لقاءات
ملتقى أهل الحديث
بأصحاب الفضيلة العلماء
[1] الشيخ الدكتور حاتم بن عارف الشريف .
[2]الشيخ علي بن محمد العِمران .
[3] الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد .
[4] الشيخ عبد العزيز بن مرزوق الطَرِيفي .
[5] الشيخ محمد بن الأمين بو خبزة المغربي .
المجموعة الأولى
ملتقى أهل الحديث
لقاء
مُلتقى أهل الحديث
بفضيلة الشيح الدكتور
حاتم بن عارف الشريف
مُلتقى أهل الحديث
ترجمته
أسمه ونسبه : حاتم ين عارف بن ناصر الشريف، من آل عون، العبادلة الأشراف الحَسَنِيين.
مولده : وُلِدَ في مدينة الطائف سنة 1385 هـ .
حالته الاجتماعية: والشيخ حاتم متزوّج وله من الأبناء خمسة، أربعة من البنات وذَكَر واحد واسمه محمد.
نشأته وطلبه للعلم: ونشأ في الطائف، فكانت المراحل التعليمة الأولى في مدينة الطائف من الابتدائي إلى الثانوي.
أما التوجه إلى علم الحديث؛ فكان من فترة مُبكّرة، من قبل أن يبلغ الثالثة عشر من عمره، وهو في المرحلة المتوسطة أو قبل ذلك، وكان بجهد فردي، ولم يجد من يوجهه ويعينه في تلك الفترة، وإنما وُفّقَ إلى حُبِّ السنة النبوية وإلى العناية بها.
ولفت نظره بعد ذلك؛ كتب الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، فازداد إقبالاً على السنة، ومحبة لها، وقراءة فيها، ومحاولة أن يقتدي بالشيخ في طريقة دراسته الأسانيد، وعنايته بها، وجمعه للكتب المتعلقة بها.
فاستمرت هذه العناية إلى أن تخرّج من الثانوي، وهي جهد فردي.
في آخر الثانوي وأول الجامعة دُلَّ على أشرطة الشيخ مقبل الوادعي (رحمه الله) في شرح (الباعث الحثيث)، فحرص على سماعها، وكانت أول دروس علمية يسمعها من خلال الأشرطة .(1/1)
(1/1)
ثم في أول 1404 هـ أو 1405 هـ أقام الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان (عضو هيئة كبار العلماء) درساً في مدينة الطائف يومياً في أشهر الصيف قرابة ثلاثة أشهر من بعد الفجر إلى وقت الضحى، وأيضاً من بعد العصر إلى العشاء، فالتحق الشيخ حاتم بهذا الدرس السنة الأول من إقامة، والسنة الثانية بانتظام بالغ، وقد كان درساً شاملاً في أبواب كثيرة من أبواب العلم في الحديث والفقه والأصول واللغة .. ، ثم السنيين الثالثة والرابعة كان يحضر بعض الدروس التي كان يشعر أنه أكثر حاجه إليها وأكثر رغبة.
وفي عام 1404 هـ التحق بجامعة أم القرى في مكة المكرمة واختار قسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة وأصول الدين، وتخرّج من الجامعة في عام 1408 هـ، ثم التحق بالماجستير بتخصص علوم السنة وتخرج في شهادة الماجستير في عام 1415 هـ، ثم ألتحق بالدكتوراه وتخرج في عام 1421 هـ.
وأهم فترة في خلال طلبه للعلم هي فترة من عام 1404 هـ إلى 1414 هـ، وهي فترة تميزت بعزلة شديدة في طلب العلم، ولم يكن يكن يخرج من البيت تماماً، فيقضي الساعات الطوال من بعد الفجر، ولم يكن يشغله شي عن القراءة والبحث والجمع والدراسة وما شابه ذلك، إلا ما يحتاجه الإنسان من نومٍ وصلاة وما شابهه ذلك.
وقد ابتدأ هذه الفترة من عام 1403 هـ إلى عام 1414 هـ تقريباً أي قرابة عشر سنوات وهو في غاية العزلة، لا يعرفه من الأصدقاء والأصحاب إلا فرد أو فردين أو ثلاثة، وكان لا يشغل نفسة بشي آخر، لا مع أهله ولا مع غيرهم إلا بطلب العلم.
من عام 1414 هـ تقريباً ابتدأ بالاشتغال مع بعض طلبة العلم بالدروس، ولكن كان شحيحاً على وقته إلى حدٍّ كبير، إلى عام 1418 هـ.
من عام 1418 هـ انْفَلَتَ الزمام لصالح طلبة العلم، لكنه لا يزال يحاول الإمساك بهذا الزمام عسى أن يتيسر له (أيضاً) التزود من العلم في خلال ما تبقى من العمر.(1/2)
وقد انتفعَ بأشرطة الشيخ الألباني خلال هذه المسيرة العلمية القليلة الجهد، فقد سمع مآت الأشرطة للشيخ الألباني، وغيرها من الدروس، كذلك مرّ عليه في الجامعة عددٌ من الدكاترة والأساتذة، وإن كان التحصيل الجامعي (كما يُقال) يعطي مفاتيح لطلبة العلم، أما الجهد الحقيقي فهو يبقى جهدٌ ذاتي مع بعض الأشرطة التي كان يسمعها، كما ذكرتُ.
شيوخه:
الشيخ عبد الله بن غديان.
أما من طريق الأشرطة الشيخ الألباني والشيخ مقبل الوادعي.
وأما الإجازات التي أستجازها من المشايخ وهم عددٌ طيب، ولعلهم قرابة الثلاثين شيخاً، منهم:
الشيخ عبد الفتاح راوه.
والشيخ عبد القادر البخاري.
والشيخ صالح الأركاني.
وفي بلاد المغرب قد التقى بعدد منهم، وقد زار المغرب وزار عدد من مشايخها هناك، لكن أهمهم: الشيخ محمد بن عبدالهادي المنّوني، الذي تُوفي عام 1420 هـ، وله مؤلفات معروفة.
ومنهم في زامبيا بأفريقيا: الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن عمر دُكَلِي، وهو عضو مؤسس في رابطة العالم الإسلامي، وله قدره ومكانته في العلم الإسلامي من ناحية جهوده في خدمة الإسلام والمسلمين، وقد تُوفي عليه رحمة الله تعالى.
ومن بلاد اليمن: مفتي اليمن السابق محمد بن أحمد زبارة والشيخ العمراني من شيوخ الشافعية الكبار، بل هو أكبر مشايخ الشافعية في اليمن.
وغيرهم كثير من الهند وغيرها من البلاد الإسلامية.
مؤلفاته:
أولاً: التحقيقات:
1 ... ( جزء وفيات جماعة من المحدثين ) لأبي إسحاق الحاجي الأصفهاني.
2 ... ( جزء فيه خبر شعر وفادة النابغة الجعدي على النبي صلى الله عليه وسلم) المنسوب لأبي اليُمْن الكندي.
3 ... ( مشيخة أبي عبدالله الرازي ) الشهير بابن الحطاب.
4 ... ( مشيخة أبي طاهر ابن أبي السقط ).
5 ... ( معجم مشايخ محمد بن عبدالواحد الدقاق).
6 ... ( مجلس إملاء ) لمحمد بن عبدالواحد الدقاق.
7 ... ( أحاديث الشيوخ الثقات ) لأبي بكر محمد العبدالباقي الأنصاري، وهو رسالة دكتوراه.
ثانياً: المؤلفات:(1/3)
8 ... ( المنهج المقترح لفهم المصطلح ).
9 ... ( المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس، دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن المصري) وهو رسالة ماجستير.
10 ... ( نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية ).
11 ... ( العنوان الصحيح للكتاب ).
12 ... ( ذيل لسان الميزان ).
13 ... ( خلاصة التأصيل لعلم الجرح والتعديل )
14 ... ( إجماع المحدثين ).
وهناك كتابان طُبعا ولم يُنشرا، لأن الشيخ أرسلهم لِيُحَكّما في جامعة الأزهر، وقد حُكّما، وهم في طور النشر:
15 ... ( تسمية مشايخ أبي عبد الرحمن النسائي )، فالإمام النسائي له مشيخات كان يُعتقد أنها مفقودة، وقد اطلع الشيخ على نسختها وحققها، وأرسلها للأزهر وحُكّمت (بحمد الله) وسَتُنْشَر (بإذن الله) في هذه الأيام القريبة.
16 ... ( بيان الزمن الذي ينتهي عنده التصحيح عند ابن الصلاح ).
دروسه ومنهجه فيها:
أول مشاركة للشيخ خارج الجامعة كانت في عام 1411 هـ. ثم أول مشاركة في الدورات الصيفية عام 1414 هـ في جدة، وكانت في شرح (نزهة النظر) في مكة. ومن أهم الدروس التي أُقِيمت درس في كتاب (الموقظة) في جدة.
ودرس في شرح (كتاب ابن الصلاح) وله الآن ثلاث سنوات. وهناك دورات علمية مختلفة داخل المملكة وخارجها.
ومنهجه فيها على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: للمبتدئين؛ ويحرص الشيخ فيها على حَلِّ ألفاظ الكتاب المشروح، لأنهم ليسوا في مقدرة أنهم يعرفوا الراجح والمرجوح فتشوّش أذهانهم في هذا الأمر، فالشيخ يرى أنه لا بُدَّ من السير معهم في البداية على طريق ليس فيها كثير من العقبات، فيكتفي بشرح ألفاظ الكتاب كـ (النزهة) وما شابهه ذلك، فالشيخ يعتبر أن هذه المرحلة لا بد من المرور بها قبل أن يصل الطالب إلى درجة المناقش في قضايا العلم والمسائل المختلفة فيه، فلا بد أن يُأصل في البداية تأصيلاً علمياً.(1/4)
الدرجة الثانية: وهي درجة إبداء الراجح باختصار نوعاً ما، كأن يشرح الكتاب ويفكّ رموزه مع بيان الراجح في المسائل باختصار، وهذا يكون في الدرجة الوسطى في التدريس.
الدرجة الثالثة: أن يتخذ من الدرس مجالاً للمناقشة ولإبداء الآراء المختلفة ولبيان أدلة الترجيح بصورة واضحة، وهذه هي التي يسير عليها الشيخ في درس ابن الصلاح، وفي بعض الدروس التي يلقيها بصورة خاصة لبعض طلبة العلم في المنزل أو في مكان آخر، والشيخ يرى أن هذه الطريقة أحسن الطرق في التعامل الطلاب.
والله أعلى وأعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللقاء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد :
فجواباً على أسئلة الإخوان الذين راسل [ مُلتقى أهل الحديث ] حول بعض مسائل علم الحديث، أقول وبالله التوفيق :
س1: ماذا ترون في رواية سعيد عن عمر؟
صحّ عن سعيد بن المسيب أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أي أنه ولد سنة(15 هـ)، وعمر (رضي الله عنه) توفي سنة (23 هـ) أي وسنّ سعيد حينها (8) أعوام.
وقد نفى عامة أهل العلم أن يكون قد سمع كل ما رواه عن عمر (رضي الله عنه)، مع إثبات عدد منهم له رؤيةً وسماعاً مجملاً من عمر في بعض الحوادث: كنعيه النعمان بن مقرن، وغير ذلك.
لكن يبقى أنّ مرويات سعيد بن المسيب عن عمر، وخاصة لفتاواه وأقضيته = كثيرة جداً، لا يتصور أن يكون ابن ثمان سنين قد سمع ووعى ذلك كله عن خليفة المسلمين (عمر رضي الله عنه).
لذلك كان لابد من الإقرار بأن سعيداً سمع القليل من عمر (رضي الله عنه)، وأنّ أكثر مروياته عنه لم يسمعها منه.
ومع ذلك يقول الإمام أحمد وقد سئل: سعيد عن عمر حجة؟ فقال: "هو عندنا حجة، قد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!!". وقال أبو حاتم الرازي: "حديثه عن عمر مرسل، ويدخل في المسند على المجاز"، يعني على التجوز والتساهل.(1/5)
وعبارة أبي حاتم تفسر عبارة الإمام أحمد، وأنه لم يكن يقصد تصحيح سماع سعيد من عمر (رضي الله عنه) في كل ما رواه عنه، وإنما قصد قبول حديثه عنه لقرائن وأسباب احتفت بروايته عنه.
ومن هذه القرائن:
- ... أن سعيد بن المسيب من كبار التابعين.
- ... وأنه أعلم التابعين (كما أطلق ذلك غير واحد من الأئمة)، أو من أعلمهم.
- ... أنه مدني، وحديث أهل المدينة ( وخاصة في تلك الطبقة) أنقى حديث أهل الأمصار، وأبعده عن العلل والتزيد: المقصود وغير المقصود.
- ... وأنه لا يحدث إلا عن الثقات.
- ... وأن مراسيله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحّ المراسيل، فكيف عن أصحابه؟! وكيف عمّن أدركه وسمع منه شيئاً؟
- ... أنّ مراسيله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) سبرت فما وجد فيه ما لا يقبل، إلا الشيء القليل الذي لا يخفى على أهل العلم.
- ... ويضاف إلى ذلك كله أنه كان أعظم الناس عناية بجمع علم عمر (رضي الله عنه)، من المرويات والفتاوى. يقول يحيى بن سعيد الأنصاري: "إنّ ابن المسيب كان يسمى راوية عمر بن الخطاب، لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته". وقال مالك، وسئل عن سعيد: هل أدرك عمر؟ فقال: "لا، ولكنه ولد في زمان عمر، فلما كبر أكب على المسألة عن شأنه وأمره، حتى كأنه رآه. وبلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره".
فلهذه القرائن ولغيرها خصت مراسيل سعيد عن عمر بالقبول، وهذا حق، فإن لم يقبل سعيد عن عمر فمن يقبل؟!
لكن يبقى أن كون أكثر مروياته عن عمر (رضي الله عنه) مرسلة داعياً لعدم الاعتداد بها والاعتماد عليها كاعتدادنا واعتمادنا على المتصل الصحيح، ولا بد من مراعاة كل رواية، وما يحتف بها من قرائن الرد: كالمخالفة أو النكارة والشذوذ.
وهذا أمر عسير جداً، لا يدخل غماره إلا من له قدم صدق راسخة في علم الحديث.
س2: عامر الشعبي عن علي؟(1/6)
وأمّا رواية الشعبي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، فهي وإن كان فيها شبه برواية سعيد عن عمر (رضي الله عنه)، من جهة ثبوت رؤية الشعبي وسماعه لحديث واحد عن علي (رضي الله عنه)، إلا أن أهل العلم لم يحكموا بقبولها كما فعلوا في حديث سعيد عن عمر (رضي الله عنه)، كما سبق بيانه.
وما هذا التفريق بين الصورتين إلا لاختلاف الحالين، ولفقدان بعض أهم القرائن التي سبقت في كلامنا عن حديث سعيد عن عمر (رضي الله عنه) في حديث الشعبي عن علي (رضي الله عنه).
حتى أن أبا حاتم الرازي لإنكاره ثبوت ما أكثر روايته الشعبي عن علي (رضي الله عنه) من مسائل الفرائض ليقول: "هذا عندي ما قاسه الشعبي على قول علي، وما أرى علياً كان يتفرغ لهذا".
وهناك احتمال آخر لسبب رد حديث الشعبي عن علي (رضي الله عنه) عند بعض الأئمة وهو أنّ الشعبي أخذ الفرائض عن الحارث الأعور عن علي (رضي الله عنه) عند بعض الأئمة، وفي الحارث كلام شهير لأهل العلم.
س3: ما الضابط الدقيق في تقوية الأحاديث بالشواهد؟
تقوية الأحاديث بالشواهد (أي بمجيء الحديث من رواية صحابي آخر، على حسب المشهور عندنا من معنى الشاهد) من المسائل التي توسع فيها أكثر المتأخرين والمعاصرين توسعاً غير مرضي، فلا ما هم عليه بصحيح، ولا إغلاق باب هذا النوع من القرائن بالصحيح أيضاً، والتوسط هو الصواب.
أما وضع ضابط للحالة التي تقوى فيها الشواهد والحالة التي لا تقوي فيها، فهذا أمر يعرفه ذووا الخبرة والعلم، ولكل مسألة جزئية حكمها الخاص.(1/7)
لكني أقول: إنّ الشاهد إذا كان مختلف المخرج، ولا يعود الحديث الضعيف الذي أريد أن أعضده به إليه، أو يعود هو إليه، واطمأن قلب الناقد إلى أنه شاهد حقيقي ليس وهمياً = يمكن أن ينفع في تقوية الحديث الضعيف. وكلّما اتحد اللفظ في الشواهد أو تقارب تقاربا كبيراً، كلما كان ذلك أدعى للانتفاع بشهادته. وكلما كان الضعف خفيفاً كلما كان التقوي بالشاهد مقبولاً، وكلما ازداد الضعف قوة كلما بعد احتمال التقوي بالشاهد، حتى إذا بلغ الضعف درجة شدة الضعف العائدة إلى الاتهام بالكذب سقط احتمال تقويه مطلقا".
الخلاصة: أنّ الشواهد قرائن تقويه وترجيح. فقد تقوى هذه القرائن على التقوية أو الترجيح في مسألة، لعدم وجود قرائن في جانب الرد والتضعيف، أو لضعفها في مقابل قرائن التقوية. أو لا تقوى على ذلك؛ لنزولها وضعفها في مقابل قرائن الرد.
س4: ما رأيكم بحديث قراءة آية الكرسي بعد الصلاة؟
وأمّا حديث "من قرا آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يكن بينه وبين الجنة إلا الموت"، فهو حديث مقبول، لا ينزل عن درجة الحسن. لو لم يكن له إلا حديث أبي أمامة (رضي الله عنه) لكفاه، فهو حديث أخرجه النسائي في الكبرى ولم يعله، وصححه ابن حبان. ولا أعرف أحداً من المتقدمين أعلّه، إلا ما كان من حكمهم بتفرد أحد رواته به. لكن الحكم بالتفرد وحده مع عدم وجود نكارة في اللفظ، ومع عدم الإعلال من قبل أئمة النقد به، بل مع تصحيحهم له = لايصح أن يكون متعلقاً للتضعيف.
س5: فضيلة الشيخ سؤالي يتعلق بقضية التفريق بين منهج المتقديمين والمتأخرين في التصحيح والتضعيف. أرجو منكم البيان الشافي عن هذه القضية، وهل هذا التفريق سائغ؟
أمّا البيان الشافي فهو حري بمصنف كامل، وهو ما قمت به بفضل الله ومنته، من نحو ثلاث سنوات. وإنّما أخرت طباعته ونشره استكمالاً لبعض الجوانب غير الأساسية المتعلقة بالموضوع، فعسى أن ييسر الله (تعالى) نشره قريباً (بإذنه عز وجل).(1/8)
لكني سوف أذكر بعض الأمور التي تجلى وجه الحق في هذه المسألة :
أولاً: لا يتردد أحد ممن له علاقة بعلم الحديث أن أئمة النقد في القرن الثالث والرابع، من أمثال ابن معين وابن المديني وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة وابن خزيمة والعقيلي وابن أبي حاتم وابن عدي وابن حبان والدارقطني وأمثالهم = أنهم أعلم (بمراتب كثيرة) من المتأخرين من أمثال الذهبي وابن حجر والسخاوي والسيوطي فمن جاء بعدهم إلى المعاصرين.
ثانياً: لا يشك أحد ممن له علاقة بعلم الحديث وبعلمائه وتراجمهم وأخبارهم أن أئمة الحديث ممن سبق ذكر أعيانهم أسلم الناس قلبا (وفكراً) من العلوم الدخيلة على العلوم الإسلامية التي أثرت فيها تأثيراً سيئاً، كعلم المنطق ووليده علم الكلام، وأنهم في هذا الأمر ليسوا كعامة المتأخرين ممن تأثروا بتلك العلوم: بطريق مباشر أو غير مباشر (كما بينت ذلك في المنهج المقترح).
ثالثاً: لا يخفى على أحد أن علم الحديث كان خلال القرون الأولى حياً بين أهله؛ لأنهم هم الذين سايروا مراحل نموه وتطوره، وواجهوا الأخطار التي أحدقت به بما يدفعها، وهم الذين وضعوا قواعده وأتموا بناءه، حتى اكتمل. وأنه بعد ذلك ابتدأ في التناقص، حتى وصل إلى درجة الغربة ( كما صرح بذلك ابن الصلاح ت 643هـ). ولذلك غمضت على المتأخرين كثير من معالمه، وخفيت عليهم معاني بعض مصطلحاته، وصاروا يصرحون في مواطن كثيرة (بلسان الحال والمقال) أنهم مفتقرون إلى الاستقراء والدراسة لأقوال المتقدمين ومناهجهم لاستيضاح معالم علم الحديث ومعاني مصطلحاته التي كانت حية واضحة المعالم عند المتقدمين (كما سبق).(1/9)
ولذلك كنت قد وصفت المتقدمين في كتابي (المنهج المقترح) بـ ( أهل الاصطلاح )، ووصفت المتأخرين بأنهم (ليسوا من أهل الاصطلاح)؛ لأنهم (أعني المتأخرين) مترجمون لمعاني مصطلحات المتقدمين، ومستنبطون لمعالم علمهم: أصولاً وفروعاً، وليس لهم دور آخر سوى ذلك، إلا أن يحفظوا لنا الأوعية التي تركها المتقدمون (وهي الكتب).
وبذلك يظهر لنا الفرق الكبير بين الفريقين، إنه كالفرق بين: من كان من أهل الاحتجاج بلغته من العرب (فهم أهل اللغة)، ومن جاء بعد انقراض هؤلاء ممن صنف كتب اللغة. بل من جاء بعدهم بزمن، بعد أن أفسد علم المنطق من علوم اللغة ما أفسده في العلوم الأخرى، وبعد أن ضعف العلم باللغة كما ضعفت العلوم الأخرى!!!
وإذا كان الأمر بالنسبة للمتقدمين والمتأخرين على ما سبق شرحه، فهل يشك أحد أن هناك فرقا بين المتقدمين والمتأخرين ؟!!!
وإني لأسأل: إذا تكلم في علم من العلوم رجلان، أحدهما: أعلم به، بل هو من مبدعيه وواضعيه. وثانيهما: أقل علما به بمراتب، بل قصارى شأنه أن يفهم كلام الأول ويستوضح منهجه = أيهما سيكون أولى بمعرفة الحق في مسائله؟ ومن منهما سيكون قوله أصوب وأسد.
وبصراحة أكثر: إذا صحّح أحد المتأخرين حديثاً، ألن يؤثر على تسديد حكمه أنه : 1) أقل علماً من المتقدمين، 2) وأنه قد تأثر فكره وعقله بمناهج غريبة عن علم الحديث، 3) وأنه ما زال مفتقراً لفهم واستيضاح بعض معالم علم الحديث .. ؟!!
وإذا قرر أحد المتأخرين قاعدة من قواعد نقد الحديث في القبول والرد، أو أصل أصلاً في إنزال الرواة منازلهم جرحاً أو تعديلاً، ثم وجدنا أن تلك القاعدة أو ذلك الأصل يخالف ولا يطابق التقعيد الواضح أو المنهج اللائح من أقوال أو تصرفات الأئمة المتقدمين = فمن سيتردد أن المرجع هم أهل الاصطلاح وبناة العلم (وهم المتقدمون) ؟!!! إني – بحق – لا أعرف أحداً يخالف في ذلك؛ لأني لا أتصور طالب علم يخفى عليه مأخذه!(1/10)
أما قول من يقول: إن المتأخرين من علماء الحديث (كالذهبي والعراقي وابن حجر والسخاوي والسيوطي) أعرف الناس بمنهج المتقدمين في قواعد الحديث، وأنهم نصروا مذهبهم = فإني أقول له:
أولاً: فإذا اختلف المتأخرون (وما أكثر ما اختلفوا فيه: من تعريف الحديث الصحيح ... إلى المدبج ومعناه) = فمن هو الحكم؟ وإلى ماذا المرجع؟ أو ليس هو تطبيقات المتقدمين وأحكامهم وأقوالهم؟
أم أن هذا القائل لتلك المقالة يريد منا أن نقفل باب الاستقراء والدراسة لأقول الأئمة المتقدمين؟!!!
ما أشبه الليلة بالبارحة! كنا – معشر أتباع الدليل – نذكر الأدلة لمقلدة المذاهب، ونعجب بل نستنكر قول المقلدين المتعصبين: إن إمامنا أعرف بهذه الأدلة منكم، وكل من خالف قول إمامنا إما مؤول أو منسوخ!! ثم أرى بعض أتباع الدليل يرجعون إلى مثل هذا القول!!!
فإن كان ذلك القائل لا يريد منا إقفال باب الاستقراء والدراسة لأقوال الأئمة المتقدمين، بل هو مؤيد لهذا المنهج = فما الذي يستنكره على دعاة هذا المنهج؟! وأخشى ما أخشاه أنه بذلك يؤصل (من حيث يشعر أو لم يشعر) منهج التقليد الأعمى، وينسف أصل السلفية العظيم، وهو الرجوع ألي الدليل الصحيح، وهذا ما نراه في بحوث ودراسات كثير من المعاصرين من المخالفين لنا في منهج دراسة علوم الحديث. فأصبحنا ضحكة لأهل البدع: نجتهد في الفروع الفقهية، ونقلد في علوم الحديث!! ونرضى أن نعد أخطاء العلماء العقدية، ونستشنع أن يخطأ أحد منهم في تفسير مصطلح من المصطلحات!!!
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثانياً: أضف إلى ذلك كله في الرد على تلك المقالة: أن المتأخرين الذين تصدوا إلى علم الحديث تأليفاً وبياناً لقواعده وشرحاً لمصطلحاته قد أخطئوا في بعض ما قرروه، وهذا يعترف به المخالف قبل المؤالف.(1/11)
وبجمع بعض تلك الأخطاء بعضها إلى بعض، وبعد دراستها لمعرفة سبب وقوع ذلك العالم فيها. ولمعرفة ما إذا كانت مجرد خطأ جزئي أم أنها خطأ منهجي = تبين أن بعض تلك الأخطاء سببها خطأ منهجي، أي في طريقة دراسة ذلك العالم لتلك المسائل ومنهجه في تناولها. وهذا ما أثبته بوضوح كامل في كتابي (المنهج المقترح)، وبيّنت دواعيه التاريخية والعلمية والعقدية والفكرية، واستدللت له بأدلة واقعية من أخطاء بعض العلماء.
وذلك الخطأ المنهجي في دراسة المصطلح لدى المتأخرين لم يتناول كل دراستهم، ولذلك أصابوا في كثير من مباحث علم الحديث، لما طبقوا المنهج الصواب، الذي لا ندعوا – اليوم – إلا إليه.
لكن ظهور ذلك المنهج الخطأ لدى بعض العلماء المتأخرين كان أثره واتساع دائرة تطبيقه تدريجياً، إلى العصر الحديث. فكان (المنهج المقترح) أول كتاب يبين بجلاء أن خطا المتأخرين في علوم الحديث ليس دائماً خطأ جزئياً كغيره من الأخطاء التي يمكن استدراكها بسهولة، ولا يكون له خطورة على العلم ذاته. بل إنّ بعض تلك الأخطاء نتجت عن خطأ منهجي خطير، قائم (في وجهه السافر) على مشاحة أهل الاصطلاح اصطلاحهم، وعلى مناقضة أصحاب التقعيد تقعيدهم!! وكان (المنهج المقترح) بعد ذلك أول كتاب أيضاً يبين معالم المنهج الصحيح لفهم المصطلح، بوضع خطوات واضحة له.
وفي الختام : فإني أنصح كل من فاته أجر وشرف السبق إلى إحياء منهج المتقدمين، أن يبادر إلى مسايرة ركب هذا المنهج، الذي يزداد أتباعه يوما بعد يوم (بحمد الله تعالى). ولا تقعدن بك (أخي) حظوظ النفس (من الحسد والكبر) عن فضيلة الرجوع إلى الحق، فهذا لن يزيدك إلا كمداً وغماً وإثماً بزيادة ظهور الحق وأهله؛ فإن الحق يغلب ولا يغلب، وإن بدت للباطل دولة، فغلبة البرهان لا تكون إلا للحق في كل زمان.
س6: وهل الشيخ الإمام الألباني (عليه رحمة الله) كان على منهج المتقدمين أم المتأخرين؟(1/12)
الجواب باختصار: كل ما أصاب فيه الشيخ (عليه رحمة الله) فهو فيه على منهج المتقدمين، وأما ما أخطأ فيه: فمنه خطأ جزئي لا علاقة له بالمنهج، ومنه خطأ منهجي تأثر فيه الشيخ (عليه رحمة الله) بمن سبقه من العلماء المتأخرين ، كما تقدم آنفاً بيانه.
س7: ما هو الضابط في مخالفة المتقدمين في التصحيح والتضعيف، وهل يسوغ تصحيح أو تضعيف حديث مخالفة للمتقديمن. أقصد إذا ورد حديث ضعيف لم يصححه أحد فهل يسوغ تصحيحه للمتأخرين بناء على ما تبين لهم من حيث خبرتهم وعلمهم في التصحيح والتضعيف لا اتباعاً للهوى بل عن طريق الدراسة والبحث.
الجواب: هذه المسألة من أهم المسائل التي بينتها في كتابي الذي نوهت بذكره في بداية الأسئلة، حول مسألة التصحيح والتحسين والتضعيف لأهل الأعصار المتأخرة. وهي مسألة طويلة، ولذلك لا يمكن تفصيلها هنا. لكني أذكر هنا ضابطاً كلياً، قد يكون في حاجة إلى أمثلة، أرجئها إلى صدور الكتاب؛ فأقول:
إن أحكام الأئمة المتقدمين: منها ما نفهم مأخذه ودليله وعندنا أهلية الاجتهاد فيه، ومنها ما لا نفهم دليله ومأخذه أو ليس لدينا أهلية الاجتهاد فيه. فالقسم الأول: يحق لنا أن نخالف فيه الإمام المتقدم، والقسم الثاني : لا يحق لنا فيه أن نخالفه.
أضف إلى ذلك: أن المتقدمين إذا اتفقوا على حكم، أو تلقت الأمة حكم أحدهم بالقبول (مثل أحاديث الصحيحين)، فلا يحق للمتأخرين نقدها، إلا بدعوى صادقة أنها مستثناة مما تلقي بالقبول، كأن يكون خالف في ذلك أحد المتقدمين تصريحاً بالقول أو بالتصرف أو تلميحاً، وكلما كان القول أو التصرف أقوى في دلالته ودليله كلما قوي الاعتماد عليه، وكلما كان التلميح أخفى كلما احتاج إلى بينة أقوى تسند اجتهاد المتأخر.
والخلاصة أيها الإخوان من أهل الحديث وطلبته: إن طريقكم لطويل، وسهركم في سيركم غير قليل. لكن العاقبة فيه حميدة والأجر عند الله جزيل.(1/13)
س8: ما رأيكم في ععنعة أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله؟
عنعنة أبي الزبير عن جابر مقبولة، إلا إذا جاء ما يقتضي الشك في الاتصال. وهذا ما بينته في (أحايث الشيوخ الثقات لأبي بكر الأنصاري رقم 33).
س9: هل كل من وُصف بالتدليس وعنعن ترد روايته؟
أمّا من وصف بالتدليس فلا يقتضي هذا الوصف دائماً رد العنعنة مطلقاً؛ لأن التدليس أنواع، ولأنواعه مراتب. بينتها في كتابي المرسل الخفي (1/ 463-550)، وفي أشرطة مسجلة من نحو أربع سنوات أو خمس سنوات، بعنوان (دروس متقدمة في علوم الحديث).
س10: ما معنى القرائن التي في علوم الحديث، ومتى نُعملها؟
أمّا القرائن وإعمالها، فجوابه الصحيح لا يكون إلا من خلال الممارسة الطويلة. وهي باختصار: علامات القبول أو الرد التي تلوح للناقد في كل رواية، مما يتعلق بالرواية أو الراوي أو الظروف المحيطة بواحد منهما.
س11: أريد أن أتمكن في علم العلل فما العمل؟
أمّا علم العلل والتمكن منه: فهو مرتق صعب، وطريق وعر، ومسلك ضيق؛ لكنه غير مستحيل لأصحاب الهمم العلية والعقول الذكية والنفوس الزكية، بعد توفيق رب البرية.
على أن للمتأخرين حداً لا يتجاوزونه من علم العلل، لا يقتربون فيه أبداً من الغاية التي بلغها المتقدمون. ولقد كررت العزو إلى كتبي، طلباً للاختصار، وحفاظاً على وقتي ووقت السائلين وكرهاً لتكرير الكلام، فلنقل الصخر أهون من تكرير الحديث.
ذلك أن هذا السؤال هو ما أجبت عنه بمؤلف لطيف الحجم، مطبوع من سنوات، هو ( نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية).
س12: من سيكمل تحقيق كتاب (علل الدارقطني)؟
أمّا عن إكمال تحقيق علل الدارقطني، فليس لي بذلك من علم.
س13: ما صحة زيادة البيهقي: "إنك لا تخلف الميعاد" بعد الدعاء ... عقب الأذان؟(1/14)
زيادة: "إنك لا تخلف الميعاد" محفوظة في الرواية، فهي ثابتة في رواية الكشميهني لصحيح البخاري، مع ورودها في السنن الكبرى للبيهقي بإسناد صحيح كذلك. غير أن الحديث كله مما اختلف فيه، فقد رده أبو حاتم الرازي، وأقره ابن رجب الحنبلي في شرح العلل، مع تصحيح البخاري وابن خزيمة وابن حبان له!
س14: ما صحة حديث: "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار"، وهو حديث متكلم فيه من العلماء المعاصرين خصوصاً. نرجو تبيين ذلك مأجورين؟
وحديث: "رمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار" حديث شديد الضعف كما بينته في تحقيقي لمشيخة ابن أبي الصقر (رقم 16، 43).
س15: هل كل ما يقوله الألباني (رحمه الله) من تصحيح وتضعيف وغيره صحيح قطعاً، حتى لو حسنه الترمذي أو ابن ماجه مثلاً. فبعض العلماء يأخذ عليه بعض المآخذ في تخريج الأحاديث. أنا أعلم مكانة الألباني تماماً ومن مستمعي أشرطته كرحلة النور وغيرها.
س16: وهل مقبل الوادعي (رحمه الله) يعد من علماء الحديث المعتبرين في التخريج وغيره؟
أمّا السؤال عما لو كانت أحكام الشيخ الألباني (رحمه الله) مقبولة مطلقاً، فهذا لا يقوله عاقل، كما لا يقول عاقل أنه مردود القول مطلقاً. فالألباني (رحمه الله) عالم كغيره من أهل العلم، يؤخذ من قوله ويرد، حسب الدليل القائم بواحد من القبول أو الرد.
وكذا القول في الشيخ مقبل (رحمه الله). وفي هذا المجال أنصح الإخوان بأن لا يعوّدوا ألسنتهم الكلام في الأشخاص عموماً بمثل هاتيك الأحكام المطلقة، التي لا تكاد تكون حقاً. خاصة إذا كان الحديث عن أهل العلم، الذين لهم قدم صدق في خدمة علوم الشريعة وفي الدفاع عن أمتهم.
س17: قال ابن عبد البر في (التمهيد 10/278) عن أحاديث سقوط الجمعة والظهر: "ولم يخرج البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً وحسبك بذلك ضعفاً لها". أهـ.(1/15)
فهل إذا لم يكن لحديث ما أصلٌ في الصحيحين يُعتبر ضعيفاً؟ وهل يقتصر ذلك على المسائل الفقهيّة أم يتعدّاه لغيرها؟ وماذا لو وجدنا أحاديث في غير الصحيحين وفيها ترجيحٌ للمختلف فيه من أقوال أهل المذاهب ولكن ليس لها أصل في الصحيحين، هل نعمل بها؟
الجواب: أن الحديث الذي يكون أصلا في بابه، ولم يخرج الشيخان أو أحدهما ما يدل على معناه، لا يلزم أن يكون ضعيفاً، بل قد يكون صحيحاً، وربما كان على شرطهما أو شرط أحدهما (غير أن هذا: وهو ما كان صحيحاً على شرطهما، وهو أصل في بابه، ولم يخرجا ما يدل على مثل معناه = قليل جداً).
غير أن اعتبار عدم وجود الحديث الأصل في بابه في الصحيحين أو أحدهما قرينة على عدم الصحة، أو بعبارة أدق: اعتبار ذلك داعياً لزيادة التثبت من صحة الحديث ومن خلوه من علة باطنة = هذا صحيح لا غبار عليه. فهو وحده ليس دليلاً ولا سبباً كافياً للتضعيف، لكنه سبب لزيادة الخشية من أن يكون ضعيفاً.
س18: هل هناك طريقة سهلة لمعرفة زوائد عبد الله بن الإمام أحمد على مسند أبيه بمجرّد التأمّل في السند ؟
أمّا زوائد عبد الله بن الإمام أحمد، فتعرف بسهولة، إذا كان عبد الله يروى الحديث عن غير أبيه.
س19: قال ابن عدي في أحمد بن محمد اليمامي: "مقارب الحديث وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق"، وقال البخاري في أبي حمزة الثمالي: "هو عندي مقارب الحديث ليس له كبير حديث"، وقال في عمر بن هارون: "مقارب الحديث، لا أعرف له حديثاً ليس إسناده أصلاً أو قال ينفرد به إلا هذا الحديث"، فمن هذه العبارات يظهر أنّ "مقارب الحديث" ليست تقوية لحال الراوي، وإنّما نفي للضعف الشديد عنه فقط، فما قولكم (وفقكم الله)؟
أمّا مقارب الحديث فهي من ألفاظ التعديل ولاشك، لكنها من آخر مراتب التعديل. ويدل على ذلك أمور وأقوال كثيرة، وهو المقرر في كتب المصطلح.(1/16)
أمّا العبارات التي ساقها السائل فلا تخالف ذلك، إلا عبارة ابن عدي، فلا يمكن حملها على إرادة التعديل. لكن يبقى أن الأصل في هذه العبارة إرادة التعديل، إلا إذا جاءت قرينة تصرفها عن ذلك. وهذا التعامل ليس مختصا بلفظ (مقارب الحديث)، بل هو شامل لعامة ألفاظ الجرح والتعديل، وهو أنه قد تأتي قرائن تبعدها عن أصل معناها المصطلح عليه.
س20: قد أراد الإمام أحمد من تصنيفه لمسنده جمع كل الأحاديث التي لها أصل. فإذا وقعنا على حديث ليس في مسنده عرفنا أنه ليس له أصل. ولكن في الصحيحين بعض الأحاديث مما لم يخرجها أحمد في مسنده. ولا أعلم أحداً من العلماء ضعف حديثا بمجرد أنه ليس في المسند. فما هو السبب يا ترى؟ هل يمكن أن يقال أن هذا بسبب عدم اطلاع الإمام أحمد على تلك الروايات؟ لكن كيف نقول ذلك وقد علمنا أنه كان يحفظ ألف ألف حديث (أي مليون حديث)؟
وهل من الممكن أن يقال أنه قصد الأحاديث المشهورة ولم يقصد الأحاديث الغريبة الصحيحة؟! أم أنه لم يُنهِ كتابة مسنده؟!
الإجابة: إنّ جود أحاديث في الصحيحين غير موجودة في مسند أحمد لا ينفع أن يكون وحده دليلاً على أن شرط المسند قد اختل؛ لاحتمال أن لا تكون أصولاً في بابها، أو أن الإمام أحمد قد أخرج حديثاً آخر يدل على ما دلت عليه، ولو كان بلفظ آخر مختلف تماماً.
وعليه تعلم أن الجزم بأن شرط المسند قد اختل في حديث ما، من أعسر الأمور؛ لأن هذا يستلزم استعراض المسند كاملاً، وتدبر أحاديثه كلها، إذ لعل الإمام أحمد أخرج حديثا آخر يدل على معنى الحديث الذي هو أصل في بابه ولم يخرجه، ثم المعنى لا يلزم أن يكون ظاهراً، بل قد يكون فيه خفاء، وإنما يدركه الفقيه كالإمام أحمد وابنه عبد الله وابن عمه حنبل! فأنى لي أن أجزم بأن الإمام أحمد أخل بأصل من الأصول في مسنده ؟!!(1/17)
س21: فضيلة الشيخ : هل لي أن أقترح عليك - و قد أنقذك الله من البحوث الأكاديمية- أن تفرغ لاستقراء الصحيحين، لتزيد (إجماع المحدّثين) بياناً و قوةً. و لا يخفى على شريف علم الشيخ ما لدعوته الطيبة من ثقل في الواقع، و مخالفة للمألوف، فبالاستقراء الدقيق تُقطع الحجة المُقلّ الفقير، و يُذعن المتشكك الذي عنده من الإنصاف شروى نقير.
فهل للشيخ أن يعدنا بأن تكتحل العيون برؤية (حُجة إجماع المحدثين) .
أما اقتراح الأخ محمد الناصر: فإن (إجماع المحدثين) مستغن عنه، لأنّ حجة إجماع المحدثين في (إجماع المحدثين)، وإنما الذي يطالب بالحجة من خالف إجماع المحدثين، (ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلا). كما قال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه.
وهذا إجماع المحدثين، فإني أنتظر رداً يأخذ أدلته دليلاً دليلاً بالنقض، لأن بقاء دليل واحد كاف لإثبات الدعوى. أمّا أن يكون الرد على جزئيات الأدلة وبعض أمثلتها، مع الاتكاء على التقليد الأعمى، فهذا لا يرضاه ذووا العقول لأنفسهم، ولا ينخدع به إلا الأغرار.
س22: هل في شيء من الطرق التي أسندها أو أشار إليها الإمام مسلم (رحمه الله تعالى) في صحيحه عِلة قَصًد إخراجها بعد أن بدأ بما يُرجحه، أم أنه لم يذكر من الوجوه إلا ما صحّ عنده؟
أما سؤاله عن إخراج الإمام مسلم للأحاديث المعلة في صحيحه، فهذا أمر لا أشك في وقوعه، وأنى لي أن أشك فيه وقد صرح به مسلم، وهناك أمثلة قاطعة به. لكن يبقى: هل كان مسلم يفعل ذلك في صحيحه كثيراً أم قليلاً؟ هذا ما لا يحكم به إلا الاستقراء التام.
س23: لي فترة وأنا أريد تحرير مسألة أحاديث الأصول والشواهد في الصحيحين فالبعض يقول أنهم يأتون بالأصل في أول الباب والبعض يقول لا لابد من النظر في السند فمتى كان هناك ضعيف أو صدوق عرفنا أن ذلك من الشواهد وغيرها كثير فما هو الضابط في معرفة الأصل من الشاهد في الصحيحين؟(1/18)
أمّا عن أحاديث الأصول والشواهد في الصحيحين، فإنه إن كان السؤال عن الأحاديث لا عن الرواة، فإن ثمرة البحث في ذلك قليلة، ما دام الحديث في النهاية صحيحاً، سواء أكان أصلاً، أم شاهداً، يدل على صحة الأصل.
والعلماء إنما يذكرون هذا التقسيم في أحوال: مثل أن يكون في إسناد الحديث نقد، فيدافعون عن الصحيحين بأنه من الشواهد لا من الأصول. أو أن يكون في المتن ما انتقده بعض أهل العلم، فيدفعون ذلك بإنصاحب الصحيح أخرج شواهد تدل على متنه ... ونحو ذلك من الأحوال.
ولذلك لا يمكن أن يكون هناك ضابط لأحاديث الأصول والشواهد، بمعنى أن هناك ضابطاً للأحاديث التي أخرجها صاحب الصحيح وهي على شرطه، والأحاديث التي أخرجها شهادة وهي ليست على شرطه .. إن سلمنا بوجود هذا القسم، في غير المعلقات (عند البخاري) والمتابعات التي يذكرها البخاري معلقة عقب بعض الروايات، وفي غير الأحاديث الخارجة عن شرطهما مما أخرجاه لبيان علته.
