْبُك إذًا مُضَيَّعٌ ضَيَّعْته مِنْ وَجْهَيْ التَّضْيِيعِ وَإِنْ كَانَا مُتَّحِدَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّك وَضَعْته فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا إنَاءَ مَعَك يَكُونُ وِعَاءً لِلْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْطَاهُ؛ كَمَا لَوْ قِيلَ لِمَلِكِ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهْوِ: إذَا اشْتَغَلَ بِغَيْرِ الْمَمْلَكَةِ وَلَيْسَ فِي الْمَمْلَكَةِ مَنْ يُدَبِّرُهَا فَهُوَ مَلِكٌ ضَائِعٌ لَكِنَّ الْإِنَاءَ هُنَا هُوَ الْقَلْبُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيمَا يَجِبُ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
وَإِنَّمَا خَرَجَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ اثْنَيْنِ بِذِكْرِ نَعْتَيْنِ لِشَيْءِ وَاحِدٍ. كَمَا جَاءَ نَحْوُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} قَالَ قتادة وَالرَّبِيعُ: هُوَ الْقُرْآنُ: فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ لَهُ وَصْفَانِ كَبِيرَانِ فَهُوَ مَعَ وَصْفٍ وَاحِدٍ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَمَعَ الْوَصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاثْنَيْنِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ صِفَاتُهُ لَتَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ أَشْخَاصٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُحْسِنُ الْحِسَابَ وَالطِّبَّ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حَاسِبٍ وَطَبِيبٍ وَالرَّجُلُ الَّذِي يُحْسِنُ النِّجَارَةَ وَالْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ نَجَّارٍ وَبَنَّاءٍ. وَالْقَلْبُ لَمَّا كَانَ يَقْبَلُ الذِّكْرَ وَالْعِلْمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْإِنَاءَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَسْمَاءِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ رَقِيقًا وَصَافِيًا وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُسْتَطْعِمُ الْمُسْتَعْطِي فِي مَنْزِلَةِ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ. وَلَمَّا كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ الْبَاطِلِ فَهُوَ زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ فَكَأَنَّهُ اثْنَانِ. وَلِيَتَبَيَّنَ فِي الصُّورَةِ أَنَّ الْإِنَاءَ غَيْرُ الْقَلْبِ فَهُوَ يَقُولُ: إذَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْمَطْلُوبُ فَمِثْلُك مِثْلُ رَجُلٍ بَلَغَهُ أَنَّ غَنِيًّا يُفَرِّقُ عَلَى النَّاسِ طَعَامًا وَكَانَ لَهُ زُبْدِيَّةٌ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/209)
أَوْ سُكْرُجَةٌ فَتَرَكَهَا ثُمَّ أَقْبَلَ يَطْلُبُ طَعَامًا فَقِيلَ لَهُ: هَاتِ إنَاءً نُعْطِيَك طَعَامًا فَأَمَّا إذَا أَتَيْت وَقَدْ وَضَعْت زُبْدِيَّتَك - مَثَلًا - فِي الْبَيْتِ وَلَيْسَ مَعَك إنَاءٌ نُعْطِيك فَلَا تَأْخُذْ شَيْئًا فَرَجَعْت بِخُفَّيْ حنين. وَإِذَا تَأَمَّلَ مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِأَسَالِيبِ الْبَيَانِ وَتَصَارِيفِ اللِّسَانِ وَجَدَ مَوْقِعَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ كِلَيْهِمَا مَوْقِعًا حَسَنًا بَلِيغًا فَإِنَّ نَقِيضَ هَذِهِ الْحَالِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُقْبِلًا عَلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالذِّكْرِ مُعْرِضًا عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتِلْكَ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ مِلَّةُ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ الْحَنَفَ هُوَ إقْبَالُ الْقَدَمِ وَمَيْلُهَا إلَى أُخْتِهَا فَالْحَنَفُ الْمَيْلُ عَنْ الشَّيْءِ بِالْإِقْبَالِ عَلَى آخَرَ؛ فَالدِّينُ الْحَنِيفُ هُوَ الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ. وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي تَرْجَمَتْهُ كَلِمَةُ الْحَقِّ وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَهَذَا آخِرُ مَا حَضَرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ.
مسألة: هل العلم و العقل يقبلان الزيادة و النقصان؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 722)
ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ - أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ وَنَحْوَهُمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بَلْ وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ الَّتِي تَقُومُ بِغَيْرِ الْحَيِّ: كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْأَرْوَاحِ. فَنَقُولُ أَوَّلًا الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ هِيَ الَّتِي يَجِبُ وُقُوعُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً فَإِنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَجَبَ وُجُودُ الْفِعْلِ لِكَمَالِ وُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ وَمَتَى وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ لَمْ تَكُنْ الْإِرَادَةُ جَازِمَةً وَهُوَ إرَادَاتُ الْخَلْقِ لِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْإِرَادَاتُ مُتَفَاوِتَةً فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ تَفَاوُتًا كَثِيرًا؛ لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ الْمُرَادُ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ فَلَيْسَتْ الْإِرَادَةُ جَازِمَةً جَزْمًا تَامًّا. وَهَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " إنَّمَا كَثُرَ فِيهَا النِّزَاعُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا إرَادَةً جَازِمَةً لِلْفِعْلِ لَا يَقْتَرِنُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْفِعْلِ وَهَذَا لَا يَكُونُ. وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْعَزْمِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فَقَدْ يَعْزِمُ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَنْ لَا يَفْعَلُ مِنْهُ شَيْئًا فِي الْحَالِ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكْفِي فِي وُجُودِ الْفِعْلِ بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِهِ مِنْ حُدُوثِ تَمَامِ الْإِرَادَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْفِعْلِ وَهَذِهِ هِيَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ.
أيهما أفضل العلم أو العقل؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 305)
سُئِلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
أَيُّمَا أَفْضَلُ: الْعِلْمُ، أَوْ العقل؟
فَأَجَابَ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/210)
إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْكِتَابُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ عَقْلِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا صِفَةُ الْخَالِقِ: وَالْعَقْلُ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ وَصِفَةُ الْخَالِقِ أَفْضَلُ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَقْلِ أَنْ يَعْقِلَ الْعَبْدُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ فَيَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَيَتْرُكَ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَهَذَا الْعَقْلُ يَدْخُلُ صَاحِبُهُ بِهِ الْجَنَّةَ. وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ صَاحِبُهُ بِهِ الْجَنَّةَ. كَمَنْ يَعْلَمُ وَلَا يَعْمَلُ. وَإِنْ أُرِيدَ الْعَقْلُ الْغَرِيزَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي الْعَبْدِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ فَاَلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَغَرِيزَةُ الْعَقْلِ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ. وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ وَسَائِلِهَا. وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَقْلِ الْعُلُومُ الَّتِي تَحْصُلُ بِالْغَرِيزَةِ فَهَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ فَلَا يُقَالُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ الْعِلْمُ أَوْ الْعَقْلُ وَلَكِنْ يُقَالُ أَيُّمَا أَفْضَلُ هَذَا الْعِلْمُ أَوْ هَذَا الْعِلْمُ فَالْعُلُومُ بَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ فَالْعِلْمُ بِاَللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ بِخَلْقِهِ وَلِهَذَا كَانَتْ آيَةُ الْكُرْسِيِّ أَفْضَلَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهَا صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَتْ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ " ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ ": ثُلُثٌ تَوْحِيدٌ وَثُلُثٌ قَصَصٌ وَثُلُثٌ أَمْرٌ وَنَهْيٌ. وَثُلُثُ التَّوْحِيدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ. وَالْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الِاسْمَيْنِ يَحْتَمِلُ مَعَانٍ كَثِيرَةً فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ بِلَا تَفْصِيلٍ وَلِهَذَا كَثُرَ النِّزَاعُ فِيهَا لِمَنْ لَمْ يَفْصِلْ وَمَنْ فَصَلَ الْجَوَابَ فَقَدْ أَصَابَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة ما هي الفطرة التي فطر عليها الناس و لماذا يخالفونها أحياناً؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 30)
الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ لِغَلَطِ الْحِسِّ الْبَاطِنِ أَوْ الظَّاهِرِ وَالْعَقْلِ: بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ الْعَارِضِ لِحَرَكَةِ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ وَالْأَصْلُ هُوَ الصِّحَّةُ فِي الْإِدْرَاكِ وَفِي الْحَرَكَةِ. فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ يُعْلَمُ الْغَلَطُ فِيهَا بِأَسْبَابِهَا الْخَاصَّةِ؛ كَالْمُرَّةِ الصَّفْرَاءِ الْعَارِضَةِ لِلطَّعْمِ وَكَالْحَوَلِ فِي الْعَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَجْزِمُ بِهِ وَجَدَ أَكْثَرَ النَّاسِ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِمَا لَا يُجْزَمُ بِهِ إنَّمَا جَزْمُهُمْ لِنَوْعِ مِنْ الْهَوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَقَالَ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}. وَلِهَذَا تَجِدُ الْيَهُودَ يُصَمِّمُونَ وَيُصِرُّونَ عَلَى بَاطِلِهِمْ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْقَسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَهْوَاءِ. وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَعْظَمُ ضَلَالًا مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي الْعَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ أَقَلَّ مِنْهُمْ شَرًّا فَلَيْسُوا جَازِمِينَ بِغَالِبِ ضَلَالِهِمْ بَلْ عِنْدَ الِاعْتِبَارِ تَجِدُ مَنْ تَرَكَ الْهَوَى مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَنَظَرَ نَوْعَ نَظَرٍ تَبَيَّنَ لَهُ الْإِسْلَامُ حَقًّا.
مسألة ما الفرق بين فطرة الإسلام و فطرة الخلق؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 245)
سُئِلَ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/211)
عَنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} مَا مَعْنَاهُ؟: أَرَادَ فِطْرَةَ الْخَلْقِ أَمْ فِطْرَةَ الْإِسْلَامِ؟. وَفِي قَوْلِهِ: {الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ} الْحَدِيثَ. هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ. وَفِي الْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ هَلْ يُحْيِيهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ} فَالصَّوَابُ أَنَّهَا فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَهِيَ فِطْرَةُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}. وَهِيَ السَّلَامَةُ مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْقَبُولُ لِلْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ. فَإِنَّ حَقِيقَةَ " الْإِسْلَامِ " أَنْ يَسْتَسْلِمَ لِلَّهِ؛ لَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَدْ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلَ ذَلِكَ فَقَالَ: {كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟} بَيَّنَ أَنَّ سَلَامَةَ الْقَلْبِ مِنْ النَّقْصِ كَسَلَامَةِ الْبَدَنِ وَأَنَّ الْعَيْبَ حَادِثٌ طَارِئٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُرْوَى عَنْ اللَّهِ: {إنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ
عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}. وَلِهَذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ: إلَى أَنَّ الطِّفْلَ مَتَى مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ؛ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ لِلتَّغْيِيرِ عَنْ أَصْلِ الْفِطْرَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ؛ وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَعَنْهُمَا: أَنَّهُمْ قَالُوا " يُولَدُ عَلَى مَا فُطِرَ عَلَيْهِ مِنْ شَقَاوَةٍ وَسَعَادَةٍ " وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ فَإِنَّ الطِّفْلَ يُولَدُ سَلِيمًا وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَكْفُرُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَصِيرَ إلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ كَمَا تُولَدُ الْبَهِيمَةُ جَمْعَاءَ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهَا سَتُجْدَعُ. وَهَذَا مَعْنَى مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُلَامِ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ: طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا؛ وَلَوْ تُرِكَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} يَعْنِي طَبَعَهُ اللَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَيْ كَتَبَهُ وَأَثْبَتَهُ كَافِرًا؛ أَيْ أَنَّهُ إنْ عَاشَ كَفَرَ بِالْفِعْلِ. وَلِهَذَا {لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ يَمُوتُ مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ} أَيْ اللَّهُ يَعْلَمُ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْهُمْ وَمَنْ يَكْفُرُ لَوْ بَلَغُوا. ثُمَّ إنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " {إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْتَحِنُهُمْ وَيَبْعَثُ إلَيْهِمْ رَسُولًا فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ أَجَابَهُ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ أَدْخَلَهُ النَّارَ} فَهُنَالِكَ يَظْهَرُ فِيهِمْ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَيَجْزِيهِمْ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْعِلْمِ وَهُوَ إيمَانُهُمْ وَكُفْرُهُمْ؛ لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْعِلْمِ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/212)
وَهَذَا أَجْوَدُ مَا قِيلَ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَعَلَيْهِ تَتَنَزَّلُ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ. وَمَثَلُ الْفِطْرَةِ مَعَ الْحَقِّ: مَثَلُ ضَوْءِ الْعَيْنِ مَعَ الشَّمْسِ وَكُلُّ ذِي عَيْنٍ لَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ حِجَابٍ لَرَأَى الشَّمْسَ وَالِاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةَ الْعَارِضَةَ مَنْ تَهَوَّدَ وَتَنَصَّرَ وَتَمَجَّسَ: مَثَلُ حِجَابٍ يَحُولُ بَيْنَ الْبَصَرِ وَرُؤْيَةِ الشَّمْسِ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ يُحِبُّ الْحُلْوَ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ فِي الطَّبِيعَةِ فَسَادٌ يُحَرِّفُهُ حَتَّى يُجْعَلَ الْحُلْوُ فِي فَمِهِ مُرًّا. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَوْلُودِينَ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونُوا حِينَ الْوِلَادَةِ مُعْتَقِدِينَ لِلْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نَعْلَمُ شَيْئًا وَلَكِنْ سَلَامَةُ الْقَلْبِ وَقَبُولُهُ وَإِرَادَتُهُ لِلْحَقِّ: الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ مِنْ غَيْرِ مُغَيِّرٍ لَمَا كَانَ إلَّا مُسْلِمًا. وَهَذِهِ الْقُوَّةُ الْعِلْمِيَّةُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي تَقْتَضِي بِذَاتِهَا الْإِسْلَامَ مَا لَمْ يَمْنَعْهَا مَانِعٌ: هِيَ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ: فَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ - {إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ: اُكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ}. وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ - بِعِلْمِهِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لَهُ - الشَّقِيَّ مِنْ عِبَادِهِ وَالسَّعِيدَ وَكَتَبَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَيَأْمُرُ الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ حَالَ كُلِّ مَوْلُودٍ مَا بَيْنَ خَلْقِ جَسَدِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ إلَى كُتُبٍ أُخَرَ يَكْتُبُهَا اللَّهُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. وَمَنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَأَمَّا الْبَهَائِمُ فَجَمِيعُهَا يَحْشُرُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} وَحَرْفُ (إذَا إنَّمَا يَكُونُ لِمَا يَأْتِي لَا مَحَالَةَ. وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْشُرُ الْبَهَائِمَ وَيَقْتَصُّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ يَقُولُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا. فَتَصِيرُ تُرَابًا. فَيَقُولُ الْكَافِرُ حِينَئِذٍ {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} وَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَحْيَا فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ أَقْبَحَ خَطَأٍ؛ بَلْ هُوَ ضَالٌّ أَوْ كَافِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -::
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/213)
{كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَطَرَ الْقُلُوبَ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي مَحْبُوبَاتِهَا وَمُرَادَاتِهَا مَا تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَتَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا اللَّهُ؛ وَإِلَّا فَكُلَّمَا أَحَبَّهُ الْمُحِبُّ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ قَلْبَهُ يَطْلُبُ سِوَاهُ وَيُحِبُّ أَمْرًا غَيْرَهُ يتألهه وَيَصْمُدُ إلَيْهِ وَيَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَيَرَى مَا يُشْبِهُهُ مِنْ أَجْنَاسِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
مسألة هل يمكن أن تزول فطرة الإسلام أو يذهل عنها الإنسان؟
مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 344)
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا مَحَبَّتَهُ هُمْ الَّذِينَ قَالُوا: مَعْرِفَتُهُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالنَّظَرِ فَأَنْكَرُوا مَا فِي فِطَرِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ. ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْإِنْكَارُ سَبَبًا إلَى امْتِنَاعِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ وَقَدْ يَزُولُ عَنْ قَلْبِ أَحَدِهِمْ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ فَإِنَّ الْفِطْرَةَ قَدْ تَفْسُدُ فَقَدْ تَزُولُ وَقَدْ تَكُونُ مَوْجُودَةً وَلَا تُرَى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} {مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ}. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}.
مسألة متى يحصل ذلك؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 312)
إِذَا كَانَ الْقَلْبُ مَشْغُولًا بِاَللَّهِ عَاقِلًا لِلْحَقِّ مُتَفَكِّرًا فِي الْعِلْمِ فَقَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعِهِ كَمَا أَنَّ الْعَيْنَ إذَا صُرِفَتْ إلَى النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدْ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يُوعَ فِيهِ الْحَقُّ فَقَدْ نَسِيَ رَبَّهُ فَلَمْ يُوضَعْ فِي مَوْضِعٍ بَلْ هُوَ ضَائِعٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ قَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ لَمْ يُوضَعْ أَصْلًا. فَإِنَّ مَوْضِعَهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَى الْحَقِّ بَاطِلٌ فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِي الْحَقِّ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْبَاطِلُ وَالْبَاطِلُ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعًا. وَالْقَلْبُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْحَقَّ. فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ مَا خُلِقَ لَهُ. {سُنَّةَ اللَّهِ} {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَتْرُوكِ مُخِلٍّ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي أَوْدِيَةِ الْأَفْكَارِ وَأَقْطَارِ الْأَمَانِي لَا يَكُونُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ مِنْ الْفَرَاغِ وَالتَّخَلِّي فَقَدْ وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا مُطْلَقٍ وَلَا مُعَلَّقٍ مَوْضُوعٍ لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَسُبْحَانَ رَبِّنَا الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَإِنَّمَا تَنْكَشِفُ لِلْإِنْسَانِ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْحَقِّ إمَّا فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْإِنَابَةِ أَوْ عِنْدَ الْمُنْقَلَبِ إلَى الْآخِرَةِ فَيَرَى سُوءَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَكَيْفَ كَانَ قَلْبُهُ ضَالًّا عَنْ الْحَقِّ. هَذَا إذَا صُرِفَ فِي الْبَاطِلِ. فَأَمَّا لَوْ تُرِكَ وَحَالُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/214)
فَارِغًا عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ خَالِيًا عَنْ كُلِّ فِكْرٍ فَقَدْ كَانَ يَقْبَلُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا جَهْلَ فِيهِ وَيَرَى الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ وَيُنِيبُ إلَيْهِ. فَإِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ لَا يُحَسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعٍ
{فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} وَإِنَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ فِي غَالِبِ الْحَالِ شُغْلُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَرَى مَعَ ذَلِكَ الْهِلَالَ أَوْ هُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَيَصُدُّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ كَالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا قَذًى لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ. ثُمَّ الْهَوَى قَدْ يَعْتَرِضُ لَهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَيَصُدُّهُ عَنْ النَّظَرِ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ كَمَا قِيلَ: حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيَصُمُّ. فَيَبْقَى فِي ظُلْمَةِ الْأَفْكَارِ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ كِبْرٍ يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَيَجْحَدَهُ وَيُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ فِيهِمْ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.
مسألة هل فساد الفطرة مرض؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 135)
فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ؛ فَإِذَا تُرِكَتْ الْفِطْرَةُ بِلَا فَسَادٍ كَانَ الْقَلْبُ عَارِفًا بِاَللَّهِ مُحِبًّا لَهُ عَابِدًا لَهُ وَحْدَهُ لَكِنْ تَفْسُدُ فِطْرَتُهُ مِنْ مَرَضِهِ كَأَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُغَيِّرُ فِطْرَتَهُ الَّتِي فَطَرَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ - كَمَا يُغَيَّرُ الْبَدَنُ بِالْجَدْعِ - ثُمَّ قَدْ يَعُودُ إلَى الْفِطْرَةِ إذَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا مَنْ يَسْعَى فِي إعَادَتِهَا إلَى الْفِطْرَةِ. وَالرُّسُلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ بُعِثُوا لِتَقْرِيرِ الْفِطْرَةِ وَتَكْمِيلِهَا لَا لِتَغْيِيرِ الْفِطْرَةِ وَتَحْوِيلِهَا وَإِذَا كَانَ الْقَلْبُ مُحِبًّا لِلَّهِ وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ لَمْ يُبْتَلَ بِحُبِّ غَيْرِهِ أَصْلًا، فَضْلًا أَنْ يُبْتَلَى بِالْعِشْقِ. وَحَيْثُ اُبْتُلِيَ بِالْعِشْقِ فَلِنَقْصِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَحْدَهُ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ يُوسُفُ مُحِبًّا لِلَّهِ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ لَمْ يُبْتَلَ بِذَلِكَ بَلْ قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. وَأَمَّا امْرَأَةُ الْعَزِيزِ فَكَانَتْ مُشْرِكَةً هِيَ وَقَوْمُهَا فَلِهَذَا اُبْتُلِيَتْ بِالْعِشْقِ وَمَا يُبْتَلَى بِالْعِشْقِ أَحَدٌ إلَّا لِنَقْصِ تَوْحِيدِهِ وَإِيمَانِهِ وَإِلَّا فَالْقَلْبُ الْمُنِيبُ إلَى اللَّهِ الْخَائِفُ مِنْهُ فِيهِ صَارِفَانِ يَصْرِفَانِ عَنْ الْعِشْقِ: (أَحَدُهُمَا إنَابَتُهُ إلَى اللَّهِ وَمَحَبَّتُهُ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ أَلَذُّ وَأَطْيَبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا تَبْقَى مَعَ مَحَبَّةِ اللَّهِ مَحَبَّةُ مَخْلُوقٍ تُزَاحِمُهُ.
كيف تجتمع فطرة الإسلام مع فطرة الخلق بالشقاوة؟ فكيف يولد الإنسان على فطرة الإسلام و مع هذا يكون مكتوباً عليه الشقاء؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/215)
مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 395)
نَقُولُ: الْجَبْرُ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا فَسَّرْنَاهُ وَأَمَّا إثْبَاتُ الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الِاسْتِنَانِ وَالْآثَارِ وَأُولِي الْأَلْبَابِ وَالْأَبْصَارِ لَكِنْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَبْرِ خَشْيَةَ الِالْتِبَاسِ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَفِرَارًا مِنْ تَبَادُرِ الْأَفْهَامِ إلَيْهِ وَرُبَّمَا سُمِّيَ جَبْرًا إذَا أَمِنَ مِنْ اللَّبْسِ وَعُلِمَ الْقَصْدُ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّعَاءِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ دَاحِي الْمَدْحُوَّاتِ وَبَارِيَ الْمَسْمُوكَاتِ جَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَاتِهَا شَقَاهَا أَوْ سَعْدِهَا. فَبَيَّنَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَبَرَ الْقُلُوبَ عَلَى مَا فَطَرَهَا عَلَيْهِ: مِنْ شَقَاوَةٍ أَوْ سَعَادَةٍ وَهَذِهِ الْفِطْرَةُ الثَّانِيَةُ لَيْسَتْ الْفِطْرَةُ الْأُولَى وَبِكِلَا الْفِطْرَتَيْنِ فُسِّرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} وَتَفْسِيرُهُ بِالْأُولَى وَاضِحٌ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القرظي - وَهُوَ مِنْ أَفَاضِلِ تَابِعِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَعْيَانِهِمْ وَرُبَّمَا فُضِّلَ عَلَى أَكْثَرِهِمْ - فِي قَوْلِهِ {الْجَبَّارُ} قَالَ جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَشَهَادَةُ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ وَرُؤْيَةُ أَهْلِ الْبَصَائِرِ وَالِاسْتِدْلَالِ التَّامِّ لِتَقْلِيبِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قُلُوبَ الْعِبَادِ وَتَصْرِيفِهِ إيَّاهَا وَإِلْهَامِهِ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا وَتَنْزِيلِ الْقَضَاءِ النَّافِذِ مِنْ عِنْدِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ فِي أَدْنَى مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ عَلَى قُلُوبِ الْعَالَمِينَ حَتَّى تَتَحَرَّكَ الْجَوَارِحُ بِمَا قُضِيَ لَهَا وَعَلَيْهَا بَيَّنَ غَايَةَ الْبَيَانِ إلَّا لِمَنْ أَعْمَى اللَّهُ بَصَرَهُ وَقَلْبَهُ.
ما الرد على من أنكر فطرة الإسلام لفطرة الخلق؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 243)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
رَدًّا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: كُلُّ مَوْلُودٍ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ سَائِرٌ إلَيْهِ:
مَعْلُومٌ أَنَّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ فَجَمِيعُ الْبَهَائِمِ هِيَ مَوْلُودَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ لَهَا؛ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كُلُّ مَخْلُوقٍ مَخْلُوقًا عَلَى الْفِطْرَةِ. وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ {فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ} مَعْنًى: فَإِنَّهُمَا فَعَلَا بِهِ مَا هُوَ الْفِطْرَةُ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّهْوِيدِ وَالتَّنْصِيرِ. ثُمَّ قَالَ: فَتَمْثِيلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَهِيمَةِ الَّتِي وَلَدَتْ جَمْعَاءَ؛ ثُمَّ جُدِعَتْ: يُبَيِّنُ أَنَّ أَبَوَيْهِ غَيَّرَا مَا وُلِدَ عَلَيْهِ. ثُمَّ يُقَالُ: وَقَوْلُكُمْ خُلِقُوا خَالِينَ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِنْكَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ الْفِطْرَةُ تَقْتَضِي وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ بَلْ يَكُونُ الْقَلْبُ كَاللَّوْحِ الَّذِي يَقْبَلُ كِتَابَةَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَلَيْسَ هُوَ لِأَحَدِهِمَا أَقْبَلَ مِنْهُ لِلْآخَرِ فَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا.
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 244)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/216)
فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِطْرَةِ بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِنْكَارِ وَالتَّهْوِيدِ وَالتَّنْصِيرِ وَالْإِسْلَامِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسَبِ الْأَسْبَابِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: فَأَبَوَاهُ يُسَلِّمَانِهِ وَيُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ؛ فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَبَوَيْهِ يُكَفِّرَانِهِ وَذَكَرَ الْمِلَلَ الْفَاسِدَةَ دُونَ الْإِسْلَامِ: عُلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ فِي حُصُولِ سَبَبٍ مُفَصَّلٍ غَيْرِ حُكْمِ الْكُفْرِ. ثُمَّ قَالَ: فَفِي الْجُمْلَةِ كُلُّ مَا كَانَ قَابِلًا لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَسْتَحِقُّ مَدْحًا وَلَا ذَمًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}. وَأَيْضًا: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهَا بِالْبَهِيمَةِ الْمُجْتَمِعَةِ الْخَلْقِ وَشَبَّهَ مَا يَطْرَأُ عَلَيْهَا مِنْ الْكُفْرِ بِجَدْعِ الْأَنْفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَمَالَهَا مَحْمُودٌ وَنَقْصَهَا مَذْمُومٌ فَكَيْفَ تَكُونُ قَبْلَ النَّقْصِ لَا مَحْمُودَةً وَلَا مَذْمُومَةً؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة على ماذا تدل الفطرة؟
مجموع الفتاوى - (ج 16 / ص 345)
مَعْنَى قَوْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا: {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى هَذِهِ الْمِلَّةِ} وَرُوِيَ {عَلَى مِلَّةِ الْإِسْلَامِ}. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {إنِّي خَلَقْت عِبَادِي حُنَفَاءَ فَاجْتَالَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}. فأخبر أَنَّهُ خَلَقَهُمْ حُنَفَاءَ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ مَعْرِفَةَ الرَّبِّ وَمَحَبَّتَهُ وَتَوْحِيدَهُ. فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَضَمَّنَتْهَا الْحَنِيفِيَّةُ وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ". فَإِنَّ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي هِيَ {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} فِيهَا إثْبَاتُ مَعْرِفَتِهِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ. وَفِيهَا إثْبَاتُ مَحَبَّتِهِ فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَأْلُوهُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَأْلُوهًا؛ وَهَذَا أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَحَبَّةِ. وَفِيهَا أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ. فَفِيهَا الْمَعْرِفَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالتَّوْحِيدُ. وَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَهِيَ الْحَنِيفِيَّةُ الَّتِي خَلَقَهُمْ عَلَيْهَا. وَلَكِنَّ أَبَوَاهُ يُفْسِدَانِ ذَلِكَ فَيُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ وَيُشْرِكَانِهِ.
كَذَلِكَ يُجَهِّمَانِهِ فَيَجْعَلَانِهِ مُنْكِرًا لِمَا فِي قَلْبِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ وَمَحَبَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ. ثُمَّ الْمَعْرِفَةُ يَطْلُبُهَا بِالدَّلِيلِ وَالْمَحَبَّةُ يُنْكِرُهَا بِالْكُلِّيَّةِ. وَالتَّوْحِيدُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْمَحَبَّةِ يُنْكِرُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ تَوْحِيدُ الْخَلْقِ وَالْمُشْرِكُونَ كَانُوا يُقِرُّونَ بِهَذَا التَّوْحِيدِ وَهَذَا الشِّرْكُ. فَهُمَا يُشْرِكَانِهِ وَيُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ. وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَأَقْوَالُ النَّاسِ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
مسألة كيف يولدون على الفطرة و هم خرجوا من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 247)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/217)
لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِمْ مَوْلُودِينَ عَلَى الْفِطْرَةِ أَنْ يَكُونُوا حِينَ الْوِلَادَةِ مُعْتَقِدِينَ لِلْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نَعْلَمُ شَيْئًا وَلَكِنْ سَلَامَةُ الْقَلْبِ وَقَبُولُهُ وَإِرَادَتُهُ لِلْحَقِّ: الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ مِنْ غَيْرِ مُغَيِّرٍ لَمَا كَانَ إلَّا مُسْلِمًا. وَهَذِهِ الْقُوَّةُ الْعِلْمِيَّةُ الْعَمَلِيَّةُ الَّتِي تَقْتَضِي بِذَاتِهَا الْإِسْلَامَ مَا لَمْ يَمْنَعْهَا مَانِعٌ: هِيَ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا.
مسألة: إذا كانت الفطرة أصل الخير في الإنسان فما أصل الشر؟
مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 289)
الْغَفْلَةُ وَالشَّهْوَةُ أَصْلُ الشَّرِّ. قَالَ تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} وَالْهَوَى وَحْدَهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِ السَّيِّئَاتِ إلَّا مَعَ الْجَهْلِ. وَإِلَّا فَصَاحِبُ الْهَوَى، إذَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِك يَضُرُّهُ ضَرَرًا رَاجِحًا: انْصَرَفَتْ نَفْسُهُ عَنْهُ بِالطَّبْعِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّفْسِ حُبًّا لِمَا يَنْفَعُهَا، وَبُغْضًا لِمَا يَضُرُّهَا. فَلَا تَفْعَلُ مَا تَجْزِمُ بِأَنَّهُ يَضُرُّهَا ضَرَرًا رَاجِحًا. بَلْ مَتَى فَعَلَتْهُ كَانَ لِضَعْفِ الْعَقْلِ. وَلِهَذَا يُوصَفُ هَذَا بِأَنَّهُ عَاقِلٌ، وَذُو نُهًى، وَذُو حِجًا.
مسألة: هل هناك من يزين للنفس السيئات؟
مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 289)
لِهَذَا كَانَ الْبَلَاءُ الْعَظِيمُ مِنْ الشَّيْطَانِ. لَا مِنْ مُجَرَّدِ النَّفْسِ. فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُزَيِّنُ لَهَا السَّيِّئَاتِ. وَيَأْمُرُهَا بِهَا، وَيَذْكُرُ لَهَا مَا فِيهَا مِنْ الْمَحَاسِنِ. الَّتِي هِيَ مَنَافِعُ لَا مَضَارَّ. كَمَا فَعَلَ إبْلِيسُ بِآدَمَ وَحَوَّاءَ. فَقَالَ {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وَقَوْلُهُ {زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} هُوَ بِتَوْسِيطِ تَزْيِينِ الْمَلَائِكَةِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُؤْمِنِينَ لِلْخَيْرِ. وَتَزْيِينِ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لِلشَّرِّ. قَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} فَأَصْلُ مَا يُوقِعُ النَّاسَ فِي السَّيِّئَاتِ: الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهَا تَضُرُّهُمْ ضَرَرًا رَاجِحًا، أَوْ ظَنُّ أَنَّهَا تَنْفَعُهُمْ نَفْعًا رَاجِحًا. وَلِهَذَا قَالَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ " وَفَسَّرُوا بِذَلِك قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} كَقَوْلِهِ {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَلِهَذَا يُسَمَّى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/218)
حَالُ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ: الْجَاهِلِيَّةَ. فَإِنَّهُ يُصَاحِبُهَا حَالٌ مِنْ حَالٍ جَاهِلِيَّةٍ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَأَلْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ؟ {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} فَقَالُوا: كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ. وَمَنْ تَابَ قُبَيْلَ الْمَوْتِ: فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ. وَعَنْ قتادة قَالَ " أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَصَى رَبَّهُ فَهُوَ فِي جَهَالَةٍ، عَمْدًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَكُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ " وَكَذَلِك قَالَ التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. قَالَ مُجَاهَدٌ: مَنْ عَمِلَ ذَنْبًا - مِنْ شَيْخٍ، أَوْ شَابٍّ - فَهُوَ بِجَهَالَةٍ، وَقَالَ: مَنْ عَصَى رَبَّهُ فَهُوَ جَاهِلٌ. حَتَّى يَنْزِعَ عَنْ مَعْصِيَتِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: هُوَ إعْطَاءُ الْجَهَالَةِ الْعَمْد. وَقَالَ مُجَاهَدٌ أَيْضًا: مَنْ عَمِلَ سُوءًا خَطَأً، أَوْ إثْمًا عَمْدًا: فَهُوَ جَاهِلٌ. حَتَّى يَنْزِعَ مِنْهُ.
أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ قتادة، وَعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَنَحْوِ ذَلِك " خَطَأٌ، أَوْ عَمْدًا ". وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهَدٍ وَالضَّحَّاكِ قَالَا: لَيْسَ مِنْ جَهَالَتِهِ أَنْ لَا يَعْلَمَ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا. وَلَكِنْ مِنْ جَهَالَتِهِ: حِينَ دَخَلَ فِيهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الدُّنْيَا كُلُّهَا جَهَالَةٌ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا؟ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ لَمْ يَعْلَمُوا مَا لَهُمْ مِمَّا عَلَيْهِمْ. قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ كَانُوا قَدْ عَلِمُوا؟ قَالَ: فَلْيَخْرُجُوا مِنْهَا. فَإِنَّهَا جَهَالَةٌ. قُلْت: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِك: قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وَكُلُّ مَنْ خَشِيَهُ، وَأَطَاعَهُ، وَتَرَكَ مَعْصِيَتَهُ: فَهُوَ عَالِمٌ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. وَقَالَ رَجُلٌ لِلشَّعْبِيِّ: أَيُّهَا الْعَالِمُ. فَقَالَ: إنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ. فَإِنَّهُ لَا يَخْشَاهُ إلَّا عَالِمٌ.
وَيَقْتَضِي أَيْضًا: أَنَّ الْعَالِمَ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. كَمَا قَالَ السَّلَفُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا، وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ جَهْلًا ". وَمِثْلُ هَذَا الْحَصْرُ يَكُونُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ. حَصْرُ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي. وَهُوَ مُطَّرِدٌ، وَحَصْرُ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ نَحْوَ قَوْلِهِ {إنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} وَقَوْلِهِ {إنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} وَقَوْلِهِ {إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}. وَذَلِك: أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخَشْيَةَ لِلْعُلَمَاءِ، وَنَفَاهَا عَنْ غَيْرِهِمْ. وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ. فَإِنَّهُ مِنْ النَّفْيِ: إثْبَاتٌ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. كَقَوْلِنَا " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " قَوْله تَعَالَى {وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} وَقَوْلِهِ {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} وَقَوْلِهِ {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}. وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/219)
مَسْكُوتٌ عَنْهُ. لَمْ يُثْبِتْ لَهُ مَا ذَكَرَ. ولم يَنْفِ عَنْهُ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ ذَلِك فِي صِيغَةِ الْحَصْرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَيَقُولُونَ: نَفَى الْخَشْيَةَ عَنْ غَيْرِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُثْبِتْهَا لَهُمْ
وَالصَّوَابُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ. أَنَّ هَذَا كَقَوْلِهِ {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} فَإِنَّهُ يَنْفِي التَّحْرِيمَ عَنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَيُثْبِتُهَا لَهَا. لَكِنْ أَثَبَتَهَا لِلْجِنْسِ. أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؟ كَمَا يُقَالُ: إنَّمَا يَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ. وَلَا يَحُجُّ إلَّا مُسْلِمٌ. وَذَلِك أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هَلْ هُوَ مُقْتَضٍ أَوْ شَرْطٌ؟. فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا: هُوَ مُقْتَضٍ. فَهُوَ عَامٌّ. فَإِنَّ الْعِلْمَ بِمَا أَنَذَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ يُوجِبُ الْخَوْفَ. فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ يُوجِبُ الْخَشْيَةَ الْحَامِلَةَ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وِتْرِك السَّيِّئَاتِ. وَكُلُّ عَاصٍ فَهُوَ جَاهِلٌ. لَيْسَ بِتَامِّ الْعِلْمِ. يُبَيِّنُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ السَّيِّئَاتِ الْجَهْلُ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ. فَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ شَيْئًا مَوْجُودًا. بَلْ هُوَ مِثْلُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ، وَعَدَمِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَسَائِرِ الأعدام. وَالْعَدَمُ: لَا فَاعِلَ لَهُ. وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا. وَإِنَّمَا الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. فَلَا يَجُوز أَنْ يُضَافَ الْعَدَمُ الْمَحْضُ إلَى اللَّهِ. لَكِنْ قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِاَللَّهِ، لَا يَدْعُوهُ إلَى الْحَسَنَاتِ، وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ. وَالنَّفْسُ بِطَبْعِهَا مُتَحَوِّلَةٌ. فَإِنَّهَا حَيَّةٌ. وَالْإِرَادَةُ وَالْحَرَكَةُ الْإِرَادِيَّةُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيَاةِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ: حَارِثٌ وَهَمَّامٌ} فَكُلُّ آدَمِيٍّ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ. أَيْ عَامِلٌ كَاسِبٌ، وَهُوَ هَمَّامٌ. أَيْ يَهِمُّ وَيُرِيدُ. فَهُوَ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ {مَثَلُ الْقَلْبِ: مَثَلُ رِيشَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ وَلَلْقَلْبُ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنْ الْقِدْرِ إذَا اُسْتُجْمِعَتْ غَلَيَانًا}. فَلَمَّا كَانَتْ الْإِرَادَةُ وَالْعَمَلُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهَا. فَإِذَا هَدَاهَا اللَّهُ: عَلَّمَهَا مَا يَنْفَعُهَا وَمَا يَضُرُّهَا. فَأَرَادَتْ مَا يَنْفَعُهَا، وَتَرَكَتْ مَا يَضُرُّهَا.
ما سبب وجود الشر في النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 211)
قَالَ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فَلَهُ الْوَحْدَانِيَّةُ فِي إلَهِيَّتِهِ، وَلَهُ الْعَدْلُ وَلَهُ الْعِزَّةُ وَالْحِكْمَةُ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ إنَّمَا يُثْبِتُهَا السَّلَفُ وَأَتْبَاعُهُمْ، فَمَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ السُّنَّةِ نَقَصَ الرَّبَّ بَعْضَ حَقِّهِ. والجهمي الْجَبْرِيُّ: لَا يُثْبِتُ عَدْلًا وَلَا حِكْمَةً، وَلَا تَوْحِيدَ إلَهِيَّتِهِ، بَلْ تَوْحِيدُ رُبُوبِيَّتِهِ، وَالْمُعْتَزِلِيُّ لَا يُثْبِتُ تَوْحِيدَ إلَهِيَّتِهِ، وَلَا عَدْلًا وَلَا عِزَّةً وَلَا حِكْمَةً، وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ يُثْبِتُ حِكْمَةً مَا، مَعْنَاهَا يَعُودُ إلَى غَيْرِهِ، فَتِلْكَ لَا تَكُونُ حِكْمَةً، فَمَنْ فَعَلَ لَا لِأَمْرِ يَرْجِعُ إلَيْهِ بَلْ لِغَيْرِهِ، فَهَذَا عِنْدَ الْعُقَلَاءِ قَاطِبَةً لَيْسَ بِحَكِيمِ، وَإِذَا كَانَ الْحَمْدُ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى نِعْمَةٍ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ رَأْسُ الشُّكْرِ، فَهُوَ أَوَّلُ الشُّكْرِ وَالْحَمْدِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى نِعْمَةٍ وَعَلَى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/220)
حِكْمَةٍ، فَالشُّكْرُ بِالْأَعْمَالِ هُوَ عَلَى نِعْمَتِهِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ لَهُ لِإِلَهِيَّتِهِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ حِكْمَتَهُ، فَقَدْ صَارَ مَجْمُوعُ الْأُمُورِ دَاخِلًا فِي الشُّكْرِ. وَلِهَذَا عَظَّمَ الْقُرْآنُ أَمْرَ الشُّكْرِ، وَلَمْ يُعَظِّمْ أَمْرَ الْحَمْدِ مُجَرَّدًا إذْ كَانَ نَوْعًا مِنْ الشُّكْرِ، وَشُرِعَ الْحَمْدُ الَّذِي هُوَ الشُّكْرُ مَقُولًا أَمَامَ كُلِّ خِطَابٍ مَعَ التَّوْحِيدِ، فَفِي الْفَاتِحَةِ الشُّكْرُ مَعَ التَّوْحِيدِ، وَالْخُطَبُ الشَّرْعِيَّةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشُّكْرِ وَالتَّوْحِيدِ. وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ نَوْعَانِ: فَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِيهَا الشُّكْرُ وَالتَّنْزِيهُ وَالتَّعْظِيمُ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فِيهَا التَّوْحِيدُ وَالتَّكْبِيرُ، [وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}] (*) وَهَلْ الْحَمْدُ عَلَى الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، كَمَا قِيلَ فِي الْعَزْمِ، أَمْ عَامٌّ؟ فِيهِ نَظَرٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ. وَفِي الصَّحِيحِ {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدُّ مِنْكَ الْجَدُّ} هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ. و " أَحَقُّ " أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَقَدْ غَلِطَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَقَالُوا: {حَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ} وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَقُولُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ؛ بَلْ حَقُّ مَا يَقُولُهُ الرَّبُّ، كَمَا قَالَ: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} وَلَكِنْ أَحَقُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ الْحَمْدُ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ فَفِيهِ أَنَّ الْحَمْدَ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ.
وَإِذَا قِيلَ: يَخْلُقُ مَا هُوَ شَرٌّ مَحْضٌ، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُوجِبًا لِمَحَبَّةِ الْعِبَادِ لَهُ، وَحَمْدِهِمْ؛ بَلْ الْعَكْسُ؛ وَلِهَذَا كَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ بِالذَّمِّ وَالشَّتْمِ نَظْمًا وَنَثْرًا، وَكَثِيرٌ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ يَذْكُرُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ بِلِسَانِهِ، فَقَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِهِ لَكِنْ يَرَى أَنْ لَيْسَ فِي ذِكْرِهِ مَنْفَعَةٌ، أَوْ يَخَافُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي شِعْرِ طَائِفَةٍ مِنْ الشُّيُوخِ ذِكْرُ نَحْوِ هَذَا؛ وَيُقِيمُونَ حُجَجَ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ عَلَى اللَّهِ؛ وَهُوَ خِلَافُ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} فَقَوْلُهُ: {أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ} يَقْتَضِي أَنَّ حَمْدَهُ أَحَقُّ مَا قَالَهُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ. . . (1) (*).
وَنَفْسُهُ مُتَحَرِّكَةٌ بِالطَّبْعِ حَرَكَةً لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الشَّرِّ حِكْمَةً بَالِغَةً وَنِعْمَةً سَابِغَةً. فَإِذَا قِيلَ: فَلِمَ لَا خَلَقَهَا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ؟. قِيلَ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ خَلْقًا غَيْرَ الْإِنْسَانِ، وَكَانَتْ الْحِكْمَةُ بِخَلْقِهِ لَا تَحْصُلُ، وَهَذَا سُؤَالُ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ قَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} - إلَى قَوْلِهِ - {إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فَعَلِمَ مِنْ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ هَذَا مَا لَمْ تَعْلَمْهُ الْمَلَائِكَةُ، فَكَيْفَ يَعْلَمُهُ آحَادُ النَّاسِ، وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ خُلِقَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} {إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} {وَإِذَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/221)
مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} وَقَالَ: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} فَقَدْ خَلَقَ خِلْقَةً تَسْتَلْزِمُ وُجُودَ مَا خُلِقَ مِنْهَا، لِحِكْمَةِ عَظِيمَةٍ وَرَحْمَةٍ عَمِيمَةٍ. فَهَذَا مِنْ جِهَةِ الْغَايَةِ مَعَ أَنَّ الشَّرَّ لَا يُضَافُ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ.
وَأَمَّا (الْوَجْهُ الثَّانِي): مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ - فَإِنَّ هَذَا الشَّرَّ إنَّمَا وُجِدَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ الَّتِي تُصْلِحُ النَّفْسَ، فَإِنَّهَا خُلِقَتْ بِفِطْرَتِهَا تَقْتَضِي مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ، وَقَدْ هُدِيَتْ إلَى عُلُومٍ وَأَعْمَالٍ تُعِينُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ؛ لَكِنَّ النَّفْسَ الْمُذْنِبَةَ (*) لَمَّا حَصَلَ لَهَا مَنْ زَيَّنَ لَهَا السَّيِّئَاتِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مَالَتْ إلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مُرَكَّبًا مِنْ عَدَمِ مَا يَنْفَعُ، وَهَذَا الْأَصْلُ وَوُجُودُ هَذَا الْعَدَمِ لَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهَؤُلَاءِ الْقَوْلُ فِيهِمْ كَالْقَوْلِ فِيهَا خَلَقَهُمْ لِحِكْمَةِ، فَلَمَّا كَانَ عَدَمُ مَا تَصْلُحُ بِهِ هُوَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ، وَالشَّرُّ الْمَحْضُ هُوَ الْعَدَمُ الْمَحْضُ، وَهُوَ لَيْسَ شَيْئًا، وَاَللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَكَانَتْ السَّيِّئَاتُ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ. وَالْعَبْدُ إذَا اعْتَرَفَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِهِ، فَإِنْ اعْتَرَفَ إقْرَارًا بِخَلْقِ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَبِكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ، وَاعْتِرَافًا بِفَقْرِهِ إلَيْهِ، وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَهْدِهِ فَهُوَ ضَالٌّ، فَخَضَعَ لِعِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ فَهَذَا حَالُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ اعْتَرَفَ احْتِجَاجًا بِالْقَدَرِ فَهَذَا الذَّنْبُ أَعْظَمُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مِنْ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ.
مسألة: هل النفس و الشيطان يعبدان من دون الله؟
مجموع الفتاوى - (ج 14 / ص 362)
أَصْلُ الشَّرِّ: عِبَادَةُ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَجَعْلُهُمَا شَرِيكَانِ لِلرَّبِّ وَأَنْ يَعْدِلَا بِهِ. وَنَفْسُ الْإِنْسَانِ تَفْعَلُ الشَّرَّ بِأَمْرِ الشَّيْطَانِ. وَقَدْ {عَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ - إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى وَإِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ - اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ. أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك. إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وَهَذَا مِنْ تَمَامِ تَحْقِيقِ قَوْله تَعَالَى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} مَعَ قَوْله تَعَالَى {إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} وَقَوْلِهِ {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} وَقَدْ ظَهَرَتْ دَعْوَى النَّفْسِ الْإِلَهِيَّةِ فِي فِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ ادَّعَى أَنَّهُ إلَهٌ مَعَ اللَّهِ أَوْ مِنْ دُونِهِ وَظَهَرَتْ فِيمَنْ ادَّعَى إلَهِيَّةَ بَشَرٍ مَعَ اللَّهِ كَالْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ.
وَأَصْلُ الشِّرْكِ فِي بَنِي آدَمَ: كَانَ مِنْ الشِّرْكِ بِالْبَشَرِ الصَّالِحِينَ الْمُعَظَّمِينَ. فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَاتُوا: عَكَفُوا عَلَى قُبُورِهِمْ ثُمَّ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ ثُمَّ عَبَدُوهُمْ. فَهَذَا أَوَّلُ شِرْكٍ كَانَ فِي بَنِي آدَمَ. وَكَانَ فِي قَوْمِ نُوحٍ. فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بُعِثَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. يَدْعُوهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ. وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الشِّرْكِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/222)
{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا} وَهَذِهِ أَسْمَاءُ قَوْمٍ صَالِحِينَ كَانُوا فِي قَوْمِ نُوحٍ. فَلَمَّا مَاتُوا جَعَلُوا الْأَصْنَامَ عَلَى صُوَرِهِمْ ثُمَّ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَصْنَامُ لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ أَهْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ صَارَتْ إلَى الْعَرَبِ. كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. إنْ لَمْ تَكُنْ أَعْيَانُهَا وَإِلَّا فَهِيَ نَظَائِرُهَا. وَأَمَّا الشِّرْكُ بِالشَّيْطَانِ: فَهَذَا كَثِيرٌ. فَمَتَى لَمْ يُؤْمِنْ الْخَلْقُ بِأَنَّهُ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " بِمَعْنَى: أَنَّهُ الْمَعْبُودُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ. وَأَنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُعْبَدَ وَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُعْبَدَ وَأَنَّهُ لَا يُعْبَدُ إلَّا بِمَا أَحَبَّهُ مِمَّا شَرَعَ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ - فَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعُوا فِي الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ.
إذا كان الشيطان سبب لحصول الجهل في النفس فهل يوجد أسباب لحصول العلم في النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 31)
الْعِلْمُ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ كَمَا تَحْصُلُ سَائِرُ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ بِمَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَعَامَّةِ ذَلِكَ بِمَلَائِكَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُنْزِلُ بِهَا عَلَى قُلُوبِ عِبَادِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُوَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ. وَلِهَذَا {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ: اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} " وَقَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {مَنْ طَلَبَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ} " وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا: " إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةً فَلَمَّةُ الْمَلَكِ: إيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ. وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ " وَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ هُوَ مَحْفُوظٌ عَنْهُ وَرُبَّمَا رَفَعَهُ بَعْضُهُمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِأُصُولِ مَا يَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ مِنْ شُعُورٍ وَإِرَادَةٍ. وَذَلِكَ: أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ قُوَّةُ الشُّعُورِ وَالْإِحْسَاسِ وَالْإِدْرَاكِ وَقُوَّةُ الْإِرَادَةِ وَالْحَرَكَةِ وَإِحْدَاهُمَا أَصْلُ الثَّانِيَةِ مُسْتَلْزِمَةٌ لَهَا. وَالثَّانِيَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْأُولَى وَمُكَمِّلَةٌ لَهَا. فَهُوَ بِالْأُولَى يُصَدِّقُ بِالْحَقِّ وَيُكَذِّبُ بِالْبَاطِلِ وَبِالثَّانِيَةِ يُحِبُّ النَّافِعَ الْمُلَائِمَ لَهُ؛ وَيُبْغِضُ الضَّارَّ الْمُنَافِيَ لَهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ عِبَادَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فِيهَا مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالتَّصْدِيقُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ الْبَاطِلِ وَالتَّكْذِيبُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ النَّافِعِ الْمُلَائِمِ وَالْمَحَبَّةُ لَهُ وَمَعْرِفَةُ الضَّارِّ الْمُنَافِي وَالْبُغْضُ لَهُ بِالْفِطْرَةِ. فَمَا كَانَ حَقًّا مَوْجُودًا صَدَّقَتْ بِهِ الْفِطْرَةُ وَمَا كَانَ حَقًّا نَافِعًا عَرَفَتْهُ الْفِطْرَةُ فَأَحَبَّتْهُ وَاطْمَأَنَّتْ إلَيْهِ. وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَمَا كَانَ بَاطِلًا مَعْدُومًا كَذَّبَتْ بِهِ الْفِطْرَةُ فَأَبْغَضَتْهُ الْفِطْرَةُ فَأَنْكَرَتْهُ. قَالَ تَعَالَى: {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}. وَالْإِنْسَانُ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: " {أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ} " فَهُوَ دَائِمًا يَهُمُّ وَيَعْمَلُ لَكِنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا مَا يَرْجُو نَفْعَهُ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّتِهِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/223)
وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الرَّجَاءُ مَبْنِيًّا عَلَى اعْتِقَادٍ بَاطِلٍ إمَّا فِي نَفْسِ الْمَقْصُودِ: فَلَا يَكُونُ نَافِعًا وَلَا ضَارًّا وَإِمَّا فِي الْوَسِيلَةِ: فَلَا تَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهِ. وَهَذَا جَهْلٌ. وَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ يَضُرُّهُ وَيَفْعَلُهُ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ وَيَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ عَارَضَهُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ طَلَبِ لَذَّةٍ أُخْرَى أَوْ دَفْعِ أَلَمٍ آخَرَ جَاهِلًا ظَالِمًا حَيْثُ قَدَّمَ هَذَا عَلَى ذَاكَ. وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: " سَأَلْت أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}؟ فَقَالُوا. كُلُّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ وَكُلُّ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَقَدْ تَابَ مِنْ قَرِيبٍ ". وَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَتَحَرَّكُ إلَّا رَاجِيًا. وَإِنْ كَانَ رَاهِبًا خَائِفًا لَمْ يَسْعَ إلَّا فِي النَّجَاةِ وَلَمْ يَهْرُبْ إلَّا مِنْ الْخَوْفِ فَالرَّجَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا يُلْقَى فِي نَفْسِهِ مِنْ الْإِيعَادِ بِالْخَيْرِ الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْمَحْبُوبِ أَوْ فَوَاتُ الْمَكْرُوهِ فَكُلُّ بَنِي آدَمَ لَهُ اعْتِقَادٌ؛ فِيهِ تَصْدِيقٌ بِشَيْءِ وَتَكْذِيبٌ بِشَيْءِ وَلَهُ قَصْدٌ وَإِرَادَةٌ لِمَا يَرْجُوهُ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ مَحْبُوبٌ مُمْكِنُ الْوُصُولِ إلَيْهِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَحْبُوبِ عِنْدَهُ؛ أَوْ لِدَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ. وَاَللَّهُ خَلَقَ الْعَبْدَ يَقْصِدُ الْخَيْرَ فَيَرْجُوهُ بِعَمَلِهِ فَإِذَا كَذَّبَ بِالْحَقِّ فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهِ وَلَمْ يَرْجُ الْخَيْرَ فَيَقْصِدَهُ وَيَعْمَلَ لَهُ: كَانَ خَاسِرًا بِتَرْكِ تَصْدِيقِ الْحَقِّ وَطَلَبِ الْخَيْرِ فَكَيْفَ إذَا كَذَّبَ بِالْحَقِّ وَكَرِهَ إرَادَةَ الْخَيْرِ؟ فَكَيْفَ إذَا صَدَّقَ بِالْبَاطِلِ وَأَرَادَ الشَّرَّ؟ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ لِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ لَمَّةً مِنْ الْمَلَكِ وَلَمَّةً مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَمَّةُ الْمَلَكِ تَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ وَ لَمَّةُ الشَّيْطَانِ هُوَ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ إرَادَةِ الشَّرِّ وَظَنِّ وُجُودِهِ: إمَّا مَعَ رَجَائِهِ إنْ كَانَ مَعَ هَوَى نَفْسٍ وَإِمَّا مَعَ خَوْفِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مَحْبُوبٍ لَهَا. وَكُلٌّ مِنْ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْآخَرِ.
فَمَبْدَأُ الْعِلْمِ الْحَقِّ وَالْإِرَادَةِ الصَّالِحَةِ: مِنْ لَمَّةِ الْمَلَكِ. وَمَبْدَأُ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَالْإِرَادَةِ الْفَاسِدَةِ: مِنْ لَمَّةِ الشَّيْطَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أَيْ: يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ}. وَالشَّيْطَانُ وَسْوَاسٌ خَنَّاسٌ إذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خَنَسَ فَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ وَسْوَسَ فَلِهَذَا كَانَ تَرْكُ ذِكْرِ اللَّهِ سَبَبًا وَمَبْدَأً لِنُزُولِ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ وَالْإِرَادَةِ الْفَاسِدَةِ فِي الْقَلْبِ وَمِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى: تِلَاوَةُ كِتَابِهِ وَفَهْمُهُ وَمُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: " وَمُذَاكَرَتُهُ تَسْبِيحٌ ".
من علم الحق فأعرض عنه تبعاً لهواه فهل يورثه ذلك الجهل؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 10)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/224)
مَنْ أَعْرَضَ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُهُ تَبَعًا لِهَوَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُهُ الْجَهْلَ وَالضَّلَالَ حَتَّى يَعْمَى قَلْبُهُ عَنْ الْحَقِّ الْوَاضِحِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} وَهَذَا اسْتِفْهَامُ نَفْيٍ وَإِنْكَارٍ: أَيْ وَمَا يُدْرِيكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِنَّا نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
و ماذا في النفس من الدواعي؟
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 146)
دَاعِي الظُّلْمِ لِنَفْسِهَا بِتَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ الْقَبِيحَةِ كَالزِّنَا وَأَكْلِ الْخَبَائِثِ. فَهِيَ قَدْ تَظْلِمُ مَنْ لَا يَظْلِمُهَا؛ وَتُؤْثِرُ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْهَا؛ فَإِذَا رَأَتْ نُظَرَاءَهَا قَدْ ظَلَمُوا وَتَنَاوَلُوا هَذِهِ الشَّهَوَاتِ صَارَ دَاعِي هَذِهِ الشَّهَوَاتِ أَوْ الظُّلْمِ فِيهَا أَعْظَمَ بِكَثِيرِ وَقَدْ تَصْبِرُ؛ وَيَهِيجُ ذَلِكَ لَهَا مِنْ بُغْضِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَحَسَدِهِ وَطَلَبِ عِقَابِهِ وَزَوَالِ الْخَيْرِ عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَلَهَا حُجَّةٌ عِنْدَ نَفْسِهَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؛ يَكُونُ ذَلِكَ الْغَيْرُ قَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَالْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ؛ وَالْجِهَادُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ.
و غير ذلك من الدواعي؟
مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 83)
الشَّهْوَةَ وَالْغَضَبَ وَالشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ خُلِقَا لِمَصْلَحَةِ وَمَنْفَعَةٍ؛ لَكِنَّ الْمَذْمُومَ هُوَ الْعُدْوَانُ فِيهِمَا
كيف نستعمل دواعي النفس و قواها في طاعة الله؟
مجموع الفتاوى - (ج 15 / ص 435)
فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ صَادِرٌ عَنْ الْقُوَّةِ الْإِرَادِيَّةِ الحبية الشهوية وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ صَادِرٌ عَنْ الْقُوَّةِ الكَرَاهِيَّةِ الْبُغْضِيَّةِ الْغَضَبِيَّةِ النفرية وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ صَادِرٌ عَنْ الْمَحَبَّةِ وَالْإِرَادَةِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ صَادِرٌ عَنْ الْبُغْضِ وَالْكَرَاهَةِ كَذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي الْمَعْرُوفِ وَالتَّرْهِيبُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْحَضُّ عَلَى هَذَا وَالزَّجْرُ عَنْ هَذَا وَلِهَذَا لَا تَكُفُّ النُّفُوسُ عَنْ الظُّلْمِ إلَّا بِالْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ الدفعية وَبِذَلِكَ يَقُومُ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ فِي الْحُكْمِ وَالْقِسْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْإِحْسَانَ يَقُومُ بِالْقُوَّةِ الْجَذْبِيَّةِ الشهوية فَإِنَّ انْدِفَاعَ الْمَكْرُوهِ بِدُونِ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ عَدَمٌ؛ إذْ لَا مَحْبُوبَ وَلَا مَكْرُوهَ وَحُصُولُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وُجُودٌ فَاسِدٌ إذْ قَدْ حَصَلَا مَعًا وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ فِي التَّرْجِيحِ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ بَعْضَ النُّفُوسِ هَذَا وَيَخْتَارُ بَعْضَهَا هَذَا وَهَذَا عِنْدَ التَّكَافُؤِ وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ الْيَسِيرُ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْكَثِيرِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهِ الْوُجُودُ كَمَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ الْكَثِيرَ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْيَسِيرِ يَتَرَجَّحُ فِيهِ الْعَدَمُ. لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْتَضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَوْجُودًا؛ وَبِتَقْدِيرِ وَجُودِهِمَا يَحْصُلُ النَّصْرُ كَالرِّزْقِ مَعَ الْخَوْفِ صَارَ يَعْظُمُ فِي الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ. أَمَّا فِي الشَّرْعِ فَبِالتَّقْوَى فَإِنَّ اسْمَهَا فِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/225)
الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَظِيمٌ وَالْعَاقِبَةُ لِأَهْلِهَا وَالثَّوَابُ لَهُمْ. وَأَمَّا فِي الطَّبْعِ فَتَعْظِيمُ النُّفُوسِ لِمَنْ نَصْرُهُمْ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ أَهْلَ الرِّزْقِ مُعَظَّمُونَ لِأَهْلِ النَّصْرِ أَكْثَرُ مِنْ تَعْظِيمِ أَهْلِ النَّصْرِ لِأَهْلِ الرِّزْقِ وَذَاكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ النَّصْرَ بِلَا رِزْقٍ يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الْجَالِبَةَ لِلرِّزْقِ مَوْجُودَةٌ تَعْمَلُ عَمَلَهَا وَأَمَّا الرِّزْقُ بِلَا نَصْرٍ فَلَا يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ النَّاصِرَةَ تَابِعَةٌ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ: هُمَا مُتَقَابِلَانِ فَإِنَّ أَهْلَ النَّصْرِ يُحِبُّونَ أَهْلَ الرِّزْقِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ أَهْلُ الرِّزْقِ لِأَهْلِ النَّصْرِ فَإِنَّ الرِّزْقَ مَحْبُوبٌ وَالنَّصْرَ مُعَظَّمٌ.
وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الْإِحْسَانَ يَقُومُ بِالْقُوَّةِ الْجَذْبِيَّةِ الشهوية فَإِنَّ انْدِفَاعَ الْمَكْرُوهِ بِدُونِ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ عَدَمٌ؛ إذْ لَا مَحْبُوبَ وَلَا مَكْرُوهَ وَحُصُولُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وُجُودٌ فَاسِدٌ إذْ قَدْ حَصَلَا مَعًا وَهُمَا مُتَقَابِلَانِ فِي التَّرْجِيحِ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ بَعْضَ النُّفُوسِ هَذَا وَيَخْتَارُ بَعْضَهَا هَذَا وَهَذَا عِنْدَ التَّكَافُؤِ وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ الْيَسِيرُ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْكَثِيرِ فَيَتَرَجَّحُ فِيهِ الْوُجُودُ كَمَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ الْكَثِيرَ مَعَ الْمَحْبُوبِ الْيَسِيرِ يَتَرَجَّحُ فِيهِ الْعَدَمُ. لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُقْتَضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ الَّذِي هُوَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَوْجُودًا؛ وَبِتَقْدِيرِ وَجُودِهِمَا يَحْصُلُ النَّصْرُ كَالرِّزْقِ مَعَ الْخَوْفِ صَارَ يَعْظُمُ فِي الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ دَفْعُ الْمَكْرُوهِ. أَمَّا فِي الشَّرْعِ فَبِالتَّقْوَى فَإِنَّ اسْمَهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَظِيمٌ وَالْعَاقِبَةُ لِأَهْلِهَا وَالثَّوَابُ لَهُمْ. وَأَمَّا فِي الطَّبْعِ فَتَعْظِيمُ النُّفُوسِ لِمَنْ نَصْرُهُمْ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ أَهْلَ الرِّزْقِ مُعَظَّمُونَ لِأَهْلِ النَّصْرِ أَكْثَرُ مِنْ تَعْظِيمِ أَهْلِ النَّصْرِ لِأَهْلِ الرِّزْقِ وَذَاكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِأَنَّ النَّصْرَ بِلَا رِزْقٍ يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الْجَالِبَةَ لِلرِّزْقِ مَوْجُودَةٌ تَعْمَلُ عَمَلَهَا وَأَمَّا الرِّزْقُ بِلَا نَصْرٍ فَلَا يَنْفَعُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ النَّاصِرَةَ تَابِعَةٌ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَقَدْ يُقَالُ: هُمَا مُتَقَابِلَانِ فَإِنَّ أَهْلَ النَّصْرِ يُحِبُّونَ أَهْلَ الرِّزْقِ أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ أَهْلُ الرِّزْقِ لِأَهْلِ النَّصْرِ فَإِنَّ الرِّزْقَ مَحْبُوبٌ وَالنَّصْرَ مُعَظَّمٌ.
يَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَلَمْ عَظُمَتْ التَّقْوَى؟ فَيُقَالُ: إنَّهَا هِيَ تَحْفَظُ الْفِطْرَةَ وَتَمْنَعُ فَسَادَهَا وَاحْتَاجَ الْعَبْدُ إلَى رِعَايَتِهَا لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ الْفِطْرِيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى مُحَرِّكٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَعْظَمُ مَا دَعَتْ إلَيْهِ الرُّسُلُ الْإِخْلَاصَ وَالنَّهْيَ عَنْ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْفِطْرِيَّ حَاصِلٌ لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إخْلَاصِهِ وَدَفْعِ الشِّرْكِ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ حَاجَةُ النَّاسِ إلَى السِّيَاسَةِ الدَّافِعَةِ لِظُلْمِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَالْجَالِبَةِ لِمَنْفَعَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا كَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ الزَّكَاةَ النَّافِعَةَ وَحَرَّمَ الرِّبَا الضَّارَّ وَأَصْلُ الدِّينِ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ: الَّذِي أَصْلُهُ الْحُبُّ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ وَهُوَ الْفِطْرَةُ الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا النَّاسَ. وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الدِّينِ: انْحَرَفَ فِيهَا فَرِيقٌ مِنْ مُنْحَرِفَةِ الموسوية مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين حَتَّى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/226)
أَنْكَرُوهَا وَزَعَمُوا أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَيْسَتْ إلَّا إرَادَةُ عِبَادَتِهِ ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ تَارِكُونَ لِلْعَمَلِ بِمَا أُمِرُوا بِهِ فَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهَذَا فَاشٍ فِيهِمْ وَهُوَ عَدَمُ الْمَحَبَّةِ وَالْعَمَلِ وَفَرِيقٌ مِنْ مُنْحَرِفَةِ العيسوية مِنْ الصُّوفِيَّةِ والمتعبدين خَلَطُوهَا بِمَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ وَأَنْكَرُوا الْبُغْضَ وَالْكَرَاهِيَةَ فَلَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا وَلَمْ يُكَرِّهُوهُ أَوْ قَصَّرُوا فِي الْكَرَاهَةِ وَالْإِنْكَارِ وَأَدْخَلُوا فِيهَا الصُّوَرَ وَالْأَصْوَاتَ وَمَحَبَّةَ الْأَنْدَادِ. وَلِهَذَا كَانَ لِغُوَاةِ الْأَوَّلِينَ وَصْفُ الْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ النَّاشِئُ عَنْ الْبُغْضِ لِأَنَّ فِيهِمْ الْبُغْضَ دُونَ الْحُبِّ وَكَانَ لِضَلَالِ الْآخَرِينَ وَصْفُ الضَّلَالِ وَالْغُلُوِّ لِأَنَّ فِيهِمْ مُحِبَّةً لِغَيْرِ مَعْبُودٍ صَحِيحٍ فَفِيهِمْ طَلَبٌ وَإِرَادَةٌ وَمَحَبَّةٌ وَلَكِنْ لَا إلَى مَطْلُوبٍ صَحِيحٍ وَلَا مُرَادٍ صَحِيحٍ وَلَا مَحْبُوبٍ صَحِيحٍ بَلْ قَدْ خَلَطُوا وَغَلَوْا وَأَشْرَكُوهُ فَفِيهِمْ مَحَبَّةُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ وُجُودُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ كَمَا فِي الْآخَرِينَ بُغْضُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ دَفْعُ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَهْدِينَا صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ. فَيُحْمَدُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَحَبَّةُ الْحَقِّ وَالِاعْتِرَافُ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ بُغْضُ الْبَاطِلِ وَإِنْكَارُهُ.
لما كانت النفوس فيها شر و الشياطين تزينه لها فهل هناك أثر لخلطة النفوس و الشياطين و إجتماعها؟
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 149)
وَهَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا تَعْظُمُ بِهَا الْمِحْنَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى شَيْئَيْنِ: إلَى دَفْعِ الْفِتْنَةِ الَّتِي اُبْتُلِيَ بِهَا نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ فِتْنَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا عَنْ نُفُوسِهِمْ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لَهَا: فَإِنَّ مَعَهُمْ نُفُوسًا وَشَيَاطِينَ كَمَا مَعَ غَيْرِهِمْ فَمَعَ وُجُودِ ذَلِكَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ يَقْوَى الْمُقْتَضِي عِنْدَهُمْ؛ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ؛ فَيَقْوَى الدَّاعِي الَّذِي فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَشَيْطَانُهُ؛ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الدَّاعِي بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَالنَّظِيرِ. فَكَمْ مِمَّنْ لَمْ يَرِدْ خَيْرًا وَلَا شَرًّا حَتَّى رَأَى غَيْرَهُ - لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ نَظِيرُهُ -يَفْعَلُهُ فَفَعَلَهُ فَإِنَّ النَّاسَ كَأَسْرَابِ الْقَطَا؛ مَجْبُولُونَ عَلَى تَشَبُّهِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ. وَلِهَذَا كَانَ الْمُبْتَدِئُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ: لَهُ مِثْلُ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا؛ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا} وَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ. وَأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ نَظِيرِهِ. وَشَبَهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ. فَإِذَا كَانَ هَذَانِ دَاعِيَيْنِ قَوِيَّيْنِ: فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِمَا دَاعِيَانِ آخَرَانِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمُنْكَرِ يُحِبُّونَ مَنْ يُوَافِقُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ؛ وَيُبْغِضُونَ مَنْ لَا يُوَافِقُهُمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الدِّيَانَاتِ الْفَاسِدَةِ مِنْ مُوَالَاةِ كُلِّ قَوْمٍ لِمُوَافَقِيهِمْ؛ وَمُعَادَاتِهِمْ لِمُخَالِفِيهِمْ. وَكَذَلِكَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ كَثِيرًا مَا يَخْتَارُونَ وَيُؤْثِرُونَ مَنْ يُشَارِكُهُمْ: إمَّا لِلْمُعَاوَنَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ كَمَا فِي الْمُتَغَلِّبِينَ مِنْ أَهْلِ الرِّيَاسَاتِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِمْ. وَإِمَّا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/227)
بِالْمُوَافَقَةِ؛ كَمَا فِي الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّهُمْ يَخْتَارُونَ أَنْ يَشْرَبَ كُلُّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُمْ وَإِمَّا لِكَرَاهَتِهِمْ امْتِيَازَهُ عَنْهُمْ بِالْخَيْرِ: إمَّا حَسَدًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَعْلُوَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَيُحْمَدُ دُونَهُمْ. وَإِمَّا لِئَلَّا يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ. وَإِمَّا لِخَوْفِهِمْ مِنْ مُعَاقَبَتِهِ لَهُمْ بِنَفْسِهِ؛ أَوْ بِمَنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ؛ وَلِئَلَّا يَكُونُوا تَحْت مِنَّتِهِ وَخَطَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَدَّتْ الزَّانِيَةُ لَوْ زَنَى النِّسَاءُ كُلُّهُنَّ. وَالْمُشَارِكَةُ قَدْ يَخْتَارُونَهَا فِي نَفْسِ الْفُجُورِ كَالِاشْتِرَاكِ فِي الشُّرْبِ وَالْكَذِبِ وَالِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ وَقَدْ يَخْتَارُونَهَا فِي النَّوْعِ؛ كَالزَّانِي الَّذِي يَوَدُّ أَنَّ غَيْرَهُ يَزْنِي؛ وَالسَّارِقُ الَّذِي يَوَدُّ أَنَّ غَيْرَهُ يَسْرِقُ أَيْضًا؛ لَكِنْ فِي غَيْرِ الْعَيْنِ الَّتِي زَنَى بِهَا أَوْ سَرَقَهَا. وَأَمَّا الدَّاعِي الثَّانِي فَقَدْ يَأْمُرُونَ الشَّخْصَ بِمُشَارَكَتِهِمْ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُنْكَرِ. فَإِنْ شَارَكَهُمْ وَإِلَّا عَادُوهُ وَآذَوْهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْتَهِي إلَى حَدِّ الْإِكْرَاهِ؛ أَوَّلًا يَنْتَهِي إلَى حَدِّ الْإِكْرَاهِ ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَخْتَارُونَ مُشَارَكَةَ الْغَيْرِ لَهُمْ فِي قَبِيحِ فِعْلِهِمْ أَوْ يَأْمُرُونَهُ بِذَلِكَ وَيَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ: مَتَى شَارَكَهُمْ وَعَاوَنَهُمْ وَأَطَاعَهُمْ انْتَقَصُوهُ وَاسْتَخَفُّوا بِهِ. وَجَعَلُوا ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ فِي أُمُورٍ أُخْرَى. وَإِنْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ عَادَوْهُ وَآذَوْهُ. وَهَذِهِ حَالُ غَالِبِ الظَّالِمِينَ الْقَادِرِينَ. وَهَذَا الْمَوْجُودُ فِي الْمُنْكَرِ نَظِيرُهُ فِي الْمَعْرُوفِ وَأَبْلَغُ مِنْهُ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} فَإِنَّ دَاعِيَ الْخَيْرِ أَقْوَى؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ دَاعٍ يَدْعُوهُ إلَى الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ؛ وَالصِّدْقِ وَالْعَدْلِ؛ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَإِذَا وُجِدَ مَنْ يَعْمَلُ مِثْلَ ذَلِكَ صَارَ لَهُ دَاعٍ آخَرُ؛ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ نَظِيرُهُ؛ لَا سِيَّمَا مَعَ الْمُنَافَسَةِ وَهَذَا مَحْمُودٌ حَسَنٌ. فَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُ عَلَى ذَلِكَ وَمُشَارَكَتَهُ لَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالصَّالِحِينَ؛ وَيُبْغِضُهُ إذَا لَمْ يَفْعَلْ: صَارَ لَهُ دَاعٍ ثَالِثٌ؛ فَإِذَا أَمَرُوهُ بِذَلِكَ وَوَالَوْهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَادَوْهُ وَعَاقَبُوهُ عَلَى تَرْكِهِ صَارَ لَهُ دَاعٍ رَابِعٌ. وَلِهَذَا يُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُقَابِلُوا السَّيِّئَاتِ بِضِدِّهَا مِنْ الْحَسَنَاتِ؛ كَمَا يُقَابِلُ الطَّبِيبُ الْمَرَضَ بِضِدِّهِ. فَيُؤْمَرُ الْمُؤْمِنُ بِأَنْ يُصْلِحَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ: بِفِعْلِ الْحَسَنَاتِ. وَتَرْكِ السَّيِّئَاتِ مَعَ وُجُودِ مَا يَنْفِي الْحَسَنَاتِ وَيَقْتَضِي السَّيِّئَاتِ. وَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ. وَيُؤْمَرُ أَيْضًا بِإِصْلَاحِ غَيْرِهِ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبِعَةِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ وَإِمْكَانِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَالْعَصْرِ} {إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي سُورَةِ (وَالْعَصْرِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/228)
لَكَفَتْهُمْ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ خَاسِرُونَ إلَّا مَنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُؤْمِنًا صَالِحًا؛ وَمَعَ غَيْرِهِ مُوصِيًا بِالْحَقِّ مُوصِيًا بِالصَّبْرِ. وَإِذَا عَظُمَتْ الْمِحْنَةُ كَانَ ذَلِكَ لِلْمُؤْمِنِ الصَّالِحِ سَبَبًا لِعُلُوِّ الدَّرَجَةِ وَعَظِيمِ الْأَجْرِ؛ كَمَا {سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ الْأَنْبِيَاءُ: ثُمَّ الصَّالِحُونَ؛ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ؛ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ. وَلَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ} وَحِينَئِذٍ فَيَحْتَاجُ مِنْ الصَّبْرِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ غَيْرُهُ: وَذَلِكَ هُوَ سَبَبُ الْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. فَلَا بُدَّ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَرْكِ السَّيِّئِ الْمَحْظُورِ؛ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الصَّبْرُ عَلَى فِعْلِ الْأَذَى وَعَلَى مَا يُقَالُ؛ وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَكَارِهِ؛ وَالصَّبْرُ عَنْ الْبَطَرِ عِنْدَ النِّعَمِ: وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ. وَلَا يُمْكِنُ الْعَبْدُ أَنْ يَصْبِرَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَطْمَئِنُّ بِهِ وَيَتَنَعَّمُ بِهِ وَيُغْتَذَى بِهِ وَهُوَ الْيَقِينُ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ؛ وَالْعَافِيَةَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ فَسَلُوهُمَا اللَّهُ}. وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ يُحْسِنُ أَوْ أَحَبَّ مُوَافَقَتَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ أَوْ نَهَى غَيْرَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ فَيَحْتَاجُ أَنْ يُحْسِنَ إلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ إحْسَانًا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ؛ مِنْ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ وَانْدِفَاعِ الْمَكْرُوهِ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ لَا تَصْبِرُ عَلَى الْمُرِّ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْحُلْوِ؛ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ؛ حَتَّى جَعَلَ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ نَصِيبًا فِي الصَّدَقَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْبِرَ وَأَنْ يَرْحَمَ وَهَذَا هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ.
مسألة: ما هي أخلاق النفوس و صفاتها و ما الذي يمدح و يذم منها؟
مجموع الفتاوى - (ج 28 / ص 154)
النُّفُوسَ لَا تَصْبِرُ عَلَى الْمُرِّ إلَّا بِنَوْعِ مِنْ الْحُلْوِ؛ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ؛ حَتَّى جَعَلَ لِلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ نَصِيبًا فِي الصَّدَقَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْبِرَ وَأَنْ يَرْحَمَ وَهَذَا هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالْكَرَمُ. وَلِهَذَا يُقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ تَارَةً؛ وَهِيَ الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّبْرِ تَارَةً. وَلَا بُدَّ مِنْ الثَّلَاثَةِ: الصَّلَاةِ؛ وَالزَّكَاةِ؛ وَالصَّبْرِ. لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ الْمُؤْمِنِينَ إلَّا بِذَلِكَ؛ فِي صَلَاحِ نُفُوسِهِمْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/229)
وَإِصْلَاحِ غَيْرِهِمْ؛ لَا سِيَّمَا كُلَّمَا قَوِيَتْ الْفِتْنَةُ وَالْمِحْنَةُ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَكُونُ أَشَدَّ؛ فَالْحَاجَةُ إلَى السَّمَاحَةِ وَالصَّبْرِ عَامَّةً لِجَمِيعِ بَنِي آدَمَ لَا تَقُومُ مَصْلَحَةُ دِينِهِمْ وَلَا دُنْيَاهُمْ إلَّا بِهِ. وَلِهَذَا جَمِيعُهُمْ يَتَمَادَحُونَ بِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ حَتَّى إنَّ ذَلِكَ عَامَّةُ مَا يَمْدَحُ بِهِ الشُّعَرَاءُ فِي شِعْرِهِمْ. وَكَذَلِكَ يَتَذَامُّونَ بِالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ. وَالْقَضَايَا الَّتِي يَتَّفِقُ عَلَيْهَا بَنُو آدَمَ لَا تَكُونُ إلَّا حَقًّا؛ كَاتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَدْحِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ؛ وَذَمِّ الْكَذِبِ وَالظُّلْمِ. وَقَدْ قَالَ {النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَأَلَهُ الْأَعْرَابُ؛ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إلَى سَمُرَةٍ فَتَعَلَّقَتْ بِرِدَائِهِ؛ فَالْتَفَتَ إلَيْهِمْ وَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ عِنْدِي عَدَدَ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْته عَلَيْكُمْ؛ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا جَبَانًا وَلَا كَذُوبًا}. لَكِنْ يَتَنَوَّعُ ذَلِكَ بِتَنَوُّعِ الْمَقَاصِدِ وَالصِّفَاتِ؛ فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. وَلِهَذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِذَمِّ الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ؛ وَمَدْحِ الشَّجَاعَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي سَبِيلِهِ دُونَ مَا لَيْسَ فِي سَبِيلِهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {شَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ}. وَقَالَ: {مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ؟ فَقَالُوا الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنَّا نَزِنُهُ بِالْبُخْلِ فَقَالَ: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ؟} وَفِي رِوَايَةٍ: {إنَّ السَّيِّدَ لَا يَكُونُ بَخِيلًا بَلْ سَيِّدُكُمْ الْأَبْيَضُ الْجَعْدُ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ}. وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي فَقَالَ تَقُولُ: وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ؟ فَجَعَلَ الْبُخْلَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمْرَاضِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: {قَالَ عُمَرُ: قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَغَيْرُ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُمْ فَقَالَ: إنَّهُمْ خَيَّرُونِي بَيْنَ أَنْ يَسْأَلُونِي بِالْفُحْشِ وَبَيْنَ أَنْ يبخلوني وَلَسْت بِبَاخِلِ يَقُولُ: إنَّهُمْ يَسْأَلُونِي مَسْأَلَةً لَا تَصْلُحُ فَإِنْ أَعْطَيْتهمْ وَإِلَّا قَالُوا: هُوَ بَخِيلٌ فَقَدْ خَيَّرُونِي بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُكْرِهِينَ لَا يَتْرُكُونِي مِنْ أَحَدِهِمَا: الْفَاحِشَةُ وَالتَّبْخِيلُ. وَالتَّبْخِيلُ أَشَدُّ؛ فَأَدْفَعُ الْأَشَدَّ بِإِعْطَائِهِمْ}. وَالْبُخْلُ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعُ: كَبَائِرَ؛ وَغَيْرُ كَبَائِرَ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. وَقَالَ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}. وَقَالَ: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}. وَقَالَ: {وَمَنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/230)
يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}. وَقَالَ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}. وَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} الْآيَةَ. وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِيتَاءِ وَالْإِعْطَاءِ وَذَمِّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ: كُلُّهُ ذَمٌّ لِلْبُخْلِ وَكَذَلِكَ ذَمُّهُ لِلْجُبْنِ كَثِيرٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. وَقَوْلُهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}. وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}. وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}. وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْحَضِّ عَلَى الْجِهَادِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ وَذَمِّ النَّاكِلِينَ عَنْهُ وَالتَّارِكِينَ لَهُ: كُلُّهُ ذَمٌّ لِلْجُبْنِ. وَلَمَّا كَانَ صَلَاحُ بَنِي آدَمَ لَا يَتِمُّ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إلَّا بِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ: بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَنْ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ أَبْدَلَ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ؛ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ} {إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. وَقَالَ تَعَالَى: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.
وَبِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَضَّلَ السَّابِقِينَ فَقَالَ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}. وَقَدْ ذَكَرَ الْجِهَادَ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ فِي سَبِيلِهِ؛ وَمَدَحَهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ؛ وَذَلِكَ هُوَ الشَّجَاعَةُ وَالسَّمَاحَةُ فِي طَاعَتِهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/231)
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. وَالشَّجَاعَةُ لَيْسَتْ هِيَ قُوَّةُ الْبَدَنِ وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ قَوِيَّ الْبَدَنِ ضَعِيفَ الْقَلْبِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ قُوَّةُ الْقَلْبِ وَثَبَاتُهُ. فَإِنَّ الْقِتَالَ مَدَارُهُ عَلَى قُوَّةِ الْبَدَنِ وَصَنْعَتِهِ لِلْقِتَالِ؛ وَعَلَى قُوَّةِ الْقَلْبِ وَخِبْرَتِهِ بِهِ. وَالْمَحْمُودُ مِنْهُمَا مَا كَانَ بِعِلْمِ وَمَعْرِفَةٍ؛ دُونَ التَّهَوُّرِ الَّذِي لَا يُفَكِّرُ صَاحِبُهُ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَحْمُودِ وَالْمَذْمُومِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ. حَتَّى يَفْعَلَ مَا يَصْلُحُ. فَأَمَّا الْمَغْلُوبُ حِينَ غَضَبِهِ فَلَيْسَ بِشُجَاعِ وَلَا شَدِيدٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جِمَاعَ ذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ. وَالصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ وَصَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ. كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جُرْعَةً أَعْظَمَ مِنْ جُرْعَةِ حِلْمٍ عِنْدَ الْغَضَبِ؛ وَجُرْعَةِ صَبْرٍ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ. وَهَذَا هُوَ الشُّجَاعُ الشَّدِيدُ الَّذِي يَصْبِرُ عَلَى الْمُؤْلِمِ. وَالْمُؤْلِمُ إنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثَارَ الْغَضَبَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ أَثَارَ الْحُزْنَ؛ وَلِهَذَا يَحْمَرُّ الْوَجْهُ عِنْدَ الْغَضَبِ لِثَوَرَانِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْقُدْرَةِ وَيَصْفَرُّ عِنْدَ الْحُزْنِ لِغَوْرِ الدَّمِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِ الْعَجْزِ؛ وَلِهَذَا جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: الرَّقُوبُ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِالرَّقُوبِ؛ وَلَكِنَّ الرَّقُوبَ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ: مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قُلْنَا: الَّذِي لَا تَصْرَعُهُ الرِّجَالُ فَقَالَ: لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّ الصُّرَعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ} فَذَكَرَ مَا يَتَضَمَّنُ الصَّبْرَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَالصَّبْرَ عِنْدَ الْغَضَبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُصِيبَةِ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} {الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} الْآيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى فِي الْغَضَبِ: {وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}. وَهَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ صَبْرِ الْمُصِيبَةِ وَصَبْرِ الْغَضَبِ نَظِيرُ الْجَمْعِ بَيْنَ صَبْرِ النِّعْمَةِ وَصَبْرِ الْمُصِيبَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} {إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}. وَقَالَ: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}. وَبِهَذَا وَصَفَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ مَنْ وَصَفَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرِينَ حَيْثُ قَالَ:
لَا يَفْرَحُونَ إذَا نَالَتْ سُيُوفُهُمْ * * * قَوْمًا وَلَيْسُوا مجازيعا إذَا نِيلُوا
وَكَذَلِكَ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي صِفَةِ الْأَنْصَارِ:
لَا فَخْرَ إنْ هُمْ أَصَابُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ * * * وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خَوْرَ وَلَا هَلَعَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/232)
وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ؛ وَيَغْلِبُ فَلَا يَضْجَرُ. وَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُو النَّاسَ عِنْدَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ إلَى تَعَدِّي الْحُدُودِ بِقُلُوبِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ: {نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَمَّا قِيلَ لَهُ: وَقَدْ بَكَى لَمَّا رَأَى إبْرَاهِيمَ فِي النَّزْعِ أَتَبْكِي؟ أَوَلَمْ تَنْهَ عَنْ الْبُكَاءِ؟ فَقَالَ: إنَّمَا نَهَيْت عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٌ عِنْدَ نَغْمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرَ شَيْطَانٍ. وَصَوْتٌ عِنْدَ مُصِيبَةِ لَطْمِ خُدُودٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَدُعَاءٍ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ} فَجَمَعَ بَيْنَ الصَّوْتَيْنِ.
وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْمَصَائِبِ فَمِثْلُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ}. وَقَالَ: {أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْحَالِقَةِ وَالصَّالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ}. وَقَالَ: {مَا كَانَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ الْيَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنْ الشَّيْطَانِ}. وَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ عَلَى دَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا حُزْنِ الْقَلْبِ؛ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ - وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ وَقَالَ: مَنْ يُنَحْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ}. وَاشْتَرَطَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْبَيْعَةِ أَنْ لَا يَنُحْنَ وَقَالَ: {إنَّ النَّائِحَةَ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا فَإِنَّهَا تَلْبَسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دِرْعًا مَنْ جَرَبٍ وَسِرْبَالًا مِنْ قَطِرَانٍ}. وَقَالَ فِي الْغَلَبَةِ وَالْمَصَائِبِ وَالْفَرَحِ: {إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ؛ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ}. وَقَالَ: {إنَّ أَعَفَّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ}. وَقَالَ: {لَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا}. إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ بِهِ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْعَدْلِ وَتَرْكِ الْعُدْوَانِ؛ اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. وَنَهَى عَنْ لِبَاسِ الْحَرِيرِ وَتَخَتُّمِ الذَّهَبِ؛ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ وَإِطَالَةِ الثِّيَابِ؛ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ فِي النِّعَمِ وَذَمِّ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَجَعَلَ فِيهِمْ الْخَسْفَ وَالْمَسْخَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}. وَقَالَ عَنْ قَارُونَ: {إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}. وَهَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ مَعَ الصَّبْرِ عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الشَّهْوَةِ هِيَ جَوَامِعُ هَذَا الْبَابِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ وَيَشْتَهِيهِ: وَبَيْنَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ فَهُوَ يَطْلُبُ الْأَوَّلَ بِمَحَبَّتِهِ وَشَهْوَتِهِ وَيَدْفَعُ الثَّانِيَ بِبُغْضِهِ وَنُفْرَتِهِ. وَإِذَا حَصَلَ الْأَوَّلُ أَوْ انْدَفَعَ الثَّانِي أَوْجَبَ لَهُ فَرَحًا وَسُرُورًا وَإِنْ حَصَلَ الثَّانِي أَوْ انْدَفَعَ الْأَوَّلُ حَصَلَ لَهُ حُزْنٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ عِنْدَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ عُدْوَانِهِمَا؛ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَالنُّفْرَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/233)
عُدْوَانِهِمَا؛ وَعِنْدَ الْفَرَحِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ عُدْوَانِهِ؛ وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ الْجَزَعِ مِنْهَا فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ الْفَاجِرَيْنِ: الصَّوْتُ الَّذِي يُوجِبُ الِاعْتِدَاءَ فِي الْفَرَحِ حَتَّى يَصِيرَ الْإِنْسَانُ فَرِحًا فَخُورًا؛ وَالصَّوْتُ الَّذِي يُوجِبُ الْجَزَعَ. وَأَمَّا الصَّوْتُ الَّذِي يُثِيرُ الْغَضَبَ لِلَّهِ: كَالْأَصْوَاتِ الَّتِي تُقَالُ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْأَشْعَارِ الْمُنْشَدَةِ: فَتِلْكَ لَمْ تَكُنْ بِآلَاتِ وَكَذَلِكَ أَصْوَاتُ الشَّهْوَةِ فِي الْفَرَحِ؛ فَرَخَّصَ مِنْهَا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الضَّرْبِ بِالدُّفِّ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَفْرَاحِ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. وَعَامَّةِ الْأَشْعَارِ الَّتِي تُنْشَدُ بِالْأَصْوَاتِ لِتَحْرِيكِ النُّفُوسِ هِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبِعَةِ وَهِيَ التَّشْبِيبُ؛ وَأَشْعَارُ الْغَضَبِ وَالْحَمِيَّةِ؛ وَهِيَ الْحَمَاسَةُ وَالْهِجَاءُ. وَأَشْعَارُ الْمَصَائِبِ كَالْمَرَاثِي وَأَشْعَارِ النِّعَمِ وَالْفَرَحِ وَهِيَ الْمَدَائِحُ. وَالشُّعَرَاءُ جَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنْ يَمْشُوا مَعَ الطَّبْعِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} وَلِهَذَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَتْبَعُهُمْ الْغَاوُونَ وَالْغَاوِي: هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ هَوَاهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ وَهَذَا هُوَ الْغَيُّ؛ وَهُوَ خِلَافُ الرُّشْدِ. كَمَا أَنَّ الضَّالَّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مَصْلَحَتَهُ هُوَ خِلَافُ الْمُهْتَدِي قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي}. فَلِهَذَا تَجِدُهُمْ يَمْدَحُونَ جِنْسَ الشُّجَاعَةِ وَجِنْسَ السَّمَاحَةِ؛ إذْ كَانَ عَدَمُ هَذَيْنِ مَذْمُومًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا وُجُودُهُمَا فَبِهِ تَحْصُلُ مَقَاصِدُ النُّفُوسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لَكِنَّ الْعَاقِبَةَ فِي ذَلِكَ لِلْمُتَّقِينَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَّقِينَ فَلَهُمْ عَاجِلَةٌ لَا عَاقِبَةٌ وَالْعَاقِبَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْآخِرَةِ فَتَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ قِصَّةَ نُوحٍ وَنَجَاتَهُ بِالسَّفِينَةِ: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إلَى قَوْلِهِ: {فَاصْبِرْ إنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}. وَقَالَ:
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. وَالْفُرْقَانُ: أَنْ يَحْمَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا حَمِدَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَمْدُهُ زَيْنٌ وَذَمُّهُ شَيْنٌ؛ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَرَاءِ وَالْخُطَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ الْقَائِلُ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَذَمِّي شَيْنٌ قَالَ لَهُ: " ذَاكَ اللَّهُ ". وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ حَمِدَ الشَّجَاعَةَ وَالسَّمَاحَةَ فِي سَبِيلِهِ؛ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ {أَبِي مُوسَى قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً؛ وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً؛ وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/234)
الْمَقْصُودُ الَّذِي خُلِقَ الْخَلْقُ لَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} فَكُلُّ مَا كَانَ لِأَجْلِ الْغَايَةِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا الْخَلْقُ كَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى لِصَاحِبِهِ وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَاتُ. وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: مَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ؛ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْجَنَّةِ. وَمَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ بِشَجَاعَةِ وَسَمَاحَةٍ؛ فَهَذَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ. وَمَنْ يَعْمَلْ لِلَّهِ لَكِنْ لَا بِشَجَاعَةِ وَلَا سَمَاحَةٍ؛ فَهَذَا فِيهِ مِنْ النِّفَاقِ وَنَقْصِ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ. وَمَنْ لَا يَعْمَلْ لِلَّهِ وَلَيْسَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَلَا سَمَاحَةٌ؛ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٌ. فَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ وَالْأَفْعَالُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُؤْمِنُ عُمُومًا وَخُصُوصًا فِي أَوْقَاتِ الْمِحَنِ وَالْفِتَنِ الشَّدِيدَةِ؛ فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى صَلَاحِ نُفُوسِهِمْ وَدَفْعِ الذُّنُوبِ عَنْ نُفُوسِهِمْ عِنْدَ الْمُقْتَضِي لِلْفِتْنَةِ عِنْدَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ أَيْضًا إلَى أَمْرِ غَيْرِهِمْ وَنَهْيِهِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِمْ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ مِنْ الصُّعُوبَةِ مَا فِيهِ؛ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَمَرَهُمْ بِدَعْوَةِ النَّاسِ وَجِهَادِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} {الَّذِينَ إنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}. وَكَمَا قَالَ: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} وَكَمَا قَالَ: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. وَكَمَا قَالَ: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
مسألة: ما هي آثار أخلاق النفس على البدن؟
مجموع الفتاوى - (ج 5 / ص 570)
الْغَضَبُ - وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: إنَّهُ غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ فَهُوَ - صِفَةٌ تَقُومُ بِنَفْسِ الْغَضْبَانِ غَيْرُ غَلَيَانِ دَمِ الْقَلْبِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَثَرُهُ؛ فَإِنَّ حَرَارَةَ الْغَضَبِ تُسَخِّنُ الدَّمَ حَتَّى يَغْلِيَ. فَإِنَّ مَبْدَأَ الْغَضَبِ مِنْ النَّفْسِ هِيَ الَّتِي تَتَّصِفُ بِهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي ذَلِكَ إلَى الْجِسْمِ وَكَذَلِكَ الْحُزْنُ وَالْفَرَحُ وَسَائِرُ الْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ. وَالْحُزْنُ يُوجِبُ دُخُولَ الدَّمِ؛ وَلِهَذَا يَصْفَرُّ لَوْنُ الْحَزِينِ وَهُوَ مِنْ الْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ؛ لَكِنَّ الْحَزِينَ يَسْتَشْعِرُ الْعَجْزَ عَنْ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ الَّذِي أَصَابَهُ وَيَيْأَسُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَيَغُورُ دَمُهُ وَالْغَضْبَانُ يَسْتَشْعِرُ قُدْرَتَهُ عَلَى الدَّفْعِ أَوْ الْمُعَاقَبَةِ؛ فَيَنْبَسِطُ دَمُهُ. وَالْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي تُوصَفُ بِهَا النَّفْسُ لَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لِمَا يُوصَفُ بِهِ الْجِسْمُ قَالَ تَعَالَى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وَالِاطْمِئْنَانُ هُوَ السُّكُونُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اطْمَأَنَّ الرَّجُلُ اطْمِئْنَانًا وَطُمَأْنِينَةً: أَيْ سَكَنَ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} {ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} وَكَذَلِكَ لِلْقُلُوبِ سَكِينَةٌ تُنَاسِبُهَا. قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/235)
لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ}. وَكَذَلِكَ " الرَّيْبُ " حَرَكَةُ النَّفْسِ لِلشَّكِّ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِظَبْيٍ حَاقِفٍ فَقَالَ لَا يُرِيبُهُ أَحَدٌ} وَيُقَالُ: رَابَنِي مِنْهُ رَيْبٌ و {دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك} وَقَالَ: {الْكَذِبُ رِيبَةٌ وَالصِّدْقُ طُمَأْنِينَةٌ} فَجَعَلَ الطُّمَأْنِينَةَ ضِدَّ الرِّيبَةِ وَكَذَلِكَ الْيَقِينُ ضِدُّ الرَّيْبِ.
مسألة: هل تتألم النفس و تتلذ؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 325)
سَوَاءٌ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ أَوْ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ أَوْ قِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الْآلَامِ الَّتِي تَلْحَقُ النَّفْسَ بِسَبَبِ فِعْلِ مَا يَضُرُّهَا؛ فَإِذَا اسْتَشْعَرَ الْقَلْبُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا يَضُرُّهُ حَصَلَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ كَانَ مِنْ السَّيِّئَاتِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ، وَكَرَاهِيَةٌ لِمَا كَانَ فَعَلَهُ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْإِرَادَاتِ؛ وَحَصَلَ لَهُ أَذًى وَغَمٌّ لِمَا كَانَ فَعَلَهُ؛ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْآلَامِ كَالْغُمُومِ وَالْأَحْزَانِ كَمَا أَنَّ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ هُوَ مِنْ بَابِ اللَّذَّاتِ لَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ. وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ: إنَّ اللَّذَّةَ هِيَ إدْرَاكُ الْمُلَائِمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُلَائِمٌ، وَأَنَّ الْأَلَمَ هُوَ إدْرَاكُ الْمُنَافِرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُنَافِرٌ، فَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللَّذَّةَ وَالْأَلَمَ حَالَانِ يَتَعَقَّبَانِ إدْرَاكَ الْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ، فَإِنَّ الْحُبَّ لِمَا يُلَائِمُهُ كَالطَّعَامِ الْمُشْتَهَى مَثَلًا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: (أَحَدُهَا) الْحُبُّ كَالشَّهْوَةِ لِلطَّعَامِ.
وَالثَّانِي: إدْرَاكُ الْمَحْبُوبِ كَأَكْلِ الطَّعَامِ.
وَالثَّالِثُ: اللَّذَّةُ الْحَاصِلَةُ بِذَلِكَ وَاللَّذَّةُ أَمْرٌ مُغَايِرٌ لِلشَّهْوَةِ وَلِذَوْقِ الْمُشْتَهِي؛ بَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِذَوْقِ الْمُشْتَهِي؛ لَيْسَتْ نَفْسَ ذَوْقِ الْمُشْتَهِي. وَكَذَلِكَ " الْمَكْرُوهُ " كَالضَّرْبِ مَثَلًا. فَإِنَّ كَرَاهَتَهُ شَيْءٌ وَحُصُولَهُ شَيْءٌ آخَرُ وَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ بِهِ ثَالِثٌ.
مسألة: كيف تطمئن القلوب؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 249)
وَقَالَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ -::
{كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَطَرَ الْقُلُوبَ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي مَحْبُوبَاتِهَا وَمُرَادَاتِهَا مَا تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَتَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا اللَّهُ؛ وَإِلَّا فَكُلَّمَا أَحَبَّهُ الْمُحِبُّ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ قَلْبَهُ يَطْلُبُ سِوَاهُ وَيُحِبُّ أَمْرًا غَيْرَهُ يتألهه وَيَصْمُدُ إلَيْهِ وَيَطْمَئِنُّ إلَيْهِ وَيَرَى مَا يُشْبِهُهُ مِنْ أَجْنَاسِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
مسألة: بم تسعد النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 8 / ص 206)
سَعَادَتَهَا أَنْ تَحْيَا الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ فَتَعْبُدَ اللَّهَ، وَمَتَى لَمْ تَحْيَا هَذِهِ الْحَيَاةَ كَانَتْ مَيِّتَةً، وَكَانَ مَا لَهَا مِنْ الْحَيَاةِ الطَّبِيعِيَّةِ مُوجِبًا لِعَذَابِهَا، فَلَا هِيَ حَيَّةٌ مُتَنَعِّمَةٌ بِالْحَيَاةِ، وَلَا مَيِّتَةٌ مُسْتَرِيحَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ لَمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ بِحَيِّ الْحَيَاةَ النَّافِعَةَ وَلَا مَيِّتًا عَدِيمَ الْإِحْسَاسِ، كَانَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ، وَالنَّفْسُ إنْ عَلِمَتْ الْحَقَّ وَأَرَادَتْهُ فَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَهِيَ بِطَبْعِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ مَعْبُودٍ غَيْرِ اللَّهِ؛ وَمُرَادَاتٍ سَيِّئَةٍ؛ فَهَذَا تَرَكَّبَ مِنْ كَوْنِهَا لَمْ تَعْرِفْ اللَّهَ وَلَمْ تَعْبُدْهُ وَهَذَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/236)
عَدَمٌ. وَالْقَدَرِيَّةُ يَعْتَرِفُونَ بِهَذَا، وَبِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُرِيدًا، لَكِنْ يَجْعَلُونَهُ مُرِيدًا بِالْقُوَّةِ وَالْقَبُولِ، أَيْ قَابِلًا لِأَنْ يُرِيدَ هَذَا وَهَذَا، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُرِيدًا لِهَذَا الْمُعَيَّنِ وَهَذَا الْمُعَيَّنِ، فَهَذَا عِنْدَهُمْ لَيْسَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ، وَغَلِطُوا بَلْ اللَّهُ خَالِقُ هَذَا كُلِّهِ، وَهُوَ الَّذِي أَلْهَمَ النَّفْسَ فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا} إلَخْ " وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ إبْرَاهِيمَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ أَئِمَّةً يَدْعُونَ بِأَمْرِهِ، وَجَعَلَ آلَ فِرْعَوْنَ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إلَى النَّارِ
مسألة: هل الذكاء و الفطنة و الزهد و الأخلاق تكفي لسعادة النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 58)
لَا يَكْفِي فِي السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَيَتَّخِذُوهُ إلَهًا دُونَ مَا سِوَاهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ: " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " فَكَيْفَ وَهُمْ فِي الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ مُعَطِّلُونَ جَاحِدُونَ لَا مُوَحِّدُونَ وَلَا مُخْلِصُونَ فَإِذَا كَانَ مَا تَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ وَالنَّجَاةُ مِنْ الشَّقَاوَةِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ أَصْلًا كَانَ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ مِنْ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَالسِّيَاسَاتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. وَالْقَوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَكَاءٌ وَفِطْنَةٌ وَفِيهِمْ زُهْدٌ وَأَخْلَاقٌ فَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُوجِبُ السَّعَادَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ إلَّا بِالْأُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنَّمَا قُوَّةُ الذَّكَاءِ بِمَنْزِلَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَالْإِرَادَةِ فَاَلَّذِي يُؤْتَى فَضَائِلَ عِلْمِيَّةٍ وَإِرَادِيَّةٍ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُؤْتَى قُوَّةً فِي جِسْمِهِ وَبَدَنِهِ بِدُونِ هَذِهِ الْأُصُولِ وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيُؤْمِنُ بِرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. وَلَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمُلْكِ وَالْعِلْمِ قَدْ يُعَارِضُونَ الرُّسُلَ، وَقَدْ يُتَابِعُونَهُمْ ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَذَكَرَ فِرْعَوْنَ؛ وَاَلَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ؛ وَالْمَلَأَ مِنْ قَوْمٍ نُوحٍ وَعَادٍ وَغَيْرَهُمْ وَذَكَرَ قَوْلَ عُلَمَائِهِمْ كَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} وَقَالَ: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} إلَى قَوْلِهِ: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} إلَى قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} الْآيَةَ. وَالسُّلْطَانُ: هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: " حم غَافِرُ " مِنْ حَالِ مُخَالِفِي الرُّسُلِ مِنْ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَمُجَادَلَتِهِمْ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إنْ فِي صُدُورِهِمْ إلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} وَمِثْلَ قَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ} إلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ}. وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَعَامَّةِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ؛
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/237)
فَإِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ هَؤُلَاءِ وَضَرْبِ الْمَقَايِيسِ وَالْأَمْثَالِ لَهُمْ وَذِكْرِ قَصَصِهِمْ وَقَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ مَعَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ - سُبْحَانَهُ -: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً}. . الْآيَةَ. فَأَخْبَرَ بِمَا مُكِّنُوا فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَأَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا حَيْثُ جَحَدُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَالرِّسَالَةِ؛ وَلِهَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ الشَّيْخِ الْفَقِيه الْخُضَرِيّ (*) عَنْ وَالِدِهِ شَيْخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَنِهِ قَالَ: كَانَ فُقَهَاءُ بخارى يَقُولُونَ فِي ابْنِ سِينَا: {كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ وَالْقُوَّةُ تَعُمُّ قُوَّةَ الْإِدْرَاكِ النَّظَرِيَّةِ وَقُوَّةَ الْحَرَكَةِ الْعَمَلِيَّةِ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً} فَأَخْبَرَ بِفَضْلِهِمْ فِي الْكُمِّ وَالْكَيْفِ وَأَنَّهُمْ أَشَدَّ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي آثَارِهِمْ فِي الْأَرْضِ.
مسألة: بم تكمل النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 94)
تَفَرَّقَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ - الَّذِي هُوَ غَايَةُ مَطَالِبِ الْعِبَادِ - فَطَائِفَةٌ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَنَحْوِهِمْ: يَظُنُّونَ أَنَّ كَمَالَ النَّفْسِ فِي مُجَرَّدِ الْعِلْمِ وَيَجْعَلُونَ الْعِلْمَ - الَّذِي بِهِ تَكْمُلُ مَا يَعْرِفُونَهُ هُمْ مِنْ - عِلْمِ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ وَيَجْعَلُونَ الْعِبَادَاتِ رِيَاضَةً لِأَخْلَاقِ النَّفْسِ حَتَّى تَسْتَعِدَّ لِلْعِلْمِ. فَتَصِيرُ النَّفْسُ عَالَمًا مُعْتَزِلًا مُوَازِيًا لِلْعَالَمِ الْمَوْجُودِ. وَهَؤُلَاءِ ضَالُّونَ؛ بَلْ كَافِرُونَ مِنْ وُجُوهٍ: - مِنْهَا: أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا الْكَمَالَ مِنْ مُجَرَّدِ الْعِلْمِ كَمَا اعْتَقَدَ جَهْمٌ والصالحي وَالْأَشْعَرِيُّ - فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلَيْهِ - وَأَكْثَرُ أَتْبَاعِهِ: أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ؛ لَكِنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْجَهْمِيَّة؛ فَإِنَّ الْجَهْمِيَّة يَجْعَلُونَ الْإِيمَانَ هُوَ الْعِلْمُ بِاَللَّهِ وَأُولَئِكَ يَجْعَلُونَ كَمَالَ النَّفْسِ: فِي أَنْ تَعْلَمَ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ وَالْمُطْلَقُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ؛ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ وَالْمُطْلَقُ لَا بِشَرْطِ لَا يُوجَدُ أَيْضًا فِي الْخَارِجِ إلَّا مُعَيَّنًا. وَإِنْ عَلِمُوا الْوُجُودَ الْكُلِّيَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى وَاجِبٍ وَمُمْكِنٍ فَلَيْسَ لِمَعْلُومِ عِلْمِهِمْ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَهَكَذَا مَنْ تَصَوَّفَ وَتَأَلَّهَ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَابْنِ سَبْعِينَ وَنَحْوِهِمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْجَهْمِيَّة يُقِرُّونَ بِالرُّسُلِ وَبِمَا جَاءُوا بِهِ فَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ؛ بِخِلَافِ الْمُتَفَلْسِفَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَكَمَالُ النَّفْسِ لَيْسَ فِي مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ فَهَذَا عَمَلُ النَّفْسِ وَإِرَادَتُهَا وَدَالُّ عِلْمِهَا وَمَعْرِفَتِهَا. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْعِلْمَ الَّذِي تَكْمُلُ بِهِ النَّفْسُ هُوَ عِلْمُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُ جَهْلٌ لَا عِلْمٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الْعِلْمَ الْإِلَهِيَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَهُوَ الْعِلْمُ الْأَعْلَى؛ الَّذِي تَكْمُلُ بِهِ النَّفْسُ مَعَ الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ. الرَّابِعُ: أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ لَهُمْ ذَاكَ الْعِلْمُ: سَقَطَتْ عَنْهُمْ وَاجِبَاتُ الشَّرْعِ وَأُبِيحَتْ لَهُمْ مُحَرَّمَاتُهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَاطِنِيَّةِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/238)
مِنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَغَيْرِهِمْ؛ مِثْلُ أَبِي يَعْقُوبَ السجستاني صَاحِبِ الْأَقَالِيدِ الملكوتية وَأَتْبَاعِهِ وَطَرِيقَةُ مَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ مَلَاحِدَةِ الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَهُ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} أَنَّك تَعْمَلُ حَتَّى يَحْصُلَ لَك الْعِلْمُ فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ سَقَطَ عَنْك الْعَمَلُ وَقَدْ قِيلَ للجنيد إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ طَرِيقِ الْبِرِّ إلَى أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُمْ الْفَرَائِضُ وَتُبَاحَ لَهُمْ الْمَحَارِمُ - أَوْ نَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ - فَقَالَ: الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ: خَيْرٌ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَكُونُ طَلَبُهُ لِلْمُكَاشَفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعِلْمِ: أَعْظَمَ مِنْ طَلَبِهِ لِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ أَسْأَلُك الْعِصْمَةَ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَالْخُطُوَاتِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْكَلِمَاتِ؛ مِنْ الشُّكُوكِ؛ وَالظُّنُونِ؛ وَالْإِرَادَةِ؛ وَالْأَوْهَامِ السَّاتِرَةِ لِلْقُلُوبِ عَنْ مُطَالَعَةِ الْغُيُوبِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْمُكْنَةَ الَّتِي هِيَ الْكَمَالُ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُكْنَةِ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى: عِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَمَالَ فِي الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْوُجُودِ: نَفَاذُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ إمَّا بِالْمُلْكِ وَالْوِلَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِمَّا بِالْبَاطِنِ. وَتَكُونُ عِبَادَتُهُمْ وَمُجَاهَدَتُهُمْ - لِذَلِكَ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَدْخُلُ فِي الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ فَيَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ؛ لِتُعِينَهُ الشَّيَاطِينُ عَلَى مَقَاصِدِهِ وَهَؤُلَاءِ أَضَلُّ وَأَجْهَلُ مِنْ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ وَغَايَةُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ: يَطْلُبُ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ يَكُونُ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا؛ وَلِهَذَا كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُرَى طَائِرًا وَمِنْهُمْ يُرَى مَاشِيًا وَمِنْهُمْ.
وَفِيهِمْ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ. وَطَائِفَةٌ تَجْعَلُ الْكَمَالَ فِي مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ فَيَدْخُلُونَ فِي أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ مِنْ الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ لِيَسْتَعِينُوا بِالشَّيَاطِينِ عَلَى مَا يَطْلُبُونَهُ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَعَلَى مَا يَنْفُذُ بِهِ تَصَرُّفُهُمْ فِي الْعَالَمِ. وَالْحَقُّ الْمُبِينُ: أَنَّ كَمَالَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ عِلْمًا وَعَمَلًا كَمَا أَمَرَهُ رَبُّهُ وَهَؤُلَاءِ هُمْ عِبَادُ اللَّهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُسْلِمُونَ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ وَحِزْبُ اللَّهِ الْمُفْلِحُونَ وَجُنْدُ اللَّهِ الْغَالِبُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَهُمْ الَّذِينَ زَكُّوا نُفُوسَهُمْ وَكَمَّلُوهَا كَمَّلُوا الْقُوَّةَ النَّظَرِيَّةَ الْعِلْمِيَّةَ وَالْقُوَّةَ الْإِرَادِيَّةَ الْعَمَلِيَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى} {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وَقَالَ تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
مسألة هل النفس تزكو و ترتاض بالغناء؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 571)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/239)
كَانَ الْفَارَابِيُّ قَدْ حَذَقَ فِي حُرُوفِ الْيُونَانِ الَّتِي هِيَ تَعَالِيمُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشَّائِينَ وَفِي أَصْوَاتِهِمْ صِنَاعَةُ الْغِنَاءِ فَفِي هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ وَيَجْعَلُهُ مِمَّا تَزْكُو بِهِ النُّفُوسُ وَتَرْتَاضُ بِهِ وَتُهَذَّبُ بِهِ الْأَخْلَاقُ.
وَأَمَّا " الْحُنَفَاءُ " أَهْلُ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ إمَامًا وَأَهْلُ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا غَيْرَهُ الْمُتَّبِعُونَ لِشَرِيعَةِ خَاتَمِ الرُّسُلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَرْغَبُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَدْعُو إلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ وَالْهُدَى وَالسَّعْدِ وَالرَّشَادِ وَالنُّورِ وَالْفَلَّاحِ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ وَالْيَقِينِ وَالْإِخْلَاصِ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالْخَشْيَةِ لَهُ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ. وَلَكِنْ قَدْ حَضَرَهُ أَقْوَامٌ مِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ وَمِمَّنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَحَبَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيكِ لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا غَائِلَتَهُ وَلَا عَرَفُوا مَغَبَّتَهُ كَمَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ الْمُخَالِفِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ حَقٌّ مُوَافِقٌ وَلَمْ يَعْلَمُوا غَائِلَتَهُ وَلَا عَرَفُوا مَغَبَّتَهُ فَإِنَّ الْقِيَامَ بِحَقَائِقِ الدِّينِ عِلْمًا وَحَالًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا وَمَعْرِفَةً وَذَوْقًا وَخِبْرَةً لَا يَسْتَقِلُّ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ الْجَامِعَ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. قَالَ {عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطًّا وَخَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ وَهَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}} فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ السَّابِقِينَ رِضًا مُطْلَقًا وَرَضِيَ عَمَّنْ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قَلْبَهُ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بَعْدَ قَلْبِهِ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْهُ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ قُلُوبًا وَأَعْمَقُهَا عِلْمًا وَأَقَلُّهَا تَكَلُّفًا قَوْمٌ اخْتَارَهُمْ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فَاعْرِفُوا لَهُمْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/240)
حَقَّهُمْ وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ. وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِحَقَائِقِ الدِّينِ وَأَحْوَالِ الْقُلُوبِ وَمَعَارِفهَا وَأَذْوَاقِهَا وَمَوَاجِيدِهَا عَرَفَ أَنَّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ لَا يَجْلِبُ لِلْقُلُوبِ مَنْفَعَةً وَلَا مَصْلَحَةً إلَّا وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ وَالْمَفْسَدَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَهُوَ لِلرُّوحِ كَالْخَمْرِ لِلْجَسَدِ يَفْعَلُ فِي النُّفُوسِ فِعْلَ حُمَّيَا الْكُؤُوسِ. وَلِهَذَا يُوَرِّثُ أَصْحَابَهُ سُكْرًا أَعْظَمَ مِنْ سُكْرِ الْخَمْرِ فَيَجِدُونَ لَذَّةً بِلَا تَمْيِيزٍ كَمَا يَجِدُ شَارِبُ الْخَمْرِ؛ بَلْ يَحْصُلُ لَهُمْ أَكْثَرُ وَأَكْبَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لِشَارِبِ الْخَمْرِ وَيَصُدُّهُمْ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ أَعْظَمَ مِمَّا يَصُدُّهُمْ الْخَمْرُ وَيُوقِعُ بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ أَعْظَمَ مِنْ الْخَمْرِ حَتَّى يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ بِيَدِ بَلْ بِمَا يَقْتَرِنُ بِهِمْ مِنْ الشَّيَاطِينِ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ بِحَيْثُ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الشَّيَاطِينُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَيَتَكَلَّمُونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ: إمَّا بِكَلَامٍ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْأَعَاجِمِ الَّذِينَ لَا يُفْقَهُ كَلَامُهُمْ كَلِسَانِ التُّرْكِ أَوْ الْفُرْسِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَيَكُونُ الْإِنْسَانُ الَّذِي لَبِسَهُ الشَّيْطَانُ عَرَبِيًّا لَا يُحْسِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ مَنْ تَكُونُ تِلْكَ الشَّيَاطِينُ مِنْ إخْوَانِهِمْ. وَإِمَّا بِكَلَامٍ لَا يُعْقَلُ وَلَا يُفْهَمُ لَهُ مَعْنًى وَهَذَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمُكَاشَفَةِ " شُهُودًا وَعِيَانًا ". وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ مَعَ خُرُوجِهِمْ عَنْ الشَّرِيعَةِ هُمْ مِنْ هَذَا النَّمَطِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تُلَابِسُ أَحَدَهُمْ بِحَيْثُ يَسْقُطُ إحْسَاسُ بَدَنِهِ حَتَّى إنَّ الْمَصْرُوعَ يُضْرَبُ ضَرْبًا عَظِيمًا وَهُوَ لَا يُحِسُّ بِذَلِكَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي جِلْدِهِ فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ تَلْبِسُهُمْ الشَّيَاطِينُ وَتَدْخُلُ بِهِمْ النَّارَ وَقَدْ تَطَيَّرَ بِهِمْ فِي الْهَوَاءِ وَإِنَّمَا يَلْبَسُ أَحَدُهُمْ الشَّيْطَانَ مَعَ تَغَيُّبِ عَقْلِهِ كَمَا يَلْبَسُ الشَّيْطَانُ الْمَصْرُوعَ. وَبِأَرْضِ الْهِنْدِ وَالْمَغْرِبِ ضَرْبٌ مِنْ الزُّطِّ يُقَالُ لِأَحَدِهِمْ: الْمُصْلَى فَإِنَّهُ يَصْلَى النَّارَ كَمَا يَصْلَى هَؤُلَاءِ وَتَلْبَسُهُ وَيُدْخِلُهَا وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَيَقِفُ عَلَى رَأْسِ الزَّجِّ وَيَفْعَلُ أَشْيَاءَ أَبْلَغَ مِمَّا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ وَهُمْ مِنْ الزُّطِّ الَّذِينَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَالْجِنُّ تَخْطَفُ كَثِيرًا مِنْ الْإِنْسِ وَتُغَيِّبُهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ وَتَطِيرُ بِهِمْ فِي الْهَوَاءِ وَقَدْ بَاشَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ هَذَا هَؤُلَاءِ الْمُتَوَلِّهُونَ وَالْمُنْتَسِبُونَ إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ إذَا حَصَلَ لَهُ وَجْدٌ سَمَاعِيٌّ وَعِنْدَ سَمَاعِ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ مِنْهُمْ مَنْ يَصْعَدُ فِي الْهَوَاءِ وَيَقِفُ عَلَى زَجِّ الرُّمْحِ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَيَأْخُذُ الْحَدِيدَ الْمُحْمَى بِالنَّارِ ثُمَّ يَضَعُهُ عَلَى بَدَنِهِ. وَأَنْوَاعٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَلَا تَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَلَا عِنْدَ الذِّكْرِ وَلَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبَادَاتٌ شَرْعِيَّةٌ إيمَانِيَّةٌ إسْلَامِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ تَطْرُدُ الشَّيَاطِينَ وَتِلْكَ عِبَادَاتٌ بِدْعِيَّةٌ شَرِكِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ فَلْسَفِيَّةٌ تَسْتَجْلِبُ الشَّيَاطِينَ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/241)
مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا غَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السِّكِّينَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ} " وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {أَنَّ أسيد بْنَ حضير لَمَّا قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ تَنَزَّلَتْ الْمَلَائِكَةُ لِسَمَاعِهَا كَالظُّلَّةِ فِيهَا السُّرُجُ.} وَلِهَذَا كَانَ الْمُكَاءُ وَالتَّصْدِيَةُ يَدْعُو إلَى الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَيَصُدُّ عَنْ حَقِيقَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ كَمَا يَفْعَلُ الْخَمْرُ وَالسَّلَفُ يُسَمُّونَهُ تَغْبِيرًا؛ لِأَنَّ التَّغْبِيرَ هُوَ الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ عَلَى جِلْدٍ مِنْ الْجُلُودِ وَهُوَ مَا يُغَبِّرُ صَوْتَ الْإِنْسَانِ عَلَى التَّلْحِينِ فَقَدْ يُضَمُّ إلَى صَوْتِ الْإِنْسَانِ. إمَّا التَّصْفِيقُ بِأَحَدِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَإِمَّا الضَّرْبُ بِقَضِيبٍ عَلَى فَخِذٍ وَجِلْدٍ وَإِمَّا الضَّرْبُ بِالْيَدِ عَلَى أُخْتِهَا أَوْ غَيْرِهَا عَلَى دُفٍّ أَوْ طَبْلٍ كَنَاقُوسِ النَّصَارَى وَالنَّفْخِ فِي صَفَّارَةٍ كَبُوقِ الْيَهُودِ. فَمَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْمَلَاهِي عَلَى وَجْهِ الدِّيَانَةِ وَالتَّقَرُّبِ فَلَا رَيْبَ فِي ضَلَالَتِهِ وَجَهَالَتِهِ. وَأَمَّا إذَا فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ وَالتَّلَعُّبِ فَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ: أَنَّ آلَاتِ اللَّهْوِ كُلَّهَا حَرَامٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْحَرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ يُمْسَخُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ}. و " الْمَعَازِفُ " هِيَ الْمَلَاهِي كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ. جَمْعُ مِعْزَفَةٍ وَهِيَ الْآلَةُ الَّتِي يُعْزَفُ بِهَا: أَيْ يُصَوَّتُ بِهَا. وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ فِي آلَاتِ اللَّهْوِ نِزَاعًا. إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَ فِي الْيَرَاعِ وَجْهَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوْتَارِ وَنَحْوِهَا؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا نِزَاعًا. وَأَمَّا الْعِرَاقِيُّونَ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِهِ وَأَتْبَعُ لَهُ فَلَمْ يَذْكُرُوا نِزَاعًا لَا فِي هَذَا وَلَا فِي هَذَا بَلْ صَنَّفَ أَفْضَلُهُمْ فِي وَقْتِهِ أَبُو الطَّيِّبِ الطبري شَيْخُ أَبِي إسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا مَعْرُوفًا. وَلَكِنْ تَكَلَّمُوا فِي الْغَنَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ آلَاتِ اللَّهْوِ: هَلْ هُوَ حَرَامٌ؟ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ أَوْ مُبَاحٌ؟ وَذَكَرَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ وَذَكَرُوا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا. وَذَكَرَ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الساجي - وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَائِلِينَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ إلَّا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي وَأَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِي وَغَيْرُهُمَا: عَنْ مَالِكٌ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ فَغَلِطَ. وَإِنَّمَا وَقَعَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ يَحْضُرُ السَّمَاعَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ أَئِمَّتِهِمْ وَفُقَهَائِهِمْ؛ بَلْ قَالَ إسْحَاقُ بْنُ عِيسَى الطِّبَاعُ: سَأَلْت مَالِكًا عَمَّا يَتَرَخَّصُ فِيهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ الْغِنَاءِ فَقَالَ: إنَّمَا يَفْعَلُهُ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ وَهَذَا مَعْرُوفٌ فِي كُتَّابِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَائِفَةٍ فِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/242)
الْمَشْرِقِ لَا عِلْمَ لَهَا بِمَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ ذَكَرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ ضَرَبَ بِعُودِ فَقَدْ افْتَرَى عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ فِيمَا جَمَعَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِي وَمُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ المقدسي فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٌ وَآثَارٌ يَظُنُّ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِالْعِلْمِ وَأَحْوَالِ السَّلَفِ أَنَّهَا صِدْقٌ.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 594)
فَلَمَّا كَانَ هَذَا السَّمَاعُ لَا يُعْطِي بِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمَعَارِفِ بَلْ قَدْ يَصُدُّ عَنْ ذَلِكَ وَيُعْطِي مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَلَا أَعْيَانُ مَشَايِخهَا. وَمِنْ نُكَتِهِ أَنَّ الصَّوْتَ يُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ بِحُسْنِهِ: فَتَارَةً يَفْرَحُ وَتَارَةً يَحْزَنُ وَتَارَةً يَغْضَبُ وَتَارَةً يَرْضَى وَإِذَا قَوِيَ أَسْكَرَ الرُّوحَ فَتَصِيرُ فِي لَذَّةٍ مُطْرِبَةٍ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ. كَمَا يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ إذَا سَكِرَتْ بِالرَّقْصِ وَلِلْجَسَدِ أَيْضًا إذَا سَكِرَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ السُّكْرَ هُوَ الطَّرَبُ الَّذِي يُؤَثِّرُ لَذَّةً بِلَا عَقْلٍ فَلَا تَقُومُ مَنْفَعَتُهُ بِتِلْكَ اللَّذَّةِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْبَةِ الْعَقْلِ الَّتِي صَدَّتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَأَوْقَعَتْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ.
مسألة: ما هي مكاشفات و مشاهدات القلب و سماعه ومخاطباته و محادثاته؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 636)
قَدْ كَتَبْت فِيمَا تَقَدَّمَ: الْكَلَامَ فِي " الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ " وَأَنَّهَا عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ " فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. وَكَذَلِكَ " السَّمَاعُ وَالْمُخَاطَبَاتُ وَالْمُحَادَثَاتُ " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ. فَإِنَّ " السَّامِعَ " إمَّا أَنْ يَسْمَعَ نَفْسَ الصَّوْتِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ الصَّوْتِيُّ أَوْ غَيْرُ كَلَامِهِ. كَمَا تَرَى عَيْنُهُ وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَ صَدَى الصَّوْتِ وَرَجْعَهُ كَمَا يَرَى تِمْثَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ فَهَذِهِ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَسَمَاعٌ مُقَيَّدٌ كَمَا يُقَالُ: رَأَيْته فِي الْمِرْآةِ لَكِنَّ السَّمْعَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَإِمَّا أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ: يَعْنِي كَلَامَهُ فِي أَصْوَاتٍ مَسْمُوعَةٍ كَمَا يَتَمَثَّلُ لَهُ فِي صُورَةٍ فَيَرَاهَا. مِثْلُ أَنْ يَنْقُرَ بِيَدِهِ نَقَرَاتٍ أَوْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ أَوْتَارًا أَوْ يُظْهِرَ أَصْوَاتًا مُنْفَصِلَةً عَنْهُ يُبَيِّنُ فِيهَا مَقْصُودَهُ.
وَكَذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ: إمَّا أَنْ يَسْمَعَ فِي الْمَنَامِ أَوْ فِي الْيَقَظَةِ نَفْسَ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ. مِثْلُ الْمَلَائِكَةِ مَثَلًا كَمَا يَرَى بِقَلْبِهِ عَيْنَ مَا يُكْشَفُ لَهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ. وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَ مِثَالَ كَلَامِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَرَى مِثَالَهُ فِي نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي يَكُونُ تَعْبِيرُهَا عَيْنَ مَا رُئِيَ وَإِمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ لَهُ الْمَعَانِي فِي صُورَةِ كَلَامٍ مَسْمُوعٍ يَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ. كَمَا تَتَمَثَّلُ لَهُ الْأَعْيَانُ فِي صُورَةِ أَشْخَاصٍ مَرْئِيَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ. وَهَذَا غَالِبُ مَا يُرَى وَيُسْمَعُ فِي الْمَنَامِ. فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ. فَهَذَا هَذَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
فِي الْكَوْنِ يَقَظَةً وَمَنَامًا: لَمَّا كَانَتْ الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/243)
أَحَدُهُمَا: رُؤْيَةُ الْعَيْنِ الشَّيْءَ بِلَا وَاسِطَةٍ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ الْمُطْلَقَةُ. مِثْلُ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} " وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ هَلْ الرُّؤْيَةُ انْطِبَاعُ الْمَرْئِيِّ فِي الْعَيْنِ أَوْ لِانْعِكَاسِ شُعَاعِ الْبَصَرِ أَوْ لَا لِوَاحِدِ مِنْهُمَا. عَلَى أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ.
وَالثَّانِي: رُؤْيَةُ الْمِثَالِ؛ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ فِي مَاءٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَهِيَ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ حَلَفَ لَا رَأَيْت زَيْدًا؛ فَرَأَى صُورَتَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا فِي الرُّؤْيَةِ. كَسَمَاعِ الصَّدَى فِي السَّمْعِ فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَرَى مَا يَمُرُّ وَرَاءَهُ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ الَّتِي تُوَاجِهُهُ فَتَنْجَلِي لَهُ فِيهَا حَقَائِقُ مَا وَرَاءَهُ فَمِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَدْ يَرَى بَيَانَ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ تَتَمَثَّلُ لَهُ الْحَقِيقَةُ بِمِثَالِ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ. كَمَا تَمَثَّلَ جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَهَكَذَا الْقَلْبُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبْصِرَ فَإِنَّ بَصَرَهُ هُوَ الْبَصَرُ وَعَمَاهُ هُوَ الْعَمَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. فَتَارَةً يَرَى الشَّيْءَ نَفْسَهُ إذَا كُشِفَ لَهُ عَنْهُ وَتَارَةً يَرَاهُ مُتَمَثِّلًا فِي قَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مِرْآتُهُ وَالْقَلْبُ هُوَ الرَّائِي أَيْضًا. وَهَذَا يَكُونُ يَقَظَةً وَيَكُونُ مَنَامًا كَالرَّجُلِ يَرَى الشَّيْءَ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ يَكُونُ إيَّاهُ فِي الْيَقَظَةِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ. وَلِلْقَلْبِ " حَالٌ ثَالِثَةٌ " كَمَا لِلْعَيْنِ نَظَرٌ فِي الْمَنَامِ: وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ لِغَالِبِ الْخَلْقِ. أَنْ يَرَى الرُّؤْيَا مَثَلًا مَضْرُوبًا لِلْحَقِيقَةِ لَا يَضْبُطُ رُؤْيَةَ الْحَقِيقَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِوَاسِطَةِ مِرْآةِ قَلْبِهِ. وَلَكِنْ يَرَى مَا لَهُ تَعْبِيرٌ فَيَعْتَبِرُ بِهِ وَ " عِبَارَةُ الرُّؤْيَا " هُوَ الْعُبُورُ مِنْ الشَّيْءِ إلَى مِثَالِهِ وَنَظِيرِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُقَايَسَةِ وَالِاعْتِبَارِ؛ فَإِنَّ إدْرَاكَ الشَّيْءِ بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ الَّذِي أَلِفَهُ الْإِنْسَانُ وَاعْتَادَهُ أَيْسَرُ مِنْ إدْرَاكِ شَيْءٍ عَلَى الْبَدِيهَةِ مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ مَعْرُوفٍ. ثُمَّ الْمَرْئِيُّ فِي هَذَا الْوَجْهِ: فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ وَفِي الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ وَنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَثَلًا لِلْحَقِيقَةِ وَوَاسِطَةً لَهَا. وَالْمَرْئِيُّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا مَرْئِيٌّ فِي الْقَلْبِ وَمِنْ الْعَامَّةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ مَنْ يَزْعُمُ: أَنَّ مَا يَسْمَعُهُ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ الْكَلَامِ وَيَرَوْنَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إنَّمَا وُجُودُهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَذَلِكَ مَبْلَغُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ غَايَةُ مَا وَجَدُوهُ وَرَأَوْهُ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ فَظَنُّوا أَنْ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ غَايَةٌ. وَقَدْ يُعَارِضُهُمْ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَا يُسْمَعُ وَيُرَى لَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ بَلْ جَمِيعُهُ مِنْ الْخَارِجِ. وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ؛ بَلْ مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ: مِثْلُ مَا يَرَاهُ وَيَسْمَعُهُ فِي الْمَنَامِ إمَّا مِثَالًا لَا تَعْبِيرَ لَهُ أَوْ لَهُ تَعْبِيرٌ. وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ: مِثْلُ رُؤْيَةِ مَرْيَمَ لِلرَّسُولِ إذْ تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا وَرُؤْيَةِ الصَّحَابَةِ لِجِبْرِيلَ فِي صُورَةِ الْأَعْرَابِيِّ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رُؤْيَةَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/244)
الْحَقَائِقِ بِالْعَيْنِ تُطَابِقُ لِرُؤْيَاهَا بِالْقَلْبِ كُلٌّ مِنْهُمَا " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " إدْرَاكُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ بِعَيْنِهِ وَإِدْرَاكُهُ بِوَاسِطَةِ تَمَثُّلِهِ فِي مِرْآةٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ وَإِدْرَاكُهُ مُتَمَثِّلًا فِي غَيْرِ صُورَتِهِ إمَّا بَاطِنًا فِي الْقَلْبِ وَإِمَّا ظَاهِرًا فِي الْعَيْنِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. فَالْقِيَاسُ فِي الْحِسِّيَّاتِ كَالْقِيَاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَهَذَا الَّذِي كَتَبْته فِي الْمُكَاشَفَاتِ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْمُخَاطَبَاتِ فَإِنَّ الْبَصَرَ وَالسَّمْعَ يُظْهِرَانِ مَا يَتْلُوهُ.
مسألة ما أنواع الرؤيا التي يراها الإنسان في منامه؟
مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 522)
{الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: رُؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي النَّوْمِ} وَقَدْ قِيلَ: إنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ سِيرِين لَكِنَّ تَقْسِيمَ الرُّؤْيَا إلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ مِنْ اللَّهِ وَنَوْعٌ مِنْ الشَّيْطَانِ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا رَيْبٍ. فَهَذَانِ النَّوْعَانِ: مِنْ وَسْوَاسِ النَّفْسِ وَمِنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ وَكِلَاهُمَا مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَإِنَّ النَّائِمَ قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ وَوَسْوَاسُ الشَّيْطَانِ يَغْشَى الْقَلْبَ كَطَيْفِ الْخَيَالِ فَيُنْسِيهِ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْمَى عَنْ الْحَقِّ فَيَقَعُ فِي الْبَاطِلِ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْمُتَّقِينَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَسَّهُمْ بِطَيْفٍ مِنْهُ يَغْشَى الْقَلْبَ وَقَدْ يَكُونُ لَطِيفًا وَقَدْ يَكُونُ كَثِيفًا إلَّا أَنَّهُ غِشَاوَةٌ عَلَى الْقَلْبِ تَمْنَعُهُ إبْصَارُ الْحَقِّ.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَذْنَبَ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ. فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ زَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ فَذَلِكَ الران الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}}. لَكِنَّ طَيْفَ الشَّيْطَانِ غَيْرُ رَيْنِ الذُّنُوبِ هَذَا جَزَاءٌ عَلَى الذَّنَبِ وَالْغَيْنِ أَلْطَفُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّهُ ليغان عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً} فَالشَّيْطَانُ يُلْقِي فِي النَّفْسِ الشَّرَّ وَالْمَلَكُ يُلْقِي الْخَيْرَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَقَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ. قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَإِيَّايَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرِ} أَيْ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ. وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَة يَرْوِيه فَأَسْلَمَ بِالضَّمِّ وَيَقُولُ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُسْلِمُ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ يَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَهَذَا إسْلَامُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ خُضُوعِهِ وَذِلَّتِهِ لَا عَنْ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ كَمَا يَقْهَرُ الرَّجُلُ عَدُوَّهُ الظَّاهِرَ وَيَأْسِرُهُ وَقَدْ عَرَفَ الْعَدُوَّ الْمَقْهُورَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَاهِرَ يَعْرِفُ مَا يُشِيرُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرِّ. فَلَا يَقْبَلُهُ بَلْ يُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ لِانْقِهَارِهِ مَعَهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشِيرُ عَلَيْهِ إلَّا بِخَيْرٍ لِذِلَّتِهِ وَعَجْزِهِ لَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/245)
لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْرِ} وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً وَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ. وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبُ بِالْحَقِّ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أَيْ يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاؤُهُ بِمَا يَقْذِفُ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ الْوَسْوَسَةِ الْمُرْعِبَةِ كَشَيْطَانِ الْإِنْسِ الَّذِي يُخَوِّفُ مِنْ الْعَدُوِّ فَيَرْجُفُ وَيَخْذُلُ. وَعَكْسُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} وَقَالَ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} وَالتَّثَبُّتُ جَعَلَ الْإِنْسَانَ ثَابِتًا لِأَمْرِ تَابَا وَذَلِكَ بِإِلْقَاءِ مَا يُثْبِتُهُ مِنْ التَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ وَالْوَعْدِ بِالْخَيْرِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّةُ الْمَلَكِ وَعْدٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فمتى عَلِمَ الْقَلْبُ أَنَّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ حَقٌّ صَدَّقَهُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَهُ بِالتَّصْدِيقِ وَثِقَ بِوَعْدِ اللَّهِ فَثَبَتَ فَهَذَا يَثْبُتُ بِالْكَلَامِ كَمَا يُثَبِّتُ الْإِنْسَانُ الْإِنْسَانَ فِي أَمْرٍ قَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ بِأَنْ يُخْبِرَهُ بِصِدْقِهِ وَيُخْبِرَهُ. بِمَا يُبَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ مَنْصُورٌ فَيَثْبُتُ وَقَدْ يَكُونُ التَّثَبُّتُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يُمْسِكَ الْقَلْبَ حَتَّى يَثْبُتَ كَمَا يَمْسِكُ الْإِنْسَانُ الْإِنْسَانَ حَتَّى يَثْبُتَ. وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وَاسْتَعَانَ عَلَيْهِ وُكِّلَ إلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَيْهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ} فَهَذَا الْمَلَكُ يَجْعَلُهُ سَدِيدَ الْقَوْلِ بِمَا يُلْقِي فِي قَلْبِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ بِالْحَقِّ وَالْوَعْدِ بِالْخَيْرِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ سَبَبٌ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَقَدْ ذَكَرَ إخْرَاجَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ فِي غَيْرِ آيَةٍ. كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ} وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ} وَقَالَ: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} وَفِي الْحَدِيثِ {أَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الْخَيْرَ} وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا بِتَعْلِيمِهِ الْخَيْرَ يُخْرِجُ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَلِهَذَا كَانَ الرَّسُولُ أَحَقَّ النَّاسِ بِكَمَالِ هَذِهِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}. وَالصَّلَاةُ هِيَ الدُّعَاءُ إمَّا بِخَيْرٍ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ وَإِمَّا بِصِيغَةِ الدُّعَاءِ فَالْمَلَائِكَةُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/246)
وَالْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ} فَبَيَّنَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ قَوْلُهُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَفِي الْأَثَرِ {إنَّ الرَّبَّ يُصَلِّي فَيَقُولُ: سَبَقَتْ - أَوْ غَلَبَتْ - رَحْمَتِي غَضَبِي}
وَهَذَا كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ هُوَ خَبَرٌ وَإِنْشَاءٌ يَتَضَمَّنُ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَسْبِقُ الْغَضَبَ وَتَغْلِبُهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَدْعُو غَيْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَدْعُوهُ الْمَلَائِكَةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْخَلْقِ بَلْ طَلَبَهُ بِأَمْرِهِ وَقَوْلُهُ وَقَسَمِهِ كَقَوْلِهِ: لَأَفْعَلَنَّ كَذَا. وَقَوْلُهُ: كُنْ فَيَكُونُ؛ وَقَوْلِهِ: لَأَفْعَلَنَّ كَذَا قَسَمٌ مِنْهُ كَقَوْلِهِ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ} وَقَوْلِهِ: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وَقَوْلِهِ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} وَقَوْلِهِ: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} وَهَذَا وَعْدٌ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فَإِنَّ هَذَا وَعْدٌ وَخَبَرٌ لَيْسَ فِيهِ قَسَمٌ لَكِنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِاللَّامِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ جَوَابَ قَسَمٍ وَقَوْلِهِ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} وَنَحْوُ ذَلِكَ وَعْدٌ مُجَرَّدٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُوحِي إلَى الْبَشَرِ تَارَةً وَحْيًا مِنْهُ وَتَارَةً يُرْسِلُ رَسُولًا فَيُوحِي إلَى الرَّسُولِ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ.
وَالْمَلَائِكَةُ رُسُلُ اللَّهِ. وَلَفْظُ الْمَلَكِ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَإِنَّ أَصْلَ الْكَلِمَةِ مَلْأَك عَلَى وَزْنِ مفعل لَكِنْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ خُفِّفَتْ. بِأَنْ أُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى السَّاكِنِ قَبْلَهَا وَحُذِفَتْ الْهَمْزَةُ وَمَلَاك مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَأْلُك وَالْمَلْأَك بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ وَاللَّامِ عَلَى الْهَمْزَةِ وَهُوَ الرِّسَالَةُ وَكَذَلِكَ الْأَلُوكَةُ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَبْلِغْ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلُكًا * * * أَنَّهُ قَدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَارِي
وَهَذَا بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ. لَكِنَّ الْمَلَكَ هُوَ بِتَقْدِيمِ اللَّامِ عَلَى الْهَمْزَةِ وَهَذَا أَجْوَدُ فَإِنَّ نَظِيرَهُ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ لَاكَ يَلُوكُ إذَا لَاكَ الْكَلَامَ وَاللِّجَامَ وَالْهَمْزُ أَقْوَى مِنْ الْوَاوِ وَيَلِيهِ فِي الِاشْتِقَاقِ الْأَوْسَطِ: أَكَلَ يَأْكُلُ فَإِنَّ الْآكِلَ يَلُوكُ مِمَّا يَدْخُلُهُ فِي جَوْفِهِ مِنْ الْغِذَاءِ وَالْكَلَامِ وَالْعِلْمِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَاطِنِ وَيُغَذِّي بِهِ صَاحِبَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ كُلَّ آدِبٍ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى مَأْدُبَتُهُ وَإِنَّ مَأْدُبَةَ اللَّهِ الْقُرْآنُ. وَالْآدِبُ الْمُضِيفُ وَالْمَأْدُبَةُ الضِّيَافَةُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ مِنْ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ. فَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ ضَيَّفَ عِبَادَهُ بِالْكَلَامِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إلَيْهِمْ فَهُوَ غِذَاءُ قُلُوبِهِمْ وَقُوتِهَا وَهُوَ أَشَدُّ انْتِفَاعًا بِهِ وَاحْتِيَاجًا إلَيْهِ مِنْ الْجَسَدِ بِغِذَائِهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/247)
عَنْهُ الرَّبَّانِيُّونَ هُمْ الَّذِينَ يُغَذُّونَ النَّاسَ بِالْحِكْمَةِ وَيُرَبُّونَهُمْ عَلَيْهَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنِّي أَبِيت عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي} وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَالنَّاسُ إلَى الْغِذَاءِ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إلَى الشِّفَاءِ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَشَرِبَ النَّاسُ وَسَقُوا وَزَرَعُوا وَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مِثْلُ مِنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ وَمَثَلُ مِنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ}. فَأَخْبَرَ أَنَّ مَا بُعِثَ بِهِ لِلْقُلُوبِ كَالْمَاءِ لِلْأَرْضِ تَارَةً تَشْرَبُهُ فَتَنْبُتُ وَتَارَةً تَحْفَظُهُ وَتَارَةً لَا هَذَا وَلَا هَذَا وَالْأَرْضُ تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتُغْتَذَى بِهِ حَتَّى يَحْصُلَ الْخَيْرُ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ رُوحٌ تَحْيَا بِهِ الْقُلُوبُ فَقَالَ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وَإِذَا كَانَ مَا يُوحِيهِ إلَى عِبَادِهِ تَارَةً يَكُونُ بِوَسَاطَةِ مَلَكٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ وَسَاطَةٍ فَهَذَا لِلْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ مُطْلَقًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ. قَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَيْنَا إلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} وَإِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ} الْآيَةَ. فَذَكَرَ أَنَّهُ يُوحِي إلَيْهِمْ فَإِلَى الْإِنْسَانِ أَوْلَى وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُلْهِمُ الْفُجُورَ وَالتَّقْوَى لِلنَّفْسِ وَالْفُجُورُ يَكُونُ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ إلْهَامُ وَسْوَاسٍ وَالتَّقْوَى بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ وَهُوَ إلْهَامُ وَحْيٍ هَذَا أَمْرٌ بِالْفُجُورِ وَهَذَا أَمْرٌ بِالتَّقْوَى وَالْأَمْرُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ خَبَرٌ.
وَقَدْ صَارَ فِي الْعُرْفِ لَفْظُ الْإِلْهَامِ إذَا أُطْلِقَ لَا يُرَادُ بِهِ الْوَسْوَسَةُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ إلْهَامِ الْوَحْي وَبَيْنَ الْوَسْوَسَةِ. فَالْمَأْمُورُ بِهِ إنْ كَانَ تَقْوَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْ إلْهَامِ الْوَحْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْفُجُورِ فَهُوَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ. فَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِلْهَامِ الْمَحْمُودِ وَبَيْنَ الْوَسْوَسَةِ الْمَذْمُومَةِ هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُلْقِيَ فِي النَّفْسِ مِمَّا دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ تَقْوَى لِلَّهِ فَهُوَ مِنْ الْإِلْهَامِ الْمَحْمُودِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فُجُورٌ فَهُوَ مِنْ الْوَسْوَاسِ الْمَذْمُومِ وَهَذَا الْفَرْقُ مُطَّرِدٌ لَا يَنْتَقِضُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَازِمٍ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فَقَالَ: مَا كَرِهَتْهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/248)
نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَمَا أَحَبَّتْهُ نَفْسُك لِنَفْسِك فَهُوَ مِنْ نَفْسِك فَانْهَهَا عَنْهُ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ النُّظَّارُ فِي الْعِلْمِ الْحَاصِلِ فِي الْقَلْبِ عَقِبَ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فَذَكَرُوا فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ - فِي مُسْتَصْفَاهُ - وَغَيْرُهُ قَوْلُ الْجَهْمِيَّة وَقَوْلُ الْقَدَرِيَّةِ وَقَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ. وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ لَا يَذْكُرُ إلَّا الْقَوْلَيْنِ: قَوْلَ الْجَهْمِيَّة وَقَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَقْوَالِ مَنْ يَعْرِفُونَهُ تَكَلَّمَ فِي هَذَا وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا هَؤُلَاءِ وَالْمَسْأَلَةُ هِيَ مِنْ فُرُوعِ الْقَدَرِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِي نَفْسٍ حَادِثٍ فِيهَا فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْأَقْوَالِ فِي أَمْثَالِهِ. وَمَذْهَبُ جَهْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُثَبِّتَةِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لَكِنَّهُ لَا يَثْبُتُ سَبَبًا وَلَا قُدْرَةً مُؤَثِّرَةً وَلَا حِكْمَةً لِفِعْلِ الرَّبِّ فَأَنْكَرَ الطَّبَائِعَ وَالْقُوَى الَّتِي فِي الْأَعْيَانِ وَأَنْكَرَ الْأَسْبَابَ وَالْحُكْمَ فَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلْ لِشَيْءِ سَبَبًا. بَلْ يَقُولُ هَذَا حَاصِلٌ بِخَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا لَهُ سَبَبًا وَهُمْ صَادِقُونَ فِي
إضَافَتِهِ إلَى قَدَرِهِ وَأَنَّهُ خَالِقُهُ خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ لَكِنَّ مِنْ تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ إثْبَاتُ الْأَسْبَابِ وَمَعْرِفَتُهَا. وَأَمَّا الْقَدَرِيَّةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ: فَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِ الْعَبْدِ فَهُوَ فِعْلُهُ لَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ كَالشِّبَعِ وَالرِّيِّ وَزَهُوقِ الرُّوحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذَا الْعِلْمُ مُتَوَلَّدٌ عَنْ نَظَرِ الْعَبْدِ أَوْ تَذَكُّرِ النَّظَرِ. والمتفلسفة بَنَوْهُ عَلَى أَصْلِهِمْ: فِي أَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الصُّوَرِ هُوَ مِنْ فَيْضِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ الْمَوَادِّ الْقَابِلَةِ فَقَالُوا: يَحْصُلُ فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ مِنْ فَيْضِ الْعَقْلِ الْفَعَّالِ عِنْدَ اسْتِعْدَادِ النَّفْسِ بِاسْتِحْضَارِ الْمُقْدِمَتَيْنِ وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا تَحْقِيقُ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ. وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ اللَّهَ وَكَّلَ بِالْإِنْسِ مَلَائِكَةً وَشَيَاطِينَ يُلْقُونَ فِي قُلُوبِهِمْ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فَالْعِلْمُ الصَّادِقُ مِنْ الْخَيْرِ وَالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ مِنْ الشَّرِّ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَمَّةُ الْمَلَكِ تَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَكَمَا {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَاضِي: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ} وَكَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُوحِي إلَى الْبَشَرِ مَا تُوحِيهِ وَإِنْ كَانَ الْبَشَرُ لَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ مِنْ الْمَلَكِ كَمَا لَا يَشْعُرُ بِالشَّيْطَانِ الْمُوَسْوِسِ لَكِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَلِّمُ الْبَشَرَ وَحْيًا وَيُكَلِّمُهُ بِمَلَكِ يُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ وَالثَّالِثُ التَّكْلِيمُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالْوَحْيِ هُنَا الْوَحْيُ فِي الْمَنَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْفَرَجِ غَيْرَهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الْمَنَامَ تَارَةً يَكُونُ مِنْ اللَّهِ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ النَّفْسِ وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهَكَذَا مَا يُلْقَى فِي الْيَقَظَةِ. وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ فِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/249)
الْيَقَظَةِ وَالْمَنَامِ. وَلِهَذَا كَانَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيًا كَمَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَقَرَأَ قَوْلَهُ: {إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ رَأَى رُؤْيَا كَانَتْ وَحْيًا فَكَذَلِكَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَلْقِي فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ يَكُونُ وَحْيًا وَالْإِنْسَانُ قَدْ تَكُونُ نَفْسُهُ فِي يَقَظَتِهِ أَكْمَلَ مِنْهَا فِي نَوْمِهِ كَالْمُصَلِّي الَّذِي يُنَاجِي رَبَّهُ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ النَّوْمِ فَلِمَاذَا لَا يُوحَى إلَيْهِ فِي حَالِ الْيَقَظَةِ كَمَا أَوْحَى إلَى أُمِّ مُوسَى وَالْحَوَارِيِّينَ وَإِلَى النَّحْلِ لَكِنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ وَحْيٌ لَا فِي يَقَظَةٍ وَلَا فِي الْمَنَامِ إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَسْوَاسَ غَالِبٌ عَلَى النَّاسِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة هل الكاذب في الرؤيا متنبئ كاذب؟
مجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 25)
ذَكَرَ تَعَالَى حَالَ الْكَذَّابِ وَالْمُتَنَبِّئِ. فَقَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَجَمَعَ فِي هَذَا بَيْنَ مَنْ أَضَافَ مَا يَفْتَرِيهِ إلَى اللَّهِ وَبَيْنَ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ مَنْ أَوْحَاهُ فَإِنَّ الَّذِي يَدَّعِي الْوَحْيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ. وَيَدْخُلُ فِي " الْقِسْمِ الثَّانِي " مَنْ يُرِي عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَا تَرَيَا
مسألة: ما هي الأحوال التي تحصل للنفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 612)
إِذَا كَانَتْ " الرُّؤْيَا " عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ":
رُؤْيَا مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ. وَرُؤْيَا مِنْ الشَّيْطَانِ فَكَذَلِكَ مَا يُلْقَى فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ فِي حَالِ يَقَظَتِهِ " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " وَلِهَذَا كَانَتْ الْأَحْوَالُ " ثَلَاثَةً " رَحْمَانِيٌّ وَنَفْسَانِيٌّ وَشَيْطَانِيٌّ. وَمَا يَحْصُلُ مِنْ نَوْعِ الْمُكَاشَفَةِ وَالتَّصَرُّفِ " ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ " مَلَكِيٌّ وَنَفْسِيٌّ وَشَيْطَانِيٌّ فَإِنَّ الْمَلَكَ لَهُ قُوَّةٌ وَالنَّفْسَ لَهَا قُوَّةٌ وَالشَّيْطَانَ لَهُ قُوَّةٌ وَقَلْبَ الْمُؤْمِنِ لَهُ قُوَّةٌ. فَمَا كَانَ مِنْ الْمَلَكِ وَمِنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ فَهُوَ حَقٌّ وَمَا كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَةِ النَّفْسِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَقَدْ اشْتَبَهَ هَذَا بِهَذَا عَلَى طَوَائِفَ كَثِيرَةٍ فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَاءِ اللَّهِ بَلْ صَارُوا يَظُنُّونَ فِي مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُشْرِكِينَ وَالْكُفَّارِ - أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ - أَنَّهُ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ. وَالْكَلَامُ فِي هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.
مسألة: ماذا تفيد الرؤيا؟
مجموع الفتاوى - (ج 12 / ص 278)
" الرُّؤْيَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " رُؤْيَا بُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنْ الشَّيْطَانِ وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي الْمَنَامِ. وَقَدْ ثَبَتَ هَذَا التَّقْسِيمُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
مسألة: إذا كانت الرؤيا في النوم و هو وفاة فما هي أنواع الوفاة؟ و كيف تحصل الرؤيا و كيف تصدق و كيف تكذب؟
مجموع الفتاوى - (ج 5 / ص 452)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/250)
اللَّهَ قَالَ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فَذَكَرَ إمْسَاكَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتُ مِنْ هَذِهِ الْأَنْفُسِ الَّتِي تَوَفَّاهَا بِالنَّوْمِ وَأَمَّا الَّتِي تَوَفَّاهَا حِينَ مَوْتِهَا فَتِلْكَ لَمْ يَصِفْهَا بِإِمْسَاكِ وَلَا إرْسَالٍ وَلَا ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْتِقَاءَ الْمَوْتَى بِالنِّيَامِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْآيَةَ تَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ تَوْفِيَتَيْنِ: تَوَفِّي الْمَوْتِ وَتَوَفِّي النَّوْمِ وَذَكَرَ إمْسَاكَ الْمُتَوَفَّاةِ وَإِرْسَالَ الْأُخْرَى. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُمْسِكُ كُلَّ مَيْتَةٍ سَوَاءٌ مَاتَتْ فِي النَّوْمِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَيُرْسِلُ مَنْ لَمْ تَمُتْ. وَقَوْلُهُ: {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} يَتَنَاوَلُ مَا مَاتَتْ فِي الْيَقَظَةِ وَمَا مَاتَتْ فِي النَّوْمِ؛ فَلَمَّا ذَكَرَ التَّوْفِيَتَيْنِ ذَكَرَ أَنَّهُ يُمْسِكُهَا فِي أَحَدِ التَّوْفِيَتَيْنِ وَيُرْسِلُهَا فِي الْأُخْرَى؛ وَهَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمَدْلُولُهُ بِلَا تَكَلُّفٍ. وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْتِقَاءِ أَرْوَاحِ النِّيَامِ وَالْمَوْتَى لَا يُنَافِي مَا فِي الْآيَةِ؛ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ لَكِنَّ قَوْلَهُ: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} يَقْتَضِي أَنَّهُ يُمْسِكُهَا لَا يُرْسِلُهَا كَمَا يُرْسِلُ النَّائِمَةَ؛ سَوَاءٌ تَوَفَّاهَا فِي الْيَقَظَةِ أَوْ فِي النَّوْمِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اللَّهُمَّ أَنْتَ خَلَقْت نَفْسِي وَأَنْتَ تَتَوَفَّاهَا؛ لَك مَمَاتُهَا وَمَحْيَاهَا؛ فَإِنْ أَمْسَكْتهَا فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَك الصَّالِحِينَ} فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا فِي حَالِ تَوَفِّي النَّوْمِ إمَّا مُمْسَكَةٌ وَإِمَّا مُرْسَلَةٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثنا أَبِي ثنا عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ؛ ثنا بَقِيَّةُ؛ ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَعْجَبُ مِنْ رُؤْيَا الرَّجُلِ أَنَّهُ يَبِيتُ فَيَرَى الشَّيْءَ لَمْ يَخْطِرْ لَهُ عَلَى بَالٍ؛ فَتَكُونُ رُؤْيَاهُ كَأَخْذِ بِالْيَدِ وَيَرَى الرَّجُلُ الشَّيْءَ؛ فَلَا تَكُونُ رُؤْيَاهُ شَيْئًا؛ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَفَلَا أُخْبِرُك بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فَاَللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ كُلَّهَا فَمَا رَأَتْ - وَهِيَ عِنْدَهُ فِي السَّمَاءِ - فَهُوَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَمَا رَأَتْ - إذَا أُرْسِلَتْ إلَى أَجْسَادِهَا - تَلَقَّتْهَا الشَّيَاطِينُ فِي الْهَوَاءِ فَكَذَّبَتْهَا فَأَخْبَرَتْهَا بِالْأَبَاطِيلِ وَكَذَبَتْ فِيهَا؛ فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ. وَذَكَرَ هَذَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ منده فِي كِتَابِ " الرُّوحِ وَالنَّفْسِ " وَقَالَ: هَذَا خَبَرٌ مَشْهُورٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} وَالْأَرْوَاحُ يُعْرَجُ بِهَا فِي مَنَامِهَا فَمَا رَأَتْ وَهِيَ فِي السَّمَاءِ فَهُوَ الْحَقُّ فَإِذَا رُدَّتْ إلَى أَجْسَادِهَا تَلَقَّتْهَا الشَّيَاطِينُ فِي الْهَوَاءِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/251)
فَكَذَّبَتْهَا. فَمَا رَأَتْ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْبَاطِلُ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ منده: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ نُعَيْمٍ الرعيني عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الأصبحي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: إذَا نَامَ الْإِنْسَانُ عُرِجَ بِرُوحِهِ حَتَّى يُؤْتَى بِهَا الْعَرْشَ قَالَ: فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا أُذِنَ لَهَا بِالسُّجُودِ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا بِالسُّجُودِ. رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ الحباب وَغَيْرُهُ.
وَرَوَى ابْنُ منده حَدِيثَ عَلِيٍّ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا حَدَّثَنَا أَبُو إسْحَاقَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثَنَا ابْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي إسْمَاعِيلَ وَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا قُتَيْبَةُ وَالرَّازِي ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حميد ثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مغراء الدوسي ثَنَا الْأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأزدي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَان عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ رُبَّمَا شَهِدْت وَغِبْنَا وَرُبَّمَا شَهِدْنَا وَغِبْت ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَسْأَلُك عَنْهُنَّ فَهَلْ عِنْدَك مِنْهُنَّ عِلْمٌ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ خَيْرًا: وَالرَّجُلُ يُبْغِضُ الرَّجُلَ وَلَمْ يَرَ مِنْهُ شَرًّا. فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إنَّ الْأَرْوَاحَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ تَلْتَقِي فِي الْهَوَاءِ فتشام فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ قَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ. قَالَ عُمَرُ: وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ الْحَدِيثَ إذْ نَسِيَهُ فَبَيْنَمَا هُوَ قَدْ نَسِيَهُ إذْ ذَكَرَهُ. فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ الْقُلُوبِ قَلْبٌ إلَّا وَلَهُ سَحَابَةٌ كَسَحَابَةِ الْقَمَرِ فَبَيْنَمَا الْقَمَرُ يُضِيءُ إذْ تَجَلَّلَتْهُ سَحَابَةٌ فَأَظْلَمَ؛ إذْ تَجَلَّتْ عَنْهُ فَأَضَاءَ؛ وَبَيْنَمَا الْقَلْبُ يَتَحَدَّثُ إذْ تَجَلَّلَتْهُ فَنَسِيَ إذْ تَجَلَّتْ عَنْهُ فَذَكَرَ. قَالَ عُمَرُ: اثْنَتَانِ. قَالَ: وَالرَّجُلُ يَرَى الرُّؤْيَا: فَمِنْهَا مَا يَصْدُقُ وَمِنْهَا مَا يَكْذِبُ. فَقَالَ: نَعَمْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَنَامُ فَيَمْتَلِئُ نَوْمًا إلَّا عُرِجَ بِرُوحِهِ إلَى الْعَرْشِ فَاَلَّذِي لَا يَسْتَيْقِظُ دُونَ الْعَرْشِ فَتِلْكَ الرُّؤْيَا الَّتِي تَصْدُقُ وَاَلَّذِي يَسْتَيْقِظُ دُونَ الْعَرْشِ فَهِيَ الرُّؤْيَا الَّتِي تَكْذِبُ. فَقَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ كُنْت فِي طَلَبِهِنَّ؛ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَصَبْتهنَّ قَبْلَ الْمَوْتِ.} وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَ عَنْهُ عُمَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَيُّوبَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ثَنَا آدَمَ بْنُ أَبِي إيَاسٍ ثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ الخثعمي عَنْ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْقُرَشِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَشْيَاءُ أَسْأَلُك عَنْهَا؟ قَالَ: سَلْ عَمَّا شِئْت؛ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّ يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَمِمَّ يَنْسَى؟ وَمِمَّ تَصْدُقُ الرُّؤْيَا وَمِمَّ تَكْذِبُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَمَّا قَوْلُك مِمَّ يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَمِمَّ يَنْسَى؛ فَإِنَّ عَلَى الْقَلْبِ طخاة مِثْلَ طخاة الْقَمَرِ فَإِذَا تَغَشَّتْ الْقَلْبَ نَسِيَ ابْنُ آدَمَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/252)
فَإِذَا تَجَلَّتْ عَنْ الْقَلْبِ ذَكَرَ مِمَّا كَانَ يَنْسَى. وَأَمَّا مِمَّ تَصْدُقُ الرُّؤْيَا وَمِمَّ تَكْذِبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} فَمَنْ دَخَلَ مِنْهَا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فَهِيَ الَّتِي تَصْدُقُ وَمَا كَانَ مِنْهَا دُونَ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فَهِيَ الَّتِي تَكْذِبُ. قُلْت: وَفِي هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ ذَكَرَ أَنَّ الَّتِي تَكْذِبُ مَا لَمْ يَكْمُلْ وُصُولُهَا إلَى الْعُلُوِّ. وَفِي الْأَوَّلِ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مِمَّا يَحْصُلُ بَعْدَ رُجُوعِهَا. وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُمْكِنٌ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ أَوْ وُجُودِ مَانِعِهِ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ إذَا نَامَ الْإِنْسَانُ فَإِنَّ لَهُ سَبَبًا تَجْرِي فِيهِ الرُّوحُ وَأَصْلُهُ فِي الْجَسَدِ. فَتَبْلُغُ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ فَمَا دَامَ ذَاهِبًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ نَائِمٌ. فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْبَدَنِ انْتَبَهَ الْإِنْسَانُ؛ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ شُعَاعٍ هُوَ سَاقِطٌ بِالْأَرْضِ وَأَصْلُهُ مُتَّصِلٌ بِالشَّمْسِ. قَالَ ابْنُ منده: وَأُخْبِرْت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ السَّمَرْقَنْدِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَلَهُ بَصَرٌ بِالطِّبِّ وَالتَّعْبِيرِ - قَالَ: إنَّ الْأَرْوَاحَ تَمْتَدُّ مِنْ مَنْخِرِ الْإِنْسَانِ وَمَرَاكِبُهَا وَأَصْلُهَا فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَلَوْ خَرَجَ الرُّوحُ لَمَاتَ كَمَا أَنَّ السِّرَاجَ لَوْ فَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَتِيلَةِ لطفئت. أَلَا تَرَى أَنَّ تَرَكُّبَ النَّارِ فِي الْفَتِيلَةِ وضوءها وَشُعَاعَهَا مَلَأَ الْبَيْتَ فَكَذَلِكَ الرُّوحُ تَمْتَدُّ مِنْ مَنْخِرِ الْإِنْسَانِ فِي مَنَامِهِ حَتَّى تَأْتِيَ السَّمَاءَ وَتَجُولُ فِي الْبُلْدَانِ وَتَلْتَقِي مَعَ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى. فَإِذَا رَآهَا الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِأَرْوَاحِ الْعِبَادِ أَرَاهُ مَا أَحَبَّ أَنْ يَرَاهُ وَكَانَ الْمَرْءُ فِي الْيَقَظَةِ عَاقِلًا ذَكِيًّا صَدُوقًا لَا يَلْتَفِتُ فِي الْيَقَظَةِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْبَاطِلِ رَجَعَ إلَيْهِ رُوحُهُ فَأَدَّى إلَى قَلْبِهِ الصِّدْقَ بِمَا أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَسَبِ صِدْقِهِ. وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا نَزِقًا يُحِبُّ الْبَاطِلَ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ فَإِذَا نَامَ وَأَرَاهُ اللَّهُ أَمْرًا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ رَجَعَ رُوحُهُ فَحَيْثُ مَا رَأَى شَيْئًا مِنْ مخاريق الشَّيْطَانِ أَوْ بَاطِلًا وَقَفَ عَلَيْهِ كَمَا يَقِفُ فِي يَقَظَتِهِ وَكَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى قَلْبِهِ فَلَا يَعْقِلُ مَا رَأَى لِأَنَّهُ خَلَطَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ؛ فَلَا يُمْكِنُ مُعَبِّرٌ يَعْبُرُ لَهُ وَقَدْ اخْتَلَطَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ منده: وَمِمَّا يَشْهَدُ لِهَذَا الْكَلَامِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قُلْت: وَخَرَجَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ " تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا " قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ حَسَنٍ الْمَرْوَزِي أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَبْدُ اللَّهِ ثَنَا الْمُبَارَكُ {عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: أُنْبِئْت أَنَّ الْعَبْدَ إذَا نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ فِي طَاعَتِي}. وَإِذَا كَانَتْ الرُّوحُ تَعْرُجُ إلَى السَّمَاءِ مَعَ أَنَّهَا فِي الْبَدَنِ. عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عُرُوجُهَا مِنْ جِنْسِ عُرُوجِ الْبَدَنِ الَّذِي يَمْتَنِعُ هَذَا فِيهِ. وَعُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ وَنُزُولُهَا مِنْ جِنْسِ عُرُوجِ الرُّوحِ وَنُزُولِهَا لَا مِنْ جِنْسِ عُرُوجِ الْبَدَنِ وَنُزُولِهِ. وَصُعُودُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ هَذَا كُلِّهِ وَأَجَلُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَبْعَدُ عَنْ مُمَاثَلَةِ كُلِّ مَخْلُوقٍ مِنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/253)
مُمَاثَلَةِ مَخْلُوقٍ لِمَخْلُوقِ. وَإِذَا قِيلَ: الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَالْمَجِيءُ وَالْإِتْيَانُ أَنْوَاعٌ جِنْسُ الْحَرَكَةِ؛ قِيلَ: وَالْحَرَكَةُ أَيْضًا أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ فَلَيْسَتْ حَرَكَةُ الرُّوحِ كَحَرَكَةِ الْبَدَنِ وَلَا حَرَكَةُ الْمَلَائِكَةِ كَحَرَكَةِ الْبَدَنِ. وَالْحَرَكَةُ يُرَادُ بِهَا انْتِقَالُ الْبَدَنِ وَالْجِسْمِ مِنْ حَيِّزٍ وَيُرَادُ بِهَا أُمُورٌ أُخْرَى كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الطبائعية وَالْفَلَاسِفَةِ: مِنْهَا الْحَرَكَةُ فِي الْكَمِّ كَحَرَكَةِ النُّمُوِّ وَالْحَرَكَةُ فِي الْكَيْفِ كَحَرَكَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ جَهْلٍ إلَى عِلْمٍ وَحَرَكَةِ اللَّوْنِ أَوْ الثِّيَابِ مِنْ سَوَادٍ إلَى بَيَاضٍ وَالْحَرَكَةُ فِي الْأَيْنِ كَالْحَرَكَةِ تَكُونُ بِالْأَجْسَامِ النَّامِيَةِ مِنْ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ: فِي النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ أَوْ فِي الذُّبُولِ وَالنُّقْصَانِ؛ وَلَيْسَ هُنَاكَ انْتِقَالُ جِسْمٍ مِنْ حَيِّزٍ إلَى حَيِّزٍ. وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْجَوَاهِرَ الْمُفْرَدَةَ تَنْتَقِلُ؛ فَقَوْلُهُ غَلَطٌ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ.
