الثالث : أن العبد إذاعَمِلَ بشكر الله واتّقاه في هذه الجوارح ، فإن الله يحفظ عليه جوارحه ، وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله ، فوثب يوما وثبة شديدة ، فعوتب في ذلك ، فقال : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر .
ولا يكفي الاعتراف بالنّعمة فحسب بل لا بدّ من شكر الله عليها ، مهما دقّت وصغُرت .
ثم لا يتصور العبد أن الله أنعم عليه بهذه النِّعم لكونه أهلاً لها .
قال ابن القيم في قوله تعالى : ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) قال :
فهو قد اعترف بأن ربَّه هو الذي آتاه ذلك ، ولكن ظن أنه لكرامته عليه فالآيةُ تتضمن ذم من أضاف النِّعم إلى نفسه وعِلْمِه وقوَّتِه ، ولم يضفها إلى فضل الله وإحسانه ، وذلك محض الكفر بها . فإن رأسَ الشكر الاعترافُ بالنعمة ، وأنها من المنعم وحدَه ، فإذا أضيفت إلى غيره كان جَحْداً لها ، فإذا قال أوتيته على ما عندي من العلم والخُبرة التي حصّلت بها ذلك ، فقد أضافها إلى نفسه وأُعجب بها ، كما أضافها إلى قدرته الذين قالوا من أشد منا قوة ؟! فهؤلاء اغتروا بقوّتهم ، وهذا اغتر بعلمه فما أغنى عن هؤلاء قوتُهم ، ولا عن هذا علمُه .
[ وتضمنت الآية ] ذمّ من اعتقد أن أنعام الله عليه لكونه أهلا ومستَحِقّاً لها ، فقد جعل سبب النعمة ما قام به من الصفات التي يستحق بها على الله أن ينعم عليه ، وأن تلك النعمة جزاءٌ له على إحسانه وخيره ، فقد جعل سبَبَها ما اتصف به هو لا ما قام بربِّه من الجود والإحسان والفضل والمنة ، ولم يعلم أن ذلك ابتلاء واختبار له أيشكرُ أم يكفر . اهـ .
وأركان النعمة ثلاثة يجمعها قوله عليه الصلاة والسلام :
من أصبح منكم آمنا في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا . رواه الترمذي وابن ماجه .
والشكر العملي أبلغ من الشكر بالقول(3/278)
فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تورّمتْ وتفطّرتْ قدماه ، فيُقال له : قد غفرَ الله لك ما تقدّم من ذنبكَ وما تأخّر ، فيقولُ : أفلا أكونُ عبداً شكورا . متفق عليه .
ولما قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقالوا : هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فنحن أحقّ وأولى بموسى منكم ، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه . متفق عليه .
هذا هو شأن الأنبياء كلما تجددت لهم نعمة جددوا لله شكراً ، قال سبحانه عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس بين يديه : ( هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )
وقد أمر الله بشكره فقال : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )
والشّكر أعم من أن يكون في مقابلة نعمة ظاهرة أو متجددة
ولذا قال الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ) ؟
ولما ذكر الله تبارك وتعالى كفارة الأيمان قال بعدها : ( ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )
فهذه نعمة تستوجب الشكر .
ماذا لو لم يكن للعبد فسحة في يمين عقدها ؟
ماذا لو لم يكن ثمّ كفارة ؟
وليحذر العبد استدراج الله في النِّعَم .(3/279)
فقد روى الإمام أحمد وغيره عن عقبةَ بنِ عامرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رأيتَ اللهَ يعطي العبدَ من الدنيا ما يُحبُّ وهو مقيمٌ على معاصيه فإنما هو استدراج ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) حديث حسن .
ثم ليُعلم أن شُكر النعم يُقابلُه كفرانُ النِّعَم
وقد ضرب الله لنا مثلا بقرية آمنة وادعة مطمئنة فلما غيّرت غُيّر عليها !
( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ )
فتلك قريةٌ كانت آمنةً أكثرَ ما يكون الأمان ، وادعةً هادئة ، والنِّعمُ أوفرُ ما تكون ، فكفرت بأنعم الله فأصابتها سُنّةٌ ربانية لا تتبدّل ولا تتخلّف ، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما صنعوا ، وبما كَسَبَتْ أيديهم .
قال ابن كثيرٍ – رحمه الله – : ( يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا ) أي هنيئا سهلا من كل مكان ، فكفرت بأنعم الله ، أي جحدت آلاءَ الله عليها … كما قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) ولهذا بدلهم الله بحاليهم الأوّلين خلافَهما ، فقال : فأذاقها الله لباس الجوع والخوف أي ألبسها ، وأذاقها الجوع بعد أن كان يُجبى إليهم ثمرات كل شيء ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان .اهـ .
وكفرانُ النِّعم له صورٌ منها :
أن يعتقد أن الذي أنعم عليه بتلك النِّعمة فلان من الناس ، لا أن يَشكُرَه عليها ، ففرق بين شكر الناس وبين نسبة النّعمة إليهم ، فالأول محمود ، والثاني مذموم .(3/280)
أو ينسب النعمة إلى غير المنعم الحقيقي ، فينسب النّعمة إلى غير رب العزّةِ سبحانه . كأن يقول هذا من خير فلان وما شابه ذلك . والخيرُ كلُّه بيدِ الله وحدَه .
أو لا يقبل تلك النعمة ، بأن يردّها أو يحتقرها ، كما قال الشاعر الملحد - قبّحه الله – حيث قال : أنا أرفض الإحسان من يدِ خالقي ..
أو يرى أنه أحقُّ بالنّعمة ممن أُنعِم عليه ، فيتّهمَ ربَّه بعدم الحكمة أو الجَوْر
أو يزدري ويحتقر نِعمة الله عليه إذا ما قارنها بما أنعمَ الله به على غيره ، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نظر أحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في المال والخَلْق فلينظر إلى من هو أسفلَ منه . متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : انظروا إلى من أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فَوقَكُم ، فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ الله عليكم .
أو يعتقدَ أن إنعامَ الله عليه لكونِهِ أهلا ومستَحِقّاً لتلك النِّعمة .
أو يستعينَ بنِعم الله على معاصيه ، وهذا قبيحٌ لو كان في حقِّ آحادِ الناس ، فكيف وهو في حقِّ المنعم المتفضِّل سبحانه ، ومن بيده الخيرُ أجمع ؟
أو يُسرفْ في مأكله ومشربه وملبسه .
فكلُّ هذا يُنافي شُكرَ النعم . فمن أظلمُ ممن قابل الإحسانَ بالإساءة .
وقد دلّنا وأرشدنا رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم إلى أدبٍ من آداب الإسلام مع الطعام بقوله صلى الله عليه وسلم : إذا وقعت لقمةُ أحدِكم فليأخذْها فَلْيُمِطْ ما كان بها من أذى ، ولْيأكلها ، ولا يَدَعْها للشيطان . رواه الإمام مسلم عن جابر .
فهذا يدلُّ على شكرِ النِّعْمَة .
وكان من هديِه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله ، وإن كرهه تركه . كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
بل إنه عليه الصلاة والسلام وَجَدَ تمرةً ملقاة في الطريق فقال : لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها . متفق عليه .(3/281)
قال رجل عند عمر : اللهم أجعلني من القليل . فقال عمر : ما هذا الذي تدعو به ؟ فقال : إني سمعت الله يقول : ( َقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم اجعلني لك شكّارا . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
ومعنى " شكّارا " أي كثير الشُّكر .
واعلم أن الشكر مع الإيمان أمان من عذاب الله ، لقوله تبارك وتعالى : ( مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا )
و النِّعم إذا شُكرت قرّت ، وإذا كُفِرت فَرّت .
إذا كنت في نعمة فارْعَها = فإن المعاصي تُزيلُ النعم
وحُطها بطاعة ربِّ العباد = فربُّ العبادِ سريعُ النِّقم
وقد أوصى أحدُ الحُكماءِ ابنه ، فقال : يا بُنيّ إذا مَرَّ بك يومٌ وليلة قد سَلِمَ فيها دينَك وجسمَك ومالَك وعيالَك ، فأكثِر الشكرَ لله تعالى ، فكم من مسلوبٍ دينه ، ومنزوع ملكه ، ومهتوك ستره ، ومقصوم ظهره في ذلك اليوم وأنت في عافية . وقال : اعتبر بما لم تَرَهُ من الدنيا بما قد رأيتَه ، وبما لم تسمعه بما قد سمعتَه ، وبما لم يصبك بما قد أصابك ، وبما بقي من عُمُرِك بما قد فني ، وبما لم يَبْلَ منك بما قد بَلِي .
فهذه أركانُ النِّعمة ، مَنْ رُزِقَهَا فقد رُزِقَ خيراً كثيراً .
ولا تتم النّعمة إلا بتمام هذه الأركان الثلاثة .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
مبنى الدين على قاعدتين : الذكر والشكر .
قال تعالى : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : والله اني لأحبك ، فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة : اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .(3/282)
وليس المراد بالذكر مجرد الذكر اللسان بل الذكر القلبى واللسانى ، وذِكره يتضمن ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه ، وذلك يستلزم معرفته والايمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثناء عليه بأنواع المدح ، وذلك لا يتم الا بتوحيده ، فذكره الحقيقى يستلزم ذلك كله ، ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه .
وأما الشكر فهو القيام بطاعته والتقرب اليه بأنواع محابه ظاهرا وباطنا ، وهذان الأمران [ الذِّكر والشكر ] هما جماع الدِّين فذِكْرُه مستلزم لمعرفته ، وشكره متضمن لطاعته ، وهذان هما الغاية التي خَلَقَ لأجلها الجن والانس والسموات والأرض ، ووضَعَ لأجلها الثواب والعقاب ، وأنْزَلَ الكتب ، وأرسل الرسل ، وهى الحق الذي به خلقت السماوات والأرض وما بينهما ، وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى ويتقدس عنه وهو ظن أعدائه به ... فغاية الخلق والأمر أن يذكر وأن يشكر ، يذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ، وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره ، شاكر لمن شكره ، فذكره سبب لذكره ، وشكره سبب لزيادته من فضله ، فالذكر للقلب واللسان والشكر للقلب محبة وإنابة وللسان ثناء وحمد وللجوارح طاعة وخدمة . انتهى كلامه – رحمه الله – .
فإذا تأملت في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ألا يدع في دبر كلِّ صلاة أن يقول : اللهم أعني على ذِكرك وشُكرِك وحسن عبادتك . علمت أنه لا قيام للعبد بهذه الأشياء - مِن ذكره وشكره وحسن عبادته سبحانه - إلا بإعانته سبحانه عليها ، وهذا يستلزم من العبد ويُحتّم عليه أن يجتهد في سؤال الله هذه المسألة العظيمة ، وأن يجعلها في صلاته .
وقال ابن القيم – رحمه الله – :(3/283)
فالشكر حارس النعمة من كل ما يكون سببا لزوالها ... فما حرس العبد نعمة الله تعالى عليه بمثل شكرها ، ولا عرّضها للزوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله ، وهو كفران النعمة ، وهو باب إلى كفران المنعم ، فالمحسن المتصدق يستخدم جندا وعسكرا يُقاتلون عنه وهو نائم على فراشه . ( بدائع الفوائد 2/467 ) اهـ .
فائدة :
الفرق بين الحمد والشّكر
أما الحمد فهو أعم من الشكر ، وبينهما عموم وخصوص .
فالحمد هو الثناء الجميل من جهة التعظيم من نعمة وغيرها .
وقيل : هو الثناء على المحمود بما هو أهله .
وذكر ابن القيم فروقا بين الحمد والشكر ( بدائع الفوائد 2/467 ) فقال :
الشكر عبارة عما يُكافأ به المنعم من ثناء أو فعل ، وكذلك نقيضه وهو الكفر عبارة عما يقابل به المنعم من جحد وقبح . اهـ .
فالشكر يكون لله ويكون لغيره ، وأما الحمد فلا يكون إلا لله وحده .
قال ابن الملقن رحمه الله : وقد أكثر الناس في الحمد والشكر وأيهما أخصّ ؟
والتحقيق أن بينهما عموم وخصوص من وجه فيجتمعان في ثناءٍ في مقابلة نعمة ، ويوجد الحمد بدون الشكر في ثناء ولا مقابل نعمة .
والشكر بدون الحمد في فعل مقابل لنعمة ، فليس كل حمدٍ شكراً ، ولا كل شكرٍ حمداً .
نعم متعلّق الحمد وهو المحمود عليه أعمّ من متعلق الشكر ، فكل ما يصحّ الشكر عليه يصح الحمد عليه ، ولا ينعكس . اهـ .
ومِن محامده عليه الصلاة والسلام - إذا قام من الليل يتهجد - :
اللهم لك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض ومن فيهن .
ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن .
ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن .
ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض .
ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق ، والساعة حق .(3/284)
اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخّرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخِّر ، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك . رواه البخاري ومسلم .
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام :
رب اعني ولا تُعن عليّ ، وانصرني ولا تنصر عليّ ، وامكر لي ولا تمكر عليّ ، واهدني ويسر الهدي لي ، وانصرني على من بغى عليّ ، رب اجعلني لك شكّارا ، لك ذكّارا ، لك رهّابا ، لك مطواعا ، إليك مخبتا ، لك أوّاها منيبا ، رب تقبل دعوتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي ، واهد قلبي ، وسدد لساني ، واسلل سخيمة قلبي . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
329-اجلس عند النِّعال !!
اجلس عند النِّعال !!
أهذا قدرك ؟
أترضى بهذا ؟
أيسرّك أن يجلس الناس في مُقدّمة المجلس وفي صدره وتجلس أنت حيث توضع النِّعال ؟
أهانت عليك نفسك إلى هذه الدرجة ؟
لا تقل لماذا وضعتموني عند الحذاء ؟
ربما كنت أنت من اخترت لنفسك ذلك المكان !
وربما تكون قد وضعت نفسك في ذلك الموضع !
كيف ؟
عندما تأخّرت وقد أخبرناك أن المقاعد محدودة ومحجوزة
عندما حثثناك على الحضور مُبكّراً
فلا تلمنا ولُم نفسك
تخيّل أنك أنت الذي يُقال له هذا القول
هل سترضى بذلك لنفسك ؟
أجزم بأن الجواب : لا . لن أرضاه لنفسي ، فنفسي عليّ عزيزة !
الجلوس عند النعال هو حال المتخلّفين والمتأخرين عن الجُمعة والجماعات دون وجود عُذر
حتى ترى بعضهم ربما أزاح النّعال ليصفّ بين صفوف الأحذية !
وربما كان معه سجادة صغيرة ، وربما رضي لنفسه بالدُّون
قال ابن الجوزي رحمه الله : لا يرضى بالدُّون إلا دنيء !
فهل رضيت لنفسك أن تتأخّر حتى يكون مكانك عند النعال ؟
ماذا لو كان ذلك في مجلس من مجالس الناس ؟
إن من تأخّر أُخِّر !(3/285)
وقد رأى في أصحابه تأخراً ، فقال لهم : تقدموا فائتموا بي ، وليأتم بكم من بعدكم ، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله . رواه مسلم .
إننا لا نرضى لأنفسنا أن نُجعل في المؤخرة فيما يتعلق بأمور دنيانا
فما بالنا نرضى الدنيّة في ديننا ؟!
قال ابن الجوزي رحمه الله : إن هممت فبادر ، وإن عزمت فثابر ، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخِر .
إننا لا نرضى بالصف الآخر في الوقوف عند إشارات المرور !
ولا نرضى بالصف الآخر عند ركوب الطائرة
ولا نرضى بالصف الآخر في الدراسة
ولا نرضى بالصف الآخر حتى عند الخبّاز أو الفوّال !
فما بالنا نرضى الدنيّة في ديننا ؟!
ونقف في الصفوف الأخيرة وربما وقفنا فيما وراء الصفوف الأخيرة !
وربما قلنا - مُعللين لأنفسنا - : يكفي أن ندخل الجنة ، ولو وقفنا عند الباب !!
عجباً !
وكأننا ضمنا النجاة من النار
وكأننا زُحزحنا عن النار
وكأن لدينا ضمانة بدخول الجنة !
إن صكوك الغفران هي شأن النصارى والرافضة !!
لا شأن أهل السنة
وعالي الهمّة لا يرضى بغير الجنة
وعالية الهمة لا ترضى بغير الجنة
فيا أخوتاه :
لنَجْري ونركض ونسارع ونُسابق إلى منازل الأبرار
فقد جاء الحثّ على ذلك ( وَسَارِعُواْ ) ، ( سَابِقُوا ) ، ( فَلْيَتَنَافَسِ )
وليكن حداؤنا :
ركضا إلى الله بغير زاد = إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد = وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد ..
330-أُريدُ سُلْفَة !
أُريد سُلْفة
ما عندك سَلَف ؟
أُريد ثلاثة يُسلفونني ثلاثة
ثلاثة ؟
نعم ثلاثة
الأول : مَنْ يُسلفني من وقتِه
فالواجبات والأعمال والأماني والطموحات – ربما – أكثر من الأوقات
وأعلم أن هناك من الناس من لديه فسحة من الوقت ، بل لديه فائض من الأوقات
وربما بحث عن وسيلة حديثة لقتل الوقت ، ثم هو لا يُحسن القِتلة !
فهؤلاء يمتنّون أن لو قصر اليوم والليلة !(3/286)
وهناك من الناس من يتمنّى أحدهم أن اليوم والليلة تطول وتطول ليُكمل ما بدأه من عمل
وليُنجز ما عزم عليه من مشاريع
وأعرف منهم الكثير .
والثاني : في الهِمّة
من يُسلفني همّته
أريد هِمّة عالية تسمو إلى العلياء حتى تكون كهمة عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – الذي قال :
إن نفسي تواقة وإنها لم تعط من الدنيا شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا تاقت إلى ما هو أفضل منه يعني الجنة
والثالث : من يُسلفني قلباً خالياً ، وذهنا صافياً
فمن يجد في نفسه القدرة ؟
331-مقال وعظي: حصول المرغوب واندفاع المرهوب
ما الذي يُريده الناس في هذه الحياة ؟ كل إنسان في هذه الدنيا يَتمنّى حُصُول مَطْلوبه .. وانْدِفاع مَرْهوبه !أن يتحقق له ما يُريد .. وأن يُصرف عنه كل سوء ومكروه ..
أليس كذلك ؟ بلى
وهذا مُتحقِّق للمؤمن إذا حَقَّق الإسلام .. فإذا ما أسْلَمَتْ جوارِح المؤمن لله رب العالمين .. وكانت مُنقادَة لله .. فقد تحقق له ما يصبو إليه .. واندفع عنه ما يَرهبه ويخافه ..
إذا تَقَرّب المؤمن إلى ربّه شِبْرًا تَقَرّب الله إليه ذِراعا .. وإذا تَقرّب المؤمن إلى ربِّه تبارك وتعالى بالفرائض .. فقد أبرأ ذِمَّتَه , وأرضى ربَّه ..ولا يَزال المؤمن يتقلّب بين الطاعات .. ويتقرّب إلى رب الأرض والسماوات .. يتقرّب بِنوافِل الطاعات .. مِن نوافل الصلاة ، ونوافل الزكاة ، ونوافل الصِّيَام ، ونوافل الحجّ والعُمرة ..
ولسان حاله :ركضا إلى الله بغير زاد *** إلا التقى وعمل المعاد، وكل زادٍ عُرْضَة للنفاد *** غير التقى والبر والرشاد
ولسان مَقَالِه : وعَجِلْتُ إليك ربّي لِترضى .. لم يَكْتفِ بالفَرائض حتى أدَّى النوافل .. حين يشعر المؤمن بِتقصيره في حقّ ربِّه .. يدفعه إلى ذلك مَعرفة بِما يَجب لِربِّه . وحين يعترِف بِذَنْبه ..(3/287)
فإن ذلك يَحْمِله على زِيادة القُرُبات .. والازْدياد مِن الطَّاعات .. لم يَسْتَثْقِل الفرائض .. بل بَادَر إلى النوافل .. وسارع في الخيرات وإلى الخيرات . وهذا سبب لِنَيْل محبة الله ، والفوز بِرضاه ..
يَقُول الله تَعالى في الحديث القُدْسي : وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ . رواه البخاري .
فإذا أحبّه ربّ العِزّة جاءته الْمَكرُمات .. وفاز بِعلُوّ الدَّرَجات .. مَن أحبّه رب العالمين جازاه أحسن الجزاء .. في الدنيا والآخرة ..
ما جزاء هذا الذي تقرّب بالنوافل بعد أن تقرّب بالفرائض ؟ يقول تعالى في الحديث القدسي : فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا . واه البخاري .
تلك هي أول الْمَكرُمات .. أن تُسلِم جَوَارِحه لله .. فلا تَعمل إلاَّ بطاعة الله ..إن أعطى .. فـ لله .. وإن مَنَع .. فـ لله .. إن أحبّ .. فـ لله .. وإن أبْغَض .. فَفِي لله ..إن مَشَى فَفِي طاعة الله ..
وإن بِطَش فَفِي ذَات الله .. جِهَادًا في سبيل الله .. أو إقامة لِحَدّ مِن حُدود الله .. أوْ أمْرًا بالمعروف ونَهْيًا عن الْمُنكر ..وما عَدا ذلك فَقد سَلِم الْخَلْق مِن يَده وَرِجْلِه ولِسَانه ..
فَيَا لِفَوز العَابِد .. مَسْألَته مُتحقّقة .. إن لَجَأ إلى الله في دَفْع مَكُروه دُفِع ..وإن تَذلل لِرَفع شَدائد وكُروب رُفِع ..إن اسْتَعَاذ بِالله أُعِيذ .. يَقُول الله تَعالى في الحديث القُدْسي :وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ . رواه البخاري .(3/288)
أي : ذلك الذي تَحَقَّقَتْ فيه تلك الصِّفَات .. ولَزِمَ تلك الطاعات .. مِن نَفْلها وفَرْضِها .. إن سأل الله أعطاه سُؤلَه .. وإن اسْتَعَاذ بالله أعَاذَه مِمَّا يَخاف ويَحْذَر .. المؤمن لا يَخِيب سَعْيه .. ولا يَنقطِع أمَلُه .. حَبْل رَجَائه مَوصُول بالله ..
إن سأل .. سأل مَن بِيدِه خزائن السماوات والأرض .. وإن اسْتعاذ اسْتَعَاذ بِمن له مقاليد الأمور .. إذ لا يَخرُج شيء عن حُكمه ومُلكِه وسُلطانه .. فالكلّ في قَبْضَتِه .. لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ..
فمن لم يتحقق له مطلوب .. أو لَم يندفع عنه مرهوب .. فَلْيَعُد على نفسه بالتُّهة .. وليَرْجِع عليها باللوم .. فَمِن قِبَل نفسه أُتِي .. وكما يقول ابن القيم : فهو الْجَانِي على نَفْسِه ، وقد قَعَد تَحْت الْمَثَل السَّائر : يَدَاك أوْكَتَا وَفُوك نَفَخ !
وربّ العِزَّة سبحانه وتعالى يُنادي عباده .. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ . رواه مسلم .
وسبق في هذا المعنى :
إسلام الجوارح
الرياض
ليلة السبت 6/2/1428 هـ
332-علاقة الصورة بالشِّرك بالله
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد :
فإن مما عمّت به البلوى في هذا الزمان كثرة التصاوير وتهاون بعض الناس فيها إن لم يكن أكثر الناس بحجة أنها صور ( فوتوغرافية ) .
بل تساهلوا في الصور التي لم يقع فيها الخلاف كالصور التي تُرسم باليد أو التماثيل .ورأيت في بعض المنتديات من يجعل الصورة في توقيعه !
وقد رأيت أن أكتب في هذه المسألة بحثا مختصرا مقتصِرا فيه على أحاديث الصحيحين ( صحيح البخاري وصحيح مسلم ) أو أحدهما .(3/289)
أولاً : لا بُدّ أن يُعلم أن الصور هي أساس البلاء وأُسّ الشرك ، وقد يُظنّ أن هذا من المبالغة والتهويل ، وليس كذلك .
فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ؛ أما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف ثم سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع . أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ، وتنسخ العلم عُبِدَتْ .
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير ذكرنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا ، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق ثم الله يوم القيامة .
وعن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية ، فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال هذه النمرقة ؟ فقالت : اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب هذه الصور يُعذّبون ، ويُقال لهم : أحيوا ما خلقتم ، ثم قال : إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة . رواه البخاري ومسلم .
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الذين يصنعون الصور يُعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم .
فَمَنْ له طاقة بهذا التحدّي الإلهي ؟ وليس بنافخ الروح في الصورة .(3/290)
وهذا إنما هو من باب التحدّي والتعجيز ، كما أن يكذب في رؤياه يؤمر أن يعقد بين شعيرتين ، وليس بعاقد .إن كثيراً من الناس جلبوا المشكلات إلى بيوتهم يوم طردوا الملائكة الكرام وادخلوا الشياطين .
ألم تسمع قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة . متفق عليه .
وفي رواية : ولا تصاوير .
وفي رواية : ولا تماثيل .
وإني لأحسب أن أكثر المشكلات الزوجية سببها وجود الصور والتماثيل وبالتالي تواجد الشياطين وتكاثرها ، على حساب سعادة أسرة كانت آمنة ، وحياتها مستقرّة ، ويلحق بذلك المعاصي والمنكرات من الأغاني والمسلسلات ونحوها ، وإخراج الملائكة الذين يأتون بالرحمة و البركة ويستغفرون للمؤمنين والمؤمنات .
ولما وَاعَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها فجاءت تلك الساعة ولم يأته ، وفي يده صلى الله عليه وسلم عصا ، فألقاها من يده ، وقال ما يخلف الله وعده ولا رسله ، ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره ، فقال : يا عائشة متى دخل هذا الكلب ههنا ؟ فقالت : والله ما دريت ، فأمر به ، فأُخرج ، فجاء جبريل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : واعدتني ، فجلست لك فلم تأت ، فقال : منعني الكلب الذي كان في بيتك . إنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة . رواه البخاري ومسلم .
والمصوّرون أشد الناس عذابا يوم القيامة . كما في الصحيحين .
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصوّرين . كما عند البخاري .
أما صورة ما لا نفس له ولا روح ، فلا بأس به .(3/291)
روى البخاري ومسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال : يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي ، وإني أصنع هذه التصاوير ؟ فقال ابن عباس : لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . سمعته يقول : من صوّر صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ فيها أبدا ، فرَبَا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه ، فقال : ويحك ! إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح .
وفي رواية لمسلم : كل مصور في النار يُجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم .
وإذا علمت خطورة الصور وتأثيرها على العقيدة تبيّن لك لماذا يُوردها العلماء في كتب العقائد دون كتب الفقه ؛ لأن تعلقها بالعقائد أكثر من تعلقها بالفقه .
فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم الصور والتصاوير والتماثيل
ولا يَرِد اللعن – وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله – إلا على كبيرة من كبائر الذنوب .
وأما من فرّق بين الصورة اليدوية التي تُرسم باليد والصورة الشمسية ( الفوتوغرافية ) التي تلتقط بالآلة ( الكاميرا ) فقد فرّق بين المتماثلين ، وعليه الدليل لأجل أن يُقبل هذا التفريق .
فإن من حرّم بعض أفراد ما جاء به الدليل دون بعض لزمه الدليل النقلي الصحيح للتفريق بين المتماثلين .
فالصورة صورة ، ويلزم من قال : إنها مجرد حبس ظل ، يلزمه الدليل لإخراج المصوّر الذي يُصوّر تلك الصور من الوعيد الشديد .
بمعنى أنه لا بُدّ من دليل يستثني الصورة الفوتوغرافية من الوعيد الذي تقدّم بعضه .
فالوعيد الشديد ورد في حق المصورين ، ومن صوّر صورة .
فنحتاج إلى دليل من الكتاب أو من السنة يُخرج المصوِّر الذي يُصوّر بالآلة من ذلك الوعيد .ولم أرَ عند من قال بذلك سوى الدليل العقلي !
والتعليل بأن ذلك حبس ظل ، وأن المصوّر لا يعدو كونه مُشغّل آلة ! وفي النهاية هو مُصوّر رضوا أم لم يرضوا !(3/292)
وبالتالي سوف يُخرج لنا صورة ! إذاً فهذا التعليل عليل ، ولا تُطرح لأجله النصوص الصحيحة الصريحة في تحريم التصوير .
فالصورة هي الصورة ! سواء كانت باليد أو بالآلة . والجدير بالذكر أن الناس إلى يومنا هذا يُسمونها ( صورة ) بجميع أشكالها . ولو تغيّرت الأسماء فإن الحقائق لا تتغيّر ولا تتبدّل .
ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أقوام يشربون الخمر يُسمونها بغير اسمها ، وذلك لا يُغيّر من الخمر شيئا ، فهي هي ، سواء سُمّيت خمرا أو مشروبات روحية أو ( وسكي ) !
قال الإمام النووي - رحمه الله - : قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ، وهو من الكبائر ؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال ، لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وسواء ما كان في ثوب أو بساط أودرهم أو دينار أو فلس أو إناء أو غيرها ، وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام . هذا حكم نفس التصوير، وأما اتخاذ المصوَّر فيه صورة حيوان فان كان معلقا أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يُعدّ ممتهنا فهو حرام ، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام ... ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل وما لا ظل له .
وقال أيضا : وقال بعض السلف : إنما يُنهى عما كان له ظل ، ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل ، وهذا مذهب باطل ، فإن السّتر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل . اهـ .
وأما الاستثناء الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم : إلا رقما في ثوب فهذا في الصور الممتهنة ، كما فعله عليه الصلاة والسلام حينما قطّعت عائشة رضي الله عنها تلك النمرقة فاتكأ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .(3/293)
ومما يستدل به بعض الناس إذا اشترى ستارة أو وسادة أو ثياباً فيها تصاوير يقول : إن عائشة رضي الله عنها قطّعت النمرقة – الستارة – وجعلتها وسائد !
فيُقال لمن قال ذلك : هل اشترتها عائشة ابتداء وأقرّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أم أنه عليه الصلاة والسلام أنكر عليها ثم قطعتها وجعلتها وسائد ؟
لا شك أنه الثاني ، وهذا ينطبق على من اشترى شيئا من ذلك فاتضح له أن فيه صورة ، فيقطعها عند ذلك ويتخذها وسادة كما فعلتْ عائشة رضي الله عنها .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - : لا يجوز لمسلم عارف بِحُكم التصوير أن يشتري ثوبا مُصوَّراً – ولو للامتهان – لما فيه من التعاون على المنكر ، فمن اشتراه ولا علم له بالمنع ؛ جاز له استعماله ممتهناً ، كما يدلّ عليه حديث عائشة . اهـ .
قال الشوكاني - رحمه الله - : وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثماً ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقوّل على الله تعالى بما لم يَقُل ، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حُجة .
ومما رأيت تساهل الناس به كذلك التصوير باليد ، ومن يتهاون في ذلك يزعم أن المُحرّم هو التماثيل !
وقد ناقشت مرة بعض من يصنع التماثيل فقال : المحرّم أن يُصنع على هيئة الإنسان بطوله وعرضه !
ولو ناقشت من يصنع تماثيل بحجم الإنسان لأجابك : المحرَّم ما كان يُطابق الواقع بأن يكون له أعين حقيقية ونحو ذلك !!!
وهكذا كلٌ يلوي أعناق النصوص بما يُوافق هواه ، ونخلص في النهاية إلى أنه ليس ثمّ محرّم في هذا الباب !!
وبالتالي تُلغى النصوص الواردة في الوعيد الشديد في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل التي لا تُوافق أهوائهم وآرائهم .
فنسأل الله الثبات والسداد .
ومن الناس من ينسب القول بجواز التصوير والاحتفاظ بها للذكرى ينسبه للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - ، وهذا من الغلط على الشيخ .
فقد قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في الصور :(3/294)
اقتناء الصور للذكرى محرّم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ، وهذا يدلّ على تحريم اقتناء الصور في البيوت .
وقال أيضا :
تعليق الصور على الجدران محرّم ، ولا يجوز ، والملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة .
وقال رحمه الله : لا نرى لأحد أن يقتني الصور للذكرى كما يقولون ، وأنّ مَنْ عِنده صور للذكرى فإن الواجب عليه أن يُتلفها، سواء كان قد وضعها على الجدار ، أو في ألبوم ، أو في غير ذلك ، لأن بقاءها يقتضي حرمان أهل البيت من دخول الملائكة بيتهم .
وأفتى رحمه الله بحرمة الصور على ثياب الصغار .
وسُئل رحمه الله :
هناك أنواع كثيرة من العرائس منها ما هو مصنوع من القطن ، وهو عبارة عن كيس مفصل برأس ويدين ورجلين ، ومنها ما يُشبه الإنسان تماماً ، ومنها ما يتكلم أو يبكي أو يمشي ، فما حكم صنع أو شراء مثل هذه الأنواع للبنات الصغار للتعليم والتسلية ؟
فأجاب رحمه الله :
أما الذي لا يوجد فيه تخطيط كامل ، وإنما يوجد فيه شيء من الأعضاء والرأس ولكن لم تتبيّن فيه الخلقة فهذا لا شك في جوازه ، وأنه من جنس البنات اللاتي كانت عائشة رضي الله عنها تلعب بهن .
وأما إذا كان كامل الخلقة وكأنما تُشاهد إنسانا ولا سيما إن كان له حركة أو صوت فإن في نفسي من جواز هذه الأشياء شيئاً ، لأنه يُضاهي خلق الله تماماً …. وإذا أراد الإنسان الاحتياط في مثل هذا فليقلع الرأس أو يُحميه على النار حتى يلين ثم يضغطه حتى تزول معالمه . انتهى .
وإن كان للشيخ رأي حول التصوير الحديث بالآلة ( الكاميرا ) فإن المؤدّى والحصيلة واحدة طالما أن الشيخ - رحمه الله - يرى أنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى ولا وضعها على ملابس الصغار .
333-هل يصح القول (الثقة بالنفس أو ثق بنفسك)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتبه الشيخ/ عبدالرحمن السحيم حفظه الله تعالى
الثقة بالنفس(3/295)
كثيرا ما يقول بعض الناس : ثِق بِنفسك، أو يقولون :تَجِب الثقة بالنفس .. ونحو ذلك
وهذه كلمة تتردَّد وتَتَكَرَّر على ألْسِنَة بَعض الناس ، وخُصُوصًا على ألْسِنَة الْمُرَبِّين .. وسبق أن أشَرْتُ قَدِيمًا إلى هذه الكلمة ، وذلك هنا :
اضغط هنا
http://saaid.net/Doat/assuhaim/19.htm
وأزِيد هنا : لا تجوز الثقة بالنَّفْس ؛ لِعِدّة اعتِبارات :
الأول : أن الثِّقَة لا تَكون إلاَّ بالله ، ولِذا قال الله تبارك وتعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) ، وقال عزّ وَجَلّ : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) .. وهذا يُفيد أن التوكّل – كما سبَق – لا يَكون إلاَّ على الله ، والثِّقَة جُزء من التوكّل .. إذ قد عَرّف ابن القيم التوكّل بأنه : اعْتِمَاد القَلَب على الله وحْدَه ، واليأس مما في أيدي الناس .
قال في كِتاب " الفوائد " : وسِرُّ التَّوَكًّل وحَقِيقَتُه : هو اعْتِمَادُ القَلَبِ عَلى اللهِ وحْدَه .
الثاني : أنّ من اعْتَمَد على نَفسِه فقد اعتَمَد على عَجِز وضعف وعورة .. ومَن وُكِل إلى نَفسه فقد خُذِل ..
وفي الْحَدِيث : " مَن تَعَلَّق شَيئا وُكِل إليه " رواه الإمام أحمد والترمذي ، وحسّنه الألباني . وذلك أنَّ القَلب متى اعتمَد على غير الله ورَكَن إليه وُكِلَ الإنسان إلى ما وَثق به ، أو إلى من اعتمَد عليه ..
الثالث : أنّ الله عزّ وَجَلّ إذا أراد خُذلان عَبْد وَكَله إلى نَفْسِه . وهذه عُقوبة مِن عُقوبات الذُّنُوب .(3/296)
قال ابن القيم رحمه الله في ذِكْر عَقوبات الذُّنُوب :فَيُنْسِيه عُيوب نَفْسه ونَقصها وآفاتها ، فلا يَخْطُر بِبَالِه إزالتها وإصلاحها . وأيضا فَيُنْسِيه أمْرَاض نَفسه وقَلبه وآلامها ، فلا يَخْطُر بِقَلْبِه مُدَاواتها ولا السَّعْي في إزالة عِللها وأمراضها التي تؤول بها إلى الفساد والهلاك ؛ فهو مَريض مُثْخَن بِالْمَرَض ، ومَرَضُه مُتَرَامٍ به إلى التَّلَف ولا يَشْعُر بِمَرَضِه ولا يَخْطُر بِبَالِه مُداواته .
وهذا من أعظم العقوبة للعامة والخاصة . فأيّ عقوبة أعظم من عقوبة مَن أهْمَل نَفْسَه وضَيَّعَها ونَسِي مَصَالِحَها وداءها ودَواءها ، وأسباب سعادتهما وصلاحها وفلاحها وحياتها الأبدية في النعيم المقيم . اهـ .
الرابع : أنه قد جاء في الحديث : " ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَة عَين " والواثِق بِنفسه مَوْكُول إلى نَفسه كما تَقَدَّم .
قال الشيخ الفَاضِل بَكر أبو زَيد في " مُعْجَم الْمَناهي اللفْظِية " : في تَقْرِير للشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى - لما سُئِل عن قَول مَن قَال : " تَجِب الثِّقَة بالنَّفْس " أجَاب : لا تَجِب ، ولا تَجُوز الثِّقَة بالنَّفْس . في الحديث : ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفَة عَين .
قال الشيخ ابن قاسم مُعَلِّقًا عليه : وجاء في حديث رواه أحمد : وأشْهَد أنك إن تَكِلْنِي إلى نَفْسِي تَكِلْنِي إلى ضَيْعَة وعَوْرَة وذَنْب وخَطِيئة ، وإني لا أثِق إلاَّ بِرَحْمَتِك . اهـ .(3/297)
أقول : لفظ الحديث في مُسنَد أحمد : مَن قَال : اللهم فَاطِر السَّمَاوَات والأرْض عَالِم الغَيْب والشَّهَادة إني أعْهَد إلَيْك في هَذه الْحَيَاة الدُّنيا أني أشْهَد أن لا إله إلاَّ أنْت ، وحْدَك لا شَرِيك لك ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك ورَسُولُك ، فإنك إن تَكِلْنِي إلى نَفْسِي تُقَرِّبنِي مِن الشَّرّ ، وتُبَاعِدْني مِن الْخَير ، وإني لا أثِق إلاَّ بِرَحْمَتِك ، فاجْعَل لي عِنْدك عَهْدًا تُوفِّينِيهِ يَوْم القِيَامَة ، إنك لا تُخْلِف الْمِيْعَاد ؛ إلاَّ قَال الله لِمَلائكَتِه يَوْم القِيَامَة : إنَّ عَبْدِي قَد عَهِدَ إليَّ عَهْدًا ، فَأوْفُوه إيَّاه ، فَيُدْخِله الله الْجَنَّة .
والله تعالى أعلم .
12/9/1427 هـ .
334-تقبيل اليد بين العالِم والزوج
تقبيل اليد بين العالِم والزوج !
قرأت مقالاً كتبته إحدى الأخوات نقلت فيه كلاماً للكاتبة " يمان السباعي " حول تقبيل المرأة ليد زوجها . تقول الكاتبة :
إنني لا أستطيع أن أتصور وجود رجل يقول : ربي الله ، يطلب أو يرضى من زوجته أن تركع لتقبيل يده أو رجله !!