بل الصحيح عندي: أن كل ما أخرجاه مسنداً فهو صحيح على شرطهما، الا حديثا أخرجاه لبيان علته.
وأنّ كل رواة الصحيحين لا ينزلون عن رتبة القبول عند من أخرج له منهما، وإن خالفهما غيرهما، وإن كان الراجح في اجتهادنا ضعفه؛ فإنه يبقى أنه عندهما في درجة القبول. إلا من دل الدليل على ضعفه عندهما، وقت كتابتهما للصحيح (لاحتمال اختلاف الاجتهاد). وما أقل حصول ذلك!
هذا هو الأصل الأصيل، ولا نخرج عنه إلا بدليل. وإنما جعلنا ذلك هو الأصل لأسباب، منها أنه هو الغالب، ويبقى النادر في (مقابله) لاحكم له، ولا يخلو إخراج الصحيح له من أن نجد له توجيهاً أو عذراً لا يعود بالنقض على ذلك الأصل الأصيل.
وأنا أعتذر للأخ السائل ولغيره شرح هذا التقرير، وأرجوا الاعتناء بقراءته والتدقيق فيه، حيث إن فيه قيوداً قد تخفى على غير المدققين.
س24: ما هو صحة حديث لا تأخذ النواصي إلا في الحج أو العمرة؟ ومن رواه؟(1/19)
أما حديث: "لاتوضع النواصي إلا في حج أو عمرة" فهو حديث شديد الضعف، كما بينته في أحاديث الشيوخ الثقات لأبي بكر الأنصارى (رقم 238)، وله شاهد من حديث ابن عباس شديد الضعف أيضاً، أخرجه الدارقطني في الأفراد، وأبو نعيم في الحلية.
س25: كثر في الآونة الأخيرة رد كلام الأئمة النقاد بحجة "كم ترك الأول للآخر"، من ذلك قول الإمام أحمد أو أبي زرعة أو غيره: "لا يثبت في الباب شي" فيأتي البعض ويقول: " بل ثبت"، مثل حديث التسمية في الوضوء.
رد كلام الأئمة على الأحاديث مزلة قدم، ولايقبل الا بالدليل الناصع. وقد تقدم الحديث عن محالفة المتقدمين، وضابط المقبول منه وغير المقبول.
س26: يقال أن المقترحات التي ذكرتموها في كتابكم (المنهج المقترح) لا يمكن أو يصعب لأحد تطبيقها.
أمّا أنه صعب، فنعم. وهل نريد تحرير مشكلات العلم بغير تعب؟ ومن خلال الجهد الآلي الخالي من التفكير العميق والفهم المؤصل الدقيق؟!!!
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبراً
وأما أنه مستحيل، فلا أدري من أين جاءت استحالته؟! هل فيه جمع بين المتناقضات؟ أم فيه تكليف بما يخرج عن قدرة البشر؟!!
هذا كلام ملقى على عواهنه، يمكن أن أقول مثله على أي منهج يطرح، ما دام أنه سيكون قولاً لا يستدل على دعواه بدليل!!
ثم ما هو عذر هذا القول بعد خروج (المرسل الخفي)، وهو بحث قائم على خطوات (المنهج المقترح). فهذا مثال قائم على ذلك المنهج، فكيف يدعى أنه مستحيل.
وقد طبقته في أكثر من مسألة، وطبقه غيري كذلك. منها رسالة للماجستير لأخي الفاضل الشيح عبدالرحمن السلمي. وقد نوقشت من نحو عام، ونال صاحبها الدرجة بتقدير امتياز. وهناك بحث آخر لغيره.(1/20)
المقصود أنّ هذه البحوث تكذب دعوى الاستحالة، التي يكفيها تكذيباً أنها دعوى بغير دليل. وفي هذا المجال أنصح طلبة العلم بأن يربوا أنفسهم على عدم قبول قول بغير دليل وأن لايغتروا بأي كلام أو رد إلا بالنظر في دليله، مع التأكد من تلك الأدلة: هل هي قائمة على إثبات ما يستدل بها عليه. وإلا فقد رضينا لأنفسنا أن نكون تبعا لغيرنا، وأن نعير عقولنا لمن سوانا. وهذه منزلة يأباها العقلاء، ويأنف من السقوط إلى مستواها من وهبه الله الفهم من جميع البشر.
وعليه: فأرجوا أن لا يتعبنا إخواننا بالسؤال عن ردود وأقوال لايصححها دليل، وأن لايعيروها اهتمامهم ما دامت على ما وصفناه من حالها.
س27: قرأتُ في بعض الكتب أنّ البخاري (رحمه الله) أورد في صحيحه أحاديث لا لشيء سوى لإثبات سماع راوٍ من شيخه، وأحياناً لا يكون لهذه الأحاديث علاقة بالباب التي أوردها تحته. فهل هذه الأحاديث على شرطه؟
أمّا ما أورده البخاري في صحيحه بإسناده ومتنه تاما كاملاً، فهذا على شرطه يقيناً، إلا أن يكون أخرجه لبيان علته، وذلك يتضح في موطنه.
أما ما يخرجه لإثبات السماع فقط فهو إما معلق، أو إسناد بغير متن. وهو لا يفعل ذلك إلا لداع صحيح، كأن يكون الحديث من رواية مدلس، أو من أختلف في سماعه ممن روى عنه، أو هناك قرينة قد يحتج بها أحد على عدم السماع فيذكر السماع لبيان ثبوته، أو أن الحديث روي بزيادة راو خطأ فيذكر رواية السماع لإثبات أن تلك الزيادة من باب المزيد في متصل الأسانيد، وربما فعل البخاري ذلك لغير ذلك كله، وإنما يفعله لقوة دلالة التصريح بالسماع على العنعنة ... وحسب.
س28: هل أسانيد الخطيب البغدادي إلى علماء الجرح والتعديل كلّها تصل إلى كتب هؤلاء العلماء أو من دوّن أقوالهم؟(1/21)
أما أسانيد الخطيب إلى علماء الجرح والتعديل فهي غالبا تتصل بأئمة الجرح والتعديل، وقد يوجد فيها ما يكون متصلا بمؤلف أو ردها عن الإمام معلقة، وهذا لايخفى على من عرف مصادر الخطيب ووقف على طبقاتهم ووفياتهم وموالديهم.
س29: ما فائدة الخلاف في سماع الحسن من سمرة إذا علمنا أن الحسن مدلس، فإذا قال: "عن سمرة" ضعّفنا الحديث لأجل عنعنة الحسن؟ فما الذي يتغير في هذا الحكم لو ثبت أن الحسن قد سمع من سمرة؟
لقد بينت في كتابي (الموسل الخفي) أن نوع تدليس الحسن لا يقتضي رد عنعنته مطلقاً، وأنه إذا ثبت سماعه من أحد، حملت عنعنته عنه على الاتصال، إلا اذا جاء ما يدل على خلاف ذلك.
س30: هل الإمام العجلي عنده تساهل في التوثيق؟
وأما العجلي واتهامه بالتساهل، فقد كنت نشرت مقالاً من أعوام بينت فيه عدم صحة هذه الدعوى؛ لعدم قيام أدلتها بإثبات ذلك، مع كون هذه الدعوى محدثة، لا أعرف أحدا قبل العلامة المعلمي ( رحمه الله ) أطلقها عليه.
س31: هل للقَطِيعي زيادات على مسند الإمام أحمد؟
ليس للقطيعي زيادات على مسند الإمام أحمد، إلا أربعة أحاديث فقط، ذكرها محقق إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، وهو الدكتور زهير الناصر، في مقدمة تحقيقه له (1/61-62).
س32: ما صحة حديث أسماء في الحجاب؟
وحديث أسماء في الحجاب حديث منكر، وقد أعله أجلّ من أخرجه وهو أبو داود في سننه. وأما محاولة تقويته بأحد أدلة إعلاله، وهو مرسل قتادة الذي أخرجه أبو داود في المراسيل = فهذا منهج غريب، وخلاف ما يقتضيه العلم الصحيح.
س33: ما صحة حديث صلاة التسابيح؟
وأمّا حديث صلاة التسابيح فهو حديث منكر، وإن صححه بعض أهل العلم، فقد ضعفه جماعة هم أعلم منهم وأجل، والدليل قائم بتضعيفه، وأنه حديث منكر.
س34: ما القول الصحيح في رواية ابن لَهيعة؟(1/22)
وأمّا ابن لهيعة فهو حسن الحديث فيمن روى عنه قبل احتراق كتبه، أو بعدها لكن مما تبقى من أصوله، أو ممن عرض عليه ما كان قد كتبه عمن أخذ عنه قبل الاحتراق. وهذا الحكم بحسن حديثه بالتقييد المذكور، يدلّ على أنه لايقبل منه الانفراد بأصل، وأنه يستنكر عليه ذلك، وما كان بسبيله من أنواع الإغراب الشديد والمخالفة.
س35: كيف يضبط لقب (المناوي) هل بضم الميم أم بفتحها؟ وما معنى هذه النسبة؟
المناوي بضم الميم، نسبته إلى منية بني خصيب بصعيد مصر.
س36: هل (حميد) والد (عبد بن حميد) صاحب المسند مكبر أم مصغر؟
وعبد بن حميد بضم الحاء، إذ لم يعرف من الرواة والعلماء بحميد بفتح الحاء إلا القليل منهم، لعلهم لم يبلغوا الخمسة!
س37: ما رأيكم فيمن يُذهب جل وقته! في تعلم العلل الحديثية ودراسة الأسانيد ويترك التفقة في الدين. وتعلم مسائل العبادات والمعاملات. فتجد بعض طلبة العلم يتكلم في ذلك الحديث ويأتي بأقوال الأئمة (رحمهم الله) فيه ويزيد ما شاء الله أن يزيد! ولكن لو تسأله عن مسائلة فقيه عصرية مهمة قال الله ورسوله أعلم .. وهو بقوله أصاب من حيث المبدأ، وأخطأ من حيث أهمل فلم يتعلم. أفتونا مأجورين وشكر الله سعيكم وبارك لكم في عمرك ووقتكم.
من العلوم الشرعية ما هو فرض عين لا يجوز للمسلم (فضلا عن طالب العلم) الإخلال بهما: كتصحيح المعتقد، وعلم ما يجب عليه من عباداته، ومعاملاته التي يمارسها.
ثم ما فضل عن هذه العلوم العينية وزاد: فهو فرض كفاية، إذا قام بكفايته بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين.
وبذلك تعلم أن من تعلم العلم الشرعي الواجب عينا عليه فإنه لا تثريب عليه إن التفت إلى علم من العلوم الشرعية، كالفقه والحديث والتفسير ونحوها، ولو أدى ذلك إلى جهله بكثير من العلوم الشرعية التي لم يتخصص بها، ما دامت ليست من فروض الأعيان عليه.(1/23)
فكما لا يثرب على المتفقه إذا لم يتعلم علم العلل، فكذلك لا يثرب على المحدث إذا لم يتعلم: ما هو حكم طفل الأنابيب؟ أو الاستنساخ؟ أو الإيجار المنتهي بالتمليك؟ مادام غير محتاج إلى فعل شيء من ذلك، ولا فكر فعله.
والأمة محتاجة إلى متخصصين في علم الفقه وفي علم الحديث وفي غيرهما من العلوم الشرعية، ومحتاجة إلى متفننين فيها، وإلى وعاظ صادقين، وإلى مجاهدين .. فكل على ثغرة، وكل على خير عظيم، وكل ميسر لما خلق له.
س38: ما قولكم في حديث دعاء كفّارة المجلس؟ فقد تكلّم البخاري في أحد أسانيده، وأبو حاتم في إسناد آخر.
حديث كفارة المجلس حديث صحيح،له طرق أسانيدها صحيحة وحسنة، ولا نعلم لها علة، منها حديث السائب بن يزيد مرفوعاً، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفاً، وغيرها، وهي مع المراسيل المتعددة، وتصحيح عدد من الأئمة لبعض وجوهه، وعدم استنكار جمع آخر = تدل على ثبوت الحديث وصحته.
وللحافظ ابن حجر كلام مطول مفيد عن هذا الحديث في كتابه: النكت على كتاب ابن الصلاح (2 /715-743).
س39: ما درجة حديث التوسعة على العيال في عاشوراء؟
حديث التوسعة على العيال في عاشوراء، ولفظه: "من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته" حديث شديد الضعف، مع كثرة طرقه.
وقد كنت خرجته تخريجاً واسعاً قديماً، في أوراق جمعت فيها شيوخ ابن حبان من طبعته الأولى القديمة. حيث إن أحد أشهر طرق الحديث من رواية شيخ ثقة من شيوخ ابن حبان، هو أبو خليفة الفضل ابن الحباب.
وقد كان أخي الفاضل د. يحيى الشهري قد طلب مني الاستفادة من تلك الأوراق، عندما بدأ بكتابة (زوائد ابن حبان)، فكان ما طلب. وقد ذكر أخي الفاضل خلاصة اجتهادي في هذا الحديث في كتابه المذكور (4/1909-1912)، معزواً إلى صاحبه، فجزاه الله خيراً على أمانته، وحسن وفائه، وتمام شكره.(1/24)
س40: ما هو الحد الأدنى من ساعات الاشتغال بطلب العلم (من مطالعة وحفظ..) في اليوم ليكون طالب العلم في مستوى جيد؟
أما السؤال عن عدد ساعات الطلب، فالجواب: الحق يقال: العلم إن لم تعطه كلك لم يعطك بعضه، وعلى قدر إقبالك عليه يكون نصيبك منه. وصاحب الهمة يضر طلبه للعلم بدنياه، ولا تضر دنياه طلبه للعلم، فتجده يسأل: ما هو الحد الأدنى من ساعات الانشغال بما سوى العلم؟ فهو يخشى أن يأثم من ينشغل بالعلم عن واجبات أخرى!!
ثق (يا أخي) أن من ذاق لذة العلم نسي كل لذة، فلا تخش عليه التفريط في طلبه للعلم، ولكن اخش عليه التفريط فيما سوى ذلك!
س41: ما رأيكم بكتابات محمود سعيد ممدوح الحديثية مثل كتاب التعريف، ورفع المنارة، ... الخ.
فالجواب: لقد اطلعت على كثير من كتبه، ولا يخفى على أحد ما فيها من التحامل على منهج السلف ومعتقدهم، ومخالفته لهم، ومحاولته التشكيك فيه بكل وسيلة يستطيعها.
فكلامه ككلام أهل الأهواء: يذكر ما له، ولا يذكر ما عليه. ويتأول المتشابه بما يوافق هواه، ويترك المحكم لمخالفته له.
ومع ذلك كله: فلا يعني أن كل ما يقوله باطل، ففيه حق مشوب بباطل، بل ربما كان باطلاً مشوباً ببعض الحق، من حين وحين، وباختلاف كتبه.
وأسأل الله أن يهدي قلبه إلى سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) ومعتقده، فيسخر قلمه في الدفاع عنها، فهو (بذلك) أول وآخر من سيربح. أمّا إن لم يشأ الله له ذلك، فهو أول الخاسرين (إن لم يتداركه ربه بعفوه وهدايته)، ولن يضر الله شيئاً، ولا يضر منهج الطائفة المنصورة شيئاً.
س42: ما هو الضابط في معرفة سماع الحسن من ابي هريرة (رضي الله عنه)، فالبعض يقول هذا الحديث سمعه الحسن من أبي هريرة رضي الله عنه و هذا لم يسمعه؟
أما مسألة سماع الحسن من أبي هريرة: فسؤال الأخ فيها غير متصور، ولكني أقول: الراجح أنّ الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وعلى هذا جماهير أهل العلم.
س43: أريد مثالاً للحديث المعلول و بيان علته.(1/25)
أما مثال الحديث المعلّ: فيمكنك الرجوع إلى ما ذكرناه آنفاً في حديث كفارة المجلس، وما ذكرناه من العزو إلى كتاب ابن حجر حوله. أو إلى ما ذكرناه من حديث التوسعة يوم عاشوراء، وعزوه إلى زوائد رجال ابن حبان.
س44: وهل أئمة هذا الشأن انتهوا فليس هناك وريث لهم يستطيع الخوض في هذا العلم؟
فالجواب: إن كان السؤال عن أقران أو أشباه بعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة والنسائي والدارقطني، فإن وجد مثل هؤلاء أو قريب منهم منذ قرون متطاولة = فإني لاأعلمه!! ولم أعلم أن أحدا يعلمه!! وإن كان السؤال عمن له علم بعلم العلل إلى حد يفهم به تعليل الأئمة، ويدري بعض مآخذ أحكامهم، ويجتهد في إدراك فقه تعليلهم، ويوفق أحياناً إلى اكتشاف علة = فهذا له وجود ولاشك؛ لكنهم قليل، وأقل من القليل، وإن كانت الدعاوى كثيرة!
س45: هل يصح الأخذ بظواهر الادلة من غير النظر لفقه الصحابة لها ؟؟؟ وما هي ضوابط الأخذ بظواهر الادلة ؟ بارك الله فيكم
الأخذ بظواهر الأدلة: إن كان المقصود به أهل الظاهر (الذي هو في مقابل النص) حجة ما لم يعلم ما يصرفه عن ظاهره؟ فالجواب: نعم، هو حجة، وعلى ذلك السلف كلهم، ولم يخالف في ذلك إلا بعض أهل الرأي، والمتكلمون.
لكن العمل بالظاهر مضبوط بأن لا يأتي دليل صحيح يمنع الأخذ بذلك الظاهر أو ببعض أفرادهن كالناسخ، ومخالفة الإجماع، والمخصص، ونحو ذلك. ولا شك أن من القرائن الصارفة للفظ عن ظاهره أحياناً مخالفة فهم الصحابة وفقههم له. لكن هذا ليس أمراً مطرداً، وإنما هو بحسب قوة القرينة الصارفة عن الظاهر وضعفها، في مقابل قوة القرينة الظاهرة وضعفها، في مقابل قوة ذلك الظاهر أو ضعفه مقارنة بمقاصد الشريعة وأصولها وقواعد الاستنباط الصحيحة فيها.
والكلام في ذلك يطول، أعتذر عن الإفاضة فيه.(1/26)
س46: جواب إمام من الأئمة لسائل يسأله عن شيخ يريد أن يسمع ويكتب عنه الحديث فيجيبه هذا الإمام بقوله: "أكتب عنه"، فهل يعدّ هذا الجواب أعني "أكتب عنه" توثيقاً لهذا الشيخ من قبل ذلك الإمام، أو بعبارة أخرى: هل يعتبر قو ل إمام كابن معين أو ابن المديني لأهل الحديث: "اكتبوا عن فلان"، توثيقاً أولا يعتبر، أجيبونا مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
فإنّ الأمر بالكتابة عن رجل الأصل دلالته أن هذا الرجل ليس شديد الضعف، وأنه إمّا في مراتب الاحتجاج أو الاعتبار. لكن إذا صدر مثل هذا الأمر من أحد الأئمة الذين عرفوا بعدم الرواية إلا عن الثقات، أو جاء في مساق عبارة الإمام ما يدل على جلالة ذلك الرجل، أو احتف بتلك العبارة قرينة تشهد لذلك = فإن هذا يدل على قوة الرجل الذي يؤمر بالكتابة عنه.
وهنا أؤكد على ضرورة مراعاة المساق الذي وردت فيه جميع عبارات الجرح والتعديل، وإلى القرائن المحتفة بكل راو وما قيل فيه؛ فإن لذلك أثرا بالغا في فهم تلك العبارات.
تمّ اللقاء بحمد الله تعالى
لقاء
ملتقى أهل الحديث
بالشيخ المحقق
علي بن محمد العِمران
ملتقى أهل الحديث
www.baljurashi.com
ترجمته
هو : علي بن محمد بن حسين العمران ( بكسر العين)
ولد في اليمن عام 1390, في السودة ، إحدى ضواحي مدينة عمران( بفتح العين) 0 ثم انتقل إلى المملكة وهو دون الخامسة ، واستقر بمدينة الطائف ، وأكمل بها المراحل التعليمية الثلاث0
ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بكلية الحديث والدراسات الإسلامية ، وتخرج فيها عام 1412 بتقدير ممتاز .
فأخذ من مشايخ الجامعة ، كفضيلة الشيخ عبد الله الغنيمان , والشيخ عبد المحسن العباد في العقيدة ، والشيخ حافظ الحكمي في المصطلح ، والشيخ عبد العزيز العبد اللطيف _ رحمه الله_ في الجرح والتعديل ، وأخذ عن غيرهم من مشايخ الكلية، وأساتذتها0(1/27)
وكان لتعرفه على ثلة من طلبة العلم النابهين أثر كبير في حياته العلمية ، كالشيخ صالح بن حامد الرفاعي و الشيخ أحمد بن علي القرني، وغيرهم0
واستقر بعد التخرج في مدينة الطائف وانتفع فيها بإمور ثلاثة:
1- تفرغه للطلب والتحصيل والبحث والتأليف 0
2 -ملازمته للدروس العلمية للشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله- في يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع في أيام الإجازة الصيفية0
3- ملازمته لمجالس الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد – حفظه الله – في بيته ، فقل يوم إلا ويجتمع به ويستفيد منه ويذاركره العلم0
له عدد من المصنفات والتحقيقات وهي :
1- تعقبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي في ميزان الإعتدال- جمع وتعليق0
2- القواعد والفوائد الحديثية من منهاج السنة النبوية – جمع وتعليق-0
3- المشوق إلى طلب العلم ( وهو ماتع جدا) – تأليف0
4- العلماء الذين لم يتجاوزا سن الأشد – تأليف-0
5- الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية- خلال سبعة قرون – جمع وتعليق وفهرسة فنية دقيقة- بالإشتراك مع الشيخ / محمد عزير شمس – وفقه الله – قدم له العلامة الفهامة الشيخ / بكر بن عبدالله أبوز زيد- حفظه الله- وفي هذا الجامع فوائد عظيمة!!!0
6- منجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري – اعتناء وتحقيق-0
7- أسامي شيوخ البخاري للصغاني- أخرجه بخط مؤلفه وقدم له ووضع فهارسه –0
8- عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع للسخاوي – اعتناء وتحقيق-0
9- تجريد التوحيد المفيد للمقريزي – تحقيق-0
10- منسك شيخ الإسلام ابن تيمية – اعتناء وتحقيق-0
11- تقييد المهمل وتمييز المشكل لأبي علي الغساني – دراسة وتحقيق في ثلاثة مجلدات – بالإشتراك مع الشيخ محمد عزير شمس 0
12- الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير – دراسة وتحقيق – قدم له الشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد0
13- النفحة القدسية والتحفة الأنسية ، للحفظي ، تحقيق0
14- مختصر الصارم المسلول0(1/28)
15- المنهج القويم اختصار الصراط المستقيم ، كلاهما للبعلي ، تحقيق0
16- ذيل التبيان لبديعة البيان ، للحافظ ابن حجر ، تحقيق0
17- بدائع الفوائد ، لابن القيم ، في خمسة مجلدات، تحقيق0
تحت الطبع:
18- شفاء العليل اختصار بطلان التحليل ، للبعلي ، تحقيق0
19- اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية للبرهان ابن القيم ، تحقيق 0
20- صوارم اليقين لقطع شكوك القاضي أحمد بن سعد الدين ، ليحيى بن الحسين بن القاسم ، تحقيق0
21- الجامع لسيرة الإمام ابن قيم الجوزية 0
22- العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ، لابن عبدالهادي، تحقيق0
ثناء الشيخ العلامة بكر أبو زيد عليه :
قال الشيخ بكر أبو زيد في تقديمة لكتاب الروض الباسم لابن الزير (1/ج) ( وقد سمت همة الشيخ الفاضل / علي بن محمد العمران ، إلى الإمساك بناصيته ، والاعتناء بإخراجه على مجموعة نسخ خطية ، فلما أحضره الي _ تقبل الله منا ومنه- مطبوعا في تجربته الأخيرة في نحو ((600)) صفحة ، ومقدمة التحقيق في نحو ((100)) صفحة ، قرأت مقدمة التحقيق ، وجملة من التعاليق، وفي مواضع من المتن ، وفي فهارسه الكاشفة عن مخبآته ، فتذكرت قول من مضى : (( دل على عاقل حسن اختياره)) وأضيف اليه (( ودل على عاقل حسن عمله وإتقانه)) فقد جمع هذا الفاضل بين الحسنيين ، وحاز الدلالتين ؛ إذ قد مشى في تحقيقه على أصول نيرة ، يعرف بها التزامه بها من كان له فضل عناية بالتحقيق ، ولا أريد أن أطيل ، فالعمل أمام فوقة القراء ، ومنصفيهم 0
وقد عافاه الله من حشر الحواشي الطوال بلا طائل – تلك الظاهرة التي تمكن غير المختصين من استباحة حمى العلوم الشرعية –0
وله – أثابه الله – لفتات نفيسة في المقدمة ، والحواشي ، وقد أحسن كل الإحسان في كشافات الكتاب المصنفة على مجموعتين :
(((1/29)
الفهارس النظرية)) التي في وسع كل أحد عملها ، و (( الفهارس العلمية )) التي لا يستطيع عملها بصفة موعبة إلا طالب علم متمكن، ولا أحسب المحقق إلا كذلك 0)) انتهى كلام الشيخ بكر .
اللقاء
حول رسالة العشق لابن تيمية .
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
في أول إجاباتي على الأسئلة الواردة من الإخوة الفضلاء ، أقدم الجواب عن سؤال تكرر كثيرا في هذا المنتدى وفي غيره من المنتديات ألا وهو ما يتعلق بـ (( رسالة العشق )) المطبوعة في( جامع المسائل : 1/177-186) ، ومدى صحة نسبتها لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فأقول :
أولا : ينبغي على طالب العلم أن يستعمل الأدب في حواراته العلمية ، وأن يدعم قوله بالأدلة والحجج ما استطاع الى ذلك سبيلا، وبعيدا عن سفيه القول وطائش الكلام ، الذي يذهب بروح البحث0
ثانيا : مهما كان الباحث واسع الإطلاع قوي المعرفة بما يكتب – كالشيخ محمد عزير شمس – فإنه قد يفوته كثير مما يدركه غيره ، وهذا من طبيعة البشر ، فكان ماذا لو فاته الاطلاع على كلام ابن القيم في نفي هذه الرسالة وأنها مكذوبة على الشيخ ؟!
ثالثا:أن عذره في إثبات هذه الرسالة أمور:
1- كثرة كتب ابن تيمية ورسائله وفتاويه، فعدم ذكرها ضمن كتبه ومؤلفاته ، ليس دليلا على نفيها 0
2- أن ابن القيم قد نقل بعض التقسيمات الموجودة فيها في كتابه (( الجواب الكافي )) كما أشار إليه عزير شمس في الهوامش0
3- أن النسخة الخطية قد نسبت هذه الفتوى لابن تيمية 0
4- أن الرأى الذي استغربه الكثيرون وهو : جواز تقبيل من خاف على نفسه الهلاك ، ليس رأيا خارجا عن الإجماع ، بل قد اختاره بعض العلماء ومنهم أبو محمد بن حزم – كما ذكر ابن القيم-0
أقول فهذه الأمور مجتمعة – إذا تجردت عن قرينة نفي ابن القيم للرسالة وتكذيبه لها الذي لم يطلع عليه عزير شمس – تسوغ هذه النسبة ، وإن لم نجزم بها جزما لا يقبل الشك0(1/30)
رابعا: هذا العذر – في تقديري على الأقل –مسوغ لهذه النسبة ، فكيف لو اجتمع إليه دليل خامس ، وهو : أن الأمير علاء الدين مغلطاي وهو من تلاميذ ابن تيمية وأنصاره – قد أثبت هذه الرسالة للشيخ ونقل منها في كتابه (( الواضح المبين فيمن مات من المحبين))0
خامسا: بعد هذا كله فالرسالة – عندي – لا تثبت لشيخ الإسلام ابن تيمية ، فليس فيها نفسه ولا أسلوبه المعهود في الكتابة، وما ذكره ابن القيم من أدلة في نفيها كاف0 وقد ذكر في الروضة " (( ص/131) أن أحد الأمراء – ويعني به مغلطاي – قد أوقفه على هذه الفتوى ، ثم نقدها0
سادسا: استدراكا لهذا الأمر ؛ فإنه سينبه في آخر ( المجموعة الخامسة) – إن شاء الله- على ما استجد من معلومات وفوائد وتصحيحات فيما يتعلق بهذه السلسة (1-8) تحت عنوان : (( استدراكات)) وسيكون التنبيه على هذه الرسالة منها0 هذا أولا 0
وثانيا: أنه في الطبعة الجديدة ( للآثار000) – وهي قريبة إن شاء الله تعالى – ستحذف هذه الرسالة منها0
هذه خلاصة رأيي في هذه المسألة ، والحمد لله حق حمده0
س 1/ من واقع عنايتكم بالتحقيق الرجاء إبراز أهم الصعوبات التي تواجه المحقق؟ وكيف يمكن أن يتغلب عليها.
س2/ هل الأصوب في مجال التحقيق التلفيق ، أم الاعتماد على أصل واحد وذكر الفوارق في الحواشي؟
س3/ هل هناك فرق بين التصحيف والتحريف؟ مع ذكر الأمثلة.
س4/ هل من الممكن اعتبار الطبعات القديمة على أنها نسخ للكتاب؟
س5/ هلا ألقيت الضوء على ترتيب النسخ على حسب أهميتها، مع المثال؟ وكيف نتعامل مع أكثر من نسخة بخط المؤلف؟
1- بالنسبة للصعوبات التي تواجه المحقق ؛ فلا يخفى أنها كثيرة ومتنوعة بتنوع متعلقات المخطوط ، من جهة عدد النسخ، فقد تكون المشكلة من كثرة النسخ وقد تكون من قلتها،ومن جهة تمامها وعدمه،ومن جهة موضوع المخطوط ومادته،ومن جهة وضوح الخط وعدمه....الخ(1/31)
ولو نظر الناظر في مقدمات الكتب المحققة في الرسائل الجامعية لوجد فصلا ثابتا عن الصعوبات التي واجهوها في التحقيق ، وهذا النظر كفيل بأن يطلع الباحث على ما يعانيه المحققون ،وكيف عالجوا تلك المصاعب ،وأرجو أن لا تكون صارفة له عن التفكير في التحقيق جملة.
والموضوع يحتمل اكثر من هذا ، ولكن..!!!
2- آما السؤال الثاني:
فخلاصة رأيي في مسألة التلفيق ، أو اختيار أصل واحد يتلخص في أمور
1- أن المسألة اجتهادية اعتبارية، ولا يمكن الجزم بخطأ إحدى الطريقتين 0
2- أن التنفير من طريقة(النص المختار) بأن يطلق عليه (التلفيق)لا يغني من الحق شيئا0
3- يلزم المحقق أن يختار أصلا واحدا في حالة ما إذا وجد الكتاب بخط مؤلفه،أو بخط أحد تلاميذه وعلية قراءة أو تصحيح المؤلف ،أو كان بخط أحد العلماء وكان مع ذلك في درجة من الصحة والجودة بحيث يركن إليها المحقق، فهنا يلزمه أن يختار هذا الأصل ولا يحيد عنه إلا في حالات نادرة ،كأن يكون الإخراج الأول للمؤلف.... أو نحو ذلك مما يعلمه أهل الشأن ، فهنا يجوز الخروج عن الأصل مع التنبيه على ذلك.
4- آما إذا كانت النسخ متقاربة في الصحة أو لا مزية لأحدها على الأخرى فلا يلزم المحقق حينئذ اختيار أصل واحد وجعله حاكما على بقية النسخ ،وإن كانت هذه الطريقة (اعني اختيار أصل واحد) مريحة للمحقق،لأنه سيثبت ما في النسخة المختارة ويملأ هوامش الكتاب بفروق النسخ الأخرى، بدون إعمال ذهن ،ولا ترجيح راجح،ولا فهم لطريقة المؤلف وأسلوبه،فسيقول لك مثلا : (في الأصل[غير] وفى م :عير(!!فهو لا يفرق بين (غير وعير)!!
وهذه الطريقة (أعنى اختيار أصل واحد) يوصى بها –غالبا- المبتدئون في التحقيق من طلبة الماجستير ، لعدم امتلاكهم أهلية اختيار النص الصحيح،أما المتمرسون في هذا الشأن فطريقتهم هي اختيار النص السليم
مثل: محمود شاكر وعبد السلام هارون وغيرهم ، وليس معنى هذا تصويب أخطاء المؤلف ، كلا ...
3-أما السؤال الثالث:(1/32)
في التفريق بين التصحيف والتحريف،فجمهرة المتقدمين لا يفرقون بينهما بل يطلقون كل واحد منها على الآخر , والأكثر عندهم استعمال( التصحيف) وأول من فرق بينهما تفريقا واضحا هو الحافظ ابن حجر في (النزهة)- وإن سبقه العسكري – ببعض التفريق نظريا لا عمليا.
وقد شرح ذلك مع ذكر الأمثلة، وبيان تفرد الحافظ بذلك الأستاذ: اسطيري جمال في مقدمة كتابة (التصحيف..) : (من /23-41). فلم يدع قولا لقائل.
وأنظر : ( تحقيق النصوص:65- وما بعدها) لعبد السلام هارون، و(مناهج تحقيق التراث:124- وما بعدها) لرمضان عبد التواب، ومحاضرة في التصحيف والتحريف للطناحى في أخر كتابة(مدخل إلى تاريخ نشر التراث: 285-316).
4- وأما جواب السؤال الرابع :
فتجده محققا محررا في كتاب العلامة عبد السلام هارون (تحقيق النصوص:31-32).
5-أما جواب السؤال الخامس ، فهو ذو شقين:
الأول:ترتيب نسخ الكتاب الواحد قد أشبعها المتكلمون في هذا الباب ،بما لا مزيد علية، وبما لا يخفى عليكم .
الثاني: إذا وجد للكتاب نسختان جميعها بخط المؤلف ، فأقول: إن وجود الكتاب بخط المؤلف يعتبر من القليل النادر، كما يعلمه أهل الشأن ، فكيف بوجود نسختين كذلك؟!
لكن إن وجد ذلك – وقد وجد حقيقة- فلا يخلو الأمر حالتين :
الأولى: أن تتفق النسختان ولا يقع بينهما خلاف ، فهنا لا إشكال- وان اختلفتا في تأريخ النسخ فعدم اختلافهما في المضمون هو المهم .
الثانية : أن يقع في النسختين اختلاف ،بالزيادة أو النقص أو التغيير أو التصحيح أو غير ذلك، فهنا :إما أن يعلم أن أحدهما متقدمة على الأخرى، فتعتمد الآخرة منهما، لأن الأولى تكون الإخراج الأول للكتاب ، ثم أضاف إليها المؤلف وزاد ونقص ....(1/33)
وإما ألا يعلم تأريخ كل منهما ،لكن يمكن تمييز أيتهما الآخرة بقرائن،فالمسودة تعرف بكثرة البياضات والشطب والإلحاقات ، والمبيضة بخلاف ذلك ،وإما بنص العلماء كان يقولوا :إن له إخراجين للكتاب الآخر منها أكبر ،فيعتبر... إلى غير ذلك من أوجه الترجيح والموازنة .
س6/ شيخنا الفاضل ما رأيكم باختيارات شيخ الإسلام للبعلي من حيث صحة النسبة الأقوال والاختيارات التي يذكرها البعلي عن شيخ الإسلام ؟؟؟
نرجو تفصيل القول فيها ؟؟؟؟
وفقكم الله ,,,
حول اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية للبعلي، فأقول : أما تفصيل القول فيها تفصيلا شافيا فطريقه ما ذكره الشيخ العلامة بكر أبو زيد - فيما نقل عنه محقق كتاب البعلي (ص/ح) قال :
( توثيق الاختيارات [ يكون] بالموازنة مع المطبوع من كتب شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - وما ذكره ابن القيم في كتبه ، وما ذكره ابن مفلح في الفروع وهو نحو 825 من الاختيارات التي ذكرها عن شيخه ، وما ذكره المرداوي في الإنصاف . وبالله التوفيق) أه .
وبعد هذا كله يتبين جواب السؤال بدقة ، وقد تكلم عن هذا الكتاب وعن نسبة بعض ما جاء فيه من الاختيارات د/أحمد موافي في كتابه ( اختيارات ابن تيميه ) .
وهناك عدة رسائل جامعية في جامعة الإمام حول اختيارات الشيخ ، فلعل فيها بسطا لهذه المسألة .
س7/ نرجو إعطاءنا خلفيه عن الطبعات التي يصح اعتمادها للكتب الستة،وهل هناك محاولات جادة لجمع الروايات والمخطوطات لتحقيقها.
س8/ ما هي آخر مشاريعك العلمية حالياً ومستقبلاً.
س9/أيهما أفضل لمسند الإمام أحمد : طبعة دار الكتب أم مؤسسة
الرسالة ولماذا.
س10/ ماهي أخبار تهذيب التهذيب لابن حجر فقد طال انتظاره عند الشيخ الميره، وما هي أخبار الدرر الكامنة هل هناك من يقوم بتحقيقه، وأيضاً تفسير الطبري .
وجزاك الله خيراً شيخنا الغالي فقد أثريت مكتباتنا بتراث الأمة العظيم،
وسامحنا على الإطالة.
7- أحسن طبعات الكتب الستة - فيما أعلم - هي :(1/34)
أ- صحيح البخاري ( الطبعة السلطانية ) ، والتي مع شرح القسطلاني .
ب- صحيح مسلم ( التي بهامش شرح القسطلاني ) ، وطبعة محمد فؤاد عبد الباقي.
ج- سنن النسائي ( الطبعة التي بترقيم أبي غدة).
د- سنن أبي داود ( طبعة الدعاس وطبعة عوامة).
ه- سنن ـ الترمذي ( لا أعلم له طبعة تعتمد ، وأصح ما في الباب طبعة د/ بشار عواد)
و- سنن ابن ماجه ( طبعة بشار عواد) .
وهذا لا يعني التزكية المطلقة لهذه الطبعات ، فقد يوجد فيها من الأخطاء ونحوها ما يشكك الباحث في صحتها ، ولكن نعني أنها أصح الموجود ، وتبقى العناية بهذه الكتب - في نظري - دين على هذه الأمة ،
وأعني بالعناية : طبعها بما يليق بمكانتها ، من جمع نسخها ، وتحقيقها، وطبعها في أحسن حلة، وفهرستها . وإلا فقد اعتنى بها علماء الإسلام أيما عناية.
وهناك محاولات - لكن لا أدري هل هي جادة - ففي مركز خدمة السنة بالمدينة عمل على تحقيق الكتب الستة، وكذلك عمل في مؤسسة الرسالة بإشراف شعيب الأرناؤوط، إلى محاولات أخرى فردية ، وهذا الشأن لا يقوم به أفراد.
8- أما آخر المشاريع العلمية التي تخصني، فقد ذكرت في الترجمة .
9- مسند احمد لا أعلم أن _ دار الكتب ) طبعنه ، إلا إن كنت تقصد ( دار عالم الكتب) ، فهي جيدة ، والموازنة بين الطبعتين في هذا الكتاب الضخم تحتاج الى وقت طويل ، وهذا مالا أملكه!!
10- وأما( تهذيب التهذيب)فقد طال انتظاره حقا، ولا أدري أين وصلوا في العمل عليه ( لكن الذي يعمل عليه أحمد معبد عبد الكريم) وليس الميرة.
و( الدرر الكامنة ) لا أعلم أن أحدا يحققه ، أما تفسير الطبري؛ فقد علمت أنه أحد مشاريع د/ عبد الله التركي ، وانه يقوم على تحقيقه وطبعه ، ولعله يكون في عشرين مجلدا.
س11/ بالنسبة لطبعة بشار عواد للترمذي، ألم يحذف أحاديث تقرب من الثلاثين هي موجودة في طبعة شاكر، واخذ أهل العلم عليه ذلك؟؟.(1/35)
11ـ طبعة بشار عليها ملحوظات كثيرة ، لكن مقام الإجمال يقتضي الاختصار ، وأهم ملاحظة ـ في نظري ـ أنه لم يعتمد على نسخ خطية ، مع أن للكتاب نسخا كثيرة قديمة وجيدة ، فبقي عمله قاصرا ، خاصة في مثل كتاب الترمذي .
أما الأحاديث التي أشرت إليها ، فكان مستنده في حذفها : أن المزي في (التحفة ) لم يذكرها ، وقد ساقها بشار في الهامش .
أما طبعة الشيح أحمد شاكر فهي الأخرى عليها ملحوظات كثيرة ، أهمها عدم اعتماده نسخا موثوقة ، ولا يغرنك كثرة الفروق في الهومش فأكثرها مطبوعات !!
على أنه لم يتم من تحقيقه إلا أقل من الربع .
فطبعة بشار هي أصح ما في الباب ، ولا يلزم من ذلك صحتها ، والله أعلم .
س12/ كتاب ( الجامع لسيرة شيخ الإسلام ) هل ستقومون بتحقيق أمنية الشيخ بكر في تقديمه له ؛ حيث تمنى أن تصاغ منه و من غيرها ( السيرة الشاملة لشيخ الإسلام ) . و لا أظن أقدر على ذلك منكم وفقكم الله .
س13/ لامية شيخ الإسلام هل وقفتم على أصل لها مخطوط يثبت صحة نسبتها إليه ؟
س14/ الفوضوية في تحقيق التراث هل من وقفة لكم تجاهها ؟
فإنه لا يتصدى للتحرير أصول التحقيق إلا من عاش التحقيق .
ومثلكم موثوق بعلمه .
س15/ العناية المهلكة بنسخ المخطوط ما رأيكم بها ؟
س16/ هل المطلوب من المحقق أن بعتني بـ :
أ- جمع النسخ .
ب- العناية بالفروق .
ج- التحشية و التعليق .
أم أن المطلوب منه :
أ- إظهار النص مضبوطاً متقنا .
ب- إبراز فوائد الكتاب .
س17/ هل هناك ما يسمى بـ ( التخريق ) في فن ( التحقيق ) ، حيث أخرج الغفيلي كتاباً كتب على طرته : تحقيق و تخريق ....
فلا أدري أهو مصطلح عند أهل التحقيق ، أم هو باقٍ على أصل الكلمة و المعنى اللغوي .
12/ الترجمة التي أشار الشيخ بكر بعنوان (السيرة الجامعة..) لعل الشيخ بكرا يقوم بها، وفهمت من كلامه ما يوحي بذلك . وأما ظنك ففي غير مكانة إن بعض الظن إثم ..!!(1/36)
13/ لامية شيخ الإسلام نشرها الأخ خالد الحيان معتمدا على عدة نسخ خطية متأخرة، وذكر بعض أدلة ثبوتها ،وإن كنت لا أوافقه على الجزم بنسبتها إليه ، بل فيه نظر كبير .
ثم وقفت على نسخة خطية منها على طرة مجموع فيه فناوى لابن تيميه
بخط أحد أبناء عمومته ابن تيميه ، بتاريخ (762) في غاية الجودة والنفاسة، لكنه لم يجزم بنسبتها لشيخ الإسلام ، فيبقى أن تجمع هذه الدلائل والقرائن إذا أردنا الجزم بإثباتها أو نفيها.
14/ أما الفوضى في تحقيق التراث ؛ فقد تصدى لها كثير من الغيورين على تراث أمتهم ن وألفوا في ذلك كتبا وبحوثا ، وعقدوا مؤتمرات ، ولكن العبث أكثر بكثير من هذه الجهود المبذولة !!