مسألة: كيف تعبر الرؤيا؟
مجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 82)
الِاعْتِبَارِ وَالتَّشْرِيكِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّنْظِيرِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا فَإِنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْمُشَابَهَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّؤْيَا وَتَأْوِيلِهَا.
مسألة كيف تمرض النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 34)
الْإِنْسَانُ إذَا فَسَدَتْ نَفْسُهُ أَوْ مِزَاجُهُ يَشْتَهِي مَا يَضُرُّهُ وَيَلْتَذُّ بِهِ؛ بَلْ يَعْشَقُ ذَلِكَ عِشْقًا يُفْسِدُ عَقْلَهُ وَدِينَهُ وَخُلُقَهُ وَبَدَنَهُ وَمَالَهُ
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 599)
طَالِبُ الرِّئَاسَةِ - وَلَوْ بِالْبَاطِلِ - تُرْضِيهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِيهَا تَعْظِيمُهُ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا، وَتُغْضِبُهُ الْكَلِمَةُ الَّتِي فِيهَا ذَمُّهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا.
وَالْمُؤْمِنُ تُرْضِيهِ كَلِمَةُ الْحَقِّ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَتُغْضِبُهُ كَلِمَةُ الْبَاطِلِ لَهُ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْحَقَّ وَالصِّدْقَ وَالْعَدْلَ وَيُبْغِضُ الْكَذِبَ وَالظُّلْمَ. فَإِذَا قِيلَ: الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالْعَدْلُ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ أُحِبُّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةُ هَوَاهُ. لِأَنَّ هَوَاهُ قَدْ صَارَ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ. وَإِذَا قِيلَ: الظُّلْمُ وَالْكَذِبُ فَاَللَّهُ يُبْغِضُهُ وَالْمُؤْمِنُ يُبْغِضُهُ وَلَوْ وَافَقَ هَوَاهُ. وَكَذَلِكَ طَالِبُ " الْمَالِ " - وَلَوْ بِالْبَاطِلِ - كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ} الْحَدِيثَ. فَكَيْفَ إذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْقَلْبِ مَا هُوَ أَعْظَمُ اسْتِعْبَادًا مِنْ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ مِنْ الشَّهَوَاتِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْمَحْبُوبَاتِ الَّتِي تَجْذِبُ الْقَلْبَ عَنْ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَعِبَادَتِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُزَاحَمَةِ وَالشِّرْكِ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَيْفَ تَدْفَعُ الْقَلْبَ وَتُزِيغُهُ عَنْ كَمَالِ مَحَبَّتِهِ لِرَبِّهِ وَعِبَادَتِهِ وَخَشْيَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَحْبُوبٍ يَجْذِبُ قَلْبَ مُحِبِّهِ إلَيْهِ وَيُزِيغُهُ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِ مَحْبُوبِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ يَدْفَعُهُ وَيُزِيلُهُ وَيَشْغَلُهُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
مسألة: ما هي الروح المدبرة لجسم الإنسان؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 301)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/254)
النَّفْسُ - وَهِيَ الرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِبَدَنِ الْإِنْسَانِ - هِيَ مِنْ بَابِ مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ الَّتِي تُسَمَّى جَوْهَرًا وَعَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْأَعْرَاضِ الَّتِي هِيَ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِغَيْرِهَا. وَأَمَّا التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِلَفْظِ " الْجَوْهَرِ " " وَالْجِسْمِ " فَفِيهِ نِزَاعٌ بَعْضُهُ اصْطِلَاحِيٌّ وَبَعْضُهُ مَعْنَوِيٌّ. فَمَنْ عَنَى بِالْجَوْهَرِ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ فَهِيَ جَوْهَرٌ وَمَنْ عَنَى بِالْجِسْمِ مَا يُشَارُ إلَيْهِ وَقَالَ إنَّهُ يُشَارُ إلَيْهَا فَهِيَ عِنْدُهُ جِسْمٌ وَمَنْ عَنَى بِالْجِسْمِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ أَوْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ فَبَعْضُ هَؤُلَاءِ قَالَ إنَّهَا جِسْمٌ أَيْضًا. وَمَنْ عَنَى بِالْجَوْهَرِ الْمُتَحَيِّزَ الْقَابِلَ لِلْقِسْمَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا جَوْهَرٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَكَّبَةً مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُفْرَدَةِ وَلَا مِنْ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْأَجْسَامِ الْمُتَحَيِّزَاتِ الْمَشْهُودَةِ الْمَعْهُودَةِ وَأَمَّا الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُشَارُ إلَيْهَا وَتَصْعَدُ وَتَنْزِلُ وَتَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ وَتُسَلُّ مِنْهُ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّوَاهِدُ الْعَقْلِيَّةُ.
مسألة: ما هو الذي تسميه الأطباء الروح الحيواني؟
مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 32)
الدَّمِ الَّذِي هُوَ الْبُخَارُ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْأَطِبَّاءُ الرُّوحَ الْحَيَوَانِيَّ الْمُنْبَعِثُ مِنْ الْقَلْبِ السَّارِي فِي الْبَدَنِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْبَدَنِ
مسألة: هل للروح اختصاص بشيء من الجسد؟
مجموع الفتاوى - (ج 9 / ص 302)
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَيْنَ مَسْكَنُهَا مِنْ الْجَسَدِ؟ فَلَا اخْتِصَاصَ لِلرُّوحِ بِشَيْءِ مِنْ الْجَسَدِ بَلْ هِيَ سَارِيَةٌ فِي الْجَسَدِ كَمَا تَسْرِي الْحَيَاةُ الَّتِي هِيَ عَرَضٌ فِي جَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ مَشْرُوطَةٌ بِالرُّوحِ فَإِذَا كَانَتْ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ وَإِذَا فَارَقَتْهُ الرُّوحُ فَارَقَتْهُ الْحَيَاةُ.
مسألة: مم خلق الإنسان و الملك و الجان؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 94)
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 95)
صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ؛ وَخَلَقَ إبْلِيسَ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ؛ وَخَلَقَ آدَمَ مِمَّا وَصَفَ لَكُمْ} وَلَيْسَ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ مَا خُلِقَتْ مِنْهُ فَقَطْ؛ بَلْ قَدْ يُخْلَقُ الْمُؤْمِنُ مِنْ كَافِرٍ؛ وَالْكَافِرُ مِنْ مُؤْمِنٍ؛ كَابْنِ نُوحٍ مِنْهُ وَكَإِبْرَاهِيمَ مِنْ آزَرَ؛ وَآدَمُ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ: فَلَمَّا سَوَّاهُ؛ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ؛ وَأَسْجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَةَ؛ وَفَضَّلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَعْلِيمِهِ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ وَبِأَنْ خَلَقَهُ بِيَدَيْهِ؛ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ. فَهُوَ وَصَالِحُو ذُرِّيَّتِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ؛ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ مَخْلُوقِينَ مِنْ طِينٍ؛ وَهَؤُلَاءِ مِنْ نُورٍ. وَهَذِهِ " مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ " مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَإِنَّ فَضْلَ بَنِي آدَمَ هُوَ بِأَسْبَابِ يَطُولُ شَرْحُهَا هُنَا. وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُمْ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْقَرَارِ: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}. وَالْآدَمِيُّ خُلِقَ مِنْ نُطْفَةٍ؛ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ؛ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ انْتَقَلَ مَنْ صِغَرٍ إلَى كِبَرٍ ثُمَّ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ فَلَا يَظْهَرُ فَضْلُهُ وَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ أَحْوَالِهِ؛ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فَضْلُهُ عِنْدَ كَمَالِ أَحْوَالِهِ؛ بِخِلَافِ الْمَلَكِ الَّذِي تَشَابَهَ أَوَّلُ أَمْرِهِ وَآخِرِهِ. وَمِنْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/255)
هُنَا غَلِطَ مَنْ فَضَّلَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَيْثُ نَظَرَ إلَى أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ. وَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الْأَحْوَالِ. قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى مَا وُعِدُوا بِهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ مِنْ نِهَايَاتِ الْكَمَالِ.
مسألة: و كيف يخلق الحيوان؟
مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 243)
وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعْدِنِ وَالْمَطَرِ وَالنَّارِ الَّتِي تُورَى بِالزِّنَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ تَحْدُثُ أَعْيَانُ هَذِهِ الْأَجْسَامِ فَيُقْلَبُ هَذَا الْجِنْسُ إلَى جِنْسٍ آخَرَ. كَمَا يُقْلَبُ الْمَنِيُّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً أَوْ لَا تَحْدُثُ إلَّا أَعْرَاضٌ وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الَّتِي هِيَ الْجَوَاهِرُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ بِغَيْرِ صِفَاتِهَا بِمَا يُحْدِثُهُ فِيهَا مِنْ الْأَكْوَانِ الْأَرْبِعَةِ: الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَالْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التجزي كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ. وَإِمَّا مِنْ جَوَاهِرَ لَا نِهَايَةَ لَهَا كَمَا يُحْكَى عَنْ النَّظَّامِ.
مسألة: من هم الشياطين؟
مجموع الفتاوى - (ج 15 / ص 7)
سُئِلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
عَنْ قَوْله تَعَالَى {إنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ. هَلْ ذَلِكَ عَامٌّ لَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ أَمْ يَرَاهُمْ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ؟ وَهَلْ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَدُ إبْلِيسَ أَمْ جِنْسَيْنِ: وَلَدُ إبْلِيسَ وَغَيْرُ وَلَدِهِ؟.
فَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ تَيْمِيَّة - رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ آمِينَ - فَقَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، الَّذِي فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِنْسَ مِنْ حَيْثُ لَا يَرَاهُمْ الْإِنْسُ وَهَذَا حَقٌّ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِنْسَ فِي حَالٍ لَا يَرَاهُمْ الْإِنْسُ فِيهَا وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُمْ لَا يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِنْ الْإِنْسِ بِحَالِ؛ بَلْ قَدْ يَرَاهُمْ الصَّالِحُونَ وَغَيْرُ الصَّالِحِينَ أَيْضًا؛ لَكِنْ لَا يَرَوْنَهُمْ فِي كُلِّ حَالٍ وَالشَّيَاطِينُ هُمْ مَرَدَةُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَجَمِيعُ الْجِنِّ وَلَدُ إبْلِيسَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 11:36 ص]ـ
مسألة: ما هي الأحوال التي تحصل للنفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 278)
يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الْإِيمَانِيَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ.
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 443)
إِنَّ الْأَحْوَالَ تَنْقَسِمُ إلَى: حَالٍ رَحْمَانِيٍّ وَحَالٍ شَيْطَانِيٍّ
مسألة: هل من ظهرت له أحوال يتبع؟
مجموع الفتاوى - (ج 25 / ص 314)
اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْقِيقِ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ يُتَّبَعْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ رَأَى مِنْ رَجُلٍ مُكَاشَفَةً أَوْ تَأْثِيرًا فَاتَّبَعَهُ فِي خِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَانَ مِنْ جِنْسِ أَتْبَاعِ الدَّجَّالِ فَإِنَّ الدَّجَّالَ يَقُولُ لِلسَّمَاءِ: أَمْطِرِي فَتُمْطِرُ وَيَقُولُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي فَتُنْبِتُ وَيَقُولُ لِلْخَرِبَةِ أَخْرِجِي كُنُوزَك فَيَخْرُجُ مَعَهُ كُنُوزُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَقْتُلُ رَجُلًا ثُمَّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَقُومَ فَيَقُومُ وَهُوَ مَعَ هَذَا كَافِرٌ مَلْعُونٌ عَدُوٌّ لِلَّهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ: وَأَنَا أُنْذِرُكُمُوهُ إنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ - ك ف ر - يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ قَارِئٌ وَغَيْرُ قَارِئٍ وَاعْلَمُوا أَنَّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/256)
أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ}. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {إذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ}. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. وَهَؤُلَاءِ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ الشَّيَاطِينُ وَتُوحِي إلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} وَمِنْ أَوَّلِ مَنْ ظَهَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ. وَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ الرَّحْمَانِيَّةِ: كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ سَوَّى بَيْنَ مُحَمَّدِ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فَإِنَّ مُسَيْلِمَةَ كَانَ لَهُ شَيْطَانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَيُوحِي إلَيْهِ.
وَمِنْ عَلَامَاتِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْأَحْوَالَ إذَا تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمْ وَقْتَ سَمَاعِ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ أَزْبَدُوا وَأَرْعَدُوا - كَالْمَصْرُوعِ - وَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِ لَا يُفْقَهُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَتَكَلَّمُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ كَمَا تَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ: أَنْ يَعْلَمَ الرَّجُلُ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ الَّذِينَ نَعَتَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ: {أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فَكُلُّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا تَقِيًّا كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَمْ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ و لَإِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنهُ وَمَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ. وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ}.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 666)
وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ - كَأَبِي يَزِيدَ البسطامي وَغَيْرِهِ -: لَوْ رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا وُقُوفَهُ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ رَأَيْتُمْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ. فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُتَّبِعُونَ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وَطَرِيقُهُمْ طَرِيقُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُرْسَلِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ وَحِزْبِ اللَّهِ الْمُفْلِحِينَ. وَأَمَّا أَهْلُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/257)
الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَالْفُجُورِ فَأَحْوَالُهُمْ مِنْ جِنْسِ أَحْوَالِ " مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ " وَ " الْأَسْوَدِ العنسي " الَّذِينَ ادَّعَيَا النُّبُوَّةَ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِكُلِّ مِنْهُمَا شَيَاطِينُ تُخْبِرُهُ وَتُعِينُهُ. وَكَانَ " العنسي " قَدْ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضِ الْيَمَنِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَتَلَهُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ قَدْ طَلَبَ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخولاني أَنْ يُتَابِعَهُ فَامْتَنَعَ فَأَلْقَاهُ فِي النَّارِ فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا جَرَى لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَعَ صَلَاتِهِ وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ لِلَّهِ مَعَ سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ. وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ لَا تَصِيرُ النَّارُ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا. بَلْ قَدْ يَطْفُونَهَا كَمَا يطفيها النَّاسُ وَذَلِكَ فِي حَالِ اخْتِلَاطِ عُقُولِهِمْ وَهَيْجِ شَيَاطِينِهِمْ وَارْتِفَاعِ أَصْوَاتِهِمْ هَذَا إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ حَالٌ شَيْطَانِيٌّ. وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ؛ بَلْ يَدْخُلُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْمَكْرِ وَالْمُحَالِ فَيَتَّخِذُ حَجَرَ الطَّلَقِ أَوْ دُهْنَ الضَّفَادِعِ وَأَنْوَاعًا مِنْ الْأَدْوِيَةِ. كَمَا يَصْنَعُونَ مِنْ جِنْسِ مَا تَصْنَعُهُ الْمُشَعْبِذُونَ إخْفَاءَ اللَّاذَنِ وَالسُّكَّرِ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ فَإِنَّهُمْ نَوْعَانِ: خَاصَّتُهُمْ أَهْلُ حَالٍ شَيْطَانِيٍّ وَعَامَّتُهُمْ أَهْلُ مُحَالٍ بهتاني.
مسألة كيف يستطيع أصحاب الأحوال الشيطانية خرق العادة؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 459)
أَنَا مَا امْتَحَنْت هَؤُلَاءِ لَكِنْ هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ أَحْوَالًا يَدْخُلُونَ بِهَا النَّارَ وَأَنَّ أَهْلَ الشَّرِيعَةِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُونَ لَنَا هَذِهِ الْأَحْوَالُ الَّتِي يَعْجَزُ عَنْهَا أَهْلُ الشَّرْعِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْتَرِضُوا عَلَيْنَا بَلْ يُسَلَّمُ إلَيْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ - سَوَاءٌ وَافَقَ الشَّرْعَ أَوْ خَالَفَهُ - وَأَنَا قَدْ اسْتَخَرْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ إنْ دَخَلُوا النَّارَ أَدْخُلُ أَنَا وَهُمْ وَمَنْ احْتَرَقَ مِنَّا وَمِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَكَانَ مَغْلُوبًا وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ نَغْسِلَ جُسُومَنَا بِالْخَلِّ وَالْمَاءِ الْحَارِّ. فَقَالَ الْأَمِيرُ وَلِمَ ذَاكَ؟ قُلْت: لِأَنَّهُمْ يَطْلُونَ جُسُومَهُمْ بِأَدْوِيَةِ يَصْنَعُونَهَا مِنْ دُهْنِ الضَّفَادِعِ وَبَاطِنِ قِشْرِ النَّارِنْجِ وَحَجَرِ الطَّلْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُمْ وَأَنَا لَا أَطْلِي جِلْدِي بِشَيْءِ فَإِذَا اغْتَسَلْت أَنَا وَهُمْ بِالْخَلِّ وَالْمَاءِ الْحَارِّ بَطَلَتْ الْحِيلَةُ وَظَهَرَ الْحَقُّ فَاسْتَعْظَمَ الْأَمِيرُ هُجُومِي عَلَى النَّارِ وَقَالَ: أَتَفْعَلُ ذَلِكَ؟ فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ قَدْ اسْتَخَرْت اللَّهَ فِي ذَلِكَ وَأَلْقَى فِي قَلْبِي أَنْ أَفْعَلَهُ وَنَحْنُ لَا نَرَى هَذَا وَأَمْثَالَهُ ابْتِدَاءً؛ فَإِنَّ خَوَارِقَ الْعَادَاتِ إنَّمَا تَكُونُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَّبِعِينَ لَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا لِحُجَّةِ أَوْ حَاجَةٍ فَالْحُجَّةُ لِإِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ وَالْحَاجَةُ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ النَّصْرِ وَالرِّزْقِ الَّذِي بِهِ يَقُومُ دِينُ اللَّهِ وَهَؤُلَاءِ إذَا أَظْهَرُوا مَا يُسَمُّونَهُ إشَارَاتِهِمْ وَبَرَاهِينَهُمْ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُبْطِلُ دِينَ اللَّهِ وَشَرْعَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَنْصُرَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقُومَ فِي نَصْرِ دِينِ اللَّهِ وَشَرِيعَتِهِ بِمَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَرْوَاحِنَا وَجُسُومِنَا وَأَمْوَالِنَا فَلَنَا حِينَئِذٍ أَنْ نُعَارِضَ مَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ هَذِهِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/258)
المخاريق بِمَا يُؤَيِّدُنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ الْآيَاتِ. وَلِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا مِثْلُ مُعَارَضَةِ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ لَمَّا أَظْهَرُوا سِحْرَهُمْ أَيَّدَ اللَّهُ مُوسَى بِالْعَصَا الَّتِي ابْتَلَعَتْ سِحْرَهُمْ.
مسألة و إذا ادعوا الأحوال الخارقة؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 465)
قُلْت - وَرَفَعْت صَوْتِي وَغَضِبْت - أَنَا أُخَاطِبُ كُلَّ أَحْمَدِيٍّ مِنْ مَشْرِقِ الْأَرْضِ إلَى مَغْرِبِهَا أَيُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي النَّارِ فَأَنَا أَصْنَعُ مِثْلَ مَا تَصْنَعُونَ وَمَنْ احْتَرَقَ فَهُوَ مَغْلُوبٌ؛ وَرُبَّمَا قُلْت فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ؛ وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ نَغْسِلَ جُسُومَنَا بِالْخَلِّ وَالْمَاءِ الْحَارِّ؛ فَسَأَلَنِي الْأُمَرَاءُ وَالنَّاسُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْت: لِأَنَّ لَهُمْ حِيَلًا فِي الِاتِّصَالِ بِالنَّارِ يَصْنَعُونَهَا مِنْ أَشْيَاءَ: مِنْ دُهْنِ الضَّفَادِعِ. وَقِشْرِ النَّارِنْجِ. وَحَجَرِ الطَّلَقِ. فَضَجَّ النَّاسُ بِذَلِكَ فَأَخَذَ يُظْهِرُ الْقُدْرَةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: أَنَا وَأَنْتَ نُلَفُّ فِي بَارِيَةٍ بَعْدَ أَنْ تُطْلَى جُسُومُنَا بِالْكِبْرِيتِ. (فَقُلْت فَقُمْ؛ وَأَخَذْت أُكَرِّرُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ إلَى ذَلِكَ فَمَدَّ يَدَهُ يُظْهِرُ خَلْعَ الْقَمِيصِ فَقُلْت: لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الْحَارِّ وَالْخَلِّ فَأَظْهَرَ الْوَهْمَ عَلَى عَادَتِهِمْ فَقَالَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْأَمِيرَ فَلْيُحْضِرْ خَشَبًا أَوْ قَالَ حُزْمَةً حَطَب. فَقُلْت هَذَا تَطْوِيلٌ وَتَفْرِيقٌ لِلْجَمْعِ؛ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ؛ بَلْ قِنْدِيلٌ يُوقَدُ وَأُدْخِلُ إصْبَعِي وَإِصْبَعَك فِيهِ بَعْدَ الْغَسْلِ؛ وَمَنْ احْتَرَقَتْ إصْبَعُهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ؛ أَوْ قُلْت: فَهُوَ مَغْلُوبٌ. فَلَمَّا قُلْت ذَلِكَ تَغَيَّرَ وَذَلَّ. وَذُكِرَ لِي أَنَّ وَجْهَهُ اصْفَرَّ. ثُمَّ قُلْت لَهُمْ: وَمَعَ هَذَا فَلَوْ دَخَلْتُمْ النَّارَ وَخَرَجْتُمْ مِنْهَا سَالِمِينَ حَقِيقَةً وَلَوْ طِرْتُمْ فِي الْهَوَاءِ؛ وَمَشَيْتُمْ عَلَى الْمَاءِ؛ وَلَوْ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا تَدَّعُونَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ. وَلَا عَلَى إبْطَالِ الشَّرْعِ؛ فَإِنَّ الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ يَقُولُ لِلسَّمَاءِ أَمْطِرِي فَتُمْطِرُ؛ وَلِلْأَرْضِ أَنْبِتِي فَتُنْبِتُ وَلِلْخَرِبَةِ أَخْرِجِي كُنُوزَك فَتُخْرِجُ كُنُوزَهَا تَتَّبِعُهُ؛ وَيَقْتُلُ رَجُلًا ثُمَّ يَمْشِي بَيْنَ شِقَّيْهِ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُمْ فَيَقُومُ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ دَجَّالٌ كَذَّابٌ مَلْعُونٌ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَفَعْت صَوْتِي بِذَلِكَ فَكَانَ لِذَلِكَ وَقْعٌ عَظِيمٌ فِي الْقُلُوبِ. وَذَكَرْت قَوْلَ أَبِي يَزِيدَ البسطامي: لَوْ رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَيَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا كَيْفَ وُقُوفُهُ عِنْدَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَذَكَرْت عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَّهُ قَالَ لِلشَّافِعِيِّ أَتَدْرِي مَا قَالَ صَاحِبُنَا يَعْنِي اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ؟ قَالَ: لَوْ رَأَيْت صَاحِبَ هَوًى يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَقَدْ قَصَرَ اللَّيْثُ لَوْ رَأَيْت صَاحِبَ هَوًى يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ؛ وَتَكَلَّمْت فِي هَذَا وَنَحْوِهِ بِكَلَامِ بَعُدَ عَهْدِي بِهِ. وَمَشَايِخُهُمْ الْكِبَارُ يَتَضَرَّعُونَ عِنْدَ الْأَمِيرِ فِي طَلَبِ الصُّلْحِ وَجَعَلْت أُلِحُّ عَلَيْهِ فِي إظْهَارِ مَا أَدْعُوهُ مِنْ النَّارِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يُجِيبُونَ وَقَدْ اجْتَمَعَ عَامَّةُ مَشَايِخِهِمْ الَّذِينَ فِي الْبَلَدِ وَالْفُقَرَاءُ الْمُوَلَّهُونَ مِنْهُمْ وَهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَالنَّاسُ يَضِجُّونَ فِي الْمَيْدَانِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَشْيَاءَ لَا أَضْبِطُهَا. فَذَكَرَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا مَا مَضْمُونُهُ: {فَوَقَعَ الْحَقُّ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/259)
وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} وَذَكَرُوا
أَيْضًا أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ الْكَذَّابَ. وَأَنَّهُ الَّذِي قَصَدَك مَرَّةً فَأَعْطَيْته ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَقُلْت: ظَهَرَ لِي حِينَ أَخَذَ الدَّرَاهِمَ وَذَهَبَ أَنَّهُ مُلْبَسٌ وَكَانَ قَدْ حَكَى حِكَايَةً عَنْ نَفْسِهِ مَضْمُونُهَا أَنَّهُ أَدْخَلَ النَّارَ فِي لِحْيَتِهِ قُدَّامَ صَاحِبِ حَمَاة وَلَمَّا فَارَقَنِي وَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ لِحْيَتَهُ مَدْهُونَةٌ. وَأَنَّهُ دَخَلَ إلَى الرُّومِ وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا ظَهَرَ لِلْحَاضِرِينَ عَجْزُهُمْ وَكَذِبُهُمْ وَتَلْبِيسُهُمْ وَتَبَيَّنَ لِلْأُمَرَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يَشُدُّونَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ رَجَعُوا وَتَخَاطَبَ الْحَاجُّ بِهَادِرِ وَنَائِبُ السُّلْطَانِ وَغَيْرُهُمَا بِصُورَةِ الْحَالِ وَعَرَفُوا حَقِيقَةَ الْمُحَالِ
مسألة: الذين يعملون النار و الإشارات مثل النبل و الزعفران و غير ذلك هل هم أولياء؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 608)
أَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ " الْإِشَارَاتِ " كَالنَّبْلِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْمِسْكِ وَالنَّارِ وَالْجُبَّةِ. فَلَيْسُوا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ بَلْ هُمْ مِنْ أَحْزَابِ الشَّيَاطِينِ وَأَحْوَالُهُمْ شَيْطَانِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ وَهُمْ يُفْسِدُونَ الْعُقُولَ وَالْأَدْيَانَ وَالْأَعْرَاضَ وَالنِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. وَلَا يُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمْ إلَّا جَاهِلٌ عَظِيمُ الْجَهَالَةِ أَوْ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُمْ مِنْ جِنْسِ التتر الْمُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: الذي يأكل الثعابين هل هو صاحب كرامة؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 609)
الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَكْلُ الْخَبَائِثِ وَأَكْلُ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ. فَمَنْ أَكَلَهَا مُسْتَحِلًّا لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. وَمَنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ وَأَكَلَهَا فَإِنَّهُ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ رَجُلًا صَالِحًا وَلَوْ ذَكَّى الْحَيَّةَ لَكَانَ أَكْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ حَرَامًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: {خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ.} فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ ذَلِكَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَسَمَّاهُنَّ فَوَاسِقَ؛ لِأَنَّهُنَّ يَفْسُقْنَ: أَيْ يَخْرُجْنَ عَلَى النَّاسِ وَيَعْتَدِينَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُنَّ كَمَا لَا يُحْتَرَزُ مِنْ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ فَيَكُونُ عُدْوَانُ هَذَا أَعْظَمَ مِنْ عُدْوَانِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَهُنَّ أَخْبَثُ وأحرم. وَأَمَّا الَّذِينَ يَأْكُلُونَ وَيَجْعَلُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ " كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ " فَهُمْ أَشَرُّ حَالًا مِمَّنْ يَأْكُلُهَا مِنْ الْفُسَّاقِ؛ لِأَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ لَا تَكُونُ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ مِنْ أَكْلِ الْخَبَائِثِ كَمَا لَا تَكُونُ بِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَإِنَّمَا هَذِهِ المخاريق الَّتِي يَفْعَلُهَا هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعُونَ: مِنْ الدُّخُولِ فِي النَّارِ وَأَخْذِ الْحَيَّاتِ وَإِخْرَاجِ اللَّاذَنِ وَالسُّكَّرِ وَالدَّمِ وَمَاءِ الْوَرْدِ. هِيَ نَوْعَانِ: " أَحَدُهُمَا " أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِحِيَلِ طَبْعِيَّةٍ. مِثْلِ أَدْهَانٍ مَعْرُوفَةٍ يَذْهَبُونَ وَيَمْشُونَ فِي النَّارِ وَمِثْلُ مَا يَشْرَبُهُ أَحَدُهُمْ مِمَّا يَمْنَعُ سُمَّ الْحَيَّةِ: مِثْلُ أَنْ يُمْسِكَهَا بعنقصتها حَتَّى لَا تَضُرَّهُ وَمِثْلُ أَنْ يُمْسِكَ الْحَيَّةَ الْمَائِيَّةَ وَمِثْلُ أَنْ يَسْلُخَ جِلْدَ الْحَيَّةِ وَيَحْشُوَهُ طَعَامًا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/260)
وَكَمْ قَتَلَتْ الْحَيَّاتُ مِنْ أَتْبَاعِ هَؤُلَاءِ وَمِثْلُ أَنْ يَمْسَحَ جِلْدَهُ بِدَمِ أَخَوَيْنِ؛ فَإِذَا عَرِقَ فِي السَّمَاعِ ظَهَرَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الدَّمَ وَيَصْنَعُ لَهُمْ أَنْوَاعًا مِنْ الْحِيَلِ وَالْمُخَادَعَاتِ. " النَّوْعُ الثَّانِي " وَهُمْ أَعْظَمُ: عِنْدَهُمْ أَحْوَالٌ شَيْطَانِيَّةٌ تَعْتَرِيهِمْ عِنْدَ السَّمَاعِ الشَّيْطَانِيِّ فَتَنْزِلُ الشَّيَاطِينُ عَلَيْهِمْ كَمَا تَدْخُلُ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ وَيَزِيدُ أَحَدُهُمْ كَمَا يَزِيدُ الْمَصْرُوعُ وَحِينَئِذٍ يُبَاشِرُ النَّارَ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَيَكُونُ الشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ تَقْتَرِنُ بِهِمْ الشَّيَاطِينُ مِنْ إخْوَانِهِمْ الَّذِينَ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَطْلُبُهُمْ النَّاسُ لِعِلَاجِ الْمَصْرُوعِ وَهُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ عِنْدَ النَّاسِ فَإِذَا طَلَبُوا تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْمُقَاتِلَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْجِنُّ فَيُحَارِبُ مِثْلَ الْجِنِّ الدَّاخِلِ فِي الْمَصْرُوعِ وَيَسْمَعُ النَّاسُ أَصْوَاتًا وَيَرَوْنَ حِجَارَةً يُرْمَى بِهَا وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَرَى الْإِنْسِيَّ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ الرُّمْحِ الطَّوِيلِ. وَإِنَّمَا الْوَاقِفُ هُوَ الشَّيْطَانُ وَيَرَى النَّاسُ نَارًا تُحْمَى. وَيَضَعُ فِيهَا الْفُؤُوسَ وَالْمَسَاحِيَ ثُمَّ إنَّ الْإِنْسِيَّ يَلْحَسُهَا بِلِسَانِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَيَرَى النَّاسُ هَؤُلَاءِ يُبَاشِرُونَ الْحَيَّاتِ وَالْأَفَاعِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَ مِنْ الْأُمُورِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِمَّا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعُونَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ الْمُلَبِّسُونَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَعَادِيهِ الْمُضَيِّعِينَ لِفَرَائِضِهِ الْمُتَعَدِّينَ لِحُدُودِهِ. وَالْجُهَّالِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ يَظُنُّوهُمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ؛ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَحْوَالُ مِنْ جِنْسِ أَحْوَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْكَافِرِينَ وَالْفَاسِقِينَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَلَا فِعْلِ الْمَحْظُورِ وَلَا إقَامَةِ مَشْيَخَةٍ تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَلَا أَنْ يُعْطِيَ رِزْقَهُ عَلَى مَشْيَخَةٍ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنَّمَا يُعَانُ بِالْأَرْزَاقِ مَنْ قَامَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدَعَا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: هل السماع يؤثر في النفس؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 594)
لَمَّا كَانَ هَذَا السَّمَاعُ لَا يُعْطِي بِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمَعَارِفِ بَلْ قَدْ يَصُدُّ عَنْ ذَلِكَ وَيُعْطِي مَا لَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَلَا أَعْيَانُ مَشَايِخهَا. وَمِنْ نُكَتِهِ أَنَّ الصَّوْتَ يُؤَثِّرُ فِي النَّفْسِ بِحُسْنِهِ: فَتَارَةً يَفْرَحُ وَتَارَةً يَحْزَنُ وَتَارَةً يَغْضَبُ وَتَارَةً يَرْضَى وَإِذَا قَوِيَ أَسْكَرَ الرُّوحَ فَتَصِيرُ فِي لَذَّةٍ مُطْرِبَةٍ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ. كَمَا يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ إذَا سَكِرَتْ بِالرَّقْصِ وَلِلْجَسَدِ أَيْضًا إذَا سَكِرَ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ السُّكْرَ هُوَ الطَّرَبُ الَّذِي يُؤَثِّرُ لَذَّةً بِلَا عَقْلٍ فَلَا تَقُومُ مَنْفَعَتُهُ بِتِلْكَ اللَّذَّةِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْبَةِ الْعَقْلِ الَّتِي صَدَّتْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَأَوْقَعَتْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ. وَ " بِالْجُمْلَةِ " فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْلَمَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُقَرِّبُ إلَى الْجَنَّةِ إلَّا وَقَدْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/261)
حَدَّثَ بِهِ وَلَا شَيْئًا يُبْعِدُ عَنْ النَّارِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ وَأَنَّ هَذَا السَّمَاعَ لَوْ كَانَ مَصْلَحَةً لَشَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وَإِذَا وَجَدَ فِيهِ مَنْفَعَةً لِقَلْبِهِ وَلَمْ يَجِدْ شَاهِدَ ذَلِكَ لَا مِنْ الْكِتَابِ وَلَا مِنْ السُّنَّةِ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري: كُلُّ وَجْدٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الداراني: إنَّهُ لَتَلُمُّ بِقَلْبِي النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ الْقَوْمِ فَلَا أَقْبَلُهَا إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ: الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ أَيْضًا: لَيْسَ لِمَنْ أُلْهِمَ شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ أَنْ يَفْعَلَهُ حَتَّى يَجِدَ فِيهِ أَثَرًا فَإِذَا وَجَدَ فِيهِ أَثَرًا كَانَ نُورًا عَلَى نُورٍ. وَقَالَ الْجُنَيْد بْنُ مُحَمَّدٍ: عِلْمُنَا هَذَا مُقَيَّدٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَمَنْ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكْتُبْ الْحَدِيثَ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي عِلْمِنَا. وَ " أَيْضًا " فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي الْكِتَابِ {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} قَالَ السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ: " الْمُكَاءُ " كَالصَّفِيرِ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّصْوِيتِ مِثْلِ الْغِنَاءِ. وَ " التَّصْدِيَةِ ": التَّصْفِيقُ بِالْيَدِ. فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ التَّصْدِيَةَ وَالْغِنَاءَ لَهُمْ صَلَاةً وَعِبَادَةً وَقُرْبَةً يعتاضون بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ: فَصَلَاتُهُمْ وَعِبَادَتُهُمْ الْقُرْآنُ وَاسْتِمَاعُهُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَذِكْرُ اللَّهِ وَدُعَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَمَنْ اتَّخَذَ الْغِنَاءَ وَالتَّصْفِيقَ عِبَادَةً وَقُرْبَةً فَقَدْ ضَاهَى الْمُشْرِكِينَ فِي ذَلِكَ وَشَابَهَهُمْ فِيمَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُؤْمِنِينَ: الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَإِنْ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي بُيُوتِ اللَّهِ فَقَدْ زَادَ فِي مُشَابَهَتِهِ أَكْبَرَ وَأَكْبَرَ وَاشْتَغَلَ بِهِ عَنْ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَدُعَائِهِ فَقَدْ عَظُمَتْ مُشَابَهَتُهُ لَهُمْ. وَصَارَ لَهُ كِفْلٌ عَظِيمٌ مِنْ الذَّمِّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} لَكِنْ قَدْ يُغْفَرُ لَهُ ذَلِكَ لِاجْتِهَادِهِ أَوْ لِحَسَنَاتِ مَاحِيَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فِيمَا يُفَرِّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. لَكِنْ مُفَارَقَتُهُ لِلْمُشْرِكِينَ فِي غَيْرِ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا خَارِجًا عَنْ الشَّرِيعَةِ دَاخِلًا فِي الْبِدْعَةِ الَّتِي ضَاهَى بِهَا الْمُشْرِكِينَ فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لَهُ لِهَذَا وَيُفَرِّقَ بَيْنَ سَمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَسَمَاعِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ.
مسألة: كيف تحصل الأحوال الشيطانية مثلما حصل للحلاج؟
مجموع الفتاوى - (ج 35 / ص 111)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/262)
قَدْ جَزِعَ وَقْتَ الْقَتْلِ وَأَظْهَرَ التَّوْبَةَ وَالسُّنَّةَ فَلَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ. وَلَوْ عَاشَ افْتَتَنَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْجُهَّالِ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ خُزَعْبَلَاتِ بهتانية وَأَحْوَالٍ شَيْطَانِيَّةٍ. وَلِهَذَا إنَّمَا يُعَظِّمُهُ مَنْ يُعَظِّمُ الْأَحْوَالَ الشَّيْطَانِيَّةَ والنفسانية والبهتانية. وَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْعَالِمُونَ بِحَالِ الْحَلَّاجِ فَلَيْسَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ يُعَظِّمُهُ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ القشيري فِي مَشَايِخِ رِسَالَتِهِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ مِنْ كَلَامِهِ كَلِمَاتٍ اسْتَحْسَنَهَا. وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو يَعْقُوبَ النهرجوري قَدّ زَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ فَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَى زَنْدَقَتِهِ نَزَعَهَا مِنْهُ. وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ كَافِرٌ وَيَقُولُ: كُنْت مَعَهُ فَسَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ: أَقْدِرُ أَنْ أُصَنِّفَ مِثْلَ هَذَا الْقُرْآنَ. أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ. وَكَانَ يُظْهِرُ عِنْدَ كُلِّ قَوْمٍ مَا يَسْتَجْلِبُهُمْ بِهِ إلَى تَعْظِيمِهِ؛ فَيُظْهِرُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ سُنِّيٌّ وَعِنْدَ أَهْلِ الشِّيعَةِ أَنَّهُ شِيعِيٌّ وَيَلْبَسُ لِبَاسَ الزُّهَّادِ تَارَةً وَلِبَاسَ الْأَجْنَادِ تَارَةً. وَكَانَ مِنْ " مخاريقه " أَنَّهُ بَعَثَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ إلَى مَكَانٍ فِي الْبَرِيَّةِ يُخَبِّئُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْفَاكِهَةِ وَالْحَلْوَى ثُمَّ يَجِيءُ بِجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَيَقُولُ لَهُمْ: مَا تَشْتَهُونَ أَنْ آتِيَكُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْبَرِيَّةِ؟ فَيَشْتَهِي أَحَدُهُمْ فَاكِهَةً أَوْ حَلَاوَةً فَيَقُولُ: اُمْكُثُوا؛ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيَأْتِي بِمَا خَبَّأَ أَوْ بِبَعْضِهِ فَيَظُنُّ الْحَاضِرُونَ أَنَّ هَذِهِ كَرَامَةٌ لَهُ وَكَانَ صَاحِبُ سِيمَا وَشَيَاطِينَ تَخْدِمُهُ أَحْيَانًا كَانُوا مَعَهُ عَلَى جَبَل أَبِي قبيس فَطَلَبُوا مِنْهُ حَلَاوَةً فَذَهَبَ إلَى مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْهُمْ وَجَاءَ بِصَحْنِ حَلْوَى فَكَشَفُوا الْأَمْرَ فَوَجَدُوا ذَلِكَ قَدْ سُرِقَ مِنْ دُكَّانِ حلاوي بِالْيَمَنِ حَمَلَهُ شَيْطَانٌ مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ. وَمِثْلُ هَذَا يَحْصُلُ كَثِيرًا لِغَيْرِ الْحَلَّاجِ مِمَّنْ لَهُ حَالٌ شَيْطَانِيٌّ وَنَحْنُ نَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِ زَمَانِنَا: مِثْلَ شَخْصٍ هُوَ الْآنَ بِدِمَشْقَ كَانَ الشَّيْطَانُ يَحْمِلُهُ مِنْ جَبَلِ الصالحية إلَى قَرْيَةٍ حَوْلَ دِمَشْقَ فَيَجِيءُ مِنْ الْهَوَى إلَى طَاقَةِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ النَّاسُ فَيَدْخُلُ وَهُمْ يَرَوْنَهُ. وَيَجِيءُ بِاللَّيْلِ إلَى " بَابِ الصَّغِيرِ " فَيَعْبُرُ مِنْهُ هُوَ وَرُفْقَتُهُ وَهُوَ مِنْ أَفْجَرِ النَّاسِ. وَآخَرُ كَانَ بالشويك فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: " الشَّاهِدَةُ " يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ إلَى رَأْسِ الْجَبَلِ وَالنَّاسُ يَرَوْنَهُ وَكَانَ شَيْطَانٌ يَحْمِلُهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ. وَأَكْثَرُهُمْ شُيُوخُ الشَّرِّ يُقَالُ لِأَحَدِهِمْ " الْبَوَّيْ " أَيْ الْمُخْبَثُ يَنْصِبُونَ لَهُ حَرَكَاتٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَيَصْنَعُونَ خُبْزًا عَلَى سَبِيلِ الْقُرُبَاتِ فَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَلَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ مَنْ يَذْكُرُ اللَّهَ وَلَا كِتَابٌ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ؛ ثُمَّ يَصْعَدُ ذَلِكَ الْبَوَاء فِي الْهَوَى وَهُمْ يَرَوْنَهُ. وَيَسْمَعُونَ خِطَابَهُ لِلشَّيْطَانِ وَخِطَابَ الشَّيْطَانِ لَهُ وَمَنْ ضَحِكَ أَوْ شَرَقَ بِالْخُبْزِ ضَرَبَهُ الدُّفُّ. وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَضْرِبُ بِهِ. ثُمَّ إنَّ الشَّيْطَانَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ مَا يَسْأَلُونَهُ عَنْهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُقَرِّبُوا لَهُ بَقَرًا وَخَيْلًا وَغَيْرَ ذَلِكَ وَأَنْ يَخْنُقُوهَا خَنْقًا وَلَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَإِذَا فَعَلُوا قَضَى حَاجَتَهُمْ. وَشَيْخٌ آخَرُ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/263)
يَزْنِي بِالنِّسَاءِ ويتلوط بِالصِّبْيَانِ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ " الْحِوَارَات " وَكَانَ يَقُولُ: يَأْتِينِي كَلْبٌ أَسْوَدُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَتَانِ بَيْضَاوَانِ فَيَقُولُ لِي: فُلَانٌ إنَّ فُلَانًا نَذَرَ لَك نَذْرًا وَغَدًا يَأْتِيك بِهِ وَأَنَا قَضَيْت حَاجَتَهُ لِأَجْلِك فَيُصْبِحُ ذَلِكَ الشَّخْصُ يَأْتِيهِ بِذَلِكَ النَّذْرِ؛ وَيُكَاشِفُهُ هَذَا الشَّيْخُ الْكَافِرُ. قَالَ: وَكُنْت إذَا طَلَبَ مِنِّي تَغْيِيرَ مِثْلِ اللَّاذَنِ أَقُولُ حَتَّى أَغِيبَ عَنْ عَقْلِي؛ وَإِذْ بِاللَّاذَنِ فِي يَدِي أَوْ فِي فَمِي وَأَنَا لَا أَدْرِي مَنْ وَضَعَهُ قَالَ: وَكُنْت أَمْشِي وَبَيْنَ يَدَيَّ عَمُودٌ أَسْوَدُ عَلَيْهِ نُورٌ. فَلَمَّا تَابَ هَذَا الشَّيْخُ وَصَارَ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ: ذَهَبَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَذَهَبَ التَّغْيِيرُ؛ فَلَا يُؤْتَى بِلَاذَنِ وَلَا غَيْرِهِ. وَشَيْخٌ آخَرُ كَانَ لَهُ شَيَاطِينُ يُرْسِلُهُمْ يَصْرَعُونَ بَعْضَ النَّاسِ فَيَأْتِي أَهْلُ ذَلِكَ الْمَصْرُوعِ إلَى الشَّيْخِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ إبْرَاءَهُ فَيُرْسِلُ إلَى أَتْبَاعِهِ فَيُفَارِقُونَ ذَلِكَ الْمَصْرُوعَ وَيُعْطُونَ ذَلِكَ الشَّيْخَ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً. وَكَانَ أَحْيَانًا تَأْتِيهِ الْجِنُّ بِدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ تَسْرِقُهُ مِنْ النَّاسِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ لَهُ تِينٌ فِي كوارة فَيَطْلُبُ الشَّيْخُ مِنْ شَيَاطِينِهِ تِينًا فَيُحْضِرُونَهُ لَهُ فَيَطْلُبُ أَصْحَابُ الْكُوَّارَةِ التِّينَ فَوَجَدُوهُ قَدْ ذَهَبَ. وَآخَرُ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ فَجَاءَتْهُ الشَّيَاطِينُ أَغْرَتْهُ وَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ نُسْقِطُ عَنْك الصَّلَاةَ وَنُحْضِرُ لَك مَا تُرِيدُ. فَكَانُوا يَأْتُونَهُ بِالْحَلْوَى وَالْفَاكِهَةِ حَتَّى حَضَرَ عِنْدَ بَعْضِ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ بِالسُّنَّةِ فَاسْتَتَابَهُ وَأَعْطَى أَهْلَ الْحَلَاوَةِ ثَمَنَ حَلَاوَتِهِمْ الَّتِي أَكَلَهَا ذَلِكَ الْمَفْتُونُ بِالشَّيْطَانِ. فَكُلٌّ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَانَ لَهُ حَالٌ: مِنْ مُكَاشَفَةٍ أَوْ تَأْثِيرٍ؛ فَإِنَّهُ صَاحِبُ حَالٍ نَفْسَانِيٍّ؛ أَوْ شَيْطَانِيٍّ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَالٌ بَلْ هُوَ يَتَشَبَّهُ بِأَصْحَابِ الْأَحْوَالِ فَهُوَ صَاحِبُ حَالٍ بهتاني. وَعَامَّةُ أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْحَالِ الشَّيْطَانِيِّ وَالْحَالِ البهتاني كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}. و " الْحَلَّاجُ " كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ هَؤُلَاءِ: أَهْلُ الْحَالِ الشَّيْطَانِيِّ وَالْحَالِ البهتاني. وَهَؤُلَاءِ طَوَائِفُ كَثِيرَةٌ.
فَأَئِمَّةُ هَؤُلَاءِ هُمْ شُيُوخُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ مِثْلَ الْكُهَّانِ وَالسَّحَرَةِ الَّذِينَ كَانُوا لِلْعَرَبِ الْمُشْرِكِينَ وَمِثْلَ الْكُهَّانِ الَّذِينَ هُمْ بِأَرْضِ الْهِنْدِ وَالتُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ إذَا مَاتَ لَهُمْ مَيِّتٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَجِيءُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ فَيُكَلِّمُهُمْ وَيَقْضِي دُيُونَهُ وَيَرُدُّ وَدَائِعَهُ وَيُوصِيهِمْ بِوَصَايَا فَإِنَّهُمْ تَأْتِيهِمْ تِلْكَ الصُّورَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْحَيَاةِ وَهُوَ شَيْطَانٌ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِهِ؛ فَيَظُنُّونَهُ إيَّاهُ. وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَسْتَغِيثُ بِالْمَشَايِخِ فَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَوْ يَا شَيْخُ فُلَانٍ اقْضِ حَاجَتِي. فَيَرَى صُورَةَ ذَلِكَ الشَّيْخِ تُخَاطِبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا أَقْضِي حَاجَتَك وَأُطَيِّبُ قَلْبَك فَيَقْضِي حَاجَتَهُ أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ عَدُوَّهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ شَيْطَانًا قَدْ تَمَثَّلَ فِي صُورَتِهِ لَمَّا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَدَعَا غَيْرَهُ. وَأَنَا أَعْرِفُ مِنْ هَذَا وَقَائِعُ مُتَعَدِّدَةٌ؛ حَتَّى إنَّ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِي ذَكَرُوا أَنَّهُمْ اسْتَغَاثُوا بِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/264)
فِي شَدَائِدَ أَصَابَتْهُمْ. أَحَدُهُمْ كَانَ خَائِفًا مِنْ الْأَرْمَنِ وَالْآخَرُ كَانَ خَائِفًا مِنْ التتر: فَذَكَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَغَاثَ بِي رَآنِي فِي الْهَوَاءِ وَقَدْ دَفَعْت عَنْهُ عَدُوَّهُ. فَأَخْبَرْتهمْ أَنِّي لَمْ أَشْعُرْ بِهَذَا وَلَا دَفَعْت عَنْكُمْ شَيْئًا؛ وَإِنَّمَا هَذَا الشَّيْطَانُ تَمَثَّلَ لِأَحَدِهِمْ فَأَغْوَاهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
مسألة: ما هي الأرواح التي تخاطبهم؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 238)
هَؤُلَاءِ تَأْتِيهِمْ أَرْوَاحٌ تُخَاطِبُهُمْ وَتَتَمَثَّلُ لَهُمْ وَهِيَ جِنٌّ وَشَيَاطِينُ فَيَظُنُّونَهَا مَلَائِكَةً كَالْأَرْوَاحِ الَّتِي تُخَاطِبُ مَنْ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ وَكَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا ظَهَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ: الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ " {سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ} " وَكَانَ الْكَذَّابُ: الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْمُبِيرُ: الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ. فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْزِلُ إلَيْهِ فَقَالَا: صَدَقَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيم}
وَقَالَ الْآخَرُ وَقِيلَ لَهُ إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ}. وَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ الشَّيْطَانِيَّةُ هِيَ الرُّوحُ الَّذِي يَزْعُمُ صَاحِبُ " الْفُتُوحَاتِ " أَنَّهُ أُلْقِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ؛ وَلِهَذَا يَذْكُرُ أَنْوَاعًا مِنْ الْخَلَوَاتِ بِطَعَامِ مُعَيَّنٍ وَشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهَذِهِ مِمَّا تَفْتَحُ لِصَاحِبِهَا اتِّصَالًا بِالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ فَيَظُنُّونَ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَأَعْرِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ عَدَدًا وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ وَيَعُودُ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُؤْتَى بِمَالِ مَسْرُوقٍ تَسْرِقُهُ الشَّيَاطِينُ وَتَأْتِيه بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَتْ تَدُلُّهُ عَلَى السَّرِقَاتِ بِجُعْلِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ النَّاسِ أَوْ بِعَطَاءِ يعطونه إذَا دَلَّهُمْ عَلَى سَرِقَاتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَمَّا كَانَتْ أَحْوَالُ هَؤُلَاءِ شَيْطَانِيَّةً كَانُوا مُنَاقِضِينَ لِلرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ " الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ " وَ " الْفُصُوصِ " وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ يَمْدَحُ الْكُفَّارُ مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَفِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمْ وَيَتَنَقَّصُ الْأَنْبِيَاءُ: كَنُوحِ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَيَذُمُّ شُيُوخَ الْمُسْلِمِينَ الْمَحْمُودِينَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ: كالْجُنَيْد بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التستري وَيَمْدَحُ الْمَذْمُومِينَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ: كَالْحَلَّاجِ وَنَحْوِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَجَلِّيَاتِهِ الْخَيَالِيَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ
مسألة: كيف يخبرون بالمغيبات؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 283)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/265)
الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ مِثْلُ حَالِ {عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيَّادٍ الَّذِي ظَهَرَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَدْ ظَنَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ الدَّجَّالُ وَتَوَقَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الدَّجَّالُ؛ لَكِنَّهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكُهَّانِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَبَّأْت لَك خَبْئًا قَالَ: الدُّخُّ الدُّخُّ. وَقَدْ كَانَ خَبَّأَ لَهُ سُورَةَ الدُّخَانِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَك} " يَعْنِي إنَّمَا أَنْتَ مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ؛ وَالْكُهَّانُ كَانَ يَكُونُ لِأَحَدِهِمْ الْقَرِينُ مِنْ الشَّيَاطِينِ يُخْبِرُهُ بِكَثِيرِ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ بِمَا يَسْتَرِقُهُ مِنْ السَّمْعِ وَكَانُوا يَخْلِطُونَ الصِّدْقَ بِالْكَذِبِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قَالَ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الْأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتُوحِيه إلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} "
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " {بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ إذْ رُمِيَ بِنَجْمِ فَاسْتَنَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالُوا كُنَّا نَقُولُ يَمُوتُ عَظِيمٌ أَوْ يُولَدُ عَظِيمٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يُرْمَى بِهَا لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ؛ وَلَكِنَّ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا قَضَى أَمْرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثُمَّ سَبَّحَ أَهْلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَهْلَ هَذِهِ السَّمَاءِ ثُمَّ يَسْأَلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ حَمَلَةَ الْعَرْشِ مَاذَا قَالَ رَبُّنَا؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ ثُمَّ يَسْتَخْبِرُ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَهْلَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَتَخْطَفُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَيَرْمُونَ فَيَقْذِفُونَهُ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ فَمَا جَاءُوا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَلَكِنَّهُمْ يَزِيدُونَ} ". وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مُعَمَّرٌ قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: أَكَانَ يُرْمَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنَّهَا غَلُظَتْ حِينَ بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَ " الْأَسْوَدُ العنسي " الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَانَ لَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُخْبِرُهُ بِبَعْضِ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ فَلَمَّا قَاتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ الشَّيَاطِينِ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِمَا يَقُولُونَ فِيهِ: حَتَّى أَعَانَتْهُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهَا كُفْرُهُ فَقَتَلُوهُ.
وَكَذَلِكَ " مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ " كَانَ مَعَهُ مِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يُخْبِرُهُ. بِالْمُغَيَّبَاتِ وَيُعِينُهُ عَلَى بَعْضِ الْأُمُورِ وَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ كَثِيرُونَ مِثْلُ: الْحَارِثِ الدِّمَشْقِيِّ " الَّذِي خَرَجَ بِالشَّامِ زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ يُخْرِجُونَ رِجْلَيْهِ مِنْ الْقَيْدِ وَتَمْنَعُ السِّلَاحَ أَنْ يَنْفُذَ فِيهِ وَتُسَبِّحُ الرَّخَامَةُ إذَا مَسَحَهَا بِيَدِهِ وَكَانَ يَرَى النَّاسَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا عَلَى خَيْلٍ فِي الْهَوَاءِ وَيَقُولُ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ وَإِنَّمَا كَانُوا جِنًّا وَلَمَّا أَمْسَكَهُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/266)
الْمُسْلِمُونَ لِيَقْتُلُوهُ طَعَنَهُ الطَّاعِنُ بِالرُّمْحِ فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنَّك لَمْ تُسَمِّ اللَّهَ فَسَمَّى اللَّهَ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ.
مسألة: ما سبب الأحوال الشيطانية؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 287)
الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ " سَبَبُهَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالشِّرْكُ وَالظُّلْمُ وَالْفَوَاحِشُ قَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ فَلَا تَكُونُ سَبَبًا لِكَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَرَامَاتِ عَلَيْهَا فَإِذَا كَانَتْ لَا تَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَلْ تَحْصُلُ بِمَا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَبِالْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ كَالِاسْتِغَاثَةِ بِالْمَخْلُوقَاتِ أَوْ كَانَتْ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى ظُلْمِ الْخَلْقِ وَفِعْلِ الْفَوَاحِشِ فَهِيَ مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ لَا مِنْ الْكَرَامَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ إذَا حَضَرَ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ حَتَّى يَحْمِلَهُ فِي الْهَوَاءِ وَيُخْرِجَهُ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ فَإِذَا حَصَلَ رَجُلٌ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى طَرْدَ شَيْطَانِهِ فَيَسْقُطُ كَمَا جَرَى هَذَا لِغَيْرِ وَاحِدٍ.
مسألة: ما حكم ما يعطى لهم في الحال الشيطاني؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 418)
بِتْنَا بِمَكَانِ وَأَرَادُوا أَنْ يُقِيمُوا سَمَاعًا وَأَنْ أَحْضُرَ مَعَهُمْ فَامْتَنَعْت مِنْ ذَلِكَ فَجَعَلُوا لِي مَكَانًا مُنْفَرِدًا قَعَدْت فِيهِ فَلَمَّا سَمِعُوا وَحَصَلَ الْوَجْدُ وَالْحَالُ صَارَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ يَهْتِفُ بِي فِي حَالِ وَجْدِهِ وَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ جَاءَك نَصِيبٌ عَظِيمٌ تَعَالَ خُذْ نَصِيبَك فَقُلْت فِي نَفْسِي ثُمَّ أَظْهَرْته لَهُمْ لَمَّا اجْتَمَعْنَا: أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ هَذَا النَّصِيبِ فَكُلُّ نَصِيبٍ لَا يَأْتِي عَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَا آكُلُ مِنْهُ شَيْئًا. وَتَبَيَّنَ لِبَعْضِ مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِمَّنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَعِلْمٌ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُمْ الشَّيَاطِينُ وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ سَكْرَانُ بِالْخَمْرِ. وَاَلَّذِي قُلْته مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا النَّصِيبَ وَهَذِهِ الْعَطِيَّةَ وَالْمَوْهِبَةَ وَالْحَالَ سَبَبُهَا غَيْرُ شَرْعِيٍّ لَيْسَ هُوَ طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا شَرَعَهَا الرَّسُولُ فَهُوَ مِثْلُ مَنْ يَقُولُ: تَعَالَ اشْرَبْ مَعَنَا الْخَمْرَ وَنَحْنُ نُعْطِيك هَذَا الْمَالَ أَوْ عَظِّمْ هَذَا الصَّنَمَ وَنَحْنُ نُوَلِّيك هَذِهِ الْوِلَايَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ نَذْرًا لِغَيْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مِثْلَ أَنْ يَنْذِرَ لِصَنَمِ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ نَجْمٍ أَوْ شَيْخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النُّذُورِ الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ فَإِذَا أَشْرَكَ بِالنَّذْرِ فَقَدْ يُعْطِيهِ الشَّيْطَانُ بَعْضَ حَوَائِجِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السِّحْرِ.
مسألة: هل هم مكلفون حال زوال عقلهم؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 442)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/267)
إنْ كَانَ زَوَالُ عَقْلِهِ بِسَبَبِ مُحَرَّمٍ: كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْحَشِيشَةِ أَوْ كَانَ يَحْضُرُ السَّمَاعَ الْمُلَحَّنَ فَيَسْتَمِعُ حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ أَوْ الَّذِي يَتَعَبَّدُ بِعِبَادَاتِ بِدْعِيَّةٍ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهِ بَعْضُ الشَّيَاطِينِ فَيُغَيِّرُوا عَقْلَهُ أَوْ يَأْكُلُ بَنْجًا يُزِيلُ عَقْلَهُ فَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ عَلَى مَا أَزَالُوا بِهِ الْعُقُولَ. وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَسْتَجْلِبُ الْحَالَ الشَّيْطَانِيَّ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يُحِبُّهُ فَيَرْقُصَ رَقْصًا عَظِيمًا حَتَّى يَغِيبَ عَقْلُهُ أَوْ يَغُطَّ وَيَخُورَ حَتَّى يَجِيئَهُ الْحَالُ الشَّيْطَانِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقْصِدُ التَّوَلُّهَ حَتَّى يَصِيرَ مُولَهًا. فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مِنْ حِزْبِ الشَّيْطَانِ وَهَذَا مَعْرُوفٌ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُمْ " مُكَلَّفُونَ " فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِمْ؟ وَالْأَصْلُ " مَسْأَلَةُ السَّكْرَانِ " وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ مُكَلَّفٌ حَالَ زَوَالِ عَقْلِهِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ وَهَذَا أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَالَ عَقْلُهُمْ بِمِثْلِ هَذَا يَكُونُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُوَحِّدِينَ الْمُقَرَّبِينَ وَحِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ. وَمَنْ ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ عُقَلَاءِ الْمَجَانِينِ الَّذِينَ ذَكَرُوهُمْ بِخَيْرِ فَهُمْ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ كَانَ فِيهِمْ خَيْرٌ ثُمَّ زَالَتْ عُقُولُهُمْ.
مسألة: أصحاب شهود القدر هل خرقهم للعادة شيطاني؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 499)
مِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْوُقُوفَ مَعَ إرَادَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ يَكُونُ فِي السُّلُوكِ وَالْبِدَايَةِ وَأَمَّا فِي النِّهَايَةِ فَلَا تَبْقَى إلَّا إرَادَةُ الْقَدَرِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَوْلٌ بِسُقُوطِ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَالطَّاعَةَ لَهُ وَلِرَسُولِهِ إنَّمَا تَكُونُ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ لَا فِي الْجَرْيِ مَعَ الْمَقْدُورِ وَإِنْ كَانَ كُفْرًا أَوْ فَسُوقًا أَوْ عِصْيَانًا وَمِنْ هُنَا صَارَ كَثِيرٌ مِنْ السَّالِكِينَ مِنْ أَعْوَانِ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ وَخُفَرَائِهِمْ حَيْثُ شَهِدُوا الْقَدَرَ مَعَهُمْ؛ وَلَمْ يَشْهَدُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ الشَّرْعِيَّيْنِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ: مَنْ شَهِدَ الْقَدَرَ سَقَطَ عَنْهُ الْمُلَامُ. وَيَقُولُونَ إنَّ الْخَضِرَ إنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ الْمُلَامُ لَمَّا شَهِدَ الْقَدَرَ. وَأَصْحَابُ شُهُودِ الْقَدَرِ قَدْ يُؤْتَى أَحَدُهُمْ مُلْكًا مِنْ جِهَةِ خَرْقِ الْعَادَةِ بِالْكَشْفِ وَالتَّصَرُّفِ فَيَظُنُّ ذَلِكَ كَمَالًا فِي الْوِلَايَةِ؛ وَتَكُونُ تِلْكَ " الْخَوَارِقُ " إنَّمَا حَصَلَتْ بِأَسْبَابِ شَيْطَانِيَّةٍ وَأَهْوَاءٍ نَفْسَانِيَّةٍ
مسألة: متى تنصرف عنهم الأحوال الشيطانية؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 285)
أَهْلُ " الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ " تَنْصَرِفُ عَنْهُمْ شَيَاطِينُهُمْ إذَا ذُكِرَ عِنْدَهُمْ مَا يَطْرُدُهَا مِثْلُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {لَمَّا وَكَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فَسَرَقَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ وَهُوَ يُمْسِكُهُ فَيَتُوبَ فَيُطْلِقَهُ فَيَقُولُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ أَسِيرُك الْبَارِحَةَ فَيَقُولُ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ فَيَقُولُ كَذَبَك وَإِنَّهُ سَيَعُودُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/268)
فَلَمَّا كَانَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أُعَلِّمَك مَا يَنْفَعُك: إذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْك مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَدَقَك وَهُوَ كَذُوبٌ} " وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ شَيْطَانٌ. وَلِهَذَا إذَا قَرَأَهَا الْإِنْسَانُ عِنْدَ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِصِدْقِ أَبْطَلَتْهَا مِثْلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ بِحَالِ شَيْطَانِيٍّ أَوْ يَحْضُرُ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ فَتَنْزِلُ عَلَيْهِ الشَّيَاطِينُ وَتَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ كَلَامًا لَا يُعْلَمُ وَرُبَّمَا لَا يُفْقَهُ وَرُبَّمَا كَاشَفَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ بِمَا فِي قَلْبِهِ وَرُبَّمَا تَكَلَّمَ بِأَلْسِنَةِ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا يَتَكَلَّمُ الْجِنِّيُّ عَلَى لِسَانِ الْمَصْرُوعِ وَالْإِنْسَانُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الْحَالُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَصْرُوعِ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ وَلَبِسَهُ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ فَإِذَا أَفَاقَ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ مِمَّا قَالَ وَلِهَذَا قَدْ يُضْرَبُ الْمَصْرُوعُ وَذَلِكَ الضَّرْبُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِنْسِيِّ وَيُخْبِرُ إذَا أَفَاقَ أَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءِ لِأَنَّ الضَّرْبَ كَانَ عَلَى الْجِنِّيِّ الَّذِي لَبِسَهُ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَأْتِيه الشَّيْطَانُ بِأَطْعِمَةِ وَفَوَاكِهَ وَحَلْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَطِيرُ بِهِمْ الْجِنِّيُّ إلَى مَكَّةَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ ثُمَّ يُعِيدُهُ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلَا يَحُجُّ حَجًّا شَرْعِيًّا؛ بَلْ يَذْهَبُ بِثِيَابِهِ وَلَا يُحْرِمُ إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ وَلَا يُلَبِّي وَلَا يَقِفُ بمزدلفة وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ؛ وَلَا يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا يَرْمِي الْجِمَارَ بَلْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ بِثِيَابِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ مِنْ لَيْلَتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجِّ وَلِهَذَا رَأَى بَعْضُ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ الْحُجَّاجَ فَقَالَ أَلَا تَكْتُبُونِي؟ فَقَالُوا لَسْت مِنْ الْحُجَّاجِ. يَعْنِي حَجًّا شَرْعِيًّا.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 470)
بِأَيِّ شَيْءٍ تَبْطُلُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ. فَقُلْت: بِهَذِهِ السِّيَاطِ الشَّرْعِيَّةِ. فَأُعْجِبَ الْأَمِيرُ وَضَحِكَ وَقَالَ: أَيْ وَاَللَّهِ بِالسِّيَاطِ الشَّرْعِيَّةِ تَبْطُلُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ كَمَا قَدْ جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ إلَى الدِّينِ بِالسِّيَاطِ الشَّرْعِيَّةِ فَبِالسُّيُوفِ الْمُحَمَّدِيَّةِ.
مسألة: هل يجب نهيهم؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 668)
هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ الَّذِينَ يَجِبُ نَهْيُهُمْ وَاسْتِتَابَتُهُمْ وَمَنْعُهُمْ مِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَالشِّرْكِ وَالْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَأَمْرِهِمْ بِمَاَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخَافَهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} {إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/269)
عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}.
مسألة: ما هي المعجزة؟ و ما صحة جعل المعجزة للنبي و الكرامة للولي؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 311)
اسْمُ " الْمُعْجِزَةِ " يَعُمُّ كُلَّ خَارِقٍ لِلْعَادَةِ فِي اللُّغَةِ وَعُرْفِ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ - وَيُسَمُّونَهَا: الْآيَاتِ - لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ يُفَرِّقُ فِي اللَّفْظِ بَيْنَهُمَا فَيَجْعَلُ " الْمُعْجِزَةَ " لِلنَّبِيِّ وَ " الْكَرَامَةَ " لِلْوَلِيِّ وَجِمَاعُهُمَا الْأَمْرُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ.
مسألة: إلام ترجع صفات الكمال؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 312)
نَقُولُ: صِفَاتُ الْكَمَالِ تَرْجِعُ إلَى " ثَلَاثَةٍ ": الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْغِنَى. وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُولَ: الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ. وَالْقُدْرَةُ إمَّا عَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ التَّأْثِيرُ وَإِمَّا عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ الْغِنَى وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ. وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تَصْلُحُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ إلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ؛ فَإِنَّهُ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ. وَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إنِّي مَلَكٌ إنْ أَتَّبِعُ إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ} وَكَذَلِكَ قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَهَذَا أَوَّلُ أُولِي الْعَزْمِ وَأَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. وَهَذَا خَاتَمُ الرُّسُلِ وَخَاتَمُ أُولِي الْعَزْمِ كِلَاهُمَا يَتَبَرَّأُ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا لِأَنَّهُمْ يُطَالِبُونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً بِعِلْمِ الْغَيْبِ كَقَوْلِهِ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} و {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} وَتَارَةً بِالتَّأْثِيرِ كَقَوْلِهِ: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا} {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} إلَى قَوْلِهِ {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلَّا بَشَرًا رَسُولًا} وَتَارَةً يَعِيبُونَ عَلَيْهِ الْحَاجَةَ الْبَشَرِيَّةَ كَقَوْلِهِ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} {أَوْ يُلْقَى إلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا}. فَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا يَمْلِكُ خَزَائِنَ اللَّهِ وَلَا هُوَ مَلَكٌ غَنِيٌّ عَنْ الْأَكْلِ وَالْمَالِ إنْ هُوَ إلَّا مُتَّبِعٌ لِمَا أُوحِيَ إلَيْهِ وَاتِّبَاعُ مَا أُوحِيَ إلَيْهِ هُوَ الدِّينُ وَهُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَعِبَادَتُهُ عِلْمًا وَعَمَلًا بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ
مسألة هل ينال العبد من صفة العلم الخارق للعادة؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 313)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/270)
إِنَّمَا يَنَالُ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ بِقَدْرِ مَا يُعْطِيه اللَّهُ تَعَالَى فَيَعْلَمُ مِنْهُ مَا عَلَّمَهُ إيَّاهُ وَيَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى مَا أَقْدَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْنِي عَمَّا أَغْنَاهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةِ لِلْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ أَوْ لِعَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ. فَمَا كَانَ مِنْ الْخَوَارِقِ مِنْ " بَابِ الْعِلْمِ " فَتَارَةً بِأَنْ يُسْمِعَ الْعَبْدَ مَا لَا يَسْمَعُهُ غَيْرُهُ. وَتَارَةً بِأَنْ يَرَى مَا لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ يَقَظَةً وَمَنَامًا. وَتَارَةً بِأَنْ يَعْلَمَ مَا لَا يَعْلَمُ غَيْرُهُ وَحْيًا وَإِلْهَامًا أَوْ إنْزَالُ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ أَوْ فِرَاسَةٍ صَادِقَةٍ وَيُسَمَّى كَشْفًا وَمُشَاهَدَاتٍ وَمُكَاشَفَاتٍ وَمُخَاطَبَاتٍ: فَالسَّمَاعُ مُخَاطَبَاتٌ وَالرُّؤْيَةُ مُشَاهَدَاتٌ وَالْعِلْمُ مُكَاشَفَةٌ وَيُسَمَّى ذَلِكَ كُلُّهُ " كَشْفًا " وَ " مُكَاشَفَةً " أَيْ كَشَفَ لَهُ عَنْهُ.
مسألة: ما أقسام هذا السماع و الرؤية الخارقة للعادة؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 636)
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
فَصْلٌ:
قَدْ كَتَبْت فِيمَا تَقَدَّمَ: الْكَلَامَ فِي " الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ " وَأَنَّهَا عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ " فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ. وَكَذَلِكَ " السَّمَاعُ وَالْمُخَاطَبَاتُ وَالْمُحَادَثَاتُ " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ. فَإِنَّ " السَّامِعَ " إمَّا أَنْ يَسْمَعَ نَفْسَ الصَّوْتِ الَّذِي هُوَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ الصَّوْتِيُّ أَوْ غَيْرُ كَلَامِهِ. كَمَا تَرَى عَيْنُهُ وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَ صَدَى الصَّوْتِ وَرَجْعَهُ كَمَا يَرَى تِمْثَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ فَهَذِهِ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَسَمَاعٌ مُقَيَّدٌ كَمَا يُقَالُ: رَأَيْته فِي الْمِرْآةِ لَكِنَّ السَّمْعَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ. وَإِمَّا أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ: يَعْنِي كَلَامَهُ فِي أَصْوَاتٍ مَسْمُوعَةٍ كَمَا يَتَمَثَّلُ لَهُ فِي صُورَةٍ فَيَرَاهَا. مِثْلُ أَنْ يَنْقُرَ بِيَدِهِ نَقَرَاتٍ أَوْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ أَوْتَارًا أَوْ يُظْهِرَ أَصْوَاتًا مُنْفَصِلَةً عَنْهُ يُبَيِّنُ فِيهَا مَقْصُودَهُ.
وَكَذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ: إمَّا أَنْ يَسْمَعَ فِي الْمَنَامِ أَوْ فِي الْيَقَظَةِ نَفْسَ كَلَامِ الْمُتَكَلِّمِ. مِثْلُ الْمَلَائِكَةِ مَثَلًا كَمَا يَرَى بِقَلْبِهِ عَيْنَ مَا يُكْشَفُ لَهُ فِي الْمَنَامِ وَالْيَقَظَةِ. وَإِمَّا أَنْ يَسْمَعَ مِثَالَ كَلَامِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَرَى مِثَالَهُ فِي نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي يَكُونُ تَعْبِيرُهَا عَيْنَ مَا رُئِيَ وَإِمَّا أَنْ تَتَمَثَّلَ لَهُ الْمَعَانِي فِي صُورَةِ كَلَامٍ مَسْمُوعٍ يَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ. كَمَا تَتَمَثَّلُ لَهُ الْأَعْيَانُ فِي صُورَةِ أَشْخَاصٍ مَرْئِيَّةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ. وَهَذَا غَالِبُ مَا يُرَى وَيُسْمَعُ فِي الْمَنَامِ. فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِعَارَةِ وَالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ. فَهَذَا هَذَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ:
فِي الْكَوْنِ يَقَظَةً وَمَنَامًا: لَمَّا كَانَتْ الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: رُؤْيَةُ الْعَيْنِ الشَّيْءَ بِلَا وَاسِطَةٍ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ الْمُطْلَقَةُ. مِثْلُ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} " وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ هَلْ الرُّؤْيَةُ انْطِبَاعُ الْمَرْئِيِّ فِي الْعَيْنِ أَوْ لِانْعِكَاسِ شُعَاعِ الْبَصَرِ أَوْ لَا لِوَاحِدِ مِنْهُمَا. عَلَى أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/271)
وَالثَّانِي: رُؤْيَةُ الْمِثَالِ؛ وَهِيَ الرُّؤْيَةُ فِي مَاءٍ وَمِرْآةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَهِيَ رُؤْيَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَوْ حَلَفَ لَا رَأَيْت زَيْدًا؛ فَرَأَى صُورَتَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا فِي الرُّؤْيَةِ. كَسَمَاعِ الصَّدَى فِي السَّمْعِ فَإِذَا أَرَادَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَرَى مَا يَمُرُّ وَرَاءَهُ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ الَّتِي تُوَاجِهُهُ فَتَنْجَلِي لَهُ فِيهَا حَقَائِقُ مَا وَرَاءَهُ فَمِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَدْ يَرَى بَيَانَ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ تَتَمَثَّلُ لَهُ الْحَقِيقَةُ بِمِثَالِ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ. كَمَا تَمَثَّلَ جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَهَكَذَا الْقَلْبُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبْصِرَ فَإِنَّ بَصَرَهُ هُوَ الْبَصَرُ وَعَمَاهُ هُوَ الْعَمَى. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. فَتَارَةً يَرَى الشَّيْءَ نَفْسَهُ إذَا كُشِفَ لَهُ عَنْهُ وَتَارَةً يَرَاهُ مُتَمَثِّلًا فِي قَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مِرْآتُهُ وَالْقَلْبُ هُوَ الرَّائِي أَيْضًا. وَهَذَا يَكُونُ يَقَظَةً وَيَكُونُ مَنَامًا كَالرَّجُلِ يَرَى الشَّيْءَ فِي الْمَنَامِ ثُمَّ يَكُونُ إيَّاهُ فِي الْيَقَظَةِ مِنْ غَيْرِ تَغَيُّرٍ. وَلِلْقَلْبِ " حَالٌ ثَالِثَةٌ " كَمَا لِلْعَيْنِ نَظَرٌ فِي الْمَنَامِ: وَهِيَ الَّتِي تَقَعُ لِغَالِبِ الْخَلْقِ. أَنْ يَرَى الرُّؤْيَا مَثَلًا مَضْرُوبًا لِلْحَقِيقَةِ لَا يَضْبُطُ رُؤْيَةَ الْحَقِيقَةِ بِنَفْسِهَا وَلَا بِوَاسِطَةِ مِرْآةِ قَلْبِهِ. وَلَكِنْ يَرَى مَا لَهُ تَعْبِيرٌ فَيَعْتَبِرُ بِهِ وَ " عِبَارَةُ الرُّؤْيَا " هُوَ الْعُبُورُ مِنْ الشَّيْءِ إلَى مِثَالِهِ وَنَظِيرِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُقَايَسَةِ وَالِاعْتِبَارِ؛ فَإِنَّ إدْرَاكَ الشَّيْءِ بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ الَّذِي أَلِفَهُ الْإِنْسَانُ وَاعْتَادَهُ أَيْسَرُ مِنْ إدْرَاكِ شَيْءٍ عَلَى الْبَدِيهَةِ مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ مَعْرُوفٍ. ثُمَّ الْمَرْئِيُّ فِي هَذَا الْوَجْهِ: فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ وَفِي الْحَالِ الَّتِي قَبْلَهَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ وَنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مَثَلًا لِلْحَقِيقَةِ وَوَاسِطَةً لَهَا. وَالْمَرْئِيُّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا مَرْئِيٌّ فِي الْقَلْبِ وَمِنْ الْعَامَّةِ الْمُتَفَلْسِفَةِ مَنْ يَزْعُمُ: أَنَّ مَا يَسْمَعُهُ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ الْكَلَامِ وَيَرَوْنَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إنَّمَا وُجُودُهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَذَلِكَ مَبْلَغُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ غَايَةُ مَا وَجَدُوهُ وَرَأَوْهُ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ فَظَنُّوا أَنْ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ غَايَةٌ. وَقَدْ يُعَارِضُهُمْ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَا يُسْمَعُ وَيُرَى لَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ بَلْ جَمِيعُهُ مِنْ الْخَارِجِ. وَكِلَاهُمَا خَطَأٌ؛ بَلْ مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ: مِثْلُ مَا يَرَاهُ وَيَسْمَعُهُ فِي الْمَنَامِ إمَّا مِثَالًا لَا تَعْبِيرَ لَهُ أَوْ لَهُ تَعْبِيرٌ. وَمِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الْخَارِجِ: مِثْلُ رُؤْيَةِ مَرْيَمَ لِلرَّسُولِ إذْ تَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا وَرُؤْيَةِ الصَّحَابَةِ لِجِبْرِيلَ فِي صُورَةِ الْأَعْرَابِيِّ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ رُؤْيَةَ الْحَقَائِقِ بِالْعَيْنِ تُطَابِقُ لِرُؤْيَاهَا بِالْقَلْبِ كُلٌّ مِنْهُمَا " ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ " إدْرَاكُ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ بِعَيْنِهِ وَإِدْرَاكُهُ بِوَاسِطَةِ تَمَثُّلِهِ فِي مِرْآةٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ وَإِدْرَاكُهُ مُتَمَثِّلًا فِي غَيْرِ صُورَتِهِ إمَّا بَاطِنًا فِي الْقَلْبِ وَإِمَّا ظَاهِرًا فِي الْعَيْنِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. فَالْقِيَاسُ فِي الْحِسِّيَّاتِ كَالْقِيَاسِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَهَذَا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/272)
الَّذِي كَتَبْته فِي الْمُكَاشَفَاتِ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْمُخَاطَبَاتِ فَإِنَّ الْبَصَرَ وَالسَّمْعَ يُظْهِرَانِ مَا يَتْلُوهُ.