لا أستطيع تصور ذلك .. لكنه حدث ويحدث ، وما يزال يحدث في عشرات الآلاف من بيوت
المسلمين - وفيهم الدعاة وكبار العلماء - باسم الإسلام ، والإسلام من هذا الإذلال الشاذ بريء . إنني أقول : لا أستطيع تصور ذلك ، لأنني لا أستوعب الكيفية التي يفكر بها رجل مسلم وهو يجرح كرامة امرأة مسلمة ، استودعها الله أمانة عنده ، فيثير في قلبها حقداً دفينا على نفسها وعلى حياتها وعلى الإسلام الذي تُرتكب مثل هذه الحماقات باسمه - وهو منها بريء - ولو أخْفَتْ ذلك وأنكرته في نفسها ، وأرغمت نفسها على الرضا بهذا الوضع الشاذ الذي اجتهدتُ اجتهادا كبيرا في استخراج أصول له من الكتاب والسنة فلم أجد له أي أصل في ديننا . انتهى كلام الكاتبة .(3/298)
ولما رأيت هذا القول مُجانباً للصواب أحبت بيان الحق في هذه المسألة ، فأقول وبالله التوفيق : مسألة تقبيل اليد اختلف أهل العلم فيها في أصل المسألة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وإنما اختلفوا في تقبيل اليد ، فأنكره مالك وأنكر ما رُوي فيه ، وأجازه آخرون ، واحتجوا بما روي عن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فرّوا قالوا : نحن الفرارون ، فقال : بل أنتم العكّارون ، أنا فئة المؤمنين . قال : فقبلنا يده . قال : وقبّل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليهم . انتهى كلامه .
وتقبيل يد العالم أو من له فضل جائز
فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن عبد الرحمن بن رَزين قال : مررنا بالرّبذة ، فقيل لنا : ها هنا سلمة بن الأكوع . قال : فأتيته ، فسلمنا عليه ، فأخرج يديه فقال : بايعت بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرج كفّاً له ضخمة كأنها كف بعير ، فقمنا إليها فقبّلناها . وقال الألباني رحمه الله : حسن الإسناد .
وروى البيهقي في السنن الكبرى زياد بن فياض عن تميم بن سلمة قال : لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فقبّل يده ، ثم خلوا يبكيان . قال : فكان تميم يقول : تقبيل اليد سنة .
فيجوز للطالب تقبيل يد شيخه إكراماً له وتقديراً وإجلالا ، إلا أنه ينبغي أن لا يكون هو عادة الإنسان وديدنه ، ولئلا يكون سبب فتنة لشيخه .
ومثله تقبيل البنت ليد أبيها
فقد روى أبو داود عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلاًّ برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها ، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته في مجلسها .(3/299)
والتقبيل هنا تقبيل إكرام وإجلال ، وهو وإن لم يكن صريحاً في اليد إلا أن اليد داخلة في عموم التقبيل .
ومثله تقبيل الزوجة ليد زوجها لِعِظم حقه عليها
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الزوج : حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدّت حقّه .
وقال : لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولا تؤدي المرأة حق زوجها ، حتى لو سألها نفسها على قتب لأعطته .
قال شمس الحق العظيم أبادي : هو حث لهن على مطاوعة الأزواج ، ولو في هذه الحال ، فكيف في غيرها ، وقيل : كُنّ إذا أردن الولادة جلسن على قتب ، ويقُلن أنه اسلس لخروج الولد ، فأريدت تلك الحالة . اهـ .
وقال عليه الصلاة والسلام : إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ؛ قيل لها أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت . رواه الإمام أحمد .
وكان سخط الله وغضبه مرتبط بسخط الزوج على زوجته إذا كان بحق ، فقال عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها . رواه مسلم .
بل إن الملائكة تلعن من باتت وزوجها غاضب عليها لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبَتْ ، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح . رواه البخاري ومسلم .
ولما أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في حاجة ففرغت من حاجتها قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أذات زوج أنت ؟ قالت : نعم . قال : كيف أنت له ؟ قالت : ما ألوه إلا ما عجزت عنه . قال : فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك . رواه الإمام أحمد والنسائي في الكبرى .
فلو قبّلت الزوجة يد زوجها لكان ذلك أداء لبعض حقه ، ثم إنه من حُسن المعاشرة . وحق الزوج على زوجته عظيم ، ولا شك أنه أعظم من حق الشيخ على تلاميذه(3/300)
وقد عظّم الإسلام حق الزوج على زوجته ، وقد ذكرت طرفاً منه آنفاً ، وهنا إشارة وزيادة :
لماذا عظم حق الزوج ؟
ولو قبّل الزوج يد زوجته لم يكن فيه ثَمَّ محذور ، وهو من حسن العشرة أيضا . ويكون تقبيل اليد في جميع الحالات ناتج عن تقدير واحترام لا عن ذلّ وخضوع .
قال النووي في روضة الطالبين : ولا يكره تقبيل اليد لزهد وعلم وكِبَرِ سِنّ . اهـ .وقال أيضا : وأما تقبيل اليد ، فإن كان لزهد صاحب اليد وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته ونحوه من الأمور الدينية فمستحب ، وإن كان لدنياه وثروته وشوكته ووجاهته ونحو ذلك فمكروه شديد الكراهة ، وقال المتول :ي لا يجوز ، وظاهره التحريم .
وقال البهوتي في كشّاف القناع : فيُباح تقبيل اليد والرأس تديّنا وإكراما واحتراما مع أمن الشهوة ، وظاهره عدم إباحته لأمر الدنيا ، وعليه يُحمل النهي . انتهى .
وقد صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المعروف بابن المقرىء جزء في الرخصة في تقبيل اليد ، ذكر فيه أحاديث وآثار عن الصحابة والتابعين .
والله أعلم .
335-حِوار ولِقاء مَنَابِر الجَواهِر..
مع..
فضيلة الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
_ حفظه الله _
مكانة السنة في الإسلام
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
أما بعد :
فإنه من أُسس عقيدة كل مسلم ذي لبّ أن الله ابتعث نبيّه محمدا صلى الله عليه على آله وسلم ، وأنزل عليه الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
ومن المعلوم قطعاً أن القرآن كُلّيّات وتفصيلها في سنة نبينا صلى الله عليه على آله وسلم
وعلى سبيل المثال : افترض الله على عباده الفرائض مُجملة في القرآن ، وجاءت السنة بتفصيلاتها وتفريعاتها على لسان نبيِّنا محمد صلى الله عليه على آله وسلم .
ومن هُنا فإن قاصمة الظهر لكل مخدوع بدعاوى المستشرقين أن يُقال له مثل ذلك .(3/301)
فإن كنت مسلماً ، فإن أهل الإسلام قاطبة يُصلّون خمس صلوات ، بعدد ركوعات لكل صلاة ، ولا يُخالف في ذلك مسلم .
وأهل الإسلام من لدن النبي صلى الله عليه على آله وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها يطوفون بالبيت سبعة أشواط .
فمن أين أُخذ الناس هذا ؟ وهل وجدوه في كتاب الله ؟
ليُعلم أنه لا يُمكن الاستغناء بالقرآن عن السنة .
وليعلم القارئ أن من يُسمّون أنفسهم بـ " القرآنيين " أنهم يُخالفون القرآن نفسه !
فقد أمر الله بالأخذ بما جاء به الرسول صلى الله عليه على آله وسلم .
فال سبحانه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا )
وقد أخبر الصادق المصدوق عن أمثال هؤلاء الأدعياء الذين يُريدون الاكتفاء بالقرآن دون السنة بقوله عليه الصلاة والسلام : ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه ، وما وجدنا فيه حراما حرمناه ، وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه .
وفي رواية : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ، ألا يوشك رجل ينثني شبعانا على أريكته يقول : عليكم بالقرآن ! فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه ، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه . رواه الإمام أحمد .
إذا فالسنة هي الوحي الثاني :
كان عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – يكتب كل شيء سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فنهتني قريش ، وقالوا : أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ، فأمسكت عن الكتاب ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه ، فقال : أكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق . رواه أبو داود والحاكم وابن أبي شيبة .
والسنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام(3/302)
والسنة تُبيّن ما أُبهم من كتاب الله ، وتوضحه وتفسِّره .
( كما في بيان الصلاة وأوقاتها وصفتها )
والسنة تنسخ القرآن وتُخصص العام منه ، والقرآن ينسخ السنة .
( كما في نَسخ قوله تعالى : (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً )
فقد قال عليه الصلاة والسلام : خذوا عني . خذوا عني . قد جعل الله لهن سبيلا ؛ البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم . رواه مسلم .
والسنة تستقل بالتشريع .
( كما في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها )
( وكما في تحريم لحوم الحُمر الأهلية والكلاب ونحوها )
فلا يُمكن أن يُستغنى عن السنة في حال من الأحوال .
فالسنة تدخل مع الإنسان الرحم أو قبل ذلك ، وتدخل معه القبر .
وقد تكفّل الله بحفظ السنة :
تكفّل الله بحفظ السنة النبوية ، فقد نص أهل العلم في قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) نَصُّوا على أن السنة داخلة في مسمّى الذِّكْر المحفوظ .
وفي قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) قال الإمام مالك : قول الرجل حدثني أبي عن جدي .
وقال الإمام الجهبذ عبد الله بن المبارك : الإسناد من الدين ، لولا الإسناد إذاً لقال من شاء ما شاء .
وقال عبدة بن سليمان :قيل لابن المبارك في هذه الأحاديث الموضوعة . قال : يعيش لها الجهابذة .
أي أفذاذ العلماء الذين يذبون عن دين الله ، وينفون عنه تحريف الجاهلين ، وتأويل المبطلين ، كما في حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يحمل هذا العلم من كلّ خَلَفٍ عُدُوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . رواه الطبراني في مسند الشاميين .(3/303)
والإسناد من أعظم ما حُفِظ به الدِّين ، وهو مما اختصّت به هذه الأمة دون سائر الأمم .
قال ابن حزم – رحمه الله – عن النقل بالإسناد :
وهذا نقل خص الله تعالى به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها ، وأبقاه عندهم غضا جديدا على قديم الدهور منذ أربعمائة عام وخمسين عاما ( هذا في عصره – رحمه الله – ) في المشرق والمغرب والجنوب والشمال يرحل في طلبه من لا يحصى عددهم إلا خالقهم إلى الآفاق البعيدة ، ويواظب على تقييده من كان الناقد قريبا منه ، قد تولى الله تعالى حفظه عليهم ، والحمد لله رب العالمين ، فلا تفوتهم زلّة في كلمة فما فوقها في شيء من النقل . انتهى .
ثم ذكر – رحمه الله – ما عند الأمم السابقة من الأسانيد ، وأنهم لا يقربون بأسانيدهم من أنبيائهم كقربنا بالإسناد من نبينا محمد صلى الله عليه على آله وسلم .
-------------------
أسئلة اللقاء
السؤال الأول :
ما هو الحديث الموضوع ؟
الجواب :
الموضوع لغة : اسم مفعول مِنْ : وَضَعَ يَضَع .
ويأتي هذا اللفظ لمعانٍ عِدّة ، منها :
الإسقاط كـ " وَضَعَ الجناية عنه " أي أسقطها .
الاختلاق والافتراء ، كَـ " وضع فلان القصة " أي اختلقها وافتراها .
قال ابن منظور :
وضَعَ الشيءَ وَضْعاً : اخْتَلَقَه . و تَواضَعَ القومُ على الشيء : اتَّفَقُوا عليه . و أَوْضَعْتُه في الأَمر إِذا وافَقْتَه فيه على شيء . انتهى .
وفي اصطلاح المُحدِّثين : هو ما نُسب إلى الرسول صلى الله عليه على آله وسلم اختلاقاً وكذِباً مما لم يقُله أو يُقرّه .
وعرّفه ابن الصلاح بأنه : المختلق المصنوع .
وبعبارة مختصرة :
هو الحديث المكذوب على النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
==============
السؤال الثاني :
كيف نشأ الوضع في الحديث ؟ و هل مازال الوضع في الحديث حتى يومنا هذا ؟
الجواب :
نشأ الوضع بالتحديد بعد الفتنة التي قُتِل فيها – ظُلماً وعُدواناً – الخليفة الراشد عثمان بن عفان – رضي الله عنه –(3/304)
فبدايات الوضع كانت بعد هذه الفتنة التي عمّت الأمة ، وبعد ظهور أولئك البُغاة الأدعياء ، ومُثيري الفتن ، وعلى رأسهم ابن السوداء اليهودي عبد الله بن سبأ ، فاليهود أفسدوا دين النصارى ، وهم يُريدون بذلك إفساد دين المسلمين ، ولكن دين الله محفوظ .
قال العالم الجليل ، والإمام الفذّ محمد بن سيرين – رحمه الله – :
كانوا لا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا : سمّوا لنا رجالكم ، فننظر إلى أهل السنة فنأخذ حديثهم ، وإلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم .
ويعني بالفتنة مقتل عثمان – رضي الله عنه – .
فبدأ الوضع يظهر في فضائل الخلفاء الراشدين أو بعضهم .
ولكن الوضع لم يظهر بشكل واضح خلال القرنين الأول والثاني ، لوجود الصحابة – رضي الله عنه – الذين هم أمنة للأمة كما أخبر النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
ثم لوجود التابعين الذين هم خير الناس بعد الصحابة – رضي الله عنهم –
وهذا يؤكد على حقيقة أنها لا تظهر البدع ، ولا الافتراءات إلا عند قلّة العلماء .
وقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يُشدّدون في مسألة التحديث عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، ويتحرّون الدقّة في الألفاظ .
ولذا كان أنس بن مالك إذا أراد أن يُحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير لونه ثم قال : أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
روى مسلم – في المقدمة – عن ابن عباس أنه قال : إنما كنا نحفظ الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات .(3/305)
وروى عن طاووس قال : جاء هذا إلى ابن عباس - يعني بشير بن كعب - فجعل يحدثه ، فقال له ابن عباس : عُد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، ثم حدثه ، فقال له : عُد لحديث كذا وكذا ، فعاد له . فقال له : ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا ؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا ؟ فقال له ابن عباس : إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يُكذب عليه ، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه .
وروى عن مجاهد قال : جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه . فقال : يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي ؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع ؟ فقال ابن عباس : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم ينفذ من الناس إلا ما نعرف .
وبُشير بن كعب هذا لم يكن من الوضّاعين ، فهو ثقة مُخضرم – أي أدرك زمن النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، ولم يلقَه .
وإنما أعرض عنه ابن عباس – رضي الله عنهما – لأنه كان يُكثر الرواية ، ويروي عن أهل الكتاب .
وكانت هناك بواعث ودوافع أدّت إلى نشأة الوضع وانتشاره ؛ فمنها :
1 – الخلافات السياسية ، وكما أشرتْ أن بداية ذلك كان بعد مقتل عثمان – رضي الله عنه – ثم انتشرت الخلافات السياسية ، وانتشر معها الكذب .
2 – الخلافات المذهبية ، فقد أدّت الخلافات المذهبية إلى وضع الأحاديث ، فالرافضة أكذب الناس ، حتى أن رجلاً منهم تاب فقال : كُنّا إذا اجتمعنا فاستحسنّا شيئا جعلناه حديثاً .
وقد سُئل الإمام مالك عن الرافضة فقال : لا تُكلّمهم ، ولا تروِ عنهم ، فإنهم يكذبون .
وقال الشافعي : ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة .(3/306)
وقال شريك بن عبد الله : احمل عن كل من لقيت إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث ويتّخذونه دِيناً .
بينما نجد أن الخوارج يتورّعون عن الكذب ، بناء على ما يذهبون إليه من تكفير مرتكب الكبيرة
ثم ظهرت الفرق والمذاهب ، وكلٌّ يجعل له ما شاء من أحاديث ويضعها نُصرة لمذهبه .
حتى وضع مُتعصّبة الأحناف حديثا في ذم الإمام الشافعي – رحمه الله – نصّه : يكون في أمتي رجل يُقال له محمد بن إدريس أ أشد على الناس من إبليس !!!
وهكذا في الفرق والطوائف والمذاهب .
3 – الزندقة والطعن في الإسلام ، فقد أدرك الزنادقة وأعداء الإسلام أن قوة الإسلام لا تُقاوم ، فلجئوا إلى وضع الأحاديث التي تُنفّر الناس من الإسلام ، وتُشكك المسلمين بدينهم .
ومن هؤلاء : محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة ، فقد وضع حديث : أنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله )
4 – القصص والوعظ ، ولذا كان السلف يُحذّرون من القُصّاص .
ومن ذلك حرصهم على ترغيب الناس أو ترهيبهم ، فما يجدون من يتحرّك إلا إذا وضعوا لهم الأحاديث في ذلك .
قال معاذ – رضي الله عنه – :
إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر ، فيوشك قائل أن يقول : ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعيّ حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة ، وأحذركم زيغة الحكيم ، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم . رواه أبو داود وغيره .
5 – الوعظ والتذكير ، فقد وضع أحد الوضاعين – وهو ميسرة بن عبد ربه – حديثاً في فضائل سور القرآن ، ولما سُئل عن ذلك قال : رأيت الناس انصرفوا عن القرآن ، فوضعتها أرغّب الناس فيها !
ومثله نوح بن أبي مريم .
6 – التكسّب وطلب المال ، فيضع الوضّاع الحديث الغريب الذي لم يسمعه الناس ، ليُعطوه من أموالهم .(3/307)
حدّث جعفر الطيالسي فقال : صلى أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ، فقام قاصّ فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا اله إلا الله خلق الله من كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان- وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة - فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه وهما يقولان : ما سمعنا بهذا إلا الساعة ! فسكتا حتى فرغ من قصصه وأخذ قطعة دراهم ثم قعد ينتظر ، فأشار إليه يحيى فجاء متوهما لنوالٍ يجيزه ، فقال يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال الكذّاب : أحمد وابن معين ! فقال : أنا يحيى وهذا أحمد ! ما سمعنا بهذا قط ، فإن كان ولا بُدّ من الكذب فعلى غيرنا ! فقال : أنت يحيى بن معين ؟!! قال : نعم . قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق !!! وما علمت إلا الساعة !!! كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ؟!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين !! قال : فوضع أحمد كمّه على وجهه ، وقال : دعه يقوم . فقام كالمستهزئ بهما !!
ومن ذلك ترويج السلع ، كما وضع أحد الوضّاعين حديثاً في فضل الهريسة !
7 – العصبية للجنس والقبيلة أو اللغة والوطن ، فقد وُضِعت الأحاديث في فضل العرب ، وفي فضل السودان أو ذمّهم ، ونحو ذلك .
ومثلها الأحاديث في فضائل البلدان ، كفضائل قزوين ، أو غيرها من البلدان .
8 – التقرب للحكام والسلاطين ! بما يوافق أهوائهم .
كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكذاب ، فقد وضع حديثاً في فضل اللعب بالحَمَام !
وذلك أنه دخل على المهدي ، وكان المهدي يُحب اللعب بالحَمَام ، فقيل لِغياث هذا حدّث أمير المؤمنين . فجاء بحديث : لا سبق إلا في نصل أو خفّ أو حافر – ثم زاد فيه – أو جناح !(3/308)
فأمر له المهدي بصرّة ، فلما قام من عند المهدي قال المهدي : أشهد أن قفاك قفا كذّاب ! فلما خرج أمر المهدي بذبح الحَمَام !
وأين هذا من فعل هارون الرشيد – رحمه الله – ؟
فقد حدّث أبو معاوية الضرير هارون الرشيد بحديث " احتج آدم وموسى " فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد ، وقال : النطع والسيف ! زنديق يطعن في الحديث . فما زال أبو معاوية يسكِّنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين . حتى سكن .
9 – المصالح الشخصية أو قصد الانتقام من شخص أو فئة مُعيّنة
فقد جاء ابنٌ لسعد بن طريف الإسكاف يبكي ، فسأله عن سبب بكاءه ، فقال : ضربني المعلّم . فقال سعد : أما والله لأخزينهم ! ثم وضع حديثا قال فيه : معلموا صبيانكم شراركم ...
فهذا الوضّاع الكذّاب لم يُخزِ إلا نفسه بوضعه لذلك الحديث وكذبه على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
10 – قصد الشهرة ، والتميّز على الأقران ، وهذا ما يفعله الذين يُريدون أن يُذكروا بعلوّ الإسناد ، أو كثرة الشيوخ ونحو ذلك ، فيُركّبون بعض الأحاديث ويضعونها لأجل ذلك .
ولا يزال الوضع يجري على ألسنة الكذابين ، ويتناقله الناس عبر البريد بحسن نيّة ، فيُسارع الواحد منهم إلى نشره دون التأكد ، وإذا سُئل قال : وصلني عبر البريد .
إن وُصُوله لك عبر البريد ليس بحجة ولا مسوّغ أن تنشر حديثاً وتنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم دون التأكد منه ، وإلا كان الناشر من زمرة الكذّابين على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
ومن آخر ما رأيت من وضع الأحاديث ما وُضِع في فضائل " الخميني " !!! فقد رأيت حديثاً نُشِر يوم وفاته فيه فضائله ، وأنه يخرج بأرض فارس ...!!!
والله أعلم .
أعتذر عن الإطالة وبشدّة !
===========
السؤال الثالث :
وما أكثر المواضيع التي يقصدها الناس لوضع الحديث ؟ ما مدى إقبال المجتمع المسلم على الأحاديث الموضوعة ؟ ولماذا ؟
الجواب :(3/309)
لعل أكثر المواضيع التي يقصدها الوضّاعون لوضع الأحاديث هي : الترغيب والترهيب
إما بقصد ترهيب الناس وإبعادهم عن المحرّمات
وإما بقصد حث الناس على فعل الخيرات
وهذه المقاصد لا تُسوّغ الكذب على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم ، فإن في الصحيح كفاية وغُنية عن الضعيف فضلا عن الموضوع .
ويُقبل الناس على مثل هذه الأحاديث ولعلي لا أحتاج إلى إطالة في هذه النقطة ؛ لأن كل من يتعامل مع الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) يلمس هذا بوضوح ، فما أكثر الرسائل البريدية التي تحمل الأحاديث الموضوعة المكذوبة ، وما أقلّ ما تُنشر الأحاديث الصحيحة !
ويجتهد بعض رواد الشبكة فيضعون لها التصاميم الجميلة ، والإطارات والبراويز الفاخرة !
ويُقبل الناس في المجتمعات الإسلامية على الأحاديث الموضوعة لأسباب منها :
1 – الجهل بالأحاديث صحة وضعفاً ووضعاً ، ومع تقدّم العلم وانتشاره إلا أن الجهل بالدِّين لا يزال منتشراً واضحاً بيّناً .
2 – عدم إدراك خطورة نشر الأحاديث الموضوعة ؛ وأن ناشر الحديث الموضوع داخل ضمن الكذابين على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
3 – الانخداع بالبهرج ! فتخطف أبصارهم الكلمات المنمّقة المُدبّجة !
4 – عدم وجود البديل ، فلا يوجد من ينشر الأحاديث الصحيحة كما تُنشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
5 – ويُمكن القول بأن جهل بعض الإعلاميين أحياناً يكون سببا في انتشار الأحاديث الموضوعة أو الضعيفة .
فينشرون عبر وسائل الإعلام المختلفة تلك الأحاديث ويُروّجون لها من غير علم .
فليحذر الجميع من نشر أو توزيع الأحاديث الموضوعة بل حتى والضعيفة .
==========
السؤال الرابع
نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح .
شيخنا الفاضل
هذا سؤال من أخت في الله
السؤال الأول : ما صحة الحديث الذي يقول عن فاتح القسطنطينية ( .... فخير الأمير أميرها ، ونعم الجيش ذلك الجيش )
الجواب :(3/310)
نَصُّ الحديث : لتفتحن القسطنطينية ، ولنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش . قال أحد رواته : فدعاني مسلمة بن عبد الملك فسألني عن هذا الحديث ، فحدثته ، فغزا القسطنطينية . رواه الطبراني والحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
الحديث بهذا اللفظ ضعفه الشيخ الألباني – رحمه الله – في سلسلة الأحاديث الضعيفة .
فائدة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه على آله وسلم قال : أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له . قال : وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية ، وكان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه . انتهى .
ولم أجد هذا اللفظ في صحيح البخاري ، وإنما فيه حديث أم حرام – رضي الله عنها – أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا . قالت أم حرام قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم . فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا .
ومدينة قيصر هي القسطنطينية .
والله أعلم .
==============
السؤال الخامس
ما الفرق بين الحديث الضعيف والموضوع ؟
الجواب :
الحديث الضعيف هو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات القبول .
وعُرّف بأنه : ما لم يجمع صفات الصحيح والحسن .
والمعنى متقارب .
والحديث الضعيف يكون ضعفه إما في السند وإما في المتن
فيكون الحديث ضعيف المتن إذا كان في المتن شذوذ أو نكارة .
ويكون ضعيف السند إذا كان في إسناده راوٍ ضعيف ( على اختلاف درجات الضعف ) ، أو كان فيه راوٍ مجهول ولو لم يُعلم ضعفه ، أو كان فيه عِلّة قادحة ، أو شذوذ أو نكارة أيضا .(3/311)
ودرجات الضعف هي ( هالك – متروك – حديثه مردود – ضعيف جداً – ليس بشيء – لا يُكتب حديثه – مضطرِب الحديث – لا يُحتج به – ضعفوه – ضعيف – أحاديثه مناكير – ليس بحجة – ليس بالقوي – فيه ضعف – مجهول ... ) ونحوها مما يدل على ضعف الراوي .
فإذا كان في إسناد الحديث شيء من أسباب الضعف ، أو كان في متنه كذلك ، صار الحديث ضعيفاً .
والحديث الضعيف قد يتقوّى بكثرة الطرق إذا لم يكن شديد الضعف .
والضعيف أنواع :
الشاذ
المُعلل
المضطرب
المرسل
المنقطع
المعضل
المقلوب
وقد أوصلها ابن حبان إلى ( 49 ) نوعاً
واختُلِف في الاحتجاج به ، أو الاستدلال به – على تفصيل في هذه المسألة -
وأما الحديث الموضوع : فهو المصنوع المُختلق – كما تقدّم – .
وهو ما كان في إسناده وضّاع أو كذّاب أو متُهم بالكذب .
أو كان في متنه ما يُخالف أصول الشريعة مما يُعلم معه قطعاً أنه كذب صريح .
وهذا لا تجوز روايته إلا على سبيل التحذير منه ، وبيان حاله .
ولا يُمكن أن يتقوّى بحالٍ من الأحوال .
وبعض العلماء يُدخل الحديث الموضوع تحت أقسام الحديث الضعيف باعتبار التقسيم في مُقابلة الضعيف للصحيح والحسن .
ولذا نقرأ قول بعض العلماء : الموضوع شرّ أنواع الضعيف .
فهذه العبارة من هذا الباب .
والله أعلم .
===============
السؤال السادس :
والسؤال الأخير لأختنا في الله :
السؤال الثالث : ما حكم العمل بأي حديث دون التأكد من صحته ؟
الجواب :
العمل بالحديث فرع ونتيجة عن تصحيحه
والعلماء ينصُّون على أن التأويل فرع عن التصحيح
كما أنهم ينصُّون على أن العبادات توقيفية ، فلا يُتعبّد لله إلا وفق نصوص الوحيين .
فلو عمِل الإنسان بحديث فإنه يتعبد لله بمقتضى هذا الحديث إن كان في العبادات
وإن كان في غيرها فإنه بعمله هذا ينسب الحديث إلى الرسول صلى الله عليه على آله وسلم
إلا إن أخذ الحديث على أنه حِكمة فعمِل به فلا حرج
ويُقال مثل ذلك في الحديث الضعيف – على تفصيل في المسألة –(3/312)
ولا يجوز أن يُنسب الحديث إلى النبي صلى الله عليه على آله وسلم إلا بعد التأكد من صحته ، بأن يكون الحديث في كتاب اشترط صاحبه الصحة كالصحيحين ، أو ينصّ إمام على صحة الحديث ، وهكذا .
وفي المقابل فإن الحديث إذا عُلِمت صحته فإنه يُعمل به ، ولو لم يعلم أن أحداً عمل به من قبل ، إلا أن يكون الحديث منسوخاً .
قال العلامة القاسمي في قواعد التحديث – في كلامه على ثمرات الحديث الصحيح ومعرفته - :
الثمرة الخامسة : لزوم قبول الصحيح ، وأن لم يعمل به أحد . قال الإمام الشافعي في الرسالة : ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم أن يقول إلا بالاستدلال ، ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استُحسِن شيء يُحدِثه لا على مثالٍ سابق . انتهى .
فالصحيح أنه لا يُعمل بالحديث إلا إذا صحّ .
ولذا كان الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول كثيراً : إن صحّ الحديث .
يعني في مسألة مُعينة إذا صح الحديث عمل به .
كما قال ذلك في الوضوء من لحوم الإبل .
نقل الحافظ ابن حجر عن البيهقي أنه قال : حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال : إن صح الحديث في لحوم الإبل قلتُ به . قال البيهقي : قد صحّ فيه حديثان ؛ حديث جابر بن سمرة وحديث البراء . قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه .
وهذا من إنصاف البيهقي – رحمه الله – فهو شافعي المذهب ، ومع ذلك قال بخلافه فيما صحّ فيه الحديث وتبيّن له فيه الدليل .
فالعبرة عند السلف بِصحّة الحديث لا بمن قال به أو عمل بموجبه .
والله أعلم .
===========
السؤال السابع
ما هي القواعد التي وضعها علماء الحديث لكشف الأحاديث الموضوعة ؟
الجواب :
أولاً : تقدم الكلام على أن السنة داخلة في عموم قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وأن السنة داخلة في مسمّى الذِّكْر المحفوظ .
وتقّدمت كلمة ابن المبارك – رحمه الله – حينما قال عن الأحاديث الموضوعة : يعيش لها الجهابذة(3/313)
وقد قيّض الله للسنة الغراء علماء على مر السنين وتتابع الأزمان ينفون عنها تحريف الجاهلين ، وانتحال المُبطلين .
وقد وضع العلماء قواعد لمعرفة الحديث الموضوع
وهذه القواعد منها ما يتعلق بالإسناد ( سلسلة الرواة ) ومنها ما يتعلق بالمتن ( نَصّ الحديث )
أما ما يتعلق بالإسناد فـ :
1 – اعتراف الراوي بكذبه ، وهذا أقوى دليل كما اعترف ميسرة بن عبد ربه – حديثاً في فضائل سور القرآن ، ولما سُئل عن ذلك قال : رأيت الناس انصرفوا عن القرآن ، فوضعتها أرغّب الناس فيها ! ( وقد تقدم هذا )
2 – وجود قرينة قوية تقوم مقام الاعتراف بالوضع ، كأن يروي الراوي عن شيخ لم يَلْقََه ويُحدّث بالسماع أو التحديث ، أو عن شيخ في بلد لم يرحل إليه ، أو عن شيخ مات قبل أن يوُلد هذا الراوي ، أو توفي ذلك الشيخ والراوي صغيراً لم يُدرك .
ولأجل ذلك اهتم العلماء بمعرفة المواليد والوفيّات وضبطوا تواريخ وفياتهم واُرِدت فيها المُصنفات ، وعرفوا رحلات الشيوخ وإلى أي البلدان ، ومن خرج من العلماء من بلده ، ومن لم يخرج ، وتواريخ ذلك كله .
3 – أن يتفرد راوٍ معروف بالكذب برواية حديث ولا يرويه غيره فيُحكم على روايته بالوضع .
4 – أن يُعرف الوضع من حال الراوي ، كأن يُحدّث بحديث عند غضه لم يكن يُحدّث به من قبل ، كما تقدم في قصة سعد بن طريف !
5 – أن يكون الراوي مُتهماً في حديثه مع الناس ولو لم يُتّهم في حديث رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
6 – أن ينصّ إمام من الأئمة على أن " فلان " من الرواة يضع الحديث أو أنه كذاب ، ونحو ذلك من عبارات الجرح الشديد التي يُعلم معها أنه وضاع .
وأما ما يتعلق بالمتن فـ :
1 – ركاكة لفظ الحديث المروي ، بحيث يُدرك من له إلمام باللغة أن هذا ليس من مشكاة النبوة .(3/314)
2 – فساد المعنى ، كالأحاديث التي يُكذّبها الحس ، ومعرفة هذا النوع لعلماء السنة الذين سَرت في عروقهم حتى صار لديهم مَلَكَة في تمييز صحيحها من سقيمها ، وليس لكل أحد !
3 – مناقضة القرآن أو صحيح السنة
كالأحاديث التي فيها عرض التوبة على إبليس !
أو الأحاديث التي اشتملت على تخليد أحد من أهل الأرض !
أو الأحاديث التي فيها أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة !
أو ذم من يتمسك بالكتاب والسنة !
أو النص على خلافة علي – رضي الله عنه – كما تزعم الرافضة !
أو الأحاديث التي فيها أن الصحابة – رضي الله عنهم – كتموا شيئا من القرآن أو حرّفوه ،
فيُقطع ببطلان تلك الأحاديث .
4 – مُخالفة الحقائق التاريخية التي جرت في عصر النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، كحديث وضع الجزية عن أهل خيبر ! وقد كتبته اليهود وجعلوا عليه من الشهود ( سعد بن معاذ – رضي الله عنه – ) وقد توفّي بعد غزوة الخندق !
كما أن وضع الجزية لم يكن شُرِع آنذاك !
5 – موافقة الحديث لمذهب الراوي ، وهو مُتعصب مُغالٍ في تعصبه ، كالأحاديث التي يرويها الرافضة في فضائل علي – رضي الله عنه – أو الأحاديث التي ترويها المرجئة في الإرجاء ونحو ذلك .
6 – أن يكون الخبر عظيما ولا ينقله إلا راو مُتّهم ! كأن ينقل حوادث تاريخية لا تخفى على آحاد الناس ثم لا ينقلها سواه ، ولا يُسمع بها من قبل .
7 – اشتمال الحديث على مجازفات وإفراط في الثواب العظيم مقابل عمل صغير ، كما تقدم في الحديث الذي فيه : من قال لا اله إلا الله خلق الله من كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان- وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة ...
ولكن ما صح من الأحاديث لا يُنظر فيه إلى مثل هذا مما قد يُتوهّم ، كحديث : من صلى على جنازة فله قيراط ، والقيراط مثل جبل أحد . فهذا في الصحيحين ولا إشكال فيه .(3/315)
وإنما هذا القيد أغلبي يُنظر فيه حال الرواة كذلك ، كأن يكون هذا الراوي ما عُرف إلا بهذا الحديث ، كما تقدم في قصة ذلك الحديث !
8 – أن يشتمل على تواريخ مستقبلية معينة .
9 – أن يكون المتن ظاهر الوضع ، كحديث عوج بن عنق ! الذي قيل إنه أدرك الطوفان زمن نوح عليه الصلاة والسلام ، وأن الطوفان لم يبلغ حُجزته ! وأنه كان يخوض البحر فيُخرج السمكة ثم يشويها على الشمس !!!
وقد ذكرت هذا مرة في أحد المجالس ، ثم أردت أن أُبيّن وضع الحديث ! قال أحد الحضور : ما يحتاج تقول إنه موضوع ! ( يعني أنه واضح الوضع ) !
10 – أن يشتمل الحديث على ذم أُناس لمجرد لونهم أو لغتهم ، وينصّ العلماء على أنه لا يصح حديث في ذم السودان مثلاً ، أو ذم لغة معينة ، ونحو ذلك .
11 – أن ينصّ إمام من الأئمة على وضع الحديث ، وأنه موضوع مكذوب .
بالإضافة إلى أن الحديث الموضوع ليس عليه نور السنة النبوية ، وعليه علامات وشارات يفضح الله بها الكذب .
قال الربيع بن خثيم : إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار ، وإن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل .
وقال ابن الجوزي : الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب ، وينفر منه قلبه في الغالب .
وقال أيضا : ما أحسن قول القائل : إذا رأيت الحديث يُباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول ، فاعلم أنه موضوع .
ومع هذا لو كذب رجل بالليل لأصبح وقد كشفه الله وفضحه .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
================
السؤال الثامن :
بارك الله فيك شيخنا الفاضل ...
قد تجد بعض الأسئلة المعادة أو التي تقدم الإجابة عليها ، ولكننا ننقلها من باب الأمانة
بارك الله في علمكم وعملكم .
والسؤال الأخير لأختنا فجر
الأحاديث التي يستدل بها الروافض على صدق معتقدهم هل تعتبر من الموضوعات ؟
وجزاك الله كل خي
الجواب :
وجزاكم الله خير الجزاء وأحسن إليكم(3/316)
تقدّمت الإشارة إلى الروافض ، وأنهم أكذب الناس ، وأنهم إذا أرادوا شيئا وضعوا فيه حديثاً ، وجعلوه دينا !
كما تقدّمت الإشارة في كيفية معرفة الحديث الموضوع
فما عندهم من أحاديث في فضائل عليّ – رضي الله عنه – أو في ذم الشيخين ( أبي بكر وعمر ) – رضي الله عنهما – هي من هذا القبيل .
ولا شك أن الأحاديث التي يستدل بها الروافض على صدق معتقدهم فيها حق وأكثرها باطل
فالحق ما كان من فضائل علي – رضي الله عنه – دون غلو
والباطل ماك فيه غلو في حقه – رضي الله عنه – أو ذم في حق غيره .
كما نص علماء السنة النبوية على أن الأحاديث التي فيها النص بالخلافة لعلي أو العهد له ولأولاده أنها كذب مختلق .
والأحاديث الواردة في فضائل عليّ – رضي الله عنه – أشهر من أن تُذكر ، فدواوين السنة تزخر بفضائل أبي الحسن – رضي الله عنه – ، ولكني أقصد تلك الأحاديث التي فيها الغلو في علي – رضي الله عنه – أو تأليهه !
أو تلك الأحاديث التي لا يُصدّقها مجنون فضلاً عن أن يُصدّقها عاقل !!
ويشتهر حديث يُطرح في كثير من المنتديات ويتراسلون به عبر البريد ، ويتساهلون في نقله وتصويره وتوزيعه ، وهو من أحاديث الروافض الموضوعة
الحديث فيه : يا علي لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء .... وذكرها .
فهذا حديث موضوع مكذوب .
وما بُليت الأمة على مرّ تاريخها بمثل ما بُليت به من الروافض
والتاريخ يشهد
واقرؤوا التاريخ إذ فيه العِبر **** ضل قوم ليس يدرون الخبر .
والله أعلم .
===============
السؤال التاسع :
والسؤال الأول للأخ الباحث :
ما هو الحديث المنكر والحديث الغريب ؟ وهل يعتبر حديث موضوع .
الجواب :
الحديث المنكر :
هو ما رواه الضعيف مُخالفاً فيه الثقة
وشرطه تفرّد الضعيف والمخالفة للثقة
أما إذا تفرّد الضعيف دون مخالفة الثقة فلا يُقال له : مُنكر بل يُقال له : ضعيف .
فكل حديث منكر فهو ضعيف ، وليس كل حديث ضعيف مُنكر .(3/317)
وعلى هذا يكون الحديث المنكر من أقسام الحديث الضعيف ، ولا يُعتبر موضوعاً .
مثاله :
ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه .قال أبو داود بعد تخريجه : هذا حديث منكر ، وإنما يُعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورِق ثم ألقاه . قال : والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام . وقال النسائي بعد تخريجه : هذا محفوظ ، فهمام بن يحيى ثقة احتج به أهل الصحيح ، ولكنه خالف الناس فروى عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند ، وإنما روى الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه أبو داود فلهذا حكم عليه بالنكارة .
قاله السيوطي في التدريب .
والحديث الغريب :
هو ما تفرّد بروايته شخص في أي موضع من السند .
وعلى هذا فقد يكون الحديث الغريب صحيحاً وقد يكون حسنا وقد يكون ضعيفاً .
مثاله :
حديث عمر – رضي الله عنه – : إنما الأعمال بالنيّات . وهو في الصحيحين .
