ولذلك يمكن القول إن الدعوة إنما قامت واستمرت على يد الابن الثاني لسلمان المرشد(ساجي)، الذي سمحت له سنواته الطويلة بالعمل لنشر الدعوة بالدروس والأشعار حتى وفاته في1992م. ويلاحظ هنا أن ساجي لم يوص لأحد من بعده فاستمرت هذه الطائفة بدون رأس روحي، حيث إن الأخ الأصغر له(نور المضي) يتمتع فقط بمكانة محترمة في الطائفة باعتباره الابن الأصغر لسلمان المرشد وليس بمكانة دينية.
ويوضح الكتاب بالتفاصيل والوثائق الحملة المتواصلة التي تعرض لها أفراد الطائفة منذ 1956، ومرورا بفترة الوحدة 1958-1961 وفترة الانفصال1961-1963 وحتى الفترة الأولى من حكم حزب البعث 1963-1970. فقد كانت هذه الحملة تستند إلى المادة(307) من قانون العقوبات الصادر في1949، التي لم تطبق إلا على أفراد الطائفة.
وتنص هذه المادة على أن "كل عمل وكل خطاب وكل كتابة يقصد بها أو ينتج عنها إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة يعاقب عليه بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين".
ولا يوجد هنا تفسير للسبب الذي كانت فيه السلطات تطبق نص هذه المادة على المرشديين فقط من دون الطوائف الأخرى حتى 1965، حين أصبح حافظ الأسد وزيرا للدفاع. فقد أصدر الأسد آنذاك أمراً (ظهر في الكتاب لأول مرة) يطلب من رجال الأمن عدم توقيف أي مرشدي بالاستناد إلى المادة (207) " لما كان من سمّوا بالمرشديين إنما هم فئة من العلويين الذين يشكلون بحد ذاتهم طائفة يجب أن تحترم أراءها و أفكارها" و"لذلك تلغى جميع البرقيات والكتب والبلاغات السرية السابقة المتعلقة بتوقيف المرشديين".(56/57)
ومع هذا الكتاب شاء المؤلف أن يقف عند سنة1970م، أي مع تسلم حافظ الأسد للسلطة. ومن الواضح هنا أن المرشديين لعبوا دوراً ما في الصراع الخفي/ العلني على السلطة في سورية ما بين جناح صلاح جديد وجناح حافظ الأسد الذي انتهى في13 تشرين الثاني1970م، نظرا لما قام به الأسد لأجلهم خلال1965-1970. ولذلك فإن الجزء الثاني الذي يغطي سنوات1970-1984م سيكون من الأهمية بمكان لأنه سيكشف عن جوانب خفية في تلك السنوات المهمة في تاريخ سورية، وهو ما نتمنى أن نطلع عليه في أقرب وقت.
أضواء على طائفة المرشدية
(سبق للدكتور محمد الأرناؤوط أن كتب عن المرشدية،
ولفائدة القارئ الكريم نعيد نشر مقاله القديم بتاريخ 10/9/2005 بجريدة الغد الأردنية)
في ربيع 2004 صدر في بيروت الجزء الرابع من مذكرات العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع المخضرم في سورية، الذي أثار اهتماماً كبيراً لكونه يتعرض لفترة الصراع على السلطة بين الشقيقين حافظ ورفعت الأسد في النصف الأول لعام 1984.
ويوضح العماد طلاس في هذا الكتاب خفايا هذا الصراع وتطوراته، الذي انتهى في نيسان 1984 بانسحاب رفعت الأسد من سورية وفق اتفاق خاص. وفي هذا السياق ركّز العماد طلاس على موقف الطائفة المرشدية التي كانت تمثل مع الطائفة العلوية العمود الفقري لسرايا الدفاع وعددها 40 ألف جندي، التي كان يعتمد عليها رفعت الأسد، وكيف أن الموقف تحول فجأة بعد أن التقى الرئيس حافظ الأسد بأولاد الإمام سلمان المرشد، مؤسس هذه الطائفة، وأعلنوا الولاء له. ويعترف طلاس في كتابه المذكور أن إعلان ولاء أفراد الطائفة لحافظ الأسد قد شكل ضربة قوية لرفعت الأسد، حتى أنه يقول أن انسحاب أفراد الطائفة المرشدية من سرايا الدفاع "زعزع كيانها وهزّ بنيانها" (ص349).(56/58)
وقد تصادف أنه بعد عدة شهور صدر في مطلع 2005 كتاب جديد في بيروت يميط اللثام أكثر عن هذه الطائفة ألا وهو مذكرات أحمد السياف "شعاع قبل الفجر" التي حققها وقدم لها الباحث محمد جمال باروت. وعلى عكس الكتاب الأول، الذي لم يسمح له بالوصول إلى المكتبات السورية، فإن الكتاب الثاني حظي برواج كبير في الشهور السابقة مما أخرج هذه الطائفة لأول مرة من الظل والتعتيم إلى النور والتقييم.
ونظراً لأن الأمر يتعلق بطائفة كبيرة نسبياً، لا تقل عن الدروز في سورية، وتنتشر من الشمال (شمال اللاذقية) إلى الجنوب (حوارن)، كما تروج حولها الغوامض أكثر من الحقائق، يصبح من الضروري والمفيد التعرف عليها عن قرب.
تعود هذه الطائفة في بداياتها إلى سلمان المرشد (الذي يشتهر أكثر باسم سليمان المرشد) والذي يشاع عنه أنه ادعى الألوهية وأنه اعتقل لأجل ذلك وأعدم في نهاية 1946، وهو ما يأخذ به العماد طلاس نفسه ويكرره عدة مرات (ص347 وغيرها). ولكن جمال باروت في كتابه المذكور يكشف عن خلفيات سياسية لمحاكمة متسرعة للمرشد، الذي كان عضواً في المجلس النيابي عن محافظة اللاذقية، وأن قرار الاتهام والإعدام لم يتطرق أبداً إلى مسألة ادعاء الألوهية كما يشاع بل أنه أعدم بتهمة قتل زوجته والتحريض على قتل آخرين في المواجهة التي حصلت مع الدرك في قريته بنهاية 1946.
والملاحظة الأولى المهمة أن المرشدية كطائفة دينية قد انبثقت اثنياً وليس عقيدياً من الطائفة العلوية، أي أن المرشديين كانوا في بدايتهم من العلويين من ناحية الدم والعادات والتقاليد، ولا يزال هؤلاء يشكلون الأغلبية بعد أن انضم إلى المرشدية أفراد من مناطق وأديان أخرى. ولكن من الناحية العقدية فقد استقلت المرشدية تماماً عن العلوية وأصبحت طائفة دينية مختلفة عنها لها عقيدتها وطقوسها الخاصة.(56/59)
والملاحظة الثانية هي أن سلمان المرشد (1907-1946) كان قد لفت الأنظار إليه في 1923 عندما بشّر بقرب ظهور المهدي لـ"يملأ الأرض عدلاً" ودعا إلى إلغاء الكثير من العادات التي تمس سيطرة مشايخ العلويين على أتباعهم. ومع أن المرشدية يجلونه كزعيم وإمام لهم، إلا أن المؤسس الحقيقي للدعوة المرشدية هو ابنه مجيب المرشد(1930-1952) الذي أطلق الدعوة باعتباره "القائم الموعود" في 22 آب 1951. ولذلك يعتبر يوم 25 آب هو العيد الوحيد عند المرشديين، الذي يستمر ثلاثة أيام (25-26 آب) ويحتفلون به في تجمعاتهم.
وقد أشار مجيب قبل قتله في 27 تشرين الثاني 1952 في عهد أديب الشيشكلي -وبإيعاز منه كما يعتقد- إلى أخيه الأصغر ساجي المرشد باعتباره "الإمام ومعلم الدين". وبسبب هذه الظروف يعتبر ساجي المرشد (1932-1998) هو المؤسس الفعلي للطائفة المرشدية باعتباره بقي حياً حتى 1998، وهو ما أتاح له تأسيس "مدرسة الإمام ساجي" التي تخرج منها الكثير من الشباب الذين أخذوا المعرفة الجديدة منه وساهموا بدورهم في انتشارها.
والملاحظة الثالثة أن الإمام ساجي لم يوص لأحد من بعده، ولذلك يقال عند المرشديين أن الإمام ساجي غاب ولم يمت انطلاقاً من المعتقد المرشدي بأن موت الإمام غيبه. ومع وجود الأخ الأصغر له النور المضيء، الذي لا يتمتع بأية مكانة أو سلطة دينية، لم يعد هناك مرجعية دينية أو "رجال دين" عند المرشدية بل هناك شخص يسمى "الملقن" الذي يتم اختياره من قبل الجماعة المرشدية في المحلة التي يعيشون فيها، والذي يقتصر عمله لمرة واحدة على تلقين طقس الصلاة لكل من يبلغ الرابعة عشرة من عمره ذكرا أو أنثى.(56/60)
والملاحظة الأخيرة تعتمد على أول عملين علنيين عن الطائفة وضعهما النور المضيء نفسه ("محاورات حول الحركة المرشدية" و"لمحة خاطفة عن الحركة المرشدية") حيث يتم التركيز على أن المرشدية "دين وليست حزباً سياسياً ولا برنامجاً اقتصاديا ... فهي تعتني بطهارة السريرة وليس بقوانين الإدارة" وبالاستناد إلى ذلك ينفي النور المضيء أي ادعاء للألوهية عند سليمان المرشد بل انه "بشر بقيام المهدي، ونادى بقرب وفاء الله لوعده، وحضّر أتباعه لهذا الوعد"، وبذلك فهو "الإمام القائم الذي يقمه الله ليمثل رضوانه للناس حياة وعملاً ويتشخص في كل دور بشريا". ويبدو من هذين الكراسين أن المرشدية تنتمي للديانات الغيبية التي تعتبر الموت انتقالاً خلاصياً إلى حياة أخرى أسمى من الحياة على الأرض وخلاصاً من شرورها.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أبناء الإمام سلمان المرشد (ساجي ومحمد الفاتح والنور المضيء) بقوا في الإقامة الجبرية حتى 1970، حيث كانت المرشدية ملاحقة وكان كل مرشدي يقر بمرشديته يعتقل ويحاكم بتهمة الانتساب إلى جمعية سرية. ولكن بعد 1970، وبالتحديد بعد تسلم حافظ الأسد للسلطة في سورية، أطلق سراح الإمام ساجي وأخويه محمد الفاتح والنور المضيء من الإقامة الجبرية واكتسبت الطائفة حرية الدعوة والحركة كبقية الطوائف. وربما هذا يفسر موقف أفراد هذه الطائفة مرة أخرى في الصراع على السلطة في سورية خلال 1984، حين أعلنوا ولاءهم لحافظ الأسد.
خذوهم بالصوت؟؟!!(56/61)
قالوا: نشبت أزمة حادة بين رموز سنية وشيعية في البحرين بعد خطبة الشيخ عيسى قاسم رئيس "المجلس العلمائي" ، والتي قال فيها "إن الرد على الفقيه العادل رد على الله". بين النائب السلفي الشيخ جاسم السعيدي إن "عدم تقديم أدلة واضحة وصريحة على هذا الكلام، يؤدي بصاحبها والعياذ بالله لشرك عظيم لأنك وببساطة ساويت كلام أئمتك وفقهائك العدول كما ذكرت بكلام الله سبحانه ونبيّه سيد البشر الذي لا ينطق عن الهوى. من جانبه اعتبر الشيخ حسين الديهي نائب الأمين العام لجمعية الوفاق الشيعية أن "ما جاء به السعيدي ضلال لا يخرج إلا من ضال وجاهل بدين محمد". وكشف خليل المرزوق نائب رئيس كتلة الوفاق في البرلمان، أن الكتلة خاطبت خليفة الظهراني رئيس مجلس النواب. وقال المرزوق في اتصال مع "العربية نت" إن "السعيدي تجاوز هذه المرة كل الخطوط. طلبنا من رئيس المجلس التدخل".
العربية نت 28/2008
قلنا: هكذا دوما سياسة الشيعة والباطنية يقولون الباطل، وإذا اعترض عليهم أهل الحق شغبوا بالصوت العالي وسوء الخلق لإرهاب أهل الحق، ومما يزيدهم في غيهم تقاعس أهل الحق عن نصرة الحق خوفاً من سفه الشيعة والباطنية!!
إصرار على باطلهم!
قالوا: يعيش البهائيون في مصر سعادة بالغة بسبب الحكم الجديد الذي أصدره القضاء المصري مؤخرا بحق أتباع البهائية بكتابة شارطة في خانة الديانة في بطاقاتهم الشخصية..
المصريون 3/2/2008
قلنا: أليس من العجيب إصرار هؤلاء المرتدين على باطلهم والافتخار بنسبتهم إليه في الوقت الذي يتقاعس بعض العلماء عن نصرة الحق، بل يفتى بعضهم بترك شيء من شعائر الدين لعدم مصادمة شعور الكفار!!
سوق رائجة!(56/62)
قالوا: كشفت أحدث دراسة مازالت تحت الطبع أجراها قسم كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن أن مافيا الدجل والشعوذة أصبحت أخطر من مافيا المخدرات في ظل غياب تشريع يعاقب عليها مع انتشار الجهل والأمية الثقافية والدينية .. التي تدفع المصريين إلى إنفاق ما بين 5,3 و5 مليارات جنيه سنويا على الدجل والشعوذة.……………………… مجلة روز اليوسف
قلنا: هذه بركات عجز الثقاة ، ومكر اليساريين والعلمانيين المسيطرين على منابر الإعلام والثقافة في بلاد المسلمين.
حرب لا يسمع بها أحد!!
قالوا: تجدد هذه الاشتباكات حصل بعد عدة كمائن نصبها أتباع الحوثي خلال اليومين الماضيين لقوات الجيش، وأسفرت عن مقتل قرابة عشرين جنديا وتسعة من المواطنين.
العربية نت 10/1/2008
قلنا: ليس هذا بإرهاب ولا تمرد ولا حتى قضية يجب أن يلتفت إليها، أليس الشيعة طرفا فيها! فليطوها الظلام إذا ولا يسمع بها أحد !!
خطوة في الاتجاه السليم
قالوا: للسنة الثانية على التوالي، نفذ تجمع ثوابت الأمة وعيده بمراقبة ما تقوله الحسينيات في شهر محرم بالتحديد وغيره من شهور فيها مناسبات شيعية.
وأعلن تجمع ثوابت الأمة أمس عن تحريك دعوى قضائية ضد كل من الشيخ عبد الحميد المهاجر والشيخ محمد باقر الفالي متهما الاثنين بتجاوز الخطوط الحمراء عبر التعرض لأمهات المؤمنين وعدد من الصحابة وآل البيت والخروج عن سيرة الحسين وآل البيت رضي الله عنهم وأنهما أرادا إثارة الفتنة بين صفوف الشعب الكويتي.
الوطن الكويتية
قلنا: يجب تعميم هذه الخطوة على كثير من البلاد والمناطق، ولا يجب أن ندع هؤلاء الأفاكين ينجون بعدوانهم، ولا يزال في القوانين ما يوقف هؤلاء المجرمين خوفاً من سيف السلطان لا غضب الرحمن!!
من أمن العقوبة أساء الأدب!(56/63)
قالوا: دعا الشيخ الشيعي نمر النمر في ليلة العاشر من المحرم لتشكيل معارضة شيعية في ساحة مسجد كربلاء بحي كلابلا في العوامية التابعة لمحافظة القطيف، ووفقا لما قاله في الجموع الغفيرة التي حضرت الساحة المهدمة من قبل النظام السعودي كي تحيي مناسبة عاشوراء، فإن شكل المعارضة سيأخذ منحى سياسيا واجتماعيا، ويوجه ضد النظام السعودي. ومذكرا بأحداث 1400 هـ (1979م) والتي انتفض فيها الشيعة على النظام السياسي بسبب اضطهادهم.
القطيف- 19 /1/ 2008
قلنا: إذا كان هذا ما يعلنه هذا الرجل وأمثاله فماذا يخفون؟؟
وقاحة!
قالوا: طالب زعيم شيعة المغرب إدريس هاني بإعلان يوم ذكرى عاشوراء، الذي يصادف العاشر من شهر محرم (18-1-2008)، كعطلة رسمية في البلاد ومناسبة وطنية كبقية الدول والمجتمعات الشيعية، مشيراً إلى أن بلاده شهدت قيام عدد من الدول الشيعية فيها والأولى فيها أن تعتبر ذكرى مقتل الحسين (رضي الله عنه) يوما وطنيا.
العربية نت 17/1/2008
قلنا: رغم وقاحة هذا المتشيع ومجاهرته بفكره وباطله ، إلا أن هناك من أهل السنة من يعتقد أنه يجب فتح باب الحوار مع هؤلاء ، ويزيدون الطين بلة حين يفتحون لهم منابر أهل السنة لنشر رأيهم وباطلهم كما في مقابلة موقع الإسلام اليوم مع هذا المتشيع .
الناطق الرسمي باسم عرب الأحواز:
إيران الخطر الأول على العراق
الحقيقة الدولية 9/1/2008
? الحقيقة الدولية/ هل لكم أن تبينوا لنا واقع عرب الأحواز اليوم؟(56/64)
السويدي: الأوضاع في إيران أكثر عنصرية من الأوضاع في فلسطين فرغم أن الدستور الإيراني يعطي الحق للأقليات في إنشاء المدارس ووسائل الإعلام بلغتهم القومية إلا أن هذا لا يطبق على أرض الواقع كما تطبق أيضا سياسة الاستيطان وبناء جدران عازلة ومنذ أقل من ثلاثة أسابيع أرسل طلاب من جامعة عبدان نداء استغاثة للمنظمات الدولية للوقوف على وضع تلك الجدران العازلة التي تفصل بين الدول العربية والدولة الفارسية والتي تعد أحد أشكال العنصرية وهناك مشاريع استيطانية تحت مسمى «شرين» والتي تقام على أراضي العرب التي يتم اغتصابها وتسليمها إلى السكان من أصل فارسي.
وهناك خطة لبناء أربعة آلاف وحدة سكنية في مدينة توستر هذه الأمور تعطي صورة لنمط المخطط الذي يطبق في مناطق عرب الأحواز.
? الحقيقة الدولية/ هل هناك مقاومة سياسية وعسكرية من جانب عرب الأحواز لتلك المخططات؟
السويدي: منذ احتلال الفرس للمناطق العربية ظهرت مقاومة سياسية في بعض المناطق وعسكرية في مناطق أخرى ضد الاحتلال الفارسي،.و
لو تطرقنا لما يجري اليوم من مقاومة مسلحة نجد أن تلك المقاومة أخذت وضعا تنظيميا منذ انتفاضة نيسان التي اندلعت في عموم الإقليم عام 2005 بعد أن استنفدنا كامل السبل والطرق القانونية الأمر الذي أدى إلى صدور وثيقة أبطحي نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي والتي تحتوي على خمسة بنود وتدعو إلى تهجير العرب خلال عشر سنوات من شمال إيران إلى عمق إيران.
وقد واجهت إيران احتجاجنا على تلك الأوضاع بوسائل قمعية بشعة حتى وصل عدد الشهداء خلال أسبوعين إلى 72 شهيدا أحوازيا ومنذ 15 مايو عام 2005 وصل عدد المعتقلين إلى 4 آلاف معتقل وتكتمت وسائل الإعلام الإيرانية عما حدث.(56/65)
وبعد تلك الانتفاضة بشهرين تفجرت المقاومة المسلحة التي استهدفت رئيس الإذاعة والتليفزيون ومناطق النفط وكذلك وزارات الأمن، وردت السلطات الإيرانية على تلك المقاومة بمزيد من الاعتقالات والتعذيب الوحشي داخل السجون ولدينا صور لبعض المعتقلين مقيدي اليدين ويتعرضون لتعذيب وحشي بشع.
أزمان من الانتهاكات:
? الحقيقة الدولية/ لو قارنا بين وضع عرب الأحواز في زمن الخميني ووضعهم اليوم مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، فماذا ستقول؟
السويدي: لابد أن نعرف أن الدولة الإيرانية دولة محتلة احتلت أرضنا احتلالاً عسكريا فكل الحقب كانت ظالمة فعلى سبيل المثال ومنذ احتلال الأحواز قام الشاه رضا بهلوي بتفريس المدارس الأحوازية وتسميتها بأسماء فارسية وكذلك المدن فأصبحت الأحواز أهواز وأبو شهر أصبحت بوشهر.
وقبل وصول الخميني إلى الحكم اجتمع وفد من عرب الأحواز معه في فرنسا وطمأنهم إلى أنه سوف يعطيهم حقوقهم في حال وصوله إلى الحكم وعندما وصل إلى السلطة ذهب إليه وفد من 30 فردا يمثلون عرب الأحواز لم يتحدث معهم بالعربية ولم يف بوعوده التي قطعها على نفسه وأوعز إلى وزير دفاعه الذي قام بمجزرة في المحمرة راح ضحيتها 350 شخصا، كما أعدم واعتقل الكثير? الأمر الذي أدى خلال شهور إلى اندلاع حرب عراقية – إيرانية وتكونت جبهة سميت الجبهة العربية لتحرير الأحواز وكانت تتلقى الدعم من العراق وعلى إثر ذلك قام ستة من الأحواز باحتلال السفارة الإيرانية في بريطانيا مطالبين بإطلاق سراح حوالي 90 أحوازيا.
وكان رافسنجاني واحدا من أكبر الداعمين للمشروع الاستيطاني ووصل مقدار ما سلب من أراضي الأحواز إلى 22 ألف متر.(56/66)
وفي عقد الثمانينات اندلعت العديد من الثورات بعد تصريح أحمد ابن الخميني بأنه لا يوجد لدينا عرب ولكن مجاميع من الغجر، ونتيجة نضالنا المستمر تم التصريح لنا باستخدام اللغة العربية حتى وصلنا إلى مرحلة حكم محمد خاتمي والذي وصف عهده بأنه مرحلة انفتاح وفترة إصلاحات، وكنتيجة لهذا تولدت لدى شعبنا قناعة بأن هذه فرصة سانحة للخروج من الغزو الثقافي وكان لدينا مشروع بإنشاء مجتمع قومي عربي في إطار الدولة الإسلامية الإيرانية وخلال السنوات الست الأولى من عصر خاتمي سارت الإصلاحات بشكل جيد وكونا حزب لجنة الوفاق الإسلامي والذي لم يأخذ تصريحا رسميا من الدولة كما تكونت العديد من اللجان وأقيمت المهرجانات وتم التركيز على اللغة العربية والشعر العربي وتم استنهاض الملفات المخبأة ووصل عدد المهرجانات إلى 300 مهرجان ورشح نائب عن هذا الحزب يسمى السيد جاسم عن مدينة الأحواز.
وأثار هذا النائب العديد من القضايا الهامة ورغم كل هذا لم نصل إلى النتيجة المطلوبة حتى وصل الرئيس أحمدي نجاد إلى الحكم والذي لم تتحسن في عهده أوضاع عرب الأحواز بل استمرت المحاولات لمحو الهوية العربية بالإضافة إلى حملة الاعتقالات في صفوف أبناء عرب الأحواز.
? الحقيقة الدولية/ ما مدى تأثير عرب الأحواز على صانع القرار الإيراني وخاصة فيما يتعلق باختيار رئيس الجمهورية؟
السويدي: أي مرشح إيراني لابد أن يذهب مرة أو اثنتين إلى إقليم الأحواز لأن عدد عرب الأحواز يبلغ 5 ملايين شخص، في محاولة لاستقطاب أصوات الناخبين وبالتالي فالعرب لديهم تأثير في اختيار أي مرشح ولكن للأسف فإن من يتم انتخابهم من العرب يسعى النظام إلى استقطابه، فعلي شمخاني وزير الدفاع الإيراني كان من أصول عربية ولكنه كان عربياً بالاسم لأنه لم يخدم مصالح العرب بل عمل على قمع انتفاضتهم.
? الحقيقة الدولية/ ما مغزى محاولة إيران الحالية التقارب مع العالم العربي؟(56/67)
السويدي: محاولات إيران الحالية للتقارب مع العالم العربي ليس فيها حسن نية بل تحاول إيران من خلالها شق الصف العربي واختراقه فكيف يتحقق التقارب وإيران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث وتقول إن البحرين محافظة تابعة لإيران وتقوم بدور مجرم في العراق وإذا كانت إيران صادقة في نواياها فلابد أن توقف تدخلاتها في الشؤون العربية.
? الحقيقة الدولية/ ما هي في اعتقادكم أهداف البرنامج النووي الإيراني وما هي انعكاساته على المنطقة؟
السويدي: برنامج إيران النووي موجه بالدرجة الأولى إلى الدول العربية بصفة عامة والخليجية بصفة خاصة وما يجري حاليا بين إيران وأمريكا هو نوع من الشد والجذب لتقسيم المنطقة العربية وما تدعيه إيران حاليا من أنها ترعى المصالح العربية أو أنها تعادي الولايات المتحدة ليس صحيحا فالذي يتفاوض حاليا على رأس العراق هو إيران وأمريكا وهناك مشروع صفوي فارسي لإيران في المنطقة.
? الحقيقة الدولية/ ما هي أبعاد الدور الإيراني في العراق؟
السويدي: لاشك أننا حزينون لما يجري في العراق اليوم فلأول مرة في التاريخ الحديث تدخل دولة عربية دوامة القتل والدمار قرابة خمس سنوات متتالية وكأنها في عصور الظلام والتخلف، دولة كانت لعهد قريب تعد من أفضل دول العالم من حيث الخدمات الطبية رغم بقائها لمدة 13 عاما تحت نير الحصار الجائر، دولة حققت تقدما علميا وبنت قاعدة علماء وخبراء تعد بعشرات الآلاف رغم المحن التي مرت بها من حرب ضروس استمرت لأكثر من ثمانية أعوام مستمرة.
لأول مرة في التاريخ العربي الحديث دولة عربية مستقلة لأكثر من ثمانين عاما تعاني غزوا واحتلالا من جديد بعد أن صمدت طويلا أمام أهوال وكوارث عديدة ...(56/68)
فمن ظن أن العراق سيستمر بعد عاصفة الصحراء ويعيد بناء البنية التحتية للبلاد التي دمرت في أربعين يوما من الحرب غير المتكافئة بين جيوش أكثر من 30 دولة والجيش العراقي. ومن بين المآسي كلها تظهر إيران كلاعب أساسي في العراق يفاوض أمريكا على أمنها في العراق فمن أين لها هذه القوة، فإيران التي تدعي الإسلام لعبت أقذر دور لهدم ما تم بناؤه على يد أبناء العراق البررة لعقود طويلة ولإنهاء شيء اسمه العراق بلدا وحضارة وشعبا فمنذ أكثر من خمسة عشر قرن والفرس يحقدون على العرب بدءا من الأكاسرة ودورهم الدنيء في قتل الملك العربي النعمان بن المنذر بعد مساومته على كرامته وشرف نسائه ولكنه أبى وفضل الموت شجاعا غير ذليل أو فاقد الشرف والمروءة.
ثم جاء عهد الاحتلال الفارسي البغيض للأحواز العربي عام 1925 ثم احتلال الجزر الإماراتية الثلاث ثم التوغل في العراق بعد الفشل في مقارعته لثماني سنوات أجبر خلالها الجيش العراقي الباسل الخميني بأن يقول «إن تجرع السم أهون علي من إنهاء الحرب».
ثم جاءت أولى صفحات الغدر الجديدة والتي نعرفها كلنا? بدءا من دخول العراق قبيل نهاية حرب عاصفة الصحراء عن طريق قوات الحرس الثوري الإيراني الإرهابية وفيلق بدر.
أما الأدلة والبراهين على تورط إيران في العراق فهي كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: تم إعدام الرئيس العراقي صدام حسين في ذات مبنى المخابرات العسكرية التي كانت تناط بها عمليات إيران في منطقة الكاظمية في بغداد وأعدم في فجر عيد المسلمين وبعد دقائق من استلامه من قبل الحكومة العراقية.
وإيران تساوم أمريكا في العراق على أمن وسلامة الجيش الأمريكي في حين أن الجيش الإيراني وحتى الطيران المدني الإيراني فقد عشرات الطائرات المنتهية الصلاحية منذ قيام ثورة الخميني عام 1979 لنقص قطع الغيار.(56/69)
وقتل السفير المصري إيهاب الشريف في بغداد بعد أشهر قليلة من دخول العراق لقطع علاقة العراق بإخوانه وجيرانه العرب.
لم يعرف العراق خلال تاريخه الماضي التفرقة والعنصرية والفتن المذهبية والطائفية إلا بعد عام 2003 عندما دخلت إيران وأذنابها للعراق حيث انتشر القتل على الهوية بعد غزو العراق، هذه هي الأدلة على تورط إيران في العراق ودورها السلبي في هذا البلد العربي الأصيل.
لنأخذ بعين الاعتبار الوصول إلى "صفقة شاملة" مع إيران
شلومو بن عامي
(وزير خارجية إسرائيل الأسبق ونائب رئيس مركز "توليدو" الدولي للسلام)
جريدة الديلي ستار اللبنانية - 17-9-2007
ترجمة خاصة بالراصد : علي حسين باكير
على الرغم من أنّ شبح إيران النووية يطارد العرب والإسرائيليين على حد سواء، إلا أن الولايات المتحدة وإسرائيل يشكلان القوة الدافعة وراء الجهود الرامية إلى تقييد طموح إيران النووي. وداخل هذا المثلث المؤلف من الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل يكمن السبيل إلى فهم المشكلة والحل المحتمل لها.
على الرغم من انقطاع التحالف القديم بين إسرائيل وإيران في أعقاب ثورة آية الله الخميني الإسلامية في العام 1979، إلا أن البلدين ظلا يديران أعمالاً مشتركة بينهما بمباركة من أميركا. ومن بين الأمثلة الواضحة على ذلك مسألة "إيران كونترا" في الثمانينيات، والتي كانت إسرائيل من خلالها تمد الثورة الإسلامية بالأسلحة في حربها ضد العراق. فإسرائيل وإيران تشكلان قوتين غير عربيتين في بيئة عربية معادية، وكانت تربطهما مصالح أساسية مشتركة لم تتمكن حتى الثورة الإسلامية من تغييرها.(56/70)
ولكن أثناء ولاية حكومة إسحاق رابين في أوائل التسعينيات دخلت إسرائيل وإيران في نزاع علني مفتوح، وذلك بسبب تغير البيئة الإستراتيجية بعد انتصار أميركا في حرب الخليج الأولى وانهيار الاتحاد السوفييتي. والحقيقة أن عملية السلام العربية الإسرائيلية التي رعتها الولايات المتحدة، والتي أسفرت عن سلسلة من الإنجازات المعتبرة - مؤتمر مدريد للسلام، واتفاقيات أوسلو، واتفاق السلام الإسرائيلي مع الأردن، و تقرب اكبر مع سوريا، والتقدم الذي أحرزته إسرائيل في علاقاتها مع الدول العربية من المغرب إلى قطر ـ كانت بمثابة الكابوس بالنسبة لإيران التي أصبحت في عزلة متزايدة.
وعند مفترق الطرق هذا، اختارت إسرائيل وإيران القوتان المتنافستان على السيادة في الشرق الأوسط السريع التغير، إخفاء و تغطية المنافسة الإستراتيجية بينهما عبر مصطلحات و تعابير إيديولوجية. فأصبح النزاع الآن بين إسرائيل، التي تعرض نفسها كمنارة الديمقراطية التي تكافح توسع الإمبراطورية الشيعية الظلامية الرجعية، وبين إيران التي اختارت أن تحمي ثورتها عن طريق تعبئة الحشود الجماهيرية العربية باسم القيم الإسلامية في مواجهة الحكام الخونة الذين خانوا الفلسطينيين المطرودين من ديارهم.(56/71)
وباعتبار إيران عدواً للمصالحة الإسرائيلية العربية أكثر من كونها عدواً لإسرائيل، فإن لجوء الملالي إلى لغة تحريضية مناهضة لإسرائيل لتخاطب بها العالم الإسلامي كله كان المقصود منه إنهاء عزلة إيران وتقديم طموحاتها الإقليمية بصورة مستساغة لجماهير الشعوب السُنّية. ففي شرق أوسط عربي تشكل إيران العدو الطبيعي؛ أما في عالم إسلامي فإن إيران تشكل زعيماً محتملاً. ومن عجيب المفارقات هنا أن إيران كانت من أشد المناصرين للديمقراطية العربية، ذلك أن الوسيلة الأفضل لتقويض عروش الأنظمة الحاكمة تتلخص في الترويج لحركات إسلامية ذات قاعدة شعبية، مثل حزب الله في لبنان، والإخوان المسلمين في مصر، وحماس في فلسطين، فضلاً عن الأغلبية الشيعية في العراق.
كان إسحاق رابين يعتقد أن السلام بين إسرائيل والعرب يمكن أن يمنع وجود إيران نووية، ولكن يبدو أن الكابوس يقترب الآن بسرعة من التحقق. إن إيران باعتبارها قوة مناهضة للوضع الراهن، لا ترغب في اكتساب القدرات النووية سعياً إلى تدمير إسرائيل، بل إنها تسعى في المقام الأول إلى اكتساب الهيبة (البريستيج) والنفوذ في بيئة عدائية، وترى في هذه القدرات درعاً تحتمي به في تحديها للنظام الإقليمي.
إلا أن إسرائيل لديها كل الأسباب الداعية إلى الانزعاج والقلق، ذلك أن وجود إيران نووية من شأنه أن يهدم وعد الصهيونية بتأمين وطن لليهود ـ وهو الأساس الجوهري لإستراتيجية "الغموض النووي" التي تتبناها إسرائيل ـ وأن يشجع أعداءها في المنطقة، هذا فضلاً عن إشعال شرارة السباق النووي في المنطقة بالكامل، حيث تتقدم المملكة العربية السعودية ومصر الطريق.(56/72)
إن هجوما عسكريا على المرافق النووية الإيرانية يعد أمراً في غاية الخطورة، وسوف تكون عواقبه غير مؤكدة. وأياً تكن شدة العقوبات الاقتصادية التي قد تفرض على إيران فإنها قد لا تكون كافية لتركيعها. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان الانقسام داخل صفوف النخبة الإيرانية بين الثوريين التقليديين وبين هؤلاء الذين يتمتعون بعقلية تجارية قد يؤدي إلى تغيير النظام في وقت قريب. لكن كونهم راديكاليين لا يعني كونهم لا عقلانيين، ولقد أثبتت إيران الثورية في أكثر من مناسبة قدرتها على التفكير العملي الرزين.
في المعادلة الأميركية الإيرانية، كانت الولايات المتحدة وليس إيران هي التي تتبنى دبلوماسية إيديولوجية جامدة. فقد ساندت إيران الولايات المتحدة أثناء حرب الخليج الأولى، إلا أنها استُبعدت من مؤتمر مدريد للسلام. كما دعمت إيران أميركا في حربها لعزل حركة طالبان في أفغانستان. وحين سحقت قوات الولايات المتحدة جيش صدّام حسين في ربيع العام 2003، اقترح الإيرانيون المطوقون صفقة شاملة توضع بموجبها كافة القضايا المثيرة للنزاع على الطاولة، بداية من القضية النووية إلى إسرائيل، ومن حزب الله إلى حماس. كما تعهد الإيرانيون بوقف عرقلة عملية السلام الإسرائيلية العربية.
ولكن غطرسة المحافظين الجدد ـ "نحن لا نتحدث مع الشر" ـ كانت سبباً في استبعاد أي استجابة للتوجه الدبلوماسي الإيراني الجديد.(56/73)
لقد تغيّر المزاج الإيراني بالكامل حين شهدت الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط تحولا، إلا أن الصفقة الشاملة مع إيران تظل تشكل السبيل الوحيد للخروج من المأزق. ولكن هذا لا يمكن تحقيقه أبداً عبر فرض عقوبات منقوصة على نحو غير مؤثر، أو عبر لجوء أميركا إلى منطق الحرب الباردة سعياً إلى إنهاك إيران بجرها إلى سباق تسلح مخرب وهدّام. الحقيقة أن نفوذ إيران الإقليمي المتنامي لا ينبع من إنفاقها العسكري، الذي هو أقل كثيراً مما ينفقه أعداؤها على التسلح، بل هو نابع من تحديها لأميركا وإسرائيل عن طريق استخدامها الذكي للقوة الناعمة. لا توجد وسيلة لإضعاف الإستراتيجية التي تتبناها إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة أفضل من التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين العرب وإسرائيل، يصاحبه استثمارات مكثفة في التنمية البشرية، ويعقبه إنشاء نظام لحماية السلام والأمن تحت رعاية دولية، في ظل خلو المنطقة بالكامل، بما في ذلك إسرائيل، من السلاح النووي .
موقف المرشحين الديمقراطيين من إيران
عمرو عبد العاطي
تقرير واشنطن، العدد 143، 26 يناير2008
تحتل قضايا السياسة الخارجية مكانة مهمة في الحملات الانتخابات الأمريكية نظراً لإخفاقات سياسات الإدارة الحالية في العديد من ملفات السياسة الخارجية، والتي لا تقل أهمية عن الملف العراقي والإيراني، ولكن الأخير لم تحسمه الإدارة الحالية، فهو مازال غامضا في وقت يمثل فيه الطموح النووي الإيراني تهديدا للمصالح الأمريكية وحليفاتها إسرائيل، وهو ما يترك مساحة للمتنافسين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لطرح مواقفهم حيال الأزمة الإيرانية، وكيف سيتعامل من يصل منهم إلى المكتب البيضاوي مع الطموح النووي الإيراني.
وانطلاقا من أهمية الملف النووي الإيراني الذي لم يُحسم حتى حينه، فإن التقرير التالي سوف يركز على رؤية المتنافسين الديمقراطيين للطموح النووي الإيراني.
باراك أوباما :(56/74)
ينطلق موقف أوباما من أزمة البرنامج النووي من أن هذا البرنامج يمثل تهديدا لاستقرار منطقة ذات مكانة مهمة في السياسية الخارجية الأمريكية، والذي من شانه أن يساعد على قيام سباق تسلح في المنطقة. فامتلاك طهران لتكنولوجيا نووية غير سلمية سيدفع القاهرة والرياض وأنقرة إلى امتلاك مثل تلك التكنولوجيا؛ لموازنة القوي الإيرانية وهو الأمر الذي سوف يهدد توازن القوي لغير صالح إسرائيل.
فأوباما يرفض امتلاك إيران لتكنولوجيا نووية عسكرية ليس لأنه يمثل تهديدا للمصالح الأمريكية فحسب،بل لكونه يمثل تهديدا أيضا لحليفتها تل أبيب. بالإضافة إلى الهاجس من أن تقدم طهران مواد نووية إلى الجماعات الإرهابية كالقاعدة، لشن هجوما نوويا على الولايات المتحدة على غرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولكن نوويا.
وذكر أوباما في كلمته أمام منظمة "ايباك" (American Israel Public Affairs Committee ("AIPAC" في مارس الماضي، يجب على المجتمع الدولي العمل على وقف امتلاك إيران تكنولوجيا نووية أو تخصيب اليورانيوم، حيث أنه من الخطر امتلاك نظام ثيوقراطي أسلحة نووية، ووصف الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" في كلمته بأنه "غير مبالي" و"متهور" و"غافل" عن الحاجات اليومية للشعب الإيراني.
وعلى خلاف باقي المتنافسين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يرفض أوباما المقولة الكلاسيكية للإدارات الأمريكية القائلة إن واشنطن لا تتحاور إلا مع من يتفقون معها. فقد قال في أحد مناظراته مع نظيرته "هيلاري كلينتون"، أنه على استعداد للجلوس مع رؤساء دول محور الشر (إيران، سوريا وكوريا الشمالية).
ولذا يعارض سياسة بوش ـ تشيني الرافضة لحوار مع طهران. ويعلن أنه في حال وصوله إلى البيت الأبيض سيزاوج بين كافة الخيارات في التعامل مع طهران من القوة الصلبة (Hard Power) إلى القوة الناعمة (Soft power).(56/75)
ولكي تأتي الجهود الدبلوماسية بنتائجها يؤكد على أهمية فرض المزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية على النظام الإيراني، لاسيما أن الاقتصاد الإيراني يعتمد بصورة جلية على عائدات النفط والغاز الطبيعي.
وهو ما دفعه إلى طرح مشروع قانون (Iran Sanction Enabling Act) في مايو 2007 الساعي إلى فرض المزيد من العقوبات والقيود على الشركات العاملة في إيران والتي لها استثمارات أكثر من 20 مليون دولار في مجال الطاقة الإيرانية، ومن ثم الضغط عليها لإعادة النظر في علاقاتها التجارية والاقتصادية مع طهران. ويعطي هذا القانون الكونجرس الأمريكي سلطة تجميد أصول تلك الشركات. وقد أيد هذا المشروع بارني فرانك (Barney Frank) وتوم لانتوس (Tom Lantos).
هذا وقد أيد أوباما قانون (Iran Counter Proliferation) في مارس الماضي الهادف إلى حظر امتلاك إيران أسلحة نووية، وفرض عقوبات قاسية على إيران وخفض تصدير المواد الغذائية الأمريكية لإيران، والإشارة إلى الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية. ولكنه لم يصوت في سبتمبر الماضي على مشروع مجلس الشيوخ الساعي إلى إعلان الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية.
ولا يهدف أوباما ـ عكس العديد من منافسيه ـ إلى تغير النظام الإيراني، ولكنه يهدف إلى إحداث تغيير في السلوك الإيراني، والذي يمكن إحداثه بجانب العقوبات الاقتصادية ـ الهادفة إلى عزل إيران اقتصاديا ـ بتقديم بعض المحفزات للتغير في السلوك مثل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
ويؤمن أيضا بأهمية العمل الدولي المتعدد الأطراف عند التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني فيدعو الإدارة إلى التعاون مع دول المنطقة لاسيما الخليجية، والتنسيق بينهم وتل أبيب حول التهديدات الإيرانية وكيفية التعامل معها وكذلك الدول الأوروبية والصين وروسيا.(56/76)
وبينما يؤيد أوباما العمل الدبلوماسي لإثناء طهران عن طموحها النووي، يؤيد أيضا الخيار العسكري عند فشل الخيارات السلمية والدبلوماسية. فيقول في أحد مناظراته أنه في حال وصوله إلى البيت البيض قد يستخدم القوة المسلحة لحماية المواطن الأمريكي والمصالح الأمريكية في كافة أنحاء العالم، ولكنه لا يري أن خيار القوة المسلحة هو الخيار الوحيد الذي يمكن من خلاله تحقيق الأمن والمصلحة الأمريكية.
هيلاري كلينتون:
تتفق هيلاري مع منافسها أوباما في أن الطموح النووي الإيراني يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية ولحليفتها إسرائيل، والذي يتعزز بتصريحات الرئيس الإيراني " أحمدي نجاد" المنكرة للمحرقة اليهودية، وتلك التي تنادي بمحو إسرائيل من على الخريطة، وضرورة هجرة اليهود إلى أووربا، وهو ما يثير المخاوف من السعي الإيراني إلى امتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية. بالإضافة إلى الهاجس الذي تؤكد عليه هيلاري من إمكانية تقديم طهران الدعم للجماعات الإرهابية كالقاعدة؛ لشن هجوما نوويا على الولايات المتحدة أو مصالحها في كافة أنحاء العالم. بجانب تدعيمها للمنظمات المسلحة كحماس وحزب الله اللبناني والجماعات المسلحة في العراق.
وانطلاقا من هاجس إيران النووية، أعلنت هيلاري أنها ستعمل كل ما في وسعها لمنع طهران من أن تصبح نووية، وأن الخيارات كلها على الطاولة بداية من الخيار الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية والحوار مع النظام الإيراني إلى العسكري.(56/77)
ولكنها على خلاف منافسها أوباما ترفض الحوار المباشر مع القيادة الإيرانية، حيث أنها أعلنت أنها في حال وصولها إلى البيت الأبيض سترفض الحوار مع رئيس كل من فنزويلا، سوريا، إيران وكوريا الشمالية حتى يعلنوا ماذا يريدون، على عكس أوباما الذي أعلن انه على الاستعداد للجلوس مع أعداء الولايات المتحدة - الذين رفضت هيلاري لقائهم - من أجل معرفة طموحهم؛ ومن ثم كيفية التعامل معهم، ولكنها في الوقت ذاته تؤمن بالحوار على مستوي المبعوثين رفيعي المستوي من قبل الجانبين الأمريكي والإيراني.
والحوار الأمريكي ـ الإيراني سوف يبدد الغموض حيال الأهداف والطموح الإيراني من برنامجها النووي، فحاليا واشنطن لا تعرف كيف تفكر إيران إلا من مصادر خارجية - بعيدا عن الحوار المباشر مع النظام الإيراني- وهذا في حد ذاته مضلل جدا لفهم الدوافع الإيرانية.
فمن خلال الحوار قد تتمكن واشنطن من إعادة التوجه الإيراني حيال برنامجها النووي غير السلمي -من الوجهة الأمريكية-.
ولذا دعمت العديد من القوانين الهادفة إلى فرض المزيد من العقوبات على النظام الإيراني، فقد صوتت بالموافقة في سبتمبر 2007 على مشروع القانون الذي يعلن الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وهو القانون الذي رفض كل من أوباما وجون ادواردز التصويت عليه حيث أنهما يريان أن من شأنه دفع بوش وتشيني إلى حرب ضد النظام الإيراني تحت مسمي مكافحة الإرهاب. كما انضمت إلى "فرانك لوتنبرج" (Frank Lautenberg) وتبنت قانون (International Emergency Economic Power) الذي يفرض قيودا على الشركات الأمريكية حيال تعاملها مع الدول التي تدعم الإرهاب. وهذا القانون من وجهة نظر هيلاري سوف يسد الثغرات التي استغلتها الشركات الأمريكية في فترات سابقة للتعامل مع دول محور الشر.(56/78)
ولتصاعد الانتقادات حول تصويتها على مشروع القانون الذي يعلن الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، سارعت بالانضمام إلى القانون الذي قدمه السيناتور "جيم ويب" (Jim Webb)، الذي يمنح الكونجرس دورا فاعلا حيال التعامل الأمريكي مع الأزمة النووية الإيرانية، لاسيما عند شن حرب أمريكية على النظام الإيراني، وذلك انطلاقا من المأزق الأمريكي في العراق، حيث هناك هاجس أمريكي في الوقت الراهن من تكرار السيناريو الأمريكي. وتري هيلاري أن أي عمل عسكري ضد طهران في الوقت الراهن قد يضر بالقوات الأمريكية في العراق، وحلفائها في المنطقة؛ في ظل الاستعداد الإيراني إلى توجيه ضربات قاصمة للجنود والقواعد الأمريكية بالدول الخليجية القريبة منها، والحليف الاستراتيجي لواشنطن "تل أبيب".
ولتأكيد موقفها من رفض الخيار العسكري حيال التعنت الإيراني كتبت خطابا بالمشاركة مع 29 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ إلى الرئيس الأمريكي، تعلمه أنه غير مخول من الكونجرس لشن حرب على النظام الإيراني، ولكنها قد تقبله إذا كان مخولا من الكونجرس في ظل فشل باقي الخيارات الأخرى لاحتواء إيران.
جون ادواردز:
يري ادواردز أن طهران تمثل تهديدا للمصلحة الأمريكية فقد أعلن في كلمته في مؤتمر هرتسليا (Herzliya) المنعقد في 22 يناير 2007 أن امتلاك إيران سلاحا نوويا سوف يكون حافزا لباقي دول المنطقة للسعي إلى امتلاك تكنولوجيا نووية؛ لموازنة النفوذ الإيراني ومن ثم تهديد توازن القوي الذي هو في صالح إسرائيل حاليا.
ومن وجهة نظره لا يقتصر التهديد الإيراني على السعي إلى امتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية، وإنما يتمثل في تدعيم المنظمات الإرهابية، ولاسيما في الوقت الذي تزايد فيه النفوذ الإيراني بعد الحرب الأمريكية في العراق، حيث تسببت تلك الحرب في إحداث خلل في موازين القوى في النظام الأمني الإقليمي، مما مكن طهران من لعب دور قوي هناك بتدعيم أعداء واشنطن في بغداد.(56/79)
ويري أن أفضل وسيلة لمنع إيران من امتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية هي القوة الذكية (Smart Power) التي نادي بها جوزيف ناي وريتشارد أرميتاج، والتي تزاوج بين القوة الناعمة (الجزرة) والقوة الصلبة (العصا).
وبعيدا عن استخدام القوة المسلحة يدعو ادواردز إلى عزل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد المحافظ عن القوي المعتدلة داخل طهران الساعية إلى تحقيق نجاحات اقتصادية بعيدة عن السياسة الإيرانية الإقليمية الفاشلة حاليا من وجهة نظره.
ويؤكد ادواردز على أهمية العمل الدولي المتعدد الأطراف، ففي مقالته المنشورة في دورية الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) المعنونة بـ "بزوغ جيل جديد من التحديات العالمية" (Rising to a New Generation of Global Challenges) على أهمية التعاون مع الحلفاء (روسيا والصين) حيال التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني، انطلاقا من رفض موسكو وبكين امتلاك إيران تكنولوجيا نووية عسكرية والتصويت في مجلس الأمن على فرض عقوبات اقتصادية على طهران مما يعمل على عزلها دبلوماسيا واقتصادية، والذي يُعلم القيادة الإيرانية أن المجتمع الدولي رافض لامتلاك إيران تكنولوجيا نووية غير سلمية.
وعلى عكس باقي منافسيه لاسيما، هيلاري، يدعو ادواردز إلى الحوار المباشر مع طهران على المستويات الدنيا دبلوماسيا، فالحوار من وجه نظره لا يجب أن يقتصر على المستويات العليا؛ لأنه عن طريق الحوار يتضح لواشنطن ماذا تريد طهران، وكيف تستطيع التعامل معها.
وفي مقالته السابق الإشارة إليها يستبعد الخيار العسكري، ويدعو إلى تقديم حوافز اقتصادية للنظام الإيراني في وقت يمر فيه هذا الاقتصاد بالعديد من الأزمات الداخلية، والتي سيكون لها انعكاسا ايجابيا على الشعب الإيراني ومن ثم التأثير على النظام الإيراني وإحداث تغيير في السلوك والتحدي الإيراني.(56/80)
وخوفا من شن حرب على إيران استنادا إلى إيوائها منظمات إرهابية، رفض إعلان الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، مما قوض من فرص بوش وتشيني لشن حربا على طهران، ولكنه أعلن عن تأيده لقانون تمديد العقوبات على إيران وليبيا عام 2001 (Iran Libya Sanction Extension)، الهادف إلى فرض عقوبات على الشركات النفطية العاملة في إيران وليبيا.
الجمهوريون والأزمة النووية الإيرانية
تقرير واشنطن عدد 145 – 9/2/2008
عمرو عبد العاطي
أضحت أزمة البرنامج النووي الإيراني أحد القضايا السياسة الخارجية الأمريكية التى تطرح بقوة على أجندة المتنافسين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وفي المقال السباق تم تناول تلك القضية على أجندة ثلاثة من المتنافسين الديمقراطيين على تسمية حزبهم لخوض الانتخابات الرئاسية المقرر لها أواخر هذا العام في شهر نوفمبر، وفي هذا المقال يتم التركيز على موقف ثلاثة من المنافسين الجمهوريين لتلك القضية.
جون ماكين:
على غرار باقي المتنافسين يعتبر ماكين إيران تهديدا لواشنطن وتل أبيب، ولكنه يري أن امتلاك إيران لترسانة من الصورايخ البالستية إلى جانب قدراتها النووية سيزيد من تهديدها لأمن الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة بالمنطقة تل أبيب ومصالح واشنطن في المنطقة.
وينطلق موقفه من أزمة البرنامج النووي الإيراني من أن تعامل مجلس الأمن حيال أزمة البرنامج النووي الإيراني يعتبر تعاملاً غير فعال، لذا يدعو واشنطن وحلفائها إلى العمل على ضرورة عزل إيران اقتصاديا وسياسيا، لاسيما في وقت الذي يواجه فيه النظام الإيراني العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والتي أجملها ماكين في الأتي:-
أن غالبية الشعب الإيراني لا تؤيد سياسة النظام الساعية إلى المواجهة مع العالم.
أن هناك نسبة كبيرة من الأقليات الإيرانية راغبة في الاستقلال.(56/81)
أن ما يقرب من ربع الشعب الإيراني تحت سن 15 سنة وتلك النسبة الشبابية ترفض تركيز السلطة السياسة والاقتصادية في أيدي النخبة غير المثقفة والمتعلمة والفاسدة.
اعتماد الاقتصاد الإيراني على الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة بالإضافة إلى الاعتماد بصورة أساسية على واردات البنزين المدعم لتفادي الاضطراب الاجتماعية.
أن النظام الاقتصادي الإيراني يشهد حالة من التضخم أدت إلى رفع تكلفة السع الأساسية كالغذاء والمسكن والرعاية الصحية في حين تضاعفت البطالة داخل المجتمع الإيراني.
فالتركيز على عزل إيران اقتصاديا وسياسيا ـ من وجه نظر ماكين ـ سوف يزيد من الضغط الشعبي، وربما يؤدي إلى تغيير في السلوك الإيراني حتى وأن لم يحدث تغيير في الحكومة والنظام الإيراني.
ففي الوقت الذي ترفض فيه طهران الانصياع إلى عقوبات مجلس الأمن، يري أنه لابد من التعامل مع الدول الأوروبية القريبة من الموقف الأمريكي حيال إيران والدول الخليجية لما هو أبعد من عزل إيران خارج مجلس الأمن والأمم المتحدة وذلك في إطار رابطة الدول الديمقراطية (League Of Democracies) التي تضم إسرائيل لأن روسيا والصين تمارسان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد أي قرار فاعل ضد طهران.
هذا وقد ساند قانون (Freedom And Support Act) في فبراير 2005 الذي يهدف إلى المزيد من العقوبات على إيران وتدعيم الجماعات والقوي الداعمة للديمقراطية وكذلك قانون (Iran Counter Proliferation Act) في مارس 2007 ولكنه لم يصوت بالموافقة على مشروع القرار الداعي إلى إعلان الحرس الثوري الإيراني جماعة إرهابية.
ميت رومني:(56/82)
يقول أن كلمة الرئيس الإيراني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تشير إلى عدوانية النظام الإيراني، وفي مؤتمر هرتسليا (Herzliya) بداية العام الماضي طالب باتخاذ خطوات جادة ضد البرنامج النووي الإيراني. ومنذ ذلك الوقت وإيران لم تغير من سلوكها العدواني ـ حسب رومني ـ وأنها استمرت في تطوير التكنولوجيا النووية تحديا للمجتمع الدولي ومجلس الأمن فقد حدد النظام الإيراني يوم التاسع من ابريل عيد وطني تحت مسمي (اليوم النووي) (Nuclear Day). ويري أن التهديد الإيراني لا يقل عن التهديد الأصولي الإسلامي منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وكذلك الخطر النازي.
وفي ظل التحدي الإيراني للمجتمع الدولي بسعيها إلى امتلاك تكنولوجيا نووية تمثل تهديدا للمصالح الأمريكية والحلفاء بالمنطقة، دعا رومني إلى التعامل مع المجتمع الدولي والحلفاء في منطقة الشرق الأوسط لمنع إيران من امتلاك تكنولوجيا نووية. بالإضافة إلى زيادة العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني بمنع إيران من الولوج إلى النظام المصرفي الدولي، والتعاون مع الشركاء الأوروبيين لفرض عقوبات على الشركات العاملة في إيران لعزلها اقتصاديا ودبلوماسيا، ولكنه في الوقت ذاته يري أن الخيار العسكري يظل مطروحا.
وحول معضلة هل يجب على الرئيس الأمريكي إخطار الكونجرس قبل شن أي عمل عسكري ضد طهران قال أن الرئيس عليه اتخاذ أي شيء لضمان أمن ومصلحة الولايات المتحدة، وأنه في حال وصوله إلى البيت البيض فإنه لن يتراجع عن استخدام القوة المسلحة لحماية المصالح الأمريكية. ولكن في الوقت نفسه إشراك الكونجرس حسبما ينص القانون والدستور الأمريكي.
مايك هوكابي:(56/83)
ينطلق هوكابي من مقولة (اجعل أصدقائك بالقرب منك وأعدائك أقرب) (Keep Your Friends Close And Your Enemies Closer) ويقارن بين إيران وتنظيم القاعدة حيث أنهما متشابهين في سعي كل منهما إلى نشر عقيدته وأفكاره ولكنهما يختلفان في أن تنظيم القاعدة منظمة إرهابية يجب القضاء عليها أما إيران دول يجب التعايش معها واحتوائها.
ومن أجل احتواء إيران يري أنه لابد من الانتصار في العراق فبعد الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين في ابريل 2003، الأمر الذي اوجد حدث خللاً في ميزان القوي في المنطقة لصالح إيران؛ يجب على واشنطن العمل على استقرار العراق وليس هذا مصلحة عراقية فقط وإنما مصلحة لدول الجوار الصديقة لواشنطن وللولايات المتحدة نفسها. فيؤكد أنه يجب على واشنطن التعامل مع تمدد النفوذ الإيراني في العراق ووقفه وتقويضه.
والطريقة الأخرى لاحتواء إيران هي الدبلوماسية فالولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهي تعلي من خيار القوة المسلحة التي ثبت فشلها ولذا يجب على واشنطن تقوية الجهود الدبلوماسية مع بكين وموسكو وسول والدول الأوروبية لإقناعهم بفرض المزيد من العقوبات على النظام الإيراني فتلك الدول ـ من وجه نظر هوكابي ـ تركز على المكاسب الاقتصادية أكثر من منع الانتشار النووي. ويري أن تلك الدول يجب أن تكون على قناعة أنهم سوف يتحملون خسارة الحلول الدبلوماسية ما يدفع واشنطن إلى خيار القوة المسلحة الذي يؤيد أنه قد يُتخذ بعيدا عن الكونجرس.
يدعم هوكابي إعلان بوش الحرس الثوري الإيراني كجماعة ساعية إلى نشر أسلحة الدمار الشامل وكذلك قوة القدس التابعة للحرس الثوري كمنظمة إرهابية. وينتقد رؤية المتنافسين الديمقراطيين الذاهبة إلى أن مثل ذلك سوف يعزز من خيار الحرب العسكرية لدي الإدارة الأمريكية الحالية، منطلقا من أن مثل هذا سيعزز فرض العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني أكثر من استخدام القوة المسلحة.(56/84)
متنافسون رغم توافق الرؤى:
من التناول السابق لرؤية عدد من المتنافسين الديمقراطيين والجمهوريين لنيل ترشيح حزبيهما لخوض الانتخابات الرئاسية، يتضح أن هناك توافقا في معظم رؤى هؤلاء المتنافسين المختلفين فكريا وحزبيا، فكلهم ينطلقون من قناعة مفادها أن الطموح النووي الإيراني يشكل تهديد للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها منطقة الخليج العربي حيث منابع النفط ...
وهو ما ظهر جليا في التوتر بين إيران والولايات المتحدة عند مضيق هرمز ـ والقوات الأمريكية في وقت عززت فيه طهران من قوتها الإقليمية بعد الإطاحة بصدام حسين الذي كان يمثل حجر عثرة أمام النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. بالإضافة إلى أن الطموح الإيراني النووي يشمل إخلالا في ميزان القوي الذي هو حاليا لصالح إسرائيل، فضلا عن التهديدات الإيرانية للوجود الإسرائيلي بالمنطقة وتقديم الدعم إلى الجماعات المسلحة في العراق ولبنان وفلسطين والمنظمات الإرهابية والذي يضيف بعدا أخر إلى الهاجس الأمريكي من إيران النووية.
ولمواجهة الطموح النووي يركز معظمهم على الخيار الدبلوماسي والعمل متعدد الأطراف في إطار منظمة الأمم المتحدة، لاسيما بعد فشل السياسة الأمريكية الانفرادية بعيدا عن الأمم المتحدة في العراق، ولكنهم في الوقت ذاته لا ينكرون إمكانية استخدام القوة المسلحة في حال إخفاق الجهود الدبلوماسية السلمية.(56/85)
ولكن في واقع الأمر أضحي الخيار العسكري، كأحد الخيارات لإثناء إيران عن طموحها النووي، خياراً صعبا نظرا لتعدد الأوراق التي تمتلكها إيران والتي تستطيع من خلالها الضغط على واشنطن وتل أبيب بجانب تقرير الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي صدر مؤخرا والذي فند الادعاءات التي كانت يستند إليها الداعمين لشن ضربات اجهاضية على المنشآت النووية الإيرانية. ويصعب من هذا الخيار التأزم الأمريكي في العراق وأفغانستان والرفض الدولي لتلك الحرب في ظل تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تظهر أن هناك تعاونا إيرانيا مع الوكالة بشان برنامجها النووي.
وفي النهاية يمكن القول أن الخيار الذي سوف يعتمد كخيار أمثل للتعامل مع الطموح النووي الإيراني سوف تفرضه العديد من المتغيرات التي لا تقل أهمية عن التحركات الإيرانية خلال الفترة القادمة والموقف الدولي من تلك التحركات ومدي نجاح واشنطن في تحقيق الإجماع الدولي على هذا الخيار في ظل تناقض وتنوع مصالح القوي الكبرى من التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني، وما سيتوافر للرئيس الأمريكي القادم من معلومات وتقارير ـ سواء كانت صحيحة أو مغلوطة ـ ليس متوافرة للمتنافسين الآن لأنهم خارج السلطة، وكذلك الضغط والتأثير من قبل عدد المؤسسات والوكالات الأمريكية كالبنتاجون والكونجرس على مؤسسة الرئاسة، ودور جماعات الضغط واللوبي المتناقضة المصالح والأهداف في التأثر على صانع القرار الأمريكي.
40 أسرة يهودية هدية طهران لإسرائيل
ليبراني اللغز الإيراني
الأهرام العربي 5 / 1 / 2008
تحقيق ـ إلهامي المليجي(56/86)
الأسبوع قبل الماضي استقبلت إسرائيل 40 يهوديا ـ إيرانيا وصلوا إليها سرا ، كان في استقبالهم وفد من أقاربهم وجري الاحتفال بمقدمهم تحت أضواء أجهزة التصوير التليفزيونية ، وترددت أنباء أخري بأن المهاجرين الجدد عبروا دولة ثالثة هي مدينة اسطنبول التركية ، وكانت النمسا محطتهم الأولي حيث شنت منظمة الصداقة العالمية لليهود والمسيحيين ، حملتها لتشجيع اليهود الإيرانيين علي الهجرة .
فور وصول المهاجرين تلقوا مساعدة من الحكومة الإسرائيلية وأخري مادية من منظمة مسيحية إنجيلية ـ أمريكية ، ورفض القادمون الجدد إلي إسرائيل الكشف عن ألقاب عائلاتهم خوفا علي أقاربهم في إيران ، وقد أحدث الخبر دويا ، إلا أن مصدرا مسئولا في رابطة اليهود الإيرانيين وهي هيئة رسمية تمثل الجالية اليهودية في إيران ، نفي بشكل قاطع إن كان خروج 40 أسرة يهودية من إيران باتجاه إسرائيل دليلا علي خوف اليهود حيال التهديدات والحملات الموجهة ضد إسرائيل .
وأوضح المصدر أن رئيس الرابطة الدكتور سيامك مره صدق ونائب اليهود في البرلمان المهندس موريس معتمد كليمي سبق أن أصدرا بيانا أكدا فيه تمسك اليهود الإيرانيين بهويتهم الوطنية ، بحيث فشلت جهات خارج إيران بإغراءات مالية ضخمة في دفع اليهود الإيرانيين الذين تعود جذورهم إلي عهد الإمبراطور كورش ( سيروس ) الإخميني أي قبل 2500 عام إلي مغادرة وطنهم . مشيرا إلي أن مشاركة أبناء الجالية في الحرب الإيرانية ـ العراقية ، حيث إن سقوط عدد منهم خير دليل علي أنهم ليسوا أقل إيرانية من المسلمين الإيرانيين . …
يذكر أنه في بدايات الثورة ونتيجة للخطاب الديني المتشدد والداعم للفلسطينيين ، حدثت بعض حالات الخروج اليهودي من إيران واستقر أغلبهم في أوروبا ، حيث كانوا من كبار التجار .(56/87)
وخلال فترة رئاسة هاشمي رافسنجاني ومن ثم محمد خاتمي التي تحسن فيها وضع الأقليات الدينية بشكل عام واليهود بشكل خاص ، قلما غادرت أسرة يهودية إيران وبرغم أن سلطات الأمن قد اعتقلت أوائل عهد خاتمي عشرة من المواطنين اليهود بتهم منها التجسس لصالح إسرائيل ، إلا أن هذه الاعتقالات لم تغير شعور الجالية اليهودية .
ووفقا لدراسة أعدها مركز الدراسات الإيرانية ، فإن المهاجرين الأوائل من اليهود الإيرانيين سافروا بعد الثورة إلي الخارج ، كان معظمهم من الأثرياء اليهود ، فيما تسعون بالمائة ممن بقوا في إيران هم من الطبقة المتوسطة وقليلا منهم من الفقراء . كما أن هناك المئات من المثقفين والأطباء والفنانين والتقنيين اليهود الذين يزاولون أنشطتهم بحرية في إيران .
إن الثورة الإيرانية تعترف بالدين اليهودي دستوريا ، و البازار الذي لعب دورا كبيرا في الثورة الإيرانية يضم نسبة كبيرة من اليهود .
والرأي الإيراني حول اليهودية يقوم علي الأساس نفسه الذي وضعه الإمبراطور كورش الأول مؤسس أول إمبراطورية فارسية عند تحريره اليهود من السبي البابلي ، وهو أن اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري ، ويمكن الاستفادة منه من خلال إغرائه بالمال . وقد استفاد النظام الإيراني من اليهود استفادة كبيرة خلال الحرب مع العراق كوسطاء يعقدون الصفقات مع الدول الغربية لإمداد إيران بما تحتاجه من المؤن والعتاد خلال فترة الحصار الأمريكي .
مازالت إسرائيل من أهم مراكز الاتجار في السجاد الفارسي ( العجمي ).
وإذا ما جري حديث عن علاقات إسرائيلية ـ إيرانية فإن هناك شخصا لابد أن يكون حاضرا ، إنه أوري ليبراني مهندس العلاقات الإسرائيلية ـ الإيرانية والذي كان آخر سفراء إسرائيل في إيران حتي جاءت الثورة وطردته ليعود مرة أخري ولكن من بوابة العلاقات العسكرية الإيرانية ـ الإسرائيلية والتي كانت صفقة إيران كونترا أو إيران جيت أحد أبرز مظاهرها .(56/88)
وليبراني كان صاحب فكرة خط أنابيب النفط إيلات - أشكلون أثناء وجوده في إيران ، وعمل علي إخراج فكرة ديفيد بن جوريون القاضية بإيجاد ميجور ماروني ينفصل بجنوب لبنان الشيعي عن الدولة إلي حيز الوجود وفيما بعد تبلورت بما سمي بجيش لبنان الجنوبي بقيادة الرائد سعد حداد وهو صاحب هذا الاختيار ، وكان من الصقور التي أيدت ذهاب الجيش الإسرائيلي إلي بيروت فيما سمي بعملية سلام الجليل في الرابع من يونيو 82، وأسندت إليه منذ ذلك التاريخ رسميا المنسق الإسرائيلي للشئون اللبنانية حتي تاريخ قريب ، ويعتقد أنه من تفاوض مع حزب الله في السابق .
ويري مراقبون أن الأخبار التي ترددت أخيرا حول تقليص صلاحيات السيد حسن نصر الله في المجال العسكري بقرار من علي خامنئي يأتي في إطار التهدئة التي بدأت تشهدها العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية بعدما صدر تقرير المخابرات الأمريكية حول السلاح النووي الإيراني الذي يفيد توقف المشروع النووي العسكري الإيراني عام 2003 .
وليبراني لعب دورا تخطيطيا في الاختراق الأمني الإسرائيلي لمنطقة كردستان العراق وذلك بمجموعة من اليهود الفرس ، اعتمادا علي العلاقة الوثيقة التي تربط بين مصطفي البرازاني وليبراني .
إن المراقبين يرجعون بداية التعاون الإسرائيلي ـ الإيراني في مجال السلاح إلي اجتماع سري جري بين علي أكبر خامنئي وشمعون بيريز علي هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك ، إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية ، حيث أبدي خامنئي استعداده للإفراج عن الرهائن الأمريكيين في لبنان حينذاك كخطوة نحو تحسين العلاقات بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي مقابل تزويد إسرائيل طهران بصفقة أسلحة تتضمن صواريخ أرض ـ جو وقطع غيار لطائرات الفانتوم الأمريكية لدي إيران لتستخدمها في حربها مع العراق .(56/89)
إن إمدادات من الأسلحة الإسرائيلية توافدت علي إيران ، ومن المؤكد أن أخبارا تواترت عبر مصادر مختلفة حول الاستفادة الإيرانية من الخبرات الإسرائيلية في المجال التدريبي العسكري وفي مجال الاستفادة من الأسلحة الإسرائيلية المتنوعة ، وما تبع ذلك من استعداد الإدارة الإسرائيلية لتطوير سلاح الجو الإيراني والبحث في إعادة تشغيل طائرات الفانتوم وما يتبع ذلك من تزويد إيران بقطع غيار لها . وما نشر عن موضوع الأسلحة والتعامل به بين الإيرانيين واليهود ظل بالنسبة للإيرانيين بين الإنكار والتشكيك .
وفي هذا الإطار يأتي ما كشف عنه أخيرا والذي تضمن تقريرا أرسله سكرتير لجنة الأمن القومي بمجلس الدوما الروسي كوزنيتسوف ردا علي طلب السيناتور الجمهوري لي هاملتون بالمساعدة في التحقيق في فضيحة إيران جيت وكان الرد عبر السفارة الأمريكية في موسكو في 11 نوفمبر 1993، أن العلاقة نشأت منذ احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية وتدخل الجناح الجمهوري ريجان وبوش عبر وليام كاسي مدير حملة ريجان حيث التقي مسئولين إيرانيين ثلاث مرات للتفاهم للإفراج عن المحتجزين مقابل صفقة سلاح أمريكي عبر إسرائيل وتأخير الإفراج لحين نهاية حكم الرئيس الديمقراطي كارتر حتي تكون سببا في إسقاطه ،.
وقد حدث وتولي ريجان وأفرج عن الرهائن في عهده وانكشفت فضيحة إيران جيت عام 1986 وكلف السيناتور تاور برئاسة لجنة تحقيق وأعدت اللجنة تقريرها في 250 صفحة جاء فيها :' إن الولايات المتحدة الأمريكية يتعين عليها أن تشجع حلفاءها الغربيين وأصدقاءها علي مساعدة إيران في الحصول علي طلباتها واحتياجاتها بما في ذلك المعدات الحربية التي تحتاج إليها '.
ثم يشير تقرير لجنة ' تاو ' إلي أن إسرائيل ظهرت في الأفق بعلاقات خاصة مع إيران ويستطرد ، ليقول :' إن إسرائيل لها مصالح وعلاقات طويلة مع إيران ، كما أن هذه العلاقات تهم أيضا صناعة السلاح الإسرائيلي .(56/90)
فبيع السلاح إلي إيران قد يحقق الهدفين في الوقت نفسه : تقوية إيران في حربها ضد العراق وهو عدو قديم لإسرائيل ، كما أنه يساعد صناعة السلاح في إسرائيل .
ويفهم ما جاء في التقرير مع ما نشر في جريدة التايمز في 18 يوليو 1981 حيث نشرت خبر عن إسقاط الدفاع الجوي الروسي طائرة أرجنتينية تابعة لشركة أروريو بلنتس وكانت الطائرة التي سقطت ممتلئة بشحنة من السلاح الإسرائيلي ، وكانت متجهة لإيران ،.
وفي مقابلة مع جريدة ( الهيرالد تربيون ) الأمريكية في 24 أغسطس 1981 م اعترف الرئيس الإيراني السابق ' أبو الحسن بني الصدر ' بأنه أحيط علما بوجود هذه العلاقة بين إيران وإسرائيل وأنه لم يكن يستطع أن يواجه التيار الديني هناك الذي كان متورطا في التنسيق والتعاون الإيراني - الإسرائيلي ، وفي 3 يونيو 1982 م ، اعترف ' مناحيم بيجين ' بأن إسرائيل كانت تمد إيران بالسلاح وعلل شارون أسباب ذلك المد العسكري الإسرائيلي إلي إيران بأن من شأن ذلك إضعاف العراق .
وقد ذكر الكولونيل أوليفر نورث مساعد مستشار الأمن القومي الأسبق ) في البيت الأبيض والمسئول الأهم في ترتيب التعاون العسكري بين إسرائيل وإيران ، في مذكراته التي نشرها في أواخر عام 1991 م بعنوان ' تحت النار ' أن حجم مبيعات السلاح الإسرائيلي لإيران وصل إلي عدة بلايين من الدولارات .
وعلي الصعيد الفلسطيني فإن إيران توثق علاقاتها بالفصائل ذات المرجعية الدينية كحماس والجهاد علي حساب الفصائل الأخرى ، وكانت إيران قد نددت باتفاق أوسلو واتهمت منظمة التحرير وفتح بالعمالة وخيانة الشعب الفلسطيني وخيانة الإسلام لأنها فرطت في القدس الشريف . …(56/91)
بيد أن هذا الموقف من الحقوق الفلسطينية شهد تحولا في مرحلة تالية ، حيث صرح سفير إيران في ألمانيا لمجلة إكسبريس الألمانية بأن ' طهران لا تعارض السلام في الشرق الأوسط بأي وجه من الوجوه وليست ضد اليهود ، ولكن ينبغي أن يسمح لنا أن نعلن رأينا في السلام الدائم '. …
ومع أن إيران لديها خبرات جيدة في مجال التفاوض ، فإنها لم تعرض هذه الخبرات علي الفلسطينيين في مفاوضاتهم مع إسرائيل واكتفت بهذا الموقف السياسي الذي يبدو في ظاهره داعما للحقوق الفلسطينية ، ولكنه لا يقدم دعما واقعيا للموقف الفلسطيني . كما أن جيش القدس دخل دائرة النسيان ، وبقي يوم القدس شعارا يطمحون إلي جلب التفاف المسلمين حوله تحت زعامتهم .
وهكذا فإن العلاقات الإسرائيلية - الإيرانية ظلت ملتبسة ، حيث نري خطابا معلنا معاديا من كلا الطرفين للآخر بينما تتكشف بين الفينة والأخرى تقارير تشير إلي تواصل بل وتعاون أحيانا.
الغدير والغدر (1- 2)
خالص جلبي
إيلاف 26/1/2008 باختصار
(خالص جلبي كاتب عقلاني يهاجم دوماً أهل السنة، ولذلك نحن لا نقر كل ما في كتاباته. الراصد)
جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين سبعين من الصحابة المقربين، بما هو أكثر من أصحاب الشجرة والبيعة الكبرى في غدير خم فقال: انظروا جيدا لقد استخلفت عليا من بعدي، مثل الانتخابات الأمريكية بعدي لأربع سنين، واحذروا من الانقلابيين والمروانيين؟ وبعد دورتين انتخابيتين، يرشح ابن الرئيس وينتخب مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى الأبد إلى الأبد ...
ولكن الملاعين من الانقلابيين خطفوا الصولجان ونصبوا رجلا من جماعتهم..
وهكذا ضاعت الخلافة الراشدة فوجب إحياءها مرة أخرى تحت ولاية الفقيه؟
هذا هو باختصار الجدل الشيعي التاريخي حول قصة حديث الغدير المزعوم؟
وهذا هو باختصار بناء العقيدة الشيعية على حدث تاريخي.(56/92)
وهذا هو باختصار مصيبة الانشقاق الإسلامي الأعظم إلى ثلاث فرق، المروانية والشيعية والخوارج، يلعن بعضها بعضا، كل فرقة تدعي وصلا بالأصولية النقية؟
-…ـ فأما الشيعة فقد (جَّيروا) الإسلام لحساب عائلة؟
-…ـ وأما المروانيون فقد (جيروا) الإسلام لحساب قبيلة تحت حديث الأئمة من قريش؟
-…ـ وأما الخوارج فكانوا أكثر ديموقراطية، حين قالوا أن الحاكم لا يشترط له سوى أن يكون مطابقا لهذا المنصب الحساس، حتى لو كان رأسه زبيبة، وعبدا أسودا يلمع من شدة السواد..
ومن سخرية التاريخ أن يكون أبسطهم وأشدهم عنفا وذبحاً للمسلمين هم الخوارج، في الوقت الذي يدرس الشيعة الفلسفة.
وهكذا انتهت رحلة الإسلام في التاريخ قبل أن تبدأ، حتى يعاد إحياؤها من جديد، صدقا وعدلا، وصدق النبي العدنان؛ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، كما ضرب الكل رقاب الكل؛ من مرابطين وموحدين، وأيوبيين وفاطميين، وعثمانيين ومماليك، ومن شايعهم أجمعين، وكما يضرب العراقيون اليوم رقاب بعضهم تحت كلمة مجللة بالعار:
شيعي وسني وخلفي وسلفي ووهابي وصوفي ..
وكلها أسماء سموها ما أنزل الله بها من سلطان ..
ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات هي الدعوة التي تلقيتها من مركز الإمام علي لحضور (السيرموني) في مركزهم في أقصى الأرض، وأنا في أدنى الأرض، بعد أن محى الانترنت المسافات، فأصبح الناس بنعمته إخوانا..
وهذه المسألة تحركت عندي على نحو حاد مع الثورة الإيرانية عام 1979م حين ارتج الغرب وخاف، فلما دخل الخميني الحرب مع صدام، وضع الغرب رجله في ماء دافئة، تناسب صقيع أوربا وكندا وبلاد الأسكيمو..
ويومها دعيت لحضور المناسبة الثانية للثورة الإيرانية، وكنت في ألمانيا، وكان الداعي أخ جزائري أعرف فيه العقل والتنوير، هو من أفضل تلامذة المفكر الجزائري مالك بن نبي فلبيت الدعوة..(56/93)
واكتشفت أن الأخ قد فقد عقله تماما؛ فكان يقفز معهم كالقردة في طهران وعبدان، مثل مظاهرات الرفاق الحزبية، فهنا كان الهتاف يقص الحنجرة عجَّل الله فرجه، وهناك بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم..
مع دخولنا مطار مهاباد، وفي حي الأمين في دمشق، حملت أطنانا من كتب الشيعة للبهبهاني والطبطبائي والمراجعي والتسخيري والعاملي والجاعلي..الخ وكلها كتب تعود لألفية كاملة إلى الخلف، في استرجاع الشخير الشيعي السني..
وقلت في نفسي يومها خالص راجع نفسك، ففيك بقية من عقل، فإن كان مذهبهم حقا، وطريقتهم صدقا، فيجب أن تعلن ولائك للفقيه، وتلتحق بالمرجعيات، وتضرب نفسك بالسلسال في يوم محرم وعاشوراء؟
وفعلاً وضعت السؤال المحرج أمام عيني، وقرأت واستغرقت، لفهم هذه المعضلة التاريخية، وكان ذلك مع انفجار الثورة الإيرانية، وبدء الحلم العظيم في استيقاظ المارد الإسلامي..…
بل لقد كتبت كتابا في الثورة الإيرانية، وألقيت محاضرة بحماس في مركز ميونيخ، عن أسباب وفلسفة الثورةالإيرانية.
وكان الغرب يرعش خوفا، وينتفض كمدا، بعد أن تحركت الجماهير بأذرع عارية، كما وصفها روجيه غارودي، في أعظم ثورة لا عنفية منذ أن بعث النبي، وسبقت إيران أوربا الشرقية في التخلص من الطغاة، ولكنها تحالفت مع الطغاة مثل الأسد وشاوسسكو، في انقلاب من الثورة إلى الدولة، كما هي حال كل الثورات، التي حذرنا منها أرسطو قبل ثلاثة آلاف سنة؟
وهي الآن في طريقها لبناء صنم نووي، على طريقة بني صهيون؛ فيقولوا كما قيل لموسى بعد الخلاص من فرعون وعبور البحر اجعل لنا إلها كما لهم آلهة؟!!
هذه المرة في غياب كامل لموسى، أن يقول إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء متبَّر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون؟
ثم ذهبنا إلى إيران، وقابلت أنا شخصيا الخميني، وكان شخصية لا توصف إلا أنها مميزة وكارزمائية ووجه صادق صارم لا يخيب.(56/94)
ثم اجتمعت بجماعة كيهان (نشرة الثورة)، ثم قابلت يزدي وزنكنا والخلخالي في مجلس نوابهم وآخرين..
وفي سؤال ليزدي عن معنى استمرار الإعدامات بدون توقف؟
غضب الرجل، واعتبرني من مناهضي الثورة؟
أما زنكنا الذين قلنا له أن حماة تدمر بيد حافظ الأسد، فهل تتدخلوا عند صديقكم وحليفكم الاستراتيجي، لإيقاف سفك دم ثلاثين ألفا من المدنيين، يلحقهم خمسة آلاف مقرنين؛ بيد سرايا الدفاع ووحدات الصراع ينهبون سوق الذهب، ويقتلون خمسين امرأة مسكينة هاربة من الجحيم في قبو مظلم، بما تورع عنه النازيون؟ في حمامات دم لم يفعلها بنو صهيون؟
غضب الزنكنا وقال: إنهم أخوان مجرمين يستحقون الذبح من الوريد للوريد.
النظرية النبوية العائلية في الحكم
تقول الأسطورة أن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع سبعين من أصحابه في غدير خم فقال لهم أن الحكم يجب أن يكون في علي ونسله إلى يوم القيامة، وهو حديث يقول عنه ابن خلدون أمور يقولونها ولا يسلم لهم بها.
ولكن الإيديولوجيات بنيت دوما على الأساطير، مثل رومولوس في قيام روما، والأساطير النوردية، أو النرتية عند الشراكس.. وأوزيس وأوزرويس حول ألوهية الفراعنة.. وفي عام 1979م كنت في إيران بمناسبة الذكرى الثانية للثورة فرأيت العجب..
كنا نطوف بين طهران وقم بين الملالي والتكايا، في رحلة عودة للعقل لألف سنة أيام المستنصر بأمر الله والعلقمي، ونشم رائحة غير نظيفة، واكتشفنا أننا أمام ثورة غير إنسانية، وكانت رحلة الوداع مع أطنان كتبهم إلى غير رجعة، بعد هذه الصدمة الكبرى..
كنا أول الأمر مستبشرين جدا، ولكن رابنا كثرة السجون واكتظاظها، إلى درجة أن غربيا صرخ ونحن لم نصرخ، لأنهم قوم تأصلت فيهم روح العدالة، ونحن مازلنا نعيش ضباب القرون؟
قال دعوهم يتكلمون؟(56/95)
كان ذلك في زيارة سجن إيفين، وكان مكتظا على نحو مخيف، مع كل مظاهر التخفيف والتزيين (الميك أب)، وأما معسكرات أسرى الحرب من العراقيين، فكانت الأسرة إلى السقف فيتسلقون للنوم كالقردة، وربما نام في الغرفة الواحدة مائتي شخص، بما تخجل منه زربية ماعز وخرفان..
والقصة ليست هنا بل الجدل العقائدي؟ قلت في نفسي نعم كان الأفضل بعد عمر أو ربما قبل أبي بكر وعمر لو تسلم علي كرم الله وجهه الخلافة لتغير مجرى التاريخ؟ كما هو مجراه في أدمغة الشيعة؟ خاصة أن عليا كان صغيرا في العمر، وهو من تشرب النبوة منذ نعومة أظفاره؟ وإلى هنا لا بأس، ولكن كل المشكلة بعد ذلك؟
فإن مات علي فمن سيكون بعد علي؟ هنا الطامة الكبرى وداهية الدواهي قاصمة الظهر؟
قلت لاشك أن الجميع سيتفق كما هي في النظرية الشيعية، أن من سيأتي بعد الحسين حسونة؟
ومن بعده ستوزع الهدايا على الرؤوس، بين طواقي بيضاء وسوداء، فمن لبس الأسود كان دمه نقيا نبويا، تجري في عروقه كريات حمر مختومة نبي نبي.. معصوم معصوم..، ومن كانت عمامته بيضاء كان دمه هجينا، في انقلاب كامل من الفكر والثقافة إلى الدم والعرق، مذكرا بالنظرية النازية الآرية من صفاء الدم وأرومة العرق وتسطح الجمجمة حسب روزنبرج؟…
وهم ليسوا الوحيدين في العالم من المؤسسات الدينية، ونظرة لألوان القلنسوات والعمائم وأحجامها، من بطريرك الأرثوذكس في روسيا الذي رش بماء الكنيسة، سبعة ملايين قربان بشري في الحرب العالمية الأولى، فأفسح الطريق للإلحاد الشيوعي بالقدوم، على المراكب سباحة في أوقيانوس من الدم البشري.(56/96)
وانتهاء بمفتي الجمهورية، وشيخ الديار الإسلامية مفتي العثمانيين، الذي كان يوصي بخنق أولاد الخليفة مثل الدجاج مع اعتلائه العرش، بآية قرآنية أن الفتنة أشد من القتل؛ فيقتلون بالجملة، كما خنق السلطان مراد 14 أخا دفعة واحدة في ضربة سلطانية واحدة، مالها من فواق.. وبذا هربنا من المطر لندخل تحت المزراب، ونؤسس بيتا جديدا للحكم (ديناستي Dynasty)، مثل بيت تشين والمغول في الصين، بفارق أن الاسم لن يكون عبد الملك بن مروان، بل حسن بن علي بن الحسن بن علي.. إلى آخر السلسلة المعصومة؟
باعتبار أن آل البيت معصومين، وفي آية صريحة بزعمهم (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وهنا يخرج من البيت كل نساء النبي الآخريات، وكل المجاهدين معه، وكل الصحابة الذين رباهم على عينه عشرات السنوات، بمن فيهم سلمان منا آل البيت، وهو حديث يردوه فلهم أحاديثهم التي لا ترد؟
لتتحدد الطهارة على نحو (دموي) فكل من يدخل دمه كريات حمر دم النبي تحول إلى مقدس ومعصوم، مثل بابوات الفاتيكان، حتى كتب فيهم يونج السويسري أنهم يحملون البلايا التسع؟
وهكذا تؤسس الأسر الحاكمة في التاريخ تحت ذريعة المقدس والإلهي، وأن الشمس بزغت والقمر استدار وملوك الأرض حملوا الهدايا لطفل يثغو؟ والبيعة لآل الرضا من آل البيت.
وكان في تأسيس البيت العباسي، وآخر من شكله أزواج شاهد مفجع، على أن أعظم الدماء تقوم تحت أعظم الأسماء.
لقد نبش العباسيون قبور بني أمية وصلبوهم، وذبحوهم لآخر طفل، ودفعوهم للهرب إلى الباسك ليشقوا الدولة الإسلامية إلى رأسين، ووضعوا بقايا الأموات تحت السجاد، وهم يحشرجون، وبن علي يشرب الخمر ويفترس الدجاج مع أصوات المحتضرين.(56/97)
وإذا كان بيت مروان أنتج عمر بن عبد العزيز لسنتين وثلاث أشهر ليسمموه، فإن بني العباس وأولاد فاطمة في المغرب ومصر لم ينتجوا إلا طغاة، أو في أحسن الأحوال أناس يدّعون الألوهية، كما في الحاكم بأمر الله، الذي قام بتصفية عرقية للكلاب في ليلة غضب عارمة حين نغصوا نومه، فذبح ثلاثين ألفا من الكلاب مسومين، بحجارة من سجيل منضود، الذي هرب أتباعه من مصر إلى جبال سوريا، فأنشئوا ديانة مغلقة لأنفسهم، كما فعل أتباع يزيد بن معاوية بطل معركة الحرة في استباحة مدينة النبي، فهربوا إلى شعف الجبال، يعبدون الشيطان الرجيم، ويسمونه طاووسا بذيل وثيل..
هنا وقفت وتأملت وقلت: أليس عجيبا أن مثل هذا الدماغ الجبار (باقر الصدر) أن يتورط،وهو كاتب فلسفتنا واقتصادنا ومشروع بنك لا ربوي فيعتقد أن رجلا دخل سردابا، هو على قيد الحياة، بما هو ضد قوانين البيولوجيا، ليبعث بعد عشرة آلاف سنة؛ فيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا؟؟؟.
هنا أعرف أن الموضوع سيكولوجي ولا علاقة له بالوعي مطلقا..
ولذا كان على المفكرين أن يفهموا القضية في هذا البعد، فيسمحوا لكل الخرافات أن تنمو مثل العفن، حتى يأتي دور البنسلين..
في نقد التفسير الأسطوري لحادثة عاشوراء
فاخر السلطان - الوطن الكويتية 15/1/2008
نتساءل، في خضم الاحتفالات السنوية للشيعة بإحياء ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته في واقعة الطف بكربلاء على يد جيش الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان والمعروفة بحادثة عاشوراء، لماذا يحرص الجمهور الشيعي على حضور خطب رجال دين وشيوخ عُرف عنهم بأنهم من أنصار التفسير الأسطوري الخرافي للواقعة؟(56/98)
لماذا تعتبر مجالس وخطب الشيخ عبد الحميد المهاجر والشيخ حسين الفهيد والسيد محمد باقر الفالي في الكويت، والمعروف عنهم بأنهم الأكثر حرصا على نشر التفسير الأسطوري الخرافي الخاص بالحادثة من بين جيش كبير من الخطباء والمتحدثين، هي الأكثر ازدحاما وشعبية؟ لماذا لا يتجه هذا الجمهور الكبير إلى المجالس التي يتباين تفسيرها مع التفسير الأسطوري، أي إلى تلك التي تفسر الواقعة انطلاقا من اتجاهات أخرى من بينها التاريخي والعرفاني الصوفي والاجتماعي العقلاني، رغم أن الأخير، أي التفسير العقلاني، من الضعف بمكان داخل الخطاب الشيعي بحيث لا تجد له إلا تأثيرا محدودا في تفسير حادثة عاشوراء.
لقد سعى الخطاب الديني الشيعي الأسطوري إلى نشر تفسيره الخرافي حول الواقعة من أجل أن يؤكد لجمهوره بأن نتائج التفسير تتعدى الفهم الطبيعي والواقعي للإنسان، وأنها تحمل من المعجزات واللامعقولات بما لا يستطيع حتى العقل البشري المميز أن يدركها ويستدرك نتائجها ومعانيها. فالخطاب يسعى لإبراز أن الحسين وأهل بيته وأصحابه كانوا فوق بشريين، وأن نتائج الواقعة لم تصب في صالح البشرية فحسب وإنما في صالح العالم والكون بأكمله، وأن المعركة تعكس توجها ربانيا خارقا لإنقاذ الوجود من مختلف المصائب والمشاكل. وأن مخرجات هذا التفسير هي السبيل للفوز في الدنيا والآخرة.(56/99)
فالخطاب في تفسيره هذا يطرح هؤلاء الرموز ـ الحسين بن علي وأهل بيته وأنصاره ـ وكأنهم ليسوا بشرا خاضوا معركة بشرية طبيعية ضد بشر آخرين، ولم يرد للمعركة أن تكون تاريخا بشريا يستفيد منه البشر، وإنما تاريخ يسرد المعجزات والخوارق لكي يؤسس لحالة عاطفية مثيرة وجياشة تسد فراغ الانهزام الروحي والاجتماعي والسياسي الموجود في الواقع الراهن، ليحل محله انتصار أسطوري غير واقعي لا علاقة له بواقع الحياة ومشاكلها، متعمدا تجاهل الحقيقة البشرية المرتبطة بالمعركة والنتائج الواقعية التي أفرزتها، وهي نتائج لن تخدم أنصار التفسير الأسطوري بل قد تمثل تهديدا لسلطاتهم الدينية التي اكتسبوها جراء هذا التفسير.
فالتفسير الأسطوري للواقعة لا ينفع البشر بشيء يساهم في تطوير حياتهم الواقعية العملية، إنما يساهم في ابتعادهم خطوات كبيرة عن الواقعية والعقلانية التي تحتاجها الحياة، لأنه يعتمد على سرد لامعقول يتعارض مع المعقول البشري.
لكن العاطفة الجياشة المرتبطة بالأسطورة واللاواقعية قد تسد فراغات عدة يعاني منها الناس، الأمر الذي يجعلهم يتجهون نحو التفسير الديني غير العلمي وغير العقلاني، لأنه يشبع فراغهم بالخيال غير الواقعي بحيث لا يلقون بمسؤوليات تأخرهم في الحياة على أنفسهم، وإنما يربطونها بمدى قربهم من الأساطير وتفسيراتها أو مدى بعدهم عنها.(56/100)
لقد أراد الخطاب الشيعي الأسطوري أن يبعد المعركة عن الواقع التاريخي الإنساني، من أجل أن يجعل منها مادة غير إنسانية، مادة خوارقية، ليقول أن طريق الوصول إلى تلك الخوارق لا تتم إلا من خلال مفسري هذا الخطاب وعن طريقهم. فأحد أهداف هذا الخطاب هو تقوية سلطات رجال الدين الأسطوريين بين الناس، لأنهم من خلال الأسطورة يملكون أسرار النجاة ومفاتيح الإيمان، وبالتالي باستطاعتهم أن يحددوا سبل العيش في الحياة الدنيا والفوز بالحياة الآخرة. أما التفاسير الأخرى المقابلة لذلك، وخاصة التفسير العقلاني الاجتماعي الواقعي، فهي، بالنسبة إليهم، تفاسير مضللة وتقلل من ربانية الواقعة وتحط من قدر رموزها، ومن ثم لن تكون وسيلة للنجاة. لكنها في الواقع تسحب بساط السيطرة الخرافية على العقول المخدرة من تحت أرجلهم، وتحرر هذه العقول من أسر اللامعقول ووصاية التفسير غير البشري، الذي لا يستطيع البتة أن يكون عضوا فاعلا في مدرسة التطور البشري والنمو المعرفي والعلمي والحقوقي.
إن حادثة عاشوراء، من وجهة نظر الخطاب الشيعي الأسطوري، تستند إلى أن معارضة الحسين بن علي لحكم يزيد بن معاوية ثم حادثة مقتله هو وأهل بيته وأنصاره في أرض كربلاء، لم تكن إلا حركة مخططا لها ومعروفة النتائج لأنها مقدّرة من قبل الله، وبالتالي فهي حركة مقدسة.(56/101)
وهو تفسير يعتبر الحسين شخصية استثنائية تتجاوز التاريخ، شخصية مقدسة فوق بشرية، شخصية كانت قادرة على طلب العون من الملائكة للمحاربة إلى جانبها في المعركة لكن القدر الإلهي أراد أن تنتهي المعركة على هذه الشاكلة. إن التفسير الأسطوري يشدد على القول ـ مثلا ـ بأن الرسول الأكرم تحدث عن واقعة كربلاء أثناء ولادة الحسين، وأن الدماء كانت تسيل من تحت كل صخرة في يوم عاشوراء. أي أن الهدف من ذلك هو وضع المستمع الشيعي (وغير الشيعي) في إطار أسطوري خرافي لكي يصل إلى نتيجة غير واقعية بشأنها أن تتجاوز التاريخ والفهم البشري، من أجل أن تضع هالة من القداسة على الواقعة وعلى التفسير بما لا يمكن ربطها بالواقع البشري الحياتي المعاش.
فالتفسير الأسطوري لحادثة عاشوراء هو تفسير غير حداثي ولا علاقة له بالتحليل العلمي التاريخي الذي يستطيع أن يقطف ثمارا تخدم الحياة الراهنة. لذلك لا جدال إن قلنا أن أنصار التفسير الديني الأسطوري يعادون مفاهيم ونظريات العلم الحديث، لأنها تشكل مدخلا لدحض تفسيرهم الأسطوري غير العلمي، وبالتالي إضعاف سلطتهم وسيطرتهم في الحياة، وتشجيع تمرد جمهورهم عليهم.
خطوة جديدة لاختراق مصر من قبل إيران
أسامة شحادة – موقع قاوم 27/1/2008
سبق لي أن نشرت مقالاً بعنوان "لماذا تحرص القيادة الإيرانية على اختراق الساحة المصرية؟" في موقع العصر بتاريخ 7/4/2007 ، تعليقاً على زيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي لمصر، وإلقاءه محاضرة في مكتبة الإسكندرية.
ونحن اليوم على موعد للحديث عن خطوة جديدة في مخطط خاتمي لاختراق الساحة المصرية عبر سياسة "الحوار بين الحضارات".
فقد عقد في طهران مؤتمر "إيران والعرب: رؤى مصرية وإيرانية" خلال الفترة 15-16/ نوفمبر 2007، وذلك بين المؤسسة الدولية للحوار بين الحضارات والثقافات برئاسة خاتمي، وبرنامج الدراسات الحضارية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.(56/102)
وهذا المؤتمر يعد استكمالاً لجولات الحوار المصري – الإيراني التي جرت إبان رئاسة خاتمي لإيران، وتم فيها عقد أربع ندوات في الفترة من عام 2001 إلى عام 2004 وذلك بين مركز الأهرام للدراسات السياسية، ومعهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.
وقد قامت د. نادية مصطفي، ود. باكينام الشرقاوي المشاركتان بالمؤتمر بنشر ملخص وقائع هذا المؤتمر في دورية "مختارات إيرانية" العدد 89 ديسمبر 2007 ، ومنه سوف نعرض ملامح الخطوة الإيرانية الجديدة لاختراق الساحة المصرية، والتي يمكن تلخيصها في ملمحين هما :
الأول: ما جاء في كلمة خاتمي في المؤتمر من "أهمية الانتباه إلى الجوار الحضاري بين مصر وإيران، فكلا الدولتين لا تمثلان أركاناً في حضارة إسلامية واحدة فقط، بل تمثل كل منهما إحدى أهم الحضارات العريقة التي عرفتها البشرية. ولذا يمتلك الشعبان المصري والإيراني طاقات هائلة يمكن استثمارها لتقوية الإسلام".