مسألة: و ماذا عن صفة القدرة؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 314)
وَمَا كَانَ مِنْ " بَابِ الْقُدْرَةِ " فَهُوَ التَّأْثِيرُ وَقَدْ يَكُونُ هِمَّةً وَصِدْقًا وَدَعْوَةً مُجَابَةً وَقَدْ يَكُونُ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ الَّذِي لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ بِحَالِ مِثْلُ هَلَاكِ عَدُوِّهِ بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنْهُ كَقَوْلِهِ {مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَإِنِّي لَأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يَثْأَرُ اللَّيْثُ الْحَرِبُ}. وَمِثْلُ تَذْلِيلِ النُّفُوسِ لَهُ وَمَحَبَّتِهَا إيَّاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ " بَابِ الْعِلْمِ وَالْكَشْفِ ". قَدْ يُكْشَفُ لِغَيْرِهِ مِنْ حَالِهِ بَعْضُ أُمُورٍ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُبَشِّرَاتِ: {هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ} وَكَمَا قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ}.
مسألة: هل الكشف و التأثير يكون قائماً بنفسه؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 314)
وَكُلُّ وَاحِدٍ " مِنْ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ " قَدْ يَكُونُ قَائِمًا بِهِ وَقَدْ لَا يَكُونُ قَائِمًا بِهِ بَلْ يَكْشِفُ اللَّهُ حَالَهُ وَيَصْنَعُ لَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: " مَا صَدَقَ اللَّهَ عَبْدٌ إلَّا صَنَعَ لَهُ " وَقَالَ: أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ " لَوْ وُضِعَ الصِّدْقُ عَلَى جُرْحٍ لَبَرَأَ " لَكِنْ مَنْ قَامَ بِغَيْرِهِ لَهُ مِنْ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ فَهُوَ سَبَبُهُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ خَرْقَ عَادَةٍ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ
مسألة: هل معجزات الأنبياء تدخل في ذلك؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 314)
مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَعْلَامُهُمْ وَدَلَائِلُ نُبُوَّتِهِمْ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ.
مسألة: ماذا جمع الله لنبينا من أنواع المعجزات و الخوارق؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 275)
مِثْلُ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَا فِي كَفِّهِ وَإِتْيَانِ الشَّجَرِ إلَيْهِ وَحَنِينِ الْجِذْعِ إلَيْهِ وَإِخْبَارِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِصِفَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِخْبَارِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَإِتْيَانِهِ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَتَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً كَمَا أَشْبَعَ فِي الْخَنْدَقِ الْعَسْكَرَ مِنْ قِدْرِ طَعَامٍ وَهُوَ لَمْ يَنْقُصْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَشْهُورِ وَأَرْوَى الْعَسْكَرَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ مَزَادَةِ مَاءٍ وَلَمْ تَنْقُصْ وَمَلَأ أَوْعِيَةَ الْعَسْكَرِ عَامَ تَبُوكَ مِنْ طَعَامٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْقُصْ وَهُمْ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً حَتَّى كَفَى النَّاسَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كَمَا كَانُوا فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةَ نَحْوُ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَرَدِّهِ لِعَيْنِ أَبِي قتادة حِينَ سَالَتْ عَلَى خَدِّهِ فَرَجَعَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ [وَلَمَّا أَرْسَلَ مُحَمَّدَ بْنَ مسلمة لِقَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَوَقَعَ وَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَمَسَحَهَا فَبَرِئَتْ] (*) وَأَطْعَمَ مِنْ شِوَاءٍ مِائَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا كُلًّا مِنْهُمْ حَزَّ لَهُ قِطْعَةً وَجَعَلَ مِنْهَا قِطْعَتَيْنِ فَأَكَلُوا مِنْهَا جَمِيعُهُمْ ثُمَّ فَضَلَ فَضْلَةٌ وَدَيْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبِي جَابِرٍ لِلْيَهُودِيِّ وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَسْقًا. قَالَ جَابِرٌ: فَأَمَرَ صَاحِبَ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ جَمِيعَهُ بِاَلَّذِي كَانَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ فَمَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِجَابِرِ جُدْ لَهُ فَوَفَّاهُ الثَّلَاثِينَ وَسْقًا وَفَضَلَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَدْ جَمَعْت نَحْوَ أَلْفِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/273)
مُعْجِزَةٍ.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 315)
وَقَدْ جُمِعَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ " الْمُعْجِزَاتِ وَالْخَوَارِقِ ": أَمَّا الْعِلْمُ وَالْأَخْبَارُ الْغَيْبِيَّةُ وَالسَّمَاعُ وَالرُّؤْيَةُ فَمِثْلُ أَخْبَارِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأُمَمِهِمْ وَمُخَاطَبَاتِهِ لَهُمْ وَأَحْوَالِهِ مَعَهُمْ وَغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ بِمَا يُوَافِقُ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ وَرِثُوهُ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ لَهُ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ إخْبَارُهُ عَنْ أُمُورِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِمَا يُوَافِقُ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ مِنْهُمْ وَيَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِنُقُولِ الْأَنْبِيَاءِ تَارَةً بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْكُتُبِ الظَّاهِرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَتَارَةً بِمَا يَعْلَمُهُ الْخَاصَّةُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَفِي مِثْلِ هَذَا قَدْ يَسْتَشْهِدُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَهُوَ مِنْ حِكْمَةِ إبْقَائِهِمْ بِالْجِزْيَةِ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 318)
وَفِي الْجُمْلَةِ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ الْمُعْجِزَاتِ النَّبَوِيَّةِ بِخُصُوصِهَا وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّمْثِيلُ بِهَا.
مسألة: ما هي المؤلفات التي ذكرت فيها؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 315)
" كُتُبِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " وَ " سِيرَةِ الرَّسُولِ " وَ " فَضَائِلِهِ " وَ " كُتُبِ التَّفْسِيرِ " وَ " الْحَدِيثِ " وَ " الْمَغَازِي " مِثْلُ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِي وَسِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ وَكُتُبِ الْأَحَادِيثِ الْمُسْنَدَةِ كَمَسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَالْمُدَوَّنَةِ كَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ
مسألة: و ما معجزات موسى و عيسى؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 317)
كَذَلِكَ مِنْ بَابِ " الْقُدْرَةِ " عَصَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَلْقُ الْبَحْرِ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَنَاقَةُ صَالِحٍ وَإِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَإِحْيَاءُ الْمَوْتَى لِعِيسَى كَمَا أَنَّ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ إخْبَارَهُمْ بِمَا يَأْكُلُون وَمَا يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ.
مسألة: و ماذا حصل من الكرامات للصحابة و التابعين و الصالحين؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 276)
وَكَرَامَاتُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ كَثِيرَةٌ جِدًّا: مِثْلُ مَا كَانَ " أسيد بْنُ حضير " يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فَنَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ نَزَلَتْ لِقِرَاءَتِهِ وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ؛ وَكَانَ سَلْمَانُ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ يَأْكُلَانِ فِي صَحْفَةٍ فَسَبَّحَتْ الصَّحْفَةُ أَوْ سَبَّحَ مَا فِيهَا وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وأسيد بْنُ حضير خَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَأَضَاءَ لَهُمَا نُورٌ مِثْلُ طَرَفِ السَّوْطِ فَلَمَّا افْتَرَقَا افْتَرَقَ الضَّوْءُ مَعَهُمَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقِصَّةُ {الصِّدِّيقِ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمَّا ذَهَبَ بِثَلَاثَةِ أَضْيَافٍ مَعَهُ إلَى بَيْتِهِ وَجَعَلَ لَا يَأْكُلُ لُقْمَةً إلَّا رَبَّى مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا فَشَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا هِيَ قَبْلَ ذَلِكَ فَنَظَرَ إلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ وَامْرَأَتُهُ فَإِذَا هِيَ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَتْ فَرَفَعَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ إلَيْهِ أَقْوَامٌ كَثِيرُونَ فَأَكَلُوا مِنْهَا وَشَبِعُوا}. وَ " خبيب بْنُ عَدِيٍّ " كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/274)
يُؤْتَى بِعِنَبِ يَأْكُلُهُ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ عِنَبَةٌ. وَ " عَامِرُ بْنُ فهيرة: قُتِلَ شَهِيدًا فَالْتَمَسُوا جَسَدَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ وَكَانَ لَمَّا قُتِلَ رُفِعَ فَرَآهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَقَدْ رُفِعَ وَقَالَ: عُرْوَةُ: فَيَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ. وَخَرَجَتْ " أُمُّ أَيْمَنَ " مُهَاجِرَةً وَلَيْسَ مَعَهَا زَادٌ وَلَا مَاءٌ فَكَادَتْ تَمُوتُ مِنْ الْعَطَشِ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْفِطْرِ وَكَانَتْ صَائِمَةً سَمِعَتْ حِسًّا عَلَى رَأْسِهَا فَرَفَعَتْهُ فَإِذَا دَلْوٌ مُعَلَّقٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ حَتَّى رُوِيَتْ وَمَا عَطِشَتْ بَقِيَّةَ عُمْرِهَا. وَ " سَفِينَةُ " مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ الْأَسَدَ بِأَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَشَى مَعَهُ الْأَسَدُ حَتَّى أَوْصَلَهُ مَقْصِدَهُ. وَ " الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ " كَانَ إذَا أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَبَرَّ قَسَمَهُ وَكَانَ الْحَرْبُ إذَا اشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْجِهَادِ يَقُولُونَ: يَا بَرَاءُ أَقْسِمْ عَلَى رَبِّك فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَقْسَمْت عَلَيْك لَمَا مَنَحْتنَا أَكْتَافَهُمْ فَيُهْزَمُ الْعَدُوُّ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ " الْقَادِسِيَّةِ " قَالَ: أَقْسَمْت عَلَيْك يَا رَبِّ لَمَا مَنَحْتنَا أَكْتَافَهُمْ وَجَعَلْتنِي أَوَّلَ شَهِيدٍ فَمُنِحُوا أَكْتَافَهُمْ وَقُتِلَ الْبَرَاءُ شَهِيدًا. وَ " خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ " حَاصَرَ حِصْنًا مَنِيعًا فَقَالُوا لَا نُسْلِمُ حَتَّى تَشْرَبَ السُّمَّ فَشَرِبَهُ فَلَمْ يَضُرَّهُ. وَ " سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ " كَانَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ مَا دَعَا قَطُّ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي هَزَمَ جُنُودَ كِسْرَى وَفَتَحَ الْعِرَاقَ. وَ " عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " لَمَّا أَرْسَلَ جَيْشًا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُسَمَّى " سَارِيَةَ " فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ فَجَعَلَ يَصِيحُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ فَسَأَلَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوًّا فَهَزَمُونَا فَإِذَا بِصَائِحِ: يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ يَا سَارِيَةَ الْجَبَلَ فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ فَهَزَمَهُمْ اللَّهُ. وَلَمَّا عُذِّبَتْ " الزَّبِيرَةُ " عَلَى الْإِسْلَامِ فِي اللَّهِ فَأَبَتْ إلَّا الْإِسْلَامَ وَذَهَبَ بَصَرُهَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابَ بَصَرَهَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى قَالَتْ كَلَّا وَاَللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا. وَدَعَا " سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ " عَلَى أَرْوَى بِنْتِ الْحَكَمِ فَأُعْمِيَ بَصَرُهَا لَمَّا كَذَبْت عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا فَعَمِيَتْ وَوَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ مِنْ أَرْضِهَا فَمَاتَتْ. " وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ " كَانَ عَامِلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: يَا عَلِيمُ يَا حَلِيمُ يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ فَيُسْتَجَابُ لَهُ وَدَعَا اللَّهَ بِأَنْ يُسْقُوا وَيَتَوَضَّئُوا لَمَّا عَدِمُوا الْمَاءَ وَالْإِسْقَاءَ لِمَا بَعْدَهُمْ فَأُجِيبَ وَدَعَا اللَّهَ لَمَّا اعْتَرَضَهُمْ الْبَحْرُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْمُرُورِ بِخُيُولِهِمْ فَمَرُّوا كُلُّهُمْ عَلَى الْمَاءِ مَا ابْتَلَّتْ سُرُوجُ خُيُولِهِمْ؛ وَدَعَا اللَّهَ أَنْ لَا يَرَوْا جَسَدَهُ إذَا مَاتَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فِي اللَّحْدِ. وَجَرَى مِثْلُ ذَلِكَ " لِأَبِي مُسْلِمٍ الخولاني " الَّذِي أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَإِنَّهُ مَشَى هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْعَسْكَرِ عَلَى دِجْلَةَ وَهِيَ تُرْمَى بِالْخَشَبِ مِنْ مَدِّهَا ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: تَفْقِدُونَ مِنْ مَتَاعِكُمْ شَيْئًا حَتَّى أَدْعُوَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَقَدْت مِخْلَاةً فَقَالَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/275)
اتْبَعْنِي فَتَبِعَهُ فَوَجَدَهَا قَدْ تَعَلَّقَتْ بِشَيْءِ فَأَخَذَهَا وَطَلَبَهُ الْأَسْوَدُ العنسي لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ فَقَالَ لَهُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ مَا أَسْمَعُ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِنَارِ فَأُلْقِيَ فِيهَا فَوَجَدُوهُ قَائِمًا يُصَلِّي فِيهَا وَقَدْ صَارَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا؛ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ عُمَرُ بَيْنَهُ وَبَيْن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى أَرَى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فُعِلَ بِهِ كَمَا فُعِلَ بِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ. وَوَضَعَتْ لَهُ جَارِيَةٌ السُّمَّ فِي طَعَامِهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ. وَخَبَّبَتْ امْرَأَةٌ عَلَيْهِ زَوْجَتَهُ فَدَعَا عَلَيْهَا فَعَمِيَتْ وَجَاءَتْ وَتَابَتْ فَدَعَا لَهَا فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا. وَكَانَ " عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ " يَأْخُذُ عَطَاءَهُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِي كُمِّهِ وَمَا يَلْقَاهُ سَائِلٌ فِي طَرِيقِهِ إلَّا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ عَدَدٍ ثُمَّ يَجِيءُ إلَى بَيْتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَدَدُهَا وَلَا وَزْنُهَا. وَمَرَّ بِقَافِلَةٍ قَدْ حَبَسَهُمْ الْأَسَدُ فَجَاءَ حَتَّى مَسَّ بِثِيَابِهِ الْأَسَدَ ثُمَّ وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَقَالَ: إنَّمَا أَنْتَ كَلْبٌ مِنْ كِلَابِ الرَّحْمَنِ وَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أَخَافَ شَيْئًا غَيْرَهُ وَمَرَّتْ الْقَافِلَةُ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْهِ الطَّهُورَ فِي الشِّتَاءِ فَكَانَ يُؤْتَى بِالْمَاءِ لَهُ بُخَارٌ وَدَعَا رَبَّهُ أَنْ يَمْنَعَ قَلْبَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَتَغَيَّبَ " الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ " عَنْ الْحَجَّاجِ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ سِتَّ مَرَّاتٍ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَرَوْهُ وَدَعَا عَلَى بَعْضِ الْخَوَارِجِ كَانَ يُؤْذِيه فَخَرَّ مَيِّتًا. وَ " صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ " مَاتَ فَرَسُهُ وَهُوَ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِمَخْلُوقِ عَلَيَّ مِنَّةً وَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَحْيَا لَهُ فَرَسَهُ. فَلَمَّا وَصَلَ إلَى بَيْتِهِ قَالَ يَا بُنَيَّ خُذْ سَرْجَ الْفَرَسِ فَإِنَّهُ عَارِيَةٌ فَأَخَذَ سَرْجَهُ فَمَاتَ الْفَرَسُ وَجَاعَ مَرَّةً بِالْأَهْوَازِ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَطْعَمَهُ فَوَقَعَتْ خَلْفَهُ دَوْخَلَةِ رُطَبٍ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ فَأَكَلَ التَّمْرَ وَبَقِيَ الثَّوْبُ عِنْدَ زَوْجَتِهِ زَمَانًا. وَجَاءَ الْأَسَدُ وَهُوَ يُصَلِّي فِي غَيْضَةٍ بِاللَّيْلِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ اُطْلُبْ الرِّزْقَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَلَّى الْأَسَدُ وَلَهُ زَئِيرٌ. وَكَانَ " سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ " فِي أَيَّامِ الْحَرَّةِ يَسْمَعُ الْأَذَانَ مِنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَكَانَ الْمَسْجِدُ قَدْ خَلَا فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ. وَرَجُلٌ مِنْ " النَّخْعِ " كَانَ لَهُ حِمَارٌ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ هَلُمَّ نَتَوَزَّعُ مَتَاعَك عَلَى رِحَالِنَا فَقَالَ لَهُمْ: أَمْهِلُونِي هُنَيْهَةً ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَحْيَا لَهُ حِمَارَهُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ. وَلَمَّا مَاتَ " أُوَيْسٌ الْقَرْنِيُّ " وَجَدُوا فِي ثِيَابِهِ أَكْفَانًا لَمْ تَكُنْ مَعَهُ قَبْلُ وَوَجَدُوا لَهُ قَبْرًا مَحْفُورًا فِيهِ لَحْدٌ فِي صَخْرَةٍ فَدَفَنُوهُ فِيهِ وَكَفَّنُوهُ فِي تِلْكَ الْأَثْوَابِ. وَكَانَ " عَمْرُو بْنُ عُقْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ " يُصَلِّي يَوْمًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَأَظَلَّتْهُ غَمَامَةٌ وَكَانَ السَّبْعُ يَحْمِيه وَهُوَ يَرْعَى رِكَابَ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/276)
عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الْغَزْوِ أَنَّهُ يَخْدِمُهُمْ. وَكَانَ " مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير " إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ سَبَّحَتْ مَعَهُ آنِيَتُهُ وَكَانَ هُوَ وَصَاحِبٌ لَهُ يَسِيرَانِ فِي ظُلْمَةٍ فَأَضَاءَ لَهُمَا طَرَفُ السَّوْطِ. وَلَمَّا مَاتَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَقَعَتْ قَلَنْسُوَةُ رَجُلٍ فِي قَبْرِهِ فَأَهْوَى لِيَأْخُذَهَا فَوَجَدَ الْقَبْرَ قَدْ فُسِحَ فِيهِ مَدَّ الْبَصَرِ. وَكَانَ " إبْرَاهِيمُ التيمي " يُقِيمُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا وَخَرَجَ يَمْتَارُ لِأَهْلِهِ طَعَامًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَمَرَّ بِسَهْلَةِ حَمْرَاءَ فَأَخَذَ مِنْهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَفَتَحَهَا فَإِذَا هِيَ حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ فَكَانَ إذَا زَرَعَ مِنْهَا تَخْرُجُ السُّنْبُلَةُ مِنْ أَصْلِهَا إلَى فَرْعِهَا حَبًّا مُتَرَاكِبًا. وَكَانَ " عتبة الْغُلَامُ " سَأَلَ رَبَّهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ صَوْتًا حَسَنًا وَدَمْعًا غَزِيرًا وَطَعَامًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ. فَكَانَ إذَا قَرَأَ بَكَى وَأَبْكَى وَدُمُوعُهُ جَارِيَةٌ دَهْرَهُ وَكَانَ يَأْوِي إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصِيبُ فِيهِ قُوتَهُ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيه. وَكَانَ " عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ " أَصَابَهُ الْفَالِجُ فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُطْلِقَ لَهُ أَعْضَاءَهُ وَقْتَ الْوُضُوءِ فَكَانَ وَقْتَ الْوُضُوءِ تُطْلَقُ لَهُ أَعْضَاؤُهُ ثُمَّ تَعُودُ بَعْدَهُ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا مَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَعْيَانٍ وَنَعْرِفُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَكَثِيرٌ.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 666)
وَكَانَ " العنسي " قَدْ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضِ الْيَمَنِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَتَلَهُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ قَدْ طَلَبَ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ الخولاني أَنْ يُتَابِعَهُ فَامْتَنَعَ فَأَلْقَاهُ فِي النَّارِ فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا جَرَى لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَعَ صَلَاتِهِ وَذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ لِلَّهِ مَعَ سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ.
مسألة: ما هي أقسام الخوارق؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 323)
الْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ: إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَوْ بِالدِّينِ فَقَطْ أَوْ بِالْكَوْنِ فَقَطْ.
فَالْأَوَّلُ كَمَا قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} فَإِنَّ السُّلْطَانَ النَّصِيرَ يَجْمَعُ الْحُجَّةَ وَالْمَنْزِلَةَ عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ كَلِمَاتُهُ الدِّينِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْكَوْنِيَّةُ عِنْدَ اللَّهِ بِكَلِمَاتِهِ الْكَوْنِيَّاتِ وَمُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ تَجْمَعُ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ مِنْ اللَّهِ وَهِيَ قَدَرِيَّةٌ. وَأَبْلَغَ ذَلِكَ الْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ هُوَ شَرْعُ اللَّهِ وَكَلِمَاتُهُ الدِّينِيَّاتُ وَهُوَ حُجَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَمَجِيئِهِ مِنْ الْخَوَارِقِ لِلْعَادَاتِ فَهُوَ الدَّعْوَةُ وَهُوَ الْحُجَّةُ وَالْمُعْجِزَةُ.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/277)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَمِثْلُ مَنْ يَعْلَمُ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ خَبَرًا وَأَمْرًا وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَأْمُرُ بِهِ النَّاسَ وَيَعْلَمُ بِوَقْتِ نُزُولِ الْمَطَرِ وَتَغَيُّرِ السِّعْرِ وَشِفَاءِ الْمَرِيضِ وَقُدُومِ الْغَائِبِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَلَهُ تَأْثِيرٌ إمَّا فِي الْأَنَاسِيِّ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِمْ بِإِصْحَاحِ وَإِسْقَامٍ وَإِهْلَاكٍ أَوْ وِلَادَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ أَوْ عَزْلٍ. وَجِمَاعُ التَّأْثِيرِ إمَّا جَلْبُ مَنْفَعَةٍ كَالْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ؛ وَإِمَّا دَفْعُ مَضَرَّةٍ كَالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ أَوْ لَا وَاحِدَ مِنْهُمَا مِثْلُ رُكُوبِ أَسَدٍ بِلَا فَائِدَةٍ؛ أَوْ إطْفَاءِ نَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَنْ يَجْتَمِعُ لَهُ الْأَمْرَانِ؛ بِأَنْ يُؤْتَى مِنْ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ الْكَوْنِيِّ مَا يُؤَيِّدُ بِهِ الْكَشْفَ وَالتَّأْثِيرَ الشَّرْعِيَّ. وَهُوَ عِلْمُ الدِّينِ وَالْعَمَلُ بِهِ وَالْأَمْرُ بِهِ وَيُؤْتَى مِنْ عِلْمِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ مَا يَسْتَعْمِلُ بِهِ الْكَشْفَ وَالتَّأْثِيرَ الْكَوْنِيَّ؛ بِحَيْثُ تَقَعُ الْخَوَارِقُ الْكَوْنِيَّةُ تَابِعَةً لِلْأَوَامِرِ الدِّينِيَّةِ أَوْ أَنْ تُخْرَقَ لَهُ الْعَادَةُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ؛ بِحَيْثُ يَنَالُ مِنْ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَمِنْ الْعَمَلِ بِهَا وَمِنْ الْأَمْرِ بِهَا وَمِنْ طَاعَةِ الْخَلْقِ فِيهَا مَا لَمْ يَنَلْهُ غَيْرُهُ فِي مُطَّرِدِ الْعَادَةِ فَهَذِهِ أَعْظَمُ الْكَرَامَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَهُوَ حَالُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَكُلِّ الْمُسْلِمِينَ. فَهَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ هُوَ مُقْتَضَى {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إذْ الْأَوَّلُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَالثَّانِي هُوَ الِاسْتِعَانَةُ وَهُوَ حَالُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَوَاصِّ مِنْ أُمَّتِهِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِشِرْعَتِهِ وَمِنْهَاجِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَإِنَّ كَرَامَاتِهِمْ كَمُعْجِزَاتِهِ لَمْ يُخْرِجْهَا إلَّا لِحُجَّةِ أَوْ حَاجَةٍ فَالْحُجَّةُ لِيَظْهَرَ بِهَا دِينُ اللَّهِ لِيُؤْمِنَ الْكَافِرُ وَيَخْلُصَ الْمُنَافِقُ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا فَكَانَتْ فَائِدَتُهَا اتِّبَاعَ دِينِ اللَّهِ عِلْمًا وَعَمَلًا كَالْمَقْصُودِ بِالْجِهَادِ. وَالْحَاجَةُ كَجَلْبِ مَنْفَعَةٍ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْهُمْ كَكَسْرِ الْعَدُوِّ بِالْحَصَى الَّذِي رَمَاهُمْ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: {وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَعُودُ إلَى مَنْفَعَةِ الدِّينِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقِتَالِ الْعَدُوِّ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الدِّينِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. وَأَمَّا " الْقِسْمُ الْأَوَّلُ " وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالدِّينِ فَقَطْ فَيَكُونُ مِنْهُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الثَّانِي وَلَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَحَالِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَصَالِحِي الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَاجَةٌ أَوْ انْتِفَاعٌ بِشَيْءِ مِنْ الْخَوَارِقِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ أَسْبَابَ الْكَوْنِيَّاتِ وَلَا عَمَلَ بِهَا فَانْتِفَاءُ الْخَارِقِ الْكَوْنِيِّ فِي حَقِّهِ إمَّا لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَإِمَّا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ وَانْتِفَاؤُهُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ لَا يَكُونُ نَقْصًا وَأَمَّا انْتِفَاؤُهُ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ فَقَدْ يَكُونُ نَقْصًا وَقَدْ لَا يَكُونُ نَقْصًا فَإِنْ كَانَ لِإِخْلَالِهِ بِفِعْلِ وَاجِبٍ وَتَرْكِ مُحَرَّمٍ كَانَ عَدَمُ الْخَارِقِ نَقْصًا وَهُوَ سَبَبُ الضَّرَرِ وَإِنْ كَانَ لِإِخْلَالِهِ بالمستحبات فَهُوَ نَقْصٌ عَنْ رُتْبَةِ الْمُقَرَّبِينَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/278)
السَّابِقِينَ وَلَيْسَ هُوَ نَقْصًا عَنْ رُتْبَةِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ الْمُقْتَصِدِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِ بِسَبَبِ بِالْكَوْنِيَّاتِ الَّتِي لَا يَكُونُ عَدَمُهَا نَاقِصًا لِثَوَابِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا مِثْلُ مَنْ يَمْرَضُ وَلَدُهُ وَيَذْهَبُ مَالُهُ فَلَا يَدْعُو لِيُعَافَى أَوْ يَجِيءُ مَالُهُ أَوْ يَظْلِمُهُ ظَالِمٌ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ لِيَنْتَصِرَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا " الْقِسْمُ الثَّانِي " وَهُوَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَالتَّأْثِيرِ الْكَوْنِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ زِيَادَةً فِي دِينِهِ وَتَارَةً يَكُونُ نَقْصًا وَتَارَةً لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَهَذَا غَالِبُ حَالِ أَهْلِ الِاسْتِعَانَةِ كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ غَالِبُ حَالِ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْمَلِكِ وَالسُّلْطَانِ الَّذِي قَدْ يَكُونُ صَاحِبُهُ خَلِيفَةً نَبِيًّا فَيَكُونُ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَقَدْ يَكُونُ ظَالِمًا مِنْ شَرِّ النَّاسِ وَقَدْ يَكُونُ مَلِكًا عَادِلًا فَيَكُونُ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالْكَوْنِيَّاتِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى التَّأْثِيرِ فِيهَا بِالْحَالِ وَالْقَلْبِ كَالْعِلْمِ بِأَحْوَالِهَا وَالتَّأْثِيرِ فِيهَا بِالْمُلْكِ وَأَسْبَابِهِ فَسُلْطَانُ الْحَالِ وَالْقَلْبِ كَسُلْطَانِ الْمُلْكِ وَالْيَدِ إلَّا أَنَّ أَسْبَابَ هَذَا بَاطِنَةٌ رُوحَانِيَّةٌ وَأَسْبَابَ هَذَا ظَاهِرَةٌ جُثْمَانِيَّةٌ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ إذَا صَحَّ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَخَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءِ. وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ طَلَبًا وَخَبَرًا لَا يُنَالُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْكَوْنِيَّاتِ فَأَسْبَابُهُ مُتَعَدِّدَةٌ وَمَا اخْتَصَّ بِهِ الرُّسُلُ وَوَرَثَتُهُمْ أَفْضَلُ مِمَّا شَرَكَهُمْ فِيهِ بَقِيَّةُ النَّاسِ فَلَا يَنَالُ عِلْمَهُ إلَّا هُمْ وَأَتْبَاعُهُمْ وَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُمْ وَأَتْبَاعُهُمْ.
الثَّانِي أَنَّ الدِّينَ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا الْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَحْبَابُ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ وَلَا يَأْمُرُ بِهِ إلَّا هُمْ.
وَأَمَّا " التَّأْثِيرُ الْكَوْنِيُّ " فَقَدْ يَقَعُ مِنْ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ وَفَاجِرٍ تَأْثِيرُهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ كَالْأَحْوَالِ الْفَاسِدَةِ وَالْعَيْنِ وَالسِّحْرِ وَكَالْمُلُوكِ وَالْجَبَابِرَةِ الْمُسَلَّطِينَ وَالسَّلَاطِينِ الْجَبَابِرَةِ وَمَا كَانَ مِنْ الْعِلْمِ مُخْتَصًّا بِالصَّالِحِينَ أَفْضَلُ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُصْلِحُونَ وَالْمُفْسِدُونَ.
الثَّالِثُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ يَنْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَضُرُّهُ. وَأَمَّا الْكَشْفُ وَالتَّأْثِيرُ فَقَدْ لَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ بَلْ قَدْ يَضُرُّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.
الرَّابِعُ أَنَّ الْكَشْفَ وَالتَّأْثِيرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَائِدَةٌ أَوْ لَا يَكُونَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ؛ كَالِاطِّلَاعِ عَلَى سَيِّئَاتِ الْعِبَادِ وَرُكُوبِ السِّبَاعِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَالِاجْتِمَاعِ بِالْجِنِّ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَالْمَشْيِ عَلَى الْمَاءِ مَعَ إمْكَانِ الْعُبُورِ عَلَى الْجِسْرِ؛ فَهَذَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ وَإِنَّمَا يَسْتَعْظِمُ هَذَا مَنْ لَمْ يَنَلْهُ. وَهُوَ تَحْتُ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ فِي الْكَوْنِ مِثْلُ مَنْ يَسْتَعْظِمُ الْمَلِكُ أَوْ طَاعَةَ الْمُلُوكِ لِشَخْصِ وَقِيَامِ الْحَالَةِ عِنْدَ النَّاسِ بِلَا فَائِدَةٍ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/279)
فَهُوَ يَسْتَعْظِمُهُ مِنْ جِهَةِ سَبَبِهِ لَا مِنْ جِهَةِ مَنْفَعَتِهِ كَالْمَالِ وَالرِّيَاسَةِ وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ كَالْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ؛ فَهَذِهِ الْمَنْفَعَةُ تُنَالُ غَالِبًا بِغَيْرِ الْخَوَارِقِ أَكْثَرُ مِمَّا تُنَالُ بِالْخَوَارِقِ وَلَا يَحْصُلُ بِالْخَوَارِقِ مِنْهَا إلَّا الْقَلِيلُ وَلَا تَدُومُ إلَّا بِأَسْبَابِ أُخْرَى.
وَأَمَّا الْآخَرُ أَيْضًا فَلَا يَحْصُلُ بِالْخَوَارِقِ إلَّا مَعَ الدِّينِ. وَالدِّينُ وَحْدَهُ مُوجِبٌ لِلْآخِرَةِ بِلَا خَارِقٍ بَلْ الْخَوَارِقُ الدِّينِيَّةُ الْكَوْنِيَّةُ أَبْلَغُ مِنْ تَحْصِيلِ الْآخِرَةِ كَحَالِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ الْمَالُ وَالرِّيَاسَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لِأَهْلِ الدِّينِ بِالْخَوَارِقِ إنَّمَا هُوَ مَعَ الدِّينِ وَإِلَّا فَالْخَوَارِقُ وَحْدَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الدُّنْيَا إلَّا أَثَرًا ضَعِيفًا. فَإِنْ قِيلَ: مُجَرَّدُ الْخَوَارِقِ إنْ لَمْ تَحْصُلْ بِنَفْسِهَا مَنْفَعَةٌ لَا فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا فَهِيَ عَلَامَةُ طَاعَةِ النُّفُوسِ لَهُ فَهُوَ مُوجِبُ الرِّيَاسَةِ وَالسُّلْطَانِ ثُمَّ يَتَوَسَّطُ ذَلِكَ فَتُجْتَلَبُ الْمَنَافِعُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ وَتُدْفَعُ الْمَضَارُّ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ. قُلْت: نَحْنُ لَمْ نَتَكَلَّمْ إلَّا فِي مَنْفَعَةِ الدِّينِ أَوْ الْخَارِقِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ النَّاسِ. وَأَمَّا إنْ تَكَلَّمْنَا فِيمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهَا مِنْ فِعْلِ النَّاسِ فَنَقُولُ أَوَّلًا: الدِّينُ الصَّحِيحُ أَوْجَبَ لِطَاعَةِ النُّفُوسِ وَحُصُولِ الرِّيَاسَةِ مِنْ الْخَارِقِ الْمُجَرَّدِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِطَاعَةِ مَنْ أُطِيعَ لِدِينِهِ إلَى طَاعَةِ مَنْ أُطِيعَ لِتَأْثِيرِهِ إذْ طَاعَةُ الْأَوَّلِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ وَالْمُطِيعُ بِهَا خِيَارُ بَنِي آدَمَ عَقْلًا وَدِينًا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا تَدُومُ وَلَا تَكْثُرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا إلَّا جُهَّالُ النَّاسِ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وطليحة الأسدي وَنَحْوِهِمْ وَأَهْلِ الْبَوَادِي وَالْجِبَالِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا دِينَ.
مسألة: ما هي أقسام أهل الكرامات في استعمالهم للخارق؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 499)
الْكَمَالُ فِي الْوِلَايَةِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ خَرْقُ الْعَادَاتِ فِي إقَامَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الشَّرْعِيَّيْنِ مَعَ حُصُولِهِمَا بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ فَإِذَا حَصَلَتْ بِغَيْرِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ فَهِيَ مَذْمُومَةٌ وَإِنْ حَصَلَتْ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لَكِنْ اُسْتُعْمِلَتْ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إلَى مُحَرَّمٍ كانت مَذْمُومَةً وَإِنْ تَوَصَّلَ بِهَا إلَى مُبَاحٍ لَا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى طَاعَةٍ كَانَتْ لِلْأَبْرَارِ دُونَ الْمُقَرَّبِينَ وَأَمَّا إنْ حَصَلَتْ بِالسَّبَبِ الشَّرْعِيِّ وَاسْتُعِينَ بِهَا عَلَى فِعْلِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ: فَهَذِهِ خَوَارِقُ الْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ.
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 30)
النَّاسُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ":
قِسْمٌ تَرْتَفِعُ دَرَجَاتُهُمْ بِخَرْقِ الْعَادَةِ إذَا اسْتَعْمَلُوهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَوْمٌ يَتَعَرَّضُونَ بِهَا لِعَذَابِ اللَّهِ إذَا اسْتَعْمَلُوهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كبلعام وَغَيْرِهِ. وَقَوْمٌ تَكُونُ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاحَاتِ.
وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا الْمُتَّبِعُونَ لِنَبِيِّهِمْ سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ الَّذِي إنَّمَا كَانَتْ خَوَارِقُهُ لِحُجَّةِ يُقِيمُ بِهَا دِينَ اللَّهِ أَوْ لِحَاجَةِ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 298)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/280)
الْخَوَارِقَ مِنْهَا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِلْمِ كَالْمُكَاشَفَاتِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ كَالتَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَاتِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْغِنَى عَنْ جِنْسِ مَا يُعْطَاهُ النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالسُّلْطَانِ وَالْمَالِ وَالْغِنَى. وَجَمِيعُ مَا يُؤْتِيه اللَّهُ لِعَبْدِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ إنْ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ دَرَجَتَهُ وَيَأْمُرُهُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ازْدَادَ بِذَلِكَ رِفْعَةً وَقُرْبًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَلَتْ دَرَجَتُهُ وَإِنْ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ كَالشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ اسْتَحَقَّ بِذَلِكَ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ فَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَوْبَةِ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ وَإِلَّا كَانَ كَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُذْنِبِينَ؛ وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يُعَاقَبُ أَصْحَابُ الْخَوَارِقِ تَارَةً بِسَلْبِهَا كَمَا يُعْزَلُ الْمَلِكُ عَنْ مُلْكِهِ وَيُسْلَبُ الْعَالِمُ عِلْمَهُ. وَتَارَةً بِسَلْبِ التَّطَوُّعَاتِ فَيُنْقَلُ مِنْ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ إلَى الْعَامَّةِ وَتَارَةً يَنْزِلُ إلَى دَرَجَةِ الْفُسَّاقِ وَتَارَةً يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا يَكُونُ فِيمَنْ لَهُ خَوَارِقُ شَيْطَانِيَّةٌ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ شَيْطَانِيَّةٌ بَلْ يَظُنُّهَا مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَيَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذَا أَعْطَى عَبْدًا خَرْقَ عَادَةٍ لَمْ يُحَاسِبْهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَنْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ إذَا أَعْطَى عَبْدًا مُلْكًا وَمَالًا وَتَصَرُّفًا لَمْ يُحَاسِبْهُ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعِينُ بِالْخَوَارِقِ عَلَى أُمُورٍ مُبَاحَةٍ لَا مَأْمُورًا بِهَا وَلَا مَنْهِيًّا عَنْهَا فَهَذَا يَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُمْ الْأَبْرَارُ الْمُقْتَصِدُونَ وَأَمَّا السَّابِقُونَ الْمُقَرَّبُونَ فَأَعْلَى مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ أَعْلَى مِنْ النَّبِيِّ الْمَلِكِ. وَلَمَّا كَانَتْ الْخَوَارِقُ كَثِيرًا مَا تَنْقُصُ بِهَا دَرَجَةُ الرَّجُلِ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّالِحِينَ يَتُوبُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا يَتُوبُ مِنْ الذُّنُوبِ: كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَعْرِضُ عَلَى بَعْضِهِمْ فَيَسْأَلُ اللَّهَ زَوَالَهَا وَكُلُّهُمْ يَأْمُرُ الْمُرِيدَ السَّالِكَ أَنْ لَا يَقِفَ عِنْدَهَا وَلَا يَجْعَلَهَا هِمَّتَهُ وَلَا يَتَبَجَّحَ بِهَا؛ مَعَ ظَنِّهِمْ أَنَّهَا كَرَامَاتٌ فَكَيْفَ إذَا كَانَتْ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ الشَّيَاطِينِ تُغْوِيهِمْ بِهَا فَإِنِّي أَعْرِفُ مَنْ تُخَاطِبُهُ النَّبَاتَاتُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَإِنَّمَا يُخَاطِبُهُ الشَّيْطَانُ الَّذِي دَخَلَ فِيهَا وَأَعْرِفُ مَنْ يُخَاطِبُهُمْ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَتَقُولُ: هَنِيئًا لَك يَا وَلِيَّ اللَّهِ فَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فَيَذْهَبُ ذَلِكَ. وَأَعْرِفُ مَنْ يَقْصِدُ صَيْدَ الطَّيْرِ فَتُخَاطِبُهُ الْعَصَافِيرُ وَغَيْرُهَا وَتَقُولُ: خُذْنِي حَتَّى يَأْكُلَنِي الْفُقَرَاءُ وَيَكُونُ الشَّيْطَانُ قَدْ دَخَلَ فِيهَا كَمَا يَدْخُلُ فِي الْإِنْسِ وَيُخَاطِبُهُ بِذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ فِي الْبَيْتِ وَهُوَ مُغْلَقٌ فَيَرَى نَفْسَهُ خَارِجَهُ وَهُوَ لَمْ يَفْتَحْ وَبِالْعَكْسِ وَكَذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْمَدِينَةِ وَتَكُونُ الْجِنُّ قَدْ أَدْخَلَتْهُ وَأَخْرَجَتْهُ بِسُرْعَةِ أَوْ تَمُرُّ بِهِ أَنْوَارٌ أَوْ تَحْضُرُ عِنْدَهُ مَنْ يَطْلُبُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الشَّيَاطِينِ يَتَصَوَّرُونَ بِصُورَةِ صَاحِبِهِ فَإِذَا قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَأَعْرِفُ مَنْ يُخَاطِبُهُ مُخَاطِبٌ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/281)
وَيَقُولُ لَهُ أَنَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَيَعِدُهُ بِأَنَّهُ الْمَهْدِيُّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَظْهَرُ لَهُ الْخَوَارِقُ مِثْلُ أَنْ يَخْطُرَ بِقَلْبِهِ تَصَرُّفٌ فِي الطَّيْرِ وَالْجَرَادِ فِي الْهَوَاءِ؛ فَإِذَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ ذَهَابُ الطَّيْرِ أَوْ الْجَرَادِ يَمِينًا أَوْ شَمَالًا ذَهَبَ حَيْثُ أَرَادَ وَإِذَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ قِيَامُ بَعْضِ الْمَوَاشِي أَوْ نَوْمُهُ أَوْ ذَهَابُهُ حَصَلَ لَهُ مَا أَرَادَ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ وَتَحْمِلُهُ إلَى مَكَّةَ وَتَأْتِي بِهِ وَتَأْتِيه بِأَشْخَاصِ فِي صُورَةٍ جَمِيلَةٍ وَتَقُولُ لَهُ هَذِهِ الْمَلَائِكَةُ الكروبيون أَرَادُوا زِيَارَتَك فَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: كَيْفَ تَصَوَّرُوا بِصُورَةِ المردان فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيَجِدُهُمْ بِلِحَى وَيَقُولُ لَهُ عَلَامَةُ إنَّك أَنْتَ الْمَهْدِيُّ إنَّك تَنْبُتُ فِي جَسَدِك شَامَةٌ فَتَنْبُتُ وَيَرَاهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَكُلُّهُ مِنْ مَكْرِ الشَّيْطَانِ.
مسألة: ما سبب قلة الخوارق للصحابة و كثرتها لمن بعدهم؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 335)
لِهَذَا لِمَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُسْتَغْنِينَ فِي عِلْمِهِمْ بِدِينِهِمْ وَعَمَلِهِمْ بِهِ عَنْ الْآيَاتِ بِمَا رَأَوْهُ مَنْ حَالِ الرَّسُولِ وَنَالُوهُ مِنْ عِلْمٍ صَارَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَنْهُمْ أَبْعَدَ مَعَ صِحَّةِ طَرِيقَتِهِ يَحْتَاجُ إلَى مَا عِنْدَهُمْ فِي عِلْمِ دِينِهِ وَعَمَلِهِ. فَيَظْهَرُ مَعَ الْأَفْرَادِ فِي أَوْقَاتِ الْفَتَرَاتِ وَأَمَاكِنِ الْفَتَرَاتِ مِنْ الْخَوَارِقِ مَا لَا يَظْهَرُ لَهُمْ وَلَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ حَالِ ظُهُورِ النُّبُوَّةِ وَالدَّعْوَةِ.
مسألة: من لم تحصل له خوارق هل يقتضي ذلك نقص رتبته؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 323)
عَدَمَ الْخَوَارِقِ عِلْمًا وَقُدْرَةً لَا تَضُرُّ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ فَمَنْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ وَلَمْ يُسَخَّرْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْكَوْنِيَّاتِ لَا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ فِي مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ عَدَمُ ذَلِكَ أَنْفَعَ لَهُ فِي دِينِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ مَأْمُورًا بِهِ أَمْرَ إيجَابٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ
مسألة: ما الحكمة في أن المشتغلين بالفكر و الذكر يجعل لهم من الكرامات ما لا يجعل للمشتغلين بالعلم؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 397)
النَّاسُ إنَّمَا يَغْلَطُونَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُمْ يَفْهَمُونَ مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَعْرِفُونَ حَقَائِقَ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ فَرُبَّ رَجُلٍ يَحْفَظُ حُرُوفَ الْعِلْمِ الَّتِي أَعْظَمُهَا حِفْظُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْفَهْمِ؛ بَلْ وَلَا مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَلَى مَنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يُؤْتَ حِفْظَ حُرُوفِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ {مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ. وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ: مَثَلُ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ: كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا}. فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ حَافِظًا لِحُرُوفِ الْقُرْآنِ وَسُوَرِهِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا بَلْ يَكُونُ مُنَافِقًا. فَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لَا يَحْفَظُ حُرُوفَهُ وَسُوَرَهُ خَيْرٌ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُنَافِقُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْغَيْرُ كَمَا يُنْتَفَعُ بِالرَّيْحَانِ. وَأَمَّا الَّذِي أُوتِيَ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ عَلِيمٌ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمُؤْمِنِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/282)
الَّذِي لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْعِلْمِ مِثْلَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِيمَانِ؛ فَهَذَا أَصْلٌ تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ. وَهَهُنَا " أَصْلٌ آخَرُ ": وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ عَمَلٍ أَوْرَثَ كُشُوفًا أَوْ تَصَرُّفًا فِي الْكَوْنِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يُورِثُ كَشْفًا وَتَصَرُّفًا؛ فَإِنَّ الْكَشْفَ وَالتَّصَرُّفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى دِينِ اللَّهِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. وَقَدْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لِلْكُفَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ؟ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ؛ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ.
فَفَضَائِلُ الْأَعْمَالِ وَدَرَجَاتِهَا لَا تُتَلَقَّى مِنْ مِثْلِ هَذَا؛ وَإِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ يَحْصُلُ لِصَاحِبِهِ فِي الدُّنْيَا رِئَاسَةٌ وَمَالٌ فَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ. وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَقَدْ أَفْسَدَ أَكْثَرُ مِمَّا يُصْلِحُ وَإِنْ حَصَلَ لَهُ كَشْفٌ وَتَصَرُّفٌ؛ وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ الْعَامَّةِ؛ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي مَوَاضِعِهِ؟ فَهَذَا " أَصْلٌ ثَانٍ ". وَ " أَصْلٌ ثَالِثٌ " إنَّ تَفْضِيلَ الْعَمَلِ عَلَى الْعَمَلِ قَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا مِثْلُ تَفْضِيلِ أَصْلِ الدِّينِ عَلَى فَرْعِهِ وَقَدْ يَكُونُ مُقَيَّدًا. فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ الْعَمَلَيْنِ فِي حَقِّ زَيْدٍ أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ وَالْآخَرُ فِي حَقِّ عَمْرٍو أَفْضَلَ وَقَدْ يَكُونَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ فِي حَقِّ الشَّخْصِ وَقَدْ يَكُونُ الْمَفْضُولُ فِي وَقْتٍ أَفْضَلَ مِنْ الْفَاضِلِ؛ وَقَدْ يَكُونُ الْمَفْضُولُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْفَاضِلِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ. مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ مُجَرَّدِ الذِّكْرِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ - وَلَا اعْتِبَارَ بِمَنْ يُخَالِفُ ذَلِكَ مِنْ جُهَّالِ الْعِبَادِ - ثُمَّ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ يُنْهَى فِيهِ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَيُؤْمَرُ فِيهِ بِالذِّكْرِ وَكَذَلِكَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ فِي الطَّوَافِ وَعَرَفَةَ وَنَحْوِهِمَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ: مِثْلُ مَا يُقَالُ عِنْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُمَا وَعِنْدَ سَمَاعِ الدِّيَكَةِ وَالْحُمُرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَأَيْضًا فَأَكْثَرُ السَّالِكِينَ إذَا قَرَءُوا الْقُرْآنَ لَا يَفْهَمُونَهُ. وَهُمْ بَعْدُ لَمْ يَذُوقُوا حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ الَّذِي يَزِيدُهُمْ بِهَا الْقُرْآنُ إيمَانًا فَإِذَا أَقْبَلُوا عَلَى الذِّكْرِ أَعْطَاهُمْ الذِّكْرُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَجِدُونَ حَلَاوَتَهُ وَلَذَّتَهُ فَيَكُونُ الذِّكْرُ أَنْفَعَ لَهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ قِرَاءَةٍ لَا يَفْهَمُونَهَا وَلَا مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَزْدَادُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَمَّا إذَا أُوتِيَ الرَّجُلُ الْإِيمَانَ فَالْقُرْآنُ يَزِيدُهُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الذِّكْرِ فَهَذَا " أَصْلٌ ثَالِثٌ " وَ " أَصْلٌ رَابِعٌ ": وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَأْتِي بِالْعَمَلِ الْفَاضِلِ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ بِشُرُوطِهِ وَلَا إخْلَاصٍ فِيهِ فَيَكُونُ بِتَفْوِيتِ شَرَائِطِهِ دُونَ مَنْ أَتَى بِالْمَفْضُولِ الْمُكَمِّلِ. فَهَذِهِ الْأُصُولُ وَنَحْوُهَا تُبَيِّنُ جَوَابَ هَذَا السَّائِلِ وَإِنْ كَانَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ لَا تَتَّسِعُ لَهُ الْوَرَقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مسألة: ما سبب الأحوال الإيمانية؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 287)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/283)
كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ " سَبَبُهَا الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى وَ " الْأَحْوَالُ الشَّيْطَانِيَّةُ " سَبَبُهَا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالشِّرْكُ وَالظُّلْمُ وَالْفَوَاحِشُ قَدْ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ فَلَا تَكُونُ سَبَبًا لِكَرَامَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَرَامَاتِ عَلَيْهَا فَإِذَا كَانَتْ لَا تَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَلْ تَحْصُلُ بِمَا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَبِالْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ كَالِاسْتِغَاثَةِ بِالْمَخْلُوقَاتِ أَوْ كَانَتْ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى ظُلْمِ الْخَلْقِ وَفِعْلِ الْفَوَاحِشِ فَهِيَ مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ لَا مِنْ الْكَرَامَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ.
مسألة: ما الوسط في الأمور الكشفية؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 338)
طُرُقَ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَيْهِمَا مِنْ دَلِيلٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهِ بَنُو آدَمَ تَنَازُعًا كَثِيرًا. وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ قَدْ يَنْفِي حُصُولَ الْعِلْمِ لِأَحَدِ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الَّتِي يَعْرِفُهَا حَتَّى يَنْفِيَ أَكْثَرَ الدَّلَالَاتِ الْعَقْلِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْكَشْفِيَّةُ الَّتِي لِلْأَوْلِيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ مَنْ يُنْكِرُهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَغْلُو فِيهَا وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا.
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 11:43 ص]ـ
مسألة: ما أصل أخذ الطب؟
مجموع الفتاوى - (ج 35 / ص 181)
الْحِسَابُ فَهُوَ مَعْرِفَةُ أَقْدَارِ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ. وَصِفَاتِهَا وَمَقَادِيرِ حَرَكَاتِهَا وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ فَهَذَا فِي الْأَصْلِ عِلْمٌ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ كَمَعْرِفَةِ الْأَرْضِ وَصِفَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لَكِنَّ جُمْهُورَ التَّدْقِيقِ مِنْهُ كَثِيرُ التَّعَبِ قَلِيلُ الْفَائِدَةِ؛ كَالْعَالِمِ مَثَلًا بِمَقَادِيرِ الدَّقَائِقِ وَالثَّوَانِي وَالثَّوَالِثِ فِي حَرَكَاتِ السَّبْعَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ {بِالْخُنَّسِ} {الْجَوَارِي الْكُنَّسِ}. فَإِنْ كَانَ أَصْلُ هَذَا مَأْخُوذًا عَنْ إدْرِيسَ فَهَذَا مُمْكِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ نَاسٌ إنَّ أَصْلَ الطِّبِّ مَأْخُوذٌ عَنْ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ
مسألة: كيف وصل إلى المسلمين؟
مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 84)
عَرَّبَ بَعْضَ كُتُبِ الْأَعَاجِمِ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالْهِنْدِ فِي أَثْنَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ. ثُمَّ طُلِبَتْ كُتُبُهُمْ فِي دَوْلَةِ الْمَأْمُونِ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَعُرِّبَتْ وَدَرَسَهَا النَّاسُ وَظَهَرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ مَا ظَهَرَ وَكَانَ أَكْثَرُ مَا ظَهَرَ مِنْ عُلُومِهِمْ الرِّيَاضِيَّةُ كَالْحِسَابِ وَالْهَيْئَةِ أَوْ الطَّبِيعَةِ كَالطِّبِّ أَوْ الْمَنْطِقِيَّةِ
مسألة: ما حكم أخذ الطب عن المشركين و أهل الكتاب؟
مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 114)
ذَكَرَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ مِثْلَ مَسَائِلِ " الطِّبِّ " وَ " الْحِسَابِ " الْمَحْضِ الَّتِي يَذْكُرُونَ فِيهَا ذَلِكَ وَكَتَبَ مَنْ أَخَذَ عَنْهُمْ مِثْلُ: مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّازِي وَابْنُ سِينَا وَنَحْوِهِمَا مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْأَطِبَّاءِ مَا غَايَتُهُ: انْتِفَاعٌ بِآثَارِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا فَهَذَا جَائِزٌ. كَمَا يَجُوزُ السُّكْنَى فِي دِيَارِهِمْ وَلُبْسُ ثِيَابِهِمْ وَسِلَاحِهِمْ وَكَمَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا عَامَلَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/284)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ وَكَمَا اسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا خَرَجَا مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرَيْنِ " ابْنَ أريقط " - رَجُلًا مِنْ بَنِي الديل - هَادِيًا خِرِّيتًا وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ وَائْتَمَنَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَدَوَابِّهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرِ صُبْحَ ثَالِثَةٍ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ وَكَانَ يَقْبَلُ نُصْحَهُمْ. وَكُلُّ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَنْصُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَذُبُّ عَنْهُ مَعَ شِرْكِهِ وَهَذَا كَثِيرٌ. فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلَ الْكِتَابِ فِيهِمْ الْمُؤْتَمَنُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إلَيْكَ إلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} وَلِهَذَا جَازَ ائْتِمَانُ أَحَدِهِمْ عَلَى الْمَالِ وَجَازَ أَنْ يَسْتَطِبَّ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ إذَا كَانَ ثِقَةً نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ إذْ ذَلِكَ مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِمْ فِيمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَائْتِمَانٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ مِثْلُ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعُلُوِّهِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَأُخِذَ عِلْمُ الطِّبِّ مِنْ كُتُبِهِمْ مِثْلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكَافِرِ عَلَى الطَّرِيقِ وَاسْتِطْبَابُهُ بَلْ هَذَا أَحْسَنُ. لِأَنَّ كُتُبَهُمْ لَمْ يَكْتُبُوهَا لِمُعَيَّنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَدْخُلَ فِيهَا الْخِيَانَةُ لَيْسَ هُنَاكَ حَاجَةٌ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ بِالْخِيَانَةِ بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ انْتِفَاعٍ بِآثَارِهِمْ كَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَالْمَزَارِعِ وَالسِّلَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ ذَكَرُوا مَا يَتَعَلَّقُ " بِالدِّينِ " فَإِنْ نَقَلُوهُ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ كَانُوا فِيهِ كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَسْوَأِ حَالًا وَإِنْ أَحَالُوا مَعْرِفَتَهُ عَلَى الْقِيَاسِ الْعَقْلِيِّ فَإِنْ وَافَقَ مَا فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ خَالَفَهُ فَفِي الْقُرْآنِ بَيَانُ بُطْلَانِهِ بِالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} فَفِي الْقُرْآنِ الْحَقُّ وَالْقِيَاسُ الْبَيِّنُ الَّذِي يُبَيِّنُ بُطْلَانَ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ مَا يَذْكُرُونَهُ مُجْمَلًا فِيهِ الْحَقُّ - وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى الصَّابِئَةِ الْمُبَدِّلِينَ مِثْلُ " أَرِسْطُو " وَأَتْبَاعِهِ وَعَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْآخَرِينَ - قَبْلَ الْحَقِّ وَرَدِّ الْبَاطِلِ وَالْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بَيَانُ صِفَةِ الْحَقِّ فِيهِ كَبَيَانِ صِفَةِ الْحَقِّ فِي الْقُرْآنِ. فَالْأَمْرُ فِي هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ وَتَفْسِيرِهِ وَتَرْجَمَتِهِ.
مسألة: من هو الطبيب؟
مجموع الفتاوى - (ج 2 / ص 87)
الطَّبِيبَ إنَّمَا هُوَ طَبِيبٌ يَنْظُرُ فِي بَدَنِ الْحَيَوَانِ وَأَخْلَاطِهِ وَأَعْضَائِهِ لِيَحْفَظَهُ صِحَّتَهُ إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَيُعِيدُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مَفْقُودَةً وَبَدَنُ الْحَيَوَانِ جُزْءٌ مِنْ الْمُوَلِّدَاتِ فِي الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ أَخْلَاطُهُ
مسألة: كيف تحفظ الصحة و يدفع المرض في القلب؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 136)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/285)
وَهَكَذَا أَمْرَاضُ الْأَبْدَانِ: الصِّحَّةَ تُحْفَظُ بِالْمِثْلِ وَالْمَرَضُ يُدْفَعُ بِالضِّدِّ فَصِحَّةُ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ تُحْفَظُ بِالْمِثْلِ وَهُوَ مَا يُورِثُ الْقَلْبَ إيمَانًا مِنْ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فَتِلْكَ أَغْذِيَةٌ لَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا {إنَّ كُلَّ آدِبٍ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى مَأْدُبَتُهُ وَأَنَّ مَأْدُبَةَ اللَّهِ هِيَ الْقُرْآنُ} وَالْآدِبُ الْمُضِيفُ فَهُوَ ضِيَافَةُ اللَّهِ لِعِبَادِهِ. . .
مِثْلُ آخِرِ اللَّيْلِ وَأَوْقَاتِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَفِي سُجُودِهِ وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ وَيُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثُمَّ تَابَ إلَيْهِ مَتَّعَهُ مَتَاعًا حَسَنًا إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَلْيَتَّخِذْ وِرْدًا مِنْ " الْأَذْكَارِ " فِي النَّهَارِ وَوَقْتِ النَّوْمِ وَلْيَصْبِرْ عَلَى مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْمَوَانِعِ والصوارف فَإِنَّهُ لَا يَلْبَثُ أَنْ يُؤَيِّدَهُ اللَّهُ بِرُوحِ مِنْهُ وَيَكْتُبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ. وَلْيَحْرِصْ عَلَى إكْمَالِ الْفَرَائِضِ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بَاطِنَةً وَظَاهِرَةً فَإِنَّهَا عَمُودُ الدِّينِ وَلْيَكُنْ هَجِيرَاهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَإِنَّهَا بِهَا تُحْمَلُ الْأَثْقَالُ وَتُكَابَدُ الْأَهْوَالُ وَيُنَالُ رَفِيعُ الْأَحْوَالِ. وَلَا يَسْأَمُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالطَّلَبِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُسْتَجَابُ لَهُ مَا لَمْ يُعَجِّلْ فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْت وَدَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي وَلْيَعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا وَلَمْ يَنَلْ أَحَدٌ شَيْئًا مِنْ خَتْمِ الْخَيْرِ نَبِيٌّ فَمَنْ دُونَهُ إلَّا بِالصَّبْرِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ حَمْدًا يُكَافِئُ نِعَمَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ وَكَمَا يَنْبَغِي لِكَرَمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
مسألة: كيف يحصل المرض و بم يدفع؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 91)
مَرَضِ الْقُلُوبِ وَشِفَائِهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُنَافِقِينَ: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} وَقَالَ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا} وَقَالَ: {وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} وَقَالَ تَعَالَى: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} وَقَالَ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إلَّا خَسَارًا} وَقَالَ: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/286)
وَ " مَرَضُ الْبَدَنِ " خِلَافُ صِحَّتِهِ وَصَلَاحِهِ وَهُوَ فَسَادٌ يَكُونُ فِيهِ يَفْسُدُ بِهِ إدْرَاكُهُ وَحَرَكَتُهُ الطَّبِيعِيَّةُ فَإِدْرَاكُهُ إمَّا أَنْ يَذْهَبَ كَالْعَمَى وَالصَّمَمِ. وَإِمَّا أَنْ يُدْرِكَ الْأَشْيَاءَ عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ كَمَا يُدْرِكُ الْحُلْوَ مُرًّا وَكَمَا يُخَيِّلُ إلَيْهِ أَشْيَاءَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي الْخَارِجِ. وَأَمَّا فَسَادُ حَرَكَتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ فَمِثْلُ أَنْ تَضْعُفَ قُوَّتُهُ عَنْ الْهَضْمِ أَوْ مِثْلُ أَنْ يُبْغِضَ الْأَغْذِيَةَ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَيُحِبَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَضُرُّهُ وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْآلَامِ بِحَسَبِ ذَلِكَ؛ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَمْ يَمُتْ وَلَمْ يَهْلَكْ؛ بَلْ فِيهِ نَوْعُ قُوَّةٍ عَلَى إدْرَاكِ الْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ أَلَمٌ يَحْصُلُ فِي الْبَدَنِ إمَّا بِسَبَبِ فَسَادِ الْكَمِّيَّةِ أَوْ الْكَيْفِيَّةِ: فَالْأَوَّلُ أَمَّا نَقْصُ الْمَادَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى غِذَاءٍ وَأَمَّا بِسَبَبِ زِيَادَاتِهَا فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِفْرَاغٍ.
وَالثَّانِي كَقُوَّةِ فِي الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ خَارِجٍ عَنْ الِاعْتِدَالِ فَيُدَاوَى.
مسألة: ما الغذاء المختار لحفظ الصحة؟
مجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 418)
كَانُوا يَخْتَارُونَ فِي الْحَرِّ مِنْ الْمَأْكَلِ الْخَفِيفِ وَالْفَاكِهَةِ مَا يَخِفُّ هَضْمُهُ لِبَرْدِ بَوَاطِنِهِمْ وَضَعْفِ الْقُوَى الْهَاضِمَةِ وَفِي الشِّتَاءِ وَالْبِلَادِ الْبَارِدَةِ. يَخْتَارُونَ مِنْ الْمَآكِلِ الْغَلِيظَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْحَرَارَةِ الْهَاضِمَةِ فِي بَوَاطِنِهِمْ أَوْ كَانَ زَمَنَ الشِّتَاءِ تَسْخُنُ فِيهِ الْأَجْوَافُ وَتَبْرُدُ الظَّوَاهِرُ مِنْ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ وَالشَّجَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِ الْهَوَاءِ يَبْرُدُ فِي الشِّتَاءِ وَشَبِيهُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ فَيَنْجَذِبُ إلَيْهِ الْبَرْدُ فَتَسْخُنُ الْأَجْوَافُ وَفِي الْحَرِّ يَسْخُنُ الْهَوَاءُ فَتَنْجَذِبُ إلَيْهِ الْحَرَارَةُ فَتَبْرُدُ الْأَجْوَافُ فَتَكُونُ الْيَنَابِيعُ فِي الصَّيْفِ بَارِدَةً لِبَرْدِ جَوْفِ الْأَرْضِ وَفِي الشِّتَاءِ تَسْخُنُ لِسُخُونَةِ جَوْفِ الْأَرْضِ.
مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 486)
لِقُوَّةِ الْحَرَارَةِ فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ يَأْكُلُ فِي الشِّتَاءِ وَفِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ فِي الصَّيْفِ وَفِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ تَطْبُخُ الطَّعَامَ وَتُصَرِّفُهُ وَيَكُونُ الْمَاءُ النَّابِعُ فِي الشِّتَاءِ سُخْنًا لِسُخُونَةِ جَوْفِ الْأَرْضِ وَالدَّمُ سُخْنٌ فَيَكُونُ فِي جَوْفِ الْعُرُوقِ لَا فِي سَطْحِ الْجِلْدِ فَلَوْ احْتَجَمَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَضُرُّهُ وَفِي الصَّيْف وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ تَسْخَنُ الظَّوَاهِرُ فَتَكُونُ الْبَوَاطِنُ بَارِدَةً فَلَا يَنْهَضِمُ الطَّعَامُ فِيهَا كَمَا يَنْهَضِمُ فِي الشِّتَاءِ وَيَكُونُ الْمَاءُ النَّابِعُ بَارِدًا لِبُرُودَةِ بَاطِنِ الْأَرْضِ وَتَظْهَرُ الْحَيَوَانَاتُ إلَى الْبَرَارِي لِسُخُونَةِ الْهَوَاءِ
مسألة: كيف يكون مرض الجسم و القلب؟
مجموع الفتاوى - (ج 10 / ص 143)
مَرَضُ الْجِسْمِ يَكُونُ بِخُرُوجِ الشَّهْوَةِ وَالنَّفْرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ عَنْ الِاعْتِدَالِ: أَمَّا شَهْوَةُ مَا لَا يَحْصُلُ أَوْ يَفْقِدُ الشَّهْوَةَ النَّافِعَةَ وَيَنْفِرُ بِهِ عَمَّا يَصْلُحُ وَيَفْقِدُ النَّفْرَةَ عَمَّا يَضُرُّ وَيَكُونُ بِضَعْفِ قُوَّةِ الْإِدْرَاكِ وَالْحَرَكَةِ كَذَلِكَ مَرَضُ الْقَلْبِ يَكُونُ بِالْحُبِّ وَالْبُغْضِ الْخَارِجَيْنِ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَهِيَ الْأَهْوَاءُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}. وَقَالَ: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}. كَمَا يَكُونُ الْجَسَدُ خَارِجًا عَنْ الِاعْتِدَالِ إذَا فَعَلَ مَا يَشْتَهِيهِ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/287)
الْجِسْمُ بِلَا قَوْلِ الطَّبِيبِ وَيَكُونُ لِضَعْفِ إدْرَاكِ الْقَلْبِ وَقُوَّتِهِ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَعْلَمَ وَيُرِيدَ مَا يَنْفَعُهُ وَيَصْلُحُ لَهُ
مسألة ما حكم التداوي؟
مجموع الفتاوى - (ج 18 / ص 12)
التَّحْقِيقُ: أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ؛ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ: مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ بَقَاءُ النَّفْسِ لَا بِغَيْرِهِ كَمَا يَجِبُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عِنْد الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ قَالَ مَسْرُوقٌ. مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَقَدْ يَحْصُلُ أَحْيَانًا لِلْإِنْسَانِ إذَا اسْتَحَرَّ الْمَرَضَ مَا إنْ لَمْ يَتَعَالَجْ مَعَهُ مَاتَ وَالْعِلَاجُ الْمُعْتَادُ تَحْصُلُ مَعَهُ الْحَيَاةُ كَالتَّغْذِيَةِ لِلضَّعِيفِ وَكَاسْتِخْرَاجِ الدَّمِ أَحْيَانًا.
مسألة: ماحكم التداوي بالمحرمات؟
مجموع الفتاوى - (ج 21 / ص 82)
مَا حُرِّمَ لِخُبْثِ جِنْسِهِ أَشَدُّ مِمَّا حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ؛ فَإِنَّ هَذَا يُحَرِّمُ الْقَدْرَ الَّذِي يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْهُ وَيُبَاحُ لِلْحَاجَةِ؛ كَمَا أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى التَّزَيُّنِ؛ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ وَأُبِيحَ لِلرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ الْيَسِيرُ كَالْعِلْمِ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ جَوَازُ التَّدَاوِي بِهَذَا الضَّرْبِ دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا {رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ مِنْ حَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا}. وَنَهَى عَنْ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَقَالَ: {إنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءِ} وَنَهَى عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ؛ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ لِأَجْلِ التَّدَاوِي بِهَا وَقَالَ: {إنَّ نَقْنَقَتَهَا تَسْبِيحٌ} وَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا} وَلِهَذَا اُسْتُدِلَّ بِإِذْنِهِ للعرنيين فِي التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ النَّجِسَةِ
مسألة: ما الذي أخبر صلى الله عليه و سلم أنه شفاء أمته؟
مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 486)
قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: {شِفَاءُ أُمَّتِي فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارِ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ} كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحِجَامَةِ إخْرَاجُ الدَّمِ الزَّائِدِ الَّذِي يَضُرُّ الْبَدَنَ فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَخَصَّ الْحِجَامَةَ لِأَنَّ الْبِلَادَ الْحَارَّةَ يَخْرُجُ الدَّمُ فِيهَا إلَى سَطْحِ الْبَدَنِ فَيَخْرُجُ بِالْحِجَامَةِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْحِجَامَةُ فِي الْحِجَازِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ يَحْصُلُ بِهَا مَقْصُودُ اسْتِفْرَاغِ الدَّمِ وَأَمَّا الْبِلَادُ الْبَارِدَةُ فَالدَّمُ يَغُورُ فِيهَا إلَى الْعُرُوقِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى قَطْعِ الْعُرُوقِ بِالْفِصَادِ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بِالْحِسِّ وَالتَّجْرِبَةِ فَإِنَّهُ فِي زَمَانِ الْبَرْدِ تَسْخَنُ الْأَجْوَافُ وَتَبْرُدُ الظَّوَاهِرُ لِأَنَّ شَبِيهَ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إلَيْهِ فَإِذَا بَرَدَ الْهَوَاءُ بَرَدَ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْأَبْدَانِ وَالْأَرْضِ فَيَهْرُبُ الْحَرُّ الَّذِي فِيهَا مِنْ الْبَرْدِ الْمُضَادِّ لَهُ إلَى الْأَجْوَافِ فَيَسْخَنُ بَاطِنُ الْأَرْضِ. وَأَجْوَافُ الْحَيَوَانِ وَيَأْوِي الْحَيَوَانُ إلَى الْأَكْنَانِ الدَّافِئَةِ. وَلِقُوَّةِ الْحَرَارَةِ فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ يَأْكُلُ فِي الشِّتَاءِ وَفِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْكُلُ فِي
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/288)
الصَّيْفِ وَفِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَارَةَ تَطْبُخُ الطَّعَامَ وَتُصَرِّفُهُ وَيَكُونُ الْمَاءُ النَّابِعُ فِي الشِّتَاءِ سُخْنًا لِسُخُونَةِ جَوْفِ الْأَرْضِ وَالدَّمُ سُخْنٌ فَيَكُونُ فِي جَوْفِ الْعُرُوقِ لَا فِي سَطْحِ الْجِلْدِ فَلَوْ احْتَجَمَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَضُرُّهُ وَفِي الصَّيْفِ وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ تَسْخَنُ الظَّوَاهِرُ فَتَكُونُ الْبَوَاطِنُ بَارِدَةً فَلَا يَنْهَضِمُ الطَّعَامُ فِيهَا كَمَا يَنْهَضِمُ فِي الشِّتَاءِ وَيَكُونُ الْمَاءُ النَّابِعُ بَارِدًا لِبُرُودَةِ بَاطِنِ الْأَرْضِ وَتَظْهَرُ الْحَيَوَانَاتُ إلَى الْبَرَارِي لِسُخُونَةِ الْهَوَاءِ فَهَؤُلَاءِ قَدْ لَا يَنْفَعُهُمْ الْفِصَادُ بَلْ قَدْ يَضُرُّهُمْ وَالْحِجَامَةُ أَنْفَعُ لَهُمْ. وَقَوْلُهُ: " شِفَاءُ أُمَّتِي " إشَارَةٌ إلَى مَنْ كَانَ حِينَئِذٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَهُمْ كَانُوا بِالْحِجَازِ
مسألة: ما حكم التداوي بمرارة المذبوح؟
مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 265)
وَسُئِلَ: عَنْ مَرَارَةِ مَا يُذْبَحُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْ يَحْرُمُ هَلْ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمَرَارَتِهِ؟ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ، إنْ كَانَ الْمَذْبُوحُ مِمَّا يُبَاحُ أَكْلُهُ جَازَ التَّدَاوِي بِمَرَارَتِهِ وَإِلَّا فَلَا.
مسألة: ما حكم التداوي بالتلطخ بشحم الخنزير؟
مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 270)
وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:عَنْ رَجُلٍ وُصِفَ لَهُ شَحْمُ الْخِنْزِيرِ لِمَرَضٍ بِهِ: هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ: وَأَمَّا التَّدَاوِي بِأَكْلِ شَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ. وَأَمَّا التَّدَاوِي بِالتَّلَطُّخِ بِهِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ مُبَاشَرَةِ النَّجَاسَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ. كَمَا يَجُوزُ اسْتِنْجَاءُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِيَدِهِ. وَمَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ جَازَ التَّدَاوِي بِهِ. كَمَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِلُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَطَاعِمِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهَا. كَمَا لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشُرْبِ الْخَمْرِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ بِشُحُومِ الْمَيْتَةِ فِي طَلْيِ السُّفُنِ وَدَهْنِ الْجُلُودِ وَالِاسْتِصْبَاحِ بِهِ وَأَقَرَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ ثَمَنِهِ. وَلِهَذَا رَخَّصَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِطَهَارَةِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي الْيَابِسَاتِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَفِي الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تُنَجِّسُهَا.
مسألة: ما حكم التداوي بأكل لحمه؟
مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 271)
وَسُئِلَ: عَمَّنْ يَتَدَاوَى بِالْخَمْرِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ: هَلْ يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} فِي إبَاحَةِ مَا ذُكِرَ؟ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِذَلِكَ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ يُتَدَاوَى بِهَا فَقَالَ: إنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءِ} وَفِي السُّنَنِ {عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الدَّوَاءِ بِالْخَبِيثِ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا}. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَرُورَةِ فَإِنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ الشِّفَاءُ بِهَا كَمَا يُتَيَقَّنُ الشِّبَعُ بِاللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ؛ وَلِأَنَّ الشِّفَاءَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ طَرِيقٌ بَلْ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَخْمَصَةِ فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/289)
إلَّا بِالْأَكْلِ.
مسألة: هل الدم قيل ظهوره نجس؟
مجموع الفتاوى - (ج 21 / ص 598)
لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الدَّمَ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَبُرُوزِهِ يَكُونُ نَجِسًا فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَنْجِيسِهِ وَلَا يُغْنِي الْقِيَاسُ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرَ وَبَرَزَ بِاتِّفَاقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلدَّلِيلِ عَلَى طَهَارَتِهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّجِسَ هُوَ الْمُسْتَقْذَرُ الْمُسْتَخْبَثُ وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَثْبُتُ لِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا مَوَاضِعَ خَلْقِهَا فَوَصْفُهَا بِالنَّجَاسَةِ فِيهَا وَصْفٌ بِمَا لَا تَتَّصِفُ بِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ خَاصَّةَ النَّجِسِ وُجُوبُ مُجَانَبَتِهِ فِي الصَّلَاةِ. وَهَذَا مَفْقُودٌ فِيهَا فِي الْبَدَنِ مِنْ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى حَامِلًا وِعَاءً مَسْدُودًا قَدْ أُوعِيَ دَمًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَلَئِنْ قُلْت: عُفِيَ عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ. قُلْت: بَلْ جُعِلَ طَاهِرًا لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ. فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّلُ طَهَارَةَ الْهِرَّةِ بِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ حَيْثُ يَقُولُ: {إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ}؟. بَلْ أَقُولُ: قَدْ رَأَيْنَا جِنْسَ الْمَشَقَّةِ فِي الِاحْتِرَازِ مُؤَثِّرًا فِي جِنْسِ التَّخْفِيفِ. فَإِنْ كَانَ الِاحْتِرَازُ مِنْ جَمِيعِ الْجِنْسِ مشقا عُفِيَ عَنْ جَمِيعِهِ فَحُكِمَ بِالطَّهَارَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ بَعْضِهِ عُفِيَ عَنْ الْقَدْرِ المشق وَهُنَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي دَاخِلِ الْأَبْدَانِ فَيُحْكَمُ لِنَوْعِهِ بِالطَّهَارَةِ كَالْهِرِّ وَمَا دُونَهَا وَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الدِّمَاءَ الْمُسْتَخْبَثَةَ فِي الْأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تَقُومُ حَيَاتُهُ إلَّا بِهَا حَتَّى سُمِّيَتْ نَفْسًا فَالْحُكْمُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ أَحَدَ أَرْكَانِ عِبَادِهِ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ نَوْعًا نَجِسًا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ فَلَا تَثْبُتُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِدَلِيلِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الدِّمَاءِ الْمُسْتَخْبَثَةِ شَيْءٌ مِنْ أَدِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَخَصَائِصِهَا. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْأَعْيَانَ تَفْتَرِقُ حَالُهَا: بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ عَمَلِهَا وَمَنْفَعَتِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا فَارَقَتْ ذَلِكَ. فَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا دَامَ جَارِيًا فِي أَعْضَاءِ الْمُتَطَهِّرِ فَهُوَ طَهُورٌ فَإِذَا انْفَصَلَ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ. وَالْمَاءُ فِي الْمَحَلِّ النَّجِسِ مَا دَامَ عَلَيْهِ فَعَمَلُهُ بَاقٍ وَتَطْهِيرُهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ فَإِذَا فَارَقَ مَحَلَّ عَمَلِهِ فَهُوَ إمَّا نَجِسٌ أَوْ غَيْرُ مُطَهِّرٍ؛ وَهَذَا مَعَ تَغَيُّرِ الْأَمْوَاهِ فِي مَوَارِدِ التَّطْهِيرِ تَارَةً بِالطَّاهِرَاتِ وَتَارَةً بِالنَّجَاسَاتِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُخَالَطَةُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ أَسْبَابِ التَّغْيِيرِ لَا تُؤَثِّرُ فِي مَحَلِّ عَمَلِنَا وَانْتِفَاعِنَا فَمَا ظَنُّك بِالْجِسْمِ الْمُفْرَدِ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ بِخَلْقِ اللَّهِ وَتَدْبِيرِهِ فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّهُ لُبَابُ الْفِقْهِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ عَنْ أَصْلِ الدَّلِيلِ: أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الدَّمَ نَجِسٌ فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَحَالَ وَتَبَدَّلَ. وَقَوْلُهُمْ: الِاسْتِحَالَةُ لَا تُطَهِّرُ. قُلْنَا: مَنْ أَفْتَى بِهَذِهِ الْفَتْوَى الطَّوِيلَةِ الْعَرِيضَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِجْمَاعِ
مسألة: إذا قال الطبيب للمريض ما لك دواء إلا لحكم الكلب أو الخنزير؟
مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 272)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/290)
وَسُئِلَ: عَنْ الْمَرِيضِ إذَا قَالَتْ لَهُ الْأَطِبَّاءُ: مَا لَك دَوَاءٌ غَيْرَ أَكْلِ لَحْمِ الْكَلْبِ أَوْ الْخِنْزِيرِ. فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا}؟ وَإِذَا وَصَفَ لَهُ الْخَمْرَ أَوْ النَّبِيذَ: هَلْ يَجُوزُ شُرْبُهُ مَعَ هَذِهِ النُّصُوصِ؟ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَبَائِثِ لِمَا رَوَاهُ وَائِلُ بْنُ حجر {أَنَّ طَارِقَ بْنَ سويد الجعفي. سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ عَنْهَا فَقَالَ: إنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءِ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ} رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّوَاءَ وَأَنْزَلَ الدَّاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامِ}. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ بِالْخَبِيثِ} وَفِي لَفْظٍ يَعْنِي السُّمَّ رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ مَاجَه وَالتِّرْمِذِي. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: {ذَكَرَ طَبِيبٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَوَاءً وَذَكَرَ الضُّفْدَعَ تُجْعَلُ فِيهِ فَنَهَى رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهِ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ} رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِي. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي السُّكْرِ: " إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذِهِ النُّصُوصُ وَأَمْثَالُهَا صَرِيحَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّدَاوِي بِالْخَبَائِثِ مُصَرِّحَةٌ بِتَحْرِيمِ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ إذْ هِيَ أُمُّ الْخَبَائِثِ وَجِمَاعُ كُلِّ إثْمٍ. وَالْخَمْرُ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ كَمَا ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ} وَفِي رِوَايَةٍ {كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ: الْبِتْعِ وَهُوَ مِنْ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ وَالْمِزْرِ: وَهُوَ مِنْ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ}. وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ {عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ. وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ - وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ} وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِي وَغَيْرُهُمَا: عَنْ جَابِرٍ {أَنَّ رَجُلًا مِنْ حُبْشَانَ مِنْ الْيَمَنِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ فَقَالَ: أَمُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ}
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/291)
الْحَدِيثَ. فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَأَنَّهُ خَمْرٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ: إنَّهُ لَا يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ إلَّا بِهَذَا الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ. فَهَذَا قَوْلُ جَاهِلٍ لَا يَقُولُهُ مَنْ يَعْلَمُ الطِّبَّ أَصْلًا فَضْلًا عَمَّنْ يَعْرِفُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الشِّفَاءَ لَيْسَ فِي سَبَبٍ مُعَيَّنٍ يُوجِبُهُ فِي الْعَادَةِ كَمَا لِلشِّبَعِ سَبَبٌ مُعَيَّنٌ يُوجِبُهُ فِي الْعَادَةِ إذْ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْفِيهِ اللَّهُ بِلَا دَوَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفِيهِ اللَّهُ بِالْأَدْوِيَةِ الْجُثْمَانِيَّةِ حَلَالِهَا وَحَرَامِهَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فَلَا يَحْصُلُ الشِّفَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلشِّبَعِ؛ وَلِهَذَا أَبَاحَ اللَّهُ لِلْمُضْطَرِّ الْخَبَائِثَ أَنْ يَأْكُلَهَا عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهَا فِي الْمَخْمَصَةِ فَإِنَّ الْجُوعَ يَزُولُ بِهَا وَلَا يَزُولُ بِغَيْرِهَا بَلْ يَمُوتُ أَوْ يَمْرَضُ مِنْ الْجُوعِ فَلَمَّا تَعَيَّنَتْ طَرِيقًا إلَى الْمَقْصُودِ أَبَاحَهَا اللَّهُ بِخِلَافِ الْأَدْوِيَةِ الْخَبِيثَةِ. بَلْ قَدْ قِيلَ: مَنْ اسْتَشْفَى بِالْأَدْوِيَةِ الْخَبِيثَةِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَرَضٍ فِي قَلْبِهِ وَذَلِكَ فِي إيمَانِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا جَعَلَ اللَّهُ شِفَاءَهُ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمَّا التَّدَاوِي فَلَا يَجِبُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ بِالْحَلَالِ وَتَنَازَعُوا: هَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهُ؟ أَوْ تَرْكُهُ عَلَى طَرِيقِ التَّوَكُّلِ؟. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرَهَا لَمْ يُبِحْ ذَلِكَ إلَّا لِمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَدَاوِيَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ. وَأَمَّا مَا أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ لَا لِمُجَرَّدِ الضَّرُورَةِ: كَلِبَاسِ الْحَرِيرِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا} وَهَذَا جَائِزٌ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ إنَّمَا حُرِّمَ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، وَلِهَذَا أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى التَّزَيُّنِ بِهِ وَأُبِيحَ لَهُنَّ التَّسَتُّرُ بِهِ مُطْلَقًا فَالْحَاجَةُ إلَى التَّدَاوِي بِهِ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى وَهَذِهِ حُرِّمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ لُبْسُهَا لِلْبَرْدِ: أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَسْتَتِرُ بِهِ غَيْرُهَا.