وقد شاركت بعدد من المقالات في بعض الملاحق التراثية في نقد بعض الطبعات ، ولا تمر مباسة في الكتب التي اعتنيت بها إلا وذكرت فيها ما يناسب المقام من الإرشاد بطبعة جيدة أو نقد طبعة سقيمة ، وعندي من التقييدات والضمائم ما لو جمع أو حرر لجاء كتابا في هذا الباب.
15/ أما الإغراق في جمع نسخ الكتاب الواحد فنتكلم عنها في نقاط
أ- إذا كان للكتاب نسخ جيدة معتمدة يركن إليها في إخراج الكتاب ، فلا معنى لانتظار نسخ أخرى لا قيمة لها ، أو لا يعرف تأريخ نسخها أو لا ميزة لها.
ب- إذا كان للكتاب نسخ جيدة ، وهناك نسخ جيدة – أيضا- فينبغي له جلبها ، فلعلها أجود من نسخه، أو فيها زيادات أو تصويبات أو نحو ذلك ، لكن لو تعذر الحصول عليها وكان الكتاب مهما أو لم يطبع من قبل ؛ فلا ينبغي ترك طبعه بحجة انتظار نسخ أخرى .
ج- يحلو للبعض أن يستكثر من النسخ عند التحقيق ، سواء كان لها قيمة أو لم يكن ، ثم يملأ هوامش الكتاب باختلافات النساخ ، كما هو دأب المستشرقين ، فيتضاعف حجم الكتاب ، بلا فائدة تذكر ، والأمثلة كثيرة، كما في تحقيق السعوي (للتدمرية) ، وكتاب ( اليواقيت والدرر والدرر- للمناوي- طبعة الرشد الثانية) وغيرها.(1/37)
د- لكن إذا كان الكتاب ناقصا ، وله نسخة تامة ، فلا ينبغي إخراجه إلا إذا وجدت حتى لو طال انتظارها ، كما هو الحال في كتاب( الطب النبوي ) لأبي نعيم ، فنسخته المعروفة في الاسكريال ناقصة ، وله نسخة تامة في تركيا ، أعرف أحد طلبة العلم قد انتهى من تحقيق الكتاب من عدة سنوات لكنه لم يخرجه انتظارا لهذه النسخة.
16/ المطلوب من المحقق أمور
1- تحقيق عنوان الكتاب
2- تحقيق اسم مؤلفه
3- نحقيق نسبته إليه
4- تحقيق متن الكتاب حتى يظهر بأقرب صورة تركها مؤلفه وهذا الرابع يكون بأمور :
1- جمع النسخ الخطية
2- إثبات أهم الفروق بين النسخ
3- التعليق على النص بما يزيل غموضه ويحرر معانيهن وتخريج ما يحتاج إلى تخريجه من نصوصه باقتصاد وعد إطالة
4- ضبط ما يشكل في نص الكتاب من العلام وغيرها
5- إبراز فوائد الكتاب بفرسته
هذا على سبيل الاختصار والإيجاز
17/ لا أعرف هذا المصطلح الجديد المسمى ب(( التخريق)) !! ولعله تصحف عن ( التخريج).
س18/ هل هناك مجلات ودوريات تعتني بالمخطوطات .
س19/ نريد بعض الكتب التي تتحدث عن تحقيق المخطوطات .
س20/ نريد بعض الكتب التي تتحدث عن ( علامات الترقيم ) .
س21/ ما صحة نسبة كتاب (( الحيدة )) للكناني .
وفقكم الله وسدد كم .
18-نعم هناك عدد من المجلات والدوريات التي تعتني بالمخطوطات ،مثل:
-مجلة عالم المخطوطات
-مجلة عالم الكتب
-مجلة معهد المخطوطات ، وكان لديهم نشرة تراثية جيدة في التعريف بالمخطوطات والكتب التى تحقق وغير ذلك.
-أكثر المجلات لها ركن خاص إما بتحقيق الكتب أو نقدها أو التعريف بالمخطوطات ، أو فهرستها أو نحو ذلك ، كمجلة المجمع العلمي العربي ، ومجلة العرب ، والدارة ، والحكمة ، والمشكاة ، والمورد ............الخ
19-الكتب التي تتحدث عن التحقيق كثيرة , وأهمها :
-تحقيق النصوص ، لعبد السلام هارون ، وهو أول كتاب في هذا الباب بالعربية
-مناهج تحقيق التراث ، لرمضان عبد التواب(1/38)
-محاضرات في تحقيق النصوص ، للخراط
-وتعليقة لصلاح الدين المنجد ، وبشار عواد ، وهما مفيدتان ... وغيرها كثير .
20-الكتب التي تتحدث عن علامات الترقيم ، أهمها :
-علامات الترقيم ، لأحمد زكي باشا ، وهو أول كتاب متخصص فيها .
-المطالع النصرية ، لنصر الهوريني.
-فن الترقيم في العربية ، لعبد الفتاح أحمد الحموز0
21-أما كتاب ( الحيدة) للكناني ، فالكلام فيها طويل الذيل ، وارجع إلى مقدمة المحقق جميل صليبا ، ثم الفقيهي . ومقال للأخ فهد البلادي في نفي نسبتها في ملحق التراث بجريدة المدينة ، وأربعة مقالات في الرد علية في الملحق نفسة للفقيهي .
وجملة القول : أن الرسالة في ثبوتها نظر لتفرد محمد بن الأزهر بها وهو كذاب . ولكن المناظرة ثابتة ومشهورة . والله أعلم .
س22 / خرج هذه الأيام رسالة لشيخ الإسلام اسمها : (( قاعدة في الانغماس في العدو )) .
فهل هذه ثابتة لشيخ الإسلام وهل هي موجودة في المجموع
الذي أخرجته أنت والشيخ عزيز .
وإن كانت موجودة فهل هي نفس الاسم أم يختلف .
س23/ اختصار الفتاوى المصرية للبعلي هل حققتموه ؟
وما رأيكم في المطبوعة حاليا ؟
بارك الله فيك .
22- رسالة الانغماس في العدو ، ليست ضمن الرسائل التي طبعت ولعلها تكون في المجموعة الخامسة أو السادسة.
وهى ثابتة إلى شيخ الإسلام إن شاء الله ، أما تسميتها ، فللشيخ رسالة بهذا الاسم ذكرها أبن عبد الهادي ، فغالب الظن أنها هذه .
23- أما مختصر الفتاوى المصرية فلم يعمل علية أحد إلى الآن ، وطبعته الحالية تحتاج إلى المقابلة على النسخة التي وجدت بخط المؤلف ، ففيها بعض الزيادات والتصحيحات التي ظهرت عند المقابلة .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يا شيخ احبك في الله وأسأل الله أن يكرر اجتماعنا بك على خير وطاعة .
س24 /سؤالي :
أرجو منك أن تعطينا نبذة مختصرة عن كتاب مؤلفات شيخ الإسلام هل يصح نسبته لأبن القيم أم هو لغيره للفائدة .(1/39)
وكيف حال شيخك وإمامنا الشيح بكر أبو زيد ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونرجو أن يتكرر ذلك الاجتماع على خير وعافية
24 ـ أما جواب سؤالك عن كتاب (مؤلفات ابن تيمية) المنسوب لابن القيم – رحمة الله- فالصواب أنه لأبي عبد الله بن رشيق المغربي (ت749) وهو من تلاميذ ابن تيمية، وناسخ كتبة ، وكان أبصر بخط الشيخ منه ، كما يقول ابن كثير .
وقد فصلنا القول في ذلك بأدلته في مقدمة ( الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية : 56-63 ) فيرجع إليه ، وقد كتبت في ذلك مقالا في ( ملحق التراث بجريدة البلاد السعودية) .
أما الشيخ بكر – حفظه الله- فهو في خير حال إن شاء الله تعالى ، ويزاول نشاطه المعهود كما عهدته وعهد تموه .
س25/ المكتبات في الغرب التي تحوي آلاف المخطوطات الإسلاميّة.
فما هو واجب طلبة العلم الذين يسكنون قريباً من تلك المكتبات؟
وما هي أفضل طريقة للاستفادة من تلك المخطوطات؟
علماً بأنّ القائمين على تلك المكتبات يشتكون من قلّة اهتمام المسلمين بمخطوطاتهم عندهم.
أما سؤالك فهو سؤال جيد ، جدير بالبحث والدراسة للوصول إلى سبل وقنوات للاتصال بين طلبة العلم في تلكم البلاد ، وبين غيرهم ...... ونذكر هاهنا أمورا :
أولا : لابد من توعية طلبة العلم في تلك البلاد بأهمية هذا التراث المسلوب ، لإعطائه الاهتمام اللائق به ، خاصة وأن كثيرا منهم منصرفون عن هذا الأمر إلى أشياء أخرى .
ثانيا : ينبغي ملاحظة أن الكثير من تلك المكتبات قد أصبحت بحمد الله تعالى قريبة المنال منا ، إذ أصبحت من مقتنيات المكتبات العامة ، والمراكز العلمية وغيرها فعلى سبيل المثال ( المتحف البريطاني )
والمكتبة الوطنية بباريس ومكتبة تشستربتي وبرنستون بأقسامها ، وأورشليم ، القدس ،...) كلها موجودة في مركز الملك فيصل ومكتبة الملك فهد وجامعة الإمام .
فينبغي الاهتمام بما لم يصور .(1/40)
ثالثا : كثير من هذه المكتبات أصبحت سريعة التجاوب مع الباحثين فبمجرد ما يصل الطلب إليهم حتى يسرعوا في تلبية ما فيه ، بخلاف الحاصل في البلاد العربية والإسلامية - على تفاوت بينها - ؟!
رابعا : سبل التعاون يكون على أنحاء شتى :
فمنها : إعلامهم بما يجد من فهارس المخطوطات ، أو توفيرها لهم0
ومنها : تزويدهم بالنشرات التراثية أو المجلات التي تعنى بهذا الشأن 0
ومنها : توفير بعض الكتب المطبوعة بتحقيق المستشرقين ، مما أصبح الآن في حكم المخطوط ، لندرته وقلة نسخه
ومنها : إيجاد بعض السبل لتسهيل الحصول على المخطوط من المكتبات التي لم تصور في المراكز العلمية .
وغيرها على أوجه التعاون .
تمّ اللقاء بحمدِ الله
لقاء
ملتقى أهل الحديث
بفضيلة الشيخ العلامة
عبد الله بن عبد الرحمن السَعد
حفظه الله ورعاه
ملتقى أهل الحديث
www.baljurashi.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه : هو أن إجابات الشيخ عبد الله السعد كانت ارتجالاً ، ومفرّغة من أشرطة .
ترجمته
اسمه ونشأته:
عبدالله بن عبدالرحمن السعد.
بعد المرحلة الابتدائية والمتوسطة التحق بالمعهد العلمي بالرياض التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ثم التحق بكلية أصول الدين بالرياض، وتخرج منها.
وقد مَنَّ الله (سبحانه وتعالى) على الشيخ عبدالله منذ نعومة أظفاره بالحفظ والضبط وحبه لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فاشتغل بعلم الحديث والأثر وبرّز فيه.
وهو أول من عرف بالدعوة إلى منهج المتقدمين في الحديث في هذا العصر وقد واجه الشيخ كثيرا من المعاناة بسبب ذلك.
والشيخ (بارك الله في عمره) مشهور بجهوده الدعوية فله جولات متعددة في الدعوة والوعظ في مناطق متعددة.
والشيخ له دراية برجال الحديث وله فيهم تفصيل حسن قلما تجده عند غيره ممن يحكم على الرجال بحكم واحد بدون تفصيل.
وله دراية بعلل الحديث ومشكلاته على منهج الأئمة المتقدمين.(1/41)
وللشيخ حفظه الله مقدمات مفيدة على كتب متعددة من ذلك:
تقديمه لكتاب (( منهج المتقدمين بالتدليس )) للشيخ ناصر الفهد.
وكتاب (( تيسير ذي الجلال والإكرام بشرح نوا قض الإسلام )) للشيخ سعد بن محمد القحطاني.
وكتاب (( الإنابة )) للشيخ حمد بن عبد الله الحميدي.
وكتاب (( طبقات المكثرين من رواية الحديث )) عادل بن عبد الشكور الزرقي .
وكتاب (( شرح كتاب الصيام من العمدة )) لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرها.
وللشيخ (حفظه الله) ثبت بمروياته عن شيوخه وقد أجاز به جمع من طلاب العلم.
شيوخه:
1) سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (رحمه الله تعالى).
2) سماحة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله تعالى).
3) سماحة الشيخ/ عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين (حفظه الله).
4) سماحة الشيخ/ عبدالله بن عبدالرحمن الغديان (حفظه الله).
5) فضيلة الشيخ/ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل (حفظه الله).
6) فضيلة الشيخ/ إسماعيل الأنصاري (رحمه الله تعالى).
7) فضيلة الشيخ/ صالح المنصور (رحمه الله تعالى)، وغيرهم كثير.
دروسه:
وقد اشتغل الشيخ عبدالله بتدريس كتب الحديث، وله من الشروح العديد من الأشرطة منها:
-) شرح جامع أبي عيسى الترمذي.
-) شرح سنن أبي داود.
-) شرح سنن النسائي.
-) شرح المنتقى لابن الجارود.
-) شرح الموقظة للإمام الذهبي.
-) شرح نواقض الإسلام.
-) شرح الأصول الثلاثة.
-) شرح كتاب التوحيد.
وله العديد من الدروس العلمية في الكتب الحديثية ومنها:
-) صحيح الإمام مسلم.
-) وشرح علل الترمذي لابن رجب.
-) وشرح علل الخلال.
-) وشرح بلوغ المرام.
-) وشرح الاقتراح لابن دقيق العيد.
-) وشرح كتاب التمييز للإمام مسلم.
-) شرح كتاب الإلزامات للإمام الدارقطني.
-) وأصول دراسة الأسانيد.
وللشيخ عبدالله طلبة متعددون في مختلف مناطق المملكة ولله الحمد والمنة .
اللقاء
بسم الله الرحمن الرحيم(1/42)
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فأشكر الإخوان في (( ملتقى أهل الحديث )) على النشاط الذي يقومون به من الدعوة إلى السنة ، وإلى نشر العلم بين الناس ، وبحمد الله يبلغني عنهم ما يَسُرّ الخاطر و يشرح النفس .
والله أسأل أن يزيدهم من فضله ، وأن يعينهم على ما يقومون به ، وأذكرهم ونفسي ـ أولاً ـ بالاهتمام بالسنة على وجه العموم ، وبالذات أعني السنة التي يقصدها أو التي قَصَدَها أهل العلم بقولهم إن فلان من أهل السنة ، أو الكتب أُلّفت في السنة مثل (( كتاب السنة )) لعبد الله بن الإمام أحمد ، أو مثل (( كتاب السنة )) لابن أبي عاصم ، أو (( شرح السنة )) للبغوي ، وأمثال هذه الكتب التي ألفت في السنة .(1/43)
والمقصود بالسنة هنا : بيان الإيمان ، وبيان العقيدة السليمة ، وبيان التوحيد الذي جاء في كتاب الله و جاء في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا شك أنه يجب على كل مسلم أن يهتم بهذا الأمر غاية الاهتمام ، وأن يدعو الناس إلى ذلك ، وأن لا يَنْشَغِل بما هو دونه عن هذا الأمر العظيم ، فلا يخفى أن التوحيد وأمور العقيدة هي أساس الدين، وما يتعلق بالشهادتين ، شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هو أساس الدين ، وكل ما أوجبه الله ـ جل وعلا ـ علينا إنما يرجع إليه ، وبذلك ربنا ـ جل وعلا ـ يقول لرسوله الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} ، فأمره ـ جل وعلا ـ بأن يعلم بأنه لا معبود بحق إلا الله ، وأن يستغفر لذنبه ، مع أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ هو المبعوث بالتوحيد ، وهو الذي دعا الناس إلى شهادة ألا إله إلا الله ، ولكن ربنا جل وعلا ـ مع ذلك كله ـ يُذَكّره بهذا الأمر العظيم ، وبهذا الركن الركين والأساس الكبير ، الذي ينبني عليه كل ما طالب به عباده ، وما أمرهم به ـ سبحانه وتعالى ـ من أصول الدين وفروعه ، فكلها ترجع إلى هذا الأمر ، ولذلك ربنا ـ جل وعلا ـ أيضاً قال لرسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهذا أيضاً خطاب لجميع أمته من بعده ، قال لهم ـ جل وعلا ـ أو قال لرسوله r ، {قل هو الله أحد } أي يا محمد وحّد ربك قل أن الله ـ عز وجل ـ واحد ، واحد في ربوبيته وألوهيته وفي أسمائه وصفاته ـ سبحانه وتعالى ـ ، {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } .
كما أنه قال له ـ جل وعلا ـ { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ... } إلى آخر السورة ، دعاه إلى أن يظهر دينه ، ويظهر عقيدته ، ويظهر ما أنزله الله ـ جل وعلا ـ عليه ، وأن يتبرأ من الكفار والمشركين وأنه لا يعبد ما يعبده الكفار والمشركين.(1/44)
كما أنه قال ـ جل وعلا ـ له ]قل الله أعبد مخلصاً له ديني [ إلى غير ذلك من النصوص التي فيها الأمر بهذا الركن العظيم والأساس الكبير الذي كل ما شرعه الله ـ جل وعلا ـ إنما يرجع إليه ويعود إليه ، والذي لا يستقيم للإنسان قول ولا عمل ولا فعل إلا باستقامة هذا الأمر ، ولذلك ربنا ـ عز وجل ـ يقول: ] فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا[ ، وقال ـ جل وعلا ـ ] وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا [ هؤلاء عملوا ، و لكن مع ذلك ربنا ـ عز وجل ـ جعل عملهم هباءً منثورا ، لأن هذا العمل لم يكن مبنياً على عقيدة مستقيمة ولا على توحيد صحيح ، فلذلك أصبحت أعمالهم هباءً منثورا ، عافانا الله وإياكم من ذلك .
فأدعو نفسي ، وأدعو الإخوان في (( ملتقى أهل الحديث )) ، وأدعو كل مسلم إلى أن يهتم بهذا الأمر وبهذا الأساس ، وأن يبذل غاية وسعه في تفهم هذه القضية وهذا الأمر العظيم الكبير الذي لا يستقيم الدين إلا به .
س1/ أيهما أولى بالحفظ (( مختصر صحيح مسلم )) أو (( بلوغ المرام )) ؟
ج / أقول : لا شك أن حفظ النصوص الشرعية أمر مطلوب ، وشيء مُرغّبٌ فيه ، وأول ذلك هو ما يتعلق بكتاب الله ـ جل وعلا ـ ، ثم بعد ذلك ما يتعلق بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفيما يتعلق بالسنة هناك طريقان أو منهجان :
1 – المنهج الأول : هو أن الإنسان يبدأ بالتدريج ، يبدأ أولاً بـ(( الأربعين النووية )) ـ مثلاً ـ ، ثم بعد ذلك ب (( عمدة الأحكام )) ، ثم بعد ذلك ـ مثلاً ـ بـ (( بلوغ المرام )) ... وهكذا .
2 – أو يبدأ بـ (( مختصر مسلم )) ، ثم يضيف إليه زوائد البخاري على مسلم ... وهكذا .(1/45)
والمنهج الأول هو أولى وأحسن ، وذلك أنه ينبغي له أن يبدأ بالأربعين النووية ثم يتفقه بها ، ولا يذهب إلا حفظ غيرها قبل أن يتفقه في هذه النصوص التي حفظها ، ولذلك كان هكذا منهج الصحابة رضي الله عنهم إذا حفظوا خمس آيات من القرآن الكريم علموا ما فيها من العلم وعملوا بما دلت عليه من العمل ، ثم بعد ذلك تجاوزوها إلى غيرها .
هذا هو المنهج السليم ، أن الإنسان يبدأ بالأربعين النووية ويتفقه فيها ويعرف ما دلت عليه من الأحكام ، ثم بعد ذلك عمدة الأحكام ويتفقه ـ أيضاً ـ بما دلت عليه من أحكام ، وبعد ذلك بلوغ المرام وهكذا ، هذه الطريق أولى وهذه السبيل أقوم .
ويلاحظ على بعض الإخوان أنهم يحفظون ويحفظون ولا يهتمون بالتفقه فيما حفظوا ، ولا شك أن المقصود من الحفظ هو الفهم ومعرفة ما دلت عليه هذه النصوص ، فهذا هو المقصود الأعظم ، وأما كون الإنسان يحفظ ويحفظ ولا يفهم فلا شك أن هذا الطريق وهذا المسلك فيه تقصير وفيه نقص ، فلا شك أن الأولى والذي ينبغي هو الحفظ ، وبعد ذلك التفقه والفهم ـ فهم ما حفظ ـ ، ثم بعد ذلك يحفظ ما بعده وهكذا ..
فكما ذكرت في جواب هذا السؤال : أنه يبدأ بالأربعين أحسن ، ويبدأ بعد ذلك بعمدة الأحكام ، وبلوغ المرام أو المحرر ـ مثلاً ـ ، ثم إذا أراد أن يستزيد فليحفظ مختصر مسلم ، ثم بعد ذلك زوائد البخاري ، أو يبدأ بالبخاري ثم زوائد مسلم ، ويكتفي بذلك ، لأني لاحظت أو سمعت أن بعض الإخوان ـ أيضاً ـ يحفظ أكثر وأكبر من هذا المقدار ، لا وشك أن هذا طيب ولكن لا يخفى ضعف الحفظ وضعف الهمم ، ومثل هذا عندما يكون دَيْدَنهُ الحفظ = هذا سوف يجعله يُقصّر في جانب الفهم ومعرفة ما دلّت عليه هذه النصوص .
ومما ذُكِرَ عن عبد الله بن عمر ـ وهذا جاء مُعَلّقاً ـ أن عبد الله بن عمر t : جلس في حفظ سورة البقرة ثمان سنين أو سبع سنوات .(1/46)
... فأوصي الإخوان أنهم لا يكثرون من الحفظ بدون فهم ، يهتمون بالفهم ثم بعد ذلك يحفظون شيئاً آخر وهكذا ..
س2 / كيف نجمع بين حديث البراء رضي الله عنه في خروج روح المؤمن بسهولة وفيه (( تخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من فِيّ السقاء )) وحديث (( إن للموت لسكرات )) .
ج / لا شك أن النصوص الشرعية لا تختلف لأنها مِنْ لَدُنّ حكيم عليم خبير ـ سبحانه وتعالى ـ ، ولكن ـ أحياناً ـ الإنسان قد يستشكل الجمع بين هذا النص ونصٍ آخر لأنه يظن أن هناك اختلاف ما بين هذا النص والنص الآخر ، وهذا طبعاً راجع إلى ذات هذا الشخص الذي لم يتبين له وجه الجمع ما بين هذه النصوص .
وقد أُثِرَ عن الإمام أبي بكر ابن خزيمة ـ رحمه الله تعالى ـ أنه : قال لا يأتيني أحد بنص أو يأتيني بنصين متعارضين ـ طبعاً متعارضين فيما يرى هذا الشخص ـ إلا وأجمع بينهما ،فلا شك أن النصوص متفقة وليست بمختلفة .
وفيما يتعلق بهذا السؤال الذي جاء السؤال عنه ، فلا شك أن للموت سكرات ، وقد حصل هذا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإذاً ما بالك بِغَيْرِهِ ، فلا شك أن الموت يحصل قبل أن تقبض روح المؤمن يحصل له سكرات قبل أن تقبض روحه ، وهذا لا ينافي ما جاء في حديث البراء بن عازب .
وحديث البراء بن عازب ـ طبعاً ـ قد صَحّحَه جَمْعٌ من أهل العلم ، وممن صحح هذا الحديث أبو نعيم صاحب (( الحِلْيَة )) ، وغيرهم من أهل العلم .
فهذا لا ينافي ما جاء في حديث البراء بن عازب : أن روح المؤمن تخرج مثل ما تخرج القطرة من في السقاء ، فهذا ـ والله أعلم ـ عند قبض الروح قبل أن تكون السكرات التي تكون قبل قبض الروح ، هذا الذي يظهر لي ، والله أعلم .
س3 / حديث المرأة التي نذرت أن تضرب على رأس الرسول r بالدف وإقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لها ، هل يَدُلّ على جواز سماع الرجال للدف ؟(1/47)
ج / من المعلوم أن آلات المعازف محرمة ولا تجوز ، وقد جاء في (( صحيح البخاري )) من حديث أبي مالك الأشعري t أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ليستحل طائفة من أمتي الحرير والخمر والحر و المعازف )) أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - .
فالمعازف جمع معزفة ، وهي حرام كما جاء في هذا الحديث وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن طائفة من أمته سوف تستحل هذه المعازف ، وهذا يدل على حرمتها وأنها لا تجوز .
وقد رخص الشارع للنساء فقط لإستعمال المعازف في حالات ثلاث :
1- ... الحالة الأولى ، حالة العرس .
2- ... الحالة الثانية ، في العيد ، كما جاء في حديث عائشة المتفق على صحته .
3- ... الحالة الثالثة ، عند قدوم غائب ، كما جاء في هذا الحديث الذي رواه أبو داود وغيره ، وهو حديث صحيح .
ولو كان الضرب بالدف لا يجوز لما رخّص الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهذه المرأة ، لأنه لا يجوز الوفاء بالنذر المحرم أو بالنذر في شيء حرام ، فدلّ على ترخيص الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء في هذا النذر ، وقال لهذه المرأة : (( أوفي بنذرك )) دَلّ هذا على أن هذا الشيء يجوز ، وأن هذا فُعِلَ بِحَضَرةِ الرسول r ، وأن هذا الشيء لا بأس به ، لدلالة الحديث الصحيح عليه .
س4 / قوله تعالى ] فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم [ وحديث (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ... )) الحديث ،هل هذه النصوص ناسخة لقوله تعالى ] لا إكراه في الدين [ البعض يستدل بالآية والحديث على أن الإسلام انتشر بالسيف فكيف نرد عليهم ؟
ج / لا شك أن الله ـ عز وجل ـ قد أمرنا بجهاد الكفار والمشركين ، وأنه إما أن يسلموا وهذا هو المطلوب والمقصود ، وإما أن يُعْطوا الجِزْية عن يدٍ وهم صاغرون ، فيدخلوا تحت حكم المسلمين كما قال ـ عز وجل ـ ]قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر[ .(1/48)
وإما أن يمتنعوا من دفع الجزية فهنا الواجب قتالهم كما جاء هذا في حديث بريدة بن الحصين الذي خرجه الإمام مسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أرسل سرية كان يوصيهم بتقوى الله ويقول : (( اغزوا في سبيل الله و قاتلوا من كفر بالله ... )) إلى آخر الحديث ( أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ) فهذا هو الواجب ، ففي قوله تعالى { لا إكراه في الدين } المقصود بذلك أن الإنسان لا يكره على أن يترك دينه ويدخل في دين الإسلام إلا باقتناع ، لكن يُكْرَه في جريان أحكام الإسلام عليه ويلزم بذلك .
إما أن يسلم كما تقدم في حديث بريدة وهذا هو المقصود ، وإما أن يدفع الجزية فتجري عليه أحكام الإسلام ويكون خاضعاً لحكم المسلمين .
فإذا أبى فلا شك أنه يجب قتاله ، إذا كان المسلمون قادرون فهنا يجب عليهم أن يقاتلوا من أبى أن يسلم ، أو أبى أن يدخل تحت حكم المسلمين فتجري عليه أحكام أهل الإسلام ، فهنا الواجب قتاله في هذه الحالة فيكون { لا إكراه في الدين } أي لا يكره على الدخول في دين الإسلام إلا باقتناع منه ، ولكنه يكره أن تجري عليه أحكام الإسلام ، يكره على هذا إكراهاً وإلا فإنه يقاتل وهذا من الإكراه .
س5 / ما رأيكم بمن يقول : أن مستدرك الحاكم لم ينفرد بإخراج حديث صحيح .
ج / ما أدري ماذا يقصد هذا الأخ السائل في قوله : إن مستدرك الحاكم لم ينفرد بحديث صحيح .
إذا كان يقصد أنه لا يوجد حديث تفرد به الحاكم عن باقي كتب الحديث ويكون صحيحاً بل يكون ضعيف ، فإذا كان يقصد هذا الشيء فأقو ل : هذا هو الغالب لكن ليس هو الدائم وإنما هذا هو الغالب .
س6 / ما رأيكم بالإكثار من دراسة علم المصطلح وقراءة المطولات فيه .(1/49)
ج / فيما يتعلق بدراسة علم المصطلح والإكثار من ذلك وقراءة المطولات ، لاشك أن علم المصطلح من العلوم المهمة ، لكن كما تقدم أن علم المصطلح هو ـ في الحقيقة ـ وسيلة لا غاية ، وسيلة إلى معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة ، فيعمل بالصحيح ويُتْرَك الحديث الضعيف .
فلا يكون الاهتمام بهذا الشيء أكثر من الاهتمام بأمور التوحيد ، وقضايا العقيدة ، ومعرفة ما يتعلق بإقامة الصلاة وكيفية صلاة الرسول r ، وفيما يتعلق بأحكام الطهارة ، يعني : فيما يتعلق بالعلم الواجب على الإنسان ، لاشك أن العلم الواجب هذا مقدم ، فكما أشرت في بداية الكلمة أن بعض الإخوان قد يلاحظ عليه أنه يهتم بقضايا المصطلح على حساب قضايا التوحيد والعقيدة ، أو على حسان التفقه في ما يجب عليه أن يؤديه فيما يتعلق بصلاة ، وفيما يتعلق بصيام ، وفيما يتعلق بطهارة ، أو فيما يتعلق بحج ، فلا شك أنّ التفقه في هذه القضايا وهذه المسائل هو الذي ينبغي أن يُقَدَّم كما قدمه الشارع .
وفيما يتعلق بقراءة المطولات في كتب المصطلح ، لاشك أن كتب المصطلح في الغالب أنها مفيدة ، وأن كل كتاب قد يتميز عن غيره بشيء آخر لا يوجد في الكتاب الثاني ..وهكذا .
لكن غالباً أن كثيراً من هذه الكتب أو أن بعض هذه الكتب يُغْني بعضها عن البعض الآخر ، فلو أقتصر الإنسان على بعض الكتب منها فهذا قد يغنيه عن كثير من الكتب التي ألفت في المصطلح .(1/50)
فمن هذه الكتب المهمة ـ عندنا ـ كتاب (( معرفة علوم الحديث )) للحاكم ، كتاب (( الكفاية )) للخطيب البغدادي ، وكتاب ((شرح العلل )) لابن رجب ، وكتاب (( الموقضة )) للذهبي ، وكتاب (( نخبة الفكر )) ، فمثل هذه الكتب تغني عن كثير من الكتب التي ألفت في المصطلح ، ولو أن الشخص ـ أيضاً ـ أطلع على غيرها من الكتب لاشك أن هذا شيء حسن وطيب ، لكن الشيء المهم هو ينبغي له أن يتتبع كلام الأئمة المتقدمين وكلام الحفاظ السابقين من كتب العلل والجرح والتعديل وكتب التخريج وما شابه ذلك ، فيتتبع كلام هؤلاء الحفاظ حتى يفهم هذا العلم ويتمكن في هذا الفن ، ويدخل ـ طبعاً ـ في هذا (( مقدمة الإمام مسلم )) في ((صحيحه)) ، وأيضاً (( العلل الصغير )) للترمذي ، و (( رسالة أبي داود إلى أهل مكة )) ، وأمثال هذه الرسائل التي كتبها الأئمة المتقدمون .
فأقول : ينبغي له أن يحرص على مثل هذه الكتب .
س7 / ما رأيكم بدراسة المطولات من علم الأصول ؟
ج / لاشك أن علم الأصول ـ أيضاً ـ علمُ مهم ، وعلم مفيد ، لكن ينبغي له أن ينتبه إلى أن الذين ألّفوا في الأصول ينقسمون إلى قسمين ، أو الكتب المؤلفة في الأصول أنها تنقسم إلى قسمين :
1 – كتب ألّفها السلف أو من سار على طريقة السلف ، ككتاب (( الرسالة )) للإمام الشافعي ، ومن سار على منهجه وطريقته ككتاب (( الفقيه والمتفقه )) للخطيب البغدادي ، وكذلك ـ أيضاً ـ (( المدخل )) للبيهقي ، ومقدمة كتابِهِ (( دلائل النبوة )) ، وكذلك ـ أيضاً ـ مقدمته في كتاب (( المعرفة )) له ، وأيضاً ـ كذلك ـ كتاب (( جامع بيان العلم وفضله )) لأبي عمر ابن عبد البر .
فأيضاً في هذه الكتب ، أو في هذا الكتاب ـ في الحقيقة ـ فيه أيضاً كلام فيما يتعلق بعلم الأصول ، وكذالك غيره من كلام متناثر للأئمة السابقين وقواعد وأشياء يذكرونها تتعلق بعلم أصول الفقه .(1/51)
2 – القسم الثاني من الكتب التي أُلّقت في علم الأصول ، الكتب التي ألفها أناس ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة ، ومن المعلوم أن كثيراً من المعتزلة أو الأشاعرة وأمثالهم ألفوا في علم الأصول ، فهذه الكتب فيها أشياء لا تنبغي وفيها أخطاء ، وبعض هذه الكتب تُقَلّل عند المسلم من هَيْبَة النصوص الشرعية ومن اتباع هذه النصوص ، وحتى أن في بعض هذه الكتب يقولون : أن الشخص لا يحق له أن يعمل بآية أو بحديث حتى تنتفي عنها الاحتمالات العشرة ، ويقصدون بذلك أن هذا النص قد يكون منسوخ وهناك ما ينسخه ، إذاً عليه أن يبحث عن الناسخ ، وأيضاً يقولون : قد يكون هذا النص مجمل وهناك ما يفسره ، أو يقولون : إن هذا النص مطلق وهناك ما يقيده ، أو إن هذا النص عام وهناك ما يخصصه ... وهكذا ، فبالتالي قد يصدّون الشخص عن العمل بما دلت عليه النصوص الشرعية ، فبعض هذه الكتب تقلل من هيبة النص الشرعي في قلب المسلم .
فهذه الكتب ؛ ينبغي الانتباه إليها وعدم الإكثار من القراءة فيها لما تقدم ذكره ، ثم ـ أيضاً ـ كثير من المباحث ، أو قد توجد مباحث في هذه الكتب لا فائدة منها ، ـ مباحث كلامية ، مباحث نظرية وليست بعملية ـ ، فتكون الفائدة منها قليلة ، بالإضافة إلى أن هذه الكتب فيها ـ أيضاً ـ ما يخالف العقيدة الصحيحة ، فلذلك لا ينبغي الإكثار من القراءة في هذه الكتب ، بل كما تقدم الكتب السابقة ينبغي الاستفادة منها .
ثم إن هناك أمر مهم جداً ، وهو ـ عندنا ـ ما يسمى بعلم القواعد الفقهية ، وهذا العلم ـ أي علم القواعد الفقهية ـ علمٌ مهم جداً ، وفائدته كبيرة ، بحيث يجمع كثير من المسائل الجزئية تحت قاعدة تعم هذه المسائل ، تحت قاعدة كلية تندرج فيها كثير من المسائل الجزئية ، فعلم القواعد الفقهيه علمٌ مهمٌ ، وعلم مفيد ، فينبغي الإكثار من القراءة في هذه الكتيب التي تتحدث عن القواعد الفقهيه.(1/52)
ثم أيضاً في قضية مهمة وهي ينبغي للشخص عندما يقرأ في كلام الأئمة أن ينتبه إلى كيفية استنباطهم للأحكام من الأدلة وكيفية ـ مثلاً ـ جمعهم ما بين النصوص عندما يظن أنه وقع فيها اختلاف للناظر .
فأقول : أنه ينبغي عندما الإنسان يقرأ ـ مثلاً ـ للإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم ـ مثلاً ـ ينبغي له أن ينتبه كيف يستنبطون الأحكام من النصوص الشرعية ، وكيف يرجحون ويوازنون ما بين الأدلة ، فينبغي الانتباه إلى هذه القضية ، يعني : يوجد كثير من الناس عندما يقرأ – مثلاً ـ يكون قصده هو معرفة قول هذا العالم هل هو يرجح هذا القول أو يرجح القول الثاني ... وهكذا ، هذا لاشك أنه مطلوب ، ولكن هناك أمر مهم جداً وهو كيف استنبط هذا العالم هذه الفائدة ، وكيف أخذها من هذا النص الشرعي .
والمقصود من علم الأصول : هو أن يتوصل الإنسان إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة ، هذا هو المقصود من علم أصول الفقه ، فأقول : عندما ـ الإنسان ـ يقرأ لأهل العلم ولكبار أهل العلم ينبغي له أن ينتبه ، كيف استنبطوا هذه الفوائد وهذه الأحكام ؟ وكيف تعاملوا مع هذه النصوص ؟ وكيف يتعاملون عندما يحصل في مسألة من المسائل خلاف ؟ وكيف يُرَجِّحون ؟ وكيف يستدلون ؟ فينبغي الانتباه إلى كل هذا فإن هذا مفيد جداً .
س8 / ما صحة لفظة ( يوم الجمعة ) في حديث قراءة سورة الكهف ؟
ج / جاء حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في استحباب قراءة سورة الكهف ، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقع فيه اختلاف في أمرين :
1 – في رفعه ووقفه ، والراجح هو الوقف ، لكن مثل هذا ما يقال بالرأي فيكون له حكم الرفع .(1/53)
2 – أنه وقع اختلافٌ ما بين هُشَيْم وما بين سفيان الثوري وشعبة ، ففي رواية هشيم عن حصين تَقْييد قراءة سورة الكهف في ( يوم الجمعة ) هذا في رواية هشيم عن حصين ، وأما رواية شعبة والثوري فلم يُقَيّدا قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وإنما ( من قرأ سورة الكهف أضاء له نور ما بين الجمعتين ) أو كما جاء في الحديث ، بِدون أن يقيد ذلك بيوم الجمعة .
ورواية شعبة والثوري أرجح والله أعلم ، وذلك لأنهما من كبار الحفاظ ، ولاجتماعهما على هذه اللفظة ، مع أن هشيماً من أثبت الناس في حصين ، فَهُشيم بن بشير لا شك أنه حافظ ومن كبار الحفاظ وأثبت الناس في حصين بن عبد الرحمن السلمي ، ولكن اجتماع شعبة والثوري مع جلالة قدرهما ومكانتهما في العلم والحفظ والإتقان فروايتهم أرجح .
لكن لو أن الإنسان قرأ سورة الكهف يوم الجمعة يكون عمل بِكِلاَ الروايتين برواية هشيم ورواية شعبة والثوري ، لأنه إن كانت رواية شعبة والثوري هي الأرجح فيكون أيضاً عمل باللفظ الذي رواه شعبة والثوري ، لأن رواية شعبة والثوري ـ كما تقدم ـ بدون أن يقيد هذا بيوم ، فمن قرأ سورة الكهف ينطبق عليه الفضل الذي جاء في الحديث ، وإن كانت رواية هشيم هي الراجحة يكون ـ أيضاً ـ قد عمل برواية هشيم فقرأها في يوم الجمعة .
س9 / ما القول الراجح في ابن لَهِيعة ؟
ج / عبد الله بن لهيعة الحضرمي المصري من كبار أهل العلم في بلاد مصر في زمانه ، وكان قاضي مصر ـ رحمه الله ـ ، وكان مكثراً جداً من الحديث والرواية ، فهو من أهل العلم والفضل ، ولكنّه ـ رحمه الله ـ لم يكن بالمتقن ، ولم يكن أيضاً بالحافظ ـ رحمه الله ـ وخاصةً في حديثه المتأخر ، فلذلك وقعت أحاديثٌ منكرة في حديثه ، ووقع في أوهامٍ في روايته ، وهذا مرجعه إلى أشياء منها :
1 – عدم إتقانه وحفظه .(1/54)
2 – أنه ما كان يُحَدّثُ من كتابه ، هو حدّث قديماً ـ فيما سبق من حياته ـ حدّث من كتابه ، ثم بعد ذلك لم يحدّث من كتابه وإنما يقرأ من كتب الناس أو يأتي إليه أناس ويقولون هذا من حديثك فيقرؤون عليه ، ثم بعد ذلك يروون هذه الأحاديث ، فلا شك أن مثل هذا أوقعه في أوهام وأخطاء .
3 – تدليسه فكان يدلس ، وأحياناً كان يسقط راويين ، فهذا ـ أيضاً ـ من الأسباب التي أدّت إلى أن يقع في حديثه ما وقع من المنكرات والأخطاء
والخلاصة في حديثه رحمه الله أنه على ثلاثة أقسام :
القسم الأول : وهو أصح حديثه ، وهو ما حدث به قديماً ، وممن سمع منه قديماً عبد الله بن وهب ، والدليل على هذا هو حديث أن الرسول r قال : (( لو أن القرآن كان في إيهاب لما احترق )) هذا الحديث حدّث به ابن لهيعة ، قال ابن وهب : لم يكن ابن لهيعة يرفع الحديث من قبل ، يعني : ثم بعد ذلك رفعه ، ورَفْعُ هذا الحديث منكر ، فعبد الله ابن وهب سمع هذا الحديث من ابن لهيعة قديماً ولم يكن يرفعه ، ثم سمعه منه عبد الله بن يزيد المقرئ ، وعبد الله بن يزيد المقرئ ـ أيضاً ـ ممن روى عنه قديماً ، ولكن ابن وهب أقدم من عبد الله بن يزيد المقرئ وأكثر ملازمة لعبد الله بن لهيعة ، ولذلك بَيّنَ عبد الله بن وهب أن هذا الحديث ما كان ابن لهيعة يرفعه من قبل ، يعني : ثم بعد ذلك رَفَعَه ، فسمعه منه عبد الله بن يزيد المقرئ ، فَرَفْعُ هذا الحديث مُنْكَر . وهذا القسم لا يحتج به . وسوف يأتي ـ بإذن الله ـ لماذا لا يحتج به .
القسم الثاني : من حديث عبد الله بن لهيعه ، هو ما حدّث به قديماً ، وما رواه قبل أن تحترق كتبه ، ومن سمع منه من كتابه ، فهذا القسم الثاني هو يلي القسم الأول وأقوى من القسم الذي سوف يذكر وهو القسم الثالث ، والسبب في هذا القسم هو أن ابن لهيعة ـ رحمه الله ـ احترقت كتبه فزاد ضعفه بعد احتراق هذه الكتب .(1/55)
وبالمناسبة فقد اخْتُلِفَ هل احترقت كتبه أم لم تحترق ؟ فهناك من نفى أن تكون كتبه قد احترقت ، ووجه الجمع ـ والله أعلم ـ أن كثيراً من كتبه قد احترقت أو جزء من كتبه قد احترق وبعضها لم يحترق ، وهناك ما يدل على ذلك ، جاء ما يدل على أن بعض كتبه بقيت وحتى سمع من ابن لهيعة من كتبه من سمع منه أخيراً ، فجزء من كتبه قد احترق فهذا الذي حصل زاده ضعفاً ، وأيضاً كما ذكرتُ فيما سبق أن ابن لهيعة كما ذُكِرَ في ترجمته من قبل بعض أصحابه أنه حدّث من كتبه قديماً ، ثم بعد ذلك ما أخرج كتبه إلا من يأتي إليه ويسأله ، أو يقف على بعض كتبه فيسمع منه من كتابه ، وإلا فيما بعد أخذ يكثر من الحديث من حفظه ، فلذلك ازداد ضعفاً على الضعف الموجود فيه ، فلذلك يقال أن من سمع منه قديماً ومن روى عنه قبل أن يتغير وقبل أن تحترق كتبه ، ومن سمع منه من كتابه أو من كتب عمن كتب عنه مثل قتيبة بن سعيد ، قتيبة بن سعيد كتب عمن كتب عنه ، ولذلك أثنى الإمام أحمد على رواية قتيبة بن سعيد .