الثاني: ما قيل في الجلسة الافتتاحية من قبل آية الله محمد الموسوي البنجورى، رئيس الموسوعة الإسلامية بأن "على كل من مصر و إيران – كدول محورية في منطقة الشرق الأوسط- يقع عبء تنظيم رؤى إقليمية يلتف حولها المسلمون لمواجهة كثير من التحديات المفروضة عليهم ومنهم . ولعل من بين هذه التحديات محاربة الرؤى السلفية التي من خلال تبنيها نهج العنف قد أضرت بالعالم الإسلامي".
وتقول معدتا التقرير: "وتمت الإشارة في أكثر من موضع في جلسات المؤتمر إلى خطورة التحديات الداخلية على مسار الإصلاح في العالم الإسلامي. وتكررت المخاوف مما سمي بالإسلام المتحجر أو" العابد للظاهر" أو التطرف بسبب ما تفرضه هذه الرؤى من مخاطر على الأمة فقد تحفظ البعض على انتشار الرؤية السلفية التي تستهدف الأبرياء".(56/103)
هذان الملمحان للمشروع الخاتمي الإيراني الجديد يحاولان القفز على كل حقائق التاريخ لنزع مصر من إسلامها وعروبتها وسنيتها، وتشكيل وحدة جديدة مع إيران تقوم على حضارات شركية (فارسية – فرعونية)، كما يحاول هذا المشروع طمس تاريخ مصر السني الذي سطره الصحابة الكرام، الذين فتحوا مصر ونشروا الإسلام فيها، وواصل هذا الجهد المبارك بعدهم التابعون والأئمة كالشافعي والليث بن سعد وغيرهم. إلى أن أصبحت مصر في القرن التاسع والعاشر الهجري مركزا للعلم في العالم الإسلامي على يد علمائها الكبار كابن حجر والعراقي والسيوطي وغيرهم من أساطين العلم.
وقضية تمجيد الإيرانيين للحضارة الفارسية قضية تحتاج إلى وقفة وتأمل ، فهل هذا التمجيد لحضارة عبادة النار الزرادشتية أو المانوية أو المزدكية فهل يمكن أن يتسق هذا مع الحب الصحيح والصادق لآل البيت؟! وهل ما نشاهده لليوم من احتفالات رسمية بعيد النيروز في إيران يمكن أن ينبع من فقه سديد لمنهج آل البيت ؟؟
وهل الاعتداد بالتاريخ الفارسي بدل الهجري، وجعل الفارسية اللغة الرئيسة حتى للعلوم الشرعية يمكن أن يكون انتماءً صادقا لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم أو لغة القرآن الكريم؟
أما الدعوة للفرعونية فهي دعوة مسمومة ظهرت في منتصف القرن الماضي، على يد العلمانيين والمتشربين للغزو الفكري الغربي، فما بال خاتمي يدعو لها اليوم؟ وأي خير يريد منها لمصر وأهلها؟
أما محاولة انتزاع مصر من سنيتها ووسطيتها، للتحالف مع إيران والشيعة ضد السلفية بزعم أنها تتبنى العنف، فهي محاولة في غاية الخبث والمكر، فالذين نشروا الإسلام فيها هم السلف من الصحابة والتابعين؟
الجماعات السلفية ولليوم موجودة بمصر ولم تتلوث بالعنف والتطرف، كما أنَّ الجماعات السلفية في مصر كجماعة أنصار السنة وسلفية الإسكندرية كانوا دوماً من الرافضين لمسار العنف والتطرف، كما أن رموز السلفية في مصر لم تؤيد أو تناصر العنف أبداً.(56/104)
ومن الذي قاد الدعوة الإصلاحية في مصر المعاصرة أليسوا هم الرموز السلفية كرشيد رضا وأحمد شاكر ومحب الدين الخطيب وإخوانهم من شيوخ الأزهر ، وألم يكن حسن البنا نفسه امتداد لهذه المدرسة السلفية الإصلاحية، فمحاولة وصم السلفية بالعنف هو نوع من قلب الحقائق، فمن يمارس العنف في الحقيقة هم الشيعة وإيران، بل ويمارسونه بشكل رسمي ومؤيد من كافة المستويات القيادية الدينية والسياسية.
أليست إيران هي الداعم لكل الميلشيات الإرهابية في العراق سواء المليشيات الشيعية (بدر، حزب الدعوة، جيش المهدي).
ومن الذي يشل الحياة السياسية في لبنان، ويكاد يشعل حرباً طائفية؟ أليس حزب الله الشيعي التابع لإيران؟
من الذي يقوم بالفوضى المنظمة في البحرين، ويهدد بزوال النظام، أليست المرجعية الشيعية البحرينية بشقيها السياسي والديني؟
ومن الذي يطلق التصريحات المتكررة دوماً حول تبعية دول الخليج لإيران، أليس مستشارو القيادة السياسية الدينية في إيران؟
من الذي يدعم تمرد حركة الحوثي في اليمن سوى إيران ؟
أليست إيران هي التي تسب وتشتم " التكفيريين الوهابيين "؟
أليست إيران هي التي تطلق اسم خالد الإسلامبولي على أحد شوارع طهران؟
حادثة جهيمان بالاستيلاء على الحرم المكي لماذا تجد التمجيد والثناء من قبل المعارضة الشيعية السعودية المرتبطة بإيران؟
إن هذه الخطوة الجديدة التي دعا لها مؤتمر طهران والرامية لفك عرى التعاون والتحالف بين أكبر دولتين عربيتين وهما مصر والسعودية، محاولة خبيثة وماكرة لا تهدف سوى إضعاف المسلمين بعامة وتوهين العروبة لمصلحة التشيع والفارسية بالترويج للحضارات الجاهلية المندثرة.
ولعل في هذا عبرة وعظة لمن لا يزالون يعيشون في دنيا الأوهام والأماني بإمكانية قيام تعاون حقيقي بين العرب وخاصة السعودية ومصر، مع إيران الملالي!!(56/105)
إن إيران كان لها تاريخ مشرق في خدمة الإسلام حين كانت ترفرف عليها راية الإسلام الحقيقية قبل احتلالها من قبل الدولة الصفوية، فمنذ ذلك الوقت أصبحت إيران تسعى في سبيل هويتها الجديدة والتي تكونت عبر امتزاج الغلو الصفوي الشيعي بالعنصرية الفارسية، وتتفاوت تأثيرات هذين الغلوين الصفوى والفارسي بحسب طبيعة النظام الحاكم لإيران.
وأقول لهؤلاء الحالمين: ما لم تتغير عقلية القيادة الدينية والسياسية لإيران فلا تتوقعوا منها إلا الغدر والخيانة والخذلان!!
وأقول لأعضاء الوفد المصري الذين قد قضوا مدة يومين في المؤتمر وأربعة أيام أخرى كانت للتعرف على طبيعة المجتمع الإيراني والقيام بـ" حوار الحياة " -بحسب حد تعبير كاتبتي التقرير – وكانت نتيجة" حوار الحياة " : " تمكن الأساتذة المصريون من تلمس نبض الشارع الإيراني وخاصة تجاه المصريين، وهي وإن كشفت عن كرم الضيافة الإيراني فلقد كشفت أيضاً عن قواسم مشتركة في عادات الأكل والشرب والحديث بل وأنواع الطعام والأهم العادات الاجتماعية ".
أقول لهؤلاء الأساتذة هل خطر ببالكم السؤال والبحث عن أحوال أهل السنة - الذين يشكلون نسبة تتراوح من 20 – 30 % - في إيران الذين هم الأصل في إيران قبل أن تتشيع بالسيف والدم على يد الصفويين قبل 500 سنة ؟
هل خطر ذلك ببالكم لا أقول بدلاً من التأمل في عادات الطعام والشراب بل معها أن تهتموا بمعرفة حقيقة ما يجرى لأهل السنة هناك من اضطهاد وظلم يتم التعتيم عليه من قبل إيران ووسائل الإعلام العربية والعالمية، بعكس ما يحصل في مصر من اعتداء المتشيعين الندرة على الغالبية العظمى من أهل مصر بمطالب مبالغ فيها بشدة، رغم حصولهم على مكاسب تفوق حقهم بأضعاف مضاعفة.(56/106)
أقول لهؤلاء الأساتذة هل خطر ببالكم بحث أحوال الأقلية العربية الشيعية في الأحواز والتي احتلتها إيران في مطلع القرن الماضي ، ويواصل " النظام الإسلامي " احتلالها وقمعها مع كونهم شيعة بسبب كونهم عرب !!
في الختام مما يؤسف له أن هناك بون شاسع بيننا وبين الإيرانيين في الجدية والوضوح تجاه ما يريد كل طرف من الآخر لصالح الإيرانيين ، فمتى يفوق أهل العلم والسياسة والحكم ويتعاونوا في ذلك بدلاً من تشرذمهم المؤذي!!
مستقبل العلاقات المصرية- الإيرانية
وحيد عبد المجيد - الاتحاد الإماراتية 10/1/2008
كانت المشكلة بين مصر وإيران حتى وقت قريب ثنائية في الأساس ثم إقليمية، أو قل إنها كانت مشكلة ثنائية ذات أبعاد إقليمية. فعندما قطعت إيران العلاقات الدبلوماسية عقب ثورة آيات الله في عام 1979، كان السبب المعلن هو السياسة التي انتهجتها مصر تجاه قضية فلسطين والصراع ضد إسرائيل وأدت إلى -ما أُطلق عليه وقتها- سلام منفرد. ولكن السبب الأعمق كان غضب قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني إزاء موقف الرئيس المصري الراحل أنور السادات تجاه الشاه المخلوع رضا بهلوي. فقد استقبله عندما صارت الأبواب مسدودة أمامه في العالم كله، بما في ذلك الولايات المتحدة التي كان حليفها الأول في الشرق الأوسط لعدة عقود.
لم يستوعب آيات الله دعاة الثورة الإسلامية رحمة الإسلام في معاملة حاكم سابق مجرد من النفوذ والجاه دهمه المرض واقترب منه الموت. ولم يدركوا حكمة الإسلام في أن يذكر المسلمون حسنات موتاهم. ووجدوا في السياسة الجديدة التي انتهجها السادات تجاه إسرائيل فرصة للتعبير عن غضبهم على مصر بدون أن يفصحوا عن أن قطعهم العلاقات معها إنما يعود إلى أنها أحسنت استقبال الحاكم الذي أرادوا أن ينتقموا منه، وهو في ذل العزل وألم المرض.(56/107)
وظل الطابع الثنائي غالباً على الأزمة التي امتدت منذ ذلك الوقت، لأن آيات الله سلكوا طريق التدخل في شؤون مصر الداخلية ودعم بعض المنظمات الصغيرة والعناصر الأصولية التي رفعت السلاح ضد الدولة والمجتمع مادياً ومعنوياً. فإلى جانب التورط في تمويل محدود لبعض هؤلاء، احتفت إيران على أعلى المستويات بقتلة الرئيس الراحل أنور السادات ورفعتهم إلى مصاف الأبطال، وأطلقت اسم خالد الإسلامبولي على أحد شوارعها فضلاً عن جدارية كبيرة وضُع عليها اسمه وصورته.
ولذلك ارتبط الجدل حول العلاقات المصرية- الإيرانية لفترة طويلة بسياسة طهران تجاه الإرهاب عموماً، وفي مصر خصوصاً. فلم تكن مصر قد تخلصت من تهديد هذا الإرهاب عندما بدأ أول اتصال من نوعه مع إيران في مطلع العقد الماضي.
كانت المنطقة خارجة لتوها من حرب تحرير الكويت، التي أضعفت العراق سياسياً وليس فقط عسكرياً. فأخذت طهران تتطلع إلى استثمار نتائج حماقة النظام العراقي السابق. وأرادت أن تجرب أساليب جديدة بعد أن وصل أسلوب "تصدير" ثورتها إلى طريق مسدود.
وفي هذه الأجواء توجه وزير خارجيتها الأسبق علي أكبر ولاياتي إلى القاهرة للبحث في مستقبل العلاقات. وفي المحادثات التي أجراها، كما في الاتصالات القليلة التي حدثت في السنوات التالية، كانت القضية الرئيسية التي وضعتها مصر من جانبها على المائدة هي سياسة طهران تجاه الإرهاب. ولما كانت إيران أوقفت دعمها المادي المحدود لبعض عناصر الإرهاب، فقد أصبحت المشكلة الأساسية هي في المساندة الرمزية والمعنوية الكبيرة التي تقدمها لدعاة العنف عبر "شارع خالد الإسلامبولي" وجداريته.(56/108)
ولم يكن الموقف المصري الذي أصر على طرح هذه المشكلة متهافتاً بخلاف ما رآه بعض من طالبوا بالتركيز على القضايا الكبرى، لأن الدعم الرمزي– المعنوي للإرهاب ليس مسألة صغرى. كما أنه لا يليق بدولة تحترم نفسها أن تفتح سفارتها على مقربة من رموز تخلِّد قاتل رئيس سابق لها أياً يكن الرأي في سياسته ونهجه.
وهذا فضلاً عن أن موقف إيران تجاه هذه المسألة الرمزية إنما يعطي مؤشراً على الذهنية التي ستدير سفارتها حين يعاد فتحها في القاهرة، حيث يخشى بعض الأجهزة الأمنية المصرية أن تكون هذه السفارة غطاءً لنشاطات سياسية وطائفية قد تثير قلاقل لا يتحملها الوضع الداخلي المهتز أصلاً. غير أن المشكلة الثنائية التي ظلت هي العقبة الرئيسية على هذا النحو أمام إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لم تعد هي الأكثر أهمية في اللحظة الراهنة. فقد تغيرت المنطقة كثيراً في السنوات القليلة الماضية، على نحو يجعل الوضع الإقليمي مقدماً على المشكلة الثنائية فيما يتعلق بمستقبل العلاقات المصرية- الإيرانية.
فقد تطورت التفاعلات في المنطقة باتجاه فرز تدريجي بين محور إيراني يضم سُوريا وبعض الحركات الإسلامية والقومية في مقدمتها "حزب الله" و"حماس"، وتيار معتدل يضم معظم دول المنطقة.
ولم يعد ممكناً الفصل بين مستقبل العلاقات المصرية- الإيرانية وما ستكون عليه المنطقة في السنوات القادمة في ضوء هذا الفرز، الذي كاد يحدث استقطاباً حاداً في عام 2006. ولا يقلل من قوة هذا التطور ودلالته عدم حدوث تغير يتسق معه في الخطاب السياسي والدبلوماسي المصري.(56/109)
فما زال هذا الخطاب يركز على أن (حدوث تطور نوعى في العلاقات مع إيران ينبغي أن يتوافق مع تطور إيجابي في القضايا الأمنية والنقاط ذات الدلالة الرمزية حتى يمكن الارتقاء بالعلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين في الوقت المناسب)، وفقاً لما نسب إلى وزير الخارجية السيد أحمد أبو الغيط في صحف مصرية صدرت في 4 يناير الجاري.
فلم تعد (هذه القضايا الأمنية والنقاط ذات الدلالة الرمزية) هي الحاسمة بالنسبة إلى مستقبل العلاقات بين القاهرة وطهران في منطقة تشهد فجوة واسعة بشأن هويتها ومستقبلها وما ينبغي أن تكون عليه في هذا المستقبل.
ولا يمكن، بالتالي، تقييم الاتصالات الآخذة في الازدياد بين القاهرة وطهران بمنأى عن هذا السياق. فاللقاءات الرسمية تزداد كماً ونوعاً. وحتى الزيارات غير الرسمية لا تخلو من لقاءات مهمة، كما حدث خلال زيارة السيد علي لاريجاني ممثل المرشد الأعلى في مجلس الأمن القومي الإيراني إلى القاهرة في الأيام الأخيرة من العام المنصرم والأولى في العام الجديد. وحصيلة الشهرين الأخيرين منها تفوق ما كان يحدث من اتصالات على مدى عدة سنوات. وينعكس ذلك على العلاقات التجارية أيضاً.
ولكن هذا كله ينبغي أن يوضع في إطار الوضع الإقليمي لأن مشكلة العلاقة بين المحور الإيراني- السوري وما يمكن أن يطلق عليه محور الاعتدال العربي لا تقل أهمية، إن لم تزد عن مشكلة العلاقة بين طهران والقاهرة.
والسؤال، هنا، هو: كيف يمكن تجنب حدوث مواجهة بين المحورين قد تنجم عن استقطاب من النوع الذي بدأ بقوة خلال وبعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف عام 2006، عندما انتقدت مصر ودول أخرى أهمها السعودية العملية التي قام بها "حزب الله" واتخذتها إسرائيل ذريعة للعدوان.(56/110)
كان الموقف المصري- السعودي المعلن يتلخص في أن عملية "الوعد الصادق" ليست أكثر من مغامرة. وانطوى هذا الموقف ضمناً على أنها مغامرة ترتبط بالمحور الإيراني- السوري، الذي كان قد تبلور بوضوح غير مسبوق في مواجهة الضغوط الأميركية- الغربية التي تصاعدت ضد كل من طهران ودمشق.
ولكن يُُحسب للدبلوماسية المصرية، وكذلك السعودية، أنها انتبهت بسرعة إلى ضرورة وضع حد لاستقطاب أخذ يطل برأسه، وخصوصاً عندما حاولت واشنطن دفع العرب المعتدلين في اتجاه بناء تحالف بقيادتها ضد المحور الإيراني- السوري.
وتسرع كثير من المراقبين في الحكم على نتائج التحرك الأميركي لبناء تحالف المعتدلين الذي يضم مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة (2+ 6+ 1). فهم يظنون دائماً أن "كل أحلام أميركا أوامر".
غير أن الدبلوماسية المصرية والسعودية نجحت، في الالتفاف على التحرك الأميركي وإفراغه من مضمونه. وساعدهما في ذلك التحرك الفرنسي، الذي بدأه رجال الرئيس ساركوزي تجاه إيران وسوريا منذ يوليو 2007.
غير أن النجاح الذي تحقق على صعيد تجنب حدوث استقطاب إقليمي حاد لا يكفى لتهدئة التوتر وتخفيف الاحتقان في المنطقة. فالفجوة بين المحور الإيراني- السوري والمعتدلين العرب هائلة. وتغلغل إيران في العراق ولبنان وفلسطين، وإمساكها بأوراق عربية مؤثرة، هما مصدر احتكاك مستمر مع الدول العربية المعتدلة. كما أن مخاوف معظم هذه الدول من برنامجها النووي ليست مبالغة.(56/111)
وإذا كان السعي إلى تجنب الاستقطاب لا يكفي، فكذلك أيضاً العمل على تدعيم الاتصالات مع إيران. ولا جدوى من حوار بين طرفين غير متكافئين. فإيران تحمل مشروعاً لإعادة ترتيب المنطقة تحت شعار "الممانعة ومواجهة أميركا وإسرائيل"، بينما يد العرب المعتدلين خالية من مشروع واضح لمستقبل المنطقة. وإيران قوة تغيير في المنطقة التي يحاول العرب المعتدلون الحفاظ على الأمر الواقع فيها. ولذلك فهم يجدون أنفسهم بين إيران ومشروعها الذي يمكن أن نطلق عليه اسم (شرق أوسط إسلامي) وأميركا ومشروعها الذي تراجع بسبب فشلها في العراق ولكنه لم يُسحب من التداول وهو (الشرق الأوسط الكبير).
ولذلك تبدو المعضلة الجوهرية التي تواجه المصريين اليوم هي أنهم يبدون في حالة جمود تجاه المشروع الإيراني الذي يتسم بقدر من الديناميكية بالرغم من تهافت محتواه. فهو يكتسب قدرته على التأثير من عاملين هما انتشار السخط على أميركا وعدم وجود مشروع مضاد يقدم نموذجاً مختلفاً لما تفعله إيران. فالمشروع الذي يمكن أن يغير، حال وجوده، معادلات الصراع على المنطقة هو بالضرورة مشروع للتقدم يقوم على بناء اقتصادي نظيف لا يشوبه فساد، وسياسات اجتماعية جادة لمحاربة الفقر، ومشاركة شعبية حرة في ظل إصلاحات تفتح الأبواب أمام التطور الديمقراطي، وتطوير جذري في نظم التعليم واهتمام حقيقي بالبحث العلمي، وصولاً إلى بناء القوة الشاملة التي تكشف حقيقة مشروع إيران القائم على قوة أحادية عسكرية باعتباره من مخلفات عصور مضت، مثله مثل دولتها الدينية المغلقة.
مشروع أركون في جنوب شرق آسيا!
تحديث الإسلام ولبرلته
عبد الرحمن الحاج - الغد 26/1/2008(56/112)
التجربة النقدية للمفكر الجزائري محمد أركون، كما تصفها كتاباته، تمثل أحد مشروعات "تحديث" الإسلام الجديدة، غير أنها ظهرت نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات، أي في وقت كان الفكر اليساري الاشتراكي والماركسي سائداً، وكل المشروعات النقدية وإعادة القراءة للإسلام والتراث الديني الإسلامي كانت تتم في إطار رؤية أيديولوجية مستحكمة، وهي - في العموم- تقوم على نقض الإسلام وتراثه، وليس على بناء مشروع لتحديثه وأنسنته، حتى ولو زعمت ذلك، ثم هي تستند على منهج ماركسي يقرأ التاريخ والتراث على طريقة قص الرؤوس لتلائم العمائم التي يلبسونها، في حين أن دراسة أركون تقوم على فكر ليبرالي قادم من أوروبا الغربية، الفكر الذي فارق العالم العربي منذ بدء المد اليساري الماركسي الثورجي في الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.
مشروع محمد أركون بهذا المنظور يمثل مشروعاً مهماً، كونه يستأنف البحث على أرضية المعرفة الغربية الليبرالية المتنوعة والدراسة الإستشراقية الأوروبية، ومن الطبيعي أن يحظى هذا المشروع باهتمام كبير نسبياً في الأوساط العلمية الأكاديمية والثقافية العربية، وقد كتب عنه عدد من الرسائل والأطروحات الجامعية يتجاوز العشرة؛ فضلاً عن المؤلفات الفردية والمقالات النقدية، غير أن هذا الاهتمام في العالم العربي كان اهتماماً عابراً، يتسم بالنخبوية، ولا يضرب بجذوره في أوساط أكثر عمومية وجماهيرية، ربما بسبب لغته المتعالية وأدواته المنهجية المعقدة.(56/113)
المثير في الأمر أنه في الوقت الذي بقي مشروع أركون "قولاً بين الأقوال" المتكاثرة في العالم العربي التي تلوكها النخبة المثقفة، فإنه حظي باهتمام استثنائي في جنوب شرق آسيا، لاسيما في أندونيسيا، وفي الجامعات والكليات الإسلامية بالتحديد، وربما كان السبب في ذلك الحاجز اللغوي بين النصوص الدينية والتراث الإسلامي المكتوب في جله بالعربية وبين لسان أهل المنطقة الناطق بالمالايوية، إضافة إلى ذلك الحكومة العلمانية ساعدت على نشر أنماط في الفكر التحديثي في سياق مكافحتها للأصولية الدينية المتشددة، في حين كانت دول أخرى في جنوب شرق آسيا (مثل ماليزيا) قائمة على حماية الإسلام وتراثه وليس محاربة الفكر الديني، الأمر الذي حال دون تمكن الفكر الأركوني وأضرابه من اقتحام النخبة العالمة والمثقفة فيها.
لاحظ أركون وهو يعدّ لتسجيل أطروحته للدكتوراه في السوربون أن حصول نزعةٍ أنسية (عقلانية) في التاريخ الإسلامي واقع لا يمكن أن ينفيه أحد، إلاّ أن المشكلة تكمن في اعتبارها نزعات عابرة غير قابلة للدراسة التاريخية والسيسيولوجية على النحو الذي حصل في أوساط البحث الاستشراقي؛ ذلك لأن الاستشراق وخصوصاً الفرنسي استمّر خاضعاً إلى "الموضوعاتية التاريخية المتعالية" (على حد تعبير ميشيل فوكو) التي يولدها المفهوم الحظي والتراكمي للتاريخ، حيث لا يبدو الحاضر إلاّ استمراراً للماضي.
وإذا كان أركون قد لاحظ ذلك، فإن اهتمامه بالأنسنة العربية يعود إلى رغبته في تثبيت تاريخٍ آخر «للحداثة» - كما سيدعو إلى ذلك لاحقاً في سياق نقده للمركزية الأوروبية- يمر عبر الحضارة العربية الإسلامية، ويتكثَّف في ثقافة متوسطية، وبالتالي حدَّد هدف دراسته الأولى في إثبات النزعة الأنسية العربية الإسلامية (من خلال كتاب مسكويه والتوحيدي).(56/114)
وجد أركون في مدرسة الحوليات الفرنسية -التي كان قد عرف أحد مؤسسيها (لوسيان فيفر) في مطلع الخمسينيات في الجزائر- نظرة جديدة للتاريخ مكنته من "إعادة قراءة النزعة الأنسية على أنها لحظة تاريخ أصيلة وليست عابرة على مسار تاريخ خطي"، فالتاريخ أصبح ينظر إليه من منظور كلي، وكما يؤكد أركون فإن تأثره بالحوليات الفرنسية كان "لأسباب نفسية وعلمية محددة".
وإذا كانت مهمة إثبات نزعة الأنسنة العربية كنزعة أصيلة مهمة أولية في بحث أركون، فإن تفسير توقف هذه النزعة كان المهمة اللازمة لذلك، ذلك أن الإجابات الاستشراقية السهلة وليدة علل المنهج الاستشراقي التاريخوي نفسه، مما وضع أركون أمام ضرورة استخدام مناهج جديدة للقيام بتحرياتٍ عميقةٍ مقنعةٍ في تفسير الفشل الذي انتهى إليه التيار الإنسانوي العربي في وقت كانت منهجية الاستشراق لا تسمح بإدخال المنهجيات أو الإشكاليات الجديدة التي كان يُسمع صداها خارج جدران الأقسام المحافظة والتقليدية في السوربون. وكان مفكرون ثوريون كباراً قد شغلوا بها الساحة الثقافية الفرنسية، والمفارقة أنه في الوقت الذي نظَّرت فيه البنيوية لموت الإنسان وانحلال الذات الإنسانية (فوكو) استخدمها أركون لإنجاز بحثٍ عن النزعة الإنسانية!
وبالإضافة إلى نزعة أركون المتمردة (كما يؤكدها في عدد من حواراته وكتبه) فإن ضيق المنهج الاستشراقي وحصاره العلمي جعلاه يجد في فتوحات المعرفة في أواسط الخمسينيات ما يساعده في إنجاز دراسته، التي وبسبب ذلك حالت دون إمكانية إقامته مناقشات أكاديمية حول موضوع الفلسفة الإنسانية إلاّ مع فئة نادرة من الباحثين.(56/115)
في الواقع إن بحث الأنسنة في الفكر العربي عند أركون سرعان تحول إلى مشروع فكري؛ فهو من جهةٍ يسمح بالتفكير في استعادة "نزعة الأنسنة" وإيقاظ الوعي الإسلامي بذاته، ومن جهةٍ أخرى أسس هذا البحث لعلاقة متوترة بالمستشرقين ومناهجهم الكلاسيكية، مما وضع أركون أمام تطورات محتملة لم يتوقف أركون عن الدخول فيها.
تأكد أركون في تجربته ببحث الأنسية العربية عدم كفاية "القواعد الأكاديمية المعترف بها في البيئات العلمية" الاستشراقية الكلاسيكية، والتي يجد أن إصرار "الإسلاميات" ـ بما هي "خطاب غربي حول الإسلام" يهدف إلى "العقلانية" في دراسة الإسلام ـ عليها يرجع إلى أن معظم ممارسيها بقوا متضامنين مع الرؤية التاريخية والعرقية ـ المركزية، التي تمثل استمراراً لحضور الممارسة في عهد الاستعمار التي كانت قد خضعت للنموذج الديكارتي الذي يدعو للمعادلة التالية: "أن تفهم أو أن تعرف = أن تتأهب للشيء من أجل السيطرة عليه"، ولهذا السبب يعزو أركون عدم خضوعها لأي تأمل منهجي.
في إطار الإسلاميات التطبيقية يتحدث أركون عن "سوسيولوجيا للإسلام"، و"عصر جديد للثيولوجيا"، و"مقاربة تاريخية للتراث"، و"الأنثربولوجيا الدينية"، و"إعادة قراءة القرآن"، و"الأنثربولوجيا التطبيقية"؛ لتدشين "تأصيلٍ وتجذير للإسلام في أرض المعرفة الوضعيّة". وهكذا وجد أركون نفسه مشرعاً على الدخول في دراسات كبرى للعقل الإسلامي تمتد من لحظته المعاصرة إلى لحظة انبثاقه؛ فالإسلاميات التطبيقية ـ إذ تقوم بدراسة الفكر الإسلامي المعاصر تمسُّ المشاكل الحارقة للمجتمعات الإسلامية، وحاجاتها الراهنة وتناقش مفاهيم الحداثة الغربية ذاتها لإغناء الإشكالية المتعلقة بالحداثة.(56/116)
لقد حاول أركون من خلال نقده للاستشراق ودعوته لمشروع «الإسلاميات التطبيقية» فتح طريق جديدة، وميادين مهملة أو منسيّة في البحث عن الفكر العربي الإسلامي، لكنه لم يلبث أن وجد نفسه أمام النتيجة المنطقية للإسلاميات التطبيقية وهي "نقد العقل الإسلامي"، مستفيداً من مصطلحات الفيلسوف الفرنسي فرانسوا فورييه في كتابه "إعادة التفكير في الثورة الفرنسية" 1978، الذي كان أول من استخدام مصطلح "نقد العقل" من أجل هدف تاريخي.
وكما وجد نفسه أمام مشروع جديد، وجد نفسه وقد تحوّل من مجرد مؤرخ للفكر الإسلامي إلى دور الـ"مثقف المفكر" (كما يصف نفسه) الحداثي الذي ينظر إلى الإسلام على أنه "لم يعد النظام المرجع الذي لا يمكن تجاوزه، بل هو حاجز يمنع اكتساح حركة عصرية مكروهة ومرغوبة بآنٍ واحد"، ويناضل - حسب تعبيره - من أجل فتح العقليات المغلقة وتحريرها من "السياج الدوغمائي".
كانت "إعادة قراءة القرآن" قبل مشروع "نقد العقل الإسلامي" مجرد استكشاف لقدرة القرآن "في إطار العصرنة والتحديث [على] إكمال مهمته كمرجع تشريعي عالٍ" لكنها تتحول في نقد العقل إلى "نقد تاريخي" على شاكلة النقد التاريخي الأوروبي للأناجيل، والطريف في الأمر ألا يحيل أركون هذا التحول الجديد إلى نضوج فكرة نقد العقل الإسلامي، وإنما إلى محض الصدفة التي بين يديه كتابات دانييل روس عن الأناجيل!(56/117)
إن مشروع نقد العقل الإسلامي يرتكز - كما يقول أركون نفسه - على "روح الحداثة" أو "القول الفلسفي للحداثة" كما أوضحها الفيلسوف الألماني يورغن هابرماز، هذه الحداثة يراها أركون وحدها القادرة على زحزحة الموضوعات التقليدية نحو إشكاليات جديدة، وعلى زحزحة العقائد الراسخة والمسلَّم بها في التنظيرات التقليدية والأرثوذكسية، تصبُّ في النهاية في العلمنة التي يعتنقها أركون كعقيدة "بالمعنى الإيماني لكلمة عقيدة" على حد تعبيره، والتي تصبح هدفاً بحد ذاتها في مشروعه كله، وإن كانت تتجلى في "مجابهة السلطات الدينية التي تخنق حرية التفكير في الإنسان، ووسائل تحقيق هذه الحرية"، أي بحيث لا تكون العلمنة بدورها سلطة عليا جديدة وتحدد لنا ما ينبغي التفكير فيه وما لا ينبغي التفكير فيه، إنها تتركز فقط في حاجة الفهم والنقد داخل توتر عام في الإنسان.
المشكلة أن مشروع أركون قائم على "ممارسة علمانية للإسلام" بمعنى إعادة قراءة الإسلام من منظور علماني مادي قائم على وضعنة كل التراث الثقافي والديني من أجل أن تدخل الإسلام في الحداثة، والتحول - على غرار المسيحية- إلى "دين الخروج من الدين" لا إلى "الخروج من الدين" على حد تعبير مارسيل غوشييه!
لا شك بأن النزعة الوضعية التي يستند إليها أركون في مشروعه تتحول بشكل واضح إلى أيديولوجيا "تحديث" تنمط التراث الإسلام وفق عمامة جديدة مرة أخرى لكنها هذه المرة ليبرالية، ولأن العرب أتخموا بالأيديولوجيا فإنه ما عاد ممكناً للمشاريع الأيديولوجية أن تأخذ مدى واسعاً كما كان الحال في الخمسينيات والستينيات، في حين أن مسلمي جنوب شرق آسيا لم يستطيعوا أن يلمسوا جيداً الأيديولوجيا الملساء في مشروع أركون، فأخذوا بسحرها رغم إنهم اكتووا بنار الدكتاتوريات اليسارية.
التوابون ... دراسة في عملية غسيل المخ
طالب الشطري - موقع المجلس 9/8/2007(56/118)
سميت الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988 عالميا بالحرب المنسية وحينما تكون الحرب ذاتها نسيا فان صفحاتها تكون نسيا منسيا وما كاد دوي تلك الحرب يتوقف حتى شهدت المنطقة انفجارات ضخمة متلاحقة شغلت الناس بما سواها فقد ضم العراق الكويت لتقع حرب الخليج الثانية عام 1991 وظلت هذه الحرب متواصلة حتى عام 2003 ليتعرض العراق إلى غزو أميركي بريطاني ويدخل البلد بعدها في دوامة من الدم وهكذا مسيرة تاريخية عرضت العراق للضياع كبلد واحد قد يكون من المستحيل معها آن تأخذ الحرب العراقية الإيرانية نصيبها من البحث لاستخلاص الدروس والعبر مثلما يحصل مع بقية الشعوب التي تخوض غمار الحروب مختارة أو مجبرة.
لقد اخترنا أن نحفظ صفحة واحدة من صفحات الحرب العراقية الإيرانية من الضياع لما لها من أهمية لاحقة امتدت خارج نهاية تلك الحرب وظلت تؤثر في العراق أيما تأثير حتى التحمت بصفحات حرب عام 2003 وهي ظاهرة التوابين التي ظلت خارج التوثيق والبحث خلا جهد الباحث طالب الأحمد الذي كتب عن مجتمع التوابين في إيران دون الغوص بنشأة هذا المجتمع الذي نفترض انه نتاج أوسع عملية غسيل مخ في تاريخ البشرية وتاريخ الحروب على الإطلاق وما كان لذلك الحائز على شهادة في علم الاجتماع من جامعة بغداد أن يقترب من هذه الافتراضات أو يتناول أصل الظاهرة لأنه محكوم بظروف قاهرة تمنعه من ذلك فالرجل ذاته كان توابا ويكتب من داخل إيران التي أسرته والتي يمكن أن تعيده للآسر إلا أن جهده التوثيقي وإن كان حول طبيعة حياة التوابين الاجتماعية فان له قصب السبق في الكتابة عن الموضوع وعليه استحق جهده التنويه حفظا للموضوعية.
غسيل المخ:(56/119)
مع ظهور علم النفس كعلم له مصطلحاته المستقلة تفرع عنه مصطلح الحرب النفسية وهو وصف جديد لنشاط قديم عرفته البشرية كثيرا ما يترافق مع الحروب من قبيل استخدام الحرير والأفيال لتخويف الأعداء وخيولهم واستخدام المؤثرات الصورية والصوتية ومع تطور فن الحرب ظهر مصطلح آخر مستمدا من الحرب النفسية إلا وهو غسيل المخ والتعريف الأبسط له هو عملية تحويل الأفكار بوسائل ضغط خارجية أول ظهور للمصطلح كان مقترنا بأساليب الحكم الشيوعي في الصين للتخلص من البرجوازية ومنها إيجاد معسكرات مورست فيها عملية غسيل المخ على أن المصطلح اشتهر أبان الحرب الكورية 1950- 1953..
إذ تم استخدام الأسرى الأميركيين في دعاية عقائدية تظهرهم بمظهر من اعتنق الشيوعية بعدها أصبح المصطلح من أدوات الإعلام والسياسة وشاع شعبيا كذلك حتى وقوع الحرب العراقية الإيرانية ليعود إلى ذروة استخدامه كأداة في الحرب.
وصف الظاهرة:
لم يحدث في تاريخ البشرية على هذا النطاق الواسع أن تم تحويل عقيدة الأسرى ومن ثم استخدامهم بالقتال ضد المعسكر الذي كانوا فيه والى جانب القوة الآسرة مثلما حدث مع أسرى الجيش العراقي من قبل إيران بين عامي 1980 _1988 فقد تم تحويل قناعات الأسرى عبر ما نراه اكبر عملية غسيل مخ في التاريخ أسس بهم آسرهم جيشا لمقاتلة بلدهم وانتهى بعضهم إلى البقاء نهائيا في بلد عدوهم الأول بعد آن تبنى عقيدته السياسية.
التوابون...تاريخية التسمية:(56/120)
التوبة التوب التائب التواب التوابون كلها تسميات قرآنية تكررت كثيرا للإشارة إلى الإقلاع عن الذنوب والعودة إلى الالتزام بالأوامر الدينية والانتهاء بنواهيها وظلت المصطلحات هذه محافظة على صبغتها العبادية المحايدة حتى ظهور حركة التوابين في التاريخ الإسلامي والتي أسسها خمسة هم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبه الفزاري وعبد الله بن سعد بن نفيل الازدي وعبد الله بن وال التميمي ورفاعة بن شداد البجلي في محاولة للأخذ بثار الحسين بن علي بن أبى طالب حفيد النبي الذي جاء مقتله كامتداد للصراع الإسلامي الداخلي على السلطة وقد تأسست الحركة عام 65هجرية في النخيلة وانتهت بمقتل التوابين في معركة عين الوردة الشهيرة.
ظاهرة التوابين الحديثة...ظروف النشأة:
ليس غرضنا هنا الحكم على صحة الأمور أو على شرعية المواقف من عدم شرعيتها كما أن أي بحث لكي يقترب من الموضوعية عليه أن يصف الأشياء لا أن يطلق الأحكام عليها وتصنيف الناس وفقا لوجودهم في الجنة أو في النار ليست أبدا ضمن اهتمام هذه السطور.
كان العراق وإيران في معركة إعلامية متبادلة منذ ظهور وسائل الاتصال الجماهيري ومعلوم أن البلدين مشتبكان في حرب منذ آلاف السنين تأخذ مسميات شتى وعناوين مختلفة وبعد نجاح الحكم الديني في إيران عام 1979 في الوصول إلى السلطة اتسعت رقعة الدعاية السياسية بين البلدين حكم ديني في إيران يريد له أشباه في المنطقة وحكم علماني في العراق يحاول الحفاظ على استمراره في بلد يشكل الدين المذهبي فيه مزاج الناس ...(56/121)
حيث كربلاء تربط ألامس البعيد باليوم القريب وكأن الناس تعيش بالفعل عصر صراع علي ومعاوية وصراع الحسين ويزيد وقد كانت الدعاية الإيرانية أنجح في إخراج هذا الصراع وفقا لهذه الصورة مستندة إلى مقولات الثورة الإيرانية في بعث الحكم الإسلامي العلوي الذي تميل إليه عواطف الناس في العراق وبعد دعاية مكثفة اندلعت الحرب بين البلدين ليكون الأسر كما هو في كل الحروب أحد مشاهدها.
منذ الأيام الأولى للحرب اخترق البلدان معاهدة جنيف الدولية حول الأسرى وتبادلا إظهار الأسرى على شاشة التلفاز كما تخلل ذلك زج الأسرى في الدعاية السياسية وبما أننا على الجانب الإيراني لدراسة الظاهرة فقد أصبحت المقابلات مع الأسرى نشاطا إعلاميا إيرانيا يمارس على مدار الساعة وهو ما نعده بواكير عملية غسيل المخ ابتداء من أول خطوة للأسير على الأراضي الإيرانية أما فعل الدعاية السياسية قبل ذلك فمع أن إهماله غير صحيح إلا انه لا يدخل ضمن الوسائل القهرية في عملية التحول الفكري. استعان الإيرانيون بتسميات تصلح كأرضية للبناء الذي أرادوا تشييده بأحجار الأسرى فهم استخدموا تسمية ضيوف الجمهورية الإسلامية بديلا عن تسمية أسرى وحاولوا إيجاد منفذ ذهني حينما اعتبروا الأسرى العراقيين ضحايا نظام سياسي قمعي ساقهم مجبرين للحرب.
توزع الأسرى العراقيون في إيران على معسكرات اسر عديدة منها معسكر أراك ومعسكر بروجند ومعسكر الحشمتيه وبرندك ومعسكر تختي ودزبان مركز بالزاي المعجمة وثقلهم كان عموما في منطقتي طهران ومشهد. لا يمكن تحديد لحظة زمنية بعينها لبداية عملية غسيل المخ إلا انه لابد من الإشارة إلى الظروف المساعدة على إتمامها كأكبر وانجح عملية غسيل مخ في تاريخ الحروب النظامية.(56/122)
كانت الحرب مسبوقة بنوعين من التحركات السكانية من العراق باتجاه إيران الأولى موجات التسفير للإيرانيين المقيمين بالعراق منذ عشرات السنين وفقا لحسابات أمنية وسياسية لا تعنينا هنا والثانية عملية الهروب الجماعي لقيادات وقواعد الأحزاب الدينية العراقية إلى إيران وتحقق بذلك وجودين تحت اسمين منفصلين هما المهجرين والمهاجرين ليكونا خميرة العجين للمجتمع الثالث الذي نتحدث عنه وهو مجتمع التوابين والذي كما قلنا أوفاه حقه بحثا السيد طالب الأحمد كاتبا عنه خارج الأسوار بينما نحن نكتب عنه من داخلها.
البداية:
الأصح أن نقول بدايات لأن الدعاية السياسية المتبادلة بين البلدين هي بداية والبداية الأخرى التماثل المذهبي بين الآسر والمأسور وهناك من يذهب إلى تفسير ظاهرة التوابين وفقا لتأثير التماثل المذهبي إلا أننا لا نعطيه تلك الأهمية الكبيرة ذلك أن عملية غسيل المخ جرت وفق أصول تنم عن إتقان في الصنعة وفهم لأساليب الحرب النفسية ...
وجاءت تطبيقاً لقواعد لا تقبل العشوائية أو الافتراضات المبنية على تضخيم العطف المذهبي ونحن نفترض أن عملية غسيل المخ نفسها ستتم بنفس النجاح حتى بغياب العطف المذهبي بل وحتى بغياب التماثل الديني ومن المسلم به أن تلك العملية شملت الأسرى بمختلف الأديان ومختلف الطوائف ولقيت مقاومة كذلك من الشبيه النوعي. والبداية الأخرى وجود مجتمعين عراقيين في إيران أما بداية البداية فهي البرنامج الإيراني المنظم لأجراء عملية تاريخية بكل المقاييس لغسيل المخ.
في التطبيق:(56/123)
يشير اغلب من التقيناهم من الأسرى إلى أن عملية الفرز تتم حتى قبل وصول الأسرى إلى أقفاص الأسر والمقصود بالفرز تصنيف الأسرى وفقا لاتجاهاتهم الفكرية ومواقفهم من الحرب ومن النظام السياسي الإيراني ونعتقد أن هذه العملية حتى بفرض صحة وقوعها ليست هي الحلقة الأولى وقد لا تتعلق بالبرنامج الأساسي الذي بدا في معسكرات الأسر وبعد مضي أشهر عدة على الحرب التي اتجهت لتكون حرب طويلة الأمد بما يكفي لتطبيق برنامج نفسي متكامل الأركان.
في داخل معسكرات الأسر أنيطت مهام محددة بالأسرى أنفسهم كواجبات حفظ النظام داخل القاعات والمساعدة في توزيع الطعام وإدارة المكتبات وإدارة شؤون الصلاة وقتا ومكانا ومستلزمات فصار هناك الأرشد والارشد كل والدزبان بالزاي المعجمة وكل هؤلاء من بين الأسرى أنفسهم ومع الوقت أعطيت لهم صلاحيات الآسر على المأسور وصاروا القوة الأساسية داخل المعسكر أما من خارج المعسكرات فيأتي المبشرون أو حسب التسمية نصا المبلغون وهم رجال دين إيرانيون وعراقيون ثم اقتصر على العراقيين فقط وعملهم الأساسي بث الدعاية السياسية لصالح النظام السياسي لإيران وتخطئة النظام السياسي في العراق.
تتبنى إيران نظام ولاية الفقيه أي حكم الفقيه الجامع للشرائط وهو نظام كتب فيه علماء دين شيعة وأنضجه تأليفا آية الله منتظري فيما فرض تطبيقه آية الله الخميني الذي كتب فيه هو الآخر وقد فرض هذا النظام على معسكرات الأسر كعقيدة سياسية يثاب من اخذ بها وتصعب حياة من تركها ويعاقب اشد العقاب من عابها ويقتل من قاومها وقد سجلت هكذا حوادث في كل معسكرات الأسر دون استثناء.(56/124)
أصبحت زيارة المبشرين إلى معسكرات الأسر نشاطا منظما له هدف محدد وهو حمل الأسرى على اعتناق ولاية الفقيه كعقيدة سياسية وزرع العداوة في أذهانهم وأنفسهم للمعسكر الذي جاءوا منه فتم اعتماد تقسيم ابتدائي للأسرى يضعهم في ثنائية المؤمنين والبعثيين حيث يعتبر مؤمنا كل من يأخذ برؤية آسره وان كان غير ملتزما بشرائط الدين ويعد بعثيا كل من قاوم فكرة التحول العقائدي وان صام وصلى ومعلوم أن الحرب بين البلدين هي حرب بين أهل القبلة.
مع زيادة البرنامج المنظم للمبشرين وبينهم شخصيات معروفة صار للمبشر داخل معسكرات الأسر أتباع ومقربون شكلوا نواة التنظيم الذي سيرى النور كنتاج لعملية غسيل المخ في طورها الابتدائي.
كانت عملية الفرز تجري داخل المعسكرات دون اسم محدد ثم جاءت تسمية المؤمن والبعثى ويمكن القول أن الذي يسمي خصمه بالبعثي لم يكن له اسم محدد في بداية الأمر انه مجرد مناصر للجهة التي أسرته والتي تطرقت عقائدها إليه بفعل ما أشرنا إليه من بدايات حتى جاءت تسمية التوابين.
قلنا أن إيران أخذت بتسمية ضيوف الجمهورية الإسلامية مكان تسمية أسرى ويشاع أن أول من استخدم مصطلح التوابين هو آية الله الخميني عندما قابل مجموعة أسرى عراقيين جلبوا إلى مقر إقامته في شمال طهران حيث يقال انه سأل عن الحاضرين فقالوا إنهم أسرى عراقيون فقال بل هم التوابون والذي نعتقد أن التسمية كانت حاضرة في ذهن القائمين على الحرب النفسية في إيران أكثر من حضورها في ذهن الخميني ذلك أن المصطلح يستدعي إلى الذهن عدة معان:
أولها: أنه يدين بصراحة الفعل السابق للأسير ويرفعه إلى مرتبة الجرم الذي يستدعي التوبة.
وثانيا: يذكر بمجموعة تعاهدت على الموت للأخذ بثار الحسين وأيضا يشير إلى قرب التواب من الله وهذه المعاني حققت للمسمي ما أراد لكن كان لها أثرا مستقبليا مدمرا على المسمى.(56/125)
العزل الإعلامي واحد من مبادئ عملية غسيل المخ لذا تم قطع الأسرى عن العالم واغرقوا في المقابل بالكتب الدينية التي تحمل عقيدة الأسر والمبدأ الأخر مبدأ الإذلال والإخضاع فاجبر الأسرى على برنامج ديني على قائمته المبشر وأداء فروض الصلاة وهو برنامج قسري لا يمكن لأي أحد مقاومته أسوة بعمليات التعداد الروتيني التي تجري فجرا وتستمر عدة مرات على مدار اليوم.
يعتبر الحرمان من النوم والماء والطعام أساليب جدا تقليدية في سياق عملية غسيل المخ وقد استخدمت هذه الأساليب في كل المعسكرات ضد الذين يقاومون عملية اعتناق عقيدة آسريهم بينما ينال أولئك الذين انضموا إلى معسكر آسرهم نصيبا أوفى من الطعام والشراب ويحصل على معاملة تفضيلية.
استخدمت العقوبات الجسدية ضمن البرنامج الإيراني لعملية غسيل المخ ضد الأسرى العراقيين وتتراوح العقوبات بين الوقوف في العراء تحت الثلج في ليل إيران البارد وبين الإغراق بالماء البارد والضرب بالعصي.
وحينما تشكلت أولى أفواج التوابين تحت التسمية الجديدة استحالت حياة بقية الأسرى إلى جحيم ليس له مثيل ودخلت أساليب جديدة على الصعيد النفسي تتناسب وطبيعة المجتمع العراقي المدموغة بالقسوة.
قسم معسكر الأسر إلى توابين وبعثيين فمن تبنى العقيدة السياسية للدولة الآسرة سمي توابا بينما سمي بعثيا كل من رفض ذلك وان كان ليس له علاقة بحزب البعث وقد اخبرنا الأسرى أن هذه التسمية كان لها وقع مؤلم على من تطلق عليه خاصة من أولئك الناس الذين ليس لهم علاقة بحزب البعث وكانوا مجرد جنود فرض عليهم واجبا حربيا نفذوه من منطلق عسكري وليس من منطلق حزبي.(56/126)
مالت الأساليب المهمة في عملية غسيل المخ إلى جانب الترغيب أكثر من الترهيب مع أن هناك ضحايا سقطوا قتلى في أماكن عدة حينما تحولت المعسكرات إلى ساحة حرب وقد تفنن المبشرون بأساليب الترغيب أين منها الأساليب المفترضة للحسن بن الصباح صاحب قلعة الموت وقائد ما عرف بحركة الحشاشين فقد تعرض الأسرى لسيل جارف من الدعاية حول نقاوة وطهارة وطوباوية المجتمع الإيراني وتم تصويره على انه مجتمع حلم الأنبياء.
وكانت المقارنة تعقد بين أسر طويل الأمد لا نهاية محددة له تحوطه أسلاك شائكة يقع في جبال وعرة يومياته الحرمان من النوم والاستماع الجبري وجوع وعطش وضغوط جسدية ونفسية وبين حياة وسط مجتمع المدينة الفاضلة التي تزوج الغريب وتحنو عليه وتوفر له كل أسباب الراحة وقبل كل شيء نيل الحرية علما أن الوعد بالحرية والخلاص من الأسر يكفي وحده لإنجاح التحول العقائدي لأنه يتحول إلى ضغط رهيب تصعب مقاومته من قبل الأسير بما في كل كلمة الأسر من معنى.
تفيد شهادات الأسرى أن الضغوط الجسدية التي تحولت إلى عنف مباشر إنما وقعت ضدهم من قبل أقرانهم حيث ارتأى القائم على عملية غسيل المخ آن يدخل الأسرى في صراع بيني لذا أطلقت يد الأسرى المتحولين إلى جانب ولاية الفقيه أي من سموا بالتوابين ضد الفريق الأخر أي البعثيين وقد سبق وان عرفنا المعني بهذه التسمية.(56/127)
ومن الأساليب الناجحة التي اعتمدها الإيرانيون أسلوب نقل الأسرى من معسكر إلى آخر فمع أن عملية غسيل المخ بدأت في كل المعسكرات إلا إنها نجحت في معسكر وتأخر نجاحها في آخر فعمد الإيرانيون إلى نقل التوابين إلى المعسكرات الأخيرة في إطار عملية تسمى الفتح فيقوم هؤلاء بفتح المعسكرات التي تشهد استعصاء على عملية التحول العقائدي حيث تسحق بالقوة أي مقاومة أمام أساليب غسيل المخ التي جئنا على ذكرها ومن بينها برامج الاستماع والمشاركة الجبرية في فعاليات مختلفة والى المعسكرات التي شهدت تقدما يجلب أسرى المعسكرات المستعصية. طالت أساليب عملية غسيل المخ الحقوق التي ترتبها المعاهدات الدولية حول حقوق الأسرى كحق المراسلات
ولا نعني هنا أن التوابين حصلوا على هذا الحق مقابل حرمان الفريق الأخر منه ذلك أن عملية غسيل المخ طالت علاقة التوابين بذويهم ونحتت كثيرا من جرف عواطفهم سيما أن عملية غسيل المخ لم تترك مجالا على صعيد بث مشاعر الكره في نفس التواب ضد ماضيه بالكامل وقد انحصر أسلوب استغلال المراسلات في الضغط على نفسية الفريق غير المستسلم بقطع المراسلات عنه من خلال عدم تمكين الصليب الأحمر من الوصول إليه وكانت هذه من السياقات المعروفة في تبادل الاتهامات بين البلدين وقد ظل مصير عشرات الآلاف من الأسرى مجهولا إلى وقت متأخر واستمر مع البعض حتى نهاية الحرب ووقوع عملية تبادل الأسرى.
إن العناصر الأساسية في عملية غسيل المخ التي قامت بها إيران ضد الأسرى العراقيين تراوحت بين
1.…العقوبات الجسدية والنفسية.
2.…برامج إجبارية تحمل دعاية سياسية مباشرة.
3.…العزل عن العالم ومن ثم الهجوم على عقل الأسير الذي يصبح أكثر قابلية للتصديق كلما اشتدت عزلته عن العالم.
4.…الترغيب بمباهج الحياة.
5.…العنف المباشر .
6.…الإذلال وكسر الإرادة.
7.…استغلال الدين مباشرة.
8.…الحرمان من الحقوق الأساسية.(56/128)
9.…إظهار العواطف الزائفة من قبيل احترام الأسير والحنو عليه.
عند النقطة الأخيرة تكون إيران قد سجلت سابقة في تاريخ الحروب فيما يخص مسالة التحرك على الأسرى لكسبهم ذلك أن الزعماء الإيرانيون لم يسبقهم أحد في كثرة اللقاء بالأسرى (المتحولين) أو( نصف المتحولين) في معسكراتهم أو استقبالهم في احتفالات عامة وسارت الأمور على وتيرة غير معهودة ولا مسبوقة في إشراك الأسرى بنشاطات تهم الدولة الآسرة فقد كانت أفواج منهم تجلب لحضور صلاة الجمعة في جامعة طهران وأخرى تأتى لمقابلة الخميني وترسل أخرى لزيارة أماكن دينية بعينها كمشهد الإمام علي بن موسى الرضا في خراسان أو ضريح أخته في مدينة قم ومثل هذا النشاط يعد اختراقا مباشرا لمعاهدة جنيف حول الأسرى لان العملية برمتها مفردة في برنامج شامل لعملية غسيل المخ.
10.…الترهيب بسلب حق الحياة وقد أزهقت أرواح أسرى قاوموا عملية غسيل المخ.
إن الذين قاوموا هذه العملية قتلوا أو أرسلوا إلى سجن قلعة مخصوص في قمم جبال خراسان وأرجح وجود عدد منهم إلى الآن ومنهم بعثيون من الكوادر الوسطية.
الشق الثاني:(56/129)
لم يبق خبر العملية سرا لان نطاقها واسع وعدد الأسرى بعشرات الآلاف يتوزعون على عدد غير قليل من معسكرات الأسر لذا شاع خبرها وما لم يكن غير متوقع أن يكون لهذه العملية توظيف خارج الحرب النفسية بل يصل إلى استغلال الأسرى مباشرة في الحرب ضد الخندق الذي جاءوا منه ونحن هنا نوثق أول عملية من نوعها في التاريخ لأن الأسرى في كل الحروب خضعوا لعمليات غسيل مخ يختلف مستواها ومحتواها إلا انه لم يحصل أن تم تحويل الأسرى إلى جنود مقاتلين في حرب نظامية لأسباب عسكرية قبل أن تكون أسباب أخلاقية لكن إيران سجلت هذه السابقة التي يراد لها أن تدفن تحت ركام الحروب المتلاحقة وعلى حد علمنا لم تأخذ نصيبها من التوثيق فضلا عن الدرس عدا محاولات متفرقة انصبت في متابعات صحفية منها ما كتبته مجلة الوطن العربي حول تجنيد الأسرى العراقيين من قبل إيران.
بموازاة عملية غسيل المخ التي جرت لعشرات الآلاف من الأسرى العراقيين كانت هناك جهود تبذل لإيجاد اطر تستوعب نجاح العملية وتستثمرها ففي عام 1986 أسست إيران ائتلافا ضم الشخصيات السياسية الهاربة من العراق أوجدت له جناحا عسكريا جنوده الأسرى العراقيين المتحولين عقائديا ممن تعرضوا إلى عملية غسيل مخ منظمة وفق أسس علمية وبدأت عندها ما سميت بالدورات وتعني الدورة مجموعة الأسرى التوابين الذين يخرجون من الأسر إلى معسكر التدريب ليلتحقوا بالجبهة في إطار تنظيم عسكري بدا كوحدة صغيرة بمرتبة كردان أي فصيل ثم تيب أي فوج ثم لشكر أي فيلق سمي بفيلق بدر.
كان التدريب العسكري للأسرى يتم في معسكر ورامين أسفل العاصمة الإيرانية طهران يشرف عليه ضابط متحول هو احمد الامارة وبعد دورة مكثفة يراقب خلالها سلوك الأسير أيضا ويتم التحقق من نجاح عملية غسيل المخ يرسل إلى جبهة القتال.(56/130)
بانتقال الأسرى من معسكرات الأسر إلى جبهة القتال على الجانب الإيراني ضد الجانب العراقي دخلت التاريخ الحربي صفحة مختلفة عما سواها ليس لها من سابق وقد كانت عملية غسيل المخ في بدايتها من القوة بحيث أن الأسرى فاقوا الإيرانيين أنفسهم في عمليات القتال مندفعين إلى الموت بأفكار جديدة حول طبيعة المواجهة بين البلدين هي خلاصة الرؤية الإيرانية الدعائية التي تصنف الحرب على إنها صراع بين الحق والباطل وبين فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر.
اشترك الأسرى في عمليات حاج عمران وعمليات حلبجة وعمليات الفاو والمرصاد والأخيرة تعد من قبلهم الإنجاز المبرز وكانت ضد تنظيم مجاهدي الشعب (خلق) الذين اندفعوا إلى العمق الإيراني بعد وقف إطلاق النار من منطقة سربول زهاب علما آن هناك من شارك في معارك كربلاء .
تميز مجتمع التوابين بالانغلاق الفكري على ولاية الفقيه وبزوا الإيرانيين في التعصب لها وحملوا الكره لماضيهم والتنصل منه خاصة ماضيهم العسكري والاجتماعي واوجدوا فيما بينهم وبين أنفسهم تاريخا تتناسب نقاوته مع الأفكار التي أمدتهم بها عملية غسيل المخ وتشبعوا بروح الحقد على النظام السياسي لبلدهم فأنت ترى أحدهم يسمي بيت الخلاء على اسم رئيس بلاده وكذا النعال وكان تعصبهم لإيران ظاهرا في أدق الأمور وشاع بينهم التعصب حتى لذباب إيران وبعوضها وقططها وما كنت اذكر هذا لولا أنني شهدته عبر حوادث شخصية.
كانت الدورات الأولى تضم زبدة الذين نجحت معهم عمليات غسيل المخ نجاحا باهرا فكان إخلاصهم لإيران لا يمكن مقارنته بأي إخلاص آخر أما الدورات المتأخرة والتي جاءت حتى بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية فضمت في صفوفها جنود تظاهروا بالتحول للخلاص من الأسر.
المصير:(56/131)
تعني عملية التفكيك خروج الأسرى من معسكرات الأسر إلى معسكرات التدريب ثم جبهات القتال وكانت قبل ذلك تعني تفكيك كتلة الأسرى إلى موالين لإيران وغير موالين لها أي الفرز وبعد خروج الدفعات الأولى من التوابين انقسموا إلى قسمين الأول خرج إلى الحياة والآخر بقي مسجلا على قوائم الخروج داخل المعسكرات نفسها.
وبعد عملية تبادل الأسرى بين البلدين رفض التوابون الذين في الخارج فكرة العودة إلى العراق وندر من عاد منهم وهو يعد على الأصابع ومنهم المتحول الذي عرف بتعصبه بادئا للعملية ثم طلب العودة إلى الأسر ومن ثم العودة إلى العراق ليقتل هناك بظروف غامضة وهو محسن جرن أما المتحولين الذين داخل المعسكرات فعاد منهم من عاد وكانت ظروف تبادل الأسرى قد دهمتها قضية الكويت فتوقف تبادل الأسرى مما شجع إيران على الإسراع بإخراج دورات جديدة كي تلتحق بفيلق بدر وهي تعد الدورات الأكبر عددا والإسراع وقتا.
ارتفع تعداد فيلق بدر بعد اجتياح الكويت إلى 15 آلف أسير أو تواب أو متحول أيا كانت التسمية بينهم مقاتلين غير أسرى من مجتمعي المهجرين والمهاجرين لكن ثقل فيلق بدر وقيادته كانت بأيدي التوابين.
كانت الفترة الفاصلة بين توقف الحرب العراقية الإيرانية وبداية اجتياح الكويت ومقدمات حرب الخليج الثانية سنة خرج خلالها عدد من التوابين ليختلطوا بالحياة الإيرانية وكان الكثير منهم قد فعل ذلك وهو في صفوف فيلق بدر مقاتلا فنزلوا إلى الريف الإيراني ليتزوجوا من القرويات وترك بعضهم فيلق بدر ليجد لنفسه عملا سيما أنهم منحوا الغرين كارت كلاجئين وهي عملية غريبة لأناس مسجلين كأسرى على قوائم الصليب الأحمر الدولي.(56/132)
كان مصير التوابين ليس واحدا فمنهم من قتل في جبهات الحرب ودفن في بهشت زهراء ومقبرتي قم ومشهد ومنهم من تزوج وأنجب واستقر في إيران منسلخا إلى الأبد من ماضيه ومنهم من بقي ضمن صفوف فيلق بدر خائضا كل المعامع التي دخلها ضد بلده ومنها الاندفاع في العمق العراقي عام 1991 أبان أحداث آذار المعروفة وفي السنوات اللاحقة لذلك التاريخ اتصل قسم من التوابين بالأمم المتحدة مستعينين بأرقامهم عند الصليب الأحمر فوفرت لهم الأمم المتحدة بلدا ثالثا ومنهم من أراد التخلص من ارث التوبة فهرب بقدراته الذاتية إلى بلدان العالم المختلفة وقدم هناك طلبا للجوء كعراقي فار من الحكم في بلاده أما الكتلة المتبقية على صلابتها فظلت تبعا لأثار عملية غسيل المخ تخدم ضمن صفوف فيلق بدر وصولا إلى عام 2003 ليتم غزو العراق ويعود التوابون كعماد للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ومن ثم يتم تحويلهم اسميا إلى منظمة بدر.
كانت عملية غسيل مخ الأنجح من نوعها في تاريخ الحروب وكان الذي تحقق منها خارج كل تصور فالذي أفادته كوريا ومن ورائها الصين من تلك العملية دعاية سياسية وقتية التأثير محدودة الأثر نفذت على عدد قليل من الأسرى أما مع هذه العملية فقد حققت إيران ما لم يسبق أن حققه أحد قبلها لقد استطاعت آن تحقق بالحرب النفسية ما عجزت عن تحقيقه بالحرب النظامية.
لم يحدث أن قاتل أسرى بهذا العدد بلدهم ولم يحدث آن اثر أسرى في مجريات الأمور ببلدهم مثل الأثر الذي أحدثته قضية التوابين في العراق ولم يحدث عبر التاريخ آن وقعت عملية غسيل مخ بهذه الشكل وبهذا الحجم وبهذا النجاح.(56/133)
مثل كل العمليات الجراحية تركت عملية غسيل المخ أثرا جانبيا على التوابين فقد اخذوا ينفرون من تسمية التوابين واستشعروا ثقلها وتحولت في داخل المجتمع العراقي بإيران إلى ما يشبه العار أو السبة وانعزل التوابون مثلما يثبت طالب الأحمد منكفئين على أنفسهم فهم غير مقبولين أيضا من المجتمع الإيراني وخاصة مجتمع المدينة لا مجتمع الريف المعبأ لصالح ولاية الفقيه.
لم يكن مجتمع المهجرين والمهاجرين ومن ثم مجتمع الانتفاضة وهو مجتمع لاحق ليحب التوابين فرفض تزويجهم وتجنب التعامل معهم واخذ ينظر إليهم بنظرة عدم ارتياح وكانت التسميات داخل فيلق بدر تدل على عمق الانقسام فقد كان كل قوم ينادون باسمهم هذا تواب وهذا منتفض ولولا الفروقات لما أوجدت التسميات.
هذا الجهد بين الضعف قليل الأرقام ظاهر المعايب سميناه دراسة تجاوزا بينما هو ليس إلا محاولة لتوثيق ابتدائي لعلمنا أن هناك من يملك أرقاما تستحق التسجيل وخاصة من نفس التوابين ومن شخصيات برزت في مجال السياسة والإعلام قل عليها تأثير تلك العملية وبدأت تزن الأمور بمقاييس العلم لا مقاييس العواطف.
إن الكتابة عن هذا الموضوع من داخل العراق تبدو شبه مستحيلة لان أسرى الأمس هم حكام اليوم متصدرين المشهد السياسي والأمني والمالي فضلا عن الإعلام وهم سيستبسلون لمنع ظهور أي جهد من هذا النوع لما له من علاقة بالأمن القومي العراقي وله وثيق الصلة بما كرت عليه الأحداث في العراق من عام 1991 إلى اليوم وله أيما ارتباط بالتأثير الإيراني داخل العراق.
رسالة من مواطن سوري مسلم
وشاهد عيان على التشيع الصفوي البويهي في سوريا(56/134)
دخلت في مساء ذات يوم وعند موعد أذان المغرب المسجد الأموي في دمشق. وعلى غير عادة سمعة عويلا وصراخا لم اسمعه أو أره من قبل (لم أدخله منذ خمس سنوات) و قررت الذهاب إلى مصدر ذلك الصراخ المقيت الذي يأتي من صدر....المسجد عند ما يسمى مقام رأس الحسين وعندما دخلت و إذا باللطم و الصراخ وتقبيل الجدران وكأنه قطيع غربان تتصارع على جثه.
و عندما نظرت إلى الجدران وإذا بـ 12 لوحا رخاميا مثبته في الحائط على جمل وعبارات لا تتفق في جلها مع الإسلام السني وتنسب كل لوحة إلى أحد أئمة الشيعة. لقد انتابني فعلا الخوف من جراء العويل والنباح الشديد وكيف يزاودون على بعضهم باللطم والصراخ وكان بينهم إيرانيون يقولون كلاما فارسيا لا أفهمه.
ومن ثم دخلت إلى القسم الجنوبي من المسجد حيث تقام عادة الصلاة. فكانت هناك ثلاث حلقات صراخ وعويل ولطم و إحداها كانت تماما أمام المنبر والأصوات العالية وباللغة الفارسية كانت تعيق سماع الحديث بين شخصين قريبين من بعضهما.
عندها ذهبت إلى أحد أئمة المسجد أمام المنبر وقد جلس حزينا وقلت له هل تحول المسجد الأموي إلى وقف شيعي أم إلى مركز لطم. وعندها دخل على الخط شخصان تحدثا بلهجة عراقية وقالوا معليش ما فيها شي. فأجبت: بأن هذا مسجد سني وعليهم الذهاب إلى خارج المسجد إذا أرادوا أقامة طقوس تختلف مع النهج السني فمثلا مقام السيدة رقية الذي استولوا عليه قريب.
وعنده كثرت الشخصيات المريبة حولي وفضلت الانسحاب. وقد قال لي إمام المسجد جملة بأنه اشتكى ولكن هذا ما يريده مسؤولي البلد. إن حرية حركات التشييع في سورية واسعة ويشترون الناس وتدعمهم أجهزة الأمن فعلى سبيل المثال قال أحد أئمة المساجد في بلدة السيدة زينب كلاما أقل من عادي في خطبة الجمعة فاستدعته المخابرات وتم التحقيق معه في الفرع ومن ثم في السفارة الإيرانية ومنع من إلقاء الخطب.(56/135)
هناك شخص في درعا اسمه زيدان الغزالي وهو ابن عم رستم غزالي الشهير من بلدة قرفه بجوار الشيخ مسكين يتزعم حركة تشييع واسعة في درعا وقد بني بتبرعات كويتيه مسجدا شيعيا في تلك البلدة ويدور في كافة أنحاء المحافظة يروج لصنعه وبرهبة من العميد رستم.
في هذه البلدة يكرر الأذان مرتين مرة سنيا وأخرى شيعيا. هو وجماعة أخرى في بصرى يحاولون نشر المذهب الشيعي في كل مكان.
لا شك أن حرية الدين مصانة لدى البشر ويجب أن يكون كذلك عندنا ولكن تفريق الناس بهذه الطريقة ليس إلا مشروع حرب أهلية للمستقبل. يجب وقف التبشير خارج المذهب ويجب وقف تسليم مراقد آل البيت للشيعة في سورية.هذه أوقاف سنية منذ مئات السنين ولا أحد يملك حق بيعها أو تغير ملكيتها.
شاهد عيان
رغم تأكيد شيعة سوريا بأنه مسجد للسنة
إيرانيون يمارسون "اللطم الشيعي" داخل المسجد الأموي بدمشق
العربية نت 7/1/2008
في أول تعليق رسمي من إدارة المسجد على رسالة موقعة باسم "مواطن سوري مسلم"، نشرتها منتديات ومواقع سوريا بعضها يتبع جهات معارضة. قال المشرف العام على المسجد الأموي زاهر شيباني لـ"العربية.نت": يأتي زوار من الشيعة الإيرانيين ويجلسون داخل الحرم مع مرشدهم الذي يشرح لهم عن الجامع ويحدثهم بالفارسية، وبعضهم يتأثر بكلامه ويبكي". وأضاف "أما ممارسة بعض الطقوس الشيعية تحصل داخل مشهد الإمام الحسين (رضي الله عنه)، وليس في حرم المسجد".
وتابع "لكن اللطم ليس مبرحا، وإنما يتم الضرب على الصدر بشكل خفيف حسب تفاعل صاحبه وشعوره وخلال ذلك يتحدثون بالفارسية ولا نفهم ما يقولون". وأكد أن الزوار الشيعة لا يقومون بأي تجمع في باحة المسجد أو صحنه
وقال شيباني إن مشهد الحسين يتضمن مقام زين العابدين بن الحسين، ومقام رأس الحسين .
الشيعة: الأموي لأهل السنة:(56/136)
يذكر أن أطرافا في المعارضة السورية تحدثت مؤخرا عما أسمته "تبشير شيعي في سوريا" بدعم إيراني، ولكن العالمان الشيعيان البارزان في سوريا عبد الله نظام ونبيل حلباوي نفيا، في حديث سابق لـ "العربية.نت" وجود "حملة تبشيرية شيعية" بين أهل السنة، مطالبين بتقديم الدلائل والوثائق على هذا الكلام حتى يتم التحقيق فيه، مشيرين إلى أن "الشيعة أصلا تابعون في كل أمورهم الدينية إلى وزارة الأوقاف في سوريا من مساجد وأئمة".
ونفى نظام أن يكون المسجد الأموي يعطي دروسا في الفقه الشيعي قائلا: "هذا المسجد لإخواننا السنة". وأضاف: الدروس التي فيه هي لرجال دين وفقه من أهل السنة، ولكن في شهر رمضان حصل أن أذيع حديث رمضان الديني من المسجد الأموي بدلا من أن يذاع في التلفزيون/ وشخصيا شاركت لمدة 7 دقائق. ودعيت إليه في يوم من أصل 29 يوما تكلم فيها رجال دين من السنة، فهل كثير على الشيعة أن يتكلموا 7 دقائق في حديث ديني واحد"..
المؤامرة الجديدة على مدينة بغداد
خاص بالراصد
كتب أبو يوسف العراقي
من المعلوم لدى الجميع أهمية السيطرة على العاصمة بغداد في الصراع السياسي العراقي بعد احتلالها من قبل الأمريكان والإيرانيين، جهود إيران لإخضاع بغداد إلى سيطرة القوى الموالية لها من خلال الأحزاب الشيعية المتغلغلة و المتنفذة في السلطة حاليا .
ومن المعلوم لدى الجميع أن سقوط مدينة بغداد بأيدي عملاء إيران يعني مستقبلا إعلان إقليم بغداد والذي سيصبح فيما بعد إقليما إيرانيا ؛ لذلك أصبح من الواجب الديني والوطني التفكير جديا لإنقاذ بغداد وسيطرة الإيرانيين عليها عليها ، مما يمنحهم ورقة رابحة ومهمة جدا في الصراع بين العراقيين من جانب والفرس الشيعة من جانب آخر. من المتفق عليه لدى أهل العراق أن السيطرة الإيرانية على جميع محافظات العراق لا يساوي شيئا أمام سيطرنها على العاصمة .(56/137)
إن فشل إيران في الاستيلاء على بغداد عسكريا بواسطة الميليشيات الشيعية دفعها للتفكير بأسلوب سياسي جديد لتحقيق ذلك، وهذا الأسلوب أخطر من الأسلوب العسكري؛ لأن فرصة نجاحه أكبر بسبب أن أدوات اللعبة السياسية في العراق حالياً في هذه المرحلة هي بيد الموالين لإيران، ومن جهة أخرى لا يثير هذا الأسلوب السياسي المخاوف والاعتراض كحال الأسلوب السياسي.
وجوهر الأسلوب السياسي الجديد هو الإسراع بإجراء انتخابات مجالس البلدية للمحافظات للسيطرة على العاصمة، مستفيدين من عناصر القوة التالية :
1- امتلاك القرار السياسي .
2- السيطرة على القوى الأمنية .
3- هجرة أكثر من مليوني مواطن أغلبيتهم من سكان بغداد السنة إما إلى المحافظات أو إلى خارج العراق .
4- توفر الأموال اللازمة لهذا الغرض .
5- إقرار قانون المحافظة .
ومما قد يساعد على تنفيذ هذا المخطط ضعف تمثيل التوجهات السنية والوطنية في البرلمان الحالي من جهة، وعدم الاهتمام الكافي عند أكثريتهم بهذا الموضوع من جهة أخرى.
ويؤكد هذه التخوفات تصريحات البرلماني الشيعي جلال الدين الصغير في خطبة الجمعة والذي تكلم فيها
عن مدينة بغداد وتحديد حجمها.
من المتوقع أن يصاحب هذه الانتخابات سعي القوى الشيعية الموالية لإيران إلى إجراء تغيرات في التقسيمات الإدارية للعاصمة بغداد وذلك من خلال:
إلحاق قضاء أبي غريب غرب بغداد بمحافظة الأنبار.
إلحاق قضاء التاجي شمال بغداد إلى محافظة صلاح الدين.
إلحاق قضاء المدائن جنوب بغداد إما إلى محافظة واسط أو ديالى .
إلحاق قضاء الراشدية شرق بغداد إلى محافظة ديالى .
و ذلك للتخلص من الكثافة السنية في محيط بغداد ، ذلك أن محيط بغداد يشكل فيه السنة الأغلبية بما يزيد عن 80% من السكان. بينما داخل بغداد يشكل الشيعة حالياً الأغلبية بسبب هجرة أهل السنة منها حتى أصبحت نسبة السنة فيها 25% من سكانها .(56/138)
لقد أصبح الأمر واضحا للجميع بأن مدينة الرشيد في خطر شديد ، ويجب على الجميع سواء من عراقيين سنة أو شيعة المسارعة لإنقاذ مدينة بغداد من الهيمنة الإيرانية الفارسية .
كما على العرب جميعا حكاما ومحكومين التنبه لهذا الخطر والمشاركة بأي شكل في إيقاف هذا المخطط .
ولكي يكون العمل نافعا وذي جدوى لابد من وضع خطة متكاملة بشكل مدروس ويجب الإسراع في إعداد الخطة وتنفيذها لأن الوقت ليس من صالحنا أبدا.(56/139)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السابع والخمسون – غرة ربيع الأول 1429هـ
* فاتحة القول…التاريخ يعيد نفسه .. من الأطراف هاجم المركز ..................... ..........................…3
* فرق ومذاهب…سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة – (السريان) ..........................................…5
* سطور من الذاكرة…مؤامرات على الكعبة والحج (1) .................................................................…10
* دراسات …- جهود علماء العراق في الرد على الشيعة 3.... .............................................…14
* كتاب الشهر …الوظيفة الاستكشافية للتحليل النفسي في الشخصية الشيعية ...............................…38
* قالوا ….......................................................................................................…44
* جولة الصحافة ……
إيران…- الثورة الإسلامية الإيرانية والتكتيك الجديد ....................... .........................…47
…- المشروع الإيراني ومستقبل الشرق الأوسط ................................................…49
…- تاريخ أحمدي نجاد وشخصيته ..................... ..........................................…52
…- إيران المنتصرة دون إطلاق رصاصة واحدة ...............................................…60
…- التوسع الإيراني خطر داهم ...................................................................…61
…- حزب الله إيران: ما الفرق بين فلسطين وإسرائيل إن لم تسر في طريق أهل بيت النبوة ..…64
…- لنقطع لسان الكذب الإيراني .....................................................................…65
…- نجاد في ضيافة الاحتلال الأمريكي .............................................................…66(57/1)
متفرقات…- قبيسيات سوريا ..................................................................................…67
…- الظاهرة الإسلامية بين الاستيعاب والاستغلال ...............................................…72
…- طباعيات الأردن ................................................................................…75
…- كوسوفا .. والاستقلال بعد غياب طويل ......................................................…79
…- دورات إيرانية لصقل شخصية الصدر على غرار نصرالله ...............................…82
…- معسكرات لتدريب حزب الله الكويتي في الوفرة والعبدلي ................................…87
…- ملابسات الحكم بالإعدام على عبدالصمد في السعودية ..................................…89
…- مسار جديد للمسألة العلوية في تركيا ......................................................…90
…- ملامح مخاض كبير لدى السنة ..............................................................…94
…قبانجي ... وفتاوى جديدة! ..............................................................…99
…ميزانية نشر التشيع في العالم…100
…حزب الله إيران»: ما الفرق بين فلسطين وإسرائيل إن لم تسر في طريق أهل بيت النبوة؟…101
التاريخ يعيد نفسه ... من الأطراف هاجم المركز؟؟
غزو العالم الإسلامي من أطرافه عبر بث الأفكار العلمانية والبدعية هو خلاصة ما توصلت له بعض مراكز البحث والتحليل( )، ويقوم على هذه الدراسات في الغالب باحثون يهود ديانة أو فكراً!!
وقد بدأ تطبيق هذه الأفكار على أطراف العالم الإسلامي، وبدأت أخبارها بالانتشار والذيوع، ومن هذه الأخبار:(57/2)
-…ما يحظى به مشروع محمد أركون الفكري من اهتمام استثنائي في جنوب شرق آسيا، لاسيما في أندونيسيا، وفي الجامعات والكليات الإسلامية بالتحديد، وربما كان السبب في ذلك الحاجز اللغوي بين النصوص الدينية والتراث الإسلامي المكتوب في جله بالعربية وبين لسان أهل المنطقة الناطق بالمالاوية، إضافة إلى ذلك فإن الحكومة العلمانية ساعدت على نشر أنماط في الفكر التحديثي في سياق مكافحتها للأصولية الدينية المتشددة( ).
-…ترجمة كتب د.نصر أبو زيد للغة الإندونيسية، بسبب برنامج التعاون الإندونيسي الهولندى في مجال الدراسات الإسلامية الذي خرج الكثير من الطلبة الإندونيسين على يد أبو زيد في جامعة ليدن، ولذلك حين زار أبو زيد أندونيسيا سنة 2004 أقيمت له العديد من المحاضرات والندوات وورش العمل( ).
-…نشوء اتحادات وروابط للشواذ والمرتدين والعلمانيين المسلمين في بلاد المهجر!! وقيامهم بعقد مؤتمرات وإصدار بيانات تطالب بحقهم في تفسير أو أنهم التفسير الصحيح للإسلام!!
-…تركيز نشاط الفرق المارقة من الإسلام كالقاديانية والبهائية في أوساط الجاليات الإسلامية في الغرب، والبلدان الإسلامية غير الناطقة بالعربية.
-…النشاط المحموم للتبشير الشيعي في قارتي أسيا وأفريقيا.
-…دعم الحركات الصوفية المغرقة بالخرافة والدجل في قارتي أسيا وأفريقيا.
-…وغزو المركز من الأطراف ليس أسلوباً حديثاً أو مخترعاً، فلقد كانت نشأة وظهور كافة الحركات الباطنية والمنحرفة في التاريخ الإسلامي من الأطراف، ومن يتأمل أدنى تأمل يدرك أن مواطن الفرق الضالة اليوم هي أطراف الدولة الإسلامية فبالأمس:
-…نشأ القرامطة بالبحرين ومن ثم غزوا مكة والكعبة!
-…تمرد أبو مسلم الخرساني في خراسان ومن ثم حاول مهاجمة عاصمة الخلافة!
-…الدعوة الإسماعيلية نشأت في سلمية بعيدا عن مركز الخلافة، وأرسلت دعاتها
-…لليمن ومن ثم المغرب، فلما قويت احتلت مصر!!(57/3)
-…دولة الخوارج الإباضية لم تقم سوى في اليمن و المغرب بعيداً عن سلطة الدولة.
لقد قرر أهل العلم أن الفتن لا يرى إقبالها إلا أهل العلم والفطنة إما إذا حلت وعمت وأدبرت فيراها كل الناس! ولذلك فالعاقل من اتعظ بغيره وتعلم من أمسه، فهذه المحاولات لهدم الإسلام لن تنجح، لكنها حتماً ستصيبنا ببعض الخسائر وقد تكون عظيمة جداً كما حدث من القرامطة الذين عطلوا الحج وسرقوا الحجر الأسود 20 سنة !أو دولة العبيدية التي استولت على المغرب ومصر ما يقارب من 170 سنة!
ولذلك إذا قام أهل العلم والحكم بواجبهم في نصرة دين الله الآن لن يكلفهم ذلك سوى القليل من الجهد والمال، لكنهم إن سوفو وابطأوا فلا يلومون إلا أنفسهم أمام ما سيكلفهم ذلك لاحقاً، سوى لوم المؤمنين والتاريخ لهم، وأعظم من ذلك مسألة الله لهم عن تفريطهم.
حفظت لنا كتب التاريخ مآل رفض السلطان يوسف بن تاشفين نصيحة أحد الحكماء في شأن ابن تومرت "اسجنه وأصحابه وأنفق عليهم مؤنتهم وإلا انفقت عليهم خزائنك" - يقصد حربهم حين تشتد قوتهم-، فكانت النتيجة أن قامت دولة ابن تومرت الظالمة وهدمت دولة المرابطين!
فهل نعتبر ونتعظ من دروس التاريخ أم أننا سنلدغ من نفس الجحر مراراً لنقص في إيماننا؟؟
إن الله قد تعهد بحفظ دينه ونصرة رسوله، ولكن طلب منا القيام بذلك ليبتلينا ويرفع من أقدارنا فهل نكون من جند الله.
سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة العربية-5-
((السريان))
تمهيد(57/4)
نقوم بالتعريف بعدد من المجموعات المسيحية الموجودة في المنطقة العربية كالأقباط في مصر، والموارنة في لبنان، والكلدانيين في العراق...إلخ، كون هذه المجموعات تعيش في المنطقة، وبعضها يتولى سدة الحكم كما في لبنان، إضافة إلى أن علاقاتها مع المسلمين كثيراً ما يشوبها الاضطراب والصدام كما في مصر. ثمة أسباب أخرى تدفعنا لطرق موضوع الجماعات المسيحية منها أن هذه المجموعات لا تعيش بمعزل عن المسلمين، فهي جزء من المجتمع وتلعب أدوارا سياسية واجتماعية واقتصادية، وربما عسكرية، ونحن نرى الآن في لبنان مثلاً أن الشيعة الممثلين بحزب الله وحركة أمل يقيمون تحالفاً مع بعض الأطراف المارونية المسيحية (عون، فرنجية) في مواجهة تحالف آخر يرأسه تيار المستقبل (السني) المتحالف مع بعض الأطراف المارونية (الجميل، جعجع) إضافة إلى التيار الدرزي الذي يمثله وليد جنبلاط.
كما أننا لا نغفل عن أن هذه المجموعات المسيحية، أو غيرها من الأقليات يراد لها أن تكون عنصر اضطراب في المجتمعات الإسلامية، إذ يتم في كثير من الأحيان دعمها ورعايتها واستغلالها من قبل الغرب لإضعاف المجتمع الإسلامي، وضرب سكانه بعضهم ببعض، لاسيما عندما يتم المبالغة في أعداد ونسب هذه الأقليات، لإظهار أنها مضطهدة مهمشة ولا تحصل على الحقوق والامتيازات التي توازي أعداد أفرادها. ومما يجدر ذكره أيضاً أن هذه المجموعات ليست كتلة واحدة متفقة ومنسجمة، إذ أن داخل كل جماعة مسيحية ـ شأن الجماعات والأديان الأخرى ـ توجهات وتيارات دينية وسياسية عديدة، تصل فيها الأمور في غالب الأحيان إلى مستوى الصراع والتخوين وربما التكفير.
السريان(57/5)
السريان جماعة مسيحية تنتشر بشكل أساسي في دول الشام (سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن) والعراق والهند، إضافة إلى عدد من الدول الغربية. وبحسب المصادر المسيحية، فإن السريان هم أول شعب وثني اعتنق المسيحية منذ السنوات الأولى لظهورها، وهم بالأصل "الآراميون"( ) الذين تنصّروا واعتنقوا المسيحية.
أما تسمية الآراميين المتنصرين بـ "السريان" فاختلفت فيها الآراء، فمن قائل أنه منذ أن اعتنق الآراميون المسيحية بدأوا يحملون اسم "سورايا أو سوريايا" ومعناها مسيحي، وقد تحوّر اللفظ لاحقاً إلى سيريان أو سوريان، ومن ثم سريان على ألسنة اليونان والرومان... إلى قائل بأن السريان تعني: سكان سوريا، إلى غير ذلك من الأقوال.
وتقول المصادر المسيحية بأن السريان تخلوا عن اسمهم القديم "الآراميين"، لأنه كان يذكّرهم بوثنيتهم، وصارت اللغة الآرامية تعرف بـ "اللغة السريانية"( ). وما زال بعض سكان قرى سوريا وشمال العراق يتحدثون هذه اللغة إلى اليوم.
ويُعرف السريان أيضاً باسم: اليعاقبة أو اليعقوبيين، نسبة إلى يعقوب البرادعي، أحد أنشط دعاتهم في أواسط القرن السادس الميلادي، والذي ثبّت السريان على العقيدة "المونوفيزية"( ).
وبالرغم من تعظيم السّريان ليعقوب البرادعي واعتباره قدّيساً، والاعتراف بجهده في تثبيت دعائم عقيدتهم، إلاّ أنهم يرفضون تسميتهم باليعاقبة، لأنهم يعتبرون عقيدتهم أقدم من يعقوب، وأن انتسابهم إليه إنكار لعلاقتهم بمن سبقوه من الآباء والقدّيسين( ).
عرفت كنيسة السريان باسم "الكنيسة السريانية الأرثوذكسية" إلى أن اعتنق مجموعة من السريان الأرثوذكس المذهب الكاثوليكي بفعل التبشير، وصاروا يتبعون لبابا روما، ومن هنا نشأت كنيسة جديدة، هي "كنيسة السريان الكاثوليك" أو "بطريركية أنطاكيا للسريان الكاثوليك".
السريان في العصور الإسلامية(57/6)
أتقن السريان عدداً من العلوم والمعارف وعلى رأسها الطب والفلك والهندسة واللغات والترجمة، لذلك استعان بهم عدد من الخلفاء الأمويين والعباسيين، إضافة إلى حكام بعض الدول والممالك الإسلامية.
وكان السريان يتقنون اللغة اليونانية، وخلال عهد الخلفاء الأمويين الأوائل كانت دواوين الدولة تغص بالكتبة المسيحيّين، وكانت لغتها اليونانية حتى عهد الخليفة عبد الملك بن مروان (65-87هـ/ 685-705م) الذي عّرب الدواوين، وجعل العربية لغة رسمية.
وفي العصر العباسي نشط السريان في الترجمة، ونقل المؤلفات التي كتبت باليونانية والفارسية والسريانية، إلى العربية، وبخاصة كتب الفلسفة، التي تحتوي على الكثير من الوثنية والشرك، مثل مؤلفات: أرسطو وسقراط وأفلاطون وجالينُس وبطليموس... كما عمل بعض السريان كأطباء خاصين لبعض الخلفاء، ومن السريان المشاهير الذين برزوا في العصر العباسي:
1.…الطبيب جرجيس، في عهد المنصور، وكان قبل ذلك عميداً لمعهد الطب الذي أنشأه كسرى أنوشروان.
2.…بختيشوع بن جرجيس، رئيس الأطباء في مصحّ بغداد في عهد هارون الرشيد.
3.…قسطا بن لوقا البعلبكي، الطبيب والفيلسوف، الذي نقل إلى العربية مؤلفات اليونان، واشتغل في صنع الآلات الفلكية.
4.…الطبيب حنين بن إسحاق.
5.…الطبيب اسحاق بن حنين بن إسحاق.
6.…الطبيب والفيلسوف ابن العبري.
7.…الفيلسوف يحيى بن عدي، المعروف بأبي زكريا المنطقي.
السريان والصليبيون
يؤكد المؤرخون المسيحيون، والسريان على وجه الخصوص، بأن علاقة السريان بالصليبين ظلت وثيقة طيلة فترة وجود الصليبين في بلاد المسلمين، يقول مخائيل الكبير، وهو بطريرك سرياني مونوفيزي معاصر للحقبة الصليبية: "أساقفة السريان وكهنتهم تمتعوا بالراحة والسَّكينة في عهد دولة الصليبيين، فلمّ يلحقوا بنا أدنى أذى، لأنهم كانوا يعتبرون جميع الساجدين للصليب على حدّ سواء. لا يماحكونهم في المسائل الدينية كما يماحكهم أساقفة الروم".(57/7)
وقد كتب البطريرك السرياني أغناطيوس بطرس السادس (1678 - 1702م) رسالة إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر (1643 - 1715م) يقول فيها: "... ليكن معلوما لدى عظمتكم العالي ما صنع السريان القدماء مع الأمراء الفرنساوية في محروسة القدس الشريف والمحبة والاتفاق بغاية المودة التي أبدوها أمام السلاطين العظام الذين حكموا عليها"( ).
انتشارهم وأعدادهم
لا تتوافر إحصائيات دقيقة لأعداد السريان، لكن ثمة تقديرات تجعل عددهم في الدول العربية التي سبق الإشارة إليها، بحدود 250 ألفاً: 60% منهم من الأرثوذكس، و40% منهم من الكاثوليك، إضافة إلى عدد آخر في دول الاغتراب مثل: الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وتركيا.
ومنذ عام 1959م، أصبح مقر الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، في العاصمة السورية دمشق، بعد أن مرّ بعدة مدن كالموصل وحمص. ويرأس هذه البطريركية حالياً: البطريرك أغناطيوس زكّا الأول عيواص، وهو من مواليد الموصل سنة 1933، وانتخب لمنصبة هذا سنة 1980م. أما كنيسة السريان الكاثوليك، فهي حديثة التأسيس قياساً بالكنيسة الأرثوذكسية، وقد تنقل مقرها في عدة بلدان إلى أن استقر في لبنان.
ويرأس هذه الكنيسة منذ عام 2001: إغناطيوس بطرس الثامن عبدالأحد، الذي قدم استقالته ابتداء من الثاني من شباط/ فبراير 2008، وقبلها بابا روما.
وينتظر أن يجتمع سينودس الطائفة خلال 40 يوماً لانتخاب بطريرك جديد، علماً أن السينودس مؤلف من 14 مطراناً (توفي منهم إثنان)، وهم موزّعون كالآتي: لبنان (مطرانان)، سوريا (5 مطارنة)، العراق (2)، مصر (1)، روما (1)، فلسطين(1)، الولايات المتحدة (1).
وقد شكل البابا لجنة لتصريف الأعمال ريثما يصار إلى انتخاب بطريرك جديد من: المطران تيوفيل جورج كساب رئيس أساقفة حمص وحماه والنبك؛ والمطران غريغوريوس الياس طابه رئيس أساقفة دمشق؛ والمطران أثناسيوس متي شابا متوكا رئيس أساقفة بغداد.
للاستزادة:(57/8)
1.…"موسوعة المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي" ـ إشراف ناجي نعمان.
2.…"موسوعة الأديان (الميسّرة)" ـ إصدار دار النفائس.
3.…موسوعة عالم الأديان (الجزء الثالث عشر) ـ إشراف ط. مفرج.
4.…الأديان والمذاهب بالعراق ـ رشيد الخيون.
5.…المسيحيون العرب: الدور والحضور (عدد خاص من مجلة معلومات التي يصدرها المركز العربي للمعلومات في بيروت ـ العدد 45 ـ أغسطس 2007).
6.…موسوعة ويكيبيديا على شبكة الانترنت.
7.…مواقع الهيئات والمنظمات السريانية على الانترنت.
مؤامرات على الكعبة والحج (1)
الكعبة قبلة المسلمين، وإليها تهوى أفئدة المؤمنين، وبها ارتبطت عبادات وفرائض في مقدمتها الصلاة والحج. وغني عن القول ما تحظى به الكعبة المشرفة والمسجد الحرام ومكة المكرمة، والمدينة النبوية من مكانة وقدسية لدى المسلمين، وبالمقابل ما تحظى به من بغض وكره لدى الكافرين والمنافقين وبعض المحسوبين على المسلمين.
والمؤامرات على الكعبة قديمة قدم الإسلام، بل وقبل ظهور الرسالة، وقد تحدث القرآن الكريم، في سورة الفيل، عن إحدى المؤامرات لهدم الكعبة، والمتمثلة بجيش أبرهة الحبشي، الذي تقدمه الفيل لهدم الكعبة، وتحويل الأنظار إلى كنيسة بناها بأرض اليمن.
وبعد هلاك أبرهة وجيشه وفيله، وفشل محاولتهم لهدم الكعبة، سار آخرون على درب أبرهة، وعاودوا الكرّة، لكن المعتدين هذه المرّة هم من المحسوبين على المسلمين، من أتباع الفرق المنحرفة، وعلى رأسها الإسماعيلية والشيعة.
ولا عجب أن تلجأ جماعات من الشيعة والإسماعيلية إلى التآمر على الكعبة وترويع الحجيج، وتخريب مواسم الحج، مادامت روايات الشيعة وأحاديثهم تنتقص من مكة والمدينة وعرفة، والحج والعمرة، وتعلي في المقابل من شأن مقامات وأضرحة أئمة الشيعة، وتفضلها على ما سواها، وتجعل الذي يزور قبر الحسين رضي الله عنه، خيراً من الذي يحج بيت الله الحرام.(57/9)
تزعم إحدى رواياتهم أن جعفر الصادق قال: إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة، واغتسل من الفرات ثم توجه إليه، له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا أعلمه إلاّ قال وغزوة "فروع الكافي" للكليني (4/ 580).
وفي كتاب "منهج الصالحين" للخوئي، وردت عدة مسائل تؤيد انتقاص الشيعة لمقدسات المسلمين، منها:
تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السلام، بل قيل: إنها أفضل من المساجد. وقد ورد أن الصلاة عند علي (ع) بمائتي ألف صلاة.
أما محمد صادق الصدر فيقول: "وردت رواية بتفضيل كربلاء على البيت الحرام، ونحن نعلم أن علياً عليه السلام خير من الحسين، كما نطقت به الروايات، فيكون قبره خيراً من قبره، فيكون أفضل من الكعبة أيضاً"( ).
الحج عرضة للإلغاء والتأجيل
وعليه، فلا عجب أن تكون شعائر الحج في ذيل قائمة الأولويات الشيعية، بل عرضة للإلغاء! كما يرى إمامهم الخميني، بل ويجعل ذلك من صلاحيات الولي الفقيه.
ويؤكد الباحث أحمد الكاتب في معرض حديثه عن تطور ولاية الفقيه عند الشيعة، والخميني تحديداً، أن الخميني كان يعتقد بأن الحاكم الإسلامي (والمقصود هنا الفقيه الشيعي) يستطيع استخدام صلاحياته المطلقة، والاجتهاد حتى في مقابل النص، إذا رأى مصلحة في ذلك.
وبناء على الصلاحيات التي أعطاها الخميني لنفسه بحكم أنه نائب للإمام الغائب، فإنه باستطاعة الحاكم أن يعطل المساجد عند الضرورة... وأن يلغي من طرف واحد الاتفاقيات الشرعية التي تعقدها مع الشعب إذا رأتها مخالفة لمصالح البلد والإسلام.
أما أداء مناسك الحج، فهي الأخرى داخلة في صلاحيات الفقيه الشيعي، إذ يقول الخميني: "إن الحكومة تستطيع أن تمنع مؤقتاً وفي ظروف التناقض مع مصالح البلد الإسلامي إذا رأت ذلك أن تمنع من الحج الذي يعتبر من الفرائض المهمة الإلهية"( ).(57/10)
وقد جاءت ممارسات الشيعة العملية، منسجمة مع نظرياتهم تجاه الكعبة والحج، ولعله من الضروري هنا أن نستعرض شيئاً من سياسات دولتين شيعيتين، قامتا في إيران قديماً وحديثاً، إزاء مقدسات المسلمين في مكة المكرمة.
أولاً: الدولة الصفوية
ويتجلى ذلك في التحالف الذي قام بين الصفويين والأوربيين وفي مقدمتهم البرتغاليون، لمهاجمة الدولة العثمانية السنيّة، وبعض الإمارات السنيّة المستقلة، ومعلوم أن التواجد البرتغالي في منطقة الخليج العربي، واحتلال بعض المناطق الإسلامية، كان امتداداً للحروب الصليبية.
