مقالات
الأستاذ محمد عبد الله آل شاكر
حول التراث
أوقفوا هذا العبث !
إن تراث كل أمة من الأمم هو ما يتناقله الخلف عن السلف ، من علوم ومعارف متنوعة ، في الدين والفكر والأخلاق ، وفي سائر جوانب الحياة العلمية .
وكل أمة من الأمم التي تعنى بحضارتها ؛ تعتز بتراثها ، وتقف حياله وقفة إكبار وإجلال ؛ فهو يربط حاضرها بماضيها بسلسلة من النسب العريق . ولذلك يحتل مكانته التي تليق به ، وتسمو مكانة هذا التراث وتعظُم أكثر عندما يتصل بعقيدة الأمة وفكرها الديني ، ويقوم على الوحي الإلهي مصدراً وغاية . وعندئذ يكون من حق هذا التراث على أبناء الأمة الغيورين ، أن يحافظوا عليه ، فيصدُّوا عنه غارات المغيرين ، وينفوا عنه تحريف الغالين ، وتأويل الجاهلين ، وانتحال المبطلين ؛ وأن يأخذوا على أيدي العابثين الذين يعملون فيه معاول الهدم والتخريب ، شعروا وقصدوا ذلك أو لم يشعروا أولم يقصدوا .
وقد كان ذلك ؟ فهيأ الله تعالى لتراث أمتنا حراساً أمناء ، اعتنوا به عناية فائقة ، وقاموا بجهود كبيرة مشكورة ، يدفعهم إلى ذلك : إيمان بقدسية هذا التراث ، وغيرة على منهج الأسلاف .
ومع النهضة المعاصرة والصحوة الإسلامية التي تفتحت عليها أعين الجيل ، اشتدت العناية بالتراث ، والذي يتابع حركة النشر وما تدفعه المطابع ، يجد كمّاً كبيراً أو سيلاً من المطبوعات ، يدفع إلى إبداء بعض الملاحظات التي لا يخطئها النظر . أحببت أن أعرضها على قراء « البيان » لعلهم يرون فيها رأياً ، أو يصححون فيها خطأ ، أو يشاركون بجهد .
والذي آمله من الإخوة القراء وغيرهم : أن يكون مستقراً في الأذهان ؟ أن هذا لا يعني انتقاصاً - بأي حال من الأحوال - لجهد طيب يبذله مؤمنون صادقون ، يعرفون للكلمة قدسيتها ، وللتراث قيمته ، فيعكفون على خدمته : دراسة وإشاعة في الأمة ، في حلة زاهية وثوب قشيب ، بعد جهد ومعاناة ، يتعانق فيهما الشكل مع روعة المضمون .(1/1)
كما لا يعني إبداء هذه الملاحظات - أو النصائح - أن كاتبها يجعل من نفسه حكماً على غيره ، يقوِّم أعمالهم وجهدهم .
ولكنها ملاحظات على ظواهر نراها بارزة ، ونسعى للتخلص منها ؛ تجويداً
للعمل وتصويباً للطريقة .
ولست في هذا بمبتدع ، فقد سبق كثير من الباحثين والكتاب الأفاضل ، برصد بعض الظواهر وإبداء ملاحظاتهم ، ورفعوا عقيدتهم بصيحات مخلصة -إن شاء الله تعالى - تهدف إلى وقف الخطر على تراثنا .
تجد هذا في ما تقرؤه في كتاب « التعالم ، وأثره على الفكر والكتاب » لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ، وفي « أخطار على المراجع العلمية لتراث أئمة السلف » للشيخ عثمان عبد القادر الصافي ، وفي مقالات بمجلة « البيان » الغراء ، آخرها في العدد السادس والثلاثين . فعزز ذلك عندي إبداء هذه الملاحظات التي تتبعتها وسجلتها منذ سنوات ، ولعلها تكاملت في معظمها الآن ، فعلى بركة الله وتوفيقه نعرضها على الإخوة الكرام .(1/2)
« التحقيق » : بذل عناية خاصة بالمخطوط لتقديمه صحيحاً كما وضعه مؤلفه . وتكاد كلمة المحققين والمعنيين بالتراث تُجمِع على أن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن يتناول البحث فيها : أولاً تحقيق عنوان الكتاب ، ثم تحقيق اسم المؤلف ، ونسبة الكتاب إلى مؤلفه ، ومن بعد : تحقيق متن الكتاب(1) ، ولكن هذه القاعدة المسلَّمة أو البديهة ، يضرب بها بعض المحققين عرض الحائط ، ويجعلونها تحت أقدامهم ، ودبر آذانهم ، فيبيحون لأنفسهم تغيير اسم الكتاب وعنوانه ، ويستبدلون به اسماً آخر موهماً ، مع أن الكتاب قد عرف منذ قرون واشتهر باسمه الصحيح ، فيأتي محقق مجتهد ومعلق بارع ، يجانبه الصواب ، ويجانب الأمانة العلمية والخلق الإسلامي ، فيعدو على تراث الأمة وحقوق العلماء ، فيعمل في مؤلفاتهم تشويهاً وتحريفاً .
والأمثلة على ذلك كثيرة تعزُّ على الحصر وهذه إشارة إلى بعضها :
* للعلامة بدر الدين بن عبد الله الشبلي (توفي 769 ه) كتاب أسماه : « آكام المرجان في أحكام الجان » وهو منذ سبعه قرون معروف بهذا الاسم بين العلماء وطلبة العلم ، وفي فهارس الكتب باسمه كاملاً ومختصراً . ومنذ سنوات ظهر في سوق الكتب كتاب بعنوان تجاري يستهوي الباحثين عن العجائب والغرائب في عصر العجائب الكثيرة التي نعيشها اليوم . هو « غرائب وعجائب الجان كما يصورها القرآن والسنة » ، تحقيق وتعليق إبراهيم الجمل ، (مكتب الخدمات الحديثة بجدة ، عام 1982م) ، وكأن القرآن الكريم أنزله الله تعالى ليكون كتاب عجائب وغرائب ، وكذلك وردت السنة النبوية !
__________
(1) راجع : تحقيق النصوص ونشرها ، د عبد السلام هارون ، قواعد تحقيق المخطوطات للدكتور المنجد ، محاضرات في تحقيق النصوص للدكتور أحمد الخراط .(1/3)
والذي يتبادر للذهن أنه كتاب غير الكتاب الأول بكل تأكيد ، للمفارقة التامة بين العنوانين ، فالأول أحكام ، والثاني عجائب .. وهذا يدفع لاقتناء الكتاب ، وخاصة لمن يتابع القراءة في مثل هذه الموضوعات أو يبحث فيها . ثم يفاجأ بأن الكتاب نفسه عنده بعنوان آخر .
ولن تحتاج إلى جهد كبير لتقف على معرفة الجاني الذي عدا على الكتاب بالمسخ وتغيير هويته ، فستطالعك مقدمة محقق الكتاب بكل صراحة ووضوح : « .. فغيَّرنا اسمه إلى : عجائب وغرائب .. ليلائم روح العصر » . (أقول : لا عجب أليس الإسلام ملائماً وصالحاً لكل عصر ؟ ) وهذا التعليل أَعْجَبَ ناشر الكتاب فقال مادحاً المحقق ، مزكياً عمله : « وقد أحسن المحقق ( ! ) إذ عدَّل في عنوان الكتاب فجعله : غرائب وعجائب الجان .. حتى يعكس العنوان حقيقة المصدر الذي اعتمد عليه المؤلف ، فيطمئن القارئ إلى أنه سيقرأ كتاباً مستمداً من نور القرآن الكريم والسنة المطهرة ، خالياً من الشعوذة والخرافات التي عمّ انتشارها عن الجن وأحوالها وعلاقتها بالناس » ! !
ولست أدري - ولا أخال عاقلاً يدري - كيف يطمئن القارئ إلى ما يقرأ ، وكيف يثق بالنص أمامه وهو يجد الإقرار على التحريف والتزوير الذي سماه المحقق « تغييراً » ، وسماه الناشر « تعديلاً » ، كيف يطمئن لصحة النص وهو يجد ذلك منذ وقعت عينه على غلاف الكتاب ثم على الورقة الداخلية ، ويجد الإقرار ممهوراً بتوقيع الجاني وشهادة الناشر !
فهل يظن حضرة المحقق أو الناشر أن هذا التراث نهب لكل من أراد ، أو أنه مزرعة آلت إليه ملكيتها بالإرث من أحد آبائه ، وهو الوارث الوحيد ، فله الحق أن يفعل فيها ما يشاء دون رقيب أو حسيب ؟ فماذا لو كان هناك وارث آخر وبدا له أن يغير العنوان مرة ثانية (لأنه شريك في التركة) بعد سنوات ليكون ملائماً « لروح العصر » أيضاً ؟(1/4)
ثم ما هذا التدليس والتغرير بالقراء بهذه العبارة : « كما يصورها القرآن والسنة » ، أهي متاجرة بالدعوة للعودة إلى المصادر الأولى : الكتاب والسنة ، بين جيل الصحوة الذي يجد في هذه الدعوة تحقيقاً لأمله ؟
أما اطمئنان القارئ إلى أنه سيقرأ كتاباً معتمداً على الكتاب والسنة ، فيكفيه أن يكون الكتاب عنوانه « أحكام الجان » فإن الأحكام في الإسلام مستمدة من الكتاب والسنة والمصادر التبعية الأخرى ، بينما العجائب والغرائب التي حشرها المحقق ليست كذلك . فما كان جديراً بالمحقق ولا الناشر أن يتاجرا بهذا الكلام ويطمسا الحقيقة . وأي شعوذة أو خرافة أكثر من هذا العمل في علاقتها بهذا الكتاب !
* وليس هذا الكتاب الوحيد الذي يتلاعب « الأستاذ الجمل » به ، فيبدو أنه استمرأ العملية هذه واستملحها ، وساعده على ذلك ناشرون آخرون ، فإن ابن غانم المقدسي له كتاب اسمه : « مجموع منتخب في مصايد الشيطان ، وذم الهوى » فسطا عليه المحقق وعبث فيه ، فجعل عنوانه : « مصائد الشيطان وذم الهوى ، مختصر إغاثة اللهفان لابن القيم » لابن غانم المقدسي (مكتبة القرآن ، القاهرة ، 1982 م) .
وبالتأكيد لم يكن هذا سهواً أو جهلاً بحقيقة اسم الكتاب ، بل كان عن عمد وقصد ، والشهادة على هذا بالزنكوغراف في الكتاب وفي صورة الصفحة الأولى من المخطوط ، والعنوان واضح فيها وضوح الشمس في رابعة النهار !
* للحارث بن أسد المحاسبي كتاب اسمه « العقل ، وفهم القرآن » وقد نشره في بيروت الدكتور حسين القوتلي ، (دار الكندي 1402 هـ) ولكن محقَّقاً آخر هو- الأستاذ أحمد عطا ، نشر الكتاب ثانية في القاهرة بعنوان : « المسائل في أعمال القلوب والجوارح والعقل » تضمن كثيرً من السهو والخطأ والاجتهادات الشخصية في تغيير النص .. ويستطيع القارئ اكتشاف ذلك كله بالمقارنة بين النشرتين للكتاب . (مقدمة القوتلي ص 7) .(1/5)
* ثم ظهر كتاب آخر للإمام الآجري - رحمه الله - بعنوان : « أخلاق أهل القرآن » محققاً في بيروت بإشراف المكتب السلفي لتحقيق التراث ( ! ) وعنوانه الصحيح الذي وضعه له المؤلف « آداب حملة القرآن » وحقَّقه تحقيقاً نفيساً وقدم له بدراسة قيمة فضيلة الدكتور عبد العزيز القارئ ، وجدير بالقارئ أن يقرأ ما كتبه الدكتور عبد العزيز في هذا المجال عن الكتاب وعن تحقيقه . وحسبنا هنا هذه الإشارة .
ومنذ زمنٍ وجدنا الشيخ محمد منير الدمشقي - رحمه الله - يرفع عقيرته بالشكوى من « العوام الذين يقرؤون ويكتبون وليسوا بعلماء ولا متعلمين ، وهؤلاء كثيرون جداً في جميع الممالك الإسلامية والبلاد العربية ، وهم أغلب باعة الكتب التي تروج بين غالب أهل الإسلام ، وهؤلاء أهل مادة فقط ، فكلما أرادوا نشر كتاب- كثر طلابه وتكرر استجلابه وقامت سوقه - تهافتوا عليه تهافت الفراش بدون نظر لنفعه أو ضرره ، وصحته أو سقمه ، حتى إنهم ربما نسبوا الكتاب إلى غير مؤلفه أو غيروا اسمه ، وزيد عليه اسم آخر مخترع ، يرغب سامعه ويشوق شاهده ، وليس بغريب من أمثال هؤلاء العوام مثل ذلك ، بل الذي يعجب منه ويستهجن : إقرار العلماء على ذلك وإصرارهم على السكوت وعدم التعرض لذلك كتابة ونشراً ، ولو نبه العلماء على ذلك وبينوا أن هذا خيانة وتصرف فيما للغير بغير إذنه لا يجوز بحال ، لارتدع الناشر والطابع والمنفق ، ولما تجاسر أحد على أمثال ذلك ، وإذا لم يكن العلماء يحافظون على مثل هذا وينبهون عليه ، فمن المكلَّف بذلك ؟ » (انظر كتابه : نموذج من الأعمال الخيرية ص 78) .