مسألة: ما الذي يجوز من الرقى و ما الذي لا يجوز؟
مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 13)
الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ جَمِيعَ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ يُقِرُّونَ بِوُجُودِ الْجِنِّ وَكَذَلِكَ جُمْهُورُ الْكُفَّارِ كَعَامَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الهذيل وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَوْلَادِ حَامٍ وَكَذَلِكَ جُمْهُورُ الْكَنْعَانِيِّينَ واليونانيين وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَوْلَادِ يافث. فَجَمَاهِيرُ الطَّوَائِفِ تُقِرُّ بِوُجُودِ الْجِنِّ بَلْ يُقِرُّونَ بِمَا يَسْتَجْلِبُونَ بِهِ مُعَاوَنَةَ الْجِنِّ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالطَّلَاسِمِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/292)
سَائِغًا عِنْدَ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَوْ كَانَ شِرْكًا فَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ يَقْرَءُونَ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالطَّلَاسِمِ وَالرُّقَى مَا فِيهِ عِبَادَةٌ لِلْجِنِّ وَتَعْظِيمٌ لَهُمْ وَعَامَّةُ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالطَّلَاسِمِ وَالرُّقَى الَّتِي لَا تُفْقَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهَا مَا هُوَ شِرْكٌ بِالْجِنِّ. وَلِهَذَا نَهَى عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الرُّقَى الَّتِي لَا يُفْقَهُ مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشِّرْكِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الرَّاقِي أَنَّهَا شِرْكٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ {عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأشجعي. قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ}. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ: {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنْ الْعَقْرَبِ وَإِنَّك نَهَيْت عَنْ الرُّقَى قَالَ: فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ}
مسألة ما حكم الرقى المكتوبة التي تغسل ويسقاها المريض؟
مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 64)
فَصْلٌ:
وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لِلْمُصَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَرْضَى شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَذِكْرُهُ بِالْمِدَادِ الْمُبَاحِ وَيُغْسَلُ وَيُسْقَى كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد: قَرَأْت عَلَى أَبِي ثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ؛ ثَنَا سُفْيَانُ؛ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا عَسِرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وِلَادَتُهَا فَلْيَكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}. قَالَ أَبِي: ثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ بِإِسْنَادِهِ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: يُكْتَبُ فِي إنَاءٍ نَظِيفٍ فَيُسْقَى قَالَ أَبِي: وَزَادَ فِيهِ وَكِيعٌ فَتُسْقَى وَيُنْضَحُ مَا دُونَ سُرَّتِهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْت أَبِي يَكْتُبُ لِلْمَرْأَةِ فِي جَامٍ أَوْ شَيْءٍ نَظِيفٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَمْدَانَ الحيري: أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النسوي؛ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ شبوية؛ ثنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ؛ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ؛ عَنْ سُفْيَانَ؛ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ عَنْ الْحَكَمِ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا عَسِرَ عَلَى الْمَرْأَةِ وِلَادُهَا فَلْيَكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}. قَالَ عَلِيٌّ: يُكْتَبُ فِي كاغدة فَيُعَلَّقُ عَلَى عَضُدِ الْمَرْأَةِ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ جَرَّبْنَاهُ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا أَعْجَبَ مِنْهُ فَإِذَا وَضَعَتْ تُحِلُّهُ سَرِيعًا ثُمَّ تَجْعَلُهُ فِي خِرْقَةٍ أَوْ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/293)
تُحْرِقُهُ.
مسألة: هل تدخل الجن بدن المصروع؟
مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 276)
وُجُودُ الْجِنِّ ثَابِتٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا. وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْجِنِّيِّ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ}. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ قُلْت لِأَبِي: إنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ: إنَّ الْجِنِّيَّ لَا يَدْخُلُ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ يَكْذِبُونَ هَذَا يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَمْرٌ مَشْهُورٌ فَإِنَّهُ يَصْرَعُ الرَّجُلَ فَيَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِف مَعْنَاهُ وَيُضْرَبُ عَلَى بَدَنِهِ ضَرْبًا عَظِيمًا لَوْ ضُرِبَ بِهِ جَمَلٌ لَأَثَّرَ بِهِ أَثَرًا عَظِيمًا. وَالْمَصْرُوعُ مَعَ هَذَا لَا يُحِسُّ بِالضَّرْبِ وَلَا بِالْكَلَامِ الَّذِي يَقُولُهُ وَقَدْ يَجُرُّ الْمَصْرُوعَ وَغَيْرَ الْمَصْرُوعِ وَيَجُرُّ الْبِسَاطَ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ وَيُحَوِّلُ آلَاتٍ وَيَنْقُلُ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ وَيُجْرِي غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ مَنْ شَاهَدَهَا أَفَادَتْهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنَّ النَّاطِقَ عَلَى لِسَانِ الْإِنْسِيِّ وَالْمُحَرِّكَ لِهَذِهِ الْأَجْسَامِ جِنْسٌ آخَرُ غَيْرُ الْإِنْسَانِ. وَلَيْسَ فِي أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يُنْكِرُ دُخُولَ الْجِنِّيِّ فِي بَدَنِ الْمَصْرُوعِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّ الشَّرْعَ يُكَذِّبُ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ.
مسألة: ما أسباب صرع الجن للإنس؟
مجموع الفتاوى - (ج 13 / ص 82)
صَرْعُ الْجِنِّ لِلْإِنْسِ هُوَ لِأَسْبَابِ ثَلَاثَةٍ: تَارَةً يَكُونُ الْجِنِّيُّ يُحِبُّ الْمَصْرُوعَ فَيَصْرَعُهُ لِيَتَمَتَّعَ بِهِ وَهَذَا الصَّرْعُ يَكُونُ أَرْفَقَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَسْهَلَ وَتَارَةً يَكُونُ الْإِنْسِيُّ آذَاهُمْ إذَا بَالَ عَلَيْهِمْ أَوْ صَبَّ عَلَيْهِمْ مَاءً حَارًّا أَوْ يَكُونُ قَتَلَ بَعْضَهُمْ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذَى وَهَذَا أَشَدُّ الصَّرْعِ وَكَثِيرًا مَا يَقْتُلُونَ الْمَصْرُوعَ وَتَارَةً يَكُونُ بِطَرِيقِ الْعَبَثِ بِهِ كَمَا يَعْبَثُ سُفَهَاءُ الْإِنْسِ بِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
مسألة: كيف يعالج المصروع؟
مجموع الفتاوى - (ج 24 / ص 277)
وَأَمَّا مُعَالَجَةُ الْمَصْرُوعِ بِالرُّقَى وَالتَّعَوُّذَاتِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِنْ كَانَتْ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ مِمَّا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا وَمِمَّا يَجُوزُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا الرَّجُلُ دَاعِيًا اللَّهَ ذَاكِرًا لَهُ وَمُخَاطِبًا لِخَلْقِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرْقَى بِهَا الْمَصْرُوعُ وَيُعَوَّذَ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَّهُ أَذِنَ فِي الرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا}. {وَقَالَ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ}. وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ كَلِمَاتٌ مُحَرَّمَةٌ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شِرْكٌ أَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ الْمَعْنَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كُفْرٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَ بِهَا وَلَا يُعَزِّمَ وَلَا يُقْسِمَ وَإِنْ كَانَ الْجِنِّيُّ قَدْ يَنْصَرِفُ عَنْ الْمَصْرُوعِ بِهَا فَإِنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ كَالسِّيمَيا وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَإِنَّ السَّاحِرَ السيماوي وَإِنْ كَانَ يَنَالُ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ كَمَا يَنَالُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/294)
السَّارِقُ بِالسَّرِقَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْكَاذِبُ بِكَذِبِهِ وَبِالْخِيَانَةِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَكَمَا يَنَالُ الْمُشْرِكُ بِشِرْكِهِ وَكُفْرِهِ بَعْضَ أَغْرَاضِهِ وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ نَالُوا بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ بِهَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّهَا تَعْقُبُهُمْ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِمَّا حَصَّلُوهُ مِنْ أَغْرَاضِهِمْ. فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ الرُّسُلَ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَكُلُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَمَصْلَحَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَفْسَدَتِهِ وَمَنْفَعَتُهُ رَاجِحَةٌ عَلَى الْمَضَرَّةِ. وَإِنْ كَرِهَتْهُ النُّفُوسُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} الْآيَةَ. فَأَمَرَ بِالْجِهَادِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلنُّفُوسِ لَكِنَّ مَصْلَحَتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى مَا يَحْصُلُ لِلنُّفُوسِ مِنْ أَلَمِهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَشْرَبُ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ لِتَحْصُلَ لَهُ الْعَافِيَةُ فَإِنَّ مَصْلَحَةَ حُصُولِ الْعَافِيَةِ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى أَلَمِ شُرْبِ الدَّوَاءِ. وَكَذَلِكَ التَّاجِرُ الَّذِي يَتَغَرَّبُ عَنْ وَطَنِهِ وَيَسْهَرُ وَيَخَافُ وَيَتَحَمَّلُ هَذِهِ الْمَكْرُوهَاتِ مَصْلَحَةُ الرِّبْحِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ رَاجِحَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَكَارِهِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ}. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ السَّاحِرِ: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} - إلَى قَوْلِهِ - {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ السَّاحِرَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ. وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ بَعْضَ أَغْرَاضِهِمْ فِي الدُّنْيَا {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} آمَنُوا وَاتَّقَوْا بِفِعْلِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ لَكَانَ مَا يَأْتِيهِمْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَحْصُلُ لَهُمْ بِالسِّحْرِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}. وَقَالَ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}. وَقَالَ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}
الْآيَتَيْنِ. وَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا}. وَالْأَحَادِيثُ فِيمَا يُثِيبُ اللَّهُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ كُلَّ ضَرَرٍ بِمَا شَاءَ وَلَا يَجْلِبُ كُلَّ نَفْعٍ بِمَا شَاءَ بَلْ لَا يَجْلِبُ النَّفْعَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ وَلَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ إلَّا بِمَا فِيهِ تَقْوَى اللَّهِ فَإِنْ كَانَ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالْأَقْسَامِ وَالدُّعَاءِ وَالْخَلْوَةِ وَالسَّهَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ. فَمَنْ كَذَّبَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالسِّحْرِ وَمَا يَأْتُونَ بِهِ عَلَى
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/295)
اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ - كَدُعَاءِ الْكَوَاكِبِ وَتَخْرِيجِ الْقُوَى الْفَعَّالَةِ السَّمَاوِيَّةِ بِالْقُوَى الْمُنْفَعِلَةِ الْأَرْضِيَّةِ وَمَا يَنْزِلُ مِنْ الشَّيَاطِينِ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ فَالشَّيَاطِينُ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ وَيُسَمُّونَهَا رُوحَانِيَّةَ الْكَوَاكِبِ - وَأَنْكَرُوا دُخُولَ الْجِنِّ فِي أَبْدَانِ الْإِنْسِ وَحُضُورَهَا بِمَا يَسْتَحْضِرُونَ بِهِ مِنْ الْعَزَائِمِ وَالْأَقْسَامِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فَقَدْ كَذَّبَ بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمًا. وَمَنْ جَوَّزَ أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ بِمَا رَآهُ مُؤَثِّرًا مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِنَ ذَلِكَ بِشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ - فَيَفْعَلُ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ - وَقَدْ دَخَلَ فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إمَّا مِنْ الْكُفْرِ وَإِمَّا مِنْ الْفُسُوقِ وَإِمَّا الْعِصْيَانِ بَلْ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيَتْرُكَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ. وَمِمَّا شَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّعَوُّذِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ. وَلَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ} وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: {أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ}. {وَلَمَّا جَاءَتْهُ الشَّيَاطِينُ بِلَهَبٍ مِنْ نَارٍ أَمَرَ بِهَذَا التَّعَوُّذِ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ}. فَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْأَذْكَارِ وَالدَّعَوَاتِ الَّتِي يَقُولُهَا الْعَبْدُ إذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى وَإِذَا نَامَ وَإِذَا خَافَ شَيْئًا وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ مَا فِيهِ بَلَاغٌ. فَمَنْ سَلَكَ مِثْلَ هَذِهِ السَّبِيلِ فَقَدْ سَلَكَ سَبِيلَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَمَنْ دَخَلَ فِي سَبِيلِ أَهْلِ الْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ الدَّاخِلَةِ فِي الشِّرْكِ وَالسِّحْرِ فَقَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَبِذَلِكَ ذَمَّ اللَّهُ مَنْ ذَمَّهُ مِنْ مُبَدِّلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ. حَيْثُ قَالَ: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى} - إلَى قَوْلِهِ - {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
مسألة: إذا احتيج إلى ضرب المصروع ما لم يفق فهل يضرب؟
مجموع الفتاوى - (ج 19 / ص 60)
قَدْ يَحْتَاجُ فِي إبْرَاءِ الْمَصْرُوعِ وَدَفْعِ الْجِنِّ عَنْهُ إلَى الضَّرْبِ فَيُضْرَبُ ضَرْبًا كَثِيرًا جِدًّا وَالضَّرْبُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْجِنِّيِّ وَلَا يَحُسُّ بِهِ الْمَصْرُوعُ حَتَّى يَفِيقَ الْمَصْرُوعُ وَيُخْبِرَ أَنَّهُ لَمْ يَحُسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِهِ وَيَكُونُ قَدْ ضُرِبَ بِعَصَا قَوِيَّةٍ عَلَى رِجْلَيْهِ نَحْوَ ثَلَاثِمِائَةٍ أَوْ أَرْبَعِمِائَةِ ضَرْبَةً وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ عَلَى الْإِنْسِيِّ لَقَتَلَهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الْجِنِّيِّ وَالْجِنِّيُّ يَصِيحُ وَيَصْرُخُ
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/296)
وَيُحَدِّثُ الْحَاضِرِينَ بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا قَدْ فَعَلْنَا نَحْنُ هَذَا وَجَرَّبْنَاهُ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً يَطُولُ وَصْفُهَا بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرِينَ.
مسألة: من الذي يعالج المصروع بالأحوال الشيطانية؟
مجموع الفتاوى - (ج 11 / ص 611)
يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ تَقْتَرِنُ بِهِمْ الشَّيَاطِينُ مِنْ إخْوَانِهِمْ الَّذِينَ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ عِنْدَ النَّاسِ مِنْ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَطْلُبُهُمْ النَّاسُ لِعِلَاجِ الْمَصْرُوعِ وَهُمْ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ عِنْدَ النَّاسِ فَإِذَا طَلَبُوا تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْمُقَاتِلَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِمْ الْجِنُّ فَيُحَارِبُ مِثْلَ الْجِنِّ الدَّاخِلِ فِي الْمَصْرُوعِ وَيَسْمَعُ النَّاسُ أَصْوَاتًا وَيَرَوْنَ حِجَارَةً يُرْمَى بِهَا وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَرَى الْإِنْسِيَّ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ الرُّمْحِ الطَّوِيلِ. وَإِنَّمَا الْوَاقِفُ هُوَ الشَّيْطَانُ وَيَرَى النَّاسُ نَارًا تُحْمَى. وَيَضَعُ فِيهَا الْفُؤُوسَ وَالْمَسَاحِيَ ثُمَّ إنَّ الْإِنْسِيَّ يَلْحَسُهَا بِلِسَانِهِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ وَيَرَى النَّاسُ هَؤُلَاءِ يُبَاشِرُونَ الْحَيَّاتِ وَالْأَفَاعِيَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَ مِنْ الْأُمُورِ مَا هُوَ أَبْلَغُ مِمَّا يَفْعَلُهُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعُونَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ الْمُلَبِّسُونَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَعَادِيهِ الْمُضَيِّعِينَ لِفَرَائِضِهِ الْمُتَعَدِّينَ لِحُدُودِهِ. وَالْجُهَّالِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَالطَّبِيعِيَّةِ يَظُنُّوهُمْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ؛ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَحْوَالُ مِنْ جِنْسِ أَحْوَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ الْكَافِرِينَ وَالْفَاسِقِينَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَلَا فِعْلِ الْمَحْظُورِ وَلَا إقَامَةِ مَشْيَخَةٍ تُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَلَا أَنْ يُعْطِيَ رِزْقَهُ عَلَى مَشْيَخَةٍ يَخْرُجُ بِهَا مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنَّمَا يُعَانُ بِالْأَرْزَاقِ مَنْ قَامَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدَعَا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 11:45 ص]ـ
أرجو من المشرفين حذف المشاركة 2 لأنها أدخلت خطأ و حذف هذه المشاركة بعد ذلك(118/297)
اسفسار حول حديث: رفع القلم عن ثلاث
ـ[محمد بن عمران]ــــــــ[28 - 10 - 09, 12:46 م]ـ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم" رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم عن على وعمر رضى الله عنهما وصححه الألبانى برقم3512 فى صحيح الجامع.
** الذى أفهمه أن القلم مرفوع عن كتابة السيئات عليهم؛ فهل إذا فعل المجنون المغلوب المبتلى أو الصبى حسنة تُكتب وتُثبت.
بمعنى هل القلم مرفوع عن كتابة السيئات والحسنات أم عن كتابة السيئات فقط؟
جزاكم الله خيرا.
ـ[أحمد وفاق مختار]ــــــــ[28 - 10 - 09, 07:51 م]ـ
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله:
ذكر ابن حبان أن المراد برفع القلم ترك كتابة الشر عنهم دون الخير، وقال شيخنا في " شرح الترمذي ": هو ظاهر في الصبي دون المجنون والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلا لصحة العبادة منه لزوال الشعور. وحكى ابن العربي أن بعض الفقهاء سئل عن إسلام الصبي فقال: لا يصح واستدل بهذا الحديث، فعورض بأن الذي ارتفع عنه قلم المؤاخذة وأما قلم الثواب فلا لقوله للمرأة لما سألته " ألهذا حج؟ قال: نعم " ولقوله " مروهم بالصلاة " فإذا جرى له قلم الثواب فكلمة الإسلام أجل أنواع الثواب فكيف يقال إنها تقع لغوا ويعتد بحجه وصلاته؟
اهـ
من فتح الباري شرح صحيح البخاري.
ـ[محمد بن عمران]ــــــــ[04 - 11 - 09, 07:05 م]ـ
جزاك الله خيرًأ(118/298)
فائدة نفيسة: حول آخر ساعة من يوم الجمعة هل هي 60 دقيقة المتعارف عليها أم لا؟
ـ[عبدالله المُجَمّعِي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 01:25 م]ـ
.
.
السؤال: ذكر أن هناك ساعة في يوم الجمعة الدعاء فيها مستجاب، وأن هذه الساعة تكون قبل المغرب على الرأي الأرجح، فهل معنى الساعة هو المعنى المتعارف عليه 60 دقيقة؟ أم أن المقصود مدة زمنية فقط؟ وهل يصح أن أنظر إلى وقت أذان المغرب فأحسب ساعة من قبلها فأبدأ الدعاء؟ أم أنه يلزم الجلوس بين العصر والمغرب آملاً في أن أوافق هذه الساعة؟.
الجواب: الحمد لله
أولاً: جاءت لفظة " ساعة " في كتاب الله تعالى، وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي كلام الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم، والأئمة من بعدهم، وليس المراد بها قطعا الساعة بمعناها العرفي الحديث، وهي " ستون دقيقة "؛ لأن الساعة بهذا المقدار لم تكن تُعرف في زمانهم، والساعة في وضعها الحالي لم تكن مصنوعة أصلاً، فلا اليوم كان مقسَّماً على أربع وعشرين ساعة، ولا الساعة كانت محسوبة بالدقائق، بل إن معنى " الساعة " في أكثر استعمالاتها هي بمعنى " الجزء من النهار "، أو " الجزء من الليل "، وقد تطول أو تقصر، بحسب السياق والمراد في استعمالها، كما أنها تطلق تلك اللفظة على " القيامة "، وقد جمع المعنيان في سياق واحد، وذلك في قوله تعالى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) الروم/ 55، فلفظة " الساعة " الأولى بمعنى: " القيامة "، والآخر بمعنى: " الجزء من الزمان ".
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله -:
يُخبر تعالى عن يوم القيامة، وسرعة مجيئه، وأنه إذا قامت الساعة: (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) باللّه أنهم (مَا لَبِثُوا) في الدنيا إلا (سَاعَة)؛ وذلك اعتذار منهم، لعله ينفعهم العذر، واستقصار لمدة الدنيا.
" تفسير السعدي " (ص 645).
وتطلق – أيضاً – ويراد بها: " الوقت الحاضر ".
قال الفيروزآبادي – رحمه الله -:
والساعَةُ: جُزْءٌ من أجْزاءِ الجَديدَيْنِ، والوَقْتُ الحاضِرُ، (والجمع): ساعاتٌ، وساعٌ، والقيامَةُ، أو الوَقْتُ الذي تقومُ فيه القيامةُ.
" القاموس المحيط " (ص 944).
والجديدان هما: الليل والنهار.
ثانياً: بناء على ذلك يتبين أن " الساعة " المقصودة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة، وما يشبهه: أن المراد بها: جزء من الوقت، وقد يقصر ذلك الجزء، أو يطول، ويُعرف ذلك من خلال سياق الحديث، فساعة الاستجابة يوم الجمعة قصيرة الزمن، ووقت ساعة الاستجابة كل ليلة أطول منه.
والأحاديث بنصوصها، وفهمها يدلان على ذلك:
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: (فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا).
رواه البخاري (893) ومسلم (852).
وزاد مسلم في لفظ عنده (وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ).
قال الشيخ محمد بن علان الصديقي – رحمه الله -:
(بيده يقللها) أي: يبين أنها لحظة، لطيفة، خفيفة، وزاد مسلم: (وهي ساعة خفيفة).
" دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين " (6/ 479).
ب. عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).
رواه مسلم (757).
قال الشيخ محمد بن علان الصديقي – رحمه الله -:
وفيه على كل وجه: إيماء إلى اتساع زمنها، بخلاف ساعة الإجابة يوم الجمعة، ويؤيد ذلك: أنه أشار لضيق ساعة الجمعة بقول الصحابي (وأشار) - أي النبي صلى الله عليه وسلم – (بيده يقللها)، ولم يقل مثل ذلك في الساعة التي في الليل.
" دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين " (7/ 4).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/299)
وهكذا يُعرف قصر الزمان وطوله في معنى لفظ " الساعة "، ففي آية سورة " الروم " يدل معناها على سنوات!، وفي بعض الأحاديث والآثار تدل على زمان يسير جدّاً، نحو: " فسكت ساعة "، و " فأطرق ساعة "، و " فلبث ساعة "، وما يشبه ذلك من السياقات.
ثالثاً: ورد تقسيم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة، في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ - يُرِيدُ: سَاعَةً - لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ).
رواه أبو داود (1048) والنسائي (1389)، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
والمراد بالحديث: تقسيم نهار الجمعة – من الفجر إلى الغروب – إلى اثني عشر جزءً، حزء واحد منها هو الساعة التي يستجاب فيها الدعاء.
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله -:
وظاهر الحديث: يدل على تقسيم نهار الجمعة إلى اثنتي عشرة ساعةً، مع طول النهار، وقصره، فلا يكون المراد به الساعات المعروفة من تقسيم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين ساعة؛ فإن ذَلِكَ يختلف باختلاف طول النهار، وقصره.
" فتح الباري " لابن رجب (5/ 356).
من هنا تبدأ الفائدة النفيسة للفضيلة الشيخ:
عبدالمحسن العباد المدرس بالمسجد النبوي:-
وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله – وقد شرح الحديث فأوعب -:
وقوله: (ثنتا عشرة ساعة) [أي في الحديث أعلاه]: يدل على أن النهار مقداره اثنتا عشرة ساعة، ومعلوم أن النهار في اصطلاح الشرع: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وليس من طلوع الشمس إلى غروبها؛ ولهذا فإن صيام الأيام إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل أيضاً اثنتا عشرة ساعة، لكن الساعات ليست مستقرة، ثابتة، على طول الأيام، وإنما هي تزيد وتنقص بطول اليوم وقصَره، فمعنى هذا: أن الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقسَّم إلى اثني عشر جزءاً، وجزء من هذه الاثني عشر هو مقدار الساعة التي جاء ذكرها في هذا الحديث، فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنَة - كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة -، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة، وأحياناً يكون العكس، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره، لكن في هذا الحديث: (النهار اثنتا عشرة ساعة) سواءً في الشتاء، أو في الصيف، سواء طال النهار أو قصر، فتقسم اليوم في كل وقت على اثنتي عشرة ساعة، فتنقص الساعة وتزيد، وبالتوزيع عليهما يختلف مقدار الساعة من وقت لآخر، فمقدار الساعة في الصيف حيث يطول النهار: أطول من الساعة في الشتاء حيث يقصر النهار، وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة، والليل اثنتا عشرة ساعة، وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه " فقه اللغة " (ص 468)، فذكر ساعات الليل، وساعات النهار، وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس، وينتهي بغروبها، ولكن في اصطلاح الشرع: النهار يبدأ بطلوع الفجر، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه أبي داود أنه ذكر عند غسل الجمعة: أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة: أجزأه عن غسل الجمعة؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر.
فعلى هذا: تكون ساعة الإجابة آخر جزء من اثنتي عشر جزءاً، وقد تطول في الصيف، وتقصر في الشتاء، على حسب توزيع مجمل الساعات.
" شرح سنن أبي داود " (شريط رقم 89)، (6/ 244، 245) – ترقيم الشاملة -.
وأما بخصوص حديث الذهاب إلى الجمعة في الساعة الأولى، والثانية، إلى الخامسة، وأجر كل واحدة منها: فيقسَّم الزمان من طلوع الشمس إلى الزوال خمسة أجزاء، ويكون كل جزء هو المراد بالساعة، وقد تطول مدتها عن الستين دقيقة، وقد تقصر، بحسب طول النهار، وقصره، كما سبق توضيحه، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم (60318 ( http://islamqa.com/ar/ref/60318) ) .
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/300)
وفي مسألة ساعة الإجابة يوم الجمعة انظر جوابي السؤالين: (82609 ( http://islamqa.com/ar/ref/82609) ) و (21748 ( http://islamqa.com/ar/ref/21748) ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 06:38 م]ـ
لأن الساعة بهذا المقدار لم تكن تُعرف في زمانهم، والساعة في وضعها الحالي لم تكن مصنوعة أصلاً، فلا اليوم كان مقسَّماً على أربع وعشرين ساعة
المسألة كبيرة وتحتاج لتحقيق ..
وتقسيم اليوم والليلة لأربع وعشرين ساعة = تقسيم قديم جداً ..
وكانت هذه الساعات غير متساوية الوحدة ..
وعليه فلايوجد ما يمنع أن يكون اليوم عندهم أربع وعشرين ساعة والنهار منها اثنا عشر ساعة وأن تكون وحدة الساعة متغيرة بحسب طول النهار وكان الحال كذلك بالفعل عند أمم قبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
تنبيه: كلامي هنا ليس في الإثبات؛فهذا يحتاج لتحرير وإنما كلامي في نفي الامتناع؛المبني على حدوث التقسيم وذلك الحدوث غير صحيح بل التقسيم قديم ..
فائدة:
في بعض المصادر ما يفيد قسمة العرب اليوم لأربع وعشرين ساعة مع ذكر أسمائها:
ساعات النهار عددها إثنى عشرة ساعه وهي كالتالي:
الشروق .. وهو شروق الشمس
البكور .. وهو أول الشئ والمعنى هنا أول النهار بعد الشروق
الغدوّة .. وهي البكرة. أو مابين صلاة الفجر وطلوع الشمس
الضحى .. وهو إرتفاع النهار أو إنتصاف النهار أو إذا برزت الشمس
الظهيرة أو الظهر .. وهو الظهر ساعة الزوال والظهيرة حدّ إنتصاف النهار
الهاجرة.ويقال.الهجير .. وهو نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر
الروّاح .. وهو العشي أو من الزوال إلى الليل ويقال. الزوال .. وهو الذهاب وزوال النهار وزوال الشمس عن كبد السماء
العصر .. ورد فيه معاني كثره منها اليوم.الليله.العشي إلى إحمرار الشمس. الغداة.الحبْسُ
القصر .. وهو خلاف المدّ وإختلاط الليل والحبْسُ
الأصل. ويقال.الأصيل .. والأصل هو أسفل الشئ والأصيل هوالموت والهلاك
العشي .. وهو آخر النهار
الغروب .. وهو غروب الشمس أو تنحيها عن النهار أو ذهابها والغروب أول الليل
ساعات الليل وعددها إثني عشرة ساعه وهي كالتالي:
الشفق .. وهي الحمرة في الأفق أو (الحمرة المغربية)
الغسق .. وهو ظلمة أول الليل
العتمة .. عتم الليل بمعنى مرّ منه قطعة والعتمة هي ثلث الليل الأوّل بعد غيبوبة الشفق أو وقت صلاة العشاءالأخير
السدفة .. وهي سواد الليل ويقال أسدف بمعنى نام.ويقال أسدف الليل بمعنى أظلم.
الفحمة .. فحمة الليل أوّله .. أو إشتدّ سواده أو مابين غروب الشمس إلى نوم الناس خاصة بالصيف
الزلة .. (بتشديد اللام) وهي دخول أو إنزلاق الشئ بسرعه أو مرور الشئ سريعاً
الزلفة .. وهي ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل وورد في القرآن سورة هود اية 114 (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل)
البهرة .. وهو إبهار الليل بمعنى إنتصف أو اتراكمت ظلمته أو ذهبت عامته وبقي نحو ثلثه
السحر .. وهو قبيل الصبح وفيه البياض يعلو السواد
الفجر .. ضوء الصباح وهو حُمرة الشمس في سواد الليل وقيل إنفجر الصبح وتفجّر وانفجر عنه الليل
الصبح .. وهو أو ل النهار بعد الفجر مباشرة
الصباح .. وهو قبل شروق الشمس وفيه يبصر الانسان قبل ان تشرق الشمس
ووردفي بعض الأسماء لساعات الليل ايضاً اآتي:
العشاء .. وهو أوّل الظلام.أو من المغرب إلى العتمة.أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر
الدجى .. وهو الضلام الحالك ويقال دجى الليل
والفجر الأول
والفجر المعترض
ـ[عبدالله المُجَمّعِي]ــــــــ[05 - 11 - 09, 11:14 م]ـ
أخي الفاضل / أبا فهر السلفي
جزاك الله خير وبارك الله فيك وشاكر لك مداخلتك ..
فوائد قيمة ..
ــــــــــــــــــــــ
حياك الله أبا حمدان وبياك ..
ـ[ظافر الخطيب]ــــــــ[06 - 11 - 09, 10:54 م]ـ
وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه " فقه اللغة " (ص 468)، فذكر ساعات الليل، وساعات النهار، وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس، وينتهي بغروبها "العباد"
ـ[أبو محمد الجعلى]ــــــــ[07 - 11 - 09, 11:54 ص]ـ
المسألة كبيرة وتحتاج لتحقيق ..
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/301)
وتقسيم اليوم والليلة لأربع وعشرين ساعة = تقسيم قديم جداً ..
وكانت هذه الساعات غير متساوية الوحدة ..
وعليه فلايوجد ما يمنع أن يكون اليوم عندهم أربع وعشرين ساعة والنهار منها اثنا عشر ساعة وأن تكون وحدة الساعة متغيرة بحسب طول النهار وكان الحال كذلك بالفعل عند أمم قبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
تنبيه: كلامي هنا ليس في الإثبات؛فهذا يحتاج لتحرير وإنما كلامي في نفي الامتناع؛المبني على حدوث التقسيم وذلك الحدوث غير صحيح بل التقسيم قديم ..
قال الشيخ عبد المحسن العبَّاد:
وقوله: (ثنتا عشرة ساعة): يدل على أن النهار مقداره اثنتا عشرة ساعة .... والليل أيضاً اثنتا عشرة ساعة، لكن الساعات ليست مستقرة، ثابتة، على طول الأيام، وإنما هي تزيد وتنقص بطول اليوم وقصَره .... فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنَة -كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة-، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة، وأحياناً يكون العكس، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره، لكن في هذا الحديث: (النهار اثنتا عشرة ساعة) سواءً في الشتاء، أو في الصيف، سواء طال النهار أو قصر .... وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة، والليل اثنتا عشرة ساعة.
فائدة:
في بعض المصادر ما يفيد قسمة العرب اليوم لأربع وعشرين ساعة مع ذكر أسمائها:
ساعات النهار عددها إثنى عشرة ساعه وهي كالتالي:
الشروق .. وهو شروق الشمس
البكور .. وهو أول الشئ والمعنى هنا أول النهار بعد الشروق
الغدوّة .. وهي البكرة. أو مابين صلاة الفجر وطلوع الشمس
الضحى .. وهو إرتفاع النهار أو إنتصاف النهار أو إذا برزت الشمس
الظهيرة أو الظهر .. وهو الظهر ساعة الزوال والظهيرة حدّ إنتصاف النهار
الهاجرة.ويقال.الهجير .. وهو نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر
الروّاح .. وهو العشي أو من الزوال إلى الليل ويقال. الزوال .. وهو الذهاب وزوال النهار وزوال الشمس عن كبد السماء
العصر .. ورد فيه معاني كثره منها اليوم.الليله.العشي إلى إحمرار الشمس. الغداة.الحبْسُ
القصر .. وهو خلاف المدّ وإختلاط الليل والحبْسُ
الأصل. ويقال.الأصيل .. والأصل هو أسفل الشئ والأصيل هوالموت والهلاك
العشي .. وهو آخر النهار
الغروب .. وهو غروب الشمس أو تنحيها عن النهار أو ذهابها والغروب أول الليل
ساعات الليل وعددها إثني عشرة ساعه وهي كالتالي:
الشفق .. وهي الحمرة في الأفق أو (الحمرة المغربية)
الغسق .. وهو ظلمة أول الليل
العتمة .. عتم الليل بمعنى مرّ منه قطعة والعتمة هي ثلث الليل الأوّل بعد غيبوبة الشفق أو وقت صلاة العشاءالأخير
السدفة .. وهي سواد الليل ويقال أسدف بمعنى نام.ويقال أسدف الليل بمعنى أظلم.
الفحمة .. فحمة الليل أوّله .. أو إشتدّ سواده أو مابين غروب الشمس إلى نوم الناس خاصة بالصيف
الزلة .. (بتشديد اللام) وهي دخول أو إنزلاق الشئ بسرعه أو مرور الشئ سريعاً
الزلفة .. وهي ساعات الليل الآخذة من النهار وساعات النهار الآخذة من الليل وورد في القرآن سورة هود اية 114 (أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل)
البهرة .. وهو إبهار الليل بمعنى إنتصف أو اتراكمت ظلمته أو ذهبت عامته وبقي نحو ثلثه
السحر .. وهو قبيل الصبح وفيه البياض يعلو السواد
الفجر .. ضوء الصباح وهو حُمرة الشمس في سواد الليل وقيل إنفجر الصبح وتفجّر وانفجر عنه الليل
الصبح .. وهو أو ل النهار بعد الفجر مباشرة
الصباح .. وهو قبل شروق الشمس وفيه يبصر الانسان قبل ان تشرق الشمس
ووردفي بعض الأسماء لساعات الليل ايضاً اآتي:
العشاء .. وهو أوّل الظلام.أو من المغرب إلى العتمة.أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر
الدجى .. وهو الضلام الحالك ويقال دجى الليل
والفجر الأول
والفجر المعترض
قال الشيخ عبد المحسن العبَّاد:
وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه "فقه اللغة" (ص: 468)، فذكر ساعات الليل، وساعات النهار، وأسماءها، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس، وينتهي بغروبها، ولكن في اصطلاح الشرع: النهار يبدأ بطلوع الفجر، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه "أبي داود" أنه ذكر عند غسل الجمعة: أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة: أجزأه عن غسل الجمعة؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر.
أخي أبا فهر ..
كأنك تعجلت في الكتابة ..
ـ[محمديامين منيرأحمدالقاسمي]ــــــــ[25 - 02 - 10, 10:25 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
انني أرسلت هذه الصفحة إلي صديق فجاء هذه الرسالة فماذاأفعل شكرا وجزاكم الله تعالي في الدارين
The host 'smtp' could not be found. Please verify that you have entered the server name correctly.
Subject 'Emailing: شرح سنن النسائي المسمى ذخيرة العقبى في شرح المجتبى - النسخة المصورة Pdf - المجلس العلمي', Account: 'pop3', Server: 'smtp', Protocol: SMTP, Port: 25, Secure(SSL): No, Socket Error: 11001, Error Number: 0x800CCC0D
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/302)
ـ[عبدالله المُجَمّعِي]ــــــــ[26 - 02 - 10, 08:27 م]ـ
أخي محمد .. حياك الله .. عفواً لم أفهم ما تريد!!
ـ[أبو أسماء السني المغربي]ــــــــ[26 - 02 - 10, 09:48 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيكم على هذه الفوائد
نفع الله بكم إخوتي
ـ[عبدالله المُجَمّعِي]ــــــــ[28 - 02 - 10, 10:33 ص]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
حياك الله أخي الفاضل:-
أبو أسماء السني المغربي .. وفيك بارك الله وشاكر لك
مرورك العطر جلعني الله وإياك وكل مسلم مباركين حيثما كنا.
ـ[محمديامين منيرأحمدالقاسمي]ــــــــ[28 - 02 - 10, 10:56 ص]ـ
أخي محمد .. حياك الله .. عفواً لم أفهم ما تريد!!
ماذا علي ياأخي لهذالعمل يعني for snding wab page to my frend لأنني حينما أرسل فيجيئ هذه الرسالة
The host 'smtp' could not be found. Please verify that you have entered the server name correctly.
Subject 'Emailing: شرح سنن النسائي المسمى ذخيرة العقبى في شرح المجتبى - النسخة المصورة Pdf - المجلس العلمي', Account: 'pop3', Server: 'smtp', Protocol:
SMTP, Port: 25, Secure(SSL): No, Socket Error: 11001, Error Number: 0x800CCC0D
فماهوالحل(118/303)
تنبيه مهم جداً نُسب إلى فضيلة الشيخ ابن عثيمين " رحمه الله " قوله ......
ـ[أم عبد الرحمن الأثرية]ــــــــ[28 - 10 - 09, 02:30 م]ـ
تنبيه مهم جداً
ورد إلينا عبر البريد الإلكتروني أنه نُسب إلى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله قوله:
أفضل الدعاء:
[اللهم إني أسألك الأنس بقربك]
يتحقق للمؤمن فيها أربع:
1 - عز من غير عشيرة.
2 - علم من غير طلب.
3 - غنى من غير مال.
4 - أنس من غير جماعة.
وهذه النسبة إلى الشيخ غير صحيحة إطلاقاً حيث كان فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى يتحرى أن يدعو بالدعاء الوارد ويختار الجوامع من الدعاء إتباعاً للسنة وكان من عباراته المشهورة قوله رحمه الله: (عليك بالدعاء الوارد ودع عنك الجمل الشوارد).
ولا شك أن هذا الدعاء المنقول غير وارد فلا تصح نسبته إلى الشيخ ولذا جرى التنبيه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ,,,
القسم العلمي
في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية(118/304)
أريد أمثلة على بيع ما ليس عندك
ـ[الحسين أحمد]ــــــــ[28 - 10 - 09, 02:32 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد،،،
اخواني و مشايخي انا طويلب علم و أريد أمثلة عن البيوع المحرمة و أخص بالذكر بيع ما ليس عندك الواقع عليه التحريم و قول الجمهور فيه
مثال: اذا كان هناك تاجر يأتيه احدهم و يطلب شئ ذو وصف و ليس عنده فتكون مجرد توصية ولم يتفق على الثمن بعد فيذهب البائع و يشتري السلعة المرادة او الموصى عليها ثم يبيعها فعل ذلك من البيوع المحرمة؟؟
و لكم جزيل الشكر
ـ[سامر المصري]ــــــــ[28 - 10 - 09, 03:14 م]ـ
لست فقيها بل طالب علم، ولكن لي خبرة في هذا المجال وقد استفسرت من شيوخ وفقهاء وأجابوني بما يلي:
1 - بيع ما ليس عندك هو أن تأخذ ثمن شيء قبل حصولك عليه أو وصوله إليك. من الأمثلة الشائعة في هذه الأيام هو بائعي الإنترنت الذين يعلنون عن بضاعة ليست عندهم وبعد قبض الثمن من زبون يرسلون إلى البائعين الحقيقيين لأن يرسلوا السلعة ويدفعون بعدها الثمن الأقل، أو معارض سيارات يبيعون "على الكتالوج" سيارات لا يعلمون حتى متى تصل، أو الحال في أسواق الأسهم والعملة حيث بيع أسهم وكميات من العملات أول اليوم بدون أن يكون عندهم أصلا، توقعا لانخفاض الأسعار، وبعد الانخفاض يقومون بإصدار أوامر شراء لتغطية ما باعوه في الصباح وتسليم الشهادات لمن ابتاع الأسهم.
2 - المثال الذي ذكرته هو الطريقة الحلال التي نصح بها المشايخ لتحري الصحيح ولا غبار عليها حيث أن البائع لم يأخذ المال قبل حصوله على السلعة.
والله أعلم
ـ[الحسين أحمد]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:25 م]ـ
جزاك الله أخي الفاضل سامر المصري خيراً
و في انتظار المزيد من الأخوة و المشايخ و كنت اسأل ماذا عن بيع سلعة مثل الكمبيوتر أو الحاسب الآلي فان بعضهم يذكر للمشتري مواصفات معينة و يذكر له السعر و قد يكون بعض القطع غير موجودة لديه و يستكلمها من غيره مع العلم بأن القطع لا يستطيع ان يجمعها الا خبير فهي سلعة مجمعة من أكثر من قطعة فهل في هذا شئ و هو يحسب حين البيع و ذكر السعر على المعتاد من السعر الذي يشتري به او بعد السؤال عنه و يكون متاح؟؟؟؟
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
و وفقكم الله الى كل ما يحب و يرضى
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:27 م]ـ
[كلام لابن تيمية عن حديث النهي عن بيع ما ليس عندك]
قال: للناس في هذا الحديث أقوال ..
قيل المراد بذلك: أن يبيع السلعة المعينة التي هي مال الغير فيبيعها ثم يتملكها ويسلمها إلى المشتري ..
والمعنى: لا تبع ما ليس عندك من الأعيان .. ونقل هذا التفسير عن الشافعي فإنه يجوز السلم الحال وقد لا يكون عند المسلم إليه ما باعه فحمله على بيع الأعيان ليكون بيع ما في الذمة غير داخل تحته سواء كان حالا أو مؤجلا. .
وقال آخرون: هذا ضعيف جدا فإن حكيم بن حزام ما كان يبيع شيئا معينا هو ملك لغيره ثم ينطلق فيشتريه منه ولا كان الذين يأتونه يقولون نطلب عبد فلان ولا دار فلان وإنما الذي يفعله الناس أن يأتيه الطالب فيقول أريد طعاما كذا وكذا أو ثوبا كذا وكذا أو غير ذلك.
فيقول نعم أعطيك فيبيعه منه ثم يذهب فيحصله من عند غيره إذا لم يكن عنده هذا هو الذي يفعله من يفعله من الناس ..
ولهذا قال " يأتيني فيطلب مني المبيع ليس عندي " لم يقل يطلب مني ما هو مملوك لغيري فالطالب طلب الجنس لم يطلب شيئا معينا كما جرت به عادة الطالب لما يؤكل ويلبس ويركب إنما يطلب جنس ذلك ليس له غرض في ملك شخص بعينه دون ما سواه مما هو مثله أو خير منه ولهذا صار الإمام أحمد وطائفة إلى القول الثاني فقالوا: الحديث على عمومه يقتضي النهي عن بيع ما في الذمة إذا لم يكن عنده وهو يتناول النهي عن السلم إذا لم يكن عنده لكن جاءت الأحاديث بجواز السلم المؤجل فبقي هذا في السلم الحال.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/305)
والقول الثالث - وهو أظهر الأقوال - إن الحديث لم يرد به النهي عن السلم المؤجل ولا الحال مطلقا وإنما أريد به أن يبيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكا له ولا يقدر على تسليمه ويربح فيه قبل أن يملكه ويضمنه ويقدر على تسليمه فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه فيلزم ذمته بشيء حال ويربح فيه وليس هو قادرا على إعطائه وإذا ذهب يشتريه فقد يحصل وقد لا يحصل فهو من نوع الغرر والمخاطرة وإذا كان السلم حالا وجب عليه تسليمه في الحال وليس بقادر على ذلك ويربح فيه على أن يملكه ويضمنه وربما أحاله على الذي ابتاع منه فلا يكون قد عمل شيئا بل أكل المال بالباطل وعلى هذا فإذا كان السلم الحال والمسلم إليه قادرا على الإعطاء فهو جائز وهو كما قال الشافعي إذا جاز المؤجل فالحال أولى بالجواز.
ومما يبين أن هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن السائل إنما سأله عن بيع شيء مطلق في الذمة كما تقدم لكن إذا لم يجز بيع ذلك فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع وإذا كان إنما سأله عن بيع شيء في الذمة فإنما سأله عن بيعه حالا فإنه قال أبيعه ثم أذهب فأبتاعه فقال له http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif لا تبع ما ليس عندك http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif فلو كان السلف الحال لا يجوز مطلقا لقال له ابتداء لا تبع هذا سواء كان عنده أو ليس عنده فإن صاحب هذا القول يقول بيع ما في الذمة حالا لا يجوز ولو كان عنده ما يسلمه بل إذا كان عنده فإنه لا يبيع إلا معينا لا يبيع شيئا في الذمة فلما لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مطلقا بل قال http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif لا تبع ما ليس عندك http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif علم أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين ما هو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه وما ليس كذلك وإن كان كلاهما في الذمة.
ومن تدبر هذا تبين له أن القول الثالث هو الصواب فإن قيل إن بيع المؤجل جائز للضرورة وهو بيع المفاليس لأن البائع احتاج أن يبيع إلى أجل وليس عنده ما يبيعه الآن فأما الحال فيمكنه أن يحضر المبيع فيراه فلا حاجة إلى بيع موصوف في الذمة أو بيع عين غائبة موصوفة لا يبيع شيئا مطلقا؟. قيل لا نسلم أن السلم على خلاف الأصل بل تأجيل المبيع كتأجيل الثمن كلاهما من مصالح العالم.
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:34 م]ـ
يستثنى من صورة بيع ما ليس عنك عقود السلم والإستصناع فقد جاءت الرخصة بها. والله تعالى أعلم
ـ[الحسين أحمد]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:37 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبو الهمام
أخي ابو بكر التونسي جزاك الله خيرا و لكن كنت اريد معرفة المقصود بعقود السلم؟
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:47 م]ـ
[كلام لابن تيمية عن حديث النهي عن بيع ما ليس عندك]
والقول الثالث - وهو أظهر الأقوال - إن الحديث لم يرد به النهي عن السلم المؤجل ولا الحال مطلقا وإنما أريد به أن يبيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكا له ولا يقدر على تسليمه ويربح فيه قبل أن يملكه ويضمنه ويقدر على تسليمه فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه فيلزم ذمته بشيء حال ويربح فيه وليس هو قادرا على إعطائه وإذا ذهب يشتريه فقد يحصل وقد لا يحصل فهو من نوع الغرر والمخاطرة وإذا كان السلم حالا وجب عليه تسليمه في الحال وليس بقادر على ذلك ويربح فيه على أن يملكه ويضمنه وربما أحاله على الذي ابتاع منه فلا يكون قد عمل شيئا بل أكل المال بالباطل وعلى هذا فإذا كان السلم الحال والمسلم إليه قادرا على الإعطاء فهو جائز وهو كما قال الشافعي إذا جاز المؤجل فالحال أولى بالجواز.
ومما يبين أن هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن السائل إنما سأله عن بيع شيء مطلق في الذمة كما تقدم لكن إذا لم يجز بيع ذلك فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع وإذا كان إنما سأله عن بيع شيء في الذمة فإنما سأله عن بيعه حالا فإنه قال أبيعه ثم أذهب فأبتاعه فقال له http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif لا تبع ما ليس عندك http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif فلو كان السلف الحال لا يجوز مطلقا لقال له ابتداء لا تبع هذا سواء كان عنده أو ليس عنده فإن صاحب هذا القول يقول بيع ما في الذمة حالا لا يجوز ولو كان عنده ما يسلمه بل إذا كان عنده فإنه لا يبيع إلا معينا لا يبيع شيئا في الذمة فلما لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مطلقا بل قال http://sirah.al-islam.com/media/h2.gif لا تبع ما ليس عندك http://sirah.al-islam.com/media/h1.gif علم أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين ما هو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه وما ليس كذلك وإن كان كلاهما في الذمة.
ومن تدبر هذا تبين له أن القول الثالث هو الصواب فإن قيل إن بيع المؤجل جائز للضرورة وهو بيع المفاليس لأن البائع احتاج أن يبيع إلى أجل وليس عنده ما يبيعه الآن فأما الحال فيمكنه أن يحضر المبيع فيراه فلا حاجة إلى بيع موصوف في الذمة أو بيع عين غائبة موصوفة لا يبيع شيئا مطلقا؟. قيل لا نسلم أن السلم على خلاف الأصل بل تأجيل المبيع كتأجيل الثمن كلاهما من مصالح العالم.
أحسن الله إليكم، من يترجم لنا هذا الكلام مع ضرب الأمثلة؟ ثم ما هو الضابط في القدرة على التسليم؟
جزاكم الله خيرا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/306)
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:57 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي أبو الهمام
أخي ابو بكر التونسي جزاك الله خيرا و لكن كنت اريد معرفة المقصود بعقود السلم؟
وإياك أخي الكريم
عقد السلم أن تأتي إلى البائع وتتفق معه على سلعة بأوصاف معينة، على أن تكون السلعة مما ينضبط بالأوصاف، وعلى أجل معين لتسليم السلعة ويشترط أن تدفع الثمن كاملا في مجلس العقد ...
ويعرفه الفقهاء بقولهم: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد
ودليله ما جاء في الصحيحن من حديث ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ فَقَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُوم.
والله تعالى أعلم
ـ[أبو عامر الصقر]ــــــــ[28 - 10 - 09, 05:38 م]ـ
ألمنتشر في هذه الأيام هو بيع صوري يقصد منه تحقيق الربا بالبيع ولو كان شكليا ... ولهذا بنوك منتشرة هذه الأيام تتسمى-زورا بالبنوك الإسلامية!!!!
وقال الشيخ ابن عثيمين: إن احتيالهم على الشرع أسوأ من احتيال اليهود على شرع الله (أو نحو هذا-شرح رياض الصالحين -للشيخ)
وللأسف ينتشر أيضا جدا: آفة وبلوى عظيمة وهي البيع لأجل مع الزيادة كونها دينا!!!
والله تعالى يقول (وأحل الله البيع وحرم الربا) البقرة .. فأرادوا خلط الأمرين إلباسا على الله تعالى!!!
ورؤوا أن امتلاك السلعة يخرجهم من كل المحاذير وما أخرجهم الا من القليل وهو بيع ما لا يملكون ..
أما الفاحشة الكبرى وهي تحقيق الربا بمعاملة البع فرتعوا فيها ... !!
ولبعض شيوخنا فتوى بجواز ذلك ........... فتلقفها متتبعي زلات العلماء ... !!
وقال الأمام أحمد: من تتبع زلات العلماء تزندق!!!
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا]. صححه الألباني ....
وقبل ذلك مالك والقاسم بن محمد وغيرهما من أئمة السلف على تحريم هذا البيع ..... وغيرهم كثير ..
وللشيخ الألباني رحمه الله كتيب في ذلك ....
والله أعلم
ـ[أبو بكر التونسي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 10:46 م]ـ
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الهمام البرقاوي مشاهدة المشاركة
[كلام لابن تيمية عن حديث النهي عن بيع ما ليس عندك]
والقول الثالث - وهو أظهر الأقوال - إن الحديث لم يرد به النهي عن السلم المؤجل ولا الحال مطلقا وإنما أريد به أن يبيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكا له ولا يقدر على تسليمه ويربح فيه قبل أن يملكه ويضمنه ويقدر على تسليمه فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه فيلزم ذمته بشيء حال ويربح فيه وليس هو قادرا على إعطائه وإذا ذهب يشتريه فقد يحصل وقد لا يحصل فهو من نوع الغرر والمخاطرة وإذا كان السلم حالا وجب عليه تسليمه في الحال وليس بقادر على ذلك ويربح فيه على أن يملكه ويضمنه وربما أحاله على الذي ابتاع منه فلا يكون قد عمل شيئا بل أكل المال بالباطل وعلى هذا فإذا كان السلم الحال والمسلم إليه قادرا على الإعطاء فهو جائز وهو كما قال الشافعي إذا جاز المؤجل فالحال أولى بالجواز.
ومما يبين أن هذا مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن السائل إنما سأله عن بيع شيء مطلق في الذمة كما تقدم لكن إذا لم يجز بيع ذلك فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع وإذا كان إنما سأله عن بيع شيء في الذمة فإنما سأله عن بيعه حالا فإنه قال أبيعه ثم أذهب فأبتاعه فقال له {لا تبع ما ليس عندك} فلو كان السلف الحال لا يجوز مطلقا لقال له ابتداء لا تبع هذا سواء كان عنده أو ليس عنده فإن صاحب هذا القول يقول بيع ما في الذمة حالا لا يجوز ولو كان عنده ما يسلمه بل إذا كان عنده فإنه لا يبيع إلا معينا لا يبيع شيئا في الذمة فلما لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مطلقا بل قال {لا تبع ما ليس عندك} علم أنه صلى الله عليه وسلم فرق بين ما هو عنده ويملكه ويقدر على تسليمه وما ليس كذلك وإن كان كلاهما في الذمة.
ومن تدبر هذا تبين له أن القول الثالث هو الصواب فإن قيل إن بيع المؤجل جائز للضرورة وهو بيع المفاليس لأن البائع احتاج أن يبيع إلى أجل وليس عنده ما يبيعه الآن فأما الحال فيمكنه أن يحضر المبيع فيراه فلا حاجة إلى بيع موصوف في الذمة أو بيع عين غائبة موصوفة لا يبيع شيئا مطلقا؟. قيل لا نسلم أن السلم على خلاف الأصل بل تأجيل المبيع كتأجيل الثمن كلاهما من مصالح العالم.
أحسن الله إليكم، من يترجم لنا هذا الكلام مع ضرب الأمثلة؟ ثم ما هو الضابط في القدرة على التسليم؟
جزاكم الله خيرا
أين أنتم يا أفاضل؟(118/307)
ما هو تفسير الكمال في قول النبي عليه الصلاة والسلام في قوله كمل من الرجال كثير
ـ[رعد السلفي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:27 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله
اريد ان اعلم المعنى للكمال و هل يستلزم عدم العصيان؟؟
ـ[أحمد وفاق مختار]ــــــــ[29 - 10 - 09, 02:26 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لعلك تجد الإجابة هنا:
أرجو التفسير ما معنى الكمال في قوله صلى الله عليه وسلم 0كمل من الرجال كثير ...... ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=191022)(118/308)
ما حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات؟
ـ[أبو صهيب الشامي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 04:50 م]ـ
لسؤال: ما حكم أخذ الأجرة على تعبير الرؤى والمنامات؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لمن أعطاه الله موهبة تعبير الرؤى والمنامات أخذ الأجرة على هذا العمل، وذلك لأمور:
أولاً:
أن تعبير الرؤى منفعة غير معلومة ولا منضبطة، والأجرة لا تكون إلا في مقابل عمل له منفعة مقصودة معلومة، وهو في ذلك يشبه القضاء.
قال ابن قدامة عن القضاء: "فأما الاستئجار عليه فلا يجوز، قال عمر رضي الله عنه: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا، وهذا مذهب الشافعي، ولا نعلم فيه خلافا ... ؛ ولأنه عمل غير معلوم" انتهى.
"المغني" (11/ 377).
ثانياً:
أقرب ما يقاس عليه تعبير الرؤى هو: الفتوى، وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع المفتي من أخذ الأجرة على فتواه سواء كان الإفتاء في حقه فرض عين أو كفاية.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/ 42):
"وَأَمَّا الأُْجْرَةُ، فَلاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمُسْتَفْتِينَ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّ الْفُتْيَا عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ، وَلأَِنَّهُ مَنْصِبُ تَبْلِيغٍ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلاَ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَال لَهُ: لاَ أُعَلِّمُكَ الإِْسْلاَمَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ، قَالُوا: فَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْعِوَضِ، وَلاَ يَمْلِكُهُ، قَالُوا: وَيَلْزَمُهُ الإِْجَابَةُ مَجَّانًا لِلَّهِ بِلَفْظِهِ أَوْ خَطِّهِ إِنْ طَلَبَ الْمُسْتَفْتِي الْجَوَابَ كِتَابَةً، لَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ" انتهى.
وقال ابن القيم:
"أما أخذه الأجرة فلا يجوز له، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه" انتهى.
"إعلام الموقعين" (4/ 231).
وتعبير الرؤى نوع من الإفتاء.
قال الشيخ السعدي:
"علم التعبير من العلوم الشرعية، ويثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وتعبير المرائي داخل في الفتوى، لقوله للفتيين: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) وقال الملك: (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) وقال الفتى ليوسف: (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ ... )، فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم" انتهى.
"تفسير السعدي" (1/ 407).
ثالثاً:
لا يصح قياس أخذ الأجرة على التعبير بأخذ الأجرة على الرقية؛ لأن الرقية من باب العلاج والمداواة، وهذه يصح الاستئجار عليها بالاتفاق.
رابعاً:
استدلال البعض على الجواز بما جاء في كتاب "مجمع الأنهر" (3/ 533) في الفقه الحنفي في معرض كلامه عن أخذ الأجرة على الطاعات قال: "بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ، وَالنُّجُومِ [أي علم معرفة دلالات النجوم على الجهات والأوقات]، وَالطِّبِّ، وَالتَّعْبِيرِ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ" انتهى.
فهذا الاستدلال غير دقيق؛ لأن المقصود تعليم "علم التعبير" لا تعبير الرؤى، بدليل قرنه بتعليم الفقه والكتابة والطب والعلوم الأدبية.
ويوضح ذلك ما جاء في "الفتاوى الهندية" (4/ 448) من كتب الحنفية من قوله: "وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِتَعْلِيمِ وَلَدِهِ الْكِتَابَةَ، أو النُّجُومَ، أو الطِّبَّ، أو التَّعْبِيرَ، جَازَ بِالِاتِّفَاقِ".
والفرق بين تعليم علم التعبير وتعبير الرؤى، كالفرق بين تعليم العلم الشرعي والإفتاء بالحكم الشرعي.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى: ما حكم أخذ الأجرة لتعبير الرؤى؟
فأجاب:
"نرى أنه لا يجوز، وذلك لأن تعبير الرؤيا يعتمد الظن، ولا يجوز للمُعبِّر الجزم بالتعبير؛ لاحتمال أن يكون لها تعبير آخر غير ما يتبادر إلى ظن المعبر، فلا حاجة إلى أخذ الأجرة على ذلك". انتهى من موقع الشيخ.
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?parent=786&subid=711&view=vmasal
والله أعلم
نقلا من موقع الإسلام سؤال وجواب
ـ[أبو عامر الصقر]ــــــــ[28 - 10 - 09, 05:25 م]ـ
بارك الله بك أخي العزيز:
كلمة (فتيا) في قصة يوسف معناها: السؤال: أو الفتيا كتعبير لغوي .. وليس الفتيا الشرعية في دين الإسلام التي مردها الكتاب والسنة والقياس عليهما ......
وتأويل الأحاديث كانت من معجزات الله التي أكرم الله بها يوسف عليه السلام ....
وقد أعطي بعض الأئمة من أهل الإسلام شيئا من ذلك منهم سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين ..
قال الذهبي (لقد أعطي محمدا فتحا ربانيا في تفسير الأحلام (-يقصد محمد بن سيرين-سير الأعلام ترجمة محمد بن سيرين ..........
وكان يقول لمن يسأله: (إن صحت رؤياك ....... ) فالأمر لما بعد الأنبياء لا يعدو كونه ظنيا ...
فما أحسن مال قال الشيخ بن جبرين رحمه الله -فكيف يأخذ أجرا على شيء ظني ...
بارك الله بك على هذه الفوائد
والله أعلم
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/309)
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 05:30 م]ـ
أحسنت أخي أبا صهيب على هذا النقل وعلى هذه الفوائد(118/310)
سؤال حول شراء السلع في أعياد الكفار؟
ـ[صالح عبد الرزاق]ــــــــ[28 - 10 - 09, 05:21 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال: هل هناك محظور شرعي من شراء السلع في أعياد الكفار لاغتنام فرص التخفيضات وانتظار هذه المواسم لنفس الغرض؟
وجزاكم الله خيراً
ـ[صالح عبد الرزاق]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:26 م]ـ
أين الأخوة(118/311)
فصلُ الخطاب في الإنتصار للنّقاب
ـ[أبوروضة]ــــــــ[28 - 10 - 09, 06:06 م]ـ
فصلُ الخطاب في الإنتصار للنّقاب
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:EzSy6DXhu6oulM:http://www.al3ez.net/upload/b/salma_hegab.bmp
رأيتُ اليوم إنسانا عجيباً ** أشيخُ الدّين يفضحُهُ النقابُ؟!
عجيبٌ سترُه وجهاً مليحاً ** وفضحُ المدّعين العلمَ خابوا
تصافحُ كفَّ (بيريزَ) المخازي ** ولاعارٌ لديكَ ولايُعابُ
وتغْضبُ إنْ رأيتَ السِّتْر فينا ** وتنْبحُ مثْلما نبحَ الكلابُ؟!
ألاَ إنَّ النّقابَ على العذارى** وفيه الشّرعُ فرضٌ أو ثوابُ
لأشرفُ من فتاوى مستباحٍ** و (فرخة) *حاكمٍ فيها الجوابُ!!
أخسُّ النّاس دجّالٌ بدينٍ ** بأموالِ الملوكِ لهُ لعَابُ
أليسَ السترُ محموداً بشرْعٍ ** لهُ في كلِّ مكْرمةٍ خِطابُ
وتشرقُ في خمارِ الطُّهْر منه ** كواكبُ ليسَ يُدْركُها غيابُ
ومجَّدَ شأنه الإسلام حتّى** به الأخبارُ تُتْلى والكتابُ
فكيف يجادلُ الجهلاءُ فيه ** وهلْ في قولهِم إلاَّ كِذابُ
نقابُ العفِّةِ الغرّاءَ فخْرٌ ** فذاكَ سموُّنا، ولك الترابُ
حامد بن عبدالله العلي(118/312)
هل صح أن أهل الجنة يدخلونها مُردا؟
ـ[عبدالله محمود]ــــــــ[28 - 10 - 09, 06:46 م]ـ
هل صح أن أهل الجنة يدخلونها مُردا؟
وهل صح أنهم يدخلونها على صورة يوسف عليه السلام؟
وفقكم الله
ـ[ابن بركات المصري]ــــــــ[28 - 10 - 09, 07:17 م]ـ
روى الترمذي في سننه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ? أَنَّ النَّبِيَّ ? قَالَ: "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً".
الأجرد: الذي ليس على بدنه شعر، والأمرد: الذي لا لحية له.
والحديث حسنه الألباني والأرنؤوط.
وأمَّا دخولهم على هيئة يوسف عليه السلام فلم أقف عليه، مع أن لي - والحمد لله - بحثاً ذا صلةٍ بهذا الموضوع.
ـ[عبدالله محمود]ــــــــ[29 - 10 - 09, 09:14 ص]ـ
جزاك الله خيرا
هلّا وضعت رابط البحث إن كان متوفرا على الشبكة ......
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 11:32 ص]ـ
وأمَّا دخولهم على هيئة يوسف عليه السلام فلم أقف عليه
روى الطبراني في " المعجم الكبير " (20/ 280) عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (ما من أحد يموت سقطا ولا هرما وانما الناس فيما بين ذلك الا بعث ابن ثلاثين سنة فمن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم وصورة يوسف وقلب أيوب ومن كان من أهل النار عظموا وفخموا كالجبال).
قال المنذري:
رواه البيهقي بإسناد حسن.
انتهى
وحسنه الشيخ الألباني
انظر " صحيح الترغيب والترهيب " (3/ 256).
و " السلسلة الصحيحة " (2512).
ـ[ابن بركات المصري]ــــــــ[01 - 11 - 09, 12:39 ص]ـ
الأخ إحسان العتيبي جزاك الله خيراً على الفائدة.
وأمَّا بالنسبة لطلب أخي عبد الله فأنا لم أضع البحث على الشبكة ولعلي أفعل إن قدر الله.
ـ[عبدالله محمود]ــــــــ[04 - 11 - 09, 09:51 ص]ـ
جزاكما الله خيرا(118/313)
كان رجل عامة
ـ[أبو الهنوف العنزي]ــــــــ[28 - 10 - 09, 11:33 م]ـ
لقد وَسَمَ أهل التاريخ والتراجم عدداً من الأجلاء بكونهم (رجال عامةٍ) ومن هؤلاء:
الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه، وإمام أهل الشام: الأوزاعي وأبو إسحاق الفزاري، والحافظ الثبت خالد بن عبدالله الطحان.
ففي تاريخ الطبري: (دعا عثمانُ بن حنيف عمرانَ بن حصين وكان رجلَ عامة، وألزَّه بأبي الأسود الدؤلي وكان رجلَ خاصةٍ). 3/ 14.
وقال علي بن بكار: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: (مارأيت مثل الأوزاعي والثوري! فأما الأوزاعي فكان رجل عامة، وأما الثوري فكان رجلَ خاصةِ نفسِهِ، ولو خيرت لهذه الأمة لاخترت لها الأوزاعي) تاريخ الإسلام للذهبي 1/ 1139.
وقال إبراهيم الجوهري: (قلت لأبي أسامة: أيهما أفضل: فضيل بن عياض، أو أبو إسحاق الفزاري؟ فقال: كان فضيل رجل نفسه، وكان أبو إسحاق رجل عامة) سير أعلام النبلاء للذهبي 8/ 543.
وقال إسحاق الأزرق: (ما أدركت أفضل من خالد الطحان، قيل: قد رأيت سفيان (يعني الثوري)؟ قال: كان سفيان رجل نفسه، وكان خالد رجل عامة) تاريخ بغداد 8/ 294.
فدفعني ذلك إلى حب التعرف على سمات ذلك الرجل الذي وقف نفسه على الناس حاضراً بوضوح بينهم: يعلمهم وينصح لهم، ويحمل همومهم؛ ساعياً لنفعهم، ومتصدراً لخدمتهم وحل مشكلاتهم بكل رحابة صدر وبشاشة وجه، والمزايا التي يفضل بها على غيره من خلال مطالعة سير هؤلاء الأئمة الموسومين بذلك، فوجدت أنها على نوعين: نوع يشترك فيه رجل العامة مع غيره من العلماء المهديين والعباد الصالحين، ونوع يختص به هذا الصنف من القادة المصلحين والأئمة الربانيين.
ولعل من أبرز خِلال النوع الأول الذي يشترك فيه رجل العامة مع غيره مايلي:
1 - كثرة الخشوع واليقظة والتقدم في العمل.
2 - الزهد والورع.
3 - الحلم والتواضع.
4 - الجود وكثرة التصدق.
5 - الاحتساب والصدع بالحق.
6 - الوقار وحسن المظهر.
أما أبرز خِلال النوع الآخر الذي يختص به رجل العامة فهي الآتي:
1 - الاجتهاد في بذل العلم والنصح للعامة والإجابة عن استفساراتهم.
2 - العناية بخدمة الناس وبذل الوسع في الشفاعة لهم والقيام بقضاياهم.
والمتأمل في واقعنا الدعوي اليوم يرى بجلاء حاجة أمتنا إلى رجال عامة تحلَّوا بهذه السمات العظيمة، فانبروا لخدمة الناس، وتحقيق مقاصد الديانة، والعمل على حفظ سياج الأمة من أن يتصدرها فكرياً أو اجتماعياً زائغٌ يقودها إلى التهلكة، أو صاحب شهوة ليس له من هدف إلا بناء مجده وسؤدده، وتحقيق أطماعه ومصالحه، وتأسيس أعمدة شرفه.
فاللهم ألهمنا رشدك، واستخدمنا في طاعتك، واجعلنا من الذائدين عن دينك وكتابك وعرض نبيك، وصلى الله وسلم على النبي المختار، وعلى الصحب والآل والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
فيصل بن علي البعداني – مجلة البيان – عدد 250.
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[29 - 10 - 09, 12:01 ص]ـ
جزاك الله خير
موضوع كريم
و لا شك ان من هؤلاء العلماء شيخ الاسلام ابن تيمية
ـ[أبو الهنوف العنزي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 12:08 ص]ـ
وإياك ..
شاكر لك مرورك وتعليقك ..
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:04 ص]ـ
بارك الله في الكاتب والناقل ..
أحسنت أخي أبا الهنوف ..
ـ[قافية الركب]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:42 ص]ـ
بارك الله فيك ~
موضوع رائع ..
جزآك الله خيراً ..
| أختكم قافية الركب ~
ـ[أبو عبدالله الجبوري]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:45 ص]ـ
حسب المصطلحات المعاصرة، رجل العامة من نطلق عليه داعية، ورجل الخاصة من نعتبره عالما. وفي القرآن الحكيم الربانيون هم رجال العامة، والأحبار هم رجال الخاصة.
والله أعلم
ـ[السلامي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 04:12 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو الهنوف العنزي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 03:43 م]ـ
الأخوة والأخوات:
1 - أبو راكان الوضاح.
2 - قافية الركب.
3 - أبو عبدالله الجبوري. وشاكر لك الإضافة المفيدة.
4 - السلامي.
جزاكم الله خير وبارك فيكم ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين ..
ـ[أبو فرحان]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:16 ص]ـ
جزاكم الله خيرا ..
بالنسبة لسفيان الثوري فإنه عاش أكثر عمره مطاردا من السلطان لأنه كان ينكر عليهم كما في سير أعلام النبلاء .. و من كان هذا شأنه فأنى له أن يجتمع بالعامة .. والتاريخ يعيد نفسه ..
قال ابن سعد: طُلب سفيان فخرج إلى مكة فنفذ المهدي إلى محمد بن إبراهيم - وهو على مكة - في طلبه فأعلم سفيان بذلك وقال له محمد: إن كنت تريد إتيان القوم فاظهر حتى أبعث بك إليهم وإلا فتوارَ، قال: فتوارى سفيان، وطلبه محمد، وأمر مناديا فنادى بمكة: من جاء بسفيان: فله كذا وكذا.
فلم يزل متواريا بمكة، لا يظهر إلا لأهل العلم ومن لا يخافه.
قال ابن سعد: فلما خاف من الطلب بمكة، خرج إلى البصرة، ونزل قرب منزل يحيى بن سعيد، ثم حوله إلى جواره، وفتح بينه وبينه بابا، فكان يأتيه بمحدثي أهل البصرة، يسلمون عليه، ويسمعون منه.
ولما عرف سفيان أنه اشتهر مكانه ومقامه، قال ليحيى: حولني، فحوله إلى منزل الهيثم بن منصور، فلم يزل فيه، فكلمه حماد بن زيد في تنحيه عن السلطان .... إلخ
رحمهم الله جميعا(118/314)
دعوى المضللين بأن نبينا سب أصحابه .. حجة عليهم لا لهم
ـ[بنت خير الأديان]ــــــــ[29 - 10 - 09, 12:24 ص]ـ
دعوى المضللين بأن نبينا سب أصحابه .. حجة عليهم لا لهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وتبعه واستن بهداه إلى يوم الدين , ثم أما بعد ..
خرج علينا من يشكك في خلق الحبيب محتجا بأحاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وسلم
يدعي من أراد التشكيك في الإسلام أنها إساءة!!
بيد أن من أمعن فيها ونظر وتفكر فسيعلم أن هذا من كمال خلق النبي صلى الله عليه وسلم
ورحمته بأمته عليه الصلاة والسلام
ومما يتغنى به هؤلاء: -
1 - قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: " كف عليك هذا فقال معاذ: يا نبي الله وإنا لموآخذون بما نتكلم به فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم "
2 - وحديث: " تُنكح المرأة لمالها وحسبها، عليك بذات الدِّين تَرِبَت يَداك "
وذا بيانه من وجهين: -
الأول: في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
" يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، و أغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه يوم القيامة "
فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا على شخص فهو له رحمة ودعوة بالخير فهز عليه الصلاة والسلام بشر
والبشر يرضى ويغضب وهذا معلوم
لذلك إذا زجر النبي صلى الله عليله وسلم أو دعا على أحد
فإنه قد سأل الله أن يكون هذا له خيرا وقربة يوم القيامة إلى الله
وما أعظمها من دعوة ويالها من قربة ..
فإنما يكون الدعاء آنذاك من باب الزجر والتنبيه
كما هو مشهور عند العرب قديما وحديثا
وهذا هو الوجه الثاني:
*فقد كان العرب يقولون لا أبا لك
فذه ظاهرها أن الشخص يدعو عليك بفقد الأب
لكن معناها غير ذلك وهي مشهورة عند العرب
وأمثلتها كثيرة في الأشعار مثل: قُمْ لا أَبا لَكَ سارَ النَّاسُ فاحْتَزِمِ
ومن المجاز: لا أبا لك، ولا أبا لغيرك، ولا أبا لشانئك، يقولونه في الحث
*وكلمة تربت يداك:
قال أبو عبيد: هذه كلمة جارية على لسان العرب يقولونها ولا يُريدن وقوع الأمر.
وفي الحديث أَنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض أَصحابه ثَكِلَتْك أُمُّك أَي فَقَدتْك , الثُّكْل فقد الوَلد كأَنه دعا عليه بالموت لسوء فعله أَو قوله , والموت يعمُّ كل أَحد فإِذاً هذا الدعاء عليه كَلَا دعاء , أَو أَراد إِذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلاَّ تزداد سوءاً , قال ويجوز أَن يكون من الأَلفاظ التي تجري على أَلسنة العرب ولا يراد بها الدعاء كقولهم تَرِبَتْ يَداك وقاتَلك الله
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 12:28 ص]ـ
جزاكم ُ الله خيرا ً ووفقكم ..
حبذا لو تطرّقتم إلى حديث ابن عباس (لا أشبع الله بطنك) .. والرد ّعليه ..
ـ[بنت خير الأديان]ــــــــ[29 - 10 - 09, 10:10 ص]ـ
وإياكم جزى الرحمن
كل الألفاظ التي ظاهرها سب فهي تدخل في الحديث السابق
من شرح النووي على مسلم:
فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بِأَهْلِ الدُّعَاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبّهُ أَوْ يَلْعَنهُ وَنَحْو ذَلِكَ؟ فَالْجَوَاب مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاء، وَمُخْتَصَره وَجْهَانِ: أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْد اللَّه تَعَالَى، وَفِي بَاطِن الْأَمْر، وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُسْتَوْجِب لَهُ، فَيَظْهَر لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِحْقَاقه لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّة، وَيَكُون فِي بَاطِن الْأَمْر لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَهُوَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُور بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّه يَتَوَلَّى السَّرَائِر. وَالثَّانِي أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبّه وَدُعَائِهِ وَنَحْوه لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَة الْعَرَب فِي وَصْل كَلَامهَا بِلَا نِيَّة، كَقَوْلِهِ: تَرِبَتْ يَمِينك، عَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث (لَا كَبِرَتْ سِنّك) وَفِي حَدِيث مُعَاوِيَة (لَا أَشْبَعَ اللَّه بَطْنك) وَنَحْو ذَلِكَ لَا يَقْصِدُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَة الدُّعَاء، فَخَافَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَادِف شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِجَابَة، فَسَأَلَ رَبّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ رَحْمَة وَكَفَّارَة، وَقُرْبَة وَطَهُورًا وَأَجْرًا، وَإِنَّمَا كَانَ يَقَع هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِر وَالشَّاذّ مِنْ الْأَزْمَان، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا: اُدْعُ عَلَى دَوْس، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوْسًا " وَقَالَ: " اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " وَاَللَّه أَعْلَم. اهـ
بمعنى أن هذا الكلام يجري على اللسان ولا يقصد به الدعاء
رغم ذلك خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يستجاب يوما
فدعا الله أنه إذا جرى على لسانه مثل ذلك أن لا يستجيب الله
وذاك من حرصه عليه الصلاة والسلام على أمته ودليل على كرم خلقه(118/315)
رد الشيخ سمير المالكي على شيخ الأزهر بخصوص النقاب
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:05 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيحة شيخ الأزهر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده.
أما بعد، فقد توالت المحن والمصائب على هذه الأمة من قبل المنتسبين إليها، ممن يدعون الإسلام والعلم والمشيخة والرئاسة، فيطعنون في الدين، ويشككون في القرآن ويسخرون من شعائر الإسلام، وهم ينتسبون إليه، وهذا من أعجب ما ابتليت به أمة الإسلام عبر القرون والأزمان.
وقد نبأنا الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل التحذير، عن مثل تلك المحن التي هي من أعظم الفتن فقال، حين سأله حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن الفتن ((دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)) قال حذيفة: فقلت يا رسول الله صفهم لنا، قال ((نعم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا .. )) الحديث. متفق عليه.
انظر جامع الأصول [10/ 45].
وقد حذرنا الله في كتابه الكريم من الوقوع فيما وقعت فيه أمم الكفر قبلنا، خاصة اليهود والنصارى، أحباراً ورهباناً، من كتم الحق وتلبيسه بالباطل وتحريف الكلم عن مواضعه مما ابتلينا به من قبل عُبّادنا وعلمائنا.
ولهذا قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه " هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين " رواه الدارمي [1/ 71].
وأثر عن بعض السلف أنه قال " من فسد من عُبّادنا أشبه النصارى، ومن فسد من علمائنا أشبه اليهود ".
وبعد، فقد تناقلت وسائل الإعلام فضيحة شيخ الأزهر سيد طنطاوي، حين أنكر على فتاة أزهرية منتقبة داخل فصول الأزهر، وأمرها أن تنزع نقابها، ثم ذكر أن النقاب لا صلة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد.
لقد أتى الشيخ بجملة من الفضايح في تلك الحادثة المشينة، التي لم نسمع عن مثلها في تاريخ الإسلام، إلا من أعدائه من الكفار، الذين اشتهر عنهم استخفافهم بشعائر الإسلام.
ولقد سمعنا كثيراً عن معاناة فتياتنا المسلمات في بلاد الغرب، بسبب الحجاب والنقاب، وكنا نستنكر صدور ذلك ممن ينادي بالحرية في كل شيء، خاصة في المسائل الشخصية، ومنها اللباس، حتى صار ما يستر نساءها منه أدنى مما يكشف، وأضحى العري، وإظهار العورات والسّوءات مفخرة يتسابق إليها النساء في بلاد الغرب.
لكننا فوجئنا وصدمنا بما فعله شيخ الأزهر في أكبر معقل من معاقل العلم والمعرفة، في الأزهر الذي لم يزل منارة تضيء للأمة الإسلامية في بقاع المعمورة.
في الأزهر الذي ما فتئ منذ تأسيسه من أكثر من ألف عام، يخرج المئات والألوف من العلماء وطلبة العلم في مختلف ميادين العلم الشرعي، ينشرون العلم ويبلغونه للناس، وفضل الأزهر وعلمائه على المسلمين، لا ينكره إلا جاحد للحق ناكر للجميل.
نعم لقد صدمنا ودهشنا بما صدر من شيخ الأزهر، حين منع تلك الفتاة الأزهرية من النقاب، وأنكر عليها بأسلوب لا يليق صدوره من طالب علم مبتدئ، فضلاً عن عالم يرأس أكبر مشيخة للعلم الشرعي في العالم كله!
شيخ الأزهر لا يجهل
احترت كثيراً، من أين أبدأ بحثي وردي على فضيلته؟
أأبدأ من بيان حكم النقاب؟ وهل شيخ الأزهر يجهل حكمه؟
ومن تراه يصدق أن طالب علم في الأزهر، فضلاً عن أعلى قمم الأزهر، يجهل حكم ستر المرأة لوجهها في حضور رجل أجنبي؟
ألا يوجد في مقررات الأزهر مادة التفسير؟
أليس فيه تفسير سورتي النور والأحزاب؟
ألم يطلع فضيلته على أقوال المفسرين قاطبة عند تفسير آيات الحجاب الثلاث في تينك السورتين؟
أعني قول الله تعالى في سورة النور {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} وقوله تعالى في سورة الأحزاب {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن} وقوله في سورة الأحزاب أيضاً {يدنين عليهن من جلابيبهن}.