قال ابن رجب – رحمه الله – :
هذا الحديث تفرد بروايته يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وليس له طريق هذا الطريق كذا قال علي بن المديني وغيره ، وقال الخطابي : لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في ذلك مع أنه قد روى من حديث أبي سعيد وغيره ، وقد قيل إنه قد روى من طرق كثيرة لكن لا يصح من ذلك شيء عند الحفاظ ،ثم رواه عن الأنصاري الخلق الكثير والجم الغفير ، فقيل : رواه عنه أكثر من مائتي راوٍ ، وقيل رواه عنه سبعمائة راو ، ومن أعيانهم الإمام مالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث بن سعد وحماد بن زيد وشعبة وابن عيينة وغيرهم ، واتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول ، وبه صدر البخاري كتابه الصحيح . انتهى .
والغرابة أنواع :
1 – غريب المتن والإسناد(3/318)
2 – غريب الإسناد فقط
3 – غريب بعض المتن
وقد يُطلق على الغريب الفرد .
والله أعلم .
=============
السؤال العاشر :
أجزل الله لكم الأجر والمثوبة
والسؤال الثاني والثالث للأخ الباحث :
2 - هل يمكن لعامة أفراد المجتمع أن يعرف الحديث الموضوع من غيره ؟
3 - هل العلم بالأحاديث الصحيحة والموضوعة فرض كفاية أم فرض عين ؟
الجواب :
لا يُمكن لعامة الناس معرفة الحديث الموضوع إلا بمعرفة القواعد التي وضعها العلماء لمعرفة الحديث الموضوع ، وقد تقدمت الإشارة إليها .
والدليل على ذلك كثرة انتشار الأحاديث الموضوعة ، فلو كان عامة الناس يعرفون الأحاديث الموضوعة لما انتشرت بهذه الصورة .
أما العلم بالأحاديث الصحيحة وضدّها فهو فرض كفاية ، إلا أنه يجب على العالم معرفة الأحاديث الموضوعة حتى لا يستدل ولا يستشهد بها .
فالذي يتصدّر لتعليم الناس يجب أن يعلم بصحيح الأحاديث من سقيمها ، أو على الأقل يصدر عن رأي إمام مُعتبر في مسألة التصحيح والتضعيف .
والله أعلم .
==========
السؤال الحادي عشر
أعانكم الله علينا شيخنا الفاضل وعلى تكرار الأسئلة
السؤال الثاني لأختنا اللجين
- ماذا نفعل عند قراءتنا لكتب فيها أحاديث غير موضح درجة صحتها ؟ هل نصدقها ؟ أم لا؟
الجواب :
سبقت الإشارة إلى أن العمل فرع عن التصحيح .
وسبقت الإشارة إلى أن الحديث إذا صحّ فإنه يُعمل به على حسب مدلوله ، إن كان يدلّ على واجب وجب العمل به ، وإن دلّ على أمر مسنون فالعمل به سُنّة ، وهكذا .
وتقدّم قول القاسمي – من ثمرات الحديث الصحيح - : لزوم قبول الصحيح ، وأن لم يعمل به أحد . قال الإمام الشافعي في الرسالة : ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم أن يقول إلا بالاستدلال ، ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استُحسِن شيء يُحدِثه لا على مثالٍ سابق . انتهى .(3/319)
فالصحيح أنه لا يُعمل بالحديث إلا إذا صحّ ، ولذا كان الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول كثيراً : إن صحّ الحديث .
يعني في مسألة مُعينة إذا صح الحديث عمل به .
كل هذا تقدّم
ولكن من قرأ في كتاب ولا يعلم صحة أحاديثه فإنه يتوقف عن العمل بها حتى تتبيّن له صحتها .
إلا إذا كانت الأحاديث ممن رواها أهل الصحيح الذين اشترطوا الصحة ووفّوا بشرطهم ؛ كالبخاري ومسلم .
وهناك من اشترط الصحة ولم يوفِّ بها ، بل تعقب العلماء بعض من اشترط الصحة ، كالحاكم في المستدرك فإنه قد يروي الموضوعات ، والتمس له العلماء العُذر حيث مات ولم يُنقّح كتابه .
ومثل صحيح ابن حبان أو صحيح ابن خزيمة ، فإنهما اشترطا الصحة ولم يوفّيا بها ، وإن كانا أمثل من المستدرك وأقوى .
فإذا قرأ الإنسان في كتاب يذكر فيه مؤلفه مُخرِّج الحديث ، فإنه إذا قال :
رواه البخاري ومسلم ، أو متفق عليه ، أو في الصحيحين ، فالمعنى واحد ، وهذا أعلى درجات الصحة .
يلي ذلك قول : رواه البخاري
يلي ذلك قول : رواه مسلم
يليه : على شرط الشيخين
ثم : على شرط البخاري
ثم : على شرط مسلم
ثم : حديث صحيح .
فإذا وجد القارئ بعض هذه العبارات فهي تدلّ على الصحة ، إلا عند من يتساهل في التصحيح .
أما إذا لم يجد عبارات التصحيح ولم يكن المؤلف من يُعنى بالتصحيح فإن التوقف عن العمل بالحديث في هذه الحالة هو المتعيّن حتى يصح الحديث .
فإذا صحّ الحديث فهو مذهبي .
ولكنه لا يردّه أيضا ولا يُكذّب به إلا إذا تبيّن له أنه موضوع .
فالموضوع يُردّ ويُكذّب
والضعيف يُردّ فقط .
والله أعلم .
==============
السؤال الثاني عشر :
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل وسؤالي هو كيف نستطيع التغلب على هذه الظاهرة المنتشرة بين الناس ؟
الجواب :
لعل الأخ الفاضل يقصد ظاهرة انتشار ونشر الأحاديث الموضوعة
هي ستبقى مُتناقلة نتيجة الجهل بوضعها أولاً
ونتيجة الجهل بخطورة نشر الأحاديث الموضوعة(3/320)
فإنه تواتر عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم أنه قال : مَن كَذَب عليّ مُتعمداً ، فليتبوأ مقعده من النار .
حتى قال بعض العلماء : إن من كذب على النبي صلى الله عليه على آله وسلم مُتعمّداً فهو كافر .
وهذا يدلّ على خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم
سواء كان كذباً مُباشراً بأن يضع الحديث بنفسه ، أو بأن ينقل وينشر الحديث الموضوع .
فقد روى مسلم – في المقدمة – عنه – عليه الصلاة والسلام – أنه قال : مَنْ حدّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين .
وضُبِطت : يُرى
و : يَرى
وضُبِطت : أحد الكاذِبِين
و : أحد الكاذِبَيْن
ومعنى الحديث باختلاف ضبط ألفاظه
أن من حدّث عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم بحديث يراه هو أو يراه غيره أنه كذب فهو أحد الكذّابين الذين يكذبون على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
وعلى اللفظ الثاني :
أن من حدّث عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم بحديث يرى الناس أنه كذب ، أو يراه هو كذباً ، فهو أحد الكاذِبَيْن اللذين كذبا على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
فالكاذب الأول : هو من وضع الحديث
والكاذب الثاني : من نقل الحديث الموضوع
ولعل من أفضل الطرق للحدّ من هذه الظاهرة :
1 – توعية الناس بهذه الخطورة .
2 – نشر الأحاديث الصحيحة التي تُغني عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
3 – نشر العلم عموماً ، والحرص على تعليم الناس ، فبضدّها تتبيّن الأشياء .
والله يتولاكم .
===============
السؤال الثالث عشر :
من الأخت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندي سؤال يحيرني دائما عندما أقرأ أي حديث" هل هذا الحديث صحيح أم لا؟؟"
كيف علي معرفة ما إذا كان الحديث صحيح أم ضعيف؟؟
وجزاكم الله عنا وعن المسلمين جميعا كل خير
الجواب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاكِ الله خير الجزاء(3/321)
تقدّم في الإجابة على سؤال أختنا اللجين ذكر الألفاظ التي تدلّ على صحة الحديث إذا ورد في الصحيحين أو في أحدهما أو كان على شرطهما أو على شرط أحدهما .
وتقدّم في السؤال السابق طريقة معرفة صحة الحديث عن طريق كتب الشيخ الألباني – رحمه الله – وتخريجاته ، والبحث فيها من خلال الموقع المذكور .
أيضا يوجد برنامج ( الموسوعة الذهبية ) والذي صدر عن ( التراث للبرامج الإسلامية ) وفي الغالب يذكرون حُكم الحديث ، ومن صححه .
وأُضيف هنا أن العلماء لا يعتمدون تصحيح الحاكم في المستدرك لتساهله – رحمه الله – ولأنه مات قبل أن يُنقِّح كتابه .
ومثله تصحيح الترمذي فإنه ممن يتساهل في التصحيح .
والله أعلم .
=============
السؤال الرابع عشر :
من الأخت أم يحي
شيخنا الفاضل :
أود التأكد من صحة هاتين القصتين جزاكم الله خيرا .
الأولى :
روي أن الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، دخلا أحد المساجد لأداء الصلاة ، وبعد الصلاة قام أحد هم برواية حديث عن الإمام أحمد ويحيى بن معين ، فأخذ الإمام ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إلى الإمام يتساءل كل منهما هل أنت الذي رويت هذه الرواية ؟ وعندما انتهى الراوي ، قاما إليه وذكرا له أنهما الإمام أحمد ويحيى بن معين الذي روى عنهما وهما براء ، فنظر إليهما ، وقال : سبحان الله وهل لا يوجد في الدنيا إلا أنت أحمد بن حنبل وهذا ابن معين ؟
الرواية الثانية :
القصة التي رويت عن الشاب الذي أسر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيد بالأغلال ، فأوصى الرسول عليه الصلاة والسلام أمه أن تكثر من ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) وهي في بيتها فكان أن انفكت أغلال الولد من تلقاء نفسها ثم عاد إلى أمه يمشي .
فما صحة هاتيت الروايتين بارك الله بكم ؟
الجواب :
القصة الأولى :
تقدّمت الإشارة إليها دون تخريجها
واختُلِف في ثبوتها
فجزم الشيخ الفاضل د . بكر أبو زيد – حفظه الله – بأنها حكاية مُنكرة(3/322)
ومثله الشيخ الفاضل د . سعد الحميّد
وأوردها الشيخ يوسف العتيق في " قصص لا تثبت "
وقال عنها الذهبي في السير : هذه حكاية عجيبة ، وراويها البكري لا أعرفه ، فأخاف أن يكون وضعها .
وتعقبه الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في لسان الميزان فقال : وهذا الرجل من شيوخ أبي حاتم ابن حبان ، أخرج هذه القصة في مقدمة الضعفاء له عنه .
قال الشيخ علي بن حسن عن هذا الرجل : إنه من شيوخ ابن حبان ، وهو – أعني ابن حبان – معروف بالتّوقّي في انتقاء شيوخه .
قال : ولعله من أجل ذلك قال الذهبي في السِّيَر: رواها عنه أيضا أبو حاتم بن حبان فارتفعت عنه الجهالة .
والقصة عموماً ليست عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه ، فيُتساهل في نقل مثل هذا عند بعض المحدِّثين .
أعني مكان ورود القصة وسبب ورودها ، وإلا فإن الحديث الذي أورده مكذوب على النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
أما القصة الثانية :
فقد أوردها الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ونسبه إلى ابن أبي حاتم .
غير أنه ذكر الحديث من رواية محمد بن إسحاق عن مالك الأشجعي – رضي الله عنه – بالقصة .
ورواها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في تفسير الآية .
وأخرجه الحاكم في تفسير الآية من حديث ابن مسعود دون ذكر الإكثار من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله "
وذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله – أن السّدي رواها في تفسيره .
وذكر في " الإصابة في تمييز الصحابة " في ترجمة سالم بن بن عوف بن مالك الأشجعي ذَكَرَ روايات أخرى ثم قال : وإن ثبتت هذه الرواية فيكون لمالك صُحبة .
يعني مالك الأشجعي .
فهو علّق القول به على ثبوت القصة .(3/323)
وأما " لا حول ولا قوة إلا بالله " فإنها كنز من كنوز الجنة ، كما في الصحيحين من حديث أبي موسى – رضي الله عنه – قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فجعل الناس يجهرون بالتكبير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيها الناس أربعوا على أنفسكم ، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم . قال : وأنا خلفه وأنا أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال : يا عبد الله بن قيس ! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ فقلت : بلى يا رسول الله . قال : قُلْ : لا حول ولا قوة إلا بالله .
والله أعلم .
==============
السؤال الخامس عشر :
شيخنا الفاضل في كل إجابة نجد من الفوائد ما لا يحصى فبارك الله لك في علمك وعملك
والسؤال الثاني لأختنا أم يحي بارك الله فيها :
بعض الأدباء يصيغ الأحاديث بطريقة قصصية ، فيزيد أحداث من عنده ، صحيح أن هذه الأحداث لا تخل بالقصة ، لكنها لم تفاصيل لم ترد في نص الحديث ، فيجعل من الحديث الذي روي في أربعة أسطر ، يجعله قصة في عشرين صفحة .
فما الحكم في ذلك ؟
والمشكلة أني لا أحب هذه القصص ، ولكن زوجي يشتريها لأطفالنا ...فهل أمكنهم من قراءتها ؟
جزاكم الله خيرا ونفع بكم المسلمين
الجواب :
بالنسبة للقصص التي تؤخذ وتُستخلص من الأحاديث لا أرى بأساً بصياغتها صياغة أدبية بشرط عدم نسبة تلك الصيغة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
===========
السؤال السادس عشر :
ومن الأخ طالب علم
هل صح حديث ( لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ) وان صح كيف نوفق بينه وبين العصمة
وبارك الله في جهودكم
الجواب :(3/324)
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لم يكذب إبراهيم النبيّ عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ؛ ثنتين في ذات الله قوله : ( إني سقيم ) ، وقوله : ( بل فعله كبيرهم هذا ) وواحدة في شأن سارة ، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة ، وكانت أحسن الناس ، فقال لها : إن هذا الجبار إن يعلم إنك امرأتي يغلبني عليك ، فإن سألك فأخبريه إنك أختي ، فإنك أختي في الإسلام ، فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك ، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار أتاه فقال له : لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك ، فأرسل إليها فأتي بها ، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة ، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها ، فقُبضت يده قبضة شديدة فقال لها : ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرك ، ففعلت ، فعاد ، فقُبضت أشد من القبضة الأولى ، فقال لها مثل ذلك ، ففعلت ، فعاد ، فقُبضت أشد من القبضتين الأوليين ، فقال : ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله أن لا أضرك ، ففعلت ، وأُطلِقت يده ، ودعا الذي جاء بها فقال له : إنك إنما أتيتني بشيطان ! ولم تأتني بإنسان ، فأخرِجها من أرضي ، وأعطها هاجر . قال : فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف فقال لها : مهيم ؟ قالت : خيراً . كفّ الله يد الفاجر ، وأخدم خادما .
و ( مهيم ) كلمة يُراد بها الاستفهام .
هذا خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه على آله وسلم .
وكيف اعتبر إبراهيم ومن بعده محمد - صلى الله عليهم وسلم – هذه كذبات ! مع أنها ليست بالكذب الصريح بل تحتمل التعريض ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – .
وهذا يدلّ على عِظم شأن الكذب .
وكيف عُدّت هذه من الكذب ، وهي للمصلحة .
ولا يتنافى هذا مع عصمة الأنبياء ؛ لأن نبي الله إبراهيم إنما قال ما قال ضمن دعوته لقومه
كما أخبر الله عنه في إقامة الحجة على قومه(3/325)
قال الله عز وجل : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الآيات .
ومع هذا لا يُعدّ هذا القول شركاً !
أعني عندما قال : هذا ربي .
والصحيح أن الأنبياء معصومون من الكبائر ، ومن الصغائر المُستحقرة ، أو أن يُقرّوا عليها .
كما أنهم معصومون من الخطأ فيما يتعلق بالتبليغ .
أما مُجرد الخطأ فليسوا بمعصومين منه .
ويدل على هذا أدلة :
ما وقع لأبي البشر آدم – عليه الصلاة والسلام – وأكله من الشجرة وتوبة الله عليه بعدها .
والحديث الذي معنا – في قصة الخليل – عليه الصلاة والسلام –
ومثله ما جرى من موسى – عليه الصلاة والسلام – ( فوكزه موسى فقضى عليه )
وما وقع لأيوب – عليه الصلاة والسلام –
وما حصل ليونس – عليه الصلاة والسلام – وخروجه غاضبا تاركاً قومه .
وما وقع بالنسبة للأسرى يوم بدر
وما وقع لابن أم مكتوم ، ونزول سورة عبسَ
وغيرها من الوقائع التي وقعت لأنبياء الله ورسله ، وما جرى منهم مجرى الاجتهاد ، أو حملتهم عليه الطبيعة البشرية .
فهذا غير داخل في العصمة .
فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
والله أعلم .
============
السؤال السابع عشر :
السؤال التالي للأخ محمد
بسم الله الرحمن الرحيم(3/326)
نود منكم معرفة الطريقة الصحيحة لتمييز ضعيف الحديث من صحيحه وجزاكم الله خيرا
الجواب :
الطريقة الصحيحة لتمييز الحديث من ضعيفة يكون بعدّة طُرق :
إما أن يُخرَّج الحديث ويُروى في الصحيحين أو في أحدهما ، فهذا قد جاوز القنطرة .
وتقدّمت مراتب هذا النوع .
وإما أن ينصّ إمام مُعتبر من أهل صناعة الحديث على صحة الحديث .
وتقدمت الإشارة إلى موقع الشيخ الألباني – رحمه الله – والبحث فيه ومن خلاله
كما تقدمت الإشارة إلى وجود برنامج ( الموسوعة الذهبية ) وقد تضمن الكثير سواء من التصحيح أو التضعيف .
وإما بدراسة الإسناد لمن له أهلية ذلك ، وهذا يحتاج إلى تخصص أو إلى دراسة هذا الفن على أيدي العلماء ، كما يحتاج إلى دربة عليه .
والله يحفظكم .
============
السؤال الثامن عشر :
السؤال الأول للأخ السائل :
شيخي الكريم بارك الله فيك
السؤال الأول : هل تراجع الشيخ محمد الألباني - قدس الله روحه- عن بعض أحاديثه الصحيحة وضعفها قبل وفاته ؟
الجواب :
لعل الأخ الفاضل أبو عمر العتيبي – حفظه الله – قد كفاني مؤونة البحث والاستشهاد
فقد كتب هنا بحثا حول هذا السؤال .
ومن بركة العلم نسبته إلى أهله ، والفضل لأهل الفضل
موضوعه هنا
http://www.al-muntada.com/forums/showthread.php?s=&threadid=39003
والله يحفظكم .
===============
السؤال التاسع عشر :
السؤال الثاني للأخ السائل :
هل جميع الأحاديث التي يستشهد بها الروافض هي أحاديث موضوعة ؛ وكيف نستطيع الرد عليهم عندما يأتوا لنا بأحاديث صحيحة عندهم ، ونحن لم نسمع بها ؟
الجواب :
تقدم الكلام عن الرافضة ، وأنهم أكذب الناس ، وأنهم إذا أرادوا شيئا وضعوا له حديثاً !
كما تقدم قول أحد مشايخهم الذين تابوا .
وهم بلا شك يستشهدون بالموضوعات والمكذوبات
وقد رأيت أنهم استشهدوا بروايات (( الحمير )) !!!
لا تعجل فسوف أُورد الرواية – فيما بعد - بنصِّها من أصح كتبهم ، من الكافي للكليني !(3/327)
ويستدلّون ويستشهدون بأشياء لا يُصدّقها مجنون فضلا عن أن يُصدّقها عاقل !
وينتشر عندهم الكذب على الأئمة الأطهار من آل البيت – رضي الله عنهم – .
غير أنه يجب أن لا يُجادل الرافضة إلا من كان عنده علمٌ بدِينِه أولاً ، ثم عِلمٌ بما في كتبهم ، وما فيها من تناقض ، وعلم بأحوال الرجال عندهم .
ثم من يُجادل الرافضة فلا يُجادلهم في الفروع بل في الأصول ، كثبوت القرآن ، ومسائل الاعتقاد .
وهم يرغبون أن يكون الجدال حول الفروع
ولا زلت أذكر أنني ناقشت بعضهم فكنت أُناقشه في مسألة يعتقد بها كثير منهم ، وهي القول بتحريف القرآن ! حتى ألّف أحد علماء إيران قديما – وهو النوري الطبرسي – ألّف كتابا سماه :
فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب !
وقلت لهم : إن هذا الكتاب تضمن ما يزيد على ( 2000 ) رواية لإثبات تحريف القرآن عند الرافضة !
والمؤلف لما رُدّ عليه انتصر بكتاب آخر !
والمؤلف أيضا دُفِن في ( النّجف ) تكريماً له !
فماذا يعني هذا ؟
وقلت : إن عنوان الكتاب ساقط من أصله !
فإن كان الكتاب هو كتاب رب الأرباب فكيف دخله التحريف ؟؟!!
وإن كان كتاب رب الأرباب فلِمَ لم يحفظ كتابه ؟؟!!
وهم يفرّون من هذه المسألة ويُريدون أن يخرجوا إلى مسائل الفروع ، ويُوحون إلى غيرهم أنهم مذهب خامس !!
نعم : هم دين خامس !!!
فإذا أقرّوا بثبوت القرآن لزِمهم الإقرار بخلافة الخلفاء الثلاثة ( أبي بكر وعمر وعثمان ) – رضي الله عنهم –
لأنهم هم الذين جمعوا القرآن !!!
فتنقطع حُجّتهم !
هذا على سبيل المثال
لإيضاح مسألة جدال الرافضة
وأنه لا يُجادلهم إلا شخص عارف بخبايا مذهبهم
عارف بحيلهم وطُرقهم
والجدال أو النقاش أياً كان يجب أن يعود إلى أصل يُتّفق عليه .
فيُقال لهم في مثل أحاديثهم : نحن لا نقول بصحّتها ، كما أنكم لا تقولون بصحة ما في كتب السنة !
هذا من باب الإلزام .
أما رواية أحاديث الحمير !!!
===========(3/328)
هذه الرواية ذكرها الكليني في الكافي المجلد الأول ص 237 بَابُ مَا عِنْدَ الأَئِمَّةِ مِنْ سِلاحِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَ مَتَاعِهِ
ذكر هذه الرواية ضمن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لِعليّ رضي الله عنه
وكان من جملة ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه هذا الحمار
جاء في الكافي :
( فَقَالَ اقْبِضْهَا فِي حَيَاتِي فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ وَ رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ )
يا له من حمار عاق !!!
كيف يُوصى به لأمير المؤمنين عليه السلام ثم ينتحر ؟؟؟؟!!!!
وأنا على يقين أن الجواب :
إما تقرير لمسألة نتفق عليها وهي ولاية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه
أو رد السؤال بسؤال
أو غاية ما عندهم ( قص ولصق )
فيكون الجواب عن السؤال :
أنتم تقولون ... وتقولون ....
ما الجديد في حديث حمار الرافضة ؟؟؟!!!!
ذكرت سابقا ما جاء في الكافي من حديث الحمار :(3/329)
( فَقَالَ اقْبِضْهَا فِي حَيَاتِي فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَني خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ ، وَ رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ )
تدرون ما هو الطريف في الأمر ؟؟؟
والشيء الذي يدل على سخف عقول الرافضة ؟؟؟
تأملوا الرواية السابقة بحروفها من الكافي .
الحمار يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي !!!!
أي سخف هذا ؟
حمار يفدي الرسول بنفسه ؟؟؟!!!
هل هان الرسول عليه الصلاة والسلام حتى لا يجد من يفديه بنفسه سوى حمار الرافضة ؟؟؟!!!
أعوذ بالله ... وأستغفره من هذا الهراء والسخف .
وأذكر أنني كتبتها في منتدى يكثر فيه الرافضة فما ردّ عليه أحد بردّ مُقنِع وإنما بِردٍّ مُقنّع !!!
والله تعالى أعلم .
===============
السؤال العشرون :
والسؤال الثالث للأخ السائل :
السؤال الثالث : سمعت أن بعض أحاديث البخاري ضعفها الشيخ محمد الألباني - قدس الله روحه- فهل هذا صحيح ؟
الجواب :
معلوم عند عموم أمة الإسلام منزلة الصحيحين ( البخاري ومسلم ) ، وقد تلقتهما الأمة بالقبول
غير أنهما تعرضا لانتقاد وهجوم !(3/330)
فالانتقاد من علماء الأمة في نوع رواية ، أو تخريج حديث راوٍ بعينه ، أو انتقاد لفظة واحدة أو متن واحد ، ويكون الحديث ثابتاً لا مطعن فيه ، وإنما برواية دون رواية ، أو لفظة دون لفظة .
والهجوم من أعداء السنة سواء من الرافضة – قبّحهم الله – أو من المستشرقين وأذنابهم .
وللصحيحين منزلة عالية وقدر كبير عند علماء الإسلام ، ومنهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – فقد قال :
والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المُحدِّثين وغيرهم ، فقد امتازا على غيرهما من كُتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة ، وطرح الأحاديث الضعيفة والمنكرة ، على قواعد متينة ، وشروط دقيقة ، وقد وُفِّقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفّق إليه مَن بعدهم ممن نحا نحوهم في جمع " الصحيح " كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ، حتى صار عُرفاً عاماً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما ، فقد جاوز القنطرة ، ودخل في طريق الصحة والسلامة ، ولا ريب في ذلك ، وأنه هو الأصل عندنا ، وليس معنى ذلك أن كل حرف أو لفظة أو كلمة في الصحيحين هو بمنزلة ما في القرآن ، لا يُمكن أن يكون فيه وهم أو خطأ في شيء من ذلك من بعض الرواة ، كلا ، فلسنا نعتقد العصمة لكتابٍ بعد كتاب الله أصلاً ، فقد قال الإمام الشافعي وغيره : أبى الله أن يتمّ إلا كتابه .
ولا يُمكن أن يدّعي ذلك أحد من أهل العلم ممن درسوا الكتابين دراسة تفهّم وتدبّر مع نبذ التعصب ، وفي حدود القواعد العلمية الحديثية ، لا الأهواء الشخصية ، أو الثقافة الأجنبية عن الإسلام وقواعد عُلمائه . انتهى كلامه – رحمه الله – .
إذا عُلِم هذا فإن الشيخ – رحمه الله – ربما يُضعّف لفظة في الصحيحين أو في أحدهما ، ويكون سُبق إلى ذلك .
وعلى سبيل المثال :
اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث صلاة الكسوف وصفتها ، وهي :(3/331)
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف . كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – .
ووردت صفات أخرى بأربع ركوعات وبخمس وست ركوعات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين ، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم ، وقد بين ذلك الشافعي وهو قول البخاري وأحمد ابن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم ، ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف ، ولا كان له إبراهيمان ! انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات ، وعنده من وجه آخر عن ابن عباس أن في كل ركعة أربع ركوعات ، ولأبي داود من حديث أبي بن كعب ، والبزار من حديث عليّ أن في كل ركعة خمس ركوعات ، ولا يخلو إسناد منها عن علة ، وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر ونقل صاحب الهدي عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة ، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض ، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح .
وهذا على سبيل المثال .
ولا يَطعن هذا في الصحيحين أصلاً
ولا يطعن في ثبوت أحاديث صلاة الكسوف
وإنما في بعض ما وَهِمَ فيه بعض الرواة .
وقد يكون للشيخ الألباني – رحمه الله – رأي أو وجهة نظر فيما يتعلق بمسألة من مسائل المصطلح ، كرواية أبي الزبير عن جابر – رضي الله عنه – .
وقد يكون الحق مع الشيخ في مسألة ، وقد يكون مع غيره .(3/332)
ولا يغض هذا من قدر الصحيحين ولا من قدر الشيخ – رحمه الله –
فإنه – رحمه الله – ما عُرِف عنه إلا تعظيم السُّنّة والذب عنها والحرص على نشرها .
فرحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته .
والله أعلم .
===========
السؤال الحادي والعشرون :
السؤال الأخير للأخ السائل
وهو السؤال الرابع : هل تنصحنا بكتب في علم التخريج ؟
الجواب :
بالنسبة لعلم التخريج ، فيحتاج من يُريد خوض غمار هذا الفن إلى فن لصيق به ، وهو علوم الحديث أو المصطلح ، فهما صنوان .
وأما كتب التخريج وما يتعلق به فقد كفانا المؤونة الشيخ الفاضل د . بكر أبو زيد في كتابه : " التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل " وهو مطبوع .
والله أعلم .
وصلى الله عليه على آله وسلم .
===========
السؤال الثاني والعشرون :
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل ، وجزا الله خيرا شيخنا الفاضل الدكتور بكر أبو زيد على كتابه التأصيل ففيه الكثير من الفائدة والعلم .
وسؤال من أخ ( سائل) :
نريد تبيين الأحاديث من فضيلتكم ، أقصد الأحاديث الضعيفة والموضوعة للناس بارك الله فيكم .
الجواب :
ولا أدري هل الأخ يُريد أن أذكر له الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، أو هو يُريد ذِكر مراجع لها ؟
فإن كان الأول فإن الأعمار لو أُضيف إليها أعمار أخرى لفنيت وما دوّن الضعيف والموضوع في كتاب جامع !
ولكني أذكر بعض المراجع :
تذكرة الموضوعات للمقدسي
الموضوعات لابن الجوزي – رحمه الله – ، وإن كان أُخذ عليه إدخال بعض أحاديث الصحيح .
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي أيضا
الموضوعات في الأحاديث المرفوعات للجوزقي
أحاديث القصاص لشيخ الإسلام ابن تيمية
تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عرّاق
اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني
الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي لمحمد الحسيني السندروسي(3/333)
الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا علي قارئ
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني
ضعيف الجامع الصغير له
وكتب الشيخ عموما التي خرّج فيها أحاديث كتب معينة ، فقسّمها إلى صحيح وضعيف .
والنافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة لأبي إسحاق الحويني
وهناك كُتب هي بمثابة القواعد لمعرفة الضعيف والموضوع
وهي الكتب التي نُصّ فيها على أنه لم يصح في الباب شيء .
ومنها :
المغني عن الحفظ والكتاب في قولهم : لا يصح شيء في هذا الباب للموصلي
ولأبي إسحاق الحويني عليه : جُنة المرتاب بنقد كتاب المغني عن الحفظ والكتاب
الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث للعامري
التحديث بما قيل : لا يصح فيه حديث
والله أعلم .
=================
السؤال الثالث والعشرون :
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل
السؤال التالي لأخ ( سائل )
هناك حديث منتشر
الجنة تحت أقدام الأمهات
ما صحة هذا الحديث ؟
هل يكون الحديث صحيح إذا كان جميع رجاله على درجة واحدة من الصدق والأمانة أم في درجات متفاوتة
هل حديث بحيرا الراهب ضعيف .
هل يمكن لأي شخص أن يخرج حديث بالرجوع للكتب أم أنه يجب أن نعود لأهل العلم والتمرس .
الجواب :
الحديث ورد بلفظ : الجنة تحت أقدام الأمهات ، مَنْ شِئن أدخلن ، ومن شِئن أخرجن !
وقال عنه الألباني : موضوع .
قال : ويُغني عنه حديث معاوية بن جاهمة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه على آله وسلم وهو يُريد الغزو ، فقال له – عليه الصلاة والسلام – : هل لك أمّ ؟
قال : نعم .
قال : فالزمها فإن الجنة تحت رجليها . رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه .
وقال الألباني : حسن .
بالنسبة للحديث الصحيح ، فإنه يُشترط له خمسة شروط لكي يُحكم بصحته .
عدالة الرواة
ضبط الرواة
اتصال السند
السلامة من الشذوذ
السلامة من العِلّة
وهذا لا شك يدلّ على دقّة المحدثين – رحمهم الله –
غير أنه لا يُشترط لرجاله أن يكونوا على درجة واحدة ، فقد يكون فيهم :
ثقة ، وأوثق منه(3/334)
و : ثقة ، وثقة ثبت
و : ثقة ، وثقة ثبت إمام
إلا أنهم لا ينزلون عن وصف الثقة .
فإن خفّ الضبط كـ " صدوق " نزل إلى درجة الحَسَن .
هذا كله فيما يتعلق بتصحيح الحديث لذاته .
وإلا فإن الحديث قد يُقال عنه : صحيح ، ويكون في أسانيده من خفّ ضبطه .
بمعنى أن الحديث الصحيح لغيره قد يكون في بعض طُرقه من خفّ ضبطه ، ولكنه باجتماع تلط الطُّرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره .
وكذا الحديث الحسن لغيره ، فإنه قد يكون في بعض طرقه من هو ضعيف ، ويرتقي بمجموع طرقه إلى الحسن لغيره .
أما حديث بحيرا الراهب فاختُلِف فيه .
ولذا لما أشار إليها الشيخ محمد الغزالي – المعاصر – في فقه السيرة إليها بقوله :
وسواء صحّت قصة بحيرا هذه أم بطلت ...
عقّب عليه الشيخ الألباني بقوله :
بل هي صحيحة ؛ فقد أخرجها الترمذي من حديث أبي موسى ، وقال : هذا حديث حسن . قلت : وإسناده صحيح ، كما قال الجزري . قال : وذِكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ . قلت : وقد رواه البزار فقال : وأرسل معه عمه رجلاً . انتهى كلامه – رحمه الله – .
أما بالنسبة للتخريج فيُمكن لكل باحث أن يعزو الأحاديث إلى مصادرها مُجرّد عزو
أما التصحيح والتضعيف فلا بُدّ من التمرّس في هذا العلم وأن يكون عنده ملَكَة في هذا الفن .
وكثير من الباحثين في رسائل الماجستير والدكتوراه بل ومن المؤلفين يرجعون إلى كُتب أهل الاختصاص في التخريج والحُكم على الأحاديث .
مما يدلّ على صعوبة الحُكم لغير أهل الاختصاص .
والله تعالى أعلى وأعلم .
تم اللقاء
والحمد لله أولاً وآخرا
وإن كان مِن كلمة شُكر فهي لأختنا الفاضلة عابدة الرحمن وفقها الله التي أصرّت على أن يكون هذا اللقاء حول هذا الموضوع
وأثنّي بالشكر لمنابر الجواهر حيث استُضيف هذا اللقاء ..
336-لِقاء شبكة الفوائِد..
مع
فضيلة الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
_ حفظه الله _
بِسمِ الله الرحمن الرحيم..
سؤال الأخ شاكي السلاح:(3/335)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
تعلمون فضيلة الشيخ عزوف كثير من الشباب عن طلب العلم والتوجه لشبكات الانترنت زاعمين أنها مجال خصب للدعوة إلى الله .. فبماذا توجهون ؟؟
..................
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لا شك أن الشبكة العالمية ( الإنترنت ) مجال خصب للدعوة إلى الله ، غير أن المشاهد أن الكتابة بالأسماء المستعارة أتاحت الكتابة والكلام في العِلم لكل أحد ، من يُحسن الكلام ومن لا يُحسن الكلام ! من يعلم ومن لا يعلم ..
كما أنه ما مِن شكّ أن من لوازم الدعوة إلى الله أن تكون على بصيرة ، لقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) فمن دعا على بصيرة أفسد أكثر مما يُصلح ، وقال على الله بلا عِلم .
والمتصفح لكثير من المنتديات يلحظ ذلك .
ويلحظ أنه قد يأتي من يتستّر بالأسماء المستعارة ليقول على الله بغير عِلم ، فيُضِلّ ويَضِلّ .
ومما ينبغي التنبه له أن الشبكة العالمية ( الإنترنت ) لا تصنع دعاة ولا تُخرّج طُلاب عِلم .
نعم .. قد يستفيد طالب العِلم ويُفيد ، ولكن يبقى فجوة بينه وبين الِعلم والعلماء ، ويبقى أن مشافهة العلماء لها حظّ كبير من التعليم ، ولو لم يكن من مشافهة العلماء والجلوس في حِلق العِلم إلا اكتساب هدي العلماء وسمتهم لكفى .
وقد يوجد في بعض البلاد قِلّة فُرَص في طلب الِعِلم فيُفيد طالب العلم من الدروس المطروحة على الشبكة ، ولا يُغنيه ذلك عن دروس أهل العِلم .
والتوجيه – حفظكم الله – لنفسي أولاً ولمن يقرأ هذا الكلام أن لا ننسى نصيبنا من التعلّم في خِضم الاشتغال بالدعوة إلى الله ، ولا نشتغل بالمهم عن الأهمّ .
وأن نُراعي الأولويات .
وأن نتفقّه قبل أن نتصدّر .
والله أعلم .
==========================
سؤال الأخ الفارس:(3/336)
سؤالي هو : ما هو موقف الشاب المسلم من هذه الفتن والمحن التي تصيب الأمّة الإسلامية ... ؟
...................
الجواب :
أولاً : عدم الخوض والقيل والقال في كل قضية ، لقوله عليه الصلاة والسلام : إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال . رواه البخاري ومسلم .
الثاني : الردّ إلى العلماء ، فإن الله سبحانه وتعالى قال : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا )
والمقصود بـ ( أُولِي الأَمْرِ ) في هذه الآية هم العلماء .
قال مجاهد : هم أهل الفقه والعلم .
وقال أبو العالية : هم أهل العلم .
فالناس بعامّة إذا نزلت بهم نازلة أو حلّت بهم فتنة سارعوا إلى الخوض فيها ، والكلام بما يعلمون وبما لا يعلمون ، وهذا معنى (أَذَاعُوا بِهِ) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : أعلنوه وأفشوه .
فلا يحسن الخوض في كل نازلة ، ولا القيل والقال في كل فتنة ، فليس كل ما يُعلم يُقال ، ولا كل ما يُقال يَصلح أن يُقال في كل زمان ومكان !
وهذا سبق أن كتبت فيه موضوعا بهذا العنوان ، وهو هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/45.htm
وعمر رضي الله عنه ، ومن هو عمر ؟ في خلافته ، وهو أمير المؤمنين يَسأل عن الفتنة ، ويَسأل الصحابة رضي الله عنهم أيهم يَحفظ لحديث الفتنة .
روى البخاري ومسلم من طريق شقيق قال : سمعت حذيفة قال : كنا جلوسا عند عمر رضي الله عنه ، فقال : أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة ؟
قال حذيفة : قلت : أنا كما قاله .
قال : إنك عليه أو عليها لجريء .
قلت : فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تُكفِّرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي .(3/337)
قال : ليس هذا ، أريد ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر .
قال : ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين ! إن بينك وبينها بابا مُغَلَقاً .
قال : أيُكسر أم يُفتح ؟
قال : يُكسر .
قال : إذاً لا يُغلق أبدا .
قلنا : أكان عمر يعلم الباب ؟
قال حذيفة : نعم ، كما أن دون الغد الليلة ، إني حدثته بحديث ليس بالأغاليط .
قال شقيق : فهبنا أن نسأل حذيفة ، فأمرنا مسروقا فسأله ، فقال : الباب عمر .
هذا هو سؤال الصحابة لأهل الاختصاص في أحاديث الفِتن .
فحريٌّ بنا ونحن أمام أمواج من الفتن مُتلاطِمة – كل يوم تلطمنا منها فِتنة ! – أن نرُدّ الأمر إلى العلماء ، وأن نصدر عن رأيهم ، وليس بالضرورة أن يُسأل العَالِم على الملأ ويُطلب منه أن يُجيب على الملأ ! أو نريد من العالِم أن يُجيب حسبما تُمليه علينا عواطفنا !
إذاً نحن نُريد علماء على أمزجتنا !
وربما كان لِكِبر السن أثَره في الحِكمة والتوجيه والتروِّي ، بخلاف حال الشباب الذي يتوقّد حماسا ، ولا يُعاب على حماسه إذا ما ضبطه بالضوابط الشرعية .
والله تعالى أعلى وأعلم .
==================
وسؤالي الآخر : كيف يمكن أن يجعل الشاب نفسه خدمة لدين الله عز وجل ، فيكون همّه الإسلام ... فهو الذي يحرك مشاعره للعمل الجاد لهذا الدين .. ؟
....................
الجواب :
أن يستشعر عِظم المسؤولية الملقاة على عاتق كل مسلم .
فالعمل للدِّين مسؤولية الجميع ، وليس مسؤولية أفراد أو جهة معينة .