وللحق لم يكن عمل هؤلاء الذين ذكرهم الشيخ باسم التحقيق الذي يتبجح به الناس اليوم ، وإنما كان الدافع لهم الحرص على التجارة الخاسرة أو الجهل والعامية ، فما بال محققي القرن العشرين اليوم ؟ ! ثم إن أولئك عوام وهؤلاء متعلمون !(1/6)
ثم يفْجَأ القارئ أو طالب العلم ، بعد ذلك ، عناوين جديدة لعلماء معروفين ، فيظنها كتباً جديدة تنشر للمرة الأولى ، فيسارع إلى اقتنائها فيجد عجباً ، إذ هي منتزعة من كتب أخرى أو مسلوخة منها سلخاً ، طبعت في كتاب مستقل بعنوان جديد ، فيقال مثلا : « خصائص يوم الجمعة » تأليف شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية . هكذا : « تأليف » ، باللفظ الصريح دون الكناية أو التلميح .
وعندئذ يقطع الناشر أو المحقق قول كل قائل ، إذن فالكتاب بهذا الشكل والمضمون كتاب من تأليف فلان . ويمضي هذا التدليس دون أي إشارة إلى ذلك على غلاف الكتاب أو صفحة العنوان الداخلية ، وقد تجد شيئاً من هذا أحياناً في المقدمة على خجل واستحياء ، أو على خوف من اكتشاف التلاعب وبوار الكتاب . وقد لا تجد هذا ولا ذاك ، فتعرف الحقيقة بمجرد الاطلاع على الكتاب ومعرفة كتب المؤلف .
وهذا العمل فيه تدليس وتلبيس على القارئ ، ونسبة كتاب جديد لمؤلف لم يكتبه بهذا العنوان أو الشكل ، فكأنه ينسب لرجل ولداً جديداً لم يلده !
ونجد كثيراً من الأمثلة على هذه البدعة الجديدة ، يتأكَّل فيها بعض « المحققين» و« الناشرين » و « المشرفين » بأسماء أعلام كبار كابن تيمية ، وابن القيم ، وابن حجر ، والغزالي ، والرازي وغيرهم ، ويتولى كِبْرَ هذا العمل الخاطئ أصحاب مكتبات يستغلون أسماء لها مكانتها ووقعها في نفوس المسلمين ، ويشوهون بذلك صورتهم الوضيئة في نفوس الناس ، لارتباط هذا العبث باسمهم ، فتجد « مكتبة الصحابة » « مكتبة التراث الإسلامي » ، « المكتبة القيمة » .. وانظر ما شئت من هذه الأسماء التي تزين أغلفة الكتب « المسلوخة » بأقلام « أبي فلان » و« أبي علان » (عفا الله عنهما) .
وحتى لا يظن أحد أنني ألقي الكلام على عواهنه ، أسوق بعض الأمثلة لهذه التآليف المزعومة :(1/7)
* « كتاب التوبة » تأليف ابن قيم الجوزية ، تحقيق صابر البطاوي مكتبة دار السنة ، الدار السلفية للنشر ، بالقاهرة الطبعة الأولى 1410هـ . وهو من كتاب « مدارج السالكين » المطبوع في ثلاثة أجزاء .
* « خصائص يوم الجمعة » تأليف ابن القيم ، المكتبة القيمة بالقاهرة وهو فصل من « زاد المعاد » .
* « حكم الإسلام في الغناء » لابن القيم . وعليه اسم : أبو حذيفة إبراهيم بن محمد (وهذه المرة ليس فيها كلمة تحقيق ولا جمع ولا إعداد) مكتبة الصحابة (رضوان الله عليهم) طنطا 1406 هـ . وهو فصل من كتاب « إغاثة اللهفان » .
* « معجم التداوي بالأعشاب والنباتات الطبية » لابن القيم (أيضاً) مكتبة التراث الإسلامي لصاحبها عبد الله حجاج ، ويبدو من المقدمة أنه الذي فعل ذلك فقال بعد أن ذكر كتاب « الطب النبوي » : قال : « .. سلخت (ما شاء الله على هذا السلخ ! ) منه هذه المفردات الطبية التي وردت على لسانه -صلى الله عليه وسلم- ... » الخ .
* « السحر والكهانة والحسد » ، للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني ، جمع وإعداد عبد الله حجاج - هو نفسه - مكتبة التراث الإسلامي . وهو مأخوذ من أبواب عدة من كتاب « فتح الباري شرح صحيح البخاري » لابن حجر العسقلاني -رحمه الله- .
* « المسيح الدجال وأسرار الساعة » تأليف العلامة محمد السفاريني ، مكتبة التراث الإسلامي ، الناشر عبد الله حجاج (شاطر يا حجاج) .
وكلمة تأليف تعني أنه ألّف كتاباً بهذا الاسم ، وهذه هنا أكثر تدليساً . وهو مأخوذ من الجزء الثاني من كتاب « لوامع الأنوار البهيَّه » للسفاريني ص 65 وما بعدها . ولم يُشر حضرة الناشر إلى ذلك .(1/8)
وكذلك أُخذت فصول ومباحث كثيرة من « إحياء علوم الدين » للغزالي ، و«التفسير الكبير » للفخر الرازي .. ونشرت بكتب مستقلة مثل « الموت وعذاب القبر » ، و « السحر وحقيقته .. » الخ ، حتى طال الأمر ، وعجزت عن تتبع ذلك كله ، مما ينبئ أن في الأمر خطورة وإلى الله المشتكى .
وليس هذا كل ما في الأمر ، فإن هناك ملاحظات أخرى يضيق عنها المجال الآن ، فلنرجئها إلى مقال آخر ، بإذن الله تعالى .
عبث المجهول والمعلوم
كل عمل علمي صورة عن صاحبه ، وهو الذي يتحمل مسؤولية ما فيه من
خطأٍ ، وينسب إليه الفضل فيما أجاد فيه ، كما يتحمل اللوم إن كان ملوماً في عمله أو مقصراً .. وهذا يعني أن صاحب العمل ينبغي أن يكون معروفاً غير مجهول ؛ إذ لا يؤخذ العلم عن المجاهيل والنكرات ، كما أن لأصحاب السمعة الحميدة في العلم والدين مكانة في النفوس ، تحمل القارئ على الاطمئنان لما يقولون ولما يصدر عنهم - عندئذ - منزلة لا تعدلها منزلة آخرين .
وكما يصح هذا القول هنا ، يصح أيضاً في التحقيق العلمي للتراث الإسلامي ، إذ ينبغي أن ينسب كل تحقيق لمن قام به ويكون معروفاً بمؤهلاته التي تؤهله للقيام بهذا العمل . ولكن هذه القاعدة لا يلتزم بها بعض المحققين ، فتجد على بعض الكتب والرسائل الصغيرة أمثال هذه العبارات : ( حققه بعض طلبة العلم ) ، أو : ( جماعة من المحققين ) ، أو : ( فئة من الجامعيين ) ، وعلى بعضها أمثال : » كتبها أحد طلبة الشيخ « ، » جمعها أحد طلبة الشيخ « . (وما أدراك ما طلبة الشيخ ! ! ) .
ويبحث القارئ حتى يتعرف على هذا ( البعض ) أو ( بعضه ) ، أو على هذه (الفئة ) مَنْ هُم ؟ وما هي مؤهلاتهم ومكانتهم وتجربتهم التي خولتهم القيام بتحقيق تراثنا ؟ ، وما مدى التزامهم بما ينبغي أن يلتزموا به .. ؟ تبحث ، فلا تجد شيئاً ، لأنك أمام مجهول ، وحُقَّ للناس أن يخافوا دائماً من ( المجهول ) .
وحتى لا أطيل على القارئ ، أجتزئ بمثالين اثنين :(1/9)
الأول : ( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) لأبي محمد ، عبد الحق ابن عطية الأندلسي ، وهو كتاب نال ثناء العلماء ؛ حتى قال أبو حيان الغرناطي : ( هو أجلّ من صنف في علم التفسير ، وأفضل من تعرض للتنقيح فيه مع التحرير ) .
ويصدر الكتاب عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب العربي ، (ووصل في علمي إلى المجلد الثالث عشر ، وعلى غلافه عبارة : ( تحقيق المجلس العلمي بفاس ) . فحسب .
وقد يكون أعضاء المجلس العلمي الموقرون معروفين بأسمائهم وأعيانهم وعضويتهم في المجلس نفسه ، ولكن لم لا ينسب العلم والجهد لأهله ، فيعرف مَنْ منهم شارك في التحقيق والجهد ؟ (وإن كان هذا التحقيق برمته يحتاج إلى إعادة نظر وتحقيق) ثم طبع ثمانية أجزاء من الكتاب في ( قَطر ) بتحقيق وتعليق : الرحالي الفاروقي (رئيس المجمع العلمي بمراكش) ، وعبد الله إبراهيم الأنصاري (مدير الشؤون الدينية في قطر) ، والسيد عبد العال إبراهيم ، وسيد الشافعي صادق . فكان ذلك- فيما يبدو - سبباً لاستخراج مجهول في الطبعة المغربية (وإن كان التحقيق الجديد أيضاً لم يغن شيئاً عن القديم) .
المثال الثاني : ( تهذيب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ) تأليف العلامة الشيخ : محمد جمال الدين القاسمي (رحمه الله) . وهو مطبوع أكثر من طبعة ، ثم طبع عام 1394 هـ وعام 1405 هـ وعلى جلده وصفحة عنوانه الداخلية تحت اسم الكتاب والمؤلف هذه العبارة : ( راجعه وحقق أحاديثه طائفة من الجامعيين ) .
من هم هؤلاء الجامعيون ؟ أهم طلبة مبتدئون في الجامعة ، أم هم خريجوها ؟ أو لعلهم أساتذة جامعيون ؟ ، فكل هؤلاء يصدق عليهم أنهم جامعيون . وفي أي جامعة ؟ وبأي كلية جامعية هم ؟ أهي كلية الشريعة وأصول الدين مثلاً ؟ أم كلية الهندسة بفروعها ؟ ، أو كلية فنون جميلة ؟ عِلْم ذلك كله عند الله تعالى (ثم عند من يعرفهم) .(1/10)
وهذا المثال الأخير ، يُسْلمنا إلى ملاحظة أخرى عن التحقيق الذي أصبح بمفهوم بعضهم مرادفاً للعبث والتلاعب بالنصوص (المسكينة) : حذفاً وإضافة وتصرفاً . وفي هذه خيانة للأمانة وعدوان على التراث العلمي لسفنا الصالح ، وافتئات على المؤلفين ، وهو داخل ضمن الكذب والزور(1) ، ومجانب للصواب في عملية التحقيق التي تعني : ( تقديم النص كما يريده المؤلف ) دون أي تحسين أو تعديل أو تصويب(2) .
ونأخذ أمثلة على ذلك من ( تهذيب موعظة المؤمنين ) أولاً ، ثم من غيره ثانياً . قالت الطائفة من الجامعيين تحت عنوان : (عملنا في هذا الكتاب) : ( لقد اعتمدنا هذا المختصر في دراستنا وتحقيقنا ، (وهنا إضافة جديدة وهي الدراسة) وهو مع علو شأن مختصره ، احتوى على العديد من الأحاديث غير الصحيحة ، فحذفناها على الغالب لعدم الفائدة من ذكر الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، ولو بالتعليق عليها ، خشيةً من بلبلة المبتدئين ، وحققنا الصحيح من هذه الأحاديث كما هو واجب على كل باحث .. واستدركنا على الحافظ العراقي في الأحاديث التي اكتفى بعزوها إلى كتب ( السنن ) فقط ، مع أن فيها العديد من الأحاديث غير الصحيحة ) .
وليت شعري ! هل أصبح حذف الأحاديث غير الصحيحة من الكتاب لعدم الفائدة منها ، هل أصبح داخلاً في حدود عملهم الذي قالوا عنه : ( أولاً : المراجعة وتحقيق الأحاديث ) ؟ أو أنه من مقتضيات التحقيق ؟ وكيف يحققها وقد حذفها من الكتاب ! ولو كان عملهم الاختصار أو التهذيب أو الحذف ، لكان هناك من يسوغ لهم هذا ويفتي به ، أما وإن الكتاب مطبوع باسمه الذي وضعه المؤلف ، فلا يجوز بعد ذلك هذا التصرف فيه .
__________
(1) اقرأ ما كتبه الشيخ الصافي في كتابه : ( أخطار على المراجع العلمية ) ص 57-59 ، طبع دار الفاروق ، بالطائف .
(2) راجع على سبيل المثال ( محاضرات في تحقيق النصوص ) ، للدكتور أحمد الخراط ، ص8 .(1/11)
وإننا نحمد - صادقين - للمحققين غيرتهم على المبتدئين ، وخشيتهم من (بلبلتهم) ، وأما ( الصحيح من هذه الأحاديث ) التي حققوها فهو جهد متطوع بعد صحتها (كما قلتم) - فإذا كانت صحيحة فما داعي تحقيق صحتها ؟
وأما استدراككم على الحافظ العراقي-رحمه الله- فليتكم ضربتم مثلاً واحداً له ، ولست أدري ما أقول في هذا ؟ ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه . وغفر الله لي ولكم .
ثم تقول فئة الجامعيين :
( 2- وكذلك حذفنا العثرات التي أشار إليها ابن الجوزي ، وقد ذكرنا كلامه في أول هذه المقدمة ، مع أنه أبقى بعضها في ( مختصره ! ) ومرة ثانية : حذف العثرات (ونسأل الله أن يتجاوز عن عثراتنا) ليس داخلاً في جُبَّة التحقيق ولا في عمامته ، ولا في ثوبه ولا في كُمِّ الثوب ، لا في التحقيق ولا المراجعة . ولا يجيز ذلك أيضاً اضطراركم ( للقيام بهذا المشروع نصرة للإسلام ، وتسهيلاً لمهمة الخطباء والمدرسين ، ورغبة في إرشاد المسلمين ، وسعياً لتثقيف أنفسهم بأنفسهم) . (وقلتم : إن الكتاب للمبتدئين الذين تخشون من بلبلتهم بالعثرات ، فكيف لا تخشون عليهم من تثقيف أنفسهم بأنفسهم ؟ ، أليسوا بحاجة إلى من يعلمهم ويثقفهم ويربيهم ، أم أن الكتاب بعد جهدكم فيه ، أصبح فيه غَناء لهم ؟ ) .