وقد ذكرت المراسلات التي تمت بين ملك البرتغال، والقادة البرتغاليين الميدانيين في الخليج أنه إذا سيطر البرتغاليون على بعض مناطق الخليج كالبحرين والقطيف، فإن الطريق للأراضي المقدسة من ناحية الشرق ستصبح ممهدة للسيطرة البرتغالية على مكة والمدينة، وانتزاع اسم محمد صلى الله عليه وسلم من الجزيرة العربية كلها.
وفي هذا الصدد أرسل القائد البرتغالي، البوكيرك، رسالة إلى أول حكام الدولة الصفوية، الشاه إسماعيل، ليكسب ودّه، ويأمن جانبه، جاء فيها:
"إنني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة ستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدّة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي، وسأنفذ له كل ما يريد"( ).
وهكذا لم يجد الصفويون الشيعة مانعاً من مساندة البرتغاليين في محاولتهم الاعتداء على مكة والمدينة، ما دام تحالفهم معهم سيؤدي إلى إضعاف الدول السنيّة.
الشاه عباس والحج(57/11)
إحدى سياسات الصفويين المنتقصة لمكة المكرمة، تجلت في محاولة الشاه عباس (996 ـ 1028هـ/ 1587ـ 1648م) صرف أنظار الإيرانيين إلى مدينة مشهد الإيرانية التي تضم مقام الرضا، ثامن الأئمة الاثنى عشر لدى الشيعة، بدلاً من التوجه إلى مكة المكرمة.
ومن أجل أن يكون الشاه عباس قدوة للشيعة في ذلك، سار من أصفهان التي كانت عاصمة الصفويين آنذاك، إلى مشهد، ماشياً، وقطع في الرحلة التي دامت 28 يوماً، أكثر من 1200 كيلومتراً، ثم بقي هناك مدة ثلاثة أشهر، يعمل فيها مع الخدم في التنظيف، وخدمة زوار مقام الرضا، ومساندة عمال البناء.
وقد جاءت فعلة الشاه عباس الصفوي هذه منسجمة غاية الانسجام مع الفكر الشيعي الذي يفضل مقامات أئمة الشيعة على الحرمين الشريفين، إضافة إلى الخلاف المحتدم آنذاك بين الصفويين والعثمانيين، فاعتبر عباس أن الواجب القومي يحتم عدم السفر عبر الأراضي العثمانية، ودفع رسم العبور لها( ).
وكان عباس يشجع بعض القبائل الموالية له من التركمان وغيرهم على قطع الطريق، وسلب أموال الحجاج القادمين من آسيا عبر إيران والعراق والاعتداء على أرواحهم وأعراضهم( ).
ثانياً: الدولة الخمينية
أما الدولة الشيعية التي أسسها الخميني في إيران سنة 1979م، فهي الأخرى جاءت ممارساتها منسجمة مع الفكر الشيعي إزاء الحرمين الشريفين، فمنذ السنوات الأولى لانتصار ثورة الخميني، بدأت أعداد الحجاج الإيرانيين تزداد عاماً بعد عام، وصارت عناصر الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية تشكل نسبة كبيرة من الحجاج. ومنذ انتصار الثورة أخذت إيران على عاتقها إفساد مواسم الحج، وإحداث الاضطرابات والفتن، لاسيما بعد أن ساءت علاقتها بالسعودية، بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980ـ 1988)، ومن أهم ما كان يقترفه الشيعة الإيرانيون في الحرمين الشريفين:
ـ التظاهرات والهتافات للخميني وعلماء الشيعة، ورفع صورهم.
ـ الاعتداء على الحجاج ورجال الأمن والممتلكات.(57/12)
ـ إدخال المتفجرات، واستعمالها في بعض المواسم، مما أدى لمقتل عدد من الحجاج.
وفي 12/12/ 1401هـ (10/10/ 1981م) أرسل الملك خالد بن عبد العزيز، رسالة إلى الخميني، مرشد الثورة الإيرانية، يقول له فيها إن هذه التظاهرات السياسية تتنافى ومكانة الشعب الإيراني، ويطلب أن يقتصر نشاط الحجاج الإيرانيين على أداء مناسك الحج فقط. وما كان من الخميني إلاّ أن أصرّ على باطله معتبراً أن ما يقوم به الإيرانيون ليس جريمة، وأن السلطات السعودية تصلها تقارير محرفة، في حين أن ما تذكره السفارة الإيرانية في السعودية، هو الصحيح( ).
الإسماعيلية والحج
ومثلما وقف الشيعة الاثنى عشرية (أو بعض جماعاتهم على الأقل) موقف العداء والكره للكعبة والحج والحرمين الشريفين، فإن فرقة الإسماعيلية، وهي فرقة انفصلت عن الشيعة بعد الإمام السادس، هي الأخرى وفقت موقف البغض، وهو ما سنتناوله في هذه الزاوية في العدد القادم إن شاء الله.
للاستزادة:
(1)…"الاعتداءات الباطنية على المقدسات الإسلامية" ـ د. كامل الدقس.
(2)…"التوحيد والشرك في ضوء القرآن الكريم" ـ د. طه الدليمي.
(3)…"تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه" ـ أحمد الكاتب.
(4)…"الراصد نت".
جهود علماء العراق في الرد على الشيعة
عبدالعزيز بن صالح المحمود
(القسم الثالث)
وضع الشيعة في أوائل القرن الحالي
قبل الشروع في ذكر المرحلة الجديدة من تاريخ العراق، وهي مرحلة تكوين النظام الملكي بعد الاحتلال الإنكليزي للعراق ، لابد من التطرق الى مواضيع حساسة في وضع الشيعة والتشيع في العراق ؛ ولأن الموضوع يحتاج إلى توضيح بشكل واضح وجلي، رأينا أن نفصل وضع الشيعة في نهاية الدولة العثمانية وأثناء احتلال الإنكليز للعراق لغاية بدايات تكوين الحكومة العراقية سنة 1921م .
لماذا فشلت الدولة العثمانية في إيقاف المد الشيعي في جنوب العراق(57/13)
ذكرنا في القسم الثاني من هذه الدراسة بعض الأسباب التي أدت إلى تشيع جنوب العراق، وأن العراق كان بلدا سنيا سوى مناطق يسيرة في النجف والحلة وكربلاء ومناطق متفرقة من بغداد، ولنا بحث مفصّل في ذلك نسأل الله أن ييسر نشره، ولعل من أسباب فشل العثمانيين في إيقاف حركة التشيع في الجنوب هو سياسة حكم المماليك للعراق التي اتسمت بالتراخي مع الشيعة، فقد أبدى الماليك عدم اهتمام بما يجري في جنوب العراق من عملية تبشير بالتشيع، بيد أنهم في نفس الوقت كانوا يمنعون إقامة المراسم الحسينية كإجراء وقائي فحسب.
واستمر هذا الحال إلى نهاية حكمهم سنة 1831م زمن حكم داود باشا( )، وكردة فعل من العثمانيين تجاه حكم المماليك وتنكيلا بسمعة المماليك عمد أول والٍ عثماني بعد داود باشا وهو علي رضا اللاز (1831-1842م) على غض الطرف عن المجالس الحسينية، بل حضر بنفسه بعض هذه المجالس، وهناك من يعلل أن هذا السماح كان لتهدئة الشيعة في العراق خوفا من تعاطفهم مع نفوذ محمد علي باشا في مصر والذي شرع بالتحرك نحو الشام والعراق( ).
هذا التسامح أدى لشيوع مجالس التعزية الحسينية ، والتي تعتبر أكبر وسيلة دعاية لنشر التشيع وحماية هويته وتوسيع الهوة بينهم وبين السنة( )، هذه المواكب التي تضخم ما جرى للحسين وحادثة استشهاده ، تكون فرصة مثالية لترويج عقائد مغالية تحت غطاء العاطفة الجارفة والتي تمنع العقل من التأمل في ما يقدم له من أفكار وعقائد..(57/14)
كما شكلت مراسيم وأعمال عاشوراء الوسيلة الوحيدة لمواجهة المد الوهابي( )، وأنها الوسيلة الأنجع لنشر التشيع بين العشائر، ولقد حذر علماء الشيعة من أي نقد لهذه الطقوس أو إقامتها في البيوت( )، لأن غاية هذه الطقوس العلنية هي حفظ كيان التشيع وإدامة التكاتف وجمع الشيعة حوله، وإلا اختفى التشيع ، وقد قرر أهمية هذه الطقوس جمع كبير من علماء الشيعة، رادين بعنف عن أي محاولة من علماء الشيعة أنفسهم في محاربة هذه الظاهرة أو تلطيفها( ).
ومن المؤسف ذكره أن سياسة السلطان عبد الحميد (1876-1909م) التي دعا فيها إلى الوحدة الإسلامية قد دعمت ومكنت للتبشير الشيعي وقد نقده على ذلك عدد من علماء السنة( ).
في نفس الوقت غاب أي جهد للدولة العثمانية في محاربة التشيع في القرن التاسع عشر، والأدهى من ذلك هو تشيع عدد من الجنود والشرطة الأتراك.
ولم تظهر أي حلول جدية لمعالجة وتدارك هذا الخطر سوى معالجات بسيطة لا توازي حجم المشكلة والخطر الكامن فيها، من هذه المعالجات الجزئية تكثيف التربية السنية وزيادة التوعية الدينية في أوساط القبائل الجنوبية.
فقد كشف العلامة محمد رشيد رضا سنة 1900م في مجلة "المنار" عن نية الدولة العثمانية إرسال بعض العلماء إلى مناطق البصرة والمنتفق وكربلاء لتثقيف القبائل، بيد أن المشروع لم يفلح لقلة عدد المبعوثين (خمسة علماء) وقلة مخصصاتهم المالية كما أن المسؤولين المحليين لم يدعموهم.
وتكرر هذا الأمر سنة 1907م بدعوة من أحمد محمد شاكر الآلوسي لإرسال علماء موثوق بهم لتعليم قبائل الجنوب، كما اقترح فتح مدارس متنقلة تتألف من علماء يتنقلون بين القبائل لغرس الإسلام بين القبائل المتشيعة( ).(57/15)
أقام العثمانيون مدرستين - سنة 1898م - في سامراء لتعليم المسلمين في الجنوب وتحصينهم من شبهات علماء الشيعة وخاصة من جهود مدرسة الشيرازي الشيعي بسامراء، وعهد بذلك لشيخ من شيوخ الطريقة النقشبندية هو الشيخ محمد بن سعيد النقشبندي، وفعلا هجر الشيعة سامراء للنجف بعد وفاة الشيرازي.كما عين العثمانيون سادناً للمراقد الشيعية( ).
هذا من جانب أما من جانب آخر فحين فقدت الدولة العثمانية أراض كثيرة في اوربا كالبوسنة والهرسك وبلغاريا وضمت جزيرة كريت لليونان، أحس السلطان عبد الحميد بحاجته للوحدة مع إيران ضد روسيا مما مهد للتقارب الشيعي السني، ولحاجة السلطان عبد الحميد لتعبئة الشيعة ضد الحكم الغربي قام بتقديم عطايا كثيرة لمدن العتبات في العراق، وشكلت هذه الخطوة غير المدروسة مكسباً صافياً للشيعة في الجنوب العراقي، فقد مكنت هذه الدعوة للوحدة الشيعة أكثر في نشر التشيّع في بدايات القرن العشرين ، ولقد أعطى العثمانيون الشيعة أكثر مما أخذوا منهم( ).
وننبه هنا على أمر: أنه برغم تزايد عدد المتشيعين بين القبائل الجنوبية وقليل من القبائل الوسطى إلا أن نسبة الشيعة لم تزد على 40% على أكبر تقدير حسب تقدير أحد المسؤولين العثمانيين (سليم درنجيل )، وأن زيادة عدد الشيعة كان في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر( ).
إن أكبر نسبة وصل إليها عدد الشيعة هو بين سنة 1919-1932م، حيث وصل إلى ما بين 53-56 % من سكان العراق، ورغم أن هذا الإحصاء لم يحصي بدقة أهل الأنبار وقبائل شمر في الموصل لأنهم بدو رحل، والأكراد لأنهم في الجبال ومع كل هذا فإن ادعاء الزيادة السكانية وأنهم أكثرية إنما حصلت في بداية القرن العشرين، فأين ما يدعون من أنهم أكثرية مظلومة منذ قرون!!(57/16)
وعلى هامش هذا أقول: من المتفق عليه لدى الباحثين أن مدينة بغداد مدينة سنية بحتة لغاية ما بعد الحرب العالمية الأولى وزادت نسبة الشيعة فيها إلى 20% من سكانها، بسبب هجرة شيعة لواء العمارة إلى بغداد، حيث هاجر 67% منهم إلى بغداد بينما هاجر 25% منهم إلى البصرة، وهذه الحقائق تذكرها الكتب المعتمدة حتى من الشيعة أنفسهم، ومع هذا فعندما يحسب الشيعة اليوم نسبتهم يعدون شيعة العمارة على التعداد القديم قبل هجرتهم وشيعة بغداد على التعداد الجديد بعد هجرة شيعة العمارة إليها، إنها خدعة الأرقام والإحصاءات( )!!
التشيع بين سنة (1908 -1918م)
لا بد من دراسة وضع التشيع في العراق في هذه المرحلة؛ ذلك أن هذه المرحلة تمثل للشيعة الشيء الكثير بسبب تغيرات وتبدلات السياسة العالمية وبدء مرحلة أفول قوى عالمية وظهور قوى أخرى، فالدولة العثمانية كانت آنذاك آيلة للتفكك والانهيار وكذا روسيا القيصرية، بينما كان نجم انكلترا وفرنسا وأمريكا في صعود. هذا على المستوى العالمي أما على الصعيد الشيعي فقد بزغ نجم الأصوليين – بعد معركتهم مع الإخباريين - وبدأت تظهر بواكير مركزية شيعية ، وبرز دور العالم والمجتهد الشيعي أكثر فأكثر.
لم يكن لدى المفكرين الشيعة حتى ذلك الوقت أي طرح معاصر للسياسة ولا للفكر وقد تأثر بعضهم بأفكارعلماء ومفكرين سنة مثل : رفاعة الطهطاوي (1801-1873م) وجمال الدين الأفغاني ( 1838-1897م ) ومحمد عبده( 1849-1905م) ومحمد رشيد رضا (1865-1935م) ونقلت أفكار هؤلاء للشيعة بالتدريج وأصبح هناك من يتبنى هذه الأفكار للخروج من الفكر الشيعي المنغلق.(57/17)
نعم الفكر الشيعي متحجرومنغلق بعكس ما يشاع ، وسأضرب لذلك مثالا واحدا؛ فكرة وعقيدة المهدي المنتظر وأنه ولد واختفى في مدينة سامراء العراقية شمال مدينة بغداد لخوفهم عليه، ثم لحل مشكلة الإمامة عند الشيعة وبقائهم بدون إمام اصطنعوا فكرة نواب المهدي، ثم قرروا أنه لا جمعة ولا جهاد ولا سلطان ولا حكومة حتى يظهر المهدي، وبمرور الزمن أحسوا بضرورة تكوين دولة ولكنهم سبق أن قرروا ما يعارض ذلك فاجتمعوا واجتهد علماؤهم وتفننوا في البحث والتنقيب للخروج من عنق الزجاجة فقالوا: بالنيابة العامة للفقيه، ونظرية المرجعية الدينية،ثم الولاية العامة، وولاية الفقيه، وسبب هذا انقسامهم فمرجع يرفض وآخر يوافق وأصبحوا إخباريين وأصوليين .
نعم إنها مهزلة العقل البشري وضلال ما بعده ضلال، يقررون مبدأ فاسدا ومن ثم يجتهدون للخروج منه، ثم يدعون أنهم أتباع أهل البيت، بل والله إنهم أتباع كل ناعق كما وصفهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
مراجع الشيعة الإيرانيين
ولما بزغ نجم الأصوليين – بعد معركتهم مع الإخباريين - وبدأت تظهر بواكير المركزية الشيعية وضخّم دور العالم والمجتهد الشيعي سيطر عدد محدود من المجتهدين على زمام أمور الشيعة، وأحيط هؤلاء بدعاية كبيرة وتعاظمت شخوصهم في الوسط الشيعي، وكان تركّز وتواجد هؤلاء في مدينة النجف وأغلب مموليهم هم من التجار الإيرانيين، وكان لهؤلاء التجار سلطة ضغط وتأثير على كبار المجتهدين خاصة في شؤون السياسة الإيرانية...
لذلك دفع هؤلاء التجار علماء الدين الشيعة للعب دور في العمل السياسي في إيران كما ظهر هذا جليا في سنة 1891-1892م عندما قاد المرجع الشيعي محمد حسن الشيرازي حركة الجماهير ضد امتياز التنباك، وهي في الحقيقة معركة بين إيران وإنكلترا.هذه المشاركة السياسية بقيت محصورة في مجتهدى شيعة إيران ولم تمتد لمجتهدى شيعة العراق( ).
المشروطية في إيران وتطور الفكر السياسي عند المراجع(57/18)
لقد كان للثورة الدستورية داخل الدولة العثمانية والتي قادتها حركة (تركيا الفتاة) دافعا للشيعة لإعادة صياغة منهج سياسي أو لنقل نظرية سياسية جديدة متأثرين بأفكار المصلحين السُنة الذين مرّ ذكرهم، وقد انطلقت فكرة التوجه للمشاركة السياسية بصورة مباشرة عند الشيعة منذ أوائل القرن العشرين على أثر اندلاع الحركة الدستورية في إيران، والمسماة أيضاً (المشروطية) (أي أن يحكم الملك حكما دستوريا مشروطا بالبرلمان) على أيدي رواد الإصلاح الديني عند الشيعة، مثل آية الله العظمى الأخوند ملا كاظم الخراساني (ت1911م)، وآية الله العظمى الشيخ النائيني (1860-1936م ) والعلامة السيد هبة الدين الشهرستاني، والمرجع السيد محسن الأمين العاملي وغيرهم، أملاً في تشكيل حكوماتهم عبر صناديق الانتخاب. مقابل مجموعة من المراجع عارضت التوجهات الدستورية، وهي تضم جمعاً من علماء الدين على رأسهم المرجع الديني آية الله العظمى السيد كاظم اليزدي (ت :1919 م) وتسمى" المستبدة " أي القبول بالملك حاكما مطلقا دون التدخل بشؤونه كما تريد المشروطية.
كان كل المشروطيين والمستبدّين يحاول إقناع جمهور الشيعة برأيه، وبطبيعة الحال كانت العامة تلتف حول المستبدة؛ لأن الإقناع بالتغيير أو التجديد له متطلباته الثقافية والحضارية. أما المحافظة على السائد فلا تكلف غير تقوية الوازع الديني للشخص، لذا تجد أن أغلب أتباع المشروطية كانوا من المتنورين من أدباء وشعراء ومتمردين على الاستبداد.
إضافة إلى من ذكرت أسماؤهم انضم الشعراء الشيعة أمثال صالح الجعفري والشاعر علي الشرقي وغيرهم لمؤيدي المشروطية.(57/19)
ويعدّ كتاب "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" للنائيني، أول كتاب في الفقه السياسي الشيعي يعالج مسائل الحكم والدولة بخلفية سياسية وأرضية فقهية قوية ونظرة جديدة تختلف عن الطرح التقليدي للشيعة، فهو يؤسس لقيام حكومة إسلامية شرعية تعتمد القانون أو الدستور أساساً لعملها، فيؤصل لمبانيها ويرى مشروعيتها من خلال استدلالاتها الفقهية.
ويرى النائيني أن النظام السياسي البرلماني الذي يعتمد على آراء الشعب، والمشابه للنظام البرلماني الغربي، هو أفضل نظام حكم يمكن تعقله. وأن قبوله بصلاحيات السلطان غير المشرعة في نظام ملكي دستوري هو تضحية من أجل تحقيق الأمل الإسلامي في تحقيق العدالة والمساواة،
يختلف النائيني عن الآخرين الشيعة في تناوله لقضايا الفقه السياسي الإسلامي خصوصاً قضية بناء الدولة، التي ركب بنائها على شرعية مشاركة رعايا الدولة في نظامهم السياسي عن علماء السنة فضلا عن علماء الشيعة.
فجاءت أطروحة النائيني لتتحدث عن أهمية مشاركة الناس في بناء الدولة، واختيار السلطة وتقيّد الحاكم بدستور يكتبه الأعضاء المنتخبون، بمعنى "ولاية الأمة على نفسها"، وهي النظرية التي طرحها وطورها محمد مهدي شمس الدين الرئيس السابق للمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، فيما بعد في مقابل نظرية ولاية الفقيه.(57/20)
يتحدث النائيني في كتابه "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" عن بناء الهيكل الدستوري للنظام السياسي للدولة الدستورية في أطروحته، منطلقاً من تحكيم العقل الإنساني القاضي بأهمية وجود الدولة الناظمة للاجتماع الإنساني، كما جاء في مقدمة رسالته حيث ينطلق النائيني من العقل الإنساني بصورة عامة وليس من المذهب (ولذلك وفق في فكرته فالمذهب بأفكاره المتحجرة مقيد لكل مفكر)، وهو في بعض تفكيره يشابه ابن خلدون عند السنة، ولا يركز على البعد الديني حين يقرر أهمية وجود الدولة لدى كل الشعوب والأمم فيقول: "ثمة مسلمة توافق عليها جميع الأمم، وأقرها جميع عقلاء العالم، مفادها أن استقامة النظام العام، وانتظام حياة البشر، مرهون بوجود الدولة ذات السلطة القادرة على فرض النظام". والغريب أنه يستشهد بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعلماء السنة وأحكامهم الفقهية( ).
وهذا ملاحظ حتى في أدبيات حزب الدعوة التأسيسية فأكثر مفرداته الثورية من كتابات سيد قطب وأبي الأعلى المودودي ومالك بن نبي وغيرهم. والحقيقة إن النائيني كتب ذلك كمقدمة لتأسيس دستور إيراني ، وقد نُشر الكتاب في النجف سنة 1909م. وقد صاغ للشيعة نظرية سياسية حاول فيها قلب نظام شاه إيران- مظفر الدين شاه - والذي أصبح فاسقا غير ملتزم بالدين كثير اللهو والمجون ، بينما تمسك به بعض المجتهدين به الشيعة للضرورة.
أجبر مظفر على عقد مجلس ملّي -أي وطني - للمراقبة، وأخذت لجنة منبثقة بمراقبة القوانين والتأكد من عدم مخالفتها للمذهب الشيعي، وكانت ثمة تركيبة خاصة بين المجتهدين الشيعة والبازار (التجار والأثرياء) في تنظيم كيان الحكم بما يتناسب مع مصلحة الطرفين.(57/21)
فالبازار هو الداعم الرئيسي للمجتهدين ومدارسهم، وهم الذين كانوا يدرسون ويسكنون في النجف، وغالب علماء الشيعة والمراجع في العراق هم على هذه الشاكلة فهم ليسوا عراقيين، وإن كانوا عراقيين فإنّ مصير الشيعة ككيان مرتبط بإيران منذ قيام الدولة الصفوية وحتى يومنا هذا( ).
الإرهاصات والمقدمات التي سبقت ثورة العشرين
كان العراق وقتها تحكمه الدولة العثمانية، وكانت الظروف متشابهة بين إيران والدولة العثمانية فكلاهما تعرض لمشكلة الدستور، وكلاهما كان يواجه حركات تغير حضاري، وكانت تجربة سيطرة رجال الدين المجتهدين الشيعة داخل إيران يراد نقلها وتطبيقها في العراق، حيث العراق وإيران كلاهما ضمن الاحتلال البريطاني.
بالإضافة إلى أن الدولة العثمانية تعرضت لهزة دستورية سنة 1908م وأصبحت أجواء العراق يسودها حديث الحرية في كل شيء؛ في التعليم والنشر والتنظيم السياسي وغيرها، وبدأ كثير من شيعة العراق ينخرطون في العمل السياسي بعد أن فتحت بعض المدارس العلمانية( ) في المناطق الشيعية كمدينة الكاظم داخل مدينة بغداد وفي مدن النجف والحلة، وكان يدرس في هذه المدارس اللغة الفرنسية والرياضيات.
وقد دعمت هذه المدارس من قبل تجار من الشيعة وبعض المجتهدين، كما فكت عزلة المدن الشيعية العراقية ودخلت المجلات الأدبية والدينية والجرائد وغيرها من العالم الإسلامي إلى المدن المقدسة عند الشيعة.
كما أن النجف أصدرت عدة مجلات بالفارسية والعربية، وكان الطرح الديني الجديد مغايراً للطرح الشيعي المغلق ومشابها ومقلدا للمجلات السُنية، التي تجد فيها الدفاع عن الإسلام من شبهات المستشرقين وربط آيات الإعجاز العلمي وغيرها من الموضوعات، ووصلت بعض المجلات الشيعية إلى مصر ولبنان، وكانت هذه المجلات الداخلة والخارجة هي جسور تقريب بين السُنة والشيعة( ). (وهي محطات فات من أرخ لمسألة التقريب ذكرها).(57/22)
إن الثورة الدستورية في إيران ( 1905-1911م ) وحركة تركيا الفتاة تركت بصماتها على المذهب الشيعي فأصبح كثير من الشيعة العراقيين يفكر كمعارضة للحكم العثماني القائم في بغداد، وبدأ الخطاب الشيعي السياسي يتجاوز حدود الشيعة إلى السُنة، محاولا التاثير عليهم لا الى التشيع بل على اعتبار مراجع الشيعة معارضة تقود العراق ؛ ولذلك ظهرت دعوات لتوحد السنة والشيعة ولكنها بقيادة شيعية، بمعنى آخر قيادة المراجع الإيرانيين ، وكان الطرح الشيعي آنذاك هو المواجهة بين المدنية الأوربية والإسلام بالعموم، وبين الحضارة الإسلامية والغرب، وبين أفكار الإسلام وأفكار الإلحاد، رغم ان عددا من رجالات الشيعة رفض هذا التوجه و هذا الفكر الجديد، لكن تحدي أوربا للعالم الإسلامي وبداية نهاية الدولة العثمانية – الرجل المريض – أيقظ الجميع لمواجهته.
بدا هذا واضحا عندما بدأت روسيا القيصرية بالتوغل في إيران وبالتحديد في شمالها لتأمين مصالحها الاقتصادية، وكان ثمة تعاون بريطاني روسي للسيطرة الاقتصادية على إيران. لمّعت حينها صورة المجتهدين الشيعة على أنهم قادة للمعارضة السياسية داخل ايران، لهذا بدأت بواكير ظهور قوة شيعية في ايران تحاول سحب شيعة العراق لدعم المشكلة الإيرانية ، ومع الزيادة العددية للسكان الشيعة في جنوب العراق مهد كل ذلك لظهور شبه دولة في العراق فيها مجتهد يأمر وينهى ويقترح حتى وصل الأمر إلى ان المجتهدين خاطبوا القنصل البريطاني والروسي والفرنسي حول شؤون العراق، بل حتى شؤون إيران دون الرجوع لوالي بغداد العثماني، وكانوا أحيانا يعلنون التعبئة المحلية في المدن الشيعية كما حصل سنة 1905م( ).(57/23)
بل وصل الأمر في سنة 1909م إلى أن يجتمع نجل محمد كاظم الخراساني مع القنصل البريطاني ليوصل رسالة من خلال القنصل لروسيا مفادها أن الشيعة سيعلنون الجهاد ضدها إذا لم تنسحب من إيران، وفي العام القابل أرسل إلى القنصل الروسي تهديدا مباشرا( ).
مع اقتراب الحرب العالمية الأولى ازدادت المخاوف الدولة العثمانية وشرعت بتشجيع علماء الشيعة بالتوحد مع السنة لإيجاد معارضة في إيران والعراق تمكن السنة والشيعة من مقاومة الأوربيين، كان الشيعة في الحقيقة يشعرون بخوف شديد من أن يُحتلوا من قبل الأوربيين في إيران والعراق ويضيع كيانهم في ايران وهو الكيان الأم لكل الشيعة في العالم والذي أسس منذ الدولة الصفوية؛ وأيضاً لأن أكبر وجود للشيعة هو في هذين البلدين.
ومع بواكير الحرب العالمية الأولى وشروع أوربا باقتسام تركة الرجل المريض شكّل المراجع الشيعة جيشا كبيرا من جنوب العراق لمواجهة أي غزو، ودخلت القوات البريطانية العراق سنة 1914م ولم تفعل المقاومة شيئا حتى سنة 1918م حين اكتمل احتلال العراق على يد الإنكليز، وانتهى حكم الدولة العثمانية في العراق وغيره إلى الأبد( ).(57/24)
أصبح العراق محتلا من قبل البريطانيين وزال عنه حكم السُنة الاتراك والذي كان فيه جمع من علماء السنة العراقيين مثل محمود شكري الالوسي، محمد درويش الالولسي، عبد الرحمن النقيب، أمجد الزهاوي، عبد الوهاب النائب ، قاسم القيسي، عثمان الديوه وجي، محمد سعيد النقشبندبي، نجم الدين الواعظ وغيرهم، وكان هذا الوضع هو ما ينتظره الشيعة فراغ سياسي، ولكون إيران محتلة أيضاً من بريطانيا ومراجع والشيعة قد جهزوا أنفسهم منذ فترة للعمل السياسي ولقيادة العراقيين سنة وشيعة، لذلك سعت المراجع الشيعية لمعارضة الاحتلال والظهور بروح الوطنية من أجل غاية عظمى؛ ألا وهي قيام دولة شيعية في العراق، حيث للشيعة نفوذ المراجع تقودهم نحو هدف الدولة الشيعية ، وظهر للجميع (السنة والشيعة) قوة المجتهد الشيعي وصلاحياته في تعبئة أصحابه في الجنوب والوسط .أما السنة فقد فقدوا مرجعيتهم بانهيار الدولة العثمانية( ).
شيعة العراق بعد الاحتلال البريطاني
أربع قوى كانت تتصارع على حكم العراق بعد زوال الحكم العثماني من العراق وهي:
السنة: وقد تغيرت بوصلة الأحداث عندهم فقد فقدوا الدولة العثمانية المرجع الرسمي لهم، وفرح بعضهم لأن حال الدولة العثمانية لا يسر فهي دولة ظالمة ضعيفة غير متحضرة كسائر الأمم ، تفرض على الشعوب العربية اللغة التركية، ومتعلقة بالدين شكليا.(57/25)
الشيعة: تخلصوا من الدولة العثمانية السنية واستطاعوا الاقتراب من حلم دولة شيعية في العراق يقودها المراجع الشيعية، كما أنهم يريدون إبعاد الإنكليز ليصفو لهم العراق وإيران لذلك كان الإنكليز معوقين لحلمهم، وقد توافقت أحلام بعضهم وطموحاتهم مع طموح عوائل أشراف مكة والذين وعدهم الإنكليز بدولة عربية بدل الحكم العثماني، وكان المرشح لذلك الأخوان عبد الله وفيصل أبناء الشريف حسين صاحب الثورة العربية الكبرى. هذه الأحلام شجعت الشيعة بالتوافق مع حلم الأشراف ليكونوا دولة سنية الظاهر شيعية المضمون، إذ اتفقوا مع عبد الله بن الحسين أن يعين ملكا بدستور يضعه مجتهدو الشيعة. وهكذا يضمنون عدم انقلاب الملك السني عليهم.
الأشراف: وقد مر الحديث عن هدفهم وقد فقدوا أملهم بوعود الإنكليز لذلك أرادوا جهة معينة للتحالف معها للتخلص من الإنكليز في العراق فوجدوا الشيعة خير معين لهم.
الإنكليز: وهؤلاء محتلون حلمهم السيطرة على العراق وإيران وقد تعارضت مصالحهم مع الشيعة؛ لأن كليهما يريد العراق له، وأحسوا أنهم لا يستطيعون البقاء في العراق إلى الأبد، ولابد من السيطرة على العراق وإيران. وأن الشيعة تقووا بإعلان الرئيس الأمريكي ولسن حول منح الشعوب حق تقرير المصير، وهذا ما جعل الشيعة يراسلون الرئيس الأمريكي لإحراج الإنكليز.
طالب الشريف حسين بالعراق سنة 1917م باعتباره دولة عربية وهو موعود بدولة عربية موحدة بدل الدولة العثمانية، وعضّده بذلك الشيعة للتخلص من الإنكليز ، والحصول على وضع يجعلهم قريبين من قيادة البلد الأم إيران.
والعراق الذي كان منذ أيام الفتح الإسلامي بيد أهل السنة والجماعة وحان الوقت لتحقيق الحلم الشيعي بقيادة العراق أرض المقدسات الشيعية، وكان العثمانيون المنهزمون في العراق يؤيدون الشيعة ضد بريطانيا للثورة عليهم كما مرّ علّهم يعرقلون الاحتلال الانكليزي للعراق وغيره.(57/26)
كما ذكر كان الشيعة يراسلون الشرفاء للاتفاق على تكوين دولة عربية مع المجتهدين (مصالح مشتركة بنوايا مختلفة).
أدرك الإنكليز من خلال التتبع لمراسلات الشريف حسين وبعض علماء الشيعة مراد الشيعة من هذه المراسلات وأنها مقدمة لسيطرة شيعية على العراق وإيران وهذا يعارض مصالحهم بالسيطرة على البلدين( ). عمل البريطانيين بالتفكير بوسيلة للخروج من هذا المازق، زكان لاعلان الرئيس الامريكي ولسن عن مبادئ تقري المصير حق من حقوق الشعوب فكان اقتراح الاستفتاء للخروج من ترضي التوجهات العالمية الجديدة لذلك قامت بريطانيا بعد احتلال العراق بإجراء استفتاء لشعب العراق على ثلاث أشياء:
-…هل تؤيد إقامة دولة عربية واحدة تحت الوصاية البريطانية، تمتد من حدود ولاية الموصل الشمالية إلى الخليج؟
-…في هذه الحالة هل ترى أن زعيما عربيا (أميرا) ينبغي أن ينصب على رأس هذه الدولة الجديدة؟
-…في هذه الحالة من تفضّل أن يكون الأمير؟
وحدث جراء هذا الاستفتاء اضطراب كبير في العراق، أظهر أن بين العراقيين تناقضات واسعة وأنهم غير متفقين في الرأي:
* فأثرياء الشيعة وشيوخ عشائرها حبذوا حكم العراق من بريطانيا مباشرة. كما شاطرهم هذا الرأي كثير من السنة خوفا من توافق شيعي مع (الأشراف) مما قد يسمح بتشيع العراق أجمعه بخدعة قذرة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب.
ودافع آخر للأثرياء الشيعة الا وهو تحسين أوضاعهم المالية بعد الاحتلال. بل وحتى بعض رجال الدين الشيعة أرسلوا برقيات يطلبون بقاء الإنكليز مثل هادي الرفيعي وهو سادن الروضة العلوية في النجف، كما أيد ذلك ستة من المراجع الكبار وهم:(57/27)
ثلاثة هنود؛ السيد هاشم الهندي النجفي، ومحمود الهندي النجفي، ومحمد مهدي الكشميري، وواحد من أصل فارسي هو جعفر بحر العلوم، واثنان من العرب هما حسن بن صاحب الجواهري (عربي لكنه يحمل الجنسية الإيرانية) وعلي بن محمد كاشف الغطاء عميد عائلة كاشف الغطاء، فدعوا لبقاء الإنكليز إلى أن تستقر البلاد بعد حين. والحقيقة إن لهؤلاء المراجع الستة صلات قديمة سرية مع الإنكليز؛ فقد كان الإنكليز يوزعون عليهم أوقاف أودة الخيرية الهندية( ).
بل حدد بعض المراجع في مدينة الكاظمية بعد توقيع 40 من وجهاء التجار الشيعة على اختيار شخصية برسي كوكس لحكم العراق والذي كان وزيرا ممثلا لبريطانيا في إيران.
وفي كربلاء عبر رؤساء عشائر ووجهاء في المدينة عن عدم تأييدهم لرأي محمد تقي الشيرازي( ).
* الشيرازي المجتهد الأكبر للشيعة كان له رأي مغاير بصورة كلية وأيده على ذلك جمع من المراجع و المجتهدين الشيعة في النجف وكربلاء ووجهاء وتجار وشيوخ عشائر، فقد أعلن عن رغبته بأن يكون العراق تحت حكم ملك عربي، ويقصدون بذلك ملك أو أمير من الأشراف، وكانت جرت مراسلات سرية بين الأشراف والمرجعيات الشيعية كما ذكرنا( ).
استاء الإنكليز من موقف هؤلاء المراجع في اختيار أحد الأشراف (من أنجال الشريف حسين) حاكماً للعراق سيما وأنهم يدركون نية المجتهدين الشيعة السيطرة على العراق بواسطة مجلس وطني يخضع له الملك.
وأحس الإنكليز أن الأشراف الذين وعدهم الإنكليز بحكم عربي ولم يوفوا بوعودهم اتفقوا مع مجتهدي الشيعة للتخلص من الإنكليز فرفضوا كل هذه المقترحات، مما حدا بالشيرازي ليصدر فتوى تحريم حاكم للعراق غير مسلم، وكانت هذه الفتوى الذكية التي استثارت عواطف السُنة للتعاطف معها وتأييدها مقدمة لثورة العشرين لاعبا بذلك على الوتر الديني (لا حبا بالحسين ولكن حبا بالهريسة)( )، كما يقول أهل العراق في المثل العامي الدارج.(57/28)
بيد أن الاستفتاء كشف أن مصالح الشعب العراقي مختلفة بين الشيعة أنفسهم والسنة أنفسهم، ولابد من ملاحظة أن جل مجتهدي الشيعة في العراق هم من جنسية فارسية( ). كما أن الشيرازي كان له نفوذ على الشيعة والسنة بقدر كبير، هؤلاء بالمرجعية والسنة بالتصريحات الوطنية والدينية العامة.
وأن مصالح الأشراف ومجتهدي الشيعة اتفقت في هذه المرحلة على اختيار ملك عربي مسلم مقيد بمجلس دستوري وإن كان كل فريق له طموحاته ويريد استغلال الآخر للوصول لمآربه، فعملا معا لإزاحة النفوذ البريطاني. وكان وجود الأشراف مطمئنا للسنة بشكل خادع؛ لأن الحاكم القادم سيكون سنيا من نسل آل البيت .
ويبقى هنا سؤال ملح لماذا لم يرشح الشيعة ملكاً منهم؟
ندع الجواب للشيخ مهدي بن محمد الخالصي الذي يقول: أن جده الشيخ مهدي الخالصي طرح على السيد علي بن الميرزا محمد حسن الشيرازي في مجلس خاص فكرة أن يكون ملكا على العراق، ولكنه رفض ذلك بشدة( ). ويقول السيد محمد الشيرازي: إن الميرزا محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين اقترح على شيوخ القبائل العربية الشيعية في الفرات الأوسط فكرة انتخاب أحدهم ملكا على العراق ولكنهم اختلفوا ورفضوا هذه الفكرة( ).
وفي الحقيقة لم يكن أحد من رؤساء القبائل مؤهلا للملك، فيما عدا شيخ المحمرة خزعل الذي كان يطمح لتولي ملك العراق وعمل من أجل ذلك خلال الثورة العراقية الكبرى عام 1920، ولكنه لم يحض بشعبية كبيرة في العراق ولا بموافقة من الانجليز. لذا كان اختيار الشيعة الملك من الأشراف سببه الفراغ والنزاع الشيعي( ) وكان جعل الملك من الأشراف يعتبر سلما أوليا للتخلص من الإنكليز ومن ثم من الأشراف أنفسهم. وهي طريقة لخداع السنة بملك منهم وحكم حقيقي من قبل الشيعة لحين التمكن الكلي والإجهاز على أهل السنة كما عملوا اليوم وحاولوا تشييع بغداد وطرد أهل السنة.(57/29)
لعب الشيعة دورا كبيرا في حضور الشريف فيصل- السني المذهب- إلى العراق وتنصيبه ملكا، ومن العوامل الأساسية والمباشرة الذي دفعت الشريف حسين إلى إرسال ابنه الملك فيصل إلى العراق ليكون ملكا هو برقية بعث بها الشيخ مهدي الخالصي – الشيعي العربي - إلى الشريف حسين يتعهد له بأن الشيعة سيبايعونه ملكا عليهم، ونجح الخالصي في إقناع الشريف حسين رغم مخاوفه الشديدة على ابنه أن يلاقي المصير الذي لاقاه الحسين بن علي رضي الله عنه على يد شيعته، وكان محقا في مخاوفه فبعد ثمانية وثلاثين عاما، لقي حفيده وأسرته نهاية بشعة في العراق على يد ثورة 1958م. إن مساندة رجال الدين الشيعة لفيصل جعلته يتساءل لماذا يسانده الشيعة إلى هذا الحد؟، حتى جرى بينه وبين الشيخ عبد الواحد الحاج سكر - احد كبار المشايخ وقادة ثورة العشرين - لقاء، فقال له: كيف جاز لك وأنت الشيخ الشيعي المتدين أن تطالب بعرش العراق لرجل سني؟ فأجابه عبد الواحد بعاطفية لا تخلوا من تملق قائلا "إنك في أعماق قلبك شيعي"( ).
وهذا دأب الشيعة دائما عندما يُحكمون من قبل غيرهم يتآمرون مع كل أحد ضد حكامهم ، ولقد كانت لهم علاقات استرتيجية مع الانكليز ابان الحكم العثماني ، فإذا تمكنوا من الحصول على هدفهم بإقامة الدولة الشيعية أظهروا الوطنية، وهذا ما فعلوه بالعراق اليوم ؛ تآمروا على العراق مع كل المخابرات العالمية وأدخلوا الأمريكان للعراق فلما تهيأت لهم الظروف عبر تغلغلهم في( ) الدولة وتسهيل تسلل إيران لمفاصل العراق، طالبوا برحيل المحتل ليكون الأمر لهم خالصاً ويبيدوا أهل السنة.
وهذا ما سبق أن حصل في لبنان فقد اشتركوا بذبح الفلسطينيين، ونثروا الورد لدخول إسرائيل إلى الجنوب، وعندما خرج الفلسطينيون وصفى الجو لهم وأصبح لهم نفوذ تنافسهم عليه إسرائيل ادعوا الوطنية وتحرير الأرض.
ثورة العشرين( )(57/30)
لم يتفق الباحثون على أهداف ثورة العشرين الحقيقية ، وعن الدوافع الحقيقية وراء التحركات لجميع الشرائح والفصائل المساهمة بها، ولا ينكر أحد أن عامة المشاركين هم أناس بسطاء وفلاحون كان هدفهم ساميا؛ ألا وهو التخلص من الإنكليز كمحتل بغيض سواء كان الثوار سُنة أو شيعة، فالشعور الفطري لكل البشر فضلا عن المسلمين لا يتقبل المحتل. وبالرغم من أن العراقيين سنة وشيعة تحملوا ظلم واستبداد العثمانيين وسياسة التتريك الظالمة وإهمال العثمانيين لأمم الإسلام حتى كانت أمم العرب والمسلمين أمم متخلفة( )، إلا أن هذا لا يحمل العامة على قبول المحتل.
كما لا يختلف باحث محلي أو عالمي أن للشيعة دورا كبيرا ومهما في إذكاء هذه الثورة سيما مراجعهم في وقتها ؛ مثل المرزا محمد تقي الشيرازي والذي تولى المرجعية بعد وفاة كاظم اليزدي في 29 نيسان 1919م( )، وساعده ابنه محمد رضا وهما من خطط للثورة ورسم برنامجها، وكانت البوصلة المحركة لهما هي مخاطر نفوذ بريطانيا في إيران فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمجتهدي الشيعة في كربلاء والنجف كانت تدار من إيران، كما أن هناك رغبة لقيام دولة شيعية.
بريطانيا وإيران وتأثير ذلك على العراق
تعاظم الوجود البريطاني في إيران حتى أحس المراجع الثلاثة الكبار(الشيرازي – الأصفهاني – إسماعيل الصدر) بالقلق من مستقبل التشيع وحاضنته إيران فهي البلد الوحيد الذي تشيع منذ قيام الدولة الصفوية إلى يومنا كما أنه يهدد كيانهم كمراجع ويزعزع مكانتهم ونفوذهم على التشيع، وبوصلة التشيع كلها تدور مع إيران سلبا وإيجابا( ).
ونتيجة للنفوذ البريطاني المتزايد خاصة على الصعيد الاقتصادي، ففي عام 1919م نشرت تفاصيل اتفاقية الإنكلو– إيرانية المقترحة، إذ وعد البريطانيون منح إيران قرضا بمليون جنيه إسترليني، مقابل منح إيران بريطانيا حق احتكار تزويد السلاح لإيران.(57/31)
في العراق كان البريطانيون يدركون مكمن قوة المراجع، ولذلك سعوا بالفعل للسيطرة على مصادر تمويل المراجع (من داخل أيران)، وكان كم كبير من السادة في العراق (منتمون بنسبهم لآل البيت) يعتاشون على أعطيات العشائر العراقية، ولا أدري أي دين هذا الذي يكون دعاته مرتزقة باسم الدين؟!
فأحس هؤلاء المراجع والسادة أن النفوذ البريطاني يشكل خطرا على تواجدهم وأن محاولة بريطانيا لتمدين العشائر وتحضرهم سيؤدي بموارد المراجع للنفاد.
اجتمعت عندها مصلحة السادة (المنتمين لآل البيت) العرب (المرتزقة) والمجتهدين الإيرانيين (مصلحة إيران) ضد مصالح الإنكليز فحرضوا على الثورة من أجل بقاء مكانتهم كما هي ( ). فكتب هؤلاء الثلاثة رسالة إلى رئيس الوزراء يحثونه على عدم توقيع اتفاقية مع بريطانيا، مما يظهر حجم تأثير مراجع الشيعة داخل إيران فدبروا نقل المشكلة للعراق، عبر تحريض الناس ضد الوجود البريطاني في العراق.
وظف هؤلاء الدين ضد بريطانيا باعتبارها مسيحية وباعتبارها مستعمرة، وحركوا عواطف الشيعة لحماية المراقد – مع أن البريطانيين لم يقتربوا من المراقد – كما وظفوا دخول بريطانيا والاوربيين لفلسطين وغيرها من بلدان العرب( ).
وثمة هدف وحلم كبير كان يراود الشيعة في العراق وهو استغلال الفراغ الناجم عن نهاية الدولة العثمانية، لظهور دولة شيعية دينية في العراق، وفعلا تم عقد مؤتمر في النجف للعديد من شيوخ العشائر وعلماء الشيعة لتحقيق إنشاء (حكومة دينية تقوم على احد المبادئ الأساسية للمذهب الشيعي) على غرار ما نادي به المجتهدون المؤيدون للدستورية خلال الثورة الإيرانية. فكيف بعد ذلك يدعي المتحذلقون من أمثال حسن العلوي وغيره أن الشيعة كانوا لا يريدون قيام دولة شيعية( )؟!(57/32)
وثمة حركة أخرى نشأت داخل الشيعة تساند الأشراف سواء عبد الله بن الحسين أو فيصل بن الحسين وهذه الحركة لا تنبع من دافع ديني بل غايتها استقلال العراق العربي فحسب؛ أي هي حركة عروبية.
مشروعان للشيعة في وقت واحد
لكن مشروع الأشراف كان هدفه أوسع من الطائفية فالأشراف سُنة ولابد من أن يكسبوا العراقيين جميعا فدعوا إلى الوحدة بين السنة والشيعة من أجل استقلال العراق لا من أجل دولة شيعية و كان (أنصار الأشراف من الشيعة) جلهم من أدباء وعروبيين ونشاطهم كان في بغداد والنجف وكربلاء، ولعل حداثة عهد العشائر بالتشيع أبقى بقايا العروبة الحقة في جذورهم.
وكانت لهجة العروبة أعلى من الصوت الإسلامي عند جماعة الأشراف، وكان الشعراء والخطباء هم من يروّج لهؤلاء، مستغلين المناسبات الدينية كرمضان والمولد النبوي أو العزاء الحسيني، والتهب العراق بأسره ضد بريطانيا، ولم تستطع بريطانيا إيقاف الهيجان الجماهيري في العراق، وبدأ الهيجان ينتشر من مكان لآخر في مناطق السنة والشيعة كالنار في الهشيم. وكانت كل الأمور في البداية هي مظاهرات سلمية لتحقيق مطالب قيام حكومة جديدة بقيادة ملك عربي.
ولم يكتف الشيرازي بذلك بل سعى لتحريض العشائر للثورة ولكن الاستجابة له كانت ضعيفة سيما العشائر الكبيرة التي أحست أن مصالحها المعيشية ستضرب بسبب الثورة، لذلك حثوا الإنكليز على إخماد الثورة، بيد أن شيوخ العشائر الكبيرة استغلوا ضعف الإنكليز الذين سلبوا كثيرا من سلطاتهم عند احتلالهم للعراق فانضموا للثورة نكاية بالإنكليز واندلعت الشرارة الأولى في 30 حزيران وانتشرت لكن مهندس الثورة الشيرازي مات بعد شهرين، فتلاه شيخ الشريعة الأصفهاني الساكن في النجف وأصبحت الثورة تدار من النجف ولكن بعد ثلاثة شهور استطاع الإنكليز إيقاف الثورة بذكاء بالفصل بين مطالب فيصل والشيعة .
نتائج الثورة(57/33)
- قرر الإنكليز تتويج فيصل ملكا على العراق ولكن بعيدا عن الشيعة، ورضي فيصل بهذا فقد حقق هدفه، وفشل مخطط المراجع لطرد الإنكليز وتولي أمر العراق بيدهم من النجف، قال مسؤول بريطاني معلقاً على ذلك: (إن للأجيال اللاحقة من ساسة العراق أن يقدروا الجميل الذي يدينون به للبريطانيين في إنقاذهم من النجف)( ).
لقد كان هدف الشيعة هو السيطرة على الحكم في العراق بواسطة المرجعية، ولكنهم بلطف الله فشلوا في ذلك، ولو حاولت أن تتخيل الشيعة وهم يسيطرون على مقاليد الحكم في العراق آنذاك ماذا كانت ستكون أحوال اليوم في المنطقة!
إذاً لكان همهم وهدفهم تشيع كل العراق بكل الوسائل ، بالتهجير والقتل والذبح ، كما فعلوا عندما سلمهم الأمريكان الحكومة بعد السقوط بقيادة علاوى والجعفري، ماذا فعلا بالبلاد والعباد!؟ هذه هي حقيقة الشيعة إذا تمكنوا، لا يستطيعون العيش مع الآخرين، وها هي إيران بها أكثر من 20-35% سنة فأين هم ؟ وأين حقوقهم؟
فالحمد لله الذي حمى العراق وأهله وحمى الشيعة العرب من كيد المراجع الذين اتخذوا من ثورة زعموا أنها للعراق ولكنها في الحقيقة لمصالحهم.
لم يكن هدف الإنكليز إقصاء الشيعة كشعب بل إقصاء المراجع الدينية فهم أصل البلاء ومن لم يصدق ما أقول فلينظر ماذا فعلوا بالعراق اليوم، وقفوا حجر عثرة أمام استقلالهم، وأحاطوا حتى العشائر الشيعية بعصابات فيلق بدر ومياشيات جيش المهدي حتى تكتمل السيطرة لهم ؟؟؟!
وأقولها صريحا لشيعة وعشائر العراق :أما يستحي رؤساء العشائر الشيعية أن يتبعوا رجلا مثل مقتدى! فهل انبهروا بعلمه أم بحنكته السياسية؟ أم أن الدين وراثة فهو يمثل مرجعية أبيه،إذا لماذا استنكروا على معاوية استخلافه الحسين وعلام ثار الحسين إذاً!!! فهل هذا مسوغ لأن يتّبع أمثال مقتدى ، ويتبعه أكابر العشائر الشيعية في الجنوب والوسط.إنها سلطة الدين الشيعي إذا حكمت حولت أعزة أهلها أذلة.(57/34)
- اختار الإنكليز عبد الرحمن النقيب كرئيس للوزراء تحت حكم المندوب السامي بعد أن عرضوا ذلك على المجتهد اليزدي فرفض( )!
وعندما توج فيصل ملكا للعراق كان عليه أن يشكل وزارة وكان هوى فيصل مع الشيعة. فطلب من الشيخ عبد الواحد سكر الذهاب للنجف لحث المراجع والعلماء الشيعة على تولي تشكيل الوزارة الجديدة للتخلص من نفوذ النقيب، والذي له نفوذ عند الانكليز. إلا أن العلماء قابلوا دعوة الملك وعبد الواحد سكر بالاستهجان والرفض، إلى الحد الذي أحرج الحاج سكر نفسه، ولم يعد الحاج إلى الملك بل بعث له رسالة مجاملة يبلغه فيها رفض أو إعتذار العلماء عن المشاركة في الحكم، لإنهم يريدون تكوين حكومة عراقية لينسقوا دورهم الجديد بعيدا عن سيطرة الإنتداب. بناءً على اعتقادهم أن أمر العراق لا يسير إلا بهم فأستغلوا ذلك وحرموا على الشيعة التوظف أو دخول الدولة ولسان حال المراجع: هذا أو الطوفان ومثلهم كمثل قول الشاعر:
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
بيد أن الخسارة كانت على الشيعة، فلم يتوقف جهد المراجع عند حد رفض المشاركة أو المساهمة في تشكيل الوزارة، بل تعدت جهودهم إلى حد أنهم حرموا التعامل مع البنوك والمصارف العامة والمحاكم الشرعية، باعتبار أنها دولة غير إسلامية، وأن أموالها التي تقدمها كرواتب هي أموال محرمة لأنها بالأصل من ضرائب غير شرعية خاصة تلك التي تستوفى كضرائب من أماكن اللهو، والمكوس على الخمر.
كما حرموا الدخول في مدارس الدولة، وهي المفتاح للعمل في مؤسساتها المختلفة، بأعتبار أنها تعلم العلوم الغير شرعية التي يمكن أن تؤثر على إيمان الطفل وتبعده عن دينه.(57/35)
وظلت بعض هذه التحريمات قائمة وسارية المفعول إلى نهايات الخمسينات وأواسط الستينات من القرن المنصرم، بعد أن خرج الأمر عن طوع المراجع وتوجه الشباب من الشيعة نحو الوظائف الحكومية غير آبهين بتلك الفتاوى، فتم تجاوز تحريم الراتب بحيلة شرعية باعتبار أن هذه الأموال مجهولة المالك، بما يعني جواز استلام الراتب الشهري.
ويبدو أن بعض المراجع لا يريد أن يمرر هذه الفرصة بدون الاستفادة منها بالمطالبة بتطهير هذه الأموال أو الرواتب المستلمة من الحكومة، عبر تقديم الحقوق الشرعية منها للمراجع!!
وأعتقد أن اعتماد رجال الدين والمراجع على الهبات العامة من أنصارهم ومؤيديهم لم يكن هو العامل الوحيد الذي يقف وراء محاولة عزل الشيعة عن دولتهم، بل هوية المراجع الشيعية التي كانت في الغالب تنحدر من أصول ايرانية، وهي إما أنها تعكس سياسة عامة متفقا عليها لاستلاب شيعة العراق من هويتهم العربية، أو أنها تعود إلى عامل سيكولوجي خاص يعود لحالة الشعور بالغربة من قبل المرجع في بيئة بعيدة عن بيئته(إيران)، فيمضي لا شعورياً وراء عملية العزل هذه في إندفاعة لا شعورية للامتزاج بما حوله تخلصاً من مشاعر الغربة هذه. وبما يحقق لهم السيطرة على أبناء الطائفة، والاستقواء بهم على الحكومة( ).
أحسّ فيصل بالحرج سيما بعد أن سحب العلماء تأييدهم له من الملك فقام الشيخ الخالصي بعد سنة من مبايعة الملك بشرط العمل على تعزيز الاستقلال، بسحب البيعة منه علنا ومعارضته بقوة. وقام العلماء بتحريم الدخول في مدارس الدولة ووظائفها وجيشها، وأصدر الشيخ الخالصي في عام 1921 فتوى حرم فيها قبول أي منصب حكومي معتبرا ذلك عملا من أعمال التعاون مع الكفار.(57/36)
يقول السيد محمد الشيرازي: "نادى العلماء أول دخول الإنكليز في العراق بأن الوظيفة الحكومية المفسدة غير شرعية، وذلك لما رأوا الوظيفة خدمة للأجنبي المستعمر، ولو كانت الحكومة متسترة باسم (الإسلامية العربية) فإنهم رأوا خطوط المستعمر من تحت الستار، ولذا قالوا: كل وظيفة مفسدة معناها تقوية الاستعمار وعملائه"( ).
وأصر الوطنيون الشيعة وليس المراجع على تشكيل الأحزاب والسماح لها للعمل بحرية قبل عقد المجلس والتوقيع على الاتفاقية، ولكن الحكومة كانت تفضل - بوحي من السير برسي كوكس - إجراء الانتخابات دون أحزاب ليسهل التلاعب بها ، وعندما شكل محمد جعفر أبو التمن (شيعي) الحزب الوطني ، ومحمد أمين الجرجفجي حزب النهضة، وأخذا يقاومان الانتداب، قام كوكس باعتقالهما مع مجموعة من السياسيين وسفرهم إلى جزيرة هنجام في الخليج ليقيم الإنتخابات بحرية ودون معارضة( ).
اتضح أن الانتخابات ستزور وأن الهدف منها هو تمرير المعاهدة الاستعمارية بأية صورة وضد إرادة الشعب، ولذلك أصدر الشيخ مهدي الخالصي وعلماء النجف وكربلاء بتاريخ 8 تشرين الثاني 1922 البيان التالي:" لقد أقيمت الإنتخابات بأساليب غير مرغوب فيها بقوة السلاح البريطاني بعد فرض الحظر بالقوة على الحزبين السياسيين اللذين كانا يعبران عن مطاليب الأمة (الحزب الوطني وحزب النهضة) وإبعاد الزعماء الوطنيين ... إن المساهمة في الانتخابات أو أية عملية تماثلها مما قد يعرض ازدهار العراق في المستقبل للخطر فحكمه حرام بموجب الشرع الإسلامي والقرار الإجماعي للمسلمين"( ).
وأكد العلماء الكبار الثلاثة الأصفهاني والخالصي والنائيني موقفهم في بيان آخر:" نعم قد صدر منا تحريم الإنتخاب في الوقت الحاضر لما هو غير خفي على كل باد وحاضر، فمن دخل فيه أو ساعد عليه فهو كمن حارب الله ورسوله وأولياءه"( ).(57/37)
وهنا شعر المَلك فيصل بالخوف من وجود مراجع الدين الذين يشكلون قيادة شعبية روحية قوية منافسة له، ولم يستطع أن يمرر اتفاقية الإنتداب إلا بعد أن ضرب المراجع، وخصوصا الشيخ مهدي الخالصي، وسفرهم إلى خارج العراق.
وبما أن الكثير من مراجع الشيعة كان ينتمي إلى أصول فارسية فقد سهل على الحكومة العراقية التي رفعت راية القومية العربية أن تعزلهم عن المجتمع العراقي وتمنعهم من التدخل في الشؤون السياسية العراقية، ولم يسمح لإثنين من كبار المراجع وهما الشيخ محمد حسين النائيني والسيد أبو الحسن الاصفهاني بالعودة إلى العراق إلا بعد أن أخذ منهما تعهدا بعدم التدخل في السياسة( ).
الدولة العراقية الجديدة والشيعة
بتكوين الدولة العراقية الجديدة ظهرت أحوال جديدة، فالعراق اليوم له حدود واضحة مع إيران، وأهله سيما السنة قد أدركوا حجم المؤامرة الإيرانية للسيطرة على العراق، ومع أن الفكر الديني كان هو الأضعف والغلبة هي للفكر العروبي ومن ثم القومي إلا أن الشعور السني قاوم التشيع لأنه يمثل مدخل للأطماع الفارسية في البلد مستخدمة المرجعية والمذهب لخدمة أغراضها.
فالعراقيون السنة والشيعة أصبح حاديهم الوحدة العربية، وفهم العراقيون السنة سيما الساسة دور وخطر المرجعية على العراق في بلد، فهموا ما فهمه الجيل بعد ذلك، فعمدت على احتواء المجتهدين، وكلهم إيرانيون تحركاتهم مرتبطة بمصالح إيران، وليس لهم أي دافع تجاه العراق، ومنع أي مجتهد شيعي من ممارسة السياسة علنا، وثمة أزمة ظهرت من داخل المرجعية ألا وهي اختلاف الشيعة على مرجعية موحدة بعد وفاة شيخ الشريعة الأصفهاني سنة 1920م.(57/38)
وكان قبل ذلك ظهر صراع بين العشائر العربية الجنوبية وبعض المراجع الشيعية الإيرانية، وهذا ما عزز قوة علاقات بعض العشائر العربية بفيصل كونه مخلصا لبعضهم أكثر من المرجعيات الفارسية وفي نفس الوقت استغلالا لحالة العداء بين آل السعود والأشراف فكلاهما أصبح عدو لآل سعود (الوهابية كما يسمونهم) الأشراف لهم عداء سياسي والشيعة عداء فكري ديني.
والحقيقة أن الملك فيصل كان يعمل بذكاء للتخلص من سلطة المراجع، بل إنه حث المسؤولين الإيرانيين على التقليل من نفوذ المراجع داخل إيران نفسها، وكان فيصل يريد تكريم الشيعة العراقيين كمواطنين.
لكن المراجع تربصوا بفيصل ليوقعوا به فأستغلوا المعاهدة بين بريطانيا والعراق لتحديد شكل العلاقة بينهما بعد الوضع الجديد وذلك سنة 1922م، وكان من المفروض أن تصادق الجمعية الدستورية والتي من المزمع تأسيسها سنة 1923م على المعاهدة، وجرت المناقشات في ظل ثلاثة ظروف :
- تركيا كانت تحاول دعوة العرب لطلب حكم ذاتي تابع للسلطة التركية (وليست العثمانية).
- الغارات التي قامت بها قوات الإخوان الوهابية – قبائل قبلت الدعوة الوهابية لكنهم خالفوا الملك عبد العزيز ورفضوا سياسته ثم خرجوا عليه - على المناطق الجنوبية للعشائر الشيعية، هذه الغارات اسفرت عن مئات القتلى ، وشعر أهل الجنوب بالقلق لأن هذه الهجمات قد تكون مقدمة لهجمات مستمرة ، عندها استغلت المرجعية ذلك وأشاعت أن هذه الهجمات بتحريض من بريطانيا لإضعاف العراق، وادعوا أن الحكومة العراقية عاجزة على حماية البلد.
وقد كان للإخوان رغبة باستمرار الغارات لنشر الدعوة، لكن عبد العزيز رفض ذلك بسبب إدراكه أن الوضع اختلف عن الفترة السابقة وأن المنطقة حددت لها حدودها وثمة قوى كبرى خارجية مهيمنة على المنطقة، سلوك هؤلاء يشبه سلوك القاعدة اليوم لذا حاربهم الملك عبد العزيز وافتى علماء المملكة بعقابهم وقتالهم.(57/39)
- استغل موسم عاشوراء من قبل المراجع الكبار الثلاثة أبو الحسن الأصفهاني، وحسين النائيني، ومهدي الخالصي، فعقدوا مؤتمرا ظاهره الدفاع عن الجنوب من هجمات الإخوان ورد الهجمات داخل المملكة، ولكن كشفت دوافعه الحقيقية وهي تشكيل قوة جديدة شيعية من المراجع لضرب الحكومة ومعاهدتها الجديدة، وطلبوا من علماء السنة والملك فيصل حضور المؤتمر. بيد أن فيصل لم يلبي دعوتهم ومثل السنة بوفد غير رفيع المستوى. كما رفض كبار شيوخ عشائر الشيعة الكبيرة موافقة المجتهدين( ).
وفشلت المحاولة الشيعية الجديدة بواسطة المراجع الثلاثة لتجنيد جيش يستعملونه لمآربهم ومؤمراتهم.
وشنوا دعاية على الملك فيصل واتهامه بأنه عميل للإنكليز لأنه رفض المجيء لمؤتمرهم، ولما أحس المراجع أن مؤمرتهم كشفت وخافوا من قيام الملك والإنكليز بصناعة مراجع بديلة عنهم وإضعاف نفوذهم، شنوا حربا استباقية ضد أي انتخابات للجمعية الدستورية فاصدر المراجع فتوى بمقاطعة الانتخابات وأنها غير شرعية، بل كفروا من يعصي فتوى المرجع، وأما الخالصي فقال: (قد حكمنا بحرمة الانتخابات والمشارك فيها معاد لله ورسوله وأئمة المسلمين ولا يدفن في مقابر المسلمين) فهل بقي تكفير بعد هذا !! ثم يدعي الشيعة أنهم ليسوا تكفيريين!! وأما الأصفهاني فقال أن المشارك تحرم عليه زوجته ويمنع من دخول الحمامات العامة وينبذه سائر المسلمين.
و يصدق في هؤلاء المراجع قول الله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}، وأشاع الشيعة أن سجلات الإنتخابات ستستعمل للتجنيد حتى ينفرون السنة من المشاركة في الانتخابات.
وبسبب قلة مقاعد العشائر في المجلس استغلت هذه الفتاوى لتهديد الملك بعدم مشاركتهم بالإنتخابات حتى تزاد حصصهم من المقاعد، وكان العشائر يرون أن المدن ستكتسحهم.(57/40)
حرض المجتهدون على الثورة من جديد على فيصل وحكومته، وكان الوضع متأزم بين بريطانيا وتركيا وثمة تحشيد للقوات على الحدود لضم الموصل لتركيا، وقبض على مراسلات من شيعة كربلاء لمصطفى كمال أتاتورك تدعوه لاحتلال العراق، وعلقت فتاوى في مرقد الكاظم تدعو العراقيين بعدم مقاومة الأتراك إذا دخلوا العراق، وكذا في مساجد النجف.
انسحبت القوات التركية من الحدود مما أضعف موقف المراجع، ففكروا بإصدار فتوى بإسقاط الملك فيصل وخلعه، وتحدى الخالصي وأبناؤه فيصل شخصيا وخلع بيعته لفيصل، وهرب بعض أولاد الخالصي لإيران وشنوا من هناك حملة شعواء على حكومة فيصل واتهموه بالخيانة وشجعتهم طهران على ذلك كالعادة( ).
منذ ذلك اليوم وبتاريخ 9 حزيران سنة 1923م صدر قانون الهجرة والجنسية الذي يجيز إبعاد غير العراقي الذي يمارس نشاطا عدوانيا على العراق والحكومة( ).
استمر الخالصي واولاده بتعليق منشورات ضد الحكومة والملك، وكان الخالصي وأولاده عربا لكنهم تجنسوا بالجنسية الإيرانية حتى لا يجندوا في الدولة العثمانية.
فتم إبعاد كل المراجع الكبار الفرس وكانوا تسعة، مع الخالصي وأولاده وممن أبعد الأصفهاني والنائيني فذهبوا إلى قم في إيران، والتحق الخالصي بهم بعد أن أبعد إلى عدن فاستغل الحج وذهب لإيران( )، وتملقا من الخالصي لدولة لإيران خالف علماء الشيعة وأمر باعطاء الخمس للدولة الإيرانية وليس للمراجع مما سبب له خلاف شديد مع بقية المراجع، وأدعى أن إيران يجب أن تكون قوية وأن الخمس يعطى للقوات المسلحة الإيرانية، وأمر بجمع أموال الأضرحة في العراق في الكاظم وغيره ودفعها لإيران( ).
أتهم الشيخ الخالصي بأنه أصبح عميل لدولة إيران من قبل المرجعين الأصفهاني والمرجع النائيني - وهم من أصول فارسية- ففاوضوا الحكومة العراقية للعودة إلى النجف بدون الخالصي، وكان سبب طلبهم هذا:(57/41)
- خوفهم على مركز النجف من الضياع، والتي كشفتها مراسلات بعض المراجع العرب معهم.
- ظهور مشاكل بينهم و بين مرجع قم عبد الكريم الحائري والذي كان يخطط لضرب مجتهدي النجف ودعم مرجعية إيران في قم( ).
- وجود أملاك وعقارات وأموال طائلة لهم في العراق فإذا استمر غيابهم ضاعت، سيما وأن الإنفاق عليهم ضعف في العراق.
فسمح لهم بالعودة إلى العراق في سنة 1924م، ومات الخالصي هالكا في إيران بالسكتة الدماغية.
واستقر العراق في فترة غياب هؤلاء من أصحاب النفوذ الإيراني وارتاح السنة والشيعة من شر علماء السوء.
وتقارب عامة الشيعة مع الحكومة في هذه الفترة وقدم وفد كبير من الشيعة لملاقاة فيصل للاعتذار منه عن أعمال المراجع بحق العراق وفيصل.
أصبحت العشائر الشيعية أكثر وعيا لمصالحها من توجيهات المراجع وتحسنت العلاقات بين الحكومة والعشائر.
وظهرت منافسة شديدة بين المراجع الفرس والعرب داخل كربلاء والنجف وذلك سنة 1925م، حتى انقسمت المرجعية إلى قسمين واحدة بقيادة الأصفهاني والنائيني، وبين المعسكر العربي بقيادة أحمد كاشف الغطاء. حتى تجرأ رجل دين شيعي وهو صالح الحلي أشهر خطيب للمواكب الحسينية بالطلب من الأصفهاني المرجع أن يدفع أموال الخمس إلى حسينية في مدينة العمارة العراقية لكن الأصفهاني رفض، وتهجم أحدهم على الآخر علنا وفي الخطب وجرى صراع سنتعرض له في الحلقة القادمة من تاريخ شيعة العراق( ).
?
الوظيفة الاستكشافية للتحليل النفسي في الشخصية الشيعية
محمد العواودة
Awawdeh_98@yahoo.com
على هامش دعوات الحوار والتقارب "السني الشيعي" ثمة أسئلة تطرح في الوعي السني تنطلق في العادة من القاعدة التسائلية، أو السؤال المركب التالي، أليس الشيعة إخواننا في الدين؟ أليس الرب واحدا، والرسالة واحدة، والنبي واحدا، والكتاب واحدا، ويجمعنا حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فلم الخلاف إذا؟(57/42)
هكذا يفكر السني وهو مشدود العاطفة ومفتوح العقل نحو أخية الشيعي!، يرفض خطاب المفاصلة و يحاول لملمة شتات الشذوذ والانحراف كله في بوتقة العقلانية والوحدة الدينية وجمع الصف تجاه الخصم والعدو في سياق من التنازلات المفاهيمية "السياسية والتاريخية والعقدية" فيما يشرعن للآخر - الشيعي - سوداويته وانحرافه كما في تجربة التقريب بين المذاهب ، فهل من ثمرة في كل ذلك؟
في كتابه "التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية؟" لا يرى الدكتور طه حامد الدليمي أي ثمرة ايجابية تلوح في الأفق القريب في أي سياق تواصلي واتصالي مع الشيعة ضمن دائرة "عبث" هذا التقارب، فأهل السنة دائما يصفون الدواء في غير ما شخص له في مسائل مغلقة على الوعي الشيعي التي لا ينفع معها حجة ولا عقل ولا برهان، حيث يختبئون دائما خلف التنظير الباطني لمراجعهم الذين يخلّون دائما بين الوعي الشيعي الأسطوري وبين الممارسة العقلانية السنية، أو ما يسميه الشيعة درء "السقوط في شتات العقل"؛ حتى لا يكشف عوارهم وتفضح سوآتهم.
من هنا، يلتمس الدليمي طريقا غير الحوار العقلاني المباشر في قراءته الجديدة للتشيع، التي تتمحور حول "التحليل النفسي" وهي الوظيفة الاستكشافية التي يراها الأكثر فاعلية في تحديد "هوية الشيعي الدينية" التي تكشف بدورها عن خارطة متكاملة من العقد النفسية المتناثرة في الذهنية الشيعية التي يجعلها الكاتب بمثابة المقدمات القطعية للدلالة على قطعية براهينه في وجوب غسل أيدي أهل السنة من دعوى التقارب مع ديانة أخرى غير إسلامية تدعى ظاهريا باسم "التشيع الإسلامي".(57/43)
قبل أن نستوفي فكرة هذا الكتاب، نلفت إلى أن الدكتور الدليمي يفرق ابتداء بين "التشيع العلوي " و"التشيع الصفوي الفارسي" فالتشيع العلوي لا يتجاوز الإطار المعرفي العام لأهل السنة، فلذلك لا يرى ثمة مشكلة معه، وبالتالي يكون هذا الكتاب معنيا في التشيع الثاني الذي كرس له هذه الدراسة بالتحليل والبحث والمناقشة، فيما يبرز في هذا السياق السؤال المفصلي التالي "هل ثمة علاقة بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي؟
يكتفي الدليمي بشهادة واحد من أهم الشخصيات الشيعية المرموقة وهو الدكتور علي شريعتي الذي بيّن وجه الالتباس في هذه العلاقة بمحاولة التشيع الصفوي إرساء دعائمه على هيكلية مضاهية لهيكلية التشيع العلوي، واستعارة نفس القوالب الفكرية بعد أن أفرغها من مضامينها ومحتواها الواقعي، وركب عليها نفس أسسه ومبادئه، ودس كل سمومه العقدية القديمة الناشئة من عقدهم النفسية القديمة في المذهب العلوي وتماهيهم فيه؛ ليتسنى له تمرير مشروعه على ذقون الناس؛ فكانت عملية التمويه مخططه ومدروسة ودقيقة ليدفع الشيعة وراء مظاهر ومراسيم شكلية مفرغة، وظفت ببراعة في عقيدة التشيع العاطفية في تكريس الأحقاد والضغائن السياسية والقومية ضد العرب والأتراك والإيرانيين في سبيل تحقيق أهدافهم ومراميهم لإقامة الدولة الصفوية.
إن مجموع ما تشكله هذه العقد النفسية في أبعادها الوضعية المتعددة التي توسع بها المؤلف في عشرين نقطة هو ما يؤطر ذلك الإفراز النتن في أعماق نفوس حملة العقيدة الشيعية الفارسية الذي تلخصه السطور التالية:(57/44)
1- الإمامة: وهي إحدى مفرزات (عقدة النقص) التي تجعل من الشخصية الفارسية شخصية نفاجية – تضخم الذات – التي تأخذ طابع المبالغة الخرافية بشكل يجعل المحيط منحسرا أمام الذات بما لا يستند إلى الإحساس من الواقع الذاتي أو الموضوعي، ومن هنا صار الفارسي يشعر بأحقيته في السيطرة على الآخر أو إلغائه، وقد تعمق هذا الشعور بمجيء الدولة الساسانية التي تعتقد بأن الملك يجب أن يكون محصورا في البيت الديني، والخروج عن هذا المبدأ هو خروج عن الدين، وهكذا جعل جمهور المتشيعين لهذه العقيدة أناسا يعتقدون بأن كل حاكم من غير أهل البيت خارج عن الدين يجب محاربته، فعقيدة الإمامة خارجة من (عقدة السيد) عند الفرس المتأتية من (عقدة النقص) .
2- العصمة: وهي احد مفرزات (عقدة الذنب) بشكل رئيس وهي ناتجة عن الشعور بالعجز عن بلوغ تلك الدرجة من السمو والاستقامة حيث يصبح الآخر المحبوب رمزا أسطوريا للمثالية والطهر والخير الذي يرغب أن يتمثل في ذاته، كذلك فان عقدة الذنب تؤدي إلى اليأس من الخلاص الذاتي من تبعات الذنوب عند الله.
3 - المرجعية الدينية: وهي ناتجة عن عدة عقد أولها (عقدة النقص) وما يثيره من خوف من الآخر و(عقدة الاضطهاد) التي تؤدي إلى التعطش للقوة في مختلف رموزها والانقياد وراء زعيم عظامي يفجر ميولها للتشفي والعظمة.(57/45)
4 - تحريف القران: كان لطبيعة الفرس الباطنية المخادعة، وطبيعتهم الشكاكة المتوجسة التي تجعلهم دائما يفسرون الأمور على غير ما تبدو عليه الناتجة عن خليط من العقد النفسية كـ (اللؤم، والحقد، والشك) انعكاسا على القران الكريم حيث لبس العجم لباس التشيع فادعوا أن يد الصحابة امتدت إلى التحريف، فليس القران الموجود بين أيدينا هو القران نفسه الذي انزل على محمد، كما وتضرب عقيدة التحريف بجذورها الخفية إلى (عقدة السيد) ومن حيث ارتباطه بعقيدة الإمامة، والقول بالتحريف نتاج منطقي لتسلسل القول بالإمامة؛ وذلك لخلو القران من نص صريح عليها فقالو إن نصوص الإمامة مما حرف منه.
5 - المهدي المنتظر: وتتمثل هذه العقيدة من تفاعل عدة عقد في النفسية الفارسية وهي (النقص والاضطهاد والحقد) وما يترتب عليها من الحاجة للتشفي والثأر والعدوان والتعلق بأوهام الخلاص على منقذ سحري هو المهدي – الخرافة - المنتظر من آل كسرى ، يكرس أفعاله للانتقام من العرب .
6 - الرجعة: وقد خرجت هذه العقيدة من عقدة الحقد الفارسي التي تخدم الفرس حين تجعل الشيعة يشعرون بالعزلة النفسية عن مجتمعاتهم وحكوماتهم ودولهم ، متطلعين دوما إلى الخلاص الذي يتم لهم فيه النصر على أعدائهم، تساعدهم على هذا الخيال عقيدتهم الخرافية بقيام مهديهم الذي يقيم لهم دولة تمتد إلى آخر الدهر .
7 - شفاعة أهل البيت: وينبع هذا المبدأ من (عقدة الذنب) الفارسية حيث يعول الشيعة كيثرا على هذا المبدأ؛ لأن من آمن به عندهم غفرت ذنوبه ولا تمسه النار حتى إن لم يعمل صالحا أبدا، وقد أدت بهم هذه العقيدة إلى الاستغراق بالذنوب والآثام مع الانتماء الاسمي للدين والتعصب للطائفة .(57/46)
8 - الغلو في أهل البيت: عقدة النقص تطرد مع هذا الغلو في ذهنية الشيعي الفارسي عندما يعتقد في أهل البيت العلوي أنهم فوق صفات البشر، ويرفعهم إلى مرتبة الألوهية وينسبون إليهم خوارق ومقدرات أسطورية تنبو عن الذوق والعقل .
9 - سب الصحابة: سب الصحابة وتكفيرهم وإنزالهم في الشق المناؤئ لأهل البيت ينشأ من عدة عقد أولها (الحقد) على العرب جملة، والصحابة على وجه الخصوص سيما الفاروق عمر مطفئ نارهم ومزلزل عروشهم، وعقدة (الشعور بالاضطهاد) إذ يرون أن الصحابة قد تآمروا على علي واغتصبوا خلافته، أما عقدة (الوقاحة والصفاقة) فقد أدت إلى نشر عقيدة سب الصحابة دون خجل من أهل السنة.
10 - اتهام أهل السنة بكره أهل البيت: يطلق الشيعة على أهل السنة "النواصب" أي من ناصب أهل النبي العداء، ومنشأ هذه العقيدة من عقدة (الوهم) وقد فعّلت عقدة (الاضطهاد) في تسهيل هذا التحول من حيث أن المصاب بها يتوهم أن الآخر هو الذي يضطهده ويعتدي عليه وليس العكس.
11 - مخالفة أهل السنة: وهذه ناشئة عن عقدة (السيد) التي تجعل صاحبها يأنف من التشبه بالآخر - عامة الناس - ومحاكاته أو المساواة به فضلا عن التبعية له، فيرى الفارسي أن هذا يحقق أهدافه في الفرقة وتمزيق الصفوف في العرب .
12- التقية: وهي ناتجة عن الطبيعة النفسية الفارسية التي تمتهن الكذب وتعتاش عليه وتخدم أغراضها، ولهذا علاقة بعقدة (النقص) حيث يشعر المقهور بعار وجودي يصعب احتماله.
13- السجود على التربة والإسبال: ثمة علاقة قوية بين الإسبال والسجود على التربة في طقوس التشيع الفارسي الذي يمتد إلى قدسية التراب إلى جانب النار، فالإسبال فيه إشارة إلى عدم الاعتراف بالصلاة التي يتأكد العكس منها بالتكتف، ويؤكد في نفس الوقت التوجه إلى هذه "الترب" الرمز المقدس عند المجوس.(57/47)
14 - زيارة المراقد وانتشار ظاهرة الأضرحة: وهي من أعظم الطقوس التي يمارسها الشيعة في حياتهم الدينية، وهذا ناشيء من عقدة (النقص) التي أنشأت الدافع النفسي للتعلق الشركي بالأولياء؛ كاستجلاب الخير بهم ودفع الشر عنهم ونسبة الخرافات إليهم في تحقيق المعاجز لهم.
15 - المتعة والشذوذ الجنسي ونكاح المحارم: فمن المعلوم أن من خصائص الحضارة الفارسية أنها حضارة قامت على الفساد والتحلل الخلقي والإباحية الجنسية، وهو ما كان له الأثر البعيد على الشعب الإيراني الذي خلف فساده في الدين وإعطائه المشروعية الدينية، وقد تسللت هذه الرذائل متسترة بالدين إلى جميع الفرق الفارسية التي انتسبت إلى التشيع، ولهذه الرذيلة علاقة قوية بعقدة (الذنب) سيما اللواطة، حيث يتلذذ صاحب الذنب بإيقاعها على نفسة كنوع من العقاب .
16 - الخُمس والحقوق الشرعية: مرجوع هذه العقيدة إلى عقدة (السيد) الفارسي المجوسية التي تعاني منها النفسية الفارسية التي تجعل المصاب بها ينظر إلى نفسه نظرة ملوكية مضخمة كما كان الشأن عند ملوك فارس، فجميع الألقاب لرجل الدين الشيعي هي في حقيقتها ألقاب لحاكم فارسي مقنّع حيث لا تكتمل شخصيته إلا بجباية الأموال من الرعية عن خضوع وتذلل.
17 - النياحة ومراسيم العزاء الحسيني: وهذه ناتجة عن عدة عقد أهمها (العدوانية، والاضطهاد والذنب)ٍفالعدوانية المرتدة على الذات ناتجة عن عدم وجود تصريف لها تجاه الآخر، فالإدانة الذاتية تبقى اخف من وطأة الإدانة للآخرين، أما عقدة (الاضطهاد) فهي التي جعلت الشيعة في شعور دائم بالظلم والغبن وملأت أنفسهم بالانفعالات المتأججة للثورة، فلا يتخيل شيعي إلا بدعوى انه مظلوم ومضطهد، أما (عقدة الذنب) فهي شعور لحاجة نفس الشيعي إلى التكفير عن الذنوب لجلد نفسه حتى يشعر بالراحة تحت ذريعة خيالية هي حب الحسين.(57/48)
18 - التمسك الشديد بالتقاليد والبدع: إن التشيع في صورته الحالية دين ابتدعه الفرس ليضاهئوا به دين الإسلام ويخربوه من الداخل، وهي تقاليد متوارثة "كفلكلور شعبي" عند عامة الشيعة لحماية أنفسهم من مشاعر الخزي الذاتي، فمن يخرج عن هذه التقاليد تلاحقه الفضيحة حيث يغدو لا شرف له ، ويستباح في حياته ورزقه وسمعته.
19- تجميد التاريخ: جمود الشيعي على أحداث تاريخية، حيث يبدو عنده الزمن الحاضر قد توقف، فلا حاضر له إلا ذلك الماضي، مثل: "باب خيبر، الخندق، أسطورة بن ود العاري، كسر ضلع الزهره ...." وما رافق ذلك من الطعن في تاريخ الأمة وتشويهه ليتناسب مع الرغبة المنحرفة للنفسية الفارسية.
20 - الشعوبية والتآمر على الوطن: بخلاف كل الشعوب التي اعتنقت الإسلام وأجلّت العرب، فان الفرس يبغضون العرب وهذا ناشئ من (عقدة اللؤم) المتفرعة من مركب النقص الحضاري المعادي لتلك الحضارة العربية التي جعلت الفارسي يحمل نزعة عدوانية مدمرة لكل قيمة تأتي من هذا الاتجاه، وبهذه الطريقة تمكن الفرس من سلخ المتشيع بتشيعهم من الانتماء لوطنه وتعويضه بالانتماء إلى المرجع أو الطائفة فحسب.
بعد وقوفه على أهم العقد النفسية ومفرزاتها العقدية الأسطورية عند الفرس التي وظفت توظيفا سياسيا ومعنويا ومجتمعيا وتعبويا في كره العرب والحقد عليهم والتمترس خلف الفرص للنيل منهم، يبحث الدليمي في المنهجيات التي يجب اتّباعها والتي تتواءم مع مرضى التشيع، فيراها واضحة جلية في المنهج القرآني في تعامله مع اليهود، وهو ما يمكن نقله إلى الدائرة الشيعية لتشابه التكوين النفسي والعقدي عند اليهود والشيعة، مرتكزا في ذلك على بعض من سبقه في هذه المقاربة المنهجية كشيخ الإسلام ابن تيمية.(57/49)
تكمن الصورة المجملة للمنهج الذي يستقيه الدليمي من القران الكريم في مواجهة خطر التشيع، هو دعوة الشيعة إلى الدين الصحيح من خلال المنابر والإعلام والرجوع إلى إسلام ما قبل الفرق، وفي نفس الوقت فضح أباطيلهم، وخزعبلاتهم من تحريف للقران وتكفير للصحابة والطعن بأمهات المؤمنين وشركهم القبوري...، وعرض مخازيهم التاريخية على مر العصور، كما يجب إتباع أسلوب الهجوم المنظم والبعد عن إتباع مبدأ الدفاع والأساليب التقريبية الترضوية الضعيفة.
أما المقاصد الكبرى للمنهج فترتكز على تحصين الصف الداخلي لأهل السنة من الاختراق الشيعي، ورسم الخطط الكفيلة لاختراق التشيع برفع جمهور الشيعة إلى المستوى الحضاري اللائق في التأمل الإنساني، ويمكن لذلك أن يتم من خلال بعض الأساليب والمبادئ الخاصة للتغير في الوعي الشيعي؛ كتبني الخطاب القوي الذي يمكن أن ينفذ إلى عقول هؤلاء ويلفت انتباههم وما دونه من خطاب ترضوي لا يفسر عندهم إلا على انه علامة ضعف، ويسير هذا الخطاب القوي في اتجاهين:
أولهما: كشف ما عليه التشيع من باطل في العقائد والشرائع والتاريخ والواقع وأخلاق المتسيدين والمتفقهين والمراجع وفضح أصولهم الفارسية وعلاقتهم بإيران بداية وهدفا وغاية، والثاني: بيان الحق المقابل ودعوتهم إليه.
ومن أهم الأساليب الجماعية التي يراها الدليمي ناجعة في علاج التشيع الفارسي، هو فصل جمهور الشيعة عن مراجعهم بتسلم زمام قيادة التشيع لعلماء صادقين يقومون بإزاحة أولئك الدجاجلة المزورين وطردهم من مواقعهم، وذلك بالصبر والتغيير شيئا فشيئا، كما يجب فضح تعلق الشيعة الزائف بأهل البيت، فالشيعة يعتمدون في بقائهم على دعوى هذا الانتساب ويستمدون قوتهم منه، كما يجب بيان بطلان خمس المكاسب، فلولا هذه الأموال الطائلة التي يستولي عليها كهنة التشيع باسم الخمس والحقوق الشرعية لما تمكن هذا الدين من الصمود والبقاء.(57/50)
في الوقت الذي يدعو فيه الدليمي لاتباع الوسائل الجمعية لوضع العلاج على ضوء تلك الخطوط العامة المتقدمة؛ فانه ينتهي بالتأكيد على هشاشة صف الخصم الشيعي وشخصيته الاضطهادية، التي يجب إبقاءها خائفة ضعيفة، وعدم إعطائها الفرصة لممارسة العدوان في المستقبل؛ لتتهاوى في أول ضربة قوية لتلك الانتفاشة والنفاخ الكاذبين.
الرويبضة
قالوا: "التحول من الإسلام إلى المسيحية أو اليهودية ليس خروجا من الإيمان إلى الكفر، وأن الإسلام لم ينسخ أيا من الديانتين، شرط أن يظل المتحول معترفا بالإسلام كدين سماوي وبرسوله صلى الله عليه وسلم". " القبلات بين الشباب والفتيات في الأماكن العامة مباحة".
جمال البنا، العربية نت 28/2 - 7/3/ 2008
قلنا: لم نعد ندري ماذا يمكن لجمال البنا أن يخرف بعد هذا، فقد سبق له الطعن في الحجاب والسنة، والقائمة تطول !!
شيعي يكرم خارجيا!!
قالوا: كرم الرئيس أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عُمان في احتفال كبير أقيم بالعاصمة الإيرانية طهران بمناسبة الاحتفال بالعام الخامس عشر للكتاب وجاء هذا التكريم لسماحته تقديرا لدور سماحته وجهوده في مجال التقريب بين المذاهب ومشاركاته البارزة في المؤتمرات والملتقيات المعنية بالتقريب بين المذاهب الإسلامية.
الوطن العمانية 14/2/2008
قلنا: هذا من عجائب الزمان، لكن التقية الشيعية والدهاء الفارسي يصنعان الأعاجيب.أن تكرم شيخ الإباضية بقية الخوارج قتلة علي بن أبي طالب!!
مكر يسار علماني(57/51)
قالوا: تم التعسف في توظيف المقاصد فلسفياً واعتبارها مؤشراً لإعمال العقل، ...ومع دخول بعض الباحثين العلمانيين في مجال الدراسات الإسلامية وتحولهم إلى فقهاء حداثيين، تم خطف مصطلح المقاصد بما له من شرعية وأصالة علمية ليجعل بذلك مفتاحاً للاجتهاد العلماني في الإسلام، فاستعير مصطلح المقاصد دون تحديد مدلوله في استعمالهم، ... والعبرة عندهم ليست بالنص بل بما وراء النص، وما وراء النص ليس هناك ما يضبطه من قواعد تدل عليه، .. فبينما يقعّد الأصوليون لتحديد مقاصد الشريعة بالاعتماد على مجموع نصوصها حول قضية معينة وذلك للاستفادة من هذا المقصد في تشريع القوانين فيما يطرأ للمسلمين من قضايا دون أن يكون لهذا المقصد أثر في دلالة النصوص الدالة عليه، نجد العلمانيين يستعملون المقصد كبديل عن النص ومن غير تحديد قواعد للاستدلال عليه.
د.عبد الرحمن حللى، الغد 23/2/2008
قلنا: لولا أن الله تعهد بحفظ دينه الخاتم بحفظ القرآن ، لكانت هذه المكائد كفيلة بتحريفه كما حدث للرسالات السابقة.
وقاحة
قالوا:الفكر السني مصدر الإرهابيين ولا يوجد شيعي انتحاري.
محمد المهري، رئيس المرجعيات الشيعية في الكويت
إيلاف 29/2/2008
قلنا: من الذي فجر الحجاج في مكة يا مهري ،و من الذي قتل وخطف وفجر في الثمانينات في منطقة الخليج، ومن الذي يقود ميلشيات الموت في بغداد، أليس إخوانك الشيعة!!
غزو رسمي
قالوا: عين الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم الأربعاء رجل الأعمال الشيعي الإسماعيلي سعادة قمبر أول موفد أمريكي خاص لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها في مدينة جدة بالسعودية.
موقع آفاق- 28 / 2 / 2008م
قلنا: تفعيل الطوائف البدعية لخدمة المحتل سياسة قائمة فهل ننتبه لمخاطرها؟
براءة الذئب!
قالوا: نفى نجاد أن يكون هناك أي شكل من أشكال التدخل الإيراني في الشأن العراقي.
الملف نت 1/3/2008(57/52)
قلنا: لأنهم يرون أنفسهم أصحاب البيت في العراق، فلا يتدخلون ولكنهم يمارسون دورهم الطبيعي في إدارة أملاكهم بواسطة عملائهم من الأحزاب الشيعية.
من الحب ما قتل!
قالوا: كشفت الأجهزة (الأمنية) العراقية في مدينة الكاظمية، مستودعاً للأدوية الفاقدة الصلاحية، إيرانية المنشأ وكميتها المعلنة أو التي وضعت اليد عليها حتى الآن هي ستون طنا أما ما تم تسريبه وبيعه فالله اعلم، وهي منتهية الصلاحية منذ عام 1984 أي منذ ربع قرن!! و يشرف على إعادة طبع تاريخ صلاحيتها وتوزيعها، شخص يحمل الجنسية الإيرانية.
الملف نت 26/2/2008
قلنا: يا جهلة من عادة شركات الأدوية والأغذية أن تقدم تاريخ انتهاء الصلاحية المطبوع عن الموعد الحقيقي للاحتياط، ونحن وضعوا لكم التاريخ الحقيقي!!
لا تتدخلوا في شؤون إيران
قالوا:الجزر الثلاث تنب الكبرى وتنب الصغرى وأبو موسي جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية واستمرار المواقف المتكررة وغير الفاعلة لا تتناسب مع الظروف الجديدة القائمة في العلاقات الإقليمية لمنطقه الخليج الفارسي.
ودعا مجلس التعاون إلي إعادة النظر في مواقفه وإصلاحها وفقا للحقائق التاريخية السائدة بالمنطقة. واصفا هذه المزاعم تدخلا في الشأن الداخلي الإيراني .
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني
وكالة أرنا 2/3/2008
قلنا: نعم يجب علينا نحن معشر السنة من أهل الخليج تعلم الأدب وعدم التدخل في شؤون الجيران، صحيح أن هذه الجزر لنا لكن هل نزعج جيراننا من أجل شوية جزر!!
مكر الليل والنهار
قالوا: أصبح لافتا خلال الفترة الأخيرة تزايد اجتماعات الشيعة المصريين في مساجد منطقة القاهرة الفاطمية خصوصا مسجد الحاكم بأمر الله الذي قامت بتجديده وتطويره طائفة البهرة.
المصريون 5 /3/ 2008
قلنا: متى ينتبه النائمون قبل أن يحكمهم الفاطميون مرة أخرى.
عدالة مثالية(57/53)
قالوا: برأت المحكمة الجنائية العليا كلا من حاكم الزاملي وكيل وزارة الصحة السابق وحميد الشمري قائد قوات الحماية التابعة للوزارة من تهم القتل الطائفي واستخدام آليات الوزارة لتنفيذ أعمال قتل واختطاف.
العربية نت 5/3/ 2008
قلنا: الحمد لله أن المحكمة لم تدن الضحايا بتلويث سمعة هؤلاء المجرمون، وتقوم بمطالبة أهالي الضحايا بتعويضات مالية تبقيهم أبد الدهر خارج العراق، وعاشت العدالة !!
الثورة الإسلامية الإيرانية والتكتيك الجديد
الملف نت – 27/2/2008
ثورة الشعب الإيراني الشقيق ضد الشاه قد أحدثت منعطفا جديدا في تاريخ هذا الشعب المسلم وجاءت نتيجة الصراع المرير من اجل الحرية والحياة الحرة الكريمة وما أن انبثقت هذه الثورة وبدأت تعطي ثمارها على الصعيد المحلي حتى التفت حولها التيارات الدينية المتطرفة وعادت بطموحات الشعب الإيراني إلى المربع الأول من حيث الدكتاتورية والاضطهاد والظلم أسوء من النظام السابق بكثير وراحت تمارس أبشع صور الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ورفعت شعارها المعروف ما يسمى بتصدير الثورة إلى الدول المجاورة وسخرت كل الإمكانيات المتاحة عسكريا وماديا ووضعت عائدات الثروات النفطية تحت تصرف هذا الهدف.
وكانت محطتها الأولى الدول العربية وقد نشبت على أثرها الحرب العراقية الإيرانية في مطلع الثمانينات القرن الماضي والتي انتهت بمحصلتها الكارثية على كلا الشعبين الشقيقين اندحرت بعدها الشعارات والأهداف الغوغائية لنظام الملالي وتقوقعت داخل البيت الإيراني لمدة ربع قرن تترنح بين الفشل والخيبة والخسران وما بين الهستيرية بإعادة الكره مرة أخرى بقالبها الجديد وبإستراتيجية وتكتيكات مأخوذة من خبثه الشهير تاريخيا.(57/54)
لقد خاضت تجربة القوة في تصدير الثورة الفوضوية بتطرفها وخرافتها ولم تفلح لأسباب كثيرة منها عشوائية الشعارات وعنصريتها وغلافها الطائفي وتعارضها مع الثوابت الإسلامية الأصيلة والقيم الدينية والموروثات الاجتماعية للشعب العربي إضافة إلى تقاطعها مع الرؤى الحضارية والمدنية لشعوب الأرض .
إن نظاماً كهذا يمتلك مقومات الاستعباد باسم المذهبية والادعاءات الخاوية بالحرمان والمظلومين والاتكاء على أهل البيت عليهم السلام في تنفيذ مخططاته يشكل حتما اخطر أنواع الأنظمة وأكثرها تدميرا للبناء الحضاري الإنساني .
من المعروف عن الثورات الكبرى التي اجتاحت العالم في القرون القليلة الماضية لم تفلح بنشر عقائدها الأيدلوجية وأفكارها الفلسفية بقوة السلاح كونها حبيسة لمحيطها السايكلوجي ضمن الدائرة المغلقة لشعوبها وما إن هي حاولت ترد على أعقابها نتيجة السدود المانعة للشعوب الأخرى الرافضة لعناصر الفرض بالقوة لكل الأفكار الدينية العشوائية التي تحمل في طياتها أسباب الفوضى التدميرية.