وبعض الشباب إذا كان مُقصِّراً في بعض الجوانب أضاف إلى تقصيره تقصيراً آخر ، وإذا كان عاصيا أضاف إلى معصيته معصية أخرى .
كيف ؟
يجعل هذه المعصية أو ذلك التقصير عُذر في ترك العمل للدِّين .
ولنا في أبي محجن رضي الله عنه أسوة وقدوة ، فقد ابتُليَ بِشُرب الخمر ، ولما كان يوم القادسية ربطه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما علِم أنه شرب ، وأراد أن يُعاقبه بحرمانه مِن خدمة هذا الدِّين !(3/338)
فربطه بحيث يرى ساحة المعركة ، ففعل هذا في نفسه أشد مما لو جُلِد على الخمر .
حتى كان مما قاله :
كفى حزنا أن تطرد الخيل بالقنا *** وأترك مشدودا على وثاقيا
والقصة صحح إسنادها الحافظ في الإصابة .
وهذا يعني أنهم كانوا يرون العمل للدين مسؤولية الجميع ، وأن المعصية ليست عُذرا في التأخر ولا في التخلّف عن خدمة الدِّين .
وأن ينظر فيمن خدموا الدين من الصغار الكبار
وأن يقرأ في سير الصحابة رضي الله عنهم ، ليرى كيف كان سباق أبناء الصحابة – وهم دون البلوغ – إلى نُصرة هذا الدين ، وقصة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه مع معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء في قتل أبي جهل يوم بدر مُخرّجة في الصحيحين .
وينظر في المقابِل ما يبذله أهل الباطل لباطِلهم ، فكم من صبي خدم النصرانية المحرّفة ؟!
يُذكر في الحملات الصليبية أن صبياً خرج على نصارى أوربا موهماً إياهم أنه تلقى رسالة من المسيح يأمر أطفال أوربا بالصمود للشرق لنصرة الحملات الصليبية على بلاد الإسلام آنذاك ! فتم تجميع أكثر من ثلاثين ألف طفل نصراني لهذا الغرض !
ولكن قادة تلك الحملات باعوهم فيما بعد !
فهؤلاء أطفال يخدمون النصرانية ، ويُغادِرون بلادهم لأجل خدمة هذا الهدف الموهوم !
فأهل الحق أولى بنصرة الحق ، والعمل للدين القويم .
والله تعالى أعلى وأعلم .
====================
وسؤال آخر : غالب الشباب تحركهم دائماً عاطفتهم الجياشة حين تثار ، لكن هذه العاطفة ما تلبث أن تخمد وتنطفئ في عالم التقهقر والضعف .. فما هو الحل في ذلك .. ؟
..................
الجواب :
هذه العاطفة الجياشة ما تلبث أن تُصدم وتتقهقر أمام الواقع المرّ ، وغالب من يتقهقر من تحكمه عواطفه ، ويحمله الحماس .
أما من يسير وِفق قواعد وضوابط فإنه يعلم أن ما يواجهه هو مِن سُن الله .
فإذا رأى قوة الباطل علِم أن هذه سُنة الإدالة والتدافع ، التي لا تنقلب موازينها ولا تختل إلا بالصبر واليقين .(3/339)
وإذا رأى تسلّط الكافرين على المسلمين علِم أن المسلمين إنما أُتوا مِن قِبِل أنفسهم
( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ )
والعواطف لا بُدّ أن تُضبط بالضوابط الشرعية
وكان شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول :
العاطفة إذا لم تُضبط صارت عاصفة !
ثم إن الفتور أمر شِبه لازِم ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لكل عابد شِرة ، ولكل شرة فترة ، فإما إلى سُنة وإما إلى بدعة ، فمن كانت فترته إلى سُنة فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك . رواه الإمام أحمد .
وكان عمر رضي الله عنه يقول : ن لهذه القلوب إقبالا وإدبارا ، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل ، وإن أدبرت فألزِموها الفرائض .
ومما يُعين على تجاوز الفترات والفتور في حياة الشاب الصالح أن يجعل له عونا من إخوانه ، فيتّخذ له أخاً ناصحاً يُعينه إذا ذَكَر ، ويُذكِّره إذا غفل ، وينصحه إذا زلّ .
وقد قال الله تبارك وتعالى للقوي الأمين : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ )
فإذا كان هذا قيل لموسى عليه الصلاة والسلام – وهو الذي وُصِف بالقوة والأمانة – فغيره أولى وأحرى .
قال عمر رضي الله عنه : عليك بإخوان الصدق فكثّر في اكتسابهم ، فإنهم زينة في الرخاء ، وعِدة عند عظيم البلاء .
والله تعالى أعلى وأعلم .
=======================
سؤال الأخ خطاب2:
س1 – ما نصيحتكم لشاب المستقبل في مواجهة المد الإعلامي المضلّل ؟
الجواب :
مما تواجه به الفِتن العمل الصالح ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : العبادة في الهرج كهجرة إليّ . رواه مسلم .
وعمل الصالحات مما يزيد في الثبات .
قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا )(3/340)
فعلينا جميعا في مواجهة الفتن عموما أن نستمسك بالكتاب والسنة ، بل ونُمسِّك غيرنا بهما ، ففيهما الهدى والنجاة والسعادة في الدارين .
هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى أن نُطيع الله فيمن عصاه فينا !
قال عمر رضي الله عنه : ما كافأت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه .
بمعنى أن نُطيع الله فيهم ، فنُناصِح القائمين على تلك الوسائل والقنوات الإعلامية .
ونسعى إلى إصلاح ما يُمكن إصلاحه .
ونُعين من أوجد البديل لتلك الوسائل الإعلامية التي تُتاجِر بالشهوات والشُّبهات .
والمؤسف أن من يقوم في مثل هذا الزمان على إيجاد البديل للغثاء ، يُواجه بسهام النقد اللاذع ، والتقليل من عمله .
في حين أن ذلك المنتقد لم يُقدِّم حلاً واحدا أمام البدائل !
بل نقد في نقد !
وربما كان النقد لأجل النقد !
أو لأجل أن يُظهر قدرته على النقد !
إنه ما مِن جُهد بشري يخلو من النقص ، ولكن ما الواجب تجاه ذلك النقص ؟
أيُسدّ أو يزاد في الخرق ؟
لا شك أنه الأول
وأن سد النقص هو المطلوب
وأن لا نكون عونا للشيطان على إخواننا
قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن السارق : لا تكونوا عونا للشيطان على أخيكم . رواه الإمام أحمد .
قال أبو جمرة الضبعي : لما بلغني تحريق البيت خرجت إلى مكة ، واختلفت إلى بن عباس حتى عرفني واستأنس بي فسببت الحجاج عند ابن عباس ، فقال : لا تكن عونا للشيطان !
والله تعالى أعلى وأعلم .
======================
س2 - بناء الشخصية المتكاملة في الشاب .. كيف ترون ماهيّتها ؟
الجواب :
أكمل شخصية عرفها التاريخ هي شخصية محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أراد كمال وتكامل شخصيته فليجعل النبي صلى الله عليه وسلم قدوته .
فشخصيته عليه الصلاة والسلام جَمَعَتْ بين الحِلم والعِلم ، والشدّة والحزم ، والقوة واللين ، والعَظَمة والتواضع وبين الشجاعة والكَرم .(3/341)
ولا تطلب جانبا في حياة الناس تريد فيه التكامل إلا وَجَدت محمداً صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خُلُقا فيه ، فقد حاز قصب السبق في كل خَلَق كريم .
ولا شك أن التكامل مطلب ، ولا يتأتى بين يوم وليلة ، بل هو بالاكتساب
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إنما العلم بالتعلّم ، وإنما الحِلم بالتّحلّم . رواه الخطيب البغدادي
والنفس حَرونٌ خدّاعة – كما يقول ابن الجوزي – فتحتاج إلى مُجاهَدة ، وإلى مُصابَرة .
كما أن النّفس تحتاج إلى صقلٍ بالشدائد ، فالنعيم لا يدوم ، ولا يُربي شخصية مُتكامِلة ، وإنما تتربى الأنفس بالشدائد .
فيُربى الشباب على التخلية ثم على التحلية !
فيتخلّى الشاب عما ألِف واعتاد من الترف والرفاهية ، ثم يتحلّى بالأخلاق الفاضلة .
فالشباب طاقة وحيوية ، ولذا فإن هذه المرحلة يصح أن تُوصف بالمرحلة الذهبية ، إذ هي مرحلة التكوين والعطاء ، ولذلك يُسأل الإنسان عن شبابه فيمَ أبلاه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شَرَخهم . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
فالشباب يُمكن إصلاحه ، بخلاف كبار السن .
كما أن الجِدّيّة من أهم عوامل بناء الشخصية المتكامِلة ، فالهزل لا يَبني إلا الهُزال !
والله تعالى أعلى وأعلم .
=======================
سؤال مجموعة التوجيه:
السؤال هو :
الكثير من الخطوات التي يقوم بها الداعية في الإنترنت تتحتم عليه أن يقع في كثير من المحاذير الشرعية وذلك خلال تنقله في المواقع .... ومنها التعرض إلى الصور المحرمة وخاصة عندما يكون الموقع الذي يتعامل معه ليس إسلاميا .. أو أنه متساهل وغيرها من العقبات التي يتعرض لها والتي تسبب له قسوة في القلب أو في أقل الأحوال أنها تطفئ نار الغيرة على انتهاك حرمات الله - والعياذ بالله - وخاصة أن هذا يكون بالتدريج .
فهل يجوز الدخول لهذه المواقع وهذه حالها ، وإذا كان الأمر في مجال الدعوة فما هو الحال ؟؟
الجواب :(3/342)
ينبغي أن يحذر الداعية أن يكون يبني قصرا ويَهدِم مِصراً !
فنفسه أهمّ ، ويأتي في المرتبة الثانية أهله ، فإن بعض من ينشغل بالدعوة إلى الله يُهمل نفسه وأهله
قال لي مرة أحد العاملين في دعوة السجناء : صفعني ابني بكلمة ! قال : يا أبتِ ! تريدنا ندخل السجون حتى نراك وترانا ؟!
وهكذا الداعية مع نفسه ، يحذر مواطن الزلل ، وليتذكر أن له النظرة الأولى وليست له الثانية .
ويجتهد في غض بصره ، وصرف أذنه .
وإذا كان مثل هذه الأمور يُضعف إيمان الداعي إلى الله فعليه أن يتحرّى مواقع أخرى تكون نظيفة وسليمة من هذا الأذى !
وكنت سألت بعض مشايخي عن السفر إلى أوربا للدعوة إلى الله ، فقيل لي : سددوا وقاربوا .
وإذا خشي الداعية على نفسه الفتنة وَجَب عليه أن يُقصِر .
وربما كانت بعض الصور والمناظر تُثير الشاب الأعزب ما لا تثير المتزوّج .
فيشتغل في ما يجد أنه أنفع له ولغيره .
والله تعالى أعلى وأعلم .
======================
سؤال آخر - بارك الله فيكم - :
يلاحظ الكثير الفجوة والهوة الكبيرة الموجودة اليوم بين الشباب من طرف والعلماء والمشايخ من طرف آخر
فنرى الكثير من الشباب المتحمس للدعوة إلى الله والجهاد في سبيل لله ضد أعداء الإسلام ، نرى الكثير منهم لا يرجع إلى العلماء في السراء والضراء ، ولا يهمه إلا ما تم الاتفاق عليه بين الشباب .
ما رأي فضيلة الشيخ في هذا ، وكيف يكون التصحيح للوصول إلى المنهج السليم ؟
الجواب :
لا شك أن العلماء هم صمام الأمان لهذه الأمة ، ومتى ما اتبع الشباب مَنْ قلّ عِلمه ، أو صغرت سِنّه ضلّوا وأضلُّوا .
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج الأُول بقوله : يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة . رواه البخاري ومسلم .(3/343)
فحَدَاثة السنّ ربما كانت سببا في الحماس الطائش ، وربما كانت سببا في قلّة الخبرة ، والبعد عن الحكمة ، وقد مرّ معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شَرَخهم .
وما ذلك إلا لأن الشيوخ – وهم كبار السن – قد حنّكتهم التجارب ، وعصرتهم السنين .
وقد خرجت هوازن يوم حنين واجتمعت مع ثقيف وجشم وسعد بن بكر ، وكان في بنى جشم دريد بن الصمة ، وهو شيخ كبير ليس فيه إلا التيمن برأيه وبعلمه بالحرب .
فأنت ترى العرب في جاهليتها تحسب حسابها لكبير السن لما له من خبرة وحِنكة وحِكمة ، وإن كان جاهلا !
ولا شك أن العلماء لهم مع ذلك نور وبصيرة وفُرقان يجمعها الله لمن تعلّم العِلم واتقاه سبحانه وتعالى .
وقد تكمن المشكلة في ثقة كثير من الشباب بِعلمهم ، حينما دخلوا الشبر الأول من العِلم !
قال الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم وهو يذكر المحاذير في طريق طالب العلم :
احذر أن تكون أبا شبر !
فقد قيل : العلم ثلاثة أشبار
من دخل في الشبر الأول تكبّر
ومن دخل في الشبر الثاني تواضع
ومن دخل في الشبر الثالث علِم أنه ما يعلم
وإن مما يُلحظ من بعض الشباب المتحمّس أنه يتحدّث في مسائل لو عُرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر !
يعني أن عمر رضي الله عنه لما تنزل به النازلة والمسألة الكبيرة ما كان يُفاخر بعلمه ولا يُكابر ولا يدّعي أنه أعلم أهل زمانه – ومن هو عمر ؟ -
وإنما كان يجمع لها كبار أصحابه ، حتى يجمع لها كبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا غزوة بدر .
وأعجب أحيانا وأنا أتصفح كُتب بعض أهل العلم من المتقدمين ، فأرى عبارات للإمام أحمد مثل : لا يُعجبني ، أكره ذلك ... ونحوها ، ولا شك أن هذا من تورعهم رحمهم الله عن الخوض في المسائل الكبار ، وعن الجُرأة على القول على الله بغير عِلم .
بينما نرى بعض الشباب يتكلّم في مسائل دونه ودون تأصيلها خَرْط القتاد !(3/344)
ولا شك أن هناك نوع انفصام بين العلماء والشباب ، وله أسباب ، منها :
1 - سقوط هيبة العلماء عند كثير من الشباب ، وقد يكون لبعض وسائل الإعلام النصيب ألأكبر من ذلك ، بالإضافة إلى بعض المواقف التي أثّرت في ذلك ، ولو أن أهل العلم صانوه صانهم .
2 – اعتداد بعض الشباب بآرائهم دون الرجوع إلى العلماء .
3 – طلب فتاوى حماسية تشفي غليل الشباب ! فإذا لم يجد الشاب تلك الفتاوى طرح العالِم وعِلمه !
إذاً فهو يُريد فتاوى مزاجية ، أو يريد عالما يُفتي بما يريد هو لا بما يراه العالِم .
4 – بعض الشباب يريد كل عالِم أن يكون نسخة من الإمام أحمد في وجه الفتن !
ولا يُذكر من العلماء المعاصرين للإمام أحمد وقفوا موقفه إلا قلّة . فأين بقية علماء الأمة ؟
5 – ظنّ بعض الشباب أن من لم يخرج من العلماء للجهاد أنه متخاذِل جبان !
وهذا ليس بصحيح ، فإن الاشتغال بالعلم صنو الجهاد ، وأنت إذا قلّبت سير العلماء تجد أن الذين جمعوا بين العلم والجهاد بالسيف قِلّة .
وأما التصحيح فأرى أنه يكون من العلماء ومن الأمراء من الشباب أنفسهم .
والعلماء إذا وُضِعوا في موضعهم الصحيح نفع الله بهم .
والله تعالى أعلم .
=============================
سؤال أخير - بارك الله في علمكم - :
ما هو علاج قسوة القلب ، حيث أن المرء هذه الأيام يفتقد إلى الأجواء الإيمانية خصوصا عندنا ينغمر في مشاغل الحياة ؟
الجواب :
إلى الله نشكو قسوة في قلوبنا !
ويقول أهل المنطق : فاقِد الشيء لا يُعطيه !
فإذا وجدت العلاج المناسب فَصِفْه لي – حفظك الله – .
وإن كنت تريد كلام العلماء الربانيين في القلوب وأحوالها فعليك بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن القيم رحمهما الله .
وإذا أردت زيادة الإيمان فاقرأ في كتاب الواحد الديّان أولاً .
واقرأ قراءة متأمل متفكِّر معتَبِر .(3/345)
ثم اقرأ في كتاب " مفتاح دار السعادة " لابن القيم ففيه تذكير بجوانب إيمانية تزيد في الإيمان ، وتبعث على التفكر في خلق الله جل جلاله ، لا يملك القلب أمامها إلا أن يسجد في محراب التعظيم لله عز وجل .
والله تعالى أعلم
==========================
سؤال الأخ ابن البشير:
شيخنا ... أحسن الله إليك :
هناك فئة من الشباب تقل وتكثر أصبحت عندها نظرة تشاؤم من ( المستقبل ) ..
حتى وصل الأمر ببعضهم إلى ( الإحباط ) أو ( القنوط ) من إصلاح أوضاع المسلمين
العامة والخاصة ، أو أوضاعه الشخصية ، وربما هذا كان سبباً في قعودهم عن
العمل لهذا الدين .. أو سبباً لظهور ما يسمى بـ ( تصرفات اليائسين ) كالانتحار
وما شابه ذلك ...
والسؤال / كيف السبيل إلى إقناعهم ، وتحويل هذه النظرة السلبية إلى ايجابية ؟
الجواب :
إن تعجب فاعجب لحال أقوام يرون حلكة الظلام أو النعوش في طريقهم فيبعثهم ذلك على التفاؤل !
وكنت كتبت مقالا بعنوان : رأى النعش فتفاءل !
وهو هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&threadid=10168
ونظرة التشاؤم لم تكن تعرف طريقها لنفوس المؤمنين في الأجيال المفضّلة ، ولكن هذه الأجيال عندما احتكّت بالأجرب جُرِبَتْ !
فلو اسودّت الدنيا في عين مؤمن بالله فهل ينسى أن له ربا يكشف الكرب ويُزيل الغم ، ويجلو الهمّ ؟
والذي يُميز المؤمن عن غيره أنه يرجو الله والدار الآخرة ، فمهما خسِر الدنيا فلا يجمع معها خسارة الآخرة .
والمؤمن ينظر إلى أشد المواقف في حياته ، وأحلك الظروف وأصعبها على أنها فَرَج قريب .
ولذلك لما طُعِن حرام بن ملحان رضي الله عنه يوم بئر معونة قال بالدم هكذا ، فنضحه على وجهه ورأسه ، ثم قال : فُزتُ وربِّ الكعبة . رواه البخاري ومسلم .
حتى تساءل المشرك الذي طعنه : وأي فوز فازَه وأنا طعنته ؟!
هكذا هي نظرة المؤمن إلى المصيبة بل إلى القتل والموت .
وأما السبيل إلى إقناعهم فيكون بأمور ، منها :(3/346)
1 – تذكيرهم بِما منّ الله به عليهم .
2 – وصف حالة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما كانوا يَلقَون بمكة بل وبالمدينة من الجوع والفقر والفاقة ، ومع ذلك لم يحملهم ذلك على اليأس والقنوط .
3 – تنمية الإيمان بالله في نفوسهم ، وتذكيرهم بأنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون .
4 – الحديث عما يبعث على التفاؤل ، وإحسان الظن بالله ، وترك النظر إلى المستقبل ، والحكمة تقول : عِش يومك .
والله تعالى أعلم
=========================
سؤال الأخ أمير القمر:
فضيلة الشيخ , استمعت قبل فترة للقاء مع أحد (الليبراليين) و كان يشن هجوما صريحا على المخيمات الدعوية التي تقيمه وزارة الشؤون الإسلامية
و جاء في تبريره العقيم أن أبناءنا ليسوا بحاجة لمن يصحح عقائدهم و أبناءنا ليسوا بكفرة لكي تقام لهم هذه المخيمات الدعوية .. إلى آخر ما وصف هذه المخيمات, و أقول أن كلامه صدر من حقد دفين على الدعوة وأهل الخير في هذه البلاد , ولا نستغرب مثل هذه الكلمات منه و من أمثاله ,,
و سؤالي : كيف تكون مجابهة هذا الفكر الفاسد , و ما الرد الشافي و الكافي لمثل هذه الافتراءات ؟ و ما نصيحتكم للقائمين على المخيمات الدعوية والشبابية ؟
الجواب :
هذه – كما يُقال – شنشنة نعرفها من أخزم !
فهؤلاء ورثة ابن أُبيّ
شرق بالإسلام فكاده من طرف خفيّ ، حتى قال عبد الله بن أبي بن سلول للنبي صلى الله عليه وسلم - بعد أن خمّر أنفه بردائه - : لا تُغبّروا علينا !
فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ، ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن ، فقال له عبد الله بن أبي بن سلول : أيها المرء لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ، فمن جاءك فاقصص عليه . رواه البخاري ومسلم .
فأنت ترى وجه الشبه بين موقف ابن أُبي وبين موقف الكاتب !
لا نُحسن ما تقولون !
لسنا بكفّار حتى تدعونا إلى الإسلام !(3/347)
ومثل هذا الكاتب زَعَمَ هذا الزعم فوقع فيما نفاه أو كاد !
وأمثال هؤلاء أرى أن رد عمر رضي الله عنه على صَبِيغ بن عسل هو الرد الأمثل الشافي !
كما أنه يُقال لمثل هذا الكاتب ومن على شاكلته ممن شرِقوا بالدعوة وساءهم أن يُدعى إلى الله ، لماذا لا نرى هذه الحملات المسعورة ، والأقلام المسمومة على مهرجانات الغناء ؟!
نحن نعلم جميعا أن دستور هذه البلاد هو شرع الله شاءوا أم أبَوا !
وهذه البلاد هي مهبط الوحي ، فلماذا تُقام فيها مهرجانات الغناء ، ومشاهد التمثيل السافل ، ولا تُقام فيها مخيمات الدعوة ؟!
أحدهم ساءه أن أصدر الشيخ الفاضل والعالِم الجليل الشيخ بكر أبو زيد كتابه " حراسة العقيدة " فردّ على الشيخ ، وهو لا يستحق أن يذكر اسم الشيخ ؛ لأن ذِكره لاسم الشيخ شرف له لا يستحقه !
ولكن قيّض الله له فضيلة الشيخ الجليل الشيخ صالح الفوزان فَردّ عليه ، وكان مما قاله له : هل يسوءك أن تحرس الفضيلة ؟
وهو هنا :
http://saaid.net/arabic/ar5.htm
والكاتب نفسه هو الذي شرِق أيضا بِمعرِض ( كُن داعياً ) ساءه أن يُعبّد الناس لربّ الناس !
فهذه مواقف المنافقين في كل عصر ومصر .
ويُقال لأمثال هؤلاء :
فقل للعيون الرمد إياك أن تري **** سنا الشمس فاستغشي ظلام اللياليا !
ويُقال لهم :
وما على العنبر الفوّاح مِن حرجٍ **** أنْ مات مِن شمِّه الزبّال والجعل !
ونسأل الله السلامة والعافية .
والله تعالى أعلم
======================
** ما السبل الكفيلة ببناء (شباب المستقبل)الذي يحمل مقومات النجاح لمسيرة الأمة .
وما تقييمكم لوسائل الدعوة الحالية الموجهة للشباب في ظل الانفتاح الإعلامي الكبير والغزو الفكري المركز من قبل الأعداء ؟
و هل يحتاج الخطاب الدعوي لمزيد من التطوير كي يجابه هذه الغزو ؟
الجواب :
الشباب هم عِماد الأمة .
بهم تنهض الأمة ، وبهم تنحطّ .(3/348)
ولذلك يُركِّز أعداء الأمة حملاتهم المسعورة على الشباب ، لعلمهم ويقينهم أن الشباب هم عُمُد الأمة .
ولا يُمكن أن يُبنى الشباب على لهو وضياع ونغم !
ولكن ويُربّى شباب المستقبل على الكتاب والسنة .
ويُبنى شباب المستقبل على الشجاعة والفروسية ، وعلى هذا تربّى شباب الصحابة رضي الله عنهم ، فالتأمل في سير أبناء الصحابة يجد أنهم يستبسلون في خدمة هذا الدين ، وفي تقديم أرواحهم رخيصة في سبيل الله ، بل يأتي بعضهم أو يُؤتى به وهو دون البلوغ ، ولا يرضى أحدهم أن يُجاز من هو في سنِّه ويُترك هو ، كما في قصة رافع بن خديج وسمرة بن جندب .
أما الخطاب الدعوي فالمشاهَد أنه يشهد رُقيا وتطورا ملحوظا يُجاري العصر ، وذلك باستخدام الوسائل المتاحة ، وتنوّع الطرح ، وتعدد المناشط الدعوية ، وكثرة أساليبها .
وإن كانت بعض الوسائل تشهد ضعفاً ملحوظا أحيانا وغيابا أحياناً أخرى .
وقد يعود السبب إلى الدعاة أنفسهم وقد يعود إلى بعض تلك الوسائل ، حيث تختار من يُجاريها أحياناً ، ويُساير سياستها أحياناً أخرى !
ولا شك أن الخطاب الدعوي يحتاج إلى بذل المزيد لا لتطويره بل لإيصاله إلى الناس .
فالكثير ملّ خطاب الشهوات والشبهات
والكثير يتعطّش للخطاب الدعوي
فمجرّد إيصال الخطاب الدعوي كافٍ لتتلقّفه النفوس المتعطِّشة له .
ولا أقصد العَرْض الباهت للخطاب الدعوي ، وإنما الحق يكفيه يسير الجهد ، ذلك أن النفوس مجبولة مفطورة على حب الخير .
فالخير هو الأصل في النفوس بخلاف الشرّ .
والله تعالى أعلم
====================
** (التربية السليمة تبدأ من الأسرة) , كلمة مهمة جدا , فهل لفضيلتكم كلمة بخصوص ذلك أو تعليق لإبراز أهمية دور الأسرة في تربية النشء ؟
الجواب :
يُناط بالأسرة مهمات تربوية جليلة ، ولكنها ليست الوحيدة في منظومة التربية ، بل المؤسسات التعليمية ، من مدارس وجامعات ، ووسائل الإعلام .(3/349)
وكنت قبل أيام مررت بموقف تعجّبت من قوة تأثير وسائل الإعلام .
وذلك أن وسائل الإعلام كررت علينا كثيراً أن إهدار الماء خطأ – وهذا لا شك فيه – فلما رأيت رجلا يغسل سيارته أمام بيته ويُهدر الماء أنكرت ذلك في نفسي ، ويُنكره غيري – طبقا لما ترسّخ فيها !! – ولكني عُدت إلى نفسي فقلت : هذا الذي يرتكبه هذا الشخص خطأ وإسراف في استعمال الماء ، لكن ما مدى إنكار النفوس لمنظر - يكاد يكون مألوفاً – وهو التدخين الذي شاع في كل مكان ؟
ماذا لو تم تركيز بعض وسائل الإعلام على ضرر التدخين ، كما تم التركيز على خطأ إهدار المياه ؟
ماذا لو تم هذا التركيز على ضرر المخدِّرات ؟
ماذا لو تم مثل هذا التركيز على خطورة تبرّج النساء ؟
أما تبرّج النساء فهو ما تدعو إليه كثير من وسائل الإعلام ! فكيف تُنكِره ؟!!
لا أنكر أنه توجد بعض الجهود ولكنها تتراوح ما بين ضعف وهُزال !
أخلص من هذا إلى أن وسائل الإعلام رافد من روافد التربية ، بل ومن تغيير القناعات ، وربما القناعات الثابتة !
والمدرسة هي الأخرى رافد من روافد التربية ، ولا يُستهان بها ، بل هي من أهم معالم التربية ؛ لأنه في وقتنا صارت الدراسة حتم لازم !
فلا يكاد أحد يعيش ولا يمرّ بالمدرسة .
والطفل بل والشاب عموما يتأثر بمعلِّمه – رجلا كان أو امرأة – .
ولذا فإن على المعلمين والمعلمات أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم ، وأن يعتنوا بتربيتهم .
وأعود إلى صلب السؤال
الأسرة وأثرها في التربية
مما لا شك فيه أن للأسرة أثراً بالغاً في تربية الناشئة – بنين وبنات – .
ولذا فإن على الآباء والأمهات مراعاة سلوكياتهم داخل الأسرة .
وأن تكون تصرفاتهم مضبوطة موزونة .
وأعرف رجلا ابتُلي بالتدخين ، فكان لا يُمكن أن يُدخِّن أمام أولاده .
وهكذا في كل خُلُق رذيل ، وفي كل طبع سيئ يجب أن لا يكون أمام الأولاد .(3/350)
ومن المهم في هذا الجانب أن يُبعد أفراد الأسرة عن مشاكل الأبوين – إذا وُجِدت – لما فيها من التأثير النفسي ، والأثر السلبي على تربية الأولاد .
وتضطلع الأسرة بمسؤولية تربية الناشئة على الهدي النبوي الكريم .
ويُعجبني حرص بعض الآباء المقصّرين - في خاصة أنفسهم – أنهم يحرصون على تربية أولادهم على الهدي النبوي ، ولا يرتكبون ذنبا إلى ذنوبهم ، ولا تقصيراً إلى تقصيرهم ، وذلك بأنه يُفرِّطوا في تربية أولادهم بحجة أنهم هم لم يمتثلوا ذلك الهدي في نفوسهم .
إن بركة تربية الناشئة على الهدي النبوي قد يقود إلى امتثال الآباء بل والأمهات إليه .
إذ قد يسأل الابن أباه : لماذا تنهاني عن هذا الخُلُق وأنت تفعله ؟
فيكون مؤثِّرا بالغا في استقامة سلوكه .
ويُقال مثل هذا في حق الأم
إذا أمرت ابنتها أو نهتها عن الأخلاق السيئة ، فربما تساءلت البنت : وأنتِ ؟!
فلا شك أن الأسرة لها تأثير بالغ في تربية الأجيال .
وكم أعجب عندما أقرأ في سير العلماء ، وأرى أن بروزهم كان وراءه تربية جادّة ، بل الأعجب أن ترى التربية الجادة تقوم بها امرأة تأيّمت وترمّلت فوقت حياتها على وليدها حتى صار عالما يُشار إليه بالبنان !
وإذا علِمتَ أنه في كثير من الأحيان كان المحيط الأسري والجو العائلي وراء تخرّج كثير من العلماء وبروزهم ، علِمت مقدار تأثير الأسرة في التربية .
حضرت مرّة عند بعض الأقارب فسُمِع طفل تكلّم بكلمة نابية – ليست من بضاعة تلك الأسرة – فما كان منهم إلا أن وبّخوه بل وهجروه يومه ذلك ، فما سُمِع بعد ذلك يتكلّم بكلام مثل ذلك الكلام .
كل هذا يؤكِّد أن التربية الجادة يجب أن تتعاضد عليها جهود وليس جُهداً .
خاصة في مثل هذا الزمن الذي كثُرت مغرياته وفِتنه .
والله تعالى أعلم
=================
سؤال الأخ أسير الخطايا
فضيلة الشيخ :(3/351)
عندما يرى الشباب مآسي المسلمين في كل أنحاء العالم .. من قتل وتشريد وإبادة .. واستغاثات الثكالى والأيامى .. فإنهم يحترقون ألماً وحسرة .. بل والله إننا نتمنى أن نذهب إلى أراضي الجهاد لنصرة المستضعفين ولرفع راية لا إله إلا الله .. ولكن الأوضاع الآن لا تسمح بذلك ..
فبماذا توجهوننا حفظكم الله ؟؟
الجواب :
هم يؤجرون على هذا الشعور
فتحديث النفس بالجهاد يؤجر عليه المسلم
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق . رواه مسلم .
وكثيرون هم الذين يجدون هذا الشعور ، غير أن هذا الشعور ربما أدّى إلى نقص أو إلى ضعف !
كيف ؟
يُقعِده ذلك عن العمل ، فنفسه تتوق إلى الجهاد ، ويحتقر أو يستصغر ما عداه من العمل .
وكنت وقفت على نماذج من ذلك ، ورأيت حالات متشابهة ، فكتبت مقالا بعنوان :
ألا تجاهد ؟
وهو على هذا الرابط :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&threadid=25188
ولعل فيه مزيد بيان حول هذا السؤال .
والله تعالى أعلم
==================
سؤال الأخ وارد نجد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فضيلة الشيخ وفقه الله ورعاه /
القصات الغربية ، والملابس الغربية ، والأغاني الغربية ، وكل ما هو غربي ( ليس عربي إسلامي ) لا يزال محل إعجاب وإكبار من لدن الشباب مما دعاهم إلى التقليد والمحاكاة لتلك المظاهر المخلة بالدين والمروءة وذابت فيهم روح العزة والاستقلالية بما هو ( إسلامي ) إلا من شاء الله .
والسؤال أحسن الله إليك :
كيف ننزع من قلوب الشباب حب التقاليد الغربية ؟
وكيف يمكن إبراز الشخصية المسلمة للشباب بحيث يعتز بها ويفخر ؟
وجزاكم الله خيرا
الجواب :
وأحسن إليك
ما ذَكَرته أخي الحبيب حق وواقع
وهو نتيجة لغلبة الكفار في أمور الدنيا ولتفوّقهم في المجال العسكري ، وتقدّمهم في التكنولوجيا المادية .
ويَذكر علماء الاجتماع أن هذه تكاد تكون قاعدة .(3/352)
وأعني بها إعجاب المغلوب بالغالب ، ومحاولة تقليده ومُحاكاته .
وحكى لنا التاريخ عن محاكاة وتقليد أبناء النصارى للمسلمين ، وذلك حينما كانت القوة والغَلَبة للمسلمين في حدود أوربا ، وعلى وجه الخصوص في الأندلس .
فقد كان من يتعلّم اللغة العربية من أبناء النصارى يفتخر بها ! ويبرز بها على أقرانه !
ولما صارت الغلبة اليوم للكفار صار بعض أبناء المسلمين يفخر إذا حفِظ كلمتين من لغة القوم !
بل ربما تحدّث بها في أوساط من لا يُحسنونها !
وربما تحدّث بلغة مكسَّرة ! ليُكلّم عاملا أجنبياً ، قد يكون العامِل يفهم لغة المتحدِّث ! ولكنها عُقدة النقص .
والنظر إلى الغرب على أنه القدوة ! ومِن ثَمّ احتقار بلده ولغته !
أما السبيل إلى الاعتزاز بلغة القرآن والتمسّك بعاداتنا فيكون ببث روح الاعتزاز بهذا الدين أولاً ، وبالإقناع ثانياً .
هل يُتصوّر أن الشاب الذي قص شعره قصة غربية يكون مُقتنعاً بها ؟
أسأل بعض الشباب – أحيانا ً – هل أنت مقتنِع بما عملت برأسك ؟
فيكون الجواب - غالباً - : لا
إذاً لماذا قصصت شعرك بهذه الطريقة ؟
تُفاجأ بالجواب :
مثل أصحابي !
مثل الممثل فلان !
أو المغني فلان !
إذا لا توجد عنده قناعات لما قام بذلك العمل .
فهذا سهل إقناعه .
كما يكون بتجلية صورة الغرب أمام أعين الشباب
ولا أخفيك قولا ، ولا أكتمك سِرّاً إذا قلت لك إن الصورة المرتسمة في أذهان كثير من شبابنا رسمها الإعلام بصورة خاطئة وقد تكون مقلوبة بنسبة 180 درجة !
كيف ؟
الواقع أن الغرب جحيم !
وأن تلك الدول لا تصلح للمعيشة !
قد يُقال إنني مُبالِغ في قولي ، متجنٍّ في حكمي .
فأقول : قابلت مرة شابا عربيا يعيش في إحدى دول أوربا ، وكان هذا الشاب يلبس أسورة في يديه ! وأقراطا في أذنيه ! – وقيل لي : إنه يُتاجر بالمخدِّرات ! – والأعجب أنه قال لي بالحرف الواحد : هذه البلاد وِحشة ! هذه البلاد ما هي بلاد معيشة !(3/353)
والله يعلم مع كثرة مَن قابَلت في أوربا من أبناء الجالية المسلمة في دول متعددة لم أرَ شخصا يمدح أوربا أو العيش فيها .
قد يقال : لماذا ؟
فأقول : لعِدّة عوامل .
منها : كُره النصارى للمسلمين ، وهو يظهر في صور شتى !
ففي دول المجوعة الأوربية تم الاتفاق على ضرورة استقدام فئات شبابية لسد النقص الحاصل في تلك الدول نتيجة زيادة نسبة الشيخوخة .
فبعض تلك الدول قامت باستقدام أيدي عاملة من بعض دول أمريكا الجنوبية ! وضيّقت الخناق على المسلمين ، وربما كان بعضهم يعيش في تلك الدول منذ سنوات !
ومرّة حملت معي كُتبا وأشرطة فتم حجزها في المطار وبقيت لمدة تزيد على عشرة أشهر – في زمن السرعة - !
وأحد الشباب ترك تلك البلاد بعد أن أمضى فيها عشرين عاما لكثرة مضايقته لنشاطه الدعوي !
إلى غير ذلك من صور الحقد النصراني !
أخلص من هذا إلى أن كشف الصورة الحقيقية للغرب ، وتجلية الواقع ، وكشف القناع مما يُزيل إعجاب كثير من شبابنا بالغرب .
والغرب في حقيقته أمثِّله بشخص يلبس عباءة جميلة ، وتحتها ثياب مرقعة متسخة ، فما أن تُنزع تلك العباءة حتى يبدو المخبأ !
وهذا هو واقع الغرب
فهم كما وصفهم الشيخ عايض :
فهم قطيع كشويهات الغنم !
يقول الإمام الذهبي رحمه الله :
فكيف تطيب نفسك بالتشبه بقوم هذه صفتهم ، وهم حطب جهنم ؟! وأنت تتشبّه بأقلف ! عابد صليب ! اهـ .
والأقلف هو الذي لم يُختن .
كيف تطيب نفوس شبابنا أن يتشبّهوا بعبّاد الصليب ؟
أم كيف طابت نفوسهم أن يتشبّهوا بالذين وصفهم الله عز وجل بأنهم كالأنعام بل أضل ؟
وإن تعجب فاعجب من مسلم يقرأ في كل صلاة : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ )
ثم تراه يتشبّه بقوم كان قبل قليل يستعيذ بالله من طرقهم وسلوكهم !
ويُسأل أمثال هؤلاء الذين يتشبّهون بالكفار .. هل رأيتم كافراً تشبّه بكم ؟(3/354)
الجواب : لا
ويُبيّن لهم أن التشبه ضعف وعجز وذلة ومهانة
فالصغار يُقلِّدون الكبار ، ويُحاولون التشبّه بهم .
والتشبّه لا يقع إلا مِمن هانت عليه نفسه ، كما أنه لا يقع إلا من ضعيف الشخصية ، وممن لا يمتلك مقوّمات الشخصية السوية ، وليس لديه قناعة فيما يفعل !
فلو بُيِّنت مثل هذه المعاني لَمَقَت المقلِّد نفسه .
والله تعالى أعلم
======================
سؤال الورقة الأخيرة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فضيلة الشيخ أحسن الله عملك :
سؤالي : / ماذا تنتظر الأمة من الشاب المسلم ؟
و ما الذي ينتظره الشاب من الأمة - أن تقدمه له -؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وأحسن إليك
الأمة تنتظر من الشباب كل ما بوسعه
تنتظر من الشباب أن ينهض بها
وأعجبتني عبارة قرأتها على بطاقة دعوية ، تقول العبارة :
كُن ممن يحمل همّ الدعوة ، لا من تحمل الدعوة همّهم .
استوقفتني هذه العبارة طويلا
فقلت : كم من شبابنا هم اليوم عبء على الأمة ، فالأمة تحمل همّهم ، والأمة تنوء بانحرافاتهم .
فكم تحتاج الأمة من جهد إلى رد هؤلاء إلى حياض النجاة ؟
وكم هي الجهود المبذولة لردّ الشباب التائه إلى دينه ؟
إن هؤلاء هم من يؤخِّر النصر !