( 3- وحذفنا أيضاً من كتاب ( موعظة المؤمنين ) المسائل المتعلقة بأحكام فقهية عن الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج ، كما حذف أكثرها الإمام ابن الجوزي أو المقدسي ، لأنها مستفيضة في كتب مخصصة لها ، وهي موضع خلاف بين المذاهب ) .
عجبٌ لا ينقضي من هذه المراجعة والتحقيق ، فإن هذا الذي حذفه الجامعيون من مسائل الكتاب مما لا ينبغي أن يجهله المسلم ، لأنه متعلق بأركان الإسلام ، فمن أول ما ينبغي معرفته بعد الشهادتين والإقرار بهما : الطهارة والصلاة ؛ حتى يؤدي ذلك كله عن علم وفقه .(1/12)
وهو أيضاً خارج عن طبيعة عمل التحقيق -كما سبق - ، وإن كان ابن الجوزي أو المقدسي حذف أكثرها فلأن ذلك يتسق مع منهجه وعمله وهو الاختصار والتهذيب ، ولا يتسق مع منهجكم الذي زعمتموه . فهذا يختلف عن ذاك . ولئن كان ابن الجوزي قد حذف أكثرها ، لقد أبقى على أقلِّها لفائدةٍ ؛ تحرمون القراء منها!
وأما التعليل لهذا التصرف فهو عليل ، لأن استفاضة هذه المسائل في الكتب المخصصة لا تبيح لكم حذفها ، وإن كان فليكن تطبيق القاعدة عاماً ، ويحذف من الكتاب كل ما هو مسطور في كتب مخصصة من غير هذه الأحكام .
وما أظن - ولا أي عاقل يظن - أن كل ما هو ( موضع خلاف بين المذاهب) لا ينبغي حذفه من الكتب عند التحقيق ، بل إن التحقيق يقتضي إثباته وتحرير محل النزاع فيه ، وبيان الصواب مثلاً مع الأدلة - إن اقتضى الأمر - ، ولعلكم تعرفون أن الخلاف في الأمور الفقهية واقع منذ عهد الصحابة ومَنْ بعدهم ، وكتب الحديث -والمصنفات بخاصة- كلها آثار تبين ذلك ويظهر فيها الخلاف ، فهل تحذف أيضاً عند التحقيق ؟
ثم يأتى البند رقم (4) في مقدمة المحققين إقراراً آخر بافتئاتهم على المؤلف ، بإثبات وإضافة ما هو مفيد - برأيهم - في صلب الكتاب ، وكان بإمكانهم أن يضيفوا ما يرونه مفيداً في حاشية الكتاب ، قالوا :
( 4- وأثبتنا بعض مباحث وأحاديث وأشعار رأيناها مفيدة ، وقد حذفها الشيخ القاسمي ) .
فماذا لو رأى غيركم من المحققين أن هذا الذي أثبتموه غير مفيد ؟ هل يعيد حذفه ثانية كما فعل أولاً الشيخ القاسمي ؟ وهو قد فعل ذلك ، لأن عمله تهذيب للكتاب وليس تحقيقاً له وللأحاديث كما زعمتم .
ثم تتابع الطائفة من الجامعيين (بالطبع هي غير الفئة الباغية) فتقول :(1/13)
( 5 - ومن أهم ما قمنا به : أننا ذكرنا بحثاً في الجهاد ، ليأتي الكتاب كاملاً ، فإن الإمام الغزالي لم يتطرق إلى موضوعه على الرغم من خطورته وعظمته ... ) . وبالتأكيد ليس هذا هو كل ما أضافه ( المحققون ) إلى الكتاب ( المفترى عليه ) حتى يكون كاملاً ، وإنما هذا الذي نبهوا عليه في مقدمة التحقيق . فقد أضافوا في ص (186-208) بحثاً عن شمائله-صلى الله عليه وسلم- .
وأهمية الجهاد مما لا يخالف فيها مسلم قط ، لا تبيح إضافته إلى كتاب المؤلف ؛ (لئلا تختلط جهود العلماء والمحققين ؛ فيضيع النسب ، وتهدر الحقوق) ، فيمكن المحققين أن يكتبوا كتاباً عن الجهاد وينشروه بأسمائهم - ويأخذوا أتعابه - ، ويبقى الكتاب كاملاً كما وضعه مؤلفه ، لا كما أراد حضرات المحققين الماسخين للكتب .
فإذا جاوزنا المقدمة التحقيقية هذه إلى الصفحة الثالثة من الكتاب (مقدمة القاسمي -رحمه الله-) نجد تعليقات وتحقيقات غريبة تدعو إلى الاستفهام عن هوية الجامعيين -كما سبق - ؛ ففي متن الكتاب ص 3 جاءت هذه العبارة : ( .. ويكون
وافياً بحاجاتهم (2) ، آتياً على جميع كمالياتهم .. ) ، وقد وضع رقم الإحالة (2) فوق كلمة : ( بحاجاتهم ) ؛ وفي أسفل الصفحة التعليق التالي : ( 2- في الأصل : حاجياتهم ) ( ! ) .
وهذا الذي جعلوه في المتن هو الخطأ بعينه ، والصواب هو ما حذفوه أو أنزلوه مكاناً ومكانةً إلى الحاشية ؛ فإن ( الحاجيات ) نسبة إلى ( الحاجّي ) لا إلى (الحاجة) ، وهي متسقة مع السياق بدليل ما بعدها وهو قول القاسمي : (آتياً على جميع كمالياتهم) . ولكن جزى الله العجلة والتبجح كلَّ شرٍّ .
وفي الصفحة التي تليها ، بعد صفحة فارغة ، جاء في الكتاب : ( .. وأما الأخبار ؛ فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم - : » من يراد (هكذا ، وهو خطأ مطبعي صوابه : يُرِدْ) الله به خيراً يفقهه في الدين ويلهمه رشده « مع إحالة رقم (1) ؛ ثم يقول في الحاشية :(1/14)
( 1- ولفظ الحديث كما في البخاري ومسلم : » من يرد الله به خيراً يفقه (كذا) في الدين « ، دون زيادة : ( ويلهمه رشده ) . ومعنى يفقهه في الدين : أي : يعلمه القرآن والسنة) .
دع عنك كثرة الأخطاء المطبعية التي تدل على مبلغ اهتمامهم وتحقيقهم للكتاب ، فأمرها قد يكون سهلاً ، ولكن عد إلى التخريج للحديث ، حيث تكرمت اللجنة بتخريج لفظ لم يذكره المؤلف ، وتركت ما نصَّ عليه ، ولم تشر إلى الزيادة أين هي في غير الصحيحين ؟ إذ فيهما أصل الحديث فحسب دون الزيادة . وهل هناك من رواها بهذا السياق ؟
(وللفائدة فحسب ، وعلى عجل ، قال العراقي في ( تخريج أحاديث الأحياء ) (1/21) طبعة دار العاصمة بالرياض : ( وأما قوله : ويلهمه رشده ، فعند الطبراني في الكبير ) . وقال الزبيدي : ( ورواه مع هذه الزيادة أيضاً : أبو نعيم في ( الحلية ) عن ابن مسعود ، وسنده حسن . وفي ( الصحيحين ) و ( مسند أحمد ) بعد قوله : (في الدين) زيادة : ( إنما أنا قاسم ، والله يعطي ، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله ) . (المصدر نفسه) .
فكيف بعد هذا ، لو قلبنا بعض الصفحات لنتعرف على قيمة ما فيه من تعليقات وتحقيقات ، ولا يفوتنك أيضاً : أنه قد يأتي ناشرٌ آخر فيحذف مقدمة المحققين -كما يفعله كثير منهم اليوم وسيأتي أمثلة على هذا - ، وعندئذ لا يمكن تمييز أصل الكتاب الذي طالته يد التحقيق والمراجعة والدراسة المزعومة .
وإذا كان ذلك مثالاً على عبث المجهولين ، فإن أمثلة أخرى تتمثل في تغيير بعض العبارات في النصوص المحققة ، قام بها بعض أبناء هذا التراث ، ولم يكن عندهم ما يمنع من ذكر أسمائهم (إذ الحقوق محفوظة لأصحابها) .(1/15)
فأحدهم يبيح لنفسه حذف بعض الكلمات مثل صيغة الدعاء والترحم والترضي عن بعض العلماء ، بسبب مخالفة فقهية ، أو بسبب عداوة أو غباوة ، وكأنه لا يجيز أن يدعو بالرحمة للإمام الشافعي مثلاً ، أو لأبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - ؛ لأنه يخالفهم في شيء من الرأي . وأظن أن التصريح هنا باسم من يفعل ذلك ليس فيه شيء من المصلحة الآن ، فلندعُ له بالهداية .
وقد يحذف نص من كتاب مثلاً في باب معين لضعف رأي أو خطئه ، فمثلاً في طبعة الرياض لكتاب (الأذكار) للإمام النووي - تحقيق الشيخ الأرناؤوط - حذفت حكاية العتبي في الأعرابي الذي جاء إلى قبر النبي-صلى الله عليه وسلم - ودعا . وهي حكاية بلا إسناد ، ويرويها البيهقي في ( الشُّعب ) بإسناد مظلم ، وهي موجودة في سائر طبعات ( الأذكار ) وفي كتب الفقه ( كالمغني ) وغيره ، فليس لأحد الحق في حذفها بحجة التحقيق أو لأنها حكاية ضعيفة ، وإنما يعلق عليها في الحاشية ويبيِّن الصواب والحق .
ثم قد علمت أن إسقاط هذه القصة إنما كان تصرفاً من مراقبة المطبوعات في دار الإفتاء بالرياض ، وليس من المحقق نفسه . وهذه أعجب !
وسبقت الإشارة أيضاً إلى تصرف الأستاذ أحمد عطا ، واجتهاداته الشخصية في تغيير نص كتاب (العقل) للحارث بن أسد . وهذا كله يتنافى مع الأمانة العلمية ،
ومع الدقة التي يتصف بها علماؤنا في آداب تصحيح النص واحترامه ، حتى قال العلموي : ( إنه لا يجوز أن يصلح كتاب غيره بغير إذن صاحبه ) ، ويعجب من عمل يشبه عمل محققينا الذين سبقت الإشارة إليهم فيقول : ( وقد تجاسر بعضهم فغيَّر ما الصواب إبقاؤه )(1) .
تعددت الأساليب .. والعبث واحد !
(1)
__________
(1) انظر : مناهج البحث عند علماء المسلمين ، تأليف روزنثال ص 60 وما بعدها .(1/16)
لا يزال الكلام موصولاً بما سبق في العددين السابقين عن بعض ألوان العبث بتراثنا . وإن مما يتصل بالتصرف في النصوص المحققة ونشرها ، أن تجد ذلك مقروناً بخيانة الأمانة وسرقة جهود الناشرين والمحققين السابقين ، حيث يقوم ناشر جديد فيطبع بعض الكتب القديمة بطريقة التصوير عن الطبعة الأصلية ويحذف من الصورة اسم الناشر الأول أو المحقق أو اسم كليهما ، وقد بذل كل منهما جهداً كبيراً في الحصول على الأصول الخطية التي طبع عنها الكتاب ، ثم قام بمقابلة مخطوطاته وضبط الكتاب وتفصيله .
وهذه الطريقة تضيع حقوق الآخرين وتنكر جهدهم ، فيُنسى فضلهم الذي سرقه المتاجرون بكتب العلم ، الذين يأكلون حقوق الناس ظلماً فيجعلونه باباً من أبواب الرزق الحرام ، ولكن الأثر يكون أكثر أهمية بالنسبة لتوثيق النصوص عند الباحثين والمعنيين بحركة النشر ومتابعتها ..
وأنت واجد أمثلة كثيرة لهذا اللون من التزوير ؛ فقد كان الأستاذ حسام الدين القدسي - رحمه الله -وقف جهده وعلمه ومكتبته ، التي أنشأها في القاهرة بعد هجرته من بلاد الشام ، على تحقيق وطباعة كثير من الكتب الأمهات ، في الحديث وعلومه ، وفي اللغة والتاريخ والتراجم .. وتوفي القدسي ، ثم جاء تجار الكتب في بيروت ليعيدوا طباعة كتبه سرقة ، وضنوا على صاحب الجهد الأول بإثبات اسمه أو اسم مكتبته على الكتاب ، فأصبحت تجد ( مجمع الزوائد ) للهيثمي - بأجزائه العشرة - وتحت عنوانه : ( منشورات دار الكتاب العربي - بيروت جميع الحقوق محفوظة ..) .
وبالطبع الحقوق محفوظة لغير أصحابها ، أي للسارقين ! درن اي إشارة إلى عمل القدسي حتى المقدمة التي قدم بها للكتاب ، وفيها وصف المخطوطة ليس فيها اسمه .(1/17)
والحال نفسه بالنسبة لكتاب ( شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب ) لابن عماد الحنبلي - الذي طبعه القدسي أيضاً - وسرقته ( دار إحياء الكتاب العربي في بيروت ) بطبعات متوالية ، ولم تكن ( دار الكتب العلمية ) أقل حظاً من غيرها في التزوير والادعاء ، فهي تعيد طبع الكتاب وعلى صفحته الداخلية تحت العنوان تجد هذه العبارة من الطبعة السابقة وفيها إيهام للقارئ ، تقول مثلاً : ( عن نسخة دار الكتب المصرية العامرة ، مع إتمامها ومقابلة بعضها بنسخة كوبريلي محمد باشا بالأستانة ) وهو ما تجده في كتاب ( الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء ) لابن عبد البر الذي نشره القدسي سابقاً ؛ فتظن أن دار الكتب العلمية أو صاحبها أو لجنة التحقيق فيها - قد قامت بجمع النسخ ومقابلتها حتى أخرجت الكتاب مقابلاً مصححاً ومفهرساً أيضاً !