إن النظام الديني الفاشي الحاكم في إيران عاد ليطرح تصدير ما يسمى الثورة الإسلامية بلباسها الجديد وبمنطلقات مستحدثة داخل الدهاليز الفارسية فقد أسس أحزاب دينية طائفية من الأصول الإيرانية في كل بلد عربي ممن حصلوا على الجنسية وراح يروج لها كل وسائل الدعاية ووضع تحت تصرفها خزائن الشعب الإيراني من العائدات النفطية ومولها بالمال والسلاح.(57/55)
وشكل الميلشيات الساندة والحق بها الخبراء من حرس خميني المتخصصين بكل أفانين الجريمة المنظمة مدعومين بالإعلام المضلل كالفضائيات والصحف والأبواق المأجورة لكي تظهر هؤلاء بالمحرومين من الحقوق الدستورية والقانونية في البلدان المقيمين فيها حتى يتمكنوا في نهاية المطاف بالسيطرة والتحكم على مقاليد الأمور السياسية والدينية ونشر أفكار الثورة اليائسة وبالتالي استعباد العباد وسبيها بذات الطريقة المتبعة حاليا في العراق وبهذا تكون قد خادعت العرب شعوبا وحكومات بدون أن تستخدم الأساليب التي جربتها مع العراق قبل حوالي سبعة وعشرين عاما بالعنف والقوة العسكرية .
فالمشروع النووي للإغراض العسكرية هو وسيلة ردع إستراتيجية بخدمة هذا الطموح كي يقف العرب على مفترق الطرق وما عليهم إلا الاستجابة الى مطالب هذه الفئات الإيرانية الأصل . أليست الخدعة رابحة لنصف الجهد الحربي أذا لم تكن أكثر؟
وهل الأشقاء العرب من أمرهم مدركون وعلى مستقبلهم حريصون ؟ إن الاعتقاد السائد لدى الغالبية العظمى في العالم العربي تدرك هذه الحقائق ولم يغفل عنها صناع القرار بالتأكيد وخصوصا دول الخليج العربي لأنها رؤيتها الى المتغيرات والمستجدات وما ينتج عن الأنظمة الخارجة على القانون تتعامل معها وفق منظارها المعهود في الحكمة والممارسة العميقة بالسياسة وفنونها وأسلوب المعالجة لكل ما ظاهر ومخفي.
ربما نظام الملالي يحسب عنه غافلون ومن شروره خائفون ولكن هيهات للشعوذة والدجل أن تكون لها مناصرون؟ لقد عشنا وعاشت معنا خزعبلات مماثلة في التاريخ القريب وراحت تتدحرج أدراج الرياح لان القاعدة العامة لمسيرة الشعوب لا يصح فيها إلا الصحيح وان الطوارئ عليها لن تجد مكانا إلا في مخيلة المهوسين ؟؟
المشروع الإيراني ومستقبل الشرق الأوسط
وحيد عبد المجيد – الاتحاد الاماراتية 13/2/2008(57/56)
لا يستسيغ بعض العرب الحديث عن مشروع إيراني لمنطقة الشرق الأوسط . ولا يعني ذلك بالضرورة أنهم لا يرون التمدد الذي يحدث في نفوذ إيران الإقليمي، وسعيها إلى تجميع أوراق عربية من العراق إلى لبنان وفلسطين . فطموح طهران لأن تعيد صوغ منطقة الشرق الأوسط على مقاسها ووفق مصالحها ، لا يخفى على أي متابع لما جرى في هذه المنطقة خلال الفترة الماضية .
لكن العرب الذين لا "يهضمون" الحديث عن مشروع إيراني يعترضون على استخدام كلمة " المشروع " تحديدا ً، وليس على المضمون الذي تعبر عنه في إطار هذا الاستخدام، أو المعنى المقصود بها . ويرجع ذلك إلى اعتقادهم أن مصطلح " المشروع " يحمل معنى إيجابياً ويدل على تغيير إلى الأفضل . وقد يكون هذا هو المعنى الشائع للمشروع بشكل أو بآخر . لكن شيوعه لا يعني أنه صحيح بالضرورة . فالمشروع هو فعل معين يبغى هدفا ً محددا ً. ويبدأ المشروع عادة بتصور ٍ ما ، ثم يجري الإعداد لعمل من أجل تنفيذ هذا التصور . ولذلك فهو ينطوي على فكرة وخطة وممارسة .
والمشروع، في هذا كله ، قد لا يكون إيجابياً ومفيداً إلا من زاوية أصحابه والقائمين عليه ، خصوصاً في المجالات السياسية والاستراتيجية . لكن فائدته تكون أوسع في الميادين الاقتصادية والتجارية والمالية ، كما على صعيد العلم والتكنولوجيا .
ولما كان المشروع الإيراني ، سياسياً واستراتيجيا، يهدف إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط بما يحقق مصالح طهران كما يراها حكامها الآن ، فمن الطبيعي أن يكون إيجابياً بالنسبة إليهم، بينما تغلب سلبياته أي َّ إيجابياتٍ فيه بالنسبة لمعظم العرب . وأكثر العرب خسارة من هذا المشروع هم أولئك الذين يطمحون إلى دور أكبر في صوغ مستقبل هذه المنطقة ، ويرون أن هذا المستقبل يصنعه العمل والبناء والإصلاح والمشاركة والعلم والمعرفة، وليس السلاح النووي ومعاداة الغرب .(57/57)
فهناك ، إذن، مشروع إيراني ظل محبطا ً لفترة طويلة، بعد نجاح ثورة آيات الله عام 1979. لكنه بدأ يؤتي بعض ثماره بعد أن تخلى أصحابه عن عدوانيتهم الأولى التي رافقت سعيهم إلى تصدير ثورتهم عبر إثارة القلاقل والاضطرابات في كثير من البلاد العربية . وقدمت إدارة بوش ، بأخطائها الفادحة في المنطقة، أجلّ الخدمات لهم عندما أدى إخفاقها في العراق إلى جعل جنوبه ووسطه منطقة نفوذ إيراني، ودفع جموحها أطرافاً عربية لأن تلوذ بطهران طلباً لمساندة أو عون .
وعندئذ، اشتد طموح إيران لأن تكون هي القوة الإقليمية العظمى الأولى في الشرق الأوسط ، وأن يتعامل معها العالم على هذا الأساس . وهذا هو جوهر مشروعها بشأن مستقبل منطقة الشرق الأوسط .
ولأن معظم أهل المنطقة عرب ، فمن الطبيعي والضروري أن يكون للمشروع الإيراني أبعاد عربية أساسية تتجلى في معظم الأدوات التي يعتمد عليها هذا المشروع .
فالأداة الأولى لهذا المشروع هي الإمساك بأوراق عربية مهمة ومؤثرة في مستقبل المنطقة عامة .
وبعد أن كان العراق ، رغم كل أخطاء نظام صدام حسين، حاجزاً أمام إيران ، صار هو الممر الذي تتمدد عبره بعد أن أصبح منطقة نفوذ لها على نحو لم يحلم به أبداً نظام آيات الله ولا النظام الشاهنشاهي .…
وإلى جانب هذه الورقة، والورقة اللبنانية المهمة المتمثلة في " حزب الله" وحلفائه، أمسكت إيران أخيراً بالورقة الفلسطينية ليس فقط من خلال المزايدة على الدول العربية المعتدلة ، ولكن أيضاً عبر تنمية علاقاتها مع حركة "حماس" التي استولت على قطاع غزة ليصبح امتداداً بدرجة ما لمناطق النفوذ الإيراني .
أما الأداة الثانية لمشروع إيران فهي الإصرار على تنمية البرنامج النووي . فتستغل إيران الشعور الطاغي لدى شعوب المنطقة بالغضب على أميركا وإسرائيل وافتتان هذه الشعوب بالسلاح .(57/58)
وهذا هو مغزى تحويل إيران برنامجها النووي إلى قضية كفاحية ورمز لمواجهة الهيمنة الأميركية من ناحية وإظهار تفوقها على دول المنطقة الأخرى من ناحية ثانية .
وليس مهما ً بالنسبة للمشروع الإيراني أن يصل البرنامج النووي إلي إنتاج سلاح فوق تقليدي .
فالأهم هو الإصرار على هذا البرنامج الذي يرجح والحال هكذا أن يبقى لفترة طويلة في حالة غموض مقصود ، لأنه يؤدي دورا ً سياسياً واستراتيجياً في دعم مشروع إيران الإقليمي في المقام الأول .
وتتمثل الأداة الثالثة لهذا المشروع في رفع شعار الممانعة ومقاومة النفوذ الأميركي الإسرائيلي، باعتباره شعارا براقاً يدغدغ مشاعر شعوب المنطقة ، بما في ذلك القطاعات الأوسع من الشعوب العربية، ويجعل إيران في موقع القائد الفعلي لكل من يرفض السياسة الأميركية ويسعى إلى مواجهة إسرائيل .
ونأتي إلى الأداة الرابعة التي توفرت لإيران من دون أدنى جهد ، وهي استغلال الأخطاء الأميركية والإسرائيلية للحصول على مكاسب تدعم دورها وتدفع مشروعها إلى الأمام . فقد تكفلت الولايات المتحدة بإزاحة عدو إيران الأول في المنطقة ، وهو نظام صدام حسين، بعد أن خلصتها من عدوها الأهم بالقرب من هذه المنطقة في أفغانستان . وأدى فشل إسرائيل في حرب لم تكن لها ضرورة على لبنان صيف 2006، إلى دعم نفوذ " حزب الله" وحلفائه ، وبالتالي تقوية المشروع الإيراني .
كما قاد التصعيد الإسرائيلي غير المحسوب في قطاع غزة بهدف إحكام الحصار على حركة "حماس" إلى تمكينها من كسر هذا الحصار عبر اقتحام الحدود مع مصر ومحاولة تصدير المشكلة إليها . ومما له مغزى في هذا الصدد موقف رئيس مجلس الشورى الإيراني الذي كان في القاهرة لحضور اجتماع برلمانات الدول الإسلامية في ذروة أزمة معبر رفح. فقد وقف مقيماً القرار المصري بفتح المعبر في البداية، ومثنياً عليه، وكأنه القيّم على قضية فلسطين وصاحب الحق في الحكم على أداء الدول العربية تجاهها!(57/59)
هكذا يبدو المشروع الإيراني في حالة تقدم . لكن هذا لا ينفي عنه طابعه المغامر، لأنه كان يمكن أن يتحول إلى كارثة على إيران لو أن الولايات المتحدة نجحت في العراق . غير أن فشلها هناك أضعف مشروعها في المنطقة ( مشروع الشرق الأوسط الكبير ) وفتح أبواباً للمشروع الإيراني لكي يتمدد ويكتسب أرضا ً جديدة ويتطلع إلى إعادة صوغ المنطقة . ولا يعنى ذلك أنه في طريقه إلى النجاح حتما . فمازال احتمال تحوله إلى كارثة على إيران والمنطقة قائما .
ولذلك لا ينبغي أن يكون المشروع العربي الذي نتطلع إليه من نوع هذا المشروع، وإنما يفترض أن يقوم على أسس مغايرة تماماً وأن يسعى إلى بناء قدرة عربية حقيقية، انطلاقاً من أن الدول تتبوأ مكانتها في هذا العصر اعتماداً على الديمقراطية وسيادة القانون والاقتصاد القوي المزدهر والتقدم العلمي والإنجاز التكنولوجي .
ولكي يقدم هذا المشروع بديلاً مقنعاً لما تسعى إليه إيران ، لابد أن يكون من أهدافه مواجهة الهيمنة الأميركية والأخطار الإسرائيلية ، ولكن عبر البناء والإعمار والتنمية، وليس من خلال مواجهات مفتوحة ضد الغرب، ومن خلال الاندماج في العالم من موقع الندية والتكافؤ وليس فك الارتباط معه والدخول في حروب ضده .
والمنطق الذي يقوم عليه مثل هذا المشروع هو أن العلاقة وثيقة لا تنفصم بين حياة أفضل للشعوب والقدرة على حماية حقوقها ومواجهة الأطماع الأجنبية . فالحفاظ على كرامة الأمة وعزتها يتحقق من خلال سياسات ترمي إلى حياة أفضل للشعوب ، وليس عبر سياسات الانتحار وتمجيد الموت والاحتفاء بالجثث .
ومشروع هذا طابعه يتطلب، والحال هكذا ، دعامتين :
الأولى إصلاحات سياسية جادة توفر قدراً معقولاً من الحريات العامة والفردية، وتتيح تنافساً سياسياً مفتوحاً ، وتحقق مشاركة شعبية واسعة ، وتمكن المرأة من القيام بدورها في بناء المستقبل .(57/60)
فهذه الإصلاحات هي الجديرة بأن تأخذ الشعوب العربية من حالة الإحباط والغضب والتطرف إلى الأمل والعمل والبناء .
والثانية إصلاحات اقتصادية واجتماعية تفتح الباب أمام مبادرات الأفراد الخلاقة وتطلق طاقات الشعوب المعطلة سعياً إلى رفع حقيقي لمعدلات النمو ، على أن يقترن ذلك بسياسات توزيعية تحقق قدرا ً معقولاً من العدالة . وبديهي أن هذا يتطلب إصلاحا ً تعليمياً واهتماماً بالبحث العلمي ورؤية مستقبلية للتطوير التكنولوجي .
تاريخ احمدي نجاد أو" ميرزايي" وشخصيته وتوجهاته السياسية
الملف نت - بغداد
لا يأتي أحمدي نجاد إلى العراق إلا بهدف إخراج نفسه عن العزلة في الوقت الذي أصبح فيه على أضعف موقف سياسي له على الصعيدين العالمي والإقليمي ويواجه كراهية عامة وأزمات مستعصية داخل إيران وتواجده هنا هو لاستعراض القوة تجاه العرب والعالم والسؤال المطروح لماذا تتيح دولتنا هكذا إمكانية للنظام الإيراني؟
هل أرسل لنا أحمدي نجاد شيئًا غير القنبلة والإرهاب وهل ترك شيئًا للعراق إلا الأرامل واليتامى؟. كيف يمكن أن يكون ضيفًا على العراق وهو الذي وصف ساسة العراق أمام المالكي خلال زيارته لطهران في الصيف الماضي بأنهم فسدة وفساق؟ أليس تواجد أحمدي نجاد في بغداد باعتباره أول رئيس لدولة مجاورة للعراق يزوره وهو لا يزال يكن العداء لنا يمثل إهانة وإساءة للهوية العربية للعراقيين؟
يقول محللون سياسيون للملف نت "يخطأ من يتصوّر أنه وبدعوة أحمدي نجاد وبدفع الإتاوة للنظام الإيراني يمكن تقليص جرائم ومجازر هذا النظام في العراق فالذين كانو يتفاوضون مع مبعوثيه خلال عام مضى للحد من الاغتيالات وأعمال العنف في العراق أصبحوا يعترفون الآن بأن الأسابيع الستة الأولى من عام 2008 سجلت زيادة جديدة لضلوع عناصر النظام الإيراني في أعمال العنف في العراق.(57/61)
وبينوا انه بنى سياستة الخارجية بعد وصوله السلطة بناء على قاعدة الهجوم مؤكدًا مرات عدة أن إيران يجب عليها الحصول على الدور الأول في الشرق الأوسط وفي خريف عام 2007 أعاد قوله إننا عابرون حاليًا منعطفاً ومضيقًا ونحن ثرنا لتعم أهداف وقيم الثورة العالم كله.
واوضحوا خلاصة القول إن السياسة الخارجية لحكومة أحمدي نجاد الذي يريد زيارة العراق حاليًا هي تصدير التطرف والإرهاب إلى العراق وهذه السياسة تم تنظيرها باعتماد إستراتيجية نشطة هجومية وتمرير سياسة الحصول على الأسلحة النووية وأداء دور فعال ونشط في كل من العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين أي خلق حالة الانفلات الأمني والأزمة في العراق وأفغانستان والدعم الواسع للميليشيات في العراق ولفيلق 9 بدر بالإضافة إلى إرسال كميات كبيرة من الأسلحة إلى العراق والدعم الواسع لحزب الله اللبناني.
زادوا أن هناك عدة قنوات تلفازية على أرض العراق تعود إلى أحزاب قريبة من النظام الإيراني يتم تمويلها من قبل حكومة نجاد وإذا لم تسر هذه القنوات على نهج النظام الإيراني فيتم قطع حتى الخدمات التقنية عنها من قبل العناصر الإيرانية كما إن صرف الرواتب الشهرية لـ 32000 شخص من العناصر الرسمية للنظام الإيراني في العراق لا يزال مستمرًا وغالبيتهم أعضاء في المجلس الأعلى وفيلق 9 بدر.
هل يجيء أحمدي نجاد إلى العراق لإيقاف هذه السياسة أم لتعزيزها؟.
من هو أحمدي نجاد؟
هو زعيم عصابات البلطجة القمعية التابعة لخميني في جامعة العلم والصناعة بطهران (1979),من قادة عملية اقتحام السفارة الأمريكية في طهران (خريف عام 1979),عضو وحدة إسناد الحرس في السنة الأولى من الحرب الإيرانية العراقية (1980).
المعذِب والمحقق (المستجوب) في سجن «إيفين» الرهيب بطهران (1981 – 1982).(57/62)
المسؤول عن هيئة إدارة الحرب في مقرات قوات الحرس في محافظات إيران الغربية (1983 – 1985)، عضو الوحدات الخاصة لحرب العصابات في مقر رمضان(المكلف بالتسلل إلى الأراضي العراقية وتنفيذ العمليات في عمق العراق) (1986 – 1987).
مسؤول وحدة الهندسة في الفرقة السادسة الخاصة لقوات الحرس (1983 – 1985),قائد الفرق العملياتية الإرهابية الخاصة لخارج الحدود الإيرانية بما فيها الفرق الخاصة لتنفيذ العمليات ضد زعماء الأكراد الإيرانيين (1989).
نائب القائممقام والقائممقام في مدينتي «ماكو» و«خوي» (شمال غربي إيران) خلال الثمانينات لمدة 4 سنوات,مستشار محافظ كردستان الإيرانية لمدة عامين (1991 – 1993).
المستشار الثقافي لوزير الثقافة والتعليم العالي (1993),محافظ أردبيل (شمال غربي إيران) (1993 – 1997).
أمين العاصمة طهران (من يوم 3 أيار 2003 إلى 2005)رئيس الجمهورية في النظام الإيراني (منذ عام 2005 وحتى الآن).
نشاطاته الإجرامية
قبل تعيينه أمينًا للعاصمة طهران كان يقال في أوساط النظام الداخلية أن أحمدي نجاد متورط في قتل الدكتور كاظم سامي (أول وزير صحة إيراني بعد الثورة) الذي كان من معارضي خميني.
وكتب موقع «إيلاف» يوم 28 حزيران (يونيو) 2005 يقول: كان أحمدي نجاد ضابطًا سابقًا في فيلق الحرس وأمين العاصمة طهران منذ عام 2003 وعضوًا في فرق الموت المكلفة من قبل خميني بقتل سلمان رشدي.
ونقلت إذاعة ألمانيا يوم 16 تموز (يوليو) 2005 عن مقال لـ «بهمن نيرومند» الصحفي الإيراني نشرته صحيفة «تاكس سايتونغ» الألمانية قوله: «حاليًا تم حشر اسم محمود أحمدي نجاد في ملف قتل سياسي وهو اغتيال الدكتور عبد الرحمن قاسملو الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني».(57/63)
وخلال حديث صحفي أدلى به يوم 8 تموز (يوليو) 2005 احتج بيتر بيلس الناطق باسم حزب الخضر في الشؤون الأمنية في برلمان النمسا على المدعي العام النمساوي بأنه لماذا استنكف عن الإعلان التمهيدي لبدء التحريات حول تورط محمود أحمدي نجاد في قتل الساسة الأكراد الثلاثة كاشفًا أن الحكومة الإيرانية استدعت السفير النمساوي في طهران يوم 5 تموز (يوليو) عام 2005 ومارست عليه ضغطًا شديدًا حتى أصدرت وزارة العدل النمساوية في اليوم التالي بيانًا مضللاً تمامًا أعلنت فيه أنها لن تقوم بالتحري والتحقيق ضد أحمدي نجاد.
ميرزايي كولبايكاني والجلاد (الاسم المستعار لنجاد في سجن إيفين)
بعد التشكيل الرسمي لقوات الحرس انضم أحمدي نجاد إلى هذا الجهاز وبعد اندلاع موجة قمع القوى التقدمية الإيرانية نقل أحمدي نجاد منذ عام 1981 إلى سجن إيفين حيث كان يقوم بالتحقيق مع المجاهدين والمناضلين وتعذيبهم وهو كان يدعى باسم «ميرزايي» المستعار.
وهناك سجناء سياسيون إيرانيون ناجون من سجون النظام كانوا شاهدين على أعماله ومهامه في سجن إيفين الرهيب بطهران ونشروا ذكرياتهم وما جرى بهم في وسائل الإعلام الأوربية وأطلعوا الجهات الدولية المختصة بحقوق الإنسان عليها.
فبعثت السيدة «لعياء روشن» الطبيبة الإيرانية التي تعيش الآن في فرنسا وكانت سجينة في سجني «إيفين» و«قزل حصار» بالقرب من العاصمة طهران طيلة الفترة بين عامي 1982 و1984 برسالة فاضحة تكون السلطات الكبار في الأمم المتحدة على علم بها أيضًا أشارت فيها إلى تعذيب جدة أمام حفيدها الصغير، قائلة"كانت هناك في سجن إيفين أم سجينة تدعى "طاهرة" كانت قد اعتقلت برفقة حفيدها.
لقد أمسك الدكتور ميرزايي (الاسم المستعار لأحمدي نجاد في سجن إيفين) يدها وجرها بعنف وعندما كان يجر ويقتاد الأم "طاهرة" كان حفيدها يصرخ.(57/64)
فقال ميرزايي (أحمدي نجاد) للطفل: "سوف تعود جدتك إليك بشوكولاتات حمراء اللون" وكان الجلاد القسي يقصد من ذلك أنه سوف يعيد الأم "طاهرة" مضرجة بالدم فبعد ما يقارب ساعتين أعادوا الأم "طاهرة" إلى الزنزانة وهي كجثة هامدة حيث كانت فقرات الأم قد تهشمت تحت ركلات أقدام ميرزايي بالبسطال وكانت شفتاها قد تمزقتا.
وأعد سجين سياسي آخر يدعى غلام رضا جلال الذي كان قيد السجن في سجون إيفين وقزل حصار وجوهر دشت (بالقرب من العاصمة طهران) تقريرًا فاضحًا موجهًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، كتب فيه "إني أعرف محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية في نظام الحكم القائم في إيران منذ أواسط كانون الثاني (يناير) عام 1982.
أنه كان آنذاك محققًا معي (مستجوبي) في الشعبة الرابعة من سجن إيفين الرهيب, إنه اقتادني أربع مرات حتى أواخر شهر آذار (مارس) عام 1982 إلى غرفة التعذيب للاستجواب كان قد اختار اسم "كولبايكاني" اسمًا مستعارًا له وكان المستجوبين والمحققين ينادونه باسم "كولبا". كان أحمدي نجاد وفي كل مرة من المرات الأربع من التحقيق معي يضرب ما بين 30 و40 جلدة سوط على راحة قدمي وظهري وبقية نقاط جسدي لغرض انتزاع الاعتراف والمعلومات مني حول المجاهدين الآخرين.
وانتقل في عام 1982 إلى قفص 209 في سجن إيفين للعمل فيه وهناك كان يطلق على نفسه اسم «ميرزايي» المستعار. كنت في القفص الـ 209 في زنزانة واحدة مع المجاهدين الشهيدين إبراهيم فرجي بور ومصطفى نيك كار (مرشح منظمة مجاهدي خلق الإيرانية للدورة الأولى للبرلمان الإيراني بعد الثورة من مدينة شهسوار شمالي إيران).
كان أحمدي نجاد يأتي إلى زنزانتنا مرات عديدة مع الجلاد الشهير (لاجفردي) لممارسة الضغط مرارًا وتكرارًا على المجاهدين الشهيدين البطلين إبراهيم فرجي بور ومصطفى نيك كار اللذين كان أحمدي نجاد هو أول من يقف وراء إعدامهما.(57/65)
رجل الـ" ألف رصاص رحمة"
كتب موقع "أنتلكتوال كانسرواتيو" (المثقفون المحافظون) يوم 14 تموز (يوليو) 2005 إن الرهائن الأمريكان السابقين الستة الذين كانوا محتجزين لدى النظام الإيراني لمدة 444 يومًا تعرفوا على أحمدي نجاد في صورة يبدو هو فيها واقفًا بجانب أحد الرهائن وبسبب كثرة مشاركته في عمليات الإعدام وإطلاق رصاصات الرحمة على أكثر من ألف سجين معدوم كان قد حطّم الرقم القياسي في هذا المجال بين أفراد الحرس الذين كانوا قد لقّبوه بـ «رجل ألف رصاص رحمة».
نجاد البلطجي
في السنة الأولى بعد الثورة المناهضة للملكية كان أحمدي نجاد من الطلاب أنصار خميني في كلية العلم والصناعة بطهران وكان يشارك في لقاءات خميني مع الطلاب الموالين له ممثلاً عن أنصار خميني في الكلية المذكورة وفي تلك اللقاءات وبعد كلمات خميني خططوا لهجمات الشقاوات والبلطجة على مكاتب الأحزاب والقوى السياسية والنساء والفتيات في الشوارع وكذلك على السفارات الأجنبية ومنها السفارة الأمريكية في طهران حيث احتجزوا أعضاءها كرهائن لمدة 444 يومًا بالإضافة إلى الهجوم على الجامعات وإغلاقها. وهو من مؤسسي الجماعة المسماة بـ "أنصار حزب الله".
قاتل حكومي بأيد ملطخة بالدم
وكتبت مجلة "لوبوئن" الفرنسية يوم 3 تموز (يوليو) 2005 ان الرئيس الإيراني الجديد أحمدي نجاد قاتل حكومي بأيد ملطخة بالدم... وحسب المعتاد ستقلل الحكومات مما جرى... إنه متورط شخصيًا في عدة عمليات خاصة جدًا منها قتل عبد الرحمن قاسملو زعيم كردي إيراني في عام 1989 في فينا ثم في خطة لقتل سلمان رشدي,لذلك ليس الرئيس الإيراني ذلك الشخص المتواضع المتدين كما تصفه بعض من وسائل الإعلام إنه شخص يمارس العنف وأيديه ملطخة بالدم إنه قاتل حكومي لا يعرفه جيدًا عامة الناس، ولكن الأجهزة الاستخبارية تعرفه جيدًا.؟.
زعيم فرق الاغتيال(57/66)
بعد المجازر الواسعة البشعة التي ارتكبها النظام الإيراني بحق السجناء السياسيين خلال الفترة بين عامي 1981 و1983 تم نقل أحمدي نجاد إلى الوحدات الحربية التابعة لفيلق الحرس في المناطق الحدودية وبعد توليه مناصب في الوحدات الإسناد والهندسة تطوع في عام 1986 للعضوية في لواء الحرس الخاص وانضم إلى دورات التدريب الخاصة لحرب العصابات في مقر «رمضان» (الخاص لتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية في العراق) ثم شارك في عمليات إرهابية في كركوك. وكان في عام 1989 عضوًا في فريق اغتيال عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني آنذاك وبعد انضمامه إلى مقر «رمضان» عمل فيه كمسؤول عن الهندسة القتالية للفرقة السادسة الخاصة التابعة لفيلق الحرس ومسؤول عن مقر إدارة شؤون الحرب في المحافظات الإيرانية الغربية في فيلق الحرس.
الدور الإرهابي لـ" نجاد "عن لسان شاهد
كتبت صحيفة "إلموندو" الإسبانية في عددها الصادر يوم 27 حزيران (يونيو) عام 2005 "إن الرئيس الإيراني المنتخب متورط في اغتيال قياديي المعارضة الكردية الإيرانية (الدكتور قاسملو ورفاقه).
ويقول صحفي إيراني كان على صلة بجهاز التجسس الإيراني وهرب مؤخرًا من إيران إن أحمدي نجاد وخلال عملية اغتيال الدكتور قاسملو قد سلّم السلاح لمنفذي العملية وشارك في التخطيط لعملية الاغتيال ودعوة قاسملو إلى العاصمة النمساوية تحت يافطة الحوار للحل السلمي للقضية الكردية وقام أحد منفذي خطة الاغتيال وهو «ناصر تقي بور» عضو المجموعة الخاصة التابعة لقوة «القدس» بتسريب هذه المعلومات للصحفي الإيراني الهارب وطلب منه أن يوصل هذه المعلومات إلى أسماع العالم في حال وفاته. وبعد مدة من تسريبه هذه المعلومات إلى المصدر المذكور لقي تقي بور حتفه جراء غرقه في نهر «كارون» (في محافظة خوزستان – جنوب غربي إيران) في حادث مشبوه وغامض.(57/67)
وفي ما يلي جزء من تصريحات الصحفي الإيراني المقيم في فرنسا (شاهد D) نقلاً عن ناصر تقي بور عضو فريق اغتيال عبد الرحمن قاسملو (وقد تم الإفادة بهذه التصريحات لدى السلطات القضائية والسياسية النمساوية والألمانية والفرنسية كشهادة):
في أواخر عام 2001 زودني أحد ضباط فيلق الحرس الإيراني وهو يدعى ناصر تقي بور بمعلومات وطلب مني أن أنشر هذه المعلومات في حال تعرضه لحادث ما وعلّل ذلك قائلاً"يحتمل أن تقوم إدارة فيلق القدس (الذي كان هو من ضباطه القدامى) بتصفيتي الجسدية لسبب نشوب خلافات بيني وبين قيادة الفيلق وذلك بهدف الحفاظ على أسرار النظام الأمنية".
كان انطباعه صحيحًا، لأنه وبعد مدة قتل عند قيامه بعملية الغوص في نهر كارون والعضو الآخر في فريق الاغتيال والمدعو «عسكري» أيضًا قتل في عام 2003 جراء تعرضه لإطلاق الرصاص عليه عند دخوله موقع عمله. وقالوا: إنه أصيب بالرصاص نتيجة عدم توخي الحارس للحيطة والحذر! وقال: لم تسنح لي أية فرصة حتى الآن لأتمكن من نشر هذه المعلومات.
ويقول ناصر تقي بور: «في عام 1988 كلف رفسنجاني رئيس الجمهورية آنذاك فيلق القدس بمهمة ما لأن العمليات خارج الحدود كان يتولاها فيلق القدس يذكر أنه وقبل تشكيل جهاز الاستخبارات الخاص للقيادة كان رئيس الجمهورية هو الذي يبلغ الأفراد والأجهزة بمهامها بعد موافقة القيادة عليها. وحتى قبل وصول رفسنجاني إلى سدة الرئاسة ولكونه نائب القائد العام للقوات المسلحة أيضًا كان هو الذي يبلغ الجميع بمهامهم.(57/68)
وكانت كل مهمة يتم إبلاغ قائد فيلق القدس بها بواسطة محسن رضائي القائد العام لقوات الحرس آنذك. وكانت إحدى المهمات هي التصفية الجسدية لقياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني بسبب أنهم كانوا يشكلون مخاطر على الجمهورية الإسلامية. وكان مخطط العملية أحد الأعضاء القدامى في فيلق القدس وهو المدعو «الحاج غفور» الذي يتولى حاليًا منصب رئيس حماية هيئة الإذاعة والتلفزيون للجمهورية الإسلامية.
وطبقًا للخطة كان من المفترض أن يتم تنفيذ العملية على مرحلتين: ففي المرحلة الأولى تم ونيابة عن الحكومة تقديم عرض الحوار للتوصل إلى اتفاق حول القضية الكردية أو قضية كردستان الإيرانية إلى الدكتور عبد الرحمن قاسملو زعيم الحزب الديمقراطي. كان من المفترض أن يتم التوصل إلى اتفاق صوري في هذه المرحلة.
وفي المرحلة الثانية أي بعد عدة أشهر كان من المفترض إجراء المفاوضات والتوصل إلى اتفاق نهائي وتوقيع الاتفاقية. ومن المفترض أن يتم في هذه المرحلة تنفيذ عملية اغتيال قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.
فلهذا الغرض تم تشكيل ثلاث فرق: فريق للتفاوض وكان الحاج غفور المدعو باسم «أمير منصور بزركيان» المستعار عضو هذا الفريق وضابط الارتباط مع فريقي الاغتيال. فريقان للاغتيال أحدهما يضم كلاً من ناصر تقي بور وعسكري والآخر بإشراف محمود أحمدي نجاد.
وأصبح أحمدي نجاد ضابط ارتباط للفريق الأول مع السفارة الإيرانية في فينا. وهو قبض السلاح من السفارة وأعطاه لعضوي فريق الاغتيال.(57/69)
وحسب الخطة، أجريت الدورة الأولى للمفاوضات خلال يومي 28 و30 كانون الأول (ديسمبر) عام 1988 في العاصمة النمساوية فينا. وبعد 7 أشهر أي في تموز (يوليو) عام 1989 تم إجراء الدورة الثانية للمفاوضات في فينا أيضًا. وقبل موعد بدء المفاوضات بأسبوع دخل كل من ناصر تقي بور وعسكري أراضي النمسا عبر الإمارات العربية المتحدة وبجوازات سفر أوربية. والسفارة الإيرانية تزودهما بالسلاح وحاجاتهما الأخرى بواسطة أحمدي نجاد. والحاج غفور يطلعهما على مكان وموعد إجراء المفاوضات. وقد غيّر الوفد الكردي موعد المفاوضات وموقعها عدة مرات مما خلق مشاكل. فطلب فريق الاغتيال من الوفد المفاوض أن يطيل مدة التفاوض بقدر ما يمكن لتتوفر الفرصة الملائمة لتنفيذ مهمة القتل، وهذه الفرصة توفرت بعد ظهر يوم 13 تموز (يوليو) عام 1989.
فترك عضو في الوفد المفاوض يدعى مصطفوي الباب مفتوحًا فدخلت أنا وعسكري موقع المفاوضات من دون أية مشكلة حتى فتحنا النار على قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (قاسملو وقادري والشخص الثالث المدعو فاضل الذي كان كرديًا عراقيًا وأستاذ جامعة في فينا).
ولم يجد قاسملو فرصة حتى للنهوض من مقعده. فقتل هو والآخران وبسبب كون موقع التفاوض مظلمًا أصيب المدعو جعفري صحرارودي بجروح وهو من أعضاء فريق التفاوض ومن قادة فيلق الحرس آنذاك ونائب سكرتير مجلس الأمن القومي الأعلى في النظام الإيراني حاليًا.
فسرعان ما غادرت أنا وعسكري موقع عملية القتل وخرجنا من النمسا. فنقلوا جعفري صحرارودي إلى المستشفى حتى أطلقوا سراحه بعد 24 ساعة وإثر تدخل سفارة الجمهورية الإسلامية في فينا فانتقل صحرارودي إلى مقر السفارة واحتمى به.(57/70)
وبعد مدة تم إعادته إلى إيران. وفي جلسة توجيهية عقدت في طهران قبل التوجه لإنجاز المهمة وقدم فيها الحاج غفور توجيهات لأعضاء الفريق الثلاثة كان أحمدي نجاد يطرح مشاكل ربما كانت تعترض سبيلنا وكان الحاج غفور يجيب عليه. وفي الختام قال الحاج غفور: كل شيء تم إعداده ولن نواجه مشكلة من جانب النمسا فنحن نذهب لننجز المهمة ولن نحرك ساكنًا.
رئيسًا لحكومة القتلة والإرهابيين
إن بور محمدي وزير الداخلية في حكومة أحمدي نجاد هو من رؤوس منفذي المجازر بحق 30 ألف سجين سياسي في عام 1988 حيث كان وبصفته وكيلاً لوزارة مخابرات النظام آنذاك قد ساهم في إعدام كل من سجناء سجني إيفين وجوهر دشت في السنة المذكورة.
كما كان بور محمدي من آمري ومخططي مسلسل عمليات القتل السياسية في عام 1999 والتي تم خلالها قتل واغتيال كتاب ومثقفين معارضين للنظام.
كما إن المدعو «محسني إيجئي» وزير المخابرات في حكومة أحمدي نجاد هو الآخر من مرتكبي مجازر السجناء السياسيين ومن المتورطين في مسلسل عمليات القتل السياسية.
يذكر أن العديد من وزراء حكومة أحمدي نجاد هم من قادة الحرس السابقين وقوة «القدس» الإرهابية وخلال السنوات الأخيرة أسند أحمدي نجاد لعديد من أعضاء فيلق الحرس مناصب حكومية بما فيها المحافظ والوزير ونائب الوزير والسفير.
إيران المنتصرة دون إطلاق رصاصة واحدة
التايمز 4/3/2008(57/71)
إهتمت صحيفة التايمز البريطانية بزيارة الرئيس اإيراني محمود أحمدي نجاد إلى العراق حيث نشرت مقالا تحت عنوان: العراق نضج للهيمنة الايرانية، ان من حق نجاد ان يظهر في هيئة المعتد بنفسه في نهاية زيارته للعراق، ليس فقط لانه كان اول رئيس ايراني يزور بغداد، بل لانه خطا خطوة كبيرة باتجاه تحقيق انتصار لم يتحقق لآية الله الخميني عراب الثورة الايرانية. فقبل ما يقرب من عشرين عاما اذعن الخميني للهزيمة في الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثمانية اعوام، وبعد مقتل ما يقرب من مليون انسان من كلا الجانبين، وقد قارن الخميني قبول الهزيمة بتجرع السم، ومات الرجل في السنة التالية.
ويقول محرر التايمز ان احمدي نجاد لاحظ انه اثناء ترحيب الرئيس العراقي جلال الطالباني، او مام (العم) جلال كما يعرف في العراق، له خلال الزيارة، ان العراق بات ناضجا ومهيئا للسيطرة والهيمنة الايرانية. ويستنتج المحرر انه في الوقت الذي وجهت فيه انتقادات واسعة لغزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة، ظهرت ايران بوصفها المستفيد الرئيسي من هذا الصراع.
فنظام صدام حسين البعثي، العدو اللدود لايران، قد زال وحل بدلا منه نظام بقيادة شيعية، قيادة اكثرها كانت منفية في طهران وكان للاخوة الايرانيين سطوتهم عليها، والايرانيون يأملون في ان يترجمون هذه السطوة إلى علاقة جديدة على الارض، وخصوصا في جنوبي العراق، الغني بالنفط والذي يسيطر عليه الشيعة.
وفي هذا السياق اعلن احمدي نجاد في العراق عن مجموعة مبادرات تقرب العراق إلى ايران اكثر فاكثر، منها القروض والاتفاقات الجمركية، والمشاركات النفطية، والمنطقة التجارية الحرة، إلى جانب بناء مطار في النجف لخدمة زوار العتبات الشيعية، إلى جانب امكانية تزويد البصرة بالكهرباء.(57/72)
ويقول محرر التايمز ان الهدف واضح، فبدون الحاجة إلى اطلاق رصاصة واحدة، اصبحت ايران حليفا لا غنى عنه وشريكا تجاريا للعراق، وفي مقابل فشل الجهود البريطانية في جنوبي العراق، تعهد الايرانيون بتقديم كل شيء، من السلع التجارية إلى الطاقة الكهربائية، كما انهم يمولون، وراء الستار، المليشيات الشيعية، وهي القوة الحقيقية الفعلية على الارض هناك.
ومن انتصار ايراني في العراق إلى انتصار غربي عليها في اروقة الامم المتحدة، حيث تقول التايمز ان النصر المتحقق في مجلس الامن الدولي لفرض مزيد من العقوبات على ايران تمثل في تصويت 14 من اعضاء المجلس مقابل امتناع اندونيسيا، وهو ما اعتبرته الصحيفة صفعة لطموحات ايران النووية.
وتقول الصحيفة ان مضمون العقوبات ليس كبيرا لكنه مع ذلك يمثل تقدما مهما مقارنة بالقرارين السابقين، والاهم من هذا وذاك هو التوقيت، فمع اقتراب الانتخابات البرلمانية الايرانية، المنتظر اجراؤها خلال اقل من اسبوعين، سيكون من الصعب على الرئيس احمدي نجاد ان يبدو متفائلا بعلاقات بلاده مع العالم الخارجي، في وقت ترتفع فيعه اسعار المواد الغذائية والوقود داخل ايران.
التوسع الايراني خطر داهم
حسن راضي
أصبحت مخططات إيران عبر سياساتهم اليومية الهادفة إلى بناء الإمبراطورية الفارسية على حساب دول المنطقة جلية للعيان ولن تتمكن إيران من إخفائها وأحيانا تعترف بها بحجة الدفاع عن مصالحها في المنطقة. كاعتراف محمد خاتمي رئيس جمهورية إيران السابق ومستشاره محمد علي ابطحي بدورهم ومشاركتهم الى جانب الولايات المتحدة باحتلال العراق وأفغانستان.
و ما يدور اليوم و منذ احتلال العراق من مذابح و تدمير كل شيء على ارض العراق بأياد إيرانية أو بالوكالة عنهم وما يدور في لبنان من فوضى سياسية تعبث بها مجموعات مدفوعة من قبل إيران نموذجان من تدخل إيران في كلا البلدين.(57/73)
كما لا يخفى على احد دورهم السلبي في فلسطين واليمن والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت. ومطالبتهم العلنية بملكية البحرين والكويت والعراق وغير العلنية تمتد من الخليج حتى مصر تنفيذا لمخططاتهم التوسعية.
تستخدم إيران وسائل عدة للوصول إلى تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة أهمها:
- التدخل بشؤون البلدان العربية عن طريق التغلغل وزرع الفتنة و أثارتها في الوقت المناسب لتشغل المنطقة والعالم عن طموحها (النووي والتوسعي) مثل ما فعلت في صيف العام 2006 بتحريك حزب الله لإشعال حرب مفتعلة مع إسرائيل دفع ثمنها اللبنانيون باهظا بالأرواح والممتلكات قبيل اجتماع مجلس الأمن لإصدار قرار دولي ضد إيران بشان ملفها النووي و بالفعل تمكنت إيران من تأخير ذلك القرار بانشغال العالم برمته بتلك الأزمة بما فيه مجلس الأمن.
وما يدور في العراق من حرب أهلية طائفية هدفها تمزيق العراق وعدم استقرار الوضع الأمني والسياسي بغية تقسيمه وضم الجنوب لها في المرحلة الراهنة صورة حقيقية على ارض الواقع للمخطط الإيراني.
- يلعب الجهاز الاستخباراتي الإيراني دورا كبيرا في تحقيق ذلك المشروع وتحت مسميات اقتصادية ودينية في عدد من البلدان العربية عن طريق الهجرة الفارسية المنظمة للبلدان الخليجية بالتحديد وشراء الممتلكات التجارية والسكنية بمخطط الاستخبارات الإيراني من قبل الفرس الحاملين الجنسيات الأميركية والأوروبية والإيرانية على حد سواء هي بداية ملموسة لذلك المشروع.
- ووجود 10 آلاف شركة إيرانية في دبي وحدها لا يمكن قبول هذا العدد الضخم بحجج تجارية بحتة. إضافة لوجود آلاف المساجد والحسينيات الإيرانية في البلدان العربية لغسل أدمغة العرب وتحويلهم إلى أدوات إيرانية للدفاع عن مشاريعها وأهدافها هناك.(57/74)
وتصل عدد الحسينيات في الكويت وحدها وحسب مصدر حكومي كويتي إلى 800 حسينية بما فيها البيوت التي تستخدم للغرض نفسه. تدعم وتشرف على الشركات التجارية الإيرانية والحسينيات في البلدان العربية السفارات والقنصليات الإيرانية خاصة قسم الشؤون الثقافية الذي تديرها الاستخبارات بشكل مباشر.
وما تقوم به القوات الايرانية في العراق في هذا المجال فلا يمكن إحصاؤه حيث وصل عدد المساجد التي صودرت وتم تحويله الى حسينيات 189 في بغداد وعموم المحافظات الجنوبية خلال ثلاث سنوات فقط بعد الاحتلال الاميركي للعراق.(صحيفة "الحياة" اللندنية الثلاثاء 19/12/2006.
كما استغلت إيران حالة الفقر في بعض البلدان العربية مثل سورية والسودان فقامت تبذر بلايين الدولارات لغسل الأدمغة حتى تصبح تابعة للأفكار الصفوية حيث إن قرى سودانية تشيعت بأكملها وانتشرت الحسينيات في أنحاء السودان. (تصريحات المجلس الأعلى للتنسيق بين الجماعات الإسلامية خلال مؤتمر صحافي عقدته في العاصمة الخرطوم وبدراية من السلطات - موقع ابن الخليج).(57/75)
وأما الأدوات التي تتبعها الأجهزة الإيرانية في سورية هدف نفسه هي: دفع الأموال لمن يتشيع- عروض الزواج للشباب وتحمل تكاليف ذلك- منح العطايا الضخمة لرؤساء العشائر مثل السيارات والأموال الضخمة لهم و لعشيرتهم لمن يتشيع- دعوتهم لدراسة العلوم الشرعية ( الشيعية ) داخل سورية وخارجها- إقامة الحسينيات والمساجد والحوزات في القرى والمدن- إقامة الجامعات في سورية الخاصة بهم ( مثل جامعة أل البيت - في مدينة الثورة - الطبقة)- إقامة المراكز العلمية الكبيرة والخاصة بالتشيع ( مثل مركز السيدة زينب في دمشق - مركز المشهد في حلب- مركز عمار بن ياسر في الرقة - ( وهو مركز ضخم القيم على قبر سيدنا عمار بن ياسر). [المصدر: المركز الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية - موقع الملتقى السوري). و هل يمكن لنا أن نصدق إيران ان تصرف الأموال الهائلة على الحسينيات و ما شابه لأغراض دينية فقط.!
فهذه مخططات و سيناريوهات إيران و بعض أدواتها التي أصبحت مكشوفة تجاه المنطقة و الدول العربية فما مخططات الدول العربية للدفاع عن نفسها و لجم الخطر الايراني؟…
في اعتقادي تمتلك الدول العربية أدوات هائلة و كثيرة للضغط على إيران و تحجيم دورها في المنطقة إذا ما أرادت التحرك و هو التحالف مع الدول المتضررة من إيران خاصة في هذه الفترة التي طغي ملفها على السطح بما فيه النووي و التوسعي والعمل على التحالف بين الجهات الثلاثة وهي الدول العربية والدول المتضررة والشعوب غير الفارسية في إيران وهم العرب الاحوازيون والأتراك الاذربيجانيون والبلوش والتركمان والأكراد ودعم جبهتهم الموحدة المتمثلة "بجبهة الشعوب المضطهدة لحق تقرير المصير" في ايران.(57/76)
إضافة على تحصين البيت الداخلي العربي من الناحية العقائدية و هناك مصلحة مشتركة تجمع كل الأطراف لتقليم مخالب إيران الطويلة التي امتدت إلى كل الدول العربية من الخليج العربي حتى المحيط. وهذا المثلث المتكامل إذا توفرت له الظروف العينية للتنسيق والتحالف سيكون الكفيل و الرادع الحقيقي للمخطط الفارسي و التخلص منه والى الأبد.
هذا النموذج الناجح حصل في نهاية القرن الماضي مع الاتحاد اليوغسلافي حينما تحالفت الولايات المتحدة و الدول الأوروبية والشعوب التي كانت تخضع للسيطرة الصربية (اليوغسلافية) للتخلص من الدولة اليوغسلافية وأصبحت الشعوب مثل الجبل الأسود والبوسنة والهرسك والألبان دولا مستقلة والكوسوفو في طريقها إلى الاستقلال.….
شاهد الخريطتين الفارسيتين المنتشرتين بشكل علني و هناك ادعاءات خفية حول امتلاك بعض الاراضي العربية خاصة في الضفة الغربية للخليج العربي. هذه الحدود الفارسية كما يدعون ويسعون الى تحقيقها على ارض الواقع.
•…كاتب من الأحواز
حزب الله إيران»:
ما الفرق بين فلسطين وإسرائيل إن لم تسر في طريق أهل بيت النبوة؟
طهران - «الراي»: 4/3/2008م
في تصريحات صحافية تعبر عن مدى الفكر المتطرف لهذه الجماعة السياسية، أعرب الأمين العام لـ «حزب الله إيران» رجل الدين المتشدد سيد محمد باقر خرازي، عن أمله في أن يكون الرئيس المقبل من رجال الدين، مشدداً على معارضته لاستئناف العلاقات مع أميركا.
وقال «أن كلا من التيار المبدئي (المحافظ) والإصلاحي، يرغب باستئناف العلاقات مع أميركا».
وانتقد خرازي معظم القوى السياسية الفاعلة في إيران، واتهمها بالعمل على «خداع الشعب». وتابع: «في الفترة التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية، فان البلاد لم يتم إدارتها وفق أسس سلطة الدين والقيم الدينية، وحسب الظاهر، أن جهل معظم المسؤولين بالعلوم الدينية أفضى إلى تعطيل تنفيذ المبادئ الأساسية للدين».(57/77)
وأضاف: «من المؤسف أن القوى السياسية المبدئية والإصلاحية تقوم باستغلال القائد الأعلى والحاكم الديني في شكل أداة، وهي لتحقيق مصالحها تزعم كذباً أنها تتبنى الخط الفكري للقائد الأعلى». وشدد على «إن تلوث التيارات السياسية، تسبب في زيادة مشاعر عدم الثقة لدى المواطنين تجاه المسؤولين».
وحمل على تيار المبدئيين، قائلا «إن الفكر الغربي محسوس لدى كلا التيارين المبدئي والإصلاحي، وان التيار المبدئي الذي يزعم الدفاع عن القيم ، يقدم أحياناً على اتخاذ أسوأ الخطوات المنافية لهذه القيم، وان كل عناصر هذا التيار يرون في أنفسهم قادة ورؤساء جمهورية، ولو طاولت أياديهم القائد الأعلى لادعوا القيادة العليا أيضاً، لا يوجد فيهم من يدعي أنه جندي، كلهم قادة بدون عسكر، مع ذلك يزعمون امتلاكهم عسكراً عظيماً». كما وجه خرازي انتقادا للحكومة بسبب مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني، وقال: «قدمنا كل أشكال الدعم لقوى التحرر الإسلامية، لكن ما الذي حصلت عليه إيران؟ وإذا كنا نقدم اليوم الدعم لفلسطين فيجب على فلسطين أن تسير في طريق أهل بيت النبوة، وإذا لم يحصل ذلك فما هو الفرق بينها وبين إسرائيل؟ إلى متى تبقى مائدتنا مبسوطة أمام الآخرين في حين أن الشعب الإيراني يتضرع جوعاً».
وعرض لانتقادات بعض رجال الدين المحافظين للشباب الذين يقلدون الغرب في الملبس والتصرفات واتهامهم بان لا دين لهم، وقال انه يرفض مثل هذه المواقف، وأضاف «إن شعرة عفنة لشاب شيعي وإيراني يرتدي الملابس الغريبة لهي أفضل من العالم بأسره». ورأى أن قائمة مرشحي حزبه للانتخابات التشريعية المقررة في 14 الشهر الجاري، ستحصل على غالبية الأصوات، معتبرا أن «لا حظوظ لفوز مرشحي التيارين المبدئي والإصلاحي في الانتخابات المقبلة».
لنقطع لسان الكذب الايراني
الملف نت 1/3/2008(57/78)
اتهم رئيس جهاز المخابرات العراقية، أجهزة المخابرات الإيرانية وعملاءها في العراق، بالسعي لإجهاض تجربة (الصحوة) في العراق، والذي يهمنا هنا، ليس نجاح أو فشل هذه التجربة فنحن لدينا عليها الكثير من المآخذ، وإنما تدخل الأجهزة الإيرانية في الشأن العراقي صغيره وكبيره، وباعتراف المسؤولين العراقيين أنفسهم، وبما يشبه الإجماع، فوزارة النفط وهيئة النزاهة العراقية، تتهم الأجهزة الرسمية الايرانية في وزارة النفط بالحفر المائل لسرقة النفط العراقي من آبار النفط في داخل الأراضي العراقية.
وحرس الحدود العراقي يتهم حرس الحدود الإيراني بإزالة علامات الحدود بين البلدين في مسعى واضح لإضاعة معالمها المثبتة بدلالات، وبنية مفضوحة للاستيلاء على المزيد من الأرض العراقية، ويتهمون الأجهزة الرسمية الايرانية بالتمدد في شط العرب.
وشرطة الحدود العراقية تتهم شرطة الحدود الإيرانية بتسهيل تسلل اللصوص والمهربين وحمايتهم، وترويج تجارة الأدوية الفاسدة التي اكتشف قبل أيام قليلة ستون طنا منها في منطقة الكاظمية وحدها ببغداد، وقد أعلن الصيادلة العراقيون الذين زار وفد رفيع منهم طهران لمناقشة هذا الموضوع، عن عدم جدوى الحديث مع السلطات الصحية الإيرانية بهذا الشأن.(57/79)
أما تجارة الأغذية الفاقدة الصلاحية فحدث ولا حرج والضحية هو المواطن العراقي وتعترف أجهزة الرقابة في وزارة التجارة العراقية بأنها لا تستطيع وقف النشاط الإيراني في هذا المجال، وآخر ما سمعناه من نشاط لا إنساني إيراني في العراق بعد العديد من النشاطات اللاإنسانية في المجال الصحي من حيث ترويج إدمان المخدرات والأمراض الجنسية، هو تهريب الأعضاء البشرية!! وسرقة الأطفال العراقيين لهذا الغرض!! ومن المستحيل التصديق، ان كل هذه الأمور تجري دون علم السلطات الإيرانية، اذا لم نقل بأمر منها، فوزارة الصحة الايرانية تنكر علمها، ووزارة التجارة تنكر وحرس الحدود والشرطة والجيش ينكرون واجهزة المخابرات تنكر.
والسفير الايراني انكر بالامس ما ذكره محافظ البصرة عن ضلوع المخابرات الايرانية في محاولة اغتياله وشقيقه ووزارة الخارجية تنكر ورئاسة الجمهورية تنكر والحقيقة تقول بكل صدق انهم يكذبون وهم يعرفون انهم يكذبون ويتقنون الكذب ويلحفون فيه، ونحن العراقيين نعلم ذلك عنهم، ولهذا يتساءل الشارع العراقي يوميا عن الكذبة الإيرانية الجديدة لهذا اليوم غير التي سمعها بالامس، وعن نوعية الاكاذيب التي سيأتي بها نجاد الى بغداد وهو يغتال الأرض العراقية بانفاسه الكريهة.
نحن نتوقع منه كل شيء، كل شيء حتى لو كان زمن الزيارة ساعة او اقل بدلا من يوم واحد كما يعلن رسميا في محاولة لتخفيف الغضب العراقي من هذه الزيارة ورفضه لها، 24 ساعة، يمكن ان تتسع لآلاف الاكاذيب التي تفوق عدد أنفاسه التي سيسرقها من فضاء العراق وينفث فيه سمومه، وكم تمنينا ان يرتفع مسؤولنا العراقي الى مستوى مسؤوليته ولا يكتفي بكشف الالاعيب والاكاذيب الايرانية في العراق، كما فعل محافظ البصرة ورئيس المخابرات العراقية وآخرون، بل يعمل على قطع لسان الكذب الذي يدور في فم ملالي طهران.
نجاد في ضيافة الاحتلال الامريكي
فهد الخيطان – العرب اليوم 3/3/2008(57/80)
زيارة الرئيس الإيراني لبغداد استفزاز للشارع العربي وتتناقض مع سياسات طهران المعلنة بقدر ما يحظى موقف ايران الى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان باحترام في الشارع العربي يقابل موقفها في العراق بالاستنكار والسخط.
لم يجرؤ زعيم عربي أو اسلامي متشددا كان أو معتدلا على زيارة بغداد وهي تحت حراب الاحتلال الامريكي, لكن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عدو أمريكا والداعي إلى إزالة إسرائيل من الوجود يحل ضيفا على حكومة الاحتلال الأمريكي في بغداد متجاهلا وجود أكثر من 160 ألف جندي أمريكي على أرض العراق تسببوا في مقتل نحو مليون عراقي.
زيارة استفزازية بكل المعايير تتناقض مع المواقف الإيرانية المعلنة تجاه أمريكا وسياستها العدوانية في المنطقة, فلم يدخل بغداد بعد الاحتلال من الرؤساء غير بوش وبلير وهاورد وأخيرا أحمدي نجاد, وهي تأتي في وقت يشتد فيه العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا على غزة.
كان بعض المتحمسين لإيران في الشارع الأردني يجادلون حول دورها في العراق والعديد من المؤيدين لسياستها العنيدة تجاه واشنطن لم يترددوا عن لومها على دورها في إذكاء الصراع الطائفي في العراق, لكن زيارة نجاد أمس إلى بغداد تبدي ما هو أسوأ في الموقف الإيراني.
من الناحية المبدئية تشير الزيارة إلى تفاهم إيراني أمريكي حول مستقبل العراق وتقاسم مدروس للأدوار على حساب وحدة العراق وعروبته ومن الناحية السياسية تعد الزيارة دعما إيرانيا على أعلى مستوى لحكومة المالكي بكل ما اقترفت بحق العراقيين ومحاولة مكشوفة لاسنادها قبل أن تقع تحت سلسلة الفضائح الأمنية والمالية.
وها هو أحمدي نجاد يلعب على الطريقة الأمريكية فقبل أن يصل بغداد أعلن أنه بصدد إقراض الحكومة العراقية مليار دولار لمواجهة المأزق الاقتصادي والسياسي.(57/81)
كانت إيران تنفي على الدوام ما يقال عن دور لها في الاقتتال الطائفي الدائر في العراق وتؤكد معارضتها لاستمرار الوجود الأمريكي في العراق. الزيارة تنسف مصداقية هذا الموقف وتؤكد بالدليل القاطع أن إيران تدعم حكومة طائفية تابعة للاحتلال ولا تعارض »الوجود« الأمريكي في العراق. فهل يعقل أن دولة تواجه عدوانا وشيكا من أمريكا يزور رئيسها بلداً تحتله القوات الأمريكية ويهبط بطائرته وسط حماية المقاتلات الامريكية ويتنقل في »المنطقة الخضراء« ومن حوله جنود المارينز.
لم تعد الازدواجية في المواقف الإيرانية مفهومة فإذا كان ما يجري في فلسطين عدوانا واحتلالا وإذا كان ما جرى للبنان صيف 2006 عدوانا إسرائيليا أمريكيا وهو كذلك فماذا تسمون ما حدث ويحدث للعراق.
زيارة أحمدي نجاد للعراق المحتل تؤكد صحة ما يقال في الشارع العربي بأن العراق يخضعلاحتلالين أمريكي وإيراني, وتحرج قوى المقاومة في لبنان وفلسطين, وتعطي حججا قوية لأصحاب نظرية »الخطر الايراني« على المنطقة.
قبيسيات سوريا
راما الجرمقاني – السجل 14/ 2/2008
دمشق - حين قررت “لينا “ ارتداء الحجاب، لم تكن تعلم أن طريقة ربطه ستضايق بعض الفتيات في الجامعة، وأن عقد حجابها بطريقة تبقيه منفوخاً قليلاً من الأمام سيجعلها تنتمي، دون علمها، إلى جماعة نسائية متدينة في سورية تسمى “القبيسيات”.
“لينا “ الطالبة في كلية الإعلام بجامعة دمشق، قررت تغيير طريقة ارتدائها للحجاب بعد أن قامت إحدى الفتيات “القبيسيات” بتنبيهها خلال وجودها في مصلى الجامعة إلى أنها إذا أرادت إبقاء عقد حجابها بهذه الطريقة فعليها أن تلتزم “بتوابعه”، من حيث لونه الأبيض وارتداء “المانطو” الكحلي، كما عليها أن تلتزم بالدروس الدينية التي يأخذنها وبتعاليمهن، محذرةً إياها بأن حجابها لوحده لن يشفع لها، مع ارتدائها الجينز والكنزة “العريضة” فوقه.(57/82)
موقف “لينا” المائل إلى السلبية منهن والناتج عن اصطدامها معهن، أكدته “نيفين” التي روت كيف أن بعض الطالبات “القبيسيات” قمن بطردها من مصلى الجامعة بعد أن أسمعنها كلاماً جارحاً شكك بإيمانها وتدينها، لأنها لا ترتدي الحجاب.
من هن “القبيسيات”؟..
ولماذا هذه السرية المنسوجة حولهن؟.. لماذا لم نر حتى اليوم “قبيسية” واحدة تحاول الدفاع عبر وسيلة إعلامية مثلاً عن هذه الجماعة على الرغم مما قيل لتشويه سمعتهن؟..
لماذا “أغمضت” الدولة عيونها عنهن، وقد أصبحن شبه تنظيم وهذا أمر ممنوع في سورية؟..
فصلنا.. لأننا سألنا كثيراً!!
أخبرتنا “رشا” أنها عندما قدمت من السعودية للدراسة في الجامعات السورية وضعتها أمها في بيت للطالبات تديره صديقة والدتها، ولكنها فوجئت بالطريقة التي يعشن بها.
فالفتيات يلبسن داخل المنزل البنطال القطني والقميص نصف كم وفوقه قميص نوم كم طويل صيفاً شتاءً، ويضعن غطاءً خفيفاً على الرأس، كما أنهن يكنسن المنزل بعدد مرات معينة ويجلين الصحون كذلك، حتى يتم تطهيرها تماماً، كما أنهن يغسلن الرز بطريقة معينة ليصبح طاهراً..
كل ذلك في جميع تفاصيل حياتهن، والمنزل لا يحوي تلفازاً أو راديو أو أي شيء، وصوت تلاوة القرآن هو الصوت الوحيد الذي يسمح بسماعه، وتركز القبيسيات على التأكيد على أن المرأة لا تشبه الرجل، ويبتعدن عن المبادئ التي ينادى بها من مساواة بين الجنسين وغيرها...(57/83)
وتستذكر “رشا” التي كانت ترتدي “جاكيت” بني اللون وبنطال الجنيز، أنها كانت تلاحظ أن المعلمة المسؤولة عن المنزل، تعامل بشيء من القداسة، وأن أوامرها تنفذ بحذافيرها من دون نقاش، وأن الفتيات اللواتي كن يسكن المنزل من الأغنياء، ولم يكن بينهن أية فتاة من الطبقات الفقيرة، وأنها عندما سألت عن سبب هذا الوضع، قوبلت باستهجانٍ من المعلمة، ثم طلب منها المغادرة بعد أن أعلنت أنها لا تريد أن تقوم بما يفعلن من طقوس “جديدة“ خارجة عن الفروض الدينية. تصمت رشا لثوان ثم تختم حديثها قائلة:”حاولوا أن يلغوا عقلي ويوقفوه عن التفكير!”.
لا يقتصر تواجد القبيسيات في مجال التعليم على امتلاكهن بيوتاً لسكن الطالبات، يفرضن فيها عقيدتهن وشروطهن الخاصة، وحسب إحصائيات شبه رسمية، تمتلك “القبيسيات” نحو 40 مدرسة تتبع، بشكلٍ أو بآخر، للشيخة منيرة القبيسي من أصل نحو 80 مدرسة خاصة، تنتشر في جميع الأحياء الدمشقية، تعمل فيها أكثر من 75 ألف امرأة ومربية “قبيسية”، تدرس منهاج وزارة التربية السورية، لكنها تركز على حصص التربية الدينية بشكل أكبر، ويتم من خلال هذه المدارس دعوة الطالبات الجدد، ممن تقرر المدرسات أنهن يصلحن ليكن منهن.
أكثر من أربعين مسجداً
أغلب “القبيسيات” الكبيرات “عوانس” غير متزوجات بسبب المبادئ التي يتربين عليها من قسوة وانضباط وحزم في كل الأمور والاهتمام بالدين والتعليم، الأمر الذي يبعدهن عن الزواج، أو أن هذه القوة الزائدة في الشخصية تجعلهن يتقبلن مسألة الخضوع لأوامر زوج مهما كان.…(57/84)
وتشير معلومات حصلنا عليها من جهات “شبه رسمية” إلى ارتفاع نسبة الطلاق في أوساطهن بسبب انشغالهن عن بيوتهن، أو لأن الآنسة، أحياناً قد تفسر بعض التصرفات التي يقوم بها أزواجهن تفسيراً يبعدهم عن الشرعية، مما يتوجب على “القبيسية” ترك زوجها، لأنه لا يحل لها أن تبقى مع زوج غير متدين، و”الآنسة” تعرف أكثر حتى من المتزوجات، وكلامها “مقدس” لا يخالف، مهما كان، حتى لو طلبت “الموت” من الطالبة.
وأضافت تلك الجهات شبه الرسمية أنهن قد يساهمن في تدبير زيجات عديدة لطالباتهن، حيث يخترن من يرينه مناسباً لإحدى الفتيات، ويحاولن، في كثير من الأحيان، الحفاظ على النسب العريق أو الميراث من خلال هذه الزيجات، ويعود لهن الفضل في كثير من الزيجات التي حصلت بين العائلات الراقية والمعروفة في دمشق، منذ فترةٍ طويلة، إذ إن تاريخ “القبيسيات” لا يعود إلى فترة قريبةٍ، أي فترة ظهورهن إلى العلن، فتواجدهن أقدم من ذلك بكثير على الرغم من عدم وجود تاريخ محدد لبداية دعوة منيرة القبيسي، وهي من مواليد عام «1933».
وبحسب بعض السيدات اللواتي تحدثن معهن ممن هن في عمر “منيرة القبيسي”، لكن دعوتهن في الفترة السابقة اقتصرت على حلقات التعليم في المنازل بشكل سري، كما أنها شملت بنات العائلات الراقية والمعروفة في دمشق فقط، وأشهر تلميذات “منيرة” أسسن جماعاتهن الخاصة في لبنان والأردن منذ زمن واللواتي عرفن بـ”السحريات” في لبنان نسبةً إلى “سحر حلبي” و“الطباعيات” في الأردن نسبةً إلى “فادية الطباع”.
في العاصمة السورية اليوم أكثر من أربعين مسجداً لـ”القبيسيات” .(57/85)
تعقد “القبيسيات” حلقات تدريس بشكلٍ دوري في هذه المساجد، تدرسُ فيها أكثر من أربعين داعية قبيسية من المرخص لهن العمل في المساجد، ومن أهمهن: “نهيدة طرقجي”، و”أميرة جبريل” شقيقة الأمين العام لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة” أحمد جبريل، و”درية العيطة”، والدكتورة “سميرة الزايد” التي ألفت كتاب “الجامع في السيرة النبوية” في عشرة أجزاء .طلب من الجهات الأمنية عدم التعرض لهن.. ومراقبتهن من بعيد!!
بعد اتصالات عديدة، وافق مصدر يمتلك معلومات أكيدة ومتابعة عن القبيسيات الحديث معنا.
وبدا حديثه عنهن بأنه لا يمكن تعريفهن بأنهن تنظيم لأنهن لسن كذلك، مع أنهن يمتلكن صفات التنظيم كافة، فهن كتلة من “التناقضات”، حسب وصفه.
هن جماعة كتومة ولكن ليست سرية، يتابع المصدر قائلاً، ورغم أن الدروس الدينية في المنازل ممنوعة، إلا أن أغلبية دروسهن تتم في منزل إحدى الداعيات أو الآنسات، وأنهن يقمن بتغطية هذه الدروس بالمناسبات الاجتماعية مما يجعل الجهات المسؤولة عاجزة عن إيقافهن أو منعهن.
ويتابع المصدر حديثه ليكشف لنا عن جانبٍ آخر من “غموض القبيسيات” إذ ليس لديهن ميزانية معروفة أو تمويل محدد وظاهر للعيان من قبل جهة معينة، ولكن إذا أردن أي مبلغ، يستطعن جمعه خلال ثوانٍ، وبمكالمة هاتفية واحدة حتى لو وصل المبلغ إلى ملايين الليرات.
ويشرح أن هذه الأموال تأتي من كون أغلب القبيسيات هن بنات أو زوجات أو أخوات بعض المسؤولين والمتنفذين وأصحاب الأموال والمتعلقين بصنع القرار، وهؤلاء يقدمن المساعدة لهن، لأنهن يحصلن على فائدة من نوعٍ آخر، كتسهيل التعامل بينهن، والتخطيط للصفقات التجارية والأعمال، وتسهيل بعض المعاملات، من خلال استثمار هذه العلاقات الواسعة، فواجب “القبيسيات” مساعدة بعضهن البعض، كما أنهن يدبرن زيجات بعض العضوات، لـ”تمرير” بعض المصالح بين العائلات والمسؤولين، أو يستفدن من تقليل “نفقات الزكاة”.(57/86)
لكن المصدر يلفت الى أن الفائدة ليست دائماً غير مشروعة، فمثلاً عندما يوزع شخص بارز هدايا على بعض القبيسيات أو يدعمهن مالياً، إما ليستر نفسه اجتماعياً أو لكي يساعد الناس عن طريقهن...إلخ، فالمنفعة قد تكون سياسية “ كدعم الانتخابات”، أو اجتماعية أو اقتصادية.
وأكد أنهن لا يعملن في السياسة أو يتدخلن بها حتى في دروسهن، ولا يسعين إلى تغيير النظام أو إجراء انقلاب،إلا أن لديهن تأثيراً كبيراً في الحياة السياسية من خلال دعم أشخاص في الانتخابات أو المعاملات وتسهيلها، ولهن دعم كبير من قبل أشخاص مهمين جداً في الدولة.
يرى المصدر أن لا خطر حالياً منهن، ولكن يخاف منهن، لأنهن يشكلن بداية لتنظيم كامل بشكل “علني”، فهن ربما شكلن تنظيماً أو شبه تنظيم بشكل “سري”، ثم أن “القبيسيات” اليوم تجمعهن “منيرة القبيسي” وهي تبلغ الثالثة والسبعين من العمر وتعاني أمراضاً عدة، لذا من المتوقع أن تدب الخلافات والانشقاقات في صفوفهن بعد وفاتها (لا قدر الله)، وطبعاً الخلاف سيكون حول من سيخلفها في الرئاسة أو القيادة الروحية، وسيخجلن من الإعلان عن ذلك، لذلك سيبدأ الاجتهاد الفقهي، وقد تدعي كل واحدة من الكبيرات، وهن خمس تقريباً، أن فتاوى الأخرى غير صحيحة.
وربما تورث منيرة قبل وفاتها الزعامة لإحداهن، ويبقى “التنظيم” كما هو، أو قد يأخذ شكلاً سياسياً ويتعاون مع قوى معارضة، ولكن لا بوادر لذلك حالياً، لهذا هن تحت المراقبة حسب علمه، وفي حال حصل أي شيء، فسيتم القضاء عليهن مباشرةً.
سعينا لإخراجهن إلى العلن..ورفضن العمل بالسياسة(57/87)
ومن المعروف أن مفتي سورية السابق الشيخ أحمد كفتارو يعتبر بمثابة الأب الروحي لـ”منيرة القبيسي” مما جعل “القبيسيات” مقربات جداً من “جامع أبو النور” الذي كان يشرف عليه نجل المفتي السابق الدكتور صلاح الدين، كما أن “القبيسيات” على علاقة جيدة مع “جماعة” الشيخ عبد الكريم الرفاعي، أما الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فيرى أن المرأة السورية تقوم بدور مميز في الدعوة الإسلامية، لم يبلغه الرجال.
وبالتطرق إلى الرأي الديني الحكومي فإن وزير الأوقاف السوري الدكتور زياد الدين الأيوبي أعلن في وقتٍ سابق رفضه تسمية أتباع الداعية “منيرة القبيسي” بـ”القبيسيات”، وبقول إنه من غير الصحيح أنهن يحاولن استقطاب نساء المسؤولين والأغنياء لتحقيق النفوذ اوالامتداد، وتشكيل “مظلة حماية”، توفر لهن الحصول على رخص التدريس في المدارس والمساجد.
الدكتور والنائب في البرلمان محمد حبش وخلال لقائنا معه، وصف “القبيسيات” بأنهن ظاهرة “صحية وطبيعية”، هناك تهويلات بما أثير حولها، فهن يقمن بإعطاء دروس دين ذات توجه معتدل غير متطرف، لأنهن لسنا تكفيريات، لكنهن يملن إلى السرية، وعدم الظهور إلى العلن نظراً لطبيعتهن المحافظة.
ويقول حبش إنه عمل جاهداً من أجل إقناع “القبيسيات ” بالظهور إلى العلن.
وبعيداً عن هذه الآراء الإيجابية، إلا أن البعض ما زال يرى في “القبيسيات” “الظل النسائي” لـ”الإسلام السياسي”، في حين يعتبرها آخرون بديلاً عن منظمة “الاتحاد النسائي” الرسمية، يقول الدكتور محمد شحرور، المتخصص بالشؤون الإسلامية، في حديث صحفي إنه بعد هزيمة سبعة وستين أخذت “القبيسيات” مجدهن، وحصل “شهر عسل” بينهن وبين السلطة، واصفاً “منيرة القبيسي” بأنها امرأة ذكية، ولكن ثقافتها الدينية عادية جداً، ومعرفاً “القبيسيات” على أنهن “بعد” يقوم على جمع النساء جمعاً “براغماتياً” ذريعته الدين “الشعائري المتخلف”.(57/88)
الظاهرة الإسلامية بين الاستيعاب والاستغلال
د. رضوان السيد - الاتحاد الاماراتية 1/2/2008
الباعث على كتابة هذه المقالة هو النقاشات التي دارت في المؤلَّفات والمجلات السياسية والاستراتيجية خلال الشهور الماضية بشأن الظاهرة الإسلامية، وتفسيراتها وطرائق التعامُل معها. والواقع أنّ الحرب على الإرهاب والبادئة عشية 11 سبتمبر 2001 رهنت الإسلامَ كلَّه بين متطرفين ومعتدلين لعدة سنوات. وعندما بدا أنّ السياسات التي خيضت المواجهات على أساسٍ منها فشلت أو تتجه للفشل، كما كان الأمر في العراق وأفغانستان وفي طرائق التعامُل مع إيران، بدأت المراجعات الناقدة والأُخرى المصمِّمة تتصارعُ لإعادة رسم السياسات. وكان من ذلك كتاب "زاكاري لوكمان" عن "الاستشراق الأميركي الجديد"، وكتاب "غراهام فوللر" عن "الإسلام السياسي". وفي الجهة المقابلة كتاب "والي نصر" عن "صحوة الشيعة".
وفي الشهر الماضي عاد كلٌّ من "والي نصر" و"تقية" لقراءة النهوض الشيعي في مجلة "الشؤون الخارجية الأميركية"، كما عاد "فوللر" لقراءة الظاهرة الإسلامية في مجلة "السياسة الخارجية الأميركية" أيضاً. والدراسات هذه كلّها ليست دراساتٍ نظرية، أي تهدفُ للتشخيص الصحيح والفهم الصحيح لدى الأكاديميين وحسب؛ بل إنها بعد المراجعة السريعة تتجه لاقتراح السياسات التصحيحية أو التأكيدية.
ويمكن القول هنا إنّ البحوث التي ذكرْناها هي بمجملها، وبغضّ النظر عن استنتاجاتها المتضاربة، بحوثٌ نقديةٌ أو بحوثُ مُراجعة. وهذا يعني أنها جميعاً تستظهر خَطَلاً في فهم الإدارة الأميركية للظاهرة الإسلامية، وتريدُ منها أن تصحّح أو تنقّح سياساتٍ ثبت عدمُ جدواها، أو أنها تُرتّبُ خسائر على الولايات المتحدة والغرب. وهذا النقد الجذري أو الراديكالي هو ما يذهبُ إليه كلٌّ من لوكمان وفوللر؛ في حين يذهب نصر وتقية إلى أنّ المطلوبَ هو التنقيح والتدقيق بالنسبة لإيران وللشيعة.(57/89)
يقول لوكمان في كتابه عن "الاستشراق الأميركي والسياسات"، إنه اعتنق أُطروحة "صِدام الحضارات"، ولذلك فقد اعتبر أنّ الأصولية الإسلامية إنما قامت على كراهية الغرب لأسبابٍ حضارية، أي الحرية وأسلوب الحياة، ويختفي ذلك وراء السؤال غير البريء: لماذا يكرهوننا؟ ووجهةُ نظر لوكمان ثم فوللر (في كتابه: الإسلام السياسي، وفي مقالته بمجلة السياسة الخارجية: "ماذا لو لم يكن إسلامٌ في العالم اليوم؟") أنّ الإحياء الإسلاميَّ لا فرقَ فيه بين السنة والشيعة، وأنه لا يتأسَّسُ على كراهية الغرب، بل هو في الصيغة الأصلية عودةٌ للهوية والذاتية تحت وطأة عواصف الحداثة. وهو في عمليات المراجعة والإحياء اصطدام ولا شكَّ بالسياسات الغربية والأميركية التي تتعرض للاستقلال والحريات والكرامة والمصالح.
وقد حدث الانفجار (في الثوران الأصولي، وفي الثورة الإسلامية بإيران) بين الطرفين نتيجةَ إصرار الإدارات الأميركية والغربية وباتجاهين: اتجاه تغليب أساليب القوة والاستقواء في تثبيت المصالح، واتّجاه الدعوى العريضة فيما يُعرف بصنع الديمقراطية في أذهان وبلدان المتطرفين والمستبدين.
وشواهدُ لوكمان على ذلك أساليب التشخيص والإدراك منذ مطلع الثمانينيات في الولايات المتحدة، والتي صارت سياسات قادها "المحافظون الجُدُد" في إدارتي ريغان وبوش، واستناداً إليها شُنّت الحرب على الإرهاب (حرب الأفكار وحرب العسكر)، وأُسقط نظاما الحكم في كل من أفغانستان والعراق، وحوصرت أكثر الأنظمة العربية والإسلامية، وجرى تبنّي المقاربة الإسرائيلية للصراع مع العرب والفلسطينيين وإيران.
وقد جلبت الحرب الثقافية والأمنية والعسكرية الأميركية والغربية الدمار والخراب في بلدان العرب والمسلمين، كما أنها نشرت حالةً من عدم الأمان والتوتر في المجتمعات الغربية أيضاً، وانعكس ذلك في صورة توتراتٍ شاملةٍ بين الإسلام (بصيغتيه السنية والشيعية) والغرب.(57/90)
ويمضي فوللر (وهو في الأصل ضابط في وكالة المخابرات المركزية، والآن أستاذ بجامعة فانكوفر، كندا) بعيداً في تأمليته، فيسأل نفسه وقارئه: ماذا لو لم يكن الإسلام يسودُ الشرق الأوسط في الماضي والحاضر؟
ويجيب بأنّ المسألة مسألة الاستعمار والإمبريالية. فلو ظلَّ المشرق مسيحياً، لغزاه الصليبيون لأنه أرثوذكسي أو سرياني وليس كاثوليكياً. ثم لو كان الشرق في الأزمنة الحديثة مسيحياً، فهل ينجو من الاستعمار ومن سياسات القوة للاستيلاء على النفط والموارد؟.
أما والي نصر وتقية فهما أستاذان أميركيان من أصل إيراني. وهما منزعجان من السياسات الأميركية تجاه إيران. ويقترحان تغييراً في تلك السياسات؛ لكنْ على أساس فهمٍ آخَر يشبه فهم المحافظين الجدد. ذلك أنّ الشيعة بالذات ليسوا خصماً للولايات المتحدة؛ بل خصومُ الولايات المتحدة هم السنة!
وتأتي تلك الخصومة لأنّ السَلَفية المتشددة قويةٌ في صفوفهم، وهي تكره الغرب والغريب، وتقول بالإسلام الطهوري.
وقد عانت الأقليات الشيعية في عالم الإسلام السني من الاضطهاد والتمييز من المتشددين والحكومات الاستبدادية. لذلك فإن الأميركيين والشيعة يلتقون على مُعاداة السنة الحاكمين والمسيطرين والمتشددين. فمن مصلحة الشيعة لكي يتحرروا أن تنتشر الديمقراطية التي يريد الأميركيون نشْرَها. ومن مصلحة الأميركيين أن يكون لهم أصدقاء وحلفاء في عالم الإسلام.
وإيران الشيعية دولةٌ قويةٌ وناهضةٌ، والتحالُفُ معها مُفيدٌ، وما حصل حتى الآن من نزاعٍ معها إنما كان سببُهُ الخُمينية والسياسات الأميركية البطيئة الفهم والإدراك. وقد زالت الخمينية، وزالت الأوهام الأميركية بشأن إمكان قهر إيران، فتهيأت الأرضية للقاءٍ جديدٍ على غير الأُسُس التي حصل عليها التلاقي أيام الشاه!(57/91)
وهناك شواهدُ في الفكر الشيعي، داخل إيران وخارجها، على الاتجاهات الجديدة والديمقراطية والمنفتحة. ولن ينسى الشيعةُ للأميركيين أنهم خلّصوهم من "طالبان" وصدَّام حسين وأنهم يكافحون "القاعدة"، ثم هم ينصرون التوجهات الديمقراطية المُنقذة للأقليات الشيعية من الاضطهاد في العالم الإسلامي.
سياسة صدام الحضارات والحرب على الإرهاب... توسع الهوة وتزيد الخراب وتذكي التطرف... وتضع المسلمين جميعاً في مواجهة السياسات الأميركية!.
ينطلق الاتجاهان الجديدان للمراجعة إذن من فشل السياسات الأميركية في الشرق الأوسط والعالَم الإسلامي عامة.
لكنْ في حين ينظر كلٌّ من لوكمان وفوللر إلى الظاهرة الإسلامية بشكلٍ شمولي، ينظر تقية ونصر إليها من وجهة نظر الصراع بين السنة والشيعة وإمكان استغلال ذلك لصالح الولايات المتحدة، وهو أمرٌ لم يحصُلْ حتى الآن.
فهما يريدان من الولايات المتحدة والغرب التقرب من إيران (والشيعة) ووضْعهما في مواجهة العرب والمسلمين الآخَرين، فتستفيد أميركا من ذلك، ويستفيد الشيعةُ والإيرانيون.
أمّا لوكمان فيتجاهلُ هذا الأمر كلَّه، ويعتبر العلة في جماعات المصالح بالولايات المتحدة واللوبيات؛ فهؤلاء عملوا في الغالب على ما اعتقدوه مصلحةً لإسرائيل (وفي مواجهة العرب وإيران على حدٍ سواء).
وكانت النتيجةُ من وراء هذا الاستشراق الجديد (من تلامذة برنارد لويس، مثل أمرسون وبايبس وكريمر)؛ إساءة العلاقة بين عالم الإسلام والغرب، والإضرار بمصالح سائر الأطراف في العالمين العربي والإسلامي، ووضع إسفين بين الغربيين والمسلمين في ديار هجرتهم واستقرارهم.
وأمّا فوللر فلا يرى مشكلاتٍ بارزةً بين السنة والشيعة، وعلى أيِّ حالٍ لا أحد من الطرفين يعتبر نفسَه حليفاً للغرب أو أقرب إليه. والثوريون الإسلاميون الإيرانيون لا يقلُّون مواجهةً للاعتداءات الأميركية والإسرائيلية عن الثوريين الإسلاميين السُنّة.(57/92)
فالقضيةُ هي في الموقف من الإسلام والمسلمين على اختلاف فئاتهم ومذاهبهم. فالدين الإسلامي دينٌ عالميٌّ، ومعتنقوه يكادون يكونون خُمس سكّان العالم. وقد مضى زمان مقولة "فَرِّق تَسُدْ" البريطانية الأَصْل. كما مضى الزمان الذي كان ممكناً فيه إبادةُ هذا الشعب أو ذاك، أو هذا الدين أو ذاك. فلا بد من الاعتراف المتبادَل بين الغرب والمسلمين، ولا بد من الاعتراف بالحرية والاستقلال والمصالح.
أما ممارسة صدام الحضارات والحرب على الإرهاب... فإنها حَرِيّةٌ أن توسع الهوة وتزيد الخراب، وتدفع لظهور أجيالٍ جديدةٍ من المتطرفين العنيفين، وهي كلُّها أمورٌ حصلتْ حتى الآن، فأهدرت طاقات وفُرَصاً وإمكانيات، ووضعت المسلمين جميعاً في مواجهة السياسات الأميركية، ونشرت الاضطراب في أنحاء واسعة من العالم.
طباعيات الأردن
عزت سلطان – السجل 14/2/2008
عمان - عصر كل خميس تتوجه عشرات النساء إلى أحد بيوت عمّان العريقة في جبل عمان للاستماع إلى “خطبة” دينية أو “درس في الشريعة” مخصص “للنساء فقط” وذلك ضمن حلقات “تثقيفية” لتعريف المرأة بحقوقها وواجباتها في الإسلام، تضطلع بها مجموعة نسوية تعرف بـ” الطباعيات” هن امتداد لـ “القبيسيات” اللواتي اشتهرن في سورية.
التقليد الأسبوعي في عقد دروس الدين يتواصل في هذا المنزل منذ أكثر من 15 عاماً بموازاة دروس مشابهة في عدة بيوتات، تعقدها النساء المنضويات ضمن الجماعة النسوية التي تقودها فادية الطباع، الرائدة في العمل الإسلامي الدعوي.
الحضور في هذا التجمع النسوي المنظم مفتوح بلا شروط. ولكن الآنسة التي تعطي هذا الدرس يشترط أن تكون عضوة من “الصف الأول” في الجماعة.(57/93)
فادية الطباع، التي تتحدر من أصول دمشقية، أنشأت نواة الطباعيات في ثمانينيات القرن الماضي، حين شكلّت جماعة صغيرة ما لبثت أن نمت بسرعة. عضوات الطباعيات يتميزن بارتداء “المانطو” أو الجلباب التركي، الأقصر عادة من الجلباب الإسلامي العربي الذي يغطّي الكاحلين. ينتظم الاجتماع الأسبوعي في البيت المشار اليه لتلقي “درس دين” على يد إحدى الآنسات المخضرمات المقربات من “زعيمة” الجماعة.
هناك غموض يكتنف نشاطات وقواعد الانضمام لهذه الجماعة، تماماً مثلما الحال عند القبيسيات في سورية (نسبة إلى منيرة القبيسي التي أسست الجماعة هناك) والسحريات في لبنان نسبة إلى سحر حلبي و”بنات البيادر” في الكويت.
هذه التسميات تنحت خارج الجماعة. أما المؤسسات والأعضاء فلا يطلقون على جماعتهن أي تسميات.
تجانس في الاحتشام
يتجانس زي الطباعيات وهو “الترواك” الكحلي مع غطاء كحلي ترتدي تحته “الطبّاعية” ما يسمى ب”قمطة” والتي تشد الشعر تحت “الإيشارب”. من الإجباري أيضاً ارتداء جوربين نسائيين سميكين وحذاء أسود من دون كعب فضلاً عن سروال داخلي أبيض يمتد إلى الركبة.
ما ارتداء البنطال فممنوع داخل المنزل وخارجه لأن فيه “تشبهاً بالرجال”.
يقال إن رتبة “الطبّاعية” تعرف من لون منديلها. فكلما “تدرج اللون صوب الأسود اقتربت الطباعية من فادية الطباع”، بحسب إحدى مرتادات “بيت أبو شام”. ويحظر على الطبّاعية تشذيب الحاجبين أو استخدام مساحيق التجميل.
شروط صارمة
من القواعد الأساسية في الجماعة الابتعاد، قدر الإمكان، عن الاختلاط بالرجال، «عدم مصافحتهم، وتجنب الأكل في المطاعم أو حضور الحفلات المختلطة». على الفتيات أو النساء الراغبات في الانضمام إلى الجماعة الالتزام بقواعدها العامة، وإلا فإنهن يواجهن الطرد.…(57/94)
التعاطي في السياسة أو الحديث إلى الإعلام ممنوع تماماً في الجماعة التي تؤثر العمل السري والدعوة عبر حلقات الدين والعلاقات الشخصية، إذ تستسر آنسات داخل الحلقات أن هدفهن «دعوي خالص».
سعت السجل مراراً للقاء فادية الطباع، إلا أنه لم يتسن الوصول إليها. وذلك في إطار عدم الرغبة في الظهور في الإعلام.
تعد فادية الطباع إحدى المساهمات في مدرسة «الدر المنثور» في أم السماق التي تديرها جمعية التنمية والخدمات، التي تشكّل «الآنسات» غالبية معلماتها. مدرسة الإناث، المختلطة حتى الثالث ابتدائي، تركّز على تعاليم الدين وحفظ القرآن الذي تخصص له نصف ساعة كل صباح، بحسب طالبات تخرجن منها.
بهدف ضم أعداد أكبر من الفتيات إلى الجماعة، تركّز الآنسات «العتقيات» على ضرورة التمتع بالبشاشة والحبور لجذب الفتيات. كذلك تنظم الجماعة بكثرة حفلات دينية خاصة ومخيمات في الريف.
تعقد الحفلات بمناسبة دخول أعضاء جدد أو ارتدائهن الحجاب والترواك.
حلقات الدين والذكر ذات الحضور الكبير التي تعقد في منزل في جبل عمان أو منزل آخر في الرابية، هي المستوى الأول من مستويات «الدعوة».
ثم تنتقل الفتيات والسيدات اللواتي يظهرن التزاماً بالتعاليم الدينية ومتطلبات الجماعة إلى ما يسمى «الدرس الخاص» الذي يعقد عادة في أحد بيوت الآنسات أو الفتيات اللواتي تقدمن في مراتب الدعوة، وذلك لحفظ القرآن وتسميعه وحفظ الأحاديث النبوية.
ما يحصل خلال الدرس الخاص سري أيضا لأن «المجالس أمانات» ولأن الحديث عن «الإنجازات الدينية» يعتبر رياء و «يضيّع الأجر».…
إحدى السيدات التي تواظب على «درس الخميس» تقول إنها تستقي الكثير من المعلومات عن الدين والعبادات عبر حضور حلقات الدين وسؤال الآنسة عن تلك الأمور وأحكام الشريعة.
السيدة التي رفضت ذكر اسمها تضع حجاباً لكنها لا ترتدي المانطو. وتقول إن «الآنسات» لم يمانعن ذلك.(57/95)
فتاة أخرى تقول إنها تعرفت على درس الخميس عن طريق صديقة «طباعية» في الجامعة.
الفتاة التي لا ترتدي الحجاب تقول إنها تحضر الدرس للمرة الثانية فقط، لأنها مهتمة بمعرفة معلومات أكثر وأحكام دينية من دون أن تضطر إلى ارتداء الحجاب- وهو قضية تركّز عليه جماعات أخرى في الجامعة.
إشراق في الجامعات
وفضلاً عن المدارس وحلقات الدين، تنشط عضوات الجماعة في الجامعات حيث يقمن بجذب الطالبات الجامعيات إلى دروسهن باستخدام البشاشة و«الصحبة». وتؤكد الآنسات في الدعوة أن الجامعات فرصة إما «للإشراق أو الاحتراق».
المقصود بالإشراق «الالتزام بالتعاليم الدينية والاحتراق هو مصاحبة الفتيان والابتعاد عن الدين».
يمتزن بتغليب الوسطية على الأحكام التي يلتزمن بها، ويتبعن بشكل رئيس المذهب الشافعي.
كما يتبعن القاعدة الدينية التي تقول إن الضرورات تبيح المحظورات، لذا فإنهن لا يمانعن العمل المختلط ضمن حدود الدين ويستخدمن «التكسي» ويتحدثن إلى الرجال «ضمن حدود الاحتشام.»
الخدمات البنكية محرمة على قاعدة أن الربا حرام فيما عدا البنوك الإسلامية. إذا اضطرت الطباعية إلى استخدام خدمات بنك معين فإنها تتبرع بالفوائد.
قيادات الطباعيات تنصح بزيارة الطبيبات وتجنب زيارة الأطباء من الرجال إلا في الحالات القصوى.
الغموض الذي يكتنف الحركة، الجلباب القصير، وما يروى عنها من اقترابها من الصوفية والسلفية، جعلتها محط انتقاد لدى جماعات أخرى كالأحباش والوهابيين. فيما تلتزم الحكومة الصمت إزاءها.
أول ظاهرة
محمد أبو رمان، المحلّل المختص بالجماعات الإسلامية، يرى أن الطبّاعيات هي أول ظاهرة دينية اجتماعية تأخذ بعداً نسوياً محضاً.
نشاطاتها وحلقات الدرس والاجتماعات التي تعقدها الجماعة لا تجد أي معارضة حكومية. لا بل إن أبا رمان يرى أن «السياسات الرسمية تشجع هذا النوع من التدين لأنه مناكف للتدين السياسي.»(57/96)
ويقول:«في تقديري سياسة الحكومة في التعامل مع هذه الجماعات هو الحياد التام ما لم تستشعر الجهات الأمنية خطورة من هذه المجموعة».
ويقارن أبو رمان بين الطباعيات وجماعة الأحباش التي تم توظيفها سياسياً في مواجهة الإخوان المسلمين. إلى ذلك يرى أن «الدولة» الآن تعيد دراسة علاقتها بالأحباش الذين يناكفون المجموعات الأخرى، ويطمحون إلى الحكم بعكس الطباعيات اللواتي آثرن عدم الاشتغال بالسياسة.
وكان مثيراً أن وزير الأوقاف عبد الفتاح صلاح أبدى، رداً على سؤال لـ السجل عدم معرفته بهن.
موقف الإسلاميين
إبراهيم زيد الكيلاني، عضو جبهة العمل الإسلامي، ورئيس مجلس الفقهاء سابقاً، اعتبر أن الطباعيات داعيات يقمن الدعوة على أسس تجمع بين العقيدة الصحيحة وعقد الأخوة بينهن.
نحن في زمان كثر فيه الفساد والضلال، يضيف الكيلاني، والأخت فادية الطباع أنقذت كثيراً من الفتيات من التبرج والعري على الطريقة الغربية وألزمتهن التقوى، على طريقة القبيسيات في سورية.
ورفض الكيلاني أن يكون الغموض يلف الجماعة، مقراً بوجود آراء متعددة إزاءهن، «نظراً لأن هناك أموراً تلائم البعض هنا أو هناك، وأموراً أخرى لا تلائمهن، لكن موقفنا منهن إيجابي».
علم الاجتماع
من وجهة نظر علم الاجتماع، من حق كل جماعة أن يكون لها فكرها الخاص، بحسب الدكتورة ابتسام العطيات، عالمة الاجتماع. وترى أن الطباعيات محصورات في نشاطاتهن فيما بينهن، ولهن تفسير معين للدين.
وتشير الى أن التوجه نحو الدين والمحافظة والتفكير واللبس التقليديين، لم يبتدئ بفادية الطباع، لكنه ظاهرة بارزة في المجتمع.
كما أن إقامة مدارس ورياض الأطفال والإشراف عليها ليس حكراً عليهن.
وتستبعد عطيات أن يكون للطباعيات تأثير سلبي على المجتمع يمكن أن ندق ناقوس التحذير من أجله، فكل اهتمامهن ينصب على الجانب الاجتماعي والتربوي وليس السياسي، ولا أظن أنهن يمكن أن ينتجن فكراً متطرفاً يؤدي إلى العنف.(57/97)
بالمجمل تبدو الطباعيات جماعة نخبوية ناشطة في الشأن الديني والاجتماعي، لا معلومات عن أعدادهن، في حين أن التقديرات بالنسبة للقبيسيات في سورية تقول إنهن بلغن 70 ألف.
كوسوفا - والاستقلال بعد غياب طويل
الأستاذ الدكتور
بكر إسماعيل الكوسوفي
لقد عانى الشعب الألباني في كوسوفا معاناة شديدة، وأن تحت وطأة احتلال وعمليات تعسف لا تطاق ، على الرغم من أن أكثر من 98% من المسلمين، و95% قومية ألبانية.
هذا الشعب الكوسوفي العريق وقف صامداً إزاء تلك الهجمات الشرسة التي كادت تعصف بحياته كلية في العديد من الأحيان .
وقد قدمت كل فئات الشعب وطوائفه من ساسة ومفكرين وتربويين وعلميين كل الجهود في سبيل الحفاظ على الهوية الألبانية وبقاء كوسوفا جبلا شامخاً لا تؤثر فيه الأحداث ، ولا تهزه العواصف.
وبفضل تكاتف الجهود وإخلاص النية والعمل ، وتوافر عوامل ومقومات الجهاد والكفاح تمكن الشعب الألباني من أن يثبت وجوده على الساحة العالمية فضلاً عن الساحة البلقانية، وأثبت للعالم أجمع أن كوسوفا بكوادرها وروادها قادرة على أن تكون دولة ذات سيادة وقانون ، وبحق لها الانخراط في سلك المجتمع الدولي كدولة مشاركة في عمليات النهضة والسلام على المستوى العالمي.
وإنما كان ذلك كذلك بسبب مرحلة العناء والعذاب الطويل التي عاشها وعايشها الشعب الألباني في كوسوفا؛ إذ أنه تعرض في معظم فترات حياته لعمليات إبادة على أعلى نطاق ومستوى ، وقد آن الأوان وحانت الساعة لأن يتنفس الشعب الصعداء، وينعم بالحرية والاستقلال شأنه في ذلك شأن سائر شعوب العالم، لا سيما أنه يقوده الآن مجموعة من الساسة والمفكرين والعقلاء الذين هم ذوى بصيرة وخبرة بالأمور وإدارة الأزمات وشئون البلادة بمهارة وحكمة، وتحقيق مبدأ الاستقرار وضمان العيش في سلم وأمان لكافة الأعراق الموجودة على أرض كوسوفا.(57/98)
ومما يؤكد استحقاق كوسوفا للاستقلال والحرية ما نشرته جريدة النيو يورك تايمز عن تلك المذابح المروعة التي ارتكبها الجيش الصربي في حق الألبان إبان الحرب العالمية الأولى .
وإليك نص المقال الذي نشرته الجريدة ليكون وثيقة وشاهداً على ما نقول:
"الجيش الصربى وبحار من الدماء، ألاف من النساء والاطفال ذبحوا حسب التقارير المجرية، القتل أصبح رياضة صربية، التعذيب هى السياسة المتبعة للقضاء على المسلمين"
رسالة خاصة لصحيفة النيويورك تايمز
لندن. الثلاثاء 31 من ديسمبر-1912:
"وصفت الرسالة الاخبارية المبعوثة من المجر الى جريدة الديلى تلجراف الانجليزية نقلا عن تقارير المسؤولين المجر تفاصيل عمليات التعذيب فى ألبانيا و أماكن أخرى.
أضاف المراسل أن: خلال مسيرة الجيش الصربى عبر ألبانيا إلى البحر لم يكتف الصرب بقتل الألبان المسلحين، و لكن وحشيتهم لم تفرق بين المسلح والأعزل بين الشيوخ و النساء بين الأطفال و الرضع.