أنسينا أن معصية واحدة كانت سببا في خروج آدم من الجنة ؟
وأن معصية واحدة كانت سببا في حلول الهزيمة بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ؟
فقال الله تبارك وتعالى : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
أي قلتم : من أين أتى هذا ؟ ومن أين أُتينا ؟
إنما جاء ذلك من قِبل أنفسهم .
وأما الشباب فإنه ينتظر من الأمة أن تضعه في المكان المناسب .
فالشباب مكسب والمكتسبات يُحافَظ عليها
الشباب ثروة والثروات لا تُضيَّع(3/355)
ينظر الشباب من الأمة أن توليه كل عناية واهتمام ، وأن تجعله في الريادة والصدارة .
ولكن هذا لا يتأتى للشباب بالأماني ، فالشاب إذا رفع نفسه رعته أمته .
أو هكذا يجب أن يكون .
والله تعالى أعلم
=================
سؤال الأخ الجاسر
بالنسبة للنشيد وما وصل إليه الحال من استخدام الإيقاعات والمؤثرات الموسيقية
وخروجه عن الهدف الأصلي من النشيد
فما حكم استخدام ذلك من قبل بعض المنشدين وما هو التوجيه الذي توجه إليهم خاصة أنهم يزعمون أنهم يجذبون الشباب الغير ملتزم .
الجواب :
أما المنشدون فيُقال لهم : أنتم على ثغرة ، فاتقوا الله أن تُدخِلوا على الأمة بِدَعاً ومُحدَثات .
نعم للترويح عن النفس
نعم للنشيد الهادف
ولا .. ثم لا .. للميوعة والآهات ، وإخراج النشيد عن هدفه ومقصده .
لا .. لاستخدام الآلات الموسيقية ، سواء كانت صريحة أو خفية .
النشيد وسيلة ترويح عن النفس
فلا يكون النشيد غاية
إنك تُكبِر المنشد عندما يكون له ميدان ومضمار لا يخرج عنه
فلا يتأثر بالمؤثِّرات
ولا ينساق وراء المحدَثات
ولا يُدخل في نشيده المؤثِّرات الموسيقية
لأنه يعلم أنه يحمل رسالة
وأنه موقوف بين يدي الله محاسب على عمله مَجزي به
وليس جذب الشباب مُسوِّغاً لارتكاب ما حرّم الله .
إن ما عند الله لا يُنال بسخطه
ورضاه لا يُتوصّل إليه بغضبه
والغاية لا تُسوِّغ الوسيلة
فالنبي صلى الله عليه وسلم جاءه شاب أعزب يتفتّق نشاطا وحيوية ، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا ، فأقبل عليه الصحابة رضي الله عنهم ينهونه ويزجرونه .. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركوه
ثم أقبل عليه يطرح عليه الأسئلة المتتالية :
أترضاه لأمك ؟
أترضاه لأختك ؟
أترضاه ...
حتى اقتنع الشاب .. كما عند الإمام أحمد في المسند .
فلم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فيما يُريد ، ولم يُسايره في مبتغاه ومطلَبِه لما كان مُحرّما .
بل بيّن له ، وأتاه بطريقة أقنعه فيها ..(3/356)
فلسنا بحاجة إلى ارتكاب ما حرّم الله لأجل أن نجذب الشباب .
فالحق أبلج
والطريق واضحة
ولا داعي للطرق الملتوية
وإن بعض المنشدين تمادى حتى قلّد المغنين والمطربين !
فانظر إلى خطوات الشيطان كيف جرّ هؤلاء وجرأهم حتى فعلوا ما فعلوه بحجة شيطانية !
وهي جذب الشباب !
فالله المستعان .
والله يتولاكم ويحفظكم .
ونسيت أن أقول بالنسبة للمخيمات التوعوية والمراكز الصيفية وقول القائل : إننا لسنا كفارا ولسنا بحاجة إليها
أقول :
أولاً : أن تقرير هذه الأمور الشرعية مردّها إلى العلماء وليس إلى الكتاب ولا إلى العملاء !
ثانياً : في إحدى المجلاّت أُجري استطلاع على شريحة من شباب هذه البلاد فكان من نتائجه :
65 % من الشباب ( في سن التكليف ) لا يُواظِبون على صلاة الفجر .
ونسبة أقل من هذه لا يُصلُّون إطلاقاً .
فهل يُقال في مثل هذه الأحوال والظروف إن شبابنا لا يحتاجون إلى الدعوة ؟
بل أُقيم مُخيّم في الرياض قبل سنتين فكان كثير من الشباب الطائش يقولون بلسان العَتَب : أين أنتم عنا من زمان ؟!
فهل يُقال : إن بلادنا ليست بحاجة إلى المخيمات الدعوية ؟
ثم إن الذي يتولّى مثل هذه المخيمات وزارة قائمة بذاتها تتولّى مثل هذه الأمور وتُعنى بها ، وتفعل ما تراه الأصلح
ونسأل الله السلامة والعافية
ونسأله التوفيق والهداية
========================
أسئلة الأخت أم البراء
فضيلة الشيخ .. أحسن الله إليكم ..
1- إنه مما يؤلم أن نرى أهل السنة وقد انقسموا إلى تيارات متعددة .. وكل يدعي الإصلاح .. رغم التضاد والاختلاف .. مما أحدث حيرة لدى الكثير من الشباب والفتيات .. فمتى تلتحم تلك الفصائل .. وكيف للشباب مع بضاعتهم المزجاة في العلم تحيد الاتجاه .. والعلماء يتقاذفونهم ذات اليمين وذات الشمال ؟
الجواب :
وأحسن إليك
هذا والله مما يؤسف له ، ومما يُدمي القلب ، ويُجري دمع العين
أن نرى مثل هذه الفرقة والتمزّق والتشتت(3/357)
وقد لمست آثار هذه الفُرقَة من أوربا غربا إلى الصين شرقا – ولا حول ولا قوة إلا بالله –
بل وصلت إلى الجاليات المسلمة في أمريكا الشمالية والجنوبية !
وعند أولئك من المشكلات ما لا يُعدّ كثرة ولا يُحصى ، ومع ذلك نراهم اشتغلوا بهذا التفرّق والتحزّب
وبعضهم يرمي بعضا بالبدعة ، وإن كان بريئا منها !
بل رأيت بعض طلاب المنح وقد جاءوا من بلد غربي يطلبون العِلم يوجد بينهم مثل هذا التناحر
وهذا التنازع تدخله حظوظ النفوس ، إذ تجد بعض النفوس فيه التلذذ بالتفكّه بأعراض العلماء !
وربما زيّن لهم الشيطان ذلك باسم التحذير من أهل البِدع !
وهم أحيانا يَطلبون العيب في البراء
وأحيانا أخرى يركبون مركب الهوى ، فترسوا سُفنهم على مراسي الإجحاف .
وربما أجهزوا على الإنصاف الذين أُمرنا به في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم
أما في الكتاب ففي قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ )
قال ابن جرير رحمه الله : يقول تعالى ذكره إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل وهو الإنصاف
وفي قوله : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا )
وأما السنة فالأحاديث التي تأمر بالعدل والإنصاف أشهر وأكثر من أن تُذكر .
إذا لا سبيل إلى وحدة الصف واجتماع الكلمة إلا بالتخلي عن حظوظ النفس ، وترك الهوى الذي يهوي بصاحبه ، بل ويُضِلّه ، كما قال تعالى لنبيه داود عليه الصلاة والسلام : ( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) .
وربما كانت خطايا القلوب أعظم أثرا من خطايا الجوارح .
أما الشباب فالتوجيه لنا ولهم : علينا وعليكم بالعلماء الراسخين .
ولنحرص جميعا على ما ينفعنا(3/358)
ولندع القيل والقال الذي نُهينا عنه .
ونسأل الله أن يجمع شتات هذه الأمة
وأن يؤلِّف بين قلوب أبنائها .
والله تعالى أعلم
====================
2- قد يحجب الحق إلى حين ولكنه لا يندثر ، وقد ينتفش الباطل ولكنه يدفع بالحق ويدمغ .. ولكن الناس اليوم يكتفون بالقول ... فما قيمة اعتراف بحق لا يتحقق ، ولا قيمة إنكار باطل ينتشر دون مقاومة ...
والشباب لديهم طاقة هائلة .. فكيف يمكن توجيهها لمقاومة الفساد ونصرة الحق على مختلف الأصعدة ؟
الجواب :
إذا وُجِد الحق وُجِد له أتباع ، ولو لم يكن للحق أتباع وكان له من يحمله لكان هذا من دواعي النصر !
إن غلاما صغيرا كان هو حامل لواء الحق !
ذلكم الغلام كان في سن بحيث إذا تأخر في الحضور ضربه أهله !
ذلكم هو غلام أصحاب الأخدود الذي حَمَل الحق ونافح عنه وأعلن أن الحق منصور لا يُهزم .
وقد انتصر الحق فعلاً ، وتحقق ما أراده الغلام ، وآمن الناس ، وتحققت النتائج التي لم يرَها ذلك الغلام .
بل إن نبينا صلى الله عليه وسلم حَمَل لواء الحق والدعوة إليه وحيداً فريدا شريدا طريدا ، حتى آمن به من آمن ، ووجد النُّصرة والإيواء ، فقامت دولة الإسلام في المدينة على سوقها ، وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ولم يكتمل بناء تلك الدولة ، وكان عليه الصلاة والسلام قد بشّر بامتداد مُلك أمته ، وأنه سيبلغ المشارق والمغارب ، وأن أمته سوف تملك مُلك كسرى وقيصر .
إن نبينا صلى الله عليه وسلم رغم ما كان يتعرض له أصحابه من تضييق وتعذيب ، لم تضق به الأرض ، ولم يستعجل النتائج ، بل لم يُشكِ أصحابه ولم يسمع شكواهم ، بل كان يضرب لهم الأمثلة من الأمم الماضية ممن صبروا على دينهم ، وثبتوا عليه ، تثبيتا لهم ، وليعلموا أن غيرهم سار على هذا الطريق الشاق الشائك .(3/359)
قال خباب بن الأرت رضي الله عنه : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟
قال : كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيُجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصدّه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصدّه ذلك عن دينه ، والله لَيُتِمّنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون . رواه البخاري .
وخباب رضي الله عنه هو الذي لقي من المشركين ما لقي من التعذيب والنكال .
سأل عمر رضي الله عنه خباباً رضي الله عنه عما لقي من المشركين ، فقال : يا أمير المؤمنين انظر إلى ظهري ، فنظر فقال : ما رأيت كاليوم ! قال خباب : لقد أُوقدت لي نار وسحبت عليها فما أطفأها إلا وَدَك ظهري .
إن الشباب اليوم بحاجة إلى الإيحاء بمثل هذه القصص أن نُصرة هذا الدين أمانة في أعناقكم ، وإن ما تُقدِّمونه لِدِين الله هو عبادة لله .
وأن الدِّين ما كان ليصلنا لولا ما بُذل من جهود لنصرته .
وأنك مهما تفعل لخدمة دينك فهو محفوظ مُدّخر لك .
أما الشباب فهو قوة ، والشباب هو الطاقة ، وإن لم تُشغل هذه الطاقات في خدمة الدِّين شُغِلت فيما عدا ذلك ، وكلٌّ يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها .
أما توجيه طاقات الشباب فيدور على عدة محاور ، منها :
1 - المعلّمون على اختلاف مراكزهم : فعلى عاتقهم يكون حمل العبء الأكبر من هذا التوجيه .
2 - الأسرة على اختلاف أفرادها ، فيوعز إلى الشاب أن أمتك تنتظر منك الكثير وأنك كما قيل :
قد هيأوك لأمر لو فطنت له *** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
فالأم تتحمل مسؤولية التربية والتوجيه منذ الصِّغر ، أما إذا كبر الشاب دون توجيه أو تربية فيصعب آنذاك أن يُوجّه .(3/360)
3 - المجتمع ، فالمجتمع له عاداته وأعرافه التي في كثير من الأحيان تكون كالأُطُر الضابطة للسلوك والتصرّفات
كثير من الشباب يُراعون – أحيانا – العادات قبل مراعاة المحرّمات .
والتوجيه قد يكون مُباشِراً وقد لا يكون مباشراً .
والشعور بشعور الجسد الواحد
وإحياء روح العزّ والنُّصر مما يوجّه الشباب توجيها سليما
وبعض الشباب – كما أسلفت – يجمع إلى تقصيره تقصيرا آخر ، ويُضيف إلى معصيته معصية أخرى
وذلك أنه إذا كان مُقصِّراً تخلّى عن خدمة دينه ، وجعل تقصيره عُذراً في تخلّفه عن الرَّكْب .
ومما ينبغي أن يوجّه إليه الشباب عدم استعجال قطف الثمرة قبل النضج ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ربّى أصحابه على ذلك .
فإن مما يُفسد نُصرة الحق استعجال الثمرة
ولكنكم تستعجلون !
والله تعالى أعلم
=====================
3- " وراء كل رجل عظيم امرأة .. كما أن وراء كل رجل فاشل امرأة ".. هل تؤمنون بذلك .. ثم وكيف للمرأة في خضم هذه الفتن المتلاطمة .. والظلام الحالك .. أن تصنع شخصية متكاملة تسير على الأرض وتغير مجرى التاريخ الأسود ؟
وجزاكم الله عنا خيرا ونفع بكم
الجواب :
هذا القول ليس على إطلاقه
وإن كان له نصيب من الصحة
ولا يُمكن أن يستغني الرجل عن المرأة ، كما أن المرأة لا يُمكن أن تستغني عن الرّجُل .
http://saaid.net/Doat/assuhaim/28.htm
وكنت كتبت موضوعاً بعنوان : تربية امرأة !
وهو هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/142.htm
وقصدت منه الإشارة إلى نجاح المرأة أو فشلها في التربية
والمرأة لها تأثير على الرجل لا يُنكر
كم لجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمهات المؤمنين عندما يروعه أمر ؟
عندما رجف فؤاده لجأ إلى خديجة رضي الله عنها فطمأنته حتى زال عنه ما يجِد ، وحُقّ لها أن يذكرها عليه الصلاة والسلام بعد موتها .
وعندما أهمّه أمر أصحابه رضي الله عنهم أشارت عليه أم سلمة فأخذ بمشورتها ، فسُرّي عنه عليه الصلاة والسلام .(3/361)
هذا الموقف مع مواقف أخرى أشرت إليها هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/61.htm
إن المسلمة بعلّو همّتها تبلغ الثريا وإن مَشَتْ على الثرى
فالمرأة إما تحمل همّ الدعوة ، وإما تكون هي من هموم الدعاة !
إن المرأة بين همّ الموضة وبين همّ الدعوة
إما تهتم بالأزياء وبكل جديد في عالم الموضة ، بل في كثير من الأحيان يهمها كل جديد بغض النظر عن مناسبته للمرأة المسلمة أو لا ؟
الجديد بأي شكل جُلِب ، وبأي لون وصل !
آخر ما يُسأل عنه هل هو حلال أو حرام !
هذه هموم طوائف من نساء الأمة
وهموم طوائف أُخَر في صدورهن كتوقّد الجمر
أتعجّب حينما أُلقي محاضرة في مجتمع طالبات
فيصلني سيل من الأسئلة ربما أحتاج فيها إلى أن أقتطع جزءاً من وقت عالِم لأسئلة عن هذه النوازل والمستجدّات !
والقليل عن تصحيح العبادات
والأقل من الأسئلة عن هموم الأمة
وكم والله أُكبِر الفتاة عندما أرى همّها قد تعلّق بالثريا
وكم أستصغر نفسي وسؤال من فتيات : كيف نستطيع أن نُجاهد أعداء الدين ؟!
والله تعالى أعلم .
====================
أسئلة الأخ أبي بكر الشهري
فضيلة الشيخ .. أحسن الله إليكم :
1- عندما تسأل بعض الشباب اليوم عن أهدافه ... تتعجب بأنه لا أهداف له وخصوصاً فيما يخدم دينه .. نصيحة من فضيلتكم لهؤلاء .
الجواب :
أردد بعض الكلمات أحيانا فيما يتعلق بالعبودية ، فالإنسان بطبيعته لا ينفكّ عن العبودية .
فليختر كل امرئ لنفسه عبدُ مَنْ يُريد أن يكون ؟
إما عبودية شرف وعز وفخر وكرامة ، وهي العبودية لله عز وجل
ومما زادني شرفا وفخرا *** وكِدْتُ بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك : ( يا عبادي ) *** وأن صيّرت أحمد لي نبيّا
وإما عبودية ذلّ ومهانة ، وهي العبودية لغير الله .
فمن تعلّق بشيء من متاع الدنيا صار عبدا له " تعس عبد الدينار ... "
وكذلك الإنسان بالنسبة لهمِّه
إما صاحب همٍّ وهمة عالية
وإما صاحب همة نازلة
وفرق بين هِمّة الأسد
وبين هِمّة الخنزير(3/362)
قال ابن القيم رحمه الله :
ومن الناس من طبعه طبع خنزير يمرّ بالطيبات فلا يلوي عليها ، فإذا قام الإنسان عن رجيعه قمّه . اهـ .
وهكذا الأهداف
فأعشى البصيرة لا يرى هدفه في الحياة ، وإنما يرى ما قرُب منه ، وربما لم يَرَ سوى أرنبة أنفِه !
همّه – ربما – لإشباع رغبات نفسه ، وإتباع نفسه هواها ، وهو مع ذلك يتمنّى على الله الأماني !
وأما صاحب البصر النافذ والبصيرة الثاقبة فإنه يرى الآخرة من خلال الدنيا
سعد بن الربيع رضي الله عنه يشمّ رائحة الجنة يوم أُحُد
وقزمان يرى الجرح الذي أصابه نهاية الدنيا وانقطاع الملذّات !
إنك ربما لحظت تفاوت الهمم وتباين الأهداف من خلال وقوف الناس في الصلاة !
كيف ؟
على قدر وقوفهم في الصلاة ، وحضور قلوبهم واستشعار وقوفهم بين يدي مولاهم – بقدر هذا تتفاوت الأهداف والهمم .
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حديث : " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد " فقال :
وكذلك تقرب الروح إلى الله في غير حال السجود مع أنها في بدنه ، ولهذا يقول بعض السلف : القلوب جوالة : قلب يجول حول العرش ، وقلب يجول حول الحشّ . اهـ .
فقلب تعلق بالله ، فهو يسأل ربه ويذكره فتعلو همته وتسمو نفسه ، فإذا قال : الله أكبر . استشعر معنى الكبير المتعال .
وقلوب غافلة لاهية ، وإن صلّت إلا أنها تجول في الأسواق ، وتحوم في المباني ! وربما كان همّ أحدهم في الصلاة إصلاح ما انكسر في الحمام !
فدار هذا القلب حول الحشّ ، وهو مكان القذر ... فأي سموّ يُرجى من مثل صاحب هذا القلب ؟!
والله تعالى أعلم
==================
2- نصيحة للمعلمين الذين يربون شباب المستقبل .. و خصوصاً أننا نرى بعضهم ممن يُعرف بالصلاح لا نراه يتعدى كونه ناقلاً لما في الكتاب المدرسي فقط دون تأثير على الطلاب أو محاولة عمل البرامج المفيدة لهم !
الجواب :
العملية التربوية عملية بناء متكامل
إن الكافر يُعلِّم ، والمنافق يُعلِّم(3/363)
ويجب أن يتميّز تعليم المعلِّم المؤمن ، ولذا كان كثير من السلف يدفعون صبيانهم إلى من يُربّونهم ، ثم يوصونهم بتربيتهم على محبة الفضائل ، وعلى بغض الرذائل .
وهكذا يجب أن يكون المعلِّم الذي يرجو الله والدار الآخرة
أنت أيها المعلِّم قدوة في جميع تصرفاتك بل في حركاتك وسكناتك !
صلى طفل إلى جوار والده فأكثر الحركة في الصلاة ، فلما فرغ من الصلاة نهره والده فَكان ردّ الابن :
يا أبي ! كل زملائي في المدرسة يتحرّكون حتى المدرّس !
أنت أيها المعلِّم مربي
وتصرفاتك ليست تصرفات فردية
بل هي ملء السمع والبصر من طلابك خاصة إذا أحبُّوك
تودد إلى طلابك
تحبب إليهم
فإنك إذا فعلت ذلك استطعت أن تضع أساس جيل واعد صاعد
أنت أيها المعلِّم مُستأمن على فلذات الأكباد
فلتكن أهلا للأمانة
أنت أيها المعلِّم قد أودَع عندك الناس ثمار أفئدتهم
فلتكن حريصا على الوديعة
أنت أيها المعلِّم أمام مادة طرية سهلة التشكيل ، مادة لينة ، تتثنّى كما تُريد
فاتق الله في أجيال الأمة
أنت إن شئت البناء الماهر في بناء الصرح
وأنت إن شئت هادم المُثُل والأخلاق
فاتق الله أيها المعلّم فيما بين يديك
وفيما استحفظت عليه
والله تعالى أعلم .
===============================
سؤال الأخ أسامة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبدالله السحيم متعنا الله به
لدي سؤال بارك الله فيكم ..
لماذا تنجرف معظم الزعامات العربية خلف الغرب وذلك بالتأييد مرة في قراراتها
وبالنصرة في أغلب الأحيان ...
أليس شعوبهم أولى بهذا الموقف من أعدائهم .. إن كانوا لهم أعداء ؟؟!!
عذرا على الطرح شيخنا ..
ولكن قد بلغ السيل الزبى
الجواب :
في بعض الأحيان قد يكون هذا هو التصرف الطبيعي !
ثمرة من ثمار الهزيمة لنفسية !
وانبهار المغلوب بالغالب
ونظرة الضعيف للقوي
وعندما تغيب التقوى يغيب معها الفُرقان الذي يجعله الله لأهل التقوى يُميّزون به بين الحق والباطل(3/364)
قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا )
وعندما تمرض القلوب فإنها تُسارع في الذين كفروا !
( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ )
ونحن في هذا الخضمّ ، وأمام هذه الفُرقة يجب أن لا نزيد في خرق السفينة بل نُحاول إصلاح السفينة
نحاول جمع الكلمة ووحدة الصف فيما يُرضي الله عز وجل
إن مما يؤسف له أننا نرى – أحيانا – الخرق ولمّا يتّسع على الراقع ، فنقول : لا فائدة ! السفينة سوف تغرق ، فبعضنا وقف موقف المتفرِّج ينتظر الهلاك ، وبعضنا استعجل الغرق فزاد في الخرق !
هذا هو حالنا – ربما – أمام ما تعيشه الأمة من ذُلٍّ وضعف وتفرّق وتشتت !
نُجيد الكلام – ربما –
نُحسن تعليق الأخطاء على الآخرين
نستطيع بدقّة الانسلال من عبء المسؤولية !
فلان هو المسؤول
وعلاّن هو من يقوم بالدّور !
ونحن في موقف المتفرِّج الحُرّ الذي متى ما أراد خرج من المسرح !
ينبغي حث الخُطا والسعي نحو وِحدة الصف يجمعنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
وأن نتجرّد من الهوى
ونحاول التخلّص من حظوظ النفس
وأن نسعى لخدمة الدين .
والله ولي الصالحين .
والله المستعان .
=======================
سؤال الأخ المزني
أشكر للشيخ حضوره ونسأل الله له الإعانة والتوفيق وسؤالي
ما أفضل الطرق للاستفادة من قراءة الكتب؟
مع أنني سمعت أن الشيخ له طريقة للاستفادة من القراءة
الجواب :
يبدو لي أن من أفضل الطرق القراءة ابتداء في التخصص أو فيما تميل إليه النفس
ثم القراءة في التخصصات الأخرى ، بحيث يكون لدى القارئ حصيلة جيدة من المعلومات والثقافة في التخصصات الأخرى ، ولا يُشترط أن يُلمّ بكل عِلم بل يحرص على الإلمام بِعلم والأخذ بطرف من بعض العلوم الأخرى .
ثم إن القراءة لا تُعطيك علما(3/365)
نعم .. تُعطيك تصوّرا عن محتوى الكتاب ولكنه لا يكفي
والقراءة السريعة تُشعرك بكِبر الحصيلة المقروءة ، ولا أثر لها في الغالب
وإنما القراءة المركّزة هي التي تُعطيك العلم
ثم تقييد العلم بفوائده
وهذه تختلف آراء النظّار فيها
فيرى قوم اتخاذ ما يُسمى بالكُنّاش ، وهو مفكرة تُقيّد فيها الفوائد
وهذه لها إيجابية جمع صيد الفوائد من بطون الكتب ، ولها سلبياتها ، إذ تُفقد هذه الفوائد بفقدان المفكِّرة .
ويرى آخرون أن تقييد الفوائد والدرر على أول صفحة بعد غلاف الكتاب أجدى وأحفظ
وهذه صعوبتها في تناثر الفوائد ، وإيجابيتها في حفظ الفوائد وبقائها
لدي بعض الكتب عليها تعليقات تزيد على عشر سنوات بل بعضها يصل إلى أكثر من خمس عشرة سنة
وكنت قيّدت بعض الفوائد في بعض الكراريس ، وبعضها لا أجده الآن ، وإن كان لم يمضِ عليها سوى أربع أو خمس سنوات .
ثم من أراد البدء في القراءة فلا يأخذ المطوّلات فيمضي الوقت ويملّ ، إذ يشعر أنه بعد مضي فترة من القراءة لم يقرأ سوى بعض مجلد في سلسلة مجلّدات !
بينما لو أخذ كُتيبا ثم قرأه ثم أخذ كتابا ليس بالطويل وقرأه ثم ثالث وهكذا ، فإنه سوف يشعر انه قرأ شيئا وحصّل حصيلة .
ورأيت أن القراءة مفيدة ونافعة حتى في الأوقات الضائعة !
عند النوم مثلا .. بعض الناس يتقلّب على فراشه ، وتدور الأفكار برأسه ، ويضيع عليه هذا الوقت ، ولكنه لو قرأ أذكار النوم حينما وضع جنبه على فراشه ثم أمسك بكتاب وقرأ فإنه سوف يُستفيد ثلاث فوائد :
الأولى : عدم إضاعة هذا الوقت
الثانية : طرد جيوش الهموم المتواردة
الثالثة : تحصيل فائدة من القراءة
ومما كان يصنعه ابن عقيل الحنبلي رحمه الله أنه كان إذ تعب من الكتابة استلقى على ظهره وأخذ يفكِّر ويستحضر ما سوف يكتبه !
فلا وقت لديه ضائع !(3/366)
أيضا مما ينبغي الاعتناء به في القراءة والمدارسة والمذاكرة أن لا يكون للطالب ولا للقارئ أكثر من نسخة في كتاب واحد ، فتضيع تعليقاته وتعلّقاته !
ومما يؤكد عليه في القراءة أن للنفس إقبالا وإدبارا ، فربما وجدت نفسك لا تردي ترك الكتاب فلا تتركه ، وربما عزفت النفس عن القراءة ، فإذا عزفت النفس وأدبرت فخذها بشيء من سير الرجال وقصص القوم التي تُشحذ بها الهمم ، وتُثار بها العزائم .
ومذاكرة العلم تزيد في رسوخه
فكثير من المجالس تُعقد وتنفضّ على ( قيل وقال )
ولو استحضر الجالس بعض ما قرأه طريفا أو مفيدا لجمع بين مدارسة ما قرأه وبين زفّ الفائدة لجلسائه .
ونسأل الله التوفيق والسداد .
==========================
سؤال الشيخ فيصل القحطاني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فأرحب بالأخ العزيز الزميل الشيخ عبد الرحمن السحيم وأسال الله لنا وله التوفيق والسداد في الأقوال والأعمال.
اطلب من الشيخ الكريم توجيه كلمة للشباب عن أهمية العلم واحترام العلماء وخطر الصدور عن رأيهم وخطر الفتوى وكذلك خطر الخوض في المسائل الكبار التي حار فيها كثير من العلماء كقضايا التكفير والحكم بغير ما انزل الله وأيضا تحذيرهم من الكلام في أيام الفتن.
شكر الله لكم وأعانكم على خير.
الجواب :
أما هذه فتُطلب من الشيخ فيصل حفظه الله ورعاه
وليس مثلي يجلب بضاعته المزجاة على مثلك
فلعلي أغتنم فرصة تواجدك في هذا الصرح
ولعل الفائدة في هذا والوصية فيه تؤخذ منك
وأنتم أهل لذلك .
والله يحفظك .
.......................
وصلي اللهم وسلِّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
337-مناصحه صاحب منكر
سعادة الأستاذ،،،أصلح الله قلبه وهداه ووفقه ..(3/367)
أكتب لك هذه الرسالة ونحن في الأشهر الْحُرُم ، التي قال الله في شأنها : (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وهذا " تعظيما لأمرها وتغليظا للذنوب فيها وإن كان الظلم ممنوعا في غيرها " كما قال ابن جُزيّ في تفسيره .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) في كُلِّهن ، ثم اخْتَصّ من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما ، وعَظَّم حُرُمُاتِهِنّ ، وجَعَلَ الذَّنْب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم .
وقال قتادة في قوله : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم في سواهما ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء .
وقد رأيت ما يُنشَر في موقعكم من مُحَرّمات ومُنكَرات ( صور – أغاني .. ) ألا ترى – وفّقك الله – أن هذا أمرٌ عَظيم في سائر السَّنَة .. فكيف به ونحن في الأشهر الْحُرُم التي عظّمها الله ؟ثم ألا ترى أن أحدنا لا يستطيع حَمْل ذنوبه .. فكيف يَحمِل ذنوب غيره ؟بل كيف له بِحمل ذنوب المئات بل الآلاف وربما الملايين .. ممن تَصِلُهم رسائل المجموعة ؟
قال تبارك وتعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ)
فتَنَبَّه ..إن كل صورة تُنشَر .. وكل مَقْطَع يُرسَل، وكل مَفتون افتتن بالصور والأفلام التي تَصْدُر عنكم
وكل فاحشة تَقَع بِسبب تلك المجموعة، بل كلّ نَظْرَة إلى صورة مُحرّمة
على صاحِب الموقع مثل آثامها ، ويَتَحمّل مثل أوزار وذنوب أصحابها .. لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ومَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّة سيئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " رواه مسلم .(3/368)
ثم تذَكَّر – ونحن في أشهر الحج الْمُحرَّمة ( ذي القعدة وذي الحجة ) عِظَم ذنب من أحبّ أن تشيع الفاحشة في المؤمنين .. وقد توعّد الله جل جلاله من أحبّ إشاعة الفاحشة في المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
قال عَزّ وجَلّ : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . قال الإمام السمعاني في تفسير الآية : يعني أن تَذيع وتَشْتَهِر .وقال البغوي في تفسير الآية : يعني يُظْهِر ويُذِيع الزِّنا .
وأي إذاعة للفاحشة وإشهار وإظهار أكثر من إظهارها بالصوت والصورة وبالصور الملوّنة؟! فلا تَكُن من الذين يُحبُّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا . ولا تكُن من الذين يَحْمِلون أوزراهم وأوزار الذين يُضِلّونهم أو يَفتِنونهم ..
ومَن تابَ تابَ الله عليه .. قال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال جل جلاله : (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل يَبْسُط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها . رواه مسلم .
فهذه دعوة إلى التوبة والإنابة إلى الله .. خاصة ونحن نُقبِل على عشرٍ مُبارَكة ، وأيام فاضلة ، وهي عشر ذي الحجة .. وليس بينك وبين التوبة إلى الندم على فات .. وإنهاء هذه المنكَرات .. والعزم على عدم العودة إليها .. وإن أرسَلْتَ رسالة إلى أعضاء ( المنتدى ) لِتُكفِّر عما كان فهو أحسن وأولى .. فَتُبيِّن لهم رجوعك عن هذا الأمر ، وتخلِّيك عن تبِعاته ..
أخيراً :(3/369)
اعلم – علّمك الله – أني لا أعرفك – ولا يضرّك أني لا أعرفك – وإنما كتبت ما كتبت حرصا عليك .. وعلى مجتمعات المسلمين .. وأسأل الله أن يَجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشرّ .. وأن لا يَجعلنا مفاتيح للشرّ مغاليق للخير ..
تََكْفَى تَرى ( تكفى ) تهزّ الرجاجيل !!
تَكفى .. أنقِذ نفسك ..
338-نفحات ولفحات
حينما تهب النفحات
وتتابع مواسم الخيرات
فإن المؤمن مأمور باستغلال تلك المواسم ، والتعرض لتلك النفحات ..
قال عليه الصلاة والسلام : اطلبوا الخير دَهْرَكم كُلّه ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحَات الله عز وجل ، فإن لله نَفَحَات مِن رحمته يُصيب بها من يشاء من عباده ، وسَلوه أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم . رواه الطبراني والبيهقي في شُعب الإيمان وابن عبد البر في التمهيد والاستذكار ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير وهو ثقة . وقال الألباني : حَسَن .
إلاَّ أن طائفة مُوغِلة في الغِواية .. ومُتَرَدِّيَة في حَمْأة الشهوات .. تأبى تلك الطائفة إلاَّ أن تُجَافِي تلك النفحات .. بينما تسير حافية القَدَمين في حَمَّارَة القيظ !
وتَبْرُز في هاجِرة الصيف تتعرض لـ " لفحات " تُسَوِّد الوجوه ، ويبقى أثرها على الوَجَنَات والْجِبَاه !
وتلك علامة الشقاء أن تُهْجَر الظلال الوارفة والثمار اليانعة - إلى لَفَحات السموم الحارة دون حاجة !
وإن تَعْجَب فاعْجَب لِحَال أُنَاس جاءتهم النفحات الرمضانية وهم لا زالوا في هاجرة المعاصي وحَرّ الذنوب .. لم تُغْسَل بَعْد بالماء والثلج والبَرَد !
لا زلت أتَذَكّر موقف بعض الواقفين في صحراء الذنوب القاحلة ، وهاجرة المعاصي الحارقة ، وقد اجتمع مجموعة من الشباب في محل تسجيلات أغاني يختارون من أسباب الشقاء وفُنونه ، وكان ذلك في ليلة السابع والعشرين من رمضان في عام مضى ..
ففتحت عليهم الباب وقلت لهم كلمة واحدة :
أتدرون أي ليلة هذه ؟!(3/370)
هذا أنموذج ، والنماذج كثيرة
فَتِّش في أجهزة الجوال ، أو في أجهزة الحاسب المحمولة ، أو في بعض الشُّنَط !
وقبل أن تفتش حَاذِر مِن لَفحات الْهَاجِرَة !
وضَع يدك على أنفك ! فإن ثَمَّة عَفَن سَوف يعصف بأنْفِك !!
عَفَن صُور فاضِحة ، ومَقَاطِع مُخْزِية
صور فاضحة ربما استحيا إبليس أن ينظر إليها !
ألا إن تلك الصور الفاضحة والمقاطع الآثمة ما هي إلاّ عبارة عن جبال من السيئات .. ومجاري من القاذورات !
وهي داعية الفواحش وصَوت الإفساد .
وقد تكون تلك الصور لِمَا وَقع فيه الشخص في أوحال الرذيلة .. ولِمَا ولغ فيه مِن قاذورات الأخلاق !
هل سمعت بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الجرائم ؟
قال عليه الصلاة والسلام : اجتنبوا هذه القاذورات التي نَهى الله عنها ، فمن ألَمَّ فليستتر بِسِتر الله ، ولْيَتُب إلى الله ، فإنه من يُبْدِ لنا صَفْحته نُقِم عليه كتاب الله عز وجل . رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ، ورواه غيره ، وصححه الألباني .
فكيف إذا انضاف إلى ذلك هَتك السِّتر الذي بين العبد وبين رَبِّه ؟
فإذا ما عَرض عَارِض صُورًا إباحية أو مَقَاطع مُخْزِية لِقَاذورات تَلَطَّخ بها ، فإنما يجمع السوءات ، وذلك بِعَرْض الصور الفاضحة وفَضيحة نفسه ، وقد بَات يستره ربُّه ..
وهذا المعنى سبقت الإشارة إليه في مقال بعنوان :
كل أمة محمد بخير إلا أنت .. !
وهو هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/234.htm
فإيّاك إيّاك .. أن تَهُبّ عليك النفحات .. ثم لا يُرى عليك إلاّ آثار اللَفَحَات ..
فتأتي يوم القيامة وقد سوّدت وجهك .. كما سَوَّدْت صحائفك ..
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) ..
كيف لو مُتّ وهذه الصور في حافظاتك ؟؟ أو في بيتك ؟؟ أو في جيوبك ؟؟
وكيف إذا وُقِفْت بين يدي الله .. ؟ هل يسرّك أن تكون تلك الصور في صحائف أعمالك ؟!
يا مُدْمن اللذات ناسٍ غَدرها = اذْكُر تَهَجُّم هَادِم اللذاتِ(3/371)
يا حسرة العاصين يوم معادهم = ولو أنهم سيقوا إلى الجناتِ
لو لم يكن إلا الحياء من الذي = سَتَر الذنوب لأكثروا الحسراتِ
ويُذكِّرك ابن الجوزي فيقول :
يا عظيم الجرأة يا كثير الانبساط .. ما تَخَاف عَواقب هذا الإفْراط ؟
للفائدة :
* في لسان العرب : حَمَّارَة القيظ : بتشديد الراء وحَمَارَته : شِدّة حَرِّه .
الرياض 9/9/1428 هـ ..
339-المصافحة بين الجنسين...أسرار وحِكم وحُكم
قالوا : ماذا لو صافحت المرأة الرجل ?
قال علم التشريح : هناك خمسة ملايين خلية في الجسم تغطى السطح .. كل خلية من هذه الخلايا تنقل الأحاسيس فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثير الشهوة .
وأضاف قائلا ( أي علماء علم التشريح ): حتى أحاسيس الشم ، فالشم قد ركب تركيبا يرتبط بأجهزة الشهوة فإذا أدرك الرجل أو المرأة شيئا من الرائحة سرى ذلك في أعصاب الشهوة ، وكذلك السماع وأجهزة السمع مرتبطة بأجهزة الشهوة فإذا سمع الرجل أو سمعت المرأة مناغمات من نوع معين كأن يحدث نوع من الكلام المتصل بهذه الأمور أو يكون لين في الكلام من المرأة فإن كله يترجم ويتحرك إلى أجهزة الشهوة
وهذا كلام علماء التشريح المادى من الطب يبينونه ويدرسونه تحت أجهزتهم وآلاتهم ونحن نقول سبحان الله الحكيم الذي صان المؤمنين والمؤمنات فأغلق عليهم منافذ الشيطان وطرقه فساده : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور 30
المصدر " وغدا عصر الإيمان " للشيخ عبد المجيد الزنداني .
( نقلا عن أحد المنتديات )
قال عبد الرحمن السحيم - عفا الله عنه - :(3/372)
أحببت بهذه المناسبة الإشارة إلى حديث يتصل بالموضوع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له . رواه الطبراني وغيره ، وحسنه الألباني في الصحيحة برقم ( 226 )
قال الشيخ الألباني – رحمه الله – : وفي الحديث وعيد شديد لمن مسّ امرأة لا تحل له ، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء ؛ لأن ذلك مما يشمله المسّ دون شك ، وقد بلي بها كثير من المسلمين في هذا العصر ، وفيهم بعض أهل العلم ، ولو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم لهان الخطب بعض الشيء ، ولكنهم يستحلّون ذلك بشتى الطرق والتأويلات . انتهى كلامه – رحمه الله – .
والمقصود مصافحة المرأة للرجل الأجنبي عنها
ومصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه
340-لقاء الشقائق بالشيخ عبدالرحمن السحيم حول الخلع
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحياة الزوجية لا تقوم إلا على السكن ، والمودة ، والرحمة وحسن المعاشرة ، وأداء كل من الزوجين ما عليه من حقوق.. ولكن قد يحدث أن يكره الرجل زوجته ، أو تكره هي زوجها .
والإسلام في هذه الحال يوصي بالصبر والاحتمال ، وينصح بعلاج ما قد يكون من أسباب الكراهية، قال الله تعالى ( وعاشروهن بالمعروف ، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) .