القسم الثالث : من سمع منه أخيراً بعد احتراق كتبه ، وسمع منه من حفظه .
فهذه أقسام حديث ابن لهيعة .
طبعاً كل هذه الأقسام لا يحتج بها ، لماذا ؟
لأن جُلّ الحفاظ وأكثر الحفاظ على تضعيف عبد الله بن لهيعة مطلقاً ، كما قال يحيى بن معين : كان ضعيفاً قبل الاختلاط وبعده ، فَجُلّ الحفاظ على تضعيف حديثه مطلقاً بدون تفصيل ، ولذلك قال أبو الحسن الدرقطني : يُعْتَبَرُ برواية العبادلة عنه ، ما قال تُصَحّح ، وإنما قال يعتبر ، يعني : لأنهم سمعوا منه قبل أن تحترق كتبه .(1/56)
ثم أمرٌ آخر ؛ وهو أن لابن لهيعة أحاديث منكرة حتى من رواية العبادلة ، ومنهم عبد الله بن وهب ، والدليل على هذا هو عندما تقرأ في كتاب (( العلل )) لابن أبي حاتم تجد أحاديث عديدة أنكرها أبو حاتم الرازي على عبد الله بن لهيعة وهي من رواية ابن وهب ، فلعبد الله بن لهيعة أحاديث منكرة حتى من رواية من سمعوا منه قديماً ، فعندما تقرأ في كتب العلل وغيرها من كتب أهل العلم تجد أحاديث كثيرة أُنْكِرَت على ابن لهيعة مع أنه من رواية القدماء عنه .
وأما من قَوّى ابن لهيعة من رواية العبادلة ، فالجواب عن ذلك :
أولاً : بما تقدم .
والأمر الثاني : أن الذين نقل عنهم تقوية حديث العبادلة عنه هم الحافظ عبد الغني المصري والساجي ، وهما لا شك أنهما من كبار الحفاظ ، لكنهما ليْسَا مثل يحي بن معين أو مثل الإمام أحمد ومثل أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم من كبار الحفاظ ، فلا شك أن مثل هؤلاء يُقَدّمون على الساجي وعلى الحافظ عبد الغني المصري .
ثم قد يكون قصد الحافظ عبد الغني المصري أن ما رواه عنه العبادلة هو صحيح يقصد ـ والله أعلم ـ أن رواية العبادلة من حديث ابن لهيعة ، لأن هناك من روى عن ابن لهيعة أحاديث ليست من حديثة ، وذلك ـ كما ذكرتُ ـ يأتي إليه أناس يقرؤون عليه أحاديث وهو يسكت ، ثم بعد ذلك يروونها عنه وتكون هذه الأحاديث ليست من حديثه ، فلعلّ قَصْد الحافظ عبد الغني المصري ـ والساجي كذلك ـ أنهم يقصدون أن رواية العبادلة هي من حديث ابن لهيعة نفسه ، وليست من غير حديث ابن لهيعة ، وكما ذكرتُ فإن لعبد الله بن لهيعة أحاديث منكرة حتى ممن سمع منه قديماً ، وهذه الأحاديث المنكرة كثيرة ـ في الحقيقة ـ وليست بالقليلة ، فالراجح أنه لا يحتج به وكما قال الدارقطني أنه يعتبر برواية العبادلة عنه .(1/57)
والخلاصة : أن رواية ابن وهب في الأصل أنها أقوى ممن روى عنه من غيره ، أو ممن روى عنه غيره لما ذكرتُ قبل قليل ، ثم بعد ذلك من سمع منه قديماً غير عبد الله بن وهب ، ثم بعد ذلك أضعف حديثه من سمع منه أخيراً ، إلا ما اسْتُثْنِي ممن كتب عنه ، مثلاً : ـ ممن كتب من كتب ابن لهيعة ذاتها كما ذكرتُ ـ مثل قتيبة بن سعيد ، أو محمد بن رمح فأيضاً هذا مما استثني ، أو مثل نظر بن عبد الجبار أيضاً هذا ممن أستثني على روايته ، كما أثنى عليها حماد بن صالح المصري .
الخلاصة أن حديث ابن لهيعة لا يكتب ولا يحتج به لكن رواية القدماء عنه أقوى .
س10 / ما المنهج الصحيح في تقوية الطرق الضعيفة ؟
ج / طبعاً لا يخفى أن الأحاديث على قسمين : أحاديث ثابتة بذاتها ، وإما أحاديث ثابتة بمجموع طرقها ، والسؤال هو عن هذا القسم الثاني ، فهناك أحاديث إنما تثبت بمجموع الطرق وليس في كل طريق لذاته .
وأحب أن أنبه قبل أن أكمل الجواب ـ بإذن الله ـ أن هناك من يعزو للمتقدمين بأنهم لا يَرَوْنَ تقوية الطرق بالشواهد والمتابعات وهذا غير صحيح ، هناك من يرى أن لا يَتَقَوّى الحديث بالشواهد وهذا ليس من مذهب المتقدمين ، نعم هذا من منهج أبي محمد بن حزم رحمه الله ، فهو يرى أن الخبر إذا كانت جميع طرقه ضعيفة أنها لا تتقوى ، وأن هذا الخبر لا يثبت مهما بلغت هذه الطرق إذا كان كل طريق لوحده ضعيف ، وهناك ممن يسير على هذا المنهج .
وأما المنهج الصحيح فهو أن الأسانيد إذا تعددت والطرق تكاثرت فهنا يَقْوَى الخبر لكن هذا بشروط .
وقبل أن أذكر الشروط أقول ومما يدل على أن الأئمة المتقدمين يرون ذلك أنهم يقولون : يكتب حديث فلان للاعتبار ويكتب في الشواهد ، وكما قال الدارقطني : أن رواية العبادلة يعتبر بها ، وكما قال أبو عيسى الترمذي في كتاب (( العلل الصغير )) في معنى الحسن عنده أو مقصوده بالحسن : هو أن يروى من غير وجه ويكون في إسناده كذاب وأن لا يكون شاذاً .(1/58)
وقد تكلم الإمام الشافعي ؛ متى يتقوى المرسل ؟ تكلم على ذلك في كتابه (( الرسالة )) فإذن الأئمة المتقدمون يرون ذلك ، ولكن فرق بين منهج الأئمة المتقدمين وبين منهج من تأخر ، ذلك أن الأئمة المتقدمون ما كانوا يتوسعون في ذلك بخلاف المتأخرين أو كثير من المتأخرين ، وهذا الذي أقصده لا أقصد كل المتأخرين وإنما أقصد كثير منهم أو جمع كبير منهم ،أنهم توسعوا في تقوية الحديث الضعيف بمجموع طرقه ، حتى وصل بهم إلا أنهم يقوون الأحاديث المنكرة والباطلة والأحاديث البينة الضعف .
ومن ذلك ـ مثلاً ـ (( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته )) وهذا الحديث ضعيف ولا يصح من جميع طرقه ، ولذلك جاء عن الإمام أحمد وجاء ـ كذلك ـ عن أبي حاتم الرازي : أن هذا الخبر لا يصح .
و ـ مثلاً ـ حديث التسمية عند الوضوء (( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه )) أيضاً هذا الحديث له طرق كثيرة ولا يصح منها شيء ، ضعفه ـ أيضاً ـ الإمام أحمد ، وأيضاً أبو بكر بن المنذر ، وأيضاً هذا ظاهر كلام ابن حبان ، وقبله البخاري ، والترمذي ، بينما تجد أن هذه الأحاديث قد قواها وصححها أو حسنها جمع ممن تأخر من أهل العلم .
فالفرق بين منهج الأئمة المتقدمين وبين من تأخر أنهم لا يتوسعون في تقوية الأخبار الضعيفة ، بل لهم شروط ومن هذه الشروط :
1 – أن يكون هذا الضعف يسيراً ولا يكون هذا الضعف شديداً ، وأيضاً هذا يقول به من تأخر ولكن عند التطبيق قد لا يلتزمون بهذا الشرط ، فلا بد أن يكون هذا الضعف ليس بالشديد أن يكون ـ مثلاً ـ فيه راوي معروف بالحفظ ثم اختلط فإن جاء ما يشهد له هنا يتقوى ، وهذا يدل على أنه قد حفظ هنا ، أو سيء الحفظ ، ولا يكون سيئ الحفظ جداً فلا بد أن لا يكون هذا الضعف شديد ، أو يكون مرسل لكبار التابعين وجاء من طرق أخرى مراسيل مثله أو أسانيد موصولة فيها ضعف فهنا يتقوى ... وهكذا .(1/59)
2 – فيما يتعلق بالمتن ؛ فلا بد أن يكون المتن الذي يشهد لهذا مثله أو يوافقه في أكثر ألفاظه ، لأنه لُوْحِظَ أن هناك من يقوي الأخبار بطريقة وهي أنه يأتي بالحديث الضعيف ويقول ـ مثلاً ـ أن هذه الكلمة من هذا الحديث أو هذه الجملة يشهد لها الحديث الفلاني وهذه الجملة يشهد لها الحديث الفلاني وهذه الجملة يشهد لها الححديث الفلاني ... وهكذا وبالتالي يكون الخبر ثابت ، لا هذا غير صحيح .
وإنما لابد أن يكون المتن الذي يراد به تقوية هذا الخبر ـ أي المتن الذي جاء في الطريق الأخرى ـ أن يكون هو مثل المتن الذي جاء في الطريق الأولى أو في أكثر ألفاظه بحيث يغلب على الظن أن هذا الحديث واحد رواه فلان وكذلك رواه فلان فهذا أيضاً لا بد من ملاحظته في الحكم على الحديث ، وعند تقويته لابد من هذه الملاحظة كذلك عندما تكون الزيادة شاذة أو يكون الخبر منكر ومعلول فهنا أيضاً ينبغي الانتباه لهذا ومثل هذا لا يقوى الخبر في مثل هذه الحالة لا يقوى ولا يتقوى .
س 11 / ما رأيكم في حديث " السلطان ظل الله في الأرض " ؟
ج / هذا الحديث قد رواه ابن أبي عاصم وغيره ، ولكنه لا يصح ، هذا الحديث ضعيفٌ ولا يصح ، والأحاديث الصحيحة لم يأت فيها أن السلطان ظل الله في أرضه .
س12 / ما قولكم في زيادة (( يحيي ويميت )) في التسبيح عقب الصلاة ؟
ج / أنا لا أعرف خبراً صحيحاً فيه هذه الزيادة وتكون ثابتة ، وهي زيادة (( يحيي ويميت )) .
من المعلوم أن زيادة (( يحيي ويميت )) جاءت في أحاديث كثيرة ، لكن أنا ما أعلم في خبر من الأخبار أن هذه الزيادة التي جاءت وهي (( يحيي ويميت )) أنها صحيحة سواء كان ذلك في التهليل عندما الإنسان يهلل عشراً أو أ غير ذلك ، ما أعلم أن هذه الزيادة صحيحة ، بل كل ما جاءت إما ضعيفة أو شاذة غير محفوظة .
س13 / ما هو الأمثل في الحفظ : التركيز على السند أم المتن ؟(1/60)
ج / أقول : لا شك أن الإسناد وسيلة لا غاية ، والغاية هو المتن ، هذه هي الغاية ، فإذن ؛ يكون التركيز على المتن ، ولاشك أنه هو المقصود وهو الأولى ، وأما كون الإنسان يركز على الإسناد ويدع المتن فلاشك أن هذا خطأ .
س14 / هل القول برأي أبي عمرو ابن الصلاح في مسألة التصحيح والتضعيف المشهورة ... هل القول بذلك أمر مُبْتَدَع لا يجوز تقليده فيه ؟
ج / أما ما يتعلق بالتصحيح والتضعيف في العصور الأخيرة أو العصور التي تلت عصور الرواية إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة = فلاشك أن هذا أمر مطلوب وأمر باقي وهذا ، قول جُلّ أهل العلم ، وما قاله ابن الصلاح ـ رحمه الله ـ لاشك أن هذا فيه نظر ، والصواب هو خلافه هذا هو الصواب ، ولم يزل أهل العلم يصححون ويضعفون .
وهذه المسائل من مسائل الاجتهاد ، فإذا كانت من مسائل الاجتهاد فالإنسان عليه أن يبذل وسعه في معرفة كون هذا الحديث صحيحاً أو ضعيفاً ، ومن المعلوم أن هناك أحاديث لم يحكم عليها أهل العلم السابقين ، فإذن ما الذي ينبغي علينا حتى نعرف صحة هذه الأحاديث من ضعفها = أننا نسلك طريقتهم ونسير وفق منهجهم وبالتالي نحكم على هذا الحديث بما يليق بحاله .
س15 / ما صحة حديث حصار العراق اثنا عشرة سنة ؟
ج / هذا الحديث غير صحيح ، وأنا أول مرة أسمع بهذا الحديث ، وإنما الذي جاء في ((صحيح مسلم )) أنه (( منعت العراق قفيزها ودرهمها ، ومنعت الشام أيضاً ومصر )) فهذا الحديث الذي جاء في (( صحيح مسلم )) ، وهذا الحديث قال بعض أهل العلم أنه وقع فيما سبق ، والذي قال هذا صديق حسن خان ـ رحمه الله تعالى ـ وقال وهذا بسبب استيلاء الكفار .
من المعلوم أن العراق وغيرها من الدول سيطر عليها الكفار ، مثل العراق سيطر عليه البريطانيون ، ومثل سوريا سيطر عليها الفرنسيون ، فقال صديق حسن خان ـ رحمه الله ـ أن هذا وقع فيما سبق .
س16 / ما رأيكم بخروج طلبة العلم في الفضائيات والتلفاز؟(1/61)
ج / هناك رسالة بحمد الله ألفت في هذه المسألة ، وهذه الرسالة للأخ طلال بن سيف ، وبَيّن حكم هذه القضية وهذه المسألة ، ووصل إلا المنع من الخروج ولا شك أن هذا هو الصحيح ، وذلك لأن الصورة أولاً لا تجوز فالصورة محرمة ، والأمر الثاني أن أصحاب هذه الفضائيات هم أناس من الفجرة والفسقة ، وأن الغالب على ما يخرج في هذه الفضائيات هو الشر والفساد ، ولذلك هم يخرجون أمثال هذه البرامج من أجل التعمية على الناس ومن أجل ـ في الحقيقة ـ فتنة الناس ، فيخرجون بعض البرامج لمدة ساعة أو نحوها ، ثم يكون الغالب أو الباقي هو الشر والفساد ، وإذا كان الله منع رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة في مسجد الضرار وقال جل وعلا { ولا تقم فيه أبداً } لأن مسجد الضرار لم يؤسس على طاعة الله ، ومنع ربنا عز وجل رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي فيه لله في هذا المسجد لأنه لم يؤسس على تقوى من الله ورضوان ، فهذه القنوات لم تؤسس على تقوى من الله ولا رضوان وفيها من المفاسد والشرور الشيء الكثير .
س17 / ما هي شروط التكفير المعين ؟
ج / التكفير إما أن يكون على جهة التعيين ، وإما أن يكون على جهة العموم ، ويظن بعض الناس ـ جهلاً منهم ـ أن المعين لا يُكفر لذاته ، فهذا غير صحيح ، إذا ثبت بالدليل أن هذا الشخص قد فعل فعلاً أو قال قولاً يوجب كفره ورِدّته وقامت عليه الحجة في ذلك فلا شك أن هذا يحكم بكفره لذاته ولعينه .
وهذه المسألة فيها تفصيل مطول ، فنضرب بعض الأمثلة ويتضح بعض التفصيل فلو أن إنساناً ـ مثلاً ـ استهزأ بالدين وسب رب العالمين ـ والعياذ بالله ـ فلا شك أن هذا كافر بعينه ، ولا يُقال نُقِيم عليه الحجة لأن الحجة أصلاً قائمة عليه ، لأنه لا يخفى على إنسان حرمة مسبة الله ـ والعياذ بالله ـ وأن هذا الذنب من عظائم الذنوب ومن الذنوب العظيمة الكبيرة ، فهذا لا يخفى على أحد .(1/62)
وهناك ذنوب لابد فيها من إقامة الحجة ، يعني : ـ مثلاً ـ إنسان تَوّهْ أسلم وقال : إن الخمر حلال ، فهذا الشخص لا بد من إقامة الحجة عليه ، لأن هذا مما يغلب على الظن أنه خفي عليه ، لأنه الرجل تَوّهْ أسلم .
أو إنسان في مكان بعيد عن المسلمين ،فيجهل أشياء هي معلومة من الدين بالضرورة ، فهنا لابد من إقامة الحجة فيها على هذا الشخص ، فإذا عاند فهنا يكفر ، فمثلاً : إنسان ما يدري بأن حكم تارك الصلاة كفر ، فلا بد من إقامة الحجة عليه ، لكن إنسان بين المسلمين فهذا غالباً أنه لا يخفى عليه أن ترك الصلاة كفر ، فمن تركها فيكون كافراً بعينه من كانت حالته مثل الذي ذكرنا .
س18 / هل نستطيع أن نهزم اليهود في هذا الزمان وبنفس الأسلحة التي معنا .
ج / هذا السؤال مهم ، فجواباً عليه أقول وبالله التوفيق أن ربنا عز وجل وعد بنصر عباده إذا هم نصروه سبحانه وتعالى وانقادوا لأمره واتبعوا شريعته فلا شك أن ربنا عز وجل سوف ينصرهم كما قال تعالى" إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "وكما قال جل وعلا :"وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " فجعل ربنا عز وجل ذلك من الحق عليه سبحانه وتعالى أنه ينصر عباده المؤمنين ونصرة الله عز وجل بنصرة أوامره وتطبيق شريعته وكما نصر ربنا جل وعلا عباده المؤمنين في عهد رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - وفي عهد الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ومن المعلوم أن الكفار كانوا أكثر عدد وأكثر عدة مع ذلك نصر الله عباده المؤمنين عليهم فكذلك في هذا المقت وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لكن بقي أن الإنسان ينصر دين الله جل وعلا وينصر أوامر الله بأن يطبقها ويتبعها فمن فعل ذلك فلا شك أنه سوف ينصر ولن يتخلف وعد الله سبحانه وتعالى .
س19 / شخص في غيبوبة لمدة طويلة سنة أو أكثر هل يقضي جميع الصلوات التي فاتته ؟(1/63)
جـ / إذا كان الإنسان في غيبوبة وفاتته جميع الصلوات . أختلف أهل العلم هل يقضي أو لا يقضي هذا في المدة التي ليست بالكثيرة وأما إذا كانت المدة طويلة كما جاء في هذا السؤال سنة كاملة فهذا ما يقضي بعض أهل العلم حدد المدة في القضاء ثلاثة أيام قال إذا كانت المدة أكثر من ثلاثة أيام فإنه لا يقضي وما كان دونها فإنه يقضي وثبت عن ابن عمر في الموطأ رضي الله عنه أنه أغمي عليه حتى خرج وقت الصلاة فلم يقضها وإلا هذا ذهب الإمام مالك والشافعي قالوا لأن مناط التكليف العقل وهذا غير مكلف وهذا عقله ليس معه إذن هو ليس بمكلف وذهب بعض أهل العلم كما ذكرت بتحديد ثلاثة أيام فمن كان دون ثلاثة أيام فهذا يقضي ومن كان أكثر من ذلك فهذا لا يقضي . وأما في سؤال هذا السائل فإن المدة طويلة جداً فإنه لا يقضي طبعاً جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه عندما أغمي عليه أنه قضى لكن كانت مدة قصيرة أما إذا كان مدة طويلة فإنه لا يقضي .
س20 / هل يصح أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حرق عبد الله بن سبأ . وما هو حكم ذلك ؟ وهل يجوز الحكم بالقتل بالنار ؟
جـ / لم يثبت أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد حرق عبد الله بن سبأ وإنما طلبه ففر منه واختفى من علي رضي الله عنه وإنما حرق علي رضي الله أناس من الغالية غير عبد الله بن سبأ غلوا فيه حتى ادعوا فيه الألوهية – والعياذ بالله – فحرقهم بالنار كما جاء ذلك في صحيح البخاري وأنكر عبد الله بن العباس ذلك وذكر أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يعذب بالنار إلا رب النار" فاتفق علي وابن عباس على قتل هؤلاء لكن الخلاف في هذه الوسيلة ولا شك أن حديث ابن عباس دل على أنه لا يجوز استعمال هذه الوسيلة وهي التحريق . وأما فعل علي رضي الله عنه فالذي يظهر أنه خفي عليه هذا الحديث لا شك أن الذي يظهر أنه خفي عليه هذا الحديث(1/64)
وهو الغالب على الظن . وإنما فعل ذلك بتحريق هؤلاء لأن هؤلاء وقعوا في ذنب عظيم وفي شرك وخيم .
نسأل الله العافية والسلامة – فتعظيماً لأمر الله - جل وعلا – حرق هؤلاء بالنار .
س21 / إذا لم نجد في الراوي إلا توثيق ابن حبان والعجلي أو أحدهما فما العمل ؟
جـ/ طبعا لا يخفى أن ابن حبان رحمه الله عنده أن الثقة الذي لم يجرح والعجلي رحمه الله قريب مذهبه من مذهب ابن حبان وأنه يتوسع في توثيق المجاهيل وبالذات إذا كانوا من طبقة كبار التابعين وطبقة التابعين ، وهذا يظهر لمن تتبع كلام العجلي إذا تتبع الإنسان كلام العجلي لو تتبع مائتين راوي أو ثلاثمائة راوي ممن ذكرهم العجلي في كتابه (( الثقات )) وحكم بتوثيقهم العجلي فلو تتبع هذا العدد مائتين أو ثلاثمائة سوف تجد هذا ظاهراً ولذلك نص المعلمي رحمه الله تعالى على هذا. والعجلي رحمه الله لا شك انه من كبار أهل العلم والفضل ، لكن فيما يتعلق بتوثيق المجاهيل هو هذا الشي يسلكه ؟ نعم ويتوسع فيه ، وكذلك أيضا يتساهل ببعض الضعفاء فيوثقهم أيضا كما انه أحيانا قد يكون الشخص لا يصل إلى درجة أن يقال عنه ثقة ثبت أو ثقة يصل إلى درجة الصدوق أو الثقة الذي له أوهام فيقول عنه مثلا ثقة أو ثقة ثبت وما شابه ذلك فهو عنده رحمه الله شيء من التساهل في هذا وعند التحقيق أن هناك أيضا غير العجل وابن حبان يفعلون ذلك منهم ابن جرير الطبري في كتابه تهذيب الآثار ممن أيضا يفعل ذلك ويتوسع في هذا الأمر منهم أبو عبد الله الحاكم في كتابه المستدرك أحيانا يفعل ذلك يصحح حديث المجهول نعم وغير هؤلاء فهناك من يسلك هذا المنهج نعم وطبعاً لا يخفى أن أيضا بعض الأئمة كيحيى بن معين أو النسائي أحيانا أو أبو زرعه أحيانا قد يوثقون أيضا أناس ليسو بالمشهورين وفي الحقيقة أن هذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب .
1 - من يتوسع في ذلك كابن حبان والعجلي .(1/65)
2- وفي طرف يقابل هذا الطرف وهو التضييق في هذا والتشديد في ذلك كما يفعل ذلك ابن حزم وابن القطان الفاسي حتى انهم قد يجهلون أناس من الثقات أو أناس لابأس بهم .
3 - والقول الوسط هو مذهب ابن معين والنسائي وغيرهم انهم قد يوثقون أحيانا من ليس بالمشهور ولكن وفق شروط إذا استقام حديث هذا الشخص فهنا قد يوثقونه ويقبلونه و هناك أمثله كثيرة على هذا من تتبع الميزان للذهبي يجد انه ينبه على هذا وقد نبه أبضا المعلمي على هذا في كتابه التنكيت والمسألة تحتاج إلي بسط اكثر لكن لعله يكتفى بما تقدم .
س22/ هل هناك فرق بين الحديث الحسن والحديث الجيد ؟
الجواب / الحديث الجيد أحيانا يطلق بمعنى الصحيح وأحيانا يطلق بمعنى دون الصحيح فهذا يختلف باختلاف من يحكم على هذا الحديث بأنه جيد فينبقي معرفة هذتا الشخص وماذا يقصد بالحديث الجيد فأحيانا يكون الجيد بمعنى الصحيح ويكون مثل الصحيح والمقصود به الصحيح وأحيانا لاما يُقْصَد . يقصد دون ذلك لكن لا يقال عن حديث جيد إلا أن يكون هذا الحديث ثابت .
س23/ ما هي نصيحتكم لمن يريد أن يقرأ في كتب العلل ؟
نصيحتي لهذا الشخص أنه يتدرج في القراءة في هذه الكتب .
يبدأ مثلاً في (( كتاب التمييز )) للإمام مسلم فإنه كتاب نفيس جداً ، وكتاب مبسط ، وشرح فيه الإمام مسلم كيفية تعليل الأخبار ، وبين أن الخبر إما أن يعل من جهة الإسناد أو من جهة المتن ، وذكر أمثلة وأفاض في ذكر الأمثلة ، فيبدأ بهذا الكتاب .
ثم بعد ذلك ليقرأ في (( العلل الكبير )) للترمذي .
ثم بعد ذلك ليقرأ في (( العلل )) للدار قطني ثم بعد ذلك ليقرأ في كتب العلل كعلل أبي حاتم وغيرها .(1/66)
مثلاً (( علل ابن أبي حاتم )) من أصعب كتب العلل لأنك تجد عبارات مختصره ، فيقال ـ مثلاً ـ هذا حديث باطل هذا حديث منكر ، وأحيانا أو كثيراً ما يبين وجه النكارة فقد يصعب على الإنسان فهم كلام أبى حاتم لماذا حكم على هذا الحديث بأنه منكر أ و باطل ؟ وما السبب الذي دعاه إلى ذلك ؟ ذلك يحتاج حتى يفهم كلام أبى حاتم أو أبي زرعه إلي مقدمات فإذا سار على ما ذكرت لعل بإذن الله يفهم كلام أبي حاتم وأمثاله .
س24/ ما حكم المولودين في الردة هل هم كفار أصليون أم مرتدون ؟ وهل تحل ذبائحهم وكيف نتعايش معهم ؟مثال على ذلك تاركي الصلاة عمداً..
الجواب / تارك الصلاة عمداً وهو بين المسلمين هذا يعتبر مرتد وهو إنسان في مكان بعيد ما يدري عن حكم تارك الصلاة فهذا يكون مرتداً في هذه الحالة هذا يكون مرتد والعياذ بالله وبالتالي لا تجوز ذبيحته لا يجوز الأكل من ذبيحته وأمثال هؤلاء الذين وقعوا في الردة نسأل الله العافية والسلامة كما تقدم هم في هذه الحالة كفار واشد من الكفار لأن المرتد أشد من الكافر الأصلي ولاشك أن الواجب إقامة الحد عليهم لكن هذا الإنسان لا يملك إقامة الحد وإنما يملك انه يدعوهم ويذكرهم ويبين لهم فعليه أن يفعل ذلك وأن يعاملهم معاملة الكفار لأنهم وقعوا في الردة .
س25/ ما صحة حديث" من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة"؟
الجواب / ما اذكر درجة هذا الحديث .
س26/ هل بناء بيت في الجنة لمن صلى ثنتي عشرة ركعة لمن داوم عليها أم يكفي ليوم واحد ؟
الجواب/ لا الذي يظهر والله اعلم انه من حافظ عليها . كما جاء في الحديث من حافظ على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة يعني تقييدها باليوم والليلة هذا يفيد الاستمرار على المحافظة قد الإنسان في بعض الأحيان يفوته أو يكون مريض وما شابه ذلك فهنا معذور فإذا كان الغالب عليه فإن شاء الله يرجى أن ينطبق عليه هذا الحديث .(1/67)
س27/ ذكرت حفظك الله في أحد الأشرطة فتوى لك أن حديث الاعتماد على اليد عند القيام منكر ( وهذا غالب ظني ) أنا يا شيخ أعمل بسنية جلسة الاستراحة وأجلسها منفردا لا مأموما إذا كان إمامي لا يفعلها وإماما إذا أميت طلبة علم ولكن عند الاعتماد بعد الجلسة أعتمد على صدور قدمي ولا أعتمد على يدي لأن حديث العجن منكر ولكني قرأت في البخاري هذا الحديث
صحيح البخاري ج: 1 ص: 283
باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة
790 حدثنا معلى بن أسد قال حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة قال جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا فقال إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قال أيوب فقلت لأبي قلابة وكيف كانت صلاته قال مثل صلاة شيخنا هذا يعني عمرو بن سلمة قال أيوب وكان ذلك الشيخ يتم التكبير وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام
فهل هذا الحديث يدل على أن يعتمد الإنسان على يديه إذا قام أي يعجن
وما الفرق بينه وبين حديث العجن ؟؟؟؟(1/68)
الجواب / جواباً على سؤال هذا الأخ . أقول يبدو أن هذا الأخ فهمني خطأً فالاعتماد عند القيام على اليدين هذا أنا أذهب إليه للحديث الذي ذكر وهو حديث أيوب عن قلابة عن مالك بن الحويرث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعتمد على الأرض عند القيام وفسر هذا الاعتماد الإمام الشافعي وغيره بالاعتماد على اليدين وهذا لأقرب والله اعلم .لأن الإنسان قدميه على الأرض فقول الراوي يعتمد على الأرض إذاً بيديه فالسنة هو الاعتماد على اليدين عند القيام وأما الحديث الذي ضعفته فهو حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يعتمد على يديه كهيئة العاجن هذا الحديث لا يصح لكن فيما يتعلق بالنزول ينزل على ركبتيه كما جاء في حديث وائل بن حجر وإن كان فيه ضعفاً ولكن يشهد له ما ثبت عن عمر رضي الله عنه فيما رواه ابن أبي شيبه وغيره أنه كان ينزل على ركبتيه وأما حديث أبي هريرة في النزول على يديه فهذا الحديث ضعفه البخاري وقال حمزة الكناني الحافظ قال هذا حديث منكر فلذلك الأقرب النزول على ركبتين وحديث وائل بن حجر وان كان فيه ضعف ولكنه أقوى من حديث أبى هريرة وكما ذكرت يشهد لحديث وائل بن حجر ما ثبت عن عمر رضي الله عنه موقوفاً عليه ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما يخالفه ما جاء عن ابن عمر أنه كان ينزل على يديه هذا لا يصح .
س28/ يقول بعض الفضلاء : لا داعي لحفظ الأسانيد في هذا العصر لأن الإنسان كُفى ذلك من خلال كتب التخريج بل يكتفي بحفظ المتن فقط وراوي الحديث أما السند فيكفي البحث عنه فما رأيكم فيما قال ؟(1/69)
الجواب / طبعاً هذا يعني لاشك تنه غير صحيح ولاشك بحمد الله كل الدين محفوظ فالقرآن الكريم محفوظ والسنة النبوية محفوظة فإذا قلنا أنا كفينا وأن هذا الشيء محفوظ الأسانيد .حتى الباقي القرآن والمتن كلها محفوظة لكن لاشك طبعاً الإسناد ليس هو مثل المتن كما تقدم الإسناد وسيلة لا غاية الغاية هو المتن فإذا كان الإنسان بحمد الله يشتغل في هذا العلم واهتم بهذا العلم فهذا يحتاج إلى أن يعرف الأسانيد وإذا أمكن حفظه فهذا طيب وحسن .
س29/ ما الذي يكفي الإنسان في كتب العقيدة قراءة وحفظا ؟
الجواب / هذا السؤال مهم جداً وذلك كما تقدم أن العقيدة هي الأساس وهي الأمر الأول الذي ينبني عليه باقي الأمور فينبقي لطالب العلم أن يهتم بها غاية الاهتمام فيبدأ مثلاً بثلاثة الأصول ثم بعد ذلك بكشف الشبهات ثم بعد ذلك كتاب مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ثم بعد ذلك ليقرأ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته ككتاب الواسطية ثم الحموية ثم التدمرية فإذا قضى ذلك كله وأراد أن يتوسع أكثر فليقرأ المجلدات الأولى من الدرر السنية فإنها مفيدة جداً . وإذا أمكن أن يقرأ كل الدرر السنية فهذا احسن وأكمل وكذلك أيضا إذا أراد الزيادة فليقرأ في المجلدات الأولى من مجموع فتاوى الإمام بن تيميه وان اطلع على كل الفتاوى فهذا أكمل وأحسن .
س30 / ما صحة هذا الحديث عن فضالة بن عبيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا بالاحتفاء أحياناً وهل أعله أحد من المتقدمين وهل يصح في هذا الباب شيء وجزاكم الله خيراً .(1/70)
الجواب / بالنسبة لجواب هذا السؤال وهو حديث فضالة بن عبيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرنا بالاحتفاء أحياناً فهذا الحديث رواه أبو داود من حديث عبد الله بن بريد بن الحصين هذا حديث رواه أبو داود والإمام أحمد من حديث عبد الله بن بريدة بن الحصين أن رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رحل إلى فضالة بن عبيد وفيه ذكر هذا الحديث الذي معنا وهذا الحديث إسناده صحيح إلى عبد الله بن بريد بن الحصين لكن بقي هل عبد الله بن بريده سمع من هذا الرجل الذي لم يسمه أو سمع من فضالة بن عبيد لم يثبت أن عبد الله بن بريده سمع من فضاله بن عبيد وهذا الرجل لم يسمه عبد الله بن بريده فهذا الحديث في إسناده نظر من حيث الاتصال وكذلك في إسناده نظر من حيث المتن وذلك أنه في حديث عبد الله بن بريده بن الحصين عن هذا الرجل الذي هو من الصحابة ورحل إلى فضالة بن عبيد في هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الترجل إلا غباً فهذه الزيادة " نهى عن الترجل إلا غباً "هذه جاءت في أحاديث عديدة جاءت في هذا الحديث وجاءت كذلك في حديث عبد الله بن المغفل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الترجل إلا غباً أو نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم وجاءت أيضاً عن رجل من الصحابة رواه أبو داود فقوله نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم هذا صحيح هذا جاء في أحاديث عديدة أو عدة أحاديث وأما أمرنا أن نحتفي أحياناً فهذه إنما جاءت في الحديث السابق ويؤيد عدم صحتها أن حديث فضالة بن عبيد الذي تقدم السؤال عنه قد جاء له طريق آخر عند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن شقيق العقيلي وليس فيه هذه الزيادة وهي أمرنا أن نحتفي أحياناً وإنما فيه النهي عن الارفاء أو عن الترفه كان ينهانا عن كثير من الارفاء يعني الترفه وجاء تفسير هذا والله أعلم بالامتشاط كل يوم والمقصود هنا بالامتشاط هنا هو ما جاء في رواية أخرى نهى عن الترجل إلا غباً وهو دهن الشعر(1/71)
وتنظيفه وترجيله فهذا جاء النهي عنه أن يفعله الإنسان في كل يوم وأما مجرد التمشيط والله أعلم فهذا لا بأس به لأن هذا ليس مثل الأول الترجيل هو دهن الشعر كما ذكرت وتنظيفه وتمشيطه فهذا يحتاج إلى وقت فهذا الذي جاء النهي عنه .
والخلاصة أن هذه الزيادة " أمرنا بالاحتفاء أحياناً "في صحتها نظر لما تقدم وأيضاً قد جاء في صحيح مسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما أنتعل .
س31 / ما قول فضيلتكم فيما لو صرح أحد المدلسين بالتحديث ، ثم أنكره أحد الأئمة ؟
الجواب /عندما يصرح من هو موصوف بالتدليس يصرح بالتحديث فإذا ثبت الإسناد إليه الأصل قبول تصريحه بالتحديث هذا هو الأصل ولكن عندما يأتي أحد الأئمة كما في هذا السؤال وينكر هذا التصريح بالتحديث هذا يوجب التوقف ويجعل الباحث يتأمل ويراجع الطرق أكثر فإنكار هذا الحافظ أو الإمام هذا التصريح بالتحديث معناه أن هذا التصريح لم يثبت وأت أحد الرواة هو الذي أخطأ رواية هذا التصريح ولذلك أحياناً الحفاظ يردون بعض التصريح الذي يأتي من طريق مبارك بن فضالة فيما يرويه عن الحسن عندما يكون هنا ك تصريح في التحديث ما بين الحسن وما بين الصحابي الذي روى عنه الحسن فتجد بغض الحفاظ ينكر هذا التصريح ويعدون أن هذا نوع من التدليس من مبارك بن فضالة فالراوي أحياناً يخطئ فأقول عندما ينكر أحد الأئمة هذا التصريح ينبغي للباحث أن يتأمل وينظر ولا يستعجل حتى يتأكد فإنكار هذا الإمام يفيد أن هذا التصريح خطأ. هذا هو الأصل .
س32 / أيهما أقوى المرسل الصحيح أم المسند الضعيف ؟(1/72)
الجواب / هذا السؤال في الحقيقة مجمل لأنه أحياناً قد يكون المرسل أقوى من المسند الضعيف وأحياناً بالعكس يكون المسند الضعيف أقوى من المرسل وذلك عندما يكون هذا المرسل مثلاً لأحد كبار التابعين بالذات –مثلا ً- مراسيل سعيد بن المسيب التي يغلب عليها الصحة ويأتي طريق مسند وفيه ضعف واضح وبين فإذا كان هذا الضعف شديداً فلا شك أن هذا المرسل يكون أقوى من هذا المسند الضعيف وأحياناً كما ذكرت بالعكس قد يكون المسند الضعيف أقوى من المرسل وذلك عندما يكون هذا المرسل لأحد صغار التابعين – مثلاً –كأن يكون مرسلاً للزهري أو للأعمش فهذه المراسيل شديدة الضعف وجاء طريق مسند وفيه ضعف و لكن هذا الضعف ليس بالشديد ضعف يسير فيكون هذا المسند أقوى – مثلاً – يكون في هذا المسند عبد الله بن محمد بن عقيل وعبد الله بن محمد بن عقيل لا يحتج به لكنه ليس ببين الضعف وإنما له أحاديث تستنكر وله أوهام وله أحاديث أخرى صحيحة بدليل أنها جاءت من طرق أخرى فيكون هذا المسند الذي فيه ضعف أقوى من هذا المرسل ففي الحقيقة أحياناً وأحياناً . ما يحكم بحكم عام وإنما كل حديث يحكم عليه لوحده عند المقارنة بينه وبين هذا المرسل مثلاً . وأما حكم عام فهذا لا يمكن كما تقدم لأنه أحياناً يكون المسند الذي فيه ضعف أقوى وأحياناً المرسل أقوى .
س33 / إذا وصف أحد المتأخرين الراوي بالتدليس ولم يسبقه أحد من الأئمة . فما قولكم في ذلك ؟(1/73)
الجواب وبالله التوفيق : أن هذا المتأخر عندما وصف هذا الروي بالتدليس ينبغي أن يُتأكد ما نوع هذا التدليس لأنه في الحقيقة أن التدليس كلمة واسعة جداً تطلق على أشياء كثيرة تدليس يطلق على تدليس الإسناد المعروف ويطلق أيضاً على اللإرسال كما أنه يطلق أيضاً على تدليس الشيوخ هو أن يسمي شيخه باسم ليس بالمشهور به ويطلق كذلك على تدليس التسوية ويطلق كذلك على تدليس المتون وكذلك يطلق على ما يسمى بتدليس البلدان ففي الحقيقة أن التدليس أنواع متعددة وكلمة عامة واسعة فأقول ينبغي أن يتأكد ما نوع هذا التدليس ويبحث عن دليل لوصف هذا الراوي بالتدليس يعني – مثلاً بعض أهل العلم يسمي الإجازة وما شابه ذلك إذا لم تبين يسميها تدليس ولعل من هذا الباب وصف ابن سعد لعبد الله بن وهب حافظ مصر وصغه بالتدليس والتدليس الذي يقصده ابن سعد والعلم عند الله هو أن عبد الله بن وهب كان يتوسع بروي عن الشخص بالإجازة ويأخذ كتاب أحد الشيوخ فيطلب منه أن يروي عنه فإذا أجازه بذلك رواه فيبدو أن وصف ابن سعد له بالتدليس هو من هذا القبيل فالخلاصة أنه ينبغي يتأكد ويبحث عن الدليل .
س34 / بالنسبة لمسألة التفرد ، لو تفرد أحد الحفاظ الثقات الأثبات ممن هو في طبقة تبع تبع الأتباع ومن دونهم ( كالإمام أحمد والبخاري )فهل يعد ذلك علة في الحديث ؟
الجواب / التفرد هو في الأصل كثيراً ما يكون علة في صحة هذا الحديث وفي عدم صحته ويكون علة بأمور :
1 – أن يكون هذا المتفرد من المتأخرين بعني كما في هذا السؤال مثل طبقة الإمام أحمد ومن المعلوم أن هذه الطبقة يندر فيها التفرد لأن الأحاديث كثرت وانتشرت وتعددت حتى أن الحديث يكون له طرق كثيرة لأن الأحاديث انتشرت وكثرت بخلاف ما يكون التفرد في طبقة التابعين أو أتباعهم أما في طبقة الإمام أحمد وأمثاله فهذا يندر وجوده وإذا وجد غالباً أنه لا يصح كما نص على مثل ذلك الذهبي في كتابه الموقظة .(1/74)
2 - ومن التفرد أيضاً الذي يرد به الخبر عندما يكون المتفرد ليس من ثقات هذا الشيخ أو ليس من أصحابه الحفاظ الملازمين له يعني مثل الزهري له أصحاب كثر حفاظ ملازمين له فعندما يأتي واحد ليس بمشهور ومعروف بذلك يتفرد بشيء ففي مثل هذه الحالة لا يقبل وفي الحقيقة أن مسألة التفرد هذه مسألة تحتاج إلى زيادة كلام . ولعله يرجع إلى كلام الأئمة في ذلك يرجع إلى كلام الذهبي في الموقظة .
س35 / ما قول فضيلتكم في أحاديث التنعل قائما؟
الجواب / هذا الحديث لا بأس بإسناده وهو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الانتعال قائماً وهو محمول والله أعلم على النعال التي تحتاج إلى فك وربط ، من المعلوم أن بعض النعال وهي الأحذية أو ما يسمى بالأحذية بعضها يحتاج إلى فك وربط فهذه تحتاج إلى أن الإنسان يجلس أولى له وأحسن وأريح له فهذا الحديث محمول والله أعلم على ذلك . وأظن بعض أهل العلم قد نص على هذا الشيء .
س36 / ما قول فضيلتكم في حديث كفارة المجلس ؟
الجواب / حديث كفارة المجلس له طرق كثيرة ولعله والله أعلم ثابت بمجموع هذه الطرق نعم بعض هذه الطرق معلولة كما في قصة البخاري ومسلم لكن للحديث طرق أخرى عديدة فأقول لعله بمجموع هذه الطرق ثابت .
س37 /قول إمام من أئمة الحديث " أكتب عنه " وذلك حينما يسأل عن راو معاصر له ، ماذا يعني ذلك ، وهل هو توثيق.
الجواب / إذا قال أكتب عنه ففي الحقيقة هذا تقوية منه لهذا الراوي والإمام مسلم قد يستعمل مثل هذا فقد يقول اكتبوا عن هذا الراوي ويعني بذلك توثيقه كما نص على ذلك الحاكم فمثل هذا تقوية لهذا الراوي وقد يكون أحياناً توثيق .