وهكذا الحال أيضاً مع كتب الخانجي والحلبي والساسي المغربي ، التي طُبعت أولاً في مصر ثم عثر عليها الآخرون من الناشرين الجدد ! .
(2)
وإن كان بعض الناشرين (السارقين) يبقون على اسم المحقق ، لصعوبة إخفائه ، نظراً لطبيعة العمل الذي فيه وعدم تصديق أحد أن الناشر الجديد يمكن أن يقوم بما ليس من شأنه ؛ فإنهم يحذفون اسم الناشر الأول أو اسم المطبعة فحسب ، أشرت إلى أن هذا له أثره في عملية التوثيق ، فقد أخرج المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كتباً كثيرة منها ( موطأ الإمام مالك ، رواية محمد بن الحسن ) تعليق وتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف . ثم أعادت طبعه بالتصوير المكتبة العلمية ، مع حذف اسم المجلس فأصبح الكتاب يُعرف بطبعة ( المكتبة العلمية ) ! .(1/18)
وبهذا الأسلوب نفسه طبع ( تفسير الطبري ) بتحقيق محمود شاكر وتخريج أحمد شاكر ، الذي أخرجته دار المعارف بالقاهرة ، وصدر الجزء الأول منه عام 1374 هـ ، وتوقف المشروع عند المجلد الخامس عشر هذا الكتاب نشرته منذ عامين في القاهرة نفسها (على عينك يا تاجر ! ) مكتبة ابن تيمية (رحمة الله على ابن تيمية) مع حذف اسم الدار وإضافة عبارة ( الناشر : مكتبة ابن تيمية ) وبذلك انتهى دور دار المعارف مشكورة غير مأزورة .
وليس هذا كل ما تجده من أمثلة ، ولكن حسبنا هذه الإشارة التي تغني عن الإطالة ، وإلا فإن الأمر تجاوز الحد وعجزنا عن الحصر ، لنأخذ لوناً آخر من العبث الذي لا يجوز السكوت عليه بحال .
(3)
يزداد الضرر أكثر عندما يقوم ناشر جديد ، أو محقق تاجر ، على طبع كتاب قديم بنصه وفصه ، مع حذف مقدمة التحقيق السابقة والإبقاء على الكتاب كما نشره المحقق الأول ، كما تجد في كتاب ( إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع ) للمقريزي - الجزء الأول - الذي صححه وشرحه الشيخ أحمد شاكر ، ونشرته لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة ، وفي صدره مقدمة للشيخ شاكر ثم كلمة لرئيس لجنة النشر .
هذا الكتاب أعيد تصويره على نفقة إدارة الشؤون الدينية بدولة قطر ، وعلى غلافه عبارة : ( عُني بنشره وطبعه : خادم العلم عبد الله إبراهيم الأنصاري ) .
واستبدل مقدمته بمقدمة الشيخ شاكر - وليته لم يفعل - فأضاع على القارئ والباحث فائدة كبرى ، يجنيها من معرفة أصل الكتاب والقسم الموجود فيه وطريقة عمل المحقق وجهده وما نبه عليه في مقدمته . وإن كان له فضل يشكر عليه في إشاعة الكتاب (رحمه الله) .(1/19)
وقد يتجاوز بعضهم كثيراً ، فيسرق الكتاب مع حذف اسم المحقق والناشر والإبقاء على تعليقات وشرح الكتاب بنصها ؛ فقد طبع الشيخ منير الدمشقي كتاب (تجريد التوحيد المفيد ) للمقريزي وعلق عليه الشيخ طه الزيني ، وأعادت طبعه مكتبة القاهرة ، حتى جاءت ( مكتبة السلام ) فأعادت طبع الكتاب مع جل التعليقات والتخريجات وحذفت اسم ( طه الزيني ) مما يوهم أن العمل في الكتاب- تعليقاً وشرحاً- إنما هو للناشر الجديد .
(4)
وقد يلجأ بعضهم إلى طريقة أخرى ، يتظاهر فيها بالظرافة (فإن اللص الظريف لا تقطع يده ، كما يقولون) فيعمدون إلى إعادة تنضيد حروف الكتاب المحقق دون الحواشي أو الشروح ، فراراً من المساءلة والملاحقة ؛ لأن الحقوق محفوظة . وعندئذ يقع في أخطاء كثيرة فاحشة ، تفسد المعنى وتغير الأحكام ؛ إذ يحتاج الكتاب إلى تصحيح دقيق من صاحبه أو من لجنة تصحيح ، وهذه الكتب المسروقة - وخاصة المراجع الكبيرة - من ذا الذي يقوم ويجاهد في تصحيحها ؟ !
فلو سقط حرف نفي مثلاً من العبارة أخل بالمعنى وجعل الحلال حراماً ، فمثلاً ( ولا يجوز بيع مطعوم ، مكيل أو موزون ، بجنسه إلا مثلاً بمثل ) فسقط حرف النفي أو أداة الاستثناء .. هل تجد الكلام مستقيماً من الناحية الشرعية ؟ .
وتعظم هذه المصيبة عندما ينتشر الكتاب بين أيدي الطلبة والمتفقهين الذين يتلقون علمهم عن الأوراق دون معلم ، ويقتنون هذه الكتب بأخطائها . وتجد أمثلة على هذا في كتاب ( الكافي ) لابن عبد البر ، وفي ( منار السبيل ) الذي طبعته مكتبة المعارف بالرياض بأخطاء كثيرة ، وفي كتاب ( البداية والنهاية ) لابن كثير ، أو ( تفسير القرطبي ) الذي لم يصور عن طبعة دار الكتب وإنما أعيد طبعه بشكل جديد في بيروت .
(5)(1/20)
ويتشبع بعضهم بما لا يملك ، فيلبس أثواباً من زور ، وينسب لنفسه محمدة ليست له ، صراحة أو ضمناً ويندرج عمله تحت عموم قوله - تعالى - : { لا تَحْسَبَنَّ الَذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ويُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ العَذَابِ } [ آل عمران : 188] .
للحافظ ابن الجوزي كتاب ( القواعد في الفقه الإسلامي ) عثني فيه بجمع القواعد الفقهية العامة ، وما بني عليها من الفروع الفقهية وهو كتاب قيم نفيس . وحتى يتم الانتفاع به بسهولة ينبغي وضع فهرس له يجمع مسائله مرتبة مبوبة وقد فعل ذلك الشيخ ( جلال الدين نصر الله الحنبلي البغدادي ) ، فصنع له فهرساً جمع فيه مسائل الكتاب مرتباً لها على أبواب الفقه ، حسب تشكل المسائل ومناسبة بعضها لبعض ، لا على ترتيب المؤلف ، فصار الكتاب أداة طيبة تكشف للباحث سريعاً عما يريد . (انظر : الأموال ونظرية العقد ، د . محمد يوسف موسى ، ص58) .
وقد طُبع الكتاب بمصر طبعة جديدة عام 1392 هـ مكتبة الكليات الأزهرية ومكتوب على جلده : راجعه وقدم له وعلق عليه : طه عبد الرؤوف سعد - ولا يعنينا الآن التعليقات المزعومة - ! وهذا الأمر يوحي بأن المحقق المعلق المراجع هو الذي صنع الفهرست الذي أُلحق بآخر الكتاب ، كما اعتاده المحققون والمعلقون ، ولكن كل من عرف الشيخ طه وعمله في كتبه الأخرى أدرك الحقيقة وعرفها .
وأما الطريقة الظريفة أكثر فهي : أن يأتي أحدهم لكتاب محقق فيقرن اسمه مع اسم المحقق ثم يزاحمه حتى ينفرد وحده بالكتاب - اسماً - تحقيقاً ونشراً .(1/21)
منذ عشر سنوات - في 1401 هـ - قرأت إعلاناً نشرته ( مكتبة النهضة الحديثة بمكة ) على بعض كتبها ، تقول فيه : ( ترقبوا صدور (المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح) تأليف الحافظ الدمياطي (توفي سنة 613هـ) ، كتاب قيّم مفيد ، يطبع لأول مرة عن نسخة مكتبة الأزهر المخطوطة . حققه وأشرف على طبعه جماعة من العلماء ) انتهى الإعلان .
وكان الشيخ رضوان محمد رضوان قد طبع الكتاب هذا في القاهرة منذ حوالي نصف قرن (وكان وكيلاً للجنة إحياء المعارف النعمانية بمصر ، ويقيم في حي السيدة زينب بالقاهرة ، وقد اهتديت إلى منزل إقامته منذ سنوات وعلمت بوفاته رحمه الله) ، وصدر الكتاب عن مكتبة النهضة عام 1403 هـ بمجلد ضخم ، وعلى جلده عبارة : ( قرأه وأمر بطبعه عبد الملك بن دهيش - ابتغاء مرضاة الله ) دون اسم رضوان محمد رضوان ، إلا أنه نسي أن يحذفه من آخر صفحة في الكتاب ، ففيها : ( بلغ مقابلة على نسخة رواق الأتراك بالأزهر الشريف .. ) ثم تحتها (رضوان ) . (وهذا فسَّر جماعة من العلماء .. وبقي دليلاً على الصدق) .
ولم تنتهِ القصة بعدُ ؛ فإليك تمامها :
صدر الكتاب بطبعة تالية مكتوب عليها : ( نسخه وضبطه وقابله : عبد الملك ابن عبد الله بن دهيش ، ورضوان محمد رضوان - من علماء الأزهر الشريف ) (سبحان مَن يحيي الأموات ! يبدو أن رضوان قد أعاده الله - تعالى - حتى ينسخ ويحقق مع الشيخ من علماء الأزهر ! - وكلمة ( يحقق ) هذه من عندنا) .(1/22)
وتحمل الأيام لنا طبعة أخرى أيضاً من الكتاب نفسه بشكله السابق - تصويراً أنيقاً - وعليه هذه العبارة : ( تحقيق عبد الملك بن دهيش - ومحمد رضوان ) (يبدو أن رضوان لم يحسن عمله فاستعان الشيخ بأبيه محمد) ، وتحت ذلك : ( مكتبة النهضة .. ) وفي الداخل : ( الطبعة الثالثة 1406 هـ ، طبعة منقحة وتمتاز بزيادات مفيدة ، وفيها مقدمة ، في صفحة واحدة ، كتبها الفقير إلى عفو ربه عبد الملك بن عبد الله بن دهيش ) وعلى الغلاف : (الناشر عبد الملك بن دهيش) .
هذه خطوات متدرجة على طريقة سياسة الخطوة خطوة { ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } [الأنعام : 142] ، فما أدري ما دلالة هذا التصرف بهذا الترتيب وهذه المراحل المتدرجة في العبث ؟ وهل يثير ذلك في ذهن القارئ شيئاً ؟ !
وعلى كل حال : ليست هذه آخر الملاحظات ، فلا يزال هناك أمور أكثر خطورة ، والله المستعان .
وقفات مع التحقيق والمحققين
-1-
منذ قرون بعيدة أدرك العلماء أهمية تحقيق النصوص وتصحيحها ، وعلموا أنها مسؤولية عظمى تحتاج إلى جهدٍ كبير وإلى درايةٍ ومهارة ، فقال الجاحظ في مقدمة كتاب ( الحيوان ) : « ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفاً أو كلمةً ساقطة ، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعنى ، أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام » .
ثم دار الزمن دورته ، وجاء أناس يزعمون لأنفسهم التحقيق والضبط والمراجعة ، وقد انقلبت عندهم المفاهيم رأساً على عقب ، وابتدعوا طريقة في التحقيق جديدة ، لم يعرفها السابقون ، ولا يرضى عنها المعاصرون . بل إن عملية التحقيق نفسها أصبحت عند بعضهم " هلوسة " ، كلهم يريد أن يحقق ، كلهم يريد أن يحقق كل شيء ، حتى القرآن الكريم !(1/23)
ومن عجيب ما وقع في يدي من هذا اللون كتاب بعنوان ( دليل آيات العبادات والأحكام الشرعية ) جمع وتحقيق ذخر الدين شوكة ، عميد كلية الشريعة بالجامعة الأردنية ، الطبعة الأولى 1403 هـ ، طبع جمعية المطابع التعاونية في عمّان . وهو يحتوي على مجموعة من الآيات القرآنية الكريمة مصورة من المصحف ويقابلها ترجمة معانيها بالإنكليزية ، من كتاب « تفسير آيات القرآن الكريم » لمحمد بكتال ، الذي قامت بطبعه رابطة العالم الإسلامي ، عن طريق مكتبها الدائم في هيئة الأمم المتحدة بنيويورك ! (انظر صفحة 1 من مقدمة الكتاب) .
رأيت هذا الكتاب في معرض للكتاب ، فدعاني ذلك لسؤال صاحب المكتبة مازحاً : هل عندك القرآن الكريم محققاً ؟ وأبدى المسكين تأسفه لعدم وجوده ! !
واستكمالاً لما سبق نشره في أعداد سابقة من البيان الغراء ، حول تراثنا وطريقة التعامل معه ، أشير في هذه المقالة إلى بعض الملاحظات ، والله الموفق .