أعلن الضباط الصرب فى نشوة النصر أن الوسيلة المثلى لتهدئة ألبانيا هي التصفية النهائية للمسلمين الالبان. هذة السياسة تبناها جيش الاحتلال الصربى ووضعها فى حيز التنفيذ. حيث قاموا بقتل 3000 شخص بين مدنتى كومانوفا (Kumanova) وأوسكوب (Uskup) بالإضافة إلى 5000 أخرين بالقرب من بريشتينا (Prishtina) كما حصروا أرناؤوطة (سقطت أرناؤوطة) فى يد الصرب بطريقة غير شرعية.
أخترع الجنود الصرب طرق بشعة جديدة للتعذيب لإشباع حبهم للدم ، و قد تم إحراق كل البيوت في العديد من القرى و عند محاولة فرار أهالى هذه القرى من النيران تم رشقهم بالرصاص مثل الفئران من قبل الصرب. قتل الرجال أمام زوجاتهم و أولادهم و أمام أعين الأمهات مذق الصرب أجساد الأطفال.(57/99)
قتل الأبرياء أصبح التسلية اليومية للجنود الصرب، و عند اكتشاف قطعة سلاح فى أى منزل يقوم الصرب بقتل جميع سكان هذة المنازل رميا بالرصاص أو شنقا. فى يوم واحد تجاوز عدد القتلى ال36 شخص.
أعلن السكرتير السابق لرئيس الوزراء باسيتش أنه خلال رحلته ما بين بربرزرن (Prizren) وبيا (Peja) لم يرى شيء غير طبيعى فى حين أنه قد تم حرق قرى بأكملها و صفت المشانق على جوانب الطرقات وكان الطريق المؤدى إلى جاكوفا (Gjakova) أشبه بزقاق المشانق.
قصص التعذيب التى ارتكبت فى ألبانيا ليس لا نهاية و الأعمال الإجرامية التي ارتكبت فى بريلب وكوسوفا و ويستشتزا فاقت كل ما تحمله الألبان تحت الحكم التركي.
روى أحد الألبان الفارين من برزرن إلى جراس والذى اتم دراستة فى النمسا الاتى: إن اى شخص يقوم بالبلاغ على البانى تكون النتيجة إطلاق النار على الالبانى لذلك لجئ كثرين للهروب من ديونهم الى هذه الطريقة ، و بعد شنق الدائن بتهمة الخيانة يقوم المدين بشراء المنزل و المزرعة بأرخص الأسعار.
فى مدينة أوسكب أطلق الجنود الصرب النيران على الالبان العزل في الطرقات. و تمادى الجنون إلى حد كبير فإذا وجد سكين صيد فى منزل يقتل صاحب المنزل بدون رأفة.
قام القائد الصربى فى مدينة فريسوفيتش بدعوة الفارين من الالبان الى العودة وتسليم اسلحتهم و عندما قبل الالبان وعادوا قتل الصرب 400 شخص و لم يترك فى مدينة فريسوفيتش (كوسوفا) سوى 6 عائلات مسلمة على قيد الحياة. قتل الصرب المعتقلين في مدينة باما في حين تم ذبح السكان فى فاروس و بريشتينا. اعترف الضباط الصرب بأنهم تتبعوا الألبان و تفاخر احد الضباط بأنه قتل تسع البان في يوم واحد.(57/100)
و حتى خارج حدود البانيا قام الجنود الصرب باقتراف أبشع الجرائم . فى قلعة نيش حيث احتجز أعداد من المساجين الأتراك قام الصرب بركل احد الأتراك حتى الموت بتهمة تمردة على الأوامر. أقر طبيب في منظمة الهلال الأحمر أنه كلما وجد جثث لألبان كانوا مذبوحين بدون رحمة حتى الشيوخ والنساء والأطفال لم يستثنوا من نفس المصير. و أضاف الطبيب أنه شاهد حرق القرى في صربيا القديمة كل يوم.
بالقرب من مدينة كراتوفو صف الجنرال ستفانوفيتش مئات من المساجين وقتلهم بالاسلحة الالية.
أما الجنرال زيفكوفيتش فقام بقتل 950 من الوجهاء الألبان والأتراك بالقرب من سينتزا لانهم عارضوا تقدمه".
جريدة النيويورك تايمز
نشر المقال في 31 ديسمبر 1912، وهذا المقال اقتبسته الجريدة من أرشيف لندن الصحفي بتاريخ 31 من ديسمبر 1912. وهذا كله أكبر شاهد ودليل على حق كوسوفا في الاستقلال والإنعام بالحرية بعد غيابها سنوات طويلة وأزمنة عديدة , ونسيان ذلك الأنين تحت وطأة الجيش الصربي ومن يقومون بإدارته.
دورات إيرانية لصقل شخصية الصدر على غرار نصرالله
وإعادة بناء "جيش المهدي» على غرار حزب الله
المحرر 23/2/2008
أكدت مصادر حوزوية معتدلة من مؤسسة الإمام الخوئي الدينية لـ«المحرر العربي» أن حوزة قم الإيرانية الدينية الساعية لتفريس الحوزة العربية الأُم في كل من النجف وكربلاء، تعمل حالياً على دفع الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر إلى واجهة الأحداث ورهن مستقبل الحوزة الناطقة التي أسسها والده الراحل محمد صادق الصدر بتحركاته، شرط تمرد مقتدى على الحوزة الصامتة التي يمثلها المرجع الفارسي «علي السيستاني» الذي بات يهدد بصمته المطبق مستقبل المرجعية الفارسية من جهة، ومشروع إيران برمته الذي يتخذ من العراق منصة انطلاق صوب المنطقة والعالم الإسلامي.(57/101)
المشروع حسب المصادر الخوئية أطلقت عليه طهران اسم «المرجعية الشابة الفتية»، ويتضمن تهيئة الصدر الثالث دينياً عبر إعادة صقل شخصيته وتلميع دوره الحوزوي لإيصاله الى مصاف القيادات الشيعية البارزة التي تجمع بين مزايا عدة دينياً وسياسياً وقبلياً، تحقيقاً لجعل الصدر يتمتع بـ«كاريزما» مشابهة لتلك التي يتمتع بها أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله، بسبب انكشاف أوجه المشروع الإيراني الساعي الى إيصال قيادات فارسية الى القيادة الهرمية لمشروع الهيمنة الإيراني الذي يعتبر الواجهات والحوزات الدينية بمثابة حلقة الوصل التي تكمل الهلال الشيعي.
ويسعى المشروع الإيراني الى تبني واجهات وقيادات حوزوية عربية على غرار مقتدى الصدر الذي حرص أكثر من نظرائه الإيرانيين على تعزيز النفوذ الفارسي داخل العمق العراقي.
ولهذا استقر رأي نظام الملالي في طهران على اعتماد الصدر وكيلاً له في العراق، لتحقيق غايات عدة أهمها:
1-…تشويه سمعة المرجعيات العربية بغية تسويق الاتهامات المباشرة لها من قبل المحيط العربي، حسب توجيهات الثورة الإسلامية ومؤسسها وقائدها الحالي. أي دفع أجواء المنطقة الى المزيد من الاحتقان والصراع بين القيادات العربية والفارسية.
2-…اقتداء المرجعية العربية الشيعية بنظيرتها الفارسية سياسياً ودينياً، ومن ثم إلحاق الحوزة العربية بالفارسية واعتبارها أحد ملاحقها الفقهية، بدل بقاء الحوزة العربية مهيمنة على مصادر القرار الحوزوي في العالم الإسلامي.
3-…زيادة التطرف الإسلامي بين صفوف المسلمين المعتدلين ممن يتبعون المذاهب الأربعة (الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية).(57/102)
4-…تحويل إيران الى حاضنة لكافة التيارات الإسلامية والعلمانية المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، وتقديم الدعم الإيراني اللوجستي لها لمواصلة مناهضتها واشنطن وتل ابيب سياسياً وعسكرياً، بهدف تحويل تلك الأطراف الى محطات تساهم في نشر النفوذ الفارسي في المنطقة.
5-… إزالة حاجز الصمت الذي يحول دون التقاء مصالح إيران الآنية والمستقبلية مع مصالح قوى عربية وغربية (دينية وعلمانية) سُنية ومسيحية، مناهضة لواشنطن، بهدف رهن مستقبلها بمشروع الهيمنة الإيراني في المنطقة والعالم أجمع.
تجذير النفوذ الفارسي
يعتمد مشروع الهيمنة الإيراني على اقتناص الفرص للنفاذ الى ساحات تشهد صراعات بين شرائح مجتمعاتها، كما هو الحال في القارة الأفريقية والساحات الفلسطينية - العراقية - اللبنانية، لانقسام الرأي بين مكونات تلك الساحات بين رافضٍ لأي وجود إيراني وبين مرحبٍ به.
ولهذا السبب إرتأت القيادة الإيرانية السياسية والدينية تأسيس واجهات ثقافية تعمل في الخفاء على نشر التشيع الفارسي، للهيمنة على الشارع العربي بواقع خدمي يسهل عملية التفريس المقنع لذلك الشارع، من خلال استثمار الانقسام في الرأي.
الصدر الثالث لبى نداء طهران محاولاً الوصول الى مراتب آيات الله في طهران، معتكفاً على غرار بعض المراجع الحوزوية - العربية الفارسية - لإكمال دراسته الفقهية.
كما يحاول احتكار الدعم اللوجستي الإيراني المقدم لواجهات عراقية واسعة دينية وسياسية، لمزاحمة غريمه الشاب عمار الحكيم (الوريث السياسي والديني لخلافة والده عبد العزيز الحكيم في رئاسة المجلس الأعلى وتفرعاته).(57/103)
كما يحاول مشروع الصدر، الهيمنة على الساحة العراقية برمتها بدعم إيراني عبر مشاريع حوزوية منها تأسيس واجهات ومؤسسات دينية ذات طابع ثقافي خدمي - خيري، لسحب بساط هيمنة «مؤسسة شهيد المحراب» التابعة للمجلس الأعلى على الشارع العراقي والتي أسسها الحرس الثوري الإيراني ورهن مسؤولية قيادتها بالحكيم الغبن.
قلة خبرة مقتدى الصدر الحوزوية، رهنت مسؤولية الإشراف الفقهي على مؤسساته الثقافية وعلى رأسها «مؤسسة الغدير الثقافية» بالمرجع الفارسي السيد كاظم الحسيني الحائري (مرشد التيار الصدري الروحي بعد الصدر الثاني والد مقتدى)، والذي يدير التيار الصدري وجيشي المهدي والإمام الحجة من خلف كواليس حوزة قم التي يتخذها مقراً لإقامته ونشر نفوذه في المنطقة منذ عقد السبعينات.
كما يعود سبب قلة ظهور الحائري إعلامياً، وميدانياً في ساحتي النجف وكربلاء الدينيتين، لتخوفه من التصفية الجسدية على يد غرمائه من آل الحكيم الذين باءت محاولاتهم لاغتياله سابقاً بالفشل الذريع، وكان آخر ظهور علني له في الساحة النجفية قبل عامين حين توسط حشوداً مليونية من التيار الصدري شكلت حاجزاً منيعاً أمام أي محاولة لاستهدافه من الحكيم الأب والابن.
ولذلك يقوم الحائري بتحريك خيوط التيار الصدري من حوزة قم بتنسيق مباشر مع مؤسسة الإمام الخوئي. توجيهات الحائري الى الصدر وقاعدته الشعبية أكدت على ضرورة احتواء عراقيين مناهضين لإيران وتوظيفهم في مؤسسة الغدير الثقافية، عبر ضمهم إليها رغم انحدار البعض منهم من المذهب السني وآخرين من الديانتين المسيحية والصابئية.(57/104)
إضافة إلى استعمال أسلوب الإغراء المادي، حيث أغدق الحائري عبر وسطاء صدريين أموالاً طائلة على بعض العراقيين المختلفين مع إيران دينياً ومذهبياً، بل والرافضين كل الرفض لمزيد من تمددها في الشارع العراقي، ولكنهم من الرافضين أيضاً لبقاء قوات الاحتلال الأميركي في العراق. ولذلك تقتضي الظروف التحالف آنياً معهم. كما يرمي المشروع عبر تعزيز دور مؤسسة الغدير الثقافية حسب إدعاء الحائري الى بناء الإنسان العراقي بعيداً عن ديانته أو طائفته أو عشيرته.
في حين لم تستطع المصادر الحوزوية المعتدلة تصور الطريقة التي ستتم بها عملية تحويل تيار إسلامي متشدد كـ«التيار الصدري» جميع أفراده من طائفة واحدة الى مؤسسة ثقافية مختلطة تجمع كافة الديانات والطوائف والقوميات العراقية المتعددة، خصوصاً بوجود «جيش المهدي» الذي ترى فيه بعض القوى العراقية الدينية والعلمانية قوة طائفية ترتكب المجازر، خصوصاً لدوره في الأحداث التي تلت تفجير مرقدين دينيين للشيعة في سامراء العام 2006.
التوقعات السلبية
في ظل ما تقدم طرحت المصادر المذكورة التوقعات والنتائج السلبية والإيجابية التالية:
1-…احتمال ظهور «جيش شيعي جديد» من رحم جيشي المهدي، سينقلب على الأخطاء السابقة أو يستفيد منها، في ظل وجود مرجعية دينية حوزوية مقتدرة بوزن الحائري قادرة على ضبط إيقاع الصدريين على غرار حزب الله اللبناني بقيادة حسن نصر الله.
2-…ظهور جيش المهدي مجدداً بـ«حلة جديدة» أكثر انضباطاً وتحت سيطرة الصدر الكاملة، بلباس جديد موحد، مع أسلحة نظامية تحت قيادة مركزية مناطقية في مدينة الصدر والنجف، واقليمية في حوزة قم، مع منظومة إستخباراتية تراقب عن كثب تصرفات الخارجين عن الخط الصدري.(57/105)
3-…سيحاول جيش المهدي النأي بنفسه عن جيش الإمام الحجة الأكثر منه نفوذاً في الساحة العراقية كون الأخير الخاضع للنفوذ الإيراني المباشر يمثل نواة ألوية وزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين، بالإضافة لتشكيلات أخرى منه موزعة بين صفوف وزارة الأمن الوطني التي يتزعمها الوزير شيروان الوائلي، وأخرى منضوية تحت لواء مستشارية الأمن الوطني التي يتزعمها موفق الربيعي.
4-…لن يظهر جيش المهدي وهو في حالة يرثى لها بسبب الملاحقات الأميركية القانونية، بل سيظهر مدججاً بالسلاح الثقيل والمتوسط كي يوصل رسالة قوية للأميركيين والقوات العراقية المنحدرة من البيشمركة الكردية وميليشيا بدر الفارسية، بأن جيش المهدي قد أصبح نسخة طبق الأصل عن حزب الله اللبناني.
5-…عودة وزراء ونواب الكتلة الصدرية الى الحكومة ومجلس النواب بالتزامن مع عملية ظهوره العسكري الجديدة، على أن تكون عودة المسؤولين الصدريين الى العملية السياسية بفكر أكثر تطوراً وانفتاحاً، كي يجسدوا دور وزراء ونواب حزب الله في تعطيل قرارات الحكومة العراقية التي لا تتوافق وتوجههم.
6-…قيادة بعض فصائل ميليشيا المهدي قد يتم إسنادها بعد ظهوره الجديد الى قادة لبنانيين من حزب الله، كي تكون وطأتهم أخف على الشارع العراقي برمته، من قادة صدريين مناطقيين أُميين لا يعرفون القراءة والكتابة من خريجي السجون.
7-…سيؤدي ظهور التيار الصدري بهيئة منضبطة على غرار حزب الله اللبناني الى الإطاحة بهيبة ومكانة «البيت الشيعي» الذي أسسه «أحمد الجلبي»، بذريعة لم شمل الأحزاب والواجهات الدينية والعلمانية الشيعية تحت مظلة البيت الشيعي المدعوم من قبل طهران وواشنطن.(57/106)
8-…إمكانية الفشل ستلازم مصير تحركات الصدر الجديدة، المرهونة بحجم قدرة الإقناع الصدري على إبعاد قادة ميليشيا المهدي المناطقيين عن القتل الطائفي اليومي، وعن عمليات السرقة والنهب المنظم لنفط الجنوب العراقي، المتساوقة مع عمليات الاستحواذ على ممتلكات السنة والمسيحيين بذريعة الانتقام الطائفي، والتي لن تسمح لجيش المهدي المشوّهة سمعته وصورته بسبب تلك الأفعال الشنيعة بتقمص دور فصيل من فصائل المقاومة الشعبية الوطنية.
9-…تنظر المصادر الحوزوية المعتدلة إلى عملية تجييش أو عسكرة الشارع العراقي عموماً والشيعي خصوصاً بذريعة مقاومة الاحتلال بحذر شديد، لأن تحول الجيوش الشعبية إلى مؤسسات حقيقية، كما هو الحال في لبنان، يقود لتأسيس دويلات مناطقية انفصالية داخل دول مؤسساتية، ما سيقود في النهاية الى انهيار الدولة الرسمية ونشوء دويلات بديلة خاضعة لنفوذ خارجي.
10-…ظهور جيش المهدي مجدداً بحلة جديدة على غرار حزب الله في لبنان سيزيد من شعبية الصدر وأنصاره وتحديداً بين فقراء الشيعة، الذين يرهنون ولاءهم للصدر بفعالية توفيره الأمن للسكان المحليين، وبهذا ستبقى مناطق نفوذ الصدريين كمدينة الصدر في بغداد- الرصافة، ومدينة الشعلة في الكرخ، وفي النجف، محصنة وستحل مكانة دويلة الصدريين الدينية المناطقية محل هيبة الدولة العراقية، وبالتالي بقاء سلاح الصدريين المنفلت بأيديهم من دون قدرة القرارات النيابية العراقية على نزعه ولو بالقوة.
معسكرات لتدريب "حزب الله الكويتي" في الوفرة والعبدلي!
صحف الكويت
طالب أمين عام تجمع ثوابت الامة محمد هايف المطيري الحكومة بسحب جنسية النائب عدنان عبدالصمد وتحويله إلى جهات الاختصاص بسبب انتمائه إلى حزب إرهابي معاد في افعاله وافكاره للكويت وقيادتها على حد تعبيره.(57/107)
وقال المطيري خلال مؤتمر صحافي عقده مساء امس تحت عنوان »كشف اوراق حزب الله الكويتي« ان هذه الفتنة التي حصلت واستفزت الشارع الكويتي ما كان لها ان تحدث لو ان الحكومة قامت بما عليها من واجبات تجاه من اطلقوا على انفسهم حزب الله.
واضاف ان ترك هذا الحزب لتحويل الكويت الى لبنان آخر يعد امراً خطيراً فجرائمه كثيرة ومتنوعة ومتشعبة ومنها اتخاذ أسماء ومنظمات عدة كصوت الشعب الكويتي الحر وقوات المنظمة الثورية في الكويت.
وتابع ان معظم أعضاء هذا الحزب الكويتي يرتبطون بالحرس الثوري الايراني وها هم مازالوا يثيرون البلبلة في محاولة للسيطرة على البلد لتحويل الكويت كما هو الحال في ايران ولبنان.
وقال ان هذا الحزب قام بمحاولة اغتيال الأمير في تاريخ 1985/7/12 وفي 1986/4/29 قام هذا الحزب بتفجير مقهيين في الكويت وفي الخامس من شهر ابريل 1988 تم اختطاف الطائرة الكويتية الجابرية بقيادة عماد مغنية حيث انطلق بها إلى لبنان وتم رفض مطالبهم وانتقل بها إلى بلدان أخرى وقتل فيها شهيدين من ركاب هذه الطائرة.
وأضاف أن احدى الصحف الكويتية أعلنت ان حزب الله الكويتي قام بشراء الأسلحة العراقية بعد التحرير وقام بتهريبها إلى البحرين حيث تسلمها فرع حزب الله البحريني والتي كان يدعمها كل من ناصر صرخوه وعبدالمحسن جمال وعدنان عبدالصمد ومحمد باقر المهري.…
وأوضح ان التصريحات التي أطلقها عدنان عبدالصمد خير دليل على عقليته التي تعود إلى حقبة الثمانينات والتي تدعو إلى التفجيرات وإحداث البلبلة في البلاد.
واستغرب المطيري من التصريحات التي أطلقها محمد باقر المهري في إحدى الفضائيات والتي كان يقول فيها ان التفجيرات في الكويت حدثت بدافع وطني وهذا جاء بسبب التخاذل الحكومي معهم.
وأضاف أن عدنان عبدالصمد واحمد لاري استغلا عضويتهما في المجلس وضغطا على وزير الداخلية للسماح لبعض الإرهابيين الذين أبعدوا عن البلد بالعودة إليه مرة اخرى.(57/108)
ودعا المطيري الحكومة الكويتية إلى ايقاف هذا العبث والتهاون الذي تتعامل من خلاله مع هؤلاء الذين لم يراعوا حرمة الدماء التي أريقت.
واستغرب المطيري من ردة الفعل التي واجهته حين قام بتنظيم ندوة عن السنة في العراق وحينها قامت الداخلية بتطويق ديوانيته ومنع الناس من الحضور في حين تسمح لعدنان عبدالصمد بإقامة تأبين لهذا المجرم وتسميته بالشهيد.
وقال ان محمد باقر المهري لم ينتظر البيان الحكومي حين قال لقد سرني قتل الزرقاوي ولم يشأ الحديث عن عماد مغنية ولم يقل عنه انه إرهابي كما قال عن الزرقاوي لانه سني وليس شيعياً فكلاهما قتل الأبرياء وروع الآمنين.
وأضاف: إن الواجب على الشعب الكويتي أن يعرف الآن من هو الذي يسعى إلى شق الصف الكويتي لان من ادعى علينا بالارهاب لم يستطع إثبات ذلك لكن الأدلة والحقائق تثبت عليهم عكس ما يدعون.
ولفت الى ان التهاون الحكومي في التعامل مع حزب الله الكويتي كفيل بخلق الفتنة داخل المجتمع الكويتي الامر الذي يدعونا إلى إطلاق التحذير وقرع ناقوس الخطر وعلى الحكومة والمجلس والشعب الانتباه الى ما يفعله هذا الحزب من دمار وتخريب واثبت انه مازال مؤمناً بها من خلال التصريحات التي اطلقها عدنان عبدالصمد.
وأضاف: ان لدينا معسكرات تدريب تقام هنا في الكويت والداخلية غائبة عن الموقف في حين يتمادون برفع علم حزب الله في الصحراء الكويتية في مخيم على طريق العبدلي وآخر على طريق الوفرة متهماً عدنان عبدالصمد واحمد لاري بتقديم الهدايا على المتدربين في مخيم الرضوان الذي انتهى في 2008/2/4 من دون ان تحرك الداخلية ساكناً.
وقال: ان عدنان عبدالصمد يريد ان يحول نفسه الى حسن نصر الله في الكويت طالما لديه معسكرات تدريب مستغلاً غياب رقابة الداخلية وانشغالها في امور اخرى كثيرة.(57/109)
ومن جانبه قال جاسم الخالدي ابن اخ الشهيد عبدالله الخالدي الذي قتل في حادثة اختطاف الجابرية ان ما قاله عدنان عبدالصمد يتضمن اهانة بالغة وكبيرة لانه تجاهل مشاعر الكويتيين الشرفاء.
وتابع ان الواجب على الحكومة سحب جنسية عدنان عبدالصمد الذي أساء للكويت والكويتيين.
ملابسات الحكم بالإعدام على عبدالصمد في السعودية
السياسة الكويتية 19/2/2008
كشف مصدر امني مسؤول لـ »السياسة« جانباً من تفاصيل الأحداث التي تورط فيها النائب عدنان عبدالصمد وأدت إلى اعتقاله في السعودية والحكم عليه بالاعدام عام 1989, لولا الجهود التي بذلها سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد عندما كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للخارجية, موضحاً ان السلطات السعودية ألقت القبض على عبدالصمد ضمن مجموعة تضم عدداً من الأشخاص الكويتيين في موسم الحج, اتهموا بحيازة اسلحة ومتفجرات للقيام بأعمال إرهابية وتخريبية من شأنها زعزعة الاستقرار وإرباك الجهات المعنية خلال فترة الحج. …
وقال المصدر: إن عبدالصمد حاول الهرب من رجال الأمن السعوديين الا أنهم القوا القبض عليه قبل مغادرته اراضي المملكة, وحوكم مع آخرين وصدر الحكم باعدام 16 شخصاً بينهم عبدالصمد فيما صدرت احكام متفاوتة اخرى على باقي افراد المجموعة التي بلغ عددها 33 شخصاً.…
أضاف ان سمو الشيخ صباح الأحمد توجه بنفسه الى السعودية ثلاث مرات والتقى مع كبار قادة المملكة ونجحت جهوده في انقاذ رقبة عبدالصمد ومتهمين آخرين معه, وحصل على وعد من العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز بإطلاق سراح عبدالصمد, شريطة الا يدخل مرة أخرى إلى الأراضي السعودية.
وقد أطلق معه وقتها احمد حاجية, بعد فترة اعتقال امتدت نحو أربعة أشهر.(57/110)
المصدر ذاته أوضح ان السلطات السعودية لا تزال تمنع دخول النائب عدنان عبدالصمد وبعض أعضاء اللجنة الثقافية الكويتية التي ينتمي اليها مع احمد لاري وبعض السياسيين الآخرين المنتمين إلى »حزب الله الكويتي«, مؤكداً »وجود مادة قانونية تجرم اثارة الفتنة بين أبناء المجتمع الكويتي, وتنطبق على ما قام به النائبان عبدالصمد ولاري من تأبين وتمجيد للإرهابي عماد مغنية, كما تجيز لوزير الداخلية تنفيذ هذه المادة والقبض على النائبين من دون اعتبار للحصانة البرلمانية التي يتمتعان بها«.
وأشار إلى أن ملف قضية عبدالصمد في السعودية كان يتولاه اللواء فهد الفهد, موضحاً ان هذا الملف أغلق بعد التحرير, ولدى تولي الشيخ مشعل الجراح رئاسة جهاز أمن الدولة.…
مسار جديد للمسألة العلوية في تركيا
طه عودة – موقع المسلم 4/2/1429
اتخذت المسألة العلوية في تركيا بالآونة الأخيرة منحى جديد بعدما أعلنت الحكومة التركية أنها تسعى لتحسين أوضاع العلويين في البلاد فيما تصاعد خطاب الأقلية العلوية بحدة معلنة على أنه حان الوقت لوضع نهاية لهذه المشكلة.وتعتبر المسألة العلوية مشكلة مفتوحة جديدة تضاف إلى مشكلات كثيرة تقع في صلب هوية تركيا.
وإذا كان النظام العلماني فشل في إرساء علمانية حقيقية فإن حزب العدالة والتنمية الذي يحاول إرساء ديمقراطية حقيقية وتقديم نموذج على أن التجربة التركية في ظل الإسلاميين حقيقية وليست لفظية في الاعتراف بالآخر يريد إيجاد حل لهذه المشكلة.(57/111)
التقارير الواردة من هناك تفيد أن العلويين اليوم يسعون لتجاوز المطالب الشكلية السابقة التي كانت تختصر في فقط الاعتراف بهم كأقلية مسلمة والاعتراف بحقهم في أن يتمثلوا في رئاسة الشئون الدينية أسوة بالسنة أو السماح لهم بإنشاء مجلس ديني خاصة بهم حيث هناك توجه جامح وكاسح في أوساط العلويين إن لم يعترف بهم كأكبر الأقليات المسلمة بعد السنة في تركيا وإشراكهم في صناعة القرار فإنهم سوف يتوجهون لرفع رسالة إلى المفوضية الأوربية لتشكيل كيان خاص بهم أو العمل بسياسة المحاصصة على غرار ما يجري في العراق في أن يكون لهم مناصب وزارية عليا وسيادية ووزراء ونواب في البرلمان كانت في السابق تحتكرها الأحزاب اليسارية ووفقا لحجمهم السكاني.
نعم هناك بعض التحسن في ممارسة الطقوس الدينية والأداء المذهبي إلا ذلك لم يكن بالشكل الذي يضمن لهم حقوقهم بالتساوي مع بقية المذاهب وخاصة السنة فقد وصل الكاتب العلوي المشهور"رها جامور أوغلو" إلى قبة البرلمان التركي كنائب عن حزب العدالة والتنمية وكممثل للعلويين الأتراك في البرلمان.
وبعد مشاركة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في الأول من محرم في إفطار للعلويين في أنقرة ( إردوغان أول رئيس وزراء تركي يشارك في مثل هذه الإفطارات) بدرت إشارات إلى عزم الحكومة التركية إلى دعوة كافة الجمعيات والأوقاف العلوية في تركيا إلى اجتماع موسع لبحث تفاصيل المشروع الانفتاحي المنتظر الذي أعلنت عنه حكومة حزب العدالة والتنمية مؤخرا ووجد أصدءا كبيرة في البلاد.
ومن المنتظر أن يشرف على تنظيم الاجتماع النائبين العلويين في الحكومة إبراهيم يغيت وريها شامورلو أوغلو.
وكان (رئيس الوزراء) رجب طيب إردوغان قد قال في تصريح صحفي (يجب ألا نبقى بعيدين عن مطالب الجمعيات العلوية) وهي التصريحات التي دفعت بالعلويين في تركيا إلى التحرك السريع للحصول على حقوق أكبر في البلاد.(57/112)
وذكرت صحيفة "حرييت" كبرى الصحف التركية أن إبراهيم يغيت وريها شامورلو أوغلو بدءاً بتحضير تقرير يتضمن اقتراحات عملية للبدء بمشروع الانفتاح العلوي في تركيا أملا بحل كل المشاكل العلوية خلال عامين. وقالت الصحيفة أنه سيتم دعوة كل الجمعيات والأوقاف العلوية في تركيا إلى اجتماع لاستشارتها والاستماع إلى أرائها حول التقرير قبل إعطائه الشكل النهائي.
كما سيعقد النائب ريها شامورلو أوغلو مؤتمرا صحفيا في الأيام القادمة يتعلق بهذا الموضوع.
وذكرت الصحيفة أن المعالم الأولية للتقرير بدأت تظهر شيئا فشيئا حيث سيتم تشكيل مؤسسة في الدولة لتمثيل العلويين تحت اسم "المديرية العامة لشئون العلويين" على أن تكون تابعة إما لرئاسة الوزراء أو لرئاسة الجمهورية.
وقالت الصحيفة أن المعلومات الأولية تفيد بأن ثلاثة ألاف موظف سوف يعملون في هذه المديرية وربما يزيد عن ذلك بينما ستخصص الدولة ميزانية ما بين 2 إلى 3 مليون ليرة تركية (أي حوالي المليوني دولار).
كما ذكرت الجريدة أن التقرير يقترح إقامة معاهد خاصة للمحافظين العلويين يتم فيها تدريس "علم الاجتماع في الدين العلوي" و"تاريخ الدين العلوي" و"الخبراء العلويين" وتدرس في بنيته أيضا العلوم الأكاديمية والبحث في الدين العلوي.
وطبقا للجريدة، فإن أهم خطوة في هذا المشروع الانفتاحي هو السماح بتأسيس "ديار علوية" ضخمة في كبرى المدن التركية مثل اسطنبول أنقرة وأزمير بينما تتكفل المديرية العلوية في الدولة بمصاريف إنشاء هذا الديار بالمقابل سوف يطلب من البلديات تسهيل مسألة شراء الأراضي على العلويين.
مطالب الأقلية العلوية في تركيا(57/113)
تمثيلهم في رئاسة الشؤون الدينية-أعلى هيئة دينية في تركيا-والتي تقتصر على المسلمين السنة،أو إقامة مجلس مذهبي خاص بهم وهذا ما تعارضه الدولة،مساهمة الدولة في تمويل إنشاء "بيوت الجمع" وهي مراكز العبادة لدى العلويين، إلغاء درس الدين الإجباري في المدارس والذي يقتصر على إعطاء المذهب الحنفي، أو إضافة التعليم العلوي إلى منهاج المادة التعليمية.هذا ولم يحصل العلويون من النظام العلماني الذي ساندوه طوال ثمانين عاما على أي مطلب.
وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 واجه العلويون وضعا جديدا ولكن في الوقت نفسه كان الأمل يزداد لديهم ليس لـ "كرم" حزب العدالة والتنمية بل لأن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كانت تتضمن شروطا أوروبية بمنح الأقليات المسلمة حقوقهم والمعني هنا تحديدا الأقلية العلوية.
وهكذا وجد حزب العدالة والتنمية وهو يحث السير على طريق الاتحاد الأوروبي في مواجهة تحديات من نوع جديد مثل الحقوق الكردية والحقوق العلوية والحقوق المسيحية وما إلى ذلك.
ويقدر العلويون في تركيا بثلث السكان ويتوزعون على ثلاثة أعراق العرب والأكراد ثم الأتراك. وقد كان العلويون يقترعون عادة للأحزاب العلمانية اليسارية التي لا يوجد في صفوفها محافظون أو إسلاميون ولكن منذ أن بدأ العلويون بالمطالبة إما بالتمثل في رئاسة الشئون الدينية القائمة أو بإنشاء مجلس خاص بهم وهم يواجهون بالرفض من كل الأحزاب ومن بينها الأحزاب العلمانية اليسارية .. وهو الأمر الذي دفعهم خلافا للسابق إلى عدم التصويت لصالح الأحزاب العلمانية اليسارية.
رحلة العلويين في تركيا(57/114)
رغم التحسن الكبير الذي طرأ على وضع المجتمع العلوي في تركيا استمر العلويون في حذرهم من السلطة واستمروا بعيدين عن الوظائف العليا وعاطلين عن العمل خاصة أن معظمهم كان يقطن بعيدا عن الغرب التركي والمدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة وكان مدى انفتاح الدولة على الإسلاميين أو عدم انفتاحها مقياسا لتقدم العلاقة أو تراجعها بينها وبين العلويين.
وعادت مخاوف العلويين إلى الظهور في الفترات التي كانت تشهد ميلا إسلاميا لدى الحكومات التركية مع "السياسة الإسلامية" التي اتبعها رئيس حكومات الخمسينات عدنان مندريس وحكومات الائتلاف التي شارك فيها حزب السلامة الوطني الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان في السبعينات وكذلك البعد الإسلامي من سياسات رئيس الحكومة فرئيس الجمهورية تورغوت أوزال في الثمانينات ومطلع التسعينات.
وقد مارس النظام التركي عموما من جهة تشددا علمانيا حيال الحركات الإسلامية فيما كان النظام نفسه يتحرك من جهة ثانية، بـ "ذهنية إسلامية سنية" حيال العلويين بحيث كان يشعر هؤلاء بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.
ويعتبر انقلاب 12 أيلول 1980 محطة سوداء في تاريخ العلويين إذ أقر النظام العسكري الجديد في سياق تعزيز الاتجاهات الإسلامية السنية إدخال تدريس الدين مادة إلزامية في جميع المدارس مع تضمينها في دستور العام 1982 الذي ما زال معمولا به حتى الآن.
كما شجع هذا النظام تشييد الجوامع في القرى والمناطق العلوية وقد أصابت ممارسات إنقلابيي 1980 بأذى بالغ أحزاب اليسار العلماني وانعكس ذلك على العلويين الذين كانوا يشكلون القاعدة الأساسية والعريضة لهذه الأحزاب.
وأخيرا(57/115)
تحتل المشكلة العلوية مكانا بارزا في لائحة القضايا المصيرية التي تشغل بال تركيا إضافة إلى المسألة الكردية والنزاع العلماني-الإسلامي والمشكلات الاقتصادية والإقليمية ويرى الخبراء السياسيين أنه على ضوء المسار الذي ستتخذه المسألة العلوية، يتوقف جانب كبير من صورة الدولة والمجتمع والكيان وبالتالي مستقبل تركيا.
في خطوة لحصول الطائفة على "مزيد من الحقوق"
استثناء الطلبة العلويين بتركيا من دروس الدين الإسلامي الإلزامية
العربية.نت 5/3/2008
تمكن ذوي الطلبة من الطائفة العلوية في تركيا بالحصول على حكم قضائي باستثناء أبنائهم من حضور دروس الدين الإلزامية في المدارس، وذلك بعد أن حكمت محكمة التمييز لمصلحة ابوين علويين تقدما بدعوى لاستثناء أبنائهما من تلك الدروس.
وبذلك يكون العلويون، بحسب مراقبين، قد خطوا خطوة كبيرة نحو الحصول على جزء من مطالبهم في الخصوصية في العبادة والتعليم، علماً أن إقرار المحكمة بحق الطالب العلوي في عدم حضور دروس الدين وعدم احتساب درجاتها في سجله، يعفيه من هذه المادة ككل باعتبار أن تعليم المذهب العلوي يتطلب تعديلاً كبيراً في قانون التعليم التركي، وهو أمر ليس على اجندة الحكومة التركية في الوقت الحالي.
وكان جاء في حيثيات القرار الصادر عن المحكمة أن مناهج الدين التي تدرّس في تركيا تركز على الدين الإسلامي والمذهب السني الحنفي، "ما لا يتناسب" مع مذهب ذوي الطلاب العلويين. واستندت محكمة التمييز في حكمها إلى مواد الدستور التي تؤكد علمانية التعليم في تركيا، وذلك وفقا لما ورد في صحيفة "الحياة" اللندنية الأربعاء 5-3-2008.(57/116)
وكانت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية اصدرت قبل عامين حكماً مماثلاً طالبت فيه تركيا بتوفير تعليم ديني خاص للعلويين والاقليات الدينية والمذهبية الأخرى. ووجدت الحكومة التركية نفسها أمام خيارين: إما إلغاء درس الدين بالكامل وتحويله درساً اختيارياً، أو توفير دروس ومناهج للعلويين بدل دروس الدين الحالية.
وفضّل رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الحل الأول بجعل دروس الدين اختيارية، لكنه تراجع بضغط من قاعدته الشعبية الإسلامية التي رأت في هذه الخطوة تراجعاً كبيراً عن الصفة المحافظة لحزب العدالة والتنمية الحاكم.…
ويطالب العلويون بتخصيص أموال لتدريس شعائرهم وإحيائها في تركيا، كما يطالبون بتخصيص أموال من الدولة لبناء دور عبادة تعرف ببيوت الجمع، وكذلك أموال لشيوخ الطريقة وأساتذتها، إضافة إلى تدريس العلوية في المدارس الحكومية كدرس اختياري أو على الأقل رفع الإلزامية عن تعليم أبنائهم درس الدين الحالي في المدارس التركية.
يذكر أن علويي الأناضول الذين يقدمون هذه المطالب ويقيمون الدعاوى القضائية على الحكومة، يختلفون عن علويي سوريا ولبنان ولواء الاسكندرون. فعلويو الاناضول يعتبرون علويتهم ديناً منفصلاً وليس مذهباً، لكن الحكومة التركية تعتبرهم مسلمين.
كما تجدر الإشارة إلى أن النظام العسكري الذي حكم تركيا بعد انقلاب عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان افرين، فرض دروس الدين في المدارس التركية للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية، وذلك ضمن خطط سياسية لحلف شمال الاطلسي لمواجهة الخطر الشيوعي في حينه.
ملامح مخاض كبير لدى السنّة ...
محمد أبو رمان - الحياة 26/02/2008(57/117)
تثير الأزمات المتتالية التي تعرّضت لها «الصحوات» السنية في العراق، مؤخّراً، تساؤلات عما إذا كنا أمام مرحلة انتكاس وتراجع هذه «الصحوات»، بعد مرحلة صعود متتالٍ لها، وتحقيقها تقدماً ملحوظاً على المستوى الأمني، من خلال بسط الأمن في بعض المناطق السنية في بغداد والأنبار وغيرها، أم أنّنا أمام مرحلة انتقالية مغايرة للمرحلة السابقة.
أحد ملامح الخلاف برز مع ظهور ثامر كاظم التميمي «أبو عزام» (قائد «صحوة» أبو غريب)، وهو من القادة الميدانيين سابقاً في «الجيش الإسلامي»، على فضائية العربية، وحديثه الصريح عن «الصحوات» وعلاقتها بالأميركيين والدعم الذي تحظى به من الفصائل المسلّحة، وبصورة خاصة من «الجيش الإسلامي».
أمير «الجيش الإسلامي»، أمين الجنابي، الذي يقيم في دمشق، شعر بالإحراج من تصريحات أبي عزام وبادر إلى إصدار بيان يتبرأ فيه من الرجل، على الموقع الرسمي للجيش الإسلامي، ويؤكد عدم معرفته به.
وهو البيان الذي عكس بصورة واضحة تنامي الخلافات داخل «الجيش الإسلامي» بين تيارين؛ الأول الذي يمثله «امير» الجيش ويشرف على الموقع الرسمي له ويقوم بالدور الإعلامي، وأغلب نشاطاته في العاصمة السورية، دمشق، وله تأييد داخل خلايا الجيش في العراق، والثاني تمثله القيادات الميدانية للجيش، ومن بينها أبو عزام وأبو أطياف وغيرهما. وتقول مصادر مطّلعة في الجيش أنّهم يحظون بتأييد «ابو حنان» (أو أبو علي الخليفاوي)، أحد مساعدي الجنابي، ويترددون إلى الأردن بين فترة وأخرى.(57/118)
أبو عزام، وفي تصريح خص به «الحياة»، قال إنّ موقف الجنابي بالتبرؤ منه يعكس تأثير دمشق على العديد من الفصائل المسلّحة، «ذلك أنّ مشروع الصحوات العشائرية التي يقود جزء منها الجيش الإسلامي، لا يخدم الأجندة الإيرانية والسورية التي تهدف إلى إدامة القتال مما يشكِّل ورقة من أوراق الصراع مع الإدارة الأميركية». وأشارت مصادر داخل الجيش الإسلامي إلى أنّ (أبو عزام) هدّد الجنابي بعد نشوب الصراع الإعلامي بينهما بأنّه سيقود حركة مع قيادات الداخل (الميدانية) لفصل قيادة الخارج وتحجيمها.
وقد شارك أبو عزام مؤخراً مع قيادات في «الجيش الإسلامي» في تشكيل كيان سياسي جديد «الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية» سيتم الإعلان عنه قريباً، ويشارك في عملية التأسيس الطبيب (مدير الهلال الأحمر العراقي) جمال الكربولي، الذي يقيم في عمان، ويضم الكيان الجديد فصائل في «المقاومة» وعدداً من الصحوات. فيما لا يزال أمير «الجيش الإسلامي» متردداً في الإعلان رسمياً عن الموافقة على الكيان الجديد، وإن كانت تصريحاته الأخيرة لـ «الحياة» تشير إلى اقترابه من القبول بالخط السياسي.
مصدر مطّلع ومقرب من الفصائل المسلّحة العراقية، أكّد أنّ هنالك بالفعل مرحلة مخاض من ناحية، وأنّ هناك خلافات داخل «الجيش الإسلامي» من ناحية اخرى، ورأى هذا المصدر أنّ الفصائل العراقية المسلّحة الآن هي بين ثلاثة اتجاهات؛ الاتجاه اليميني، ويمثله تنظيم ما يسمى بـ «دولة العراق الإسلامية» (التي تضم القاعدة في العراق)، والثاني ما يسمى بـ «المجلس السياسي للمقاومة العراقية»، ويمثل الجيش الإسلامي وعدداً من الفصائل، والثالث هو الذي لا يزال يصر على الخط المقاوم بصورته الوطنية، لا الأممية، وتمثله «جبهة الجهاد والتغيير».
«أبو عمر البغدادي خلف القضبان»!(57/119)
الاتجاه الأول، «القاعدة»، ضعف كثيراً خلال الشهور الأخيرة، وانحسر تأثيره وحضوره في صورة لافتة، لكنه يصر على استمرار واستئناف المعركة ضد الأميركيين والحكومة العراقية، مرتبطاً بسياق الحرب الأممية بين «القاعدة» والولايات المتحدة الأميركية.
وقد حوّلت «القاعدة» بوصلة عملياتها وأعادت ترتيب أوّلوياتها بحيث جعلت من «الصحوات» السنية هدفها الأول، بعد أن تمكنت هذه «الصحوات» من إضعاف «القاعدة» داخل المجتمع السني وملء الفراغ الذي خلفته، بحيث انحصر نشاط «القاعدة» في الموصل وبعض الأحياء والمناطق في بغداد.
في المقابل شكّلت «القاعدة» ما يسمى بكتيبة الصدّيق وعززت من الجانب الأمني في مواجهة «الصحوة»، وقد استطاعت قتل عدد من زعماءها.
وتؤكد مصادر مطّلعة أنّ أمير ما يسمى بدولة العراق الإسلامية، هو شخصية وهمية، أو رمزية، وأنّ من يمارس دوره هم ثلاثة اشخاص، الأول هو محارب الجبوري، الناطق باسم «دولة العراق الإسلامية» الذي قتلته القوات الأميركية في أيار (مايو) العام الماضي، والثاني هو خالد المشهداني (أبو شهد)، المعتقل حالياً لدى القوات الأميركية، وكان يعرّف عن نفسه بأنّه سكرتير «أبو عمر البغدادي».
فيما الشخص الثالث لا يزال طليقاً ويدعي «أبو عبيدة» أو «أبو أسامة»، ويتولى ما يسمى بحقيبة الدفاع داخل «دولة العراق الإسلامية». أمّا البيانات التي تصدر بصوت واسم البغدادي فهي بصوت شخص آخر، لا علاقة له بالقيادة الفعلية.
وتؤكد مصادر متعددة داخل الفصائل السنية المسلّحة أنّ الولاية الحقيقية ودفة القيادة لا تزال بيد «أبو حمزة المهاجر»، وأنّه هو من يتخذ القرارات المصيرية، وهو ما لمسته تلك المصادر من خلال تواصلها مع قيادات في القاعدة.
الصحوات.. تحولات جديدة(57/120)
على الطرف المقابل؛ فإنّ «الجيش الإسلامي»، الذي يمثل طيفاً واسعاً من التيار السلفي العراقي، قد دخل في عملية تحول بنيوية خلال الشهور السابقة، بدءاً من منتصف العام 2007، عندما ساهم في تشكيل «الصحوات» العشائرية السنية، بالتنسيق بين بعض قياداته وبين القوات الأميركية، وذلك نتيجة تنامي قناعة في أوساط القادة الميدانيين في الجيش أنّ «الاحتلال الصفوي الإيراني» هو أخطر من «الاحتلال الأميركي» وأنّ قتاله أولى من قتال الأميركيين.
ونظراً لتعذر الدخول في حرب على الجبهتين، فلا بد من هدنة مع الأميركيين وفتح الجبهة مع الإيرانيين، حماية لهوية بغداد السنية.
ويقول أبو عزام لـ «الحياة إنّ «فصائل المقاومة العراقية قاتلت الأميركيين نيابة عن الإيرانيين أربعة أعوام، وأنه آن الآوان لتصحيح هذا الخطأ الاستراتيجي».
ولا يخفي «أبو عزام» علاقته بالأميركيين، في سياق تنسيق عمل «الصحوات»، وبالتحديد «صحوة أبو غريب» التي يقودها وتتشكل من آلاف المقاتلين، الذين يأخذون مستحقات شهرية تصل إلى 300 دولار للعنصر الواحد من القوات الأميركية، لكنه يشكو من بطء الأميركيين وعدم استجابتهم لكثير من مطالبه، خصوصاً تحويل أفراد «الصحوات» إلى عناصر في الشرطة العراقية، ما سيؤدي إلى توازن داخل المؤسسة العسكرية والأمنية من ناحية، وإلى زيادة رواتب هؤلاء الأفراد إلى 600 دولار شهرياً أسوة بأفراد الشرطة والجيش.
إلاّ أنّ الفترة الأخيرة شهدت خلافات داخل «الجيش الإسلامي»، وأدت إلى قيام خلايا منه بعمليات عسكرية ضد القوات الأميركية، خارقة بذلك الهدنة مع الأميركيين، ما أحرج أبو عزام ومجموعته، وقد تزامن ذلك مع بروز خلافات شديدة بين «الصحوات» و «الحزب الإسلامي» في بعض المناطق من جهة وبين القوات الأميركية من جهة أخرى.(57/121)
ومن الواضح أنّ هناك حالة من الغموض في طبيعة المرحلة الحالية. فهناك تيار واسع داخل «الصحوات» والفصائل المسلّحة يسعى إلى بناء كيانات سياسية جديدة تمثل الصحوات والفصائل المسلحة، وهي قفزة نوعية جديدة، بعد تشكيل «المجلس السياسي للمقاومة الإسلامية»، باتجاه التخلي عن مقاومة الاحتلال الأميركي والتركيز على مصالح السنة العراقيين في مواجهة ما يعتبره أبو عزام نفوذاً إيرانياً متضخّماً.
وقد مضى هذا التيار خطوات في بناء الكيان السياسي المطلوب، وهناك حوارات داخل الفصائل المسلحة المرتبطة به (الجيش الإسلامي وجيش الفاتحين والهيئة الشرعية لأنصار السنة وجيش المجاهدين..).
وتؤكد مصادر داخل هذا التيار أنّهم بصدد إصدار بيانات تأسيسية وسياسية وفتاوى دينية تمنح الشرعية الفقهية والفكرية لهذا التيار ولمشروع الصحوات السنية، إلاّ أنّ هناك إقراراً بأنّ الصحوات ستتوزع بين كيانات سياسية عدة، وهو ما يخلق مشاريع سياسية سنية متباينة في الفترة القريبة.
سبق عملية تأسيس «الحركة الوطنية للتنمية والإصلاح»، تأسيس أحمد أبو ريشة (زعيم صحوة الأنبار) لكيان سياسي، بدعم خاص من الأردن، فيما يرى مراقبون أنّ هذا الكيان يعاني مشكلات بنيوية، وصراعات بين أقطابه الرئيسية، ومحاولات اختراق من الحزب الإسلامي، وهو ما دفع بأحد قادة «صحوات» الأنبار، حميد الهايس، إلى تهديد مقرات «الحزب الإسلامي» داخل الأنبار، وهي التصريحات التي أثارت جدلاً سياسياً واسعاً بين الطرفين.
وتشير مصادر مقربة من «الجيش الإسلامي» أنّ «الحزب الإسلامي» يحاول إعاقة بناء وتشكل الكيانات السياسية الجديدة، إذ يريد الاحتفاظ بصفته الممثل الوحيد السياسي لأهل السنة في العراق. مع التذكير أنّ «الحزب الإسلامي» يمثل الاتجاه الإسلامي- الإخواني في المقابل يمثل الجيش الإسلامي وبعض الصحوات الاتجاه الإسلامي- السلفي.
كتائب ثورة العشرين بين القاعدة والصحوات(57/122)
لا تزال كتائب ثورة العشرين والمقرّبة من الخط السياسي لهيئة العلماء المسلمين، وكذلك «جيش الراشدين» تحتفظ بأفكارها ومواقفها السياسية السابقة، بقتال الاحتلال الأميركي والتعجيل برحيله. وعلى رغم إقرار هذا التيار بخطورة النفوذ الإيراني إلاّ أنّه يرفض التعاون مع الأميركيين وفكرة «الصحوات» العشائرية.
لا تنكر مصادر مقرّبة من هذا التيار أنّ الفصائل المسلّحة التي تمثله قد ضعفت في بنيتها وحضورها، خلال الفترة الأخيرة، بسبب هيمنة «الصحوات» على المناطق السنية، ودخول عدد كبير من شيوخ وأفراد العشائر في «الجيش الإسلامي» تحت غطاء الصحوات، وبسبب نضوب الدعم المالي والعسكري، وبسبب التراجع الكبير في عمليات جيش المهدي (التابع لمقتدى الصدر) والذي كان يشكل استفزازاً لأهل السنة ويدفعهم إلى القتال مع الفصائل المسلحة. لكن الرهان الحقيقي لهذا التيار، وفقاً للمصادر المذكورة، هو على وصول «الصحوات» العشائرية إلى طريق سياسي مغلق، وإلى ارتكابها أخطاء شبيهة بأخطاء «القاعدة»، أدّت إلى انفضاض الحاضنة السنية عنها.
يبدو واضحاً أنّ هناك إرهاصات لمرحلة جديدة تمر بها الفصائل السنية المسلّحة بصورة خاصة والمجتمع السني بصورة عامة، ويمكن أن نطلق عليها مرحلة «ما بعد الصحوات». فالصحوات قد وصلت بالفعل إلى مفترق طرق، بعد إتمام جزء كبير من مشروعها الأمني، فهي أمام احتمالين رئيسين؛ إمّا الانهيار وعودة الزخم للعمل المسلّح، وإمّا التطور باتجاه مشاريع سياسية جديدة تستوعب الأطياف المختلفة من المجتمع السني. وقد بدأت مشاريع الكيانات السياسية الناشئة تنظر إلى الانتخابات البلدية التي ستجري في حدها الأقصى في تشرين الأول (اكتوبر) 2008، إذ ستمثل هذه الانتخابات امتحاناً حقيقياً للمخاض السياسي الحالي.
قبانجي ... وفتاوى جديدة!
سعود الريس - الحياة 7/3/2008(57/123)
شهد الأسبوع الماضي إشارات واضحة للصورة التي سيتحول إليها الصراع مع إيران، وأيضاً صورة التبعية المطلقة التي يراد للعراق أن يستقر عليها خلال الفترة المقبلة، إذ خرج علينا وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت محمد المهري، ليُفتي بأن الفكر السني هو مصدر الإرهابيين، فيما أفتى القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي في العراق صدر الدين القبانجي يوم الجمعة قبل الماضي، بأن المذهب الوهابي «عقيدة تكفيرية متحجرة»، وان المشاركة في أربعينية الحسين تُعادل سبع حجات إلى بيت الله الحرام وسبع عمرات أيضاً»، لا سيما أن عدد المشاركين، على حد زعمه، وصل إلى عشرة ملايين شخص ...أولئك لا يتحدثون من منطلق إسلامي بل سياسي صرف، وكل ما يهمهم هو تنفيذ املاءات «ملالي» طهران!
لذلك موضوعي اليوم لا علاقة له بالمذاهب من قريب أو بعيد، فأولئك مجندون سياسياً، ليتخذوا من الدين وسيلة للإساءة إليه ولمن يتبعه، وللوقوف على حقيقة ذلك ما علينا سوى العودة إلى ما قاله المرجع الديني الشيعي محمد حسين فضل الله في غير مناسبة، من أن «التطبير يسيء إلى الإسلام باعتباره يجعل من ذكرى عاشوراء مناسبة لتعذيب النفس وجلد الذات» (التطبير هو: ضرب الجسد بالسلاسل والسيوف ولبس كفن أبيض)، فكيف حولهم القبانجي إلى ملائكة، وأفتى لهم بأن زيارتهم تلك تُعادل سبع حجات ومثلها من العمرات؟!
من الواضح أن تلك الفئة التي خرجت بعد سقوط النظام العراقي قد تمت إعادة تأهيلها لنشر الفكر الصفوي وأطماعه السياسية التاريخية، وسعت إلى ذلك من خلال مشروع إعلامي تم إعداده ونشره من خلال الفضائيات، ليحاكي تلفزيونات الواقع عبر استقطاب بسطاء الناس «وتأجيج عواطفهم»، كما قال فضل الله.(57/124)
شخصياً أعتقد أن «الهشك بشك» لا يقتصر فقط على القنوات العراقية الراقصة التي غزت الفضاء، بل يمتد إلى تلك التي ترتدي عباءة الإسلام، فهي تروّج لهذا النوع لكن بطريقتها الخاصة، وإلا كيف يمكن لعاقل أن يقول مثل ما قال القبانجي، ويفاضل بين مكة المكرمة والنجف في عشر مفارقات، مفضلاً الأخيرة على مكة، في مخالفة صريحة للنصوص القرآنية وللإيمان وللعقل والمنطق؟!
أمام ذلك لا يمكن للعاقل إلا أن يقف مذهولاً، فالعالم الإسلامي لم يفق حتى الآن من هول صدمة الرسوم المسيئة لنبي الله محمد (عليه الصلاة والسلام)، ليخرج لنا أحد أتباع ملالي إيران ويأتي بإساءة تفوق ما قام به الرسام الدنماركي من خلال اختراع ركن جديد للعبادة لم يذكره الله ولا رسله.
إنني أعتبر القبانجي ونظيره المهري أداتين لفتنة هدفها سياسي، يطمح ملالي إيران في إشعالها، ولا أدل على ذلك مما قاله في ندوة لخريجي الجامعات العراقية في العاصمة الأردنية عمان في وقت سابق المرجع الشيعي «آية الله» حسين المؤيد، الذي أقام نحو عقدين في «قم»، بأن إيران لديها «مشروع قومي»، يهدف إلى السيطرة على المنطقة، وأنه نظام «يسعى لتحقيق مطامع قومية على حساب شعوب المنطقة، وتحت يافطة الدين والمذهب»، نافياً أن يكون لإيران أي «مشروع شيعي أو إسلامي»، وأن مشروعها «قومي» ينطلق من سيكولوجية تحتقر العرب وتكرههم، وأن خطر التمدد الإيراني على العراق والمنطقة العربية أكبر من الخطرين الأميركي والإسرائيلي» - على حد قوله. وأنا أتفق مع حسين المؤيد، وأعتبر أن ما قاله القبانجي يدخل في هذا الإطار، ولعلي أفترض أن الهجمة على المقدسات الآن تعتبر مرحلة متطورة، أعد لها ملالي إيران وأتباعهم جيداً، ففي السابق كان الهجوم على كل ما هو سعودي، ثم تم التحول الى الوهابية، ووصفها بأنها «تكفيرية متحجرة".(57/125)
المشروع الإيراني أكبر كثيراً مما نعتقد، وأشد خطراً وفتنة، بل هو سياسي بامتياز، ولا يهدف للسيطرة فقط على مقدرات المنطقة والهيمنة عليها، بل يسعى أيضاً لخلق نزاعات تجعل من هذه الأمة شعوباً متناحرة، ما يُعيدنا قروناً عدة إلى الوراء أكثر مما نحن عليه الآن، لذلك الخطر المقبل لن يكون من دول الخارج مثلما قال المرجع الشيعي المؤيد، بل هو من إيران التي تكيف الإسلام ومقدساته وفق أهدافها ومفاهيمها.
ميزانية نشر التشيع في العالم
نشر موقع " شيعة نيوز" ميزانية الحكومة الإيرانية لنشر التشيع في العالم، وذلك ضمن سياستها الخارجية، فهل يدرك أهلنا حقيقة الدور والخطر السياسي خلف نشاطات التشييع في العالم !! الراصد
شهدت ميزانية الجديدة لحكومة الإيرانية لتبليغ التشيع و إرسال مبلغين و فعاليات المذهبية لعام 1387هـ ش زيادة قدرها سبعة (7) أضعاف بالنسبة للعام الماضي 1386هـ ش، بما يعني زيادة قدرها 639% ،و قد وصل المبلغ المخصص لهذه الأغراض إلي 215 مليارو620 مليون و 100 ألف تومان إيراني (حوالي 8مليار و 626 مليون ريال سعودي).
و هذا المبلغ شهد ارتفاع جيدا بالنسبة للعام الماضي الذي كان 2 مليار و1?? مليون و ??? هزار تومان (حوالي 900000000 ريال).
ووصلت الميزانية المخصصة لتبليغ والإرشاد والمساجد إلى 4 مليار و 167 مليون و500 ألف تومان (حوالي 17000000 ريال).
وخصص لبرامج الحماية والهداية الثقافية والدينية مبلغ قدره 32 مليار و 825 مليون و800 ألف تومان (حوالي 132 مليون ريال سعودي)و قد شهدت ميزانية سنة المقبلة زيادة ما لها المثيل في تاريخ الدولة .
الخبر نشر في جميع المواقع الرسمية الإيرانية، مثل :
موقع شيعه نيوز : http://www.shia-news.com/ShowNews.asp?Code=86121501
موقع ولي العصر القزويني:
http://www.valiasr-aj.com/fa/page.php?bank=khabar&id=146
نص الخبر بالفارسي:(57/126)
بودجه فعاليتهاي ديني در سال ?? از افزايش چندين برابري (گاه ??? درصدي) در برخي عناوين برخوردار شده است.
به گزارش شيعه نيوز به نقل از ايران نيوز، در بودجه سال آينده ذيل برنامه «حمايت از آموزش هاي ديني و فرهنگي و هنري» وزارت ارشاد رقم ?? ميليارد و??? ميليون و ??? هزار تومان به چشم مي خورد که در قياس با بودجه امسال (? ميليارد و ??? ميليون و ??? هزار تومان) از رشد بيش از ? برابر (??? درصدي) حکايت مي کند.
همچنين بودجه «برنامه گسترش فعاليتهاي فرهنگي در مساجد» از رقم ? ميليارد و ??? ميليون و ??? هزار تومان به رقم ?? ميليارد تومان رسيده است که حاکي از ??? درصد رشد (?برابر) است.
بر اساس اين گزارش «برنامه حمايت و هدايت فعاليتهاي فرهنگي و ديني» در بودجه امسال ? ميليارد تومان بوده است که در بودجه سال آينده به ??و ??? ميليون و ??? هزار تومان تبديل شده است که نشان دهنده رشد ??? درصدي، معادل ? /? برابر است.
حزب الله إيران»: ما الفرق بين فلسطين وإسرائيل إن لم تسر في طريق أهل بيت النبوة؟
طهران - «الراي»: 4/3/2008م
في تصريحات صحافية تعبر عن مدى الفكر المتطرف لهذه الجماعة السياسية، أعرب الأمين العام لـ «حزب الله إيران» رجل الدين المتشدد سيد محمد باقر خرازي، عن أمله في أن يكون الرئيس المقبل من رجال الدين، مشدداً على معارضته لاستئناف العلاقات مع أميركا.
وقال «أن كلا من التيار المبدئي (المحافظ) والإصلاحي، يرغب باستئناف العلاقات مع أميركا».
وانتقد خرازي معظم القوى السياسية الفاعلة في إيران، واتهمها بالعمل على «خداع الشعب». وتابع: «في الفترة التي أعقبت انتصار الثورة الإسلامية، فان البلاد لم يتم إدارتها وفق أسس سلطة الدين والقيم الدينية، وحسب الظاهر، أن جهل معظم المسؤولين بالعلوم الدينية أفضى إلى تعطيل تنفيذ المبادئ الأساسية للدين».(57/127)
وأضاف: «من المؤسف أن القوى السياسية المبدئية والإصلاحية تقوم باستغلال القائد الأعلى والحاكم الديني في شكل أداة، وهي لتحقيق مصالحها تزعم كذباً أنها تتبنى الخط الفكري للقائد الأعلى». وشدد على «إن تلوث التيارات السياسية، تسبب في زيادة مشاعر عدم الثقة لدى المواطنين تجاه المسؤولين».
وحمل على تيار المبدئيين، قائلا «إن الفكر الغربي محسوس لدى كلا التيارين المبدئي والإصلاحي، وان التيار المبدئي الذي يزعم الدفاع عن القيم ، يقدم أحياناً على اتخاذ أسوأ الخطوات المنافية لهذه القيم، وان كل عناصر هذا التيار يرون في أنفسهم قادة ورؤساء جمهورية، ولو طاولت أياديهم القائد الأعلى لادعوا القيادة العليا أيضاً، لا يوجد فيهم من يدعي أنه جندي، كلهم قادة بدون عسكر، مع ذلك يزعمون امتلاكهم عسكراً عظيماً».
كما وجه خرازي انتقادا للحكومة بسبب مواقفها الداعمة للشعب الفلسطيني، وقال: «قدمنا كل أشكال الدعم لقوى التحرر الإسلامية، لكن ما الذي حصلت عليه إيران؟ وإذا كنا نقدم اليوم الدعم لفلسطين فيجب على فلسطين أن تسير في طريق أهل بيت النبوة، وإذا لم يحصل ذلك فما هو الفرق بينها وبين إسرائيل؟ إلى متى تبقى مائدتنا مبسوطة أمام الآخرين في حين أن الشعب الإيراني يتضرع جوعاً».
وعرض لانتقادات بعض رجال الدين المحافظين للشباب الذين يقلدون الغرب في الملبس والتصرفات واتهامهم بان لا دين لهم، وقال انه يرفض مثل هذه المواقف، وأضاف «إن شعرة عفنة لشاب شيعي وإيراني يرتدي الملابس الغريبة لهي أفضل من العالم بأسره».
ورأى أن قائمة مرشحي حزبه للانتخابات التشريعية المقررة في 14 الشهر الجاري، ستحصل على غالبية الأصوات، معتبرا أن «لا حظوظ لفوز مرشحي التيارين المبدئي والإصلاحي في الانتخابات المقبلة».
http://www.shia-news.com/ShowNews.asp?Code=86121304(57/128)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثامن والخمسون – ربيع الثاني 1429هـ
* فاتحة القول…ملاحظات حول التعاطي مع إيران ................................... ..........................…3
* فرق ومذاهب…سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة – (الأرمن) ..........................................…5
* سطور من الذاكرة…مؤامرات على الكعبة والحج (2) .................................................................…8
* دراسات …- بمناسبة الذكرى الخامسة لاحتلال العراق ....................................................
- جهود علماء العراق في الرد على الشيعة .... ...............................................…13
22
* كتاب الشهر …خلافات الصحابة .. بين مبدئية الشنقيطي وسردية الغضبان ...............................…29
* قالو ….......................................................................................................…34
* جولة الصحافة ……
العراق…- أزمة التيار الصدري إلى أين ....................................... .........................…36
…- إيران تواجه تحدي إدارة الفوضى العراقية ................................................…38
…- خطة إيران لفرض ولاية الفقيه على الشيعة ...............................................…41
إيران…- احتلال الجيران .................................................................................…45
…- خطر إسرائيل قائم .. فماذا عن الخطر الفارسي ...........................................…47
…- لقاء خاطف مع الشهيد الحي الاستاذ أيوب غنجي ..........................................…49
…- مؤتمر صحفي حول المؤتمر الدولي ........................................................
- بناء مستقبل مطمئن لجنوب غرب آسيا ....................................................…65
68(58/1)
…- هل تشكل إيران مصدراً للتهديد .............................................................…69
حزب الله…- قصتي مع حزب الله .........................................................................
- هل تنتقم القاعدة لعماد مغنية ..............................................................…71
74
شيعة الخليج…- خطة إيران المرحلية في الكويت .........................................................…78
…- ما أكثرهم أحفاد أبرهة ............ ...........................................................…81
…- هل بدأ تحويل البحرين والكويت إلى مستوطنات إيرانية ..................................…82
…خطة إيرانية المرحلية في الكويت عصيان مدني شيعي تتبعه عمليات عنف ............…85
…- الخليج والفتنة .. مراجعات عند منتصف الطريق ........................................…89
متفرقات…- الكفار المسلمون يعقدوا مؤتمرهم الأول في أمريكا .........................................…92
…- اليسار الإسلامي .. والثلج المقلي .........................................................…94
…- علويو تركيا ..................................................................................…98
…- الملامح الاستراتيجية الإيرانية في دعم القضية الفلسطينية .............................…102
…التشيع في خدمة المشروع الإيراني ..........................................................
…112
ملاحظات حول التعاطي مع إيران
لا يزال الضعف والتشتت والاضطراب والتناقض هو المسيطر غالباً على التحليلات والمقالات المتعلقة بإيران وخاصة التي تكون بأقلام إسلامية حركية!!
ويمكن لنا هنا أن نستعرض بعض الأمثلة:(58/2)
أولاً: لقد عقدت إيران في 12-13/2/2008 مؤتمراً دولياً بعنوان: "بناء مستقبل زاهر لمنطقة جنوب غرب آسيا" حضره مندوبون عن 25 دولة محيطة بإيران هي: (كازاخستان، وإيران، والمملكة العربية السعودية، وباكستان، وتركيا، وأفغانستان، وتركمانستان، واليمن، وأوزبكستان، والعراق، وعُمان، وقرغيزيا، وسوريا، وطاجيكستان، والأردن، وآذربايجان، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجورجيا، وأرمينيا، وفلسطين، وقطر، والكويت، ولبنان، وقبرص، والبحرين)، ويهدف المؤتمر تنفيذ مشروع إستراتيجي لإيران بإقامة "منظمة للأمن والتعاون الاقتصادي لدول جنوب غرب آسيا" تكون طهران محورها ومركزها! وهذا المشروع هو أحد بنود وثيقة الأفاق العشرينية لإيران عام 2020 والتي تهدف لجعل إيران أكبر قوة في المنطقة على جميع الأصعدة!!
ومع أهمية مثل هذا المؤتمر وخطورته إلا أن الإعلام العربي لم يتطرق لهذا المؤتمر ولو بخبر!! [في باب "جولة الصحافة" من مجلة "الراصد" عدد (58) تقريرين حول المؤتمر من "الوفاق" صحيفة إيران العربية).
ثانياً: أكثر الكتاب الإسلاميين – للأسف - لا يزالون مخدوعين بشعارات وتصريحات إيران ولا يدركون حقيقة الخطر الإيراني، ولذلك تجدهم لا يستطيعون تصور خطر إيران إلا إذا كانت تابعة وعميلة لأمريكا!!
وهم بذلك يبرؤون إيران من أن تكون خطر بذاتها، ويتغافلون عن وجود مطامع ومشاريع توسعية لدى إيران تتناقض والمصالح الإسلامية العامة والمصالح الخاصة للدول الإسلامية، ولذلك وجدنا أكثرهم لما صدم بزيارة نجاد لبغداد تحت الاحتلال الأمريكي لم يستطع أن يفهم الحقيقة من أن إيران تبحث عن مصالحها فقط، ولو كانت بعكس ما تعلنه من شعارات ثورية فارغة، وبدلاً من ذلك أخذ يردد نظرية حزب التحرير البائسة في كون إيران عميلة لأمريكا!!(58/3)
وذلك أن العقل الإسلامي بعد أن سيطر عليه الفكر الصوفي قبل عدة قرون مما قوض الحضارة الإسلامية الزاهرة، وخلف لنا عقلاً مسطحاً مضطرباً، لا يستطيع رؤية الأشياء المركبة، ولذلك يعجز هؤلاء عن رؤية عدة مشاريع متصارعة في آن واحد ولكنها أيضاً تتعاون في أحيان أخري لمصلحة مشتركة، رغم أن خبرتهم الحركية يجب أن تمكنهم من فهم تركيب هذه التحالفات.
فأغلب الحركات الإسلامية تؤمن بمصلحة الدعوة التي تمارس بشكل يخالف كثير من الأحكام الشرعية!! ومن ذلك التحالف من الحركات اليسارية والشيوعية التي تدعو للكفر علانية!!
إن إدراك استقلال الخطر الإيراني عن الخطر الأمريكي والخطر الإسرائيلي خطوة هامة جداً لفهم تعقيد الصراع الذي تعيشه أمتنا اليوم.
ثالثاً: يعاني كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين من نقص شديد في الذكاء والذاكرة، ولذلك تجدهم يحللون كثيراً من المواقف الخاصة بإيران وأتباعهم من الشيعة العرب تحليلات ساذجة.
فمثلاً تجد بعضهم يمجد وثيقة شيعة جنوب العراق ضد عدوان ونفوذ إيران هناك، ولكنهم يستنتج منها أن الشيعة مخلصون للعروبة!!
وهو بذلك يتجاوز ما كان ينكره من خطورة وعدوان إيران لغبائه أو سذاجته!! ومن ثم يتجاوز عن سبب سكوت كل هؤلاء العشائر والقوي الشيعية عن هذا العدوان سنوات عدة!! لأنه لا يريد أن يفهم أن إيران تعتدي من سنوات على العراق وأن انتفاضة هؤلاء هي بسبب التنازع على المكاسب والحصص وليس نفس العدوان الإيراني!!
وإلا فأين هي المواقف الحقيقية لنصرة الإسلام والعروبة والعراق ضد إيران وأمريكا وبريطانيا هناك في الجنوب؟
إن سبب هذه الانتفاضة والصراع الحالي بين ميلشيات جيش المهدي وقوات الحكومة الشيعية هو الصراع على النفوذ والمكاسب والنفط المسفوح، هذا النفط الذي هو ملك لكل العراق لكنه في الحقيقة ملك للميلشيات الشيعية والتي تتصارع على توسيع حصصها فيه.
وذلك فإنهم ارتضوا إيران حكماً ومصلحاً بينهم، رغم سبهم لها!!!!(58/4)
هذه بعض الأمثلة على العقلية الإسلامية التي تتعاطى مع الخطر الإيراني ومن ثم يتساءل بعض الطيبين لماذا تنجح إيران في احتلالنا وقتلنا!!
سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة العربية
تمهيد:
نقوم بالتعريف بعدد من المجموعات المسيحية الموجودة في المنطقة العربية كالأقباط في مصر، والموارنة في لبنان، والكلدانيين في العراق...إلخ، كون هذه المجموعات تعيش في المنطقة، وبعضها يتولى سدة الحكم كما في لبنان، إضافة إلى أن علاقاتها مع المسلمين كثيراً ما يشوبها الاضطراب والصدام كما في مصر. ثمة أسباب أخرى تدفعنا لطرق موضوع الجماعات المسيحية منها أن هذه المجموعات لا تعيش بمعزل عن المسلمين، فهي جزء من المجتمع وتلعب أدوارا سياسية واجتماعية واقتصادية، وربما عسكرية، ونحن نرى الآن في لبنان مثلاً أن الشيعة الممثلين بحزب الله وحركة أمل يقيمون تحالفاً مع بعض الأطراف المارونية المسيحية (عون، فرنجية) في مواجهة تحالف آخر يرأسه تيار المستقبل (السني) المتحالف مع بعض الأطراف المارونية (الجميل، جعجع) إضافة إلى التيار الدرزي الذي يمثله وليد جنبلاط.
كما أننا لا نغفل عن أن هذه المجموعات المسيحية، أو غيرها من الأقليات يراد لها أن تكون عنصر اضطراب في المجتمعات الإسلامية، إذ يتم في كثير من الأحيان دعمها ورعايتها واستغلالها من قبل الغرب لإضعاف المجتمع الإسلامي، وضرب سكانه بعضهم ببعض، لاسيما عندما يتم المبالغة في أعداد ونسب هذه الأقليات، لإظهار أنها مضطهدة مهمشة ولا تحصل على الحقوق والامتيازات التي توازي أعداد أفرادها. ومما يجدر ذكره أيضاً أن هذه المجموعات ليست كتلة واحدة متفقة ومنسجمة، إذ أن داخل كل جماعة مسيحية ـ شأن الجماعات والأديان الأخرى ـ توجهات وتيارات دينية وسياسية عديدة، تصل فيها الأمور في غالب الأحيان إلى مستوى الصراع والتخوين وربما التكفير.
6- الأرمن(58/5)
الكنيسة الأرمنية إحدى الكنائس المنتشرة في بلاد الشام ( سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين) والعراق وإيران وتركيا، وعدد من بلاد المهجر، ويتوزع أتباعها على المذهبين الأرثوذكسي والكاثوليكي، إضافة إلى قلة يتبعون المذهب البروتستاني.
وينحدر الأرمن من دولة أرمينيا، وقد هاجروا إلى المنطقة العربية لأسباب سيأتي الحديث عنها، كما أنهم من أتباع العقيدة المونوفيزية( ) التي انتشرت في أوساط الأقباط في مصر والحبشة، والسريان في سوريا والعراق، ولدى الأرمن (الأرثوذكس) ، قبل أن يعتنق جزء منهم الكاثوليكية.
ومن الباحثين من يعتبر أن اعتقاد الكنيسة الأرمنية بالمونوفيزية يخالف بعض الشيء ما جاء به أويتخوس، فهي لا تقول بإنصهار الناسوت واللاهوت في عنصر واحد، إنما تعتبر أن المسيح واحد في ناسوته مع لاهوته دون اختلاط ولا امتزاج ولا مزج( ).
كنيستان أرمنيتان:
يتوزع معظم الأرمن بين الكنيستين: الأرثوذكسية والكاثوليكية:
1.…الكنيسة الأرثوذكسية الغريغورية: وينتمي معظم الأرمن إلى هذه الكنيسة، ومقرها الحالي في أنطلياس، شمال بيروت. وتعود تسمية الكنيسة بـ "الغريغورية" نسبة إلى القدّيس غريغورس "المنوّر" (ت 325م)، الذي يرجعون له الفضل في تنظيم الكنيسة الأرمنيّة من حيث التعليم الديني والطقوس( ) وباشر ببناء الكنائس والأديرة. ومما يميز هذه الكنيسة أن العلمانيين يشاركون في إدارتها وفي الأمور الكنسية والاجتماعية المشتركة في ظل التشريع الذي يقرّ نظام الانتخاب في كل المسؤوليات( ).
2.…الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية: وهي حديثة التأسيس نسبياً، حيث اعترفت الدولة العثمانية بهذه الكنيسة سنة 1831م (وذكرت تواريخ أخرى قريبة) نتيجة الضغوط الغربية على العثمانيين. وقد نشأت هذه الكنيسة في لبنان، ومعظم الأرمن التابعين لها امتزجوا بسكان البلاد، واتخذوا أسماء عربية، ولم يعودوا يستعملون اللغة الأرمنية إلاّ ي المناسبات والطقوس الكنسية( ).(58/6)
انتشارهم وتوزيعهم:
وبحسب بعض المصادر المسيحية، فإن عدد الأرمن في العالم العربي يبلغ (450) ألف نسمة، ويتوزعون بالأعداد التقريبية التالية: لبنان (250 ألفاً)، سوريا (150)، العراق (16)، مصر (15)، الكويت (7)، فلسطين (3.5 معظمهم في القدس)، الأردن (2000)، السودان (1000)( ).
من مشاهيرهم:
تخصص الأرمن في بعض المهن، حتى ارتبطت بهم، ومنها الصياغة، والتصوير الفوتغرافي، وتجارة الجلود والأقمشة. كما أقبلوا على العمل في الموسيقى والتمثيل.
ومن مشاهيرهم: رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ريمون بار، والأديب الكاتب بالعربية رزق الله حسّون، والإعلامي بقناة المستقبل زفين، والكاتب وليم سارويان، والصحفي ختشادور أوسكانيان( ).
وكثيراً ما تنتهي أسماء العائلات الأرمنية بحرفي الألف والنون (ا ن).
للاستزادة:
1.…"موسوعة المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي"، إشراف ناجي نعمان.
2.…"موسوعة الأديان (الميسّرة)"، إصدار دار النفائس، بيروت.
3.…"موسوعة عالم الأديان" (الجزء الخامس عشر) - إشراف ط. مفرج.
4.…"الأديان والمذاهب بالعراق" - رشيد الخيون.
5.…"المسيحيون العرب: الدور والحضور" (عدد خاص من مجلة معلومات التي يصدرها المركز العربي للمعلومات في بيروت - العدد 45 - أغسطس 2007).
6.…" موسوعة ويكيبيديا" على شبكة الانترنت.
7.…" مواقع الهيئات والمنظمات الأرمنية" على الانترنت.
مؤامرات على الكعبة والحج (2)
في العدد الماضي من هذه الزاوية، تحدثنا عن بعض المؤامرات الشيعية التي استهدفت الكعبة المشرفة ومناسك الحج قديماً وحديثاً.(58/7)
والحج كما هو معلوم أحد أركان الإسلام الخمسة، والعبادة التي تتجلى فيها وحدة المسلمين واجتماعهم وتضحياتهم، أما الكعبة فهي قبلة المسلمين الموجودة في مكة المكرمة، أحبِ البلاد إلى الله، ولذلك توجهت إلى مكة والحج سهام الحاقدين من الكافرين، ومن المحسوبين على المسلمين، من المنافقين والعلمانيين، وأتباع الفرق المنحرفة.
وإذا كان الشيعة (أو بعض جماعاتهم) أظهروا عداءهم وبغضهم لمكة المكرمة، ومناسك الحج وفضلوا عليهما مقامات وأضرحة أئمتهم، كما بيّنا في المقال السابق، فإن فرقة الإسماعيلية، هي الأخرى وجّهت سهامها نحو الكعبة والحج ومكة، وصرفت الناس عن هذه العبادة العظيمة بأساليب وأشكال مختلفة.
أولاً: التأويل الباطني
معروف أن فرقة الإسماعيلية هي فرقة باطنية تدّعى أن للإسلام ظاهراً وباطناً، والتأويل (الذي هو التفسير المجازي أو الرمزي دون قرينة) هو أحد الوسائل الرئيسية التي اتخذتها الحركات الباطنية؛ ومنهما الإسماعيلية، لجعل عقائدها شرعية وصحيحة، من خلال القول أن الشريعة مشتملة على ظاهر وباطن لاختلاف فطر الناس وتباين قرائحهم في التصديق، فكان لا بد من إخراج النص القرآني من دلالته الظاهرة إلى دلالته الباطنية بطريقة التأويل( ).
إذاً، ادّعت الفرق الباطنية أن النص القرآني له مدلول ظاهري وآخر باطني، وهم بذلك صرفوا العبادات عن مدلولها الحقيقي، فادّعوا أن الصلاة تعني شيئاً آخر غير العبادة المعروفة، وكذلك الزكاة والصيام والحج، وسائر العبادات والعقائد.(58/8)
وإذا كنا نتحدث في هذه المقالة عن فريضة الحج والكعبة المشرفة، ومؤامرات الإسماعيليين عليهما، فإننا نقول إن الحج وسائر العبادات، خضع للتأويل عند الإسماعيلية، بل إن كل شيء عند الإسماعيليين يمكن أن يخضع "لقانون" التأويل فقد أوّلوا مثلاً الصلاة بأنها صلة الداعي إلى دار السلام بصلة الأبوة في الأديان إلى الأمام، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق، الصوم الإمساك عن كشف الحقائق لغير أهلها، والحج القصد إلى صحبة الأئمة، والإحرام الخروج من مذهب الأضداد...( ).
يقول د. محمد الخطيب: "وهكذا ينتهي بهم التأويل إلى طرح كل أركان الدين وإباحة محرماته، وهو الغاية القصوى التي تسعى إليها الباطنية"( ).
ولا نرغب هنا بالدخول في تفاصيل فيما يتعلق بالباطنية والتأويل، فقد تناولنا ذلك في مواضع عديدة من "الراصد"( )، لكننا نريد القول أن التأويل الباطني أكبر مؤامرة على الحج لأنه يهدف إلى إلغائه من خلال الاعتقاد بأن الحج يعني التوجه إلى لقاء الإمام الإسماعيلي، وليس الحج المعروف لدينا.
هذا التأويل الفاسد يؤدي بالنهاية إلى إلغاء الشريعة بالكلية، وهو الأمر الذي جعل الإمام عبد القاهر البغدادي يقول: "اعلموا - أسعدكم الله - أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل أعظم من مضرّة الدهرية، وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان: لأن الذين ضلّوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال في وقت ظهوره، لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها على أربعين يوماً، وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر"( ).(58/9)
وعلى منوال الإسماعيلية سارت فرقة الدروز، التي انبثقت منها، فعند الدروز (وتحديداً عند أكبر دعاتهم حمزة بن علي الزوزني) يعتبر الحج من ضروب الجنون، فكشف الرؤوس، وتعرية الأبدان، ورمي الجمار، والتلبية، كل هذا من الجنون في زعم حمزة.
وقد تجاوز حمزة الزوزني التأويل الباطني إلى إسقاط فرائض الإسلام وتبديلها بجملة من العقائد الدرزية، كما يظهر ذلك في قوله:
"فصدق اللسان عوض الصلاة،
وحفظ الإخوان عوض الزكاة،
وترك عبادة العدم والبهتان عوض الصوم،
والبراءة من الأبالسة والطغيان عوض الحج،
والتوحيد لمولانا (يقصد الحاكم بأمر الله العبيدي) عوض الشهادتين،
والرضا بفعله كيفما كان عوض الجهاد،
والتسليم لأمره في السر والحدثان عوض الولاية( ).
ثانياً: القرامطة:
القرامطة فرع من فروع الإسماعيلية، شكلوا في أواخر القرن الثالث الهجري حركة عسكرية عاثت في الأرض فساداً، واعتدت على الأفراد والممتلكات، وأعلنت التمرد والعصيان( ).
ولم يكن الحج ومكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام بعيدين عن إفساد القرامطة واعتداءاتهم، بل إن عدوانهم على الحجاج لم يسبقهم فيه أحد، حتى وصل الأمر إلى سرقة الحجر الأسود، وفي أحد مواسم الحج لم يقف بعرفة أحد!
ففي سنة 312 هـ هاجم زعيم القرامطة أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي الحجاج، ونهبهم، وأخذ أمتعتهم وأموالهم ونساءهم، وترك الحجاج في مواضعهم، فمات أكثرهم جوعاً وعطشاً ومن حر الشمس. وفي نفس العام دخل الكوفة فقتل الناس وانتهب الأموال، وجعل مسجد الكوفة اصطبلاً لخيوله( ).(58/10)
وعاود أبو طاهر عدوانه على مكة والحجيج في سنة 317هـ، وكانت هذه المرة أشد من سابقتها، وأكثر إيلاماً وإفساداً، ففي ذلك العام زحف أبو طاهر القرمطي على مكة، يريد قتل الحجاج وهدم الكعبة، فدخل مكة هو وأصحابه، وأخذوا يقتلون أهاليها، ومن كان فيها من الحجاج من رجال ونساء، وهم متعلقون بأستار الكعبة، وردم بهم زمزم، وفرش بهم المسجد وما يليه، وقتل في سكك مكة وشعابها من أهل خراسان والمغاربة وغيرهم زهاء ثلاثين ألفاً، وسبى من النساء والصبيان مثل ذلك.
وأقام أبو طاهر بمكة ستة أيام، ولم يقف أحد تلك السنة بعرفة، ولا وفّى نسكاً، وكان ينتقل من مكان إلى آخر وهو يدعو أصحابه: أن أجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار (لأن القرامطة يعتبرون الحج من شعائر الجاهلية ومن قبيل عبادة الأصنام).
وطلب أبو طاهر من أتباعه أن يدكوا أركان الكعبة، ويقتلعوا الحجر الأسود، حتى لا يبقى منه أثر، وطلع أبو طاهر إلى باب الكعبة، وقلع بابها الشريف، وصار ينشد:
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وبعد أن عاث القرامطة في بيت الله الحرام فساداً، خرجوا من مكة وهم ينشدون:
فلو كان هذا البيت لله ربنا لصبّ علينا النار من فوقنا صبّا
لأنا حججنا حجة جاهلية محللة لم تبق شرقاً ولا غربا
وإنا تركنا بين زمزم والصفا جنائز لا تبغي سوى ربّها ربا
واستمر أبو طاهر في اعتداءاته على مواكب الحجاج بعد ذلك، وفرض الأتاوات عليهم، وظل على ذلك حتى هلك - عليه من الله ما يستحق - في سنة 332 هـ( ).
ثالثاً: الحاكم بأمر الله الفاطمي(58/11)
الحاكم بأمر الله رابع حكام الدولة العبيدية، وهي دولة اعتنقت المذهب الإسماعيلي، وتسمت بـ"الفاطمية" ونسبت نفسها إلى آل النبي ?، وقد تولى الحاكمُ الملكَ سنة 386هـ، وقد اتسم حكمه بالظلم والقسوة والتقلب وعداوة أهل السنة، وله من المخازي ما لا يحصى، وأكبرها ادّعاؤه الألوهية، وعلى هذا قام مذهب الدروز، وقد امتدت مخازيه لتطال مناسك الحج، وقبر النبي ?.
ففي سنة 390هـ، حاول الحاكم نقل الحج إلى مصر، وشيّد ثلاثة مشاهد في المنطقة الواقعة بين الفسطاط والقاهرة، لينقل إليها رفات النبي ? وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، من المدينة المنورة. كان الحاكم يهدف من فعلته هذه، تحويل أنظار المسلمين إلى القاهرة، عاصمة العبيديين، وجعلها في درجة قداسة مكة والمدينة، لكنّ الله خيّب مسعاه، وحفظ قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه( ).
رابعاً: الأغاخانية
الأغاخانية إحدى جماعات الإسماعيلية المعاصرة، ويسمى زعيمهم "أغاخان" ولا يختلف موقف الأغاخانية من الحج عن موقف أسلافهم، فهم يتوجهون بقبلتهم إلى حيث يقيم إمامهم، فهم يعتبرون أن الكعبة ليست سوى حجارة، وأن الحج إليها في بداية الإسلام كان مناسباً لمستوى الناس العقلي في ذلك الوقت، وبدلاً من ذلك يفضلون الذهاب للأغاخان وزيارته، وتقديم الولاء والإجلال له، وبهذا يكون قد أدّى الأغاخاني الحج بزعمهم، ويقولون مستنكرين حج المسلمين بيت الله الحرام: ما الأفضل تحج إلى حجارة لا تعقل أم تزور إنساناً حيّاً متعلماً( ).
خاتمة
وفي مقابل إفساد الشيعة والإسماعيلية لمناسك الحج، والاعتداء على الحجاج وممتلكاتهم، وصرف الناس عن هذا الركن من أركان الإسلام، يقف أهل السنة موقف التعظيم والتوقير لبيت الله الحرام، من خلال إعماره، والتوجه إليه.(58/12)
ونختم مقالنا بكلام موجز قيم لعبد القاهر البغدادي عن جهود أهل السنة في هذا المجال، فيقول: "ومؤلفاتهم في الدين والدنيا فخر خالد مدى الدهر للأمة المحمدية، وأما آثارهم العمرانية في بلاد الإسلام فمشهورة ماثلة أمام الباحثين، خالدة في بطون التواريخ، بحيث لا يلحقهم في ذلك لاحق، كالمساجد والمدارس والقصور والرباطات والمصانع والمستشفيات، وسائر المباني المؤسسة في بلاد السنة، وليس لسوى أهل السنة عمل يذكر في ذلك.
وقد بنى الوليد بن عبد الملك المسجد النبوي، ومسجد دمشق على أبدع نظام، وكان سنيّاً، وبنى أخوه مسلمة المسجد بقسطنطينية، وكان سنيّاً وكل ما في الحرمين وسائر الحواضر من شواهق الآثار فمن عمل أهل السنة"( ).
للاستزادة:
1- "الفرق بين الفرق"، أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي.
2- "الحركات الباطنية في العالم الإسلامي"، د. محمد أحمد الخطيب.
3- "الراصد نت".
بمناسبة الذكرى الخامسة لاحتلال بغداد
خمس سنين ... من الهزات والمراجعات (1)
في الذكرى الخامسة لاحتلال بغداد، قيل - ويقال - الكثير. إنها بغداد ...! نعم، إنها بغداد...!
بوارقها هذي وهذي رعودها …وتلك سرايا عزِّها وبنودها
لكنني أود استقبال الذكرى بطريقة مغايرة، تعتمد العقل والنظرة الفاحصة، ليس بعيداً عن المشاعر اللاهبة، والعواطف المتأججة؛ وهل يمكن لأحد أن يفصل بين قلبه وفكره عند الحديث عن احتلال بغداد...؟!
بيد أنني أريد أن ألتقط من بين ركام الأسى، ودخان المأساة جواهر ولقىً أحاول أن أجعل منها منارات، ترسم معالم بارزة في طريق (القضية).
إذا كنت كتبت قبل ثلاثة أسابيع بمناسبة ذكرى الغزو الأمريكي – الإيراني للعراق أصف السنين التي مرت بأنها (خمس سنين من الخسائر والفضائح)، فإنني اليوم، وبمناسبة ذكرى يوم احتلال بغداد الرشيد أصف تلك السنين بأنها (خمس سنين من الهزات والمراجعات)!(58/13)
نعم! لقد كانت هزات متوالية عنيفة، أثارت إلى السطح كثيراً مما كان راكداً في القعر من رواسب وتحجرات، ووجهت سهام الشك إلى بعض الثوابت والمسلمات، التي تبين لنا أن ثباتها لم يكن أكثر من تحجر وجمود، لا بد من تليينه أو كسره – حين يقتضى الأمر – إذا أردنا الانطلاق. وهكذا كانت المراجعات. ولولا الهزات ما كانت المراجعات.
وأي هزة أكبر وأقوى وأشد من أن يرى المرء بلده يحتله أعدى أعدائه، يهينونه، ويذلونه، ويتحكمون في مصيره وشؤونه!!! وفي الوقت نفسه كانت فرصة لأن يظهر (أصحاب المبادئ) كما هم تحت الشمس، بعد أن كانوا يتوارون في كهوف الخوف، ويتخفون في أردية التقية. فأي مراجعات هي إذن؟!!!
أرجو من القارئ أن لا يستعجل بالنقد أو اللوم إذا وجد – كما يظن - شيئاً من الميل في هذه المراجعات؛ إن الهزة عنيفة.. عنيفة يا صاحبي! وحتى تقدر الأمر بعض قدره أقترح عليك أن تصحبني في جولة سريعة بين سطور كتبتها على عجل في بعض تلك الأيام. ألست بصاحبي؟
بين الحزن والكآبة
في يوم (26/6/2003) كتبت في دفتر مذكراتي تحت هذا العنوان أقول: (عندما احتلت بغداد خيم علينا الحزن، واجتاحنا الخوف، والشعور بالضياع. و.. وبكينا.. ولا زلنا نبكي.. عاصمة الخلافة والمجد الغابر. لكن الحزن يمكن أن يخفف بجلسة مع أحباب، أو سياحة مع كتاب...
.. ويمكن أن تسمع معه طرفة فتضحك لها، أو تذهب في نزهة فتنسى - ولو برهة - بعضا من أحزانك. أما حزننا هذا فشيء آخر.. آخر تماماً!
كنت في البداية – والصدمة في أولها، والجرح لا زال في حرارته - أقول: إن ما حدث بقدر، والإنسان مسؤول عن القيام بالأسباب الممكنة، ثم يكل من بعد الأمور إلى مدبرها. فليكن شاغلنا العمل بالتكليف وهذا هو المطلوب منا، حتى لا نستهلك طاقتنا بما لا ينفع، وحتى لا نيأس، والله تعالى يقول: ?[فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً? [الكهف:6].(58/14)
وأنست فترة تقارب الشهر بهذه الفكرة - وهي عقيدة لا شك فيها - فكنت أتحرك وأذهب وأجيء، وأتفاعل مع الأحداث، وأسجل محاضرات، وأقرأ كتباً جادة.
لم أكن أدري أن الحزن كان يترسخ شيئاً فشيئاً، ويغور في أعماق النفس، ويمتد بجذوره بعيداً بعيداً، ويشتبك مع عروق الحشا، ونياط الفؤاد. فإذا هو بعد حين يتحول إلى.. كآبة. كآبة نغصت عليّ حياتي، طعامي، شرابي، قراءتي، علاقتي بأهلي. حتى صرت أهرب من نفسي..!
نعم! فإن أي لحظة أخلو فيها بها، أو أنصرف إليها تتكاثف عليّ فيها الهموم فكأنها شيء ثقيل يحط على قلبي، أحس به حقيقة، وأجد أثره كأنه كية مكواة تتصاعد حرارتها، فأفزع من نفسي إلى أي شيء يلهيني عنها؛ وصرت لا أطيق المكوث كثيراً في البيت، وساءت أخلاقي مع أهلي!
صورة واحدة تدور في مخيلتي أو كأنها ثبتت فيها بمسامير، وعلق عليها طبل كبير، فهو يرن براسي: صورة الجنود الأميركان وهم يجوبون الطرقات بأسلحتهم ودباباتهم!
صورة تأكل معي... وتشرب... وتنام، وتصحو!
أما الكتابة فما عدت أقدر عليها، أو أجرؤ على مس القلم لأجلها.. ماذا أكتب؟! والهموم تتصاعد من مناخري؟!!!
أأكتب سقطت بغداد؟ الله أكبر؛ إن الزفرات يتوالى نفثها من صدري وأنا أكتبها!
هل أكتب عن هزيمة الأمة وجراح الوطن، وآلام الناس، ومآسي الأهل؟
أأكتب عن استسلام كثير من العلماء - ومعهم الأتباع - الذين صاروا يقلبون الأمور ويشوهون الحقائق ويفسدون الدين في عقول الأمة حتى صاروا يسمون الاحتلال تحريراً، والجهاد اعتداءاً، والغازي المعتدي مستأمناً وصاحب ذمة؟!
أأكتب عن خيانة الشيعة - إلا من رحم - للدين والوطن، وترحيبهم بالغزاة، وقتلهم العلماء، والمجاهدين، والعسكريين السابقين، وتربصهم بنا الدوائر. ثم تجد رموز أهل السنة يمجدونهم ويمتدحونهم بلا حياء!
ماذا أكتب؟ وأنا إذ أكتب أشعر كأني أعيش ما أكتب! وأتفاعل معه بطريقة غير طبيعية. طريقة مؤلمة مزعجة. وهذا أحد أسباب هروبي من الكتابة.(58/15)
ولكن ماذا أكتب؟ ما هو الشيء المفرح المريح الذي إذا كتبته فرحت به وارتحت له؟ ولهذا سأترك مواصلة الكتابة عند هذا الحد ولا أدري متى أرجع إليها)!
ومشينا طويلاً صامتين
بعد شهر من الزمان، وتحديداً في يوم الجمعة (25/7/2003) كتبت تحت عنوان "وبدأت الغيوم تنقشع" أقول:
الحمد لله .. بدأت حالتي تتغير شيئاً فشيئاً.. صرت أحس بشيء من الراحة، وأستطيع أن أتفاعل – مثلاً - مع طرفة تروى فأضحك لها كما كنت أضحك من زمان غابر أو... أكاد.
قبل أيام حضرت مجلساً كبيراً بناءً على دعوة من أخ عزيز على قلبي. تحدثت فيه عن البشائر الكبيرة التي تلوح في الأفق، وكنت متفائلاً حتى إن ذلك الأخ عجب مما يرى ويسمع الآن! وهو يقارن بينه وبين ما كان قد رآه مني قبل حوالي عشرين يوماً، في عصر ذلك اليوم الذي قطعناه معاً بين الحصوة والرمادي وكان معنا أخونا صاحب المواقف النبيلة (...).