س38 / هل كثرة مؤلفات الشخص تدل على علمه وفضله مع أنا نرى الكثير من أهل عصرنا لهم مؤلفات وتحقيقات وليس لها أثر عليهم أرجو التوضيح أكثر حول المسألة بارك الله فيك ؟(1/75)
الجواب / أقول مثل ما ذكر هذا السائل في سؤاله ليس كل إنسان له مؤلفات كثيرة يكون هذا دليل على علمه وفضله كما أنه بالعكس ليس كون الإنسان ليس عنده مؤلفات فيكون هذا دليل على عدم علمه وعدم فضله فمن المعلوم أن هناك جمع من أهل العلم ليس عندهم مؤلفات وهم من أهل العلم والفضل كما أنه بالعكس يوجد من يكون عنه مؤلفات كثيرة فهذا أيضا لا يدل على علمه وفضله فكما أشار هذا الأخ السائل في سؤاله . فكثرة المؤلفات أو عدم ذلك هذا لا يدل على العلم أو عدم العلم أو الفضل أو عدم الفضل .
س39 / هل يكتفي طالب الحديث بالأخذ بتصحيحات العلماء الذين عرفوا بالحديث سواء من المتقدمين أو المتأخرين ، أم يبحث عن طرق الحديث ويخرجه ثم يستأنس بحكمهم على ذلك الحدي ث؟
الجواب / عندما الشخص يريد أن يبحث عن حكم حديث ما فهذا الباحث إما أن يكون عنده علم بالحديث وإما أن لا يكون عنده علم ، فإن كان عنده علم في الحديث فعليه أن ينظر هو وأن يبحث في كلام الأئمة وبالذات من تقدم منهم ويستفيد أيضاً من كلام المتأخرين من أهل العلم الذين حكموا على هذا الحديث أو جمعوا طرق هذا الحديث وأيضاً ينبغي له أن ينظر ويقارن ما توصل إليه بما حكم به أهل العلم على هذا الحديث وبالتالي سيتعلم ويستفيد فائدة كبيرة من هذا المنهج وهذه الطريقة وأما إذا كان الباحث ليس عنده علم فهذا لا شك يكتفي بكلام أهل العلم في الحكم على هذا الحديث ولكن أنصح مثل هذا الشخص أن يرجع بالذات إلى من تقدم من الحفاظ ويستفيد من كلام من تأخر وكل واحد له كلام سواء من تقدم أو من تأخر ينبغي له أن يستفيد من عنده لكن لا شك من تقدم هم أعلم فليحرص أعلى كلم الأئمة السابقين مع الاستفادة من كلام أهل العلم المتأخرين .
س40 / من المعروفين لديكم بارك الله فيكم بأنهم على منهج المتقدمين من أهل هذا العصر ؟(1/76)
الجواب / أقول بحمد الله أن هناك جمع من أهل العلم هم يهتمون بكلام الأئمة السابقين ويتتبعون كلام الحفاظ ويسيرون وفق منهجهم ويسلكون طريقتهم فهناك مجموعة من أهل العلم الذين هم على هذا المسلك والذين هم على هذه الطريقة .
س41 / ما لقاعدة التي يعرف بها المرسل الخفي من التدليس؟
الجواب / بالنسبة للمرسل الخفي والتدليس طبعاً لا يخفى أن المرسل كما تقدم يسمى تدليس ويوصف من يفعله بأنه مدليس كما يوصف أحياناً بأنه يرسل ولا شك أن بينهما فرق من حيث التعامل فإذا كان الراوي يدلس تدليس الإسناد وذلك بأن يروي عن شخص قد سمع منه أحاديث سمعها من شخص آخر فيحذف من حدثه ويروي مباشرةً عن هذا الشخص فهذا هو تدليس الإسناد أو التدليس المعروف أو في الغالب إذا أطلق ينصرف إليه فهذا يعامل معاملةً أخرى غير معاملة الشخص الذي يرسل فمعاملة الشخص الذي يرسل يُنظر فإن ثبت سماعه من هذا الراوي فتحمل أحاديثه على السماع والاتصال إلا لدليل يدل على خلاف ذلك بعني مثلاً الحسن البصري فالأئمة الحفاظ يتعاملون معه على أنه إذا ثبت سماعه من أحد الصحابة إذاً باقي أحاديثه تكون محمولة على السماع والاتصال وإذا لم يثبت سماعه من أحد من الصحابة تكون أحاديثه منقطعة حتى لو جاء التصريح بالتحديث لأن الحسن t من المعلوم أنه يتأول رحمه الله فيقول خطبنا ابن عباس ويعني بذلك خطب أهل البصرة وهو لم يثبت سماعه من ابن عباس – فمثلاً- كل ما يرويه عن ابن عباس فهذا منقطع إلا إذا جاء دليل يخالف ذلك يعني – مثلاً – رواية الحسن عن سمرة الحسن ثبت في القول الصحيح نه سمع من سمرة حديث العقيقة كما جاء في صحيح البخاري عندما جاء رجل إلى محمد بن سيرين وهو حبيب بن الشريد يحدثه بحديث عن الحسن عن سمرة في حديث العقيقة فقال أذهب واسأل الحسن ممن سمعه فذهب وسأله فقال سمعته من سمرة باقي الأحاديث التي رواها عن سمرة وهي كثيرة يعني قد تكون بالمكرر كثر من مئة حديث فهذه الأحاديث(1/77)
أختلف الحفاظ هل كلها سمعها أو لم يسمعها أو بعضها دون بعض مع أن هناك من الأئمة من يرى أن الحسن لم يسمع من سمرة ولا حديث فأقول أن رواية الحسن عن سمرة لا تحمل على السماع والاتصال لما تقدم لكن من رواه عن غيره ممن ثبت سماعه منهم كأنس بن مالك فكل ما يرويه الحسن عن أنس فهذا محمول على السماع والاتصال إلا إذا دل دليل على خلاف ذلك نعم فهذه القاعدة في ذلك فيما يتعلق بهذه المسألة وفيما يتعلق بالتدليس أنا تكلمت على هذا في مقدمة كتاب ( منهج المتقدمين في التدليس ) .
س42 / ما قولكم بارك الله فيكم في هذه الأحاديث ؟
( أ ) من أدرك تكبيرة الإحرام لصلاة الفجر أربعين ليلة برئ من النفاق ( في الترمذي )
الجواب / هذا الحديث ضعفه الترمذي والأقرب أنه موقوف على أنس كما جاء عند عبد الرزاق في كتابه المصنف .
( ب ) أمتي هذه أمة مرحومة جُعل عذابها في دنياها أو نحو هذا اللفظ .
الجواب / هذا جاء في حديث أبو موسى الأشعري وقد جاء من طرق متعددة وهذا لا ينافي أحاديث الشفاعة والتي فيها أنه يعذب أناس من هذه الأمة يعذبون في النار ثم يخرجون بشفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبالذات نبينا محمد r وبشفاعة الملائكة وبشفاعة الأولياء والصالحين وبشفاعة الأفراط لآبائهم . فأقول هذا لا ينافي الأحاديث التي جاءت في الشفاعة فهي لا شك أصح وأكثر وأكبر كما جاء في تاريخ البخاري الكبير لكن حديث أبو موسى t رضي الله عنه حديث صحيح وأصله في صحيح مسلم .
( جـ ) من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة .
الجواب / هذا الحديث ضعيف جاء من طريقين وكلاهما لا يصح .
( د ) أمر بعبد من عباد الله أن يجلد في قبره مئة جلدة ..حتى خفف إلى واحدة فلما جلد اشتعل عليه (قلبه)(1/78)
نارا.. الطبراني من حديث ابن عمر ، والطحاوي من حديث ابن مسعود ( مع أن الطحاوي قد تفرد بهذا الإسناد في كل الطبقات فهل يكفي هذا لإعلال الحديث مع وجود جعفر الضبعي وعاصم بن بهدلة ).
الجواب / لعله قبره وليس قلبه كما جاء في السؤال . بالنسبة لهذا الحديث لا أدري عن صحته ولكن فيما يتعلق بجعفر بن سليمان الضبعي أختلف فيه ، وثقه قوم وتكلم فيه آخرون وخرج له الإمام مسلم في صحيحه عدة أحاديث فجعفر بن سليمان له أحاديث مستقيمة وله أحاديث أنكرها بعض الأئمة عليه وعاصم بن بهدلة أيضاً مختلف فيه على جلالته في القراءة لكن في الحديث مختلف فيه له بعض الأوهام والأخطاء وحديثه ينقسم إلى أقسام لعله ليس هذا موضع ذكر هذه الأقسام لكن الأصل أنه لا بأس به فهو حسن الحديث هذا هو الأصل إلا في بعض مروياته هذا من حيث الرجلين ؛ وأما من حيث الحديث فكما ذكرت لم أدرسه من قبل .
( هـ ) مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره ( أنا خرجت الحديث وكل طرقه ضعيفة فما رأيكم يا شيخ ، وأيضاً هل المتن منكر أم لا )
الجواب / هذا الحديث كما ذكر السائل جاء من طرق متعددة وبعض أهل العلم قواه كالسخاوي ونقل عن ابن عبد البر أنه حسنه لكن من المعلوم أن التحسين بالذات عند المتقدمين أن أمره واسع يعني يطلق على عدة أمور والأقرب في هذا الحديث كما توصل إليه السائل أنه لا يصح وأن الصواب في هذا الحديث أنه مرسل عن الحسن البصري هذا الأقرب والله أعلم وبالتالي لا يصح . وأما المتن فهذا المتن لو ثبت الإسناد لكان صحيحاً وقد جاءت أحاديث تفيد أنه سوف يكون في آخر هذه الأمة تمكين لهذا الدين ونصر لعباد الله المؤمنين وذلك بخروج المهدي ونزول عيسى بن مريم r .
( و ) حديث الأوعال
الجواب / هناك من صححه كأبي بكر بن خزيمة وإلى ذلك يميل الإمام بن تيمية وهناك من ضعفه وهذا هو الأقرب والله أعلم . وفيه ثلاث علل :(1/79)
1 – أن الأحنف بن قيس لم يثبت له سماع من العباس بن عبد المطلب ، وهذا تعليل البخاري .
2 – عبد الله بن عميرة فيه جهالة . كما قال الحربي
3 – والاضطراب الذي وقع في إسناده على سماك كما قال ابن حجر أو البخاري قال أن عبد الله بن عميرة لم يثبت له سماع من الأحنف
فهذا الحديث لا يصح لما تقدم وبحمد الله فيما يتعلق بإثبات العلو لله جل وعلا فهذا ثابت بالكتاب والسنة والفطرة والعقل
( حـ ) أن الرعد ملك والبرق سوطه ( وقد ذكر السيوطي في الدر روايات كثيرة ، فما درجة هذا الحديث )
الجواب / بعض طرقه رواه ابن أبي حاتم في كتاب التفسير وهناك من أهل العلم ممن قواه ولكن بالنسبة لي ليس عندي حكم فيه .
( ط ) حديث ركعتي الإشراق(1/80)
الجواب / لعل السائل يقصد " من صلى الصبح ثم جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمره تامة تامة " هذا الحديث قواه جمع من أهل العلم وضعفه جمع آخر والأقرب أنه لا يصح وأبو عيسى الترمذي ما صححه ، وابن حبان ضعف بعض طرقه ، وهذا الحديث له طرق كثيرة وكلها لا تصح والأقرب أنه لا يتقوى ومما ]دل أيضاً على ضعفه غير ضعف أسانيده غير ما تقدم هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة أن الرسول r "كان يجلس عندما يصلي الصبح حتى تطلع الشمس حسناً ، وعند أبي داود حتى تطلع الشمس حسناء " وهذا الحديث قد رواه عن سماك شعبة بن الحجاج ورواه أيضاً أبو الأحوص . فهذا الحديث حديث صحيح وهذا من قديم حديث سماك وقد صححه كما تقدم الإمام مسلم . الشاهد من هذا الحديث أنه ما ذكر أن الرسول r كان يصلي بعد جلوسه ركعتين . وما أعرف عن الصحابة أنهم كانوا يصلون ركعتين . نعم جاء بأن عبيد بن عمير عندما كان يذكر أنه كان يقوم ناس في وقت السنة كانوا يصلون ، يعني يصلون صلاة الضحى أما صلاة الإشراق فهذه غير صحيحة وإنما صلاة الضحى . فهذا الحديث لا يصح لكن لا شك أن الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح أو في أي وقت هذا مرغب فيه كما جاءت بذلك الأحاديث وكون الإنسان يصلي ركعتين أو أكثر بعد ارتفاع الشمس أيضاً بنية سنة الضحى هذا قد جاءت به النصوص . لكن الكلام على الحديث السابق باللفظ الذي تقدم ذكره لا يصح .
س 43 / أين أجد تقسيمات مرويات الرواة الذي تذكرونه دائماً في دروسكم ، هل هو اجتهاد شخصي ؟ وهل يمكن أن نجده مطبوعاً في كتاب لكم ؟(1/81)
الجواب / بالنسبة للتقسيمات التي أذكرها أحياناً في الحكم الراوي ، هذه إما أن يكون أهل العلم ذكروها نصوا عليها صراحةً وإما أن تؤخذ من جمع كلام أهل العلم في الراوي فمثلاً ما تقدم الكلام فيه على عبد الله بن لهيعة أصل التقسيم ذكره أهل العلم أو ذكره بعض أهل العلم فرقوا ما بين من روى عنه بعد الاختلاط أو قبل احترق كتبه ومن روى عنه بعد احتراق كتبه . وبالمناسبة أن الذين رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه هم جمع كبير ليس خاصاً بالعبادلة ، فأقول أصل هذا التقسيم ذكره بعض أهل العلم وأنا فرقت أيضاً بين من روى عنه قديماً فجعلت عبد الله بن وهب أقوى من غيره وهذا لما ذكرت أن عبد الله بن يزيد المقرئ ذكر بأنه روى عنه قديماً لكن عبد الله بن وهب أقدم فذكر في الحديث الذي تقدم ذكره وهو أن القرآن لو كان في إيهاب لما احترق قال عبد الله بن وهب أن ابن لهيعة ما كان يرفعه في ما سبق يعني رفعه فيما بعد فاستفدت من هذا أن ابن وهب أقوى في ابن لهيعة من عبد الله بن يزيد المقرئ مثلاً فأقول هذا من التنصيص لبعض الحفاظ أو يؤخذ من جمع كلام الحفاظ في هذا الراوي فمثلاً أبو معاوية جمع من الحفاظ قدم أبو معاوية في روايته عن الأعمش وبعض الحفاظ تكلم في أبي معاوية في روايته عن غير الأعمش كهشام ابن عروة مثلاً فيقال أن حديث أبي معاوية ثلاثة أقسم :-
1 – ما رواه عن الأعمش وهو مقدم فيه
2 – ما رواه عن غير الأعمش ولا يكون هذا الذي روى عنه تُكلم في رواية أبي معاوية عنه كهشام بن عروة مثلاً
3 – رواية أبي معاوية عن من تُكلم في رواية أبي معاوية عنه فهذا كما ذكرت يُؤخذ من كلام الحفاظ
س44 / ما رأيكم في الخلاصة التي خرج بها الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب عن أحوال الرواة ؟ وهل يصح أن يعتمد عليها طالب العلم عند الحكم على الحديث ؟(1/82)
الجواب / كتاب التقريب للحافظ ابن حجر رحمه الله كتاب مفيد جداً وكتاب قيم ويستفيد منه طالب العلم كثيراً وذلك لم حوى من كلام الحافظ ابن حجر على آلاف من الرواة الذين ذكروا في هذا الكتاب وأن هؤلاء الرواة أكثرهم من المشاهير وهم كلهم من رجال الكتب الستة فهم من أشهر الرواة فهذا الكتاب كتاب قيم ومفيد لطالب العلم لكن لا شك أن هذا الكتاب لا يكفي في الحكم على الراوي وذلك لأن الحافظ رحمه الله أراد أن يختصر ما في تهذيب التهذيب وغيره من كتب الرجال فيعطي حكم مختصر على هذا الراوي فهناك بعض الأشياء التي ما يذكرها وذلك إما أنه رحمه الله أراد أن يعطي حكماً مختصراً فإذا فصل فإنه لم يعط حكماً مختصراً في الراوي ، أو قد تفوت الإنسان وما شايه ذلك فأقول لا يكتفى في الحكم على الراوي بما جاء في حكم الحافظ ابن حجر وإنما يستفاد منه ويُرجع أيضاً إلى كتب الرجال وكتب الجرح والتعديل ويُتتبع كلام الأئمة في الحكم على هذا الراوي .
ماذا ظهر لكم في مصطلح ( مقبول ) الذي يستخدمه الحافظ في حال بعض لرواه ؟ ، وكما لا يخفى عليكم أنه استخدمه في بعض رواة الصحيحين .
الجواب / الحافظ عندما يستخدم مصطلح مقبول يقصد به ( لين ) كما ذكر هو رحمه الله في مقدمة التقريب ، ثم هذا اللين إما أن يكون ضعف في هذا الراوي فحكم عليه باللين وهذا قليل في استخدامه لكلمة مقبول ، وإما أن يكون هذا اللين جاء من عدم شهرة هذا الراوي أي أن هذا الراوي ليس فيه توثيق معتبر وإنما فيه توثيق ابن حبان أو العجلي مثلاً فيقول عنه أنه مقبول وكم ذكرت هو قد نص في المقدمة أن معنى مقبول عنده أي حيث يتابع وإلا فلين.(1/83)
س45 / لا يخفى أن من معتقد أهل السنة والجماعة أن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم عدول ثقات، ولكن نجد في بعض الروايات أن بعض الصحابة - من الذين تأخر إسلامهم - قد وقعوا في أمور تنافي التعريف المشهور للعدالة. وهذا كالذي يروى مثلا عن سمرة بن جندب أو المغيرة بن شعبة رضوان الله عليهما. فهل هذه الروايات عنهم صحيحة؟ فإن لم يصح شيء منها، فالسؤال ساقط من أصله. وإلا فما توجيهها لتوافق ما تقرر في اعتقاد أهل السنة؟
الجواب / أولاً أشكر هذا الأخ السائل على دعواته التي ذكرها وأسأله جل وعلا أن يوفقنا وإياه وأن يقبل منا ومنه وكما ذكر هذا السائل أن الصحابة لا شك أنهم عدول بثناء الله عليهم غي كتابه الكريم وثناء الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم في سنته فهم عدول رضي الله تعالى عنهم وما جاء مما فيه قادح في بعضهم فهذا إما أن يكون .
1- غير ثابت أصلاً مثل القصة التي تحكى في اجتماع إبي موسى مع عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الصلح وأنه ذكر أن عمرو بن العاص خدع أبو موسى وأنه قال له لنخلع الاثنين يعني علي ومعاوية رضي الله عن الجميع ثم بعد أن اتفق معه على ذلك قال تكلم يا أبا موسى فأنت أقدم مني إسلام وأفضل مني وما شابه ذلك فأخبر أبو موسى أنه خلع علي رضي الله عنه وأنه عندما جاءت النوبة لعمرو بن العاص أنه ثبت معاوية فهذا لم يصح وإ نما أرادوا أن يتفقوا على الصلح ولم يحصل هذا الصلح ولم يقع فأقول أن هناك أخبار غير صحيحة(1/84)
2- وإما أن تكون هذه الأشياء التي قد يظن أنها قادحة في بعض الصحابة أنها من قبيل الاجتهاد والتأول ، يعني مثل ما حصل من خروج عائشة رضي الله عنه وكذلك الزبير رضي الله عنه وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه في معركة الجمل كانوا متأولين وأرادوا الإصلاح بين طائفة علي رضي الله عنه وبين طائفة معاوية رضي الله عنه وأرادوا أيضاً أن يتتبعوا قتلة عثمان ونحو ذلك فقد خرجوا وهم قد تأولوا في خروجهم فلذلك عائشة عندما سمعت نباح الكلاب أرادت أن ترجع فقالوا لها كيف ترجعين ولعل الله أن يصلح بك بين طائفتين من المسلمين أو لعل الله أن يصلح بك بين المسلمين فاستمرت في مسيرها . فالشاهد من هذا أنهم أرادوا الإصلاح فهم تأولوا في ذلك ولا شك أن المجتهد المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد .
3- أو تكون هذه الأشياء قد تابوا منها ورجعوا عنها كما حصل لماعز t لما وقع فيه فتاب وطلب من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم عليه الحد وكما حصل من المرأة الغامدية عندما أيضاً طلبت من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقيم عليها الحد . فيحمل على ما تقدم . فالصحابة رضي الله عنهم عدول وثقات رضي الله عنهم أجمعين .(1/85)
س46 /- من المعلوم أن بعض الكتب الحديثية المشهورة مفقودة (مثل مسند بقي بن مخلد، أو قسم من صحيح ابن خزيمة). وهنا سؤال يطرح بإلحاح: هل يمكن أن تكون هذه الكتب قد انفردت بأحاديث (أو على الأقل بطرق وأسانيد) لا توجد في الكتب المشهورة؟ فإن كان الجواب: لا، كان ذلك بعيدا، لأنه يلزم منه أن يكون أصحاب هذه الكتب ما زادوا على أن كرروا ما في الكتب الأخرى. والاستقراء في الكتب التي كانت مفقودة ثم وجدت، أو كانت مخطوطة ثم طبعت، يثبت العكس. فكم هي المتون والأسانيد التي اطلعنا عليها في هذه الكتب بعد أن لم تكن معروفة لدينا.. وإن كان الجواب: نعم، كان ذلك منافيا لما تقرر من أن الله عز وجل قد حفظ السنة من الضياع. فالرجاء منكم إزالة هذا الإشكال.(1/86)
الجواب / لا شك أن الدين محفوظ بحفظ الله له فقوله جل وعلا" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" هذا يشمل ويلزم منه حفظ السن ة النبوية لأن السنة النبوية تفسر وتبين القرآن الكريم وألا إذا لم تحفظ السنة فهذا يودي إلى عدم حفظ القرآن لأن السنة تبين القرآن فإذا كان ليس هناك ما يبين القرآن إذاً فهو غير محفوظ فلا شك أن القرآن والسنة محفوظان بحفظ الله عز وجل لهما وبالتالي يتبين جواب سؤال هذا الأخ أو استشكاله فبحمد الله من كتب الحديث وكتب الآثار الموجود منها الشيء الكثير والشيء الكبير وليعلم هذا الأخ أن أغلب الأحاديث الصحيحة إنما هي في الكتب الستة أغلب الأحاديث الصحيحة إنما هي في الكتب الستة . نعم موجود في غير الكتب الستة أحاديث كثيرة صحيحة لكن الأكثر والأغلب هو موجود في الكتب الستة ومثلاً ابن خزيمة الذي جاء السؤال عنه أن ربعه الموجود وثلاثة أرباعه غير موجود فأقول كثير ما يتفق ابن خزيمة مع ابن حبان في رواية الأحاديث إما أن يرويها ابن حبان عن ابن خزيمة مباشرةً أو يرويها عن شيوخ آخرين فأغلب ما في ابن خزيمة هو موجود في صحيح ابن حبان كما أنه أغلب ما هو موجود في مسند بقي بن مخلد موجود في مسند الإمام أحمد أو في مصنف أبي بكر بن أبي شيبة لأن بقي بن مخلد من رواة أبي بكر بن أبي شيبة . فلا شك أن الدين محفوظ بحفظ الله له .
س47 / ما هي الفوائد التي تنصحون بأن يستخرجها من أراد القيام بجرد الكتب التالية: فتح الباري لابن حجر وسميه لابن رجب – المحلى لابن حزم – شرح السنة للبغوي – نيل الأوطار للشوكاني – المغني لابن قدامة – تفسير ابن كثير.(1/87)
الجواب / طبعاً هذه الكتب بينها اختلف في الموضوعات يعني تفسير ابن كثير هذا في تفسير كلام الله وبعضها في الحديث في شرح كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - كفتح الباري لابن رجب ولابن حجر وبعضها في الفقه ككتاب المغني لابن قدامة فاختلاف الموضوعات هذا يؤدي إلى اختلاف الفوائد التي تستخرج منها والتي ينبغي أن ينبه عليها أو تقصد من قراءة وجرد هذه الكتب لكن السمة العامة لهذه الكتب هو أنه ينبغي للشخص أن ينتبه إلى أمرين :
1- ما فيها من فوائد وهذا واضح
2- تتبع مناهج الأئمة ومسالكهم من خلال هذه الكتب لأن هذه الكتب تجمع كلام أهل العلم من الصحابة ومن التابعين ومن أتباع التابعين وهلمّ جرّا .
فمثلاً ما يتعلق في فتح الباري لابن رجب يذكر كلام الأئمة والحفاظ فينبغي تتبع مناهجهم حتى الإنسان يسلك ويسير وفق هذه المناهج أو كتاب المغني لابن قدامة يعني ينبغي هنا عندما يذكر كلام أهل العلم في المسائل العلمية ينبغي أيضاً تتبع مناهجهم في المسائل العلمية ومعرفة القواعد الفقهية فمن المعلوم أن كتاب المغني فيه قواعد فقهية كثيرة وفيه مسائل أصولية عديدة فأيضاً ينتبه إلى مثل هذا وفيما يتعلق بفتح الباري لابن رجب وابن حجر فيما يتعلق بالصناعة الحديثية يتتبع الفوائد التي تكون في ذلك أو في كتاب المحلى لابن حزم يعرف كيف يستدل بطريقته ومنهجه والأشياء التي يذكرها فكل هذا ينبغي للشخص أن ينتبه له في قراءته فهذه كتب موسوعات فيها من الفوائد ومن الأشياء المفيدة الشيء الكثير .
س47 / ما رأيكم في كتاب تحرير تقريب التهذيب ؟
الجواب / هذا الكتاب لم أطلع عليه فلذلك ولم أقرأ فيه لكن بالنسبة لأحد المؤلفين وهو بشار عواد له كلام جميل في الحكم على الرواة أو نقل كلام الحفاظ من الكتب الأخرى فيستفاد من هذا الكتاب ومن غيره من الكتب التي الفت في الصناعة الحديثية والحكم على الرواة .
السؤال الأخير / ما حكم التسمية عند الوضوء ؟(1/88)
الجواب / تقدم فيما سبق أن أحاديث التسمية على الوضوء لا تصح واغلب الحفاظ السابقين ضعفوها كالإمام أحمد كما ذكرت وابن المنذر وكذلك ابن الجوزي وهذا ما يستفاد من كلام البخاري والترمذي وهناك من قواها والأقرب أنها لا تصح لأمرين :
1- لأن الأحاديث أسانيدها كلها ضعيفة ولا تتقوى بمجموع طرقها .
2- أن الصحابة قد نقلوا لنا صفة وضوء النبي r بالأسانيد الصحيحة كحديث عثمان الثابت في الصحيحين وحديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين وحديث بن عباس في البخاري وغيره من الأحاديث وليس فيها ذكر التسمية فلو كان التسمية ثابتة لجاءت في هذه الأحاديث الصحيحة فلذلك الأقرب أنها لا تتقوى وأحب أن أنبه على قضية قد يغفل عنها وهي انه ينبغي أن يفرغ بين أمرين :
الأول / عندما يأتي إليك شخص وهو ليس بالحافظ له أوهام وأخطاء فيخبرك عن شيء حصل فهنا تشك في ثبوت ما أخبرك به هذا الشخص وذلك لأنه عنده بعض الأوهام والأخطاء والأغلاط وعندما يأتي ثاني مثله يخبرك بمثل ما أخبرك به ا لأول فهنا يقوى عندك هذا الخبر بمجموع هذين الطريقين وعندما يأتي ثالث تجزم بثبوت هذا الأمر .
الثاني / الذي ينبغي أن يفرق به هذه المسألة عن الأولى هو عندما يأتي إليك عشرة من الناس سبعة منهم حفاظ من أهل الإتقان وثلاثة منهم عندهم ضعف وعندهم خطأ فالسبعة اتفقوا على شيء الثلاثة زادوا رووا نفس ما رووا السبعة وزادوا شيء آخر فهنا لن تقبل رواية هؤلاء الثلاثة لأمرين :
1- أن فيهم ضعف .(1/89)
2- أن هذا الضعف لا ينجبر باجتماعهم وذلك لأن هذه الزيادة ما جاءت في رواية هؤلاء الحفاظ السبعة فلو كان هذا الشيء ثابت لجاء في رواية هؤلاء الحفاظ السبعة فيكون عندنا تعارض وتضاد بين رواية جمع من الحفاظ وبين رواية جمع من الرواة الذين فيهم ضعف فعندما يكون هناك تعارض فهنا تقدم رواية الأحفظ والأوثق فكذلك هنا في حديث التسمية جاءت أحاديث كثيرة تبين صفة وضوء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وليس فيها أنه سمى فدل على ضعف هذه الأحاديث وأنها لا تتقوى بالإضافة إلى ضعف طرقها . هناك أحاديث أخرى لكن ليس فيها دلالة على التسمية وهذه الأحاديث جاءت في حديث انس وبن مسعود نحو حديث انس وهو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مره من المرات عندما قل عندهم الماء وحضرت الصلاة أوتي بإناء فيه قليل من الماء ما كادت أن تدخل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه فعندما قال بسم الله أخذ الماء ينبع من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - فهذه التسمية ليست للوضوء إنما للبركة في الماء لأنه لم تأت إلا في مثل هذا ولذلك جاء في حديث ابن مسعود حي على الطهور المبارك والبركة من الله فهنا ذكر التسمية من باب البركة في هذا الماء لعل الله أن يبارك فيه ولذلك أخذ ينبع من بين إصابته فهذه الأحاديث قد استدل بها بعض أهل العلم كالنسائي على مشروعية التسمية والأقرب أنه ليس فيها ذلك لما تقدم هذا وبالله التوفيق.
تمّ اللقاء بحمدِ الله
لقاء
ملتقى أهل الحديث
بفضيلة الشيخ
عبد العزيز بن مرزوق الطَريفي
حفظه الله
مُلتقى أهل الحديث
www.baljurashi.com
ترجمته
نبذه تعريفية مختصرة بالشيخ :
هو فضيلة الشيخ المعتني المُحدّث عبدا لعزيز بن مرزوق الطريفي. من مواليد عام 1396 للهجرة النبوية .
عرف بالطلب المبكر، والبحث وسعة الاطلاع، والعناية بالمحفوظات في السنة، وعرف الشيخ في الفترة المتأخرة بالعلم والفضل مما لا يحصل في الغالب لمن هو في سنة.(1/90)
وقد تتلمذ على جماعة من أهل العلم منهم:
1) سماحة الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وقد تتلمذ عليه سنوات وهو أكثرهم أخذاً عليه.
2) فضيلة العلامة الفقيه عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل.
3) فضيلة الشيخ محمد بن الحسن الشنقيطي.
4) فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ.
5) فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك.
6) فضيلة الشيخ المحدث عبدالكريم الخضير.
7) الشيخ محمد عبدالله الصومالي -رحمه الله-.
8) الشيخ النحوي حسن الأثيوبي، وجماعة غيرهم، من أهل العلم.
وللشيخ تميز بالسنة وحفظها وإدامة النظر فيها، وله دروس متنوعة في مدينة الرياض منها في:
1) ... أحاديث الأحكام الصغرى للإشبيلي.
2) ... الأحاديث الأربعين النووية.
3) ... نخبة الفكر.
4) ... المحرر في الحديث.
5) ... لمعة الاعتقاد.
6) ... كتاب التوحيد، وغيرها.
وله مجموعة من المصنفات والمراجعات منها المطبوع ومنها غيره:
1) التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث واللآثار في (إرواء الغليل) مطبوع في مجلد ضخم يقع في نحو (600) ورقة، استدرك فيه على العلامة المحدث الألباني ما فاته وما لم يقف عليه وما لم يكن من شرطه في كتابه الكبير (إرواء الغليل).
2) الأربعين النووية المسندة والتعليق على المعلول منها (مذكرة).
3) زوائد سنن أبي داوود على الصحيحين. (لم يطبع).
4) المراجعة لطبعة الكتب الستة ط. دار السلام.
اللقاء
السؤال الأول: بالنسبة لكتابكم التحجيل بودنا لو تذكر لنا نبذة عنه وهل سيكون له طبعة جديدة؟(1/91)
الجواب: كتاب التحجيل هو تتميم لعمل العلامة الألباني في كتابه الإرواء خرجت فيه ما فاته، وما لم يلتزم تخريجه مما اعتاد الحفاظ على تخريجة عند الكلام على المصنفات، فآثار الصحابة وهي الموقوفات لم يلتزم العلامة الألباني تخريجها رغم أن المعتنين بالتخريج التزموا بذلك كالزيلعي وابن حجر وغيرهما، وقد أشرت إلى شرطي فيه في مقدمته، وسيكون له بإذن الله طبعة ثانية قريبا، فيها زيادات مهمة، وتصويبات لما لا يسلم منه كاتب، وسيلحق بذلك فهرس يقوم به أحد طلاب العلم.
السؤال الثاني: بالنسبة لشروح نخبة الفكر ما هو أجودها؟
الجواب: نخبة الفكر للحافظ ابن حجر من الكتب المختصرة المفيدة في المصطلح، وخاصة إذا شرحت من عارف بمناهج الأئمة الحفاظ، ومن شروحها الجيدة شرح مصنفها المسمى نزهة النظر فهو تعليقات مختصرة نافعة جداً، وقد اهتم بشرحها جمع من العلماء كابن صدقة وابن همات والشمني وغيرهم.
السؤال الثالث: ذكر بعض الاخوة في الإنترنت عنكم أن أذكار الصباح والمساء لا تسرد مرة واحدة بل تقال طول النهار وطول الليل. السؤال ما هو الدليل على هذا الأمر من قال به من أهل العلم ؟ بارك الله فيكم.(1/92)
الجواب: أذكار الصباح والمساء التي جاءت في النصوص، جاءت منثورة في أخبار متعددة حملها جماعة من الصحابة متفرقون، منها ما دلّ الدليل على كونها في وقت معين كقراءة آخر آيتين من سورة البقرة فإنها تكون ليلاً بعد غروب الشمس، ومن ذكرها بابتداء المساء على أنها من أذكار المساء فقد خالف السنة، ومنها ما جاء مطلقاً بذكر الصباح والمساء فهذه تكون بابتداء الصباح وابتداء المساء ولا تهذ هذاً، وما اعتاده كثير ممن ينتسب للصلاح من أهل زماننا من هذ أذكار الصباح والمساء في مجلس واحد، ثم الغفلة بقية اليوم، فهذا خلاف السنة. والمراد : أنه ينظر في الأذكار فما جاء منها مقيد بليل فذكره في ابتداء المساء خلاف السنة، وما جاء مقيد بوقت فإنه يذكر في وقته، لأنني رأيت كثيراً ممن يكتب ويجمع هذه الأذكار في مطبوعات صغيرة وكبيرة، يجملها لتذكر سرداً بلا تنبيه، وهذا خلاف السنة.
السؤال الرابع: السلام عليكم ورحمة الله شيخنا الفاضل جزاك الله خيراً ما رأيك في الاهتمام بدراسة علم المنطق ولا أقول اهتمام بل حفظ منظومة ( السلم المنورق ) فقط فيه وهل يدخل في النهي الذي نهى العلماء عنه من دراسة لعلم المنطق؟
الجواب: علم المنطق اهتم به أهل العلم في وقت وزمن كانت الحاجة له، لتلبس واحتجاج كثير من أهل البدع به، وذلك عندما قام المسلمون بتعريب كتب فلاسفة اليونان وأضرابهم، فتأثر بهذا العلم كثير من المسلمين فضلّوا، وأحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا زالت الحاجة لهذا العلم تقل زمناً بعد زمن لقلة احتجاج أهل البدع به، وفي وقتنا هذا لا أرى حاجة لدراسة هذا العلم، ولا تضييع الوقت في حفظ كتبه ومنظوماته، وقد تعلمنا هذا العلم فما استفدنا منه شيئاً، فنصيحتي لطلاب العلم الأعراض عنه والإقبال على كتب السلف والتبصر في كتب الاعتقاد والتفسير والفقه والحديث واللغة ونحوها مما ينفع العبد في دينه ودنياه.(1/93)
السؤال الخامس: هل من السنّة أن يعتمد الإنسان على يديه بعد جلسة الاستراحة وإذا كان ممن ينكر حديث العجن فكيف يعتمد على يديه مع أنها سنة عنده؟
الجواب: الاعتماد على اليد عند القيام في الصلاة من السنة وقد جاء في ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي، قال أيوب: فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته، قال: مثل صلاة شيخنا هذا يعني عمرو بن سلمة، قال أيوب وكان ذلك الشيخ يتم التكبير وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام، وقد ترجم له البخاري بقوله: باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة. والاعتماد المراد به على اليدين كما فهمه جماعة من أهل العلم كالشافعي وابن خزيمة، وقد جاء عن بعض السلف كراهية الاعتماد على اليدين كإبراهيم النخعي، وجاء في السنن النهي عن الاعتماد على اليدين حال القيام، وجاء فيها مرفوعاً الاعتماد على صدور القدمين، ولا يصح، وقد روي عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله أنهم ينهضون في الصلاة على صدور قدميهم كما في مصنفي ابن أبي شيبة وعبد الرازق وفي البيهقي في سننه ولا يحتج بها، إلا أن عدم المداومة على الاعتماد على اليدين أولى.
السؤال السادس: هل يصح قول من يقول إن الإعداد البدني للجهاد فرض عين مطلقاً لأن الأمر في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وعليه فلا يلزم استئذان الولد لوالده ولا الدائن لمدينه فما قولكم حفظكم الله؟.(1/94)
الجواب: الإعداد البدني من الأمة الأصل فيه هو أنه فرض على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، إلا أنه يحرم على من تعلم إعداداً بدنيا كالرماية ونحوها أن ينساها، بل يجب عليه تعاهدها، لما جاء في الصحيح عن الحارث بن يعقوب عن عبدالرحمن بن شماسة أن فقيما اللخمي قال لعقبة بن عامر تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك قال عقبة لولا كلام سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم أعانيه قال الحارث فقلت لابن شماسة وما ذاك قال إنه قال: من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى وأما قوله سبحانه وتعالى: (وأعدوا لهم..) فهو مفسر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) كما في الصحيح أنّ القوة هي الرمي ويدخل فيه ما في حكمه مما يتقوى به المسلمون على الأعداء ، وقد جاء الدليل بوجوب ملازمة الرمي على من تعلمه، والإعداد فرض على الكفاية، فإن لم يقم من يكفي بالإعداد أثم المسلمون جميعاً، ويتأكد الإثم على من ولاه الله الأمر، والله أعلم.(1/95)
السؤال السابع: ذكر الكثير من العلماء أن المدلس الملازم لشيخه، فإن حديثه المعنعن عنه يُحمل على الاتصال. وهذا معروفٌ لا شك فيه، عن البعض كالأعمش عن أبي صالح. ولكن كأن الأمثلة الموجودة على ذلك عند السلف قليلة. ثم ما هي ضوابط هذه الملازمة، وما شروطها؟ إن كانت مدة الملازمة فهذا الحسن لازم أنس مدة طويلة، مع أن مروياته عنه قليلة. وإن كانت كثرة الرواية عن الشيخ، فهل نقبل حديث أبي الزبير عن جابر، وحديث الوليد عن الأوزاعي؟ ثم هذا مجاهد تجد غالب أحاديثه قد تفرد بها عبدالله بن أبي نجيح (ثقة مدلس، قدري معتزلي داعية). وقد قال يحيى القطان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد بل كله عن القاسم بن أبي بزة. ومن المؤسف أن يتفرد بغالب تفسير مجاهد هذا المبتدع المدلس. ولكن يبقى السؤال عن ضابط الملازمة. ثم هذا ابن جريج رغم طول ملازمته لعطاء (بل هو أوثق الناس به) لم يستوعب حديثه كله كما ترف بنفسه. جاء في تهذيب الكمال (8/25): قال أبو قلابة الرقاشي عن عبيدالله بن محمد العيشي حدثنا بكر بن كلثوم السلمي قال أبو قلابة وهو جدي أبو أمي قال قدم علينا بن جريج البصرة فاجتمع الناس عليه فحدث عن الحسن البصري بحديث فأنكره الناس عليه فقال ما تنكرون علي فيه لزمت عطاء عشرين سنة ربما حدثني عنه الرجل بالشيء الذي لم أسمعه منه!!وهذا يفتح علينا إشكال آخر وهو ما حكم عنعنة ابن جريج عن عطاء. فإن الأئمة اتهموه بالتدليس الشديد عن الضعفاء. قال الدارقطني: تجنب تدليس بن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما. وأما بن عيينة فكان يدلس عن الثقات.ويشوش على هذا ما رواه يحيى بن سعيد عن بن جريج قال: إذا قلت "قال عطاء"، فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعت.(1/96)
وقد قال يحيى بعكس ذلك فقد قال: كان بن جريج صدوقا فإذا قال حدثني فهو سماع وإذا قال أنبأنا أو أخبرني فهو قراءة وإذا قال قال فهو شبه الريح.وإذا قلنا بأن الحادثة الأولى مخصصة للثانية، فهل ما يقوله بصيغة (عن) هي محمولة على الاتصال كذلك مثل (قال)؟ ثم إن ابن جريج فيه أمر محير فعلاً. فهو حافظ ثبت بلا ريب. ولكنه كان ممن يبيح المتعة بإطلاقها (أي ولا حتى بتفصيل ابن عباس في وقت الشدة) بخلاف الأحاديث المشهورة في مكة بالتحريم. أفلا يسقط هذا العدالة أم أنه أمر اجتهادي؟! قال أبو غسان زنيج سمعت جريرا الضبي يقول كان ابن جريج يرى المتعة تزوج بستين إمرأة وقيل إنه عهد إلى أولاده في أسمائهن لئلا يغلط أحد منهم ويتزوج واحدة مما نكح أبوه بالمتعة.قال محمد بن عبدالله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول استمتع ابن جريج بتسعين امرأة حتى إنه كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلباً للجماع؟ وجزاكم الله خيراً على جهودكم.(1/97)
الجواب: الملازمة التي يتقوى فيها أمر التلميذ على غيره إذا روى عن شيخة لا تنضبط بضابط معين، بل هي بحسب الحال، وليست هي بكثرة الأحاديث ولا بقلتها، فلا يدل إكثار الراوي عن شيخة أنه يعتبر من الضابطين المقدمين على غيره من الرواة فربما يكون الراوي من المتوسطين عن الشيخ ويعد من الملازمين المقدمين، وأغلب ما تعرف الملازمة المعتبرة به هو طول المدة التي صحب الشيخ بها، وقد يوجد من هو طويل الملازمة إلا أن الحفاظ لا يعتبرونها، ولكن هذا هو الغالب، واختصاص التلميذ بشيخة وملازمته له في الغالب أن الحفاظ ينبهون على هذا، فيقولون: فلان أدرى بحديث فلان، وفلان أثبت الناس في فلان، وفلان ثقة في فلان، وتنحو هذا. والملازمة لا تفيد في باب التدليس فحسب، ولكن في كثير من الأبواب تكون من أقوى المرجحات عند الشك والمخالفة، وقد تقدم رواية الراوي خفيف الضبط لملازمته ومعرفته بشيخه على الثقة، ولا يلزم من طول الملازمة كثرة الحديث عن الشيخ وهذا أمر ينبغي التنبه له، ولا يعني أن المقل طويل الملازمة لا تعتبر ملازمته لقلة حديثة، وكما ذكرت أن الملازمة لا تنضبط بضابط معين ينسحب على جميع الرواة، لا في المدة ولا في كثرة الرواية، بل كل راو بحسب النظر لحال شيخة وحال تلاميذة معة، وعمر الشيخ والتلميذ ومدة جلوس الشيخ للتحديث كل هذه لا بد من الأخذ بها عند النظر في الترجيح والتقديم لبعض الرواة على بعض. وطول الملازمة لا يعني استيعاب الحديث وهذا لا إشكال فيه، ولذا نقول ان الملازمة ليست مرجحة مطلقا بل هي من المرجحات أو من اقواها.(1/98)
وأما ابن جريج الأصل في حديثه الاتصال، والحفاظ يصفونه بالتدليس يعنون به في الغالب الإرسال أي أنه يروي عمن لم يلقه والحفاظ المتقدمون كثيراً ما يطلقون التدليس ويعنون به الإرسال، وابن جريج قليل التدليس بالمعني الذي يقصده أهل المصطلح، ولذا قال ابن حجر في الفتح في مساق كلامه عن ابن جريج قال: وهذا دال على قلة تدليسه –أو نحو هذا- ولا يرد حديث ابن جريج إلا ما بان تدليسه من طريق آخر أو نبّه الحفاظ عليه، ومخالفة ابن جريج في بعض المسائل الفقهية وشذوذاته لا تعني رد روايته، بل قلما تجد إماما بشهرة ابن جريج إلا وله مخالفة للسنة ظاهرة، إما لخفاء السنة عليه واجتهاده الخاطئ، أو لسبب آخر، ويجب في مثل هذا لزوم الحق والتماس العذر لمن خالف الصواب من أئمة الإسلام، بلا تشنيع ولا رد لأخباره، وإلا لما بقي لنا من السنة شيء.