-2-(1/24)
اضطرب مفهوم التحقيق عند بعض الدارسين الذين استهواهم هذا الاسم ، فغدا التحقيق في عملهم شرحاً لمتن ، أو حاشية على الشرح ، أو تقريراً على الحاشية ، يستعرض فيه أحدهم قدرته على تتبع كل كلمة في النص وشرحها . ومن أعجب ما رأيت من هذا اللون من التحقيق ما أسميته بـ ( التحقيق الأزهري ) ، (وللأزهر في نفوسنا مكانة ، فهو مقصد طلاب العلم والعلماء) ، فقد لفت نظري إعلان عن كتاب استهواني موضوعه ، ولي فيه نوع اهتمام ، وهو ( تحرير المقال فيما يحلُّ ويحرم من بيت المال ) للحافظ تقي الدين ، أبي بكر محمد بن محمد البلاطُسُني ، تحقيق ودراسة : فتح الله محمد غازي الصباغ ، منشورات دار الوفاء بالمنصورة الطبعة الأولى ، 1409 هـ . واستعنت بالله ولم أستكثر الجنيهات التي دفعتها ثمناً له ، فهو رسالة ماجستير قدمت لكلية الشريعة بالأزهر ، وبإشراف أحد الدكاترة « الذي كان له الفضل في أن يسير البحث في خطواته الصحيحة (ليته كان) حتى وصل إلى الصورة التي عليها الآن » (كما يقول صاحب التحقيق والدراسة ص 16) .وتجاوزت المقدمة والدراسة التي بلغت ثمانين صفحة ، ووصلت إلى متن الكتاب نفسه ، وأُصبت بصداع ، وأظلمت الدنيا في عيني ، وأسفت على الحال التي وصل إليها التحقيق ... فالمحقق وضع عنوان الكتاب في سطر واحد ، وأمام كل كلمة رقم إحالة ، وفي الهامش شرح لكل كلمة في العنوان : تحرير ... القول ... الحلال ... الحرام ...
واستغرق هذا الجهد ستة وعشرين سطراً بحرف صغير حتى أتى على شرح العنوان كله في ص (85) . وفي الصفحة التالية : تعليقات ثمانية على سطرين
اثنين يشرح فيها المحقق لفظ ( المقدمة ) .. ولماذا بدأ المؤلف بالبسملة والحمدلة ، ثم شرح لمعاني المفردات ! وفي ص (130) شرح للكلمات الآتية : الباب ، الفصل ... الخ ثم قلبت ورقة واحدة ، فوجدت هذا العنوان : ( سبب تأليف الكتاب ) وفي(1/25)
الهامش مع الإحالة هكذا : ( المحقق ) ، (يقصد أن العنوان من عمل المحقق) كثيراً ما تطالعك هذه التعليقة البارعة . وبمناسبة ورود كلمة ، ( بدعة ) في المقدمة ، بدأ صاحبنا يشرح معناها وأنواعها نقلاً عن الشاطبي والعز بن عبد السلام ، -رحمهما الله تعالى- . وعجبت من هذا الأسلوب في التحقيق أشد العجب ، وقلت في نفسي : لا ضير ، فلكل شيخ طريقة ، ولشيخنا هذا طريقة أقره عليها المشرف على الرسالة ، ويبدوا أنهما لم يفرقا بين التأليف والشرح والتحقيق . ومن الطريف أن صاحبنا رقَّم على غلاف الكتاب : ( تحقيق ودراسة ) وفي آخر الإهداء في ص (5) التوقيع : (المؤلف ) ، فهل هو محقق الكتاب أم المؤلف ؟ أم أن الإهداء من البلاطسني لوالديّ المحقق ولكل من يؤمن بالإسلام طريقاً للنجاة .. ؟ !
وليت صاحبنا اقتصد في عمله ، وقرأ كتاباً في أصول تحقيق النصوص ونشرها إذن لأفاد واستفاد ، وأراح واستراح .
وسار على هذا المنهج في التحقيق آخرون كما نجد في ( المنتخب ) للحافظ عبد ابن حميد ، تحقيق وتعليق أبي عبد الله مصطفى بن العدوي شلباية ، الجزء الأول ، دار الأرقم ، الكويت ، الطبعة الأولى 1459 هـ . وأين هذا مما كان يفعله علماؤنا في التحقيق وضبط النص ، رغم أنهم لم يتبجحوا بهذه الكلمة التي ابتذلت في أعمال كثير من الناس اليوم ؟ ومن أراد معرفة ذلك فلينظر إلى كتب أدب الطلب ، وليقرأ مقدمة كتاب « إرشاد الساري بشرح البخاري » للقسطلاني ص (39-41) ، أو مقدمة الملاَّ علي القاري لكتابه ( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ) !
-3-(1/26)
وإذا أردت صورة أخرى من التعالم في ( التحقيق والضبط والمراجعة ) فستجد أمثلة كثيرة لذلك في الكتب التي أفسدها المحققون والمراجعون الأدعياء ، الذين يضعون أسماءهم على أغلفة هذه الكتب المظلومة المفترى عليها باسم التحقيق ، وقد شحنوها بالأخطاء الفاحشة والنقص والسقط ، ولم يقابلوا نسخها المخطوطة ، وهي قريبة منهم وفي متناول أيديهم ولم يكلفوا أنفسهم عناء القراءة المتأنية للكتاب ، ولم يصححوا فيه خطأ ، أو يضعوا عليه تعليقاً مفيداً ، أو أن يصنعوا له الفهارس التي تيسر الإفادة من الكتاب .
ولكي لا نكون ممن يلقى الكلام على عواهنه ، نأخذ مثلاً على ذلك ، وهو كتاب ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام ) للعز بن عبد السلام -رحمه الله- ، الذي نشرته مكتبة الكليات الأزهرية من حوالي عشرين سنة ، نشرة سقيمة سيئة جداً ، ثم أعادت نشره بطبعة جديدة ( مضبوطة منقحة ) (هكذا زعم الناشر أو المحقق) في شهر صفر عام (1388) هـ ، راجعه وعلق عليه : طه عبد الرؤوف سعد .
وهذا الكتاب النفيس وأمثاله له مكانة في نفسي ، وتستهويني قراءته التي أشعر بلذتها ، ويعكر علي هذا أنني أقف عاجزاً عن فهم كثير من المواطن في الكتاب .. واتهمت نفسي وفهمي ، وأحسنت الظن بغيري ، إلى أن حصلت على صورة من النسخة الخطية المحفوظة بالمكتبة الأزهرية (وهي على بعد أمتار من ناشر الكتاب ! ) وأخرى من مكتبة الحرم المكي ، وثالثة من دار الكتب المصرية بالقاهرة . ورجعت إلى بعض النصوص التي كنت بحاجة إليها ، فهالني ما رأيت ، عندما قابلت المطبوع بالمخطوط ، فلم أجد صفحة واحدة ، بل مقطعاً واحداً ، وأحياناً سطراً واحداً في صفحة ، خالياً من الأخطاء والتصحيفات والنقص ، حتى ليكاد النقض في المطبوع يربو على عشر ورقات ذات وجهين ، ومثاله في الجزء الثاني ص (27) ، ويقابله في النسخة الخطية المكية الورقة (179) وما بعدها .(1/27)
وحتى التعليقات على الكتاب ، وعددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة في كتاب يزيد عن الخمسمائة صفحة ، هذه التعليقات مسروقة عن الطبعة الأولى (المكتبة الحسينية ، 1353هـ) المأخوذة أو المقابلة على نسخة الشنقيطي ، وهي الطبعة التي اعتمدها محقق الكتاب ، ونشرها من جديد بنصها وفصها ، دون أن يشير إلى ذلك . فما أدري ، ما الذي بقي من جهد أو عمل لهذا المحقق المحترم ؟ !
وليت شعري ، كيف يثق القارئ - بعد ذلك - بهذه الكتب التي أخرجها ، أو أخرجت باسمه ، وقد يقع الكتاب منها في مجلدات ذوات عدد مثل : « الروض الأنف » بشرح سيرة ابن هشام للسهيلي ، وهو من أعظم شروح السيرة وأدقها وأكثرها فوائد ، و « تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام » لابن فرحون ، وهو عمدة الدارسين في القضاء والسياسة الشرعية ، و( القواعد الكبرى ) لابن رجب الحنبلي ، وغيرها . فلا بد من إعادة النظر في طبعاتها كلها .
-4-
وعلى هذا النهج من التحقيق يسر الدكتور الطبيب ( ! ) عبد المعطي أمين
قلعجي ، في تحقيقاته المزعومة ، كتحقيقه لكتاب الحازمي « الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار » دار الوعي بحلب ، الطبعة الأولى ، القاهرة 1403 هـ .
وإن تعجب من تحقيقه ، فعجبك أكثر من تخريجه للحديث ! والطبيب المحقق هذا ، يبدو أنه يستحل جهود الآخرين وأتعابهم ، فيأخذ منهم كتباً ليطبعها لهم ، أو يكلفهم بالعمل على تحقيقها بالاشتراك ثم يطبعها باسمه وحده ، وقد حدثني بذلك أحد كبار أساتذة الأزهر ، فقد وقع هو في أحابيله ، وجّرأه على ذلك كِبَر سن الشيخ وعدم قدرته على متابعة الطبيب المحقق !(1/28)
وأما تحقيقات « محمد صادق قمحاوي » عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف ، والمدرس بالأزهر الشريف ، (كما هو مثبت على صفحة العنوان لكتاب ( أحكام القرآن ) لأبي بكر الجصاص ، طبعة دار المصحف بالقاهرة ، الطبعة الثانية) .. وهذه التحقيقات ، طراز آخر من التحقيق ، لا تجد فيه ضبطاً لكلمة ، ولا شرحاً لمصطلح ، ولا تعليقاً على رأي مثلاً ، ولا توثيقاً لنص ولا تخريجاً لحديث ، بل ولا تجد علامة من علامات الترقيم ، ولا إخراجاً فنياً يساعد القراء على القراءة والفهم حتى إنه ليصعب عليك أن تميز الآية التي يستشهد بها المؤلف عن الآية التي يشرحها ، وقد بخل على الكتاب والقارئ باسم السورة إلى يفسرها المؤلف . أما صنع الفهارس المتنوعة للكتاب فهذا أبعد من نجوم السماء وكأنه بدعة ضلالة !
ولئلا نبخس الرجل أو نهضمه حقه ، فإن جهده - ولعله جهد المطبعة - يتمثل في أنه أخرج الكتاب في خمس مجلدات بدلاً من الثلاثة في طبعة الآستانة . ووجدت له كذلك تعليقين في الجزء الأول من الكتاب ، أحدهما في الصفحة الخامسة ، يقول فيها : « المراد بهذه المقدمة التي ذكرها المصنف - الكتاب الذي ألفه في أصول
الفقه » . وفي ص (30) عند قول المؤلف عن نافقاء اليربوع : « لأن له أجحرة يدخل بعضها عند الطلب ... » قال المحقق : « هكذا في النسخ التي بأيدينا ، وصوابه جِحَرة » (بكسر الجيم المعجمة وفتح الحاء) وكفى الله المؤمنين القتال !
وكفى الله القارئين الجهد والتعب !
وقفات مع التحقيق والمحققين
(2)
( يتابع الأستاذ محمد عبد الله آل شاكر وقفاته مع مدعي التحقيق ، وينبه إلى الاستهانة التي يرتكبها كثير ممن امتهن في هذه المهنة بكتب العلم وبأصول التحقيق والنشر العلمي . )
- 5 -(1/29)
أما إذا يممنا شطر كتب التفسير والحديث المحققة ، فإننا نلاحظ جهداً مشكوراً ، وعناية جاوزت الحد فانقلبت إلى الضد ، مما أسميته ( الكتابة على الهامش ) ، حيث تطغى الهوامش والحواشي على المتن ، دون ضبط النسبة بينهما ، فتجد أحدهم يخرج حديثاً واحداً في أربع صفحات ، وقد يكون من أحاديث الشيخين ( البخاري ومسلم ) مما قالوا عنه : إنه جاوز القنطرة ، وهذا يريحنا من عناء البحث والتعب ، فالثقة حاصلة بصحته .
ولكن بعض المحققين يحلو له أن يستعرض عضلاته على القراء ، فيضع كتب الرجال والجرح والتعديل في الحاشية ، مترجماً لكل راوٍ في السند حتى ولو كان من مشاهير الصحابة أو الأئمة ، ويتبع هذا مجموعة من المصادر للترجمة تتكرر في كل صفحة تقريباً ! كي يصل بعد هذا إلى الحكم على الإسناد ، وغالباً ما يكون مسبوقاً إلى هذا من الأئمة المحدثين والحفاظ . وكان من الأجدى والأيسر على القارئ أن يشير إلى من فيه كلام من الرواة ، دون الكلام على سائر رجال الإسناد .
وقد نعتذر لهم عن هذه الظاهرة ، إذ قد يكون سببها أن الباحث بذل جهداً وأضاع وقتاً في مراجعة المصادر ، فأراد أن يشرك القارئ معه ، ولم يضن عليه بالعلم ، فوضع كل ما قرأه في حاشية الكتاب ، سواء كانت الحاجة تدعو إلى ذلك أو لا تدعو إليه .
وهذا وإن كان يصلح في الأعمال العلمية بين جدران المعاهد والدراسات العليا (لإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه) ، فما أظنه صالحاً عندما يعد الباحث رسالته للنشر في كتاب يطرح في الأسواق بين القراء . مع ما فيه من إضاعة للجهد ، ومن تكاليف باهظة في الطباعة ، وإعاقة عن إتمام التحقيق للكتب الكبيرة ، فضلاً عن تفريغ جيوب القراء وطلبة العلم والإثقال عليهم .(1/30)
والأمثلة هنا كثيرة جداً ، تعز على الحصر ، ومن آخر ما اطلعت عليه مما يصدق عليه كلامنا هذا ، كتاب ( مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحكم ) لابن الملقن المتوفى سنة (804 هـ ) في ستة أجزاء ، تحقيق ودراسة عبد الله بن حمد اللحيدان ، دار العاصمة بالرياض ، 1411 هـ . تجد فيه المتن يقع في سطرين أو أكثر قليلاً ، والتعليق والحواشي في (4) صفحات تبدأ بذكر سند الحديث عند الحكم ثم تخريجه ، يليه دراسة الإسناد ثم الحكم على الحديث ، وغالباً تكون نسبة المتن إلى الحاشية 40/1 ، فكل سطر يقابله أربعون سطراً في الحاشية .