تبادلنا الأشعار، وهاج الحنين وكانت ليلانا – والله - هي العراق.. العراق .. ولا غير.. وانطلقت حنجرتي قليلاً:
تبجي ... أحبابك… من تذكرك يا عراق
إلا ... مصابك… كل المصاب يهون
كنت أشعر ساعتها - ولا زلت - أن العراق قد هجر الوطن حبيباً فارق الديار بلا وداع. أما هذه الأرض التي نتنقل عليها فليست هي العراق.. العراق الذي نعرفه ويعرفنا. وانتابني شعور جارف بالحنين إلى كل شيء كان قبل ما كان.. من الفراق الذي كان بلا وداع!
ودار في نفسي مشروع قصيدة لم أنجزه، كان منطلقه أنني أحن إلى كل شيء كان موجوداً قبل أن يغادرنا الحبيب العراق، الحبيب الذي صرت أحب لأجله كل شيء كان فيه. مهما كان! ويا ما كان! فليعد إلي العراق وأنا راضٍ إذا عاد بكل ما فيه من محبوب و... مكروه.(58/16)
وتكاثفت هذه الأفكار الغريبة، وانهدت متتابعة تغازل خيالي، وأنا أنظر إلى الحقول الممتدة على جانبي الطريق السريع، وقد هبطنا الجسر قبل أن نصل إلى سجن (أبي غريب) بقليل. وإذا أنا بصوتي ينقطع، والعبرات تجري على خدي كنهر جارف قد انهار سده..
وبكيت ما شاء لي البكاء أن أبكي... لقد كنت في تلك الدقائق كأني أنزح العبرات من قعر روحي المشتاقة الملتاعة. وسكت الأحباب إجلالا للموقف، ومشينا طويلاً صامتين.
نعم إنها بغداد.......!
بوارقُها هذي وهذي رعودُها……وتلكَ سرايا عزِّها وبنودُها
وتلك مضاميرٌ إلى المجدِ عُبِّدتْ……دماً كلما آلتْ لجدبٍ نزيدُها
وما بينَنا إلا مسافةُ نبضةٍ……من القلبِ ممدودٌ إليكِ وريدُها
وما بينَنا إلا تراتيلُ موعدٍٍ ……عليهِ المنايا تقشعرُّ جلودُها
أبا جعفرٍ فانظرْ لبغدادَ إنها ……عروس من الأمجادِ صارت برودُها
نعم إنها بغدادُ من ألفِ حَجةٍ……توالى عليها مجدُها وسُعودُها
نعم إنها ظلتْ مدى الدهرِ لبوةً……إذا زأرتْ تنفكُّ عنها قيودُها
نعم إنها بغدادُ للأرضِ محورٌ……ومرتكزٌ لو مالَ يوماً عمودُها
أبا جعفرٍ شيدتَها أنتَ مرةً……وفينا الذي في كلِّ يومٍ يَشيدُها
بوارقُها هذي وما مرَّها الردى……على موحشٍ إلا تناخى أُسودُها
يجيئون سيلاً كاسحَ المدِّ جارفاً……تضيقُ بهِ آفاقُها وصعيدُها
أبا جعفرٍ فانظرْ لبغدادَ إنها……إلى المجدِ يمشي كهلُها ووليدُها
لقد علمتَ جيلاً، وجيلٌ ستغتدي……مكارمُهُ مثلُ النجومِ عديدُها
نعم إنها الأبقى إذا ضجَّ حادثٌ……وإن معاليها عليها شهودُها
نعم إنها بغدادُ تاريخُها الهدى……وأقصى مجراتِ الشموسِ حدودُها
نعم إنها نبضُ الحضاراتِ، دونها……لما أثمرت يوماً وأخصبَ عودُها
هذه صور مجتزأة من هنا وهناك، أنقلها عسى أن أنقل القارئ إلى جو المحنة، والمشهد المروع للحالة التي كنا نمر بها تلك الأيام، والهزات العنيفة التي ساقتنا سوقاً لمراجعة الحساب.(58/17)
تلك صور رسمتها بعد حين من الاحتلال. تعال بنا يا صاحبي نلقي نظرة على صورة في خضم المحنة، وتحت دوي القصف عشية الاحتلال:
الضمائر والمصالح
وفي يوم الجمعة (4/4/2003) – أي قبل احتلال بغداد بخمسة أيام - كتبت بعنوان (الضمائر والمصالح) أقول: (هل ماتت ضمائر العالم أمام هذه الكوارث التي يصنعها طغاة الأرض في ربوع العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان؟!
أمريكا تحتاج العراق، وتقصف طائراتها المساكن والشوارع، وتقتل الناس الأبرياء في مناظر مروعة تتناقلها محطات التلفزة دون أن يستنكر أحد من حكام دول العالم سواء كانوا أجانب أم عرباً أم مسلمين ما يحدث!
ويتخذ خطوة فعالة مؤثرة لإيقاف هذا المسلسل المروع. سوى أصوات خافتة هنا وهناك. القصد منها إحداث بعض التوازيات الشخصية دفاعا عن النفس، أو المصلحة تحسباً للمستقبل وما سيكتب التاريخ.
تصوروا..! الاتحاد الأوربي مشغول بالكيفية التي يمكن بها الحصول على حصة في القصعة العراقية مع الأكلة الأميركان. حتى الإسلاميون ماتت ضمائرهم أو غابت أمام المصالح!
فرحنا كثيراً حينما فاز الحزب (الإسلامي) التركي في الانتخابات أخيراً، واستبشرنا خيراً. أمس لو رأيت عبد الله كول وزير الخارجية التركي وكيف يحتضن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بحرارة، ويضحك بملء فمه وهو يرحب به ومعه رئيس الوزراء رجب أردوغان. هذا وقنابل كولن باول على رؤوس العراقيين كالمطر، ولا يتمعر لإخواننا في تركيا وجه!!!
نعم قد يكون الإنسان مغلوباً على اتخاذ موقف ما. ولكن هو غير مجبر على أن يظهر بشره إلى هذا الحد الذي يكاد يطير فيه فوق الأرض، وكأنه لا يصدق أنه يواجه وزير الخارجية الأمريكي، ويجلس معه! ثم.. رجع كولن باول وحقيبته ملأى من تركيا، لتتواصل أرتال الدعم اللوجستي من الأراضي التركية إلى شمال العراق.(58/18)
وفرحنا من قبل بالسودان التي صار يحكمها (الإسلاميون). ثم.... قبل أيام قتلت الشرطة السودانية ثلاثة طلاب يتظاهرون ضد الحرب على العراق!!!
ولو سألت الحكومة السودانية (الإسلامية...!!!) لقالوا: إن المصلحة الوطنية تستدعي منا المناورة! فأين الدين ؟ وأين الثوابت ؟ وأين الأُخوة ؟ أين الأخلاق؟
أيعقل هذا؟! كلها تتهاوى أمام المخاوف والمصالح؟
إذن لماذا نحن مسلمون أو إسلاميون؟ ما الفرق بيننا وبين غيرنا؟ إذا كانت مبادئنا تتشنج أطرافها عند أدنى اقتراب من عتبة السياسة؟!
وتذكرت المواقف الهزيلة لكثير من مشايخ الدين ورجال الدعوة أمام الشيعة، واعتذارهم
بالمصلحة و(الحكمة) و(بعد النظر). وحين تواجههم بالنصوص والثوابت يحيدون عنها بشتى الحجج. وتوصلت إلى نتيجة واحدة هي أن هؤلاء المتأسلمين لو وصلوا إلى سدة الحكم فلن يختلفوا في موقفهم عن موقف الحكام الذين ينتقدونهم، ويشنون عليهم حملات تعطيل الشريعة، وسينقلبون يومها إلى محترفي سياسة حتى العظم.
والدليل أن الإسلاميين (العرب والمسلمين) الذين وصلوا إلى الحكم لم نر عنهم اختلافاً عن غيرهم يقتضيه التزامهم الديني.
هل يمكن القول أن بيننا وبين انتصار الإسلام الموعود زمناً طويلاً ؟! لله أعلم.
أما أخبار المعركة فهذا هو اليوم السادس عشر والجيش الأمريكي يقوم بإنزالات متعددة كثيرة في العراق، حتى إن مصادر الأخبار الأمريكية تقول بأن إنزالاً وقع في مطار صدام الدولي في بغداد، وأنهم قد دخلوا النجف. وتقول بعض المصادر: إنهم يراهنون على المراجع الشيعية، وعلى إحداث فتنة طائفية).
أبعد هذا يلام المرء حين يراجع حساباته تجاه (الإسلاميين) المتأخرين؟ ومع ذلك ظللت أنتظر سنين، مغلباً جانب حسن الظن، والجنوح إلى التأويل. ولكن إلى متى؟(58/19)
وقد رأينا (الإسلاميين) الذين جعلوا أساس كيانهم ووجودهم تطبيق حكم الله تعالى في الأرض ما إن رأت أعينهم خشب الكراسي في ديوان الحكم ولو من بعيد، حتى انطبقت عليهم العبارة التالية التي كتبتها تلك الأيام قبل أن تتطور الأحداث، وينكشف اللثام تمام الانطباق...
(وتوصلت إلى نتيجة واحدة هي أن هؤلاء المتأسلمين لو وصلوا إلى سدة الحكم فلن يختلفوا في موقفهم عن موقف الحكام الذين ينتقدونهم، ويشنون عليهم حملات تعطيل الشريعة، وسينقلبون يومها إلى محترفي سياسة حتى العظم). وهكذا كان..!
خمس سنين ... من الهزات والمراجعات (2)
في وسط محيط المعاناة، والخذلان من القريب والبعيد، والتفكير السطحي، والحالة الغثائية التي عليها المؤسسة الدينية: الرسمية والدعوية، كتبت سنة (2001) في كتابي (لا بد من لعن الظلام) – الذي أنجزته في مطلع ربيع (2002) – أقول:
لقد جاء الإسلام ليصنع مجتمعاً يحمل (قضية) أي له رسالة، لا مجتمعاً عابداً عبودية مجردة تعزله عن وجود رسالة له في الحياة. فصنع أتباعاً كل واحد منهم يشعر أنه صاحب (قضية).
أما العبادة فكانت وقود (القضية)، وزادها الذي لا بد منه لمواصلة المسير.
وهي بمعناها الأشمل تتضمن (القضية)؛ لأن العبادة التي أرادها الإسلام ذروة سنامها الجهاد، والجهاد لا يكون بلا قضية.…
والمجتمع الفاقد لـ(القضية) فاقد للجهاد مهما بدا مسلماً عابداً ملتزماً بشرع الله. وحين تتبنى الدعوات العبادة بمعناها الضيق - وليس (القضية) - تكون قد أخطأت خطأً فادحاً وأسلمت للغير زمام الأمور.…
يقول تعالى: ?أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين? [التوبة:19].
لا ولاية ولا نصرة لمسلم لا ينصر (قضيتك)(58/20)
فالمجتمع الإسلامي مجتمع جهاد لا مجتمع عبادة، بالمعنى المحدود للعبادة حين تخلو من مضامين (القضية)؛ ولذلك قطع الله تعالى الولاية والنصرة الكاملة بين المسلمين الذين أرادوا الإسلام مجرد عبادة دون تحمل تكاليف (القضية) فلم يهاجروا، وبين المهاجرين والأنصار أصحاب (القضية) فقال: ?إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ? [الأنفال:72].
وكانت الهجرة إلى المدينة يومها تمثل الشراكة في هم (القضية). كافر ينصر (القضية) أنفع لنا من مسلم يعيش لنفسه ..
وفي هذه الآية مفارقة عجيبة هي أنه إذا حصل قتال بين مؤمنين لا ينصرون (قضيتك) وبين كافرين بينهم وبينك ميثاق وعهد، فلا يحل الوقوف مع المؤمنين ضد هؤلاء الكافرين المرتبطين مع المؤمنين الصادقين بميثاق يلزم نصرة بعضهم بعضاً؛ لأن هذا الميثاق يجعل الكافر حاملاً لـ(القضية) التي أنت بصددها بصورة أو بأخرى. فالقرآن من هذه الناحية يعطي قيمة لمن ينصر (القضية)، وإن كان كافراً، ويقر له بدوره على من تنصل عن حملها ونكل عن تكاليفها، وإن كان مؤمناً!
بل إن فتح مكة - الحدث السياسي الأعظم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم - كان سببه الوفاء بميثاق النصرة المعقود بينه وبين قبيلة خزاعة التي اعتدت عليها قريش فنقضت ميثاق الهدنة.
مقياس الولاء (النصرة) الشراكة في (القضية)(58/21)
من هذا وغيره - وهو كثير - يتضح لك الخطأ الفادح الذي يقع فيه من جعل همه ودعوته العبادة وليس (القضية). والخطأ الأفدح الذي يقع فيه حامل (القضية) حين يصرف جهده في نصرة أقوام لا يشاركونه هم قضيته، ولا يحملون عنه بعض وزرها. متصوراً أن اشتراكهم معه في الدين يفرض عليه هذه النصرة، فيحمل هماً فوق هم، ويتحمل وزراً فوق وزر! مع أن الله تعالى يقول: ?وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ?. وهؤلاء قسمان: قسم لا شأن له بقضيتك. وقسم مشغول بـ(قضيته)، مهما كانت هذه القضية مشروعة مقدسة.
وجوب نصرة المسلمين بعضهم بعضاً
يقول تعالى: (والمؤمنون والمُؤمناتُ بَعضهم أولياءُ بَعضٍ) [التوبة:71]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: [انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً].
وهذا يوجب على المسلمين نصرة بعضهم بعضاً، لا سيما المظلوم منهم. وقد كنا – ولا زلنا – ننصر إخواننا المظلومين في فلسطين وغيرها بما نستطيعه من فعل قلب ويد ولسان. والذي يراجع المقالة في جزئها الأول يجدني - وفي وسط الكارثة والقصف الوحشي والدمار والتشرد الذي كنا نواجهه، وفي يوم (4/4/2003) - قد كتبت أقول: (هل ماتت ضمائر العالم أمام هذه الكوارث التي يصنعها طغاة الأرض في ربوع العراق وفلسطين وأفغانستان والشيشان)؟! فلم أفرد العراق بالذكر رغم الظرف الذي كان يسحق على عظامنا ونفوسنا!
وإذا كان واجباً علي أن أنصر أخي في فلسطين، فهو – بالمقابل – يجب عليه أن ينصرني ولو بلسانه. فالواجب متبادل بيننا. وليس من أحد خارج عن القانون الإلهي، سيما من كان يدعي أنه من (الإسلاميين) الذين ارتضوا دين الله منهجاً وحكماً.
صدمة ولدت انتباهاً لحقيقة عجيبة...!(58/22)
بعد مرور فترة على الاحتلال بدأت أنتبه، وبسبب الصدمات المستمرة، وتطلعنا المستمر إلى من ينصرنا من إخواننا، ومن هو معنا؟ ومن هو ضدنا؟ ومن هو ساكت على التل؟ وشيئاً فشيئاً، خصوصاً بعد زيارة خالد مشعل لإيران في آخر سنة (2005)، وتصريحه من هناك بوقوفه ضد من يعتدي على إيران، وتقبيله يد السفاح علي خامنئي – بدأت أنتبه إلى أن إخواننا في فلسطين - حتى الخصوص منهم - لا يعنيهم أمرنا شيئاً.
وكتبت يومها إليه أقول: (يا أخ خالد! كما أن "إسرائيل" تحتل فلسطين، فكذلك إيران تحتل العراق. وكما أنكم – ونحن معكم – تعادون "إسرائيل" لاحتلالها فلسطين، فنحن نعادي إيران، ومن حقنا عليكم أن تعادوها معنا؛ لأنها تحتل - وتعين على احتلال – العراق.
وكما أنكم لا ترضون – ولا نحن نرضى - أن يزور أحد منا "إسرائيل" ليصرح منها أن من اعتدى عليها فنحن له بالمرصاد، كذلك لا نرضى أن تزور أنت إيران عدونا الأول، نحن العراقيين، لتصرح منها بذلك التصريح الذي أزعجنا وأحبطنا، وصرنا بسببه نحس كأن قضيتنا ليست واحدة، وآلامنا ليست مشتركة، ولسنا كالجسد الواحد الذي إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
هل الإسلام يمنح صاحبه صك الاعتداء على الآخرين؟!!!
ويقول ساذج أو متساذج – وما أكثرهم! – "إن إيران بلد مسلم، بينما إسرائيل يهود". وأنا لا أدري ما علاقة ديانة المعتدي برد عدوانه، ونصرة المعتدى عليه؟! فلو كان الذي احتل فلسطين مسلمين من الهند أو السعودية أو إيران، فشردوا أهلها وفعلوا بهم ما فعلت يهود، هل يصلح هذا مبرراً للسكوت عن
عدوانهم؛ بحجة أنهم مسلمون؟!!!!!(58/23)
فإيران فعلت بأهل العراق ما هو شر وأفظع مما تفعله يهود بأهل فلسطين! ثم نكتشف أن السكوت بسبب أن المجرم المعتدي يدفع لأخيك - الذي تنتظر نصرته ولو بالكلام – ما يسكته عن جريمته تجاهك! فهل إذا قبضتُ ثمناً من يهود بسبب أن الآخرين تخلوا عن دعمي ونصرتي – وهو الواقع الذي نعانيه في العراق - يصح أن أسكت عما يفعله يهود من جرائم بإخواني أهل فلسطين؟!
ولا أكتفي بهذا حتى أستهتر قائلاً: "إنني واليهود جبهة واحدة". وإذا سئلت عن السر؟ استهترت أكثر، لأجيب السائل بلا خجل ولا قطرة حياء: "إن العرب تخلوا عني، وإسرائيل تدعمني"!
أليس هذا ما يفعله من يسير في ركب إيران سواء بسواء؟!
ألا إن القوادة قوادة، سواء كان الفاعل إيرانياً أم يهودياً. والديوث يلعنه الله. ويلعن الفاعل والمفعول به. والساكت عن الحق شيطان أخرس.
الشيء نفسه، والموقف نفسه يقفه رموز القاعدة، والإخوان المسلمون ومن تأثر بهم من (الإسلاميين) في مصر وغيرها. علاقتهم بإيران مريبة. ويناصرون السفاح حسن نصر الله، الذي يذبحنا في العراق، ويسكتون عن جرائم إيران! مع أن أهل العراق مطبقون على أن إيران تمارس دوراً تخريبياً في العراق، أشد من دور أمريكا! والمخفف منهم يقول: هي عدو كأمريكا. فلماذا هذا السكوت عن جرائم إيران؟ أمن الدين؟! أم السياسة؟! أم من (الاقتصاد)؟!
إيران عدونا وليس منا من اصطف معها(58/24)
وتأسيساً على ما سبق من القواعد والحقائق القرآنية والنبوية والواقعية أقول: من اصطف مع إيران، وسكت عما تفعله بنا نحن أهل العراق من جرائم، وخادع الأمة بصرف نظرها عن مشروعها الإمبراطوري الخطير فليس منا، ولسنا منه. سواء كان من (الإخوان المسلمين)، أم (حماس)، أم (الجهاد)، أم القاعدة، أم.. كائناً من كان، مهما كان: (إسلامياً)، أم علمانياً، أم في أي واد من الأودية هلك، أو غاراً من الغيران سلك وانسلك. لا نحن منه، ولا هو منا، ولا نعرفه ولا يعرفنا. فليست دماء العراقيين ماء، ولا تضحياتهم هباء. ولسنا في حاجة لأحد، بل غيرنا أحوج إلينا منا إليه. ومن لم يذرف دمعة في يوم مصيبتي، فلست في حاجة لأن أرقص في يوم عرسه.
من وقف معنا وقفنا معه. ومن تخلى عنا تخلينا عنه، ولو كان مخلوقاً من مسك أذفر، وذهب أصفر.
فإن تدنُ مني تدنُ منكَ مودتي……وإن تنأَ عني تلقَني عنكَ نائيا
كلانا غني عن أخيهِ حياتَهُ ……وإن نحنُ متنا أشدَّ تنائيا
مواقف العلماء والمفكرين من الشيعة -28-
د. محمود السيد صبيح
[هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام. الراصد]
لعل د. محمود الصبيح من أشد المؤلفين المعاصرين كرهاً للسلفية والوهابية وشيخ الإسلام ابن تيمية، بل عمدة جهده قائمة على حرب ابن تيمية كما في كتبه ومقالاته، وهو من أعمدة التصوف والأشعرية المعاصرة بمصر.
من كتابه " خصوصية وبشرية النبي صلى الله عليه وسلم عند قتلة الحسين" نأخذ هذه المقاطع:
خذلان الشيعة لأهل البيت (ص333)(58/25)
من الغريب والمؤسف أن يكون أكثر الناس بكاء على أهل البيت وعلى مولانا الحسين هم من خذل مولانا الحسين وأهل البيت من بعده، وما خذلانهم للإمام زيد بن عليّ زين العابدين منكم ببعيد. خذلوه لأنه رفض أن يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
الجيش الذي قاتل مولانا الحسين منه عدد كبير جداً من شيعة الإمام عليّ منهم على الأقل شمر بن ذي الجوشن والذي هو المحرض الأول على قتل مولانا الحسين في المعركة، وكان قد شهد الجمل وصفين، وقد دعا أهل البيت على الشيعة دعاء كثيراً.
قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب: "يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة جرت والله ندماً وأعقبت صدماً.. قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً. وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهام أنفاساً، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يطاع"( ).
وقال الإمام عليّ في خطبته لأهل الكوفة شيعته: "يا أهل الكوفة كلما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام انجحر كل منكم في بيته وغلق عليه بابه انجحار الضب في جحره، والضبع في وجاره. المغرور والله من غررتموه ولمن فارقكم فاز بالسهم الأصيب. لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاة. إنا لله وإنا إليه راجعون. ماذا منيت به منكم عمي لا تبصرون، وبكم لا تنطقون، وصم لا تسمعون. إنا لله وإنا إليه راجعون"( ).
وقال الإمام الحسين في دعائه على شيعته: اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا( ).(58/26)
وقالت السيدة زينت بنت أمير المؤمنين لأهل الكوفة تقريعاً لهم: "أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر والخذل.. إنما مثلكم كمثل من نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، هل فيكم إلا الصلف والعجب والشنف والكذب.. أتبكون أخي؟! أجل والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فقد أبليتم بعارها.. وإنى ترخصون قتل سليل خاتم النبوة.."( ).
وقال الإمام زين العابدين لأهل الكوفة: "هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق ثم قاتلتموه وخذلتموه.. بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لكم: قاتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي"( ).
خطبة السيدة أم كلثوم بنت علي في أهل الكوفة
خطبة السيدة أم كلثوم بنت علي في أهل الكوفة بعد مقتل حسين عليهم السلام لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام وأدخل النسوة من كربلاء إلى الكوفة جعلت نساؤها يلتدمن ويهتكن الجيوب عليه فرفع علي بن الحسين عليهما السلام رأسه وقال بصوت ضئيل وقد نحل من المرض: يا أهل الكوفة إنكم تبكون علينا فمن قتلنا غيركم.
وأومأت أم كلثوم بنت علي عليها السلام إلى الناس أن اسكتوا فلما سكنت الأنفاس وهدأت الأجراس قالت: ابدأ بحمد الله والصلاة والسلام على أبيه أما بعد، يأهل الكوفة يأهل الختر والخذل لا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف والشنف وملق الإماء وغمز الأعداء، وهل أنتم إلا كمرعى على دمنة وكفضة على ملحوذه، ألا ساء ما قدمت أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.(58/27)
أتبكون أي والله فابكوا وإنكم والله أحرياء بالبكاء فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد فزتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا.. وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شبان أهل الجنة ومنار محجتكم ومدره حجتكم ومفرخ نازلتكم فتعساً ونكسا لقد خاب السعي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا...
أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ..
وأي كريمة له أبرزتم ..
وأي دم له سفكتم ..
لقد جئتم بها شوهاء خرقاء شرها طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا تحفزه المبادرة ولا يخاف عليه فوت الثار كلا إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد.
ثم ولت عنهم فظل الناس حيارى وقد ردوا أيديهم إلى أفواههم وقال شيخ كبير من بني جعفى وقد اخضلت لحيته من دموع عينيه، كهولهم خير الكهول ونسلهم إذا عد نسل لا يبور ولا يخزى"اهـ( ).
وغير ذلك من الأدعية التي دعوا بها على الشيعة.
دور ابن سبأ في إفساد عقائد الشيعة غير منكور عند أهل السنة، وإن أنكر ذلك الشيعة إلا أن كتب الشيعة القديمة تتحدث عن دور ابن سبأ، ودعاء الإمام عليّ عليه لما يقترفه ابن سبأ من إفساد عقائد الشيعة.
ومن الأحاديث الشيعية الدالة على وجود ابن سبأ ما يلي:
1)…عن أبي جعفر عليه السلام: "أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله - تعالى عن ذلك - فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام، فدعاه، وسأله، فأقرَّ بذلك، وقال: نعم، أنت هو، وقد كان قد ألقي في روعي أنت الله، وأني نبي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتُب، فأبى، فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب، فأحرقه بالنار، وقَال: "إن الشيطان استهواه، فكان يأتيه، ويُلقي في روعه ذلك".(58/28)
2)…وعن أبي عبد الله، أنه قال: "لعن الله عبد الله بن سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوما يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم"( ).
3)…وقال المامقاني: "عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلُوَّ، وقال: "غالٍ ملعون، حرقه أمير المؤمنين بالنار، وكان يزعم أن عليّاً إله، وأنه نبيٌّ"( ).
4)…وقال النوبختي: "السبئية قالوا بإمامة علي، وأنها فرض من الله عز وجل وهم أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان، والصحابة وتبرأ منهم، وقال: "إن علياً رضي الله عنه أمرهُ بذلك" فأخذه علي فسأله عن قوله هذا، فأقر به فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم آل البيت، وإلى ولايتك والبراءة من اعدائك؟ فصيّره إلى المدائن.
وحكى جماعه من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب بمثل ذلك، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام، وأظهر البراءة من أعدائه"( )، إذاً عبد الله بن سبأ شخصية موجودة عند السنة وعند الشيعة.
بعض الآراء العجيبة الغريبة عند الشيعة:
فمنها قولهم في حديث قدسي "لولا عليّ ما خلقت محمدا، ولولا فاطمة ما خلقت عليا"( ).
ومنها قولهم أن السيدة رقية وأم كلثوم ليستا من بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومنها قولهم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما "صنمي قريش".
ومنها زعمهم قولهم ارتداد الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا قليلا ومنها قولهم بالبداء، وهو أن يحدث لله علم لم يكن يعلمه.(58/29)
ومنها قولهم بالرجعة، وهي أن الإمام عليّ في السحاب وسيأتي اليوم الذي سينادي الناس من السحاب باتباع المهدي. لكن أخطر الاعتقادات عندهم هي اعتقادهم بتحريف القرآن.
اعتقاد الشيعة بتحريف القرآن
قال الكليني في الكافي "أن أبا الحسين موسى عليه السلام كتب إلى علي بن سويد وهو في السجن: ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم، وهل تدري ما خانوا أماناتهم؟ ائتمنوا على كتاب الله، فحرفوه وبدلوه".
وفي "الكافي" أيضاً "عن أحمد بن محمد بن أبي نضر قال: رفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه" لم يكن الذين كفروا" فوجدت فيها سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ أبعث إليّ بالمصحف".
وقال العلامة الشيعي حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في كتابه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" ناقلا عن السيد نعمة الله الجزائري" "أن الأخبار الدالة على ذلك (أي التحريف في الكتاب الحكيم) تزيد على ألفي حديث، وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق الدماد، والعلامة المجلسي وغيرهم"، "أن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن".
أمثلة التحريف في القرآن عند الشيعة
ومن أمثلة التحريف في القرآن عند الشيعة ما رواه علي بن إبراهيم القمي عن أبيه عن الحسين بن خالد في آية الكرسي "إن أبا الحسن موسى الرضا (أحد الأئمة الإثنى عشر) قرأ آية الكرسي هكذا: (الم، الله لا إله إلا هو، الحي القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في الأرض، وما بينهما وما بين الثرى، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم).
وذكر القمي آية: (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) فقال: فإنها قرئت عند أبي عبد الله صلوات الله عليه فقال لقاريها: ألستم عربا؟(58/30)
فكيف تكون المعقبات من بين يديه؟ وإنما المعقب من خلفه، فقال الرجل: جعلت فداك كيف هذا؟ فقال: نزلت (له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله).
ونقل القمي أيضاً قوله تحت قوله تعالى: واجعلنا للمتقين إماما: أنه قرئ، عند أبي عبد الله عليه السلام (واجعلنا للمتقين إماما، فقال: قد سألوا الله عظيما أن يجعلهم للمتقين أئمة، فقيل له: كيف هذا يا ابن رسول الله؟ قال: إنما أنزل الله (واجعل لنا من المتقين إماما).
وذكر الكليني في كتابه الكافي "عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة بعده فقد فاز فوزا عظيما، هكذا نزلت).
وذكر الكشي في تفسيره تحت آية (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) وفي المجمع في قراءة أهل البيت ـ يا أيها النبي جاهد الكفار بالمنافقين".
قلت: هذه بعض من أمثلة كثيرة جداً تثبت اعتقاد الشيعة بتحريف القرآن، خاصة القدماء منهم. إلا أنه كثير من الشيعة ينكرون ذلك في العصر الحديث، يقول علماء السنة أن هذا من باب التقية.
نقول: نحن نكفّر من يقول بأن القرآن فيه تحريف أو زيادة أو نقصان، وعلى الشيعة أن تكفر تكفيرا واضحا من قال أن القرآن فيه تحريف أو زيادة أو نقصان.
للأسف لا يكفر الشيعة من قال بتحريف القرآن!!! ولذا فأهل السنة والجماعة وخاصة أهل مصر لم ينطلى عليهم تشدق الشيعة بحب أهل البيت، ولذا لفظوهم في الماضي والحاضر إلا من لا علم له.
كراهية الشيعة لمصر وللمتصوفة (ص363)
كراهية الشيعة لمصر أمر غير مستبعد؛ وذلك لسقوط الدولة الفاطمية وكأنها شيئا لم يكن، وهم يكرهون صلاح الدين الأيوبي وينعتونه بالملعون.
كما أن وجود أهل البيت في مصر يسحب البساط من تحت أقدامهم، وخاصة أن أهل مصر لم يخذلوا آل البيت مثلما فعلت الشيعة.(58/31)
والغريب أن الشيعة الإمامية ينكرون وجود رأس مولانا الحسين، والسيدة زينب أخته (إلا قليلاً)، وذلك حتى لا تصبح مصر مركز جذب، بالمقارنة، بالنجف أو كربلاء؛ لذلك تجدهم ينفون ذلك. ومن هذا الباب ينفون وجود السيدة زينب أخت مولانا الحسين، ويَدَّعُون أن السيدة زينب الموجودة هي زينب بنت يحيى المتوج.
وسوف نعرض كلاماً للشيخ محمد زكي إبراهيم في إثبات وجود السيدة زينب في مصر.
في جميع الأحوال فإن الشيعة لهم تطلعات واضحة، نعرض أثراً أو حديثاً موجوداً عند الشيعة في مصر.
الأكل في فخار مصر أو الاغتسال يجعلك ديوثاً
عَنْ أَبي الْحَسَنِ الرِّضَا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ـ وَذَكَرَ مِصْرَ فَقَالَ ـ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تَأْكُلُوا في فَخَّارِهَا، وَلَا تَغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ بِطِيِنهَا، فَإنَّهُ يَذْهَبُ بِالْغَيْرَةِ وَيُورِثُ الدِّيَاثَةَ" (الكافي6/386، 501).
لا تعليق، علَّقْ أنت، وانظر كيف تكون حامية الإسلام هي مصدر الدياثة، والعياذ بالله!!
أما كراهية الشيعة للتصوف فحدث ولا حرج بأحاديث موضوعة باطلة مختلقة كاذبة.
فعندهم حديث "أن من زار المتصوفة حيا أو ميتا كان كما زار معاوية ويزيد"!!
ومعاوية عندهم كافر.
ولهم عدة كتب في تكفير الصوفية مثل:
كتاب "الإثنا عشرية في الرد على الصوفية" للحر العاملي في الرد على الصوفية،،، وفيه نحو ألف حديث!!! في الرد على الصوفية عموماً وخصوصاً في كل ما اختص بهم.
كتاب "عمدة المقال في كفر أهل الضلال" - يعني المتصوفة - مؤلفه الشاه طهماسب الصفوي، وفرغ من تأليفه في مشهد الرضا عليه السلام سنة 972 هـ.
كتاب "التشيع والتصوف لقاء أم افتراق".
كتاب "التصوف في البداية والتطرف في النهاية".
وانظروا بعض أدلتهم في تكفير الصوفية والمتصوفة، حيث قالوا: أن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام تبرأوا من أهل التصوف، وإليكم أدلتهم:(58/32)
يقول الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام: لا يقول بالتصوف أحد إلا لخدعة أو ضلالة أو حماقة، أما من سمى نفسه صوفيا للتقية فلا إثم عليه. ["الإثنا عشرية في الرد على الصوفية" للحر العاملي - ص17].
وقال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام: إنهم أعداؤنا فمن مال إليهم فهو منهم ويحشرون معهم، وسيكون أقوام يدعون حبنا ويميلون إليهم، ويتشبهون بهم، ويلقبون أنفسهم بلقبهم وأقوالهم، ألا فمن مال إليهم فليس منا وإنا منه براء، ومن تنكر منهم وردّ عليهم كان كمن جاهد الكفار بين يدي رسول الله. [سفينة البحار] للشيخ عباس القمي (5/ 198)].
وقال الإمام الهادي عليه الصلاة والسلام: لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخداعين فإنهم حلفاء الشياطين فخربوا قواعد الدين... أورادهم الرقص والتصدية( )، وأذكارهم الترنم والتغنية، فلا يتبعهم إلا السفهاء... فمن ذهب إلى زيارة أحد منهم حيا أو ميتا... فكأنما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان. ["سفينة البحار" للشيخ عباس القمي (5/ 199)].
وقال الإمام العسكري عليه الصلاة والسلام: يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم والله إنهم من أهل العدوان والتحرف، يبالغون في حب مخالفينا، ويضلون شيعتنا وموالينا. ["سفينة البحار" للشيخ عباس القمي (5/198)].
قلت: بالتأكيد أحاديث باطلة مفتراة، يستحيل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أهل البيت هذا الكلام.
فما هو سبب كراهية الشيعة للتصوف؟!
?
خلافات الصحابة: بين مبدئية الشنقيطي وسردية الغضبان
محمد العواودة
Awawdeh_98@yahoo.com
[نهدف من التعريف بهذين الكتابين فتح باب الحوار والنقاش حول الكيفية الأمثل لقراءة تاريخنا الإسلامي وأخذ الدروس والعبر منه لحاضرنا. نقدر الجهد الذي بذله الأستاذ الشنقيطي وإن كنا لا نوافق على جميع ما توصل له من نتائج، كما أننا نوافق الأستاذ الغضبان على بعض ما جاء به وإن كنا نخالفه في طريقة الوصول إليه! الراصد](58/33)
في كتابه "الخلافات السياسية بين الصحابة" (مركز الراية 2004) ،فجر الباحث الموريتاني محمد المختار الشنقيطي "قنبلة أعماق" من الوزن الثقيل؛ لينسف بها الوعي السائد للتاريخ الإسلامي من جذوره؛ محاولاً الوقوف على أسباب الأزمة التي عصفت بالعقل المسلم حسب زعمه منذ لحظة "صفين" التي نشأ منها الفقه السياسي الإسلامي مكيفا مع واقع القهر والاستبداد، محاولا من ذلك الوقوف على ملامح هدي منهجي وحقل معرفي جديد، حيث تجاوز هذا التكيف إلى النظرية السياسية الإسلامية، وهي المهمة التي مازالت عسيرة حتى اليوم.
يحدد الشنقيطي ابتداء أسباب الأزمة التاريخية في الوعي الإسلامي بلحظة الخلاف السياسي بين الصحابة رضوان الله عليهم، التي ترسخت في هذا الوعي بخلط بين هدي الوحي والوعي التاريخي العام في المرجعية، والتقصير في دراسة حياة السلف دراسة استقصائية تلم بالجوانب المضيئة التي لا تقف عند حدود سرد المناقب، وهو الأمر الذي يرجعنا إلى دراسة اصل الخلاف بعد عصر النبوة، أي "الخلاف السياسي بين الصحابة".
ولهذا العنوان مدلول كبير في ذهن المؤلف، ففيه قد حدد سلفا خطة الكتاب العامة، وهي؛ أنه ليس من مقصود المؤلف أن يخوض في أي نوع من التقييم أو المفاضلة بين الصحابة رضوان الله عليهم، وإنما أراد من ذلك تقييم المسار السياسي واجتهداتهم في هذا المسار الذي يحدد مقدار قرب اجتهاد احدهم من المبدأ الإسلامي أو مقدار بعده عنه، وهو ما يشبهه الشنقيطي بالقول - حتى لا يساء مقصد الكتاب - انه يشبه ما قال مسلم في صحيحه عند العرض لجرح الرواة "ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة".(58/34)
تأسيسا على ذلك، يحدد الشنيقطي إطاره المنهجي الجديد لقراءة التاريخ الإسلامي على أساس الدعوة إلى المفاصلة بين التأصيل الشرعي والوعي التاريخي الذي يمنح قدسية المبادئ رجحاناً على مكانة الأشخاص، مع الاعتراف بفضل السابقين ومكانتهم في حدود ما تسمح به المبادئ التي استمدوا مكانتهم منها ، قاصدا غربلة كل المفاهيم التاريخية المتعلقة في هذا الحقل على طريقة المناهج التاريخية السردية القديمة التي اشتغل عليها العقل الإسلامي منذ أزيد من قرن من الزمان".
وقد رأى الشنقيطي في كتاب "منهاج السنة" لابن تيمية وبعض فتاوية ما يعكس طموح كتابه ويحدد سير عمله في اقتناص القواعد المنهجية الاثنتين والعشرين كمنهج علمي وعملي، سيما إنها جاءت من تحليلات عالم كبير صاحب ميراث علمي ضخم أهم ما يميزه في هذا المجال: العلم، والعدل، والاتزان، واستطاع أن يجمع إلى حد كبير بين الدفاع عن مكانة الصحابة والدفاع عن قدسية المباديء الإسلامية، وهو ما أعيا الكثيرين وحتى ممن ينتسبون إلى مدرسة شيخ الإسلام في هذه الأيام.
لكن الشنقيطي، يلفت إلى أن الكتاب لا يخرج عن كشف الأصول المنهجية الكلية في التعامل مع تلك الخلافات لا الخوض بتفاصيلها وجزئياتها وقد أشار إلى بعض الأخطاء اليسيرة والقليلة في الرواية أو التحليل عند ابن تيمية بحسب وجهة نظره، لذلك فإن الشنقيطي رأى أن يدعم المنهجية التي اتبعها بمنهجية أخرى تعتمد ذات الأسلوب وهي " المفاصلة بين المبدأ الإسلامي ومكانة الأشخاص "منهجية أهل الحديث مفيدا من تحليلاتهم ، سيما الحافظين الكبيرين " الذهبي وابن حجر".(58/35)
على قائمة البحث، عرض الشنقيطي لمنهجية ابن العربي ومنهجيته في طرح الخلافات السياسية بين الصحابة؛ وخصوصاً حربي الجمل وصفين، ليكشف أن ابن العربي من أهم مؤسسي ما سمي مدرسة التشيع السني التي أحياها وجددها محب الدين الخطيب وتلامذته في العصر الحديث، وهي المدرسة التي يراها تميزت بالسطوة والشدة والتحامل على المخالف، ويحشد لذلك كثيراً من نصوص ممن انتقدو ابن العربي من أكابر علماء الإسلام كالقرطبي والسيوطي والشوكاني وابن حجر.
وقد سجل بعض الملاحظات المنهجية على مدرسة ابن العربي أهمها:
أولا: "أحكام على النصوص "مثل إنكار ابن العربي أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة يوم الجمل، وإنكاره حديث "الحوأب" ودفاعه عن الوليد بن عقبة.
ثانيا: "أحكام على الوقائع " كقوله إن عليا بايع بيعتين؛ كانت الأولى في سقيفة بني ساعدة والثانية بعد ستة شهور من توليه أبي بكر الخلافة، وفي ذلك مخالفة لما في "الصحيحين"،أو عرضه لحوار معاوية وابن عمر حول بيعة يزيد بما مقتضاه أن ابن عمر تمنع عن بيعة يزيد، مع أن الخبر ليس له علاقة ببيعة يزيد ، إنما يتعلق في قصة اجتماع الحكمين بدومة الجندل.
والثالث: "أحكامه على الرجال " كقوله في مروان ابن الحكم أنه عدل من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين، حيث يرى الشنقيطي أن ابن العربي قد خلط في الخلاف الاصطلاحي في مفهوم العدالة، عدالة الرواية أم عدالة السلوك؟ إذ يرى أنه يصح في حق مروان عدالة الرواية دون عدالة السلوك، وهذا الخلط واجهه أيضا في الثناء على يزيد، عند عدم تمييزه بين شخصية يزيد ابن أبي سفيان ويزيد بن معاوية النخعي ، ونسبته – ابن العربي – قولاً عن الإمام أحمد كان فيه ابعد ما يكون عن الدقة وإدخاله يزيدا في الصحابة .(58/36)
وبعد ثلاث سنوات قدم "مركز الراية" كتاباً للدكتور منير العضبان رد فيه على كتاب الشنقيطي تحت عنوان "جولات نقدية في كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة" ابتداه بنقد حاد لمؤلفه ومقدمه الأستاذ راشد الغنوشي، وحتى ابن تيمية لم يسلم من نقد الغضبان؛ عندما لم يشخص الغضبان ابن تيمية من زاوية الظرف وضرورة العصر الذي عاش فيه، وهي نقطه مهمة لفهم السياق الفكري والعلمي الذي يضطر إليه إمام عصره.
وأقل ما نقوله في كتاب الغضبان أنه مارس نوعا من التحكم الملفت على متن الشنقيطي ليعطية مرونة في النقض والنقد ليرجع القاريء إلى الطريقة التاريخية السردية التقليدية المغلفة بالوعي العاطفي.
باعتناق شيء من الأنا، لا يرى الغضبان الشنقيطي أهلاً لكتابة مثل هذا الكتاب، لأنه لا يتمتع بخصوصية المؤرخ التي يتمتع بها الغضبان نفسه، وهذا صحيح من ناحية الاختصاص، ولكن الغضبان نسي أن الرجل قد جمع بين دفتي عقله كثيراً من علوم الأكابر بطريق الحلقات، وصحبة العلماء وبين الدراسة الأكاديمية، كما أن تقديم كتاب مثل كتاب "الخلافات السياسية بين الصحابة" والتنقيب عن المناهج؛ لا يحتاج إلى مؤرخ بقدر ما يحتاج إلى علوم أجادها الشنقيطي "كعلم الأصول، والحديث، والجرح والتعديل، إضافة إلى إطلاعه على التاريخ والمذاهب النقدية الحديثة، فضلا عن تمتعه برؤية نقدية مميزة للتاريخ الإسلامي يلمسها قارئ الكتاب بيسر دون أن ننسى اختصاص الرجل في الفقه السياسي الإسلامي.(58/37)
وهذا ما يعكسه الغضبان على شخصية ابن تيمية أيضا في عدم قدرة الإمام في الاشتغال على استخراج المنهج، إذ يرى الغضبان أن الإمام ليس أهلا لذلك أيضاً، لأن ابن تيمية فقيهاً ومفكراً وليس محدثاً ومؤرخا،ً دون أن يلتفت الغضبان إلى أن اختصاص عالم كبير كابن تيمية بنسق فكري معين لا ينفي عنه براعته في غيره أو إجادته له، وإنما يقتضي الاختصاص حاجة العصر والظرف التاريخي لذلك العلم، كما برز الغزالي للفلسفة، والذهبي وابن حجر للحديث, والقرطبي للتفسير...
اتهم الغضبان الشنقيطي بالاضطراب والتناقض؛ بسب إشارة الشنقيطي لما سماه "هنات" ابن تيمية مثل نقد الشنقيطي دفاع ابن تيمية عن أهل الشام، إذ يعتبر الغضبان ذلك اضطراباً وتناقضاً!
ويحاكم الغضبان الشنقيطي أيضاً بنفس الطريقة عند عرضه لمنهجية أبي بكر ابن العربي ومحب الدين الخطيب وذلك حينما رآهما يغاليان بالدفاع عن يزيد ومروان ابن الحكم وأمثالهم، ثم يعود الشنقيطي ليصف ابن العربي بالعظيم حين يهاجم طلحة والزبير وعائشة وأصحاب صفين من أهل الشام، ويصف الغضبان ذلك بالهجوم الذي اقتضى التعرض للأشخاص المذكورين بالنقد.
والرجل – الشنقيطي - بريء من ذلك، وكل ما قاله أنه فاصل بين رؤية عمار حيث أصاب المبدأ ورؤية عائشة رضي الله عنها إذ أخطأته، فتذكرت ورجعت وقالت لعمار ما قالته، وهو ما قصده الشنقيطي من المعالجة المبدأية للتاريخ ولم يفهمها الغضبان فرأها تناقضاً وهجوماً.(58/38)
والهجوم كما يفهمه كل الناس، هو التشنيع والقدح، وهذا لم ينزل له الشنقيطي فضلاً عن المفاضلة والتقييم الذي حظر من فهمه في مطلع كتابه ، إلا انه يمكن للقاريء أن يعذر الغضبان حين يكتشف انطلاقه من الفكرة المسبقة والانسياق نحو الفكرة التي تخدمه في قراءته لمنهجية الشنقيطي وابن تيمية وكأن الغضبان لم يقرأ مقدمة الكتاب جيداً، حيث المفاصلة المذكورة التي اتبعها ابن تيمية وحاول الشنقيطي تقعيدها وتأصيلها في إطار منهجي مميز، ليخرج الغضبان بنتيجة مسبقة، وهي أن هذا المنهج "يفتح الباب على مصراعيه لتقويم الصحابة"، حيث تأبى تحكمات الغضبان وأفكاره المسبقة إلا القول أن مواقف الصحابة كلها وافقت المبادئ ويجب نفي الروايات السقيمة التي تروي غير ذلك التي تقر بخطئهم العلمي في بعدهم عن المبدأ ومن دون علمهم أو تقصدهم.
لكن على عادة الغضبان الذي أنساه التركيز على تجديد الوعي التاريخي على حساب المفاصلة المبدئية أن معاوية أول ملك في الإسلام، وهي مخالفة واضحة للمبدأ الإسلامي الذي وصى به النبي عيه السلام على أن تكون الخلافة على قيافة الوعي الراشد إلا أن تؤول كما يرى الغضبان في منافحته عن التأويل السياسي في سياق الخلاف بين الصحابة.
فقد تناول الشنقيطي أهم قاعدة منهجية في كتابه وهي "اجتناب التكلف في التأول والتأويل"، وقد أظهر الشنقيطي وجه المصيبة إلتي عجت منها الخليقة بالتكلف في التأويل، وقد أورد في ذلك نصا لابن القيم الجوزية أحد أبرز تلاميذ ابن تيمية يثبت مصيبة التكلف في التأويل، ولكن الغضبان عند رده هذه المسالة يعجز أن يفقه مراد الشنقيطي من التأويل، ثم يقول إن الشنقيطي لم يسوق لنا دليلا واحدا على هذه المزاعم، فكيف لمن يجهل شيئا يطلب دليلا على إثباته؟!(58/39)
والادهى من ذلك واستتباعا لتحكماته – الغضبان - فأنه لم ينتبه لكلمة "تكلف" أي إن الشنقيطي قيد التأويل بالتكلف الذي تنحدر منه المصيبة حتى لا يظن أنه ينفي مجال معقولية التأويل في حدود المعطى الفضائي لأدواته المستنبطة من دلالات الشريعة، وهو ما لا بأس به.
يستمر الغضبان في خطأ استنتاجاته بالاعتراض على كلام الشنقيطي في مجال موضوع كتابه الذي شبهه بعمل علماء الآثار.
يقول الغضبان معلقاً: "هذا التشبيه صحيح لو كان تاريخنا بلا رواة وأحاديث وأسانيد، وإن الأحاديث النبوية تقدم إناره كافية". ليضيع الغضبان مقصداً آخر من الكتاب، وهو اتخاذ جانب العبر من التاريخ لفهم الحاضر.
وإصرار الغضبان على العمل التاريخي السردي من خلال الرواية النبوية والتحقق من الرواية وحدها – وان لم يستطع فعل ذلك في كتابه – وليس أدل على ذلك انه كان مازال يصارع في إثبات روايات ضعفاء الطبري، أو رده على الشنقيطي بالقول إن "العبرة من قصص القران هي أن يربي الله أنبيائه ويذكر أخطائهم وليس من مهمتنا نحن البشر أن نتبارز في إبراز أخطائهم".
وكأن قضية الشنقيطي إبراز أو عدم إبراز ، ولم يعي إن الكتاب إنما عرض لذلك للاستفادة من أن الخطأ الذي يأتي عندهم من النزعة البشرية التي قد تبتعد عن المبدأ ، ولذلك كان يسددهم الله بالوحي للبقاء على المبدأ ، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاولون تسديد أنفسهم بالنظر إلى المباديء التي أسسها الوحي، وهو ما سعى إليه الشنقيطي في منهجيته المبدأية طيلة عرضه للكتاب، حيث لم يتلفت إلى ذلك الغضبان في كل تعليقاته ، بقدر ما كان همه محاولة إعادة الطريقة السردية للرواية التاريخية.
على المغنم(58/40)
قالوا: أظهرت خطبتان ألقاهما إمامان شيعيان مختلفان في صلاة الجمعة تناقضاً شاسعاً، عندما انتقد أحدهما بشدة رئيس الوزراء العراقي الحالي، نوري المالكي، بسبب استخدام القوة في البصرة، بينما رحب الإمام الآخر بهذا التوجه "الشجاع" و"التضحية"، ما يدل على انقسام كبير أخذ يشق طريقه بين أبناء الطائفة الواحدة ذات الأغلبية في العراق متعدد الطوائف والأعراق.
الملف نت 5/4/2008
قلنا: من يقرأ تاريخ التشيع يد أن الخلاف والنزاع هو سمة هذا الفرقة، بسبب توالد عقائدها وأفكارها عبر الزمن، وطمع قادتها وزعمائها دوماً.
من يفهم؟
قالوا: "لا شرعية لدولة حينما لا تكون خاضعة لفقيه، وأن شرعية العمل من خلال العدالة والقسط لله، وأنه حينما يكون هناك نزاع لابد من وجود مرجعية لحله، والمرجعية هي قيادة السماء الفقهاء الربانيين، والعلماء الربانيين، وأن الأمة مسئولة في اتخاذ موقف مع الحق".
الشيخ نمر باقر النمر
في خطبة الجمعة ببلدة العوامية بمحافظة القطيف السعودية
موقع راصد الشيعي 29/3/2008
قلنا: أين من يفهمون العربية ليدركوا أن الشيعة لا تعترف بالدول التي يعيشون في ظلها!!
عنزة ولو طارت!
قالوا: قبل عام ونصف التقيت في مبنى إحدى القنوات الفضائية في لندن بنائب الرئيس الإيراني أيام (خاتمي)، السيد عطاء الله مهاجراني، ولما سألته مباشرة عما تريده إيران في العراق أو من العراق؟ لم يتردد الرجل في القول، إنها تريد دولة تابعة سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
ياسر الزعاترة - السبيل 25/3/2008
قلنا: الغريب أن الزعاترة مع كل وضوح هذا التصريح والمشافهة الشخصية له به يجادل للآن أن إيران لا تشكل خطر على العراق!!
الجهل المركب
قالوا: تفاجأ الكثيرين أن نعش الشهيد محمد شحادة ملفوفا بعلم حزب الله وتفاجأ الكثيرين أن الشهيد أعلن تشيعه هو والكثيرين من قيادات حركة الجهاد الفلسطيني .
الشرق الأوسط 14/4/2008(58/41)
قلنا: دائماً الجاهلون يتفاجئون بالحقائق المعلنة والمكشوفة!!
تدخل مبارك!
قالوا: أنا هنا في إيران، وأرى أنهم لا يسمحون لأي مرجع حتى لو كان أعلم علماء العالم أن يتدخل في شؤونهم الداخلية والسياسية. نحن في العراق نقول لهم لا تتدخلوا بشؤوننا الداخلية تجنبا للحساسيات والاختراقات ولأن المرجع ابن البلد أفهم بشؤون بلده.
آية الله الشيخ فاضل المالكي - العربية نت 1/4/2008
قلنا: تدخل إيران في العراق هو تدخل مبارك من قبل الولي الفقيه بعكس تدخل الآخرين فهو تدخل نجس ، فهل تفهمون!!
اجتماع العمالة مع الوقاحة
قالوا: خالد العطية العضو النافذ في المجلس الإسلامي الأعلى أبدى تحفظه على مطلب دولة الإمارات العربية التي تطالب بجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. وسط صمت مدان من رئيس البرلمان محمود المشهداني الذي خول نائبه خالد العطية عضو المجلس الإسلامي الأعلى مع همام حمودي في اتخاذ القرارات .
الملف نت 15/3/2008
قلنا: لا نعرف أيهما موقفه أقبح من الآخر المشهداني السني المتواطئ بالسكوت عن الحق والرضي بالباطل ! أم العطية الوقح الذي لا يبالي بأن يكشف حقيقة الولاء الشيعي العربي لإيران، هل لأنه متيقن من أن المسلمين ما عادوا يحسون بما حولهم وأن الغباء قد تمكن منهم ؟؟
نشاطهم وتقاعسنا
قالوا: مليار دولار هو المبلغ الذي رصدته طهران لتنفيذ خطة إعلامية دولية، يشمل توسيع إنشاء محطات فضائية عربية لحساب جهات شيعية، مع توسيع مدى البث ليصل أمريكا اللاتينية.
الوطن العربي 26/3/2008
قلنا: ونحن ماذا رصدت دولنا وأنظمتنا لصد هذا العدوان؟ نخشي أن لا يكون لدي دولنا سوى تكبيل من يقاومون إيران وأخطارها!!
سمك لبن تمر هندي
قالوا: توجهاتنا سنية ونضم شخصيات شيعية!!
أحمد القصص، الناطق باسم حزب التحرير بلبنان
الوطن العربي 19/3/2008
قلنا: هذا دليل جديد على اضطراب هذا الحزب وفساد منهجه العقدي والسياسي.
أزمة التيار الصدري .. إلى أين؟(58/42)
محمد خرّوب - الرأي الأردنية 6/3/2008
لا يجب التقليل من شأن الانشقاقات التي تعصف بالتيار الذي يقوده الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر، والتي قد تأخذ أبعاداً أكثر خطورة من مجرد إصدار بيان تبرأ فيه الصدر من أعمال اثنين من قيادييه ومكاتبهما السياسية، متهماً إياهما (احمد الشريفي وعدنان الشحماني) بأن الشهوات الدنيوية ورغباتهما قد غلبت عليهما، واختارا طريق الباطل تاركين الحق منفصلين عن مكتب السيد الشهيد.
وإذ طالت الانشقاقات والانسحاب والتصدعات مختلف الأحزاب والتيارات والقوى التي برزت بعد الاحتلال أو جاءت على ظهور دباباته وطائراته، أو قامت قوات الاحتلال باستيلادها وتمويلها ودفعها إلى مقدمة المشهد في محاولة لإيجاد معادلات حزبية، وخصوصاً طائفية جديدة أو توظيفها كمخلب قط في مواجهة أحزاب وقوى أخرى تخشى تمردها عليها، أو سعيها للتمايز عن مواقفها ومقارباتها، التي بدأ الفشل يضرب في صفوفها..
فإن ما يحدث داخل التيار الصدري يختلف في نتائجه وتداعياته، عما يمكن أن تكون تأثرت به أحزاب أخرى كحزب الدعوة مثلاً الذي ينقسم الآن بين معسكرين رئيسيين، أحدهما بقيادة نوري المالكي الذي ما يزال على رأس عمله رئيساً لحكومة متصدعة وآيلة للسقوط، والآخر بزعامة إبراهيم الجعفري الذي ترشح أنباء قوية عن قرب قيامه بإشهار حزب جديد في خطوة طلاق بائنة مع تيار المالكي، الذي سيكون ربما في طريقه إلى فقدان مستقبله السياسي، إلا إذا قام بالاندماج مع المجلس الأعلى بزعامة عبدالعزيز الحكيم، وهو أمر مستبعد تماماً نظراً للعداء التاريخي بين الحزبين وهما من أصل واحد قام آل الحكيم بالانشقاق عن الدعوة لاحقاً، لتكوين المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وأتخذ من طهران مقراً له وحليفاً لها.(58/43)
كذلك فإن عبدالعزيز الحكيم لن يأتي برجل قوي نسبياً لمنافسة نجله عمار الذي يستعد لوراثة والده سواء بسبب مرض الأخير أم لأن الحكيم الأب راغب في التفرغ الديني أو التنظيري.. فضلاً عن الانشقاقات التي طالت أحزاباً أخرى مثل حزب احمد الجلبي، وانشقاق مثال الآلوسي عنه والأحزاب، أو الكتل البرلمانية السنية ناهيك عن التشظي الذي بات عليه التحالف الشيعي الرباعي الذي خاض الانتخابات النيابية الأخيرة موحداً ودخل حكومة المالكي (بما هي أول حكومة دائمة في عهد الاحتلال بعد إقرار الدستور الدائم) ثم ما لبث، أن أصابته لعنة الانشقاقات بخروج حزب الفضيلة عنه.
أسباب الانشقاقات والتصدعات هي التي تعيننا في الدرجة الأولى، رغم وجود عوامل عديدة أخرى تقف خلف مثل هذا السلوك في العمل السياسي والحزبي العادي والطبيعي وخصوصاً في الدول الديمقراطية الحقيقية..
ما بالك في العراق الذي لا يمكن لمنصف أن يصفه بأنه دولة وأن فيه مؤسسات حقيقية أو أن الديمقراطية والتعددية تتوفر فيه، أو أن شيئاً اسمه الحريات يمكن للمرء أن يلحظها في فضاء العراق.
ما بالك في غياب الأمن ،وانعدام المرافق والخدمات، وغياب حرية الصحافة، وهيمنة السلوك الطائفي على القرارات والخطط في حكومة لم تقم وما تزال قائمة، إلا على المحاصصة الطائفية البغيضة التي ستأخذ العراق إلى ما هو أسوأ من الحال التي هو عليها الآن..…
الخلافات داخل التيار الصدري الآخذة في التفاعل تقوم على الموقف من الاحتلال الأميركي وخصوصاً في شأن قرار التجميد الأخير (الثالث) لجيش المهدي لمدة ستة أشهر أخرى الذي اتخذه مقتدى الصدر، والذي قوبل بترحيب أميركي حار ورأت فيه قيادة عسكرية أميركية (ميدانية) في العراق خطوة حكيمة تسهم في استقرار العراق (...).(58/44)
المنشقون عن التيار الصدري رأوا في القرار خضوعاً لإرادة الحكومة والقوات الأميركية والامتناع عن النفس، خصوصاً أبناء التيار الصدري الذين يتعرضون يومياً للاعتقال.
الأمور تبدو واضحة والموقف من الاحتلال ومقاومته هو الذي يحرك الانشقاقات ويوسع من الهوة التي تفصل الصدر والمجموعة المحيطة به، وأولئك الكوادر والقيادات الميدانية التي لا ترى حكمة في استمرار التجميد وتدعو علانية إلى إعادة الحياة والدور لجيش المهدي بعد إن عملت قوات الاحتلال على إضعافه ولم تعر اهتماماً للاحتجاجات الصدرية على الاعتقالات والتوغلات داخل الأحياء التي يسيطرون عليها، وأحيانا قتل أفراد من جيش المهدي دائما، ما تفسر بأنها وقعت على سبيل الخطأ وليس القصد، ولا تكلف الناطق باسم الاحتلال سوى تقديم اعتذار خجول.. وكل ذلك لا يستفز مقتدى الصدر ولا يدفعه للتلويح بإلغاء التجميد أو الانتقام للضحايا. كالعادة أيضاً فإن كل حزب يتعرض لانشقاق أو خروج على قيادته فإن الأخيرة تسارع إلى اتهامات الخارجين عليها بأنهم يهدفون إلى تحقيق مكاسب مادية على حساب شعبية التيار، كما قال أحد نواب الكتلة الصدرية في تعليقه على انشقاق الشريفي والشحماني.(58/45)
أهمية التيار الصدري في المشهد العراقي تنبع من الشعبية التي يتمتع بها في صفوف الشباب في محافظات الجنوب والفرات الأوسط ووجود نسبة كبيرة منهم تنادي بصوت مرتفع بمقاومة الاحتلال ورفض الفيدرالية التي يؤيدها الحكيم والمالكي. وطبعاً التحالف الكردستاني وهو (التيار الصدري) يبدي نوعاً من الحماسة أو الاستعداد للمشاركة في حكومة لا تنهض على مبدأ المحاصصة الطائفية ولا يتوقف طويلاً أمام الخلافات المذهبية، لكن أحداً لا يستطيع أن يراهن على ثبات أو استمرارية أي موقف سياسي أو اجتماعي أو تحالفي لهذا التيار نظراً لتردد قائده (مقتدى الصدر) وتقلبات مواقفه في شكل مفاجئ لا يخضع لحساب أو تحليل، الأمر الذي يمكن التعلل بالأمل الآن بأن الانشقاقات الحاصلة فيه قد تسهم في عقلنة قراراته وخروجه من نفق التردد والحسابات الخاطئة وغير المدروسة بدقة.
إيران تُواجه تحدي إدارة "الفوضى العراقية"
محمد أبو رمان - سويس انفو - 14 / 3 / 2008
أكدت الزيارة "التاريخية" التي قام بها الرئيس أحمدي نجاد مؤخرا إلى بغداد أن النفوذ الإيراني في العراق، مسألة قد لا تحتاج إلى دلائل أو إثباتات، بقدر ما تبدو أمراً طبيعياً ومتوقعاً.
وبغض النظر عن التفاصيل والمعلومات، فإن المصالح الحيوية والأمنية لبلد بحجم إيران يعتبر نفسه قوة إقليمية صاعدة في منطقة تتشابك فيها المصالح القومية والإقليمية والدولية تفرض على أصحاب القرار في طهران الحضور - وبقوة - في المشهد العراقي.(58/46)
بعيداً عن المنظور الأمني ومقدار المعلومات المتوافرة حول النفوذ الإيراني؛ فإنّ المصالح الحيوية والأمنية الإيرانية تدفع إلى حضور إيراني كبير ومؤثر في المشهد العراقي، ليس لأنّ العراق هو دولة ملاصقة لإيران ممتدة على حدودها الغربية فحسب، ولا فقط لأنّ العراق يضم نسبة كبيرة من المواطنين الشيعة، حيث تمثل إيران حاضرة التشيع السياسي والديني في العالم اليوم، بل لأنّ العراق – أيضاًَ- هو إحدى أبرز أوراق اللعبة بين إيران والولايات المتحدة في المنطقة، في سياق حالة الاستقطاب الإقليمي الناجمة عن تنامي قوة إيران في المنطقة وبروز أزمة برنامجها النووي وبناء تحالفات وتفاهمات بين أطراف دولية وإقليمية تضم الولايات المتحدة الأميركية ودولاً عربية محورية في مواجهة ما يُعتبر صعوداً إيرانياً- شيعياً مقلقاً في المنطقة.
جدليات وإشكاليات مطروحة
تكمُن معضلة النفوذ الإيراني في العراق في التناقض البادي بين حِرص القِوى الشيعية الرئيسية على عقْد تفاهمات وصفَقات مع الاحتلال الأمريكي، وعدم إثارة الفوضى والصراع وبين ولاء كثير من القيادات السياسية والدِّينية الشيعية لإيران.
فهل يعكس موقف هذه القِوى أزمة إستراتيجية لها في تفضيل العلاقة مع أحد حليفين رئيسيين (إيران والولايات المتحدة) أم أنّ ذلك يمثل نوعاً من البراغماتية السياسية في التعامل مع الولايات المتحدة، وصولاً إلى تحقيق أهداف هذه القِوى وإيران من ورائها من خلال اللّعبة السياسية نفسها؟
إذا كان الأمر كذلك، فأين يُمكن أن تُدرج مواقف مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الشاب الذي يقود أحد أقوى التيارات الشيعية.
وتمتاز مواقفه السياسية بالاضطراب، بينما تصل حالة التوتر بينه وبين الولايات المتحدة إلى الصراعات المسلّحة في أحيان متعدّدة، كما حصل في النجف (أغسطس 2004) وغيرها من مواجهات مسلّحة متقطّعة؟(58/47)
فهل هنالك انقسام داخل إيران، إزاء القوى الشيعية العراقية، فتدعم مؤسسات إيرانية تياراً دون الآخر؟ أم أنّنا أمام عملية توزيع أدوار لقوى موالية لإيران؟ أم أنّ هنالك قوى شيعية مع إيران وقوى ضدها؟
النفوذ الإيراني.. مستويات ووقائع
في الإجابة على تساؤلات وجدليات النفوذ الإيراني في العراق، يقدّم الدكتور محجوب الزويري، الخبير الاستراتيجي الأردني بالشأن العراقي في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية، في حوار خاص مع سويس انفو، مداخل النفوذ الإيراني في العراق ومستوياته، موضِّحاً ابتداءً، أنّ مجلس الأمن القومي الإيراني قد عرّف العراق على أنّه "الحديقة الخلفية لإيران"، بمعنى أنّ إيران لن تترك العراق دون نفوذ وحضور قوي وفاعل.
ويرى الزويري أن المستوى الأول من التدخل الإيراني يتعلق بالقِوى الدّينية الشيعية، سواء كان ذلك على مستوى الأحزاب السياسية أو المراجع الدينية.
فهذه القوى، وإن كان يصعب إثبات علاقتها بإيران امبريقياً (أي بطريقة عِلمية وملموسة لا يُمكن التشكيك فيها)، إلاّ أن هنالك مؤشرات عديدة تتجمع من مواقفها وأدائها وتصريحات زعمائها، تدل على وجود علاقة وثيقة بطهران، تشكل من خلالها هذه القوى "إحدى أبرز أدوات النفوذ الإيراني".
المستوى الثاني، يتعلق بالنخبة السياسية الحاكمة من خلال إقامة علاقات وصِلات معها، ويشير الزويري إلى أنّ أغلب الطبقة السياسية العراقية الجديدة هي من المهجر، وجزء كبير منها أقام في إيران وحظي بدعم إيراني سابق، ما يعني أنّ لها علاقة وطيدة بأجهزة إيرانية، ولعلّ أحد أبرز الأمثلة على ذلك، المعارض الشيعي العلماني المعروف أحمد الجلبي.(58/48)
أمّا المستوى الثالث، فهو الاختراق الأمني الإيراني في العراق، فيحدث من خلال الخلايا المسلّحة، إذ تتمتع إيران بنفوذ وحضور قوي داخل هذه الخلايا، بخاصة فيلق بَدر، التابع للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق سابقاً).
يقول الزويري: "هنالك مجموعات شيعية تمّ تشكيلها لحماية المناطق والمؤسسات الشيعية، لكن من الصعوبة تحديد عدد المتسللين إلى العراق في ظل حالة الفوضى التي تسود جنوب العراق وعدم القدرة على السيطرة على الحدود مع إيران"، ولا يستبعد الزويري أن تدعم إيران مجموعات مسلّحة، حتى من السنة (ومنظمة كالقاعدة)، لزيادة تدهور الأوضاع وجعل مهمة الولايات المتحدة أشدّ صعوبة.
المستوى الرابع من التدخل الإيراني، يأتي في مجال المساعدات الاقتصادية. فقد وعدت الحكومة الإيرانية في المساهمة بإعمار العراق بمبلغ مائة مليون دولار، بشرط أن يصرف أغلب المبلغ على البنية التحتية في النجف وكربلاء.
وفي يناير 2006 وقّعت إيران اتفاقية تتضمّن دفع مبلغ مليار دولار للعراق، يصرف جزء منها لدعم ميزانية الحكومة العراقية، لكن الجزء الأكبر يُصرف على قطاعات متعدّدة، تشمل تدريب موظفين عراقيين في إيران، إذ تلقّت إيران بالفعل آلاف المتدرّبين العراقيين في مجالات مختلفة.
المصلحة الإيرانية: الفوضى لا الاستقرار(58/49)
إذن، يتفق الدكتور الزويري مع رؤية عدد كبير من قيادات السُنة على أنّ إيران تمتلك اليد الطويلة في "عراق ما بعد الاحتلال" وأنّها تعتبره مساحة رئيسية في مجال أمنها القومي، إلاّ أنّ الزويري يؤكِّد بأنّ المصلحة الحيوية الإيرانية في الواقع العراقي الراهن تتمثل في "إدارة الفوضى، لا في عراق مستقر وآمن". يفسر الزويري ذلك بأنّ ظروف الصِّراع والاستقطاب الإقليمي الحادّ بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية البرنامج النووي الإيراني تفرض معادلات إستراتيجية رئيسية وتجعل من العراق إحدى ساحات الصِّراع الحيوية، لذلك، تبدو المصلحة الإيرانية في تعميق الأزمة الأمريكية في العراق ورفع مستوى التحدّيات وإبقاء العراق، جزءاً من الحوار أو الصِّراع بين الطرفين.…
ويرفض الزويري فرضية أن يكون هنالك صراع مراكِز قوى داخل إيران، ينعكس على دعم كل مؤسسة لطرف شيعي عراقي، بل يذهب إلى أنّ هنالك إجماعا إيرانيا على زوايا رؤية المشهد العراقي، إنّما ما يحدث هو عملية توزيع أدوار ومواقف بين القوى الشيعية الموالية لإيران، بحسب المستويات السياسية والدينية والأمنية والاقتصادية.
فيما يتعلّق بمقتدى الصّدر، الذي أثار قراره مؤخراً بالاعتزال، جدلاً واسعاً، فيرى الزويري أنّ مواقفه في بداية الاحتلال وضعت إيران أمام خيارين: الخيار الأول يتمثل في مواجهته، لكن ذلك سيؤدي إلى خسارة جزء من الطيف الشيعي ويخلق مشكلات متعددة، أمّا الخيار الثاني، فهو احتواء الصدر، ما يوفر أداة جديدة بيد السياسة الإيرانية من ناحية، ويمنح إيران – من ناحية أخرى- وسائل قوية ومؤثرة للضغط على عبد العزيز الحكيم وحلفائها الآخرين.(58/50)
لكن الزويري يُقرّ بقلة المعلومات المتوافرة حول العلاقة بين إيران وقيادات الصف الثاني والثالث في التيار الصدري، ما يمكن الحكم من خلاله على سلوك هذا التيار الشيعي الواسع والعريض في المرحلة القادمة، فيما لو أصرّ زعيمه (مقتدى) على العزلة السياسية.
"ممانعة شيعية" لإيران؟
تؤكد بعض المصادر السُنية على وجود تيار شيعي مُمانع للسياسة الإيرانية في العراق، وقد تجلّى ذلك في توقيع مئات الآلاف من الشيعة العراقيين على عريضة تطالب بالحدّ من النفوذ الإيراني، إلاّ أن هذا الاتجاه لا يمتلك - في الوقت الحاضر - النفوذ السياسي ولا القوة العسكرية والمالية، على خلاف القوى الشيعية الرئيسة التي تحظى بدعم كبير من إيران في مختلف المجالات.
ولعلّ أحد الأسباب الرئيسية في ضعف القوى الشيعية الممانعة لإيران، يكمُن في عدم وجود قنوات متينة وودّية بينها وبين المُحيط الاستراتيجي العربي للعراق.
ونظراً لوجود أزمات يُعاني منها إخوانهم الشيعة في العديد من الدول العربية، فإنّ إيران تبدو في المشهد الحالي أقرب إلى الشيعة من العرب، وهي الملاحظة التي يؤكِّدها الدكتور مهنّد مبيضين، المتخصّص في التاريخ والثقافة الإسلامية، لكنه يرى أنّ هنالك تأرجُحاً قائماً بين المشاعر القومية للشيعة العربية وولائهم السياسي لإيران.
ويشدّد مبيضين على صعوبة تصوّر أنّ العلاقة بين إيران والشيعة العرب أضحت بمثابة "سمن على عسل"، فهنالك تنافس تاريخي ومشكلات متعدّدة، إنما الظرف السياسي التاريخي الحالي يجعل من إيران مركزاً وحاضنة للتشيع، على الأقل في مجاله السياسي الاستراتيجي.
خطة إيران لفرض ولاية الفقيه على الشيعة العرب
رياض علم الدين - الوطن العربي 26/3/2008
السيد مقتدى الصدر غائب أم مغيب؟! وهل اختفى طوعاً.. وبإرادته.. أم أنه مرغم على الإقامة الجبرية في قم وبقرار وتهديد إيرانيين؟!(58/51)
وما هي الأسباب الحقيقية وراء غياب زعيم جيش المهدي؟ وهل اعتزل فعلا العمل السياسي والجهاد ضد الأميركيين؟ وهل سيظهر مجددا؟ ومتى وبأي دور؟
آخر مرة ظهر فيه السيد مقتدى الصدر كان في مايو "أيار" من العام الماضي، ومنذ ذلك الوقت تحول غيابه إلى لغز محير لأنصاره قبل خصومه، وفي كواليس الدول المعنية بمستقبل العراق، والعارفة بحجم الدور الذي يمارسه مقتدى على الساحتين الأمنية والسياسية من خلال قيادته لميليشيا تعد أكثر من ستين ألف مسلح من شيعة العراق، ثمة عملية رصد شبه يومية لأبعاد التحولات المفاجئة للزعيم العراقي الشاب وخططه المستقبلية المثيرة للشبهات، خصوصاً على ضوء ما يشاع عن وقوعه تحت السيطرة الكاملة للإيرانيين..
التساؤلات العراقية والعربية والدولية حول استراتيجية مقتدى الصدر الحقيقية اتخذت فجأة أهمية قصوى إثر البيان الذي وزع يوم الجمعة في السابع من مارس "آذار" الجاري في كربلاء على شكل رسالة جوابية كتبها السيد مقتدى إلى مجموعة من أنصاره ومحبيه استفسروا منه عن أسباب انقطاعه عن المجتمع، كانت الرسالة مفاجئة ولافتة لمحبي الصدر ومنافسيه وأعدائه وأصدقائه في آن.. إذ أرجع زعيم جيش المهدي انقطاعه إلى إحباطه من عدم تحرير العراق وعدم انصياع الكثير من أنصاره له، وانحرافهم عن الخط المستقيم "وهو ما دفعني إلى الاعتزال لإبراء ذمتي"!
"وبعد أن وجدت أن الساحة العراقية ساحة دنيوية وهي فتنة أرتأيت أن أكون بعيدا عنها" وتحدث الصدر عن خيبته "لعدم رجوع الكثيرين إلى حوزتهم الناطقة وتفرقهم عنها وتفرقها عنهم وانغماسهم في مهاوي السياسة".. ولهذا قرر الاعتزال والانصياع لوصية والده آية الله محمد صادق الصدر الذي أوصاه بالدرس واختار التكامل مع العبادة والتفرغ لإكمال دراسته الدينية.. ولم ينس الصدر أن يعد أنصاره بأنه "سيعود إن زالت الأسباب".
ورقة تفاوض(58/52)
لكن السؤال الأهم الذي طرحه المراقبون.. ما هي الأسباب الحقيقية وراء رسالة الصدر؟ وهل قرر فعلا اعتزال العمل السياسي ووقف "الجهاد لتحرير العراق" من الاحتلال الأميركي والتفرغ فقط للدراسة الدينية ليعود كما يقال حاملا لقب "آية الله" وصفة مرجعية دينية؟!
مخطط إيراني
هذه التطورات الأخيرة زادت من حدة التساؤلات عن أسباب غياب الصدر وخطته، وعن الدور الإيراني الخفي في كل ما يجري، وثمة قناعة بأن إيران هي التي تقف وراء كل هذا المخطط وأنها هي وراء "هدنة" جيش المهدي ووراء عمليات تصفيته وتطهيره، ووراء إبعاد مقتدى الصدر عن الساحتين السياسية والعسكرية العراقية، ووراء اختفائه ووضعه في الإقامة الجبرية في "قم" وإقناعه بالعودة إلى الدراسة الدينية والعودة إلى العراق "آية الله"..
وتؤكد مصادر عراقية مطلعة أن غياب الصدر هي عملية تغييب قسرى تلعبها إيران لحسابات متعددة ووفق استراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، وفي الحسابات الإيرانية أن طهران قد اختارت إنهاء دور الصدر وجيش المهدي في المرحلة الحالية، وقررت تقديمه "فدية" لخدمة مشروعها العراقي والصفقة المرجوة مع الأميركيين على أمل إعادة استخدامه في استراتيجية بعيدة المدى بدأت تعد لها منذ الآن..
وتشير هذه المصادر إلى أن طهران قد اختارت وضع يدها على جيش المهدي الذي فقد مقتدى الصدر سيطرته عليه منذ فترة طويلة، وثم تقارير تتحدث عن دور إيراني في تطهير هذا الجيش وتصفية العديد من عناصره وقياداته بهدف إعادة تأهيله بعيدا عن قيادة الصدر.
وفي هذه المعلومات أن خبراء من الحرس الثوري وضباطا في الاستخبارات الإيرانية لعبوا دورا في إثارة الانحرافات والانشقاقات داخل جيش المهدي، وذلك لثلاثة أهداف:
الأول: هو وضع حد لاختراق الأميركيين والبريطانيين للعديد من جماعات المهدي وفي إطار خطة تأسيس مجالس صحوة شيعية على طريقة مجالس الصحوة السنية.(58/53)
الثاني: حسم موازين القوى داخل شيعة العراق لصالح "فيلق بدر" وقوات عبد العزيز الحكيم، وذلك تحسبا للحرب الشيعية ـ الشيعية التي تنذر بالانفجار في أقاليم الجنوب، خصوصا أن طهران تستعد لمعركة البصرة وفرض هيمنتها الكاملة على جنوب العراق بدون أن تترك للأميركيين القدرة على إشعال هذه الفتنة الشيعية ـ الشيعية عبر تنظيمات مسلحة مؤيدة لهم.
الثالث: هو رغبة إيران في ضبط "جيش المهدي" ليصبح تنظيما مواليا لها مائة في المائة عبر إعادة تنظيمه وتركيبه على طريقة "حزب الله" اللبناني وتصفية كل الأجنحة المشبوهة فيه، وتشير بعض التقارير في هذا المجال أن مجموعات من "حزب الله" اللبناني تشارك حاليا في إعادة تنظيم جيش المهدي بعدما شارفت طهران على إكمال عملية وضع يدها كليا عليه والسيطرة الكاملة على عملياته ونشاطاته.
غياب أم تغييب؟!
وإذا كان لعبة إيران الحالية في قضية تحول جيش المهدي وهدنته وتصفيته وإعادة تنظيمه واضحة لجهة حسم موقف طهران الداعم لحكومة المالكي وتيار عبد العزيز الحكيم والتفاوض مع الأميركيين على صفقة عراقية، إلا أن الشكوك والتساؤلات تحيط بلغز غياب مقتدى الصدر والخيار المفاجئ لزعيم جيش المهدي بالاعتكاف والعودة إلى الدراسة الدينية والأهداف الحقيقية له.(58/54)
شكوك المصادر المطلعة بدأت عندما تبين أن "اختفاء مقتدى الصدر هو ليس غيابا بل هو تغييب، وأن التقارير تشير إلى أن الرجل ليس معتكفاً في النجف كما تقول جماعته بل إنه يعيش في قم منذ عدة أشهر وبحماية إيرانية مشددة، تجعل إقامته هناك أقرب إلى الإقامة الجبرية، وقد تعززت هذه الشكوك مؤخراً عندما أشيعت قبل أيام من رسالة الصدر إلى أنصاره معلومات تفيد أنه تعرض إلى محاولة اغتيال عن طريق التسميم، نُقل على أثرها للعلاج في طهران، وفي رأي مصادر مطلعة أن هذه التسريبات لم تكن سوى إشارة واضحة لتهديد إيراني بتصفية الصدر في حال عدم رضوخه لمطالب طهران وقبوله بخطة الاعتكاف لأسباب دينية، وتبنيه لهذه الاستراتيجية الإيرانية البعيدة المدى.
وفي المعلومات أن هذه الاستراتيجية تستند إلى خطة إيرانية لإنجاز السيطرة الإيرانية الكاملة على العراق ومواجهة مخطط إرغام الأميركيين على الانسحاب بعد سنوات وهي خطة يقال: إن طهران أقنعت مقتدى الصدر بأنه سيكون صاحب الدور الأول فيها، لكن المطلعين على حقيقة هذه الاستراتيجية يؤكدون أن هدفها الأول ليس الأميركيين بل النجف، وأن المحور الأساس لها هو أن الإيرانيين الذين هم في صدد إكمال السيطرة السياسية والاقتصادية والأمنية على العراق من خلال تكريس حكم الجماعات الشيعية الموالية لهم يخططون لإنجاز عملية الهيمنة على العراق من خلال حسم المرجعية الدينية وإنهاء مرجعية النجف لحساب مرجعية قم..
ولهذا السبب توقف المراقبون عند "اختيار" مقتدى الصدر لحوزة قم لإكمال دراسته وليس حوزة النجف، واعتبروا ذلك في صلب المخطط الإيراني الجديد الذي يهدف إلى إسقاط مرجعية النجف والسيستاني لحساب قم ومرجعية ولاية الفقيه بعدما أنجزوا عملية إسقاط صدام حسين والسيطرة السياسية على العراق.(58/55)
وفي المعلومات المتداولة أن مقتدى الصدر الذي أشيع سابقاً أنه بدأ الدراسة على يد آية الله إسحاق الفياض في النجف لم يلجأ فقط إلى حوزة قم، بل يقال إنه ابتعد عن آية الله كاظم الحائري الذي كان مرجعه التقليدي حتى الآن وهو معروف برفضه لنظام ولاية الفقيه، وقد اختار الدراسة على يد آية الله مكارم الشيرازي المعروف بأنه من ملالي السلطة ومن جماعة ولاية الفقيه، وهذا يعني في نظر الخبراء أن طهران نجحت في استغلال الخلافات بين مقتدى الصدر والسيستاني من أجل استقطاب أبرز رموز "الشيعة العربية" ومؤيدي حوزة النجف ومعارضي ولاية الفقيه إلى حوزة قم ونظام ولاية الفقيه، مما يكشف بوضوح الخطة الإيرانية ليس فقط لهيمنة قم على النجف، بل لتكريس مرجعية قم لدى الشيعة العربية مع ما يعني ذلك من تكريس للمرجعية الإيرانية على الشيعة العرب.
وفي المعلومات المتداولة أن خطة طهران الحالية هي الاستعداد لوفاة آية الله السيستاني الإيراني المولد، والذي يعتبره ملالي طهران رافضاً للمشروع الإيراني في العراق، وإعداد نجل آية الله محمد صادق الصدر لخلافة السيستاني، أو على الأقل للعب دور مهم في معركة خلافة السيستاني التي يتوقع أن تكون فرصة إيران للقضاء على مرجعية النجف، ومن هنا مسارعة الإيرانيين إلى دفع مقتدى الصدر لإكمال دراسته الدينية وإغرائه بالعودة للظهور مجددا في العراق بصفة آية الله.
آية الله
والسؤال المطروح اليوم في عدة أوساط شيعية هو هل يستطيع مقتدى الصدر الحصول على لقب "مرجع ديني" وكم سنة دراسة يحتاج للقب آية الله؟! مصادر فقهية شيعية عديدة تشكك بقدرات مقتدى الصدر للحصول على لقب ديني يسمح له بمنافسة المرجعيات الشيعية الكبرى، أو حتى بإصدار فتاوى واجتذاب مقلدين له على الأقل في صفوف أنصار التيار الصدري الذين يختار الكثير منهم "منافسه" السيستاني.(58/56)
والمعلومات الآن أن السيد مقتدى الذي لا يحمل حتى الآن سوى لقب "حجة الإسلام" وهو من المراحل الأولية في التراتبية الشيعية قد بدأ منذ اختفائه تلقى الدروس لنيل درجة الاجتهاد، التي تعتبر درجة حوزية عليا في المذهب الشيعي، وعلى الرغم من أن أنصار الصدر بدأوا التسويق لنجاحه المبكر في دراساته بالتركيز على أنه "يتميز بسرعة البديهة والذكاء والفطنة" بما يسمح له اختصار المدة المحددة..
لكن المصادر الفقهية تشير إلى أن الحصول على لقب "آية الله" يحتاج إلى ما بين خمس وعشر سنوات.. إلا إذا لعبت الحسابات السياسية دورا في تسريع تكليف مقتدى الصدر بالدور الديني الذي أغراه به الإيرانيون الذين وعدوه على ما يبدو بالمرجعية الدينية العراقية، وما تشمله من نفوذ على الأوقاف وعائداتها المالية مقابل تخليه عن منافسة خصمه اللدود والتاريخي عبد العزيز الحكيم والتنازل عن طموحاته السياسية الحالية، والمطالبة بحصة في التركيبة العراقية، ودوره في موازين القوى الشيعية العراقية، وحتى مقابل وقف الجهاد ضد الاحتلال الأميركي حتى إشعار أخر.
والسؤال المطروح حاليا هو ماذا يبقى من جيش المهدي والتيار الصدري إذا استمر غياب مقتدى الصدر خمس سنوات، وهو سؤال يميل عدد من المراقبين إلى الإجابة عنه بأن الصدر سيضطر للظهور مجدداً وبسرعة على الساحة العراقية قبل تصفية جماعته وتياره بمباركة مستضيفيه في قم.. هذا إذا لم يكن قرار غيابه أو تغييبه نهائيا، وهو ما ستكشف عنه الأشهر المقبلة على ضوء تقدم المفاوضات الإيرانية ـ الأميركية، والعراقية ـ الأميركية وظهور حاجة الإيرانيين إلى مقتدى الصدر "السيد" لا "آية الله"..
احتلال الجيران؟!
راجح الخوري - النهار اللبنانية4/4/2008(58/57)
حرص القادة العرب الذين شاركوا في قمة دمشق على أن يكون الكلام المخملي الهادئ إطارا للحديث عن الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التي احتلتها إيران بالقوة العسكرية عام 1971!
وكان هذا الحرص ظاهرا تماما في الاجتماع المغلق. أولا عندما ظل الحديث عن "الاحتلال الإيراني" طي الكتمان فلم يُعلن، وثانيا عندما اعتمدت صياغة ديبلوماسية لا تغضب دولة الإمارات ولا تثير حنق الإيرانيين، للفقرة التي تحدثت عن هذه الجزر في "إعلان دمشق" حيث جاء النص كما يأتي:
"(...) تشجيع الاتصالات الجارية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية لحل قضية الجزر الإماراتية الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، عبر الإجراءات القانونية والوسائل السلمية لاستعادة الإمارات لهذه الجزر حفاظا على علاقات الإخوة العربية – الإيرانية ودعمها وتطويرها".
وإذا كان الحرص على استعمال اللهجة الايجابية حيال إيران ظاهرا في هذا النص، فان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي تعمد توجيه صفعة قوية إلى القمة والى الدول العربية التي حضرتها، عندما أدلى بتصريحات بعد القمة تضمنت إهانتين:
أولا بالقول جزما "إن هذه الجزر إيرانية"، وثانيا بالغمز من قناة العرب عموما عبر القول "إن على العرب إن يهتموا بتحرير فلسطين"!
لقد بدا الأمر مثيرا تماما، فالذي يحتل ارض العرب في الخليج، أي الجزر الثلاث، يكاد يهزأ من الخليجيين بالقول أن عليهم تحرير فلسطين، ولكأن هناك في النهاية فرقا في مسألة احتلال الأراضي، فهنا ارض يحتلها الأعداء وهناك ارض يحتلها الأحباء والأصدقاء!
طبعا تقضي الموضوعية والواقعية بالتفريق بين العدو الإسرائيلي الذي يحتل فلسطين وقسما من الأراضي العربية، والجار الإيراني الذي يحتل الجزر الثلاث ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة في منطقة الخليج على تخوم مضيق هرمز.(58/58)
لكن وزير خارجية إيران تصرف في قمة دمشق على طريقة "يرضى القتيل وليس يرضى القاتل"، متناسيا ما يقال عن "ظلم ذوي القربى" مثلا، بمعنى انه رغم الحرص على استعمال لغة ديبلوماسية في الإشارة إلى الجزر، جزم أنها "إيرانية" وهذا تزوير فظ لوقائع التاريخ القريب، وقرع لطبول فلسطين ولكأن على دولة الإمارات وحتى على دول الخليج والعرب أجمعين أن ينسوا الجزر بانتظار تحرير فلسطين.
ليس هناك قطعا من يريد أن يوازي بين الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال الإيراني، ولكن منطق الغطرسة الذي استعمله متكي يشكل استفزازا لكل العرب. ثم إن القمم العربية أدرجت بندا دائما في جداول أعمالها عن مسألة الجزر التي احتلتها إيران ولذلك بدا متكي كأنه يوجه إهانة مباشرة إلى كل هذه القمم.
في الواقع هناك مئات الوثائق والرسائل التي تؤكد الحق العربي في الجزر الثلاث. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، قام الوكيل الوطني في إمارة الشارقة عام 1882 بتزويد "المقيمية البريطانية" عندما كانت بريطانيا تسيطر على كل منطقة الخليج تقريبا، مجموعة من المخطوطات والخرائط والوثائق التي تثبت ملكية الجزر إلى حكام القواسم ورأس الخيمة، وقد اقر المقيم البريطاني عام 1887 في تقرير مفصل الملكية العربية للجزر الثلاث.
ورغم كل هذه الوثائق الدامغة قامت إيران أيام الشاه عام 1971 باحتلال الجزر الثلاث وذلك قبل يوم واحد فقط من انسحاب البريطانيين من المنطقة وإمارات الساحل.
وتكمن أهمية الجزر في موقعها الجغرافي الاستراتيجي الحساس وخصوصا أنها تشرف على مضيق هرمز الذي يشكل أهم شريان للنفط تعبره ناقلة عملاقة كل 10 دقائق. ثم إن الجزر تشكل قواعد حساسة يمكن منها مراقبة سواحل العراق وإيران والسعودية..(58/59)
وهي كذلك توازي أهمية جزيرة هرمز بالنسبة إلى المضيق، أو طنجة وجبل طارق في مدخل المتوسط، أو عدن في حوض البحر الأحمر. ومن يسيطر على هذه الجزر يستطيع التحكم بحركة المرور المائي في الخليج وممارسة مقدار كبير من الضغط على الدول العربية المطلة على الخليج.
"الجزر إيرانية اذهبوا واهتموا بتحرير فلسطين"
هذا هو كلام متكي الاستفزازي الذي إذا ابتلعه العرب الذين خسروا فلسطين فسيخسرون الجزر الثلاث الفائقة الأهمية وبعدها ربما يخسرون الخليج. وهذا أمر لا يقع على عاتق دولة الإمارات وحدها بل على العرب من المحيط إلى الخليج. صحيح إن إيران دولة جارة وصديقة ولكن الأصدقاء والجيران ليس من حقهم احتلال أراضي الغير، ولا من حقهم طبعا تعيير العرب باحتلال العدو الإسرائيلي.
خطر إسرائيل .. قائم فماذا عن الخطر الفارسي؟
حسن صبرا – الشراع 17/3/2008
عدونا الصهيوني حاول ويحاول منذ أكثر من 60 عاماً أن يفتت عضد الأمة العربية، ويعمل الشقاق بين دولها ويزرع الفتن بين طوائفها ومذاهبها دون أن ينجح.(58/60)
جاءنا الإيراني فنجح خلال سنوات قليلة في ما لم ينجح فيه العدو الصهيوني، فإن نظرت إلى العراق ستجد أن هذا البلد العربي العريق بوابة وجدار وخندق العرب الأمامي جهة الشرق، بات معقلاً للفتن المذهبية والتي أخذت على عاتقها أول الأمر تفتيت هذا البلد العربي إلى طوائف ومذاهب، بدأها بول برايمر الأميركي، ثم أعمل الجار الإيراني تفتيتاً وفرزاً مذهبياً ثم صراعاً دموياً بين السنّة والشيعة، اعتماداً على إرهاب القاعدة التي أدخلها من إيران ومن سوريا لتقتل في الشيعة، واعتماداً على إرهاب الحرس الثوري الذي عمل تقتيلاً بالسنّة، واعتماداً على عميله المميز عبد العزيز الحكيم الذي طالب بتفتيت العراق علناً إلى أقاليم مذهبية لفصل الجنوب عن الوسط وعن بقية العراق، وأيضاً اعتماداً على نفط الجنوب الذي يشكل 80% من نفط العراق، فيتقاسمه عملاء إيران، وتصرف منه إيران على عملائها في سوريا ولبنان ومصر وفلسطين واليمن والمغرب والسودان وبعض دول الخليج العربي.. رغم أن الحكيم هذا ما زال يلهث لدفع 100 مليار دولار من شعب العراق إلى أسياده الفرس عقاباً لوطنه على حربه الشريفة ضد التوسع الفارسي.
المشروع الصهيوني سقط لأن الأمة العربية توحدت في مواجهته عبر 60 عاماً، حتى لو خسرت عسكرياً أراضي ومرتفعات وصحارى ومدناً مقدسة وأنهاراً وقرى.. فقد ظل البشر صامدين، والناس ترفض التطبيع مع إسرائيل.
المشروع الإيراني نجح بعد أن اخترق البشر وأصبح جزء من الناس العرب متيمين بالمال الإيراني، والخداع الإيراني واللطف الإيراني.(58/61)
أصبح لإيران أحزاب عربية باسمها، ودعاة عرب يلهجون القول والتسبيح بحمدها، وعنوان يستدلون عليه بخيرها اسمه فلسطين، وبعد أن كانت التجارة بفلسطين حكراً على أنظمة مثل آل الأسد في سوريا، كسرت طهران احتكار الامتياز السوري بفلسطين، لتتحدث هي نيابة عن الجميع، ثم لتستتبع النظام السوري وعائلة الأسد بمشروعها خدماً منفذين بأجر ما تريد وتهوى.
لم تنجح إسرائيل في استتباع عربي واحد، رغم أن كامل أمين ثابت أصبح عضواً في قيادة حزب البعث السوري، ثم تبين أن اسمه الحقيقي إيلي كوهين جاسوس صهيوني وصل إلى أعلى المراتب والمواقع في القيادة البعثية السورية.
لم يجرؤ حزب عربي واحد على المجاهرة بالتطبيع مع العدو الصهيوني أما إذا خرج مثقف عربي واحد للمجاهرة "بالسلام" مع العدو فإن مصيره جهنم وبئس المصير والسقوط من سعد الدين إبراهيم إلى إنطوان لحد، ومن علي سالم إلى إيلي حبيقة مرشح آل الأسد لرئاسة الجمهورية قبل أن يقتلوه في مربعهم الأمني في الحازمية كما قتلوا عماد مغنية في مربعهم الأمني في كفر سوسة.
توحد الشعب اللبناني في مواجهة العدو الصهيوني، وتعمقت وحدته الوطنية أمام كل عدوان صهيوني، ونجح اللبنانيون بوحدتهم هذه بطرد الاحتلال الصهيوني من أراضيهم، رغم أن إيران وسوريا نجحتا أيضاً في إسقاط وطنية المقاومة ضد إسرائيل لحصرها في أداتهم المسلحة حزب الله.
لكن إيران نجحت في تفتيت الشعب اللبناني شيعاً وطوائف ومذاهب، ودقت الأسافين بين السنّة والشيعة، وبين المسيحيين أنفسهم ثم بين السنّة والسنّة، وبين الشيعة والشيعة.(58/62)
وفي حين دفن كثير من الذين تعاملوا مع العدو الصهيوني تلك الحالة منذ زمن وتخندقوا دفاعاً عن وطنهم، فإن حزباً وجمهوراً ومثقفين لبنانيين (وعرباً) يجهرون ويعتزون بالتعامل مع هذا الإيراني الذي يريد بلدهم مدمراً تحت عنوان منازلة أميركا، وهم يفرشون الورود للأميركي كي يتنازل ويخاطبهم أو يجري حواراً معهم. أصبحت الخيانة وجهة نظر، فإن تعلن مبايعتك للإيراني فهذا تكليف شرعي مغطى بالدين، وان تحرق بلدك لتحمي مصالح الفرس في إيران، فهذا واجب ديني مغطى بالمال النظيف والشريف والعفيف.
صمد ياسر عرفات 40 عاماً في مواجهة العدو الصهيوني، وسط ملايين قطع الأسلحة ومئات آلاف المسلحين وعشرات المنظمات الفلسطينية، ولم يرق نقطة دم فلسطينية واحدة في صراع أو تقاتل داخلي، ناجحاً في توجيه الجميع نحو مقاتلة إسرائيل وحدها، حتى وهو يتلقى الطعنات من الأنظمة العربية في سوريا والعراق وليبيا.
وكان عنوانه الدائم فلسطين، وللوصول إليها.. وقد وصل وكان أول زعيم فلسطيني في التاريخ (هاتوا اسم فلسطيني واحد حكم فلسطين منذ آلاف السنين) اعتمد شعار القرار الوطني المستقل.
فلما نجحت إيران في استتباع حركة حماس التي دفعتها إسرائيل لمقاتلة ياسر عرفات، كان أول "إنجاز" لحماس هو هدر الدماء الفلسطينية في صراع مفتوح انتهت إحدى جولاته بسيطرة حماس على غزة على جثث ودماء وأرواح وأنفس آلاف المواطنين الفلسطينيين وقتلت حماس من الفلسطينيين خلال أسبوع ما لم تقتله إسرائيل خلال أشهر من هذا الشعب البطل الصامد.