شيخ الأزهر يتجاهل
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/316)
زعم شيخ الأزهر أن النقاب لا يمت إلى الإسلام بصلة، وأنه من العادات، وبالغ في تقرير ذلك بالقول والفعل وتشدد فيه، وهو – بلا ريب – لا يجهل الحكم الشرعي، فلماذا فعل ذلك؟ أنا على يقين أن فضيلته تعمد أن يتجاهل مسألة يعرف كل طلاب العلم، بل و كثير من العامة أيضاً، أن هناك خلافاً فيها، وأن كتب العلم، في التفسير والفقه والحديث، قد نقلت لنا ذلك الخلاف، بغض النظر عن اختلافنا معه في ترجيح أي من تلك المذاهب والأقوال.
وإذا كان شيخ الأزهر قد قصد أن يتجاهل وجود الخلاف، فهل يستطيع فضيلته أن يلغي ذلك الخلاف أيضاً من مقررات الأزهر؟ هل يجرؤ أن يحذف من كتب التفسير سواء كانت من مقررات الأزهر، أم كانت من المراجع التي تزخر بها مكتباته العامة، ما ذكره علماء التفسير عند تفسير الآيات الثلاث من سورتي النور والأحزاب؟ وهل يستطيع شيخ الأزهر، كذلك، أن يحذف ما نقله الفقهاء في كتابي الصلاة والحج، عن حكم غطاء المرأة وجهها؟
سأنقل إليك أخي القارئ بعض ما ذكرته كتب التفسير المشهورة في تفسير آيات الحجاب الثلاث، لتعلم أن شيخ الأزهر لم يجهل المسألة بل تجاهلها.
تفسير آية النور رقم 31
قال الله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ... } الآية.
قال ابن جرير الطبري " وقوله {ولا يبدين زينتهن} يقول تعالى ذكره: ولا يظهرن للناس الذين ليسوا لهن بمحرم زينتهن، وهما زينتان، إحداهما ما خفي، وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد. والأخرى ماظهر منها، وذلك مختلف في المعنيِّ منه بهذه الآية، فكان بعضهم يقول زينة الثياب الظاهرة ".
ثم أسند ابن جرير هذا القول إلى ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحسن البصري. ثم قال " وقال آخرون: الظاهر من الزينة التي أبيح لها أن تبديه: الكحل والخاتم والسواران والوجه ".
ثم أسند هذا القول إلى ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة.
ثم قال ابن جرير بعد أن ذكر قولاً ثالثاً " وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: عني بذلك الوجه والكفان، يدخل في ذلك، إذا كان كذلك، الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لإجماع الجميع على أن على كل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها ... " الخ. انظر تفسير ابن جرير [9/ 303 – 306].
قال سمير: ابن جرير الطبري شيخ المفسرين، وأقدمهم وإمامهم، وقد توفي سنة 310هـ وتفسيره من أكبر وأشهر التفاسير، وكل من جاء بعده استفاد منه، وقد حكى الخلاف في تفسير الآية عن الصحابة والتابعين، فكيف يتجاهل شيخ الأزهر هذا الخلاف، مع قدمه و شهرته وشهرة القائلين به من السلف؟.
وقال القرطبي " أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين، إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، حذاراً من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة.
واختلف الناس في قدر ذلك، فقال ابن مسعود: ظاهر الزينة هو الثياب. وزاد ابن جبير: الوجه.
وقال سعيد بن جبير أيضاً، وعطاء والأوزاعي: الوجه والكفان والثياب. وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ، ونحو هذا، فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس .. "
إلى أن قال " قال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية، أن المرأة مأمورة بألا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة.
ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك. فما ظهر على هذا الوجه، مما تؤدي إليه الضرورة في النساء، فهو المعفو عنه.
قلت (أي القرطبي): هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/317)
يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لها ((يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا)) وأشار إلى وجهه و كفيه.
وهذا أقوى في جانب الاحتياط، ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه.
وقد قال ابن خويز منداد من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة، وخيف من وجهها وكفيها الفتنة، فعليها ستر ذلك.
وإن كانت عجوزاً أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها ". انتهى.
انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي [12/ 228 – 229].
قال سمير: وهذا الإمام القرطبي ينقل لنا الخلاف في المسألة، وهو متوفى سنة 671هـ، مما يؤكد أن الخلاف استمر من عهد السلف إلى وقته، فكيف يتجاهله شيخ الأزهر؟
تفسير آية الأحزاب رقم 53
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم .. } إلى قوله تعالى {وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.
قال ابن جرير الطبري ما نصه " وإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين، اللواتي لسن لكم بأزواج، متاعاً {فاسألوهن من وراء حجاب} يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن {ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن} يقول تعالى ذكره: سؤالكم إياهن المتاع، إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب، أطهر لقلوبكم وقلوبهن من عوارض العين فيها ... " الخ [10/ 325].
قال سمير: آية الأحزاب هذه رأى أكثر أهل العلم أنها خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ابن جرير الطبري أدخل فيها عموم النساء المؤمنات، كما مر معنا من كلامه. وقد وافقه الإمام القرطبي في تعميم الآية على كل النساء، فقال في تفسيره [14/ 227] " في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض، أو مسألة يُستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، كما تقدم، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة، كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعيّن عندها " اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري [8/ 530] عند ذكر الحديث في سبب نزول هذه الآية من سورة الأحزاب " وفي الحديث من الفوائد: مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين. قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها .. " الخ.
قال سمير: كلام عياض مفهومه أن غير أمهات المؤمنين مختلف في فرض الحجاب عليهن في الوجه الكفين، كما هو ظاهر.
وللعلامة الشنقيطي بحث نفيس في تفسيره: أضواء البيان، حيث رجّح أن هذه الآية وإن نزلت في شأن أمهات المؤمنين إلا أن حكمها عام لكل المؤمنات، وأطال رحمه الله في تقرير ذلك، فانظره إن شئت.
ولو فرضنا جدلاً أن الحكم خاص بأمهات المؤمنين، فهل يصح أن يقال: إن ستر الوجه لا يمت إلى الإسلام بصلة، كما زعم شيخ الأزهر؟!
تفسير آية الأحزاب رقم 59
قال تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً}.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره [10/ 331 - 332] " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين: لا تشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، فكشفن شعورهن ووجوهن، ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن، لئلا يعرض لهن فاسق، إذا علم أنهن حرائر، بأذى من قول.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به، فقال بعضهم: هو أن يغطين وجوههن ورؤسهن، فلا يبدين منهن إلا عيناً واحدة .. "
ثم أسند ابن جرير هذا القول، عن ابن عباس وعن عبيدة السلماني.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/318)
قال سمير: قد صرح ابن جرير هنا بأن كشف الشعر والوجه كان من خصائص الإماء، وأن الله أمر الحرائر بستر الشعر والوجه حتى يتميزن عن الإماء، لئلا يتعرضن لأذى ضعاف النفوس.
ونقل تفسير ابن عباس رضي الله عنهما، في صفة إدناء الجلابيب، وهي أن تغطي كل شيء، ولا يظهر منها إلا عين واحدة.
ومثله قول عبيدة السلماني، وهو من كبار فقهاء التابعين.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية " لما كانت عادة العربيات التبذّل، وكن يكشفن وجوههن، كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن، وتشعّب الفكرة فيهن، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن ... "
إلى أن قال " واختلف الناس في صورة إرخائه، فقال ابن عباس وعبيدة السلماني: ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها.
وقال ابن عباس أيضاً وقتادة: ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده، ثم تعطفه على الأنف، وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه. وقال الحسن: تغطي نصف وجهها " اهـ. [14/ 243].
قال سمير: إذاً كشف الوجوه كان من خصائص الإماء، وأما الحرائر فإنهن أمرن بسترها لئلا يؤذين من قبل الفساق وضعاف النفوس، كذا قال الإمامان: ابن جرير والقرطبي، ووافقهما على هذا القول سائر المفسرين.
واليوم تؤذى الطالبة الحرة الأزهرية، ومن آذاها؟ شيخ الأزهر! يا للفضيحة! ويا للعار!
أم ترى أن فضيلته عدها من جملة الإماء لا من الأحرار؟!
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص – أمير مصر – حين ضرب ابنه ابن ذلك القبطي المصري " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً "!
تنبيه
قد مر معنا قول ابن عباس في تفسير آية النور {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} أن الزينة الظاهرة هي: الوجه والكفان، وأن لها أن تبديه حتى للرجال الأجانب، ورجح ابن جرير والقرطبي هذا القول هناك، لكنهما هنا في تفسير هذه الآية من سورة الأحزاب، ذكرا خلاف ذلك، وجعلا كشف الوجه من خصائص الإماء، وهو اختيار ابن عباس ومن وافقه من التابعين.
فإما أن يقال: إن ابن عباس له قولان في المسألة، أو يقال: إن قصد ابن عباس في آية النور، أن المرأة تبدي وجهها وكفيها لمن ذكروا في الآية بعد ذلك من محارمها، لأن الله تعالى قال {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} ثم قال {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .. } الآية. فلعله أراد أن الزينة الظاهرة التي تبديها المرأة، وهي الوجه والكفان، إنما تبديها لمن ذكر في الآية من محارمها، لا لكل الرجال.
أو يكون مراد ابن عباس أن الوجه والكفين من الزينة التي لا تظهر منها، والمعنى: ولا يبدين الوجه والكفين إلا ما ظهر دون قصد منها، كأن يظهر من الوجه القرط ومن الكف الخاتم، ونحو ذلك.
وهو موافق لتفسير ابن مسعود ومن معه.
قال ابن كثير في تفسير آية النور " أي لا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه. قال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاناه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه ... وقال بقول ابن مسعود: الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم.
وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: وجهها وكفيها والخاتم.
وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك ".
قال ابن كثير " وهذا يحتمل أن يكون تفسيراً للزينة التي نهين عن إبدائها، كما قال أبو إسحق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبدالله قال، في قوله {ولا يبدين زينتهن}، الزينة: القرط والدملوج والخلخال والقلادة.
وفي رواية: الزينة زينتان: فزينة لا يراها إلا الزوج: الخاتم والسوار، وزينة يراها الأجانب، وهي الظاهر من الثياب.
وقال الزهري: لا يبدو لهؤلاء الذين سمى الله، ممن لا تحل له إلا الأسورة و الأخمرة و الأقرطة، من غير حسر، وأما عامة الناس، فلا يبدو منها إلا الخواتم.
وقال مالك عن الزهري {إلا ما ظهر منها} الخاتم والخلخال.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/319)
ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور ... " اهـ باختصار.
ولابن تيمية رأي آخر، فإنه جعل تفسير ابن عباس لآية النور، أنه أول الأمرين، ولم يجعله مخالفاً لقول ابن مسعود.
فقال " فإذا كن مأمورات بالجلباب لئلا يعرفن، وهو ستر الوجه، أو ستر الوجه بالنقاب، كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة.
فابن مسعود ذكر آخر الأمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين " اهـ.
انظر مجموع الفتاوى [22/ 111].
قال سمير: وعلى هذا يكون ابن عباس رضي الله عنهما قد ذكر في آية النور أول الأمرين من فرض الحجاب، ثم ذكر في آية الأحزاب آخر الأمرين، وهو الموافق لما قاله ابن مسعود، غير أن ابن مسعود ذكر ما استقر عليه الحكم في آية النور، ولم يفصِّل كما فصّل ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
الخلاصة
وأياً كان الأمر، فإن القائلين بوجوب غطاء الوجه من الصحابة والتابعين كثير، فهو قول مشهور جداً، كما نقلناه عن المفسرين.
ومن قال بجواز كشف المرأة وجهها وكفيها من المفسرين من الصحابة وأشهرهم ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه نقل عنه ما يخالف ذلك، كما مر معنا في تفسيره لآية الأحزاب الأخيرة، وقد تقدم الجمع بين قوليه.
ولم يقل أحد من هؤلاء إن المرأة يجب عليها كشف وجهها، بل غاية ما قالوه: إنه يجوز لها ذلك، فهاهنا قولان في المسألة:
الأول: جواز كشف المرأة وجهها للأجانب. وهو قول الجمهور.
الثاني: وجوب تغطية المرأة وجهها أمام الأجانب. وهو قول مشهور.
فمن أين أتى شيخ الأزهر بالرأي الشاذ الغريب، وهو تحريم غطاء الوجه؟
وللإمام الحافظ أبي الحسن علي بن القطان المتوفى سنة 628هـ، كتاب نفيس اسمه " النظر في أحكام النظر بحاسة البصر "، ذكر فيه حكم غطاء الوجه، ونقل كلام المفسرين في ذلك، ومما قاله رحمه الله " إن الوجه والكفين والقدمين، هل يجوز للمرأة إبداؤها أو لايجوز، أعني لللأجانب، وهو موضع خلاف.
ولن نبلغ إلى الكلام في تعيين الصحيح من ذلك، إلا بعد الكلام في الآية، التي هي مستند الباب، وبعد الفراغ منها، نعرض لثلاث مسائل: مسألة في الوجه، ومسألة في الكفين، ومسألة في القدمين.
أما الكلام في الآية، فهو أن نقول: قوله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، نهي مطلق للنساء كلهن، حرة كانت أو أمة، عن إبداء كل زينة، لكل أحد، رجل أو امرأة، أجنبي أو قريب أو صهر، هي مطلقة بالنسبة إلى كل زينة، ومطلقة بالنسبة إلى كل مبدية، ومطلقة بالنسبة إلى كل ناظر.
وَردَ على إطلاقين منها استثناءات: أحدهما على مطلق الزينة، ومخصص به ما ظهر منها، فيجوز إبداؤه لكل واحد.
والآخر: على مطلق الناظرين الذين يبدى لهم شيء من ذلك، فخصص منهم: البعولة ومَن بعدهم، جوّز لها إبداء ما كان زينة لهم على وجه يتفسر بعد، إن شاء الله، من أنه مشترك بين أقربهم وأبعدهم ..
والإجماع منعقد، على أن ما تبديه للمذكورين، أكثر مما تبديه للأجانب، وعلى أن المذكورين متفاوتون فيما تبديه لهم.
فإذاً قد انقسمت الزينة إلى ظاهرة، تبدى لكل أحد، أجنبي أو قريب أو صهر.
وإلى باطنة، منها ما يبدى لجميع المذكورين، ومنها ما يبدى لبعضهم.
فلابد أن ينظر: ما الزينة الظاهرة؟ وما الزينة الباطنة؟ ومن الذي تُبدي لهم من الزينتين؟ أما الزينة الباطنة ما تُبدي منها، ولمن تبديه؟ فسيأتي القول فيه إن شاء الله مستوفىً.
وأما الزينة الظاهرة، فنقول:
نقل عن عبدالله بن مسعود أنها: الثياب. فعلى هذا يلزم المرأة ستر جميع جسدها، ولا تبدي شيئاً منه، وجهاً ولا غيره.
وروي عنه مفسراً أنه قال: الزينة زينتان، ظاهرة وباطنة، فالظاهرة: الثياب. والباطنة: الكحل والسوار والخاتم. ففي هذا أن الوجه، الذي فيه الكحل، لا تبديه إلا لمن أجيز لها إبداء الزينة الباطنة له، البعْل ومَن بعده.
وروى في ذلك هو بنفسه حديثاً .. "
ثم ساق ابن القطان حديث الترمذي من طريق ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان)).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/320)
ثم قال ابن القطان " فهذا قول واحد في الزينة الظاهرة، ويشبه أن يكون مقولاً به لبعض الشافعية، وذلك أن لهم قولين في جواز النظر إلى الأجنبية:
أحدهما: المنع، وهو المشهور.
والآخر: الإجازة، مالم يخف الفتنة.
فإذا قلنا: إن كل ما يحرم النظر إليه لا يجوز إبداؤه، فقد يخرج لهم من هاهنا مثل قول عبدالله بن مسعود، في أن المرأة لا يجوز لها إبداء وجهها. وروي عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها.
وقال أحمد بن حنبل: إذا صلت المرأة تغطي كل شيء منها، ولا ظفرها ... ".
ثم قال ابن القطان " وقول ثانٍ في الزينة الظاهرة، وهو: أنها الثياب والوجه. هذا قول يروى عن سعيد بن جبير، والحسن البصري، فعلى هذا يجوز لها إبداء وجهها فقط.
وقول ثالث فيها، وهو: أنها الوجه والكفان. هذا قول يروى عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم ... ".
ثم أطال ابن القطان في سرد الأقوال في المسألة، وذكر بعض الأحاديث التي استدل بها من أباح للمرأة كشف وجهها وكفيها بحضرة الرجال الأجانب، وذكر اعتراضات القائلين بوجوب تغطية الوجه والكفين، ثم قال رحمه الله " لكن الانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ أو سياق القصة، لا يكون جائزاً إلا بدليل عاضد، يصيِّر الانصراف تأويلاً، وإذا لم يكن هناك دليل، كان الانصراف تحكماً، فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت به هذه الظواهر وتعاضدت عليه، من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها.
لكن يستثنى من ذلك ما لابد من استثنائه قطعاً، وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك التبرج وإظهار المحاسن، فإن هذا يكون حراماً ... " إلى أن قال " ويبقى علينا بعد هذا المتقرر في حق النساء، من جواز بُدوِّ الوجه والكفين، على غير قصد التبرج، بحكم ضرورة التصرف، ما يخصنا من أمر النظر إلى ذلك: أيمنع مطلقاً؟ أم يجوز إذا لم يخف الفتنة ولم تقصد اللذة؟ يأتي ذكره بعد إن شاء الله ". انتهى باختصار [135 – 172].
قال سمير: قد حكى رحمه الله الخلاف في حكم كشف المرأة وجهها وكفيها، وذكر أدلة القائلين بالجواز واعتراضات القائلين بالمنع، وهو يؤكد أن الخلاف قوي ومشهور، لا كما زعم شيخ الأزهر، غفر الله له.
كلام الفقهاء في المسألة
يبحث الفقهاء حكم ستر المرأة وجهها وكفيها في موضعين من كتب الفقه.
الأول: كتاب الصلاة، في ستر العورة.
الثاني: كتاب الحج، في محظورات الإحرام.
وسأنقل لك أخي القارئ بعض ما جاء في كتب الفقه المشهورة، عن حكم ستر المرأة وجهها.
1 – قال ابن عبدالبر " وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور: على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها.
وقال أبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها .. ".
قال ابن عبدالبر " قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها، تباشر الأرض به.
وأجمعوا على أنها لا تصلي متنقبة، ولا عليها أن تلبس قفازين في الصلاة، وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة .. ".
إلى أن قال ابن عبدالبر " اختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}. فروي عن ابن عباس وابن عمر، إلا ما ظهر منها: الوجه والكفان. وروي عن ابن مسعود {ما ظهر منها} الثياب. قال: لا يبدين قرطاً، ولا قلادة، ولا سواراً، ولا خلخالاً، إلا ما ظهر من الثياب .. "
إلى أن قال " فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها " ا هـ. انظر التمهيد [6/ 364 – 369].
2 – قال الشيخ علاء الدين الحصكفي في شرح تنوير الأبصار، في كتاب الصلاة، في ستر العورة " وللحرة ولو خنثى جميع بدنها، حتى شعرها النازل في الأصح، خلا الوجه والكفين، فظهر الكف عورة على المذهب، والقدمين، على المعتمد، وصوتها على الراجح، وذراعيها على المرجوح.
وتمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين رجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة ".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/321)
قال ابن عابدين في شرحه " والمعنى: تمنع من الكشف لخوف أن يرى الرجال وجهها فتقع الفتنة، لأنه مع الكشف قد يقع النظر إليها بشهوة " اهـ.
انظر حاشية ابن عابدين [2/ 95 – 97].
قال سمير: هذا الكتاب من أشهر كتب الأئمة الأحناف، ومعلوم أن الأزهر يعتمد كثيراً على هذا المذهب، والقضاء المصري أيضاً.
والحصكفي توفي سنة 1088هـ، وابن عابدين توفي سنة 1282هـ، فهما من كبار علماء الأحناف المتأخرين، وقد منعا المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال.
فأين شيخ الأزهر من هذا الكلام، وهو مذكور في أشهر كتب الأحناف؟
3 – وقال ابن عابدين في كتاب الحج، في محظورات الإحرام. بعد أن نقل كلام الأئمة الأحناف في أن المرأة لا تغطي وجهها إجماعاً، " أي: وإنما تستر وجهها عن الأجانب بإسدال شيء متجافٍ لا يمس الوجه، كما سيأتي آخر هذا الباب.
وأما ما في شرح الهداية لابن الكمال، من أن لها ستره بملحفة وخمار، وإنما المنهي عنه ستره بشيء فصل على قدره، كالنقاب والبرقع، فهو بحث عجيب، أو نقل غريب، مخالف لما سمعته من الإجماع، ولما في البحر وغيره في آخر هذا الباب.
ثم رأيت بخط بعض العلماء في هامش ذلك الشرح، أن هذا مما انفرد به المؤلف. والمحفوظ عن علمائنا خلافه، وهو وجوب عدم مماسة شيء لوجهها اهـ.
ثم رأيت نحو ذلك، نقلاً عن منسك القطبي، فافهم " اهـ.
من حاشية ابن عابدين [3/ 568].
قال سمير: المرأة المحرمة ممنوعة من التنقب حال الإحرام، بنص الحديث المتفق عليه ((لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين)) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
انظر جامع الأصول [3/ 21].
ومع ذلك، فإن علماء الأحناف رأوا أنها تستر وجهها عن الأجانب بإسدال شيء متجافٍ لا يمس الوجه.
بل ذهب بعضهم إلى أنها تستره بملحفة وخمار.
فلو كانت تلك الفتاة الأزهرية محرمة بحج أو عمرة، فلها أن تغطي وجهها بشيء يستره عن نظر شيخ الأزهر، استناداً إلى هذا القول، فكيف وهي غير محرمة؟
إلا إذا رأى الشيخ أنها إذا دخلت الأزهر وجب عليها الإحرام!!.
وحتى لو كانت محرمة عند دخولها فصول الأزهر! فإن لها أن تسدل الخمار على وجهها، كما قال الأئمة الذين هم أعلم من شيخ الأزهر.
4 – قال صاحب المهذب، في معرض كلامه عن إحرام المرأة " فإن أرادت ستر وجهها عن الناس، سدلت على وجهها شيئاً لا يباشر الوجه، كما روت عائشة رضي الله عنها قالت " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ".
قال الإمام النووي في المجموع شرح المهذب " قال أصحابنا: ولها أن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً عنه، بخشبة ونحوها، سواء فعلته لحاجة، كحَرٍّ، أو برد، أو خوف فتنة، ونحوها، أو لغير حاجة " اهـ. انظر المجموع [7/ 250 – 262].
قال سمير: هؤلاء أئمة الشافعية، قد نقلوا جواز ستر المحرمة لوجهها، مع أنها منهية عن النقاب حال الإحرام، واستدلوا بحديث عائشة، وهو حديث مشهور في السنن، أخرجه أبو داود [1/ 425] وأحمد [6/ 30].
ومعلوم أن كثيراً من علماء مصر يقلدون المذهب الشافعي، فأين شيخ الأزهر عن مثل هذا الكلام؟ أتراه لم يطلع عليه، أم قرأه ولم يفهمه؟ أم يرى أن كلام الشيرازي والنووي لا عبرة به؟.
5 – وتأكيداً لما ذكره الشافعية، أنقل إليك كلام الحافظ ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري، وأشهر حفاظ الدنيا وعلمائها في القرن التاسع، وهو شافعي المذهب، وعاش في مصر، وتوفي بها سنة 852هـ.
قال رحمه الله في شرح حديث عائشة رضي الله عنها " يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} شققن مروطهن فاختمرن بها ".
قال " قوله " فاختمرن بها "، أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع " اهـ. انظر الفتح [8/ 490].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/322)
وقد ذكر الحافظ في الفتح [3/ 406] في شرح أثر عائشة الذي علقه البخاري، الذي منعت فيه المرأة المحرمة أن تتلثم أو تتبرقع، عن سعيد بن منصور قال " حدثنا هشيم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها ".
وسكت الحافظ على هذا الأثر، وهو يدل على ثبوته عنده، كما قال في مقدمة الفتح.
أما حديث عائشة الآخر " كنا إذا مر بنا الركبان ... " فقد ضعف الحافظ إسناده.
قال سمير: مذهب عائشة رضي الله عنها في منع المحرمة أن تتلثم أو تتبرقع موافق للحديث في منعها أن تنتقب، لأن ذلك مفصل على وجه المرأة، لكنها لم تمنع المحرمة من أن تسدل جلبابها من فوق رأسها على وجهها، حتى تستتر عن الرجال، وهو يقوي حديثها الآخر الذي ضعف إسناده الحافظ ابن حجر.
6 – قال الحطاب، وهو من علماء المالكية، شارح مختصر خليل " واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين. قاله القاضي عبدالوهاب، ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة، وهو ظاهر التوضيح " اهـ.
وقال المواق أيضاً " قال عياض: ليس بواجب أن تستر المرأة وجهها، وإنما ذلك استحباب وسنة لها، وعلى الرجل غض بصره عنها " اهـ.
انظر مواهب الجليل وبهامشه التاج والإكليل [2/ 181].
قال سمير: قوله " وهو استحباب وسنة " يدل على أن المسألة لها صلة بالإسلام، لا كما ادعى شيخ الأزهر.
7 – وقال الباجي، وهو من علماء المالكية، في كتابه " المنتقى " [2/ 200]، في معرض كلامه عن منع المرأة أن تنتقب وهي محرمة " مسألة: إذا ثبت ذلك فعلى المرأة أن لا تلبس مواضع الإحرام منها مخيطاً يختص به، والذي يختص بالوجه من المخيط النقاب والبرقع، والذي يختص بالكفين القفازان، فوجب على المرأة أن تعريهما من ذلك، ويستحب لها أن تعريهما من غير ذلك من اللباس.
فإن أدخلت يديها في قميصها فلا شيء عليها، لأن ذلك لا يختص بها، ولا سبيل إلى الاحتراز منه، وبالله التوفيق "
ثم ذكر الباجي حديث فاطمة بنت المنذر " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما " (رواه مالك في الموطأ [1/ 328]).
ثم قال " قولها " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات "، تريد أنهن كنّ يسترن وجوهن بغير النقاب، على معنى التستر، لأن الذي يُمنع: النقاب، أو ما يجري مجراه، على ما ذكرناه. وإضافة ذلك إلى كونهن مع أسماء بنت أبي بكر، لأنها من أهل العلم والدين والفضل، وأنها لا تقرهن إلا على ما تراه جائزاً عندها، ففي ذلك إخبار بجوازه عندها، وهي ممن يجب لهن الاقتداء بها، وإنما يجوز أن يخمرن وجوههن على ما ذكرنا، بأن تسدل على وجهها تريد الستر " اهـ.
قال سمير: فاطمة بنت المنذر من خيار التابعيات، وتحكي ما كانت تفعله هي ومن معها في صحبة أسماء بنت أبي بكر، وهي من خيار الصحابيات، ذات النطاق، وهن محرمات يخمرن وجوههن حتى لا يراهن الرجال، والرجال في ذلك العصر من خيار الناس، في القرن الأول الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ((خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)). رواه البخاري ومسلم. انظر جامع الأصول [8/ 547].
أقول: وشيخ الأزهر أنكر على تلك الأزهرية العفيفة التي اتخذت من أمهات المؤمنين ومن الصحابيات والتابعيات الصالحات القانتات، قدوة لها وأسوة، فغطت وجهها، وهي غير محرمة (غير محرمة يا شيخ الأزهر)، فأمرها الشيخ الوقور أن تكشف وجهها، وعنفها على فعلها!!.
7 – قال ابن قدامة، وهو أشهر علماء الحنابلة، توفي سنة 620هـ " لا يختلف المذهب في أنه يجوز للمرأة كشف وجهها في الصلاة، ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم، وأنه ليس لها كشف ما عدا وجهها وكفيها، وفي الكفين روايتان، إحداهما: يجوز كشفهما. وهو قول مالك والشافعي، لأن ابن عباس قال، في قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الوجه والكفين.
ولأنه يحرم على المحرمة سترهما بالقفازين، كما يحرم عليها ستر وجهها بالنقاب، فلم يكونا من العورة كالوجه.
ولأن العادة ظهورهما وكشفهما، والحاجة تدعو إلى كشفهما للأخذ والعطاء، كما تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء، فلم يحرم كشفهما في الصلاة، كالوجه.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/323)
والثانية: هما من العورة، ويجب سترهما في الصلاة. وهذا قول الخرقي، ونحوه قال أبوبكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فإنه قال: المرأة كلها عورة حتى ظفرها، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((المرأة عورة)). رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وهذا عام يقتضي وجوب ستر جميع بدنها، وترك الوجه للحاجة، ففيما عداه يبقى على الدليل.
و قول ابن عباس قد خالفه ابن مسعود، فإنه قال في قوله سبحانه {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال الثياب ... "
إلى أن قال " ويكره أن تنتقب المرأة وهي تصلي، أو تتبرقع. قال ابن عبدالبر: وقد أجمعوا على أن على المرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام ... " اهـ باختصار.
انظر المغني [2/ 326 – 331].
وقال ابن قدامة في شرح قول الخرقي " والمرأة إحرامها في وجهها، فإن احتاجت سدلت على وجهها ".
قال " وجملة ذلك أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرم على الرجل تغطية رأسه، لا نعلم في هذا خلافاً، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة.
ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافاً.
قال ابن المنذر: وكراهية البرقع ثابتة عن سعد وابن عمر وابن عباس وعائشة، ولا نعلم أحداً خالف فيه.
وقد روى البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين ".
فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها، لمرور الرجال قريباً منها، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها.
روي ذلك عن عثمان وعائشة. وبه قال عطاء ومالك والثوري والشافعي وإسحق ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافاً، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان الركبان يمرون بنا، ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه.
رواه أبو داود والأثرم.
ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها، فلم يحرم عليها ستره على الإطلاق، كالعورة.
وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافياً عن وجهها، بحيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها، ثم زال، أو أزالته بسرعة، فلا شيء عليها ... "
إلى أن قال " وإنما منعت المرأة من البرقع والنقاب ونحوهما، مما يُعدُّ لستر الوجه. قال أحمد: إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق، وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل. كأنه يقول: إن النقاب من أسفل على وجهها "
ثم قال ابن قدامة " ولا بأس أن تطوف المرأة متنقبة، إذا كانت غير محرمة. وطافت عائشة وهي متنقبة. وكره ذلك عطاء، ثم رجع عنه " اهـ من المغني [5/ 154 – 155].
8 – قال ابن رجب الحنبلي في شرح صحيح البخاري، المسمى: فتح الباري، وهو سابق على فتح الباري الذي صنفه ابن حجر العسقلاني، وابن رجب متوفى سنة 795هـ " وقد كنّ قبل الحجاب يظهرن بغير جلباب، ويُرى من المرأة وجهها وكفاها، وكان ذلك ما ظهر منها من الزينة في قوله عز وجل {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، ثم أمِرت بستر وجهها وكفيها .. "
ونقل ابن رجب بعد ذلك قول ابن المنذر " وأجمعوا أن لها أن تصلي وهي مكشوفة الوجه، واختلفوا فيما عليها أن تغطي في الصلاة، فقالت طائفة: عليها أن تغطي ما سوى وجهها وكفيها، وهو قول الأوزاعي والشافعي وأبي ثور.
وقال أحمد: إذا صلت تغطي كل شيء منها، ولا يرى منها شيء، ولا ظفرها.
وقال أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها " اهـ.
انظر فتح الباري لابن رجب الحنبلي [2/ 348].
قال سمير: ما نقلته لك أخي القارئ، إنما هو غيض من فيض، وقطرة من بحر، مما ذكره أئمة السلف والخلف، في كتبهم ومصنفاتهم المشهورة، التي لا تخفى على صغار طلبة العلم، فضلاً عن كبارهم.
وقد رأيت أن ستر المرأة وجهها، في غير الصلاة والإحرام، إما مستحب وإما واجب، ويتعين إذا خشيت الفتنة. وذهب أكثرهم إلى أن المحرمة أيضاً لها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب، بدون أن تنتقب.
وابن قدامة حكى هذا القول عن جمع من السلف، وقال " لا نعلم فيه خلافاً ".
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/324)
وأما القول بوجوب كشفها لوجهها في غير الإحرام والصلاة، في حضرة الرجال، فلم يقل به أحد من العلماء من قبل، لا من أصحاب المذاهب المتبوعة ولا من غيرهم.
وعلى هذا، فإن ما فعله شيخ الأزهر، حين أنكر على تلك الفتاة الأزهرية سترها لوجهها في حضرة فضيلته، يعد شذوذاً منه، وخروجاً عن قول سائر أهل العلم.
شيخ الأزهر و: عذر أقبح من فعل
لما حصلت المصيبة والفضيحة، من شيخ الأزهر، وأرادت إحدى المعلمات الصالحات الدفاع عن تلميذتها الأزهرية، نهرها الشيخ وقال: إنه يفهم في الدين أكثر منها ومن الذين خلّفوها!
وهذا في نظري عذر أقبح من فعل، وما أدراه، لعل المعلمة ومن خلفوها، والطالبة أيضاً أعلم من الشيخ في هذه المسألة؟
بل لعلهم أعلم منه في مسائل أخرى غيرها، وهل يزعم فضيلته أنه أعلم من في الأرض؟ إنها سقطة أخرى لشيخ الأزهر، ما كنت أظنه يقع فيها.
وليس من أدب العلماء ولا من خلق الفقهاء أن يتباهوا بالعلم ويتفاخروا على الناس به، بل خلقهم التواضع وخفض الجناح، كما أثر عن علماء الأمة وأئمتها.
ولهذا قال الإمام مالك " ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم " ومثله قال مجاهد والحكم بن عتيبة. [انظر الموافقات للشاطبي 5/ 134]. ومع ذلك فإننا لو فرضنا جدلاً، أن الشيخ سيد طنطاوي أعلم من في الأرض، فهل ينكر فضيلته على من هو دونه في العلم والمشيخة أن يختار قولاً ومذهباً غير الذي يذهب إليه؟ وهل يرى شيخ الأزهر، أن نلغي كل المذاهب الإسلامية المشهورة التي يقلدها أكثر من مليار مسلم، ونلزمهم بمذهب الطنطاوي؟!
وهل هذا الإلزام خاص بمسألة النقاب، التي أقضت مضجع الشيخ وأزعجته كل ذلك الإزعاج، أم يسري ذلك على كل مسائل العلم، في التفسير والحديث والفقه واللغة وغيرها؟.
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
ونقول لشيخ الأزهر: هب أنك ترى أن النقاب حرام أو بدعة ولكن هناك فتيات ومعلمات أزهريات يرين أنه مستحب أو واجب، قد تأسين بأمهات المؤمنين، وبغيرهن من نساء السلف، وظهر لهن أن هذا القول قد قال به فقهاء الأمة من أصحاب المذاهب الأربعة، بل هو مجمع عليه من حيث الاستحباب، مختلف فيه من حيث الوجوب. فهل يتركن ما يعتقدنه حقاً، لقولك ومذهبك؟
ألست من البشر يا شيخ الأزهر، تخطئ وتصيب، أم أنت معصوم عن الخطأ؟
فإن كنت بشراً تصيب وتخطئ، فما الذي يُلزم أولئك النساء أن يتبعن قولك ويتركن قول غيرك؟
لو قالت لك تلك الفتاة: أنا مقلدة لمذهب الأحناف أو الشافعية، أو غيرهما من المذاهب، وقرأت في كتبهم أن غطاء الوجه إن لم يكن فريضة فهو سنة وفضيلة، وأنا مقتنعة بما قالوه، فهم أعلم منك في نظري، فهل تجرؤ أن تقول لها إنك أعلم منهم؟ أو تقول: دعي أقوالهم ومذاهبهم، ولا تقلدي أحداً غيري؟
أصابت امرأة وأخطأ عمر
ذكر ابن كثير في تفسير قوله تعالى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً .. } الآية. النساء [20].
أثراً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أراد أن يحدّ الصداق فلا يزاد على أربعمائة درهم، فاعترضته امرأة واحتجت عليه بهذه الآية، فقال عمر " اللهم غفراً، كل الناس أفقه من عمر " ثم صعد المنبر ورجع عن قوله الأول.
قال ابن كثير " إسناده جيد قوي ".
قال سمير: انظر - وفقك الله – إلى فقه وأدب أمير المؤمنين عمر، لم ينهرها ولم يعنفها، ولا قال لها أنا أعلم منك ومن الذين خلفوك، وما كان هذا أدب الأولين ولا خلق عباد الله الصالحين.
ووازن بين ما قاله عمر وبين ما قاله شيخ الأزهر، لتعلم البون الشاسع بينهما، في العلم والأدب والحكمة.
ثم إن الفتاة الأزهرية لم تعارض شيخ الأزهر في شيء، ولم تجادله، كما جادلت تلك المرأة عمر، بل اختارت أن تستر وجهها عن شيخ الأزهر وهي إن كانت ترى وجوب ستر وجهها عن الرجال الأجانب فلها سلف من الصحابة والتابعين، وهو مذهب مشهور.
وإن كانت ترى استحبابه، فلها سلف من الصحابة والتابعين، وهو مذهب الجمهور.
أما شيخ الأزهر فقوله لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا قول أحد من سلف الأمة، وهو رأي شاذ مهجور.
ومن هنا يظهر أن طالبة الأزهر أفقه من شيخ الأزهر.
100% للطالبة الأزهرية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/325)
ومن أعجب ما قاله شيخ الأزهر، حين سئل عن فضيحته، قوله إن الفتاة تركت 99% من الأقوال، وأخذت ب 1% فقط.
ولست أدري كيف أجريت حساب نسبة الأقوال في المسألة يا شيخ الأزهر؟
هل أحصيت عدد القائلين من الصحابة والتابعين وسائر العلماء الأقدمين والمعاصرين، ثم حصلت على هذه النتيجة، أم هو ظن وتخمين؟
ومنذ متى كانت المذاهب الإسلامية تحسب بالنسب المئوية؟ لعل الشيخ مولع بنتائج الاختبارات المدرسية، أو الانتخابات السياسية، فأراد أن يوهم الناس أنه حاز على تلك النسبة المرتفعة جداً، مقابل نسبة تلك الطالبة الأزهرية، التي كانت متدنية، فلم تتعد الواحد في المية؟!
وقد تبين مما سبق أن النتيجة الحقيقية هي: أن تلك الطالبة الأزهرية حصلت على النسبة الكاملة (100%) حين ارتدت النقاب، فلا يوجد مذهب ولا قول ينهاها عن ذلك، بل كلهم يوافقونها عليه، وجوباً أو استحباباً، أو حتى إباحة.
أما شيخ الأزهر، فإنه للأسف الشديد لم يتحصل على أكثر من صفر، لأنه لا أحد من الفقهاء ممن قوله معتبر، يوافقه على إنكار التنقب والستر، حتى لو فرض أنه عادة، فهو من العادات التي لا تنكر!
شيخ الأزهر ضيق الصدر
المفروض في أهل العلم، خاصة العلماء، ومن يترأس المناصب العلمية الشرعية، التحلي بحسن الخلق، وسعة الصدر، والحلم، والرفق، ولين الجانب.
والنصوص من القرآن والسنة في الحض على تلك الأخلاق الحميدة، أشهر من أن تذكر، ويكفينا من ذلك قول الله تعالى {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} وقال صلى الله عليه وسلم ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)) رواه الترمذي وأبو داود. جامع الأصول [4/ 5].
وقال صلى الله عليه وسلم ((إن الله رفيق يحب الرفق)) رواه مسلم وأبو داود. جامع الأصول [4/ 532].
وشيخ الأزهر قد ضرب بكل تلك النصوص عرض الحائط، وقسا على تلك الأزهرية، مع أنها على حق، ولم ترتكب أي خطأ، بل هو الذي أخطأ في حقها، وفي حق نفسه، وفي حق الأزهر وأخطأ في حق الأمة الإسلامية، حين سنّ لها تلك السنة الرزية.
لو فرض أن الشيخ قد رأى منكراً ظاهراً، فإنه كان يلزمه أن يغيره بالرفق، خاصة إذا كان مرتكب المنكر جاهلاً أو صغيراً في السن.
وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وهم به الصحابة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تزرموه)) أي لا تقطعوا عليه بوله، ثم لما انتهى الأعرابي أمرهم بأن يطهروا المكان من النجاسة، وقال لأصحابه ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسِّرين)) رواه البخاري وغيره. انظر جامع الأصول [4/ 522].
ولما تكلم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة، وأنكر عليه الصحابة بأبصارهم، دعاه النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ونبهه بكل رفق.
قال معاوية " فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .. " الحديث. رواه مسلم [537].
فأين شيخ الأزهر من هذه الأخلاق النبوية؟ أم إن تنقب الفتاة في رأي شيخ الأزهر أعظم جرماً من الكلام في الصلاة ومن بول الأعرابي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
لا إنكار في العادات
ثم إن شيخ الأزهر أتى بعجيبة أخرى، حيث قال إن النقاب عادة وليس عبادة، وأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة، لا من قريب ولا من بعيد.
وقد علمت أخي القارئ تهافت هذا القول، بما نقلناه إليك من أقوال العلماء، ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة.
لكننا نتنزل مع فضيلته ونقول له: هب أن النقاب، أو ستر الوجه عن الرجال الأجانب عادة لا عبادة، وأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة، فهل أنت تنكر على من فعل عادة من العادات المباحة في ملبس أو مشرب أو في غير ذلك من شئون الحياة؟
ولماذا لا تنكر على الفتيات السافرات الكاسيات العاريات، وما أكثرهن في مصر وفي غير مصر، أم إن الإنكار لا يجب إلا على الفتيات المنقبات فقط؟
وهل كشف الفتاة شعرها ونحرها وأجزاء أخرى من جسدها، مما هو مشهور في مصر، يمت إلى الإسلام بصلة في رأي شيخ الأزهر، فترك الإنكار عليه، وصوبه إلى النقاب، لأنه لا يمت إلى الإسلام بصلة، لا من قريب ولا من بعيد؟!
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/326)
الإجماع منعقد على أن المرأة لا يحل لها كشف شعر ولا نحر، ولا ساق ولا فخذ أمام الرجال الأجانب، والخلاف إنما هو في الوجه والكفين، هل يجوز كشفهما أم لا.
والإجماع منعقد على أن للمرأة أن تغطي وجهها وكفيها، خارج الصلاة والإحرام، وأن ذلك إما مستحب وإما واجب عليها.
فكيف يسوغ لشيخ الأزهر أن ينكر على من فعلت واجباً أو مستحباً، ويترك الإنكار على من فعلت منكراً صريحاً، أجمع الفقهاء على إنكاره؟
تسامح شيخ الأزهر
كثيراً ما سمعنا فضيلة الشيخ سيد طنطاوي، منذ أن كان مفتي مصر، ينادي بالتسامح واللين وترك التطرف في الدين، وينادي بالتقريب بين المذاهب والأديان.
وفضيلته على علم بما يفعله كثير من العوام عند الأضرحة والمشاهد في مصر، من استغاثة بالأموات وذبح القرابين لهم، ودعائهم من دون الله، لكشف الضر وجلب الخير.
فهل دعاء الأموات وسؤالهم الحاجات والطواف بالأضرحة وذبح القرابين لها يمت إلى الإسلام بصلة من قريب أو بعيد؟
وإن كان لا يمت إلى الإسلام بصلة، فأين إنكارك للمنكر يا شيخ الأزهر؟
وحانات مصر وملاهيها يحصل فيها من المنكرات ما لايخفى على رب الأرض والسموات.
فهل شرب الخمور ورقص العاريات وما يصاحبه من المنكرات، مما يمت إلى الإسلام بصلة يا شيخ الأزهر؟
وإذا وسع شيخ الأزهر السكوت عن شرك عُبّاد الأضرحة والقبور، ووسعه السكوت عما يفعله أهل الخنا والفجور، ووسعه السكوت عن دعاة العري والسفور، فلماذا لم يسعه السكوت عن الفتيات المنقبات ذوات الخدور؟
أين دعوى التسامح واللين وترك التشدد في الدين، التي يدندن حولها الشيخ في كل حين؟
لماذا نرى تسامح فضيلته ولطف معاملته مع كل طوائف المجتمع، حتى مع اليهود والنصارى والمشركين، ولا نراه مع المخالفين له في مسائل من فروع الدين، مثل النقاب وغيره؟ أم إن السماحة واللين مأمور بها فقط مع أعداء الدين، ومع المجاهرين بالمنكرات من المسلمين، دون عباد الله الصالحين؟
لعلكم سمعتم معي رد شيخ الأزهر على الكفرة الفجرة الذين شتموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتكلم عن تلك الجريمة الشنعاء التي اقشعرت لها الجلود والقلوب، كان الشيخ في رده في غاية الهدوء واللطف والبرود، حتى خشينا على الشيخ أن يذوب، وكأنه يتحدث عن مسألة من صغار الذنوب، لا من عظائم الخطوب!
{لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم}
لا ريب أن هذه الحادثة كانت مصيبة وكارثة على المتنقبات في مصر، ولا يبعد أن يتذرع بها أعداء الدين من الكفرة و الملحدين، فيبالغوا في الإساءة إلى أخواتنا المؤمنات المهاجرات في بلاد الغرب، محتجين بما فعله شيخ الأزهر بشأن النقاب، فيمنعوا النقاب والحجاب ويفرضوا السفور على المؤمنات.
إني لأذكر تلك المصيبة التي حلت بأخواتنا في بعض بلاد الشرق، قبل سنوات، حين ذهب شيخ أزهري من الدعاة المعروفين، وأنكر النقاب، فصدر في البلاد مرسوم يمنع النقاب في الجامعة، وشدد الخناق على أخواتنا المنقبات، ولعل ذلك الداعية الأزهري المتسامح قد شفى صدره بما فعله، حيث أشعل نار الفتنة التي لا تزال تكوى بها أخواتنا المتنقبات في تلك البلاد حتى الآن.
وهاهو شيخ الأزهر يكرر ما فعله ذلك الداعية المشهور، ويعيدها جذعة، ولكن الخطب هنا أشد، لأن شيخ الأزهر أشهر من ذلك الداعية، ومنصبه أكبر، وقد أسرعت وزارة التعليم المصري بعد ذلك، فأصدرت بياناً مفاده أنه سيتم تفعيل القرار الذي اتخذته الوزارة من قبل وأيدته المحكمة الدستورية أخيراً بمنع التلميذات والمعلمات من ارتداء النقاب داخل الصفوف.
والعجيب أن شيخ الأزهر وقبله ذلك الداعية الأزهري، من أكثر دعاة التسامح وترك التطرف، وما أدري ما الذي دعاهما إلى التطرف والتشديد على المسلمات المنقبات؟
ومع ذلك، فإني أسأل الله تعالى وأرجوه أن يجعل من هذه المحنة منحة، وأن يعقب هذه المصيبة خيراً ورحمة على الأمة، وهذا ما عهدناه من سنن الله الكونية الشرعية.
لقد جعل الله من حادثة الإفك، التي تولى كبرها رأس المنافقين، خيراً ورحمة، كما قال تعالى {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم} الآية.
وكل من أراد أن ينال من الإسلام والمسلمين، ولو زعم أنه على الحق، فإن الله تعالى سيدحره وسينصر دينه ويعلي كلمته، فإن كلمة الله هي العليا، وستظل هي العليا أبد الآبدين.
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.
الخاتمة
وبعد، فإني أطلت كثيراً في بحثي هذا، ولم يكن غرضي منه تفصيل حكم النقاب وذكر المذاهب فيه، لأن المسألة قد أشبعت بحثاً وجدالاً من قديم الزمان، والخلاف في المسألة يعد من خلاف الفروع، ولم أرجح في بحثي هذا مذهباً على غيره، والأمر فيها واسع.
وقد علمت أن حكمه يدور بين الوجوب والاستحباب.
وقد ذكر كثير من أهل العلم أنه إن خشيت الفتنة فإنه يلزمها ستروجهها عن الرجال الأجانب.
ولا ريب أن الفتنة الآن تكاد تكون متحققة، إلا ما ندر. والله تعالى أعلم.
* وأوجه نصيحة إلى علماء المسلمين عامة، وإلى شيخ الأزهر خاصة، أقول لهم: اتقوا الله فيما تقولون وما تفعلون، إنكم مسئولون يوم القيامة عما استرعاكم الله عليه من أمور الناس، ولا تستنكفوا عن الرجوع إلى الحق، فالحق قديم، والحق أحق أن يتبع.
لقد كان علماء السلف، ومنهم الأئمة الأربعة، يرجعون عن أقوالهم إذا تبين لهم مخالفتها للدليل، ومخالفتها لما هو أقوى منها، ولهذا كان لهم مذهبان وقولان، بل ربما كان لهم أقوال في المسألة الواحدة، وقديم الشافعي وجديده أكبر شاهد على ذلك.
وأنتم تقولون القول، تتمسكون به حتى الممات، وكأنكم أعلم ممن سبقكم ممن مات.
هذا وأسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب / سمير بن خليل المالكي المكي الحسني
9/ 11 / 1430هـ
جوال 0591114011
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/327)
ـ[سامر المصري]ــــــــ[29 - 10 - 09, 07:56 ص]ـ
والله ما كان هناك داع لأن يخرج الشيخ الجليل بكل هذه الدلائل التي يعرفها الأولاد والبنات قبل الكبار، للرد على من لا يليق أن يوصف إلا بما هو أدنى من الأدب الذي يستحقه هذا المكان. وبارك الله فيك وجزاكم خيرا وحفظ السعودية مما ابتلانا في مصر.(118/328)
استفسار عن جملة في كتاب للشيخ بكر بوزيد رحمه الله
ـ[صالح عبد الرزاق]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:46 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي في الله قرأت جملة في كتاب (هجر المبتدع) للعلامة بكر بو زبد رحمه الله
قال رحمه الله: (المبحث الرابع
صفات الهجر
ومن مفراته
ترك السلام عليه ...
ثم قال رحمه الله
عدم بسط الوجه له مع عدم هجر السلام والكلام)
جزاكم الله خيرا
ـ[محمود الرشيد]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:53 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ما وجه الاشكال والاستفسار والسلام
ـ[أحمد بن عباس المصري]ــــــــ[29 - 10 - 09, 09:44 ص]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=168025
ـ[صالح عبد الرزاق]ــــــــ[29 - 10 - 09, 01:24 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي أحمد
أخي محمود وجه الاشكال هو: (أن الشيخ ذكر من صفات الهجر ترك السلام على المبتدع ثم قال مع عدم ترك السلام)(118/329)
سؤال يتكرر وإجابته من موقع الإسلام سؤال وجواب: هل يشترط المحافظة على الرواتب كل يوم كي يبنى له بيت في الجنة، أم يكفي يوم واحد؟
ـ[أحمد بن عباس المصري]ــــــــ[29 - 10 - 09, 11:55 ص]ـ
هل يشترط المحافظة على الرواتب كل يوم كي يبنى له بيت في الجنة، أم يكفي يوم واحد؟
السؤال: حديث (من صلى 12 ركعة في اليوم بني له قصر في الجنة) هل من حافظ عليها بني له قصر في الجنة أم من صلى كل يوم بني له بعدد الأيام التي صلاها قصور في الجنة؟
الجواب: الحمد لله
هذا الحديث العظيم في فضائل صلاة النافلة الراتبة ورد بلفظين:
ظاهر أحدهما: أن من صلى الرواتب الاثنتي عشرة ركعة - ولو يوما واحدا من عمره - بنى الله له بيتا في الجنة، وأن من حافظ عليها لأيام كثيرة كان له من البيوت في الجنة بعدد تلك الأيام التي حافظ عليها، وهذا اللفظ كالآتي:
عن أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه مسلم (728)
والأخذ بظاهر هذا اللفظ هو ما يبدو من قول عائشة رضي الله عنها: (من صلى أول النهار ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة) رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/ 109)
وكذلك هو ما يظهر من قول أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(ما من عبد مسلم يصلي في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا إلا بني له بيت في الجنة)
رواه أحمد (16/ 283) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. وروي موقوفا بسند مضعف.
وهو أيضا ما يبدو من تبويب الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه (1/ 537) على هذا الحديث بقوله:
" باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له فيه من الفضل " انتهى.
وبوب عليه ابن حبان في " صحيحه " (6/ 204) بقوله:
" ذكر بناء الله جل وعلا بيتا في الجنة لمن صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة " انتهى.
فكل هذه النقول جاءت بصيغة المطلق (في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة)، وهذا يدل على أن المحافظة على هذه الرواتب في يوم واحد فقط كاف لبناء بيت في الجنة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل من صلاها وداوم عليها في اليوم الذي يصلى فيه يبنى له هذا البيت في الجنة، أم أنه لو صلى مثلا ثلاثة أيام يبنى له ثلاثة بيوت، أم ماذا؟
فأجاب رحمه الله:
" مَن صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى الله له بيتا في الجنة على الجميع، فإذا حافظ عليها، صار كلَّ يوم يمضي يُبنَى له بيت في الجنة " انتهى باختصار.
نقلا عن موقعه على هذا الرابط:
" فتاوى نور على الدرب " (شريط 249، وجه أ).
http://www.ibnothaimeen.com/all/noor/article_3392.shtml
وقال أيضا رحمه الله:
" وظاهر الحديث أنه لا تشترط المحافظة على هذه الركعات، وأن الإنسان إذا صلاها يوما واحداً: بنى الله له بيتاً في الجنة " انتهى.
" شرح مسلم " (شريط رقم 4 وجه ب)
وأما ظاهر اللفظ الثاني: فيدل على اشتراط المحافظة على هذه الرواتب الاثنتي عشرة ركعة في كل يوم كي يثاب صاحبها عليها ببناء بيت واحد في الجنة، وهذا اللفظ هو:
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ)
رواه مسلم (728)، ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: (كل يوم)
بل وأصرح منه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)
رواه الترمذي (رقم/414) وقال: حديث غريب من هذا الوجه، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وصحح الحديث الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهو ظاهر ما يذهب إليه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/ 108) حيث بوب عليه بقوله:
" في ثواب من ثابر اثني عشرة ركعة من التطوع " انتهى.
والنسائي في " السنن الكبرى " (1/ 458) حيث يقول:
" باب ثواب من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك " انتهى.
وإلى ظاهر اللفظ الثاني ذهب الشيخ ابن باز رحمه الله حيث يقول:
" وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من حافظ على ثنتي عشرة ركعة تطوعا في يومه وليلته بني له بهن بيت في الجنة " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (11/ 380).
ولعل هذا القول هو الأقرب: يعني: أن هذا الوعد خاص بمن واظب على ذلك؛ إعمالا للقيد الذي ورد في روايات صحيحة؛ فالمطلق يحمل على المقيد، وزيادة القيد هنا مقبولة، لا وجه إهمالها.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islamqa.com/ar/ref/142662
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/330)
ـ[محمد الطنطاوي]ــــــــ[29 - 10 - 09, 02:31 م]ـ
جَزاكَ اللهُ خيراً ...
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[29 - 10 - 09, 02:36 م]ـ
جزاك الله خير علي النقل(118/331)
الطريق إلى الإحسان إلى الوالدين
ـ[د. محمد بن عدنان السمان]ــــــــ[29 - 10 - 09, 03:40 م]ـ
يقول حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آياتمقرونات بثلاث، ولا تقبل واحدة بغير قرينتها ..
1 - وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ {التغابن:12}، فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
2 - وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ {البقرة:43}، فمن صلى ولم يزكِّ لم يقبل منه.
3 - أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ {لقمان:14}، فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
ولأجل ذلك تكررت الوصايا في كتاب الله تعالى والإلزام ببرهما والإحسان إليهما، والتحذير من عقوقهما أو الإساءة إليهما، بأي أسلوب كان، قال الله تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً {النساء:36}، وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً {العنكبوت:8}.
وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُأُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِيوَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان: 14}.
بل وقرن حقهما بحقه سبحانه فقال: فالله تعالى يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} الإسراء (24).
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهم) رواه الطبراني.
إذا كان ذلك كذلك فإن البر يارعاكم الله هو أساس التعامل مع الوالدين، وهو يتضمن أموراً، أولها الإحسان إلى الوالدين بالقول والفعل، ولهذا قال ربنا جل في علاه (وبالوالدين إحسانا)، وهما يستحقان هذا الإحسان فقد تفضلا عليك منذ ولادتك ورعاياك وقاما على شؤونك، ولهذا قال الإمام ابن كثير رحمه الله وهو يعلق على إحدى الآيات التي تحدثت عن الأم وماكان منها من تحمل مشقة الحمل والرضاعة، قال رحمه الله:
وإنما يذكر تعالى تربيةَ الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارًا، ليُذكّر الولد بإحسانها المتقدم إليه.
ثم إن من مظاهر البر، طاعة الوالدين واجتناب معصيتهما،والقاعدة في ذلك مشهورة معروفة في غير معصية الله، وأعجب كل العجب من أن بعض الأبناء هداهم الله وخاصة من هو في مقتبل سن الشباب لا يعطون هذا الأمر أهميته، ولا يلتفتون إلى أمر الوالدة والوالد، يا أيها الأبناء اعلموا أن البر دين وكما تبرون أبائكم سيبركم أبناؤكم.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإنك تعجب ولا ينقضي بك العجب من أولئك الذين أحزنوا وأبكوا أبائهم وأمهاتهم وانخرطوا في جماعات السوء جماعات التكفير والتفجير، وإذا كان هذا الشاب خرج لمثل هذا المقصد الذي لايصح شرعاً وعقلاً، فاسمعوا إلى توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لشاب خرج لمقصد شرعي، فقد أخرج الإمام أبو داود في سننه بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان فقال ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما.
ومما يتأكد في بر الوالدين أيضاً (خفض الجناح لهما) ولهذا قال الله تعالى [وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ] قال الإمام الطبري رحمه الله يقول تعالى ذكره: وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا.
إنه الأدب والعطف والتواضع والرحمة مع الوالدين.
ومن مظاهر البر العظيمة ما نبه عنه رب العزة والجلال بقوله {وقل: رب ارحمهما كما ربياني صغيرا} فهي الذكرى الحانية. ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الولدان، وهما اليوم في مثلها من الضعف والحاجة إلى الرعاية والحنان. وهو التوجه إلى الله أن يرحمهما فرحمة الله أوسع، ورعاية الله أشمل، وجناب الله أرحب. وهو أقدر على جزائهما بما بذلا من دمهما وقلبهما مما لا يقدر على جزائه الأبناء.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/332)
وإذا كان بر الوالدين في كل الأوقات مطلوباً فإن البر في حال الكبر مؤكد ومطلوب ولهذا جاء الأمر الرباني من رب العزة والجلال سبحانه (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمً).
إنه وتأكيد من رب العزة والجلال، إن هذا الضعف الذي يصيب الوالدين مع كبر السن، ينبغي على الولد أن يقف معهما ويجبر ضعفهما، قال الإمام القرطبي رحمه الله: خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر.
وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ويحصل الملل ويكثر الضجر فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر.
وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة، وهو السالم عن كل عيب فقال: " فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ".
وفي هذا المقام جميل أن أهمس همسة في أذن إخواني من الشباب والطلاب، أن ينتبهوا وينتبهوا لأمر هو بالأهمية بمكان، فالبعض منهم هداهم الله، يصف والديه أو أحدهما ويعيرهما بأن أفكارهما قديمة وسطحية ولا تتناسب مع هذا العصر، ويقصد بذلك مدح نفسه وأنه يستطيع أن يتعامل مع التقنيات الحديثة وما يتعلق بها، وبالتالي يسفه رأيهما ولا يعتد به، وهذا مع ما فيه من سوء الأدب، وضعف البر، مندرج تحت قلة العقل والبصيرة.
يا أيها الابن المبارك لامانع أن تأخذ بتقنيات العصر مالم تخالف مستنداً شرعياً أو نظامياً، لكن اجعل لوالديك مكانتهما ولا تسفه رأيهما، وإن سبقتهما بالعلم والتقنية فقد سبقاك بالحِمل والحَمل والتربية.
يا أيها الابن المبارك تلطف في حديثك مع والديك، لا ترفع صوتك عليهما، تأدب في ندائهما والمزاح معهما، علم أولاد أن يوقروهما ويحترموهما، افرح لفرحهما، وشاورهما، وراعى مشاعرهما، وتجنب مايغضبهما، قبل رأسهما، أشعرهما بمكانتهما الكبيرة عندك، احرص على إكثار الجلوس معهما فوالله لو فقدتهما أو أحداً لتتمنى لحظة أن تجلس معهما، وتأدب في جلوسك معهما، أصغ لهما إذا تحدثا، ولب طلبهما إذا أمرا.
ثم إن بر الوالدين لا ينقضي حتى مماتهما، وإنهما في هذه الحالة لهما أشد الحاجة إلى البر، في الحديث الصحيح أن رجلا قال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما.
نعم يتبقى لك من البر أيها الابن المبارك: الدعاء لوالديك وسؤال اللهَ لهما المغفرة والرحمة، ثم إن من البر متابعة عهدهما من بعدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحمالتي لا توصل إلا بهما، وهذا من الوفاء لهما بعد موتهما.
اللهم ارحم والدينا واغفر لهما، اللهم منهم حياً فأطل عمره على الطاعة واختم له الخاتمة الحسنة، ومن كان منهم ميتاً فوسع مدخله وأكرم نزله وأرفع درجته واجعله من ورثة الفردوس الأعلى.
كتبته يوم الخميس 11/ 11/1430هـ
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[29 - 10 - 09, 09:59 م]ـ
أحسنت وجزاك ربي خير الجزاء ...
ـ[د. محمد بن عدنان السمان]ــــــــ[31 - 10 - 09, 05:43 م]ـ
بارك الله فيك (أبو راكان الوضاح) وزاد الله الجميع علماً وعملاً
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[01 - 11 - 09, 07:27 ص]ـ
وهذا موضوع الشيخ سامى
مقترحات وأفكار في: " بر الوالدين".
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=159595
ـ[د. محمد بن عدنان السمان]ــــــــ[15 - 11 - 09, 06:33 م]ـ
أبو مالك المصري شكر الله اضافتك القيمة(118/333)
حين لا تستقيم الحكومات؛ تعوجّ الطوابير ..
ـ[همام الحارثي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 12:02 ص]ـ
حين لا تستقيم الحكومات؛ تعوجّ الطوابير ..
عبد الله بن عبد العزيز الهدلق
* نشرت هذه المقالة في مجلة (الإسلام اليوم) العدد [61] ذو القعدة 1430هـ.
قال مكسيم غوركي: "جئت إلى هذا العالم كي أختلف معه".
ولقائلٍ أن يقول: جئت إلى هذا العالم لأختلف مع مكسيم غوركي، جئت إلى هذا العالم كي أضيف إليه ..
تريد الحق بلا مواربة: ما أكرهه في هذه الحياة أكثر مما أحبه، لكن كره أشياء الحياة تختلف درجاته بتفاوت أثره السيئ على نفسي .. أنا أكره حارس مسجدنا البنغالي؛ لأنه كان يرش إطارات السيارة بالماء ثم ينصرف –رعاه الله- ليوهمني بأنه قام بتنظيفها.
مع أني أستحق شيئًا من هذا، لأني لم أعتبر- متى اعتبرنا ونحن كلما أنضجتنا الأيام فضحتنا التجربة! - بما قاله كثّ الشارب والعقل، هذا المحيّر البصير بالنفس الإنسانية والأعراق غوستاف لوبون: "ويتصف البنغالي بالقِصَر والهزال والاسمرار والتكرّش، ويهضم ما يلقَّنه، ويبدو البنغالي من الناحية الخلقية جبانًا نذلاً مرائيًا"!
لو رأيتم صاحبي لقلتم: إن لوبون قد أرخي له شيء من سُجُف الغيب فهو يصفه رأي العين، أَوَ ما كنتُ قلتُ في مقالة سابقة: كاد صاحب المعرفة أن يكون عرّافًا ..
(قال لوبون ذلك في كتابه "حضارات الهند"، وإذا أردت أن تعرف كيف تكتب الدراسات الحضارية فعليك بهذا الكتاب، مع كتابه الآخر "حضارة العرب"، على ما فيهما مما ليس يخفى، فقد كان لوبون سيئ القول في الأديان، وهذا من عجائب العقول التي لم تهتد بنور الوحي).
لكن كرهي لصاحبنا لا يداني كرهي الوقوف في الطابور، أنا ما كرهت من الحياة شيئًا ما كرهت الوقوف في هذه الطوابير: طابور الصباح، طابور الكشف الطبي، طابور استلام الرواتب، طابور المراجعات الحكومية، طابور التسوق، طابور فرانكو الخامس ...
ومع احترامي للغربي الذي قال: "إن طريقة الوقوف في الطابور هي خير دليل على درجة رقي مجتمع من المجتمعات"؛ فلن أقف منضبطًا في طابور إن وقفت، وليقل عني مقوّم الحضارات هذا ما يشاء.
ثم إن العرب كانت تعرف الصفّ لا الطابور، فمن أين جاءنا هذا الذّل حتى يقف الرجل ووجهه في مؤخرة من يتقدمه، ومؤخرته في وجه من يقف خلفه؟ هل يقابل الغربي عبادة الصف في المسجد عند المسلمين؛ بعبادة الطابور؟ (قال محمود السعدني: إذا كان في ملة الإسلام لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ففي ملة الإنجليز لا فضل لعربي على عجمي إلا بالدور!).
هل للأسبقية الحضارية واستعلاء التقدم أثر على الفرق بين ثقافة الصف وفلسفة الطابور؟
هل أنا مصاب -لا سمح الله- بداء التاريخ؟
ليتك تقلّب هذه الكلمة لنديم نجدي لتخرّج عليها ما أحسه من هذا الهبوط المفاجئ الذي يصيبني بالدوار الحضاري حين أقف في طابور: "للشرقيين غرور أسبقيتهم الحضارية في التاريخ، وللغربيين استعلاء تقدمهم الحضاري على التاريخ".
عندما زرتُ رومانيا – نسيت أن أخبرك بأني أكره كذلك من يتحدث عن أسفاره على أنها مظهر من مظاهر الثقافة –توقف بنا سائق الأجرة عند أحد المخابز، لم أكن رأيت عن قرب الأثر الذي تخلفه الشيوعية على هذه الشعوب البائسة؛ حتى رأيت أطول طابور معوجٍّ يقف عند أصغر نافذة مخبز ..
كانت رومانيا قد تحررت غير بعيد من أسر النظام الشيوعي، لكن الطبقة الكادحة "البروليتاريا" (هل كتبتها على الصحيح؟ كان لنا أخ في الله يسمي "البروتستانت": "البروستاتا"!
جعل كالْفِن ولوثر من أطباء المسالك البولية! ما علينا).
هذه الطبقة الكادحة هي التي تدفع من الثمن في مثل هذه التحولات الحادّة ضعف ما كانت تدفعه من قبل.
ذلك المنظر الغريب كان من بقايا عهد الشيوعية النّكد، فما أصدق ما قاله بعض الساخرين حين عرّف الشيوعية بأنها: "النظام الذي ينتج طوابير يتقدم فيها المرء في السن بعض الشيء قبل أن يحصل على حاجته"!
لكن إن تحرّينا الدّقة؛ في البلدان الشيوعية أو في غيرها: حين لا تستقيم الحكومات تعوجّ الطوابير، وحين تعوجّ الطوابير تنحني الجباه للحياة .. كرهت أن أنحني للحياة؛ فهل فهمت عني: لمَ لمْ أكره شيئًا من مكاره الحياة ما كرهت الوقوف في هذه الطوابير.
على أنه إن كان ولابد من انحناءة فانحناءة من قال:
معلّق أنا على مشانق الصباح
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/334)
وجبهتي بالموت محنيّه
لأنني لم أحنها حيّه ..
ارتعت من طول ذلك الطابور وأنا من قد عرفت كرهًا للطوابير، فسألت سائق الأجرة:
هل سنقف مع هؤلاء التعساء؟
فأجابني: يمكنك أن تدفع ثلاثة أضعاف قيمة الخبز فتحصل عليه دون الوقوف.
دفعت المبلغ مستبشرًا، وانصرفنا بخبزنا راشدين. كان ابن القيم قال: "ما ابيضّ رغيفهم حتى اسودّ فقيرهم".
كان سائق الأجرة على شيء من الودّ، فأخذت أثناء التفاوض للسماح لنا بالحصول على الخبز أتحدث معه حديثًا بالإشارة ما عدت أذكره، وإنما أذكر أنه أثناء حديثه أشار إلى إصبعين من أصابعه، ثم نفى أن يكون أحدهما يشبه الآخر؛ فذهلت .. هل يريد سائق الأجرة هذا الروماني الخارج لتوّه من سعير الشيوعية أن يقول لي أنا الوهابي القادم من صميم نجد: "أصابعك ما هيب سوا"؟!
ما أشد تبايننا واتفاقنا ..
أدركتُ فيما بعد بقدر من التأمل والقراءة في فلسفة الأمثال:
1 - أن ما يميز الثقافات بعضها عن بعض هو الاختلاف بينها، وأن هذا الجنس الأدبي "الأمثال" يعود فيَحطِم هذا المعنى؛ لأن ثمة تشابهًا مدهشًا بين أمثال الشعوب على الرغم من شدة التباين بين هذه الثقافات المنتجة .. (لا تنس الطرفة أيضًا، في التراث اليهودي شخصية ساخرة (هيرشل أوستروبولير) يروون عنها من الطرائف قريبًا مما نرويه عن جحا".
2 - أن هذا التشابه المحيّر أول وهلة إنما يرجع عند تحليله إلى عوامل عدة؛ من أهمها:
أ- التأثير الحضاري بسبب حركة التجارة وهجرة الشعوب. (يذكرني هذا العامل بما كانوا يقولونه لنا عن عوامل سقوط الدولة العثمانية في كتب التاريخ الهزيلة التي كنا ندرسها).
ب-التشابه في التجربة الإنسانية الذي يولّد المعاني نفسها حين تتماثل المؤثرات، ففي غينيا – بيساو وفي بلدتي شقراء؛ لا أحد يضحك من شدة الألم ..
يكثر جريان المثل في كل مجتمع على ألسنة العامة من الناس، وكلما ارتفعت الطبقة الاجتماعية ضعف دوران المثل في كلامها، لأن المثل موروث تقليدي تتناقله الثقافة الشفهية الشعبية، وليس تتأكد هوية النخبة إلا بالقدر الذي تبتعد فيه عن هوية العامة.
لأن الفقر تربة الرذيلة؛ ولأن الفقر يشوّه القيم في نفس الفقير، ويورثه ميزانًا غير صالح يزن به العادات والأخلاق؛ فإن الفقير يظن أن الأغنياء وأصحاب البيوتات لم يصبحوا كذلك إلا لقيم لا يملكها، فإذا انتقل إلى طبقة أعلى من طبقته؛ فإنه يحاول أن يقترب من أخلاق هذه الطبقة وعاداتها ..
ولأن أكثر الطبقة الوسطى في المجتمع السعودي قد طرأت عليها الثروة بسبب الطفرة العقارية وجنون الأسهم؛ فإنها تمزّقت هويتها بسبب هذا النمو المادي المباغت الذي لم يصحبه نموُُّ موازٍ لأخلاق وعادات اكتسبها أهل البيوتات العريقة اكتسابًا طبيعيًا على مر الزمن. (ذكر العلامة محمد كرد علي في بعض كتبه أنه رأى وزيرًا جاء من الطبقة الدنيا قد اتسخت أظافره).
لهذا التشوه الذي أصاب هذه الأنفس التي ما بارحت الفقر إلا البارحة؛ نجد أنها تدير في كلامها مفردات لا تستخدمها النخبة؛ لأنها لا تستطيع أن تستغني عنها سريعًا في خطابها، لكنها –لأنه أيسر عليها- تتكلّف نسيان المثل ومحوه من ذاكرتها حتى تلحق بالطبقة الأعلى، فلا يكاد المثل يجري على لسانها كما كانت تفعل من قبل.
قال الدكتور صلاح فضل في كتابه "شفرات النص" في نقد بعض الشعراء: "هو ذو بعد كوني أنطولوجي في مرحلته الأولى، وله طابع معرفي إبستمولوجي في الثانية، ويتمتع بأساس أكسيولوجي في الثالثة، وله سمة كوزمولوجية في الرابعة، وقوة ترنسندنتالية في الخامسة، وصفات فينومينولوجية في السادسة، وأيديلوجية في السابعة".
صدق من قال: حسبك من شرّ سماعه .. إن استطعت أن تعيد هذه الوصفة الطبية في نفَس واحد دون أن تصاب بحساسية في الجيوب الأنفية؛ فلك عندي عشر إبستمولوجيات من الذهب الخالص، مع علبة كوزمولوجي دهان موضعي عند اللزوم!
حسبكم الله ماذا فعلتم بعقولنا يا نقاد الجنون المعقول؟ زعمتْ أقلامكم أنها استيقظت: "من عادة النوم على الأمجاد"؛ ثم ماذا؟ وقفت ذليلة تتثاءب –بلباس النوم- على باب المنهج الغربي تتكفّفه نموذجه المعرفي ..
دع عنك البنيوية الجامدة والتفكيكية السيّالة، وخذ عن هذا النجدي الطيّب: لو سئلتُ عن أبرز سمة تسِم مُحْدَث النَّعْمة لقلت: إنها ابتداء غياب المثل عن حديثه، والحمد لله.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/335)
أُخبرك عن نفسي: سجادة مجلسي ليست بيضاء .. (كتب أحدهم: يميل أصحاب الدخل القليل إلى الألوان الداكنة لا عن مزاج سوداوي، لكن لأن الألوان الداكنة لا تتسخ سريعًا!).
ولا يلوح لي في الوقت الحاضر بوادر انتقال إلى الطبقة الفاتحة، لذا فإني مولع بالأمثال، قرأت من كتبها، واستظهرت قدرًا لا بأس به منها، لكني أجدني عاجزًا -ليست هذه أولى خيباتي- عن استدعاء المثل في أثناء الكلام، فلا أكاد أحسن التمثل بهذه الأمثال التي أحفظها، ثم إني أجد بعض من هو أقل مني موروثًا من الأمثال تجري الأمثال على لسانه بلا عسر.
لذا صرت أعتقد أن التمثّل بالمثل شيء آخر غير حفظه، فهؤلاء الذين نراهم يحسنون إيراد المثل في مواقعه من الكلام يملكون موهبة أخرى غير موهبة الحفظ، ولعل هذا هو السبب في أنك تجد كثيرًا من الأمثال التي يقولونها ليست مجهولة لديك، لكنك لا تحسن أن تستدعيها على البديهة في مواقع كلامك كما يفعلون.
ضمتني عدة مجالس مع الأستاذ عبد الكريم الجهيمان، وكنت أسمع فيما بعد إحدى قريباتي يجري المثل على لسانها بأيسر مما يجري على لسانه.
فالتمثّل بالمثل إذن موهبة ليست لكل أحد، ولا تقلّ في نظري عن موهبة حسن إيراد القصص عند بعض المتحدثين.
وإلى خاطرات أخرى نلتقط فيها معًا من صور الحياة ومعاني الأنفس ما عساه يثري ويمتع ويفيد، حفظك الله –أيديولوجيًا- من الطبقة الفاتحة أو الداكنة أيّاً كنت ..
الهوامش:
خالفت السائد –ليس كل ما خالف السائد بمسترذل- فلم أضع علامة الهامش في أصل المقالة؛ خوف أن تقطع على القارئ متعة الاسترسال، وها هي بعضها هنا على ترتيب ما ورد في المقالة:
1 - "كلما أنضجتنا الأيام فضحتنا التجربة" أظن أن للرباعي كلمة على هذا النحو: "كلما أنضجتنا الحكمة فضحتنا التجربة" فتصرفتُ فيها على ما تراه بما أراه أليق بها.
2 - كلمة نديم نجدي: "للشرقيين غرور أسبقيتهم .. " وردت في كتابه" أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر عند: إدوارد سعيد –حسن حنفي- عبد الله العروي" ص 17.
3 - أفدت "قليلاً" مما ذكرته عن فلسفة الأمثال من كتاب الباحثة الهولندية مينيكه شيبر: "إياك والزواج من كبيرة القدمين: النساء في أمثال الشعوب" صدر مترجمًا عن دار الشروق 2008م.
4 - عن الفكاهة عند اليهود: "الفكاهة اليهودية" لجوزف كلازمن، ترجمة محمد محمود، 1430هـ.
5 - نقلت نص صلاح فضل عن كتاب: "تساعية نقدية" لماهر فريد، ص (292). وهو تمثل بالقول: "حسبك من شرّ سماعه".
6 - الأستاذ عبد الكريم الجهيمان هو صاحب الكتاب المعروف: "الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية".
7 - وأخيرًا لا تظن بي الحقد على هذا البنغالي المسكين سامحه الله .. إنما أردت أن أتوصل به إلى ما قصدتُ من التطريق للمعرفة والكلام.(118/336)
البيع بالتقسيط ... ومساءل أخرى
ـ[أبو عبد الله محمد جمعة]ــــــــ[30 - 10 - 09, 02:56 ص]ـ
البيع بالتقسيط ... ومسائل أخرى
الحمد لله امثالا لأمره لا قياما بحق شكره، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه، وبعد
فقد قال لي صاحبي إن البيع بالتقسيط غير جائز شرعا لأن الزيادة في الثمن في مقابل الأجل مثل الزيادة في القرض مقابل الأجل؛ فلا فرق بين هذا البيع وبين الربا!
فقلت له يا سيدي إن العلماء اجتمعوا في مجمع الفقه وأقروا هذه المعاملة ونحن متبعون، فمن المعروف أن اتفاق العلماء وإجماعهم لا ينقض إلا بجمع أكبر منهم، وهاك القرار:
قرار مجمع الفقه الإسلامي:
بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط
وبعد استماعه للمناقشات التي دارت حوله
قرر:
1 - البيع بالتقسيط جائز شرعاً. ولو زاد فيه الثمن المؤجل على المعجل.
2 - الأوراق التجارية (الشيكات – السندات لأمر – سندات السحب) من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة.
3 - إن حسم (خصم) الأوراق التجارية غير جائز شرعاً، لأنه يؤول إلى ربا النسيئة المحرم.
4 - الحطيطة من الدين المؤجل، لأجل تعجيله، سواء أكانت بطلب الدائن أو المدين (ضع وتعجل) جائزة شرعاً لا تدخل في الربا المحرم إذا لم تكن بناء على اتفاق مسبق، وما دامت العلاقة بين الدائن والمدين ثنائية. فإذا دخل بينهما طرف ثالث لم تجز لأنها تأخذ عندئذ حكم حسم الأوراق التجارية.
5 - يجوز اتفاق المتداينين على حلول سائر الأقساط عند امتناع المدين عن وفاء أي قسط من الأقساط المستحقة عليه ما لم يكن معسراً.
6 - إذا اعتبر الدين حالاً لموت المدين أو إفلاسه أو مماطلته، فيجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل بالتراضي ويجب هذا الخط من الدين لتعجيله إذا كان قد زيد فيه لتأجيله.
7 - ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار: ألا يكون للمدين مال زائد عن حوائجه الأصلية يفي بدينه نقداً أو عيناً.
المصدر: مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة بجدة من 7 - 12ذو القعدة 1412هـ الموافق 9 - 14مايو 1992م قرار رقم 65/ 2/7 بشأن البيع بالتقسيط.
ثم قلت له إن المبادلة في البيع هي مبادلة سلعة بنقد، أما في القرض فهي نقد بنقد، والفرق أيضاً أن القرض تبادل متجانسين، والبيع تبادل مختلفين، والقرض عقد إرفاق، والبيع عقد معاوضة".وإن قالوا: الزيادة في البيع بالتقسيط لا يقابلها عوض نقول هذا القول غير صحيح؛ لأن رضاء البائع بتسليم السلعة إلى المشتري بثمن مؤجل كان بسبب انتفاعه بالزيادة في ثمن السلعة، و رضاء المشتري بدفع الزيادة بسبب المهلة، والعجز عن تسليم الثمن نقدًا. فالبائع والمشتري كلاهما منتفع بهذه المعاملة، فلا يصح القول بأن الزيادة في البيع بالتقسيط لا يقابلها عوض، ثم إن الناس في معاملاتهم يقع منهم المساومة في السعر لغير الأجل مثل البيع بالجملة والبيع بالتجزئة، يقع ذلك بتفاوت يصل إلى الضعف بغير نكير كأن يقال إن سعر الدستة أو الجملة بكذا وسعر الواحدة بكذا.
ثم إن الزيادة عن سعر السوق جائزة في الجملة بغير الأجل؛ إن خلت من الغش أو الغرر ...
كما هو مشاهد معروف .... فلأن تجوز مع الأجل من باب الأولى،
بل هذا أيضا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ودونك قصة عروة البارقي في ما رواه الإمام البخاري في "كتاب المناقب" من صحيحه عن عروة .. أن النبي (صلي الله عليه وسلم) "أعطاه دينارا ً يشتري له به شاة .. فاشتري له به شاتين .. فباع إحداهما بدينار .. فجاء بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه .. وكان لو اشتري التراب لربح فيه"
وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن عروة قال: عرض للنبي (صلي الله عليه وسلم) جلب .. فأعطاني دينارا ً .. وقال:
"أي عروة .. ائت الجلب فاشتر لنا شاة" .. فأتيت الجلب .. فساومت صاحبه .. فاشتريت منه شاتين بدينار .. فجئت أسوقهما أو قال: أقودهما فلقيني رجل فساومني .. فبعته شاة بدينار .. فجئت بالدينار وجئت بالشاة .. فقلت: يا رسول الله .. هذا ديناركم .. وهذه شاتكم.
قال: "وصنعت كيف"؟
قال: فحدثته الحديث.
فقال: "اللهم بارك له في صفقة يمينه".
فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة، فأربح أربعين ألفًا قبل أن أصل إلي أهلي ....