وفي الحديث الصحيح " لا يفرك مؤمن مؤمنة : إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر " ..إلا أن البغض قد يتضاعف ، ويشتد الشقاق ، ويصعب العلاج ، وينفد الصبر ويذهب ما أسس عليه البيت من السكن والمودة ، والرحمة ، وأداء الحقوق .
وتصبح الحياة الزوجية غير قابلة للإصلاح ، وحينئذ يرخص الإسلام بالعلاج الوحيد الذي لا بد منه .فإن كانت الكراهية من جهة الرجل ، فبيده الطلاق ، وهو حق من حقوقه ، وله أن يستعمله في حدود ما شرع الله.
وإن كانت الكراهية من جهة المرأة ، فقد أباح لها الإسلام أن تُنهي هذه العلاقة الزوجية عن طريق ..الخلع ..(3/373)
وفي ذلك يقول الله ـ سبحانه وتعالى ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ، إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) .
ولقد أقرت بعض الدول العربية قانون الخلع ورفضته بعض الدول الأخرى ..وقد أثار جدلاً واسعاً في كثير من الأوساط مما يترك أسئلة كثيرة تطرح نفسها لنبحث في هذه الظاهرة - التي حدث إختلافاً عليها ما بين مؤيد ومعارض لها -لنتعرف على حكمها وشروطها وأسبابها وكل ما يتعلق بهذا الموضوع الذي يمس حياة المرأة المسلمة بشكل كبير .
ولهذا يسر مشكاة الشقائق ويشرفها أن تستضيف فضيلة الشيخ الكريم " عبد الرحمن السحيم " - عضو مركز الدعوة والإرشاد - والداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية ...
في لقاءنا هذا ليجيب على أسئلة الإخوة والأخوات الكريمات فيما يتعلق بهذا الموضوع .. ليضع لنا النقاط على الحروف ولتستبين المرأة المسلمة تفاصيل هذا الحكم الشرعي من جميع جوانبه .
وإننا لنسأل الله عز وجل أن يجزي شيخنا الفاضل خير الجزاء على تفضله بقبول طلبنا بإجراء هذا اللقاء المبارك مع فضيلته وعلى ما يبذله من الجهود المباركة في إنارة سبل الحائرين والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .
فبارك اللهم لنا في شيخنا الفاضل وفي علمه وعمله
وتقبل جهوده خالصةً لوجهك الكريم .
قال الشيخ عبدالرحمن السحيم:
هذه مقدمة بين يدي اللقاء تُعرّف بما نحن بصدده، الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ( دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) أحمده سبحانه وتعالى وأستعينه وأستغفره حيث ما جعل علينا في الدِّين من حرج .
والصلاة والسلام على من بعثه ربه بالحنيفية السمحة ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة . رواه الإمام أحمد .(3/374)
فديننا وسط بين إفراط اليهود وتفريط النصارى . وهو وسط في العبادات ، ووسط في المعاملات . يُعطي كل ذي حق حقّه ، من غير إجحاف ولا تطفيف .
ومن هنا فإن قضايا المعاملات لم تُترك لأهواء البشر ولا لتصرّفاتهم إذ يَحْكُم ذلك النزعات الفردية ، والأهواء الشخصية ، والمصالح المشتركة لكل طائفة على حساب الأخرى .
فقد جاء الإسلام بقضايا المعاملات بين الناس أنفسهم ، كما جاء بقضايا المعاملات بين الناس وبين خالقهم .
والعلاقات الزوجية جزء من المعاملات بل من أهم المعاملات لطولها وملازمتها في الغالب ، لذا فقد جعل الإسلام فيها ومنها المخرج لكلا الطرفين نظرا لأنه قد يشوبها ما يشوبها من كدر وضيق .
ومن هنا كان اقتراح الأخت الفاضلة فدى – بارك الله فيها - في إجرءا هذا اللقاء حول هذه المسألة ، ألا وهي الخُلْع .فأما تعريفه فـ :
الخُلْع في اللغة مأخوذ من خَلَعَ الثوب .
وهو بالضمّ (الخُلْع ) اسم .
وبالفتح (الخَلْع ) المصدر .
ومعناه في اللغة واسع .
وأما في اصطلاح الفقهاء فهو :
فراق الزوج زوجته بِعوض بألفاظ مخصوصة .
فائدته : تخليص الزوجة من زوجها على وجه لا رجعة فيه إلا برضاها ، وبعقد جديد .
الأصل فيه : قوله تعالى ( وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )
ومِن السُّنّة قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه وعنها، والقصة أخرجها البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام .(3/375)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة ، وطلِّقها تطليقة . وفي رواية له أنه عليه الصلاة والسلام قال : فَتَرُدِّينَ عَليْهِ حَديقَتَهُ ؟ فقالَتْ : نَعَمْ . فَرُدَّتْ عَليْهِ ، وأمَرَهُ ففارَقَها .
..
السؤال الأول : إذا كان الطلاق بيد الرجل .. فما الذي جعله الشرع بيد المرأة ؟
وما سبيلها إلى إنهاء العلاقة الزوجية مع زوجها إذا كرهت الحياة معه لغلظ طبعه , أو سوء خلقه , أو لتقصيره في حقوقها أو لعجزه البدني أو المالي عن الوفاء بهذه الحقوق أو لغير ذلك من الأسباب ؟؟
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً : ينبغي أن يُعلم أن الحياة الزوجية قائمة على ركنين : المودّة والمحبة، والرحمة المتبادلة، وقد يضعف الركن الأول وعندها يجب أن يقوى الركن الثاني
أما لماذا ؟
فلأنه قد يكون هناك ما يدعو إلى بقاء هذه الحياة الزوجية بين الزوجين ، كوجود أولاد ونحو ذلك ، ولا يكون هناك بغض وكراهية ، بل تضعف المحبة والمودّة بين الزوجين .
ولذا قال عمر رضي الله عنه : ليس كل البيوت يبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام .
وقد يُحب الرجل في زوجته خلقا من الأخلاق أو صفة من الصفات فيُبقيها لأجل هذه الصفة ، ومثله الزوجة .إلا أنه ينبغي أن لا يغيب عن أذهان كل من الزوجين رحمة كل طرف بالآخر ، وإن ضعفت المحبة والمودّة .
وأن تتذكّر المرأة فضل الصبر على الزوج ، وأنه يستحيل وجود زوج خال من العيوب . إذا عُلم هذا فيأتي الجواب عن الشق الأول من السؤال وهو : ما الذي جعله الإسلام بيد المرأة ؟(3/376)
عندما يكره الرجل زوجته وتقع البغضاء وربما العداوة والشحناء ، وعندما يُخفق في علاج هذه الأمراض الأُسريّة فإنه قد يلجأ إلى الطلاق ، وإن كانت الشريعة الغراء قد وضعت ضوابط وحلول قبل الإقدام على الطلاق ، كأن لا يُطلّق في حيض ولا في طهر جامع فيه ، وأن يلجأ إلى التحكيم قبل الطلاق .
وأما المرأة فإنها إذا وقع لها مثل ذلك فإنها تلجأ أولاً إلى الإصلاح ثم إلى التحاكم أيضا فإذا لم يُجد ذلك شيئا فإن لها حق المخالعة .فتتفق مع زوجها على أحد ثلاثة أمور :
إما أن تُعيد له ما دفعه من مهر
أو أقل منه
أو أكثر
فإذا لم يقبل بذلك فإن لها حق اللجوء إلى القضاء ثم للقاضي أن يخلع الزوجة من ذمة زوجها ولو بالقوّة .
ولكن وإن قلنا بالمخالعة وأنه يجوز للزوج أن يقبل ويأخذ ما دفعته الزوجة إلا أنه ينبغي على الزوج أن لا يغيب عن ذهنه قوله تبارك وتعالى : ( وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ )
وهنا قد يرد السؤال :
لماذا جُعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة ؟
فأقول : القاعدة أن الغُنم بالغُرم
ما معنى هذا الكلام ؟
الغُنم من الغنيمة والكسب، والغُرم هو من الغرامة والخسارة، والعرب تقول : يتولّى حارّها من تولّى قارّها ! أي من تولى بارد الشيء ويسيره يتولّى شدّته .
فالذي تولّى النفقة وأُلزِم بها هو الذي يتولّى الطلاق ثم إنه حُمّل القوامة فيكون الطلاق بيده، ثم إن المرأة عاطفية تغلب عليها العاطفة ، وهذا مدح وليس ذمّ ، إذ خلقها الله عز وجل عاطفية لحاجة الأم والولد إلى العاطفة وإلى مزيد من الحنان .
إذا السبيل إلى إنهاء تلك الحياة الزوجية التي لم يُكتب لها الاستمرار هو الطلاق من قبل الزوج ، والخُلع من قبل المرأة .وهذا من حكمة الشريعة الإسلامية التي هي شريعة ربانية خالية من أهواء البشر(3/377)
إذ أن بعض الديانات – كالنصرانية – لا يُمكن أن يوقع الطلاق ، ولذا يلجأ بعض الأزواج إلى التخلّص من زوجته ، وهذا موجود في زماننا هذا بالأرقام والإحصائيات في أوربا وأمريكا .
كما أنهم يجعلون الطلاق بيد المرأة ! وهذا إجحاف في حق الزوج، إذ الزوجة عندهم تُطلّق ، والزوج لا يستطيع ذلك ! مع أن هذا بخلاف ما جاء في كتبهم المقدّسة وإن دخلها التحريف !
فضيلة الشيخ :
ماهو الخلع في الشرع ؟
وما هي اسبابه ؟
الجواب/ أما تعريف الخُلع فقد سبق في المقدّمة
وأما أسبابه فمنها : كراهية المرأة لزوجها ، دون أن يكون ذلك نتيجة سوء خُلق منه ، كما قالت زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه .
= عضل الزوج لزوجته ، بحيث يكره الزوج زوجته ولا يُريد أن يُطلّقها فيجعلها كالمعلّقة ، فتفتدي منه نفسها بمالها ، وإن كان يحرم عليه فعل ذلك .
= سوء خُلُق الزوج مع زوجته فتُضطر الزوجة إلى المخالعة .
= إذا خافت الزوجة الإثم بترك حقِّ زوجها .
والله تعالى أعلى وأعلم
..
- ما هي الشروط الواجب توفرها لصحة الخلع ؟؟
أولاً : أن يكون هناك ما يدعو إليه ، إذ قد ورد الوعيد الشديد على من طلبت الطلاق دون سبب، قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد وغيره ، وصححه الألباني .
ثانيا : أن يكون على عِوض ، أي على مُقابل تدفعه الزوجة فإن لم يكن مُقابل فهو طلاق من جهة الزوج .
ومن جهة الزوج أن لا يكون نتيجة عضل ومُضارّة بالزوجة لتخالعه ، لقوله تبارك وتعالى : ( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ) ثم ذكّر الأزواج بما كان بينهم فقال : ( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا )(3/378)
- وما هي الأسباب الموجبة لإقرار الخلع والتي يحق للمرأة بموجبها طلب إنفاذ الخلع من زوجها ؟؟
وأما الأسباب التي تدعو إلى الخُلع فقد سبقت الإشارة إليها . ويُضاف إليها أيضا ما لو كان الزوج ضعيف الدِّين ويرتكب بعض ما حرّم الله من الكبائر ولا تستطيع الزوجة الصبر على ذلك كما أنها لا تستطيع إثبات ذلك لدى المحاكم وهو لا يُريد أن يُطلّق فإنها تُخالعه .
- وهل يمكن إعتبار الخلع هو الحل للخلافات الزوجية وللعديد من القضايا التي قد تستمر في المحاكم لسنوات طويلة بدون حل ؟؟
والخُلع هو أحد الحلول الشرعية للمشكلات الزوجية، إذ أن بعض الأزواج يحمله سوء الخلق أو اللؤم أحيانا على مُعاشرة زوجة لا تُحبه بل تكرهه أو لا يُريد أن يوقع الطلاق بل يُريد أن تطلب منه ذلك ليذهب بما أعطاها من مهر أو يأخذ العِوض والمقابِل على الطلاق .
ومثله التحاكم الذي شرعه الله عز وجل لعباده في حال وقوع الخلاف والشقاق بين الزوجين .
ما هي شروط الخلع ؟
أما شروط الخُلع فقد سبقت الإشارة إليها أعلاه .
هل تمنع الزوجة من أن تشم رائحة الجنة إن طلبت الخلع كما في الطلاق ، حيث ان كل امرأة تطلب الطلاق من زوجها لا تشم رائحة الجنة ؟
سبقت الإشارة إلى حديث : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد وغيره .وهذا الحديث رواه أبو داود في كتاب الطلاق . بابٌ في الخلع .
وهذا مُقيّد بما إذا كان من غير بأس
من غير سبب
من غير وجود عُذر شرعي
أما إذا وُجد السبب من كراهية أو شقاق وخلاف مستمر أو غير ذلك مما سبقت الإشارة إليه من الأسباب فيجوز لها أن تطلب الطلاق أو أن تُخالعه .
ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه لما قالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام .(3/379)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم . رواه البخاري .وسبقت الإشارة إليه في المقدمة .
ففي هذا الحديث أنها سألته الطلاق ؛ لأنها لم تُحبّه وفيه أنها ردّت عليه المهر ؛ لأنها هي التي طلبت الطلاق . فهي لا تعيبه في خلق ولا دين ولكنها لا تُحبّه
قال ابن حجر رحمه الله :قولها : ولكني أكره الكفر في الإسلام : أي أكره أن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر ، وانتفى أنها أرادت أن يحملها على الكفر ويأمرها به نفاقا بقولها : لا اعتب عليه في دين ، فتعيّن الحمل على ما قلناه . انتهى .
فهي تكرهه ، ومعلوم أن الحب من الله لا يأتي بوصفه، فبعض النساء من أول أيامها ربما لا تُطيق حتى النظر إلى زوجها، والحب والمحبة من الله ، فلا تأتي بالقوّة !
قال عليه الصلاة والسلام : إن المِقَة من الله . رواه الإمام أحمد وغيره .والمقة هي المحبة .
هل للزوجة عِدّة بعد الخلع ؟
أما المختلِعة فقد اختلف العلماء في عِدّتها : هل تعتد بعد الخلع بحيضة أو تعتد كعدّة المطلّقة ؟ والصحيح أنها تعتدّ بحيضة واحدة لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضة .
وروى ابن أبي شيبة عن نافع عن بن عمر أن الرُّبيِّع اختلعت من زوجها فأتى عمها عثمان ، فقال : تعتد بحيضة . وكان بن عمر يقول : تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان ، فكان يُفتي به ويقول : خيرنا وأعلمنا .
يعني بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه .
فإذا حاضت بعد الخُلع ثم طهرت فقد انقضت عدّتها .
والسبب في ذلك - والله أعلم -أن العِدّة جُعلت في حال الطلاق بثلاث حيض – في غير الحامل – حتى يحصّل التّروّي والمراجعة ، ولذلك لا يُخرج الرجل زوجته من بيته إذا طلّقها طلاقا رجعيا ولا يحل له ذلك .(3/380)
قال سبحانه وتعالى : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )
أما لماذا ؟
فـ ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )
ومن الحكمة أيضا في التروّي والمراجعة ورأب الصدع أن لا يقع الطلاق في طُهر وقع فيه جماع ، ولا يوقع في حال حيض لتغيّر نفسية المرأة في ذلك الوقت .
هل يجوز للزوجة ان تعود الى زوجها..بعد الخلع ،، إن ندمت ؟ وكيف يتم ذلك ؟
رجوع الزوجة إلى زوجها بعد المخالعة محلّ خلاف أيضا . والصحيح – والله أعلم – أنه يجوز لها أن ترجع إليه ، ولكن بعقد جديد ومهر جديد .
فإذا ندمت الزوجة بعد وقوع الخلع ورغب بها الزوج فإنه لا بّد من عقد جديد وتسمية مهر جديد أيضا ولو كان يسيراً .
في كندا.. إن لم يكن هناك امام، فهل يجوز أن يتم الخلع في المسجد مع وجود الشهود..؟
لا إشكال في أن يتم الخلع في المسجد ويشهد عليه الشهود لتُضبط الأمور .لأنه لا يقع إلا في حال شقاق ونزاع فيُخشى من إنكاره .والله تعالى أعلى وأعلم .
..
1- معلوم ان الخلع حق من حقوق الزوجه تتنازل بموجبه عن بعض الحقوق لتكسب حريتها المتمثله بالطلاق متى يحق لها ان تستخدم هذا الحق ؟
2- ما هى الظروف التى اذا وجدت تعطى المراه الحق فى طلب الخلع ؟
الجواب/ المعنى في السؤالين واحد :
فيحق للزوجة أن تستخدم هذا الحق ( الخُلع ) عندما يكون هناك ما يُبرر طلب الطلاق . كأن تكون المرأة تكره زوجها كرها شديداً .
أو لا ترضى دينه ( كأن يكون يشرب الخمر أو يتعاطى المخدّرات أو يرتكب فاحشة الزنا ) أو يكون سيئ الخُلُق ، ولو كان على دين وصلاح .
أو يكون كثير الضرب لها من غير مُبرر أو ترى المرأة أن زوجها يُبغضها ويُضيّق عليها ويؤذيها لأجل أن تطلب هي الطلاق حتى تُفاديه بمالٍ مُقابِل ذلك .ونحو هذه الأعذار(3/381)
فهذه أعذار تُجيز للمرأة أن تطلب الخُلع ، وإن كان الصبر – أحياناً – أفضل من المخالعة .وإنما جُعل الخُلع على عِوض ومُقابل مادي حتى لا تتسرّع إليه المرأة لأدنى سبب ، بل تعلم أنها سوف تدفع ما يُقابِل ذلك .
والله تعالى أعلى وأعلم .
..
هل يكون حال الزوجة بعد الخلع كحالها بعد الطلاق من ناحية العدة ؟
أما ما يتعلق بالعِدّة فقد سبق الجواب عنه ، وتفصيل القول فيه .
وهل يصح الخلع في أي وقت ؟
المسألة محلّ خلاف بناء على الاختلاف : هل الخُلع طلاق أو فسخ ؟
والذي يظهر أنه فسخ، ولا يُشترط له ما يُشترط للطلاق مِن أن يكون الطلاق في طُهر لم يقع فيه جماع ، وأن لا يكون في وقت حيض .كما أنه لا يُشترط له – على الصحيح – عِدّة ، كما سبق بيانه .
والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه تُريد مخالعة زوجها سألها إن كانت تردّ عليه المهر ، وهو الحديقة التي أهداها إياها ، فلما قالت : نعم أمره عليه الصلاة والسلام أن يُفارقها ، ولم يسألها عن حالها .
بخلاف حال ابن عمر رضي الله عنهما الذي طلّق في حال حيض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يردّ زوجته لأن هذا من الطلاق البدعيّ .
هل يجوز لبعض الأزواج المطالبة ببدل نقدي مبالغ فيه عدا عن تنازل الزوجة عن جميع حقوقها المالية ؟؟!!
الجواب/ يجوز أن يكون الخُلع على مبلغ أقلّ من المهر، ويجوز أن يكون على مبلغ أكثر ، إلا أن القاعدة : لا ضرر ولا ضرار .
فلا يضارّ الزوج بزوجته، والأغلب أن يكون على مقدار ما دفعه من مهر، إلا أنه ينبغي أن تُبنى هذه الأمور على المسامحة لسابق العِشرة بين الزوجين .
- وهل يُشترط في الخلع التلفظ أم أن الكتابة تكون كافية ويُعتبر الخلع صحيح ونافذ ؟؟!!
الجواب/ إذا كانت الكتابة مِن قِبَل الزوج فتعتبر كافية، وهذا من إقامة الكتابة مقام العبارة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
...(3/382)
يرى بعض المحللين والمراقبين لتطبيق قانون الخلع في بعض الدول العربية مؤخراً أن قانون الخلع لا يُنصف الزوجات لأنهن سوف يتنازلن عن كل مستحقاتهن المالية ويخسرن جميع الحقوق المستحقة لهن من مؤخر صداق وأثاث منزلي وغير ذلك .
ولذلك فعند حدوث أي مشكلة فالزوجات يرفضن اللجوء إلى الخلع لأن طرق التقاضي بالطلاق تحفظ لها حقوق عديدة لا يكفلها الخلع .فما رأي فضيلتكم في هذا الرأي ؟؟ وبماذا تردون عليهم ؟؟
الجواب/ الخُلع ليس ورقة رابحة في يد المرأة تلوّح بها متى شاءت ! وإنما هو حل من الحلول، والحلول منها ما يمكن أن يكون أوليّاً ومنها ما يكون كمبضع الجرّاح .
كما تكون الحلول في علاج النشوز ( وعظ فهجر فضرب غير مبرّح ) وقد يكون العلاج مؤلما ساعة تلقي المريض له ، ولكن عاقبته سليمة
وكذلك الأمر بالنسبة للخلع، لا تُكره عليه المرأة ولكنه حق من حقوقها إذا ما كانت الأسباب الداعية إليه من قِبلها أو أرادت أن تشتري كرامتها وتحفظ نفسها من أن تُهان .
وإن كان هذا الأمر محرّم في حق الرجل، أي أن يؤذيها ويعضلها حتى تطلب منه الطلاق .قال سبحانه وتعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )
ولكن الزوجة قد تجد نفسها مُضطرّة لمخالعة زوجها في ظروف معينة . والعلماء يُشبّهون المخالعة بفكاك الأسير نفسه من آسره .
هل حكم الخلع في الإسلام مثل حكم الطلاق .. أم أن هناك فرق بينهما ؟؟ أي هل يعتبر الخلع طلقة أم لا ؟؟
الجواب/ هناك فروقات بين الخلع والطلاق سبقت الإشارة إلى بعضها
ففرق بين الخلع والطلاق من حيث العِدّة
وفي وقت إيقاع كل منهما، ولا يترتب عليه نفقة ، بخلاف الطلاق الرجعي، وأما هل يُعتبر طلاقا أو لا ؟(3/383)
فتقدمت الإشارة إلى خلاف العلماء : هل هو طلاق أو فسخ ؟ والتفصيل والترجيح .. كل ذلك تقدّم . ولا يُعتبر طلاقا على الصحيح من أقوال أهل العلم .وإن كانت تحصل به الفُرقة بين الزوجين كما سبق بيانه .
هل يُشترط إثبات المخالعة رسمياً في المحاكم أم تصح بمجرد وجود شهود عليها ؟؟
الجواب/ لا يُشترط أن يكون إثبات الخلع في المحاكم ، إلا أنه أثبت وأضبط للأمور إذا ضُبِطت وقُيّدت بالمحاكم الشرعية .
هل يُشترط أن يكون الخلع مشروطاً بدفع النقود المتداولة بين الناس أم يجوز فيه أي منفعة تقابل بالأموال ؟؟
الجواب/ لا يُشترط في الخلع أن يكون نقدا بل إذا كان المهر عيناً أو منفعة وردّتها إليه صح أن يكون خُلعا
ومثله لو اتفقت الزوجة مع زوجها على وضع مؤخر الصّداق – مثلا – جاز، ويصح أن يكون مُقابل أن تُسقط عنه نفقتها إذا كانت حاملا ؛ لأن الحامل تجب لها النفقة ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )
ويصحّ الخلع مُقابل مجهول ، كأن تُخالعه على شاة من غنمها ونحو ذلك .
%%%%
وهل يجوز أن يكون التخلي عن الأطفال هو بدل للخلع ؟؟
الجواب/ يجوز أن يكون تخلّي الزوجة عن حضانة أطفالها مُقابل الخُلع ؛ لأن الزوجة أولى بحضانة أطفالها ما لم تتزوّج . والله أعلم .
...
ما أوجه الشبه والإختلاف بين الخلع وبين المباراة ؟؟
الجواب/ المباراة يُملِّكون بها المرأة أمر نفسها، ولا يُشترط فيها أن تكون على عِوض، بخلاف الخُلع فإنه لا يُجعل فيه أمر المرأة إلى نفسها بل هو فسخ كما تقدّم بيانه ويُشترط فيه أن يكون على عِوض
نرجو أن تحدثنا شيخنا الكريم - بحكم موقعكم ومكانتكم الكريمة - عن مدى تطبيق هذا الحكم الشرعي ( الخلع ) في محاكم المملكة العربية السعودية .. ؟؟
الجواب/ أما ما أعرفه عن المحاكم أنه يُطبق فيها ، وهو حُكم شرعي لا حرج فيه ولا في طلبه من قِبل المرأة(3/384)
وهل تجد النساء هناك حرجاً في اللجوء إلى هذا المنفذ - الذي أباحه الله لها ؟؟
الجواب/ وتلجأ بعض النساء إليه في بعض الظروف، وقد يتولّى المطالبة به أحيانا وليّ المرأة إذا وكّلته على ذلك .
امرأة كانت ذات زوج فطلقها .. ثم تزوجت غيره فطلبت الخلع لعلةٍ شرعية ..هل يجوز لها أن ترجع لزوجها الأول ؟؟ أم لابد أن يكون الزواج الثاني انتهى بطلاق لا بخلع .
الجواب/ شرط عودتها لزوجها السابق أن تنكح زوجا غيره بغير قصد التحليل، لقوله تبارك وتعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ )
فقوله : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يعني الطلقة الثالثة .
والمقصود أن تنكح زوجا غيره . ويُشترط أن لا يكون تزوجها ليُحلِّلها لزوجها الأول، ولقوله عليه الصلاة والسلام : ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : هو المحلِّل ، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له . رواه أبو داود .
ويُشترط في هذا النكاح أن تقع المعاشرة بين الزوجة وزوجها الثاني حتى تحلّ لزوجها الأول
فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : كنت عند رفاعة فطلقني فَأَبَتّ طلاقي ، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب !
فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك . وأبو بكر جالس عنده وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يُؤذن له ، فقال : يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فلا والله ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم !
وقد أشرت فيما سبق إلى إمكان رجوع الزوجة إلى زوجها ولو بعد الخلع ، ولكن بعقد جديد ومهر جديد .والله تعالى أعلى وأعلم .(3/385)
شيخنا الفاضل ..
- هل يُقبل من الزوجة المريضة مرض الموت أن تخالع زوجها كما للزوجة الصحيحة سواء بسواء ؟؟!! أم أن هناك شروط وضوابط لذلك ؟؟
- وهل يٌقبل الخلع من الزوجة الصغيرة غير المميزة ؟؟ وكذلك من الزوجة الصغيرة المميزة !! أم أنه يعتبر طلاقاً وليس خلعاً ؟؟ نرجو توضيح ذلك شيخنا الفاضل ؟؟
الجواب/ أظن هذه الصور التي يُسأل عنها - بل أجزم - أنها مجرّد تخيّلات ذهنية ! وإلا فمن التي سوف تدفع مالها وتُخالِع زوجها في مرض الموت ؟؟؟
كذلك الصغيرة ! فنحن نشكو اليوم في عالمنا العربي شرقا وغربا من مشكلات تأخر الزواج ( العنوسة ) وأين نحن وزواج الصغيرة !
زواج الصغيرة نادر بل يكاد يكون معدوما ! فإذا وقع ذلك يُسال عنه !
السؤال : هناك من النساء . من تستخدم الخلع .. لكي تتخلص من زوجها لأسباب تافهة أو أعذار واهية لا تستدعي فسخ هذه العلاقة الزوجية .. وعندما تنصح بأن تتقي الله وتحافظ على زوجها وأسرتها تحتج بأن الشرع أعطاها هذا الحق ولها أن تستخدمه وقتما تشاء .
ونحن نعلم أنه الشرع أعطاها هذا الحق إذا كانت الحياة مع زوجها لا تطاق أو استفحل أن تعود المياه بينهما إلى مجاريها . فما حكم فعلها ذلك .. وما هي نصيحتكم لمن تحاول أن تسلك هذا المسلك ؟؟
الجواب/ وأثابك الله، وبارك الله فيك
تقدّم أن الخُلع حل من الحلول للحياة التي تصل إلى طريق مسدود، وأنه ليست ورقة رابحة في يد المرأة تستعمله متى شاءت
كما سبقت الإشارة إلى أن قوله عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد ، ورواه أبو داود في كتاب الطلاق . بابٌ في الخلع .
وأن هذا الوعيد يشمل الخُلع الطلاق .
وأُشير هنا إلى قوله عليه الصلاة والسلام : المختلعات هُنّ المنافقات. رواه الترمذي ، وصححه الألباني . وهذا إذا كان الخُلع من غير سبب .(3/386)
فالخُلع يُشبه الكيّ ، لا يُلجأ إليه عند الاضطرار إليه . ومما ينبغي أن يُعلم أن الخُلع يأخذ الأحكام الخمسة ، فيكون في بعض الحالات :
حراماً
أو مكروها
أو جائزا
أو مستحبا
أو واجباً
وتفصيل الحالات في كُتب الفقه . وهذا يعني أنه ليس تسلية ولا ألعوبة في أيدي الناس !والله تعالى أعلى وأعلم .
...
من خلال دراسة لقوانين الأحوال الشخصية في أثنى عشرة دولة عربية وموقفها من طلاق الخلع بحكم القضاء باعتباره من الحقوق الشرعية للمرأة،
تبين الاختلاف البين حيال هذا الحق للزوجة حيث اشترطت غالبية القوانين توافر الرضا الصريح والمسبق للزوج قبل الحكم بها من القضاء في ثلاث دول عربية (الجزائر، ليبيا، ومصر)
مما يؤكد أن الطبيعة القانونية لطلاق الخلع غير محددة في هذه القوانين ..فهل يُشترط شيخنا الفاضل موافقة الزوج ورضاه قبل المباشرة بتطبيق الخلع ؟؟
الجواب/ يحتاج الكلام أحيانا إلى الدّقَّة عند الإطلاق ، فالقول بأن دراسة القوانين في اثنتي عشرة دولة بحاجة إلى أن تكون الدراسة توافق الواقع .
هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى فإن أكثر الدول العربية لا ترفع بحكم الله رأساً ، ولا تعبأ به أصلاً . أما اشتراط رضا الزوج ففيه تفصيل :إن كان ابتداء فيُشترط رضاه ، نظرا لعِظم حق الزوج . وإن امتنع فللقاضي أن يخلع الزوجة من زوجها ولو بغير رضاه .
س - وهل يجوز لشخص أجنبي أن يتفق مع الزوج على أن يخلع الزوج زوجته بحيث يتعهد هذا الشخص بدفع بدل الخلع للزوج لتتم الفرقة بينهما ؟؟
الجواب/ يجوز لشخص أجنبي أن يتبرّع ببذل العِوض، ونص العلماء على أنه يصحّ بذل العوض ممن يصحّ تبرّعه ، وهو العاقل الرشيد . وعلّلوا ذلك بأنه بذل مال في غير مُقابلة ولا منفعة .
ولكن ينبغي التنبه هنا إلى أنه لا يجوز لشخص أجنبي أن يتفق مع ذات زوج لا تُريده فيتّفق معها على أن تُخالِع زوجها ويدفع هو العِوض على أن تتزوّجه(3/387)
لأن هذا من المواعدة في السرّ التي نهى الله عنها بقوله : (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا )
ولأن هذا من إفساد الحياة الزوجية بين الأزواج ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ليس منا من خَبّب امرأة على زوجها . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
س - وهل يتقيد الخلع بوقت معين أو حال معين بالنسبة للمرأة ( مثل الحيض والنفاس ) كما هو في حال الطلاق ؟؟
الجواب/ لا يتقيّد الخلع بما يتقيّد به الطلاق، وقد تقدّم الكلام حول هذه المسألة ، وأن الخُلع فسخ وليس طلاقاً ، وسبقت الإشارة إلى الخلاف في المسألة .كما سبقت الإشارة إلى سبب ذلك .
شيخنا الفاضل ..
قبل أن ننهي لقاءنا المبارك مع فضيلتكم ..
نرجو أن تتفضلوا بتوجيه كلمات ناصحة وبعض التوصيات للمرأة المسلمة، تعينها على إصلاح حياتها الزوجية مما لا يضطرها إلى اللجوء إلى طلب الطلاق أو الخلع اللذان قد ينبني عليهما الكثير من المشاكل والأحقاد والظلم للأبناء كما نرى ذلك في كثير من الأسر في وقتنا الحاضر ؟؟
الجواب/ أما الوصية فهي وصية الله للأولين والآخرين ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) ووصيته لعباده المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
قال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : حقّ تقاته : أن يُطاع فلا يُعصى ، وأن يُذكر فلا يُنسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر .(3/388)
والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى الأزواج فقال : استوصوا بالنساء خيرا . رواه البخاري ومسلم . وقال : لا يَفْرك مؤمن مؤمنه ؛ إن كره منها خُلًقاً رضيَ منها آخر . رواه مسلم .
ويُقال مثل ذلك في حق المرأة، وإن كان حق الزوج على زوجته أعظم، وسبقت الإشارة إلى ذلك :
هنا
وهنا
ثم ليُعلم أنه ليس كل البيوت يتُبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام . كما قال عمر رضي الله عنه .
فلا تتصوّر المرأة أن توجد حياة زوجية خالية مما يشوبها أو يُكدّرها ولو في وقت من الأوقات ، إذ هذه طبيعة هذه الحياة الدنيا :
طُبعت على كدر وأنت تُريدهاصفواً من الأقذاء والأكدار ! وقول الله أصدق وأبلغ : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) ولا يتصور الزوج أيضا أن يجد زوجة خالية من العيوب، ولكن الحياة تؤخذ على التسديد والمقاربة، وتؤخذ على العفو والمسامحة
وليُعلم أيضا أن أحب شيء إلى إبليس هو الطلاق، فهو يسعى إليه جاهدا ، بل ويُرسل جنوده في ذلك ، ويؤزّهم أزّا ، ويدفعن دفعا ، لأجل التفريق بين الأزواج .
بل إن إبليس ليفرح إذا وقع الطلاق، وإذا ما توصّل جندي من جنوده إلى ذلك جعله مُقرّبا منه ، وأدناه إليه ، وضمّه وأكرمه !أخبر عن ذلك من لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام بقوله :
إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ؛ يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعتَ شيئا ! قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته ! قال : فيُدنيه منه ، ويقول : نِعْمَ أنت ! قال الأعمش : أراه قال : فيلتزمه. رواه مسلم .
فإذا رُزقت المرأة بزوج صالح يحفظها ويرعاها فلتعلم أن هذه نعمة يجب شُكرها . وإن طلب الطلاق من غير سبب هو كُفران لهذه النعمة، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . وقد سبقت الإشارة إليه .(3/389)
وإن مِن كرام الرجال من يأبى عليه كرمه أن يعود في شيء بذله
فقد ذكر الأمير أسمة بن منقذ أن امرأة وُصِفت لعمِّه عز الدين أبي العساكر ، قال : فأرسل عمّي عجوزاً من أصحابه تُبصرها ، وعادت تصفها وجمالها وعقلها ! إما لرغبة بذلوها لها ، وإما أرَوها غيرها ، فخطبها عمّي وتزوجها . فلما دخلت عليه رأى غير ما وُصف له منها . ثم هي خرساء !
فوفّاها مهرها ، وردّها إلى قومها . فأُسِرتْ من بيوت قومها – بعد ذلك – فقال عمّي : ما أدع امرأة تزوجتها - وانكشفت عليّ – في أسْر الإفرنج . فاشتراها بخمسمائة دينار ، وسلّمها إلى أهلها . اهـ .
هكذا تكون مكارم الأخلاق .
وهكذا يجب أن تكون العِشرة ولو بعد الفراق، وهذا من حفظ العهد . والله تعالى أعلى وأعلم
341-الأحاديث الموضوعة وأثرها على المجتمع المسلم ..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ،،
أما بعد ،،
فأنه لا يخفى على أحد مدى انتشار الكثير من الأحاديث الموضوعة والضعيفة بين أفراد المجتمع المسلم ، ولجهل الكثيرين بهذا الأمر وخطورته لاقت هذه الأحاديث قبولا واستحسانا عند أفراد المجتمع المسلم ، وأصبح الكثير يعمل ساعيا لنشرها عن طريق المنتديات الحوارية والرسائل البريدية ، متجاهلا الأحاديث الصحيحة عن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ونظرا لخطورة هذا الأمر ، ومنطلقا من حديثه عليه الصلاة والسلام ( فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
فأنه يتشرف موقع وشبكة الجواهر بإجراء لقاء علمي مع فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم حول موضوع ( الأحاديث الموضوعة وأثرها على المجتمع المسلم ) .
----------------------------------
منابر الجواهر :
جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل على موافقتك الطيبة لاجراء هذا الحوار ، واسمح لنا أن نبدأ الحوار بالأسئلة التالية :
س1 :
ماهو الحديث الموضوع ؟
الجواب :
الموضوع لغة : اسم مفعول مِنْ : وَضَعَ يَضَع .(3/390)
ويأتي هذا اللفظ لمعانٍ عِدّة ، منها :
الإسقاط كـ " وضع الجناية عنه " أي أسقطها .
الاختلاق والافتراء ، كَـ " وضع فلان القصة " أي اختلقها وافتراها .
قال ابن منظور :
وضَعَ الشيءَ وَضْعاً : اخْتَلَقَه . و تَواضَعَ القومُ على الشيء : اتَّفَقُوا عليه . و أَوْضَعْتُه في الأَمر إِذا وافَقْتَه فيه على شيء . انتهى .
وفي اصطلاح المُحدِّثين : هو ما نُسب إلى الرسول صلى الله عليه على آله وسلم اختلاقاً وكذِباً مما لم يقُله أو يُقرّه .
وعرّفه ابن الصلاح بأنه : المختلق المصنوع .
وبعبارة مختصرة :
هو الحديث المكذوب على النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
والله أعلم
----------------------------------
منابر الجواهر :
س2 :
2- كيف نشأ الوضع في الحديث ؟ و هل مازال الوضع في الحديث حتى يومنا هذا ؟
الجواب :
نشأة الوضع :
نشأ الوضع بالتحديد بعد الفتنة التي قُتِل فيها – ظُلماً وعُدواناً – الخليفة الراشد عثمان بن عفان – رضي الله عنه –
فبدايات الوضع كانت بعد هذه الفتنة التي عمّت الأمة ، وبعد ظهور أولئك البُغاة الأدعياء ، ومُثيري الفتن ، وعلى رأسهم ابن السوداء اليهودي عبد الله بن سبأ ، فاليهود أفسدوا دين النصارى ، وهم يُريدون بذلك إفساد دين المسلمين ، ولكن دين الله محفوظ .
قال العالم الجليل ، والإمام الفذّ محمد بن سيرين – رحمه الله – :
كانوا لا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا : سمّوا لنا رجالكم ، فننظر إلى أهل السنة فنأخذ حديثهم ، وإلى أهل البدعة فلا يؤخذ حديثهم .
ويعني بالفتنة مقتل عثمان – رضي الله عنه – .
فبدأ الوضع يظهر في فضائل الخلفاء الراشدين أو بعضهم .
ولكن الوضع لم يظهر بشكل واضح خلال القرنين الأول والثاني ، لوجود الصحابة – رضي الله عنه – الذين هم أمنة للأمة كما أخبر النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
وهذا يؤكد على حقيقة أنها لا تظهر البدع ، ولا الافتراءات إلا عند قلّة العلماء .(3/391)
وقد كان الصحابة – رضي الله عنهم – يُشدّدون في مسألة التحديث عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، ويتحرّون الدقّة في الألفاظ .
ولذا كان أنس بن مالك إذا أراد أن يُحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير لونه ثم قال : أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
روى مسلم – في المقدمة - عن ابن عباس أنه قال : إنما كنا نحفظ الحديث والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات .
وروى عن طاوس قال : جاء هذا إلى ابن عباس - يعني بشير بن كعب - فجعل يحدثه ، فقال له ابن عباس : عُد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، ثم حدثه ، فقال له : عُد لحديث كذا وكذا ، فعاد له . فقال له : ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا ؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا ؟ فقال له ابن عباس : إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يُكذب عليه ، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه .
وروى عن مجاهد قال : جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه . فقال : يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي ؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع ؟ فقال ابن عباس : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم ينفذ من الناس إلا ما نعرف .