انه العصر الإيراني ولكي تنجح إيران في استمراره يجب تصفية الوجود العربي والمشروع – أي مشروع عربي – وللأسف فإنها حققت الكثير من النجاح استناداً إلى شبقها بالتوسع، وإلى عملائها في الداخل العربي، وإلى الضعف العربي الذي ساهمت إسرائيل بصنعه..(58/63)
قناعتنا التاريخية أن إسرائيل ستزول وقد بدأ العد العكسي لزوالها، بسبب الرفض العربي لها دائماً أما المشروع الفارسي فانظروا ماذا يجري في العراق وغزة ولبنان.
لقاء خاطف مع الشهيد الحي الأستاذ الداعية أيوب غنجي!...
الشيخ أيوب غنجي ( كَنجي) من أبرز الدعاة النشطين في مدينة "سنندج" من محافظة "الكردستان" الإيرانية صاحب عدد من المؤلفات يسعى فيها تصوير حقائق التاريخ الإسلامي ودحض شبهات الأعداء عنه، وقد رد فيها على عدد من الشيعة المعاصرين الذين يحاولون صباح مساء أن ينالوا من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والأمهات المؤمنين الطاهرات، وأهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين!
اختفى للمرة الثانية يوم الأحد 7/11/1386ش، ولم يعرف له مصير!..
وبما أن الشيخ نقد السياسات القمعية لفرق الموت في الحكومة من خلال خطبته في يوم الجمعة، وبما أنه كان تحت مراقبة شديدة من قبل المخابرات التي سجنته قبل ذلك وأذاقته ألوان العذاب، اتجهت أصابع الإتهام هذه المرة كذلك إلى الأجهزة الأمنية والمخابرات في الدولة. لكن جميع الأجهزة الحكومية رفضت أية صلة له بالجريمة، وأخذت تبث الشبه حول الحادث وحرصت على تشويه الحقائق!
وفي فجر يوم الجمعة 19/11/1386ش (الموافق 13/3/2008 م) تفاجئ المصلون في "مسجد قبا" الذي يخطب الشيخ فيه الجمعة بسيارة مجهولة الهوية ترمي الشيخ في الشارع وتبتعد عن المكان بسرعة جنونية.
ظل الشيخ لعدة أيام في المستشفى في حالة إغماء وإعياء شديد لا ينطق إلا بكلمات: آه! يا ربي! رأسي ... رأسي..، الكهرباء .. ها هم جاءوا مرة أخرى .. لا تضربوني ... ثم يأخذ بالصراخ: لا..لا..لا.. ويغمى عليه!..
عادة الحياة إلى الشيخ لكن ذاكرته كانت قد محيت تماماً، فلم يكن يعرف نفسه ولا أقرب الناس إليه، ولا يذكر شيئاً عن حياته!..(58/64)
فقد بلغت قلوب أهل السنة في إيران الحناجر وظنوا أنهم أفقدوا رجلا آخر من علمائهم.. لكن ظلت أكف المؤمنين في العالم ترفع بالدعاء لهذا الداعية والمصلح الإجتماعي، وظلت طلاب الشيخ وأنصاره وسائر المؤمنين يقومون الليل ويطرقون أبواب السماء يرجون رحمة الله...
ولم يرد المولى الكريم تلك الدعوات المخلصة، وتلك الأكف الضارعة عن باب جوده فوهب للشيخ ذاكرته من جديد، وها هو الداعي المصلح أيوب غنجي عاد إلى الحياة من جديد وأخذ في الحديث، وبدأ يذكر الماضي... ولله الحمد والمنة.
وقد التقى به بعض إخواننا في حوار لطيف يصور بعض معاناة إخواننا من أهل السنة في إيران، أردنا أن نشاطرهم آلامهم ومآسيهم فترجمناه إلى العربية:...
•…قبل كل شيء نرجو أن تطمئننا على صحتك.
بحمد لله عز وجل صحتي تتحسن يوميا، وهذا كله كرم من المولى إذ استجاب لدعوات المؤمنين الصالحين الذين ساندوني في محنتي، فلهم مني جزيل الشكر ومن الله الأجر والمثوبة.
مقارنة بالأيام الأولى تحسنت كثيراً، وذاكرتي عادت إلي مرة أخرى، وأذكر جيداً كل ما حدث لي، وإن كنت لا أمتلك نفسي تماماً، ولا أستطيع التركيز على الموضوعات كالسابق، ولا أقدر على ترتيب المحاضرات والبحوث، وجمع شتات الأفكار بشكل جيد. وكما تلاحظ لا أستطيع أن أتحدث بشكل واضح، وأشعر بالاضطراب والوساوس، وتراودني الشكوك في كل شيء. كثيرا ما تراني أعيد الكلام عدة مرات، وأشعر أن حديثي بهذه الطريقة يزعج من يجالسني.
وإذا أغضبني أحد أو أحزنني أشعر بصداع شديد يظل معي أياما، وطوال هذه الفترة تتلخبط علي كل شيء، وذاكرتي لا تسعفني جيدا. كثيرا ما يداهمني النوم دون سابق إنذار فلا أتمالك نفسي وأقع على الأرض. لا أستطيع القراءة والمدارسة، أحبذ الفرار من الناس والابتعاد عنهم والجلوس بعيدا عن الأصوات والأحاديث.(58/65)
لكن أملي في الله كبير، وإن شاء الله ستعود إلي الصحة رغم أنوف الطغاة والمعتدين! ورجائي من إخواني المؤمنين أن يخصوني بدعوات صالحات عسى أن يثبتني الله على الحق...
•…هل تذكر شيئا من الأيام التي تم فيها القبض عليك، أو بعبارة أصح اختطفت فيها؟
أجل! أذكر تلك الحادثة جيدا، كنت قد خرجت إلى المكتبة العامة في مدينة "سنندج" لأبحث عن كتاب. قابلني رجل أمام المكتبة وبدأ يتحدث معي وعندها وقفت سيارة أمامنا.
قدم الرجل نفسه أنه من المخابرات، وأنهم يريدونني أن أصاحبهم للقاء السيد الشيخ النوري ـ من مسئولي المخابرات في مدينة سنندج ـ، والسيد الشيخ المنصوري - من عناصر المخابرات في العاصمة -.
حملوني في سيارتهم واتجهوا نحو جبل "آبيدر" حيث زعموا أن اللقاء سيتم هناك.
وقفت السيارة في منطقة هادئة من الجبل. طلبوا مني أن أنزل من السيارة، لم أتقدم عدة خطوات، وإذا بضربة قوية أصابتني من وراء رأسي، ثم أغمي علي ولا أدري ماذا حدث بعد ذلك.
عندما أفقت وجدت نفسي بين رجلين - من الفرس - أحدهما كان قد أمسكني بقوة، والآخر أخذ يحلق رأسي ولحيتي.
كان تعاملهم معي سيئاً للغاية، فقد كنت كالدجاجة بين يدي وحوش تفترسني. عندها فقد عرفت أنني وقعت في الفخ. لم أكن أعرف؛ أين أنا، ولا عند من!
ظللت بضعة أيام سجينا في غرفة باردة جداً، مرّت علي كالقرون، كانت في الغرفة مرحاض سجنوني معظم الوقت هناك، قضيت أكثر وقتي سجينا في ذلك المرحاض الضيق والوسخ. وكان البرد شديدا جداً. من خلال ما كنت أراه من ثقب صغير في باب المرحاض كنت أشعر أنني في مكان هادئ، بعيد عن المدينة، لم أكن أرى إلا ميدانا واسعا غطته ثلوج كثيفة.
وفي الأيام الأولى من القبض علي عرّوني من ملابسي ولبسوني ملابس السجناء.
•…ألم يكونوا قد خطفوك قبل رمضان، فلم لم تحتاط هذه المرة لتقع في أيديهم من جديد؟!(58/66)
بعد حادث اختطافي الأول كنت حذرا جداً، فلم أكن أخرج من البيت لوحدي، لا أرد على الهواتف المشبوهة، لم أكن أحضر العزائم والولائم والمجالس المريبة.
وكان الشيخ النوري ـ مسئول المخابرات ـ يتابع حركاتي وسكناتي ويتصل بي دائما؛ أحيانا كان يطلبني إلى دار الضيافة في المدينة للاستجواب، وأحيانا كان يريدني عند جبل "آبيدر"، وأحيانا كان يستجوبني في سيارته، وأحيانا كنا نتمشى وهو يهدر علي بأمطار أسئلته عن كل ما يحلو له، وأحيانا يأتيني في بيتي.
فطلبي للاستجواب بهذا الأسلوب الأخير لم يكن بدعا منهم، ولم يكن غريبا علي أن يطلبوني إلى ذلك الجبل. بل أنا كنت أتوقع أن يداهموا بيتي في أية لحظة، وذلك لخطبتي في يوم الجمعة، وكذلك سبق أن أخبرني رجل المخابرات ـ الشيخ النوري ـ أنهم سيبعثونني للاستجواب إلى طهران ـ العاصمة ـ وسوف يستجوبونني عن كل حركاتي وأسفاري بين المدن. وكان يؤكد علي ألا أخبر أحدا عن ذلك، وألا يصاحبني أحد في سفري! على كل فقد كنت حذرا ومحتاطا جدا مع ذلك لم يغنني الحذر من القدر!
وماذا كان ينفعني الحذر، فقد كان بإمكانهم أن يأخذوني من بيتي ومن بين أيدي أهلي وأسرتي في أية لحظة!
•…لقد أصدرت المخابرات والجهات الأمنية عدة بيانات والتقارير، أكدت فيها أنك خرجت بنفسك، وأنك كنت تغطي وجهك في السيارة مخافة أن يعرفك الناس! هل يمكن أن توضح الأمر؟
حقا، فإن شر البلية ما يضحك! إشاعة لا تخرج إلا من عقول ساذجة مريضة!
ولا عجب! فإن هؤلاء السادة يعيشون في ترف وبهبهة من العيش، فقد امتلكوا مصاير الشعب المظلوم الجريح. وامتلأت جيوبهم وكروشهم بأموال هؤلاء المنكوبين من الشعب الكردي المسلم الأبي، فهم يعيشون في قصورهم التي تسخنها أحدث الأجهزة والدفاءات، وتخدمهم الجنود كالعبيد، يحضرون لهم كل ما تشتهيه نفوسهم في بيوتهم، فهم لا يدركون ماذا كان يجري وراء قصورهم، لا يعرفون شدة البرد القارص الذي كان يقصم ظهر الشعب الفقير!(58/67)
فقد كان الثلج في ذلك اليوم شديدا جدا، وأنا كسائر الناس كنت أضع منديلا حارا على رقبتي ، وكان عندي زكام، فكنت أغطي فمي به.
ولو كنت غطيت وجهي كله، كيف عرفني زبانيتهم؟! هذه إشاعة ساذجة يضحكون بها على أنفسهم!
ثم إنني لو خرجت إلى السفر لحملت معي ما أحتاجه في السفر، لأخذت حقيبة وملابس وعلى الأقل مبلغا من المال والبطاقات الهوية! وقد كنت لدغت مرة من هؤلاء الأفاعي، فما كنت أخرج من بيتي إلا وأخبر الناس عن مصيري. فلو كنت أريد السفر لأخبرت أهلي وأسرتي وأصحابي.
لكنني لم أخرج من البيت إلا وأنا أريد أن أعود بسرعة، فقد تركت هاتفي النقال يشحن في البيت، ونسيت بطاقات هويتي أمام كتبي.
وهل يعقل أن أخرج إلى السفر في تلك الأيام الباردة دون أي إعداد وبرنامج، ودون أخذ أي ملابس! فهذه إشاعة حمقى، وكذب يضحك على صاحبه!
•…ادعت المحكمة أنك هربت من البيت لمشاكل أسرية! فما رأيك؟
وضحت لكم كيف تم اختطافي، فلم أخرج بحول مني ولا قوة، وإنما سيف الجلاد هو الذي استضافني تلك الفترة كلها! وسحره هو الذي فرق بيني وبين أسرتي، وشرحت لكم كيف أخرج إلى السفر عادة.
ثم إن هؤلاء الناس قاسوني على أنفسهم، فعقولهم تترشح عما فيها فكل إناء ينضح بما فيه.
أما نحن الأكراد فإذا حدثت بيننا مشكلة في الأسرة، نحلها بطرقنا الخاصة، وضمن عادات وتقاليد عائلية، ولا نهرب من البيت!
•…في رأيك من كان وراء هذه المؤامرة؟
في الحقيقة في بداية أمري لم أكن أعرف من الذي اختطفني. لكن لما أخذوا يستجوبونني أدركت تماما أنني في أيدي المخابرات لا غير! ولا أدري أهم الذين اختطفوني. أم هناك فرق موت تعمل لصالحهم، لكنني كنت فريسة المخابرات بعد ذلك. فقد كانت اسئلتهم نفس اسئلة المخابرات، وكانوا يريدونني أن أعترف (!) بكل ما كانوا يريدونني أن أعترف بها قبل ذلك!
•…ماذا كانوا يسألون؟
كانوا يركزون على:
-… من الذي يحرضك على محاضراتك وخطبك؟ ينتمون إلى أية جماعة أو حزب؟(58/68)
-…كم دفعوا لك؟ بماذا وعدوك؟ هل كان السيد "الزارعي" معهم؟
-…متى أردت أن تهرب من البلد؟ ومن كان يريد أن يساعدك على الهروب.
-…مع من التقيت من قادة الأحزاب المعارضة للثورة؟
-…بما وعدك جماعة "الثاني من الخرداد"؟ هل خدعك "السيد جلالي زاده" وجماعته؟
-…وهل هم الذين يعدون لك هذه المحاضرات؟
-…هل لك صلة بجماعة "عبد المالك ريجي"، وجماعة "القاعدة"؟ من هو الوسيط بينكم؟
-…من الذين جندتهم للعمليات الإرهابية؟
-…الأكراد الذين قتلوا في أفغانستان، من أين كانوا يعرفون اسمك؟
-…ألم نقل لك في محكمة "همدان" لا تنطق بهذه الترهات مرة أخرى؟ فلماذا عدت إلى أفكارك وكلامك؟وأسئلة من هذا القبيل، لا أستطيع أن استحضر كلها..
•…هل كانوا يعذبونك كذلك؟
في البداية لم يكونوا يقصرون في ذلك، فقد عذبوني في اليوم الأول، وضربوني حتى شبعوا! لكن بعد ذلك كفوا عن الضرب وكانوا يعذبونني بثلاث صور:
كانوا يتركونني في البرد القارص، وكل هذه الفترة لم يقدموا لي شيئا للأكل، اللهم إلا عشاءا واحدا ليلة الإفراج عني. ثم اللكمات والضرب على الرأس فكان ذلك ديدنهم طوال الوقت.
لكن أشد ما كانوا يعذبونني به، لم تكن تلك الضربات وإنما التعذيب النفسي، فقد كانوا يضعونني في ظلام دامس، ويحدثون أصواتا مخيفة جداً، ثم يأخذون في الشتم على الذات الإلهي سبحانه وتعالى، وعلى النبي الأمين عليه الصلاة والسلام، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.
وفي الاستجواب كلما كنت أحلف كانوا يثورون ويأخذون في سب الله سبحانه وتعالى وفي الطعن على القرآن ولا يكفون عن أقبح الشتائم لحظة... تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً..(58/69)
وبعد كل جلسة استجواب كانوا يربطون يدي ويغطون عيني، ويجعلونني أبلع بعض الأقراص التي كانت تسبب حرارة شديدة في رأسي، ثم يبدأ رأسي بالآلام والصداع، وكنت أتصور بأن رأسي سيذوب وينفجر من شدة الحرارة والصداع. وفي الليلة الأخيرة بعد أن قدموا لي الطعام لأول مرة بعد اختطافهم لي، أدخلوا رأسي في جهاز كهربي، أحدث صوتا مهيباً ورعشة مخيفة في رأسي ومخي، وكاد رأسي ينفجر من شدته، وبعدها أغمي علي. ولما أفقت وجدت نفسي لا أذكر شيئا عما جرى لي، ولا أذكر شيئا من الماضي، حتى لم أكن أعرف اسمي ولا عنواني...
وظللت فترة بعد الإفراج عني في هذه الظروف الشديدة. أحيانا كانت ذاكرتي تعود إلي لفترة، ثم كانت تغيب فلا أميز شيئا ولا أذكر أحدا، ولا أعرف ماذا جرى لي.
لكن أدركتني رحمة الله عز وجل! وما أرحمه وألطفه بي! فقد استجاب مولاي سبحانه لدعوات أمتي والصالحين منهم الذين أطالوا البكاء بين يديه سبحانه في الأسحار، والذين أطالوا القيام بين يديه سبحانه في التهجد، وطرقوا بابه يرجون منه الشفاء لي، وهكذا عادت إلي الصحة ورجعت لي ذاكرتي..
كل من رآني قبل عدة أيام ـ وحتى أسرتي، لم يكونوا يتوقعون أنني أستطيع أن أقف على رجلي مرة أخرى، ولا أن أنطق بكلمة.. لكن إذا أراد الحق سبحانه شيئا وقال له كن ، فلابد وأن يكون.
وإذا أعطى الله لإنسان شيئا فلن يستطيع الكون كله أن يحول بينه وبين عطية المولى عز وجل!
•…لقد كذّبت المحكمة في بيانها العام، أية مشاركة للجهات الأمنية والمخابرات في قضيتك، ووعدت الشعب أنها سوف تقدم بيانا مفصلا عن نتائج تحقيقاتها! فهل تصدق هذه الأخبار؟ وماذا تتوقع أن تقول المحكمة في بيانها العام للشعب؟(58/70)
عاش الشعب الكردي المسلم، وأهل السنة في إيران بشكل عام الويلات من هؤلاء السادة، وأنهم قد تعودوا على كذب القوم ودجلهم، فلا يمكن أبدا أن يصغوا إلى تلك الإشاعات والترهات الجوفاء، فلهم أن يتفوهوا بما يحلوا لهم ولن يجدوا بين شعبنا المؤمن الأبي أذنا صاغية واحدة، فالشعب كله يدرك الحقائق ويصل إليها من خلال المصادر الصادقة.
فما أكثر ما رأيتم من الأبرياء الذين دخلوا زنازين هؤلاء السادة وذاقوا ألوان العذاب والوحشية، وظلوا شهورا وسنين لا يعرفون مصيرهم وجميع الجهات الأمنية والحكومية ترفض وجود أية صلة لهم بتلك القضايا، وإذا بالحق سبحانه يكشف الستار عن الحقائق وإذا بهؤلاء الأبرياء يخرجون من زنازين تلك الجهات الأمنية إلى الحياة ساكتين مرة أخرى أو إلى القبور صامتين للأبد! وليست حكاية " القائد الشهيد أحمد مفتي زادة "، و"الإمام الشهيد ناصر سبحاني" والعشرات غيرهم عنا ببعيد!
ثم لا تنسى بأن الحكومة الإيرانية ليس فيها نظام ولا قانون موحد، فلا تجري الأمور على وتيرة واحدة، فترى أن فريقا من هؤلاء السادة الذين يزعمون بأنهم حراس الثورة وأصحابها يختطفون أناسا ثم يزاولون عليه ألوانا من العذاب بقلوب قاسية لا تعرف من الرحمة شيئاً، وقد يصلبونهم على أعواد المشانق وتزعم الأجهزة الأمنية في الدولة أنها لا تعرف من الأمر شيئا!
ففي هذا البلد ليست الجهات الأمنية والمخابرات وحدها هي التي تتحكم في مصاير الشعب، وترى نفسها صاحبة أقدار البشر! وإنما هناك جهات أخرى عديدة رسمية وغير رسمية وهي بلا شك جزء من هذا النظام، وكل منها ترى نفسها صاحبة الثورة وبيدها الأمر والنهي. فلها أن تتصرف فيما تشاء كيفما تشاء! إزدواجية في التعامل مع البشر، والناس كالقطيع بين أيدي هؤلاء الجزارون لا يدرون إلى أين المصير!(58/71)
أما عن نتيجة التحقيق! فالحكاية معروفة! فقد اجتمعت هذه العقول المحققة وهذه الجهات الأمنية على قضايا أهل السنة سابقا وأصدرت بياناتها الجوفاء للضحك على أذقان أنفسهم فلم يعد لهم أدنى اعتبار لدى الشعب كله. فماذا قالوا عن العالم الرباني الشهيد فاروق فرساد الذي وجد مرميا في الزبالة؟
وماذا اكتشفوا عن دم القاني للشيخ العجوز الشهيد ربيعي الذي رمي أمام مسجده جسداً هامدا؟!
وماذا قالوا عن الجثمان الممزق للشهيد ضيائي الذي وجد بين الجبال؟!
وماذا قالوا عن جسد الشيخ الشهيد الدكتور صياد الذي قطعوه إربا إربا ووضعوه في كيس ثم رموه في الشارع؟! وماذا قالوا عن عشرات العلماء من أهل السنة طوال هذه الأعوام الماضية.. هل استطاعوا أن يخدعوا الناس؟!
ولم أكن بدعا في هذا السبيل، فالقوم يعطشون دماء دعاة الحق، فلو أكرمني الله بالشهادة لقالوا مثل ما قالوا عن سائر دعاتنا أنني مت بسبب جلطة قلبية، أو اصطدام سيارة، أو لدغ أفعى أو ... فكل دعاتنا مرضى ويداهمهم المرض عند هؤلاء السادة!..
والآن وقد وجد جثماني وبه رمق من الحياة، وكانوا يظنون أن ذاكرتي لن تعود، فالحكاية معروفة: فقد اختفى عن الأنظار لصلاته المشبوهة مع أعداء الثورة، ومع الإرهابيين، وأنه كان يسعى لفساد المجتمع وأنه سافر إلى حيث لا ندري و...!!
لكنني أتحير من أمر هؤلاء القوم، كيف أنهم إلى الآن لم يهتدوا إلى أن شعبنا لم يعد ذلك الشعب الأبله الذي لا يعي ما يدور حوله، والذي لا يصغي للهتافات الجوفاء، بل إنه يميز بين الحقيقة التي تراه وبين الإشاعات والترهات التي تتفوه بها الجهات الرسمية، ولست أدري لماذا لا يكفون عن الضجيج والهراء!
•…اعترضت الجهات الأمنية وزعمت أن أسرتك لم تخبرها عن الأمر إلا بعد ثلاثة أيام من غيابك؟
هذا أسلوب آخر للضحك على الناس!
إذا كانوا يقصدون أنهم لم يطلعوا على الحكاية لأن أسرتي لم تخبرهم فهذا تفلسف لا يقصد به إلا تسفيه عقول الناس!(58/72)
كيف يمكن أن تخفى على الجهات الأمنية قضية وقعت تحت سمع منهم وبصر، ـ بل كان حاميها حراميها ! ـ وقد كان الخبر منذ يومه الأول حديث القنوات الإخبارية العالمية، فهم لم يكونوا بحاجة إلى إخبار أسرتي لهم.
أما موقف أسرتي فكان طبيعيا، إذ ظنوا في أول وهلة أنني سأعود قريبا، وقد أكون في استجواب القوم وتأخرت عندهم، ثم لما طال غيابي خافوا ولم يكونوا يعرفون ما هي الخطوات القانونية في مثل هذه المواقف، فاجتمعت العائلة في اليوم الثاني واتفقت على رفع الشكوى في أسلوب قانوني إلى الجهات الأمنية ـ حراس حياة الناس (!)، وحفاظ مصائر الشعوب (!) وحماة أعراض الناس ودمائهم (!) ـ وفي اليوم التالي لما أعدوا الوثائق القانونية راجعوا هؤلاء الأبرياء (!) ليستفسروهم عن الحادثة، وهم على يقين أن حاميها كان حراميها!...
فموقف أسرتي كان موقفا طبيعيا في مثل هذه الظروف الحرجة..
•…هل تؤيد أخبار الأجهزة الأمنية والمخابرات عن صحتك الجسمية والنفسية عند الإفراج أو العودة كما يسمونه؟
أخي العزيز! هؤلاء القوم سلطوا سيوفهم على رقاب الناس، وأذلوا الشعب، فإذا صرخوا بين الناس أن اخرسوا، يخرس الناس عن بكرة أبيهم. وإذا طلبوا منهم أن يغمضوا عيونهم يصبح الشعب كله أعمى، لكن الله لم يجعل لهم سلطانا على عقول الناس وعلى أفكارهم وعلى قلوبهم...
من رآني في الأيام الأولى لن يؤيد ما زعموه لا عن صحتي الجسمية ولا على حالتي النفسية والروحية. فهل يظن هؤلاء السادة أن الناس لا يعقلون، ولا يستطيعون أن يميزوا بين وضعي قبل أسبوعين وأنا أحاضر بينهم وأخطب فيهم وبين وضعي الآن.
هل هذا الإنسان المنهمك المريض الضعيف العليل الذي لا يكاد يستطيع أن يتمالك نفسه في القيام والقعود، ولا يكاد يبين في الحديث، هو ذلك الرجل الذي كانوا يعرفونه؟!(58/73)
فقد أصبحت هيكلا عظميا وذاب نصف وزني خلال ثلاثة عشر يوم فقط، وهذا عند هؤلاء السادة يعتبر أمرا طبيعيا. ويحق لهم ذلك فهم أهل لأكثر من هذه الوحشية والإرهاب!
وفي قاموس هؤلاء السادة، ذهاب وعي الإنسان وفقدان الذاكرة، وعدم القدرة على الوقوف والسير، وذهاب القدرة على الحديث و... كل ذلك تعد من علامات الصحة والعافية التامة!
من هم أطبائي الخاصة الذين أكدوا صحة جسمي وصحة عقلي وذاكرتي؟ لماذا أنا وأسرتي لا نعرف شيئا عن هؤلاء الأطباء ولم نسمع شيئا عن كل ذلك؟ بل ولم نجد شيئا من ذلك؟!
هم بهذه الألاعيب يحاولون أن يبرءوا أنفسهم، لكن هيهات هيهات!
لا يا أخي! هذه كلها ترهات تنسجها المخابرات والأجهزة الأمنية في قضيتي ويبثونها بين الناس.
•…هل قدمت رسالة شكر إلى الجهات الأمنية وأعلنت أنك لا تتهم أحدا، ولست شاكيا عن أي شخص ولا عن أية جماعة أو أجهزة في الدولة كما زعموا؟
لا يا أخي! هذا كذب وافتراء آخر...
عادني عدد من موظفي الأجهزة الأمنية من أهل السنة، فشكرت لهم مجيئهم لعيادتي، فهذا أمر أخلاقي كان ولا بد أن أشكر سعيهم، ولم أكتب لهؤلاء السادة إلا هذه الجملة:"أنا لا أتحدث عن حادثة القبض علي ولا عن الإفراج عني إلا في محكمة عامة تحضرها القنوات الفضائية الأجنبية، والإعلام الخارجي".
ولم أقل أبدا أنني لست شاكيا على أحد!! فهذا ليس إلا كذبا وافتراء علي...
هؤلاء يسمحون لأنفسهم أن يكذبوا ويفتروا علينا، لأننا لا نملك إعلاما نستطيع من خلاله أن نفضح كذبهم ونرفع الستار عن إفتراءاتهم وإشاعاتهم.
لكن بحمد الله عز وجل وفضله شعبنا المسلم لم يعد يصغي للكذابين ، وقد بلغ من الوعي مبلغا يستطيع أن يميز الكاذب عن الصادق، والمؤمن عن المنافق.
•…هذا يعني أنكم تعرفون الأيادي الإرهابية التي قامت بهذه الجريمة وقادت هذه المؤامرة، وأنكم تريدون أن ترفعوا عليهم قضية في محكمة عادلة إن وجدت؟!(58/74)
في الحقيقة في بداية الأمر كنت أخاف أن أرفع أصابع الإتهام في وجه الجهات الحكومية لئلا يكون ذلك تطاولا مسبقا وحكما ساذجا مني أو سوء ظن في غير محله، لكنني لما واجهت الحقيقة ورأيت دسائس المخابرات في تشويه الحقيقة والسعي في إفساد الرأي العام وطريقة تعاملهم السيء مع الناس ومع أسرتي بوجه خاص، والأساليب الرخيصة التي اختاروها لتشويه سمعتي، وسعيهم الحثيث في البحث عن أخطائي وغير ذلك من الحركات والدسائس.. ظهر لي عيانا أن الجهات الحكومية كانت تقود هذه المؤامرة وأنها هي التي ارتكبت هذه الجريمة، وأنا بدوري سأرفع القضية إلى منظمات حقوق الإنسان، وإلى الجهات الحقوقية العالمية.
وأدرك تماماً أن الحكومة لن تسكت على هذه الحركات وأنهم سوف يحاولون في تشويه القضية وفي القضاء علينا، لكنني موقن أن الله معي وأنه ينصر المؤمنين ويعزهم ويذل أعدائهم ويجعل كيدهم في نحورهم.
•…هل تسمح لنا أن نطرح بعض الإشاعات التي صاغوها حولك، ونشروها بين الناس لترد عليها؟
لا بأس! ولست أول من يفترى عليه. ففي الصراع بين الحق والباطل منذ الأزل كانت الإشاعات والإفتراءات من أقوى أسلحة الباطل التي كان يسلها في وجه الحق والصدق.
وإذا راجعت تاريخ الإسلام ترى بأن ديدن الظالمين وأسلوبهم واحد. الظلم والكذب والإفتراءات!
ولا نستطيع أن نكف ألسنتهم ونسد سبل ظلمهم، لكننا موقنون بالنصر من الله عز وجل، وأن الله ينصر عبده ويذل أعداء دينه. فلهم أن يقولوا ما يحلوا لهم وحسابهم على الله العزيز المتعال.
•…يزعم البعض أن هذه الحكاية كانت حركة مصطنعة ومؤامرة مشتركة بينكم وبين الحكومة، ليرفعوا بها شخصيتكم وسمعتكم في الوسط الإسلامي، ومن ثم تكبروا في عيون الناس وتدخلوا في عمق العمل الإسلامي، وبذلك تستطيع الحكومة أن تسيطر على الوضع من خلالكم، وتوجه الأمور إلى ما تريده؟! فهل لكم أن تعلقوا على ذلك؟
سبحان الله! هذا بهتان عظيم!...(58/75)
أولا ليعرف الجميع أنني أفدي العمل الإسلامي ودعاة الحق في هذه المنطقة بروحي ودمي، وأكن لهم حبا واحتراما وتقديرا خاصا، وأنني لا أضع نفسي حيث تراب أقدامهم، فهم أنصار الحق، ودعاة الصدق، وحماة الإسلام وجنود الله في أرض صار الإسلام والدعوة فيها غريبا ومهجورا ويتيما. وأنا أقل وأحقر من أصغر هؤلاء الدعاة. فهم ملوك وسلاطين يلبسون تيجان الدعوة إلى الله على رؤسهم، يرافقهم عون المولى عز وجل وأنا أتمنى أن أكون خادما على باب أقلهم شأنا.
يا أخي العزيز! أنا أتصور أن من يريد أن تكون الكلمة له وأن تتبعه المجتمع كله. وألا يعارض أحد رأيه، ليس إلا مجنونا لم يعي رسالة القرآن ولا هداية السنة. نحن نسعى لإصلاح المجتمع وسوق الشباب إلى المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها والتي أورثنا إياها الرسول الكريم عليه أفضل التحيات وأتم التسليم، ولسنا في سدد طرح أسمائنا وفي سبيل الشهرة وبلوغ الأمجاد الزائفة.
وقد كان من لطف الله عز وجل وكرمه على هذا العبد الفقير أن ذاع صيتي واشتهر اسمي منذ أن بدأت بالدعوة فلست بحاجة إلى الحكومة والحكام ليهبوا لي شهرة واسما. وأرى في الشهرة إبتلاء من الله عز وجل أرجو أن يجعلها المولى حجة لي ولا يجعلها حجة علي، وأن يثبتني على الحق الذي يرضاه عني.
ليست لي أية صلات مع الحكومة ولا أسعى في بناء جسور معها، فقد هدمت هي كل الجسور، وكشرت عن أنياب مكرها في وجهي منذ بداية أمري، ولعل صلات إخواني من الدعاة مع أجنحة الحكم تتسم بهدوء أكثر من صلتي معها، فكيف لي أن أكون رجل الحكومة في صفوفهم.
ولست غبيا لأبيع الآخرة التي هي أبقى بثمن بخس دراهم معدودة من أجل هذه الدنيا الزائلة!
ولم أكن يوما بحمد الله عز وجل وفضل ممن يفضل رضى الحكام على رضى الرحمن عز وجل، ولن أكون ذلك السفيه ما ثبتني الله عز وجل على دينه.(58/76)
فلو كنت أريد أن أبيع ديني وأن أخضع لذل الحياة وأضع يدي في أيدي الطغاة لفعلت ذلك قبل هذا وكنت اليوم في رغد من العيش ولم أشاهد بأم عيني أربعين ألف كتاب لي تحرق أمامي؛ تلك الجريمة التي ذكر التاريخ بالمغول حين أحرقوا كتب الإسلام في بغداد. ولم أكن أجد هذا التعامل الوحشي وهذا التعذيب من هؤلاء السادة.
هل في العالم عاقل أو سفيه يقبل من سادته مثل هذا الجفاء ومثل هذا العذاب؟!
فإن كنت صديقهم وصاحبهم فلم يعذبونني هذا التعذيب، ويجرعونني ألوان المرارة والحرمان! وها هي حياتي وأنت تشاهدها! لا أشكوا، وإنما أوضح الحقيقة وأنا راض بقضاء الله عز وجل وقدره، ولا أخاف في الله لومة لائم، والشهادة أسمى أماني ورضى ربي غايتي ومناي، ومنه وحده ألتمس التوفيق والسداد والرشاد.
ثم، أو لسنا مسلمين؟ وها أنا أدعو كل من يفتري علي، ويرميني بهذه الترهات إلى المباهلة أمام الخلائق. وإن كنت عميلا لأجنحة الضغط والتعذيب فسألعن هؤلاء المجرمين الذين عذبوني إن لم يكشفوا عن عمالتي لهم أمام الناس!.. أسأل الله عز وجل أن يقلع جذور المجرمين ويقضي على ظلمهم ومكرهم وأن ينصر أولياءه فإنه هو القادر على ذلك.
•…هناك إشاعات أخرى تروج بين الناس أذكرها هنا إجمالا لتعلق عليها.
1.…هرب "غنجي" من بيته بسبب مشاكل أسرية واختلافات عائلية ولا يعرف له مصير!
2.…تزوج "غنجي" من فتاة، وخرج برفقة زوجته الثانية لقضاء شهر العسل إلى جزر قشم وكيش.
3.…تآمرت زوجته الأولى مع عائلتها فاختطفوه وعذبوه لزواجه عليها.
4.…هرب "غنجي" من البلد والتحق بالأحزاب السياسية والجماعات المعارضة للثورة في كردستان العراق.
5.…ألقى "غنجي" محاضرة نارية تخدم أهداف أعداء الثورة، وسافر إلى أروبا ليستلم ما وعدوه إياه من الجوائز والهدايا!
6.…تآمر "غنجي" وجماعته على إخفائه لفترة معينة ليصنعوا منه بطلا في عيون الناس وليشتهر صيته.(58/77)
7.…تآمرت الأحزاب السياسية في داخل البلد وبعض النواب على إخفائه في هذه الفترة الحرجة ليفسدوا جو الإنتخابات وليستغلوا غيابه لصالحهم!
أتصور أن فيما أصدرته من البيانات، ولاسيما البيان رقم الثاني كفاية للرد على هذه الترهات والإشاعات.
يا إخواني! ويا شعب الكردي المسلم الأبي! ويا أهل السنة المظلوم في إيران! ويا مسلمي العالم! ويا أيها الأحرار الصادقون في كل مكان!
أقسم بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، وأقسم بصفات الله عزو جل وبذاته سبحانه؛ أن هذه الإشاعات التي أذاعتها أفواه الدجل والظلم والإرهاب لا أساس لها وأنها عين الكذب والهراء وأن الله عز وجل عليم بما أقوله وأشهده سبحانه وملائكته وحملة عرشه على صدق ما أقوله. ولعنة الله وملائكلته وأنبيائه والإنس والجن جميعا علي إن كذبت في شيء من ذلك، وإن صحت شيء من هذه الإشاعات والترهات! ولكم أن ترجعوا إلى ما أصدرته من البيانات لشرح المزيد...
•…هناك وصية نشرت، وتنسب إليكم، فهل هي لكم؟ وكيف تمكنتم من كتابتها في زنازين هؤلاء الجبارين، وكيف استطعتم أن توصلوها إلى خارج السجن؟
أخي العزيز! فقد صورت لكم شيئا من وضعي المهلك في تلك الظروف القاسية في غياهب تلك السجون الموحشة، فكيف كان لي أن أكتب شيئا أو أن أتصل بعالم الخارج؟!
ما نشر عني لم يكتب في السجن، وإنما بعد أن نجاني الله عز وجل من أسر الظالمين في المرة الأولى التي تم اختطافي فيها، في شهر رمضان المبارك كتبت وصيتي في بيتي، ووزعتها بين أصحابي وأسرتي. ولم تكن هي بالصورة التي نشرها هؤلاء الظالمين على المواقع، فقد حرفوا فيها وغيروها حسب أهوائهم، وقد أعددت وصيتي بالشكل الذي كتبتها سابقا وعينت مواضع تحريف القوم فيها وزدت عليها بعض الشيء وسأنشرها قريبا بإذن الله عز وجل ليطلع عليها أحبابي وإخوتي ومن أراد.(58/78)
فقد أخذ الظالمون تلك الوصية وأعادوا صياغتها وأوهموا الناس بأنني كتبتها في سجني وهربتها إلى الخارج، وقصدوا من خلال ذلك إضلال أذهان الناس وأن يبعدوا أصابع الإتهام عن أنفسهم في قبضهم علي.
لكن شعبي المسلم الأبي كان يدرك تماما ما يجري في عقول الظالمين وكانوا على يقين من أن هؤلاء الطغاة لن يصبروا على الجمل الإصلاحية التي احتوت عليها محاضرتي تحت عنوان "الدين والملة"، فأعداء الشعب الكردي المسلم لا يستطيعون الصبر على سماع الحقائق، فالخفافيش لن تصبر على ضوء الشموع مهما كانت خافتة وتسعى في القضاء على أي نور...
•…نشروا عنك صورا على المواقع الإنترنتية وزعموا أن ممرضة إلتقطها منك في المستشفى. فهل تؤيد ذلك؟!
لا، أبدا! ما أعرفه عن نفسي أنهم لم يخرجوني من تلك الزنزانة أبدا. ولا أؤيد شيئا مما نسبوه إلى تلك الممرضة.
وأتصور أن كل هذه الإشاعات هي مشاهد تكمل تلك المسرحية الشيطانية التي دبّرت حلقاتها بليل بهيم مظلم تهدف إلى تضليل أذهان الشعب وإلى الإساءة إلي وإلى تغطية وجه الحقيقة.
كان وضعي في تلك الزنزانة سيئا للغاية، وكانوا يلتقطون مني صورا كثيرة، ويسجلون حركاتي على أشرطة الفيديو. لكن تلك الصور التي نشروها تحكي صحتي وأنني بخير وعافية ولا أعاني من شيء.
في الحقيقة لا أستطيع أن أصدق بأن هذه الصورة التقطت مني. وإنما هي صورة اصطنعت بالأجهزة الحديثة. ويتضح لكم ذلك أكثر إذا قارنتم بين صورتي التي التقطت من قبل أهل "مسجد النبي" في يوم الجمعة والتي نشرت دون تلاعب فيها، وبين الصورة التي نشرها الظالمون ونسبوها إلي، ويبدوا أنهم نشروها ليلة اختطافي. فهل يمكن أن تكون الصورتين لشخص واحد، ولم يمر بينهما إلا بضعة ساعات فقط!
فهذه الصورة بلا شك إما لرجل آخر يشبهني في الشكل بعض الشيء، أو أنها من صوري القديمة التي التقطت مني وأنا صحيح سالم ونشيط، ثم عدّلوا فيها وغيروا فيها على برنامج "فتو شاب" وأخرجوها بهذا الشكل.(58/79)
•…ذكرت بأن المخابرات كانوا يراودونك قبل اختطافهم إياك، وكانوا كثيرا ما يستجوبونك، فهل جاءوا إليك بعد أن عادت إليك ذاكرتك، ليتابعوا حكايتهم معك أو ليستجوبوك من جديد؟
أبدا، وهذه مسئلة مشبوهة عندي!
فهم لم يأتوا إلي حتى الآن. وإنما جلسوا يحوكون الإشاعات ويبثون سمومهم عني، دون أن يسعوا في الكشف عن تلك الأيادي المجرمة التي تريق دماء الناس وتلعب بمصائر الشعوب. لكنهم يحاولون من شتى الطرق أن يضغطوا علي لأترك المسجد.
فهل هذه الأمور لا تثير الشكوك؟!
من هنا يضغطون على عائلتي وأصحابي... ومن هناك يشددون على أنصاري وكل من يدعوا لي بخير...ويهددون لجنة المسجد ويضغطون عليهم ليفصلوني عن المسجد.. منعوني من الخطبة ... ومنعوني من دخول مسجد قباء في يوم الجمعة و...
•…هل ما أذيع عنكم أنكم تركتم "مسجد قباء" حقيقة أم افتراء؟ وهل ستتركون دروسكم في المسجد؟
أبدا.. لن أترك المسجد ما دام الشعب يريدني، مهما تآمرت قوى الشر، ومهمها واجهت من المشاكل والمصائب، ومها فعلت أجنحة الضغط وفرق الموت في الحكومة، وحتى ولو أمرتني بذلك لجنة المسجد، فلن أصغوا إلا لصوت المأمومين.
أما عن دروسي، فقد عدت إلى شيء منها، فلي درسان الآن، يوم الأحد صباحا للأخوات ومساءا للإخوة والأخوات، وستستمر هذه الدروس ما وفقني الله عز وجل إلى ذلك.
فإن منعنا عن إقامة تلك الدروس في ذلك المسجد فسوف نقيمها في المساجد الأخرى.
أما عن خطبة الجمعة في مسجد قبا فقد مسكت عنها بناء على نصيحة لجنة المسجد، ولن أترك الخطبة ما لم يصدروا قرارا قانونيا من الجهات الرسمية بمنعي عن الخطبة في ذلك المسجد.
•…ما رأيك في الحركات الدينية والنشاطات الإسلامية في المنطقة؟(58/80)
فقد وضحت هذه القضية في بحث "الوحدة" الذي نشرته سابقا. لكن أشير هنا إلى أنني لا أصف أيا من هذه الحركات بأنها تحمل الحق كله، وأنها على الحق تماما، كما أنني لا أصف أيا منها بأنها على الباطل تماما، ولا تحمل شيئا من الحق.
فكل على شيء من الحق وكل يؤخذ منها ويرد، ولابد من وضع كل منها على ميزان القرآن والسنة، وعندها يتضح مدى قرب كل منها من الحق وبعده عنه.
الميزان عندنا هو "التوحيد" لا غير. فمن دعا إلى توحيد الله عز وجل ونبذ الشرك عنه سبحانه وتعالى نقبله ونحبه، ومن شهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله فهو أخونا وله كل احترامنا.
وأنا أدعو دائما إلى وحدة الصف بين جميع الجماعات والأحزاب الإسلامية، وأنا على استعداد تام في أن أقوم بكل ما أستطيعه للوصول إلى هذا الهدف.
وأدعو جميع الفئات الإسلامية وإخواني من الدعاة إلى احترام بعضهم بعضا وإلى الاقتراب والوحدة والتفاهم وإلى الوقوف بجانب البعض، وأحذرهم دوما من الفرقة وعن التطاول إلى بعضهم بعضا، وعن استعمال الكلمات البذيئة في حق إخوانهم.
وهذا هو سمت السلف الصالح وعلمائنا، فقد كانوا يختلفون في الآراء والمشارب، لكنهم يحافظون على وحدة الصف فلا يكفر بضعهم بعضا ولا يفسق بعضهم الآخر.
وأدعو جميع إخواني إلى الاعتصام بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى الوحدة والحوار والتقارب.
•…ما رأيك في الأحزاب القومية؟ هل تدافع عنهم؟
نحن ننتمي إلى نبي أرسله الله عز وجل رحمة للعالمين، وأن رسالته صلى الله عليه وسلم تخاطب المجتمع البشري كله، وما أتى به من القوانين تضمن الأمن والحياة والسعادة للمؤمنين بها وللكافرين، وأن ديننا يحترم الناس جميعا.. وأنا واحد من المؤمنين بهذا الدين السماوي وهذا التصور الإنساني الشامل، وهذه المنهجية العظيمة في إدارة الحياة وفي سعادة البشرية.
نحن نرفض الشدة ونبذ الخصم. فديننا يدعو إلى السلام والصلح والأمن وحسن الجوار.(58/81)
ندعوا إلى خير الدنيا وسعادتها وإلى النجاح والفلاح في الآخرة. ودعوتنا هي إقامة علاقات وثيقة بين العبيد وربهم سبحانه وتعالى، وهي تدعوا إلى أخراج العبيد من عبادة الناس إلى عبادة رب الناس وخالقهم. ونسعى أن نأخذ بأيدي النصارى واليهود والمشركين وسائر الكافرين إلى الحق المبين والصدق المتين، ونهدف إلى إخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
تصوري في الأحزاب القومية في كردستان أنها جزء من هذا المجتمع وأنهم إخواننا ولدوا من آباء مؤمنين وأمهات مسلمة، وهم أبناء هذا البلد ويسعون إلى ما يرون فيه خير هذا البلد، ولا تنسى أن هذه الأحزاب القومية أنشأها علماء كبار وقادة يضرب بهم المثل في الإيمان والصلاح، فقد أرادوا من خلالها أن يعيدوا إلى الشعب حريته وأنهم لم يكونوا يخضعون رؤسهم أمام الظلم والظالمين.
فكفاحهم من أجل الدفاع عن المظلومين وطرد الظالمين وكسر شوكتهم أمر نعتز به.
لكن يجب على هؤلاء الأحزاب أن يدركوا تماما أن أي قانون وأي برنامج غير الإسلام يعد جاهلية لا نقبلها أبدا.
ونطلب منهم أن يركزوا جميع طاقاتهم ونشاطهم في سبيل سعادة قومهم في دائرة الإسلام، حتى يجلبوا لقومهم سعادة الآخرة والفلاح في يوم القيامة قبل الراحة على وجه هذه البسيطة.
وأحذرهم من الوقوع في شراك أصحاب الأهواء والمصالح الآنية الذين يحاولون أن يسلخوا الشعب عن دينه ليصلوا إلى مآربهم وأهدافهم المادية الرخيصة.
ووالله بأن دعاة الإسلام هم أكثر من يفكر في مستقبل الشعب الكردي المسلم، وأنهم أحرص الناس على راحته وعلى سعادته في الدنيا والآخرة.(58/82)
نحن نريد الخير للبشرية كلها وقد وضعنا أرواحنا على أكفنا نسعى لسعادة الإنسان ونهتف إلى الأخوة القرآنية الصادقة بين جميع الفئات، ونتمنى أن نصنع جوا من الاحترام المتقابل لتعيش كل الأحزاب والفرق المتباينة بجانب البعض. وأنا أشكر إخواني الأكراد في كل العالم الذين وقفوا معي في محنتي هذه. وأنا أدعو إلى الحرية وأسعى جاهدا في سبيل الحصول عليها.
وأحرض جميع الإخوة والأخوات الذين يميلون إلى النبرة القومية في سبيل الحصول على حقوقهم إلى دراسة حياة قادة الحركات القومية، فكلهم كانوا رجال دين موحدين وصالحين ودعاة حق مخلصين، وقادوا قومهم في إطار حكم الشرع، فلابد لإخواننا في الأحزاب القومية أن يدركوا رسالة قادتهم وأن يعودوا إلى حقيقتهم وإلى جذور دعواتهم. ويوم أن نادى هؤلاء الأفاضل إلى حرية الأكراد وحقوقهم فقد كانوا يقصدون بذلك إخراجهم من ظلم الطغاة إلى الحرية في ضوء الإسلام، فالشعب الكردي شعب مسلم يعتز بدينه. وأخلاقه وعاداته وتقاليده هي الإسلام لا غير!
وأرى من واجبي أن أزيل الستائر التي اختلقها الأعداء بين الدين وبين الأمم والشعوب المسلمة، وبين دعاة المذهب ودعاة حرية الأقوام المسلمة.
فلابد لهم أن يقتربوا ويدركوا أن ما يطالبون به فقد ضمن لهم الإسلام أكثر من ذلك وأحسن ...
•…ما رأيك في الإنتخابات؟
إذا كانت الانتخابات تدعو إلى إقامة مجلس تشريعي له الحق في تغيير أحكام الله عز وجل وتحريفها وزيادتها أو نقصها، فهذا كفر وشرك بلا شك. فليس لأي إنسان مهما كان أن يتدخل في القانون الإلهي وأن يغير شيئا منه.
أما إذا كان الهدف من الانتخابات تعيين نواب يحاولون حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية و... ومسائل المدن والقرى، دون التدخل في أحكام الشريعة الثابتة فهذا أمر لا بأس به في تسهيل أمور الحياة.
وهذه قضية يراجع فيها علماء الإسلام وأصحاب الفكر، فلهم أن يجتمعوا ويقرروا تفاصيل أحكامها.(58/83)
أما في مجتمعنا فأرى أصحاب الفكر الإسلامي تجاه الانتخابات التي تعقد في المجتمع على منهجين:
فإخواننا السلفيين يحرمونها قطعا، ولا يرون المشاركة فيها بأي حال من الأحوال.
أما سائر الأحزاب والفرق فتجيز المشاركة في الانتخابات ولا ترى فيها بأسا ولا حرجا شرعيا.
مؤتمر صحفي حول المؤتمر الدولي
"بناء مستقبل زاهر لمنطقة جنوب غرب آسيا"
"الوفاق" صحيفة إيران العربية 27/1/2008
سيعقد يومي 12 و13 فبراير المقبل في طهران مؤتمر تحت عنوان "بناء مستقبل زاهر لمنطقة جنوب غرب أسيا ''منطقة وثيقة الأفاق العشرينية لإيران 2020 وذلك برعاية الأمانة العامة لمجمع تشخيص مصلحة النظام.
وفي هذا المؤتمر الصحفي شارك الدكتور علي آقا محمدي عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ومسؤول إقامة المؤتمر الدولي، والدكتور نجفي علمي مسؤول اللجنة العلمية في المؤتمر، ومحمد رضا صادق مساعد دائرة، الإعلام والدراسات في مكتب المجمع وبينوا فيه الأهداف وبرامج المؤتمر.
قال الدكتور علي آقا محمدي: لا يمكن تقييم وثيقة الأفاق العشرينية بعد عشرين عام لأن حصيلتها النهائية تأتي في ذلك الوقت، ولذلك لابد من تقسيم هذه الوثيقة إلى فواصل متقاربة لكي يتسنى تقييمها بصورة أكثر موضوعية.
وتابع ومن المفضل تقسيم الوثيقة إلى أربع دورات كل دورة تتألف من خمس سنوات يتم خلالها تقييم ودراسة نقاط ضعف وقوة الخطة العشرينية ومقارنتها مع باقي دول جنوب غرب آسيا، أي بقية الدول ال23 في هذه المنطقة، وقد تعهدنا بان نحتل المرتبة الأولى بين هذه الدول بعد نهاية الخطة العشرينية. وأضاف: أن إجمالي الناتج القومي لهذه المنطقة بلغت 3100 مليار دولار حسب إحصائيات القوة الشرائية وتقرير ''اي ام اس'' في عام ،2005 ولابد أن نصل إلى المرتبة الأولى في هذا المجال.(58/84)
والآن يبلغ الناتج القومي لخمس دول حسب الترتيب تركيا، 411 مليار دولار، إيران 553 مليار دولار، باكستان 387 مليار دولار، السعودية 342 مليار دولار، مصر 230 مليار دولار.…
وأضاف:بان المؤتمر سيبحث خلال اليوم الأول بعد الافتتاح ثلاث محاور:
اليوم الأول 12 فبراير:
- أولاً: المميزات التاريخية والثقافية والحضارية لمنطقة جنوب غرب آسيا.
- ثانياً: الإمكانيات والفرص في هذه المنطقة، ثالثا: العوامل الضرورية للانسجام والتنسيق والتضامن بين دول المنطقة.
وفي اليوم الثاني، 13 فبراير سيتم بحث:
أولاً: المكانة الإقليمية لدول المنطقة على صعيد الاقتصاد العالمي.
ثانياً: نماذج التنمية الإقليمية والإنموذج المناسب لتنمية منطقة جنوب غرب آسيا.
ثالثاً: الدور الإقليمي لمنطقة جنوب غرب آسيا في مجال العولمة.
رابعاً: العراقيل والتحديات الموجودة أمام تنمية المنطقة.
وأضاف: يتم قبول المقالات في هذه المجالات وسيتم عرضها على لجنة التحكيم وفي حال الموافق سيتم عرضها على المؤتمر.
وقال الدكتور نجفي علمي: التعامل البناء مع عالم اليوم الذي تتكل دولة في اتحادات ونقابات إقليمية، تزداد هذه الاتحادات تطورا وقوة كل يوم، لا يتحقق إلا من خلال التعاون الإقليمي، إن عدد نفوس هذه المنطقة تبلغ حاليا 530 نسمة وسيصل في عام 2050 إلى 900 مليون شخص، كما تحتل المنطقة نسبة 23% من مساحة العالم ونسبة 8% من نفوس العالم وهي إحدى أهم المناطق في العالم، كما تملك هذه المنطقة نسبة 70% من طاقات النفط والغاز وإيران تقع في مركز هذه المنطقة.(58/85)
وهناك عوامل كثيرة للوفاق والتعاون الجماعي بين دول المنطقة، وسيقام هذا المؤتمر باللغات الثلاث، الفارسية والانجليزية وعلى مستوى 25 دولة، وقد وصل حتى الآن إلى أمانة المؤتمر حوالي 30 مقالة محلية وأجنبية، وقد رحبت دول المنطقة بإقامة هذا المؤتمر، لما تلعبه المنطقة من الدور الكبير في منظمة التجارة العالمية، وأكد نجفي أن إحدى نقاط الضعف في منظمة التجارة العالمية، أنها أصبحت بمثابة نادي للدول القوية، وبإمكان الدول النامية أن تلعب دوراً مميزاً في حال تواجدها على شكل تكتل إقليمي داخل المنظمة وبالتالي استخدام الإمكانيات المتوفرة فيها.
ثم شرح محمد رضا صادق مساعد دائرة الإعلام والدراسات، وظائف المجمع ونشاطاته خلال العام المنصرم، حيث أقام مؤتمرين وفي العام الحالي أيضا سيقام المؤتمر الدولي لتبيين المفاهيم والآليات في منطقة جنوب غرب آسيا التي تتضمن حوالي 25 دولة وأن الهدف من إقامة هذا المؤتمر، تعزيز التضامن والاتحاد بين دول المنطقة من أجل التنمية والتطور، وبناء مستقبل مطمئن لشعوب المنطقة، والبحث عن سبل التعاون في قطاع النفط والغاز والكهرباء والمياه والشحن والنقل والنظام المصرفي والتقنية والترانزيت والسياحة وتعزيز التجارة، من خلال إزالة العراقيل ووضع القوانين، وسيتم تقديم المقالات المختلفة في ذلك المؤتمر، كما سيشارك في المؤتمر شخصيات وعلماء ومسؤولين في مجال وثيقة الأفاق العشرينية وأيضا كبار المسؤولين والخبراء في الجامعات والأجهزة المعنية الأخرى.(58/86)
وفي معرض إجابته على سؤال مراسلة الوفاق حول وثيقة الأفاق العشرينية وأهدافها وبرامجها والى أي مدى نجحت حتى الآن في تحقيق البرامج وهل تطابق الجانب الميداني للوثيقة مع البرامج المدونة فيها قال آقا محمدي: نحن في الواقع نعمل على مقارنة الوثيقة وما تحقق منها مع الدول الأخرى، ففي بعض الحالات عندما تكون المؤشرات متقدمة بالمقارنة مع هذه الدول فإننا نعمل على السير بسرعة مناسبة، وفي حال كنا متأخرين فإننا سنحاول السير بسرعة اكبر لتحقيق النتائج المرجوة والوصول إلى المرتبة الأولى بعد نهاية الخطة العشرينية.
وحول العراقيل التي تضعها الدول الكبرى في المنطقة أمام إيران وهل بإمكان إيران التعامل مع المجتمع الدولي؟ أعرب اقا محمدي عن اعتقاده بان مجمل التدابير لهذه الدول تنحصر على قراري مجلس الأمن الدولي.
وأضاف: إن ذلك لم يبعدنا عن أهدافنا وسنبذل كافة طاقاتنا وسننجح بالتأكيد.
على صعيد آخر عقد الثلاثاء الماضي ملتقى إيران 1303 إيران المتنامية بحضور روسيا والصين وماليزيا والإمارات واليابان في طهران وعلى هامش هذا الملتقى التقت صحيفة الوفاق: باميدوار رضائي أمين عام الملتقى، فقال ردا على سؤال حول أهداف إقامة هذا الملتقى: الملتقى له أهداف طويلة ونعمل بنشاط لإنجاحه، وهو يؤكد على ثلاث أهداف مهمة:
أولاً: تبيين مفهوم وثيقة الأفاق العشرينية وتبادل وجهات النظر بشأنها.
ثانياً: بحث القضايا الاقتصادية منها النفط والغاز والصناعات والمناجم.
ثالثاً: إيضاح مكانة هذه القضايا وأهميتها في الوثيقة.
وأكد أنه نظرا لأهمية موضوع الطاقة في منطقة الخليج الفارسي في المستقبل فإن إيران بإمكانها أن تحتل المرتبة الأولى في هذا المجال.(58/87)
ورداً على سؤال آخر حول احتمال إنجاز الأهداف خلال ?? سنة القادمة قال: نحن نأمل بان نحصل على الشيء الذي يمثل هدفنا الرئيسي وهو أن تصل إيران عام ???? إلى المرتبة الأولى في جميع المجالات ونطلب من المسؤولين والشعب بان يتجهوا نحو هدف واحد مؤكدا أن الاتحاد والتضامن بين أبناء الشعب سيحقق القوة والاتحاد بين كافة الطاقات، وأعرب عن أمله بان يحصل وفاق وتضامن بين مختلف المجموعات للوصول على الهدف النهائي، مؤكدا على أن الأمانة العامة لمجمع تشخيص مصلحة النظام سيتابع الموضوع ويعمل على المحافظة على الترابط التنسيق بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية والشركات والمفكرين والجامعيين والإيرانيين حتى المتواجدين خارج البلاد ولمتابعة عقد ملتقى آخر في السنة القادمة.
افتتاح الملتقى الدولي
(بناء مستقبل مطمئن لجنوب غرب آسيا بطهران)
"الوفاق" صحيفة إيران الدولية العربية 13/2/2008
افتتح في صالة اجتماعات الإذاعة والتلفزيون بطهران الملتقى الدولي (بناء مستقبل مطمئن لجنوب غرب آسيا)، وفي كلمته التي ألقاها بهذا الملتقى أكد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الشيخ هاشمي رفسنجاني ضرورة التحلي بالحيطة والحذر حيال المحاولات التي تبذلها المنظمات الغربية المختلفة لتوريد الأمن المزعوم ونشر التفرقة في المنطقة.
ثم أشار هاشمي رفسنجاني إلى البنى الراسخة التي تحظى بها إيران، متابعاً القول: سنشهد قريباً تأثيرات الخطوات الايجابية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة ونتطلع إلى مجموعة مقتدرة ومطمئنة للعالم.
ووصف رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام منطقة جنوب غرب آسيا بأنها منطقة تتبوأ بمكانة خاصة في التاريخ المعاصر، منوهاً بالقول: اهتمامنا الأول يصب على العالم الإسلامي الذي يشكل ربع نفوس العالم.(58/88)
كما أشار إلى الوثيقة العشرينية للبلاد، وقال: إننا نتطلع إلى تحقيق أمن مستديم وخطوات تنموية في المنطقة، لكن هناك عناصر تحاول المساس بهذا الأمن.
ورأى أن الأطماع الغربية حيال الشرق الأوسط هي إحدى عوامل التخلف، وقال: إن جينات كل فرد من أفراد منطقة الشرق تحمل تراثاً علمياً وثقافياً زاخراً وبلدانهم تتمتع بمصادر طبيعية ثرة وهذه العناصر هي التي تجعل المنطقة بؤرة للأحداث، الأمر الذي يفرض علينا التحلي بالحيطة والحذر.
وأشار رئيس مجلس خبراء القيادة إلى سياسة إثارة الحروب والتدخل التي تعتمدها القوى الأجنبية، وقال: إن تأسيس الكيان الصهيوني اللقيط شكل ذروة وبؤرة التحديات في المنطقة.
وقال رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام: إن إيران سعت طوال تاريخها الثقافي والسياسي إلى إقرار الأمن بالتعاون مع دول المنطقة لمواجهة الأمن المستورد من الغرب في المنطقة.
وأضاف: أن إيران ومن خلال الاهتمام بالتعاون الإقليمي والتنافس الودي البناء تسعى للحفاظ على سلامة المنطقة.
كما أضاف الشيخ رفسنجاني: أن الغرب يسعى ومن خلال إثارة الخلاف بين الشيعة والسنة ووضع السلفيين في مواجهة المعتدلين وإثارة حرب مدمرة في المنطقة إلى الإخلال في الأمن وعلى دول المنطقة تحقيق أهدافها المشتركة عن طريق التعاون.
وأضاف: أن المنطقة حبلى بأحداث عظيمة يثيرها الغرب ونظراً لسياسة الغرب الاستعمارية ندرج جيداً أهدافها الشؤومة ونعلم بأن الأساطيل العسكرية والقوى المسلحة تتابع نوعاً من السلام المسلح وفي الواقع الاشتباك المسلح.
واعتبر الشيخ هاشمي رفسنجاني أن الحرب المفروضة على إيران والحرب العراقية.الكويتية والحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان بأنها تأتي في إطار مشروع (الشرق الأوسط الكبير).
وأضاف: رغم عدم موفقية أمريكا وفشل سياسات بوش، إلا أنهم ما زالوا يتابعون عملهم لتحقيق مآربهم.…(58/89)
هذا ودعا الشيخ رفسنجاني المفكرين والخبراء إلى التشاور العلمي والإعلامي بغية توفير أرضية خصبة للتنافس البناء وصولاً إلى التنمية المستديمة وتحويل المنطقة إلى منطقة مؤثرة على الصعيد العالمي.
وأشار إلى وجود أكثر من 4? بالمائة من الطاقة العالمية في جنوب غرب آسيا، مصرحاً بالقول: إن كفّت القوى العظمى عن شرارتها، فان بإمكان دول المنطقة العيش برخاء.
هذا وتشارك في الملتقى دول جنوب غرب آسيا: كازاخستان وإيران والعربية السعودية وباكستان وتركيا وأفغانستان وتركمانستان واليمن وأوزبكستان والعراق وعمان وقرغيزيا وسوريا وطاجيكستان والأردن وآذربايجان ودولة الإمارات العربية المتحدة وجورجيا وأرمينيا وفلسطين وقطر والكويت ولبنان وقبرص والبحرين.وتقدّم في هذا الملتقى الذي تستغرق أعماله يومين برعاية مجمع تشخيص مصلحة النظام، مقالات من داخل وخارج البلاد.
هل تشكل إيران مصدرا للتهديد؟
د. حسن البراري – الغد 18/3/2008
أغرب ما قرأت مؤخرا مقولة أن إيران لا تشكل تهديدا على أمن المنطقة! المشكلة في هذه المقولة منهجية بالدرجة الأولى لأنها اعتمدت على استطلاع رأي على عينة من الناس ولم تستند على تحليل استراتيجي علمي لمستويات التهديد في المنطقة التي تعاني من انكشاف استراتيجي واضح. ومن ثم، لا يمكن وضع تصورات أمنية للأردن بناء على رأي عام عاطفي انفعالي أحيانا وبسيط ولا يستطيع فهم تعقيدات المشهد، وبخاصة إذا ما وجه إليه سؤال بسيط، كما شاهدت، يضمن إجابة معينة.
فلو سألنا أي مواطن عن رأيه بالدول التي تشكل تهديدا للأمن الإقليمي وأعطيناه خيارات، لقال أن إسرائيل والولايات المتحدة هما مصدرا التهديد. وهذا صحيح استراتيجيا، لكن هل يعنى هذا أن المستطلَع يستوعب مستويات التهديد، حتى يعطي إجابة مختلفة؟ اشك في ذلك، وهل يعني ذلك أن إيران ليست مصدرا للتهديد بشكل موضوعي؟!(58/90)
قبل التوجه إلى الرأي العام في المنطقة لمعرفة انطباعات الشارع عن قضايا متعلقة بالأمن القومي، أنصح بربط هذا الموضوع بحقل مهم في السياسة والاستراتيجيا اسمه الدراسات الأمنية (وهنا أنصح بالاطلاع على باري بوزان؛ وهو صاحب أهم كتاب في الدراسات الأمنية) للتعرف على مستويات للتحليل ومستويات للتهديد.
لغة الأرقام الخالية من إدراك استراتيجي لمستويات التهديد هي مضللة. فمثلا كيف يتم تعريف التهديد؟ هل المقصود هنا التهديد العسكري؟
وإذا كان كذلك ما هي حدة هذا التهديد؟ المعروف أن مستوى التهديد يزداد ويخف حسب التغير في موازين القوى وبحسب طبيعة التحالفات القائمة.
ثم إذا كان التهديد يتعلق بالأمن، فأي أمن؟ الأمن بمفهومه التقليدي والكلاسيكي الذي كان سائدا أثناء الحرب الباردة أم الأمن الشامل بمعنى إدخال عناصر غير عسكرية في مفهوم الأمن؟ المشكلة تزداد عندما يفشل واضع الأسئلة في فهم ما يقوم به وهنا تكمن الخطورة.
لو سألنا المواطنين، في الأردن، إذا ما كان التشيّع يشكل تهديدا على هوية وأمن المجتمع لحصلنا على نتائج مختلفة عن تلك التي تقول أن إيران لا تشكل تهديدا. والراهن أن الكثير من العرب لا يرى قدرة إيران على إلحاق الأذى بأمنها، وهنا الحاجة إلى استراتيجيين للتصدي للمسألة ودراسة أبعادها وليس لاستطلاع رأي فقير معرفيا ومنهجيا. فكون إيران دولة مسلمة يسهل عليها اختراق المجتمعات العربية وبخاصة عندما تتم المقارنة مع إسرائيل والولايات المتحدة. وأكثر من ذلك تستطيع إيران استخدام ورقة فلسطين لخلق قلاقل في دول عربية أخرى.(58/91)
وعندما حذر الأردن الرسمي من السياسة الإيرانية في الإقليم لم يقم بذلك إلا نتيجة لفهم عميق لمستويات التهديد ودراسة سلوك إيران في الإقليم وتبنيها إستراتيجية مضادة. وكذلك استخدام إيران ودعمها لفصائل تتخذ مواقف تصطدم مع مساعي الأردن لترسيخ الأمن الإقليمي. وإذا كان الرأي العام بالفعل لا يرى في إيران مصدرا للتهديد فهذا بعينه يجب أن يقلق الاستراتيجيين الأردنيين، لأنه يعني أن لإيران قدرة اختراق عالية هي بحد ذاتها مصدرا للتهديد.
ثم لماذا يعتبر البعض أن من يعتقد أن إيران تشكل مصدرا آخرا للتهديد يعكس موقف اليمين المتطرف الأميركي أو الإسرائيلي. لماذا هذه الثنائية والتبسيط: إما إيران أو إسرائيل وأميركا؟! بالمناسبة الجمهوريون والديمقراطيون على السواء يرون في إيران تهديدا، وليس فقط اليمين المتطرف. والإصرار على أن اليمين المتطرف هو وحده من يعتبر ذلك إنما نتاج عن عجز استيعاب التعقيد في المواقف السياسية لمختلف اللاعبين في أميركا.
هناك من يستعمل إيران لتضخيم الخطر والحصول على مكاسب انتخابية (جون ماكين)، لكن هذا لا يعني أن باراك أوباما، على سبيل المثال، سيفتح ذراعية للمشروع النووي الإيراني أو التسامح مع سلوكها في الإقليم. إلا إذا كنا نتكلم عن بعض اليسار الهامشي (أمثال نعوم تشومسكي).
الأمن الوطني الأردني وتحديد مصادر التهديد يجب أن يترك للأجهزة الرسمية القادرة على فهم المشهد الإقليمي بكليته أمّا موقف الفئات الاجتماعية المختلفة فتعكس فقط مؤشرات الرأي العام ولا تمثل أية قراءة استراتيجية معتبرة. أمّا مقولة أن إسرائيل مصدر تهديد للأردن فهي صحيحة، ولا يختلف عليها اثنان في الأردن. لكن الدعوة لإخراج إيران من الحسابات الأمنية بمثابة تضليل ونتاج عدم فهم بديهيات الدراسات الإستراتيجية.
قصتي مع "حزب الله"
جميلة جابر - النهار اللبنانية(58/92)
لن أتحدث هنا عن تاريخ مليء بالتهميش والتحجيم قوبلت به في أثناء دراستي الجامعية في الجامعة اللبنانية من "التعبويين" و"الحزب اللهيين" بعنوان "التكليف الشرعي" تارة و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" طورا. ولا عن مشاعر الخوف والعنف التي ملأت أمعائي من خلال مشاهدة زملائي "الطلاب الجامعيين" يتقاتلون ويتصالحون ومن ثم يتقاتلون لأسباب لم يستطع ذكائي المحدود فهمها...
لن أتحدث هنا عن نظرات التحقير وإلقاء التهم المجانية عند كل محفل لهم نطقت فيه مستوضحة أو مناقشة كوني في نظرهم "ممن لوثت أفكارهم الثقافة الغربية". ولن آتي على ذكر البيئة المخابراتية التي حُكم علي بمعايشتها يوميا كوني من سكان الضاحية الجنوبية ولا على القصف الاستعراضي كلما تكلم احد المسؤولين ولا عن النفس التشكيكي المليء بالأسئلة عند ابسط الأمور كركن سيارتي لشراء علبة تبغ، نفس انتقلت عدواه إلى "جماهير" الضاحية "انو بتعرفي الأيام اللي عم نعيشها الواحد لازم يحترس ويسأل!".
عملت جاهدة خلال السنوات التي أمضيتها في فرنسا وأنا أتابع دراستي هناك كي أتخلص من تلك المشاعر المريضة التي أحاطوني بها ومن الأذى النفسي الذي ألحقوه بي ورجعت متعالية على الجراح وأكثر تمسكا بالقضايا والمبادئ الإنسانية التي آمنت ولا أزال بها. وأنا المؤمنة بالحرية الفردية وحرية التعبير حتى الصميم بعيدا عن اي منطق حزبي او مناطقي او حتى شعوبي مكتفية بما لدي من جهل مقفر بكل ما يختص بأمور السياسة والسياسيين.
لكن ما حدث معي أخيرا أي نهار الجمعة 14 آذار 2008 تحديدا دفعني إلى أن اخرج من دائرة توجيه الانتقادات "الحبية" لكي اروي قصتي مختصرة وارفع شكواي هذه إلى كل صاحب ضمير حي والى كل مؤمن بحقوق الإنسان.(58/93)
كنت أمر بالقرب من المسجد القائم في محلة الحي الأبيض في الضاحية الجنوبية فرأيت منظر قبة المسجد المهيبة مع الغيوم فأعجبني المشهد وأنا الهاوية للتصوير فركنت سيارتي جانبا وتوجهت قبل أن أبادر إلى أي حركة إلى احد الشبان الحرس الموجود على باب المسجد واستأذنته بالتصوير فسألني لأي جهة اتبع فأجبته إني لا اعمل لأحد وان هذا العمل شخصي وانه يستطيع رؤية ما سأصور على الفور فأجابني: "طيب ما في مشكلة".
فأخرجت آلة التصوير الرقمية ووقفت بكل ثقة واطمئنان التقط الصورة المنشودة وإذا بأحدهم يحجب عدسة الكاميرا من غير أن يستأذنني أو يخاطبني حتى، ثم انهال علي بالأسئلة بلهجة تخلو من الأدب واللياقة "شو عم تعملي؟ ما بحقلك تصوري، مين إنت؟ لمين بتشتغلي؟
فأجبته على الفور إني طلبت إذنا من حارس المسجد فأجاب متابعا لهجته السابقة: "هوي شو بفهمو، هيتي هويتك". فبادرت إلى أن أريه ما صورت واني لم اعد مهتمة بها فلم يعر ذلك انتباها وبدأ يتكلم عبر اللاسلكي وما هي إلا لحظات حتى توافد آخرون من أصحاب "الفيلدات واللاسلكيات": "هيتي هويتك". وفي ذلك الجو الترهيبي من أشخاص بثياب مدنية لم يعرفوا عن أنفسهم شعرت بالإهانة فأجبت على الفور: "ليش بدي أعطيك هويتي". فأجاب احدهم: "عم إلك هيتي هويتك". فأجبت: "إنها مع أغراضي في السيارة واني لن أعطيك إياها".
واستدرت متوجهة إلى سيارتي فإذا بأحدهم يشد الكاميرا من يدي جارحا معصمي وآخر يشدني بسترتي وقادوني بالقوة إلى مدخل احد المباني المجاورة محتجزين إياي هناك حتى أتوا بسيارتي وفتشوها وصادروا كل ما فيها وعبثوا بأغراضي الشخصية. وحين سألت احدهم وهو يعاين بطاقاتي الشخصية والمهنية "فتشوا جزداني؟". أجاب: "نحن منعمل اللي بدنا ياه".(58/94)
عندها طلبت رؤية المسؤول عنهم وعندما أتى قلت له من أنا ومن أهلي ومن إخوتي وما هو عملي، عندها عرّف عن أنهم أمن "حزب الله" فأحتججت على الطريقة التي عاملوني بها وأعطيته رقم هاتف اخي وهو مختار ضيعتي الجنوبية كي يتصلوا به. فأجاب: دقائق معدودة واذهب في حال سبيلي.
امتدت الدقائق المعدودة إلى ثلاث ساعات ونصف ساعة نقلوني فيها بـ"فان أميركاني" مغطى بالستائر السوداء إلى "رانج" إلى "فولفو" من زاروب إلى آخر وصولا إلى غرفة التحقيق التي هي عبارة عن غرفة صغيرة تبلغ مساحتها حوالى 5 أمتار مربعة تحتوي على كنبة وطاولة صغيرة ومقابل الكنبة مرآة عريضة على جانبها "أباجور" لتمرير الصوت. وهناك طوال ساعتين من الوقت طرحت علي مجموعة من "الأصوات" كل أنواع الأسئلة التي تتعلق بحياتي العملية والشخصية ومعارفي وثقافتي وتديني...
إلى أن قال لي في نهاية التحقيق احد "الأصوات": "رح نطلعك هلأ" فخرجت وقادني احدهم نحو الباب الخارجي للشقة فوجدت أغراضي عند الباب وحين سألت عن مكان سيارتي أجابني بلهجة عنيفة انه لا يدري "ما بعرف روحي شوفيها من مطرح ماأخدوك"، وأمرني أن أكف عن النظر إلى وجهه. فحملت أغراضي وخرجت متوجهة بسيارة أجرة إلى قرب المسجد القائم وأنا أفتش هناك عن السيارة. وإذا بأحدهم يناديني من "رانج": "يا جميلتي يا جميلتي نطري رح نجبلك السيارة. …
انتظرت في الطريق عشرين دقيقة حتى أتوا بسيارتي وغادرت حينها على الفور. واتصلت فوراً بأخي المختار راوية له ما حدث معي فطلب مني كتابة تقرير مفصل عن الحادثة كي يعالج الأمر وكان ذلك وطالبت في نهاية التقرير الذي أمضيت ليلتي في كتابته باعتذار ورد اعتبار.(58/95)
لكن شيئا لم يحدث مذ ذاك. وكأن انتهاك الحرمات وقذف الناس والتعامل معهم باحتقار هو أمر عادي ومبرر. وكأن تعنيفي وتكذيبي وإهانتي ومد اليد علي من امن "حزب الله" مع تجاهل الآداب والأعراف والأخلاق الدينية من مجموعة من عناصرهم أمر لا يستحق الاعتذار!
وإني لأتساءل: هل هكذا يعامل "حزب الله" المشتبه فيهم؟ وهل هذه هي الأخلاق الإسلامية التي يروجها وينادي بها؟
وأتساءل أيضا أني لو كنت مراسلة أجنبية أو على الأقل لبنانية غير شيعية وغير "ابنة الضاحية" وابنة الجنوب هل كنت سأتلقى المعاملة نفسها التي لا ترقى إلى أي درجة من درجات الأدب واحترام الإنسان؟
وهل خطاب المنابر الانفتاحي مجرد "بروباغاندا" لتلطيف صورتهم "التوتاليتارية"؟ حيث أن أي إنسان يحاول أن يكون خارج "القطيع" محكوم عليه سلفا بالعمالة والخيانة والكفر...
هل تنتقم القاعدة لعماد مغنية؟
رياض علم الدين - الوطن العربي 2/4/2008
هذا السؤال تحول منذ أكثر من ثلاثة أسابيع إلى هاجس يثير قلق كبريات أجهزة الاستخبارات العالمية وليس فقط "الموساد" والـ "سي، أي، إيه"، وهو منذ ذلك الوقت محور سيناريوهات عديدة تتبادلها هذه الأجهزة على ضوء عملية تنسيق وتعاون لا سابق لها.(58/96)
انطلقت على خلفية رصد تحركات شبكات "حزب الله" الخارجية وخلايا الاستخبارات الإيرانية وتطورت إلى رقابة مشددة على كل التنظيمات الإسلامية المتطرفة بما فيها تلك التابعة لتنظيم "القاعدة"، وكشفت مصادر استخبارية أوروبية لـ "الوطن العربي" أن تطورات مهمة حصلت في الأيام الماضية، ولعبت دوراً في "إقناع" أجهزة استخبارية كبرى بمصداقية سيناريو كان يجري تداوله على نطاق ضيق وبنوع من الاستخفاف، ويتحدث عن خطة إيرانية - سورية لتكليف تنظيم "القاعدة" أو خلية أصولية سنية متطرفة يسهل ربطها بهذا التنظيم بمهمة تنفيذ العملية الكبرى الموعودة للانتقام لاغتيال القائد الأمني والعسكري لـ "حزب الله" قرب مقر للاستخبارات السورية في دمشق ليلة الثاني عشر من فبراير "شباط" الماضي.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن هذا السيناريو الذي جرى تجاهله حتى مرور ذكرى أربعين مغنية "بسلام" كان عبارة عن تقرير سري جدا أعده جهاز استخبارات عربي واسع النفوذ في مكافحة الإرهاب وفي اختراق الجماعات الإسلامية المتطرفة وفي رصد نشاطات الاستخبارات الإيرانية خصوصاً في الخارج وعبر فيلق القدس الذي يتولى العمليات الخارجية الإيرانية.
واللافت أن تقرير هذا الجهاز بدأ مع الأيام الأولي لاغتيال مغنية في دمشق والزيارة السرية التي قام بها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني إلى العاصمة السورية، ويكشف التقرير أن زيارة سليماني تجاوزت المشاركة في التحقيق في اغتيال الشيخ رضوان إلى البحث في خلفيات وأبعاد هذه العملية وطريقة الرد عليها.(58/97)
ويبدو أن توافقاً سريعاً حصل بين الإيرانيين والسوريين على ضرورة الحذر من أن تشكل عملية الاغتيال فخاً يهدف إلى جر "حزب الله" "ومعه سورية وإيران" إلى الانتقام بعلمية كبرى تشكل العذر المطلوب لشن حرب واسعة جرى التخطيط لها بين واشنطن وتل أبيب لشن حرب تصفية وإبادة لـ"حزب الله" وتوسيعها إلى سورية وإيران، ويبدو أن الأتراك ساهموا في تعزيز هذه المخاوف الإيرانية ـ السورية بنقل إنذارين إسرائيلي وأميركي يصبان في الاتجاه نفسه، أضيفت إليهما حشود الأسطول السادس في البحر المتوسط.
وعلى ضوء ذلك تم التوافق على تأجيل العملية الانتقامية التي يقال إنها كانت جاهزة للتنفيذ في ذكرى أسبوع مغنية. وإن خططها وأهدافها كانت موضوعة ومعدة مسبقاً تحت إشراف مغنية نفسه قبل وفاته بحكم إشرافه على شبكات الحزب الخارجية وعملياته.
ويضيف التقرير أن التخوف الإيراني ـ السوري من دفع ثمن عملية انتقامية ينقذها "حزب الله" مباشرة وتدفع حتما إلى اتهام سورية وإيران بالمسؤولية عنها قاد إلى اعتماد سيناريو الانتقام من خلال تنظيم "القاعدة" الذي ينظر إليه لدى العديد من أجهزة الاستخبارات العالمية كتنظيم معاد لإيران وغير مرتبط بها، خصوصاً على ضوء ارتفاع حدة الصراع السني ـ الشيعي انطلاقاً من الساحة العراقية.
مغنية والقاعدة!
ويشير التقرير إلى أن رئيس فيلق القدس الجنرال سليماني المعروف بأنه ضابط الارتباط بين المخابرات الإيرانية والعديد من خلايا "القاعدة" ومسؤول حماية رموزها المقيمة في إيران قد تولى بنفسه إعداد هذا السيناريو عبر سلسلة لقاءات عقدها مع بعض هؤلاء الرموز وفي مقدمتهم سيف العدل والكويتي سليمان أبو غيث.(58/98)
وتذكر مصادر التقرير أن غالبية قيادات "القاعدة" التي ما زالت تقيم في إيران كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع عماد مغنية وتلتقي به أثناء فترات إقامته الطويلة والدورية في طهران، وفي معلومات هذه المصادر أن قائد فيلق القدس لم يحد صعوبة في إقناع رموز "القاعدة" بتبنى ضرورة الانتقام لمغنية فهذا القائد العسكري والأمني في "حزب الله" كان يعتبر منذ سنوات رجل التنسيق الأول بين إيران و "القاعدة" وعلاقاته ببعض رموزها خصوصاً سيف العدل وأيمن الظواهري تعود لعدة سنوات، وهي بدأت في منتصف التسعينيات في السودان، وتطورت إلى علاقة تعاون على أكثر من جبهة.
ويقال إن مغنية لعب دورا أساسياً في إقامة علاقة تنسيق وتعاون بين شبكات "حزب الله" الخارجية والمخابرات الإيرانية وتنظيمات إسلامية متطرفة مرتبطة بـ "القاعدة" في أميركا اللاتينية وتحديداً في المثلث الواقع بين الباراجواي والأرجنتين والبرازيل، وثمة تقارير تتحدث عن لقاء تم في أوائل العام 2000 في مدينة "سيتاديل إيست" في المثلث بين مغنية والظواهري، إضافة إلى لقاءات بينهما جرت في إيران.
وتضيف المصادر أن مغنية قام في الأشهر التي سبقت مقتله بإعادة تنظيم "أحزاب الله" في عدة دول خليجية..
وأشرف لهذه الغاية على إقامة معسكرات في منطقة البقاع اللبناني كان يشارك فيها شبان خليجيون من عدة جنسيات ومذاهب، بحيث كانت تتجمع جماعات من "القاعدة" ومن "أحزاب الله" الخليجية في هذه المعسكرات.
ولفت التقرير إلى الدور الذي لعبته إيران في تقديم الدعم لعناصر وقيادات "القاعدة" الذين كانوا يعبرون أراضيها ذهاباً وإياباً بين عدة دول خليجية وأفغانستان، مشيرا إلى مرور عدد من منفذي عمليات "سبتمبر "أيلول" 2001 في نيويورك بالأراضي الإيرانية وعودة المئات من عناصر "القاعدة" من أفغانستان عبر إيران في أواخر 2001، حيث استقر العديد منهم وما زالوا يعيشون بحماية المخابرات الإيرانية.(58/99)
وتابع التقرير أن الغزو الأميركي للعراق قد أدى إلى زيادة التعاون بين "القاعدة" والمخابرات الإيرانية برعاية الجنرال سليماني الذي كان يشرف على تزويد عناصر "القاعدة" بالسلاح والمتفجرات وحتى فتح معسكرات تدريب في إيران، وهو ما أكدته تقارير أعدتها المخابرات الأميركية في العراق وكذلك المخابرات العراقية. وآخر هذه التقارير صدر قبل أسابيع قليلة يشير إلى زيادة دعم المخابرات الإيرانية لعناصر "القاعدة" في العراق في مواجهة مجالس الصحوة العشائرية التي تتعاون مع الأميركيين لمطاردة خلايا "القاعدة" في العراق.
وتحدث التقرير أيضاً عن العلاقات المشبوهة لبعض التنظيمات الأصولية المتطرفة المرتبطة بـ"القاعدة" في لبنان مع مخابرات الحرس الثوري والمخابرات السورية، مشيراً إلى تنظيم "فتح الإسلام" الذي خاض معارك مخيم "نهر البارد" في شمال لبنان ضد الجيش اللبناني، وإلى تنظيم "جند الشام" المتواجد في عدة مخيمات فلسطينية لبنانية، خصوصاً مخيم "عين الحلوة" قرب صيدا في الجنوب، وإلى اختراق المخابرات السورية لخلايا "القاعدة" والمتطرفين الإسلاميين الذين يتوجهون للجهاد في العراق عبر الأراضي السورية و...... ومن ثم تطرق التقرير إلى علاقات التعاون والتنسيق بين شبكات "حزب الله ، الخارجية والمخابرات الإيرانية وخلايا أصولية متطرفة معروفة بقربها من تنظيم "القاعدة"، وهي علاقات تمتد من إفريقيا إلى أوروبا وصولا إلى الولايات المتحدة ومروراً بأميركا اللاتينية، وتعتبر عدة جهات استخبارية أن عماد مغنية ساهم شخصياً في إقامتها وتوثيقها.(58/100)
وانتهى التقرير إلى التأكيد على أن المخابرات الإيرانية والسورية قد أنجزت إعداد "الخطة ب" للانتقام لمغنية عبر تنظيم "القاعدة" أو خلايا إسلامية من خارج "حزب الله، ومرتبطة بـ "القاعدة" أكثر من ارتباطها بـ "حزب الله" أو بإيران، واعتبر التقرير أن هدف اللجوء على "القاعدة" للانتقام لمغنية لا يخفى فقط المخاوف الجدية لدى كل من طهران ودمشق من الانعكاسات الخطيرة لعملية ينفذها "حزب الله"، بل يعكس أيضاً خطة إيرانية لتسويق مغنية كشهيد لكل الجماعات الإسلامية من كل المذاهب ولتأكيد "وحدة الهدف الجهادي" تحت مظلة إيران الساعية إلى إبعاد شبح الحرب السنية - الشيعية نظرا لخطورته على مشروعها "زعامة العالم الإسلامي" وفي الوقت نفسه تبعد إيران عنها مسؤولية الاتهام بالعملية فيما تكون نفذت انتقامها لما حصل لمغنية.
مسؤولية إيران!
وفي معلومات "الوطن العربي" أن أول مؤشرات اهتمام الأجهزة الاستخبارية بالمعلومات عن لقاءات سليماني وسيف العدل، واجتماعات التنسيق بين المخابرات الإيرانية والسورية وبعض رموز "القاعدة" لتحضير خطة بديلة للانتقام لمغنية قد انطلقت مع العملية التي نفذها فلسطيني ضد المدرسة الدينية اليهودية في القدس في أوائل مارس "آذار" الماضي، وكان تلفزيون "المنار" التابع لـ "حزب الله" السباق إلى بث خبر ينسب مسؤولية العملية إلى تنظيم يحمل اسم "كتائب الجليل - مجموعة الشهيد مغنية".(58/101)
لكن عمليات الرصد التي قامت بها عدة جهات استخبارية وتطورات الأيام الماضية لعبت الدور الأبرز في إعادة مواجهة سيناريو انتقام "القاعدة" لمغنية بجدية وقلق، وأبرز هذه التطورات الظهور المفاجئ لزعيمي "القاعدة" أسامة بن لادن وأيمن الظواهري في رسائل صوتية جديدة عبر الإنترنت وصل فيها الظواهري المعروف أكثر بارتباطاته السابقة مع المخابرات الإيرانية وعلاقاته مع مغنية إلى حد الدعوة على تنفيذ عمليات ضد الأميركيين والإسرائيليين أينما كانوا، وهي رسالة وجد فيها بعض الخبراء الأمنيين تعزيزاً للمعلومات عن لجوء إيران للتنسيق مع "القاعدة" للانتقام لمغنية.
وفي هذا الوقت جاء خطاب الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله في مناسبة أربعين مغنية لافتا في هدوئه وإشارته إلى العقاب في الزمان والمكان اللذين يختارهما "حزب الله" أي تأجيل الانتقام في وقت كانت إسرائيل في حالة تأهب وعدة أجهزة استخبارية كبرى تعلن التعبئة تحسباً لعملية انتقامية في ذكرى الأربعين.
وفي معلومات جهات استخبارية أميركية أن الـ "سي، أي، إيه" بدأت تتعامل مع سيناريو التعاون بين إيران و "القاعدة" لتنفيذ العملية الانتقامية الكبرى بجدية فائقة وإلى درجة أن الإدارة الأميركية اختارت تحذير إيران بشكل واضح وتهديدها بدفع ثمن أية عملية من هذا النوع حتى لو حملت توقيع "القاعدة" أو تنظيم إسلامي ينتمي إليها.(58/102)
وتؤكد هذه المصادر أن واشنطن قد أعادت فتح ملف العلاقة الغامضة بين إيران و "القاعدة" لمواجهة هذه التهديدات الإيرانية ولزيادة الضغوط على نظام الملالي، خصوصاً بعد أنكشف تحقيق جديد اعد لحساب البنتاجون عن غياب أية علاقة بين "القاعدة" وصدام حسين، وفي رأي هذه المصادر أن الاتهامات التي أطلقها علنا في الأيام الأخيرة مرشح الرئاسة الجمهوري المدعوم من بوش جون ماكين بالربط بين إيران و "القاعدة" هي اتهامات لا تعبر فقط عن رأي ماكين وإنما تعكس حسب البعض استراتيجية أميركية جديدة للتعامل مع إيران.
ويبدو أن اعتذار ماكين في زيارته الأخيرة للأردن عن اتهام إيران بدعم ورعاية "القاعدة" بعد تصحيح من جو ليبرمان لم تعتبر حسب المراقبين مجر زلة لسان، والدليل أن المرشح الأوفر حظا لخلافة بوش قد كرر اتهامه هذا لإيران أربع مرات خلال أيام قليلة... وهو ما يعتره العارفون تكرارا لتحذير أميركي رسمي لإيران ولـ "سورية" بأن أية عملية انتقام كبرى لمغنية ستتحمل مسؤوليتها دمشق وطهران سواء جاءت عن طريق "حزب الله" أم عن طريق "القاعدة" أو "القاعدة في بلاد الشام" أو "فتح الإسلام" أو "جند السام" أو تحت أي مسمى آخر...
خطة إيرانية المرحلية في الكويت
عصيان مدني شيعي تتبعه عمليات عنف
جاسم الشمالي - الوطن العربي 2/4/2008(58/103)
في رأي مراقب للشؤون الخليجية أن الشارع الكويتي يشهد حالة احتقان غير مسبوقة، أخر مظاهرها خروج أبناء القبائل في مظاهرات احتجاج بعد توقيف قبليين كانوا يشاركون في انتخابات مرعبة غير قانونية، تقام عادة لاختبار مرشحي القبائل لانتخابات مجلس الأمة، وقد فسر هذا المراقب حركة الاحتجاج القبلية بأنها أحدث مظاهر الاحتقان غير المألوف في الكويت، واحد وجوهه كان وصول العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة إلى طريق مسدود، مما دفع أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى حل المجلس والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، والدعوة في أعقاب أزمة هزّت تماسك المجتمع الكويتي، هي أزمة مهرجان تأبين عماد مغنية الذي يحمله الكويتيون مسؤولية مقتل اثنين من مواطنيهم، والقيام بأعمال إرهابية مست الاستقرار الكويتي في الصميم.
وحسب رأي المراقب فإن هذه مجرد مظاهر للقلق الذي يعاني منه المجتمع الكويتي نتيجة ترقب ما هو أسوء، وهو قلق تعبر عنه أحاديث رواد الديوانيات، والتي تعكس خشية من أن تكون الكويت هي الهدف التالي للنظام الإيراني، وهذه المخاوف مبنية على وقائع وممارسات محددة يقوم بها بعض وجهاء الشيعة في الكويت.
وتلتقي رؤية مراقب الشؤون الخليجية مع ما ورد في تقرير خاص وضعته جهة عربية، وأوردت فيه معلومات عن استعدادات عناصر شيعية لبدء تحرك مرحلي مندرج، يبدأ بتجمعات شعبية في الحسينيات، ثم ينتقل إلى مستوى عصيان مدني يتمثل في إغلاق المتاجر والمجلات والامتناع عن العمل، إضافة إلى تظاهرات صاخبة، ويحذر التقرير من خطورة هذه الخطوة، لأن التجار الذي ينتمون إلى المذهب الشيعي يسيطرون سيطرة شبه كاملة على سوق المواد الغذائية والقطاعات الخدمية الحيوية في الماء والكهرباء، بحيث إن العصيان المدني سيشل الحياة في الكويت.(58/104)
وكانت المخابرات الكويتية قد تلقت معلومات مؤخراً من عدة مصادر بعضها من أجهزة مخابرات غربية وأخرى عربية تفيد بمخطط واسع يرعاه الحرس الثوري الإيراني لتحويل الكويت إلى دولة شيعية يكون لحزب الله الكويتي الدور الأساسي في تنفيذه، الأمر الذي أحدث هلعا وضجة في الأوساط الحاكمة بالكويت.
أبعاد المخطط
وتشير المعلومات إلى أن المخطط الذي وضع بطهران وبإشراف مباشر من قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري يشمل عدة مراحل بعضها سياسي والآخر عسكري يتكلف عشرات الملايين تعهد الحرس الثوري بتدبيرها من فائض استثماراته وشركاته الضخمة التي تشمل عدة مشروعات استراتيجية بإيران. وتفيد المعلومات أن الخطة وضعت بتنسيق مباشر مع قادة حزب الله الكويتي وبعضهم من قيادات الداخل والآخرين ممن يقيمون في إيران والعراق.
وحسب المخطط فإن الشق السياسي للمخطط يقوم على تنظيم عدة مظاهرات استغلالاً للأوضاع السياسية غير المستقرة للبلاد خاصة بعد حل البرلمان ودعم عدد من المرشحين الشيعة في الانتخابات المقبلة وللعب على الوتر الديني بالبلاد، كما أنه يقوم على تنظيم حملات دعائية من خلال مواقع إعلامية شيعية على الإنترنت تتحدث عن اضطهاد للشيعة بالبلاد وربط ذلك بما يوصف بالظلم الواقع على شيعة بعض دول الخليج خاصة بالبحرين المجاورة.
تدريبات عسكرية
أما الشق العسكري في المخطط فيقوم على تنفيذ عدة عمليات داخل البلاد. واستهداف أعضاء بالأسرة الحاكمة وإحداث حالة من الخلل الأمني بالبلاد يفضي إلى فوضى شاملة تؤدي إلى سيطرة الشيعة على البلاد أو على الأقل استغلال إيران للورقة الشيعية لإيجاد موطئ قدم وتأثير بالكويت في إطار الصعود الكبير لإيران والمد الشيعي المتزايد بالمنطقة.(58/105)
وتشير المعلومات ذاتها إلى أن الحرس الثورى بدأ وبمشاركة عناصر من حزب الله اللبناني في تدريب عناصر من حزب الله الكويتي على عملية تجميع وتفجير المتفجرات والقيام بعمليات سريعة ضد أهداف عسكرية ومدنية.
وتوضح المعلومات أن العمليات التي يعد لتنفيذها حزب الله الكويتي ستكون على غرار العمليات والتفجيرات التي شهدتها الكويت في ديسمبر "كانون الأول" 1983 واستهدفت السفارتين الأميركية والفرنسية ومنشآت كويتية والتي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات وكذلك في مايو "أيار" 1985 عندما استهدف تفجير انتحاري موكب أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي نجا من محاولة اغتياله وأصيب بجروح طفيفة في حين قتل اثنان من حراسه..
وكان من بين المتورطين فيها مصطفى بدر الدين "إلياس صعب" صهر عماد مغنية والذي نفذ عملية اختطاف طائرة كويتية "البابرية" في العام 1988 للمطالبة بإطلاق سراحه، حين كانت الطائرة متجهة من بانكوك إلى الكويت وعلى متنها 96 راكبا و15 من أفراد الطاقم عندما تعرضت للخطف وطالب الخاطفون حينها بأن تفرج الكويت عن إلياس صعب، الذي اعتقل في الكويت ضمن مجموعة من 17 شخصا بينهم 12 عراقيا ينتمون لحزب الدعوة الشيعي وخمسة لبنانيين لتورطهم في اعتداءات على أهداف كويتية وسفارات أجنبية في الكويت.
وكان الخاطفون قد توجهوا بالطائرة إلى مطار مشهد الإيراني، حيث مكثت ثلاثة أيام ثم حاولوا الهبوط في مطار بيروت ولما منعوا من ذلك هبطوا في مطار لارتكا بقبرص، حيث مكثوا خمسة أيام قتلوا خلالها اثنين من الركاب هما عبد الله الخالدي وخالد إسماعيل ورموا بجثة أعدهما على مرأى منوسائل الإعلام على أرض المطار قبل أن تتوجه الطائرة إلى الجزائر. وانتهت الأزمة في الجزائر بعد 16 يوما على بدئها بإفراج الخاطفين عن الرهائن مقابل عدم تعرضهم للمحاكمة.(58/106)
وتؤكد المعلومات ذاتها أن إيران تريد من وراء كل ذلك لحداث حالة البلبلة وعدم الاستقرار بدول الخليج العربية قد تؤجل أو تلغي أي عملية عسكرية أميركية على خلفية ملف إيران النووي.