السؤال الثامن: فضيلة شيخنا الجليل العالم فنحن سعيدون جداً بوجودكم هنا ونتشرف بلقائكم. ما صحة حديث تباركوا بالنواصي والبقع؟
الجواب: لا أعرف هذا الحديث، ولا أعلمه في دواوين الإسلام المعروف.
السؤال التاسع: فضيلة الشيخ لقد سمعنا كثيراً أنّ لديكم انتقادات على كتاب الألباني (إرواء الغليل) غير التحجيل ستخرجونها. هل هذا صحيح وما رأيكم في الإرواء؟ وما أفضل كتب التخريج؟(1/99)
الجواب: كتاب الإرواء للعلامة الألباني من الكتب المفيدة في التخريج، وقد وقع فيه-كما يقع في غيره من كتب أهل العلم- شيء من الوهم والفوت، والكمال لله ولكتابه. والإرواء كما ذكرت أنه من أنفع كتب التخريج، ومفيد في معرفة أدلة المذهب الحنبلي وغيره. وكتب التخريج كثيرة جداً، وقد اعتنى الحفاظ بذلك قديماً فقد صنف الحافظ ابن الجباب مسند الموطأ ومثله أبو القاسم الجوهري وأبو ذر الهروي، وصنف النسائي مسند حديث مالك، وصنف ابن عبد البر كتابه التمهيد، وظهر التخريج في القرن الثامن ظهوراً لم يكن قبله، ومن أنفع كتب التخريج (البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي) لابن الملقن، وتلخيصه لابن حجر المسمى (التلخيص الحبير)، وكتاب (نصب الراية) للزيلعي و(تغليق التعليق) لابن حجر و(الإرواء) للألباني وغيرها.
السؤال العاشر: فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم ما مدى صحة حديث التكبير بعد سورة الضحى إلى سورة الناس عند ختم القرآن و الذي من طريق البزي عن ابن كثير؟
الجواب: هذا الحديث منكر، فقد تفرد به أبو الحسن البزي المقريء كما أخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في الشعب والفاكهي. وأبو الحسن المقريء البزي إمام في القراءة إلا أنه ضعيف في الحديث ضعفه أبو حاتم، وقال: لا أحدث عنه، وقال العقيلي: منكر الحديث، وقد أنكر حديثه هذا أبو حاتم وغيره.
السؤال الحادي عشر: حفظك الله أيها الشيخ الفاضل ونفع بك، نشهد الله على حبك وبلغنا عنك خيراً عظيماً يا شيخ. ولدي أسئلة ما رأيكم بكتب المصطلح المعاصرة؟(1/100)
الجواب: كتب المصطلح المعاصرة كغيرها من كتب المصطلح، والتلقّي منها بلا استشراح من عالم محقق عارف بمناهج الحفاظ، يوقع في المخالفة واضطراب المنهج، والذي ينبغي على طالب العلم أن لا يعتمد على التلقي من كتب المصطلح فقط بلا رجوع للشراح، فقواعد المصطلح ليست مضطردة بل هي أغلبية، واعتمادها في كل حال يوقع في الخطأ، وهذا لا يعني عدم أهمية المصطلح، بل إنه علم مهم جداً لطالب علم الحديث.
السؤال الثاني عشر: كتابكم التحجيل، هل فاتكم شيء مما فات الألباني؟
الجواب: هناك فوت يسير جداً، وسيتم بعضه في الطبعة الثانية بإذن الله، وبعضه رأيت بعض الحفاظ ذكروا أنه لا أصل له، وأنهم لم يقفوا على مخرجه، والله أعلم.
السؤال الثالث عشر: ما رأيكم بمقولة (ووافقه الذهبي)؟(1/101)
الجواب: إذا مقصد السائل موافقة الذهبي للحاكم في مستدركه، فهذه العبارة ليست بصحيحة، فالذهبي لم يوافق الحاكم في جلّ ما يطلق الموافقة عليه أهل العصر، فالذهبي عمله على المستدرك تلخيصٌ لا استدراك، ومجرّد اختصاره لمقولة الحافظ الحاكم عقب الأحاديث (صحيح على شرط البخاري ومسلم) أو على شرط البخاري أو شرط مسلم، لا يعني أنه مؤيد، بل هو ناقل، وإلا فالذهبي ينتقد جزء كبير جداً من المستدرك كما في ترجمة الحاكم من تاريخه ومن ذلك قوله في السير: (في المستدرك شيء كثير على شرطهما وشيء كثير على شرط أحدهما ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد وذلك نحو ربعه وباقي الكتاب مناكير وعجائب وفي غضون ذلك أحاديث نحو المائة يشهد القلب ببطلانها كنت قد أفردت منها ). فكيف يوافقه، نعم الذهبي قد يستدرك في بعض الأحيان، لكنه لا يعني أنه يوافقه في الباقي، ومن أوائل من تساهل وأطلق هذه العبارة (ووافقه الذهبي) المناوي صاحب الفيض، وأطلقها جماعة كالخزرجي صاحب الخلاصة فقد رأيته أطلق هذه العبارة في ترجمة مهدي الهجري، وتجوز فيها أيضاً جماعة كصديق حسن خان والصنعاني ومن المعاصرين الألباني فقد أكثر منها (رحم الله الجميع).
السؤال الرابع عشر: الشيخ الفاضل الجليل عبدالعزيز الطريفي شكراً لكم يا ملتقى أهل الحديث بلقائتكم للعلماء. هنا أسئلة: ما رأيكم بحديث (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)؟(1/102)
الجواب: هذا الحديث ضعيف بهذا اللفظ، فقد أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والبيهقي في الشعب. من طريق محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن أنس، ومحمد بن ثابت ضعيف الحديث، قال أبوحاتم: منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال البخاري: فيه نظر، وقال مرة: له عجائب. وروي نحوه عن جابر عند أبي يعلى والبزار والطبراني في (الأوسط) والحاكم من طريق عمر بن عبدالله مولى غفرة عن أيوب بن خالد عن جابر، ولا يصح. وروي نحوه أيضاً عن ابن عمر عند أبي نعيم في الحلية بإسناد واه جداً. وروي عن عبدالله بن عمرو وابن مسعود عند الخطيب، ولا تصح، ومعنى هذا الخبر ثابت بألفاظ كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم).
السؤال الخامس عشر: بلغنا عنكم تضعيف حديث مبيت علي في فراش النبي عند الهجرة؟
الجواب: حديث مبيت علي على فراش النبي عند هجرته لا يصح، فقد أخرجه عبدالرزاق في مصنفه وعنه أحمد في المسند وابن جرير الطبري والطبراني في معجمه الكبير وغيرهم من حديث عثمان الجزري عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس، وفيه نسج العنكبوت بيتاً على الغار. وفيه عثمان الجزري قال فيه أحمد: روى أحاديث مناكير زعموا أنه ذهب كتابه. وقال ابن أبى حاتم عن أبيه: لا أعلم روى عنه غير معمر والنعمان، ومال إلى تحسينه الحافظ ابن كثير وابن حجر!.
السؤال السادس عشر: ما صحة حديث (كفر دون كفر) لابن عباس؟(1/103)
الجواب: هو من الموقوف على ابن عباس، ولا يثبت بهذا اللفظ، فقد أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن والمروزي في تعظيم قدر الصلاة وابن عبدالبر في التمهيد عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بنا أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: كفر دون كفر. وهشام بن حجير ضعفه أحمد وضعفه ابن معين جداً وقال ابن عيينة: لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وذكره العقيلي في الضعفاء، ووثقه العجلي وابن سعد. وقد خولف في لفظه فقد رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة وابن جرير وعبدالرزاق في المصنف من حديث معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر. وهذا هو الصحيح.
السؤال السابع عشر: ما رأيكم بقراءة المبتدئ للعلل الكبيرة كعلل الدارقطني وأحمد؟
الجواب: قراءة كتب العلل من المهمات لطالب علم الحديث، وبها يفهم الناظر منهج الحفاظ الصحيح، ويفهم تقعيدات أهل الاصطلاح على الصواب، فلا بد من الجمع بين النظر في كتب المصطلح مع كتب العلل، والنظر في كتب العلل مع التأني والدقة يورث القاريء ملكة وقوة في الحكم، مع العناية بما أفاد به الحفاظ عن مناهج أصحاب العلل في تعليلهم من الذين عرفوا بالسبر وقوة النظر كالذهبي وابن القيم ومن المتاخرين المعلمي وغيرهم، ولا بأس بالبداءة بعلل أحمد أو الدارقطني أو التمييز لمسلم أو ابن أبي حاتم وغيرها كلها من أصول هذا الفن.
السؤال الثامن عشر: فضيلة الشيخ الكريم لدي شيء من المسائل: ما رأيكم بالحفظ كيف يبدأ الطالب بالمتون الحديثية؟(1/104)
الجواب: حفظ المتون هو الأساس لكل فن، فلا بد للطالب من متن أو اكثر يحفظه فيما يريد تعلمه من علم، وفي علم متون الحديث، من المهم للطالب حفظ الأربعين النووية التي سماها مصنفها كما في شرحة للبخاري: (الأربعون في مباني الإسلام وقواعد الأحكام) واشتهرة تجوزاً بالأربعين النووية، نسبة لمؤلفها، حفظها ومعرفة صحيحها من ضعيفها من المهمات، ثم يبتدئ بما تيسر من كتب الأحكام كتاب بلوغ المرام وهو من أنفعها ومعرفة ما صح وما ضعف منه، ثم الصحيحين إن تيسر له ذلك فهي أصح الكتب بعد كتاب الله، ثم إن تيسر له السنن وأولها أبي داوود ثم الترمذي فالنسائي فابن ماجه، وإن قدم الموطأ فلا بأس.
السؤال التاسع عشر: أي السنن الأربع أصح؟
الجواب: السنن الأربع باستثناء ابن ماجه هي من أقل دوواين الإسلام ضعفاً، وتقديم أهل العلم لبعض السنن على بعض ليس هو باعتبار الصحة فحسب بل لاعتبارات منها الصحة، فسنن النسائي هي أقل السنن الأربع ضعفاً بل لا أعلم فيها حديثاً موضوعاً، بخلاف بقية السنن، لكن أهل العلم كالحافظ المزي وابن حجر وغيرهم يقدمون سنن أبي داود على بقية السنن باعتبارات ثم يذكرون الترمذي فالنسائي، من أهل العلم من قدم الدارمي على ابن ماجه لأنه أصح.
السؤال العشرون: هل مسند الإمام أحمد المطبوع ناقص، فقد سمعت أنه ناقص هل ذا صحيح؟
الجواب: مسند أحمد كان قبل سنوات قليلة ناقصاً وذلك لسقط في بعض مسانيد الصحابة كمسند أرقم بن أبي الأرقم وبديل بن ورقاء وخارجه بن حذافة وطلق بن علي وعمارة بن حزم وعمرو بن حزم من الخامس عشر من مسند الأنصار وغيره كأحاديث متفرقة وهي قليلة جداً، لكنه فيما أعلم أنه كمل بطبعته الحديثه الصادرة قبل نحو عام.
السؤال الحادي والعشرون: ما رأيكم بمؤلفات المعاصرين ممن يعتني بالحديث؟
الجواب: مؤلفات المعاصرين في الحديث وغيره كغيرها، فيها الجيد والرديء، إلا أنه يغلب على المعاصرين النقل والجمع.(1/105)
السؤال الثاني والعشرون: ما حكم المقاطعة لسلع الكفار؟
الجواب: البيع والشراء من الكفار محاربين وغيرهم الأصل فيه الجواز وهذا معلوم بالضرورة، أما المقاطعة لسلع الكفار فإنه بحسب المصلحة الراجعة للمسلمين، فإن كان في المقاطعة نفع وفائدة، وقوة وتمكين، ورفعة عليهم، فهي مرغب بها، بناء على الأصل من إلحاق الضرر بالكفار المحاربين، والله اعلم.
السؤال الثالث والعشرون: ما رأيكم بالتكفير مطلقاً للحاكم بغير ما أنزل الله؟
الجواب: تقدم الكلام على الخبر الموقوف على ابن عباس، وقد حكى الإجماع على الكفر الحافظ ابن كثير في تاريخه، وهناك خلاف عند السلف (رحمهم الله)، وفي هذه المسألة تفصيل وتحرير يطول ذكره، والله اعلم.
السؤال الرابع والعشرون: هل صحيح أنكم تصححون جميع روايات المدلسين؟
الجواب: الكلام على روايات المدلسين بحاجة إلى تصنيف كامل، لكن بالجملة أن الأصل في رواييات أكثر من اتهم بالتدليس أنه صحيحة، ومحمولة على الاتصال، إلا ما ثبت التدليس فيه بنص الأئمة الحفاظ، أو بان ذلك من طريق آخر، والحفاظ المتقدمون يطلقون التدليس كثيراً ولا يريدون به التدليس عند المتأخرين، فيريدون به كثيراً الإرسال، والله اعلم.
السؤال الخامس والعشرون: هل المبتدع ترد روايته؟(1/106)
الجواب: الأصل في رواية المبتدع إذا كان ثقة ضابطاً القبول، سواء روى فيما يوافق بدعته أم لا، ما لم يكن قد كفر ببدعته، فحينئذ يرد لكفره، وعلى هذا الأئمة الحفاظ فهم يخرجون للمبتدع إذا كان ثقة ثبتاً ويصححون خبره، فقد أخرج الإمام أحمد ومسلم في صحيحه والنسائي في الكبرى والصغرى والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وابن منده في الإيمان والبيهقي في الاعتقاد وغيرهم عن عدي بن ثابت عن زر قال: قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمّي إليّ أنّ لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وعدي بن ثابت: ثقة وصفه بالتشيع الأئمة كابن معين وأحمد وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان بل قال المسعودي: ما رأيت أقول بقول الشيعة من عدي بن ثابت. ومع هذا أخرج له الأئمة، بل قال بتوثيقه من وصفه بالتشيع وأخرج له فيما يوافق بدعته كأحمد والنسائي.
السؤال السادس والعشرون: هل يوجد موضوعات في السنن الأربع؟
الجواب: سنن النسائي لا أعلم فيها حديثا واحداً موضوعاً، وسنن ابن ماجه أكثر ما في السنن من موضوعات فهو فيها، وفي أبي داود والترمذي أحاديث معدودة أنكرها أهل العلم ومنهم من حكم عليها بالوضع، وبعضها ثابت معناه في أحاديث أخر.
السؤال السابع والعشرون: هل صحيح أن هناك خلاف بين المتقدمين والمعاصرين؟ وكيف نفهم منهج العلماء المتقدمين؟
الجواب: وقع عند المتأخرين شيء من التوسع في بعض الأبواب كالتدليس وكزيادة الثقة والتصحيح بالشواهد والوصل والانقطاع وغيرها مما يجب على الناظر في هذا العلم أن يتعلمه، وقد تكلمنا عن هذا في مواضع بتوسع، وبسط، والكلام على هذا يطول ذكره، ولنا فيه مصنف يسر الله نشره.
وفهم منهج الحفاظ المتقدمين يكون بالنظر في ما يلي:(1/107)
1) إدامة النظر في كتب العلل، والحديث مع حسن الفهم، كالاطلاع على علل الدارقطني مع طريقته في سننه وكلامه على الرواة في سؤلاته، فبهذا تعرف طريقة الدارقطني ومنهجه، ومثله النظر في علل الإمام أحمد مع كلامه على الرواة في مسائله وغيرها فبالجمع بينها يفهم منهجه ومثله ابن أبي حاتم ومسلم والنسائي وغيرهم.
2) الفهم لقواعد المصطلح التي قررها العلماء فهماً جيداً، وأن ما يذكرونه من قواعد في المصطلح ليست مضطردة وعلى إطلاقها، بل هي أغلبية تقريبية، وليست محققة تحقيقاً دقيقاً، فمثلا التدليس والمنقطع والمرسل والمجهول يجعل في قسم الضعيف في المصطلح، فهذا ليس على إطلاقه بل المراد به التقريب، فليس كل منقطع ضعيف ولا كل من اتهم بالتدليس يرد خبره ولا كل مجهول يرد خبره، وهكذا ويفهم ذلك بإدامة النظر في كتب الحفاظ كالعلل والصحاح والسنن والمسانيد وغيرها.
3) العلم أن صيغ الجرح والتعديل تختلف باختلاف اصطلاح الأئمة وباختلاف طرقهم، فلا تنضبط بضابط معين فلفظ (ضعيف) تختلف في الجرح عند إمام عن الآخر، وكثيراً ما تطلق عبارات الجرح والتعديل في كتب المصطلح ويراد بها غير معانيها الدقيقة، ويعرف ذلك بطول الممارسة والنظر، أو بتصريح الأئمة أنفسهم عن مناهجهم ومرادهم، أو بتصريح عالم عرف بالسبر وإدامة النظر، وطول الممارسة.
4) وصف الأئمة بالتساهل والتشدد والتوسط ليس على إطلاقه، فقد يكون الإمام متساهلاً في موطن متشدداً في آخر، فابن حبان وصف بالتساهل لكن هذا ليس على إطلاقه، ويعرف ذلك بالممارسة لكلامهم مع حسن الفهم.
السؤال الثامن والعشرون: ما رأيكم بدراسة الفقه على مذهب معين؟ هل هذا منهج سليم؟(1/108)
الجواب: دراسة الفقه على أحد المذاهب الأربعة مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد لأجل معرفة المسائل الفقهية ووجوه الاستدلال عليها، مع التزام الدليل إن صح، لا لأجل التقليد منهج متبع معروف لدى أهل العلم، وهو المنهج الذي ينصح به، لكن إن قصد بدراسة الفقه على مذهب معين هو التقليد مع القدرة على معرفة الأدلة ووجوه الاستدلال منها فهذا مما ينبغي تجنبه، وقد ذم أهل العلم ذلك قديماً وحديثاً.
السؤال التاسع والعشرون: ما حكم الكذب للمصلحة؟
الجواب:الأصل في الكذب التحريم، والأدلة على تحريمه متواترة، وتحريمه معلوم من دين الإسلام بالضرورة، قال تعالى: (إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) وقال: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) وما في الصحيح من حديث منصور عن أبي وائل عن عبدالله عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: إن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقاً، وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذاباً. وقد جاء الإذن من الشارع الحكيم بالكذب في مواطن للمصلحة الظاهرة كما جاء في الصحيح من طريق ابن شهاب عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف أن أمه أم كلثوم بنت أخبرته أنها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: ليس الكذّاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمى خيراً. قال الزهري ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. ولا خلاف عند أهل العلم في جواز الكذب في هذه الأمور، والله أعلم.
السؤال الثلاثون: ما هي أفضل شروح صحيح البخاري؟(1/109)
الجواب: أنفس شروح البخاري فتح الباري لابن حجر العسقلاني، فهو غزير الفوائد كبير العوائد، وشرح القسطلاني على الصحيح مهم أيضاً فقد اهتم بالرواة ومعرفتهم اهتماماً كبيراً، ومن اعتنى بهذا الكتاب فإنه يتقن الرواة بما لا نظير له، وشرح الحافظ ابن رجب شرح نفيس أيضاً لكنه لم يكمل.
السؤال الحادي والثلاثون: ما رأيكم بمن يطبق منهج علماء الحديث وقواعدهم على كتب التاريخ؟
الجواب: الذي يظهر لي (والله أعلم) أن ذلك بحاجة إلى تفصيل، فتطبيق طريقة الحفاظ المحدثين في إعلالهم للأحاديث على التاريخ مطلقاً ليست بمرضية، فالحق أن ذلك بحاجة إلى تفصيل، فما كان من التاريخ ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ويستنبط منه حكماً من الأحكام فهذا يطبق عليه ما يطبق على أحاديث الأحكام، وما كان ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا يستنبط منه حكماً شرعياً كبعض أخبار المغازي والأيام فهذا يتسامح فيه، إلا أنه يحتاط فيه لكونه ينسب إلى النبي (عليه الصلاة والسلام)، وما كان من أخبار الأمم والصحابة والتابعين ومن بعدهم فإنه يتسامح فيه ولا تطبق فيه طريقة المحدثين في نقد أحاديث الأحكام أو ما ينسب للنبي (صلى الله عليه وسلم)، ما لم يتضمن أمراً منكراً مخالفاً ينسب للصحابة أو التابعين وأئمة الإسلام، والله أعلم.
السؤال الثاني والثلاثون: وما صحة التأذين والإقامة في أذن المولود؟(1/110)
الجواب: الحديث في أذان المولود لا يصحّ فقد أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والترمذي والبزار في مسنده والطبراني في معجمه والبيهقي في الشعب وعبدالرزاق في مصنفه من طريق عاصم بن عبيدالله عن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة. وفي إسناده عاصم بن عبيدالله قال أبو حاتم: منكر الحديث مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه، وضعفه ابن معين وقال البخاري : منكر الحديث. وأخرجه أبو يعلى عن حسين قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان، وفيه مروان بن سالم الغفاري وهو متروك. وأخرج البيهقي في الشعب من طريق الحسن بن عمرو عن القاسم بن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى. وهذا منكر، فالحسن بن عمرو كذبه البخاري. ولا يثبت في استحباب الأذان في أذن الصبي حديث.
السؤال الثالث والثلاثون: ما الصحيح في شهر بن حوشب هل هو ضعيف أم ثقة؟
الجواب: الحفاظ اختلفت عباراتهم في شهر بين جرح وتعديل وأكثر الحفاظ على تعديله كما هو ظاهر في كتب الجرح والتعديل، إلا أنه بالنظر لنقد الحفاظ للأحاديث عند الكلام على أحاديثه فإنهم يعلونها به والذي يظهر لي أنه ضعيف، يقبل المتابعة، والله أعلم.
السؤال الرابع والثلاثون: ما رأيكم بمن يريد أن يحفظ في الصحيحين، كيف يبدأ، وما رأيكم بتلخيص القرطبي؟(1/111)
الجواب: من وفقه الله لحفظ المختصرات في الأحكام ورغب في حفظ الصحيحين، فأرى مناسبة البدء بصحيح مسلم ثم يعقبه بالبخاري وإن ابتدأ بالبخاري يعقبه بزوائد مسلم عليه إن لم يتيسر له حفظ الأصل. وتلخيص القرطبي أتمّ مختصرات مسلم، فهو لا يحذف الأحاديث والألفاظ والزيادات بل يحذف الأسانيد والمكرر من المتون.
السؤال الخامس والثلاثون: ما رأيكم في نسبة رسالة العشق لابن تيمية؟
الجواب: الذي يظهر لي (والله أعلم) أن هذه الرسالة لا تثبت عن شيخ الإسلام، فأسلوبها بعيد عن أسلوبه وطريقته، وقد أنكرها الحافظ ابن القيم وهو أدرى الناس بما يصدر عن شيخه، وإن كان أثبته غيره من أهل العلم، إلا أن القرائن تؤيد نفي ابن القيم لها.
السؤال السادس والثلاثون: ما الصحيح في رواية أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود وفي رواية سعيد عن عمر وعامر عن علي والحسن عن سمرة؟
الجواب:
أولاً: رواية أبي عبيدة عن أبيه الأصل فيها الصحة، إلا ما لم يستقم متنه لنكارة ونحوها وقد رأيت الحافظ الترمذي يصححها في مواضع ويعل بها في مواضع قليلة، وجمهور الحفاظ على قبولها كابن المديني والنسائي والدارقطني وغيرهم.
ثانياً: رواية سعيد عن عمر: الأصل فيها الصحة إلا عند عدم الاستقامة أو النكارة ونحوها، وعامة الحفاظ المتقدمين على تصحيحها كأحمد ويحي بن سعيد والترمذي وأبي حاتم الرازي وغيرهم.
ثالثاً: رواية عامر عن علي ضعيفة ومع أن عامراً قد رأى علياً وهو أقرب لعلي من سعيد لعمر إلا أن الحفاظ يقبلون رواية سعيد عن عمر ويردون رواية عامر عن علي، لأن عامراً يتساهل في التحديث عن الضعفاء، وكثيراً ما تكون الواسطة بينه وبين علي من الضعفاء فيسقطه، كالحارث الأعور فإن عامة ما ينقله عامر عن علي من الفرائض هي عن الأعور، ويحدث عن ضعفاء عن علي كجابر الجعفي وغيره.(1/112)
رابعاً: الحسن عن سمرة: جمهور الحفاظ المتقدمين على قبول روايته، وهو الأصل فيها مالم يكن نكارة في المتن، وقد قال بصحتها البخاري وأبن المديني وابو داود والترمذي وأبو حاتم وابن خزيمة وغيرهم، وضعفها بعض الحفاظ واستثنوا حديث العقيقة كالنسائي والبرديجي وابن عساكر وغيرهم، وضعفها بالجملة آخرون.
السؤال السابع والثلاثون: من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. هل هو صحيح؟
الجواب: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من طريق الأوزاعي عن قرة بن عبدالرحمن عن الزهري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) مرفوعاً، ولا يصح مرفوعاًَ إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد أورده النووي في الأربعين محسناً له، ووافقه على ذلك ابن عبدالبر وغيره، قال ابن عبدالبر:هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات. قال الاوزاعي: ما أحد أعلم بالزهري من قرة ذكر كلام الأوزاعي ابن حبان في الثقات وقال: كيف يكون قرة أعلم الناس بالزهري وكل شيء روى عنه لا يكون ستين حديثاً. وقال أحمد: منكر الحديث جداً. وضعفه يحي، وقال أبو زرعة الأحاديث التي يرويها مناكير، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي، وقال أبوداود في حديثه نكارة وهذا الخبر لا يصح وصله، والصواب أنه مرسل، وصله قرة بن عبدالرحمن المعافري عن الزهري فأخطأ فيه، ورواه مرسلاً جماعة من الحفاظ منهم مالك ومعمر ويونس وإبراهيم بن سعد كلهم عن الزهري عن علي بن الحسين مرسلاً، صوب إرساله الحفاظ كأحمد والبخاري وابن معين والدارقطني وغيرهم.
السؤال الثامن والثلاثون: يقول ابن خزيمة أحياناً عند الحديث (إن صح الخبر) ماذا يعني بها، هل هي تضعيف أو توقف ؟(1/113)
الجواب: الإمام ابن خزيمة من الأئمة الكبار، وقوله: (إن صح الخبر)، يريد بهذه العبارة الضعف في الغالب، وقد قال ذلك في أخبار فيها ضعفاء كعبدالله بن عمر العمري ضعفه ابن المديني والنسائي وابن معين. والحجاج بن أرطاة قال النسائي ليس بالقوي وضعفه ابن معين وقال يعقوب بن شيبة واهي الحديث، وعدله جماعة. وعبدالله بن عامر الأسلمي ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال البخاري ذاهب الحديث وجسرة بنت دجاج قال البخاري: عندها عجائب، وقال الدارقطني: يعتبر بحديثاً إلا أن يحدث عنها من يترك، وإسحاق بن أبي فروة قال البخاري: تركوه، ونهى أحمد عن حديثه وقال: لا تحل الرواية عنه، وعبدالرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف معروف الضعف ضعفه أحمد وابن معين وعلي بن زيد بن جدعان وأشعث بن سوار وهما ضعيفان وقال ابن خزيمة أيضاً ذلك في أخبار في أسانيدها مجاهيل كقدامة بن وبرة وعبدالله بن النعمان وأبو فروة وأبو سويد وإياس بن أبي رملة، وقال ابن خزيمة ذلك في أحاديث للانقطاع في إسانيدها كرواية الحسن عن جابر، والأعمش عن ابن بريدة وأبي البختري عن ابي سعيد وموسى بن الحارث عن جابر، وأبي قلابة عن النعمان وقد يريد ابن خزيمة بها في القليل التوقف وعدم الجزم.
السؤال التاسع والثلاثون: ما صحة حديث لا ضرر ولا ضرار؟
الجواب: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس والدارقطني من حديث أبي سعيد، وروي عن عبادة وغيره ولا يصح، وهذا الحديث رغم كثرة طرقه وتعددها إلا أنها لا تعضده، ولا يصح إلا مرسلاً كما قال ذلك الحافظ ابن عبد البر.
السؤال الأربعون: ما رأيكم تصحيحات وتحسينات الإمام السيوطي؟(1/114)
الجواب: السيوطي رحمه الله من الأئمة المحققين إلا أنه متساهل في تصحيح الأخبار بكثرة الطرق، حتى وإن كانت شديدة الضعف، ومن تأمل كتبه علم ذلك منه (رحمه الله)، وقد توسع في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، ويقوي أحاديث لم يسبقه إلى تقويتها أحد من الحفاظ المعتبرين.
السؤال الحادي والأربعون: ما أفضل كتب التفسير الجامعة؟
الجواب: كتب التفسير متنوعة النهج والمسلك ولا يغني كتاب منها عن غيره، فمن المهم العناية بكتب التفسير المفسرة بالمأثور كتفسير ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر فهي أنفس التفاسير في هذا الباب، وكذلك من التفاسير المتأخرة كتفسير الحافظ ابن كثير، وكذلك الدر المنتثور للسيوطي ولو ذكر الأسانيد ولم يحذفها لكان لا نظير له في بابه، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب المتفرق على كثير من آي القرآن وقد جمع ملفقاً في أجزاء.
السؤال الثاني والأربعون: ما رأيكم بأخذ العلم من الكتب وإهمال الأخذ عن الشيوخ؟
الجواب: التلقي عن العلماء هو الأصل في العلم، ولا بد للمتعلم من وقت في عمره يجالس أهل العلم ويأخذ منهم، ويتتلمذ عليهم، وكذلك فإن التحصيل على الأشياخ ليس بكاف، فلا بد من المطالعة وإدامة النظر وإكثار القراءة، فالتحصيل من الكتب ملازم لأهل العلم في كل العصور وفي جميع العلوم، ومن قال (من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه) فقوله ليس بصحيح بهذا الإطلاق، بل إن أهل العلم لا يزال تحصيلهم من الكتب وإدامة النظر أكثر من تحصيلهم من الشيوخ، مع أهمية الأخذ عن الشيوخ وضرورته لكل متعلم.
السؤال الثالث والأربعون: هل يصح ذكر بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام؟
الجواب: لا يصح شيء من الأذكار بين الإقامة وتكبيرة الإحرام، والواجب على المصلي إماماً أو مأموماً في مثل ذلك الاشتغال في تسوية الصف، وهو المعروف عن الإمام أحمد (رحمه الله).
السؤال الرابع والأربعون: ما هي أفضل شروح الكتب الستة؟(1/115)
الجواب: أنفس شروح صحيح البخاري فتح الباري لابن حجر العسقلاني، فهو غزير الفوائد كبير العوائد، وشرح القسطلاني على الصحيح مهم أيضاً فقد اهتم بالرواة ومعرفتهم اهتماماً كبيراً، ومن اعتنى بشرح القشطلاني فإنه يتقن الرواة بما لا نظير له، وشرح الحافظ ابن رجب شرح نفيس أيضاً لكنه لم يكمل. وكذلك فإن من أفضل شروح مسلم شرح النووي وشرح الأبي، وإكمال المعلم للقاضي عياض. وأما شروح أبي داود فأنفسها المنهل العذب المورود للسبكي ولم يتمه ثم شرح ابن رسلان وكتاب عون المعبود، وأما شروح سنن الترمذي فأتمها وأجمعها تحفة الأحوذي للمباركفوري، وأما سنن النسائي وابن ماجه فعليهما حواشي وتعليقات.
السؤال الخامس والأربعون: ما رأيكم بالعمل بالحديث الضعيف؟
الجواب: العمل في الحديث الضعيف في الأحكام لا يجوز بإجماع أهل العلم، ولا أعلم في ذلك مخالفاً سوى قول لابن الهمام من الحنفية، وهو قول شاذ لا يعول عليه، وأختلف أهل العلم في التحديث بالضعيف في فضائل الأعمال، والاحتياط عدم التحديث إلا بما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من الصحاح والحسان، ففيها غنية عن الأحاديث الضعيفة في الفضائل وغيرها.
السؤال السادس والأربعون: هل هناك من قال من أهل العلم بأن عدم الأخذ من اللحية ما زاد عن القبضة مخالف للسنة أو أنه بدعة؟
الجواب: روي عن بعض أهل العلم من الحنفية استحباب أخذ ما زاد عن القبضة وهو المشهور عندهم وحكاه محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، ويروى عن عامر الشعبي وابن سيرين، واستحسن الشافعي الأخذ من اللحية في النسك كما في الأم، أما إطلاق البدعية فلا أعلم قائلاً به من السلف، وهو بعيد، هذا من جهة الاستحباب أما من جهة التخيير بالأخذ وعدمه فروي عن جماعة، والأولى هو الترك مطلقاً والله أعلم.
السؤال السابع والأربعون: ما هي كيفية دراسة كتب الاعتقاد التي تناسب طالب العلم المبتدئ؟(1/116)
الجواب: كتب الاعتقاد كثيرة لكن طالب العلم يأخذ ما يناسبه بحسب تقدمه في العلم، واستشارته لمن يعلم حاله، فمن المناسب للمبتدئ دراسة كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب كـ (الأصول الثلاثة) ثم (كتاب التوحيد) ثم (كشف الشبهات)، ثم (لمعة الاعتقاد) مع شرحها لابن عثيمين و(العقيدة الواسطية) وشرحها و(التنبيهات السنية) للرشيد، تم التوسع بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وكتب أئمة الدعوة كـ(الدرر السنية) وغيرها.
السؤال الثامن والأربعون: هل هناك صلة بينكم وبين الشيخ الألباني وهل قابلتموه؟ وهل اطلع على تعقيبكم؟
الجواب: لا يوجد صلة ولم أقابله، وهو من العلماء المحققين (رحمه الله)، ولم يطلع (فيما أعلم) على ما تضمنه كتاب التحجيل.
السؤال التاسع والأربعون: الشيخ الفاضل عبدالعزيز الطريفي زاده الله علماًً وفقهاً: ما هو القول في ( ثم اقرأ بأم القرآن) في حديث المسيء صلاته حيث روي عند أحمد، وأبي داود، وابن حبان بهذه الزيادة ؟(1/117)
الجواب: هذه الزيادة زيادة شاذة جاءت في حديث رفاعة بن رافع رواه أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من حديث علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة، وأختلف فيه على علي بن يحي في ذكر (أبيه) فرواه بدون ذكر أبيه محمد بن عمرو في وجه عند أحمد وغيره وشريك بن أبي نمر عند الطحاوي وعبدالله بن عون عند الطبراني وحماد بن سلمة عند أبي داود وغيره واضطرب فيه حماد فذكره على الوجهين وبالشك وهو وهم. وروى اسماعيل بن جعفر عن يحي عن أبيه عن جده عن رفاعه وروي محمد بن عجلان ومحمد بن عمرو وداود بن قيس وإسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق كلهم عن علي بن يحي بذكر أبيه وهو الصحيح رجحه أبو حاتم وغيره. ولم يذكر إسحاق بن عبدالله ومحمد بن إسحاق وداود هذه الزيادة زيادة: قراءة أم القرآن، وجاءت عن محمد بن عمرو وفي بعض الطرق عن محمد بن عجلان ولم يوردها من روى حديث المسي صلاته كحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيره، وهي فيما يظهر من تصرف الرواة بالرواية بالمعنى، وإن احتج بها بعض أهل العلم، ففي الأحاديث المتفق عليها كفاية في وجوب الفاتحة، وقد تمسك بظاهر حديث المسي صلاته الحنفية، وليس فيه حجة فما لم يذكر فيه ذكر مفصلاً في غيره، والله أعلم.
السؤال الخمسون: ما هو القول بصلاة النافلة بعد العصر والشمس مرتفعة؟ وما القول في حديث أم المؤمنين عائشة: " والله ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ركعتين بعد العصر عندي قط" في مسند الإمام أحمد؟(1/118)
الجواب: حديث عائشة في الصحيحين وفي المسند من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ركعتين بعد العصر عندي قط. والأولى عزوه للصحيحين. وهذا وغيره من الأحاديث في معناه قد حمله بعض أهل العلم على قضاء الفوائت من السنن ومنهم من حمله على خصوصية النبي (صلى الله عليه وسلم)، والذي يظهر (والله أعلم) عدم المنع من الصلاة بعد العصر ما لم تصفر الشمس، لحديث عائشة وغيره.
السؤال الواحد والخمسون: هل يسوغ لي العمل بحديث صححه أحد علماء الحديث الثقات (في هذا العصر أو في عصر سابق) وضعفه آخرون علماً بأني لا أملك الأدوات الشرعية للتصحيح والتضعيف؟
الجواب: إذا لم يكن الشخص ممن يملك آلة النظر والحكم على الأحاديث، فيمكنه تقليد غيره من أهل العلم بشرط أن يكون تقليده له عن ثقة في علمه وصلاحه، لا عن هوى ورغبة في النفس وافقها تصحيح ذلك العلم، فإن هذا مما لا يجوز العمل به، وهو تتبع للرخص مذموم.
السؤال الثاني والخمسون: هل ينكر على من يعمل بالحديث الضعيف إذا وجد من صححه؟(1/119)
الجواب: ليس كل تصحيح معتبر، ولا كل تصحيح يؤخذ به، ووجود من يصحح الحديث من أهل العلم ليس مسوغاً للعمل به، ما لم يحمل العالم نفسه (بتجرد وسلامة قلب) على النظر والحكم على الأحاديث إذا كان يملك القدرة على ذلك، وإذا لم يكن يملك ذلك فله التقليد لأهل العلم الذين يثق بهم وبعلمهم ودينهم، لا عن هوى وتشهي، وإذا عمل بذلك فلغيره من أهل العلم أن ينكروا عليه ما خالفهم به بالحجج البينة من غير تعنيف فربما يكون على خطأ في حكمه أو في تقليده ويتبصر، وهذا مسلك معروف عند أهل العلم فلا يزالون ينكرون على بعض ويتعقبون بعضا، والعلماء قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنةً وإن وافق فيه بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسالة سنة ظاهرة ولا إجماع صحيح وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر هذه المسالة على من عمل بها معتقداً لها مجتهداً أو مقلداً، ولهذا تجد في كتب أهل العلم في أنواع العلوم من عقيدة وتفسير وفقه وحديث مناظرات وردود، وبيان من يرد قوله ومن لا يرد، والله اعلم.
السؤال الثالث والخمسون: هل هناك أبحاث أو دراسات تنصحون طلاب الحديث بالاشتغال بها للحاجة إليها؟(1/120)
الجواب: كثرة البحوث والكتابات في هذا العصر فيما لا طائل تحته، إلا من رحم الله، والموفق من وفقه الله، ومن البحوث والكتابات التي أرى مناسبتها ولم تطرق من قبل بهيئة وصورة قوية: منهج الإمام مسلم في سياقه للأسانيد، فمسلم (رحمه الله) يخرج الحديث في صحيحه ثم يعقبه بطرق له من غير ذكر للمتن كاملاً، فهذه الأسانيد التي هي متابعات، ما هي متونها؟ هي موجودة في كتب السنة عند النظر فيها، فهناك من يوافق مسلماً في نفس الشيخ فيقطع بأن هذا المتن هو لما أورده مسلم من إسناد، وما مراد مسلم بقوله بعد سياق الأحاديث (بنحوه) (بمثله) ونحوها، وكذلك فإن كتب أهل الفقه مليئة من الاحتجاج بألفاظ مروية في بعض الأحاديث لم تأتي في بعض الطرق، فتجد الفقهاء يحتجون على مسألة بقولهم: (لما جاء في رواية كذا) أو نحوها وهذا كثير جداً، وهذه الألفاظ كثير منها لا تصح، واختلاف الألفاظ في الأحاديث مع اتحاد طريقه في الغالب أنها من الرواية بالمعنى، أو خفة ضبط من الراوي، فلو حررت فهي مفيدة جداً.
السؤال الرابع والخمسون: ما الصحيح في وقت انتهاء صلاة العشاء؟
الجواب: اختلف أهل العلم في آخر وقت العشاء، والذي يظهر أن وقت العشاء يمتد إلى حين طلوع الفجر لما في الصحيح من حديث عبدالله بن رباح عن أبى قتادة عن النبي (صلى الله عليه وسلم): ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى. ولغيره من الأدلة، وهذا الذي قرره جماعة من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله).
السؤال الخامس والخمسون: ما مقصود ابن حجر بقوله في الفتح (شيخنا شيخ الإسلام)؟
الجواب: هو العلامة البلقيني، رحمه الله.
السؤال السادس والخمسون: زيادة الثقة ما الصحيح في قبولها؟(1/121)
الجواب: زيادة الثقة أو التفرد، اختلف فيها أهل العلم المتأخرون فمنهم من قبل الزيادة والتفرد مطلقاً، ومنهم من تشدد وردها، ومنهم من قبلها عند عدم المخالفة، والتحقيق الذي عليه جماعة الحفاظ المحققين من أهل العم كأحمد وابن المديني وأبو حاتم وأبو زرعة والبخاري من المتقدمين أن زيادة الثقة لا يطلق القول بقبولها ولا ردها وإنما لا بد من النظر للقرائن التي تحتف بها، وإعمال القرائن هو الأصل في قبولها، وتقعيد قاعدة معينة في قبول زيادة الثقة قول ليس من التحقيق، ومن القرائن التي يعملها الحفاظ مكانة الراوي _ الذي تفرد أو زاد _من جهة الضبط، مكانته من شيخه وقربه منه أو تخصصه في حديثه، مكانة من خالفة من جهة الضبط والكثرة والقرب من الشيخ، ومنها النظر في نوع الخبر الذي تفرد به أو زاده وهل يحتمل مثله تفرد الواحد، والنظر للشيخ وكثرة حديثه ومجالسه وتلاميذه وطريقته ومنهجه، وكذلك منها النظر لطبقة الراوي فكلما تأخرت طبقته بعد صحة تفرده، إلى غير ذلكم من القرائن التي يعملها الحفاظ، وباب التفرد وزيادة الثقة باب دقيق جداً لا تحكمه قاعدة، ولا يضبطه ضابط، وإنما يتوقف بحسب تمرس المحدث وتمكنه في معرفة ما ذكرناه من قرائن وغيرها، والله اعلم.