وبُشي بن كعب هذا لم يكن من الوضّاعين ، فهو ثقة مُخضرم – أي أدرك زمن النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، ولم يلقَه .
وإنما أعرض عنه ابن عباس – رضي الله عنهما – لأنه كان يُكثر الرواية ، ويروي عن أهل الكتاب .
وكانت هناك بواعث ودوافع أدّت إلى نشأة الوضع وانتشاره ؛ فمنها :(3/392)
1 – الخلافات السياسية ، وكما أشرتْ أن بداية ذلك كان بعد مقتل عثمان – رضي الله عنه – ثم انتشرت الخلافات السياسية ، وانتشر معها الكذب نُصرة لطائفة أو خليفة ونحو ذلك .
2 – الخلافات المذهبية ، فقد أدّت الخلافات المذهبية إلى وضع الأحاديث ، فالرافضة أكذب الناس ، حتى أن رجلاً منهم تاب فقال : كُنّا إذا اجتمعنا فاستحسنّا شيئا جعلناه حديثاً .
وقد سُئل الإمام مالك عن الرافضة فقال : لا تُكلّمهم ، ولا تروِ عنهم ، فإنهم يكذبون .
وقال الشافعي : ما رأيت في أهل الأهواء قوماً أشهد بالزور من الرافضة .
وقال شريك بن عبد الله : احمل عن كل من لقيت إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث ويتّخذونه دِيناً .
بينما نجد أن الخوارج يتورّعون عن الكذب ، بناء على ما يذهبون إليه من تكفير مرتكب الكبيرة .
ثم ظهرت الفرق والمذاهب ، وكلٌّ يجعل له ما شاء من أحاديث ويضعها نُصرة لمذهبه .
حتى وضع مُتعصّبة الأحناف حديثا في ذم الإمام الشافعي – رحمه الله – نصّه : يكون في أمتي رجل يُقال له محمد بن إدريس أ أشد على الناس من إبليس !!!
وهكذا في الفرق والطوائف والمذاهب .
3 – الزندقة والطعن في الإسلام ، فقد أدرك الزنادقة وأعداء الإسلام أن قوة الإسلام لا تُقاوم ، فلجئوا إلى وضع الأحاديث التي تُنفّر الناس من الإسلام ، وتُشكك المسلمين بدينهم .
ومن هؤلاء : محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة ، فقد وضع حديث : أنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله )
4 – القصص والوعظ ، ولذا كان السلف يُحذّرون من القُصّاص .
ومن ذلك حرصهم على ترغيب الناس أو ترهيبهم ، فما يجدون من يتحرّك إلا إذا وضعوا لهم الأحاديث في ذلك .
قال معاذ – رضي الله عنه – :(3/393)
إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال ، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر ، فيوشك قائل أن يقول : ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعيّ حتى أبتدع لهم غيره ، فإياكم وما ابتدع ، فإن ما ابتدع ضلالة ، وأحذركم زيغة الحكيم ، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم . رواه أبو داود وغيره .
5 – الوعظ والتذكير ، فقد وضع أحد الوضاعين – وهو ميسرة بن عبد ربه – حديثاً في فضائل سور القرآن ، ولما سُئل عن ذلك قال : رأيت الناس انصرفوا عن القرآن ، فوضعتها أرغّب الناس فيها !
ومثله نوح بن أبي مريم .
6 – التكسّب وطلب المال ، فيضع الوضّاع الحديث الغريب الذي لم يسمعه الناس ، ليُعطوه من أموالهم .
حدّث جعفر الطيالسي فقال : صلى أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة ، فقام قاصّ فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا اله إلا الله خلق الله من كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان- وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة - فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه وهما يقولان : ما سمعنا بهذا إلا الساعة ! فسكتا حتى فرغ من قصصه وأخذ قطعة دراهم ثم قعد ينتظر ، فأشار إليه يحيى فجاء متوهما لنوالٍ يجيزه ، فقال يحيى : من حدثك بهذا الحديث ؟ فقال الكذّاب : أحمد وابن معين ! فقال : أنا يحيى وهذا أحمد ! ما سمعنا بهذا قط ، فإن كان ولا بُدّ من الكذب فعلى غيرنا !! فقال : أنت يحيى بن معين ؟!! قال : نعم . قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق !!! وما علمت إلا الساعة !!! كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما ؟!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين !! قال : فوضع أحمد كمّه على وجهه ، وقال : دعه يقوم . فقام كالمستهزئ بهما !!(3/394)
ومن ذلك ترويج السلع ، كما وضع أحد الوضّاعين حديثاً في فضل الهريسة !
7 – العصبية للجنس والقبيلة أو اللغة والوطن ، فقد وُضِعت الأحاديث في فضل العرب ، وفي فضل السودان أو ذمّهم ، ونحو ذلك .
ومثلها الأحاديث في فضائل البلدان ، كفضائل قزوين ، أو غيرها من البلدان .
8 – التقرب للحكام والسلاطين ! بما يوافق أهوائهم .
كما فعل غياث بن إبراهيم النخعي الكذاب ، فقد وضع حديثاً في فضل اللعب بالحَمَام !
وذلك أنه دخل على المهدي ، وكان المهدي يُحب اللعب بالحَمَام ، فقيل لِغياث هذا حدّث أمير المؤمنين . فجاء بحديث : لا سبق إلا في نصل أو خفّ أو حافر – ثم زاد فيه – أو جناح !
فأمر له المهدي بصرّة ، فلما قام من عند المهدي قال المهدي : أشهد أن قفاك قفا كذّاب ! فلما خرج أمر المهدي بذبح الحَمَام !
وأين هذا من فعل هارون الرشيد – رحمه الله – ؟
فقد حدّث أبو معاوية الضرير هارون الرشيد بحديث " احتج آدم وموسى " فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد ، وقال : النطع والسيف ! زنديق يطعن في الحديث . فما زال أبو معاوية يسكِّنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين . حتى سكن .
9 – المصالح الشخصية أو قصد الانتقام من شخص أو فئة مُعيّنة
فقد جاء ابنٌ لسعد بن طريف الإسكاف يبكي ، فسأله عن سبب بكاءه ، فقال : ضربني المعلّم . فقال سعد : أما والله لأخزينهم ! ثم وضع حديثا قال فيه : معلموا صبيانكم شراركم ...
فهذا الوضّاع الكذّاب لم يُخزِ إلا نفسه بوضعه لذلك الحديث وكذبه على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
10 – قصد الشهرة ، والتميّز على الأقران ، وهذا ما يفعله الذين يُريدون أن يُذكروا بعلوّ الإسناد ، أو كثرة الشيوخ ونحو ذلك ، فيُركّبون بعض الأحاديث ويضعونها لأجل ذلك .
ولا يزال الوضع إلى يومنا هذا :(3/395)
فلا يزال الوضع يجري على ألسنة الكذابين ، ويتناقله الناس عبر البريد بحسن نيّة ، فيُسارع الواحد منهم إلى نشره دون التأكد ، وإذا سُئل قال : وصلني عبر البريد .
وصوله لك عبر البريد ليس بحجة ولا مسوّغ أن تنشر حديثاً وتنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم دون التأكد منه ، وإلا كان الناشر من زمرة الكذّابين على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
ومن آخر ما رأيت من وضع الأحاديث ما وُضِع في فضائل " الخميني " !!! فقد رأيت حديثاً نُشِر يوم وفاته فيه فضائله ، وأنه يخرج بأرض فارس ...!!!
والله أعلم .
أعتذر عن الإطالة وبشدّة !
---------------------------
منابر الجواهر :
س3:
وما أكثر المواضيع التي يقصدها الناس لوضع الحديث ؟ مامدى اقبال المجتمع المسلم على الأحاديث الموضوعة ؟ ولماذا ؟
الجواب :
نَصُّ الحديث : لتفتحن القسطنطينية ، ولنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش . قال أحد رواته : فدعاني مسلمة بن عبد الملك فسألني عن هذا الحديث ، فحدثته ، فغزا القسطنطينية . رواه الطبراني والحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
الحديث بهذا اللفظ ضعفه الشيخ الألباني – رحمه الله – في سلسلة الأحاديث الضعيفة .
فائدة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه على آله وسلم قال : أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور له . قال : وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد بن معاوية ، وكان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه . انتهى .(3/396)
ولم أجد هذا اللفظ في صحيح البخاري ، وإنما فيه حديث أم حرام – رضي الله عنها – أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا . قالت أم حرام قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : أنت فيهم . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم . فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : لا .
ومدينة قيصر هي القسطنطينية .
والله أعلم .
------------------------
س4 :
ماالفرق بين الحديث الضعيف والموضوع ؟
الجواب :
الحديث الضعيف هو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات القبول .
وعُرّف بأنه : ما لم يجمع صفات الصحيح والحسن .
والمعنى متقارب .
والحديث الضعيف يكون ضعفه إما في السند وإما في المتن
فيكون الحديث ضعيف المتن إذا كان في المتن شذوذ أو نكارة .
ويكون ضعيف السند إذا كان في إسناده راوٍ ضعيف ( على اختلاف درجات الضعف ) ، أو كان فيه راوٍ مجهول ولو لم يُعلم ضعفه ، أو كان فيه عِلّة قادحة ، أو شذوذ أو نكارة أيضا .
ودرجات الضعف هي ( هالك – متروك – حديثه مردود – ضعيف جداً – ليس بشيء – لا يُكتب حديثه – مضطرِب الحديث – لا يُحتج به – ضعفوه – ضعيف – أحاديثه مناكير – ليس بحجة – ليس بالقوي – فيه ضعف – مجهول ... ) ونحوها مما يدل على ضعف الراوي .
فإذا كان في إسناد الحديث شيء من أسباب الضعف ، أو كان في متنه كذلك ، صار الحديث ضعيفاً .
والحديث الضعيف قد يتقوّى بكثرة الطرق إذا لم يكن شديد الضعف .
والضعيف أنواع :
الشاذ
المُعلل
المضطرب
المرسل
المنقطع
المعضل
المقلوب
وقد أوصلها ابن حبان إلى ( 49 ) نوعاً
واختُلِف في الاحتجاج به ، أو الاستدلال به – على تفصيل في هذه المسألة -
وأما الحديث الموضوع :
فهو المصنوع المُختلق – كما تقدّم – .
وهو ما كان في إسناده وضّاع أو كذّاب أو متُهم بالكذب .
أو كان في متنه ما يُخالف أصول الشريعة مما يُعلم معه قطعاً أنه كذب صريح .(3/397)
وهذا لا تجوز روايته إلا على سبيل التحذير منه ، وبيان حاله .
ولا يُمكن أن يتقوّى بحالٍ من الأحوال .
وبعض العلماء يُدخل الحديث الموضوع تحت أقسام الحديث الضعيف باعتبار التقسيم في مُقابلة الضعيف للصحيح والحسن .
ولذا نقرأ قول بعض العلماء : الموضوع شرّ أنواع الضعيف .
فهذه العبارة من هذا الباب .
والله أعلم .
----------------------------------
س5 :
ماحكم العمل بأي حديث دون التأكد من صحته ؟
الجواب :
العلماء ينصُّون على أن التأويل فرع عن التصحيح
كما أنهم ينصُّون على أن العبادات توقيفية ، فلا يُتعبّد لله إلا وفق نصوص الوحيين .
فلو عمِل الإنسان بحديث فإنه يتعبد لله بمقتضى هذا الحديث إن كان في العبادات
وإن كان في غيرها فإنه بعمله هذا ينسب الحديث إلى الرسول صلى الله عليه على آله وسلم
إلا إن أخذ الحديث على أنه حِكمة فعمِل به فلا حرج
ويُقال مثل ذلك في الحديث الضعيف – على تفصيل في المسألة –
ولا يجوز أن يُنسب الحديث إلى النبي صلى الله عليه على آله وسلم إلا بعد التأكد من صحته ، بأن يكون الحديث في كتاب اشترط صاحبه الصحة كالصحيحين ، أو ينصّ إمام على صحة الحديث ، وهكذا .
وفي المقابل فإن الحديث إذا عُلِمت صحته فإنه يُعمل به ، ولو لم يعلم أن أحداً عمل به من قبل ، إلا أن يكون الحديث منسوخاً .
قال العلامة القاسمي في قواعد التحديث – في كلامه على ثمرات الحديث الصحيح ومعرفته - :
الثمرة الخامسة : لزوم قبول الصحيح ، وأن لم يعمل به أحد . قال الإمام الشافعي في الرسالة : ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم أن يقول إلا بالاستدلال ، ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استُحسِن شيء يُحدِثه لا على مثالٍ سابق . انتهى .
فالصحيح أنه لا يُعمل بالحديث إلا إذا صحّ ، ولذا كان الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول كثيراً : إن صحّ الحديث .
يعني في مسألة مُعينة إذا صح الحديث عمل به .(3/398)
كما قال ذلك في الوضوء من لحوم الإبل .
نقل الحافظ ابن حجر عن البيهقي أنه قال : حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال : إن صح الحديث في لحوم الإبل قلتُ به . قال البيهقي : قد صحّ فيه حديثان ؛ حديث جابر بن سمرة وحديث البراء . قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه .
وهذا من إنصاف البيهقي – رحمه الله – فهو شافعي المذهب ، ومع ذلك قال بخلافه فيما صحّ فيه الحديث وتبيّن له فيه الدليل .
فالعبرة عند السلف بِصحّة الحديث لا بمن قال به أو عمل بموجبه أو بخلافه .
والله أعلم .
-------------------------
س6 :
ما هي القواعد التي وضعها علماء الحديث لكشف الأحاديث الموضوعة ؟
الجواب :
أولاً : تقدم الكلام على أن السنة داخلة في عموم قوله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) وأن السنة داخلة في مسمّى الذِّكْر المحفوظ .
وتقّدمت كلمة ابن المبارك – رحمه الله – حينما قال عن الأحاديث الموضوعة : يعيش لها الجهابذة .
وقد قيّض الله للسنة الغراء علماء على مر السنين وتتابع الأزمان ينفون عنها تحريف الجاهلين ، وانتحال المُبطلين .
وقد وضع العلماء قواعد لمعرفة الحديث الموضوع
وهذه القواعد منها ما يتعلق بالإسناد ( سلسلة الرواة ) ومنها ما يتعلق بالمتن ( نَصّ الحديث )
وأما ما يتعلق بالسند فـ :
1 – اعتراف الراوي بكذبه ، وهذا أقوى دليل كما اعترف ميسرة بن عبد ربه – حديثاً في فضائل سور القرآن ، ولما سُئل عن ذلك قال : رأيت الناس انصرفوا عن القرآن ، فوضعتها أرغّب الناس فيها ! ( وقد تقدم هذا )
2 – وجود قرينة قوية تقوم مقام الاعتراف بالوضع ، كأن يروي الراوي عن شيخ لم يَلْقََه ويُحدّث بالسماع أو التحديث ، أو عن شيخ في بلد لم يرحل إليه ، أو عن شيخ مات قبل أن يوُلد هذا الراوي ، أو توفي ذلك الشيخ والراوي صغيراً لم يُدرك .(3/399)
ولأجل ذلك اهتم العلماء بمعرفة المواليد والوفيّات وضبطوا تواريخ وفياتهم واُرِدت فيها المُصنفات ، وعرفوا رحلات الشيوخ وإلى أي البلدان ، ومن خرج من العلماء من بلده ، ومن لم يخرج ، وتواريخ ذلك كله .
3 – أن يتفرد راوٍ معروف بالكذب برواية حديث ولا يرويه غيره فيُحكم على روايته بالوضع .
4 – أن يُعرف الوضع من حال الراوي ، كأن يُحدّث بحديث عند غضه لم يكن يُحدّث به من قبل ، كما تقدم في قصة سعد بن طريف !
5 – أن يكون الراوي مُتهماً في حديثه مع الناس ولو لم يُتّهم في حديث رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
6 – أن ينصّ إمام من الأئمة على أن " فلان " من الرواة يضع الحديث أو أنه كذاب ، ونحو ذلك من عبارات الجرح الشديد التي يُعلم معها أنه وضاع .
وأما ما يتعلق بالمتن فـ :
1 – ركاكة لفظ الحديث المروي ، بحيث يُدرك من له إلمام باللغة أن هذا ليس من مشكاة النبوة .
2 – فساد المعنى ، كالأحاديث التي يُكذّبها الحس ، ومعرفة هذا النوع لعلماء السنة الذين سَرت في عروقهم حتى صار لديهم مَلَكَة في تمييز صحيحها من سقيمها ، وليس لكل أحد !
3 – مناقضة القرآن أو صحيح السنة
كالأحاديث التي فيها عرض التوبة على إبليس !
أو الأحاديث التي اشتملت على تخليد أحد من أهل الأرض !
أو الأحاديث التي فيها أن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة !
أو ذم من يتمسك بالكتاب والسنة !
أو النص على خلافة علي – رضي الله عنه – كما تزعم الرافضة !
أو الأحاديث التي فيها أن الصحابة – رضي الله عنهم – كتموا شيئا من القرآن أو حرّفوه ،
فيُقطع ببطلان تلك الأحاديث .
4 – مُخالفة الحقائق التاريخية التي جرت في عصر النبي صلى الله عليه على آله وسلم ، كحديث وضع الجزية عن أهل خيبر ! وقد كتبته اليهود وجعلوا عليه من الشهود ( سعد بن معاذ – رضي الله عنه – ) وقد توفّي بعد غزوة الخندق !
كما أن وضع الجزية لم يكن شُرِع آنذاك !(3/400)
5 – موافقة الحديث لمذهب الراوي ، وهو مُتعصب مُغالٍ في تعصبه ، كالأحاديث التي يرويها الرافضة في فضائل علي – رضي الله عنه – أو الأحاديث التي ترويها المرجئة في الإرجاء ونحو ذلك .
6 – أن يكون الخبر عظيما ولا ينقله إلا راو مُتّهم ! كأن ينقل حوادث تاريخية لا تخفى على آحاد الناس ثم لا ينقلها سواه ، ولا يُسمع بها من قبل .
7 – اشتمال الحديث على مجازفات وإفراط في الثواب العظيم مقابل عمل صغير ، كما تقدم في الحديث الذي فيه : من قال لا اله إلا الله خلق الله من كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان- وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة ...
ولكن ما صح من الأحاديث لا يُنظر فيه إلى مثل هذا مما قد يُتوهّم ، كحديث : من صلى على جنازة فله قيراط ، والقيراط مثل جبل أحد . فهذا في الصحيحين ولا إشكال فيه .
وإنما هذا القيد أغلبي يُنظر فيه حال الرواة كذلك ، كأن يكون هذا الراوي ما عُرف إلا بهذا الحديث ، كما تقدم في قصة ذلك الحديث !
8 – أن يشتمل على تواريخ مستقبلية معينة .
9 – أن يكون المتن ظاهر الوضع ، كحديث عوج بن عنق ! الذي قيل إنه أدرك الطوفان زمن نوح عليه الصلاة والسلام ، وأن الطوفان لم يبلغ حُجزته ! وأنه كان يخوض البحر فيُخرج السمكة ثم يشويها على الشمس !!!
وقد ذكرت هذا مرة في أحد المجالس ، ثم أردت أن أُبيّن وضع الحديث ! قال أحد الحضور : ما يحتاج تقول إنه موضوع ! ( يعني أنه واضح الوضع ) !
10 – أن يشتمل الحديث على ذم أُناس لمجرد لونهم أو لغتهم ، وينصّ العلماء على أنه لا يصح حديث في ذم السودان مثلاً ، أو ذم لغة معينة ، ونحو ذلك .
11 – أن ينصّ إمام من الأئمة على وضع الحديث ، وأنه موضوع مكذوب .
بالإضافة إلى أن الحديث الموضوع ليس عليه نور السنة النبوية ، وعليه علامات وشارات يفضح الله بها الكذب .
قال الربيع بن خثيم : إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار ، وإن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل .(3/401)
وقال ابن الجوزي : الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب ، وينفر منه قلبه في الغالب .
وقال أيضا : ما أحسن قول القائل : إذا رأيت الحديث يُباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول ، فاعلم أنه موضوع .
ومع هذا لو كذب رجل بالليل لأصبح وقد كشفه الله وفضحه .
والله سبحانه وتعالى أعلم .
------------------------
س7 :
هل ينظر للمتن ايضا في كشف الحديث الموضوع ام يكتفى بدراسة السند ؟؟ بمعنى هل لغرابة المعنى الوارد في المتن دور في وضعه محل شك ودراسه ؟؟
الجواب :
تقدم هذا في جواب السؤال السابق بالتفصيل
فيما يتعلق بالسند والمتن
وأُضيف هنا :
أن هذا النظر لا يُنظر فيه من ناحية عقلية بحتة
ولكن يُنظر فيه وفق قواعد علماء السنة
وتصحيح الحديث أصلاً لا يتم إلا وفق خمسة شروط :
ثلاثة في الإسناد ، واثنان في المتن
في الإسناد :
رواية العدول
ضبط الرواة ( فإن خفّ الضبط فهو الحسن )
اتصال السند
وفي المتن :
عدم الشذوذ
عدم وجود علة قادحة
والله يحفظكم ويرعاكم
-----------------------
س8 :
الأحاديث التي يستدل بها الروافض على صدق معتقدهم هل تعتبر من الموضوعات ؟
الجواب :
تقدّمت الإشارة إلى الروافض ، وأنهم أكذب الناس ، وأنهم إذا أرادوا شيئا وضعوا فيه حديثاً ، وجعلوه دينا !
كما تقدّمت الإشارة في كيفية معرفة الحديث الموضوع
فما عندهم من أحاديث في فضائل عليّ – رضي الله عنه – أو في ذم الشيخين ( أبي بكر وعمر ) – رضي الله عنهما – هي من هذا القبيل .
ولا شك أن الأحاديث التي يستدل بها الروافض على صدق معتقدهم فيها حق وأكثرها باطل
فالحق ما كان من فضائل علي – رضي الله عنه – دون غلو
والباطل ماك فيه غلو في حقه – رضي الله عنه – أو ذم في حق غيره .
كما نص علماء السنة النبوية على أن الأحاديث التي فيها النص بالخلافة لعلي أو العهد له ولأولاده أنها كذب مختلق .(3/402)
والأحاديث الواردة في فضائل عليّ – رضي الله عنه – أشهر من أن تُذكر ، فدواوين السنة تزخر بفضائل أبي الحسن – رضي الله عنه – ، ولكني أقصد تلك الأحاديث التي فيها الغلو في علي – رضي الله عنه – أو تأليهه !
أو تلك الأحاديث التي لا يُصدّقها مجنون فضلاً عن أن يُصدّقها عاقل !!
ويشتهر حديث يُطرح في كثير من المنتديات ويتراسلون به عبر البريد ، ويتساهلون في نقله وتصويره وتوزيعه ، وهو من أحاديث الروافض الموضوعة
الحديث فيه : يا علي لا تنم حتى تأتي بخمسة أشياء .... وذكرها .
فهذا حديث موضوع مكذوب .
وما بُليت الأمة على مرّ تاريخها بمثل ما بُليت به من الروافض
والتاريخ يشهد
واقرؤوا التاريخ إذ فيه العِبر **** ضل قوم ليس يدرون الخبر .
والله أعلم .
----------------------
س9:
ماهو الحديث المنكر والحديث الغريب ؟ وهل يعتبر حديث موضوع .
الجواب :
الحديث المنكر :
هو ما رواه الضعيف مُخالفاً فيه الثقة
وشرطه تفرّد الضعيف والمخالفة للثقة
أما إذا تفرّد الضعيف دون مخالفة الثقة فلا يُقال له : مُنكر بل يُقال له : ضعيف .
فكل حديث منكر فهو ضعيف ، وليس كل حديث ضعيف مُنكر .
وعلى هذا يكون الحديث المنكر من أقسام الحديث الضعيف ، ولا يُعتبر موضوعاً .
مثاله :
ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى عن ابن جريج عن الزهري عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه .قال أبو داود بعد تخريجه : هذا حديث منكر ، وإنما يُعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورِق ثم ألقاه . قال : والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام . وقال النسائي بعد تخريجه : هذا محفوظ ، فهمام بن يحيى ثقة احتج به أهل الصحيح ، ولكنه خالف الناس فروى عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند ، وإنما روى الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه أبو داود فلهذا حكم عليه بالنكارة .(3/403)
قاله السيوطي في التدريب .
والحديث الغريب :
هو ما تفرّد بروايته شخص في أي موضع من السند .
وعلى هذا فقد يكون الحديث الغريب صحيحاً وقد يكون حسنا وقد يكون ضعيفاً .
مثاله :
حديث عمر – رضي الله عنه – : إنما الأعمال بالنيّات . وهو في الصحيحين .
قال ابن رجب – رحمه الله – :
هذا الحديث تفرد بروايته يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وليس له طريق هذا الطريق كذا قال علي بن المديني وغيره ، وقال الخطابي : لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في ذلك مع أنه قد روى من حديث أبي سعيد وغيره ، وقد قيل إنه قد روى من طرق كثيرة لكن لا يصح من ذلك شيء عند الحفاظ ،ثم رواه عن الأنصاري الخلق الكثير والجم الغفير ، فقيل : رواه عنه أكثر من مائتي راوٍ ، وقيل رواه عنه سبعمائة راو ، ومن أعيانهم الإمام مالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث بن سعد وحماد بن زيد وشعبة وابن عيينة وغيرهم ، واتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول ، وبه صدر البخاري كتابه الصحيح . انتهى .
والغرابة أنواع :
1 – غريب المتن والإسناد
2 – غريب الإسناد فقط
3 – غريب بعض المتن
وقد يُطلق على الغريب الفرد .
والله أعلم .
-------------------------
س10 :
هل يمكن لعامة افراد المجتمع أن يعرف الحديث الموضوع من غيره .
الجواب :
لا يُمكن لعامة الناس معرفة الحديث الموضوع إلا بمعرفة القواعد التي وضعها العلماء لمعرفة الحديث الموضوع ، وقد تقدمت الإشارة إليها .
والدليل على ذلك كثرة انتشار الأحاديث الموضوعة ، فلو كان عامة الناس يعرفون الأحاديث الموضوعة لما انتشرت بهذه الصورة
-----------------------
س11 :
هل العلم بالأحاديث الصحيحة والموضوعة فرض كفاية أم فرض عين .
الجواب :
العلم بالأحاديث الصحيحة وضدّها فرض كفاية ، إلا أنه يجب على العالم معرفة الأحاديث الموضوعة حتى لا يستدل ولا يستشهد بها .(3/404)
فالذي يتصدّر لتعليم الناس يجب أن يعلم بصحيح الأحاديث من سقيمها ، أو على الأقل يصدر عن رأي إمام مُعتبر في مسألة التصحيح والتضعيف .
والله أعلم .
---------------------
س12 :
ماذا نفعل عند قرائتنا لكتب فيها أحاديث غير موضح درجة صحتها ؟ هل نصدقها ؟ أم لا؟
الجواب :
سبقت الإشارة إلى أن العمل فرع عن التصحيح .
وسبقت الإشارة إلى أن الحديث إذا صحّ فإنه يُعمل به على حسب مدلوله ، إن كان يدلّ على واجب وجب العمل به ، وإن دلّ على أمر مسنون فالعمل به سُنّة ، وهكذا .
وتقدّم قول القاسمي – من ثمرات الحديث الصحيح - : لزوم قبول الصحيح ، وأن لم يعمل به أحد . قال الإمام الشافعي في الرسالة : ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم أن يقول إلا بالاستدلال ، ولا يقول بما استحسن ، فإن القول بما استُحسِن شيء يُحدِثه لا على مثالٍ سابق . انتهى .
فالصحيح أنه لا يُعمل بالحديث إلا إذا صحّ ، ولذا كان الإمام الشافعي – رحمه الله – يقول كثيراً : إن صحّ الحديث .
يعني في مسألة مُعينة إذا صح الحديث عمل به .
كل هذا تقدّم
ولكن من قرأ في كتاب ولا يعلم صحة أحاديثه فإنه يتوقف عن العمل بها حتى تتبيّن له صحتها .
إلا إذا كانت الأحاديث ممن رواها أهل الصحيح الذين اشترطوا الصحة ووفّوا بشرطهم ؛ كالبخاري ومسلم .
وهناك من اشترط الصحة ولم يوفِّ بها ، بل تعقب العلماء بعض من اشترط الصحة ، كالحاكم في المستدرك فإنه قد يروي الموضوعات ، والتمس له العلماء العُذر حيث مات ولم يُنقّح كتابه .
ومثل صحيح ابن حبان أو صحيح ابن خزيمة ، فإنهما اشترطا الصحة ولم يوفّيا بها ، وإن كانا أمثل من المستدرك وأقوى .
فإذا قرأ الإنسان في كتاب يذكر فيه مؤلفه مُخرّج الحديث ، فإنه إذا قال :
رواه البخاري ومسلم ، أو متفق عليه ، أو في الصحيحين ، فالمعنى واحد ، وهذا أعلى درجات الصحة .
يلي ذلك قول : رواه البخاري
يلي ذلك قول : رواه مسلم(3/405)
يليه : على شرط الشيخين
ثم : على شرط البخاري
ثم : على شرط مسلم
ثم : حديث صحيح .
فإذا وجد القارئ بعض هذه العبارات فهي تدلّ على الصحة ، إلا عند من يتساهل في التصحيح .
أما إذا لم يجد عبارات التصحيح ولم يكن المؤلف من يُعنى بالتصحيح فإن التوقف عن العمل بالحديث في هذه الحالة هو المتعيّن حتى يصح الحديث .
فإذا صحّ الحديث فهو مذهبي .
ولكنه لا يردّه أيضا ولا يُكذّب به إلا إذا تبيّن له أنه موضوع .
فالموضوع يُردّ ويُكذّب
والضعيف يُردّ فقط .
والله أعلم
س13 :
هل توجد مواقع على الانترنت تساعد في معرفة صحة الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله الذي يسر مثل هذه المواقع بحيث يبحث الباحث بمجرد ضغطة زر
ولا شك أن هذا من تيسر العلم
ومن هذه المواقع موقع الدرر السنية
http://www.dorar.net/mhadith.asp
كذلك هذا موقع الشبكة الإسلامية ، وفيه العديد من كتب السنة ودراسات حول السنة
http://islamweb.net/pls/iweb/misc1....72&vName=الحديث
كذلك موقع الإسلام فيه عدد من كتب السنة والفقه والفتاوى وغيرها
http://www.al-islam.com/arb/
وفي الموقع بريد جيد خالٍ من الصور
حفظكم الله
-----------------------
س14 :
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل وسؤالى هو كيف نستطيع التغلب على هذه الظاهره المنتشره بين الناس ؟؟
الجواب :
لعل الأخ الفاضل يقصد ظاهرة انتشار ونشر الأحاديث الموضوعة
هي ستبقى مُتناقلة نتيجة الجهل بوضعها أولاً
ونتيجة الجهل بخطورة نشر الأحاديث الموضوعة
فإنه تواتر عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم أنه قال : مَن كَذَب عليّ مُتعمداً ، فليتبوأ مقعده من النار .
حتى قال بعض العلماء : إن من كذب على النبي صلى الله عليه على آله وسلم مُتعمّداً فهو كافر .
وهذا يدلّ على خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم
سواء كان كذباً مُباشراً بأن يضع الحديث بنفسه ، أو بأن ينقل وينشر الحديث الموضوع .(3/406)
فقد روى مسلم – في المقدمة – عنه – عليه الصلاة والسلام – أنه قال : مَنْ حدّث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين .
وضُبِطت : يُرى
و : يَرى
وضُبِطت : أحد الكاذِبِين
و : أحد الكاذِبَيْن
ومعنى الحديث باختلاف ضبط ألفاظه
أن من حدّث عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم بحديث يراه هو أو يراه غيره أنه كذب فهو أحد الكذّابين الذين يكذبون على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
وعلى اللفظ الثاني :
أن من حدّث عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم بحديث يرى الناس أنه كذب ، أو يراه هو كذباً ، فهو أحد الكاذِبَيْن اللذين كذبا على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم .
فالكاذب الأول : هو من وضع الحديث
والكاذب الثاني : من نقل الحديث الموضوع
ولعل من أفضل الطرق للحدّ من هذه الظاهرة :
1 – توعية الناس بهذه الخطورة .
2 – نشر الأحاديث الصحيحة التي تُغني عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
3 – نشر العلم عموماً ، والحرص على تعليم الناس ، فبضدّها تتبيّن الأشياء .
والله يتولاكم .
--------------------------------
س15 :
عندي سؤال يحيرني دائما عندما أقرأ أي حديث" هل هذا الحديث صحيح أم لا؟؟"
كيف علي معرفة ما إذا كان الحديث صحيح أم ضعيف؟؟
الجواب :
تقدّم في الإجابة على سؤال أختنا اللجين ذكر الألفاظ التي تدلّ على صحة الحديث إذا ورد في الصحيحين أو في أحدهما أو كان على شرطهما أو على شرط أحدهما .
وتقدّم في السؤال السابق طريقة معرفة صحة الحديث عن طريق كتب الشيخ الألباني – رحمه الله – وتخريجاته ، والبحث فيها من خلال الموقع المذكور .
أيضا يوجد برنامج ( الموسوعة الذهبية ) والذي صدر عن ( التراث للبرامج الإسلامية ) وفي الغالب يذكرون حُكم الحديث ، ومن صححه .
وأُضيف هنا أن العلماء لا يعتمدون تصحيح الحاكم في المستدرك لتساهله – رحمه الله – ولأنه مات قبل أن يُنقِّح كتابه .
ومثله تصحيح الترمذي فإنه ممن يتساهل في التصحيح .(3/407)
والله أعلم .
------------------------------
س15:
شيخنا الفاضل :
أود التأكد من صحة هاتين القصتين جزاكم الله خيرا .
الأولى :
روي أن الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، دخلا أحد المساجد لأداء الصلاة ، وبعد الصلاة قام أحد هم برواية حديث عن الإمامأحمد ويحيى بن معين ، فأخذ الإمام ينظر الى يحيى ويحيى ينظر الى الإمام يتساءل كل منهما هل أنت الذي رويت هذه الرواية ؟ وعندما انتهى الراوي ، قاما اليه وذكرا له أنهما الإمام أحمد ويحيى اين معين الذي روى عنهما وهما براء ، فنظر اليهما ، وقال : سبحان الله وهل لا يوجد في الدنيا إلا أنت أحمد بن حنبل وهذا ابن معين ؟
الرواية الثانية :
القصة التي رويت عن الشاب الذي أسر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيد بلأغلال ، فأوصى الرسول عليه الصلاة والسلام أمه أن تكثر من ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) وهي في بيتها ، فكان أن انفكت أغلال الولد من تلقاء نفسها ثم عاد الى أمه يمشي .
فما صحة هاتين الروايتين بارك الله بكم .
الجواب :
القصة الأولى :
تقدّمت الإشارة إليها دون تخريجها
واختُلِف في ثبوتها
فجزم الشيخ الفاضل د . بكر أبو زيد – حفظه الله – بأنها حكاية مُنكرة
ومثله الشيخ الفاضل د . سعد الحميّد
وأوردها الشيخ يوسف العتيق في " قصص لا تثبت "
وقال عنها الذهبي في السير : هذه حكاية عجيبة ، وراويها البكري لا أعرفه ، فأخاف أن يكون وضعها .
وتعقبه الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في لسان الميزان فقال : وهذا الرجل من شيوخ أبي حاتم ابن حبان ، أخرج هذه القصة في مقدمة الضعفاء له عنه .
قال الشيخ علي بن حسن عن هذا الرجل : إنه من شيوخ ابن حبان ، وهو – أعني ابن حبان – معروف بالتّوقّي في انتقاء شيوخه .
قال : ولعله من أجل ذلك قال الذهبي في السِّيَر: رواها عنه أيضا أبو حاتم بن حبان فارتفعت عنه الجهالة .(3/408)
والقصة عموماً ليست عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم ولا عن أحد من أصحابه ، فيُتساهل في نقل مثل هذا عند بعض المحدِّثين .
أعني مكان ورود القصة وسبب ورودها ، وإلا فإن الحديث الذي أورده مكذوب على النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
أما القصة الثانية :
فقد أوردها الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ونسبه إلى ابن أبي حاتم .
غير أنه ذكر الحديث من رواية محمد بن إسحاق عن مالك الأشجعي – رضي الله عنه – بالقصة .
ورواها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في تفسير الآية .
وأخرجه الحاكم في تفسير الآية من حديث ابن مسعود دون ذكر الإكثار من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله "
وذكر الحافظ ابن حجر – رحمه الله – أن السّدي رواه في تفسيره .
وذكر في " الإصابة في تمييز الصحابة " في ترجمة سالم بن بن عوف بن مالك الأشجعي ذَكَرَ روايات أخرى ثم قال : وإن ثبتت هذه الرواية فيكون لمالك صُحبة .
يعني مالك الأشجعي .
فهو علّق القول به على ثبوت القصة .
وأما " لا حول ولا قوة إلا بالله "
فإنها كنز من كنوز الجنة ، كما في الصحيحين من حديث أبي موسى – رضي الله عنه – قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، فجعل الناس يجهرون بالتكبير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيها الناس أربعوا على أنفسكم ، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم . قال : وأنا خلفه وأنا أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال : يا عبد الله بن قيس ! ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ فقلت : بلى يا رسول الله . قال : قُلْ : لا حول ولا قوة إلا بالله .
والله أعلم
-----------------------------
س17 :(3/409)
بعض الأدباء يصيغ الأحاديث بطريقة قصصية ، فيزيد أحداث من عنده ، صحيح أن هذه الأحداث لا تخل بالقصة ، لكنها لم تفاصيل لم ترد في نص الحديث ، فيجعل من الحديث الذي روي في أربعة أسطر ، يجعله قصة في عشرين صفحة .
فما الحكم في ذلك ؟
والمشكلة أني لا أحب هذه القصص ، ولكن زوجي يشتريها لأطفالنا ...فهل أمكنهم من قراءتها ؟
جزاكم الله خيرا ونفع بكم المسلمين
الجواب :
بارك الله فيكم وفي الأخت ام يحيى وجزاكم الله خير الجزاء
بالنسبة للقصص التي تؤخذ وتُستخلص من الأحاديث لا أرى بأساً بصياغنها صياغة أدبية بشرط عدم نسبة تلك الصيغة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
وها هنا قصة قاتل المائة صُغتها بصياغة أخرى ، وكانت صياغة إلقاء ثم طرحتها هنا نزولا عند رغبة أختنا الفاضلة الكريمة ( عابدة الرحمن ) للمشاركة في الموضوع
القصة هنا
http://www.aljwaher.net/vb/showthre...=&threadid=2506
وأنت تلحظين تصرّف الكاتب إلا أنه أشار إلى أصل القصة
فقال : أما هذه القِصّةُ فأصلُها في الصحيحين من حديثِ أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه .
نعم . أصلها وليست هي بهذا اللفظ
والله أعلم .
--------------------------
س18:
هل صح حديث ( لم يكذب ابراهيم الا ثلاث كذبات ) وان صح كيف نوفق بينه وبين العصمة
وبارك الله في جهودكم
الجواب :(3/410)
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لم يكذب إبراهيم النبيّ عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ؛ ثنتين في ذات الله قوله : ( إني سقيم ) ، وقوله : ( بل فعله كبيرهم هذا ) وواحدة في شأن سارة ، فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة ، وكانت أحسن الناس ، فقال لها : إن هذا الجبار إن يعلم إنك امرأتي يغلبني عليك ، فإن سألك فأخبريه إنك أختي ، فإنك أختي في الإسلام ، فإني لا أعلم في الأرض مسلما غيري وغيرك ، فلما دخل أرضه رآها بعض أهل الجبار أتاه فقال له : لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك ، فأرسل إليها فأتي بها ، فقام إبراهيم عليه السلام إلى الصلاة ، فلما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده إليها ، فقُبضت يده قبضة شديدة فقال لها : ادعي الله أن يطلق يدي ولا أضرك ، ففعلت ، فعاد ، فقُبضت أشد من القبضة الأولى ، فقال لها مثل ذلك ، ففعلت ، فعاد ، فقُبضت أشد من القبضتين الأوليين ، فقال : ادعي الله أن يطلق يدي فلك الله أن لا أضرك ، ففعلت ، وأُطلِقت يده ، ودعا الذي جاء بها فقال له : إنك إنما أتيتني بشيطان ! ولم تأتني بإنسان ، فأخرِجها من أرضي ، وأعطها هاجر . قال : فأقبلت تمشي فلما رآها إبراهيم عليه السلام انصرف فقال لها : مهيم ؟ قالت : خيراً . كفّ الله يد الفاجر ، وأخدم خادما .