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/337)
فهذا حديث صحيح لا مطعن فيه فيه ربح بنسبة 100% في نفس اللحظة فكيف يمنع بيع تكون الزيادة فيه أقل من هذا بكثير مع الأجل الذي هو تيسير على المشتري وكذلك تعطيل لرأس مال البائع؟؟؟
هذا وقد قرأت كلاما -في عدم تحديد الربح أصلا لا حلا ولا مؤجلا- للشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث يقول " الربح الذي يكتسبه البائع ليس محددا ً شرعا ً لا في كتاب الله .. ولا في سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. ولا في إجماع أهل العلم .. ولا علمنا أن أحدا ً حدده .. غاية ما في ذلك أن بعضا ً من أهل العلم لما ذكروا خيار الغبن قالوا إن مثله أن يغبن بعشرين في المائة أي بالخمس ولكن مع هذا ففي النفس منه شيء فإن التحديد بالخمس ليس عليه دليلٌ أيضا ًً .. فعلى كل حال فإننا نقول إنه لا حد للربح لعموم قوله تعالى" وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ " وعموم قوله تعالى"إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ "
فمتى رضي المشتري بالثمن واشترى به فهو جائز ولو كان ربح البائع فيه كثيرا ً .. اللهم إلا أن يكون المشتري ممن لا يعرفون الأسعار غريرٌ بالقيم والأثمان فلا يجوز للبائع أن يخدعه ويبيع عليه بأكثر من ثمن السوق كما يفعله بعض الناس الذي لا يخافون الله ولا يرحمون الخلق إذا اشترى منهم الصغير والمرأة والجاهل بالأسعار باعوا عليه بأثمان باهظة وإذا اشترى منهم من يعرف الأسعار وهو عالمٌ يعرف كيف يشتري باعوا عليه بثمن أقل بكثير إذن نقول في الجواب إن الربح غير محدد شرعا ً فيجوز للبائع أن يربح ما شاء لعموم الآيتين الكريمتين" وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ " "إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ "
ولأن الزيادة والنقص خاضعان للعرض والطلب قد يكون الطلب شديدا ً على هذه السلعة فترتفع أقيامها وقد يكون ضعيفاً فتنخفض ومن المعلوم أنه قد يشتري الإنسان الشيء بمائة ثم تزيد الأسعار فجأة فيبيعها في اليوم الثاني أو بعد مدةٍ طويلة بمائتين أو بثلاثمائة أو أكثر .. نعم من احتكر شيئاً معيناً من المال وصار لا يبيعه إلا بما يشتهي فإن لولي الأمر أن يتدخل في أمره وأن يجبره على بيعه بما لا يضره ولا يضر الناس سواءٌ كان هذا المحتكر واحدٌ من الناس أو جماعةٌ لا يتعامل بهذا الشيء إلا هم فيحتكرونه فإن الواجب على ولي الأمر في مثل هذه الحال أن يجبرهم على البيع بربحٍ لا يضرهم ولا يضر غيرهم.
أما إذا كنت المسألة مطلقة والشيء موجودٌ في كل مكان لا يحتكره أحد فإنه لا بأس أن يأخذ ما شاء من الربح إلا إذا كان يربح على إنسانٍ جاهل غرير لا يعرف فهذا حرامٌ عليه أن يربح عليه أكثر مما يربح الناس في هذه السلعة "أ0هـ
فقال لي صاحبي إن الذي يبيع بالتقسيط يستغل حاجة الفقير فيغلي عليه الثمن.
فقلت الواقع يشهد أن المشتري قد يشتري السلعة من السوق حلا بأعلى من سعر البيع المؤجل الذي غالبا ما يتفق فيه على زيادة الثلث عن الثمن الحال.
هذا من جهة ثم ضربت له مثالا من الوقع قلت له رجل يريد أن يشتري جهاز ابنته ليزفها إلى زوجها،
وهو كل ما يملك جاموسة ثمنها حوالي 10000 عشرة آلاف وهو بين أمرين إما أن يبيع الجاموسة فيجهز ابنته بثمنها لكنه في هذه الحال سيبقى فقيرا لا مال له ولا دخل يقتات منه وإما أن يبقي الجاموسة تدر عليه حوالي مائتي جنيه في الأسبوع يدفع نصفهم أقساطا ويدبر حاله بالنصف الآخر وبعد سداد المبلغ وليكن مثلا 12000 في سنتين أو ثلاثة سيكون قد جهز ابنته وبقي معه ما يقتات منه ....
لكن ما أزعجني في كلام صاحبي ولم أحسن أن أجيبه عليه هو كلامه عن توثيق الدين وذكر أن التاجر يلزم المشتري بالتوقيع على إيصال على بياض أنه قد تسلم مبلغا ...... لتسليمه إلى ......... وإن تعثر المشتري فإن البائع يملأ الفراغ بما يشتهي ويخاصمه لدى المحاكم فيحاكمه محاكمة المفرط في الأمانة ...
فقلت ألا توجد طريقة أخرى لكتابة الدين غير هذا؟؟ فقال بلى ولكنها غير كثيرة الجدوى لأن أمور التقاضي تأخذ وقتا طويلا وإن دون المبلغ بإيصال يفيد المبلغ بالتحديد وأنه على سبيل الدين فإن كثيرا من المشترين يماطل حتى آخر الحكم ثم هو غير ملزم بأكثر مما دون في وثيقة الدين ويكون التاجر قد أنفق ربما قريبا من الدين حتى يحصل عليه فهم يفضلون تلك الطريقة ليجبروا الناس على التزام الدفع وعدم المماطلة.
فقلت هذا ما يحيرني ولا أستطيع جوابا عنه .... لكني سأسأل أهل العلم لنستفيد، فهل من مجيب سديد يوصي بالمنع أو التأييد؟؟
ـ[أبو عبد الله محمد جمعة]ــــــــ[31 - 10 - 09, 01:46 م]ـ
لكن ما أزعجني في كلام صاحبي ولم أحسن أن أجيبه عليه هو كلامه عن توثيق الدين وذكر أن التاجر يلزم المشتري بالتوقيع على إيصال على بياض أنه قد تسلم مبلغا ...... لتسليمه إلى ......... وإن تعثر المشتري فإن البائع يملأ الفراغ بما يشتهي ويخاصمه لدى المحاكم فيحاكمه محاكمة المفرط في الأمانة ...
فقلت ألا توجد طريقة أخرى لكتابة الدين غير هذا؟؟ فقال بلى ولكنها غير كثيرة الجدوى لأن أمور التقاضي تأخذ وقتا طويلا وإن دون المبلغ بإيصال يفيد المبلغ بالتحديد وأنه على سبيل الدين فإن كثيرا من المشترين يماطل حتى آخر الحكم ثم هو غير ملزم بأكثر مما دون في وثيقة الدين ويكون التاجر قد أنفق ربما قريبا من الدين حتى يحصل عليه فهم يفضلون تلك الطريقة ليجبروا الناس على التزام الدفع وعدم المماطلة.
فقلت هذا ما يحيرني ولا أستطيع جوابا عنه .... لكني سأسأل أهل العلم لنستفيد، فهل من مجيب سديد يوصي بالمنع أو التأييد؟؟
ألا يوجد من يجيب عن هذا التساؤل سواء بالمنع أو التجويز؟؟؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/338)
ـ[أبو عبد الله محمد جمعة]ــــــــ[03 - 11 - 09, 12:34 ص]ـ
سبحان الله لا توجد مشاركة واحدة!!!! ...
وَإِنّي وَتَأميلي لِقاءَ مُؤَمَّلٍ = وَقَد شَعَبَتهُ عَن لِقاي شَعوبُ
كَداعي هُذَيلٍ لا يَزالُ مُكَلَّفاً = وَلَيسَ لَهُ حَتّى المَماتِ مُجيبُ
ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[03 - 11 - 09, 08:34 م]ـ
جزاك الله خير أخي الكريم مناقشة جميلة ... نفع الله بك ..
بالنسبة لبيع التقسيط فقد أجدت يا أخي
(بالنسبة للغبن) من يقول لا بد أن يبيع الرجل بسعر السوق، كيف يجاب على الحديث المذكور أعلاه وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي اشترى شاتين بدينار، ثم باع واحدة بدينار؟
فهل يقال أن بيع المساومة يختلف عن البيع المباشر؟ بدليل قول الصحابي (فساومت صاحبه .. فاشتريت منه شاتين بدينار .. فجئت أسوقهما أو قال: أقودهما فلقيني رجل فساومني .. فبعته شاة بدينار)
فهل يقال إذا كانت المسألة مساومة فلا غبن؟ وإذا كانت بيع بدون مساومة فهذا هو الذي يدخله الغبن؟ (مدارسة)(118/339)
ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امريء مسلم شرّا، وأنت تجد لها في الخير محملا
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[30 - 10 - 09, 06:43 ص]ـ
عن سعيد بن المسيّب - رحمه اللّه - قال:
كتب إلىّ بعض إخواني من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك مايغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امريء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرّض نفسه للتّهم فلا يلومنّ إلّا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى اللّه تعالى فيك بمثل أن تطيع اللّه تعالى فيه ...
شعب الإيمان، للبيهقي (2/ 103).
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[30 - 10 - 09, 12:59 م]ـ
حبيبنا الغالي الأخ جهاد ..
ما أحوجنا إلى هذه الكلمات والله المستعان ..
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:58 م]ـ
تتناسب مع توقيعك اخ جهاد بوركت.
ـ[معاذ جمال]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:42 م]ـ
جدير بأرباب التجريح من أجل التجريح و المناوئين لهم من أصحاب التجريح (زعموا) لهدم التجريح؛ أن يقرؤوا بتمعن و يفهموا بتبصر و يعملوا باتباع لما جاء في الأثر المبارك و الذي دلت على مضمونه عمومات أخرى من الكتاب و السنة.
وفقك الله اخي
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[31 - 10 - 09, 04:09 م]ـ
الإخوة الأفاضل /
أباراكان الوضاح
ابا حمدان
معاذ جمال
بارك الله فيكم ونفع بكم ..
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 04:45 م]ـ
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(ومن أعظم التقصير: نسبة الغلط إلى متكلم مع إمكان تصحيح كلامه، وجريانه على أحسن أساليب كلام الناس) الفتاوى جزء 31 ص 114
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:16 م]ـ
حبيبنا الغالي الأخ جهاد ..
يعلم الله أثر وقع هذه الكلمات، على نفسي!
كيف لا! وهي من أخ – والله - له مودة، سكنت سواء الصدر، وحلت سواد القلب.
أسأل الله أن يجمعني وإياه، في الدنيا، عاجلاً غير آجل، وفي الآخرة في الفردوس الأعلى من الجنة.
الأخ الكريم / أبا مالك
اتحافة طيبة، بارك الله فيك.
ـ[أبو معاوية البيروتي]ــــــــ[04 - 11 - 09, 09:44 م]ـ
- رحمه اللّه - قال:
كتب إلىّ ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من امريء مسلم شرّا وأنت تجد لها في الخير محملا، / COLOR]
[COLOR=Purple] شعب الإيمان، للبيهقي (2/ 103).
روي هذا الأثر عن سيدنا عمر رضي الله عنه:
أخرجه المحاملي في (الأمالي / رقم 460)، وابن عدي في (الكامل 8/ 479 / ترجمة يعقوب بن إسحاق الأنصاري)، والبيهقي في (شعب الإيمان 6/ 323 - 324)، وابن حبان في (روضة العقلاء / ص 90).
وعزاه السيوطي في (الدر المنثور 6/ 99) لأحمد في الزهد.
=============
نقلت التخريج من ورقة أرسلها إلي أخي أبو السنابل رامي سوبرة يذكر فيها بعض طرق هذا الأثر.
ـ[المسيطير]ــــــــ[04 - 11 - 09, 09:55 م]ـ
الأخ الكريم ابن الكرام / جهاد حلس
جزاك الله خير الجزاء، وأجزله، وأتمه، وأوفاه ... وأسأل الله أن يسعدك ومن تحب في الدارين.
لفتة مباركة طيبة ... تنم عن خلق حسن، وأدب جم.
ـ[احمد ابو انس]ــــــــ[05 - 11 - 09, 12:11 م]ـ
عن عمر أنه وضع للناس ثمانية عشر كلمة حكما كلها منها ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيك منه ما يغنيك ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير موضعا ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن واستشر في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون الراوي: سعيد بن المسيب المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - الصفحة أو الرقم:
خلاصة الدرجة: [فيه] يعقوب بن إسحاق أبو عمارة لا يتابع عليه 8/ 479
2 - إن عمر وضع للناس ثمانية عشر كلمة حكما كلها، منها: ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يحبك منه ما يغنيك، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير موضعا، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن من أساء به الظن، واستشر في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون. وذكر الحديث
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: ابن القيسراني - المصدر: ذخيرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم:
خلاصة الدرجة: [فيه] يعقوب بن إسحاق لا يتابع على روايته
الدرر السنية
2/ 932
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[09 - 11 - 09, 04:08 م]ـ
الإخوة الكرام/
أبا معاوية البيروتي
المسيطير
احمد ابا انس
جزاكم الله كل خير ..
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[20 - 11 - 09, 03:27 م]ـ
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
وليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عُرف أنه أراده،
لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد).
"الفتاوى" (7/ 36).
قلت سبحان الله!، كلام يخط بماء الذهب.
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[18 - 12 - 09, 11:08 ص]ـ
وقال رحمه الله:
ومعلوم أن مُفَسَّر كلام المتكلم يقضي على مجمله، وصريحه يُقدم على كنايته،
ومتى صدر لفظ صريح في معنى، ولفظ مجمل نقيض ذلك المعنى، أو غير نقيضه؛
لم يُحمل على نقيضه جزماً، حتى يترتب عليه الكفر؛ إلا مِنْ فَرْطِ الجهل والظلم
الرد على البكري (2/ 623).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/340)
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[31 - 12 - 09, 11:20 ص]ـ
قال جعفر بن محمد رحمه الله:
إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره فالتمس له عذرا واحدا إلى سبعين عذرا،
فإن أصبته، وإلا، قل لعل له عذرا لا أعرفه.
شعب الإيمان، البيهقي (6/ 323)
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[04 - 04 - 10, 07:05 ص]ـ
قال ميمون بن مهران –رحمه الله-:
ما بلغني عن أخٍ لي مكروهٌ - قطُّ - إلا كان إسقاطُ المكروه عنه أحبَّ إلي من تحقيقه عليه،
فإن قال: «لم أقل»؛ كان قوله: «لم أقل» أحبَّ إلي من ثمانية يشهدون عليه!
«تاريخ الرَّقَّة» (ص 25)
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[14 - 04 - 10, 11:14 م]ـ
قال بكر بن عبد الله المزني –رحمه الله-:
(احملوا إخوانكم على ما كان فيهم كما تحبوا أن يحملوكم على ما كان فيكم فليس كل من رأيت منه سقطة أو زلة وقع من عينيك
فأنت أولى من يرى ذاك منه فإن كان فيك صلاة فلا تعجبن بها فلعل صاحب المعصفرة والشعر السكني ينال من النبيذ أحيانا أوفى للعهد منك وإن كان فيك وفاء للعهد فلا تعجبن به فلعل الذي تمقته في بعض حالاته أوصل للرحم منك وإن كان فيك صلة للرحم فلا تعجبن بها فلعل الذي تمقته في بعض حالاته أكثر صوما منك وإذا رأيت من هو أكبر سنا منك فقل هذا خير مني صام وصلى وعبد الله قبلي وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل هو خير مني أحدث مني سنا وأقل ذنوبا وإذا رأيت من هو أقل منك مالا فقل هذا خير مني زويت عنه الدنيا خيارا أوبطرا وأعطيتها لسقائي إلا أن يرحمني ربي وإذا رأيت الناس أكرموك ورأوا لك حقا فقل هذا الفضل منهم على وإذا رأيتهم استخفوا بك فقل هذا بخطيئتي وذنبي واتخذ أكبر المسلمين لك أبا وأوسطهم لك أخا وأصغرهم لك ابنا أيسرك أن تضرب الطفل الصغير أو تظلم الشيخ الكبير ولتشغلك ذنوبك عن ذنوب العباد وتذاب أيام الحياة في التوبة والإستغفار وليسعك ما أنعم الله به عليك عما أنعم الله به على العباد وتذوب أيام الحياة في الشكر ولا تنظروا في ذنوب الناس كالأرباب وانظروا في ذنوبكم كالعبيد ولا تعاهدوا لقذاة في عين أخيك وتدع الجذع معترضا في عينك فو الله ما عدلت
التوبيخ والتنبيه (ص 53)
ـ[أبو أسامة الشمري]ــــــــ[14 - 04 - 10, 11:57 م]ـ
جزاكم الله خيرا
قال ميمون بن مهران –رحمه الله-:
ما بلغني عن أخٍ لي مكروهٌ - قطُّ - إلا كان إسقاطُ المكروه عنه أحبَّ إلي من تحقيقه عليه،
فإن قال: «لم أقل»؛ كان قوله: «لم أقل» أحبَّ إلي من ثمانية يشهدون عليه!
«تاريخ الرَّقَّة» (ص 25)
سبحان الله، والله أكبر .. أين نحن من هؤلاء؟!
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[15 - 04 - 10, 05:56 م]ـ
وخيراً جزيت أخي الفاضل
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[23 - 04 - 10, 07:05 ص]ـ
قَالَ عَلَّامَةُ القَصِيْمِ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَاصِرٍ بْنِ سِّعْدِيِّ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ـ في كِتَابِهِ النَّفِيسِ (الرِّياض النَّاضِرة والحدائق النيرة الزَّهرة في العقائد والفنون المتنوّعة) (ص 105 ـ 106):
«ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد،إشاعة عثراتهم،والقدح فيهم (و) في غلطاتهم. وأقبح من هذا وأقبح: إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك.
وربما يكون ـ وهو الواقع كثيرًا ـ أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ،ولهم اجتهادهم فيه.
معذورون، والقادح فيهم غير معذور.
وبهذا وأشباهه يظهر لك الفرق بين أهل العلم النَّاصحين،والمنتسبين للعلم من أهل البغي والحسد والمعتدين.
فإن أهل العلم الحقيقي قصدهم التّعاون على البر والتّقوى؛ والسّعي في إعانة بعضهم بعضًا في كل ما عاد إلى هذا الأمر،وستر عورات المسلمين، وعدم إشاعة غلطاتهم،والحرص على تنبيههم،بكل ما يمكن من الوسائل النَّافعة،والذّب عن أعراض أهل العلم والدِّين.
ولا ريب أن هذا من أفضل القربات.
ثم لو فرض أن ما أخطأوا فيه أو عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر، لم يكن من الحق والإنصاف أن تهدر المحسان، وتمحي حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير،كما هو دأب أهل البغي والعدوان، فإن هذا ضرره كبير، وفساده مستطير.
أي عالم لم يخطئ؟ وأي حكيم لم يعثر؟»
من مشاركة للأخ / سلمان أبو زيد، في المجلس العلمي
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[05 - 05 - 10, 06:10 ص]ـ
قال ابن القيم رحمه الله:
والكلمة الواحدة يقولها اثنان يريد بها أحدهما أعظم الباطل، ويريد بها الآخر محض الحق، والاعتبار بطريقة القائل وسيرته ومذهبه، وما يدعو إليه ويناظر عنه
[مدارج السالكين3/ 521]
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[29 - 05 - 10, 09:39 م]ـ
أوصى يحيى بن خالد ابنه جعفرًا فقال:
لا ترد على أحد جوابًا حتى تفهم كلامه، فإن ذلك يصرفك عن جواب كلامه إلى غيره ويؤكد الجهل عليك، ولكن افهم عنه، فإذا فهمته فأجبه، ولا تعجل بالجواب قبل الاستفهام ولا تستحي أن تستفهم إذا لم تفهم، فإن الجواب قبل الفهم حمق، وإذا جهلت فاسأل فيبدو لك واستفهامك أجمل بك وخير من السكوت على العي.
جامع بيان العلم وفضله (1/ 474)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/341)
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[08 - 07 - 10, 08:54 م]ـ
قال الغزالي-رحمه الله-:
وحسن الخلق مع الناس: ألا تحمل الناس على مراد نفسك، بل تحمل نفسك على مرادهم ما لم يخالفوا الشرع.
رسالة أيها الولد (ص131)
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[25 - 07 - 10, 04:43 ص]ـ
والله اخ جهاد كلمات رائعات جعلها الله في ميزان حسناتك.
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[04 - 08 - 10, 01:44 م]ـ
آمين، بوركت أخي الفاضل
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[23 - 08 - 10, 09:33 م]ـ
قال القلاعي –رحمه الله-:
فقد يوحش اللفظ وكله ود، ويُكره الشيء وليس من فعله بد، هذه العرب تقول: لا أبا لك في الأمر إذا همّ، وقاتله الله، ولا يريدون الذم، وويل أمِّه للأمر إذا تم، ومن الدعاء: تربت يمينك، ولذوي الألباب أن ينظروا في القول إلى قائله، فإن كان وليًا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حَسُن
تنوير الحوالك (1/ 55)
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[01 - 10 - 10, 06:40 م]ـ
قال حمدون القصار -رحمه الله-:
إذا زل أخ من إخوانكم فاطلبوا له سبعين عذرا، فإن لم تقبله قلوبكم فاعلموا أن المعيب أنفسكم؛
حيث ظهر لمسلم سبعين عذرا فلم تقبله.
آداب الصحبة (ص 45)
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[04 - 11 - 10, 12:18 م]ـ
قال عباد بن عباد الخواص الشامي -رحمه الله-:
فليكن أمركم فيما تنكرون على إخوانكم نظرا منكم لأنفسكم، ونصيحة منكم لربكم، وشفقة منكم على إخوانكم، وأن تكونوا مع ذلك بعيوب أنفسكم أعنى منكم بعيوب غيركم،
وأن يستطعم بعضكم بعضا النصيحة، وأن يحظى عندكم من بذلها لكم وقبلها منكم، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رحم الله من أهدى إلي عيوبي).
تحبون أن تقولوا فَيُحْتَمَلَ لكم، وإن قيل لكم مثل الذي قلتم غضبتم.
تجدون على الناس فيما تنكرون من أمورهم، وتأتون مثل ذلك فلا تحبون أن يؤخذ عليكم.
مسند الدارمي (1/ 167)
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[20 - 11 - 10, 06:54 م]ـ
قال الرّبيعِ بنِ صَبِيحٍ -رحمه الله-:
قُلتُ للحسنِ: إنَّ -ها هُنا- قوماً يتتَبَّعُونَ السَّقَطَ مِن كلامِك؛ لِيجِدُوا إلى الوَقيعةِ فيكَ سَبيلاً!
قال: لا يَكبُرُ ذلك عليك! فقد أطْمَعْتُ نَفسي في خُلودِ الجِنان، فطمِعَت .. وأَطْمَعْتُها في جِوارِ الرَّحمنِ، فطَمِعَت .. وأطمَعْتُها في السَّلامةِ مِن النَّاسِ، فلَم أجِد إلى ذلك سبيلاً؛
لأنِّي رأيتُ النَّاسَ لا يرضُونَ عن خالِقِهِم، فعلِمْتُ أنَّهُم لا يَرضُونَ عن مَخلوقٍ مِثلِهم
حلية الأولياء (6/ 305)، تبيين كذب المفتري (ص 422)(118/342)
مقدار نصاب زكاة النقدين الفضة والذهب وما يقوم مقامهما من ريال السعودي
ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[30 - 10 - 09, 08:23 ص]ـ
مقدار نصاب زكاة النقدين الفضة والذهب وما يقوم مقامهما من ريال السعودي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد
فهذا تلخيص لمسألة تحديد مقدار نصاب الزكاة من النقدين: الفضة والذهب وما يقوم مقامهما من ريال السعودي لاشك أن العلة في النقدين الثمنية لأنهما أثمان المبيعات وقيم المتلفات والقياس إنما هو على العلة لا على الأسماء.
قال مالك: " لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة ". المدونة الكبرى لمالك 8/ 396
مقدار نصاب الفضة وما يقوم مقامها من ريال السعودي
نصاب الفضة مائتا درهم بإجماع الأمة وهي خمسة أواق والأوقية الواحدة أربعون درهماً ووزن مائتي درهم (595) غراماً وسعر كيل الفضة 2178 ريال للكيل الواحد وهذا بتاريخ 10/ 11 / 1430 هـ وبذلك يصبح مقدار النصاب بريال السعودي (1295)، 91 هللة وذلك في هذا التاريخ الذي أعلاه لأن قيمة الفضة تتغير بتغير السوق. وإليك بعض الأدلة وأقوال بعض العلماء:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ".
أخرجه البخاري رقم (1378) 2/ 524، ورقم (1340) 2/ 509، ومسلم رقم (979) 2/ 673.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: " أجمع جميع العلماء على أنه مائتا درهم شرعي ووزن الدرهم الشرعي ستة دوانق وكل عشرة دراهم شرعية فهي سبعة مثاقيل والأوقية أربعون درهماً شرعياً وكل هذا أجمع عليه المسلمون .. وقد أجمع جميع المسلمين وجمهور أهل اللسان العربي على أن الأوقية أربعون درهماً وما ذكره أبو عبيد وغيره من أن الدرهم كان مجهولاً قدره حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل لا يخفى سقوطه وأنه لا يمكن أن يكون نصاب الزكاة وقطع السرقة مجهولاً في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم حتى يحققه عبد الملك والظاهر أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة الوزن بالنسبة إلى العدد فعشرة مثلاً وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية ويصيرونها وزناً واحداً .. وقال بعض العلماء يغتفر في نصاب الفضة النقص اليسير الذي تروج معه الدراهم رواج الكاملة وظاهر النصوص أنه لا زكاة إلا في نصاب كامل لأن الناقص ولو بقليل يصدق عليه أنه دون خمس أواق والنَّبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن ما دونها ليس فيه صدقة فإذا حققت النص والإجماع على أن نصاب الفضة مائتا درهم شرعي وهي وزن مائة وأربعين مثقالاً من الفضة الخالصة فاعلم أن القدر الواجب إخراجه منها ربع العشر بإجماع المسلمين ".
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن 2/ 118.
مقدار نصاب الذهب
نصاب الذهب عشرون ديناراً عند جماهير العلماء ووزنها خمسة وثمانون غراماً
(85) غرام وسعرها في هذا اليوم بتاريخ 10/ 11 / 1430 هـ للذهب الخالص 126 للغرام الواحد فيصبح قيمة نصاب الذهب (10710) عشرة آلاف وسبعمائة وعشرة ريال سعودي وقمة الذهب المخلوط 113 ريال للغرام الواحد، والمعتبر في النصاب هو الذهب الخالص لأن الذهب المخلوط ينقص عن الذي حدده الشارع، وإليك بعض الأدلة وأقوال بعض العلماء:
عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون ديناراً فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك قال فلا أدري أعلي يقول فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول إلا أن جريرا قال بن وهب يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ". أخرجه أبو داود رقم (1573) 2/ 100، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (1573) 2/ 100.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: جماهير علماء المسلمين على أن نصابه عشرون ديناراً والدينار هو المثقال فلا عبرة بقول من شذ وخالف جماهير علماء المسلمين كما روي عن الحسن في أحد قوليه أن نصاب الذهب أربعون ديناراً وكقول طاوس أن نصاب الذهب معتبر بالتقويم بالفضة فما بلغ منه قيمة مائتي درهم وجبت فيه الزكاة ". أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن 2/ 120.
ـ[أبو اليقظان العربي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 10:33 م]ـ
اتماما لفائدة القارئ غير المتخصص ممن يدخل الملتقى
فما نصاب زكاة المال بالريال السعودي اذا حال عليه الحول؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/343)
ـ[أبو فرحان]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:34 م]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=148464
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:00 ص]ـ
مقدار نصاب الذهب
نصاب الذهب عشرون ديناراً عند جماهير العلماء ووزنها خمسة وثمانون غراماً
(85) غرام وسعرها في هذا اليوم بتاريخ 10/ 11 / 1430 هـ للذهب الخالص 126 للغرام الواحد فيصبح قيمة نصاب الذهب (10710) عشرة آلاف وسبعمائة وعشرة ريال سعودي وقمة الذهب المخلوط 113 ريال للغرام الواحد، والمعتبر في النصاب هو الذهب الخالص لأن الذهب المخلوط ينقص عن الذي حدده الشارع.
ما الدليل على أن نصاب الزكاة يحسب بالذهب الخالص؟
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما حدد القدر الذي تجب فيه الزكاة،
إنما حدده بالدنانير والدراهم المتداولة في عهده،
وهذه لم تكن ذهبًا خالصًا،
وإنما كان يضاف إليها من النحاس مايقويها؟
ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:53 م]ـ
قولك: ما الدليل على أن نصاب الزكاة يحسب بالذهب الخالص؟
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما حدد القدر الذي تجب فيه الزكاة،
إنما حدده بالدنانير والدراهم المتداولة في عهده،
وهذه لم تكن ذهبًا خالصًا،
وإنما كان يضاف إليها من النحاس مايقويها؟
إليك الدليل الواضح الجلي الرسول صلى الله عليه وسلم حدد الذهب بعشرين دينارا وحدد الفضة بمائتي درهم فلا تجب الزكاة فيهما إلا إذا اكتمل النصاب ولا يكتمل النصاب إلا إذا كان خالصاً من أي مخلوط آخر من نحاس أو حديد أو غيرهما، توضيح ذلك مثلاً عشرون دينارا من الذهب المخلوط كم نسبة الذهب فيها 90 في المائة هل النصاب هنا مكتملاً؟ ليس مكتملاً، وكذلك الشأن في الفضة، وإليك النصوص المصرحة بذلك: فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون ديناراً فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك قال فلا أدري أعلي يقول فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول إلا أن جريرا قال بن وهب يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ". أخرجه أبو داود رقم (1573) 2/ 100، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (1573) 2/ 100
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ".
أخرجه البخاري رقم (1378) 2/ 524، ورقم (1340) 2/ 509، ومسلم رقم (979) 2/ 673.
وقال بعض العلماء يغتفر في نصاب الفضة النقص اليسير الذي تروج معه الدراهم رواج الكاملة وظاهر النصوص أنه لا زكاة إلا في نصاب كامل لأن الناقص ولو بقليل يصدق عليه أنه دون خمس أواق والنَّبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن ما دونها ليس فيه صدقة، وكذلك في الذهب حدده بعشرين ديناراً.
ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 01:00 م]ـ
الأخ أبو اليقظان سؤالك عن مقدار الزكاة بريال السعودي
نصاب الفضة مائتا درهم بإجماع الأمة وهي خمسة أواق والأوقية الواحدة أربعون درهماً ووزن مائتي درهم (595) غراماً وسعر كيل الفضة 2178 ريال للكيل الواحد وهذا بتاريخ 10/ 11 / 1430 هـ وبذلك يصبح مقدار النصاب بريال السعودي (1295)، 91 هللة وذلك في هذا التاريخ الذي أعلاه لأن قيمة الفضة تتغير بتغير السوق.
ومن الذهب عشرون ديناراً عند جماهير العلماء ووزنها خمسة وثمانون غراماً.
(85) غرام وسعرها في هذا اليوم بتاريخ 10/ 11 / 1430 هـ للذهب الخالص 126 للغرام الواحد فيصبح قيمة نصاب الذهب (10710) عشرة آلاف وسبعمائة وعشرة ريال سعودي وقمة الذهب المخلوط 113 ريال للغرام الواحد، والمعتبر في النصاب هو الذهب الخالص لأن الذهب المخلوط ينقص عن الذي حدده الشارع.
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[02 - 11 - 09, 02:43 ص]ـ
ما الدليل على أن نصاب الزكاة يحسب بالذهب الخالص؟
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما حدد القدر الذي تجب فيه الزكاة،
إنما حدده بالدنانير والدراهم المتداولة في عهده،
وهذه لم تكن ذهبًا خالصًا،
وإنما كان يضاف إليها من النحاس مايقويها؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، في كتابه الشرح الممتع على زاد المستقنع:
والدينار الإسلامي زنته: مثقال،
والمثقال: أربعة جرامات وربع،
وكل عشرة دراهم إسلامية سبعة مثاقيل،
وعلى هذا تكون مائتا درهم، تساوي مائة وأربعين مثقالاً.
وقد حررت نصاب الذهب، فبلغ خمسة وثمانين جرامًا من الذهب الخالص،
فإن كان فيه خلط يسير، فهو تبع لا يضر؛
لأن الذهب لا بد أن يجعل معه شيء من المعادن، لأجل أن يقويه ويصلبه، وإلا لكان ليناً.
وهذه الإضافة يقول العلماء: إنها يسيرة تابعة، فهي كالملح في الطعام لا تضر.
انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
الشرح الممتع على زاد المستقنع 6/ 98.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/344)
ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[02 - 11 - 09, 06:04 ص]ـ
الواجب الوقوف عند ما حدده المشرع، والمشرع صلى الله عليه وسلم حدد مائتي درهم من الفضة نصاباً وحدد من الذهب عشرين ديناراً فهذا الذي حدده الشارع هو المعتبر فإذا نقص ولو قليلاً يعتبر ناقصاً عن النصاب الذي حدده الشارع ولا تجب الزكاة حتى يكتمل النصاب والله أعلم
ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[02 - 11 - 09, 06:06 ص]ـ
هذه نسخة فيها زيادات وإضافات فينبغي اعتمادها
مقدار نصاب زكاة النقدين الفضة والذهب وما يقوم مقامهما من ريال السعودي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد
فهذا تلخيص لمسألة تحديد مقدار نصاب زكاة النقدين: الفضة والذهب وما يقوم مقامهما من ريال السعودي، لاشك أن العلة في النقدين الثمنية لأنهما أثمان المبيعات وقيم المتلفات والقياس إنما هو على العلة لا على الأسماء.
قال مالك رحمه الله: " لو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة ". المدونة الكبرى لمالك 8/ 396
مقدار نصاب الفضة وما يقوم مقامها من ريال السعودي
نصاب الفضة مائتا درهم بإجماع الأمة وهي خمسة أواق والأوقية الواحدة أربعون درهماً ووزن مائتي درهم (595) غراماً وسعر كيل الفضة 2178 ريال للكيل الواحد وهذا بتاريخ 10/ 11 / 1430 هـ وبذلك يصبح مقدار النصاب بريال السعودي (1295)، 91 هللة وذلك في هذا التاريخ الذي أعلاه لأن قيمة الفضة تتغير بتغير السوق. وإليك بعض الأدلة وأقوال بعض العلماء:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ".
أخرجه البخاري رقم (1378) 2/ 524، ورقم (1340) 2/ 509، ومسلم رقم (979) 2/ 673.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله:" أجمع جميع العلماء على أن نصاب الفضة مائتا درهم شرعي ووزن الدرهم الشرعي ستة دوانق وكل عشرة دراهم شرعية فهي سبعة مثاقيل والأوقية أربعون درهماً شرعياً وكل هذا أجمع عليه المسلمون .. وقد أجمع جميع المسلمين وجمهور أهل اللسان العربي على أن الأوقية أربعون درهماً وما ذكره أبو عبيد وغيره من أن الدرهم كان مجهولاً قدره حتى جاء عبد الملك بن مروان فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل لا يخفى سقوطه وأنه لا يمكن أن يكون نصاب الزكاة وقطع السرقة مجهولاً في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم حتى يحققه عبد الملك والظاهر أن معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام وكانت مختلفة الوزن بالنسبة إلى العدد فعشرة مثلاً وزن عشرة وعشرة وزن ثمانية فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابة عربية ويصيرونها وزناً واحداً .. وقال بعض العلماء يغتفر في نصاب الفضة النقص اليسير الذي تروج معه الدراهم رواج الكاملة وظاهر النصوص أنه لا زكاة إلا في نصاب كامل لأن الناقص ولو بقليل يصدق عليه أنه دون خمس أواق والنَّبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن ما دونها ليس فيه صدقة فإذا حققت النص والإجماع على أن نصاب الفضة مائتا درهم شرعي وهي وزن مائة وأربعين مثقالاً من الفضة الخالصة فاعلم أن القدر الواجب إخراجه منها ربع العشر بإجماع المسلمين ".
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن 2/ 118.
مقدار نصاب الذهب
نصاب الذهب عشرون ديناراً عند جماهير العلماء ووزنها خمسة وثمانون غراماً
(85) غرام وسعرها في هذا اليوم بتاريخ 10/ 11 / 1430 هـ للذهب الخالص 126 للغرام الواحد فيصبح قيمة نصاب الذهب (10710) عشرة آلاف وسبعمائة وعشرة ريال سعودي وقمة الذهب المخلوط 113 ريال للغرام الواحد، والمعتبر في النصاب هو الذهب الخالص لأن الذهب المخلوط ينقص عن الذي حدده الشارع، وإليك بعض الأدلة وأقوال بعض العلماء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/345)
فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون ديناراً فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك قال فلا أدري أعلي يقول فبحساب ذلك أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول إلا أن جريرا قال بن وهب يزيد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ". أخرجه أبو داود رقم (1573) 2/ 100، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم (1573) 2/ 100.
قال ابن عبد البر رحمه الله: " لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحديد نصاب زكاة الذهب شيء من جهة نقل الآحاد العدول الثقات الأثبات إلا ما روي عن الحسن بن عمارة عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عله وسلم قال:" هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين ديناراً نصف دينار " والحسن بن عمارة متروك الحديث أجمعوا على ترك حديثه لسوء حفظه وكثرة خطئه، وأجمع العلماء على أن الذهب إذا بلغ أربعين مثقالاً فالزكاة فيه واجبة بمرور الحول ربع عشره وذلك دينار واحد، وأجمعوا أنه ليس فيما دون عشرين ديناراً زكاة ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم واختلفوا في العشرين ديناراً إذا لم تبلغ قيمتها مائتي درهم وفيما تساوي من الذهب وإن يكن وزنه عشرين ديناراً فالذي عليه جمهور العلماء أن الذهب تجب فيه الزكاة إذا بلغ وزنه عشرين ديناراً وجبت فيه زكاة نصف دينار سواء كان مضروباً أو غير مضروب.
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الآثار 3/ 135، وانظر شرح الزرقاني على الموطإ 2/ 134.
وقال النووي رحمه الله: " لم يأت في الصحيح بيان نصاب الذهب وقد جاءت فيه أحاديث بتحديد نصابه بعشرين مثقالاً وهي ضعاف ولكن أجمع عليها من يعتد به في الإجماع على ذلك ". شرح النووي على مسلم 7/ 53.
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: جماهير علماء المسلمين على أن نصاب الذهب عشرون ديناراً والدينار هو المثقال فلا عبرة بقول من شذ وخالف جماهير علماء المسلمين كما روي عن الحسن في أحد قوليه أن نصاب الذهب أربعون ديناراً وكقول طاوس أن نصاب الذهب معتبر بالتقويم بالفضة فما بلغ منه قيمة مائتي درهم وجبت فيه الزكاة ".
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن 2/ 120.(118/346)
ما هو موقف الإسلام من اللقيط أو ولد الزنا؟
ـ[أم ديالى]ــــــــ[30 - 10 - 09, 01:35 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الكرام
قرأت قبل أيام قصة لأخت لقيطة في الثلاثين من عمرها ترويها بنفسها .. وأبكت كل من قرأها ..
هذه قصتها:
((لقيطة)) في الـ30 تروي بجرأة كل مايدور في دار الأيتام)) لن تتمالكوا دموووعكم ( http://forum.hawaaworld.com/showthread.php?t=1936955&highlight=%E1%DE%ED%D8%C9)
وحقيقة تسألت ما هو موقف الإسلام من اللقيط أو ابن الزنا؟
وهل جاء في كتب السير عن لقيط اصبح عالما أو حافظا؟
اذا ذهب شخص إلى دار الرعاية الإجتماعية وفيها " لقطاء وأيتام " إذا أخذ لقيط رضيع ورباه هل يكون له أجر كفالة اليتيم؟
وكيف تكون نظرتنا لهم وتعاملنا معهم في حال كبرهم وشبابهم؟
واذا تذكرت اسئلة اخرى وضعتها كرد.
وجزاكم الله خيرا
ـ[أبو فرحان]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:36 م]ـ
حديث لا يدخل الجنة ولد زنية ...
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=27700
ـ[أم ديالى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 08:57 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
هل من مزيد
ـ[يوسف محمد القرون]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:32 م]ـ
بعد مرور 32 عاما على ميلاد ابن زنا من أجنبية كتابية، وهو شاب ذو أخلاق عالية وقلب طيب، عندما بلغ 25 عاما أصبح يبحث عن والديه، فوجد أمه، ووجدني أنا الأب قبل أسبوع، حيث ثبت بواسطة الحامض النووي dna على أنني الأب، وقد تزوجت قبل 31 سنة من مسلمة، وعندي منها بنت وولدان، وعندي 4 أحفاد، الحمد لله الذي هداني وعدت إلى مخافة الله، وأنني ملتزم حيث إنني أصلي وأزكي واعتمرت وحجيت قبل 3 أعوام أنا وزوجتي، نسأل الله الهداية والتوبة على الدوام.
أرجو إفادتي: هل هو محرم على زوجتي وابنتي، هل هو أخ لأولادي؟ هل أعتبره أحد أفراد العائلة؟ أرجو شرح كل ما يتعلق بالموضوع.
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنك، وأن يوفقنا لحسن التوبة والإنابة إليه سبحانه، وأن يرزقنا الذرية الصالحة الطيبة بمنه وفضله وكرمه.
واعلم أن التوبة والهداية خير ما يوفق له العبد في الدنيا، وهي أعظم نعمة يمن الله تعالى بها علينا، فالواجب شكر الله تعالى عليها، والحرص على تجديدها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم الواحد مائة مرة، كما رواه مسلم (2702).
ثانياً:
أما نسب الأبناء غير الشرعيين فقد فصل فيه الفقهاء تفصيلا واسعا فقالوا:
لا يخلو حال المزني بها من أحد أمرين:
1. أن تكون فراشاً: يعني أن تكون متزوجة: فكل ولد تأتي به حينئذ إنما ينسب للزوج وليس لأحد غيره، ولو جَزَمت أنه من غيره ممن زنا بها، إلا إذا تبرأ الزوج من هذا الولد بملاعنة الزوجة، فحينئذ ينتفي نسب الولد عن الزوج ويلتحق بأمه وليس بالزاني.
2. أن تكون غير متزوجة: فإذا جاءت بولد من الزنا، فقد اختلف العلماء في نسب هذا الولد، هل ينسب إلى أبيه الزاني أو إلى أمه، على قولين، سبق ذكرهما وبيان أدلتهما في جواب السؤال رقم (33591 ( http://www.islam-qa.com/index.php?ln=ara&
السؤال
R=33591)) وانظر أيضا أجوبة الأسئلة: (117 ( http://www.islam-qa.com/index.php?ln=ara&
السؤال
R=117)) و (2103 ( http://www.islam-qa.com/index.php?ln=ara&
السؤال
R=2103)) و (3625 ( http://www.islam-qa.com/index.php?ln=ara&
السؤال
R=3625)) .
وفيها: أن الراجح هو عدم صحة النسب من السفاح، فلا يجوز نسبة ولد الزنا إلى الزاني، إنما ينسب إلى أمه، ولو بلغ القطع بأن هذا الولد لذلك الزاني المعين درجة اليقين.
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (20/ 387):
" الصحيح من أقوال العلماء أن الولد لا يثبت نسبه للواطئ إلا إذا كان الوطء مستنداً إلى نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة أو ملك يمين أو شبهة ملك يمين، فيثبت نسبه إلى الواطئ ويتوارثان، أما إن كان الوطء زنا فلا يلحق الولد الزاني، ولا يثبت نسبه إليه، وعلى ذلك لا يرثه ". انتهى.
وجاء - أيضاً - في " فتاوى اللجنة الدائمة " (22/ 34):
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/347)
" أما ولد الزنا فيلحق نسبا بأمه، وحكمه حكم سائر المسلمين إذا كانت أمه مسلمة، ولا يؤاخذ ولا يعاب بجرم أمه، ولا بجرم من زنا بها، لقوله سبحانه: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) " انتهى.
ثالثاً:
معلوم أن إثبات النسب يتبعه الحديث عن الكثير من الأحكام: أحكام الرضاع، والحضانة، والولاية، والنفقة، والميراث، والقصاص، وحد السرقة، والقذف، والشهادة، وغيرها.
ولما كان الراجح هو عدم ثبوت نسب ابن الزنا من الزاني، فلا يثبت شيء من الأحكام السابقة على الأب غير الشرعي، وإنما تتحمل الأم كثيراً منها.
ولكن يبقى للأب غير الشرعي (الزاني) قضية تحريم النكاح، فإن الولد الناتج عن زناه يثبت بينه وبين أبيه وأرحام أبيه أحكام التحريم في النكاح في قول عامة أهل العلم.
قال ابن قدامة - رحمه الله -:
" ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنا، وهو قول عامة الفقهاء " انتهى.
" المغني " (7/ 485).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن بنت الزنا هل تزوج بأبيها؟
فأجاب:
" الحمد لله، مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزويج بها، وهو الصواب المقطوع به " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (32/ 134).
وجاء في " الموسوعة الفقهية " (36/ 210):
" ويحرم على الإنسان أن يتزوّج بنته من الزّنا بصريح الآية: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ) لأنّها بنته حقيقةً ولغةً , ومخلوقة من مائه , ولهذا حرّم ابن الزّنا على أمّه.
وهذا هو رأي الحنفيّة وهو المذهب عند المالكيّة , والحنابلة " انتهى.
رابعاً:
وبناء على ما سبق فإن ابنك هذا من الزنا لا يجوز له أن ينكح بناتك، فإنهن بمنزلة أخواته، وكذلك زوجتك.
ولكن ذلك لا يعني أنه مَحرَمٌ لهن فنُجَوِّز له الخلوة بهن أو وضعهن الحجاب في حضرته، فإن التحريم في النكاح لا يلزم منه دائما المحرمية المبيحة للخلوة ونحوها، فهي حكم زائد لا يثبت إلا للمحارم الشرعيين؛ فيجب التنبه لهذا.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
" الحرام المحض: وهو الزنا: يثبت به التحريم، ولا تثبت به المحرمية ولا إباحة النظر " انتهى بتصرف.
" المغني " (7/ 482).
ولا يمنع ذلك كله الإحسان إلى هذا الشاب، ومعاملته بالحسنى، والسعي في إسلامه وربطه بالعائلة، على ألا ينسب إلى أبيه من الزنا، ولا يتساهل في حجاب البنات في الأسرة عنه.
ونسأل الله لك الخير والتوفيق والرشاد.
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/85043
ـ[أم ديالى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:22 م]ـ
جزاكم الله خيرا اخي الريك يوسف القرون
هل هذه النتيجة في ان ولد الزنا لا ينسب لابوه، ولا تكون محرمية بينه وبن امه واخته .. الخ؟ حكم اجتهادي أم عليه نص؟
ما ذنب هذا الطفل؟(118/348)
ما هي تجربتك في تربية الأولاد؟
ـ[أسامة أبو المنذر]ــــــــ[30 - 10 - 09, 02:06 م]ـ
لقد لاحظنا أن بعض الإخوة ينجح في تربية أولاده وبعضهم يخفق
فحبذا لو تذاكرنا من خلال تجربة كل واحد منا أو تجربة من يعرفه في أسباب ذلك
فاكتب لنا تجربتك ولا تبخل علينا لعل الله أن ينفع بك
اذكر لكم تجربة لبعض إخواني في الله فشل في تربية أولاده مع أنه كان يأمرهم بالصلاة وهم أبناء سبع ويضربهم عليها وهم أبناء عشر وقد أقام بيته على طاعة الله وساندته زوجته في ذلك وكان كثير الوعظ لأولاده ومع ذلك كله باء بالفشل الذريع في تربيتهم ووصل الأولاد إلى حال من السوء عظيم
هل تصدقون ذلك
وهل تستطيعون أن تتوقعوا السبب هو سبب واحد فقط
وهو أنه كان يسمح لأولاده أن يخرجوا من البيت قريبا منه مع رفقاء السوء
لقد كان في قصته عبرة لكل من يعتبر
ـ[السوادي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:32 م]ـ
لايوجد قاعده في ذلك فهناك من ينفع معهم اسلوب معين كالمكافاه مثلا وهناك مالاينفع وهلم جر فكل انسان يجد مايناسب التعامل مع ابتائه(118/349)
الشمائل المحمدية
ـ[عمرو جمال حسن أبوشاهين]ــــــــ[30 - 10 - 09, 04:19 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله وبعد:-
فهذه طائفة مختارة من صفات نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سائلا الله تعالى أن يجعنا جميعا من أتباعه وأن يحشرنا معه يوم القيامة إنه ولي ذلك والقادر عليه ....
قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خلقه القرآن ..
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أجود الناس ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أشد حياء من العذراء في خدرها ..
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بأبي هو وأمي أحب الثياب إليه القميص .....
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقبل الهدية ويكافئ عليها ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا دخل بيته بدأ بالسواك ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه ويجعل شماله لما سوى ذلك ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا يرد الطيب ....
... وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسلم على الصبيان ....
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلي من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة من آخر الليل ....
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعد له أصحابه في المجلس الواحد الاستغفار مائة مرة.
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا أكل طعاما لعق أصابعه الثلاث ....
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا فرغ من دفن ميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل.
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا دخل على أهله بالليل يسلم سلاما لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا أراد السفر فإنه يخرج يوم الخميس ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أكثر دعاؤه " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" ..
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعجبه التيامن في شأنه كله ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا علا الثنايا كبر وإذا هبط سبح ....
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوذات ومسح بهما جسده ...
... كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ....
" بأبي هو وأمي وروحي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
وجزاه الله عنا خير الجزاء ونشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة ..
أحبكم في الله
أخوكم / أبو بسطام
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[30 - 10 - 09, 05:22 م]ـ
جزاك الله خير(118/350)
فائدة ٌ في المسح ِ على الخفّين ..
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 07:02 م]ـ
فائدة في:
" المسح على الخفين "
وتنبيه على خطأ لبعض العلماء ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
فلقد رأيت بعض أفاضل العلماء يفسر قوله تعالى {وامسحوا برؤوسِكم وأرجلِكم} - بالجر - على أن من معانيها: المسح على الخفين!
ولا شك أن هذا خطأ ظاهر، فإن في الآية قوله تعالى بعدها {إلى الكعبين} وهما العظمتان الناتئتان في القدم، فكيف يكون معنى الآية المسح على الخفين، وفيها قوله {إلى الكعبين}؟؟!!
ومعلوم أن المسح على الخفين يكون على ظاهر القدمين، ولا علاقة للكعبين في المسألة أصلاً.
وعليه: فيكون معنى الآية:
أ. أن المقصود بالمسح هو: الإسالة، وهو الغسل اليسير، لأن غسل القدمين مظنة الإسراف.
ب. أو: أنها جرت للمجاورة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنة؛ فإن المسح جنس تحته نوعان: الإسالة وغير الإسالة، كما تقول العرب: " تمسحت للصلاة "، فما كان بالإسالة فهو الغسل، وإذا خص أحد النوعين باسم الغسل فقد يخص النوع الآخر باسم المسح، فالمسح يقال على المسح العام الذي يندرج فيه الغسل ويقال على الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل. " منهاج السنة " (4/ 172).
وقال:
وفي القران ما يدل على أنه لم يرد بمسح الرجلين المسح الذي هو قسيم الغسل بل المسح الذي الغسل قسم منه فإنه قال {إلى الكعبين} ولم يقل إلى الكعاب كما قال {إلى المرافق} فدل على أنه ليس في كل رِجل كعب واحد كما في كل يد مرفق واحد بل في كل رجل كعبان فيكون تعالى قد أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين وهذا هو الغسل. " منهاج السنة " (4/ 173).
وقال:
وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً.
" منهاج السنة " (4/ 1745).
والله أعلم
كتبه
إحسان بن محمد بن عايش العتيبي
ـ[سعد أبو إسحاق]ــــــــ[30 - 10 - 09, 07:26 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو حمزة المقدادي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 07:31 م]ـ
جزاكم الله خير
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:01 م]ـ
وإياكما ..
ـ[أم محمد عبد الله]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:20 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[عجب الرويلي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:27 م]ـ
جزاكم الله خير
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:34 م]ـ
وإيّاكما ...
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:40 م]ـ
سبق طرح الموضوع بالملتقى فيما أذكر، وجزيتم خيرا
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:44 م]ـ
وإيّاك .. لا علم لي بذلك .. والغائب يبلغ الشاهد(118/351)
هل بقي من أشراط الساعة الصغرى شيء؟
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[30 - 10 - 09, 07:49 م]ـ
هل بقي من أشراط الساعة الصغرى شيء؟:
– قال البيهقي (توفى 458هـ) وغيره:
الأشراط منها صغار، وقد مضى أكثرها، ومنها كبار، ستأتي. اهـ.
فتح الباري 3/ 85.
– وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين:
العلامات المحتملة أن تكون من الصغرى، ولم تقع، أو لم يتحقق وقوعها:
1– مسخ طائفة من هذه الأمة، قردة وخنازير. البخاري – 5590.
2– كثرة النساء، حتى يكون للرجل خمسون امرأة. البخاري – 81 ومسلم – 6786.
وفي رواية: أربعون امرأة. البخاري – 1414 ومسلم – 2338.
3– خروج دجالين ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله. البخاري – 3609 ومسلم – 7342.
4– خروج رجل من قحطان، يسوق الناس بعصاه. البخاري – 7117 ومسلم – 7308.
5– تملك رجل يُقال له الجَهْجَاه. مسلم – 7309.
6– جفاف بحيرة طبرية (1). مسلم – 7386.
7– يَبَسُ نخل بيسان (2) (3). مسلم – 7386.
8– جفاف عين زُغَر (4). مسلم – 7386.
9– حسر الفرات عن جبل من ذهب. البخاري – 7119 ومسلم – 7272.
10– تعطل الآلات، والأجهزة، والأسلحة الحديثة:
وذلك لأن حرب المهدي، ستكون على الخيول، وبالسيوف والحراب، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الملحمة، ونزول عيسى عليه السلام، وقتله الدجال:
فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم.
وفيه أيضًا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيُريهم دمه في حربته. مسلم – 7278.
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ. مسلم – 7281.
انتهى ملخصًا، من: تحذير ذوي الفطن من عبث الخائضين في أشراط الساعة والملاحم والفتن ص 38 – 39 و 50 – 51.
_________________________
(1) قال الشيخ عبد الله بن صالح العجيري: جفاف بحيرة طبرية: فإنها علامة لخروج الدجال؛ وليس معنى ذلك أنه يمتنع جفافها، قبل خروجه بمدة، بل هو ممكن، ثم يعقب ذلك أن تملأ، فإذا اقترب أمر الدجال، كان الجفاف، كالإرهاص على خروجه. اهـ.
معالم ومنارات في تنزيل أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث ص 157.
وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم: جفاف بحيرة طبرية، الذي ذكر في حديث الجساسة، على أنه أحد مقدمات خروج الدجال؛ وقد جفت بحيرة طبرية الآن أو كادت، فقد نُشر في السبعينيات، بجريدة الأخبار، صورة فتاة تقف على أرض البحيرة الجافة، وقد تشققت، وهذا لا يعني بالضرورة، تحقق تلك العلامة، لأن من المحتمل أن تمتلئ البحيرة من جديد، ثم تجف قبل ظهور الدجال، أو قد تبقى جافة مدة يعلمها الله، إلى ظهور الدجال، وعليه فلا يشكل قول الدجال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، لأن القرب هنا نسبي، كما تقدم؛ بل قد ثبت في الحديث أن يأجوج ومأجوج، يمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. ومعلوم أن خروجهم، إنما يكون بعد نزول عيسى عليه السلام، وقتله الدجال. اهـ. بتصرف يسير.
المهدي وفقه أشراط الساعة ص 707.
(2) بيسان: مدينة من مدن الغور، على الجانب الغربي من حوض الأردن، في الجنوب الغربي من طبرية. ويُعرف السهل الذي تقع فيه باسمها.
(3) قال ياقوت الحموي عن بيسان: وتوصف بكثرة النخل، وقد رأيتها مرارًا، فلم أر فيها غير نخلتين حائلتين، وهو من علامات خروج الدجال. اهـ.
معجم البلدان 1/ 527.
(4) زُغَر: قرية بمشارف الشام، بها عين غزيرة الماء، يُقال لها عين زُغَر. وقيل زُغَر: امرأةٌ نُسبت إليها.(118/352)
هل بقي من أشراط الساعة الصغرى شيء؟
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[30 - 10 - 09, 07:53 م]ـ
هل بقي من أشراط الساعة الصغرى شيء؟
– قال البيهقي (توفى 458هـ) وغيره:
الأشراط منها صغار، وقد مضى أكثرها، ومنها كبار، ستأتي. اهـ.
فتح الباري 3/ 85.
– وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أبي العينين:
العلامات المحتملة أن تكون من الصغرى، ولم تقع، أو لم يتحقق وقوعها:
1– مسخ طائفة من هذه الأمة، قردة وخنازير. البخاري – 5590.
2– كثرة النساء، حتى يكون للرجل خمسون امرأة. البخاري – 81 ومسلم – 6786.
وفي رواية: أربعون امرأة. البخاري – 1414 ومسلم – 2338.
3– خروج دجالين ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله. البخاري – 3609 ومسلم – 7342.
4– خروج رجل من قحطان، يسوق الناس بعصاه. البخاري – 7117 ومسلم – 7308.
5– تملك رجل يُقال له الجَهْجَاه. مسلم – 7309.
6– جفاف بحيرة طبرية (1). مسلم – 7386.
7– يَبَسُ نخل بيسان (2) (3). مسلم – 7386.
8– جفاف عين زُغَر (4). مسلم – 7386.
9– حسر الفرات عن جبل من ذهب. البخاري – 7119 ومسلم – 7272.
10– تعطل الآلات، والأجهزة، والأسلحة الحديثة:
وذلك لأن حرب المهدي، ستكون على الخيول، وبالسيوف والحراب، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الملحمة، ونزول عيسى عليه السلام، وقتله الدجال:
فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم.
وفيه أيضًا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيُريهم دمه في حربته. مسلم – 7278.
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ. مسلم – 7281.
انتهى ملخصًا، من: تحذير ذوي الفطن من عبث الخائضين في أشراط الساعة والملاحم والفتن ص 38 – 39 و 50 – 51.
_________________________
(1) قال الشيخ عبد الله بن صالح العجيري: جفاف بحيرة طبرية: فإنها علامة لخروج الدجال؛ وليس معنى ذلك أنه يمتنع جفافها، قبل خروجه بمدة، بل هو ممكن، ثم يعقب ذلك أن تملأ، فإذا اقترب أمر الدجال، كان الجفاف، كالإرهاص على خروجه. اهـ.
معالم ومنارات في تنزيل أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة على الوقائع والحوادث ص 157.
وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم: جفاف بحيرة طبرية، الذي ذكر في حديث الجساسة، على أنه أحد مقدمات خروج الدجال؛ وقد جفت بحيرة طبرية الآن أو كادت، فقد نُشر في السبعينيات، بجريدة الأخبار، صورة فتاة تقف على أرض البحيرة الجافة، وقد تشققت، وهذا لا يعني بالضرورة، تحقق تلك العلامة، لأن من المحتمل أن تمتلئ البحيرة من جديد، ثم تجف قبل ظهور الدجال، أو قد تبقى جافة مدة يعلمها الله، إلى ظهور الدجال، وعليه فلا يشكل قول الدجال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، لأن القرب هنا نسبي، كما تقدم؛ بل قد ثبت في الحديث أن يأجوج ومأجوج، يمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء. ومعلوم أن خروجهم، إنما يكون بعد نزول عيسى عليه السلام، وقتله الدجال. اهـ. بتصرف يسير.
المهدي وفقه أشراط الساعة ص 707.
(2) بيسان: مدينة من مدن الغور، على الجانب الغربي من حوض الأردن، في الجنوب الغربي من طبرية. ويُعرف السهل الذي تقع فيه باسمها.
(3) قال ياقوت الحموي عن بيسان: وتوصف بكثرة النخل، وقد رأيتها مرارًا، فلم أر فيها غير نخلتين حائلتين، وهو من علامات خروج الدجال. اهـ.
معجم البلدان 1/ 527.
(4) زُغَر: قرية بمشارف الشام، بها عين غزيرة الماء، يُقال لها عين زُغَر. وقيل زُغَر: امرأةٌ نُسبت إليها.
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 10:44 م]ـ
سمعت شيخنا عبد العزيز الراجحي يقول لم يبق منها شيء و رفعه إلى ابن باز
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:34 ص]ـ
سمعت شيخنا عبد العزيز الراجحي يقول لم يبق منها شيء و رفعه إلى ابن باز
لا شك أخي الكريم، أن هذه الأشراط العشر الصغرى، التي ذكرها الشيخ أحمد بن إبراهيم أبو العينين حفظه الله تعالى، لم تقع قطعًا.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/353)
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:02 ص]ـ
جزاك الله خير
لقد استفدت من هذا الموضوع كثيرا
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:19 ص]ـ
ما هي علامات الساعة الصغرى التي لم تقع إلى الآن؟
السؤال: أقرأ في بعض المنتديات أن جميع علامات الساعة الصغرى قد ظهرت، ويكتبون بأنه لم يبق شيء عن قيام الساعة، فما مدى صحة كلامهم؟.
الجواب:
الحمد لله
يقسِّم بعض العلماء علامات الساعات إلى كبرى، وصغرى، ويقسمها آخرون إلى ثلاثة أقسام، ويجعلون بينهما " وسطى "، ويمثلون له بخروج " المهدي ".
وعلامات الساعة الصغرى يصلح تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: قسم منها انقضى، وقسم لا يزال يتكرر، وقسم لم يحدث بعدُ.
وفي ظننا أن هذا التقسيم هو الذي يكون فيه إجابة الأخ السائل عما يتكرر من الكلام في أن أشراط الساعة وعلامات الصغرى قد انقضت كلها.
وقد حصر هذه الأقسام بأحاديثها: الشيخ عمر سليمان الأشقر حفظه الله في كتابه القيِّم " القيامة الصغرى "، وسنحاول تلخيص المواضع التي خارج السؤال، ونبسط القول في مبحث موضوع السؤال.
قال الشيخ عمر سليمان الأشقر - حفظه الله -:
والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم وقع، وقسم لم يقع بعدُ، والذي وقع قد يكون مضى وانقضى، وقد يكون ظهوره ليس مرة واحدة، بل يبدو شيئاً فشيئاً، وقد يتكرر وقوعه وحصوله، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي.
ولذلك سنعقد لعلامات الساعة أربعة فصول:
الأول: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت.
الثاني: العلامات الصغرى التي وقعت، ولا تزال مستمرة، وقد يتكرر وقوعها.
الثالث: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد.
الرابع: العلامات الكبرى.
أ. علامات الساعة التي وقعت:
ونعني بها العلامات التي وقعت وانقضت، ولن يتكرر وقوعها، وهي كثيرة، وسنذكر بعضاً منها:
1. بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته.
2. انشقاق القمر.
3. نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببُصرى – بلدة في الشام -.
4. توقف الجزيَة والخراج.
ب. العَلامَات التي وقعت، وهي مستمرة، أو وقعت مَرة وَيمكن أن يتكرّر وقوعُها:
1. الفتوحَات والحروب.
وقد فتحت فارس والروم وزال ملك كسرى وقيصر، وغزا المسلمون الهند، وفتحوا القسطنطينية، وسيكون للمسلمين في مقبل الزمان ملك عظيم ينتشر فيه الإسلام ويذل الشرك، وتفتح روما مصداقاً؛ لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: (لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ) – رواه أحمد (28/ 154) وصححه محققو المسند -.
2. قتال الترك والتتر.
3. إسناد الأمر إلى غيَر أهله.
4. فسَاد المسلمين.
5. ولادَة الأمّة ربتها، وَتطاول الحفَاة العراة رعَاة الشاة في البنيان.
6. تداعي الأمم عَلى الأمَّة الإسلاميَّة.
7. الخسف والقذف وَالمسخ الذي يعَاقب اللَّه به أقواماً من هَذه الأمّة.
8. استفاضة المَال.
9. تسليم الخاصَّة، وفشو التجَارة، وقطع الأرحََام.
10. اختلال المقاييس:
أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن المقاييس التي يُقَوَّم بها الرجال تختل قبل قيام الساعة، فيقبل قول الكذبة ويصدق، ويرد على الصادق خبره، ويؤتمن الخونة على الأموال والأعراض، ويخون الأمناء ويتهمون، ويتكلم التافهون من الرجال في القضايا التي تهم عامة الناس، فلا يقدمون إلا الآراء الفجّة، ولا يهدون إلا للأمور المُعْوجة، فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ)، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: (الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ) – رواه ابن ماجه (4036) وصححه الألباني في " صحيح ابن ماجه " -.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/354)
11. شرطة آخر الزمَان الذين يجلدون الناس.
ج. العلامَات التي لم تقع بَعدُ:
1. عودَة جزيرة العَرب جنَّات وَأنهاراً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا) رواه مسلم (157).
وعودتها جنات وأنهاراً إما بسبب ما يقوم أهلها به من حفر الآبار، وزراعة الأرض ونحو ذلك مما هو حاصل في زماننا، وإما بسبب تغير المناخ، فيتحول مناخها الحار إلى جو لطيف جميل، ويفجر خالقها فيها من الأنهار والعيون ما يحول جدبها خصباً، ويحيل سهولها الجرداء إلى سهول مخضرة فيحاء، وهذا هو الأظهر، فإنه يحكي حالة ترجع فيها الجزيرة إلى ما كانت عليه من قبل.
2. انتفَاخ الأهلّة:
من الأدلة على اقتراب الساعة أن يرى الهلال عند بدو ظهوره كبيراً حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِن اقْتِرابِ السَّاعَةِ انتِفَاخُ الأهِلَّةِ) – رواه الطبراني في " الكبير " (10/ 198)، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (5898).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلاَلُ قَبَلاً فَيُقَالُ: لِلَيْلَتَيْنِ، وَأَنْ تُتخذَ المَسَاجِدُ طُرُقاً) - رواه الطبراني في " الأوسط " (9/ 147) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (5899).
3. تكليم السّبَاع والجمَاد الإنسَ:
روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: " عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهُ الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، قَالَ:: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ فَقَالَ الذِّئْبُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ قَالَ فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلرَّاعِي: (أَخْبِرْهُمْ)، فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ وَشِرَاكُ نَعْلِهِ وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ) رواه أحمد (18/ 315) وصححه محققو المسند.
4. انحسَار الفرات عَن جَبل من ذهَب:
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا)، وفي رواية: (يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ).
وفي رواية عند مسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ يَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَيَقُولُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَعَلِّي أَكُونُ أَنَا الَّذِي أَنْجُو).
ورواه مسلم عن أبي بن كعب بلفظ: (يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ فَإِذَا سَمِعَ بِهِ النَّاسُ سَارُوا إِلَيْهِ فَيَقُولُ مَنْ عِنْدَهُ لَئِنْ تَرَكْنَا النَّاسَ يَأْخُذُونَ مِنْهُ لَيُذْهَبَنَّ بِهِ كُلِّهِ قَالَ فَيَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ).
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/355)
ومعنى انحساره: انكشافه لذهاب مائه، كما يقول النووي، وقد يكون ذلك بسبب تحول مجراه، فإن هذا الكنز أو هذا الجبل مطمور بالتراب وهو غير معروف، فإذا ما تحول مجرى النهر لسبب من الأسباب ومرّ قريباً من هذا الجبل كشفه، والله أعلم بالصواب.
والسبب في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم من حضره عن الأخذ منه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والاقتتال وسفك الدماء.
5. إخراجُ الأرضِ كنوزَهَا المخبوءة:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قَتَلْتُ وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ، فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا).
وهذه آية من آيات الله، حيث يأمر الحقُّ الأرض أن تخرج كنوزها المخبوءة في جوفها، وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الكنوز (بأفلاذ الكبد)، وأصل الفلذ: " القطعة من كبد البعير "، وقال غيره: هي القطعة من اللحم، ومعنى الحديث: التشبيه، أي: تخرج ما في جوفها من القطع المدفونة فيها، والأسطوان جمع أسطوانة، وهي السارية والعمود، وشبهه بالأسطوان لعظمته وكثرته ".
وعندما يرى الناس كثرة الذهب والفضة يزهدون فيه، ويألمون لأنهم ارتكبوا الذنوب والمعاصي في سبيل الحصول على هذا العرض التافه.
6. محاصَرة المسلمين إلى المدينَة:
من أشراط الساعة أن يهزم المسلمون، وينحسر ظلهم، ويحيط بهم أعداؤهم ويحاصروهم في المدينة المنورة.
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلَاحِ) – رواه أبو داود (4250) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -.
والمسالح، جمع مَسْلَحة، وهي الثغر، والمراد أبعد مواضع المخافة من العدو.
وسَلاَح، موضع قريبٌ من خيبر.
7. إحراز " الجهجَاه " الملك:
الجهجاه رجل من قحطان سيصير إليه الملك، وهو شديد القوة والبطش، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ) رواه البخاري (3329) ومسلم (2910).
وفي رواية لمسلم (2911): (لاَ تَذْهَبُ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِى حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ " الْجَهْجَاهُ ").
ويحتمل أن يكون هذا الذي في الرواية الأخيرة غير الأول، فقد صَحَّ في سنن الترمذي عن أبي هريرة أن هذا الجهجاه من الموالي، ففي سنن الترمذي (2228) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمَوَالِي يُقَالُ لَهُ " جَهْجَاهُ ").
والمراد بكونه يسوق الناس بعصاه أنه يغلب الناس فينقادون له ويطيعونه، والتعبير بالسوق بالعصا للدلالة على غلظته وشدته، وأصل الجهجاه الصيَّاح، وهي صفة تناسب العصا كما يقول ابن حجر، وهل يسوق هذا الرجل الناس إلى الخير أم الشر؟ ليس عندنا بيان من الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك.
8. فتنَة الأحلاس وَفتنَة الدَهماء، وفتنَة الدهيماء:
عن عبدِ الله بنِ عُمَر قالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودًا فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ ذِكْرَهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: (هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَلُهَا - أَوْ: دَخَنُهَا - مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي إِنَّمَا وَلِيِّيَ الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَطَعَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/356)
وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطُ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطُ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ إِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ) – رواه أبو داود (4242) وأحمد (10/ 309) – واللفظ له -، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -.
والأحلاس: جمع حلس، وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، شبهت به الفتنة لملازمتها للناس حين تنزل بهم كما يلازم الحلس ظهر البعير، وقد قال الخطابي: يحتمل أن تكون هذه الفتنة شبهت بالأحلاس لسواد لونها وظلمتها.
والحَرَب بفتح الراء: ذهاب المال والأهل، يقال: حَرِب الرجل فهو حريب فلان إذا سلب ماله وأهله.
والسراء النعمة التي تسر الناس من وفرة المال والعافية، وأضيفت الفتنة إليها لأن النعمة سببها، إذ إن الإنسان يرتكب الآثام والمعاصي بسبب ما يتوفر له من الخير.
وقوله: " كورك على ضلع " هذا مثل للأمر الذي لا يستقيم ولا يثبت، لأن الورك لا يتركب على الضلع ولا يستقيم معه.
والدهيماء: الداهية التي تدهم الناس بشرها.
9. خروُج المَهدي:
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الله تبارك وتعالى يبعث في آخر الزمان خليفة يكون حكماً عدلاً، يلي أمر هذه الأمة من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من سلالة فاطمة، يوافق اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، واسم أبيه اسم أبي الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد وصفته الأحاديث بأنه أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلاً، بعد أن ملئت جوراً وظلماً، ومن الأحاديث التي وردت في هذا:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي) رواه الترمذي (2230) وأبو داود، وفي رواية لأبي داود (4282) قال: (لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّى - أَوْ: مِنْ أَهْلِ بَيْتِى - يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِى وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِى يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا).
" القيامة الصغرى " (137 – 206) باختصار، وتهذيب.
وبه يتبين أنه ثمة تسع علامات للساعة الصغرى لم تظهر بعدُ، ويتبين أن ما يتكرر من كلام كثير من الناس أن علامات الساعة الصغرى قد ظهرت كلها ولم يبق إلا " المهدي " قول عارٍ عن الصحة.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/118597
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:22 ص]ـ
معذرة
مكرر
بسبب المتصفح
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:27 ص]ـ
معذرة
مكرر
بسبب المتصفح
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 01:32 م]ـ
جزاك الله خير يا أخ إحسان و الحمد لله على السلامة
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[01 - 11 - 09, 01:42 ص]ـ
جزاك الله خير
لقد استفدت من هذا الموضوع كثيرا
وأنت جزيت خيرًا، أخي الكريم.
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[01 - 11 - 09, 01:43 ص]ـ
2. انتفَاخ الأهلّة:
من الأدلة على اقتراب الساعة أن يرى الهلال عند بدو ظهوره كبيراً حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِن اقْتِرابِ السَّاعَةِ انتِفَاخُ الأهِلَّةِ) – رواه الطبراني في " الكبير " (10/ 198)، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (5898).
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ أَنْ يُرَى الْهِلاَلُ قَبَلاً فَيُقَالُ: لِلَيْلَتَيْنِ، وَأَنْ تُتخذَ المَسَاجِدُ طُرُقاً) - رواه الطبراني في " الأوسط " (9/ 147) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " (5899).
8. فتنَة الأحلاس وَفتنَة الدَهماء، وفتنَة الدهيماء:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/357)
عن عبدِ الله بنِ عُمَر قالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودًا فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ ذِكْرَهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: (هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَلُهَا - أَوْ: دَخَنُهَا - مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي إِنَّمَا وَلِيِّيَ الْمُتَّقُونَ ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَطَعَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطُ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطُ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ إِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ) – رواه أبو داود (4242) وأحمد (10/ 309) – واللفظ له -، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -.
أولا: حمدًا لله على سلامتكم شيخنا الكريم.
وثانيًا: جزاك الله خيرًا على هذه الإضافة القيمة، وإن كان لي ملاحظاتٌ، على بعض ما قاله الشيخ سليمان الأشقر حفظه الله تعالى:
فمن ذلك:
حديث إنتفاخ الأهلة:
قال الحافظ ابن عدي: عبد الرحمن بن يوسف ليس بالمعروف. سمعت عبدان الأهوازي يقول: هذا الحديث حديث دحيم، عن ابن أبي فديك، ويُقال إن عبد الرحمن بن حكي هذا سرقه من دحيم، ولعبد الرحمن بن حكي غير هذا من الحديث، ما قد سرقه.
قال ابن عدي: وعبد الرحمن بن يوسف ليس بمعروف، وهذا الحديث منكرٌ عن الأعمش بهذا الإسناد، ولا أعرف لعبد الرحمن بن يوسف غيره. اهـ.
الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 279.
وقال الحافظ العقيلي: عبد الرحمن بن يوسف عن الأعمش: مجهول أيضا في النسب والرواية، حديثه غير محفوظ، ولا يُعرف إلا به. اهـ.
الضعفاء الكبير للعقيلي 5/ 76.
وقال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. اهـ.
العلل المتناهية 2/ 851.
وقال الهيثمي عند الحديث 4808: رواه الطبراني في الصغير، وفيه عبد الرحمن بن الأزرق الأنطاكي، ولم أجد من ترجمه. اهـ.
مجمع الزوائد 3/ 351.
وقال عند الحديث 4811: فيه عبد الرحمن بن يوسف، ذكر له في الميزان هذا الحديث، وقال إنه مجهول. اهـ.
مجمع الزوائد 3/ 352.
وقال الشيخ محمد زياد التكلة:
رُوي هذا الحديث مرفوعًا من حديث أبي هريرة، وابن مسعود، والإسناد إليهما منكرٌ لا أصل له.
ومن حديث طلحة بن أبي حدرد مرفوعًا، وفي سنده جهالةٌ وضعفٌ، ثم الأرجح أنه مرسل.
أما حديث أنس مرفوعًا فغير محفوظ، والصوابُ فيه أنه من مرسل الشعبي.
كذلك حديث أبي سعيد موقوفًا، الصوابُ أنه من قول أبي الوداك.
أما مرسل الحسن البصري، فسنده إليه ضعيفٌ جدًا.
وحكم السخاوي أن الحديث يتقوى بمجموع طرقه، (المقاصد الحسنة 1203)، وكذا الألباني في الصحيحة (2292)، لكن ذلك متعقبٌ بأن جميع طرقه المرفوعة، لا تصلح للاعتبار كما تبيَّن مفصلا، فهي إما شديدةُ الضعف، أو منكرةٌ، المحفوظُ فيها الإرسال، ولا يصح من هذه المراسيل سوى مرسل الشعبي، وقول أبي الوداك الكوفيان، وعليه فالحديثُ ضعيفٌ، ولا يصحُ في الباب شيءٌ مرفوعًا. اهـ.
وانظر البحث كاملا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25864 (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25864)
ومن ذلك:
فتنة الأحلاس والسراء والدهيماء:
وهي التي جاء ذكرها في حديث عبد الله بن عمر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: كنا قعودًا عند رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فذكر الفتن فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائلٌ: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي هرب وحرب، ثم فتنة السراء، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل، كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحدًا من هذه الأمة إلا لطمته لطمةً، فإذا قيل: انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا، حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمانٍ لا نفاق فيه، وفسطاط نفاقٍ لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم، فانتظروا الدجال، من يومه أو من غده.
هذا الحديث رواه الإمام أبو داود رحمه الله تعالى في سننه – 4242،
ومداره على عبد الله بن سالم، عن العلاء بن عتبة، عن عمير بن هاني العنسي، عن ابن عمر.
وهذا إسنادٌ حسنٌ في الظاهر؛ من أجل العلاء بن عتبة، فإنه صدوقٌ، لا يبلغ حديثه الصحة؛
إلا أنه معلولٌ.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم:
سألت أبي عن حديث رواه أبو المغيرة، قال حدثنا عبد الله ابن سالم، قال حدثني العلاء بن عتبة اليحصبي، عن عمير بن هانىء العنسي، قال سمعت عبد الله بن عمر يقول: كنا قعودًا عند رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ... الحديث.
فقال: روى هذا الحديث ابن جابر، عن عمير بن هانىء، عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مرسلٌ.
والحديثُ عندي ليس بصحيحٍ، كأنه موضوعٌ. اهـ.
علل الحديث 2/ 416–417 رقم 2757.
وانظر كشف المكنون ص55 – 56.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/358)
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:23 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
وسلمكم الله
ولا يخفاكم أن النقل يختلف عن التحقيق
والتقليد في التصحيح والتضعيف أظهر منه في التقليد في الفقه
فقد تجد الفقيه لا يرضى لنفسه التقليد في الفقه لكنه يعجز عن الاجتهاد في التصحيح والتضعيف
فلا لوم على من قلَّد الشيخ الألباني وغيره من أئمة الحديث
لكن اللوم على من تبين له خطأ ما كان عليه من تقليده ثم أصر عليه
وفقكم الله
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[02 - 11 - 09, 04:05 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
وسلمكم الله
ولا يخفاكم أن النقل يختلف عن التحقيق
والتقليد في التصحيح والتضعيف أظهر منه في التقليد في الفقه
فقد تجد الفقيه لا يرضى لنفسه التقليد في الفقه لكنه يعجز عن الاجتهاد في التصحيح والتضعيف
فلا لوم على من قلَّد الشيخ الألباني وغيره من أئمة الحديث
لكن اللوم على من تبين له خطأ ما كان عليه من تقليده ثم أصر عليه
وفقكم الله
جزاك الله خيرًا شيخنا الكريم،
وأجزل لك المثوبة،
على هذا الكلام الرصين المتين،
وزادك فقهًا وعلمًا.
ـ[أبو مازن السلفي]ــــــــ[28 - 05 - 10, 05:22 م]ـ
موضوع قيم أخي الكريم
فجزاك الله خيرا عليه
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[06 - 06 - 10, 10:03 ص]ـ
جزاكم الله خيرا
ـ[عبد المحسن الأثري]ــــــــ[11 - 10 - 10, 12:16 ص]ـ
للرفع
ـ[عبد القادر مطهر]ــــــــ[11 - 10 - 10, 09:38 م]ـ
موضوع قيم أخي الكريم
فجزاك الله خيرا عليه
وأنت جُزيت خيرًا أخي الكريم(118/359)
من فتاوى أهل الجهل. أفتاه بتأخير الإسلام فمات على النصرانية
ـ[أبو عبدالرحمن بن أحمد]ــــــــ[30 - 10 - 09, 08:15 م]ـ
ا قال ابن الجوزي في كتابة لمنتظم - (ج 3 / ص 389) في ترجمة
الحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري
قال (كان نصرانياً من أهل بيت الثروة، فأسلم على يد ابن المبارك.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرني أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا علي الحسين بن محمد بن أحمد بن الحسين الماسرجسي يحكي عن جده وغيره من أهل بيته قال: كان الحسن والحسين ابنا عيسى بن ماسرجس يركبان معاً، فيتحير الناس في حسنهما وبزتهما، فاتفقا على أن يسلما فقصدا حفص بن عبد الرحمن ليسلما على يده، فقال لهما حفص: أنتما من أجل النصارى، وعبد الله بن المبارك خارج في هذه السنة إلى الحج، فإذا أسلمتما على يده كان ذلك أعظم عند المسلمين وأرفع لكما في عزكما وجاهكما، فإنه شيخ أهل المشرق والمغرب، فانصرفا عنه فمرض الحسين بن عيسى، فمات على نصرانيته قبل قدوم ابن المبارك، فلما قدم أسلم الحسن على يده.
قال المصنف رحمه الله: انظروا ما يعمل الجهل بأهله، فإنه لولا جهل حفص بن عبد الرحمن وقلة علمه لما أمرهما بتأخير الإسلام، لأنه لا يحل تأخيره، لكن الجهل يردي أصحابه.
ولما أسلم الحسن سمع من ابن المبارك ورحل في طلب العلم، وقدم بغداد حاجاً، فحدث بها، فسمع منه أحمد بن حنبل، والبخاري، ومسلم، وابن أبي الدنيا، وعد في مجلسه بباب الطاق اثنتا عشرة ألف محبرة.
وكان ثقة ديناً ورعاً، ولم يزل بنيسابور في عقبه فقهاء ومحدثون)
ـ[مجاهد بن محمد]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:23 م]ـ
لكن السؤال: هل حال حسين يكون كحال قاتل المائة نفس؟
إذ أن الأمر قريب.
رفع الله قدركم وأحسن إليكم!
ـ[أبو عبدالرحمن بن أحمد]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:55 م]ـ
والله وقع في قلبي هذا الإشكال. وهل هو مؤمن و أخر إشهار الإسلام؟
ـ[أبومالك المصرى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 04:58 م]ـ
نسأل الله العافية وحسن الخاتمة
جزاك الله خيرا(118/360)
[الحصول على السواك الطيب .. هل أصبح همًّا؟!]
ـ[أبو سليمان الأسعدي]ــــــــ[30 - 10 - 09, 08:55 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .. أما بعد ..
في أزمنة مضت كنا لا نبالي من أي بائع نشتري السواك، ويمكث السواك في جيب أحدنا نحو أسبوع أو يزيد وهو طري طيب برائحته ونكهته ..
أما اليوم فإن الحصول على سواك جديد طري ونظيف معاناة متكررة ..
الكثير مما يباع عند المساجد مغشوش .. لا يمضي عليه يوم حتى يعود عوداً يابساً كالعرجون القديم لا طعم له ولا رائحة ..
ونكتشف كل مرة أننا أصبحنا ألعوبة وأضحوكة بيد هؤلاء الباعة ..
ينقعون المساويك بخليط من الماء والفلفل ومواد أخرى الله أعلم بها [بل من عجيب ما سمعت أنهم يجعلون مع الخليط نسبة من ماء النار (الأسيد!!) ليكسب السواك لذعة حارة .. !] ..
ويجعلها البائع في قراطيس يخفيها ثم يظهرها فجأة للمشتري _إذا لم تعجبه المساويك المكشوفة_ ويوهمه أنها من حصاد اليوم! وأنه أخفاها له .. ثم يبيعها عليه بسعر مضاعف!
وهو إنما جعلها في القراطيس للخداع والتلبيس، ولئلا تيبس ويخسر ..