السؤال السابع والخمسون: هل يوجد في الصحيحين أحاديث ضعيفه؟
الجواب: صحيح البخاري ومسلم مما تلقتهما الأمة بالقبول بالجملة، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله، وفيهما أحاديث قليلة منتقدة، وجل ما هو معلول منهما معلول بما لا يقدح، فليس كل علة قادحة مؤثرة، ولا يوجد في الصحيحين حديث واحد ضعيف بأصله وتمامه، وكل ما هو معلول فيهما إما معلول بما لا يقدح أو أعل الحفاظ منه لفظة أو زيادة لشذوذها وتفرد راوي بها، والحديث باق على أصله من الصحة، نعم هناك من العلماء من أعل وضعف أحاديث قليلة فيهما بأصلها، ولكن لا حجة في ذلك، والحق مع صاحبي الصحيح.(1/122)
السؤال الثامن والخمسون: إذا قال البخاري: قال فلان، وهو من شيوخه هل يعتبر معلقاً أم موصولاً على شرطه؟
الجواب: في بعض المواضع يذكر البخاري رحمه الله عن شيوخ له ما سمعه منهم بقوله: (قال) أو( قال لي) وقال ذلك عن جماعه من شيوخه كعلي بن عبدالله بن المديني وأحمد بن حنبل وعبدالله بن صالح ومسدد وهشام بن عمار ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب اللباس قال: قال لي مسدد حدثنا معتمر قال سمعت أبي قال رأيت على أنس برنساً أصفر من خز. والذي يظهر والله أعلم أن البخاري إذا قال (قال لي فلان) فهو في حكم شرط الصحيح وأراد به الاتصال، وقد اضطرب في هذا النوع قول الحافظين المزي وابن حجر، فقد أخرج البخاري في صحيحه فقال: قال لي علي بن عبدالله عن يحيى بن آدم عن ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبدالملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً من ذهب فأحلفهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم قال وفيهم نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم. فقد رمز المزي لعبدالكريم بن سعيد ومحمد بن أبي القاسم بالتعليق في تهذيبه، ورمز للحديث في التحفة بالوصل، ورجح الوصل ابن حجر ثم رمز لمحمد بن أبي القاسم بالتعليق ورمز لعبدالكريم بالوصل في تقريبه، مع أن حديثهما واحد لهما في الصحيح غيره. وإذا قال البخاري: قال فلان وهو من شيوخه كما حكاه عن هشام بن عمار وعلي بن المديني وعبدالله بن صالح وغيرهم فيظهر أنه أراد أنه دون شرطه في الصحيح مع ثبوت الاتصال في هذا الخبر لأن البخاري ليس من أهل التدليس، والله أعلم.(1/123)
السؤال التاسع والخمسون: الشيخ الفاضل: هل صح شيء من الأحاديث المرفوعة والموقوفة عن السفياني؟
الجواب: لا يصح في ذكر السفياني حديث مرفوع ولا موقوف، وأمثل ما يروى ما أخرجه الحاكم في مستدركه من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب .. الحديث، وصححه الحاكم وما هو بصحيح بل منكر، فالوليد يدلس عن الأوزاعي، وخبر السفياني يروى من حديث علي وابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعمار وثوبان منها المرفوع ومنها الموقوف ويروى عن جماعة من السلف من التابعين وغيرهم كمكحول ومطر والزهري وضمرة ويزيد بن أبي حبيب ومحمد بن الحنفية، وكلها لا يعول عليها ولا يحتج بها إذا اجتمعت فكيف اذا انفردت، وأطال في ذكره نعيم بن حماد الخزاعي في كتابه الفتن، وكتابه هذا كتاب مليء بمناكير وأعاجيب كما قاله الذهبي، وأورد جملة من أخباره هذه أبو عمرو الداني في الفتن والحاكم في المستدرك.
السؤال الستون: ما رأيكم فيمن يقول أنه لا يروي إلا عن ثقة، هل يعتبر بتوثيقه لكل شيخ له؟
الجواب: من لا يروي إلا عن ثقة سواء قال عن نفسه ذلك أو علم ذلك بالسبر لشيوخه، فإن هذا يعد تقوية لمن روى عنه، ولا يعتبر توثيقاً ولا يقال وثقه فلان ويقصد بذلك أنه روى عنه لأنه قال عن نفسه لا يروى إلا عن ثقة أو علم من شيوخه أنهم ثقات، فالإمام مالك لا يروي إلا عن ثقة وروى عن بعض الضعفاء كعاصم بن أبي النجود وعبدالكريم بن أبي المخارق، وكذلك شعبة لا يروي إلا عن ثقة وشيوخه صفوة إلا أنه روى عن بعض من ضعف.
السؤال الحادي والستون: ما صحة حديث لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم؟(1/124)
الجواب: هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر عن أخته الصماء، مرفوعاً قال: "لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاءَ عنب، أوعود شجرة فليمضغها". وجاء في بعض طرقه عند النسائي عن خالته الصماء، وجاء في رواية عند النسائي عن عمته الصماء. ورواه النسائي أيضا عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وجاء الحديث أيضاً عن عائشة (رضي الله عنها). وهذا الحديث وإن كان رجاله ثقات معروفون، إلا أنه ليس بالقائم بل هو مضطرب فتارة يجعل من مسند الصماء وتارة يجعل من مسند عائشة وتارة من مسند عبدالله بن بسر، وفي بعض الطرق يقول عبدالله بن بسر عن عمته ومرة عن خالته ومرة عن أخته. وفي متنه نكارة، ومخالفة للأحاديث الصحاح في صوم يوم الجمعة و يوماً بعده ،كما في الصحيحين من حديث جويرية وكذلك صوم أيام البيض، و صيام داود صيام يوم و فطر يوم كما في الصحيحين، وصوم يوم عرفة وست من شوال كما في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب وغيرها. وقد أنكر هذا الخبر الحفاظ، قال الأوزاعي رحمه الله: لم نزل نكتمه حتى انتشر. قال الإمام أحمد: يحيى بن سعيد ينفيه أبى أن يحدثني به. وقال الأثرم: حجة أبي عبد الله -أحمد بن حنبل- في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبدالله بن بسر. وقال الإمام مالك: هذا الحديث كذب، واستغربه الزهري فقال: هذا حديث حمصي. وقال أبو داود أنه منسوخ.
السؤال الثاني والستون: ما صحة القاعدة المشهورة (لا غيبة لمجهول)؟
الجواب: إذا علم أن السامع لا يعلم من هو المغتاب أو المتكلم فيه، ولا يوجد قرينة توصله لمعرفة المتكلم فيه، فيظهر أن هذا الكلام لا يدخل في حد الغيبة المحرمة شرعياً والله أعلم.(1/125)
السؤال الثالث والستون: فضيلة الشيخ الطريفى السلام عليكم ورحمه الله. وفقكم الله لكل خير: لا يكاد يخلو كتاب من كتب المصطلح من مبحث أحاديث الصحيحين وأن الأمه قد تلقت كتابيهما بالقبول إلا أنه فى الواقع العملى نرى أن هؤلاء الذين نقلوا هذا التلقي من الأمه قد يحكمون على بعض الزيادات بأنها شاذه ولا يلزم من ذلك أن تكون هذه الأحاديث مما انتقدت على الشيخين من قبل وقد فعل هذا من الحفاظ مثل الذهبى والعسقلانى وابن تيميه وابن القيم والسيوطى وغيرهم، فهل نقول أن هذا التلقى هو الأصل إلا أن يتبين فى الحديث علة؟ ولكن إذا قلنا ذلك فقد رجعنا من حيث بدأنا لأن كل من ضعف حديثاً سوف يقول ذلك جزاكم الله خيراً.(1/126)
الجواب: صحيح البخاري ومسلم هما أصح الكتب بعد كتاب، وقد تلقتهما الأمة بالقبول، وسبق أن ذكرت أنه لا يوجد حديث واحد في الصحيحين ضعيف بتمامه وأصله، وإما من أعل من أهل العلم فإما أن يكون أعل بما لا يقدح أو قوله مرجوح، وأما الكلام على الزيادة والألفاظ في الصحيحين فهي لا تعني طعناً في نفس الخبر و تضعيفاً له، بل إن هذا الباب مفتوح لمن ملك الأهلية في النظر لا أن يأخذ بهواه، ولا يخالف هذا تلقي الأمة بالقبول، فالأمة تلقت أخبار الصحيحين بالقبول بالجملة، لا أنها تلقتها بالقبول بالحروف والألفاظ، فهذا ليس إلا للقرآن فهو الذي قبوله فرض على الأعيان بحروفه وألفاظه، فالذي عليه أهل العلم هو قبول أخبار الصحيحين بالجملة، لا يوجد خبر واحد منها ضعيف بتمامه وأصله، ومن بان له منهم إعلال للفظة أو زيادة من وجه صحيح فله ذلك، وهذا ليس بقادح بذات الخبر فهو مقبول لدى الجميع، فأهل العلم قد أجمعوا على أن ما ينقل إلينا من أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما لم يكن النبي (صلى الله عليه وسلم) تلفظ بها بحروفها جميعها، بل منها ما روي بالمعنى من عارف بمعاني ألفاظه (عليه الصلاة والسلام)، وعلى هذا يدل صنيعهم في مصنفاتهم ومسائلهم، فنقد الألفاظ لا نقد الخبر بتمامه من عالم عارف بوجوه النظر في إعلال الاخبار سائغ، وهذا الذي عليه المحققون من الأئمة الحفاظ كالنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم.(1/127)
السؤال الرابع والستون: قد جاء عن ابن عباس أنه قال أن الكرسى هو موضع القدمين من العرش وهذا أثر صحيح موقوفاً على ابن عباس كما فى مختصر العلو للعلامه الألباني (رحمه الله) وبه أثبت أهل السنه هذه الصفه إلا أنه لا يخفى أن مثل هذا لا يُقال من قبل الرأي، فلو قلنا أنه فى حكم المرفوع يُشكل علينا أن ابن عباس قد كان يأخذ من كتب أهل الكتاب كما صرح بذلك بعض العلماء، فقد كانت هذه المسأله تُشكل علي حتى علمت أنه قد روى هذا الأثر غيره من الصحابه مثل أبو موسى وأبو هريره وجاء أيضاً عن عكرمه وأبى مالك فهل صحت هذه الأثار عن هذين الصحابيين؟ فإن كان لا فما هو الجواب؟ مع العلم أني على عقيدة سلفية والحمد لله.(1/128)
الجواب: عبدالله بن عباس (رضي الله عنه) ليس من المشهورين بالأخذ عن اهل الكتاب، خبره قد أخرجه وكيع وعبدالله بن احمد في السنة والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير وفي السنة والدارقطني في الصفات والضياء في المختارة وغيرهم من طريق سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. ورواه شجاع بن مخلد وابن مردويه في تفسيره عن ابي عاصم عن سفيان به مرفوعا وهو خطأ والصحيح الوقف. وأما خبر أبي موسى فرواه عبدالله بن أحمد في السنة وابن جرير وأبو الشيخ عن عبدالصمد عن أبيه عن محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن عمارة بن عمير عن أبي موسى. وسماع عمارة من أبي موسى في النفس منه شيء، وقد قال ابن حجر روى ابن المنذر بسند صحيح عن أبي موسى. وأما خبر أبي هريرة فمنكر رواه ابن مردوية عن الحكم بن ظهير عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة، والحكم قال البخاري: منكر الحديث وقال أبو زرعة: واهي الحديث وقال أبوحاتم متروك الحديث وروي من حديث أبي ذر أخرجه أبو الشيخ من حديث أصبغ عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي ذر مرفوعاً ولا يصح. وروي عن أبي مالك رواه عبدالله بن أحمد في السنة عن رجل عن اسرائيل عن السدي عن أبي مالك الغفاري، وفيه جهالة وابن عباس وإن جاء أنه يأخذ من أهل الكتاب فلا يعني حمل أقواله التي لا تقال من قبيل الرأي على ذلك، فأخذه من الوحيين جل أمره، فلما لا يحمل على ذلك، وخاصة أن باب الصفات يبعد أن يتساهل فيه الصحابة ومن هو في مثل علم ابن عباس منهم، وأهل العلم على ما جاء عن ابن عباس قال يحيى بن معين شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعاً فقال: يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعنى مثل حديث الكرسي موضع القدمين ونحو هذا فقال وكيع أدركنا إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعر يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون بشيء، وهذا مروي عن جماعة من السلف كالإمام أحمد وأبي عبيد القاسم بن سلام وغيرهم.(1/129)
السؤال الخامس والستون: ما رأي فضيلتكم هل يوجد كتب تلقت أحاديثها الأمة بالقبول مثل الصحيحين؟ وهل الإمام أحمد اشترط الصحة في مسندة؟
الجواب: لا يوجد شيء من المصنفات تلقته الأمة كما تلقت الصحيحين، وهناك من اشترط الصحة في مصنفه وهذا معلوم كابن السكن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء المقدسي وغيرهم. والإمام أحمد لم يشترط الصحة في مسنده بل التزم إخراج ما اشتهر، وليس المراد بالشهرة هنا ما هو مقرر في كتب المصطلح، بل المراد أوسع من ذلك، وهو ما عرف لدى الحفاظ من الأخبار، ولذا فإنه يوجد في كتابه أفراد وغرائب، والإمام لم يلتزم الصحة ولذا فإنه يوجد في مسنده أحاديث يسأل عنه فيضعفها كما في مسائله وعلله وهي قليلة. إلا أنه لا يخرج للوضاعين، وهذا قد قرره جماعة من أهل العلم كابنه عبدالله وأبي يعلى وابن الجوزي وابن تيمية، بل قد قال الامام أحمد نفسه لابنه عبدالله: قصدت في المسند الحديث المشهور وتركت الناس تحت ستر الله ولو أردت أن أقصد ما صح عندي، لم أرو هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث لست أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. وهو يخرج في مسنده ما يحكم هو بضعفه وهو قليل كحديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعاً: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان. ومنه ما رواه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبدالله البجلي قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة، قال الحافظ أبو داود في سؤالاته لأحمد عن أحمد: لا أصل له. إلا أن هذه الأحاديث قليلة، وما لم يعلم لأحمد قول فيه من المسائل أو جاء عنه قولان ولا مرجح، وهناك مما في مسنده من أحاديث تؤيد أحد القولين فهي تعتبر مرجحة، وقد اختلف الأصحاب في الأخذ والاعتبار بهذا المرجح إلا أن الذي يظهر اعتباره وقد رجحه ابن مفلح كما في الآداب، والله اعلم.(1/130)
السؤال السادس والستون: ما رأيكم بكفر تارك الصلاة هل الصحيح كفره أم لا؟
الجواب: تارك الصلاة كافر بإجماع السلف من الصحابة والتابعين، وقد حدث خلاف عند المتأخرين، وهو بعد إجماع خير القرون حكى الإجماع غير واحد من السلف كعبدالله بن شقيق وأيوب السختياني واسحاق بن راهوية والمروزي والأدلة في ذلك ظاهرة صريحة. روى مسلم و الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي الزبيرعن جابر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: بين الرجل والشرك ترك الصلاة. وروى الترمذي والمروزي عن بشر بن المفضل قال حدثنا الجريري عن عبدالله بن شقيق رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد لا يرون من الأعمال شيئاً تركه كفر غير الصلاة. وروى المروزي حماد بن زيد عن أيوب قال: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه. وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعبدالله بن عمرو.
السؤال السابع والستون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم. سؤالي: ما درجة الأحاديث التالية:
- أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله.
- أما إني قد جئتكم بالذبح (لمشركي قريش).
- قول عبد الله بن عمرو: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم.
- العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر.
- خمس صلوات من حافظ عليهن كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له نور يوم القيامة، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون، وقارون، وهامان، وأبي بن خلف
- قصة قدامة بن مظعون وشربه الخمر. جزاكم الله خيراً.
الجواب: أما حديث أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله: فهو ضعيف بهذا اللفظ رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن رجل عن أبي ذر وهو معلول بعلل: فيزيد قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي وضعفه الدارقطني وغيره. وفي إسناد الخبر جهالة.(1/131)
وأخرجه البزار في مسنده من حديث جرير بن عبدالحميد عن يزيد عن مجاهد عن أبي ذر. وفيه انقطاع مع ضعف يزيد.
وروي نحوه في سنن البيهقي ومعجم الطبراني والطيالسي من حديث عقيل عن أبي اسحاق عن سويد بن غفله عن ابن مسعود. ولا يصح أنكره أبو حاتم.
وروي من حديث معاذ وابن عباس والبراء وفيها نظر.
- وأما حديث أما إني قد جئتكم بالذبح (لمشركي قريش) فرواه الامام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والبزار من طريق ابن اسحاق قال حدثني يحي بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عبدالله بن عمرو في خبر طويل قال (عليه الصلاة والسلام) لقريش قبل الهجرة وهم في الحجر: والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح.
وإسناده لا بأس به، فيه ابن اسحاق وحديثه يحمل على الاستقامه.
- وأما قول عبدالله بن عمرو: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم: فرواه البيهقي في سننه من طريق أبي أسامة عن عوف عن أبي المغيرة عن عبدالله بن عمرو قال: من بنى في بلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة.
وأبو المغيرة مجهول لم يروي عنه غير عوف قاله ابن المديني ووثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات ولينه سليمان التيمي، وقد اورد هذا الخبر ابن تيمية في مواضع من كتبه، ولا يصح.(1/132)
- وأما حديث: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر فرواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وغيرهم عن الحسين بن واقد عن عبدالله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. وفي اسناده الحسين بن واقد قال أبو زرعة وأبو داود والنسائي: ليس به بأس، وكذا قال الإمام أحمد ووثقه ابن معين، إلا أنه في حديثه عن عبدالله ابن بريدة شيء قال أحمد: ما أنكر حسين بن واقد وأبي المنيب عن ابن بريدة. لكن حديثه يحمل على الاستقامه إلا ما خالف فيه أو انفرد به، وحديثه هذا حديث حسن، وقد روي معناه من أحاديث كثيره منها ما روى مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي الزبيرعن جابر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:بين الرجل والشرك ترك الصلاة.
- وأما حديث: خمس صلوات من حافظ عليهن كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له نور يوم القيامة، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون، وقارون، وهامان، وأبي بن خلف فرواه احمد والدارمي وابن حبان والطبراني في الأوسط بسند حسن عن كعب بن علقمة عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبدالله بن عمرو عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعيسى بن هلال مقلّ الرواية وأحاديثه مستقيمه.
وأما قصة قدامة بن مظعون وشربه الخمر، فهي قصة معروفة ثابته أخرجها عبدالرزاق في مصنفه والبيهقي في سننه عن معمر عن الزهري عن عبدالله بن عامر بن ربيعة بالقصة المعروفة، وهي قصة معروفة يوردها أهل الفقه في الحدود وقد أخرج عبدالرزاق عن ابن جريج عن أيوب السختياني قال: لم يحد في الخمر أحد من أهل بدر إلا قدامة بن مظعون (رضي الله عنه).(1/133)
السؤال الثامن والستون: فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم ما مدى صحة هذه الزياة (بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث). وكذلك الزيادة في حديث عائشة (رضي الله عنها): (كان يعجبه التيامن في ... وسواكه) لأني وجدتها ولا أعلم صحة هذه الزيادة والله يحفظكم.
الجواب: أما زيادة "بسم الله" فهي زيادة شاذه في حديث أنس في دخول الخلاء ولا تثبت بوجه فيه: فقد أخرج البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم جماعة من طرق عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس مرفوعاً كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
لكن رواه المعمري في عمل اليوم والليلة وخالف فيه فرواه عن عبدالعزيز بن المختار عن عبدالعزيز بن صهيب مرفوعاً: إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث. وهذا اللفظ غير ثابت فقد جعل الحديث بلفظ الأمر وزاد التسمية في أوله مما يدل على عدم الضبط.
وخالف فيه المعمري في عمل اليوم والليلة عن ابن المختار الرواة الثقات، وما جاء في الأصول واعتمده الائمة.
ورواه الطبراني في الاوسط والعقيلي في الضعفاء عن قطن بن بسير عن عدي بن ابي عمارة عن قتادة عن انس بهذه الزيادة. ولا يصح اسناده
ورواه أيضا الطبراني في الأوسط عن يوسف بن عدي عن عبدالرحيم عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس بهذه الزيادة ولا يصح أيضاً.
ورواه الخطيب في الموضح عن الهيثم بن جميل عن أبي معشر عن حفص بن عمر عن أنس بها وهو واه.
وأخرجه أحمد وبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم عن قتادة عن النضر عن زيد بن أرقم بنحو حديث الجماعة وليس فيه التسمية.
ورواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وغيرهم عن قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد نحوه وليس فيه التسمية.(1/134)
- وأما زيادة: "وسواكه"، فهي زيادة شاذه خالف فيها مسلم بن ابراهيم، فقد روى الحديث الإمام أحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طرق عن شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة أن النبي كان يعجبه التيامن في طهوره وتنعله وترجله.
رواه عن شعبة جماعة من الحفاظ وغيرهم منهم حفص بن عمر وسليمان بن حرب وحجاج بن المنهال وعفان وبشر بن عمر ومحمد بن جعفر وبهز وأبي عمر الحوضي والنضر بن شميل وغيرهم ليس فيها وسواكه.
ورواه الإمام أحمد عن والد وكيع ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي الأحوص كلاهما عن الأشعث به ولم يذكروا هذه الزيادة.
وانفرد بها مسلم بن إبراهيم عن شعبه عند أبي داود في سننه ومسلم مع ثقته وجلالته إلا أنه خالف فيها الحفاظ بما ليس في هذا الحديث، والله اعلم.
تمّ ـ بحمد الله ـ اللقاء
لقاء
ملتقى أهل الحديث
بفضيلة الشيخ:
مُحَمَّد بن الأَمِين بُوخُبْزَة المغربي
(حفظه الله ورعاه)
ملتقى أهل الحديث
www.baljurashi.com
هذه ترجمتي بقلمي:
بسم الله الرحمان الرحيم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/135)
أنا (وأعوذ بالله من قول "أنا") محمد بن الأمين بن عبدالله بن أحمد بن أحمد بن الحاج أبي القاسم بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن سعيد بن يحيى بن عبدالله بن يحيى بن سعيد بن يحيى بن محمد بن الولي الصالح أبي الحسن علي بن الحسن الحسني الإدريسي العمراني المكنى (بوخبزة)، دفين مجشر (أًغْبالو) -بقبيلة بني عروس- داخل ما يسمى –زُوراً- بالحَرَمِ العَلَمِي التي عيّن حدودَه ابن زاكور الفاسي في كتابه "الإستشفاء من الألم، بذكرى صاحب العَلَم"، والعلم اسم جبل يوجد به ضريح الصوفي الشهير عبد السلام بن مَشِيش، وينتهي نسبي إلى عبد الله بن إدريس مرورا بعمران (وإليه النسبة "العمراني") بن خالد بن صفوان بن عبدالله بن إدريس بن إدريس بن عبدالله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن العلماء من ينسبنا (عَلَمِيِّين) حسب اصطلاح نسّابةِ المغرب، وهذا غير صحيح إلا من حيث الأم، وممن ذهب إلى هذا -وهو خطأ- شيخي أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق فقال في مساجلة منظومة:
أَطَلْتَ فيها أدام الله مجدكمُ * أنت فخر الهداة من بني العَلَمِ.
وأصل سلفي من هناك، وكان منهم من يتردد على تطوان لقرب المسافة، وهكذا سكنها والدُ جدي الفقيه السيد أحمد الذي كان معدَّلاً وأستاذا مقرئا، وأخوه الفقيه النحوي السيد عليّ الذي أخذ عنه العلم كثير من علماء تطوان منهم الفقيه العلامة القاضي السيد محمد بن علي عَزِّيمان وقد ترجم له أبو العباس أحمد الرَّهوني في تاريخه الحافل: "عمدة الرَّاوين في تاريخ تطَّاوين".(1/136)
ولدت بتطوان بمنزلنا بدرب الجُعَيْدي (نسبة لساكنه الصوفي الشهير أبي الحسن بن علي بن مسعود الجعيدي أحد كبار أصحاب أبي المحاسن يوسف الفاسي الفهري دفين تطوان قبالة الدرب المذكور) بحي العيون، في زوال يوم السبت 26 ربيع الأول 1351هـ (واحد وخمسين وثلاثمائة وألف) موافق 20 يوليوز سنة 1932م من تاريخ النصارى، كما وجدت بخط والدي رحمه الله في كناشته (وما في أوراقي الرسمية من تقديم ذلك بسنة فخطأ غير مقصود)، وأنا رابع إخوة لي أشقاء: عبدالله (توفي صغيرا)، وعائشة، ومصطفى، ومحمد، وعبدالله، وبعد خمس سنوات خُتِنْتُ، خَتَنَنِي المعلِّم محمد الحَسْكي التطواني في الدكانة الذي كانت داخل الباب الغربي لجامع العيون من تطوان، وفي السنة التالية أُدْخِلْتُ الكُتَّاب (الْمسِيدْ) فتلقيتُ مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين وبعضَ قصار المفصّل على الفقه المجوِّد السيد الحاج أحمد بن الفقيه المقرئ المعدَّل الأستاذ السيد عبدالسلام الدُّهْرِي (كان هذا السيد يختار للإمامة بالحجاج في البواخر التي كانت ترسلها إسبانيا في أول حكم (فرَانْكُو) للحج دعايةً وسياسة، فإذا ذهب أَنَابَ عنه الفقيه الشريف الأشيب السيد عبدالله شقور (الذي ما زال على قيد الحياة إلى الآن عام 1406هـ، وقد تجاوز المائة، ثم توفي رحمه الله عام 1412هـ)، وبعد وفاة الفقيه الدُّهري واصلت على الفقيه الخَيِّر السيد محمد بن الراضي الحسّاني، وبعده على الفقيه البركة الزاهد السيد محمد بن عمر بن تَاوَيْت الودراسي والد الفقيه القاضي السيد أحمد وشقيقه الكاتب والأديب النابغة المؤلف السيد محمد رحمهما اللهّ، وعليه أتممتُ حفظ القرآن وسَرَدْتُه كلَّه أمامه على العادة الجارية، وبعد وفاته استمررت في القراءة على خَلَفه الأستاذ السيد محمد زيان، ولم أمكث معه إلا قليلا حيث أتممتُ حفظ بعض المتون العلمية كالآجرومية، والمرشد المعين على الضروري من علوم الدين، والخلاصة وهي(1/137)
ألفية ابن مالك، وبعض مختصر خليل في الفقه المالكي، ثم التحقت بالمعهد الديني بالجامع الكبير ومكثتُ فيه نحوَ عامين تلقيتُ خلالها دروساً نظامية مختلفة على ضَعف المستوى العام في التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو البلاغة، على مدرسيه المشهورين الأساتذة: محمد بن عبدالصمد التُّجكاني، ومحمد بن عبدالكريم أًقَلعي الشهير بالفحصي (القاضي في ما بعد رحمه الله)، ومحمد بن عبدالله القاسمي (خليفة القاضي)، والعربي بن علي اللُّوهْ (الوزير في الحكومة الخليفية)، وقد ألف عدة كتب طُبع بعضها في الأصول والمنطق العقائد وتاريخ المقاومة في شمال المغرب، ومحمد بن حمو البقالي الأحمدي، والشيخ محمد المصمودي، والتهامي المؤذن الغرباوي، ومحمد الزكي الحراق السَّرِيفي، وأحمد القْصِيبي الأَنجري، وعمر الجَيّدي الغُماري وغيرهم (وقد توفي هؤلاء إلى رحمة الله في مُدد متفاوتة)، وكنت قبل التحاقي بالمعهد أخذتُّ عن والدي رحمه الله النحو بالآجومية والألفية إلى باب الترخيم حيث توفي، وكانت طريقتُه في التدريس من أنفع الطرق للمبتدئ، حيث كان يأخذني بحفظ المتن فقط، ثم يشرحه لي، ويلقنني الأمثلةَ والشواهد ويأخذني بحفظها ويبين لي محل الشاهد، ويمتحنني كل أسبوع، كما أخذتُّ دروسا في الفقه المالكي بالمرشد المعين لعبد الواحد بن عاشر، على الفقيه القاضي (بعد الاستقلال) السيد عبدالسلام بن أحمد علال البَختي الودْراسي، ودروسا أخرى في النحو على الأستاذ السيد المختار الناصر الذي كان مدرسا للبنات بالمدرسة الخيرية بتطوان، وكنا نقرأ عليه لأول عهدنا بالطلب بالزاوية الفاسية بالطَّرَنْكَات، وكان يطيل الدرس إلى أن ينام أغلب الطلبة رحمه الله، وعلى الأديب الكاتب الشاعر الناثر الفقيه المعدَّل السيد محمد بن أحمد علال البَختي المدعو ابن علال، وقبل هذا وبعده حضرتُ دروسا في الحديث والسيرة على الفقيه المؤرخ وزيد العدلية السيد الحاج أحمد بن محمد الرَّهوني،(1/138)
وكان هذا في الغالب في رمضان قبل أن ينتقل بسكناه إلى جِنانِهِ بِبُوجَرًّاح، وكان يسرُد له السيد محمد بن عزوز الذي تولى القضاء بإحدى قبائل غُمارة وبِها توفي، وكان يسرُد له أحيانا صحيح البخاري السيد عبد السلام أًجْزُول لجمال صوته، وعلى الفقيه المدرس النفّاعة السيد الحاج محمد بن محمد الفَرْطاخ اليَدْرِي، كما نفعني الله تعالى جدا بدروس الدكتور محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي الحسيني السجلماسي الذي قدم تطوان حوالي 1365 هـ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، من أوربا وأقام بين ظهرانينا نحوَ ست سنوات تلقيتُ عليه خلالها دروسا في التفسير والحديث والأدب، وكان يلقي هذه الدروس بالجامع الكبير، وكان يسرد عليه محمد ابن فريحة، ويدرس بالدر المنثور للسيوطي والاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي، وأحدث بتطوان نهضة أدبية، وشغل الناس بآرائه وأفكاره، وأثار الفقهاء والصوفية بانتقاداته فلَمَزوه وآذوه فهجاهم أقذع الهجو رحمهم الله، كما انتفعت كثيرا بتوجيهات العلامة الأديب الوزير السيد محمد بن عبد القادر بن موسى المنبهي المراكشي منشأ التطواني دارا ووفاة، فكان يملي علي قصائده وأشعاره، ويذاكرني بلطائف المعاني وطرائف الآداب، وقد جمعت ديوانه في مجلد لطيف (توجد صورة منه بخزانة تطوان).(1/139)
وفي فاتح رجب 1367 هـ توفي والدي رحمه الله ففُتّ في عضدي ، وخمدت جذوة نشاطي، وتأخرت عن كثير من دروسي انشغالا بالعيش وحل المشاكل المخلفة، وسعيا على الوالدة والإخوان، ولم أنقطع قط عن الدراسة والمطالعة واقتناء الكتب و مدارسة إخواني الطلبة الأدبَ والعلمَ، وفي نحو عام 1370 هـ زرتُ مدينة فاس ومكثت بها أياما أخذت فيها دروسا على الفقيه الشهير محمد بن العربي العلَوي بالقرويين في أحكام القرآن لابن العربي، وبعد ذلك عرض علي الفقيه القاضي الحاج أحمد بن تاوَيْت رحمه الله العمل معه كاتبا بعد أن عينته وزارة العدل قاضيا ثانيا عند اتساع العمران، وازدحام السكان ، فأنشأت محكمة شرعية أخرى بحي العيون غربي الجامع، فقبلت وعملت معه كاتبا، وفي فاتح جمادى الأولى 1374 هـ في 27 /12/1954 م أصدرت مجلة "الحديقة" أدبية ثقافية عاشت خمسة أشهر؛ إذ توقفت في رمضان عامه، وكانت مجلة جميلة كنت آمل- لو عاشت- أن تكون مجلة الطلبة الوحيدة في شمال المغرب، حيث كان ينشر فيها نجباء الطلبة وكتابهم وشعراؤهم وقصاصوهم، وكنتُ قبل ذلك أصدرت بالمعهد الديني أول مجلة خطية باسم "أفكار الشباب" كنا نكتب منها نسختين أو ثلاثة يتداول الطلبة قراءتها، وبعد خروجي من المعهد اتصل بي جماعة من الطلبة وعرضوا علي المشاركة في نشاطهم الثقافي، وكان يتولى إدارة المعهد يومئذ أستاذ متعاون مع الإدارة الإسبانية، فأوجس خيفة من نشاطنا، وبث حولنا عيونه، وكنت أصدرت جريدة "البرهان" خطية لانتقاد سياسة الاستعمار الإسباني في التعليم واضطهاد الطلبة، والتضييق عليهم، ولم يصدر منها إلا عدد أول، فكتب مدير المعهد رسائل إلى رئيس الاستعلامات الإسباني (بِلْدا) يُخبره فيها باستفحال نشاط الطلبة السياسي وصدور الجريدة وما يكتُب فيها فلان - يعنيني- وهو غير طالب بالمعهد ومتهم بالوطنية ! من مقالات تمس سياسية إسبانيا ... إلخ، فاستدعِيتُ ونالني من السب والشتم والتهديد والأذية ما(1/140)
قرت به عين سيادة المدير للمعهد الديني الإسلامي ! وأذنابه، ولما أيِسَ هذا المدير "الأمين التمسماني" من انتقام الإدارة الإسبانية منا كتب إلى الباشا "اليزيد بن صالح الغُماري" بمثل ما كتب به إلى "بِلدا" فسألني الباشا عن التهمة فأجبته بأن رئيس الاستخبارات الإسباني سبقه إلى التحقيق في هذه القضية ولم يجد شيئا، فغضب الباشا واحتدّ، وأمر بنا إلى السجن لولا تدخلُّ بعض الناس، ومن عجيب صنع الله أن هذا الباشا اضطُرّ إلى الوقوف بباب مكتبي بالمحكمة بعد عزله في أول عهد الاستقلال فلم أعامله بالمثل، ثم تنبهت إلى أن مكتبه الذي هددني وهو خلفه هو المكتب الذي خاطبته من ورائه بعد أن احتاج إليّ، و لله في خلقه شؤون ثم انقطعت عن كل نشاط من هذا القبيل وأكببتُ على التدريس والكتابة، ونشرت مقالات كثيرة في عدة صحف ومجلات كمجلة "لسان الدين" التي كان يصدرها الدكتور"الهلالي" بتطوان، وبعد سفره "عبد الله كنّون" ومجلة "النصر" و "النبراس" ، وأخيرا جريدة "النور" وغيرها، ونظمت قصائد وأنظاما كثيرة معظمها في الإخوانيات ضاع أكثرها؛ لأني كنت أضمنها رسائل وأجوبة للإخوان ولا أحتفظ بنسخها، ولدي كنانيشُ فيها تقاييد ومختارات ومقطوعات لا يجمعها نظام ولا يضمها باب.(1/141)
وقد أصهرت إلى الأستاذ المحدث الكبير، بل كبير علماء الحديث بالشمال الإفريقي الشيخ "أحمد بن محمد ابن الصّدّيق التجكاني الغُماري الطنجي" وكنت أعرفه من قبل، فأعجبت بسعة اطلاعه ورسوخ قدمه في علوم الحديث، فكاتبته وجالسته واستفدت منه علما جما، وأعطاني من وقته وكتبه ما كان يضِنّ به على الغير، وأجازني إجازة عامة بما تضمنه فهرسه الكبير والصغير، كما أجازني مشافهة كثير من العلماء من أشهرهم الشيخ "عبد الحي الكتاني" عند زيارته لتطوان واعتذر عن الكتابة ووعد بها فحالت دونها مواقفه السياسية، كما أجازني الشيخ "عبد الحفيظ الفاسي الفهري" مشافهة بمصيف مرتيل، والشيخ "الطاهر بن عاشور" بمنزله بتونس عام 1382هـ، واعتذر عن الكتابة بالمرض والضعف، وهذا الأخير من شيوخ شيخي ابن الصديق، ولم تكن لي عناية بالإجازات، والشيخ "أحمد بن الصديق" هو الذي أجازني ابتداء دون طلب مني، ولم أكن معه على وفاق في الاعتقاد بالتصوف الفلسفي والصوفية والمبالغة في ذلك، كما لم أكن أرضى تخبطه في السياسة وتورطه في أوحالها، مما شوّه سمعته وسود صحيفته، وأصابني برشاش، كما ندمت بالغ الندم وتُبت إلى الله منه لما طوّح بي إليه الشيخ من التشيع المقيت والرفض المُردي، فتورطت في الحملة على كثير من الصحابة ولعن بعضهم كمعاوية وأبيه وعمرو بن العاص وسمرة وابن الزبير وغيرهم، متأثرا بما كنت أسمعه مرارا وأقرؤه من أحاديث مما عملت أيدي الروافض، كان الشيخ يمليها علينا مبتهجا مصرحا أنها أصح من الصحيح، فكنا نثق به ونطمئن إلى أحكامه، ويحكم على كل ما يخالفها من الأحاديث بأنها من وضع النواصب، ومن الطريف في هذا الباب: أنه كان يُبغض الشام وأهله ويصفهم بالشؤم على الإسلام وأهله، ويبطل ما ورد في فضله من أحاديث صحيحة، وظل كذلك إلى أن فر من المغرب إلى مصر، ثم زار الشام فأكرمه أهلها، وأقام له صوفيتها المآدب، فكتب إلى أخيه السيد حسن يقول بأنه رجع عن اعتقاده في(1/142)
الشام وأهله، وأن ما ورد في ذلك صحيح، ومما كان له الأثر الكبير في حياتي، ويعد وصلا لما كان انقطع من انتهاجي منهج السلف الصالح بعيدا عن تيارات التصوف الفلسفي والتشيع المنحرف اتصالي بالشيخ المحدث السلفي الحق "محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني الأرناؤوطي ثم الدمشقي" نزيل عمّان البلقاء الآن مهاجرا بدينه مضيقا عليه بعد أن أخرج من دمشق ظلما وعدوا، فقد اجتمعتُ به بالمدينة المنورة في حجتي الأولى عام 1382هـ بمنزله وأعطاني بعض رسائله، فاعتبرتها مناولة فاستأذنته في الرواية عنه بها فأنعم، وزارني بتطوان مرتين: قرأت عليه في إحداهما أبوابا من "السنن الكبرى" للنسائي المخطوطة بخزانة الجامع الكبير، واجتمعت به بطنجة، بمنزل الشيخ الزمزمي ابن الصديق، وسمعت من فرائده وفتاواه الكثير، وبعث إلي من رسائله وكتبه المستطابة ما أحيا في قلبي كامن الشوق إلى تتبع هذا المهيع المشرق والعناية بآثاره ومعالمه، والاستمساك بعراه، وما زلت إلى الآن لاهجا بفضله، داعيا إليه.
وقد تزوجتُ باكرا وأنجبت أولادا بكرهم أوّيس، وهو الآن أستاذ بإحدى ثانويات تطوان، ويعد أطروحته لإحراز دكتوراه الدولة في الأدب، وله شعر حسن ومقالات منثورة، نسأل الله تعالى أن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة آمين.(1/143)
وتوجد نماذج من نظمي ونثري عند الإخوان وضمن مذَكَّراتي المسمات: "جراب السائح" كما أنني صححت جزءا من تمهيد ابن عبد البر طبع وزارة الأوقاف في المغرب، وأكثر من النصف من كتاب الذخيرة في الفقه المقارن للقرافي المالكي، والأربعين حديثا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، وسراج المهتدين لابن العربي المعافري، وتحت يدي الآن الجزء الثامن والتاسع من النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني، وسيصدر إن شاء الله عن دار الغرب الإسلامي، وكلفتني منظمة "الإيسيسكو" للتربية والثقافة والعلوم بمراجعة: معجم تفاسير القرآن الكريم الذي صدر عنها مؤخرا والاستدراك عليه، وقد تم المستدرك في حجم أصله، وتم طبعه وسيصدر قريبا بإذن الله، كما طبع لي جزء الأربعين حديثا في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، وتم توزيعه بتطوان، كما أخذ بعض الإخوة هنا مجلدا في خطب الجمعة لطبعه، يسر الله ذلك بمنه، وللأخوين الكريمين الدكتور حسن الوراكلي الأستاذ بجامعة أم القرى، وصديقه الأخ الداعية محمد المنتصر الريسوني كلام عني وعن أدبي نشر بمجلة دعوة الحق، كما صدرت لي ترجمة ضمن مادة التعريف بأسرة: "بوخبزة" في "معلمة المغرب" التي تصدر تباعا بالمغرب بإشراف الدكتور محمد حَجي.(1/144)
هذه ترجمة كتبتها بطلب من الأستاذ عبد الوهاب بن منصور مؤرخ المملكة المغربية، ليدرجها في موسوعته "أعلام المغرب العربي" التي صدر منها للآن 6 مجلدات، وأذكر أنني اعتذرت للأستاذ المذكور عن كتابة ترجمة بأنني تلميذ محب للعلم ولست من الأعلام حتى أترجَم ضمنهم، فأجابني أن كثيرا جدا ممن تضمهم معاجم التراجم وكتب الطبقات والتواريخ عوام أو في حكمهم، لا يستحقون أن يكونوا تلامذة بمعنى الكلمة، ومع ذلك فقد أضفيت عليهم الألقاب والأوصاف، وأسدلت عليهم أردية التعظيم والاحترام، فكيف تكِعُّ أنت -يخاطبني- عن التعريف بنفسك، وقد انتفع الناس بك، وأنا أعتمد على إشاراتك وتنبيهاتك كلما زودتَّني بها في كلام من هذا القبيل أملاه عليه تواضعه المشكور، وهو العالم المؤرخ المشهور، فشجعني كلامُه هذا على كتابة ما تقدم، وأرجو أن أكون قد أصبتُ الحقيقة، وأستغفر الله على كل حال، وقديما قيل:
لعمر أبيك ما نسب المعلى *** ... إلى كرم وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا اقشعرت *** ... وصوح نبتها رعي الهشيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الأسئلة والأجوبة :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) تسليما. توصلت أمس أول الخميس 14 جمادى الثانية 1423هـ بهذه الأسئلة الثامنة والأربعين من (منتدى أهل الحديث) وأنا خارج البلد تطوان، بعيد عن كُتبي، وأعاني من مرض، وهي أسئلة تحتاج إلى وقت ومراجعة، ورغم ذلك فقد استعنتُ الله تعالى على الجواب بما يحضرني الآن، مقتصرا على الجواب مشيرا إلى السؤال برقمه، سائلا الله السداد والتوفيق.(1/145)
1) هل يقاس على المجوس غيرهم في أخذ الجزية أم أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس؟ وإذا كانت العلة كما قال بعض العلماء في المجوس أن فيهم شبهة أهل الكتاب، فهل كل ملة ونحلة فيها هذه الشبهة نلحقهم بها مثل السيخ؛ فإنهم هندوس جمعوا إلى أفكارهم أشياء من المسلمين واليهود والنصارى ... والبوذية يزعم بعض الباحثين أن أصلها كان يدعو للتوحيد، ثم حرف الرّهبان أوامر بوذا، ويستدلون بنصوص من كلام بوذا موثقة حتى الآن ... فهل مثل هذا شبهة في إلحاق البوذيين بأهل الكتاب ؟؟؟ وفقكم الله وسددكم..
الجواب: حديث: (سنّوا بهم سنة أهل الكتاب)، صحيح، وهو وارد في مجوس هَجَر (البحرين وناحيتها) فالواجب الاقتصار عليهم وعلى من هم على نهجهم ونحلتهم من مجوس العصر إن كانوا موجودين، أما إلحاق غَيرهم من الوثنيين قياساً، فلا وجه له لمخالفته للمبدأ المتفق عليه، وهو أخذ الجزية من أهل الكتاب: اليهود والنصارى بفِرَقهم، والله أعلم.
2) لا أستطيع الآن الجزم بتحديد أول شارح لصحيح البخاري، وإن كنت أميل إلى أنه أبو سليمان الخطابي في (أعلام السنن) وقد طبع، أما النصيحة للداودي التلمساني، فلا أعلم عنها شيئا إلا النقول عنها في (فتح الباري) وغيره.