و ( مهيم ) كلمة يُراد بها الاستفهام .
هذا خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه على آله وسلم .
وكيف اعتبر إبراهيم ومن بعده محمد - صلى الله عليهم وسلم – هذه كذبات ! مع أنها ليست بالكذب الصريح بل تحتمل التعريض ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – .
وهذا يدلّ على عِظم شأن الكذب .
وكيف عُدّت هذه من الكذب ، وهي للمصلحة .
ولا يتنافى هذا مع عصمة الأنبياء ؛ لأن نبي الله إبراهيم إنما قال ما قال ضمن دعوته لقومه
كما أخبر الله عنه في إقامة الحجة على قومه(3/411)
قال الله عز وجل : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) الآيات .
ومع هذا لا يُعدّ هذا القول شركاً !
أعني عندما قال : هذا ربي .
والصحيح أن الأنبياء معصومون من الكبائر ، ومن الصغائر المُستحقرة ، أو أن يُقرّوا عليها .
كما أنهم معصومون من الخطأ فيما يتعلق بالتبليغ .
أما مُجرد الخطأ فليسوا بمعصومين منه .
ويدل على هذا أدلة :
ما وقع لأبي البشر آدم – عليه الصلاة والسلام – وأكله من الشجرة وتوبة الله عليه بعدها .
والحديث الذي معنا – في قصة الخليل – عليه الصلاة والسلام –
ومثله ما جرى من موسى – عليه الصلاة والسلام – ( فوكزه موسى فقضى عليه )
وما وقع لأيوب – عليه الصلاة والسلام –
وما حصل ليونس – عليه الصلاة والسلام – وخروجه غاضبا تاركاً قومه .
وما وقع بالنسبة للأسرى يوم بدر
وما وقع لابن أم مكتوم ، ونزول سورة عبسَ
وغيرها من الوقائع التي وقعت لأنبياء الله ورسله ، وما جرى منهم مجرى الاجتهاد ، أو حملتهم عليه الطبيعة البشرية .
فهذا غير داخل في العصمة .
فصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
والله أعلم .
-------------------------
س19:
نود منكم معرفة الطريقة الصحيحة لتمييز ضعيف الحديث من صحيحه وجزاكم الله خيرا
الجواب :(3/412)
الطريقة الصحيحة لتمييز الحديث من ضعيفة يكون بعدّة طُرق :
إما أن يُخرَّج الحديث ويُروى في الصحيحين أو في أحدهما ، فهذا قد جاوز القنطرة .
وتقدّمت مراتب هذا النوع .
وإما أن ينصّ إمام مُعتبر من أهل صناعة الحديث على صحة الحديث .
وتقدمت الإشارة إلى موقع الشيخ الألباني – رحمه الله – والبحث فيه ومن خلاله
كما تقدمت الإشارة إلى وجود برنامج ( الموسوعة الذهبية ) وقد تضمن الكثير سواء من التصحيح أو التضعيف .
وإما بدراسة الإسناد لمن له أهلية ذلك ، وهذا يحتاج إلى تخصص أو إلى دراسة هذا الفن على أيدي العلماء ، كما يحتاج إلى دربة عليه .
أو سؤال أهل الاختصاص في ذلك .
والله يحفظكم .
--------------------------
س20:
هل تراجع الشيخ محمد الألباني - قدس الله روحه- عن بعض احاديثه الصحيحة وضعفها قبل وفاته ؟
الجواب :
حيا الله الأخ السائل
لعل الأخ الفاضل أبو عمر العتيبي – حفظه الله – قد كفاني مؤونة البحث والاستشهاد
فقد كتب هنا بحثا حول هذا السؤال .
ومن بركة العلم نسبته إلى أهله ، والفضل لأهل الفضل
موضوعه هنا
http://www.al-muntada.com/forums/sh...&threadid=39003
والله يحفظكم .
------------------------
س21:
هل جميع الأحاديث التي يستشهد بها الروافض هي أحاديث موضوعة ؛ وكيف نستطيع الرد عليهم عندما يأتوا لنا بأحاديث صحيحة عندهم ، ونحن لم نسمع بها
الجواب :
تقدم الكلام عن الرافضة ، وأنهم أكذب الناس ، وأنهم إذا أرادوا شيئا وضعوا له حديثاً !
كما تقدم قول أحد مشايخهم الذين تابوا .
وهم بلا شك يستشهدون بالموضوعات والمكذوبات
وقد رأيت أنهم استشهدوا بروايات (( الحمير )) !!!
لا تعجل فسوف أُورد الرواية – فيما بعد - بنصِّها من أصح كتبهم ، من الكافي للكليني !
ويستدلّون ويستشهدون بأشياء لا يُصدّقها مجنون فضلا عن أن يُصدّقها عاقل !
وينتشر عندهم الكذب على الأئمة الأطهار من آل البيت – رضي الله عنهم – .(3/413)
غير أنه يجب أن لا يُجادل الرافضة إلا من كان عنده علمٌ بدِينِه أولاً ، ثم عِلمٌ بما في كتبهم ، وما فيها من تناقض ، وعلم بأحوال الرجال عندهم .
ثم من يُجادل الرافضة فلا يُجادلهم في الفروع بل في الأصول ، كثبوت القرآن ، ومسائل الاعتقاد .
وهم يرغبون أن يكون الجدال حول الفروع
ولا زلت أذكر أنني ناقشت بعضهم فكنت أُناقشه في مسألة يعتقد بها كثير منهم ، وهي القول بتحريف القرآن ! حتى ألّف أحد علماء إيران قديما – وهو النوري الطبرسي – ألّف كتابا سماه :
فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب !
وقلت لهم : إن هذا الكتاب تضمن ما يزيد على ( 2000 ) رواية لإثبات تحريف القرآن عند الرافضة !
والمؤلف لما رُدّ عليه انتصر بكتاب آخر !
والمؤلف أيضا دُفِن في ( النّجف ) تكريماً له !
فماذا يعني هذا ؟
وقلت : إن عنوان الكتاب ساقط من أصله !
فإن كان الكتاب هو كتاب رب الأرباب فكيف دخله التحريف ؟؟!!
وإن كان كتاب رب الأرباب فلِمَ لم يحفظ كتابه ؟؟!!
وهم يفرّون من هذه المسألة ويُريدون أن يخرجوا إلى مسائل الفروع ، ويُوحون إلى غيرهم أنهم مذهب خامس !!
نعم : هم دين خامس !!!
فإذا أقرّوا بثبوت القرآن لزِمهم الإقرار بخلافة الخلفاء الثلاثة ( أبي بكر وعمر وعثمان ) – رضي الله عنهم –
لأنهم هم الذين جمعوا القرآن !!!
فتنقطع حُجّتهم !
هذا على سبيل المثال
لإيضاح مسألة جدال الرافضة
وأنه لا يُجادلهم إلا شخص عارف بخبايا مذهبهم
عارف بحيلهم وطُرقهم
والجدال أو النقاش أياً كان يجب أن يعود إلى أصل يُتّفق عليه .
فيُقال لهم في مثل أحاديثهم : نحن لا نقول بصحّتها ، كما أنكم لا تقولون بصحة ما في كتب السنة !
هذا من باب الإلزام .
أما رواية أحاديث الحمير !!!
===========
هذه الرواية ذكرها الكليني في الكافي المجلد الأول ص 237 بَابُ مَا عِنْدَ الأَئِمَّةِ مِنْ سِلاحِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَ مَتَاعِهِ(3/414)
ذكر هذه الرواية ضمن وصية النبي صلى الله عليه وسلم لِعليّ رضي الله عنه
وكان من جملة ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه هذا الحمار
جاء في الكافي :
( فَقَالَ اقْبِضْهَا فِي حَيَاتِي فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ وَ رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ )
ياله من حمار عقوق !!!
كيف يُوصى به لأمير المؤمنين عليه السلام ثم ينتحر ؟؟؟؟!!!!
وأنا على يقين أن الجواب :
إما تقرير لمسألة نتفق عليها وهي ولاية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه
أو رد السؤال بسؤال
أو غاية ما عندهم ( قص ولصق )
فيكون الجواب عن السؤال :
أنتم تقولون ... وتقولون ....
ما الجديد في حديث حمار الرافضة ؟؟؟!!!!
ذكرت سابقا ما جاء في الكافي من حديث الحمار :(3/415)
( فَقَالَ اقْبِضْهَا فِي حَيَاتِي فَذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) أَنَّ أَوَّلَ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَني خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ ، وَ رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ )
تدرون ما هو الطريف في الأمر ؟؟؟
والشيء الذي يدل على سخف عقول الرافضة ؟؟؟
تأملوا الرواية السابقة بحروفها من الكافي .
الحمار يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي !!!!
أي سخف هذا ؟
حمار يفدي الرسول بنفسه ؟؟؟!!!
هل هان الرسول عليه الصلاة والسلام حتى لا يجد من يفديه بنفسه سوى حمار الرافضة ؟؟؟!!!
أعوذ بالله ... وأستغفره من هذا الهراء والسخف .
===========
وأذكر أنني كتبت هذه المشاركة في منتدى يكثر فيه الرافضة فما ردّ عليه أحد بردّ مُقنِع ، وإنما بِردٍّ مُقنّع !!!
والله يحفظكم .
----------------------------
س22:
سمعت أن بعض أحاديث البخاري ضعفها الشيخ محمد الألباني - قدس الله روحه- فهل هذا صحيح ؟
الجواب :
معلوم عند عموم أمة الإسلام منزلة الصحيحين ( البخاري ومسلم ) ، وقد تلقتهما الأمة بالقبول .
غير أنهما تعرضا لانتقاد وهجوم !(3/416)
فالانتقاد من علماء الأمة في نوع رواية ، أو تخريج حديث راوٍ بعينه ، أو انتقاد لفظة واحدة أو متن واحد ، ويكون الحديث ثابتاً لا مطعن فيه ، وإنما برواية دون رواية ، أو لفظة دون لفظة .
والهجوم من أعداء السنة سواء من الرافضة – قبّحهم الله – أو من المستشرقين وأذنابهم .
وللصحيحين منزلة عالية وقدر كبير عند علماء الإسلام ، ومنهم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – فقد قال :
والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المُحدِّثين وغيرهم ، فقد امتازا على غيرهما من كُتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة ، وطرح الأحاديث الضعيفة والمنكرة ، على قواعد متينة ، وشروط دقيقة ، وقد وُفِّقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفّق إليه مَن بعدهم ممن نحا نحوهم في جمع " الصحيح " كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ، حتى صار عُرفاً عاماً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما ، فقد جاوز القنطرة ، ودخل في طريق الصحة والسلامة ، ولا ريب في ذلك ، وأنه هو الأصل عندنا ، وليس معنى ذلك أن كل حرف أو لفظة أو كلمة في الصحيحين هو بمنزلة ما في القرآن ، لا يُمكن أن يكون فيه وهم أو خطأ في شيء من ذلك من بعض الرواة ، كلا ، فلسنا نعتقد العصمة لكتابٍ بعد كتاب الله أصلاً ، فقد قال الإمام الشافعي وغيره : أبى الله أن يتمّ إلا كتابه .
ولا يُمكن أن يدّعي ذلك أحد من أهل العلم ممن درسوا الكتابين دراسة تفهّم وتدبّر مع نبذ التعصب ، وفي حدود القواعد العلمية الحديثية ، لا الأهواء الشخصية ، أو الثقافة الأجنبية عن الإسلام وقواعد عُلمائه . انتهى كلامه – رحمه الله – .
إذا عُلِم هذا فإن الشيخ – رحمه الله – ربما يُضعّف لفظة في الصحيحين أو في أحدهما ، ويكون سُبق إلى ذلك .
وعلى سبيل المثال :
اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث صلاة الكسوف وصفتها ، وهي :(3/417)
فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم سجد فأطال السجود ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ثم انصرف . كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – .
ووردت صفات أخرى بأربع ركوعات وبخمس وست ركوعات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين ، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم ، وقد بين ذلك الشافعي وهو قول البخاري وأحمد ابن حنبل في إحدى الروايتين عنه ، والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم ، ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف ، ولا كان له إبراهيمان ! انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى فعند مسلم من وجه آخر عن عائشة وآخر عن جابر أن في كل ركعة ثلاث ركوعات ، وعنده من وجه آخر عن ابن عباس أن في كل ركعة أربع ركوعات ، ولأبي داود من حديث أبي بن كعب ، والبزار من حديث عليّ أن في كل ركعة خمس ركوعات ، ولا يخلو إسناد منها عن علة ، وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر ونقل صاحب الهدي عن الشافعي وأحمد والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة ، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض ، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح .
وهذا على سبيل المثال .
ولا يطعن هذا في الصحيحين أصلاً ولايطعن في ثبوت أحاديث صلاة الكسوف ، وإنما في بعض ماوهم فيه بعض الرواة
وقد يكون للشيخ الألباني – رحمه الله – رأي أو وجهة نظر فيما يتعلق بمسألة من مسائل المصطلح ، كرواية أبي الزبير عن جابر – رضي الله عنه – .
وقد يكون الحق مع الشيخ في مسألة ، وقد يكون مع غيره .(3/418)
ولا يغض هذا من قدر الصحيحين ولا من قدر الشيخ – رحمه الله –
فإنه – رحمه الله – ما عُرِف عنه إلا تعظيم السُّنّة والذب عنها والحرص على نشرها .
فرحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته .
والله أعلم .
---------------------------
س23:
هل تنصحنا بكتب في علم التخريج ؟
الجواب :
بالنسبة لعلم التخريج ، فيحتاج من يُريد خوض غمار هذا الفن إلى فن لصيق به ، وهو علوم الحديث أو المصطلح ، فهما صنوان .
وأما كتب التخريج وما يتعلق به فقد كفانا المؤونة الشيخ الفاضل د . بكر أبو زيد في كتابه : " التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل " وهو مطبوع .
والله أعلم .
وصلى الله عليه على آله وسلم
---------------------------------
س24:
نريد تبيين الاحاديث من فضيلتكم اقصد الاحاديث الضعيفه والموضوعه للناس بارك الله فيكم؟
الجواب :
لا أدري هل الأخ يُريد أن أذكر له الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، أو هو يُريد ذِكر مراجع لها ؟
فإن كان الأول فإن الأعمار لو أُضيف إليها أعمار أخرى لفنيت وما دوّن الضعيف والموضوع في كتاب جامع !
ولكني أذكر بعض المراجع :
تذكرة الموضوعات للمقدسي
الموضوعات لابن الجوزي – رحمه الله – ، وإن كان أُخذ عليه إدخال بعض أحاديث الصحيح .
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي أيضا
الموضوعات في الأحاديث المرفوعات للجوزقي
أحاديث القصاص لشيخ الإسلام ابن تيمية
تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عرّاق
اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني
الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي لمحمد الحسيني السندروسي
الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا علي قارئ
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني
ضعيف الجامع الصغير له
وكتب الشيخ عموما التي خرّج فيها أحاديث كتب معينة ، فقسّمها إلى صحيح وضعيف .(3/419)
والنافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة لأبي إسحاق الحويني
وهناك كُتب هي بمثابة القواعد لمعرفة الضعيف والموضوع
وهي الكتب التي نُصّ فيها على أنه لم يصح في الباب شيء .
ومنها :
المغني عن الحفظ والكتاب في قولهم : لا يصح شيء في هذا الباب للموصلي
ولأبي إسحاق الحويني عليه : جُنة المرتاب بنقد كتاب المغني عن الحفظ والكتاب
الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث للعامري
التحديث بما قيل : لا يصح فيه حديث
والله أعلم .
-----------------------
س25:
1- هناك حديث منتشر
(( الجنة تحت أقدام الأمهات))
ما وضع هذا الحديث ؟
2- هل يكون الحديث صحيح إذا كان جميع رجاله على درجة واحدة من الصدق والأمانة أم في درجات متفاوتة
3- هل حديث بحيرا الراهب ضعيف .
4- هل يمكن لأي شخص أن يخرج حديث بالرجوع للكتب ام أنه يجب أن نعود لأهل العلم والتمرس .
الجواب :
الحديث ورد بلفظ : الجنة تحت أقدام الأمهات ، مَنْ شِئن أدخلن ، ومن شِئن أخرجن !
وقال عنه الألباني : موضوع .
قال : ويُغني عنه حديث معاوية بن جاهمة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه على آله وسلم وهو يُريد الغزو ، فقال له – عليه الصلاة والسلام – : هل لك أمّ ؟
قال : نعم .
قال : فالزمها فإن الجنة تحت رجليها . رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه .
وقال الألباني : حسن .
بالنسبة للحديث الصحيح
فإنه يُشترط له خمسة شروط لكي يُحكم بصحته .
عدالة الرواة
ضبط الرواة
اتصال السند
السلامة من الشذوذ
السلامة من العِلّة
وهذا لا شك يدلّ على دقّة المحدثين – رحمهم الله –
غير أنه لا يُشترط لرجاله أن يكونوا على درجة واحدة ، فقد يكون فيهم :
ثقة ، وأوثق منه
و : ثقة ، وثقة ثبت
و : ثقة ، وثقة ثبت إمام
إلا أنهم لا ينزلون عن وصف الثقة .
فإن خفّ الضبط كـ " صدوق " نزل إلى درجة الحَسَن .
هذا كله فيما يتعلق بتصحيح الحديث لذاته .
وإلا فإن الحديث قد يُقال عنه : صحيح ، ويكون في أسانيده من خفّ ضبطه .(3/420)
بمعنى أن الحديث الصحيح لغيره قد يكون في بعض طُرقه من خفّ ضبطه ، ولكنه باجتماع تلط الطُّرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره .
وكذا الحديث الحسن لغيره ، فإنه قد يكون في بعض طرقه من هو ضعيف ، ويرتقي بمجموع طرقه إلى الحسن لغيره
أما حديث بحيرا الراهب
فاختُلِف فيه .
ولذا لما أشار إليها الشيخ محمد الغزالي – المعاصر – في فقه السيرة إليها بقوله :
وسواء صحّت قصة بحيرا هذه أم بطلت ...
عقّب عليه الشيخ الألباني بقوله :
بل هي صحيحة ؛ فقد أخرجها الترمذي من حديث أبي موسى ، وقال : هذا حديث حسن . قلت : وإسناده صحيح ، كما قال الجزري . قال : وذِكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ . قلت : وقد رواه البزار فقال : وأرسل معه عمه رجلاً . انتهى كلامه – رحمه الله – .
أما بالنسبة للتخريج
فيُمكن لكل باحث أن يعزو الأحاديث إلى مصادرها مُجرّد عزو
أما التصحيح والتضعيف فلا بُدّ من التمرّس في هذا العلم وأن يكون عنده ملَكَة في هذا الفن .
وكثير من الباحثين في رسائل الماجستير والدكتوراه بل ومن المؤلفين يرجعون إلى كُتب أهل الاختصاص في التخريج والحُكم على الأحاديث .
مما يدلّ على صعوبة الحُكم لغير أهل الاختصاص .
والله أعلم .
....................
342-سيرة السيد العفيف والشهم الكريم
له فضيلة لم يُشاركه فيها غيره
بل له فضائل جمة
فهو عفيف متعفف
شهم كريم
سيّد مُطاع
وكان من أشراف قريش وعقلائها ونبلائها .
وكانت خديجة عمته .
وكان الزبير ابن عمه .
فمن هو ؟
اسمه : حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو خالد القرشي الأسدي .
مولده : وُلِد حكيم في جوف الكعبة ، وعاش مئة وعشرين سنة .
قال البخاري في تاريخه : عاش ستين سنة في الجاهلية ، وستين في الإسلام .
إسلامه : أسلم يوم الفتح ، وحسن إسلامه ، وغزا حنيناً والطائف .(3/421)
حدث عنه ابناه هشام بن حكيم ، وهو صحابي مثل أبيه . وكان ابنه هذا صليباً مهيباً ، كان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فكان عمر رضي الله عنه إذا رأى مُنكراً قال : أمّا ما عِشتُ أنا وهشام بن حكيم ، فلا يكون هذا .
قال الإمام الذهبي : وكان حكيم علامة بالنسب فقيه النفس كبير الشأن .
من مناقبه : قال حكيم بن حزام رضي الله عنه : كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلي في الجاهلية ، فلما نبىء وهاجر ، شهد حكيم الموسم كافراً ، فوجد حلة لذي يزن تباع ، فاشتراها بخمسين دينارا ، ليهديها إلى رسول الله ، فقدم بها عليه المدينة ، فأراده على قبضها هدية ، فأبى . قال : إنا لا نقبل من المشركين شيئا ، ولكن إن شئت بالثمن . قال حكيم : فأعطيته حين أبى علي الهدية ، يعني بالثمن .
فلبسها ، فرأيتها عليه على المنبر ، فلم أر شيئا أحسن منه يومئذ فيها ، ثم أعطاها أسامة ، فرآها حكيم على أسامة ، فقال : يا أسامة أتلبس حلة ذي يزن ؟ قال : نعم ! والله لأنا خير منه ، ولأبي خير من أبيه .
قال حكيم بن حزام رضي الله عنه : يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم ، فهل فيها من أجر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسلمت على ما سلف من خير . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : قلت : فو الله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله . وكان أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير ، ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير .
قال مصعب بن عثمان سمعتهم يقولون : لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى بلغ أربعين سنة إلا حكيم بن حزام فإنه دخل للرأي وهو ابن خمس عشرة .
وهذا يدلّ على رجاحة عقله رضي الله عنه .(3/422)
كرمه : قال حكيم : كنت تاجرا أخرج إلى اليمن وآتي الشام فكنت أربح أرباحا كثيرة فأعود على فقراء قومي ، وابتعت بسوق عكاظ زيد بن حارثة لعمتي بست مئة درهم ، فلما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته زيداً فأعتقه ، فلما حج معاوية أخذ معاوية مني داري بمكة بأربعين ألف دينار فبلغني أن ابن الزبير قال : ما يدري هذا الشيخ ما باع . فقلت : والله ما ابتعتها إلا بِزِقّ من خمر ، وكان لا يجيء أحد يستحمله في السبيل إلا حمله .
ولما حاصر مشركو قريش بني هاشم في الشعب كان حكيم تأتيه العير بالحنطة فيقبلها الشعب ثم يضرب أعجازها ، فتدخل عليهم فيأخذون ما عليها .
وقال مصعب بن ثابت : بلغني والله أن حكيم بن حزام حضر يوم عرفة ومعه مئة رقبة ومئة بدنة ومئة بقرة ومئة شاة ، فقال : الكل لله .
ولما توفي الزبير لقي حكيم عبد الله بن الزبير ، فقال : كم ترك أخي من الدَّين ؟ قال : ألف ألف . قال : عليّ خمس مئة ألف .
استعفافه : قال حكيم بن حِزامٍ رضيَ اللّهُ عنه : سألتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فأعطاني ، ثمّ سألتهُ فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ثمّ قال : يا حكيمُ ! إنّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوة ، فمن أخذَهُ بَسخاوةِ نفسٍ بوركَ له فيه ، ومن أخذَهُ بإشْرافِ نفسٍ لم يُبارَك له فيه ، كالذي يأكلُ ولا يشبَعُ . اليدُ العُليا خيرٌ منَ اليدِ السّفلى . قال حكيمٌ : فقلتُ : يا رسولَ اللّهِ ، والذي بَعثكَ بالحقّ لا أرزأُ أحداً بعدَكَ شيئاً حتى أُفارِقَ الدنيا . متفق عليه .(3/423)
فكان أبو بكرٍ رضيَ اللّهُ عنهُ يَدعو حكيماً إلى العطاءِ فيأبى أن يَقبلَه منه ، ثمّ إن عمرَ رضيَ اللّهُ عنهُ دعاهُ ليعطِيَهُ فأبى أن يَقبلَ منهُ شيئا ، فقال عمرُ : إني أُشهِدُكم يا معشرَ المسلمينَ على حكيمٍ أني أعرِضُ عليهِ حقَّهُ من هذا الفَيْءِ فيأبىَ أن يأخُذَه ، فلم يَرْزَأْ حكيمٌ أحداً منَ الناسِ بعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حتى تُوُفّي . كما عند البخاري .
وفاته : مات سنة أربع وخمسين من الهجرة فرضي الله عنه وأرضاه . وكان يقول عند الموت : لا إله إلا الله ، قد كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك .
المرجع : سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله .
343-فقد يؤدّيك نحو الصحة المرضُ ( قصة )
حدثني أحد كبار السن – من سكان الرياض - عن خاله قال :
كان خالي رجلا كبيرا في السن وكان قد كفّ بصره ، وأُصيب بداء في بطنه فكان بطنه يستطلق كلما أكل شيئا حتى إنه لا يستطيع أن يذهب للمسجد بعد تناوله للطعام
قال : فلما كان يوم عيد ذهب أولاده إلى أهلهم وتركوه وحيدا في البيت وقالوا له : عندك كيس فيه جراد مطبوخ وآخر فيه تمر ، فخذ من التمر واخلطه بالجراد وكُله إذا احتجت للطعام . ثم أخذ قطعة كبيرة من التمر وأدخل يده في كيس آخر وخلطها به ثم أكلها ، واستغرب حينما لم يستطلق بطنه ، فلما عاد أولاده قال لهم : انظروا ماذا أكلت فقد استمسك بطني .
فنظروا فإذا هو قد خلط التمر بالحناء !! فجعله الله له شفاء .
هذه الواقعة الأولى التي حصلت لذلك الرجل .
وأما الواقعة الثانية :(3/424)
فإنه كان ينام على سطح بيت ليس له جدران ، وكان ذلك في الصيف ، ( وقد ورد النهي عن النوم على سطح بيت ليس له إجار ) فأراد ذلك الرجل الكفيف أن ينزل من سطح البيت ليذهب إلى صلاة الفجر فقدّم عصاه أمامه فنزل العصا قليلا وظن أنه أمام الدرج فأراد أن يضع قدمه فوقع من السطح وتفاجأ عندما مسح الدم عن وجهه فإذا هو يرى يده ، ثم ذهب إلى صلاة الفجر وعاد إلى بيته .
فأحضرت زوجته ( القهوة ) فكان يتخيّر من التمر ويمد يده مباشرة إلى لتناول ( الفنجال ) فاستغربت منه - وهو لم يُخبرها - فسألته فأخبرها بخبره .
( هاتان القصتان سمعتهما بنفسي من ابن أخت صاحب القصة ، وهو رجل كبير في السن ، ومؤذن مسجد ) .
فهذا شاهد أن المرض قد يؤدّي المريض نحو الصحة ، وأن ما يعتبره العبد أحيانا مصيبة قد يكون خيرا له .
344-تنبيهات على نشرات مكذوبات وآيات قرآنية
نبّه عليها سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله وأعلى درجته
نشرات مكذوبة يروجها بعض الناس
قال - رحمه الله - :
وردتنا رسالة من معلمة بالمدرسة الثانوية الثالثة بالرياض تسأل فيها عن نشرات توزع في بعض المدارس ، ونص تلك النشرات : قال الله تعالى : ( بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) سورة الزمر آية 96 . ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة الأعراف آية 107 . ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) سورة يونس آية 64 . ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) . سورة إبراهيم آية 27 .(3/425)
قم بإرسال هذه الآيات لتكون جالبة خير وحسن طالع وفلاح ، فقم بتوزيعها حول العالم تسع مرات وستجلب لك الخير والفلاح بعد أربعة أيام بإذن الله ، وليس الأمر بلهو ولعب أو لاتخاذ آيات الله الكريمة هزوا بك ، وسترى ما يصلك خلال أربعة أيام .
فعليك أن ترسل نسخا من هذه الرسالة وقد سبق أن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال فوزعها فورا فجاءته أخبار نجاح صفقة تجارية بسبعة آلاف دينار زيادة عما كان متوقعا ، ووصلت إلى طبيب وأهملها فلقي مصرعه في حادث سيارة أدى إلى تشويهه كاملا وبقي جثة هامدة مبعثرة تحدث عنها الجميع .
وذلك لأنه أهمل توزيع الرسالة ، وفوجئ أحد المقاولين بإحالة عطاء مجز إليه ، ولكنه أهمل توزيعها فتوفي ابنه الأكبر في حادث سيارة في بلد عربي شقيق . لذا يرجى إرسال 25 نسخة وستبشر بما يصلك في اليوم الرابع . وإياك أن تهملها ، فهناك من ربح الآلاف لدى التزامه ، وأما من أهمل كان خطرا على حياته وأمواله . وفقنا الله وإياكم لتبليغ هذه الرسالة والله ولي التوفيق ) .
قال الشيخ رحمه الله :
ولما اطلعت على هذه الرسالة كتبت ما يأتي : هذه النشرة وما يترتب عليها من الفوائد بزعم من كتبها وما يترتب على إهمالها من الخطر كذب لا أساس له من الصحة ، بل هي من مفتريات الكذابين اللعابين ، ولا يجوز توزيعها لا في الداخل ولا في الخارج ، بل ذلك منكر يأثم من فعله ويستحق عليه العقوبة العاجلة والآجلة .
لأن البدع شرها عظيم وعواقبها وخيمة ، وهذه النشرة على هذا الوجه من البدع المنكرة ومن الكذب على الله سبحانه وقد قال الله سبحانه : إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه مسلم في صحيحه . .(3/426)
فالواجب على جميع المسلمين الذين تقع في أيديهم أمثال هذه النشرة تمزيقها وإتلافها وتحذير الناس منها ، وقد أهملناها وأهملها غيرنا من أهل الإيمان فما رأينا إلا خيرا ، ومثلها النشرة التي ينسبونها إلى خادم الحجرة النبوية ،
ونشرة أخرى مثل النشرة المذكورة آنفا لكنها مبدوءة بقول الله سبحانه قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا بدلا من قول الله سبحانه بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وكلها نشرات مكذوبة لا أساس لها من الصحة ولا يترتب عليها خير ولا شر ، ولكن يأثم من افتراها ومن وزعها ومن دعا إليها ومن روجها بين الناس؛ لأن ذلك كله من باب التعاون على الإثم والعدوان ، ومن باب ترويج البدع والترغيب في الأخذ بها .
نسأل الله لنا وللمسلمين العافية من كل شر وحسبنا الله على من وضعها ، ونسأل الله أن يعامله بما يستحق لكذبه على الله وترويجه الكذب وإشغاله الناس بما يضرهم ولا ينفعهم ، وللنصيحة لله ولعباده جرى التنبيه على ذلك .
======================
رحم الله الشيخ وأسكنه الفردوس الأعلى
فقد استفدنا من علمه حياً وميتا
..
وصلتني رسالة عبر البريد تحت عنوان ( أنتبه لا تهملها ) وقد أُرفق معها صور الآيات !! برسم المصحف
هنا
http://assuhaim.jeeran.com/images/a1/ayat.jpg
فتنبهوا ونبّهوا واحذروا أن تكونوا ممن يدعو إلى ضلالة من حيث لا يشعر أو تكونوا ممن يُروّج للأباطيل والخرافات !
وفق الله الجميع
345-صفة لباس الرجل والمرأة أمام أولادهم
كنت كتبت حول مسألة لباس المرأة بين النساء وأمام المحارم ، ثم كتبت إحدى الأخوات تسأل عن صفة لباس الرجل والمرأة أمام أولادهم .
فأقول :
لا عجب أن يهتم الإسلام بالأولاد صغاراً كانوا أم كباراً ، فالإسلام دين الكمال .
دينٌ كامل كمّله الله ، وامتنّ على هذه الأمة بكمال الدِّين ، وبتمام النّعمة ، فقال الله جل جلاله :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ )
قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً . قال : أي آية ؟ قال :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ )
قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة . رواه البخاري ومسلم .
فَدِين الله عز وجل تضمّن ما يهم المسلم في جميع مناحي الحياة ، دقّها وجلّها ، جليلها وحقيرها
بل نظّم الإسلام علاقة الإنسان بالحيوان !
وحول هذا الموضوع جاء التوجيه الرباني في قوله عز وجل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن . فقال ابن عباس : إن الله ستير يحب الستر ، كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ولاحجال في بيوتهم ،فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجره وهو على أهله ، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله ، ثم جاء الله بعد بالستور ، فبسط الله عليهم الرزق فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال ، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به .
قال ابن كثير رحمه الله : وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما .
ثم جاء التوجيه الرباني :
( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : يعني إذا بلغ الأطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث إذا بلغوا الحلم وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال ، يعني بالنسبة إلى أجانبهم وإلى الأحوال التي يكون الرجل على امرأته ، وإن لم يكن في الأحوال الثلاث . قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير : إذا كان الغلام رباعياً فإنه يستأذن في العورات الثلاث على أبويه ، فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال ، وهكذا قال سعيد بن جبير ، وقال في قوله
( كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) يعني كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه . انتهى .
وقال ابن الجوزي رحمه الله : فالبالغ يستاذن في كل وقت ، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث .
فالخطاب بالنسبة للأطفال توجّه للأبوين .
قال القرطبي رحمه الله :
( لِيَسْتَأْذِنكُمُ ) لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبدين . اهـ .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا خلا الرجل بأهله بعد العشاء فلا يدخل عليه خادم ولا صبيّ إلا بإذنه حتى يُصلي الغداة ، واذا خلا بأهله عند الظهر فمثل ذلك .
ولأن الطفل لو رأى شيئاً مما يقع بين الزوج وزوجته لرسخ ذلك في مُخيّلته ، ولكان له الأثر السلبي على حياته ، إذ أنّ أمه وأباه هم القدوة في حياته ، ثم يراهم على ذلك الوضع !
فيجب أن يُعوّد الأطفال على ذلك ، وأن يؤمروا أن لا يدخلو غرفة نوم والديهم إلا بعد الاستئذان ، وقرع الباب ، فإن أُذِن له وإلا فليرجع ولا يدخل .
يقول الأستاذ عدنان با حارث في كتاب مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة :
ويحذر الأب كل الحذر من نوم الولد بعد السنة الأولى من عمره في غرفة نومه الخاصة به مع أهله ؛ خشية أن يرى الولد ما يكره من العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة . اهـ .
وأما اللباس المعتاد للرجل في بيته ، فهو ما يستر عورته ، وإذا كان مِن عادته أن يُخصص للبيت لباساً فليحرص أشدّ الحرص على أن يكون اللباس ساتراً للعورة ، أو أن يلبس تحته ما يستر العورة ؛ لأن الطفل إذا شاهد تساهل والده في ستر العورة حذا حَذوه ، وسار بسيره ، وربما يُفاجأ الأب في يوم من الأيام إذا انتهر طفله ( ذكراً أو أنثى ) آمراً إياه أن يستر عورته ، ربما يُفاجأ بما لم يكن في حسبانه من ردّ الطفل : وأنت تفعل هذا !
يعني أنك محلّ قدوة ، وتفعل هذا !
وكيف تنهى عن أمر أنت تفعله ؟!
وربما ظن بعض الآباء أن الطفل لا يُدرك ، ولكن لو ألقى سمعه لبعض همسات طفله لمن هم في مثل سِنِّه لسمع ما لم يكن يتوقعه !
فالطفل شديد العناية بتصرفات والديه ، دقيق الملاحظة لكل ما يصدر منهما .
وأما لباس المرأة فإنه يجب أن يكون أشدّ عند الصغار ؛ لأنهم ربما نقلوا ما اطّلعوا عليه من عورات النساء !
قالت أم سلمة رضي الله عنها : دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث ، فسمعه يقول لعبد الله بن أمية : يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غداً فعليك بابنة غيلان ، فإنها تُقبل بأربع وتُدبر بثمان ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخل هؤلاء عليكم . رواه البخاري ومسلم .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ، فكانوا يَعدّونه من غير أولي الإربة . فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة . قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أرى هذا يعرف ما ها هنا ! لا يدخلن عليكن . قالت : فحجبوه .
قال الإمام البخاري : تقبل بأربع وتدبر : يعني أربع عِكن بطنها ، فهي تُقبل بهن ، وقوله : وتدبر بثمان : يعني أطراف هذه العكن الأربع ؛ لأنها محيطة بالجنبين حتى لَحِقَتْ .
فهذا من غير أولي الإربة من الرجال ، ومع ذلك تفطّن لما يتفطّن له الرجال ، وانتبه لما ينتبه له الرجال عادة !
وفي هذا إشارة وتنبيه إلى بعض النساء اللواتي يتساهلن في اللباس أمام الأطفال !
فقد تتساهل المرأة في لباسها في بيتها بحجة أنها في بيتها ، وأمام زوجها تُريد أن تتزيّن له ، وهي لا تشعر بلحظ الأطفال لكل حركة وسكنة !
أو في حال رضاع الصغير ، ونحو ذلك .
وربما تحدّث الطفل عند الكبار مما رأى !
إن بإمكان المرأة أن تتجمّل لزوجها وأن تتزيّن له في غرفة نومه ، حفاظاً على مشاعر الأطفال الذين ربما أثّر فيهم ما يرون من تساهل أمهم باللباس ، وربما ورِثته البنت عن أمها.
ومما تتساهل به بعض الأمهات أن تخرج من غرفتها إلى دورة المياه أحياناً شبه عارية ، غير مُبالية بنظرات الصغار ، وربما نظرات احتقار وازدراء !
ورأى طفل سوءة امرأة لم تهتم به بحجة أنه طفل ، فجاء يُحدّث أهله بما رأى وقد اجتمعوا على العشاء ! ثم شبّه سوءة تلك المرأة بسوءة أخته التي كانت هي الأخرى لا تهتم بنظر الطفل الصغير !
فأخذت تحثو التراب في وجهه ، وكانت أحق به وأولى !
وشاب دخل البيت نهاراً فرأى ما لا يسرّ من علاقة أبيه بأمه ! فلما اجتمعوا في الليل : سأل أباه عما كان يفعل بأمه ؟! فأخذت أمه تحثو عليه التراب !
لقد كانوا في غنى عن ذلك السؤال !
وربما يظن بعض الناس أن الطفل لا ينتبه ، بينما هو شديد الملاحظة ، حادّ النّظرة ، ربما يَخزن المعلومات فتكون الفضيحة وقت إبراز ذلك المخزون !
وربما تمنّت المرأة أو تمنّى الرجل وقتها أن الأرض انشقّت وابتلعته ولم يسمع عَرْضَ تلك الفضيحة ، ولم يسمع ذلك القول على الملأ !
الطفل فطرته سليمة ، فيجب أن تبقى على هذا النقاء ، وأن يُحافظ على ذلك الصفاء ، لا كما يدعو إليه من لا خلاق له بوجوب تعليم الأطفال الجنس ، ويزعمون أنه من باب تثقيف الأطفال !
ولذلك في المدارس الأوربية - غالباً - لا توجد أبواب للمراحيض في المدارس !
فيذهب الحياء ويذهب معه كل خُلُق فاضل ، وينشأ الذكور والإناث على حياة بهيمية لا تُتستر فيها عورة ، ولا يُستحيا فيها من إبداء سوءة !
إن لباس نساء سلف هذه الأمة في البيوت يُغطي الساقين والذراعين ، ولا يظهر منها إلا ما يظهر حال المهنة والخدمة ، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ثم ليتذكّر المسلم والمسلمة أن الله ستّير يُحب الستر
ففي المسند والسنن من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو مما ملكت يمينك . فقال : الرجل يكون مع الرجل ؟ قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فأفعل . قلت : والرجل يكون خاليا ؟ قال : فالله أحق أن يستحيا منه .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم(3/427)