وإليك المثال الثاني ؛ ( تفسير ابن أبي حاتم الرازي ) فتحت الكتاب ، دون قصد صفحة معينة ، فانفتح على الصفحتين (46 و 47) ، وفي أولاهما أثر ساقه المؤلف في تفسير قوله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب } عن سعيد بن جبير
قال : ( هو القرآن ) . وفي الحاشية دراسة لرجال الإسناد ، ونتيجة لذلك تقع في (52) سطراً بحرف دقيق ، ويليها بيان درجة الأثر في (7) أسطر . فأنت أمام تسعة وخمسين سطراً بحرف صغير ، يعدل السطر منها ثلاثة في المتن ، والمتن لا يتجاوز السطرين بحرف كبير . فهل يستطيع القارئ أن يستخرج النسبة دون آلة حاسبة ! ترى ما هي حاجة القارئ إلى هذا الكلام كله عندما أصبح الكتاب متداولاً بين القراء وطلبة العلم ، ولم يعد رسالة علمية جامعية ؟ رغم الجهد الطيب المبذول لإخراج هذا الأثر النفيس ، وجزى الله العاملين المخلصين كل خير .
ولست أدري كم يستغرق إخراج هذا الكتاب كاملاً ؟ وكذلك كتاب (شُعَب الإيمان ) للبيهقي ، الذي يطبع في الهند ؟ وأمثالهما من الكتب والموسوعات !
_ 6 _(1/31)
ولعل تقاعس الهمم وفتور العزائم ، أو النفور من الأعمال الكبيرة التي تحتاج إلى وقت وصبر وجهد ، جعلت بعض المحققين يصرفون عنايتهم إلى الأجزاء الحديثة الصغيرة ، وهي غالباً لا تضيف جديداً إلى كتب الأصول والمصادر الأساسية المتداولة ، تلك التي لم يخدم أكثرها خدمة طيبة تليق بها ، إذا استثنينا ما قام به الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ، رحمه الله ، من جهد في إخراج عدد منها كصحيح مسلم ، وموطأ مالك ، وسنن ابن ماجه (رحمهم الله جميعاً) ، والشيخ أحمد شاكر في ( المسند ) للإمام أحمد .
والكتب الأصول أَوْلى بالعناية والاهتمام والإخراج المتقن الذي يليق بها وبمكانتها ، وكم من هذه الكتب ، مما لا يزال مخطوطاً ، أو مطبوعاً طبعات قديمة رديئة ! يحتاج إلى عناية ! ومما يتصل بهذا : العناية بكتب ( الزوائد ) في الحديث ، مع وجود الكتب الأصلية التي جُرَّدت زوائدها . فمع وجود ( صحيح ابن حبان ) مثلاً ، لا ينبغي الاشتغال بزوائده ، لئلا يكون ذلك على حساب عمل آخر أكثر أهمية ، ومع وجود ( معاجم الطبراني الثلاثة ) تقل أهمية زوائدها ، ما لم يكن في هذه الزوائد فوائد خاصة بها ، وقد كان لهذه الكتب أهميتها عند عدم وجود كتب الأصول ، ويصدق هذا أيضاً على ( مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحكم ) فهو تلخيص للملخص ، وكان الأجدى العناية بالمستدرك نفسه . والطريف أن المستدرك يقع في أربع مجلدات ، وتلخيص التلخيص يقع في سنة مجلدات !
- 7 -
وفي غير كتب الحديث . نجد رسائل لا تتجاوز عشرين سطراً من المخطوط ، أو لا تبلغ ورقة منه ، فينفخ فيها المحقق ويحقنها بالدراسة والترجمة والتعليق ومنهج البحث ، وما شئت من هذه الألفاظ التي يتشدق بها ، فتفعل هذه الحقنة فعلها في تضخيم هذه الورقة أو الوريقات فتجعل منها كتاباً راشداً يستوي على قدميه .(1/32)
وقد نجد لمؤلف واحد مجموعة كبيرة من الرسائل ، يخرج المحقق لها كل رسالة بغلاف مستقل ، وكان أولى وأجدى وأكثر حفظاً لهذه الرسالة ، لو أنه أخرج المجموعة كلها بكتاب واحد ، مع دراسة موجزة وتحقيق وتوثيق ، لئلا يتكرر هذا مع كل رسالة بمفردها .
وتجد مثلاً على ذلك في : ( ذوق الطلاب في علم الإعراب ) تأليف الشيخ محمد أحمد عبد القادر الحفظي ، تحقيق عبد الله محمد حسين أبو داهش . يقع الكتاب في صفحتين اثنتين مجرداً من الهوامش ، ومع الهوامش والتعليقات يبلغ (5) صفحات ، فإذا جمعتها مع المقدمات والتعريف بالكاتب بلغت (33) صفحة .
قال المحقق : ( وقد رأيت تحقيق هذا المخطوط سبيلاً للتعريف بأسرة آل الحفظي ، برجال ألمع ، ودعوة لتحقيق تراثهم النادر .. ) ودون أن نتساءل عن قيمة هذا التراث - الذي اطلعت على نماذج محققة منه - لأنه يحتاج إلى دراسة ؛ ترى ما هي علاقة موضوع الكتاب بهذا الذي أراده المحقق ؟ ثم أليس بإمكانه أن يكتب كتاباً عن أسرة آل الحفظي وتراثهم ، ثم يجمع هذا التراث في ضميمة واحدة ؟
وما يصدق هنا يصدق على رسائل السيوطي - التي كانت في طبعتها الأولى بمجلدين فأصبحت الآن مئات الكتب كل كتاب ورقتين أو ثلاثة وقد يزيد - وكذلك في رسائل الملا علي القاري التي ظهرت أخيراً موزعة مفتتة ، وهي في أصلها مجموع واحد !
ولعله لا يغيب عن ذهن القارئ : أن هذه الملاحظات لا تعني التقليل من أهمية الكتب التي سبقت الإشارة إليها ، ولا تعني إهمالها ، ولا أننا ننقص أصحاب الجهد ونبخسهم حقهم ، وإنما قصدت إلى توجيه العناية بالأمهات والبدء بالأولويات وتقديم ما هو أكثر أهمية على ما هو أقل في الأهمية . كما قصدت المحافظة على هذا التراث من الضياع ، وعلى الجهد من أن يتبدد أو يذهب سدى .
- 8 -(1/33)
وإذا كان من الأجدى أن يبدأ الباحثون من حيث انتهى غيرهم ، كما يستفيدوا من جهود السابقين ، ويتابعوا عملية إتمام البناء الذي سبقوا إليه ، فإنه من العبث ، ومن التجاهل لجهود الآخرين ، أن نقوم بتكرار العمل وإضاعة الجهد في كتب قد خدمت خدمة طيبة .
ويعرف الجميع ما قام به الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي ، وما بذل من عناية في إخراج بعض كتب السنة ، مما سبقت الإشارة إليه ، فمثلاً : أخرج ( سنن ابن ماجه ) في جزئين ، وحقق نصوصه ، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه ، وضبط كلماته ، وعلق عليه ، واقتبس خلاصة مما كتبه البوصيري في ( الزوائد ) ، وصنع له الفهارس التي تعين على الاستفادة منه ، مع عناية بالغة وإتقان في الإخراج . ومع هذا كله ، فإن أول كتاب اتجهت إليه عناية الدكتور الأعظمي ، من الكتب الستة ، هو كتاب ( سنن ابن ماجه ) نفسه ، فقد أخرجه في أربع مجلدات ، اثنان منها للفهارس ، مستعيناً بالحاسب الآلي . وما أظن أن هناك ما يسوغ هذا العمل رغم ما قد يكون فيه من استدراك على السابق ، ولكنه أمر يسير . ولعل الله يهيء له العمل لإنجاز مشروعه وقد اتجهت الجهود لما ينبغي أن تتجه إليه .
- 9 -
ومن صور العدوان على تراثنا العلمي والعبث به ، ما قد يدعو إليه زعم التيسير والتسهيل ، وكأننا أمة لم تخلق إلا لهذا السهل اليسير الذي استمرأناه ، وليس من شأننا أن نرتفع بأنفسنا إلى مستوى الأمة القائدة الرائدة التي لا تعبأ بالصعاب ، وتبذل كل جهد لتبقى متربعة على قمة المجد .(1/34)
وباسم التيسير والتسهيل ، يعمد أحدهم ، وقد يكون فرداً أو مؤسسة ، إلى كتاب من كتب التراث فيغير ترتيبه ، فلا هو الكتاب الذي وضعه مؤلفه ، ولا هو كتاب أنشأه مرتبه ، مع أن الكتاب الأول معروف منذ قرون متطاولة بشكله الأول ، والعزو إليه وهو في صورته تلك ... ومن أقرب الأمثلة لهذا : ( لسان العرب ) لابن منظور الذي طبعته دار المعارف بمصر طبعة جديدة مرتباً على أوائل الكلمات كطريقة ( أساس البلاغة ) أو ( المصباح المنير ) .
- 10 -(1/35)
وبعد : فقد سبقتنا الأمم الأخرى أشواطاً كثيرة في العلم المادي وفي الصناعة وغيرها ، لو ركضنا ركضاً ما استطعنا - وهذا حالنا - أن نلحق بها ، فضلاً عن أن نسبقها ، ونحن في ذلك مقصرون ومفرطون تفريطاً معيباً ، فلا أدري لماذا ينصرف إخواننا الكرام ، أصحاب المؤهلات والتخصصات العلمية ، عن تخصصاتهم ومجال إبداعهم رغم حاجتنا إلى جهودهم ، ينصرفون عن هذا إلى مجالات أخرى ، فيكتب الطبيب في الفقه والحديث ، والمهندس في الجرح والتعديل ، والكيميائي في التفسير ، والشاعر الأديب يتحول إلى فقيه ... بحجة أنه ليس في الإسلام ( هيئة أكليروس ) أو بحجة الاجتهاد ومحاولة التقليد ... هكذا دون احترام للاختصاص - ونحن في عصر التخصص الدقيق كما يقولون - ولا احترام للعلم وأهله ، وقد لا يملكون المؤهلات التي تؤهلهم لما يقومون به ، أو إن تكوينهم العلمي والفكري الذي درجوا عليه ، قد لا يساعدهم على إتقان ما توجهوا إليه أخيراً - عندما عزفوا عن القيام بفرض كفائي - ، أو أنهم يفهمون عبارات العلماء وأقوالهم على غير وجهها ويضعونها في غير موضعها ، فأصبحت تجد تعليقاً على حديث أخرجه مسلم ، مثل هذه العبارة ( حسن على رأي من يقبل عنعنات الصحيحين ، وهما ابن صلاح والنووي ) يعني أنه ضعيف عند غيرهما ! وهو من أحاديث الصحيح ... وتجد أمثال هذه العبارة : ( قال النووي - وليس كما زعم - ) أي ليس كما زعم النووي - رحمه الله - ، وزعم مطية الكذب كما يقولون . فأين الأدب واحترام العلماء الذين أرشدنا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟ أم أن المحققين يشغلون أنفسهم بالسند دون العمل بالحديث !
وأسأل الله لي ولهم ولجميع المسلمين الهداية والتوفيق ، و ( أن يرزقنا فهماً في كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، وأن يرزقنا قولاً وعملاً يؤدي به عنا حقه ، ويوجب لنا نافلة مزيده ) . والحمد لله رب العالمين .
هجوم على العمالقة
- 1 -(1/36)
قال لي صاحبي يوماً وهو يحاورني : لقد أجمعت أمري على أن أفاجئ العالم باختراع جديد ، وسَبْق فريد ، أسجِّل حقوقه ، فلا يعتدي أحد عليها بالسطو أو التقليد .. قال هذا ، وعلامات الجد ترتسم على محياه ، فما عهدت منه إلا الصرامة والجد . فلا بد - إذن - أن شيئاً جديداً نافعاً يفكر فيه صاحبنا كيما يقدم للأمة ما قد يكون سبباً في رفعتها وتقدمها الماديّ والمعنوي ، فتغدو وقد بزَّت غيرها من الأمم ، وتربعت على كرسي الزعامة والريادة .
وبادرت صاحبي بالسؤال عن هذا الاختراع الفريد ؟ ! فقال : إنه جهاز لضغط العمالقة الكبار ، لتحويلهم إلى أقزام صغار ! فضحكت حتى وقعت لقفاي وفحصت برجلي .. : جهاز لضغط العمالقة ! ضحكت ، أولاً ، لطرافة الفكرة وغرابتها ، وضحكت ثانية : للنكتة تجري على لسان صاحبي - فقد ظننتها نكتة - وما عرفته كذلك . فإذا به ينتهرني لأكفَّ عن ضحكي ، فالموقف غاية في الجد والخطورة ، فليست هذه نكتة ، ولكنها فكرة جديدة ، لها سوابق تاريخية واقعية تعطيها صفة المشروعية .
فقلت في نفسي : أَمَا وإنّ الأمر جدّ خطير ، فينبغي أن أحذِّر صاحبي من هذا العدوان المبيَّت على العمالقة . فما أظنهم يتركونه يعبث بسمعتهم عندما يفكر بتحويلهم إلى أقزام ، فضلاً عن أن يتركوه يمضي في تحقيق ما يريد ! وإن تواضع العمالقة فسكتوا ، أو إن ترفعوا فأغضوا ؛ أفيسكت عن ذلك كله دعاة حقوق الإنسان ؟ ويغضي عنه أناس لا تزال في رؤوسهم نخوة وحمية للإنسانية ، وعنده أثارة من علم بعواقب هذا البغي والظلم للآخرين .. ؟
إذ هذا العدوان حرام آثم بحكم الشرع ، وممقوت بغيض بنظر الإنسانية ، ومخاطرة كبيرة بنظر الواقع !