الجواب: شيخنا الفاضل من هو أول من شرح صحيح البخاري، هل هو أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي (المتوفى سنة 402 هـ) أم هو الخطابي؟ وهل شرح الداودي هذا "النصيحة" موجود أم مفقود (إذ أن فؤاد سزكين لم يذكره في كتابه، ولا المستشرق بروكلمان).
3) ما رأيكم في المسألة التي رفع لواء الدعوة إليها بعض المعاصرين؛ وهي التفريق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين في تصحيح الأحاديث وتضعيفها في هذه الأزمنة المتأخرة؟(1/146)
الجواب: مزاعم بعض الطلبة الآن حول أصول الحديث، والدعوة إلى إعادة النظر في بعضها، هي في نظري محاولة فاشلة، لعل الداعي إليها الرغبة في الشهرة ودعوى التجديد، وهي مسبوقة بمحاولات قام بها بعض أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم كابن عَقيل الحضرمي الزيدي، وقد ضمن أفكاره كُتيبا مطبوعا سماه (العتب الجميل، لأهل الجرح والتعديل) وتبنى هذا المنهج بالمغرب شيخنا أحمد بن الصديق الغماري كما تراه في رسالته (فتح الملك العلي، بصحة حديث باب مدينة العلم علي) وهي مطبوعة؛ نعم في دعوة بعض أهل العصر من السباب المعني بالحديث إلى عدم تقليد الحافظ ابن حجر تقليداً أعمى في أحكامه على الرواة في (تقريب التهذيب) بعضُ الحق، تلوح معالمُه في طبعة بشار عوّاد معروف للكتاب التي بناها على البحث والمقارنة.
4) هل التقيتم بأحد من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وكيف كانت متابعتكم لأخبار الجمعية في المغرب الأقصى؟
الجواب: لم أَلق من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلا زعيمَهم الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله، وقد كان لسان الجمعية الناطق، وقطبَها الذي عليه مدارها مع صديقه الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله، كما عرفتُ مؤخرا أحد أعضائها وهو الشيخ الحسين السليماني المقيم الآن بجُدّة، ولا أدري ما فعَل الله به فقد كان مريضا جدا شفاه الله تعالى.
5) ذكر الشيخ فرحات بن الدراجي (أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في مجلة الشهاب (جزء 6 مجلد 15) أنه حصل على نسخة خطية من كتاب "تهذيب المدونة" لأبي سعيد البراذعي القيرواني، وتبلغ صفحاتها 566 صفحة في القالب الكبير، ولم يذكر ناسخها، ولا تاريخ نسخها. وكان الشيخ ينوي طبعها ولم يوفق لذلك رحمه الله. فما هي أفضل طبعات هذا الكتاب، وما هي قيمته العلمية؟(1/147)
الجواب: كتاب تهذيب المدونة للبراذعي أشهر مختصراتها وأوفرُها حظا من الخدمة والعناية، ونُسخُه كثيرة، ووقفت بالخزانة الحسنية بالرباط على نسخة منه عتيقة جدا مكتوبة على الرق بخط أندلسي، وقد طُبع الآن بدبي ولا أدري هل تم طبعة أم لا، فقد أُرسل إلي جزؤه الأول وهو يشكل ثلثه.
6) ما مدى أهمية كتاب (المبسوط) لإسماعيل القاضي لدى علماء المالكية، وهل الكتاب موجود أو مفقود؟ فإن كان مفقودا فهل تستطيعون تحديد آخر من وقف عليه من العلماء؟ وأيضا التكرم بذكر من شرح الكتاب أو اختصره.
وهل كتاب (أحكام القران) لإسماعيل القاضي موجود أو مفقود؟ وإن كان مفقودا فحسب، فهل في علمكم من آخر من اطلع عليه من أهل العلم، وهل هناك من اختصره أو اعتنى به، وجزاكم الله خيرا.
الجواب: (المبسوط) للقاضي إسماعيل الجهضمي من مالكية العراق، كتاب مشهور من أمهات فقههم، ولا وجود له الآن فيما أعلم، ولا نعلم من شرَحه، نعم يمكن اختصاره لطُوله، ولا أذكر آخر من نقَل عنه، إلا أن الشيخ عبد الله بن أبي زيد القيرواني ضمّن كتابه (النوادر والزيادات، على ما في المدونة من غيرها من الأمهات) وهو مطبوع في اثني عشر مجلدا منها اثنان بتحقيقي، نصوصا كثيرة منه، ومن كتاب محمد ابن سحنون، وواضحة عبد الملك بن حبيب وكتاب ابن عبدوس وابن شعبان وغيرها مما فقد، ومن هنا تبرز أهمية كتاب (النوادر)، و(المبسوط) يحتوي على روايات كثيرة للإمام مالك وكبار أصحابه مما خلت منه (المدونة)، ومثله (أحكام القرآن) للقاضي إسماعيل نفسه، لم أقف عليه ولا على من وقفَ على نسخة منه.(1/148)
7) من المعلوم أن كتب المالكية فقيرة جدا إلى الأدلة، خاصة منها كتب المتأخرين المصابين بداء الجمود والتقليد. لذلك فقد رأيت بعض طلبة العلم يضطرون للجوء إلى كتب المذاهب الأخرى بحثا عن أدلة مذهب المالكية!! فهل لكم أن تدلوني على أهم كتب المالكية التي تعنى بالاستدلال (ويشمل ذلك الأدلة الأصولية المختلف فيها كالمصلحة والاستحسان ونحوها) سواء منها ما كان مطبوعا أو مخطوطا؟ جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/149)
الجواب: حدثني بعض الإخوان عن الدكتور وهبَة الزحيلي السوري أنه شكا إليه خلوّ كتب المالكية من الاستدلال والتوجيه، وما عاناه من المشقة والعنَت في البحث عن أدلة مذهبهم لمَا كان يؤلف كتابة (الفقه الإسلامي وأدلته) المطبوع، ونفسُ الشكوى أبداها الشيخ أحمد ابن الصديق لما ألف كتابه (مسالك الدلالة، في شرح أدلة الرسالة) وهو مطبوع، وقد استغرق في تأليفه سنوات، و(مسالك الدلالة) هذا، و(إتحاف ذوي الهمم العالية، بأدلة مسائل العشماوية) لشقيقه عبد العزيز ابن الصديق، وهو عالةٌ فيه على شقيقه المذكور، وكتاب (التمكين، لأدلة المرشد المعين) لأحمد الوَرَايْني من خريجي دار الحديث الحسنية بالرباط، هذه الكتب الثلاثة لهؤلاء المعاصرين ليس للمالكية المتأخرين مثلُها. ولا أعرف فيما اطلعتُ عليه من كتبهم -وهو كثير- ما فيه من غَناء في هذا الباب، إلا قليلا ككتاب (البيان والتحصيل) لابن رشد الجَد، ومقدماته وهما مطبوعتان، وشرح المازَري لكتاب التلقين للقاضي عبد الوهاب، وقد طُبع بعضُه، وكتاب التوضيح وهو شرح مختصر ابن الحاجب الفرعي، للشيخ خليل وهو مخطوط، وكتاب (الإشراف) للقاضي عبد الوهاب، وهو مطبوع، و(التوجيه) لابن بشير وهو مخطوط، ولبعض المعاصرين من الشناقطة شرح مختصر خليل بالدليل نسيت اسمه، وقد طبعته رابطة العالم الإسلامي بمكة، وقفت عليه، فإذا به يذكر دليل المسائل المعروفة المتداولَة ويسكت عن الباقي وهو أكثر من النصف، وللدَّاه الشنقيطي كتاب اقتصر فيه على ما يكثُر من مختصر خليل مع ذكر الدليل فيما يزعم وهو مطبوع ولعل اسمه (فتح الرحيم الرحمن..)، وتراه فيه يستدل للمسائل بأقوال مالك وأصحابه على إعواز فيه.(1/150)
8) شيخنا الفاضل سلام الله عليك ورحمته وبركاته .. وبعد .. فقد كان لي شرف القراءة والسماع عليكم لكتاب (الأوائل العجلونية) سنة (1420هـ) بمكة المكرمة ..وبصحبة بعض الفضلاء .. وعلى رأسهم أخي الحبيب الشريف حاتم العوني ..وقد كتبتم لي الإجازة بخطكم على نسختي الخاصة المقروءة عليكم .. وإنه ليشرفني أن أحدث عنكم في حياتكم (بارك الله في علمكم ونفع بكم). ومما فهمت منكم في ذلك المجلس أن لكم إجازة من الشيخ العلامة المحدث محمد ناصرالدين الألباني (رحمه الله) .. وقد أجزتموني بذلك.
والسؤال: هل تلكم الإجازة عامة .. في جميع مروياته؟ ..أم أن ذلك يخص المقروء عليه من سنن النسائي الكبرى ..وهل هناك مناولة لشيءٍ من كتبه؟..لأنه حصل عندي لبس في ذلك.
إني لفي أشد اللهف لمعرفة ذلك بالتفصيل .. وباللفظ الذي عبر به لكم في الإجازة .. وتقبلوا فائق شكري .
محبكم وتلميذكم البار .. يحيى (العدل) (9/5/1423هـ).
الجواب: ما سمعتم مني وكتبتُه لكم على نسختكم من الأوائل العجلونية، كان موجزاً جدا، وهو في نص الإجازة المطوَّل -ويظهر أنكم لم تحصلوا عليه- مبسوط نوعاً، وروايتي عن الشيخ الأباني رحمه الله إنما هي مُناولة منه مأذونة بمنزله بالمدينة المنورة عام 1382هـ، وكانت لرسائله صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وصلاة التراويح، وحجاب المرأة المسلمة في طبعتها الأولى، وفهرسة كتب الحديث الظاهرية قبل أن يطبع منتخبه، وفي زيارتي له بعَمّان بعد انتقاله من دمشق ناوَلني المجلد الرابع من السلسلة الصحيحة طبع المكتب الإسلامي، وكَتَب عليه الإهداء وأذن بالمناولة، ومعلوم أنه لم تكن له عناية بالإجازات ولم يُجزه إلا الشيخ راغب الطباخ الحلَبي بمبادرة منه.
9) شيخنا الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله. لقد سمعت عنك كثيراً، وأسأل الله أن يُمد في عمرك ويحسن لنا ولك العاقبة. ما منهج ورأي من فضّل صحيح مسلم على البخاري؟ وما هو الجواب عنه؟(1/151)
الجواب: مسألة المفاضلة بين الصحيحين شهيرة، ومعلوم أن المغاربة أعني الأندلسيين يُفضلّون مُسلماً، وقد قيل في هذا:
تنازعَ قومٌ في البخاري ومسلم * قديماً وقالوا: أيَّ ذَين تُقدِّمُ
فقلتُ: لقد فاق البخاريُّ صحةً * كما فاق في حُسن الصناعة مُسلمُ
10) شيخنا الفاضل العلامة أبا أويس محمد بن الأمين بوخبزة -كان الله له بإنعامه- من أبي محمد عصام البشير بن محمد عصام المراكشي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هَذي تحيةُ حبٍّ خالصٍ مُزجتْ ... *** ... بالشوقِ، أبعثُها لِحَبر تطوانِ
محمد بن الأمينِ مَن له جُمعتْ ... *** ... شتى الفنون له ربي بإحسانِ
أتشرف بأن أبعث لكم بالأسئلة التالية، راجيا من المولى القدير أن ييسر لي أسباب الاجتماع بكم، والنهل من حياض علمكم.
- ذكر بعض من ترجم للشيخ أحمد بن الصديق أنه كان في درس صحيح مسلم بالجامع الكبير بطنجة يبدأ بسرد الأحاديث من حفظه بأسانيدها، فتبلغ ثمانين حديثا ونحوها، ثم يكر عليها بالكلام على رواتها، وما فيها من غريب وفقه ونحو ذلك. وذكر كثيرون عنه قصصا من هذا القبيل، تشهد لاتساع دائرة حفظه كثيرا. فهل كان فعلا يحفظ الأحاديث سردا، أم أن حفظه هو المعرفة والفهم كما هو حال أكثر المتأخرين؟(1/152)
الجواب: كان الشيخ أحمد ابن الصديق عَقَد مجالس إملاء بالأزهر في شبابه، وأراد بها إحياء أمالي ابن حجر والسَّخاوي، وأنا لم أدرك هذا كما لم أُدرك إملاءه بجامع طنجة، إلا أن ما يقال عن حفظه مبالغ في بعضه وكذب في الآخر، فالمبالَغ فيه إملاء ثمانين حديثاً بأسانيدها، إلا أن يكون حدّث مرة مع إعداد ومعاناة حفظ، وأماليه بالأزهر لم يكن المجلس فيها يتجاوز العشرةَ مع ملاحظة نزول الأسانيد، أما الكذب فما سمعتُه في الحرمين من أنه يحفظ صحيح البخاري أو الصحيحين معاً عن ظهر قلب، وهو لا يستطيع إملاء كتاب من كتب الصحيح ابتداءً، وشقيقه الشيخ الزمزمي أحفظ منه للمتون، وهو فيما عدا ذلك كغيره من العلماء بل في هؤلاء من كان يستحضر اكثر منه كالشيخ المدني بن الحُسْني وبوشعيب الدكالي.
11) سمعت من يقول إن الشيخ الزمزمي بن الصديق لم يكن قويا في العلم كإخوته أحمد وعبد الله وعبدالعزيز، وإنما كان داعية من دعاة السنة ونبذ التصوف. ويستشهدون بأن كتاباته مبسطة جدا وليس فيها عبارات العلماء واصطلاحاتهم. فما رأيكم؟
الجواب: عن الشيخ الزمزمي ابن الصديق: لم تكن له عناية بالأسانيد والطرُق، وكان متفرغاً لدعوة العامة وأشباههم، وهؤلاء يحتاجون إلى من يخاطبهم بما يفهمون، فلذلك كانت خطبُه ودروسه باللهجة الدارجة، إلا إذا كان يُدَرس مع الطلبة، وهو في العلم أقل درجةً من شقيقيه: أحمد وعبد الله، أما الآخران فكان أحفظ منهما وأعرفَ بالفقه والمتون، ويُتقن حفظ القرآن دونهم.(1/153)
12) شيخنا الفاضل حفظك الله وبارك فيك وأمدك في عمرك على طاعته. هناك سؤال يدور في ذهني كثيرا وقد سألت بعضا من العلماء عنه، ولكني لم أجد الجواب المفصل والسؤال هو عن فائدة علم المنطق وهل يُنصح بدراسته، وأنا في الحقيقة لم يوصيني به وبحفظ (السلم المنورق) خصوصا وقد حفظتها سابقا - إلا من درس على يد شيخ شنقيطي فقط، أما غيرهم فلم ينصحني بها، ويذكرون كلاما لشيخ الإسلام رحمه الله في ذمّه وهم يحملونه على جميع أقسام هذا العلم فما رأيكم في ما ذكرت؟ وأتمنى أن تذكروا أهم المتون في هذا الفن؟
الجواب: علم المنطق صناعة لفظية تتمسَّح بالفكر، وليس كما يزعم مناصرُوه الغُلاة، وهو مما كان يُحذر منه السلف الصالح كما تعلمون، وقد قرأت السُّلَّم المرَوْنق للأخضري وبشرح بناني، وإليه المنتهى فيه عند المغاربة، فلم أجد فيه كبير غَناء، مع عظيم عَناء، ومَن أوتي فطنة وفضلَ ذكاء أدرك ما فيه من زَيف وخلل كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (نقض المنطق) والمؤلفات فيه كثيرة من أسْيرها (إيسَاغُوجي) ومصنف البِقاعي والمغيلي، والمنطق الحديث لعبدالوصيف وغيرها كثير.
13) رجل صلى صلاة الفجر ونسي وصلى أربع ركعات، ولم يذكر إلا وهو جالس في التشهد الثاني، فماذا يصنع ؟
الجواب: ومن صلى فريضة الصبح أربعا ناسياً، فهي له نافلة، وليستأنف صلاةَ الصبح ركعتين بشروطها وأحكامها كما أمر الله.
14) مسافر صلى خلف مقيم وجهل أن متابعة الإمام واجبة فلما قام الإمام إلى الركعة الثالثة سلم المسافر وانصرف فماذا يجب عليه ؟
الجواب: إتمام المسافر خلف المقيم هو الصواب إن شاء الله، ومن قَصَّر خلفَه إن كان يتصرف عن دليل كما هو مذهب ابن حزم والبخاري والبيهقي وأحمد بن الصديق والزمزمي فإنها تجزئه لأنه على كل حال يعبُد الله على بصيرة.
15) الشيخ الفاضل بارك الله فيك ونفع بك، هل كتاب علل صحيح البخاري لابن عبد البر موجود؟ فقد سمعنا أنه مخطوط عندك.(1/154)
الجواب: كتاب ابن عبد البر (الأجوبة المستوعبة) جزء صغير على بتْر فيه وليس كما تتصوره، وقد أخذه مني بعض الإخوان لتحقيقه.
16) هل كتاب المداوي للغماري المطبوع ناقص أم أنه مكتمل؟
الجواب: (المداوي لعلل المناوي) لأحمد ابن الصديق طُبع بمصر وقد ذكر محققُه في أوله أنه وقع التصرفُ فيه من طرف شقيقه عبد الله بحذف ما فيه من سب وتجهيل مبالَغ فيه للمناوي، وفيما تركوه كفاية.
17) ما هو أجمع كتاب لكتب تراجم المالكية؟
17) أجمع كتاب في تراجم المالكية مع الاختصار: (شجرة النور الزكية) للشيخ مخلوف التونسي، وهو مطبوع، وأجلها وأعظمها فوائد: (ترتيب المدارك) للقاضي عياض، طبعة الأوقاف بالمغرب.
18) الغماريون الإخوة: عبد الله وأحمد وعبد العزيز، ما هي عقائدهم وأيهم أقوى علما، ما هو المأخذ عليهم؟
الجواب: الغُماريون الخمسة الأشقاء، هم على ترتيب أسنانهم: 1- أحمد، 2- عبد الله، 3- الزمزمي، 4- عبد الحي، 5- عبد العزيز. أولهم أحمد، وهو أكبرهم سِنّاً وعلما، يليه عبد الله، ثم الزمزمي، ثم عبد الحي، ثم عبد العزيز، وقد ابتُلوا ببَليتين: التشيع، والتصوف، وكان فرطُهم إلى الحق في الجملة: الزَّمزمي الذي طلَّق الزاوية وتبرأ منها ومن طُقُوسها، وقد درجوا جميعاً رحمهم الله وعفا عنهم، ولولا هذا البلاء لكان سيدُهم وأعلم أحمد فردَ المغرب وعالمَه ومُحَدّثَه دون منازع، وقد قال عنه شيخنا الدكتور الهلالي: عالمُ الدنيا أفسَدَتهُ السُّبحة، ومنهم أخوهم المُفرد الحسن، فقيه أصولي مُطّلع على ذكاء وألمعية، وأصغرهم سِنا الدكتور إبراهيم وهو مُفرد أيضا، على معرفة واطّلاع، وكلهم صوفية خُرافيون كما ألمعنا ما عَدا الزمزمي رحمه الله تعالى.
19) كتبكم وبحوثكم شبه مفقودة لدينا، هل بإمكانكم إرسالها لنا، ونتحمل التكلفة؟(1/155)
الجواب: كتبتُ كثيرا من مذّكرات مختلطة من قَبيل كتب المحاضرات والنوادر والفوائد المنثورة، منها: نُقل النديم في مجلد، حَفْنة دُرّ مجيليد، رونق القِرطاس ومَجلب الإيناس، مجلد وسط، وسَقيط اللآل، وأُنسُ اللَّيال، مجلد وسط، وآخرون، ديوان خُطب مجلد، الشذرات الذهبية في السيرة النبوية، مجلد وسط- جربا السّائح تم منه مجلدات ولم ينتَه بعدُ، وطُبع لي مؤخرا أربعون حديثا في النهي عن اتخاذ القبور مساجد في جُزء، وتعليق على رائية ابن المُقرئ اليمني في الرد على الاتحاديين في جزء مخطوط، ومن التحقيقات: سراج المهتدين لابن العربي القاضي في الحديث طُبع بتطوان، أربعون حديثا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، طبع بتطوان، و9 مجلدات من الذخيرة في الفق المالكي للشهاب القرافي طُبع بدار الغرب الإسلامي في 13 مجلدا، والنوادر والزيادات لابن أبي زيد حققتُ منه مجلدين طُبع بدار الغرب في 12 مجلدا، وشاركتُ بمواد كثيرة في تحرير (معلمة المغرب) طُبع منها 14 مجلدا، ومجموعة رسائل كثيرة إخوانية وأجوبتها، هذا ما أذكُرُه الساعة، ومعظم هذه الأوضاع مخطوط، وفيها ما يُتحرَّز من نشره لتعلّقه بأفراد أحياء، ويمكن الاطلاع على بعض ما تمَّ عند الإخوان والأصدقاء، الذين يَغشَون منزلي، ويترددون إلي.
20) من هم العلماء البارزين في المغرب من أهل السنة؟
الجواب: عن العلماء البارزين من أهل السنة في المغرب: عن الجيل الحاضر لا أعرف أكثرهم، وعن الماضين أعرف من سميتُ سابقاً، وأُضيف إليهم محمد بن العربي العلَوي، وعبد الحفيظ الفاسي الفهري، والنتيفي.
21) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نرجو مساعدتنا للوصول إلى أفضل حل لهذه المشكلة:(1/156)
نعمل بشركة للاستيراد والتصدير، ويوجد بعض الموظفين تسند إليهم عُهد مالية لتسوية بعض المهام والأعمال الخاصة بالشركة (ومهام عملهم صرف فقط لا تحصيل من عملاء الشركة)، وعند تسوية عهدة أحد الموظفين في نهاية الشهر وجد معه مبلغ من المال زيادة في العهدة، وقد أفاد الموظف بأنه يخلط ماله الخاص بمبلغ العهدة، وأفاد أيضاً بأن هذا المبلغ زيادة في عهدته ولا يعلم مصدره، وقد تمت مراجعة حسابات الشركة من قبل الإدارة المالية على مدار 6 أشهر، وجميع حسابات الإيرادات والمصروفات سليمة ولا خلل بها، وأفادت الإدارة المالية أن هذا المبلغ الزائد لا يندرج تحت بند العهد والمصروفات ولا يعلم مصدرة من جانبها.
فما حكم الشرع في هذا المبلغ الذي مازال معلقا في حيازة الموظف، وما الجهة الشرعية لصرفه؟ أفيدونا أفادكم الله بما يحقق لنا ولموظفينا الورع في المعاملات المالية، وجزاكم الله عنا خيرا.
الجواب: مسألة المال الزائد الذي لا يُعرف مصدره بعد مراجعة الحسابات، تُشبه اللُّقطة، فأَرى أن يحتفظ المكلَّف بهذا المال إلى أن يُعرف مصدرُه، ويظهر صاحبُه، ويمكن التصرفُ فيه على أن يبقى في ذمة المكلَّف، فإن ظهر صاحبه دُفع إليه، وإلا انتفع به المكلف.
22) رجل يسكن في حي يلعب فيه أبناء الحي الكرة، ويسببون له الإزعاج والأذى بسبب لعبهم، وكان يأخذ الكرة منهم عندما يلعبون أمام منزله ويتلفها عليهم ولا يعيدها، ومضى على ذلك سنوات، والآن ما الواجب على الرجل هل يشتري كرة ويعيدها لهم؟ أم يعيد قيمتها؟ ولمن يعيدها للآباء أم لأبنائهم الذين كانوا يلعبون؟ وإذا سامحه الابن البالغ، هل يجب أن يسامحه الأب الذي هو ولي أمر الابن؟(1/157)
الجواب: مسألة الكُرة: إذا سبق أن تقدمتَ إليهم إلى اللاَّعبين والحال أنهم بَالغون مكلفون، بالكف عن الإزعاج والأَذى، فلم يفعلوا واستمرا على أَذاهم لك حتى أتلفتَ كُرتَهم، فأرَى أنه لا ضمانَ عليك، لأنك أنذرتَهم فلم ينزَجروا، ودفع الأذى مشروع، وقد أعذَر من أنذَر.
23) إذا كان الرجل يتحدث في المجلس عن رجل لم يذكر اسمه وليس معروف، مثل: (كان لي جار ... ونحوها) هل تعد غيبة؟
الجواب: ذكرُك رجلاً بالوصف دون الاسم، ينظر في طبيعة الذكر، فإن كان مما يُكره، فهو غيبة لأنه معيَّن عندك وإن لم تُسمِّه، وإن كانَ مُجرد ذكر لا عيبَ فيه، فلا يعتبر غيبةً لأنها ذكرك أخاك بما يكره.
24) كنت طالبا في الثانوية في السنة النهائية، وفي مادة التربية الرياضية (البدينة)طلب المدرس منا طلاب الفصل في الامتحان النهائي أن يؤدي كل طالب تمرين رياضي معين (25) مرة، وعليها خمس وعشرون درجة من المجموع الكلي للمادة، وهي 100درجة، ولم أستطع أن أقوم بها سوى ثلاث مرات تقريباً؛ ليس خداعاً أو احتيالا، وكنت أنوي أن أعملها في المنزل لعدم استطاعتي أن أعملها دفعة واحدة؛ وكنت أريد أن أخبر المدرس، لكنني نسيت وبعد تخرجي التحقت بكلية المعلمين تخصص دراسات قرآنية -ولله الحمد والمنة-، والآن أنا خائف من أن تكون المكافأة التي استلمتها من الكلية حرام؛ ولقد أثر الأمر علي كثيراً مع مضي سنتين تقريبا، وأنا خائف من الله، وأصبحت أحس أن ما أنفقه من الصدقات، وما أعطيه لوالدي حرام وسحت؛ ولقد كنت في دراستي أحذر الغش، والله المستعان؛ وما الحل جزاكم الله خيراً؟ لأنني أنتظر ردكم بفارغ الصبر حفظكم الله؟
الجواب: مسأل المكافأة التي تسلمتَها من الإدارة وأنت طالب لا شيء فيها، لأنك نجحتَ وأنهيتَ المِشوار بسَلاَم مع سلامة النية، والبراءة من الغش.
25) إذا بلع الصائم النخامة، هل يبطل صيامه مع مضي سبع سنوات على هذه الحال؟ وهل يطعم مسكينا إذا كان صيامه فسد؟(1/158)
الجواب: بلعُ الصائم نخامتَه لا يُفسد صومَه لأنه ليس أكلاً ولا شُرباً، وكثيراً ما يقع هذا.
26) (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء: من الآية48]، هل يعنى أن المسلم إذا أشرك ثم أسلم لا يغفر الله له، ولابد أن يعذب؟
الجواب: إذا وقعَ المسلم في الشرك بالله والعياذ بالله، ثم ندمَ وتَاب بصدق فإنه لا يُعذّب، والمراد بآية: (إن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به) من أصَرَّ على الشرك إلى الممات، وأما من تاب فإنه مغفور له، (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سَلَف).
27) هل كتب الزوائد لابن الملقن موجودة جميعها ؟
28) وما هي الكتب التي اعتنت بزوائد الترمذي ؟
الجواب: لا علم عندي بهذه الزوائد.
29) ما رأيكم بكتاب (الأنيس والرفيق في ترجمة أحمد بن الصديق) لتلميذه عبدالله التليدي، وهل التلميذ موافق لشيخه في عقيدته المنحرفة؟
الجواب: كتاب (الأنيس والرفيق) لعبد الله الكرفطي سيرةٌ مشوهة لشيخه أحمد ابن الصديق، ملأها بالأكاذيب والخرافات، ومنها ما عَرف الناس كثيراً من خفَايا ومساوي شيخه، ولله في خلقه شؤون، وقد تراجع مؤلفُه الكرفطي عن بعض فواقره كسبّ الصحابة، ووحدة الوجود، واتخاذ القبور مساجد، ولعله يتوب إلى الله توبة نصوحا، هدانا الله وإياه.
30) لأحمد الغماري مناظرة مع الشيخ الألباني فهل سمعتم شيئا عنها؟(1/159)
الجواب: عن مناظرة الألباني والزمزمي: سمعتُ بعضَ تسجيلها، وكان الشيخ الزمزمي بادر إلى طبع مُلخَّصها، ومن سمع تسجيلَها المفصل، علم أن تلخيصها لم يكن سَليماً، وموقف الشيخين في موضوع المناظرة: (الأسماء والصفات) معلوم، فإن الألباني سلفي خالص، والزمزمي اتخذ لنفسه مذهبا خاصا فلا هو سَلَفي ولا جهمي أشعري، على أن هذه المناظرة التي وقعت بطنجة كانت بين الألباني والزمزمي وفي بيت هذا الأخير، أما مناظرته للشيخ أحمد فقد أشار إليها الألباني في (تحذير الساجد) ولا علم لي بتفاصيلها إن كان لها تفاصيل.
31) سمعت من لسان التليدي أن شيخه كان يلعن معاوية –رضي الله عنه- فهل بقي على ذلك إلى مماته؟
الجواب: الشيخ أحمد وإخوته، حتى الزمزمي وأبناؤه كلُّهم منحرفون عن معاوية - رضي الله عنه - ، ويزيد الأول على لعن معاوية لعنَ أبيه، وعمرو بن العاص، وسمُرة بن جندب، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم نسأل الله العافية.
32) لقد أصهرتم إلى بيت الغماري فليتكم تحدثونا عن قصة الصراع العلمي بين أحمد وعبد الله من جهة وبين أخيهم السلفي محمد الزمزمي ومسبباته، وما أبقى هذا الصراع العلمي من أثر مكتوب؛ نريد حديثا مفصلا في الموضوع، وأحوال محمد الزمزمي لأني سمعت من لسان الشيخ عبد الله التليدي ومضةً خاطفة.(1/160)
الجواب: معرفتي بالشيخ أحمد وشقيه الزمزمي تَرجع إلى عهد الصِّبا، أما عبد الله وعبد الحي وعبد العزيز فكانوا يومئذ بمصر يدرسون، ولي مع الشيخ عبد الله مراسلات، ولم أعرفه مُباشرة إلا بعد قدومه المغرب إثر خروجه من السجن، وكذلك الأخَوَان لم أعرفهما إلا بعد قدومهما إلى المغرب قديما، والعداء الناشبُ بين الإخوة والأشقاء كانت له أسباب على رأسها: الحسَدُ والتنافس العلمي، ثم تصرُّف الشيخ أحمد في ميراث والدِهم بسبب أنه النائب الوصي عليهم خصوصاً الدار الكبرى التي باعَها، ومكتبة والدِهم العامرة، وهذا ما سمعتُه بنفسي منهم في محاولة للإصلاح بينهم، ومما زاد في تأجيج نار هذه العداوة نميمةُ عبد الله الكرفطي الذي أبلى البلاءَ السّيّء في هذا المجال بتشجيع من الشيخ وترشيح له لهذه المهمة، خصوصاً بين الشيخ وشقيقه الزمزمي الذي أفضَت ذاتُ بينهما إلى تأليف الرسائل في مثالب كل منهما، وقد أحسن الشيخ الزمزمي في إحراق هذه الرسائل بعد وفاة أخيه. وقد رأيت أنا هذه الرسائل، أما الشيخ أحمد فقد كان عازما على تأليف حقيبة الغرائب في إخوته، فرجوته التخلي عنها ففعل، وكذلك ما جرى بين الشيخ أحمد وشقيقه عبد العزيز الذي كان يسطُو على آثار أخيه فيدَّعيها لنفسه بعد التغيير، وأؤكد أن معظم ما جرى بين هؤلاء الإخوة يرجع إلى سعي الكرفطي وشيطَنَتَه لحاجة في نفس يعقوب، وعند الله تجتمع الخصوم، والله المَوعد، وقد حدثني الدكتور إبراهيم بن الصديق وكان مع أخيه الشيخ أحمد بمصر بعد هجرته إليها أن أخاه كان يُعاني من تصلُّب الشرايين، وقد اشتد به المرضُ بسبب محنة أخيه عبد الله، وكان أحيانا يخِفّ مرضُه مالم تصِلهُ رسالة من الكرفطي (التليدي)، فإذا وصلَت انتكَس وعاودَه الأَلَم لما تحملُه رسائلُه من سُوء.(1/161)
33) في كتاب (در الغمام الرقيق برسائل أحمد بن الصديق) للتليدي ذكر أن هنالك نحو من ألف رسالة لأحمد عند أخيه عبد العزيز فليتكم تجمعون هذه الرسائل مع ما بحوزتكم وما عند غيركم وتنشر.
الجواب: (درّ الغمام الرقيق) للكرفطي رأيتُه، والجدير بالذكر أنه سطَا على أكثر من عشرين رسالة كتبَها الشيخ إليّ وفيها فوائد وحوار مفيد، ولَم يُشر إلى صاحبها ولم يسمِّه ليعلَم الناسُ طبيعةَ المسائل وموضوعاتها، وإنما أشار من بعيد إليَّ مع تهديد على عادة مُخَرّفي الصوفية بأنني سألقى جزائي قريبا لبحثي عن أخطاء الشيخ، وهو يشير بهذا إلى كتاب (التنبيه القاري، إلى فضائح أحمد الغماري) الذي ألفه مصطفى السفياني، ولم أكتب فيه حرفاً، وإنما نَقَل مؤلفُه عن مجموعة رسائل الشيخ إليّ وجؤنة العطّار بخزانة تطوان، وبعض مؤلفاته التي صوَّرها من عندي، ومن عادتي أن لا أبخل بشيء مما تحت يدي، أما تهديد الشيخ أبي الفتوح فهو فَسْوة على كُدية، وطَنزة عَنْز، وما عبّر بأخطاء الشيخ، هذه عينة منها: سبُّ ولعن نحو سبعة من الصحابة مع ردّ ما أجمع عليه السلف من عدالة الصحابة، اعتقاد أن الصحابة كانوا يُبغضون علياً، والحديث يقول: لا يُبغضك إلا منافق، والشيخ يحكم بنفاق ابن تيمية لهذا الحديث فيلزَمُه الحكمُ بنفاق الصحابة إلا الأقل، القول بإيمان فرعون وأنه مات مؤمنا، القول بوحدة الوجود في غلوّ مقيت ينحط إلى دعوى أن من لم يعتقدها فإيمانه مدخول، القول بفَناء النار، دعوى استمرار النبوة الخ، أما رسائل الشيخ إلى شقيقه عبد العزيز وأنها تبلغ الألف، فلا أعرفها، ومن المؤكد أن معظمها خاصٌّ وبعضها علمي وهو القليل، وما تحت يدي من رسائل الشيخ إليّ علاوة على ما سرقه الكرفطي ونشره، سوف يُنشر قريباً إن شاء الله تعالى.
34) ألا ترون أن مصنفات الشيخ أحمد فيها عجلة وحدة شديدة وبعد عن الدقة وتبني مسائل مستنكرة وتجاسر في الهجوم على الأشخاص والحط عليهم؟(1/162)
الجواب: مصنفات الشيخ ولا سيما ما كتب في أواخر عُمره تتّسم بالعجَلَة، وهي تعكس نفسية الشيخ المضطربة.
35) وجدت كثيرا من علماء المغرب ينتسبون إلى البيت النبوي، هل هذا النسب عند الكثير منهم له أساس صحيح؟ أم أنها دعوى بلا برهان؟
الجواب: دعوى النسَب النبوي بَليَّة قديمة، والدافع إليها، وهو الرغبة في الفخر والتعالي والتميُّز، والمتفق عليه بين العلماء أن الناسَ مُصدَّقون في أنسابهم وأن الإنسان مسؤول عن تصرفه، والحديث الصحيح يقول: "لعن الله من انتسب إلي غير موالِيه"، ويقول: "ومن انتسبَ إلي غير أبيه فالجنة عليه حرام"، وكل امرئ بما كسبَ رَهين، وقد ظهر زَيف كثير من هذه الدّعاوي، ومنها دعوى التليدي أنه إدريسي، ولم يُحلّه شيخُه بذلك، ولا مرة واحدة.
36) كتاب (تاريخ تطوان) لمحمد داود، هل هو أفضل تاريخ لمدينة تطوان أم لا؟
الجواب: تاريخ تطوان لصديقنا محمد داود رحمه الله، أوفى وأفضلُ تاريخ لها، ولجوانبَ من تاريخ المغرب عموماً، وقد طبع منه 9 مجلدات وما زال نحوُ ستة منه مخطوطة، إلى ملاحق، كملحق العائلات، والمساجد والزوايا، وأمثال أهل تطوان.
37) ما حال المخطوطات المغربية؟ وهل مازالت تباع عند الكتبيين؟ وما مصير مكتبة الأستاذ محمد المنوني -رحمه الله-؟
الجواب: حالة المخطوط العَربي بالمغرب جد سيّئة، والسَّرقة والتجارة قائمةٌ على قدم وساق للقضاء على ما تبقَّى منها، والحكومة لا تُعير اهتماماً لهذا، أما مكتبة الصَّديق المبرور المنوني فقد بيعت لجامعة محمد الخامس بالرباط فيما سمعت.
38) الدكتور محمد تقي الدين الهلالي شيخكم، فليتكم تكتبون عنه مقالة محررة عن دعوته وجهاده تنشر في هذا المنتدى.(1/163)
الجواب: شيخي الدكتور الهلالي رحمه الله، ذو جوانب متعددة، وكتابة سيرة مفصَّلة عنه تحتاج إلى وثائق ومستندات لا أعرف الكثير منها، والرجل كما تعلمون عاش قُرابة قرن كامل، وهو رُحَلة تَقلَّب في وظائف، واستوطَنَ أقطاراً، وصحاب عُلماء وزُعماء، ومذكراته واسعة، وما عندي منها إلا صُبابة لا تُغني.
39) مجلة (الدوحة) المغربية المتخصصة بالأنساب، هل مازالت تصدر وما صنع الله بها؟
الجواب: مجلة (الدوحة) لا أعرفها، وأذكر أنني رأيت مرة في الأكشاك جريدة النَّسَب، ولم أرها بعد ذلك.
40) الشيخ الفاضل أبو أويس المبجل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
سؤالي هو ماذا يعني قول معمر في اسماعيل بن شروس: "كان يثبج الحديث"، وقد قال معمر كما في ترجمة (خلاد بن عبدالرحمن بن جندة الصنعاني الأبناوي): "ما رأيت أحداً بصنعاء إلا وهو يثبج الحديث". وهذا اللفظ أخرجه البخاري في تاريخه في ترجمة خلاد، وأما ابن أبي حاتم فقد رواه عن معمر من طريق آخر ولفظه : "لقيت مشيختكم فلم أَرَ أحداً كاد أن يحفظ الحديث إلا خلاد بن عبدالرحمن"، وإسماعيل بن شروس صنعاني يدخل في قول معمر عن مشايخ صنعاء، فهل يعني أنهم أصحاب كتاب لا يحفظون؟ أم أنّهم يروون الحديث بالمعنى؟ أفتونا مأجورين، والله الموفق.
الجواب: قول معمر: ما رأيتُ أحداً بصنعاء إلاَّ وهويُثبِّج الحديث، معناه: لا يأتي به على وجهه، بل يضطرب فيه، وهو معناه اللغوي، يقال ثَبَّج فلانٌ الكلامَ، لم يأتِ به على وجهه، وثَبَّج الخطَّ لم يُبيِّنه، وهذا خط مُثبَّج، وهذه من ألفاظ التجريح الغريبة، ولأخينا الدكتور سعدي الهاشمي العراقي صهر الدكتور أكرم ضياء العمري كتاب طريف في ألفاظ التجريح الغريبة، وهو مطبوع، ولا تَطولُه يدي الساعة.(1/164)
41) شيخنا أبا أويس حفظكم الله، وبارك في عمركم، ونفعنا بعلمكم: هلا أطلعتمونا على بعض النفائس التي تحتوي عليها الخزانة العامة بتطوان أو المخطوطات التي لا توجد إلا فيها. فقد سمعت منكم شيخنا أنكم أعددتم لائحة بها..؟ وكذا الجامع الكبير الذي آلت مخطوطاته إلى كلية أصول الدين.
الجواب: عن نوادر المخطوطات في خزانة تطوان: كنتُ أعددتُ جريدة بها نحو عشرين عنواناً، وهي عند محافظ الخزانة، وكذلك خزانة الأوقاف بتطوان، وما فيهما من النفائس قليلٌ بالنسبة إلى القرويين والحَسَنية وابن يوسف بمراكش، وخزانة الرباط.
42) هل يعد التحقيق على النسخة الواحدة تحقيقا علميا؟
الجواب: تحقيق الكتاب على نُسخة واحدة إن لم يُوجد غيرُها ضرورة، وفيه صُعوبة.
43) توجه بعض الشباب إلى تحقيق المطبوعات الحجرية، هل يمكن أن نعد هذا تحقيقا، وهل تشجعون طلبة العلم على ذلك، وما هي بعض المطبوعات الحجرية التي تستحق التحقيق؟؟
الجواب: المخطوطات الحَجَرية بل المطبوعات كثيرة جدا لعلها فوق الألف، وفيها ما يستحق التحقيق والدراسة، وهي تختلف باختلاف الميول والتخصُّص، والحقيق يرجع إلى المٌحقِّق ومعرفته، ويَخضع لقواعدَ ومنهج علمي.
44) وهل تأذن بنشر بعض محاضرتكم في هذه المنتديات؟
الجواب: محاضراتي ومقالاتي محدودة، ولا مانع عندي من نشر ما يستحق النشر منها.
45) ما هي العقيدة السائدة في المغرب؟
الجواب: العقيدة السائدة بالمغرب هي الأشعرية منذ أيام الموحدين، والعقيدة السَّلَفية حديثة العهد بالظهور به، وهي مستهدفة للطعن والتنفير من صنفي الفقهاء والصوفية، والحكام.
46) هل تنصحون طلاب العلم بحفظ الأسانيد في هذا الوقت، فإننا نرى من يهتم بالحفظ حتى لأسانيد الصحيحين!!(1/165)
الجواب: حفظ أسانيد الأحاديث أَرَى أنه عَناء لا دَاعي إليه بعد طبع آلاف الكتب والأجزاء الحديثية، نَعَم العناية بها والبحثُ عن رجالها وأحوالها ضروري للبحث العلمي والتحقيق، وبدون ذلك لا يمكن الحكم على الحديث حكما علميا صحيحا.
47) ما رأيكم في منهج المشايخ البارزين في علم الحديث عندنا في المملكة كالشيخ المحدث عبدالله السعد، والشيخ المحدث سليمان العلوان، والشيخ المحدث عبد العزيز الطريفي، ما رأيكم بهم وبأقوالهم التي يخالفون فيها السواد الأعظم من أهل الحديث في وقتنا؟ وهل تنصحون بالاستفادة منهم أم لا؟
الجواب: عن المشايخ المُسَمَّين وأقوالهم المخالفة لمناهج أهل العلم المتخصصين، أقول بأني لا أعرف منهم إلا القليل، ولا أقرأ ما يكتبون شيئا، وأرى أن صرف الوقت في تحقيق ما ينفَع وفهمه على الوجه الصحيح، هو الصواب الواجب، ورحم الله ابن مالك القائل: ما أصح علمَ من تقدَّما.
48) ما صلتكم بالشيخ عبدالله الغماري؟ وأين مسكنكم في المغرب؟ وهل لكم مصنفات جديدة أو ستطبع؟
الجواب: صلتي بالشيخ عبد الله بن الصديق قديمة، وسببُها المُصاهرة، وقد أفدتُ من مكاتبته قديماً عندما كان نشيطاً في الكتابة بالصحف والمجلات كمجلة الإسلام، وهدي الإسلام، والهداية الإسلامية، ومجلة المسلم وغيرها، بالقاهرة، وقد أشرتُ سابقاً إلى ما كتبتُ وما نسعَى لطبعه إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مَصيف (تامَرْنُوت) صباح الأحد 17 جمادى الثانية 1423هـ أبو أوّيس الحسن.(1/166)