أما المساويك المغلفة، فربما يُوفق بعضنا في مرات قليلة جداً إلى سواك جديد، لكن الكثير الغالب منها قديم، لا يمضي على فتحه ساعة أو ساعتان حتى ييبس وربما تفتت ..
ولا أدري لم لا يلزم منتجوها بطبع تاريخ إنتاجها وصلاحيتها عليها .. !
خلاصة القول أن كثيرين يعانون من أجل الحصول على سواك طيب ..
فليت الإخوة ممن له معرفة وخبرة يُدْلون بدلائهم ويدُلّون على طريقة لحل هذه الأزمة، أو يخبروننا بالأماكن التي تباع فيها المساويك الجديدة .. وأجرهم على الله ..
ـ[المسيطير]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:00 م]ـ
رابط قد يفيد:
مقترحات في استخدام السواك.
( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=78585&highlight=%C7%E1%D8%C8)
ـ[أبو زارع المدني]ــــــــ[31 - 10 - 09, 01:48 ص]ـ
أوافقك أخي الكريم فيما تقول
والمساويك المغلفة صناعيا ليست جيدة حقيقة
بل إن بعضها تستطيع أن تقول أنه تعفن داخل الغلاف
وأعانك الله على اقتناص البائع الثقة
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[31 - 10 - 09, 01:51 ص]ـ
سواك اسمه " سواك المسلم "
كان ممتاز لكنه غالي الثمن كما أنه لم يعد موجوداً في مصر للأسف
ـ[أبو سليمان الأسعدي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 06:35 م]ـ
جزيتم خيراً وسواكاً حسناً ..
أظن ابن منظور كان يعاني كما نعاني عندما أنشد هذين البيتين المليحين:
بالله إن جزت بوادي الأراك **** وقبّلت عيدانُه الخضر فاك
فابعث إلى عبدك من بعضها **** فإنني والله مالي سواك
ـ[أبو حسن عبد الحكيم]ــــــــ[01 - 11 - 09, 07:04 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله.
إذا كنت تعرف أحداً يمر على جازان فاطلب منه أن يحضر كمية طيبة، فسعرها هناك رخيص وتباع في كل مكان. وبالفعل لا تكاد تجد السواك الذي تحتاج، حتى عند الحرم أحياناً.
ـ[أبو سليمان الأسعدي]ــــــــ[21 - 11 - 09, 08:12 م]ـ
الأخ الكريم أبا حسن ..
أين نحن من جازان .. حماها الله وأهلها؟!
لكن في الرياض مثلا .. هل هناك مكان ترد إليه المساويك الجديدة بالجملة .. (سوق جملة) يكون مجمعًا يفد إليه تجار المساويك .. كما هو شأن السلع الأخرى ..
هؤلاء الباعة عند المساجد وغيرها من أين يشترونها .. ؟(118/361)
وجوب المداومة على الطاعات للشيخ صلاح البدير
ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[30 - 10 - 09, 09:51 م]ـ
وجوب المداومة على الطاعات للشيخ صلاح البدير
خطبة المسجد النبوي - 13 شوال 1430 هـ
الحمد لله الكريم المنان القوي الكبير ذي السلطان، أحمده على ما مَنَّ به علينا من النعم والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرَّحمن: 29]، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما اختلف الملوان، وتعاقب الجديدان وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسب وطاعته أعلى نسب .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
مضى رمضان وانقضى بلياليه الزاهرة وأيامه العامرة وأجوائه العاطرة، فأشفى من شدة اللوح والظما، وأزال ما شفى من حرقة الصدى، واستيقظت القلوب بعد غفوة ونامت بعد قسوة، ورجعت بعد سهوة، أما القبول فعلاماته لامحة وأماراته لائحة وآياته واضحة .. حسنة تتبعها حسنة، وطاعة تؤكدها طاعة، وإحسان يتلوه إحسان، وذاك دأب العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته، الراجين لثوابه وجنته الذين قويت محبتهم لله - عز وجل - ومحبتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فأخبتت نفوسهم لله وسكنت، ورضيت به واطمأنت {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18].
وأما من انحلت أطنابه ووهت أركانه، وانعكس سيره بعد رمضان، فأبطل ما قدم ونقض ما أحكم، وبدل الحسنات بالسيئات، وحار بعد ما كان، وأرخى لنفسه العنان، وعاد إلى الفسوق والعصيان، فذلك الخاسر المغبون والغاوي المفتون الذي أذهب بهاء طاعته، وأحبط أجر عبادته.
أصف السمع أيها الجمع لقول الله - جل في علاه -: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: 266]. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوماً لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فيمَ ترون هذه الآية نزلت .. {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ فقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "ضُرِبت مثلاً لعمل، قال عمر: "أي عمل؟ "، قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله - عز وجل - ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " أخرجه البخاري، وروى الطبراني بسنده عن قتادة في قوله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] .. قال: "من استطاع منكم ألا يبطل عملاً صالحاً عمله بعمل سيء فليفعل" .. ولا قوة إلا بالله، ولا قوة إلا بالله؛ فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها، يقول - جل في علاه -: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً .. } [النحل: 92].
امرأة حمقاء خرقاء ملتاثة العقل تجهد صباحَ مساءَ في معالجة صوفها حتى إذا صار خيطاً سويا ومحكماً قويا، عادت عليه تحل شعيراته وتنقض محكماته، وتجعله بعد القوة منكوثا، وبعد الصلاح محلولا، ولم تجنِ من صنيعها إلا الإرهاقَ والمشاقَّ، فإيَّاكم أن تكونوا مثلها، فتهدموا ما بنيتم وتبددوا ما جمعتم.
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/362)
أيها المسلمون: داوموا على ما اعتدتم من الخير في رمضان ولا تنقطعوا عنه، وخذوا من العمل ما تطيقون ملازمته والثبات عليه - ولو كان قليلاً - فالقليل الدائم ينمو ويزكو، وبدوام القليل يدوم التعبد لله والذل له، والأُنس به والقرب منه والإقبال عليه، والكثيرُ الشاقُّ ينقطع ولا يدوم؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تُطيقون؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووِم عليه - وإن قل - وكان آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عملوا عملاً أثبتوه" متفق عليه، وعن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: "يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: "لا كان عمله ديمة، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يستطيع؟ " أخرجه مسلم، وقال القاسم بن محمد: "وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته " أخرجه مسلم، وكره أهل العلم الانقطاع عن العمل الصالح استنباطاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان .. كان يقوم من الليل فترك قيام الليل" متفق عليه.
أيها المسلمون: النفس مطية يحول بينها وبين السير إلى الله - تعالى - خطفات الفتن وعقبات الشهوة وقحم الطريق، بَيدَ أنَّ صبر ساعة، وشجاعةَ نفس، وثبات قلب تفضي بالعبد إلى قطع الطريق، واقتحام عقبته، وبلوغ قلته والخروج من الموطئ الغث والأرض الوخيمة، والوصول إلى المنازل والمناهل، والمراتع والمرابع والأماني والضمان؛ فزموا المطية واخطموها وقودوها، وازجروها وتعاهدوها وأصلحوها، وتزودوا للنقلة وخذوا الأهبة للرحلة، وسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة، والقصدَ القصدَ تبلغوا.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من البينات والحكمة.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلَّمَ تسليمًا كثيرا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه: {يََا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119].
أيها المسلمون: تقربوا إلى الله - جل ثناؤه - بطاعته وعبادته، وأداء مفترضاته ونوافله؛ فكلما تقربتم إليه قربتم من داره ودنوتم من جواره ونجوتم من ناره .. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله - عز وجل -: إذا تقرب العبد مني شبراً تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" متفق عليه.
وعنه - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تعالى – قال: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافلِ حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، وإن استعاذني لأعيذنَّه" أخرجه البخاري.
أيها المسلمون:
الدنيا زهرة زائلة ونعمة حائنة، فحقاً على من يعود شبابه هرماً وجدتها وهناً، وقوته ضعفاً، وزيادته نقصاً، وحياته موتاً أن يبادر بالتوبة والإقبال على الله، وينكف عن المعاصي والموبقات، ولا يتمادى في اغتراره، ولا يتناها على إصراره .. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ومن يتحرَّ الخير يعُطه، ومن يتوقَّ الشر يُقَه، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه، فقال قولًا كريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/363)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم وفق إمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح بطانته يارب العالمين.
اللهم وفقه وولي عهده ونائبه الثاني لما فيه عزُّ الإسلام والمسلمين، واحفظهم ومتعهم بالصحة والعافية يا رب العالمين.
اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ..
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم يا حيُّ يا قيوم يا ربَّ العالمين ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يارب العالمين.
اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم انصر إخواننا في فلسطين. اللهم عليك باليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم. اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم يا رب العالمين. اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود.
اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود. اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود.
اللهم أعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وارفع درجاتهم، وقهم شرَّ أعدائهم. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط. اللهم اجعل بلادنا حافظةً لأمرك. اللهم اجعل بلادنا حافظة لأمرك، خاضعةً لشرعك، منقادةً لحكمك وسائر بلاد المسلمين. اللهم اجعل رزقنا رَغَدا، ولا تشمت بنا أحدا، ولا تجعل لكافر علينا يدا.
اللهم اشفِ مرضانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وعافِ مبتلانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
فاذروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم .. {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}.(118/364)
هل يجوز ان ادعي الله بهذة الكلمات
ـ[بندر عبدالله]ــــــــ[30 - 10 - 09, 10:24 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
السؤال:هل يجوز ان ادعي الله بكلمة تكفى او انا طالبك مثل ((تكفى يارب اجب دعائي)) ((انت ياربي راعي الاوله)) ((انا طالبك انك تستجيب دعائي)) ..
ارجوا الاجابه بتفصيل بارك الله فيكم ...
علما ان بعض الاحيان هذي الادعيه تخرج من قلب وحماس وعزم في المسأله وهذا مطلب في الدعاء بارك الله فيكم .........
ـ[بندر عبدالله]ــــــــ[31 - 10 - 09, 08:09 م]ـ
وين طلبة العلم جزاهم الله خير
الموضوع له يوم او اكثر
ودنا بالاجابه بارك الله فيكم
ـ[المسلم الحر]ــــــــ[01 - 11 - 09, 09:50 ص]ـ
سؤال مهم ... لأن الإنسان أحيانا تصدر منه كلمات في الدعاء عفوية تكون فيها الحاجة ملحة و الرجاء قوي فبعد أن ينتهي من الدعاء يجلس يفكر في بعض العبارات ....
بانتظار الإجابة من طلبة العلم ...
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 11:23 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
السؤال:هل يجوز ان ادعي الله بكلمة تكفى او انا طالبك مثل ((تكفى يارب اجب دعائي)) ((انت ياربي راعي الاوله)) ((انا طالبك انك تستجيب دعائي)) ..
..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حيّاك الله أخي
دعاء الله جل وعلا بالألفاظ العامية لا بأس به خصوصاً للعوام وكبار السن
أمَّا المتعلم فالأولى أن يدعو بالعربية ما استطاع
فأمَّا قولهم (تكفى) بمعنى أرجوك وهذا لا بأس به
وكذا قولهم (طالبْك) بمعنى أطلب أو طلبتك وهي لغة عربية فُصحى
أمَّا قولهم (انت ياربي راعي الاوِّله) راعي عند العوام أي بمعنى صاحب فيقصدون أن فضل الله وإحسانه متقدم على غيره وهذا حق
لكن يبدو لي أن فيها سوء أدب ومعنىً ليس بالحسن
وذلك أنها تُوهم السامع أو القائل أن فضل الناس وإحسانهم عليه مساوٍ لفضل الله وأنه جاء بعد فضل الله
فلله الفضل أولاً وآخراً
والله أعلم وأحكم
ـ[أم ديالى]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:05 م]ـ
جزاكم الله خيرا اخي الكريم ابو العز
ـ[ربى الجزائرية]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:12 م]ـ
عذرا أخواني الطلاب الكرام مهلا ... لنتبين مقصد الأخ بندر من الكلمات التالية
(تكفى)
(راعي الاوِّله)
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:27 م]ـ
وقد لا يكفي حسن مقصد القائل يا أختي للجواز
ـ[المسلم الحر]ــــــــ[01 - 11 - 09, 04:04 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حيّاك الله أخي
دعاء الله جل وعلا بالألفاظ العامية لا بأس به خصوصاً للعوام وكبار السن
أمَّا المتعلم فالأولى أن يدعو بالعربية ما استطاع
فأمَّا قولهم (تكفى) بمعنى أرجوك وهذا لا بأس به
وكذا قولهم (طالبْك) بمعنى أطلب أو طلبتك وهي لغة عربية فُصحى
أمَّا قولهم (انت ياربي راعي الاوِّله) راعي عند العوام أي بمعنى صاحب فيقصدون أن فضل الله وإحسانه متقدم على غيره وهذا حق
لكن يبدو لي أن فيها سوء أدب ومعنىً ليس بالحسن
وذلك أنها تُوهم السامع أو القائل أن فضل الناس وإحسانهم عليه مساوٍ لفضل الله وأنه جاء بعد فضل الله
فلله الفضل أولاً وآخراً
والله أعلم وأحكم
بارك الله فيك أخي الكريم و جزاك الله خيرا ...
ـ[بندر عبدالله]ــــــــ[01 - 11 - 09, 08:32 م]ـ
بارك الله فيك اخي وغفر الله لي و لك وللمسلمين والمسلمات
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[11 - 11 - 09, 09:09 م]ـ
بارك الله فيك اخي وغفر الله لي و لك وللمسلمين والمسلمات
آمين
وجزاك الله خيرا أنت والأخوة والأخوات الأفاضل(118/365)
إجابات قوقل منحة أم محنة
ـ[سعد الشمري]ــــــــ[30 - 10 - 09, 11:48 م]ـ
لازال الشيخ قوقل يمتعنا بكل جديد ومفيد ومن آخر إبداعاته خدمة " إجابات " والتي تهدف إلى صنع قاعدة معلومات ضخمة من الأسئلة والأجوبة بكل اللغات وبكل المعارف والعلوم، يقوم بكتابة أسئلتها وإجوبتها القراء، والكل يتسابق ليحصل على أعلى النقاط ليكون في القائمة ذات النقاط الأعلى والسمعة الأحسن، فكل ما كانت مشاركاتك أكثر كانت نقاطك أكثر، وكل ما كان تقويم القراء لأسئلتك ولأجوبتك أكثر كانت سمعتك أكبر.
إذا هناك طريقتان للتقويم، الأولى الكم والثانية الكيف.
ومن إبداعات الخدمة أن كاتب السؤال هو الوحيد الذي يمكنه إغلاق الإجابة عن السؤال ويمكن البقية فقط القراءة والتقويم.
ومن خدماته أنك تستطيع أن تسأل عموم الناس وتترك افجابة مفتوحة للجميع، وبإمكانك أن توجه سؤالك للشخص الذي تريده من مشاهير المجيبين.
هذه مقدمة تعريفية بسيطة ويغنيك عنها جولة بسيطة في هذه الخدمة
أما بعد:
فقد استنتجت استنتاج بسيط بعد جولة لمدة أسبوع في هذه الخدمة وهي أن قوقل سيصدّر مفتين ومعلمين للعالم عبر الأنترنت، والذي أقلقني أكثر عندما دخلت الأسئلة الخاصة بالاسلام ورأيت عبث المجيبين من المبتدعة وأهل الخرافة وكذلك من غير المسلمين، ورأيت جهودهم في تشويه الإسلام من خلال كتابات أهل البدع وأنشطهم الروافض.
ولما كان لهذه الخدمة من نفع كبير في نشر هذا الدين الصحيح، وأثر أكبر في صد ما يكتب عن ديننا ومعتقداتنا من أعدائنا، ولكونه مقدم من شركة قوقل الرائدة في تقنيات الأنترنت، والتي دخلت خدماتها ومواقعها كل منزل، فيسرني أن أقدم لكم هذه المقترحات حتى نستفيد بقدر أكبر من هذه الخدمة العجيبة والمقدمة من شيخنا قوقل.
المقترحات:
1. أن تعيد إرسال رسالتي هذه لمن معك في قائمة الاتصال والمهتمين بالدعوة والعلم، كما تنشرها في المنتديات والقروبات الدعوية والإسلامية.
2. أن تنشئ المنتديات والمواقع الإسلامية معرفات خاصة بها في خدمة قوقل لنشر المواد الموجوده لديها عبر خدمة إجابات قوقل، وتخيل لو تنشر مواد مواقع المنجد العودة والعمر وغيرهم من المفتين على شكل أسئلة وأجوبة بالتأكيد سيكون لها أثر كبير لما لأسماء العلماء من أثر كبير على قبول الإجابة.
3. أن يكون لكل عالم معروف أو حتى طالب علم اسم في إجابات قوقل يجيب عن الأسئلة حتى تنصرف الناس إليهم عن غيرهم، ومع كثرة المشاركة وجودة المعلومة سيشتهر حتى غير المشاهير.
4. أما غير طلاب العلم والمشايخ فيمكنهم قص ولزق ما هو موجود من كتب أهل العلم ومن المواقع الإسلامية وخصوصاً الفتاوى ونشرها في هذه الخدمة.
5. ومن إنكار المنكر التعقيب على الإجابات السيئة والمسيئة وبيان الحق إن كان السؤال مفتوحاً أما إن كان مغلقاً، فيمكن المساهمة في التقييم، أو التبليغ عن الإساءة إن كان السؤال أو الجواب يتضمن إساءة.
6. طرح الشبه والتشكيك والدعوة لأرباب الأديان الأخرى والفرق البدعية الضالة وسيلة فعالة في إجابات قوقل، فمخالفك منهم لن يدخل موقعك الإسلامي السني ولكنه سيدخل هذه الخدمة العامة الغير محسوبة على أحد، وعندها تكون فرصتك.
7. وكل ما ذكر يمكن تطبيقه على المجيدين لللغات العالمية الأخرى
هذا ما تيسر على عجالة حينما اطلعت على هذه الخدمة
أسأل الله أن يبارك في الجهود ويخلص النيات
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سعد الشمري
رفحاء
ليلة السبت 11/ 11/1430هـ
ـ[ابن الحميدي الشمري]ــــــــ[31 - 10 - 09, 01:53 ص]ـ
سلام الله عليك ـ يالبناخي ـ ورحمته و بركاته، أما بعد:
.
أجزل الله لك المثوبة، و لا حرمت الأجر
.
لي ملحوظة بسيطة: هلا كبرت الخط؟
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:06 ص]ـ
جزاك الله خير علي التنبيه
ـ[أبو طلحة الثمالي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:47 ص]ـ
جزاك الله خير الجزاء
وأنا والله أعتقد أن هذا من البلاء الذي عم وطم في هذه الشبكة
يا أخي الكريم هناك من إذا خلت المحركات من إجابات عاد كما كان من حيث العلم و الجهل
مقترحاتك في محلها و الله أعلم
لا حرمك الله الأجر أخي العزيز(118/366)
طلب موسوعة فتاوى الشيخ عطية صقر (رحمه الله)
ـ[ابو غالب الرومي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:44 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخوة الأفاضل
بحثت كثيرا عن موسوعة فتاوى الشيخ عطية صقر رحمه الله فوجدت أن الروابط جميعها معطلة
أهل أجد الموسوعة عندكم؟
سأدعوا لكم في سجودي ان شاء الله(118/367)
متجدد .. سلسلة تعريفات للكتب العلمية .. شارك معنا ولك الأجر من الله
ـ[بهاء الدين السماحي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:49 ص]ـ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
هذه سلسلة لتعريف الكتب على منهج كتاب كشف الظنون الذي ألفه حاجي خليفة رائد علم مصادر المصادر المعروف بعلم البيبلوغرافيا.
نود من أهل العلم من مشايخنا الكرام أن يشاركوا في إثراء هذا الموضوع بمختصرات تعريفية لما قرؤوه من كتب نافعة, فمن سبر أغوار الكتب يعرف ما فيها من موضوعات ومباحث ومناهج.
والهدف هو مرضاة الله تبارك وتعالى
ثم تقريب ما في هذه الكتب لطلاب العلم الصغار أمثالي لعل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها فئام من الناس.
ونرجو الله أن يتقبل هذا العمل في عداد العلم الذي ينتفع به, فشاركونا واحتسبوا عند رب العالمين.
وتذكر قول الحبيب صلى الله عليه وسلم (لئن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم).
والله من وراء القصد
وهو بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل
وصلي اللهم وسلم على قدوتنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ[بهاء الدين السماحي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:55 ص]ـ
صحيح البخاري
اسم الكتاب: الجامع الصحيح المسند لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وسننه وأيامه
المشهور: بصحيح البخاري
للإمام الحافظ أبي عبد الله: محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري
المتوفى: بخرتنك سنة 256، ست وخمسين ومائتين
وهو أول الكتب الستة في الحديث وأفضلها على الإطلاق.
قال الإمام النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان: (صحيح البخاري) و (صحيح مسلم) وتلقتهما الأمة بالقبول
وكتاب البخاري أصحهما صحيحا وأكثرهما فوائد وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد منه ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث وهذا الترجيح هو المختار الذي قاله الجمهور.
عدد أحاديثه كما قال ابن الصلاح 7275 حديثا.
وقال بن حجر العسقلاني إن عدة ما فيه 7397 حديثا سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات.
يتبع إن شاء الله
ـ[ابو الأشبال الدرعمي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:54 ص]ـ
أقترح عليك أخي الكريم أن تبدأ بالكتب الأقل شهرة فتفيدنا جميعا(118/368)
هل يجوز للمرأة أن تظهر كفيها و ظهور قدميها في الصلاة؟
ـ[أبوبدر ناصر]ــــــــ[31 - 10 - 09, 09:18 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز للمرأة أن تظهر كفيها و ظهور قدميها في الصلاة عند عدم حضور الأجانب؟ و ما الدليل على ذلك؟
ـ[أم ديالى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 10:13 ص]ـ
تفضل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=140148
ـ[أبوبدر ناصر]ــــــــ[07 - 11 - 09, 09:22 ص]ـ
بارك الله فيك و لكن ماذا عن الكفين؟
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[07 - 11 - 09, 01:32 م]ـ
الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين على أنه يجوز للمرأة أن تكشف كفّيها في الصلاة , واختار هذه الرواية من الحنابلة الموفق وابن تيمية والمرداوي , لأن أمرها بتغطية يديها في الصلاة يحتاج إلى دليل , وإنما هي مأمورة بالخمار مع القميص.
والرواية الثانية في مذهب الحنابلة وهي الصحيح من المذهب , أنه لايجوز للمرأة أن تكشف كفّيها في الصلاة , واختارها الأكثر , وجزم بها الخرقي , لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((المرأة عورة , فإذا خرجت استشرفها الشيطان)).
لكن قد ينازع هذا الاستدلال بأن المرأة عورة إذا صلّت بحضرة الأجانب فتغطي كفّيها , أما إذا صلّت وحدها بحيث لايراها أحد أو حيث لا يراها إلا محارمها ونساء المسلمين فلا يتأتى هذا الاستدلال , والله أعلم.
المرجع: [منحة العلاّم شرح بلوغ المرام للشيخ عبدالله الفوزان, م2/ 327_328].
قال الشيخ ابن عثيمين في: [شرح بلوغ المرام, م2/ 267]:
( ... ولذلك اختلف العلماء رحمهم الله في وجوب ستر الكفّين والقدمين أثناء الصلاة: فمنهم من قال بالوجوب , ومنهم من قال بعدم الوجوب (1) , والقول بعدم الوجوب أظهر , والقول بوجوب السترِ أحوط , وعلى هذا فنأمر المرأة قبل أن تصلي أن تستر الكفين والقدمين , لكن لو أنها صلّت مكشوفة القدمين والكفين ثم جاءت تسأل فلا نأمرها بالإعادة , لأن الأظهر في الدليل عدم وجوب ستر الكفين والقدمين , لأن الشئ الذي يكون على سبيل الاحتياط يؤمر به الإنسان قبل فعله , أما بعد أن يفعل , فما وجب على سبيل الاحتياط لا يمكن أن يقوى على إبطال العبادة).
(1) وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية.(118/369)
أين أجد كتاب الاعتقاد للبزرنجي؟
ـ[أبو عبد العزيز الجالولي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 09:34 ص]ـ
إخواني الكرام أريد كتاب الاعتقاد للبزرنجي. بحثت عنه فلم أجده.!!!!!
أرجو منكم أيها الأفاضل: من وجده أو كان عنده فليبعثه إلي ضرورة أو يحمله هنا على ه>ه الصفحة.
بارك الله في الجميع.
ـ[عبد الكريم آل عبد الله]ــــــــ[31 - 10 - 09, 12:25 م]ـ
تأكد من ضبط اسم صاحبه,,,
ـ[الشيشاني]ــــــــ[15 - 11 - 09, 04:34 م]ـ
للرفع. (بحثا عن الكتاب)
وللفائدة: سلسلة شرح كتاب الاعتقاد للبزرنجي الحسيني ( http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=series&series_id=3503) - للشيخ عبد الله بن جرين - رحمه الله تعالى -.
ـ[محمد النفيعي العتيبي]ــــــــ[15 - 11 - 09, 08:44 م]ـ
الكتاب حققه الدكتور محمد بن عبدالرحمن الخميس وطبع في مكتبة المعارف مع كتاب الاعتقاد لآبي يعلى الفراء الحنبلي
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[15 - 11 - 09, 10:32 م]ـ
هو اعتقاد الشافعي إذن للبرزنجي(118/370)
جامع مواضيع الملتقى المتعلقة بموسم الحج
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:32 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد:
هذا الموضوع جامع لكل المواضيع التي كتبت في الملتقى،
والمتعلقة بموسم الحج،
حتى أني لم أدع شاردة ولا واردة كتبت، إلا ووضعت رابطها!
أسأل الله جلا وعلا أن ينفعنا بها
وأبدأ إن شاء الله ...
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:02 م]ـ
عشر خصال لمن فاته الحج هذا العام
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119293
الحج والعمرة خطوة خطوة - الحلقة الأولى
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5980
رسالة إلى داعية بمناسبة قدوم موسم الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=47363
سنة في الحج تكاد تندثر.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87728
فتوى سماحة الشيخ عبد الرحمن البراك: في التوسعة الجديدة وحكم السعي فيها
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=143704
هنا غرائب المسائل والوقائع في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88709
مسألة في الحج تشكل دائما
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88644
هل للمتمتح بالحج أن يقلب تمتعه إلى الحج (الأفراد)؟ لا بقصد الفرار من الهدي؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88583
بهذا يحصل الاطمئنان لصحة السعي في التوسعة الجديدة للمسعى:: للشيخ عبدالمحسن العباد
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=131185
عاجل جدا هل نشر الفتاوى الخاصه بعدم جواز السعي في المسعى الجديد من النصح للمسلمين ام
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=127801
حمل كتاب فتاوى اللجنة في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16236
[.......... مكتبة الحج .......... ]
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16146
أخطاء تقع في الطواف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15651
توحد في (الحج) واختلاف في (رمضان)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=13755
موسم الحج ولقيا العلماء
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6155
لقاء الملتقى بالشيخ (د. عبد الكريم الخضير) حفظه الله (حول مسائل الحج) ضع سؤالك.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=46901
ما هي تحية المسجد الحرام: هل الطواف أم ركعتين؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5459
هل التمتع في الحج واجب؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5456
منكرات و بدع الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88279
من جعل نفقت الحج من كسب ((أسهم البنوك))؟!! هل ((حجه مبرور))؟؟!
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88261
ما حكم من ترك السعي في الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=123454
للتنبيه على هدي الحج وحكم الأكل منها
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=122671
فضل يوم عرفه
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119886
أريد جوابا عاجلا عن إختلاف يوم عرفة بالعالم .....
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119647
معاني العقيدة من خلال فريضة الحج د/ عبد العزيز آل عبد اللطيف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119250
اضحية لمن لم يذهب الى الحج:سؤال
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119200
سئل الامام عبد العزيز بن باز عن الحج بالمال الحرام أهو مفسد للحج؟؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=118231
مجموعة أسئلة في الحج، أرجو الإجابة عليها.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=117329
سؤال عن الحج بالأنابه؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=117242
هل يصح هذا الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=116727
ما هو الراجح في هذه المسألة واما امفاضلة بينه (اي الاعتمار في اشهر الحج) ورمضان
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=116642
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/371)
المسعى الجديد ... هل سيفسد السعي أم هو صحيح!!!
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=112645
هل يجوز بقاء المعتمر في رمضان لغير المقيم بمكة لأداء فريضة الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=109300
ماذا تفعل من توفي زوجها وهي تؤدي مناسك الحج؟ تكمل أم ترجع؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=105639
إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي في العمرة وهي من دولة بعيدة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=105412
هل من اختيارات ابن القيم أن الحج على الفور؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=105239
هل يجوز أن أؤثر والدي على نفسي في الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=102472
ما هو القول الفصل في من لم يتلفظ بنية الحج أو العمرة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=97714
هل من فضل أو ميزة لمجيء عرفة يوم الجمعة؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88894
عشرُ مزايا لوقفة الجمعة يوم عرفة.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88868
حكم صيام يوم عرفة مفردا إذا وافق يوم الجمعة؟.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88848
إذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة فما كيفية ((الصلاة والخطبة))؟!!!
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88758
رقم مجاني لفتاوى الحج حتى من الجوال
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88556
من يؤكد لنا صحة هذه الفتوى من ضعفها؟ بجواز رمي الجمرات في الأربع والعشرين ساعة في أيام
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88542
فتاوى الحج للعلوان
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88255
نظم الحج والعمرة من كتاب العمدة للمقدسي للشيخ محمد سالم عبد الودود
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88135
هل هناك كتاب تحدث عن صحبة العلماء في الحج.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88106
المسائل الجديدة فى الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87966
أخذ المال من حملات الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87939
الاختيارات العلمية في مسائل الحج والعمرة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87827
هل تابع أحد العبيلان بالنقل عن الألباني بعدم وجوب السعي الثاني على المتمتع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87823
مواقع مفيدة ومقالات متنوعة وكتب عن الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87735
موقع الحج والعمرة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87714
كتب ومطويات عن الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87710
مسائل فقهية في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87707
مقالات في الحج ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=87659
ماذا كان يفعل سماحة الإمام ابن باز رحمه الله قبل دخول موسم الحج.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=86936
ما حكم تكرار الطواف النافلة لغير المحرم؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=125347
إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي في العمرة وهي من دولة بعيدة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=105412
حكم أهداء ثواب الطواف لغير؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103380
لم لا تكون المساجد فيها اختلاط النساء بالرجال مثل الطواف؟!
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=99732
الاختلاط في الطواف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=95401
هل يجوز الطواف والسعي على "سير كهربائي"
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=89846
الطواف أنواعه وأحكامه
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88374
أريد بحوثا في ثلاث مسائل في الحج .. فهل من دال إليها، وله شكري
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=86798
بمناسبة الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=86780
هل يلزم الطائف حول الكعبة أن يجعل الكعبة عن يساره طوال الطواف؟؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/372)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=86765
هل ترك الواجبات في الحج لا يُعذر فيها بالجهل أو الخطأ أو النسيان؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=84275
الركن الأول من أركان الحج والعمرة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=81691
الترغيب والترهيب في الحج والعمرة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=81690
هل يجوز التقدم للزواج في الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=79919
هل الحج على الفورية ام على التراخي؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=75498
سؤال للمرة الثالثة فهل من مجيب هل ترك واجب من واجبات الحج متعمدا وجبره بدم ينافي كون
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=75393
أرجو إسعافي بكتاب شامل عن مسائل فسوخ الحج.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=74939
يا أهل الحديث ماهو العقاب المترتب الي يذكره العماءعلى من اخر الحج أو تركه
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=73133
نرجوا مشاركة الجميع: لماذا استخدم الله لفظة ((الناس)) في ايات الحج دون غيرها؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=71455
هل ذبح الهدي من محللات الاحرام في الحج أرجوا التفصيل في هذه المسأله وشكراً
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=70444
مسألة في الحج، وأخرى في الفرائض
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=70175
سؤال في الحج والإمارة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69873
سؤال عاجل: هل دعاء عرفة خاص بأهل الموقف أم هو شامل لكل مسلم؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69673
عاجل: عرفة هل مع البلد أم مع السعودية؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69672
هل الأجر في الحج على قدر المشقة! د. نايف بن أحمد الحمد
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69392
سؤال ورد حول مسائل الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69357
هل يجب الحج على من كانت هذه حالته ...
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69221
كيف أدعو إلى الله في الحج ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=69039
هل يجوز السعي بلا طواف القدوم للقارن والمفرد؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68964
شروح مفيدة في الحج (البلوغ-دليل الطالب-الروض-منهاج السالكين
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68927
أيهما الأفضل -في مناسك الحج- فعل الأسهل أو الأصعب والأشد؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68891
سؤال في الطواف ... هل من إفادة؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68470
من يدلني على بحث لمسألة هل يلزم الحاج دم اذا ترك واجبا من واجبات الحج؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68447
هل لديك أي اشكال في الحج ... ؟ اذن تفضل.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68375
شرح كتاب الحج من البلوغ ((أرجو المساعدة))
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68301
موسوعة الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68262
الحج ركن من أركان الإسلام لكن هل العمرة كذلك دعوة للمدارسة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68218
ـ[جهاد حِلِّسْ]ــــــــ[31 - 10 - 09, 03:13 م]ـ
مسألة معاصرة في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=68001
هل عمل إعلان للناس سيؤدي الحج من سنة؟ ائت دليلا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=67849
العبث بدين الله ... أو الحج على الطريقة التونسية:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41919
من فضائل الحج وأسراره وحكمه
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41777
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية و الإفتاء هل يحق للمرأة المسلمة أن تؤدي فريضة الحج مع ن
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41298
بطلان الوضوء اثناء الطواف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=40998
نقول عن بعض أهل العلم القائلين بعدم وجوب السعي الثاني للمتمتع
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/373)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=40945
الكتب المقترحة لمراجعة مسائل الحج (دعوة للمشاركة)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=40729
شرح كتاب الحج من الروض المربع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=40316
سؤال فقهي في الطواف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=37223
شارك برأيك حول هذا الخبر"إزالة خط بداية الطواف حول الكعبة"
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=33524
بماذا أجاب جمهور العلماء على وجوب بعض الأعمال في الحج بالفعل النبوي
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=33059
من مات في الحج بدهس او خلافه مع الزحام هل يلزم الحكومة بدفع الدية له ?
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=28927
الحج والعمرة نافلة عن الغير الصحيح القادر
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=28723
من يعرف ما هي إحداثيات مواقيت الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=66318
لماذا المرأه لا تهرول أثناء السعي
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=26469
ماذا عن تكرار الحج؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=26322
ما حكم التوكيل في غير رمي الجمار في الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=26290
من درر الامام السعدي رحمه الله عن الاستطاعة في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25967
في من حج عن غيره، هل له أجر الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25909
حكم النيابة في الحج.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25861
فتاوى الشيخ د / عبد الكريم الخضير حفظه الله في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25827
من آخر ما أفتى به الشيخ ابن عثيمين في مسائل الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25782
أنواع الحج والفرق بينهما جزاكم الله خيرا ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25777
مكي توكل عن آفاقي في الحج والعمرة،فهل يلزم الآفاقي دم تمتع؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=65060
نظم أوقات الإجابة في الحج .. لابن علان ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25742
مفهوم حد الإستطاعة لوجوب الحج / وجواب ابن عثيمين على ذلك
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=65025
مناقشة مسائل من الشرح الممتع (كتاب الحج)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25715
::: العمرة في أشهر الحج:::
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25544
كتاب لايستغنى عنه (الجامع لأحكام الحج والعمرة) للشيخ عبدالرحمن الهرفي.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=64813
خصوصيات النساء في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25445
قول الشيخ الطريفي في السعي الشديد بين العلمين
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=64749
فوائد واختيارات في الحج لشيخ الإسلام ابن تيمية
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25388
قول: (لبيك اللهم عمرة متمتعا بها الى الحج) لا أصل له.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=64544
ابن تيمية يُسأل شعراً .. فيجيب بالشعر (في الحج)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25208
مامعنى القول بأن المحرم للمرأة في الحج شرط للأداء؟؟؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=24968
بعض مسائل الحج المعاصره ... منقول
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=24472
ما دليل الطواف في غير النسك (السبيع) وما هو فضله؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23537
هل نص أحمد هل نص الإمام أحمد على أنه لابأس بالتعريف عشية عرفة في الأمصار؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=61531
من القائل: (غالب مسائل الحج عمدتها الآثار)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=19497
ما حكم صناعة نموذج للكعبة ثم الطواف حولها؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=18792
وكيل في الحج .. مات في زحام الجمرات .. هل تم حجه؟
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/374)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=17130
أحتاج إلى بحث عن الحج بالمال الحرام
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16752
ماذا يقول الإخوة في هذه المسألة [السعي للحج قبل الطواف]
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16683
عاجل قبل الحج موضوع للنقاش فمن لم يناقش ليس عليه دم
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16380
مالفرق بين السنة الماضية والباقية في صوم يوم عرفة؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=56429
سؤال عن يوم عرفة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16302
تقديم السعي على الطواف ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16265
صدر حديثا عن الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16262
رسالة تيسير أحكام الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16213
الدليل على إيجاب الدم في الحج، والانابة في الرمي، ومنع الرمي قبل الزوال؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16212
غاية الأمتاع في صفة الحج من الأحرام الى طواف الوداع
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16176
هل تشرع الأضحية لمن عزم على الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16151
مجموعة من فتاوي الحج لشيخنا العلامة سليمان العلوان
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16135
قراءات في أبواب الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16079
مسائل معاصرة في الحج .. للشيخ عبدالعزيز العويد
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16058
أدلة من خالف الجمهور في تحديد السنة التي فرض فيها الحج ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15996
ما حكم سفر المرأة لأداء فريضة الحج بلا محرم؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15980
الإجماعات التي قيلت في مسائل الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=56037
شرح كتاب الحج من صحيح مسلم ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15919
مسالة مهمة في الحج عاجل جداً
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15837
بعض الأسئلة عن الحج0
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15748
سؤال في الحج لو سمحتم
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15735
اختيارات الشيخ السعدي في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15569
مسائل متنوعّة حول الحج من دروس الشيخ خالد الهويسين
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15497
السعي المشكور (4)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15482
كتاب الحج من شرح بلوغ المرام
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15124
سؤال في الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15008
الطواف أقل من سبع أشواط
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=14357
ما الحدّ المجزيء في التقصير بعد السعي؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=14040
قال الامام ابن باز رحمه الله نعم يكبر المعتمر عند الانتهاء من الطواف والسعي
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=54390
هذا أقوى حديث في فضل الطواف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=53305
أجوبة الشيخ د/ عبدالكريم الخضير عن بعض تساؤلات الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=7235
شرح حديث جابر في الحج للشيخ عبدالعزيز الطريفي
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=7062
فضائل يوم عرفة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=47396
حديث الحج للنزهة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6233
اشكال في حديث صيام يوم عرفة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6203
السكينة أيها الناس (مسائل في الحج)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6188
ما حكم الحج عن الغير؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6179
خذ نسختك: مجلد فتاوى اللجنة الدائمة في الحج والعمرة.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6050
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/375)
عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يرى كفر تارك الحج ((تصحيح خطأ مشهور)) ..
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=6035
سؤال عن الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5994
مَسْأَلَة التَّفْضِيلِ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالْعُمْرَةِ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5923
ما رأيكم في جمع الأحاديث المعلولة في كتاب الحج والعمرة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5846
سلسلة أحكام الحج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5706
بشرى لطلاب العلم عن الحج .............. ؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5603
( 140 ) سؤال عن الحج للشيخ سليمان العلوان
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=46779
قول الأحناف باعتبار اختلاف المطالع في الحجّ والأضحية وعدمه في الصوم!
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=498
ما صحة قول عائشة رضي الله عنها لعروة: قل: اللهم إني اريد الحج ...
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=119365
إشكال في استنكار أحمد لحديث عند مالك عن الطواف لمن جمع الحج والعمرة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=98887
لماذا قدم البخاري كتاب الحج على كتاب الصوم؟؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=41128
من فوائد (شرح حديث جابر في الحج) للشيخ عبدالكريم الخضير
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=51317
تقديم الشيخ السعد لكتاب دراسة لحديث أم سلمة في الحج (بحث في جهالة الرواة)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=7787
( الفصل في المنازعات حول حديث الحج كل خمس سنوات)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=47128
طلب عن تخريج حديث إنما جعل الطواف بالبيت ... لإقامة ذكر الله
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=12977
وصول الأماني للإمام السيوطي (3): باب ((التهنئة بالقدوم من الحج))، مع التخريج
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=14470
فوائد من (كتاب الحج) من (كتاب إرواء الغليل)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=14785
دراسة معللة لحديث (إن الله كتب عليكم السعي) لفضيلة الشيخ الدكتور تركي الغميز
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=55979
هل يثبت قراءة سورة الكافرون والإخلاص في ركعتي الطواف
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15962
تخريج حديث الطواف بالبيت صلاة
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=16648
أثر عمر في المعتمر في أشهر الحج يرجع إلى بلده ......
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=67559
ما صحة حديث البن عمر في فضائل أعمال الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88348
هل يمكن تخريج حديث ابن عمر في فضائل أعمال الحج؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88349
أحاديث في الحج ضعّفها: (العلوان ـ الطريفي ـ السعد)
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88576
أحاديث في فضائل يوم عرفة ... هل تصح؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88874
ما رتبة حديث: سيد الأيام يوم عرفة؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103211
[ هل حديث] صوم يوم عرفة [الذي في صحيح مسلم ضعيف]؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=109552
قصة خطبة يوم عرفه
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=121028
من قال أن السعي سنة استدلال بهذا ... هل يصح!!
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=132487
رجوع القهقرى بعد الطواف. هل هو بدعة؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=90918
التَّوْحِيد فِي الْحَجِّ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=88805
مسألةٌ في الفدية في الحج .. هل قال بقول ابن قدامة فيها أحدٌ من أهل العلم؟
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=64916
ما حكم السعي على السير الكهربائي
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=146997
يتبع بإذن الله ...
ـ[أبو عبد الله القصيمي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 04:13 م]ـ
أحسن الله إليك على هذا الجهد الطيب.(118/376)
اعرف طالب علم بهذه الصورة فهل اقول عنه طالب علم او عالم.
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[31 - 10 - 09, 02:35 م]ـ
اخواني الكرام هذا الموضوع اريد نقاشه معكم وهو اعرف اخ من الاخوة الافاضل خريج جامعة علمية لاتمت بصلة للعلوم الشرعية الا انها قد تكون اكسبت الاخ فهم عميق وزيادة في ذكائه المهم ان هذا الاخ منكب على طلب العلم الشرعي من سنوات عديدة جدا ولا اخفيكم ان الله من على صاحبي هذا بفهم كبير للعلوم الشرعي وبتأصيل علمي قل نظيره وحين اقول هذا فلا ابالغ والله علما ان معظم علم هذا الرجل اكتسبه بنفسه من مطالعته وسماعه للاشرطة بجانب الاستفسارات والاستفتاءات كذلك لاانسى ان اذكر انه درس علم النحو واللغة العربية اثناء دراسته النظامية في المدارس والاخ هذا صاحب عقيدة سلفية وملم بفتاوي عظماء اهل العلم ومطلع على افكار ومناهج ومذاهب بأختصار قاريء نهم جدا وماذكرت موضوع او مذهب او منهج او عقيدة الا ووجدت ان الشخص مطلع على الامر اطلاعا تاما ويذكر لك اقوال علماء قدماء ومعاصرين لهذه المسألة سؤالي هل استطيع ان اصف هذا الشخص بطالب علم متقدم؟ لان بعض المشايخ يقللون من قيمة من يطلب العلم لوحده ووالله صدقوني كثير ممن درسوا في الجامعات الشرعية لايأتون شيء امام هذا الرجل الذي طلب العلم لااكثر من عشرة سنين. وهل يمكن لهذا الشخص ان يصل الى مرتبة عالية في طلبه تضاهي العلماء؟
ـ[أبوراكان الوضاح]ــــــــ[31 - 10 - 09, 06:15 م]ـ
جزاك الله خيراً ..
[لان بعض المشايخ يقللون من قيمة من يطلب العلم لوحده .. ]
التعليل على التقليل من شأن من يطلب العلم لوحده, أعلم أنه ليس هناك دليل, لذلك أطلب التعليل ..
بارك الله فيك أخوي حمدان ...
المهم إذا كان الرجل كما قلت وتأصّل تأصيلاً علمياً على الجادّة المطروقة المعروفة, فالمانع أن يقال عنه طالب علم
قوي أو طالب علم ... وسواءً قيل عنه طالب علم أو غير ذلك, فإنها لاتنفعه ولاتضرّه ... والله المستعان ...
ـ[أبو حمزة المقدادي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 11:46 م]ـ
لا يقال عالم حتى يقول عنه العلماء ذلك ويزكوه
ـ[محمد العوني]ــــــــ[31 - 10 - 09, 11:49 م]ـ
المهم أنّ يخلص في طلبه للعلم و في دعوته، و يعمل بما عمل و يتجرد للدليل.
و ما عليهِ بعدها إنّ وصفَ بأنهُ عالمٌ أو عامي،
و الأولى أنّ يهتم طالبُ العلم بمنزلتهِ عند الله - سبحانه و تعالى -
ـ[أبو سليمان الهاشمي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 12:11 ص]ـ
عجبا لك أخي السائل (جوابك ضمنته في سؤالك) وانتهى الاشكال 0 ولتعلم رعاك الله ان العبرة ليست بالمسميات بقدر ما هي بالحقائق 0 قالعلم ما نفع ودل العبد على تقوى الله وخشيته 0 وملاحظة الاخ العوني محل اعتبار 0 جعلنا الله واياكم من الحريصين على العلم النافع والعمل الصالح
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[01 - 11 - 09, 12:38 ص]ـ
لا يقال عالم حتى يقول عنه العلماء ذلك ويزكوه
اخي لماذا؟ وماهو الدليل على هذا؟
ـ[المعلمي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 11:29 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الفاضل أبو حمدان:
السلام عليكم ورحمة الله،،،
نحن نحمد الله تعالى على أن من علينا بوسائل جديدة في هذا الزمان لطلب العمل واترك عنك قول من يقدسون الوسائل الأثرية فليست من مقاصد الشرع ولا أنها خير معين لطلب العلم وإنما كانت الوسائل الوحيدة المتاحة ولم يكن يحصل العلم إلا بها.
وهذه الوسائل لم تعد أجدى من الوسائل الحديثة كالأجهزة المرئية والمسموعة، فأنت تستطيع التواصل مع مشارق الأرض ومغاربها في دقائق، واليوم أصبح لكثير من أهل العلم مواقع خاصة بهم، وأصبحت الكتب والتي عليها معول العلم توزع نسخها الألكترونية بالمجان ويتسابق على ضبطها ونشرها.
فأي نعمة أرجى من هذه النعمة؟!
وأما ثني الركب عند أهل العلم ففيها فوائد أخرى غير تحصيل العلم وضبطه، منها تعلم السمت والخلق وتزكية النفس والرفقة الصالحة التي تعينك على ذكر الله ونحوها بل أن هذه المجالس تقوي الإيمان وتثبته في القلب.
وكم من عالم تبحر في العلم ولم يكن السبب كثرة مشائخه أو كثرة مجالسته لأهل العلم، وإنما بما حباه الله من فطنة وحذق وذكاء وفقه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ـ[ابو حمدان]ــــــــ[01 - 11 - 09, 01:18 م]ـ
بوركتم يا اخوة وارجو المزيد من المشاركات وذكر امثلة.
ـ[أبو اسحاق الصبحي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:58 م]ـ
لا يقال عالم حتى يقول عنه العلماء ذلك ويزكوه أخي بارك الله فيك هذا كلام غير صحيح ولكن ينظر إلى أقوال الرجل وموقفه من الحق والباطل فإن كان حقا يقبل وإن كان باطلاً يرد
أما يشترط أن يقول العلماء عنه ذلك فلا يشترط ذلك
فمن كان عنده علم فليقل به وإلا فلا فالعبرة بالعلم والفهم في الدين وليس يالتزكية والثناء
وإنما يزكي الرجل علمه وفقه والعمل بما علم والسير على العقيدة الصحيحة وعلى نهج السلف
وقدحكى لي بعض الأخوة
أنه تناقش مع أخ له في مسألة فقهية فأختلفا كل منهم يأخذ بقول شيخه فقال له الاخ الآحررآي أنا الصواب لأن شيخي مزكى من مشايخ كبار
فقلت سبحان الله وهل المسائل الفقهية تاقش هكذا
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/377)
ـ[أبو وئام]ــــــــ[01 - 11 - 09, 04:28 م]ـ
بارك الله فيكم
كثير من الدعاة العلماء خريجوا كليات علمية وما أتذكره الآن الدكتور محمد إسماعيل المقدم، بله منهم من تخرج من كلية الألسن لغة إسبانية كالشيخ أبو إسحاق الحويني شافاه الله. والكثير من أعضاء الملتقى الفاعلين مهندسون وأطباء ورياضيون ومبرمجون
والسبب أن نظامنا التعليمي يدفع الطلبة النجباء الأذكياء إلى الكليات العلمية وفيها يتعلم الطالب التركيز والضبط والدقة والحفظ وأصدقكم القول حينما أقول أنني تعجبت من حجم المواد المقررة علينا حين درست المواد الشرعية مقارنا إياها بما كنا نضطر لحفظه في مادة الكيمياء الحيوية أو علم الحيوان مثلا
ـ[ابو خالد الطيب]ــــــــ[01 - 11 - 09, 06:55 م]ـ
العالم هو الذي يتعلم ثم يعمل ثم يُعلِم
ـ[أبو راشد التواتي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 07:10 م]ـ
جزاك الله خيرا(118/378)
سؤال: عن الدعاء للوالدين
ـ[أم ديالى]ــــــــ[31 - 10 - 09, 05:48 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الكرام حينما ادعو لمسلم في ظهر الغيب هناك ملك موكل يقول آمين ..
طيب ماذا عن دعائي لوالدي في ظهر الغيب هل يدخل في هذا الحديث؟
وجزاكم الله خيرا
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 05:49 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني الكرام حينما ادعو لمسلم في ظهر الغيب هناك ملك موكل يقول آمين ..
طيب ماذا عن دعائي لوالدي في ظهر الغيب هل يدخل في هذا الحديث؟
وجزاكم الله خيرا
من باب أولى والله أعلم ..(118/379)
نصوص من القرآن والسنة تدل على أن من عصى الله بشيء في الدنيا عذب به
ـ[أبو عزام بن يوسف]ــــــــ[31 - 10 - 09, 06:11 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب: بين يديك نصوص من القرآن والسنة تدل على أن من عصى الله بشيء في الدنيا عذب به إما في الدنيا أو يوم القيامة وهي على أربعة أنواع:
1. إما بنفس العضو
2. أو نفس العمل
3. أو بجنس العمل
4. أو مع من كان يعصي الله معه
قد جمعتها لما سمعت أحد المشايخ الفضلاء يقول في درسه (لو أن أحداً جمع النصوص التي تدل على أن من عصى الله بعضو عذب به أو نحو ذلك) فانقدح هذا في ذهني فجمعتها و سارعت لوضعها في هذا الملتقى المبارك لكي يستفيد منها طلبة العلم في وعظ الناس وتذكيرهم بها في كلمة أو خطبة أو غير ذلك فهي جديرة بذلك وقبل ذلك أن نعظ أنفسنا بها. وبعض هذه النصوص واضح الدلالة على المقصود وبعضها يحتاج للرجوع للتفاسير وشروح الأحاديث لفهم المقصود ولم أجتهد في تخريج الأحاديث وإنما أذكر واحداً فقط ممن خرجها مع ذكر صحة الحديث إن كان الحديث خارج الصحيحين والله الموفق.
أولاً: الآيات القرنية:
قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (10) سورة النساء وقال {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} (35) سورة التوبة وقال {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (24) سورة النور وقال {{حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (20) (21) سورة فصلت وقال تعال {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُوَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} سورة البقرة (167) (166) وقال {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (276) سورة البقرة و قال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (38) سورة المائدة وقال تعالى {قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ} (38) سورة الأعراف وقال {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} (48) سورة غافر وقال {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (6) سورة الجن وقال {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ..... } إلى نهاية السورة (1) سورة المسد، والآيات في ذلك كثيرة
ثانياً: الأحاديث:
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/380)
1. عن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو قال رَجَعْنَا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من مَكَّةَ إلى الْمَدِينَةِ حتى إذا كنا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لم يَمَسَّهَا الْمَاءُ فقال (رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ) متفق عليه
2. أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة) رواه البخاري
3. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة) رواه البخاري
4. عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) متفق عليه ولمسلم (الذي يأكل ويشرب في إناء الذهب والفضة)
5. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب في الفضة فإنها من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة) اختصره صاحب المنتقى من صحيح مسلم
6. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أما يخشى أحدكم أو ألا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار) رواه البخاري
7. عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من آتَاهُ الله مَالًا فلم يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ له يوم الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ له زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يوم الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بلهزميه يَعْنِي شدقيه ثُمَّ يقول أنا مَالُكَ أنا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا (ولا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) الْآيَةَ رواه البخاري
8. عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم تَأْتِي الْإِبِلُ على صَاحِبِهَا على خَيْرِ ما كانت إذا هو لم يُعْطِ فيها حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَأْتِي الْغَنَمُ على صَاحِبِهَا على خَيْرِ ما كانت إذا لم يُعْطِ فيها حَقَّهَا تَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا) رواه البخاري
9. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار) رواه البخاري
10. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) رواه البخاري
11. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار) رواه النسائي وصححه الألباني
12. عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم) رواه أبو داود وصححه الألباني
13. عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال هذه النمرقة قالت فقلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة) رواه البخاري
14. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك الذين يقولون ولا يفعلون ويقرؤون كتاب الله ولا يعملون.) حسنه الألباني في اقتضاء العلم العمل
15. قال صلى الله عليه وسلم (أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه فقالا: إنا سنسهله لك. فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم! ثم انطلقا بي فإذا بقوم أشد شئ انتفاخا وأنتنه ريحا وأسوأه منظرا فقلت: من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء قتلى الكفار، ثم انطلقا بي فإذا بقوم أشد شئ انتفاخا وانتنه ريحا كأن ريحهم المراحيض قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزواني، ثم انطلقا بي فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات قلت: ما بال هؤلاء؟ قال: هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن) (3951) (الصحيحة)
والآيات والأحاديث في هذا كثيرة جداً
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/381)
ـ[أبو معاذ باوزير]ــــــــ[14 - 11 - 09, 10:30 م]ـ
سبحان الله!
كيف تترك هذه الصفحة دون تعقيب؟! - إنا لله وإنا إليه راجعون -.
جزاكم الله خيرا أخي الحبيب الفاضل أبا عزام , وجعل ما قدمتَ في موازين حسناتك يوم تلقاه.
لا يزال يراعك بالحق ممدودا , وبالتسديد من الله موصولا!
ـ[أبو الهمام البرقاوي]ــــــــ[14 - 11 - 09, 10:34 م]ـ
جَزاك َ الله ُ خيرا ً وبارَك َ فيك َ ...
ولا تنس َ الحديث َ الطويل الذي أخرجه البخاري ومسلم عن سمرة بن جندب .. في أولاد المشركين وذكر منهم المرابي .. الذي يُلقى في فيه الحجر فيخرج منه دما ً .. وكذلك الزواني والزانيات والكاذب .. وغيرها من الأحاديث الكثير الكثير ..
ـ[الحريص بن محمد]ــــــــ[14 - 11 - 09, 11:14 م]ـ
رضي الله عنك، وزادنا وإياك حرصاً على مثل هذا العلم النافع.
ـ[أبو عزام بن يوسف]ــــــــ[15 - 11 - 09, 09:15 م]ـ
الإخوة الأفاضل أبا معاذ باوزير، أبا الهمام البرقاوي، الحريص بن محمد
أشكركم على المرور والتشجيع
ـ[المسلم الحر]ــــــــ[16 - 11 - 09, 02:24 م]ـ
جزاك الله خيرا ...
((إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء))
نسأل الله العفو و العافية ...(118/382)
هل العلم فاضل لذاته؟
ـ[أبوحمزة الإماراتي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 07:06 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاخوة الافاضل في الملتقى
هل العلم فاضل لذاته ام انه مقصود لغيره وهو ثمرته (العمل به)؟
ـ[معاذ جمال]ــــــــ[31 - 10 - 09, 07:14 م]ـ
فضل العلم بفضل المعلوم مع صحة النية، و ثمرته العلم كما تفضلت.(118/383)
مسألة أُشكلت علي في عورة المرأة ..
ـ[أم عمار الشامي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 07:40 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني أهل العلم .. بارك الله فيكم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كنت قد سمعت أكثر من قول في عورة المرأة أمام النساء
ثم قررت أن أبحث في كتب التفسير عن معنى قوله تعالى {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور31
وفعلاً قرأت في التفاسير ..
وكانت غالبها {كإبن كثير وفتح القدير للشوكاني والطبري} تبين أن المقصود بالزينة التي يجوز للمرأة كشفها أمام محارمها وأمام النساء المسلمات هي: الزينة القرط والدملوج والخلخال والقلادة
أما البغوي والجلالين فقالوا أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى بدن المرأة إلا ما بين السرة والركبة ..
ثم لما فتحت تفسير السعدي وجدت:
لما أمر المؤمنين بغض الأبصار وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك، فقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) عن النظر إلى العورات والرجال، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع، {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} من التمكين من جماعها، أو مسها، أو النظر المحرم إليها. {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ( http://**********:openquran(23,31,31)) أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) وهذا لكمال الاستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} أي: أزواجهن {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) يشمل الأب بنفسه، والجد وإن علا، {أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن} ( http://**********:openquran(23,31,31)) ويدخل فيه الأبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) أشقاء، أو لأب، أو لأم. {أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) أي: يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا، ويحتمل أن الإضافة تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، اللاتي من جنسكم، ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة لا يجوز أن تنظر إليها الذمية.
لا أدري هل فهمي لتلك العبارة {يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا،} صحيح أم خاطيء
فهل يعقل أن ترى المرأة جسد المرأة مطلقاً؟؟
وأظن أني لم أفهم قصد الشيخ من العبارة تلك
أرجو ممن له علم في الأمر أن يشرح لي ويوضح المسألة
ثم يذكر أقوال العلماء في عورة المرأة على المرأة
فأنا كنت أعرف أن عورتها على مثيلاتها مواضع الزينة
ثم أسمع من أناس ملتزمين أن عورتها من السرة إلى الركبة!! ودليلهم في ذلك أن رأي الأئمة الأربعة هكذا ..
فاحتجت إلى أدلة تثبت لي المسألة وتكشفها
أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
وجزاكم الله كل خير
ـ[احمد ابو معاذ]ــــــــ[31 - 10 - 09, 08:24 م]ـ
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
لعل هذا الرابط يفيد
http://islamqa.com/ar/ref/34745
ـ[أبو سليمان الثبيتي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 08:26 م]ـ
اخي الكريم أحيلك للرابط التالي تجد بغيتك بإذن الله
http://saaid.net/female/m238.htm
ـ[أبو فارس النجدي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 09:07 م]ـ
1 - المرأة عورة بنص الحديث
2 - بعضها مغلظ لا يكشف إلا لضرورة
3 - بعضها مخفف لا يكشف إلا لحاجة
و بهذا يتبين أن الأقوال السابقة لا تتعارض فالمرأة أمام المرأة كلها عورة لكن منها المخفف الذي يجوز كشفه أمام المرأة لأنها تحتاج كشفه و هو ما يكشف أمام المحارم و منها المغلظ الذي لا يجوز كشفه إلا لضرورة مثل العلاج
أما موضة تتبع الرخص و إباحة كل منكر أباحه عالم بزلة فلا تبالي بها و لا تظنين أن متتبعي الرخص سيرجعون إلى الله إذا ذكرت لهم دليلاً بل سيقولون لك إجتهادك! و لنا اجتهادنا في فهم الدليل! لأن تتبع الرخص ليس له نهاية إلا الزندقة و هؤلاء يجب أن ينكر عليهم تتبع الرخص نفسه لكي تصلح حالهم أما أن تناقش كل مسألة معهم على حدة فسيجدون لها رخصة و لن تصلي معهم إلى نتيجة إلا إذا تركوا تتبع الرخص
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/384)
ـ[أبو عبدالرحمن بن أحمد]ــــــــ[01 - 11 - 09, 05:35 ص]ـ
[ CENTER] ثم لما فتحت تفسير السعدي وجدت:
لما أمر المؤمنين بغض الأبصار وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك، فقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) عن النظر إلى العورات والرجال، بشهوة ونحو ذلك من النظر الممنوع، {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} من التمكين من جماعها، أو مسها، أو النظر المحرم إليها. {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} ( http://**********:openquran(23,31,31)) أي: الثياب الظاهرة، التي جرت العادة بلبسها إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) وهذا لكمال الاستتار، ويدل ذلك على أن الزينة التي يحرم إبداؤها، يدخل فيها جميع البدن، كما ذكرنا. ثم كرر النهي عن إبداء زينتهن، ليستثني منه قوله: {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} أي: أزواجهن {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) يشمل الأب بنفسه، والجد وإن علا، {أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن} ( http://**********:openquran(23,31,31)) ويدخل فيه الأبناء وأبناء البعولة مهما نزلوا {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) أشقاء، أو لأب، أو لأم. {أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} ( http://**********:openquran(23,31,31)) أي: يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا، ويحتمل أن الإضافة تقتضي الجنسية، أي: النساء المسلمات، اللاتي من جنسكم، ففيه دليل لمن قال: إن المسلمة لا يجوز أن تنظر إليها الذمية.
لا أدري هل فهمي لتلك العبارة {[ COLOR=#ff0000] يجوز للنساء أن ينظر بعضهن إلى بعض مطلقا،} صحيح أم خاطيء
فهل يعقل أن ترى المرأة جسد المرأة مطلقاً؟؟
وأظن أني لم أفهم قصد الشيخ من العبارة تلك
أرجو ممن له علم في الأمر أن يشرح لي ويوضح المسألة
ثم يذكر أقوال العلماء في عورة المرأة على المرأة
فأنا كنت أعرف أن عورتها على مثيلاتها مواضع الزينة
ثم أسمع من أناس ملتزمين أن عورتها من السرة إلى الركبة!! ودليلهم في ذلك أن رأي الأئمة الأربعة هكذا ..
فاحتجت إلى أدلة تثبت لي المسألة وتكشفها
أسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
وجزاكم الله كل خير
الشيخ ابن سعدي لا يتكلم عن حدود العورة بكلمة مطلقا و إنما هل يجوز لجميع النساء المسلمات والكافرات الاطلاع على مواضع الزينة الباطنة أم أن ذلك مقصور على المسلمات.
والله أعلم
ـ[سلام السالم]ــــــــ[01 - 11 - 09, 06:39 ص]ـ
أحسنت أبا عبد الرحمن .. ملحظ جيد .. غفر الله لك
ـ[أم عمار الشامي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 07:37 م]ـ
أحسن الله إليكم(118/385)
هل تأثم الزوجة إذا رفضت أن يتزوج زوجها بأخرى؟
ـ[محمود المحلي]ــــــــ[31 - 10 - 09, 08:29 م]ـ
السلام عليكم.
أراد رجل أن يتزوج زوجة ثانية، فرفضت زوجته الأولى ذلك رفضا قاطعا، وأخبرته بأنه إن فعل فإنها ستخلعه إن لم يطلقها بنفسه، لأنها لا تقبل أن تشاركها فيه امرأة أخرى.
والسؤال: ألا يحمل ذلك اعتراضا على شرع الله؟ أم أن ذلك يمكن أن يكون مقبولا من الزوجة بحجة أنها غيور؟
أفيدوني أفادكم الله.
والسلام عليكم.
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[01 - 11 - 09, 12:07 ص]ـ
لتخلعه فهي الخاسر الاكبر .. و لا حجة لها في الاعتراض على شرع الله ... و النساء كثير
قال تعالى بشان التعدد و لاحظ أنه قاله في معرض الامتنان: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ)
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)
وقد عدد النبي صلى الله عليه وسلم , وعدد الصحابة رضي الله عنهم.والخير فيما فعلوا وارتضوه لأنفسهم ولذريتهم
قال تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
يجب على هذه المعترضة على شرع الله وسنة رسوله اتباعا للهوى وارضاء لنزوات النفس أن تستشعر حال أخوتها المؤمنات العانسات قال النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وعلى هذه المرأة أن تتفهم أن للرجل حاجات قد لا تستطيع المرأة تلبيتها، وقد يستحي الرجل ان يخبرها به، مثلا الإشباع الجنسي وخاصة في زمننا هذا، فإذا أخبرها برغبته فأول ما يطرأ على بالها أن تسأله عن السبب، وقد لا يستطيع أن يجيب فإما أنه يكبت حاجته أو يفعلها ويتزوج دون علمها وممكن - والعياذ بالله- أن يفعل الحرام.
ـ[حبيب الدين الحسني]ــــــــ[01 - 11 - 09, 12:12 ص]ـ
مهلاً أبا نصر فكل النساء أو جلهن لا يرضين، فليتزوج رضيت أم سخطت
ـ[محمد الجروان]ــــــــ[01 - 11 - 09, 09:24 ص]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
كنت نويت ان اطرح موضوعا قريبا من هذا الموضوع في احد المنتديات و لكن السؤال كان حول اذا رفضت الام و اقصد هنا ام الرجل اذا رفضت فكرة زواج ابنها من امرأة اخرى فهل له ان يعصيها في ذلك ام لا
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 01:12 م]ـ
من الطبيعي أن المرأة ستُعارض على زواجه وتهدّده بالخُلع أو الذهاب الى أهلها
حتى لا يتجرّأ على الزواج
فإذا قدّر الله وتزوَّج رضيَتْ بالأمر الواقع وسكتت
لكنَّها لا تأثم بذلك فهي لا تعارض الشرع بذلك
ـ[محمد العياشي]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:28 م]ـ
أبا نصر بارك الله فيك, أحببت أن أسألك عن القول الراجح عند الماكية في مسألة اشتراط الزوجة عدم الزواج عليها, هل يلزمه الوفاء؟
راجعت فتاوى العلماء المعاصرين, فوجدت أن هذا الشرط معتبر, و أنه يجب الوفاء به, و دليلهم قول النبي صلى الله عليه و سلم: (إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) , و هو دليل خاص, في مقابل دليل الشافعية العام: كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط) الحديث.
فعلى هذا فكل امرأة مرشحة لهذا الإشتراط, و كل امرأة ستلزم زوجها بهذا الشرط, وسلام الله على التعدد ....
ـ[أبو سلمى رشيد]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:39 م]ـ
يا جماعة من أين لكم أن الرافضة معترضة على شرع الله؟ أتريدون تكفير كل غيورة على زوجها؟
أما مسألة انخلاعها وأو اختلاعها .. فله أن لا يخبرها .. وليس من حقها أن يخبرها .. ولا يلزمه إخبارها
يتزوج ثانية وثالثة ثم يطلق إحداهن هذا لا شأن لها به .. لها الربع من عمره وكفى
فكم من خائن لم ينكشف أمره لزوجته .. فلا أظن أنه أولى بستر الله من طالب العفاف والفارِّ من مشاكل الزوجة الغيورة
فلو استطاع أن يزيد 3 أخريات فليفعل .. فما أكثر العوانس!! ومن أفضل لهن من طالب العفاف!!؟
والله أعلمُ
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[01 - 11 - 09, 02:57 م]ـ
جاء في صحيح مسلم عن عائشة عن رسول الله أنه قال: «ما بال اقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ماكان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله احق، وشرط الله او ثق»
وفي مسند أحمد عنه [لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى]
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/386)
قال المالكية: إذا اشترطت الزوجة أن لا يخرجها الزوج من بلدها .... ، أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى: فهو شرط باطل
في الصحيحين: عنه: [إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج]
نعم جاء هذا الحديث لكنه عندنا محمول على شروط يستحب او يباح الوفاء بها وكل شرط عارض مقصد الشارع الحكيم فهو باطل او ملغى، فقد يجب الوفاء بكل شرط الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا فافهم يأخي يارعاك الله .. يعني لو شرطت عليه ان ينفق عليها أو السكنى لها وحدها وكان يتضرر بذلك الوالدين هل يلزمه ... لا يلزمه على قول أئمتنا المالكيين
ولنا من الحجة قوله تعالى (يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك)
يعني ليس له ولا لها ان يحرما ما احل الله من التعدد
ولنا ايضا من الحجة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
قلت و في شرطها رد لسنة التعدد التي عرفت الحكمة منها ولو لم يكن في التعدد الا تناكحوا تناسلو ... لكفى
وقال صلى الله عليه وسلم:: " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق ".
ولنا ايضا ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: " المسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ".
ومثله: " الصلح جائز بين المسلمين على شروطهم إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً "
قال ابن حزم في المحلى ((احتج من قال بإلزام هذه الشروط: بما رويناه من طرق أحمد ابن شعيب أنا عيسى بن حماد زغبة، أخبرنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".
قال أبو محمد: هذا خبر صحيح، ولا متعلق لهم به، لأنهم لا يختلفون معنا، ولا مسلم على ظهر الأرض: في أنه إن شرط لها أن تشرب الخمر، أو أن تأكل لحم الخنزير، أو أن تدع الصلاة، أو أن تدع صوم رمضان، أو أن يغني لها، أو أن يزفن لها، ونحو ذلك: أن كل ذلك كله باطل لا يلزمه.
فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد قط هذا الخبر شرطاً فيه تحريم حلال، أو تحليل حرام، أو إسقاط فرض، أو إيجاب غير فرض، لأن كل ذلك خلاف لأوامر الله تعالى، ولأوامره عليه الصلاة والسلام
واشترط المرأة أن لا يتزوج، أو أن لا يتسرى، أو أن لا يغيب عنها أو أن لا يرحلها عن دارها. كل ذلك تحريم حلال، وهو تحليل الخنزير والميتة سواء، في أن كل ذلك خلاف لحكم الله عز وجل.
فصح أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد شرط الصداق الجائز الذي أمرنا الله تعالى به، وهو الذي استحل به الفرج لا ما سواه.))
وقال ايضا ((قال علي: فإن احتج معارض لنا بقول الله تعالى: "أوفوا بالعقود" 5: 1 وقوله تعالى: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم" 16: 91.
وبما روي "المسلمون عند شروطهم".
قلنا: وبالله تعالى التوفيق أما أمر الله تعالى بالوفاء بالعقود: لا يختلف اثنان في أنه ليس على عمومه ولا على ظاهره، وقد جاء القرآن بان نجتنب نواهي الله تعالى ومعاصيه، فمن عقد على معصية فحرام عليه الوفاء بها، فإذا لا شك في هذا فقد صح أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل، والباطل محرم، فكل محرم فلا يحل الوفاء به.
وكذلك قوله تعالى: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم" 16: 91 فلا يعلم ما هو عهد الله إلا بنص وارد فيه، وقد علمنا أن كل عهد نهى الله عنه فليس هو عهد الله تعالى، بل هو عهد الشيطان فلا يحل الوفاء به، وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، والباطل لا يحل الوفاء به.
وأما الأثر في ذلك-: فإننا رويناه من طريق ابن وهب حدثني سليمان بن بلال نا كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلمون عند شروطهم".
ورويناه أيضاً من طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي حدثني الحزامي عن محمد بن عمر عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلمون على شروطهم".
ومن طريق ابن أبي شيبة نا يحيى بن أبي زائدة عن عبد الملك عن عطاء: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمون عند شروطهم".
ومن طري أبي بكر بن أبي شيبة عن الحجاج بن أرطاة عن خالد بن محمد عن شيخ من بني كنانة سمعت عمر بقول: المسلم عند شرطه.
ومن طريق ابن أبي شيبة نا ابن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن عبد الرحمن بن غنم قال عمر بن الخطاب "إن مقاطع الحقوق عند الشروط".
ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي قال: "المسلمون عند شروطهم".
قال أبو محمد: كثير بن زيد هو كثير بن عبد الله بن عمرو بن وزيد- هالك متروك باتفاق- والوليد بن رباح- مجهول- والآخر عبد الملك بن حبيب- هالك- ومحمد بن عمر- هو الواقدي مذكور بالكذب- وعبد الرحمن بن محمد- مجهول لا يعرف- ومرسل أيضاً، والثالث مرسل أيضاً، والذي من طريق عمر فيه الحجاج بن أرطأة- وهو هالك- وخالد بن محمد- مجهول- وشيخ من بين كنانة- والآخر فيه إسماعيل بن عبيد الله ولا أعرفه.
وخبر علي مرسل- ثم لو صح كل ما ذكرنا لكان حجة لنا وغير مخالف لقولنا، لأن شروط المسلمين هي الشروط التي أباحها الله لهم، لا التي نهاهم عنها، وأما التي نهوا عنها فليست شروط المسلمين.
وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل شرط ليس في كتابي الله تعالى فهو باطل، وإن كانت مائة شرط، أو اشترط مائة مرة وأنه لا يصح لمن اشترطه-: فصح أن كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فباطل، فليس هو من شروط المسلمين.
وأقول لكل امرأة عاقلة قال تعالى:: (أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوْقِنُونَ)
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/387)
ـ[حبيب الدين الحسني]ــــــــ[01 - 11 - 09, 04:50 م]ـ
أحسنت أبا نصر بارك الله فيك
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[01 - 11 - 09, 06:52 م]ـ
وأحسن الله اليكم اخي الكريم
ـ[محمد العياشي]ــــــــ[02 - 11 - 09, 07:35 م]ـ
بارك الله فيك ..
ـ[ابونصرالمازري]ــــــــ[02 - 11 - 09, 07:53 م]ـ
أخشى أن تاتي على أيام الزواج فأتراجع عن بعض تحريراتي في الملتقى ...... "ابتسامة"
ـ[محمد العياشي]ــــــــ[02 - 11 - 09, 08:27 م]ـ
ثبتك الله يومئذ .... :)
ـ[ابو العز النجدي]ــــــــ[03 - 11 - 09, 09:39 ص]ـ
[
السؤال
UOTE= ابونصرالمازري;1158221]
وفي مسند أحمد عنه [لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى]
الحديث رواه أحمد بسند ضعيف والحديث في اشتراط الطلاق وليس في شرط أن لا يتزوج عليها فلا حجة فيه أصلا لهذه المسألة
لكن يغني عنه ما رواه الشيخان من طريق عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا
قال الحافظ في الفتح
وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْقَدَرِ مِنْ رِوَايَة أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا وَلِتَنْكِح، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا " وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة --وَلَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لِتُكْفِئ مَا فِي إِنَائِهَا ".
قَوْله (لَا يَحِلّ) ظَاهِر فِي تَحْرِيم ذَلِكَ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَب يَجُوز ذَلِكَ كَرِيبَةٍ فِي الْمَرْأَة لَا يَنْبَغِي مَعَهَا أَنْ تَسْتَمِرّ فِي عِصْمَة الزَّوْج وَيَكُون ذَلِكَ عَلَى سَبِيل النَّصِيحَة الْمَحْضَة أَوْ لِضَرَرٍ يَحْصُل لَهَا مِنْ الزَّوْج أَوْ لِلزَّوْجِ مِنْهَا أَوْ يَكُون سُؤَالهَا ذَلِكَ بِعِوَضٍ وَلِلزَّوْجِ رَغْبَة فِي ذَلِكَ فَيَكُون كَالْخُلْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الْمُخْتَلِفَة. وَقَالَ اِبْن حَبِيب: حَمَلَ الْعُلَمَاء هَذَا النَّهْي عَلَى النَّدْب، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُفْسَخ النِّكَاح وَتَعَقَّبَهُ اِبْن بَطَّال بِأَنَّ نَفْي الْحِلّ صَرِيح فِي التَّحْرِيم، وَلَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْهُ فَسْخُ النِّكَاح، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّغْلِيظ عَلَى الْمَرْأَة أَنْ تَسْأَل طَلَاق الْأُخْرَى، وَلِتَرْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّه لَهَا.
قَوْله (أُخْتهَا) قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث نَهْي الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة أَنْ تَسْأَل رَجُلًا طَلَاق زَوْجَته وَأَنْ يَتَزَوَّجهَا هِيَ فَيَصِير لَهَا مِنْ نَفَقَته وَمَعْرُوفه وَمُعَاشَرَته مَا كَانَ لِلْمُطَلَّقَةِ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " تُكْفِئ مَا فِي صَحْفَتهَا، قَالَ وَالْمُرَاد بِأُخْتِهَا غَيْرهَا سَوَاء كَانَتْ أُخْتهَا مِنْ النَّسَب أَوْ الرَّضَاع أَوْ الدِّين، وَيَلْحَق بِذَلِكَ الْكَافِرَة فِي الْحُكْم وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُخْتًا فِي الدِّين إِمَّا لِأَنَّ الْمُرَاد الْغَالِب أَوْ أَنَّهَا أُخْتهَا فِي الْجِنْس الْآدَمِيّ، وَحَمَلَ اِبْن عَبْد الْبَرّ الْأُخْت هُنَا عَلَى الضَّرَّة فَقَالَ: فِيهِ مِنْ الْفِقْه أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَل الْمَرْأَة زَوْجهَا أَنْ يُطَلِّق ضَرَّتهَا لِتَنْفَرِد بِهِ، وَهَذَا يُمْكِن فِي الرِّوَايَة الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِ " لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا "، وَأَمَّا الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا لَفْظ الشَّرْط فَظَاهِرهَا أَنَّهَا فِي الْأَجْنَبِيَّة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِيهَا " وَلِتَنْكِح " أَيْ وَلِتَتَزَوَّج الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْ غَيْر أَنْ يَشْتَرِط أَنْ يُطَلِّق الَّتِي قَبْلهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد هُنَا بِالْأُخْتِ الْأُخْت فِي الدِّين؛ وَيُؤَيِّدهُ زِيَادَة اِبْن حِبَّان فِي آخِره مِنْ طَرِيق أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/388)
أُخْتهَا لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمَة أُخْت الْمُسْلِمَة " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب لَا يَخْطُب الرَّجُل عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ " نَقْلُ الْخِلَاف عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَعْض الشَّافِعِيَّة أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِالْمُسْلِمَةِ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الشَّيْخ فِي كِتَاب النِّكَاح، وَيَأْتِي مِثْله هُنَا، وَيَجِيء عَلَى رَأْي اِبْن الْقَاسِم أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إِذَا كَانَ الْمَسْئُول طَلَاقهَا فَاسِقَة، وَعِنْد الْجُمْهُور لَا فَرْقَ
انتهى
وبذلك يتبين لك أنه ليس في الحديث حجة لك فهذه مسألة وتلك مسألة أخرى
قال ابن القيم في الزاد
[بُطْلَانُ اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ طَلَاقَ أُخْتِهَا]
وَتَضَمّنَ حُكْمُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُطْلَانَ اشْتِرَاطِ الْمَرْأَةِ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَأَنّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اشْتِرَاطِهَا أَنْ لَا يَتَزَوّجَ عَلَيْهَا حَتّى صَحّحْتُمْ هَذَا وَأَبْطَلْتُمْ شَرْطَ طَلَاقِ الضّرّةِ؟ قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ فِي اشْتِرَاطِ طَلَاقِ الزّوْجَةِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهَا وَكَسْرِ قَلْبِهَا وَخَرَابِ بَيْتِهَا وَشَمَاتَةِ أَعْدَائِهَا مَا لَيْسَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ نِكَاحِهَا وَنِكَاحِ غَيْرِهَا وَقَدْ فَرّقَ النّصّ بَيْنَهُمَا فَقِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَاسِدٌ.
قال المالكية: إذا اشترطت الزوجة أن لا يخرجها الزوج من بلدها .... ، أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى: فهو شرط باطل
في الصحيحين: عنه: [إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج]
نعم جاء هذا الحديث لكنه عندنا محمول على شروط يستحب او يباح الوفاء بها وكل شرط عارض مقصد الشارع الحكيم فهو باطل او ملغى، فقد يجب الوفاء بكل شرط الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا فافهم يأخي يارعاك الله .. يعني لو شرطت عليه ان ينفق عليها أو السكنى لها وحدها وكان يتضرر بذلك الوالدين هل يلزمه ... لا يلزمه على قول أئمتنا المالكيين
ولنا من الحجة قوله تعالى (يا ايها النبي لما تحرم ما احل الله لك)
يعني ليس له ولا لها ان يحرما ما احل الله من التعدد
هذه مجازفة منك يا أخي
فليس هذا قول المالكية جميعهم حتى تُطلق فالأولى أن تقول (بعض المالكية) فإلامام مالك في رواية عنه كما حكاها عنه ابن تيمية في الفتاوي يُجيز هذا الشرط وللمرأة الخيار إذا تزوَّج عليها وهذا مقصود الشرط فليس هذا من تحريم الحلال فافهم هذا يا أخي
قال ابن رشد في بداية المجتهد
وإنما اختلف العلماء فلزوم الشروط التي بهذه الصفة أو لا لزومها، مثل أن يشترط عليه أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من بلدها، فقال مالك: إن اشترط ذلك لم تلزمه إلا أن يكون في ذلك يمين بعتق أو طلاق، فإن ذلك يلزمه إلا أن يطلق أو يعتق من أقسم عليه، فلا يلزم الشرط الاول أيضا، وكذلك قال الشافعي وأبو حنيفة.
وقال الاوزاعي وابن شبرمة: لها شرطها وعليه الوفاء، وقال ابن شهاب: كان من أدركت من العلماء يقضون بها، وقول الجماعة مروي عن علي، وقول الاوزاعي مروي عن عمر.
وسبب اختلافهم: معارضة العموم للخصوص.
فأما العموم فحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي (ص) خطب الناس فقال في خطبته كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط وأما الخصوص فحديث عقبة بن عامر عن النبي (ص) أنه قال أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج والحديثان صحيحان خرجهما البخاري ومسلم، إلا أن المشهور عند الاصوليين القضاء بالخصوص على العموم وهو لزوم الشروط وهو ظاهر ما وقع في العتبية وإن كان المشهور خلاف ذلك
وأقول لكل امرأة عاقلة قال تعالى:: (أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوْقِنُونَ)
إنَّا لله وإنا إليه راجعون
مسألة قال بها بعض الصحابة وأهل العلم تعدها من أحكام الجاهلية!!
فأيُّ مجازفة هذه يا أخي فاربأ بنفسك واحترم خلاف أهل العلم وإياك والعجلة
كما فعلتَ هنا في المشاركة رقم 6
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=148271
فلا أذكر أن أحدا من أهل العلم ذكر هذه الآية في مسألة فقهية قابلة للإجتهاد
في الفتاوى لابن تيمية
(يُتْبَع .. اقلب الصفحة)
(118/389)