فقال آمناً مطمئناً : ومن ذا الذي حرّمه عليّ وأباحه لغيري ؟ فتعجبت من إصراره ، وازددت عجباً من دعواه أن غيره أبيح له ذلك ففَعَله ! فما سمعنا ولا قرأنا - على الأقل في صحفنا العربية العتيدة - خبراً عن هذا الذي قام به غيره .(1/37)
وحتى لا يتركني صاحبي في حيرة من أمري ، وحتى لا أسترسل في عجبي واستغرابي ، اقتادني من يدي ليريني شاهد الصدق على ما يقول ، واقعاً مشاهداً ، نراه بأم أعيننا ، ونلمسه بأيدينا ، ونتحسسه عن قرب .. فإذا وقع هذا ، فلا أدلَّ على المشروعية من وقوعه ، ومن ثم فهو دليل وسابقة تدل على مشروعية ما يفكر به صاحبي ويعزم على إنفاذه .
-2-
دخلت مع صاحبي إلى مكتبته ، فأخذ يتناول بعض ما فيها من مجلدات وكتيبات ، ثم يضعها أمامي ، وكأنه يقول : هذا هو الدليل العملي الذي أريد أن أقدمه بين يدي مشروعي ليدل على صوابه وجوازه ، أي هذه هي السوابق التاريخية التي أصبحت حجة ، لأن أحداً لم يعترض عليها ، فدل ذلك على الموافقة أو الإجماع السكوتي على الأقل .
هذا هو كتاب ( المغني ) لابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ) ، موسوعة ضخمة في الفقه الإسلامي ، تباهي به المكتبة الإسلامية ، ويعتز بها الفقهاء ، حتى قال عنه سلطان العلماء العز بن عبد السلام - وهو من هو في الإمامة في العلم والاجتهاد - قال عنه : ( ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل ( المحلى والمجلى) لابن حزم ، وكتاب ( المغني ) للشيخ موفق الدين بن قدامة ، في جودتهما وتحقيق ما فيهما ، ولم تطب نفسي بالفتيا حتى صارت نسخة من المغني عندي ) .
وما أظنني بعد كلمة العز هذه بحاجة إلى الحديث عن مكانة هذا الكتاب الضخم ، الذي بلغ عشر مجلدات كبار ، وفي بعض الطبعات أكثر من هذا ، ولكن أحد الأساتذة المشاركين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قام باختصاره وسماه (المقني في اختصار المغني ) ، رأيت منه مجلدين اثنين ، ينتهي الأول منهما بنهاية كتاب الجنائز ، قال فيه صاحبه : ( ولعل كبر الكتاب وتوسعه قصر الاستفادة منه - إلى حد كبير - على المتخصصين . ورغبة مني في المشاركة في خدمة هذا الكتاب الجليل ، ومن أجل تعميم الاستفادة منه ، وتقريب تناوله أقدمت على اختصاره .. ) ص (5) .(1/38)
وعجبت لعمل الأخ الأستاذ ، مرات .
أولاً : لأنه أستاذ في الجامعة الإسلامية التي كانت ولا تزال ولن تزال - إن شاء الله تعالى - مركز إشعاع ونور وهداية ، والتي نتوسم فيها وفي أساتذتها ومشايخها أن يكونوا سداً منيعاً أمام سيل المختصرات والتشويهات التي بدأت تغمر ساحتنا الفكرية ، وأن يقولوا كلمة الفصل للتفريق بين هذا العبث وبين تذليل العلم لطالبيه .
ثانياً : العجب من فكرة الاختصار نفسها بهذا الشكل ؛ فإن هذا الكتاب الكبير ، لم يكتبه مؤلفه - رحمه الله - لعامة الناس من غير المتخصصين الذين نريد التيسير لهم ، ولهذا فإن عبارة الدكتور : ( ولعل كبر الكتاب وتوسعه قصر الإفادة منه - إلى حد كبير - على المتخصصين ) لم تضف جديداً ، مع أن هذا القول غير مسلم ؛ فالمغني بعبارته السهلة التي تنساب انسياباً يمكن أن ينتفع به كثير من القراء الذين يراجعون أمثال هذه الكتب ، بَلْه المتخصصين من طلاب الشريعة . وهذا التوسع في الكتاب هو ميزته الفذة .
أَوَليس هناك طريقة أخرى لخدمة الكتاب وتيسير الانتفاع به ، كالفهرسة ، وإبراز بداية الفصول والأبواب والمسائل بخط واضح مثلاً يشير إلى موضوعها بما يغني عن إدخال العناوين الجانبية في صلب الكتاب ؟ ! وإذا كان هذا المختصر يقع في ثماني مجلدات - كما علمت - فكيف يكون تيسيره للقراء وتعميم الاستفادة منه وهو بحجم يعادل حجم الأصل ، فإن كان ذلك بتيسير شرائه ، فإن القادر على شراء المختصر بهذا الحجم قادر على شراء الأصل الذي يقاربه ، ومن يقرأ في هذا لا يعجز عن القراءة والفهم في الأصل .(1/39)
ثالثاً : طريقة الاختصار ، التي ذهبت بجلّ حسنات وميزات ( المغني ) وله من اسمه نصيب فهو المغني حقاً ، يغني طالب العلم عن كثير من كتب الفقه ، ولا يغني عنه كثير منها ، فهو كتاب ( في فقه المسلمين كافة ) كما يقول الشيخ محمد رشيد رضا ، يذكر أقوال علماء الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار المشهورين ، كالأئمة المتبوعين وغيرهم ، ويحكي أدلة كل منهم .
فقام الدكتور بحذف ( التفريعات النادرة الوقوع ، والأقوال الضعيفة أو الشاذة) . وما كان ينبغي له أن يفعل ذلك ؛ فشذوذ القول لا يبيح لنا حذفه من الكتاب ، ووجوده هو الذي يثبت القاعدة الأصل . وكذلك الأقوال الضعيفة ، فكم من قول ضعيف في المذهب مثلاً ، نجده راجحاً عند إمام آخر في المذهب ، أو عند واحد من علماء الترجيح ، وكثيراً ما نجد في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ترجيحاً لواحدٍ من هذه الأقوال .
أما ( الاكتفاء من الأدلة بالأصح والأصرح ) ، فكان يغنينا لتحقيق ذلك كتاب مختصر في الفقه ، مما يُعنى بالدليل ، لأنه عندئذ لا يستدل إلا بما هو صريح غالباً ، وبما هو صحيح كذلك من حيث الاستدلال ، وتبقى ميزة المغني في أنه يستوعب الأدلة الصريحة وغير الصريحة ، وهذه الأخيرة تشد الدليل وتقويه كذلك .
ومن ميزات المغني كذلك : أنه يعرض لفقه مجموعة كبيرة من علماء السلف فاكتفى فضيلة الدكتور ( بذكر من قال بالمسائل من أصحاب المذاهب المشهورة غالباً .. ) وفي هذا حرمان لطالب العلم من معرفة آراء غير المشهورين ، وقد يكون لها قيمتها ومكانتها .
عجبت للأخ الدكتور حين يقول : ( أثبت نصوص الأحاديث من كتب الأحاديث .. ) . فهل معنى ذلك : أن ابن قدامة ، رحمه الله ، لما أثبت الأحاديث واستدل بها في كتابه أخذها من غير كتب الحديث ؟ أم أنه يقصد أن فيها اختلافاً عما يجده بين يديه من كتب الحديث ؟(1/40)
فإن كانت الأولى ، فأين الدليل ؟ . وإن كانت الثانية ؛ فإن أقل ما يقال : إن هذا من اختلاف النسخ والروايات ، وهذا معلوم وقوعه كثيراً .. وحتى لو كان غير ذلك فيمكن الإشارة إلى هذا في حاشية الكتاب .
وأما العناية الكبيرة والإطالة في التخريج ، حتى تبلغ التعليقة أحياناً ثلثي الصفحة بخط دقيق ، فهي تتنافى مع فكرة الاختصار ، وتناقضها أيضاً .
ويزداد العجب أيضاً من قول فضيلة الدكتور في مختصره : ( لم أُعْنَ بالتعريفات أو المصطلحات أو المفردات شرحاً أو توثيقاً حتى لا أخرج عن طبيعة الاختصار ) فهو قد خرج عن الطريقة قبل قليل . ولو خرج هنا لكان ذلك جائزاً ، فإني أعلم أنه أستاذ جامعي يتلقى الطلبة على يديه أصول البحث العلمي والمنهج الصحيح ، في مواد الشريعة وعلومها ، بين جدران كليات الجامعة الإسلامية ، ولا أظن طالب عالم ينازع في أن المصطلحات والتعريفات - في كل علم - من أول ما
ينبغي أن نعنى بها وأن نحددها تحديداً صحيحاً واضحاً ، وإلا وقع الالتباس وضاعت المفاهيم ، وتنازعنا فيما نحن متفقون عليه حقيقة .
وأما الاعتذار عن إهمال الشرح والتوثيق للمفردات حتى ( لا يخرج عن طبيعة الاختصار ، هذا مع سهولة الوصول إليها ، لمن أراد التوسع فيها ، في كتب شروح الفقه والحديث والغريب واللغة ) هذا الاعتذار يأتي حجة على صاحبه في القيام بالاختصار ، لأنه يعيدنا ثانية إلى كتب الشروح والحديث .. فكان ينبغي أن يخفف العناء ، فيترك ( المغني ) لمن أراد هذا التوسع ، دون المسخ والاختصار ، ومن لا يريد التوسع فأمامه المختصرات ، فهي تكفيه .
إن اعتراضنا على فكرة الاختصار وأسلوبه له ما يسوِّغه ، فإن كثيراً من طلبة العلم سيقتحمون هذه المخاطرة إذا وجدوا من مشايخهم من يستدلون بعمله ، وعندها تكون الفوضى بأجلى صورها ، وها نحن نسمع أن أحدهم قد شرع باختصار (المجموع شرح المهذب) !
جولة ثانية
في الهجوم على العمالقة
- 1 -(1/41)
أصبحت المختصرات الماسخة للأصول المطولات من تراثنا كثيرة كثرة تستلفت النظر وتدعو للوقوف عندها . وأصل فكرة الاختصار هذه ، وواقعها عند أدعياء التيسير والتهذيب اليوم ؛ محل نظر .
ويطول بنا الحديث لو رحنا نستقصي آثارها ومظاهرها » فحسبنا - إذن - أن نشير إلى دراسة ممتعة في هذا ، قدمها الشيخ عثمان عبد القار صافي ، من طرابلس الشام ، بعنوان : ( أخطار على المراجع العلمية لأئمة السلف ) (طبع دار الفاروق بالطائف) وهي دراسة تمهيدية تهدف إلى المحافظة على التراث العلمي الإسلامي والتحذير من العبث به .
وكان للشيخ عثمان فضل السبق والريادة في ذلك ، أقام كتابه هذا على دراسة لبادرة الشيخ محمد علي الصابوني في كتابه » مختصر تفسير ابن كثير « و » صفوة التفاسير « ، وهي تصدق أيضاً على ما أصدره الشيخ بعد ذلك من مختصرات ، مثل » مختصر تفسير الطبري « و » مختصر روح البيان « و » مختصر الأذكار « .. وكأنه تخصص في السلخ والمسخ والاختصار.
ومراجعة مختصر ابن كثير تقدم دليلاً على ذلك ، ولديّ الكثير من الأمثلة جمعتها عندما كنت أقوم بتدريس هذا الكتاب في بعض المدارس الشرعية ، وكان مقرراً في برامجها !
-2-
وأما العمل الذي لا أستطيع أن أجد له بابا أضعه فيه ، ولا أعرف له وصفاً جامعاً يناسبه أو يجمع كل ما ينبغي أن يقال فيه ، فهو هذا العمل الجديد في كتاب رياض الصالحين للإمام النووي -رحمه الله- ، وهو بطبيعته المقصودة هذه قد أوفى على الغاية في جمال الإخراج ، وجودة الطباعة ، ورواء المنظر .(1/42)
ولكن هذا الكتاب الذي كتب الله له القبول بين الناس منذ ثمانية قرون ، هي عمره منذ تأليفه ، صدرت طبعته الجديدة عن ( دار طيبة ) بمكة المكرمة و( المكتبة الإسلامية ) في عمان بالأردن ، ( ومن حق الأخيرة أن تُقَدَّم لعلة يعرفها من يقرأ المقدمة ) . » حققه وقدم له وهذبه وخرجه : حسان عبد المنَّان « و » راجع تخريجه والحكم على أحاديثه : شعيب الأرنؤوط « الطبعة الأولى 1412 هـ .
وآمل من القارئ الكريم أن يتابع معي هذه العبارات التي تتوسط غلاف الكتاب : » تمتاز هذه الطبعة بضبط نصوصها ، وتهذيبها ، وتخريجها ، والاقتصار فيها على الصحيح ، مع بيان الضعيف منها في فصل خاص ، وترتيب أحاديثها في الأبواب المناسبة لها ، ووضع عناوين فرعية لها ، وشرح غريبها ، وما أشكل منها « . (انتهى)
هذه ثماني مميزات لهذه الطبعة يمنّ بها علينا الشيخ » عبد المنان « ، ولن نعدو الصواب إذا قسمناها إلى قسمين ، أحدهما : كذب ، والآخر : جريمة واعتداء على الإمام النووي ومسخ لكتابه ، وإليك البيان : أما » ضبط النصوص ، وتخريجها ، وشرح غريبها ، وما أشكل منها « فليس هذا ميزة خاصة بهذه الطبعة ، فقد سبق لهذه الميزات طبعات كثيرة - مجتمعة أو متفرقة - كتلك التي حققها وفهرسها وضبط وشرحها الدكتور صبحي الصالح (رحمه الله ) ، وكذلك طبعة الأرنؤوط ، والدقّاق .. وغيرهم . وقد ذكر المحقق عدداً منها في مقدمته .(1/43)
وأما » تهذيب نصوصها « - ونصوص الكتاب كلها آيات وأحاديث - فلست أدري والله - ما الذي يحتاج إلى » التهذيب « ، أهذه النصوص الكريمة أم الذي قام بتهذيبها نفسه ؟ وما أدري - وما أخال عاقلاً يدري - من الذي أعطى هذا الحق لصاحبنا المحقق المهذب أن يقوم بترتيب أحاديث الكتاب في الأبواب المناسبة لها (بزعمه ، وكأن النووي -رحمه الله- لم يدرس أصول الترتيب والتأليف على المحقق ! كان ينبغي أن يتعلم منه قبل أن يُخْلَق ! ) ، والاقتصار على الأحاديث الصحيحة كذلك ، مع بيان الضعيف منها في فصل خاص ، وهو يطبع الكتاب باسمه المعروف وباسم مؤلفه ! وأنا أستحلف الأخ المحقق ، فأقول له : بربك الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ، قل لي : هل هذا هو » رياض الصالحين « نفسه بنصه وفصه ، كما وضعه المؤلف ؟
وأقسم يمينا غير حانث : أنه ليس هو ! ! فَلِمَ هذا التزوير والعبث والافتئات ؟ وحرام على من يشتغل بعلوم السنة وتحقيق أحاديثها أن يكون هذا شأنه مع نصوصها وكتبها وعلمائها .
ثم نأتي إلى قضية الأحاديث الضعيفة تلك التي حذفها من الأصل ورمى بها إلى الملحق بذيل الكتاب في فصل خاص ، والتي يهوّل بها أغيلمة التحقيق والمتاجرون برياض الصالحين وغيره ؛ يقول النووي -رحمه الله- : » فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة .. وألتزم فيه ألا أذكر إلا حديثاً صحيحاً من الواضحات ، مضافاً إلى الكتب الصحيحة والمشهورات .. « أفلا يمكن أن نقول : إن ما رآه المحقق الفاضل ضعيفاً ، أو حكم عليه بالضعف ، هو صحيح بنظر النووي على الأقل (بل بنظر البخاري ومسلم ، فمن الأحاديث التي ضعفها المحقق عدد من أحاديث الشيخين ! ) فيكون ذلك من باب اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف (وقد دخل صاحبنا في زمرتهم) ؟ !(1/44)
أَوَ لا يمكن أن نخفف من حدة الأمر والتهويل به ؛ بأن هذا كله في أبواب الترغيب والترهيب ونحوها ، التي يتساهل العلماء في الرواية فيها بشروطهم ، حيث يقول الإمام أحمد وغيره : إذا روينا في الترغيب تساهلنا ، وإذا روينا في الأحكام أردنا هكذا - وقبض يده - ؟ وإلا فهل كان البخاري عاجزاً عن انتقاء أحاديث » الأدب المفرد « مثلاً من الصحاح بشرطه المعروف ؟ وكذلك الذهبي في كتابه » الكبائر « ، والنووي في » الرياض « ، بحيث لا يخالفهم الشيخ عبد المنان في تصحيحها ؟
أما هذا الترتيب لأحاديث الكتاب » في الأبواب المناسبة لها « - كما قال- فهو تغيير يمسّ أصل الكتاب . وليس من حق المحقق أن يغير الكتاب بما يراه ، وإذا أراد ترتيباً معيناً فيمكن أن يكتب كتاباً يرتبه كما يشاء . والغريب أنه يفعل فعلته تلك ، وهو الذي لازم شيخه الأرنؤوط في البحث والتحقيق ست سنوات في مكتب التحقيق بمؤسسة الرسالة ، عندما كان يحقق أمهات كتب الحديث والتراجم (صحيح ابن حبان ، العواصم والقواصم ، شرح مشكل الآثار .. شرح الطحاوية .. سير أعلام النبلاء) فهل كان عمل مكتب التحقيق بإشراف الشيخ الأرنؤوط هو السطو على كتب الأئمة وتغيير ترتيبها ؟ ولست أدري كيف فات هذا العمل في الترتيب كلَّ من قام بتحقيق الكتاب وطبعه قبل الشيخ عبد المنَّان ؟ لعل فيهم من لا يعرف أهمية هذا العمل وخطورة الأحاديث الضعيفة ؟ فماذا نقول إذن عن الشيخ الألباني ؟ !(1/45)
فإذا غادرنا صفحة الغلاف إلى المقدمة نجد المحقق يقول معدَّداً ما امتاز به عمله ، فيذكر الأمر الأول ، وهو : » تهذيب الكتاب واختصاره في صورة لا تخل بمقصود الكتاب ، بل تزيده دقة وفائدة (والحمد لله على التواضع والإنصاف ، فقد أشار إلى أن في الكتاب دقة وفائدة ، ولكنهما بحاجة إلى زيادة) ويسهل تناوله أكثر بين الناس ، دون إنقاص فائدة من فوائده ، وكانت الغاية من هذا التهذيب أن ينال الكتاب بأقرب الصور ، ويقرأ دون ملل في وقت قصير .. .
أما أولاً : فإن كلام المحقق صريح في أنه اختصر الكتاب . فليكن إذن عنوان المطبوع » مختصر رياض .. « وإلا فكيف ينسب للنووي كتاباً لم يضعه بهذه الصورة؟
وثانياً : هذا » التهذيب « الذي يدندن حوله ، فمرة أخرى أسائل القراء الكرام : من الذي يحتاج فعلاً إلى تهذيب (بل إلى تعزير وتأديب) .. ؟
والتطاول على النووي - ثالثاً - صريح في تلك العبارة ، وفي غيرها صراحة أكثر ، لأن مفهوم كلام صاحبنا أن الكتاب كان بحاجة إلى زيادة » دقة وفائدة « فجاء التهذيب والاختصار تحقيقاً لذلك . ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه .
وما إخال إنساناً سوياً ، خلقه الله ووهبه عقلاً ، يشكو صعوبة تناول كتاب النووي ، حتى جاء صاحبنا ليسِّهل له ذلك بالتهذيب كيما يناله بأقرب الطرق (حتى ولو كانت مشروعة) . والغريب حقاً : أنه يفعل ذلك » ليقرأ الكتاب دون مللٍ في وقت قصير « مع أن صفحاته الستمائة تقريباً تعادل حجم الأصل ، ومن ذا الذي سمعتموه - يا معشر القراء العقلاء - يشكو من طول الكتاب ومن الملل في قراءته ؟(1/46)
ورابعاً : زعم المحقق أنه اختصر الكتاب ليسهل تناوله » دون إنقاص فائدة من فوائده « كيف يصح هذا ، وهو الذي كتب في بيان عمله متبججاً أنه : حذف الآيات المتكررة المعنى واللفظ ، وحذف المكرر من الحديث ، وحذف تخريجات النووي ، وحذف بعض الأبواب ، وبعض الأحاديث الصحيحة ( ! ) .. حتى بلغ الحذف أحد عشر بنداً . فهل كان هذا المحذوف لا يخلّ بفائدة من فوائد الكتاب ؟
وهل كان ذلك كله حشواً ، فجاء هو لينزه الكتاب عنه ؟ ولست أدري ما الذي تركه للمحققين من بعده ليحذفوه في طبعات أخرى ؟
ثم يبلغ التطاول حداً كبيراً يتجاوز السنة ويصل إلى القرآن الكريم ، فهو يحذف » الآيات المتكررة المعنى واللفظ إن كانت في باب واحد « . فما أدري - والله - ماذا يقول علماؤنا في هذا ؟ أين يجدون الآيات الكريمة المتكررة لفظاً ومعنىً ؟
وإن كنا قد فهمنا غرض المحقق من حذف الأحاديث الضعيفة ، فكيف نفهم غرضه من » حذف بعض الأحاديث الصحيحة من الكتاب إذا كانت هذه الأحاديث مما ذَكَرْتُه (أي المحقق) في الباب نفسه في الحاشية « . فهل أصبح من مقاصد الشريعة وغايات التحقيق أن نحذف من المتن لأجل الحاشية ؟ فننزل بالأصل مكاناً ومكانة ، ونرتفع بالحاشية مكانة ، فينقلب الأمر رأساً على عقب ؟ !
-3-
فإذا وصلنا إلى البند الثاني من الميزات التي امتازت بها طبعة صاحبنا وجدناه » بيان الأحاديث الضعيفة في الكتاب « كيف يكون هذا ميزة له ، وهو يكتب بخط يده » أن كثيراً من الطبعات أشارت إلى درجات الأحاديث صحة وضعفاً ، وكان أفضلها نسخة أستاذنا (أي أستاذه هو) المحدث شعيب الأرناؤوط ، ونسخة الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني ، ونسخة الدكتور فاروق حمادة « ؟ (وبالمناسبة هذه طبعات لهم وليست نسخاً لهم) .(1/47)
ولعل السبب في قوله ذاك : أنه - كما قال عنهم - : » قد فاتهم من بعض الأحاديث الضعيفة فحسَّنوها أو صححوها .. ) فجاء هو ليستدرك عليهم بتواضعه وأدبه الجم ، ويلتمس لهم العذر في أنهم اعتمدوا » في الحكم على رواة تلك الأحاديث على كتاب ( التقريب ) للحافظ ابن حجر (رحم الله ابن حجر ، ماذا كان سيفعل لو علم أن جيلاً قادماً سيقول في كتابه ما قال صاحبنا ؟ لعله كان يسجر التنور بأوراق كتابه ويكفي الناس همَّ النقد والتعب) . والكتاب كما لا يخفى على ذي بصيرة قد جانب الإصابة في الحكم على عدد لا بأس به من رجاله ، ووقع في أخطاء واضحة .. ( والنقط هذه من المحقق ! ! ) وكان قد أنبهني إلى بعضها أستاذي المحدث شعيب الأرناؤوط حفظه الله ، فرسم لي الطريق وأفادني من علمه ، ومشيت في ركب البحث والتنقيب عنه حتى صار عندي منها الكثير ، والنية متجهة إن شاء الله لإكمال الشوط الذي بدأناه باشراف شيخنا ومعونته .
وصاحبنا متواضع ومتثبت فيما يقول ، فهو لا يلقي الكلام على عواهنه ، ولا يمنّ علينا فهو يقول : » .. وهذه الأحاديث التي ذكرتها فصَّلت القول فيها تفصيلاً شافياً بإيجاز ، مبيناً علَّتي في تضعيف الحديث « ، ولذا فهو لم يحذف هذه الأحاديث الضعيفة من الكتاب ، بل جعلها في فصل مستقل بآخره » ليأخذ منها ويستفيد بها مَنْ لا يرى ضَعْفَ الأحاديث التي ذكرتُ (أي عبد المنان) لِعلم أصابه أو شاهدٍ رآه يقّوي الحديث .. .
إذن ، دَعْها في مكانها وأَرِحْ نفسك من عناء نقلها ، وتغيير الكتاب ، وتواضعْ ثانية كما هي عادتك ، فإن من القراء من لا يرى ضعفها فيستفيد منها في مكانها وسياقها . ولا داعي للافتئات على النووي ، ولا حاجة للعبث بكتابه وتقطيع أوصاله . (وبالمناسبة لشدة تواضعه ، قد يميل إلى تضعيف حديث ضعّفه غيره أيضاً ولكنه مع هذا المَيل لا يحذفه ، ولا أدري لماذا خالف قاعدته ؟ ) .(1/48)
وبمناسبة التصحيح والتضعيف والتواضع : هل يتكرم المحقق الفاضل فيبين لنا محل هذه الجملة من الإعراب عندما يقول : » وافقني عليه الشيخ الألباني « والكل يعلم أن تحقيق الألباني على الأقل أسبق من تحقيقه هو بسنوات . فمن الذي يوافق الآخر . ورحم الله أياماً كان الطلاب يوقرون أساتذتهم وشيوخهم ولا يتنفخون عليهم ! !
ومِنْ قبل ومن بعد : لِمَ هذا الازدراء والإهمال للعلماء السابقين الذين كان لهم باع في التصحيح والتضعيف ، ولهم مكانتهم ، ولكلامهم وحكمهم وزن ، لِمَ يعرض عنهم صاحبنا ، ويكتفي بموافقة شيخه له في تضعيفه للحديث أو حكمه عليه ؟ حتى تكررت هذه العبارة وكثرت كثرة ملفتة للنظر ، فأصبحت ممجوجة . وإذا كان فضيلة المحقق أميناً دقيقاً في عبارته حين يقول » وافقني الشيخ شعيب ترجيحاً « ! فلماذا لا يكون أميناً دقيقاً عند تحقيقه للكتاب ، فيعبث به هذا العبث ، ويخون الأمانة ويجانب الدقة ؟
ومما يتصل بالأمانة والدقة في التحقيق ، ولكن صاحبنا يغفله ، أنه يُدخِل كلامه ضمن نصِّ الكتاب عند الإحالات الكثيرة عقب الأحاديث ، كقوله : انظر حديث كذا .. وحديث كذا .. بما قد يبلغ أسطراً عديدة ، بل يتجاوز نصف الصفحة بحرف صغير .
والنكتة البارعة الأخيرة ، يطلقها صاحبنا فيقول في ص (507) : » وحرصاً مني على إتمام الفائدة للعامة والخاصة أذكر هنا في هذا الفصل الأحاديث الضعيفة في كتاب «رياض الصالحين» وقد بلغت عندي أكثر من مائة ، وعقبت بعد كل حديث بدليل ضعفه مع تخريجه بإيجاز .
صحيح أن العامة أمثالي (حقيقة لا تواضعاً ، وعلى الأقل في مجال التحقيق) يستفيدون من ذلك ، ولكن ما حاجة الخاصة - طبعاً من علماء الحديث والمحققين منهم - ما حاجتهم لهذا الفضل ؟ ومساكين كم فاتهم من علم وفوائد قبل أن يمنّ الأخ عبد المنان بإخراج هذا الكتاب .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ؟(1/49)