حزب الله الكويتي وإيران
وعن حقيقة ارتباط حزب الله الكويتي بإيران يقول المنشق الإيراني الدكتور علي نوري زادة من مركز الدراسات الإيرانية العربية بلندن في تصريحات لـ "الوطن العربي" عبر البريد الإلكتروني: إن هناك جهات في إيران، وفي الحرس الثوري الاستخبارات خصوصاً، سبق وأن قامت بتجنيد بعض الفئات الشيعية في البحرين كمنظمة الثورة الإسلامية وكجبهة تحرير البحرين الإسلامية ومثل حزب الله في الكويت.
وأشار إلى أنه كان هناك تياران داخل حزب الله الكويتي في البداية أحدهما وطني والآخر مرتبط بإيران نفسياً وروحياً وجسدياً، وهو الذي انتصر مؤخراً وسيطر على الحزب ويضم رجال دين شيعة يتلقون تعليمات من طهران وقم.
ويؤكد زادة أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التقارب بين حزب الله الكويتي وإيران في ظل مخطط إيراني شامل لإحياء وتنشيط الأقليات الشيعية بالخليج ليكونوا رديفا وطابورا خامساً للنظام الإيراني، وذلك في ظل ضعف التيار الوطني داخل الشيعة العرب بسبب قلة الدعم المقدم لهم، مع قيام إيران بتوفير كل سبل الدعم للتيار التابع لها.
وأعرب زادة عن خشيته إزاء وقوع اضطرابات داخل تلك الدول خلال الفترة المقبلة، خاصة ما يبدو أنه سيطرة للجناح المحافظ على الساحة السياسية بإيران بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو الأمر الذي يعطي إشارة للمتشددين بقيادة الحرس الثوري على المضي في مخططاتهم إزاء دول المنطقة، خاصة الكويت كحلقة ثانية بعد البحرين التي تأخذ الأولوية نظرا للكثافة الشيعية بها.
ما أكثرهم أحفاد... "أبرهة"!!
فؤاد الهاشم - الوطن 2/4/2008(58/107)
.. أرسل لنا "مكتب الشيخ الحبيب في لندن" رسالة طويلة مكونة من صفحتين فولسكاب رداً على ثلاثة اسطر فقط كتبتها قبل بضعة أيام تتعلق بالشتائم واللعنات التي يسلها المدعو "الحبيب" ويصبها فوق رؤوس صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم سيدنا عمر بن الخطاب رضوان الله عليه حين قلت - في الاسطر الثلاثة - إن سيدنا علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - قد اطلق اسم "عمر" على أحد... أبنائه!
لم استطع نشر رد المدعو "الحبيب" لكثرة الشتائم واللعنات والبذاءات التي احتواها، فإن كان من يطلق على نفسه لقب "شيخ دين" هذه هي مفرداته، فماذا ترك - إذن - للبلطجية وفتوات "العواير"؟!
الاسطر القليلة من رسالة هذا البلطجي الحبيب التي أستطيع نشرها قوله إن... "تسمية الإمام علي لأحد أبنائه باسم عمر لم يكن يقصد التيمن به، بل سماهم بالأسماء المعهودة في ذلك الزمان"!
نقول لهذا الدعي.. "إن الأسماء المعهودة في ذل الزمان كانت.. صخر، وحجر، وجبل، وقيس وشعيب، وكليب، وزريب، وشمس، ومناف، وابرهة وعبد المطلب وعبد مناف..
وسلسلة طويلة لن تتسع صفحات الجريدة كلها لكتابتها، فهل ضاقت على الإمام "علي" ـ كرم الله وجهه ـ لائحة هذه الأسماء حين اختار لولده اسم ـ عمر ـ خاصة وقد عاصر الخليفة عمر بن الخطاب رضوان الله عليه طفلا وصبيا وشابا ورجلا"؟!
ثم.. سنفترض أن ما يقوله "الحبيب" صحيح، وأن اختيار اسم عمر جاء لأنه من "الأسماء المعهودة في ذلك الزمان".
فهل يستطيع - أو يرغب المدعو "حبيب" - أن يطلق اسم "صدام" على أحد أبنائه على اعتبار أن اسم "صدام" ليس للتيمن به، بل من الأسماء المعهودة في هذا الزمان وكل زمان أيضاً؟!
هل يستطيع أن يطلق اسم "عدي" أو "قصي" على أي من أولاده، أو ينصح بهما كاسمين لأولاد أحد أقاربه.. "وهما من الأسماء المعهودة في هذا الزمان"؟!(58/108)
و.. نكتفي بذلك، وندعو له بالهداية وهو رابض هناك على أرض "فرخ" الشيطان الأكبر بريطانيا، لعله يجد في هواء سمائها النصراني ما يشفي به صدره الذي امتلأ حقداً وكراهية على الإسلام والمسلمين، وهنيئا للإسرائيليين وللحركة الصهيونية على هذا "المكروه" ـ المسمى جزافاً ـ بالحبيب ليمزق أواصر المسلمين و.. خواصرهم!
.. في أحدى القمم العربية - قبل سنوات - قال الزعيم الليبي معمر القذافي إن.. "قبيلته - أصلها من الجزيرة العربية وقد هاجرت في أواخر القرن قبل الماضي إلى ليبيا"، ثم أكمل حديثه بطريقة لا تخلو من الألم والندم. "ليتها لم تهاجر وتأتي إلى هنا"!!
في قمة دمشق، قال الزعيم الليبي إن.. "80 % من سكان دول مجلس التعاون وشعوبها من أصول إيرانية"! فهل القذافي وقبيلته من أصول إيرانية؟ وإن كان ما قاله صحيحا، فكيف تأتي نداءات رفع راية الوحدة العربية والتضامن العربي، والحلم العربي والقومية العربية من شخص أصوله.. إيرانية؟!
نريد التوضيح لنا ـ فقط.. وللأمة العربية دون بقية أمم الأرض.. لعل وعسى!! الطريف في الموضوع أن تصريح القذافي هذا يقابله تصريح يطلقه عشرات الآلاف في إيران يقولون فيه إن اصولهم.. عربية ومن شبه جزيرة العرب، حتى ضاعت الطاسة!!
هل بدأ تنفيذ مخطط تحويل البحرين والكويت إلى مستوطنات إيرانية؟
جاسم الشمالي - الوطن العربي 19/3/2008
هل انتقلت طهران من مرحلة التخطيط والإعداد إلى مرحلة التنفيذ في استراتيجيتها لتصدير النموذج الإيراني إلى دول الخليج، بداية بالكويت والبحرين، مصادر وثيقة الاطلاع قالت إن التحركات التي جرت على الأرض في كل من الكويت والبحرين، تشير إلى هذا الاتجاه.(58/109)
فالتحقيقات التي جرت في الكويت مع موقوفين على خلفية المشاركة في المجلس التأبيني الذي أقامته مجموعة التحالف الإسلامي الوطني المتعاطفة مع إيران والتي توصف في الكويت بأنها الذراع السياسية لـ "حزب الله" الكويتي، كشفت عن أن تنظيم هذا التأبين كان اختبار قوة ومناورة لكشف قدرة "حزب الله" على تعبئة أنصاره وحشدهم في مكان واحد، وقد خشي المسؤولون الكويتيون من أن يكون مجلس التأبين بالشعارات الذي رفعت فيه، بداية مشروع فتنة مذهبية، مما دعا بعض نواب الأمة إلى المطالبة بسحب جنسية النائب عدنان عبد الصمد أمين عام التحالف لأنه حسب قولهم ينتمي إلى حزب إرهابي معادٍ للكويت. وحسب المعلومات فإن ما يخشاه الكويتيون هو الدعم الإيراني على أعلى مستوى الذي حظي به منظمو التأبين، بحيث إن هذا الدعم أخذ شكل إنذار للحكومة الكويتية من مغبة محاكمتهم.
وفسرت مصادر كويتية التحذير الإيراني بأنه بمثابة انتقال إلى مرحلة أخرى من خطة طهران لنقل النموذج اللبناني إلى الكويت. والعمل على إحداث حالة عصيان وفوضى سياسية وشعبية، وتفعيل المواجهة مع الحكومة، على قاعدة مطالب اجتماعية وسياسية، بزعم أن الشيعة يعانون من التميز ضدهم، حتى في أداء شعائرهم الدينية.
وتؤكد المصادر أن طهران طلبت من بعض الكويتيين الموالين لها السفر إلى لبنان للتعرف على أرض الواقع على طريقة تنظيم الإضرابات والاعتصامات، وبالفعل سافر هؤلاء السياسيون إلى بيروت سرا وعقدوا عدة اجتماعات مع نظراء لهم من حزب الله، وتشير المصادر إلى أن الجانبين - بالتنسيق مع طهران - اتفقا على سفر كوادر من حزب الله إلى الكويت للإشراف المباشر على تحركات الشارع هناك، مع تكفل عدد من النافذين الشيعة الكويتيين بطريقة إدخال هذه الكوادر وتأمين الإقامة القانونية لهم عن طريق إلحاقهم بكفالة بعض أصحاب المتاجر.(58/110)
وتقول المصادر: إن هذه الحقيقة دفعت السلطات الكويتية إلى محاولة ترحيل العديد من اللبنانيين الذين شاركوا في تأبين عماد مغنية، باعتبار أنهم ينتمون إلى "حزب الله اللبناني" ويوفرون الدعم والمساندة لـ "حزب الله الكويتي"، إلا أن اتصالات عديدة، دفعت السلطات الكويتية إلى التراجع، وقيل إن "حزب الله" اللبناني حذر الكويت من عواقب ترحيل هؤلاء.
البحرين: عنف في الشوارع
والوضع في البحرين يتخذ أشكالا أكثر حدة، حيث إن المناطق الواقعة في غرب المنامة وفي شمال المملكة التي يغلب عليها الوجود الشيعي تشهد بصورة متكررة مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين، على خلفيات مطلبية، تصل إلى حد مهاجمة رجال الشرطة وإحراق سياراتهم والاستيلاء على أسلحتهم، هذه الحوادث التي أحيل بعض مرتكبيها إلى القضاء ويحاكم حوالي 15 منهم حاليا، بعد التحقيق معهم أمام النيابة العامة.
وقد استهدفت أعمال العنف شخصيات مناهضة للمخطط الإيراني ومنها محاولة إحراق منزل الشيخ أحمد خالد المعروف بمواقفه المتصدية للدعاوي الإيرانية بل وصلت إلى درجة مهاجمة مزرعة الشيخ عبد العزيز بن عطية الله آل خليفة المستشار الأمني لرئيس وزراء البحرين ورئيس جهاز الأمن الوطني سابقا، وهو هجوم نفذه 30 ملثما بأسلوب ميلشيات متقن.
وتقول المصادر إن المخطط الإيراني في البحرين أكثر جرأة، فالشيعة البحرينيون يقولون إنهم يمثلون أكثرية 70% من السكان، معظمهم من أصول إيرانية، ويوالون نظام الملالي في طهران..
وقد ظهر هذا الولاء إلى العيان خلال مباراة كرة قدم بين فريقين بحريني وإيراني، حيث حمل شبان بحرينيون من الشيعة أعلاما إيرانية وشجعوا الفريق الإيراني ضد فريق بلادهم، مع العلم أن شرارة الأحداث الأخيرة اندلعت في منطقة المحرق إلا بموافقة رسمية، بعد اكتشاف مخطط إيراني لشراء مساحات شاسعة من الأراضي في تلك المنطقة.(58/111)
لكن السلطات تنبهت لذلك فأصدر محافظ المحرق قراراً يقضي بعدم جواز بين أو شراء عقار في هذه المدينة المستهدفة إلا بموافقته، معللا ذلك بأنه أوامر من سلطات عليا، وقد جاء هذا القرار تتويجا لقرار صدر عن مجلس الوزراء يقضي بتجميد عمليات البيع والشراء للعقار في إحدى مناطق المحرق بعد التأكد من أن هناك مؤامرة إيرانية تستهدف الاستيلاء على "حالة أبو ماهر" بالمحافظة من خلال شراء بعض العقارات فيها ثم لتنطلق منها بعد ذلك للاستيلاء على البحرين، ولا شك أن ذلك سيكون منطلقا للاستيلاء على منطقة الخليج برمتها.. فالبحرين وفق هذه الرؤية، هي مركز القيادة لكل من يريد الاستيلاء على الخليج!
وقد أشعل قرار محافظ المحرق ومسبباته النار في هشيم الترابط الاجتماعي في مجتمع البحرين، حيث شهدت عدة قرى ومدن أحداث عنف صاحبت أيضا احتفال شيعة البحرين بيوم عاشوراء في العاشر من محرم، وقد ألقى ذلك بظلاله على مناحي العمل السياسي سواء في الشارع العام أو مجلس النواب، ورشح بعض البحرينيين الأمر للتصاعد، خصوصا أنه سيكون بمقدور جمعية الوفاق ذات التوجه الشيعي الضغط على الحكومة من خلال التهديد بالانسحاب من البرلمان.
وقد لاحظ المراقبون السياسيون أن الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين قد عادت لتنشط حديثا في البلاد، حيث استغلت المناسبات الدينية الشيعية في رفع شعاراتها مثل "لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية"، "كفانا حسيني قائدنا خميني" وغيرها من شعارات الثورة الإسلامية في إيران، وشكلت المؤسسات الشيعية التقليدية مثل "جمعية التوعية الإسلامية" و "الصندوق الحسيني الاجتماعي" والمدارس والحسينيات قواعد انطلاق ومعاقل للجبهة، ولكن رغم عدم انخراط معظم القيادات التقليدية من الزعامات ورجال الدين في قيادة هذه المؤسسات في الجبهة فإنهم مضطرون إلى مماشاتها، لذلك فإن الجبهة هي من الصف الثاني لرجال الدين، إضافة إلى المتعلمين والتكنوقراط والموظفين.(58/112)
وباستعراض الأحداث الأخيرة والمحاولات الإيرانية العنصرية يتضح أن تعريب الورقة الشيعية هو السبيل لوحدة الأمة الإسلامية، بمعنى أن يكون هناك تواجد عربي مع الشيعة دون أن ينعزلوا عنهم، فالورقة الشيعية إذا بقيت عربية فلا يمكن أن يكون هناك خطر منها، أو أن تكون عاملا لتمزيق المسلمين.
خطة إيرانية المرحلية في الكويت
عصيان مدني شيعي تتبعه عمليات عنف
جاسم الشمالي الوطن العربي 2/4/2008
في رأي مراقب للشؤون الخليجية أن الشارع الكويتي يشهد حالة احتقان غير مسبوقة، أخر مظاهرها خروج أبناء القبائل في مظاهرات احتجاج بعد توقيف قبليين كانوا يشاركون في انتخابات مرعبة غير قانونية، تقام عادة لاختبار مرشحي القبائل لانتخابات مجلس الأمة، وقد فسر هذا المراقب حركة الاحتجاج القبلية بأنها أحدث مظاهر الاحتقان غير المألوف في الكويت، واحد وجوهه كان وصول العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة إلى طريق مسدود، مما دفع أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى حل المجلس والدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة، والدعوة في أعقاب أزمة هزّت تماسك المجتمع الكويتي، هي أزمة مهرجان تأبين عماد مغنية الذي يحمله الكويتيون مسؤولية مقتل اثنين من مواطنيهم، والقيام بأعمال إرهابية مست الاستقرار الكويتي في الصميم.
وحسب رأي المراقب فإن هذه مجرد مظاهر للقلق الذي يعاني منه المجتمع الكويتي نتيجة ترقب ما هو أسوء، وهو قلق تعبر عنه أحاديث رواد الديوانيات، والتي تعكس خشية من أن تكون الكويت هي الهدف التالي للنظام الإيراني، وهذه المخاوف مبنية على وقائع وممارسات محددة يقوم بها بعض وجهاء الشيعة في الكويت.(58/113)
وتلتقي رؤية مراقب الشؤون الخليجية مع ما ورد في تقرير خاص وضعته جهة عربية، وأوردت فيه معلومات عن استعدادات عناصر شيعية لبدء تحرك مرحلي مندرج، يبدأ بتجمعات شعبية في الحسينيات، ثم ينتقل إلى مستوى عصيان مدني يتمثل في إغلاق المتاجر والمجلات والامتناع عن العمل، إضافة إلى تظاهرات صاخبة، ويحذر التقرير من خطورة هذه الخطوة، لأن التجار الذي ينتمون إلى المذهب الشيعي يسيطرون سيطرة شبه كاملة على سوق المواد الغذائية والقطاعات الخدمية الحيوية في الماء والكهرباء، بحيث إن العصيان المدني سيشل الحياة في الكويت.
وكانت المخابرات الكويتية قد تلقت معلومات مؤخراً من عدة مصادر بعضها من أجهزة مخابرات غربية وأخرى عربية تفيد بمخطط واسع يرعاه الحرس الثوري الإيراني لتحويل الكويت إلى دولة شيعية يكون لحزب الله الكويتي الدور الأساسي في تنفيذه، الأمر الذي أحدث هلعا وضجة في الأوساط الحاكمة بالكويت.
أبعاد المخطط
وتشير المعلومات إلى أن المخطط الذي وضع بطهران وبإشراف مباشر من قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري يشمل عدة مراحل بعضها سياسي والآخر عسكري يتكلف عشرات الملايين تعهد الحرس الثوري بتدبيرها من فائض استثماراته وشركاته الضخمة التي تشمل عدة مشروعات استراتيجية بإيران.
وتفيد المعلومات أن الخطة وضعت بتنسيق مباشر مع قادة حزب الله الكويتي وبعضهم من قيادات الداخل والآخرين ممن يقيمون في إيران والعراق.
وحسب المخطط فإن الشق السياسي للمخطط يقوم على تنظيم عدة مظاهرات استغلالاً للأوضاع السياسية غير المستقرة للبلاد خاصة بعد حل البرلمان ودعم عدد من المرشحين الشيعة في الانتخابات المقبلة وللعب على الوتر الديني بالبلاد، كما أنه يقوم على تنظيم حملات دعائية من خلال مواقع إعلامية شيعية على الإنترنت تتحدث عن اضطهاد للشيعة بالبلاد وربط ذلك بما يوصف بالظلم الواقع على شيعة بعض دول الخليج خاصة بالبحرين المجاورة.
تدريبات عسكرية(58/114)
أما الشق العسكري في المخطط فيقوم على تنفيذ عدة عمليات داخل البلاد. واستهداف أعضاء بالأسرة الحاكمة وإحداث حالة من الخلل الأمني بالبلاد يفضي إلى فوضى شاملة تؤدي إلى سيطرة الشيعة على البلاد أو على الأقل استغلال إيران للورقة الشيعية لإيجاد موطئ قدم وتأثير بالكويت في إطار الصعود الكبير لإيران والمد الشيعي المتزايد بالمنطقة.
وتشير المعلومات ذاتها إلى أن الحرس الثورى بدأ وبمشاركة عناصر من حزب الله اللبناني في تدريب عناصر من حزب الله الكويتي على عملية تجميع وتفجير المتفجرات والقيام بعمليات سريعة ضد أهداف عسكرية ومدنية.
وتوضح المعلومات أن العمليات التي يعد لتنفيذها حزب الله الكويتي ستكون على غرار العمليات والتفجيرات التي شهدتها الكويت في ديسمبر "كانون الأول" 1983 واستهدفت السفارتين الأميركية والفرنسية ومنشآت كويتية والتي أسفرت عن مقتل وجرح العشرات وكذلك في مايو "أيار" 1985 عندما استهدف تفجير انتحاري موكب أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي نجا من محاولة اغتياله وأصيب بجروح طفيفة في حين قتل اثنان من حراسه، وكان من بين المتورطين فيها مصطفى بدر الدين "إلياس صعب" صهر عماد مغنية والذي نفذ عملية اختطاف طائرة كويتية "البابرية" في العام 1988 للمطالبة بإطلاق سراحه، حين كانت الطائرة متجهة من بانكوك إلى الكويت وعلى متنها 96 راكبا و15 من أفراد الطاقم عندما تعرضت للخطف وطالب الخاطفون حينها بأن تفرج الكويت عن إلياس صعب. الذي اعتقل في الكويت ضمن مجموعة من 17 شخصا بينهم 12 عراقيا ينتمون لحزب الدعوة الشيعي وخمسة لبنانيين لتورطهم في اعتداءات على أهداف كويتية وسفارات أجنبية في الكويت.(58/115)
وكان الخاطفون قد توجهوا بالطائرة إلى مطار مشهد الإيراني، حيث مكثت ثلاثة أيام ثم حاولوا الهبوط في مطار بيروت ولما منعوا من ذلك هبطوا في مطار لارتكا بقبرص، حيث مكثوا خمسة أيام قتلوا خلالها اثنين من الركاب هما عبد الله الخالدي وخالد إسماعيل ورموا بجثة أعدهما على مرأى من وسائل الإعلام على أرض المطار قبل أن تتوجه الطائرة إلى الجزائر. وانتهت الأزمة في الجزائر بعد 16 يوما على بدئها بإفراج الخاطفين عن الرهائن مقابل عدم تعرضهم للمحاكمة.
وتؤكد المعلومات ذاتها أن إيران تريد من وراء كل ذلك لحداث حالة البلبلة وعدم الاستقرار بدول الخليج العربية قد تؤجل أو تلغي أي عملية عسكرية أميركية على خلفية ملف إيران النووي.
حزب الله الكويتي وإيران
وعن حقيقة ارتباط حزب الله الكويتي بإيران يقول المنشق الإيراني الدكتور علي نوري زادة من مركز الدراسات الإيرانية العربية بلندن في تصريحات لـ "الوطن العربي" عبر البريد الإلكتروني: إن هناك جهات في إيران، وفي الحرس الثوري الاستخبارات خصوصاً، سبق وأن قامت بتجنيد بعض الفئات الشيعية في البحرين كمنظمة الثورة الإسلامية وكجبهة تحرير البحرين الإسلامية ومثل حزب الله في الكويت.
وأشار إلى أنه كان هناك تياران داخل حزب الله الكويتي في البداية أحدهما وطني والآخر مرتبط بإيران نفسياً وروحياً وجسدياً، وهو الذي انتصر مؤخراً وسيطر على الحزب ويضم رجال دين شيعة يتلقون تعليمات من طهران وقم.
ويؤكد زادة أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التقارب بين حزب الله الكويتي وإيران في ظل مخطط إيراني شامل لإحياء وتنشيط الأقليات الشيعية بالخليج ليكونوا رديفا وطابورا خامساً للنظام الإيراني، وذلك في ظل ضعف التيار الوطني داخل الشيعة العرب بسبب قلة الدعم المقدم لهم، مع قيام إيران بتوفير كل سبل الدعم للتيار التابع لها.(58/116)
وأعرب زادة عن خشيته إزاء وقوع اضطرابات داخل تلك الدول خلال الفترة المقبلة،خاصة ما يبدو أنه سيطرة للجناح المحافظ على الساحة السياسية بإيران بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وهو الأمر الذي يعطي إشارة للمتشددين بقيادة الحرس الثوري على المضي في مخططاتهم إزاء دول المنطقة،خاصة الكويت كحلقة ثانية بعد البحرين التي تأخذ الأولوية نظرا للكثافة الشيعية بها.
الخليج والفتنة مراجعات عند منتصف الطريق
مهنا الحبيل – موقع المصريون 17 / 3 / 2008
كنت قد تعرَّضت في مقال سابق بعنوان (حرب الخليج الباردة من يدفع الثمن؟) إلى إرهاصات هذه المرحلة التي تشهد صراعاً وتوتراً بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وتوافقاً سريَّاً يخضع لمعايير المصالح المرحلية لكل من الطرفين غير أن ذلك وبطبيعة الحال ينعكس على الميدان الأول لهذه الحرب الباردة وهو الخليج خاصة وأن الجمهورية الإيرانية تعتقد بأنها لا تزال قادرة على ملأ الفراغ في التوازن الاستراتيجي الذي برز بعد تراجع الولايات المتحدة على إثر اضطراب مشروعها في العراق وفي أفغانستان وهي كذلك في حالة صراع محتدم مع الإيرانيين على الساحة اللبنانية والتي أضاف اغتيال عماد مغنية فيها بعداً آخر لحرب التصفيات بين الجانبين.…
الخليج المتوسط بين اللبنبنة والعرقنة
ذكر بعض الباحثين والمحللين السياسيين بأن اندلاع الأحداث في لبنان والمواجهات العسكرية المتوقعة بين فرقاء الساحة اللبنانية المذهبية قد تقود الخليج إلى ما اصطلح عليه باللبننة والحقيقة أن وضع الخليج بحسب ما أعتقد مختلف في بعض التوازنات والسمات العامة للحياة الاجتماعية والفكرية والنظم السياسية القائمة وإن كان متفقاً على أن فصائل الثقافة الإيرانية من التنظيمات الشيعية الحركية ترجع إلى مركزية واحدة محسومة بيد طهران في العلاقة الأيدلوجية والولاء المختلط دينياً وسياسياً.(58/117)
غير أن هذا الخليج الملاصق للعراق تؤثر عليه بصورة حادة اضطرابات العراق الطائفية وتداخل الحالة السياسية في علاقتها مع طرفي النفوذ في واشنطن وطهران وما ينسحب على هذه العلاقات والجسور بين المجموعات الطائفية التي اندمجت و اتحدت مع الولايات المتحدة الأمريكية في غزو العراق وإقامة العراق البديل له صور مشابهة وإن كانت بالطبع ليست متطابقة كالمشهد العراقي وذلك من خلال علاقة الولايات المتحدة الأمريكية ودوائرها الأمنية والسياسية والإعلامية بهذه المجموعات الطائفية التي بنيت أصلاً من خلال مفاهيم وثقافة الثورة الإيرانية وهو ما يُعقد حالة الخليج ويزيد تجاذباته توتراً واحتقاناً.
شواهد خليجية من احتقانات المرحلة
ومع اضطرابات الساحة العراقية وخاصة في جنوبه والتي تشهد حالة احتقان طائفي داخلية لدى أبناء الطائفة الشيعية وصراع سياسي بدا فيه بأن إيران تسعى إلى إعادة توظيف تلك المليشيات والجماعات السياسية الطائفية في سياق هذه الحرب الباردة غير أن صعوبة الوضع العراقي برغم كل
النفوذ الإيراني شكل عائقاً أمام الإيرانيين في إعادة تنظيم هذه المجموعات لتكون بطاقات مؤهلة للصراع مع الولايات المتحدة..
ولذا فليس من المستغرب أن يُحرك الإيرانيون مجموعات خليجية سواءً بصورة مباشرة أو إيحاء ضمني لبعض التوجهات لديهم وبعض الأحداث التي تساهم في توتير المنطقة وخلط الأوراق ولعل ثلاثة مشاهد رئيسية أعطت إشارة ولو رمزية لمثل هذه التحركات وإن كان ذلك لا يعزلها كلياً عن الحالة الوطنية الداخلية لكن الإشكالية الكبرى هي تداخل الخطاب الطائفي السياسي بل و تجذره مع كل حراك يصدر في الخليج عن هذه المجموعات المحسوبة على البناء العقائدي الإيراني.
مشاهد الاحتقان من الساحة الخليجية(58/118)
وأول هذه المشاهد هي أعمال الشغب الدورية التي تغيب وتحضر في البحرين ولكنها تتطور بصورة تدريجية وقد يعتقد البعض بأن تعثر المسار الإصلاحي له علاقة بهذا الشغب غير أن الرصد والوقوف الحقيقي على خطاب الحركة الطائفية في البحرين والمنطقة تصل في سقفها الإصلاحي إلى التغيير التام وليس الإصلاح وهذا يعني أن منتهى الاستقرار لديها يتلخص في تطبيق الاستفتاء العام الذي دعت الحركة مجلس الأمن لتطبيقه للتصويت على هوية البحرين وتغييرها وهو ما أكده شريعة مداري مستشار السيد علي خامنئي مرارا .
والمشهد الثاني ما جرى ويجري في الكويت من تزايد الاحتقان ورفع خطاب الطائفية السياسية في بلد معروف على مستوى الخليج بأن حجم الديمقراطية التي عاشتها الكويت كانت ولا تزال تشمل جميع طوائفه وأعراقه بغض النظر عن ضيق هذا الهامش أو سعته أو انكسارات الحالة الديمقراطية في الكويت وما تداعيات تأبين عماد مغنية إلا عنواناً واضحاً لهذه القضية.
أما المشهد الثالث فهو احتكاك جرى في مدينة عنك الواقعة على الساحل الشرقي السعودي وهي حاضرة جبور بني خالد الذين يمثلون وأبناء عمومتهم من عقيل بني عامر اعرق القبائل على ساحل الخليج العربي هذا التعدي حصل من بضعة شباب ممن يُسيّرون موكب الأربعين الحسيني حين انتقلوا من أطراف حيهم لأول مرة بالموكب إلى المدينة السنية وهشموا سيارات وواجهات مباني أبناء عنك.
ولكن حجم الوعي العميق لدى زعماء بن خالد وإدراكهم الدقيق لخطورة تضخيم مثل هذه الجوانب أدَّى إلى احتواء هذه الحادثة بسرعة وفاعلية كبيرة حُلَّت من خلال نظام التعايش الاجتماعي الذي يتمسك به أبناء المنطقة وكان تصرف الدولة حكيماً في إحالة معالجة هذا التوتر إلى القيادات الاجتماعية وحصرها في الإطار المحدود فليس من الصالح أن تثور هذه القضايا وتتفاعل في أي موقف إضافي في الخليج.
كيف تتم المعالجة..؟(58/119)
كما أنَّ التضخيم له دلالات وآثار سلبية على علاقات التعايش بين أبناء المجتمع الخليجي بين الطائفتين وبالتالي وقوع هذه القضية تحت مدارات التأثيرات الدولية والإقليمية..
وهو ما ذكره رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم في محاضرته الأخيرة عن ضرورة عدم الزج بالخليج في الصراع الدولي الإقليمي، فهو كذلك يستوجب الحذر من الجانب الآخر وهو عدم إعطاء الفرصة للمحور الإقليمي من تطوير هذه الحالة إلى مشروع سياسي تنفيذي ذو خطاب طائفي حاد سيؤدي بكل تأكيد حين تُهمل المعالجات الأولية إلى فتنة عمياء واستفزاز جماعات أخرى وكارثة تحل بأهل الخليج.
البرنامج العملي
وبعد استيعاب هذه المقدمة في المعالجة فإن الأدوات المطلوب تفعيلها تنطلق من هذا السياق لتحقيق التوازن والحفاظ على التعايش والدفع الإصلاحي معاً ومن ذلك:
أولاً: إعادة بعث الرموز الاجتماعية الوطنية القديمة التي سعى الإيرانيون إلى طمسها وشل قدرتها وخُنقت في الخطاب الطائفي في تواز وحراك مع الرموز الاجتماعية السنية للتواصل بين أبناء الطائفتين..…
ثانياً: التأكيد على أهمية ممارسة ولو حد أدنى من الاستقلال الوطني في الخليج عن الإرادة الأمريكية خاصة في هذه المسارات الحساسة..
ثالثاً: من الخطورة بمكان أن نسمع تسويقاً لحل البرلمانات المنتخبة على ما فيها من قصور أو التراجع عن الحريات الحقوقية التي كفلها الإصلاح النسبي في بعض الدول الخليجية بل على العكس من ذلك المطلوب أن تدفع قضايا الإصلاح الوطني ومعالجة الحالة الاقتصادية التنموية والحقوق الفردية في الإطار الوطني المستقل والتقدم بها لتكون مدارات من الأمل التي تجمع أبناء الشعب بكل طوائفه واتجاهاته نحو هذا الحراك الوطني.(58/120)
وأخيراً لا بد لدول المجلس أن تعي من أن الحفاظ على التوازن الوطني الاجتماعي وترسيخ الهوية بالعمق العربي ضرورة لا مناص لنجاة الخليج دونها وهذا يترتب عليه تفعيل المشاريع والرؤى المشتركة بين دول مجلس التعاون وتقاسم المسؤولية مع هذه الدولة وتلك لتشكل وحدة تكاملية في برنامجها الاستراتيجي حتى ولو لم تتحقق الوحدة الخليجية الكبرى التي لو كانت حاضرة في مثل هذا المشهد في صورة اتحاد كونفدرالي لكان الخليج في مأمن حقيقي عن هذه الفتن القائمة وما وراء الأكمة أشد وأكبر فمتى يعي أهل القرار خطورة الموقف.
"الكفار المسلمون" يعقدوا مؤتمرهم الأول بأمريكا "لإصلاح الإسلام"
ترجمة عن موقع المؤتمر
http://www.hereticmuslims.com
تعتزم مجموعة من الناشطين المسلمين ومعتنقي مذهب القرآنيين والمناهضين للإسلام تنظيم مؤتمر غير مسبوق هو الأول في أمريكا "للكفار المسلمين" بهدف إصلاح الإسلام وتقديم وجهات نظر بديلة للمفاهيم السائدة في العالم الإسلامي.
حيث أن كثير من الفلاسفة والزعماء الدينيين ، مثل ابن سينا ومارتن لوثر، وجهت إليهم تهمة الهرطقة وغيرها، تخلوا عن حياتهم من اجل قضيتهم والمعتقدات. يؤمنون بأن هرطقة الأفكار اختبار للمجتمع, والتسامح في كثير من الحالات يخلق الوقود للتقدم لا سيما في مجال الدين.
يعقد المؤتمر من 28 إلى 30 مارس 2008 ، في ولاية أطلنطا جورجيا بفندق هوليدي.
سيكون موضوع المؤتمر : مناقشة وتبادل الأفكار حول القضايا التي تواجه المسلمين.
ما الذي نريد إنجازه في المؤتمر:
-…التعرف على بعضنا البعض.
-…عروض مفصلة عن الجماعة.
-…عرض لفيلم "سلطة بلدي" الحائز على جائزة القوقعة الذهبية، لأفضل وثائقي طويل في المنافسة الدولية لجنة التحكيم الدولية للنقاد حيث ستنضم إلينا في اليوم التالي في المؤتمر المخرجة نادية مصطفى كامل.
-…مستقبل الشريعة.
-…ما هي طبيعة الشريعة.
-…وكيف أنها لم تتطور في سياقها التاريخي.(58/121)
-…هل يمكن أن تطبق الشريعة ما يطبقه القانون.
-…نظرة عامة للسياق التاريخي البناء وإعادة بناء الشريعة، وجوانب من إشكالية الصيغ التقليدية وإمكانيات التحول ، واستحالة إقامة دولة إسلامية وحتمية علمانية الدولة من اجل مستقبل الشريعة.
-…التفكير النقدي في الإسلام : يقظة التفكير النقدي أمر ضروري إذا أردنا أن نصل إلى جذور مشاكلنا ووضع حلول معقولة لإصلاح النظام الفاسد حالتنا الراهنة. الفريق سيشارك الجمهور في تفاعله في ممارسة التفكير النقدي لاستكشاف أفضل طريقة للوصول للإصلاح الإسلامي.
-…السنة النبوية وإجراء تقييم نقدي : ما هي الأحاديث والسنة ، ما قد قاموا به في تعريف وفهم ما هو الإسلام.
-…الديمقراطية والقمع في البلدان الإسلامية.
-…قضايا المرأة.
-…محادثة ونقاش على ماذا يمكن أن نفعل في المؤتمر القادم.
-…إعادة قراءة النص المقدس من منظور نسائي، داخل الجنس والجهاد : إصلاح المرأة في الإسلام
-…كيف نتعامل مع المسيحيين.
-…الحلم في أن تصبح كوسوفو دولة أوروبية مسلمة وعزلها عن الماضي الديني.
-…حكايات الحب في الإسلام والزواج المثالي والحب العميق بين محمد عليه السلام وخديجة.
-…القدرات العقلية لمليار مسلم.
-…المسلمين في أمريكيا.
-…حان الوقت لإعلان أن الإسلام ليس دين للعرب فقط الذين يؤمنون بالعنصرية في الثقافات.
قائمة بأسماء نشطاء الحركة:
الاسم بالإنجليزية…الاسم بالعربية
Thomas Haidon
توماس حيدون
Tarek Heggy
طارق حجي
Soheib Bencheikh
صهيب بن شيخ
Saleemah Abdul-Ghafur
سليمة عبد الغفار
Reza Aslan
رضا أصلان
Mohamed Sifaoui
محمد صفوي
Laleh Bakhtiar
ليلى بختيار
Irshad Manji
إرشاد مانجي
Hesham Hassaballa
هشام حسب الله
Fethullah Gülen
فتح الله غولين
Edip Yuksel
إديب يوكسل
Bassam Tibi
بسام طيبي
الاسم بالإنجليزية…الاسم بالعربية
Asra Nomani
أسراء نعماني
Asma Hasan
أسماء حسن
Arnold Yasin Mol
آرنولد ياسين مول(58/122)
Ali Eteraz
علي إتراز
Alan Godlas
آلان جادلاس
Abdolkarim Soroush
عبد الكريم سروش
ABDULLAHI AN-NA’IM
عبد الله النعيم
Afshin Ellian
أفشين إليان
Ahmad Kassim
أحمد قاسم
Ahmed Mansour
أحمد صبحى منصور
Aidid safar
عيديد صفر
اليسار الإسلامي... و"الثلج المقلي"!
د.حسن حنفي
صحيفة "الاتحاد" الإماراتية 15 /3/2008م
(هذا المقال نموذج لمحاولات الشيوعية واليسار إيجاد إسلام يساري على غرار الإسلام الأمريكاني!! الراصد).
على رغم المداخل الواضحة لليسار الإسلامي وعرض أوجهه المختلفة إلا أن تجربة ربع قرن من محاولات تأسيسه لم تمنع من توجيه بعض الاعتراضات الرئيسية عليه. وهي شبهات تثار من الأحزاب السياسية الدينية والعلمانية، المحافظة والتقدمية، ومن الدولة ومؤسساتها الدينية، ومن الأفكار الشائعة نتيجة للإعلام المزيف، وما تعود عليه الناس من تقليد لما هو سائد دون التفكير الأصيل. إذ يقال عن اليسار الإسلامي:
أولاً: ليس في الإسلام يسار ويمين، الإسلام دين واحد، جوهره واحد، وعقائده ثابتة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، خيره وشره. كبائره معروفة وصغائره محصاة.
لا تختلف العبادات من قُطر إلى قُطر، ولا من قارة إلى قارة، ولا من شعب إلى شعب، ولا من ثقافة إلى ثقافة.
شهادة أن لا إله إلا الله على كل لسان. ينطقها المسلم ليعلن انتماءه وانتسابه إلى الأمة. وهذا صحيح نظراً، ولكن عملاً تتعدد القراءات والممارسات الإسلامية خاصة في المعاملات والعادات. يشير اليسار الإسلامي إلى إحدى القوى الاجتماعية الموجودة في المجتمع، الفقراء والمحرومين والمساكين والطبقات الدنيا في مقابل إسلام الأغنياء وشركات توظيف الأموال ورجال الأعمال وموائد الرحمن وبيوت الزي الإسلامي. ففي كل مجتمع هناك يسار ويمين، فقراء وأغنياء، طبقة دنيا وطبقة عليا.(58/123)
اليسار الإسلامي سياق اجتماعي سياسي تاريخي للإسلام في مرحلة تاريخية معينة وفي عصر معين ولدى شعب معين، في مرحلة تفاوت الدخول. وكما أن هناك تمايزاً بين المذاهب الفقهية الأربعة والاتجاهات الفلسفية والفرق الكلامية والطرق الصوفية هناك تمايز أيضاً في تفسير الإسلام طبقاً لحاجات الناس وطبقاتهم الاجتماعية التي تتغير بتغير الزمان والمكان، وكما فعل الشافعي بين العراق ومصر.
ثانياً: اليسار الإسلامي نزعة توفيقية وأحياناً تلفيقية بين نزعات عدة تجمع بين عدة متناقضات. هو مشروع مستحيل مثل "الثلج المقلي"، يرفضه اليسار واليمين، فاليسار، علماني لا ديني، واليمين ديني لا علماني. والحقيقة أن هذه الشبهة إنما تنتج من عقلية الاستقطاب بين مطلبين كلاهما صحيح، القديم والجديد، الماضي والحاضر، التراث والمعاصرة، الأصل والفرع، الآخرة والدنيا. وكل سمات اليسار الإسلامي مطالب فعلية للعصر.
فهو إسلام مستنير لحاجة العصر إلى العقلانية والاستنارة كما عبر عن ذلك بعض المفكرين العرب المعاصرين مثل محمد عبده ومصطفى عبدالرازق وطه حسين. وهو إسلام ليبرالي لحاجة العصر إلى الحرية كما عبر عن ذلك الطهطاوي والعقاد والشرقاوي، وهو إسلام اشتراكي جماعي لحاجة العصر للعدالة الاجتماعية والمساواة كما عبر عن ذلك مصطفى السباعي في سوريا، وهو إسلامي قومي كما هو الحال عند منير شفيق وخلف الله ومحمد عمارة نظراً لمخاطر التجزئة والتفتيت للأقطار بعد أن قضى على الخلافة لصالح القومية في 1923 ثم قضى على القومية لصالح القطرية، ثم قضى على القطرية لصالح الطائفية والمذهبية والعرقية والعشائرية والقبلية.
وهو إسلام إنساني كما عبر عن ذلك العقاد وغيره نظراً لخرق حقوق الإنسان في عصرنا وتعذيب المعتقلين السياسيين بالآلاف.
وهو إسلام تقدمي كما هو الحال في تونس نظراً لتصنيف الشعوب العربية والإسلامية ضمن الدول المتخلفة أو النامية.(58/124)
وهو إسلام طبيعي يبدأ من العالم والناس نظراً لغلبة العقائدية القطعية والنصية الحرفية مثل أحمد كمال أبو المجد وسليم العوا.
وهو إسلام وطني مثل طارق البشري نظراً للهويات الطائفية السائدة الآن وتواري الأوطان.
وهو إسلام أممي مثل عادل حسين نظراً لما فعلته الحدود الوطنية من تجزئة وتقسيم ومعارك حدودية ونزاعات بين القبائل على طرفي الحدود على الثروات الطبيعية>
وهو إسلام علماني مثل أحزاب الوسط نظراً لسيادة النزعات الدينية المعادية لقيم العقل والحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وهي قيم إسلامية أصيلة تجلت في التراث الإسلامي.
وهو إسلام عملي حركي مثل بعض الأجنحة المستنيرة في الحركة الإسلامية نظراً لسيادة الخطاب الديني النظري الوعظي الذي يدخل في أذن ويخرج من الأذن الأخرى.
ثالثاً: اليسار الإسلامي نزعة مادية وتيار ماركسي شيوعي إلحادي. لا يهتم بالغيب ولا بالحياة بعد الموت إلى آخر ما هو معروف من أمور المعاد. والحقيقة أن هذه صورة نمطية للإسلام منذ العصر العثماني، تغليب الآخرة على الدنيا، والنفس على البدن.
وهو ما قاومته حركات الإصلاح الديني الحديثة. فالتراث الإسلامي قام على أساس الاهتمام بالعالم. يبدأ علم الكلام.
وهو علم العقائد بالعالم أولاً للاستدلال به على وجود الله. ويتحدث الفلاسفة عن الطبيعيات كمقدمة للإلهيات. ويدافع بعض الصوفية عن وحدة الوجود، الجمع بين الحق والخلق. ويقوم علم أصول الفقه على تعليل الأحكام بالعلل المادية ليقيس عليها أحكام الوقائع الجديدة.
رابعاً: اليسار الإسلامي تيار غربي يقلد "لاهوت التحرير" في المسيحية خاصة. والحقيقة أن اليسار الإسلامي استئناف لحركات الإصلاح التي أسسها الأفغاني وإقبال، وتطويرها كي تصبح أكثر جذرية وقدرة على التأثير في العالم وإصلاح المجتمعات وتأسيس نهضة الشعوب.(58/125)
وقد سبقت الديانات الأخرى مثل المسيحية والبوذية الإسلام في وضع أسس "لاهوت التحرير" المعاصر في تحقيق المشاريع القومية في الحرية والعدالة، والاستقلال والتنمية ابتداءً من تراثها.
كان القدماء منتصرين على الأرض فصاغوا العقائد النظرية. ونحن منكسرون على الأرض في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير، وكلها تحت الاحتلال المباشر، ومازلنا نتحدث عن إرضاع الكبير. كما أن هذه الشبهة تعطي النفس أقل مما تستحق، وتعطي الغرب أكثر مما يستحق. وترجع كل تقدم وإبداع عند الأنا إلى منابعه ومصادره عند الآخر، وكأن الأنا أصبح عقيماً رضي بأن يكون تلميذاً إلى الأبد، والآخر هو المبدع والمعلم. ولقد استطاع الإسلام في الماضي القيام بنهضة من الداخل وتأصيله في إبراهيم ولم يرَ غضاضة في التعامل مع الحضارات المجاورة، يونانية ورومانية غرباً، وفارسية وهندية شرقاً، والآن أوروبية شمالاً، وأفريقية جنوباً.
خامساً: اليسار الإسلامي خلط بين الدين والسياسة، يرغب في الوصول إلى الحكم. هو مجرد توزيع أدوار داخل الحركة الإسلامية التي مازالت تسعى للوصول إلى السلطة. اليسار الإسلامي مجرد واجهة إعلامية مستنيرة تقوم بدور الغطاء النظري للحركات الإسلامية المحافظة.
والحقيقة أن الإسلام -من وجهة نظري- لا يفرق بين الدين والسياسة كما يفعل الغرب نظراً لظروف الكنيسة في صراعها مع الدولة. الإسلام يطبق المثال في الواقع، يحول النظر إلى عمل، والفكر إلى ممارسة. هدفه تحقيق التقدم والتغير الاجتماعي من خلال التواصل وليس من خلال الانقطاع حتى لا يحدث رد فعل إلى القديم من جديد كما حدث في الغرب. الإسلام هو اللحظة الثالثة في تطور العلاقة بين الدين والسياسة بعد اللحظة الأولى تغليب السياسة على الدين في اليهودية، واللحظة الثانية، الفصل بين الدين والسياسة في المسيحية.(58/126)
اليسار الإسلامي تيار معارض. ينقد بعض النظم السياسية القائمة على التبعية للخارج، والقهر والفساد في الداخل. وينقد المؤسسة الدينية التابعة للدولة والمبررة لقراراتها في الحرب والسلم، في الاشتراكية والرأسمالية بنفس الرجال ونفس الفتاوى. الإسلام دين ليس به رجال دين أو كنيسة أو سلطة دينية إلا سلطة العلم. يفك الحصار عن المعارضة العلمانية بأنها ضد الدين. ويخفف من عداء الحركات المحافظة للأيديولوجيات العلمانية، ليبرالية وقومية واشتراكية وماركسية وإسلامية مستنيرة، كما هو الحال في تركيا وماليزيا. وينقد نفاق بعض الإعلام الرسمي واستخدام الدين لصالح الحزب الحاكم.
سادساً: اليسار الإسلامي قد يرفضه الناس لأنه يمس عقائدهم الشعبية. هو تيار نخبوي يسهل حصاره من اليمين واليسار والدولة. هو عند اليمين الديني شيوعية وإلحاد مقنعان. وعند التيار العلماني إسلامي مقنع، وفي أجهزة الدولة الأمنية اليساريون الإسلاميون "إخوان شيوعيون" كما اتهم الشاه من قبل فصائل الثورة الإسلامية مثل "مجاهدي خلق".
هو غير مؤثر، أقلية معزولة أمام الأغلبية الطاغية للحزب الحاكم. والحقيقة أن الاتصال المباشر بين اليسار الإسلامي والجماهير يدل على قدرته على التعبير عن الأغلبية الصامتة، عن الوسط بين الجناحين السلفي والعلماني. يريد المحافظة على الشرعيتين في نفس الوقت، الإسلام والعالم، الدين والثورة. ليس حريصاً على السلطة والحكم بل هو للحفاظ على وحدة الأمة في مسارها التاريخي، إن الله يبعث للأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها.
علويو تركيا
محمود صادق - الوطن العربي 2/4/2008(58/127)
احتاج الأمر نحو العامين حتى تستجيب الحكومة التركية لضغوط الاتحاد الأوروبي ومطالب المحكمة الأوروبية وتحقق للطائفة العلوية في تركيا حلمها بعدم تدريس الدين الإسلامي على المذهب الحنفي لأطفالها في المدارس، ورغم أنها ذات الحكومة التي رفضت قرار المحكمة الأوروبية حين صدر في العام 2006، إلا أنها عادت ووضعت واستجابت متنازلة بذلك عن قاعدة سياسية ثابتة تعاملت بها الحكومات المتعاقبة مع العلويين ومطالبهم مثلما تعاملت مع مطالب باقي الإثنيات العرقية التي تتألف منها الدولة التركية.
وقد تمكن أهالي الطلبة من الطائفة العلوية في تركيا من الحصول على حكم قضائي باستثناء أبنائهم من حضور دروس الدين الإلزامية في المدارس، وذلك بعد أن حكمت محكمة التمييز لمصلحة أبوين علويين تقدما بدعوى لاستثناء أبنائهما من تلك الدروس واستندت محكمة التمييز في حكمها إلى مواد الدستور التي تؤكد علمانية التعليم في تركيا، وبذلك يكون العلويون قد خطوا خطوة كبيرة نحو الحصول على جزء من مطالبهم في الخصوصية في العبادة والتعليم، علماً بأن إقرار المحكمة بحق الطالب العلوي في عدم حضور دروس الدين وعدم احتساب درجاتها في سجله، يعفيه من هذه المادة ككل باعتبار أن تعليم المذهب العلوي يتطلب تعديلا كبيراً في قانون التعليم التركي، وهو أمر ليس على أجندة الحكومة التركية في الوقت الحالي.(58/128)
وكان العلويون قد طرقوا باب الاتحاد الأوروبي شاكين بعد أو أوصدت أبواب الحوار مع الحكومات التركية في وجوههم وقد أصدرت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية قبل عامين حكماً مماثلاً طالبت فيه تركيا بتوفير تعليم ديني خاص للعلويين والأقليات الدينية والمذهبية الأخرى، ووجدت الحكومة التركية نفسها أمام خيارين، إما إلغاء درس الدين بالكامل وتحويله درساً اختياريا، أو توفير دروس ومناهج للعلويين بدل دروس الدين الحالية وفضّل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الحل الأول بجعل دروس الدين اختيارية، لكنه تراجع بضغط من قاعدته الشعبية الإسلامية التي رأت في هذه الخطوة تراجعاً كبيراً عن الصفة المحافظة لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
عصيان وثورة
ورغم أن عددا من المراقبين السياسيين اعتبر هذا القرار انتصارا للعلويين وخطوة نحو تحقيق مطالبهم، إلا أن آخرين تشككوا في أن يساهم القرار بتحقيق مزيد من الاستقرار بديلا للتنازع العرقي
والإثني في البلاد والذي سينتهي إلى تنفيذ مخطط التفتيت والتجزئة الذي تسعى الإدارة الأمريكية من خلاله لإعادة رسم خريطة المنطقة.
وأكد هؤلاء المراقبون أن صفة الاتحاد الأوروبي التي تطالب بإعطاء العلويين وضع الأقلية لم تأت على هوى العلويين الذين يرون أن ذلك من شأنه أن يزيد من عزلتهم ونفور المجتمع التركي منهم خصوصا مع اختلاف علويي الأناضول في ثقاتهم ومعتقدهم مما خلق جدارا بينهم وبين بقية المجتمع التركي.
ويرفض البروفسور عز الدين دوغان، زعيم جمعية جم، أكبر المجموعات العلوية في تركيا، وصف التقرير الأوروبي للعلويين بالأقلية مؤكداً أنهم عنصر أصلي، وقد جاء مصطفى كمال لدى تأسيس الجمهورية إلى مدين كيرشهر للحصول على دعم شيخ علوي وعند التصديق على قوانين الثورة في البرلمان كان شيخ مولوي يجلس إلى يمين أتاتورك وشيخ علوي هو شلبي أفندي، يجلس إلى يساره والدعم الأكبر في معركة الاستقلال كان من النواب العلويين.(58/129)
وقال دوغان في تصريحات صحفيه إن العلويين أسسوا مع أتاتورك الجمهورية التركية الجديدة، وأن نموذج الدولة الذي أسس الجمهورية واستمراريتها هو نتاج العلويين أيضاً، وحذر من أن النموذج البديل لهذه الدولة. في الجغرافيا نفسها، هو الجمهورية الإسلامية على الطريقة الإيرانية، مشيراً إلى أن الدولة الحالية "ليست دولتنا"، ووصف ما يحدث من قبل العلويين بأنه ليس ثورة بل عصيان فنحن فقط ندافع عن هذه الدولة كموطنين لجمهورية علمانية، لكن إذا ظهرت مقومات أي دولة إسلامية فإن ذلك سيقودنا إلى الثورة، وهذا يعني ـ وفقا للمراقبين السياسيين ـ حربا أهلية بين طوائف وأعراق الشعب التركي.
وزعم زعيم جمعية جم العلوية أن قادة حزب العدالة والتنمية الذين يحكمون تركيا حاليا ليسوا صادقين في الاستجابة لمطالب الاتحاد الأوروبي بل إنهم يريدون التوجه إلى أوروبا فقط لإلغاء تأثير الجيش، وكما يستغلون الديمقراطية يستغلون الاتحاد الأوروبي، وهدفهم النهائي أن يؤسسوا عبر الانتخابات، ديمقراطية إسلامية على النمط الإيراني، وقال إن العلويين في تركيا يتحضرون، مدعومين من الاتحاد الأوروبي، لخوض أهم معاركهم الاستقلالية منذ أباده السلطان سليم وخلفاؤه في القرن السادس عشر.
وكانت حكومة أردوعان قد وضعت حقوق الأقلية خلال السنوات الخمس الماضية، في إطار مسعى تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وفي تطور لافت قامت تركيا العلمانية التي يحكمها حزب إسلامي سني ينتمي إلى الإخوان المسلمين. قامت رسميا وللمرة الأولى، بإحياء مراسيم عاشوراء التي ظلت ممنوعة على امتداد عقود، وبقيت شأنا خاصاً بالطائفة العلوية وحضر رئيس الحكومة رجب طيب أردوعان يرافقه سياسيون ووزراء ونواب بينهم رئيس الشؤون الدينية على برداق أوغلو، حفل إفطار في أنقرة رفعت خلاله صوراً إسلامية جنبا إلى جنب صور أتاتورك والعلم التركي.
مشكلة مفتوحة(58/130)
وقد اتخذت المسألة العلوية في تركيا خلال الفترة الأخيرة منحى جديداً بعدما أعلنت الحكومة التركية أنها تسعى لتحسين أوضاع العلويين في البلاد فيما تصاعد خطاب الأقلية العلوية بحدة معلناً أنه حان الوقت لوضع نهاية لهذه المشكلة، وتعتبر المسالة جديدة تضاف على مشكلات كثيرة تقع في صلب هوية تركيا. وإذا كان النظام العلماني قد فشل في إرساء علمانية حقيقية فإن حزب العدالة والتنمية الذي يحاول تقديم نموذج على أن التجربة التركية في ظل الإسلاميين حقيقية وليست لفظية في الاعتراف بالآخر ولذلك فهو يريد إيجاد حل لهذه المشكلة.
ويسعى العلويون لتجاوز المطالب الشكلية السابقة التي كانت تختصر في الاعتراف بهم كأقلية مسلمة والاعتراف بحقهم في أن يتمثلوا في رئاسة الشئون الدينية أسوة بالسنة أو السماح لهم. بإنشاء مجلس ديني خاص بهم، حيث هناك توجه جامع وكاسح في أوساط العلويين، وتشير مصادر علوية إلى أنه إن لم يُعترف بهم كأكبر الأقليات المسلمة بعد السُنة في تركيا وإشراكهم في صناعة القرار فإنهم سوف يتوجهون لرفع رسالة إلى المفوضية الأوروبية لتشكيل كيان خاص بهم أو العمل بسياسة المحاصصة على غرار ما يجري في العراق وأن يكون لهم مناصب وزارية عليا وسيادية ووزراء ونواب في البرلمان كانت في السابق تحتكرها الأحزاب اليسارية ووفقا لحجمهم السكاني.
ويعترف العلويون بأن هناك بعض التحسن في ممارسة الطقوس الدينية والأداء المذهبي إلا أن ذلك لم يكن بالشكل الذي يضمن لهم حقوقهم بالتساوي مع بقية المذاهب وخاصة السنة ولذلك فإنهم سوف يبدأون في تحضير تقرير يتضمن اقتراحات عملية للبدء بمشروع الانفتاح العلوي في تركيا أملا بحل كل المشاكل العلوية خلال عامين.(58/131)
وستتم دعوة كل الجمعيات والأوقاف العلوية في تركيا إلى اجتماع لاستشارتها ولاستماع إلى آرائها حول التقرير قبل إعطائه الشكل النهائي، وتشير المعالم الأولية للتقرير إلى أنه سيتم تشكيل مؤسسة لتمثيل العلويين تحت اسم "المديرية العامة لشؤون العلويين" على أن تكون تابعة إما لرئاسة الوزراء أو لرئاسة الجمهورية.
ووفقا لمصادر صحفية فإن ثلاثة آلاف موظف سوف يعملون في هذه المديرية، وربما يزيد على ذلك بينما ستخصص الدولة ميزانية ما بين 3.2 ملايين ليرة تركية (أي حوالي المليوني دولار) لدعم هذه المؤسسة، كما يقترح التقرير إقامة معاهد خاص للمحافظين العلويين يتم فيها تدريس "علم الاجتماع في الدين العلوي" و "تاريخ الدين العلوي" و "الخبراء العلويين" وتدرس في بنيته أيضاً العلوم الأكاديمية والبحث في الدين العلوي.
لكن أهم خطوة في هذا المشروع الانفتاحي هو السماح بتأسيس "ديار علوية" ضخمة في كبرى المدن التركية، مثل إسطنبول وأنقرة وازمير. بينما تتكفل المديرية العلوية في الدولة بمصاريف إنشاء هذا الديار، وفي المقابل سوف يطلب من البلديات تسهيل مسألة شراء الأراضي على العلويين.
رقم صعب
والعلويون في تركيا لهم خصوصياتهم ويشكلون رقما صعبا في التركيبة الاجتماعية والثقافية، حيث يتجاوز عددهم العشرة ملايين نسمة، ولكنهم لا يشعرون بالانسجام أو الألفة داخل المجتمع التركي كما يقال بسبب عاداتهم وطقوسهم ومعتقداتهم، ويقول علويون أتراك إنهم يعانون من التمييز رسميا وشعبياً، وإنهم طلبوا تدخل الاتحاد الأوروبي للضغط على تركيا لإنصافهم، ولكنهم عادوا ووقفوا إلى جانب الدولة في رفض اعتبارهم أقلية في البلاد ويصرون على تحقيق مساواة كاملة باعتبارهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.(58/132)
والعلويون في تركيا طوائف مختلفة في طقوسها واعتقاداتها. يقترب بعضها من شيعة إيران في شرق تركيا ويمتد بعض الآخر ليتحد مع العلويين في سورية، أما الأغلبية الباقية فهي التي يطلق عليها علوية الأناضول، ولها من الطقوس والمعتقدات ما يميزها عن غيرها، وتقام هذه الطقوس في بيت الجبة ويتخللها العديد من الحركات الأدائية التي قد تبدو غريبة جداً لغير العلوي، هذه الطقوس تعتبرها الأغلبية المسلمة السُنية في تركيا بدعا وإنكار عليويي الأناضول لعدد من أركان الإسلام مثل الصلاة والصيام والحج جعل قسما من أهل السُنة في تركيا يرون في العلوية خروجا عن الإسلام، وإذا ما أضفنا تقدم العلويين اليساري إلى صفاتهم فإننا ندرك سر عداء القوميين لهم الموروث عن الخلاف القديم بين القوميين والشيوعيين.
والعلوية، هي عطاء لعدد كبير من الجماعات الدينية الشيعية، ومعظم العلويين هم إثنياً ولغوياً أتراك انحدروا من وسط وشرق الأناضول، وأطلقت عليهم عدة تسميات من قبيل القزلباش، (kizilbach) والبكتاشية (Bcktashi) والتهتاجية (Tahtaci)، فضلاً عن تسميات أخرى لها طابع إثني، مثل الزاز (Zaza) إلخ، ويشمل مسمي العلوية جماعات عدة متباينة، مثل، الأتراك والعرب والأكراد والتركمان (Turkomans) واليورك (Yoruk) والتهتاجي (Tahtaci) وتختلف نسب توزعهم الإحصائي بين الانتساءات المذكورة، غير أن المتفق عليه أن أكثرهم من الأتراك ويليهم الأكراد، ويواجه العلويون مشكلات عديدة، ذلك أن مفهوم الهوية لديهم غير محدد أو متفق عليه بينهم، كما أن التوزع أو التنوع الإثني العرقي واللغوي يوسع دائرة الجدال الداخلي بينهم حول أولوية الانتماء.. هل هي للأساس الديني أم للأساس الإثني؟(58/133)
وقد واجه العلويون إقصاء جغرافيا وسياسياً وبيولوجياً في فترة الدولة العثمانية التي لم تعترف بهم، بل قامت بحملات منظمة ضدهم خلال عدة قرون، وقد دفعهم ذلك إلى تبني وتطوير نظام عقيدي وسلوكي بهدف الحفاظ على وجودهم الأمر الذي وصل بهم تاريخياً إلى طقوس دينية وتجليات ثقافية تختلف عن الطقوس الدينية والثقافية المعروفة في المجال الإسلامي.
المصالح الاستراتيجية الإيرانية في دعم القضية الفلسطينية
محاولة للفهم!
خباب بن مروان الحمد
Khabab1403@hotmail.com
أسجِّل في بداية المقال أنَّ دولة كبيرة كـ(إيران) تستحق مراكز دراسات إسلامية متعددة، و(خزانات تفكير) لدراسة سياساتها، والتشكيلة الداخليَّة فيها دولة ورئيساً وشعباً، وضرورة إدراك طريقة تعاملها مع العالم الخارجي وقضايا العالم الإسلامي أو دول المركز كما يعبِّر عن ذلك الاستراتيجيون، ومن الضروري دراسة مبدأ (تصدير الثورة) الذي يدين به الإيرانيون، وهو وإن لم ينجح بشكل ظاهر إلاَّ أنَّهم يحاولون مع الزمن والأيام أن يكون له مجال وانتشار أوسع، وخصوصاً مع ضعف الدول السنيَّة، وصعود الحالة الإيرانيَّة في العالم الإسلامي!!
في هذا المقال لست بصدد المقارنة بين أمريكا وإيران، أو بين إيران والأنظمة الحاكمة للدول العربية والإسلامية، بل مقصد الحديث عن الأبعاد والخلفيات الاستراتيجية ودراسة الأسباب التي تدعو إيران لدعم القضية الفلسطينية فهذا مقصود الحديث في هذه الورقة.
•…المصالح الإيرانية في فلسطين في ضوء الأوضاع الحالية:(58/134)
في هذا الوجود المخضوب بألاعيب السياسة، تبدو إيران حريصة على المصالح الفلسطينية والمقدسات الإسلاميَّة فيها، ولقد كان من بين الشعارات الأخاذة لنظام الثورة الإيرانيَّة بعد أن طوَّحت بنظام الشاه، وأخذت على عاتقها مبدأ تصدير الثورة، وتزامنوا مع مبدأهم ذاك برفع شعار "اليوم إيران وغداً فلسطين"، وهو الشعار الذي دغدغ مشاعر وعواطف المسلمين، يوم أن رأوا الأمَّة المسلمة قد هزمت في حروب سابقة، لكنَّ جمعاً من المراقبين كانوا يعلمون أنَّ إيران تسعى لكسب نفوذ لها في منطقة الشام وبالذات في فلسطين، باعتبارها منطقة ذات حق عادل، ومحتلة من قبل بني صهيون، ولهذا فإنَّهم يركزون في خطاباتهم وكثير من ندواتهم ومؤتمراتهم بضرورة استرداد القدس والأقصى وفلسطين، والدندنة على كراهية ما يسمَّى بـ (إسرائيل)!
وفي الحقيقة فإنَّ سعي أي دولة لدعم القضايا العادلة، أو الحقوق القانونيَّة الصحيحة، أمر لا غبار عليه ولا غضاضة فيه، فكيف الحال إذا كان الوضع متمثلاً بدولة ذات ثقل سياسي كإيران ولها عقيدتها التي تنطلق منها وأجندتها الخاصة بها، ثمَّ تقوم بنصرة قضية فلسطين ويدعو ساستها لكي تحرر من براثن اليهود، ولكي يكون هذا مدخلا لتسويق الأفكار والمبادئ الشيعية.
يمكننا لكي نحلل الحدث جيداً أن نقرأ بأعيننا كيف يقوم الإيرانيون ساستهم وملاليهم بإلقاء خطابات ذات مغزى ومضمون (استعماري استعلائي) لأهميَّة تقديم الدعم لفلسطين، وأنَّ الدعم لفلسطين ينبغي أن يؤتي أكله لنشر وتصدير(الثورة الإيرانية الشيعية)، وأنَّ قيامهم بدعم الفلسطينيين هو نصرة لمصلحتهم الخاصة، ولتحقيق مكاسب سياسيَّة يرون أنَّها ستخدمهم في المستقبل ، وأنَّ هذا الدعم ليس فقط لأجل خدمة إنسانية يقومون بها أو حنواً ورفقاً بالفلسطينين السنة المظلومين المقهورين، فإن كان هذا يظهره بعضهم فإنَّه لا يخفى على قسم كبير منهم أنَّ ذلك لأجل تصدير الثورة.(58/135)
ويشهد على ذلك ما صرَّح به "محمد باقر خرازي" أمين عام حزب الله الإيراني (الراعي الرئيس لباقي التنظيمات المماثلة في المنطقة ) لصحيفة " عصر إيران" وقد أعادت نشره وكالة أنباء " أخبار الشيعة " الإيرانية، حيث قال هذا القيادي الإيراني البارز متسائلا : "ما الفائدة التي جنيناها أو سوف نجنيها من دعم الحركات الفلسطينية . فإذا أردنا دعم الفلسطينيين يجب أن نكون متيقنين أن فلسطين ستكون سائرة على مذهب أهل البيت ( يعني شيعة ) وإذا لم تكن على مذهب أهل البيت إذن ما الفرق بين إسرائيل وفلسطين . وإلى متى تكون سفرة الشعب الإيراني ممدودةً للغرباء فيما الشعب الإيراني يتأوه جوعاً؟"
وكذلك نجد أنَّ الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" يحاول أن يبرهن على أنَّه لا يوجد أحد يهتم بالقضية الفلسطينية غير إيران كما يزعم بقوله: لا يوجد أحد غيرنا يدعم القضية الفلسطينية!!
ومنذ أن استولت الثورة الخمينية على نظام الشاه وأسقطته عام 1979م، دندنت إيران الخمينيَّة على ضرورة الاهتمام بالقضية الفلسطينيَّة، وصرَّح الخميني في بعض مجالسه لبعض الزائرين فقال:(كل سياستنا لا قيمة لها إذا لم يكن لنا يد في القضية الفلسطينيَّة)!!
•…مغزى الدعم الإيراني... أبعاد بلا حدود!(58/136)
هناك من يحمد إيران ليل نهار لأنَّها كانت وراء دعم الفلسطينين، للمقاومة(العادلة)، أو حكومة حماس الفلسطينية، ويظنَّ أنَّهم يدعمون القضية الفلسطينيَّة لأجل النصرة الإسلامية، بيد أنَّ المسألة لها أبعاد من الأهمية بمكان أن يدركها كل من تهمه القضية الفلسطينية، ومن المعلوم أنَّه ليس كل من دعمك بمال أو رأي، أنَّه يحبك أو يؤيدك، بل هناك من تكون لهم دوافع وخلفيات ومساحات واسعة يستطيعون من خلالها تحقيق مكاسب سياسية واجتماعيَّة، فهل تعد أمريكا – بمساعدتها في كسر شوكة الدب الأحمر الروسي - محبَّة للفصائل الأفغانية المقاومة للاحتلال السوفيتي، أم انَّها كانت تستخدم تلك النصرة لتحقيق مكاسبها الذاتية التي أدركها الجميع.
وكذلك الحال مع إيران الدولة العقائديَّة التي أخذت على عاتقها نصرة العقيدة الشيعية وتصدير الثورة الإيرانيَّة الخمينيَّة، وذلك لكي يقولوا للعالم الإسلامي: هل هناك دولة عربية تدعم فلسطين كما تدعمها إيران؟! كما صرَّح بذلك: أحمدي نجاد في حديث له في تلفزيون العراقية.
ومن خلال استعراض طريقة تعامل كثير من المسلمين مع الأحداث الجارية، أخذ كثير منهم تلك التحولات السياسية والاستراتيجية الإيرانية بمبدأ إحسان الظن، وطيبة القلب الزائدة، مع أنَّ الملاحظ والمتابع للمآرب الإيرانيَّة في دعم القضيَّة الفلسطينيَّة لن يجدها تخرج عن هذه الأسباب التالية:
سبب ديني: فهم يدعون اعتناق الإسلام الثوري الأصيل و اليهود كفرة محتلون لفلسطين، وأنَّ شعارهم الديني يحرجهم بالمطالبة بتحرير فلسطين من الاحتلال اليهودي، مع أنَّ خلف الكواليس تمازجات إيرانيَّة يهوديَّة تقوم على المصالح التي يستفيد منها كلا الطرفين، ليحلو لهم الحال لتصدير" الثورة الإيرانية الشيعية" ومحاولة إشعار الناس أنَّه لا أحد يهتم بالقضية الفلسطينية كدولة كما تهتم بها إيران، ولأجل زرع نواة للتشيع في فلسطين.(58/137)
ويقتصر دعمهم على إقامة بعض المهرجانات نصرة للقدس والقضية الفلسطينية، والإيرانيون يسمون آخر جمعة من شهر رمضان بيوم القدس. فقد ينخدع بعض المسلمين من أهل السنة بمثل هذه التوجهات الإيرانيَّة ظانين أنَّ إيران تمثِّل الإسلام الحقيقي، مع أنَّ الذي ينبغي أن يكون حاضراً في الذهن أنَّ المشروع الإيراني كما هو معروف عنه مشروع توسعي استعماري يريد غزو العالم العربي والإسلامي بعقيدته ودعمه وماله، ليكون له موطئ قدم ينشر من خلاله عقيدته التي يؤمن بها ويبشر بها.
ومن ضمن الأمور التي يسعون لها أنَّهم يؤمنون بعقيدة عودة المهدي الذي دخل إلى سرداب في سامراء يوم أنَّ كان طفلاً وأنَّه سيكبر ويخرج من ثقب من السرداب، ويكون نصيراً وظهيراً للشيعة على عدوهم ويحكم مهديهم العالم، وتكون لهم السيطرة التامة على الأرض وليقاتلوا اليهود لتخليص العالم من شرهم وليكون العالم تحت سيطرتهم، وللشيعة عقيدة مفرطة بالغلو والتطرف حيث إنَّ من عقائدهم أنَّ المهدي سيقوم بقتل النواصب من أهل السنَّة، وأنَّ الله سيحيي عائشة رضي الله عنها ليقوم المهدي بتطبيق حد الزنا عليها والعياذ بالله !
سبب سياسي استراتيجي: وذلك بتحقيق مكاسب سياسية ولفت نظر المقاومة أنَّ الدولة التي يمكن أن تحتضنهم وترعاهم هي إيران، كما يطمح الإيرانيون أن تكون هذه الفصائل ورقة تستطيع أن تلعب بها وتخيف بها تلك التيارات الأخرى الموجودة في المنطقة من اللوبي الصهيوني، ولتكون هذه المقاومة فزَّاعة تستطيع أن تحقق إيران من خلالها مكاسب سياسية وحقيقية، فهي تريد أن تفرض نفسها وبقوة تجاه العدو الأمريكي لها، فهناك مشروع إيراني صفوي فارسي توسعي امتدادي أخطبوطي تجاه المشروع الأمريكي الاستعماري..(58/138)
ودولة إيران تحاول قدر الإمكان أن تلعب مع دولة اليهود الصهاينة بالعصا والجزرة، فهي لا تعترف بها دولة في فلسطين، ومع هذا قد تتعاون مع اليهود سراً لأسباب اقتصادية وبراغماتية كبيع الفستق الإيراني لدولة اليهود وما إلى ذلك، وكذلك ما حصل من فضيحة (إيران غيت) حيث كانت تتلقَّى إيران من الولايات المتحدة الأمريكية إبَّان حربها مع العراق بعض الأسلحة المتطورة والصواريخ بعيدة المدى، وكانت هذه مأسأة يتمنَّى الإيرانيون أن يتناساها العالم الإسلامي، ولا ننسى ما اعترف به رئيس إيران في عهد الخميني(أبو الحسن بني صدر) على قناة الجزيرة بتلقيه دعماً عسكرياً من (إسرائيل) وبعلم الإمام الخميني!(58/139)
سبب دعائي: إيران لا تعمل داخل العالم كله إلاَّ لأجل مصلحتها، فتركيزها على قضية محورية إسلامية كفلسطين، يجعل الشعب الإيراني يتعاطف معها، وكذلك يجعل الشعوب الإسلامية الضعيفة تتعاطف معها، فيما غالب الحكام العرب نادراً ما يتحدَّثون عن دعم القضية الفلسطينية من ناحية إيجابيَّة، بل قصارى حديثهم حول وقف المقاومة والتطبيع الكامل مع إسرائيل والاعتراف بها كدولة لها وجودها في العالم العربي. ولهذا فخير وسيلة تتمركز من خلالها شعوب العالم الإسلامي حين يرون ملالي إيران وحكامها ومسؤوليها يقولون عن أمريكا بأنَّها: (الشيطان الأكبر) وينددون بالمجازر الصهيونية التي تجري بفلسطين، ولكنَّ الحقيقة أنَّ إيران منذ 30 سنة لم تطلق صاروخاً واحداً ضد دولة ما يسمى بـ:(إسرائيل) وأنَّ هذه العبارات ما هي إلا تهييج للعواطف وتسويغ لمواقفها بأنَّها كانت دولة لها قصب السبق في الإدانة والاستنكار، مع بعض الدعم الذي يقدمونه لبعض حركات المقاومة، كما أنَّ من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أنَّ الإيرانيين الشيعة يريدون أن يروجوا لدعاية أنَّ إيران تعمل لأجل نصرة المسلمين في فلسطين، ولتحسين صورتها القاتمة في العراق وما تقوم به من عمليات قمع وإرهاب لوجستي وآيديولوجي شديد تجاه العراقيين من أهل السنة عموما وتجمعات الفلسطينين خصوصا من خلال شبكاتها وأذرعها العسكرية المدعومة منها كقوات بدر، وقوات مقتدى الصدر.
•…حتميَّة اليقظة السنيَّة من الإمدادات الإيرانية للقضية الفلسطينية:(58/140)
لقد وقع بعض أهل السنة والجماعة بالفعل في فخ نصبه لهم الساسة الإيرانيون (الشيعة) في قم وطهران لكي يشركوهم معهم بالقول بضرورة التخندق خلف إيران كداعم إسلامي للقضية الفلسطينية، والحديث فيما بعد عن وسائل التقريب بين السنة والشيعة، ومن الاقتناع بعقيدة الشيعة الجعفرية الاثنا عشرية التي يدين بها الساسة الإيرانيين الروافض، ومن ثمَّ الترويج للعقيدة الشيعية الرافضية في فلسطين.
بيد أنَّ من المفترض أن يكون أهل السنة على وعي كامل بالدوافع الاستراتيجية والخلفيات التي يقوم بها أولئك الإيرانيون لدعم القضية الفلسطينية.
ولقد وجدنا هتافات وعبارات تشيد بأولئك الساسة الإيرانيين، يكاد بعضهم أن يوصلها لمرتبة الخلافة الراشدة، بل لقد قالها بعض قيادات الحركات الإسلاميَّة حين قامت دولة إيران، فأوصى أتباعه بوجوب الهجرة إلى إيران كعاصمة لاسترداد الخلافة الإسلاميَّة الموعودة، وهم في حقيقة الأمر لم يعرفوا ما العقيدة الرافضية الشيعية التي يتبناها القوم، أو يظنون أنَّ خلافنا كأهل السنة والجماعة مع الشيعة الرافضة إنما هو خلاف في مسائل فرعيَّة وليست مسائل من قضايا الأصول والاعتقاد.
•…حقيقة عقائد الشيعة تجاه فلسطين:
إنَّ من المهم للغاية أن يدرك أهل السنة حقيقة نظر الشيعة الروافض لفلسطين، فعقيدتهم تقوم وتقضي على خلاف ما يعتقده أهل السنة والجماعة تجاه القدس وفلسطين، فالشيعة لا يقدرون المسجد الأقصى كما يقدره أهل السنة.
فقد جاء في كتبهم كما في "بحار الأنوار" للمجلسي (22/90) عن أبي عبد الله قال: سألت عن المساجد التي لها الفضل فقال: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ قال: ذاك في السماء، إليه أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس فقال: "مسجد الكوفة أفضل منه"!.(58/141)
وجاء في "الخصال" الشيخ الصدوق: (ص137) "لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد رسول الله، ومسجد الكوفة ".
وروى شيخهم الكليني في كتابه الكافي، بإسناده عن خالد القلانسي أنه قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: صلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة. [الوسائل ج3/ص547].
فعلى أهل السنَّة أن تكون لديهم صحوة فكريَّة وحذر كامل من نظرة الرافضة الشيعة لقضية فلسطين والمسجد الأقصى، وأن يعلموا أنَّ الرافضة والشيعة يمتلكون عقيدة خفية وخطيرة بل هي من أصول دينهم الكبرى، وهي عقيدة (التقية) وحقيقتها عندهم أن تبدي للنواصب (يعني: أهل السنة) غير ما تخفيه في نفسك، وأن تستعمل هذه العقيدة في جميع الحالات اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا بما يحفظ عليهم أمنهم القومي ومصالحهم الخاصة، ولا يتضررون من وراء ذلك شيئاً.
ولهذا فلو لاحظ الملاحظ لوجد أنَّ إيران تشتغل بالسر والخفاء أكثر مما تعمل في العلن والظهور، وأنَّ عقيدتها التي هي عندهم (تسعة أعشار دينهم) وأنَّ ( من لا تقية له لا دين له) كما في كتبهم، فهذه العقيدة الضالة ساهمت مساهمة كبيرة في خدمة مصالحهم بشكل جعل الكثير من أهل السنَّة يظنونهم على ما هم عليه في الحديث الظاهري.
ولكنَّ الدهاء الإيراني والذكاء الفارسي جعل كثيراً من الناس ينخدعون بهم وهم لا يدركون حقيقة عقيدتهم، حتَّى إذا ما وجدوا الفرصة مناسبة انقضوا على من كانوا يراوغونهم بشدة وجعلوا العالم يركع تحتهم كما تحاول أمريكا الآن أن تفعل بدول العالم.
فلن يخبئ الإيرانيون الشيعة ومراكزهم وثكناتهم الفكرية والعسكرية ولن يدخروا أي قوة للسيطرة على العالم الإسلامي إن تمكنوا من ذلك بقوتهم وبطشهم المعروف، كما تفعل أذرعتهم العسكرية الآن في دولة العراق المسلم الجريح تجاه أهل السنة!!
•…اصطفاف الفلسطينيين ... إلى أين؟(58/142)
قد يقول قائل: إذا كان الأمريكان وراء دعم دولة الصهاينة، ووضع المسلمين من أهل السنة مفرق مشتت، والعدو الأساس في المعركة هم اليهود والحلفاء من النصارى ومن والاهم فهل نعادي إيران في هذه المدة الزمنية العسيرة؟ وهل نرفض دعهمم السياسي أو المادي والعسكري كذلك ـ إن وجد ـ نصرة لقضايانا العادلة!
وقبل الإجابة عن ذلك فلا يعني ما في المقال أن يبدأ أهل السنة حرب وصراع مع إيران، فليست المصلحة ولا الحكمة تقول بذلك ، بل ذلك هو ما يقصده الأمريكان بإثارة الخلافات والشجارات الطائفية وصناعتها بين الدول السنيَّة مع إيران، فالمستفيد الأول أو الأكبر من ذلك هم الأمريكان ودولة اليهود، هذا أولا !
وأيضاً لا يكون ترك الحرب والصراع رضي بعدوان إيران المستمر على إخواننا في الدول الأخرى كما جرى لفلسطينيو العراق!!
وثانيا: ليس هناك ما يمنع في الشريعة الإسلامية ولا القوانين الوضعية أن يكون هناك هدنة أو شبه تحالف بين دولتين لهما خصوصيتهما الدينية أو الفكرية والسياسية كذلك، ولكنَّ المهم وهو مربط الفرس وموضع الشاهد ألاَّ يكون هذا البعد الاستراتيجي مكسباُ فيما بعد لدولة إيران، فلنا أن نستفيد من إيران إن عرضت ذلك علينا، شرط أن يكون لدينا علم بمقاصد دعمها وروافد فكرتها التي تبثها في الإمدادات المعنوية للقضية الفلسطينية.
وأرجو بالذات أن يكون لدى جميع الفصائل الجهادية المقاومة في فلسطين(حماس - حركة الجهاد - ألوية الناصر صلاح الدين - مجاهدو بيت المقدس - كتائب شهداء الأقصى)، هذا الانتباه الذي نتمنَّى أن لا يخفى عنهم في يوم من الأيام، فلإيران ذكاء سياسي حاد، ودهاء فكري يدعوهم لكي يتعاملوا مع الدول العربية بطريقة العصا والجزرة، بكسب أكثر الأرباح، وجني أدنى الخسائر العائدة عليهم، فهي دولة تخطط ولها مراكزها الفكرية والاستراتيجية التي تخدم ساستها.(58/143)
وحتى إن اختلفوا وكان فيهم محافظين ومتراخين، فللكل سياسات تقصد خدمة دولتهم ومبادئهم، بطريقة يضمنوا فيها حقهم في الاستيلاء والسيطرة وتصفية الحسابات بلغة أزعم أنَّها أحياناً تحير المحللين السياسيين، والمراقبين للخطوات الإيرانية!( )
•…هل في المقال دعوة لشق الصف أو إثارة لفتنة؟!
ليس المراد من هذا المقال صناعة حرب مع جماعة ملالي إيران وساستهم، لكن من الضروري أن تعرف الخطط الخمينية الاستراتيجية التي يخططها قادة إيران ويرسمون من خلالها أجندة يسعون بها لكي يسيطروا على العالم الإسلامي، فمن لم يعرف تلك الخطط فليذهب وليقرأها.
ثمَّ إنَّ دولة إيران لم تكن عبر تاريخها رافداً من روافد الوحدة وصناعة التلاحم - مع شديد الأسف، تلك الوحدة التي يزعمونها،، بل كان لإيران قصب السبق في التنكيل بعلماء ودعاة أهل السنة والجماعة في دولتهم، ومن يتابع شؤون وأخبار إخواننا من أهل السنة في إيران فسيجدهم أقل الناس مكانة ورتبة وأكثرهم فقراً وضعفاً، مع العلم بأنَّ أهل السنة في إيران حسب الأحصاءات شبه الرسمية الإيرانية تتراوح أعدادهم بين 14 إلى 19 مليون نسمة، ويشكِّلون نسبه تتراوح بين 20ـ28% من سكان إيران، ومع هذا فالإيرانيون لا يسمحون بالترخيص لفتح مسجد واحد لأهل السنة في طهران التي يقطنها أكثر من مليون سني.
حيث إنَّ المسلمين من أهل السنة يقيمون صلاتهم يوم الجمعة في المدرسة الباكستانية، والسفارة السعودية، وقبالة هذا الاضطهاد لأهل السنة تسمح إيران ببناء الكنائس والمعابد اليهودية ولا يضيرهم ذلك، والملاحظ أن أمريكا التي تتشدق بالدفاع عن الحريات الدينية لم تدافع عن حرية أهل السنة في إيران، وهذا ممَّا يثير الاستغراب في العلاقة بين الدولتين، والأصل أن تستغلَّ أمريكا هذه النقطة ضد إيران مثلما تستغلها أمريكا في السعودية حيث تطالب أمريكا بحرية وحقوق أكبر للشيعة في السعودية!!(58/144)
وحين كنت أكتب هذا المقال تصفَّحت بعض المواقع الأخبارية لمعرفة ما يدور في عالمنا الإسلامي، فوقعت عيني على هذا الخبر الذي نستشعر من خلاله مدى مأساة إخواننا أهل السنة في إيران.
فقد صرَّحت بعض وكالات الأنباء أنَّه في يوم الجمعة الموافق لتاريخ 20/3/1429هـ ـ 28/3/2008م، حيث كشفت كشفت مصادر خاصة لموقع"الإسلام اليوم" في إيران أنه تم اليوم منع شعائر صلاة الجمعة لأهل السنة في مدينة كرج التابعة للعاصمة الإيرانية طهران .
وأشارت المصادر إلى أن هذا المنع يأتي بعد أيام من هدم مسجد لأهل السنة في مدينة ساوة التابعة لمحافظة المركزي. وفي حادث ثالث، قالت المصادر إنه تم توقيف بناء مسجد لأهل السنة في مدينة قصرشيرين التابعة لمحافظة كرمانشاه.
كما أنَّ الإيرانيين لعمق محبَّتهم للأمة المسلمة الثائرة على من قتل عمر بن الخطاب يقومون برعاية ضريح كبير للمجرم أبي لؤلؤة المجوسي! الذي قتل الصحابي الجليل عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه وحمايته وطواف الشيعة حوله، فهل هذه الممارسات تكون رصيداً من أرصدة الوحدة أم داعية للتمزق والتشرذم.
أليس الإيرانيون وأذرعتهم العسكرية في العراق (قوات بدر ـ وجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر) كان لهم قصب السبق بالضرب بيد من حديد على أهل السنة ويشعلونها حرباً ضروساً مشتعلة على أهل السنة حتى طالت أيديهم قتل أكثر من 100 ألف مسلم سني عربي مضطهد في العراق، وطرد مئات الآلاف خوفاً منهم قبل أن يكون الخوف من المحتل الأمريكي.(58/145)
أليس شيخهم وإمامهم السيستاني أبلغ مجلس الحكم الانتقالي أنَّه لن يصدر فتوى في بداية مرحلة احتلال العراق بإعلان الجهاد ضد القوات الأمريكية، وأنَّه لن يطلب من مواطنيه الانضمام إلى صفوف المقاومة المسلحة ضد المحتلين الأمريكان وغيرهم، مع أنَّه في المقابل أصدر السيستاني فتوى يجيز فيها ما وصفه بالجهاد في سبيل الله للإيرانيين إذا شنَّت الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً على إيران، فأين الوحدة الإسلاميَّة أليست العراق كإيران كلاهما من دول العالم الإسلامي، فلماذا يحرم على المقاومين في العراق أن يقاتلوا الأمريكان ويتساعدون مع الأمريكان لكي تتساقط مدن الجنوب في العراق واحدة بعد الأخرى لعدم قيام الشيعة بالتصدي للقوات الأمريكية بل استقبالهم بالورود والأزهار المرحبة بهم، وفي المقابل بالحث على الجهاد في سبيل الله فيما لو احتلت إيران؟!!
وليسألوا أحمدي نجاد ما سر هذه الزيارات التي يقوم بها للعراق وبحماية أمريكية لمدة يومين، وهو الذي كان يقول عن أمريكا الشيطان الأكبر، فمن سمح لنجاد أن يدخل العراق بمثل هذه الطريقة، ويدور بينه وبين قادة أمريكان صفقات سريَّة تحدثت عنها وسائل الإعلام بأسرار خطيرة وصفقات مريبة جرت في زيارة ناجد للعراق تحت الحماية الأمريكية، ولو قلنا في المقابل هل يسمح الأمريكان أو نوري المالكي بدخول أسامة بن لادن إلى العراق بمثل هذه الحماية التي وضعت لأحمدي نجاد، فهل سيكون حال ابن لادن بمثل هذه الحماية التي توفرت لمن يخطب بنا في كراهية الشيطان الأكبر!!
وليستفهم دعاة الوحدة من الإيرانيين لماذا كانت إيران من كبار الأعوان لدولة أمريكا على إسقاط دولة ونظام حركة طالبان الإسلامية.(58/146)
أليست دولة أفغانستان دولة مسلمة، وأليست حركة طالبان مسلمة، فكيف يأتي من يزعم أنَّه من دعاة الوحدة محمد علي الأبطحي نائب الرئيس الايراني السابق للشئون القانونية، ويقول في ختام أعمال مؤتمر عقد بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء 13ـ1ـ2004م.
ويقول مفتخرا ومنتشيا: " لولا إيران لما سقطت كابول وبغداد " وإنَّ إيران قدمت الكثير من العون لأمريكا ضد حربها في أفغانستان وفي بغداد"!!
لكنَّه يعقب قائلاً ::"أنَّه بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة"
لقد صرح هاشم رفسنجاني بعد سقوط حركة طالبان بقوله: "القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها ولو لم نساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني ويجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أن تسقط طالبان ".
وحتى وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول قال على هامش مؤتمر روما حول القضية الأفغانية (لولا إيران لكان مصير هذا المؤتمر الفشل ولكن المواقف الإيرانية هي التي أنجحت المؤتمر) أليست هذه خيانة للأمة وعدم اتحاد معها فكيف يطلب منَّا دعاة الوحدة للتوحد مع دولة تكفر صحابة رسول الله وتشرك بالله وتتعاون مع أعداء الله ضد أبناء الإسلام؟!
وليسأل هؤلاء الذين يخاصمون عن إيران إنصافاً لها ـ كما يزعمون ـ ما سر هذه التدخلات الكثيرة في الدول السنية التي يحاول من خلالها الإيرانيون أو أتباعهم من الشيعة المتشيعين من أهل تلك البلاد وكيف صاروا يحاولون السيطرة على الثكنات الفكرية والجامعات والمصانع الكبيرة، ويقومون من خلالها بنشر عقائد الشيعة وتكفير الصحابة ونشر الشرك بالله تعالى واتهام عائشة رضي الله عنها بأنها زانية، فليسأل هؤلاء أنفسهم أو يسألوا الإيرانيين عمَّا يفعلونه في دول العرب السنية.(58/147)
ثمَّ ما السبب الذي يدعو الطوائف الشيعية والأذرع العسكرية الإيرانية في العراق لكي ترتكب مجازر دموية في حق اللاجئين الفلسطينيين، حيث هاجر منهم عشرات الآلاف، وقتل منهم المئات، وعذبوا بأنواع مخيفة من التعذيب بالدريل وإطفاء عود الثقاب بالعين، وغير ذلك من وسائل التعذيب التي لا تليق بحيوان فضلاً عن إنسان..
فأين كلمة إيران داعية الوحدة والحوار لهؤلاء الإيرانيين، أليس ذلك تواطئ واضح من قبل هذه الدولة مع أذرعتها العسكرية المسيطرة على الوضع العراقي، وليسأل من لا يعرف كيف حال إخواننا الفلسطينين في العراق وهم يهيمون على وجوههم حائرين كالغنم الهائمة على وجهها في الليلة الشاتية المطيرة الباردة!
وإذا كان يزعم الإيرانيون الشيعة ضرورة الوحدة الإسلاميَّة، فلماذا يخالفون منهج آل البيت والصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ ويؤرخون تواريخهم بالتاريخ الفارسي بدلاً عن التأريخ الهجري،ويجعلون اللغة الفارسية هي اللغة الرئيسة حتى للعلوم الشرعية، فهل يكون ذلك انتماءً صادقا لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم أو لغة القرآن الكريم؟
وما سرّ إصرار إيران على عدم الوحدة الإسلاميَّة كما تزعم وهي لا تريد أن تعترف بالجزر الثلاث المحيطة بدول الإمارات العربية المتحدة (طنب الصغرى وطنب الكبرى، وأبو موسى) والتي تحتلها إيران منذ عصر الشاه وإلى الآن، بل لقد صرَّح البرلمانيون العراقيون الذين يعلنون ولاءهم لإيران بعدم شرعية تلك الجزر لدولة الإمارات، مع أنَّ أكثر من 27 دولة عربية أجمعت على أحقية دولة الإمارات بهذه الجزر، فإيران تحاول أن تضمَّ هذه الجزر تحت عباءتها وتستولي عليها، دون أن يكون هناك معارض يعارض ذلك!(58/148)
نعم نحن لا نرضى أن تضرب إيران من قَبَلِ أمريكا، ولا أن تتدخل أمريكا بالمصالح الإيرانية، ولكنَّنا لا نسمح كذلك أن تقوم حكومة ودولة إيران بالتدخل في شؤون دولنا الخاصة، لنشر ما تريده من قيم وعقائد مخالفة للعقيدة الإسلامية، أو لتقديم المال لكي تجر بذلك عقول الناس إليها، ثمَّ بعد ذلك تطعنهم في خاصرتهم!
هكذا فليفهمنا الذين يدندنون بضرورة الوحدة مع إيران، والذين يكررون حديثهم بالقوة الإسلاميَّة الإيرانيَّة، ونزاهة الإيرانيين مقابل حكَّام العرب، ولكن كيف يكون ذلك مدحاً لإيران التي كانت كغيرها من الدول العربية حليفاً استراتيجياً كبيراً لأمريكا في حربها على المسلمين السنة في إيران وأفغانستان والعراق وكانت هذه الحرب من أكبر مقاصدها حماية الأمن القومي لدولة ما يسمَّى بـ:(إسرائيل)، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال:(إذا صار لليهود دولة بالعراق وغيره تكون الرافضة من أعظم أعوانهم فهم دائماً يوالون الكفار من المشركين واليهود والنصارى ويعادونهم على قتال المسلمين ومعاداتهم) كما جاء في كتابه النفيس "منهاج السنة النبوية" في الرد على الشيعة والقدرية (3/378).
نكتب هذا الكلام كرؤية استباقيَّة فيما لو قدَّر الله تعالى نوع من الانتصار الإيراني وتوغلها أو تغولها في العالم العربي والإسلامي لكي يعلم الجميع من هي إيران؟ وهل يهمها مصلحة الدول العربية أم مصلحتها فحسب؟ ولكي يعلموا تلك المقاصد والأسباب التي تدعو إيران لكي تواصل دعمها للقضية الفلسطينية، وإنَّ غداً لناظره قريب.
•…وأخيرا:
على من طالع هذا المقال ألاَّ يرمي تهمه جزافاً أو يلقيها على لسانه متحدثاً بها، بأنَّ كل من يحذر من التوجهات الإيرانية في العالم الإسلامي، فهو في صف وخانة أمريكا ، منطلقاً من مبدأ بوش اللعين:(58/149)
من ليس معنا فهو ضدنا، فهذه ثنائية غير مقبولة في عالم اليوم المتشابكة مصالحه والمختلطة أموره، فهذه رؤية أحادية عقيمة، لا تقنع أصحاب العقول!
ثمَّ إنَّ ذكر الحق في مكان والتكلم عن الباطل وفضحه، لا يعني أن يكون صاحبه مدافعاً عن مواقف الدول العربية السنية المتخاذلة في نصرة دينها وشعوبها فضلاً عن الدفاع عن أراضي الإسلام المحتلة كفلسطين، أذكر هذا لأنَّ هناك أناساً أكاديميين أو كتاباً وصحفيين ما أسرعهم بقول القالة، ونشر الإشاعة بأنَّ من كتب ليحذر من المد الإيراني فإنَّهم سيضعونه في خانة وقفص الاتهام الأمريكي، أو أنَّه يدافع عن تصرفات حكام العرب المنتسبون لأهل السنة!!
التشيع في خدمة المشروع الإيراني
أسامة شحادة - موقع المسلم 20/3/2008
المشروع الإيراني في المنطقة حقيقة يقر بها الجميع مع الاختلاف حول الموقف منه، فبعضهم يرفضه لما يرمي إليه من توسع وهيمنة بقوة السلاح التي قد تصل إلى حد امتلاك القنبلة النووية، وبقوة التأثير على التجمعات الشيعية والقوى السنية المدعومة من إيران، فضلاً عن المزاج الشعبي المتعاطف مع إيران.
فيما يؤيد آخرون المشروع الإيراني معتبرين أنه يناهض المشروعين الصهيونى والأمريكي، إضافة إلى اعتبار أن إيران جارة مسلمة على كل حال.
هذا الاختلاف يذكر بموقف الكثيرين إبان مرحلة صراع القطبين، فالعديد من القوى - لمعارضتها للإمبريالية الأمريكية - رضيت بكل الجرائم والمجازر والإحتلالات الروسية الشيوعية!
وهذا المشروع الإيراني مشروع ممتد في التاريخ من إمبراطورية فارس إلى الجمهورية الإيرانية مروراً بالدولتين الصفوية والشاهنشاهية، ولم يتوقف هذا المشروع إلا في الفترة الواقعة من فتح بلاد فارس زمن الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب وحتى قيام الدولة الصفوية، حيث امتزج الشعب الإيراني بالدعوة الإسلامية العامة دون تمايز عقدى أو مذهبي، مما نتج عنه إسهامات إيرانية عظيمة في خدمة الإسلام.(58/150)
وهذا الامتداد التاريخي للمشروع الإيراني وتبدل هوية القائمين على رعايته وتنفيذه لا يأثر على جوهر وأساس المشروع من الناحية الإستراتيجية وإن كان له تأثير على المستوى التكتيكي والعملياتي.
وهذا واضح جداً بمقارنة سياسة الجمهورية الإيرانية بسياسة الشاه التوسعية، فكل ما قام به الشاه من استيلاء على أراضي دول الخليج تبنته وراكمت عليه الثورة الإيرانية!!
ومن التكتيكات التي تستخدمها الجمهورية الإيرانية اليوم لتنفيذ مشروعها التوسعي للهيمنة والنفوذ، استخدام ورقة التشيع على مستوى الشيعة العرب في المنطقة، وعلى مستوى التبشير بالتشيع الديني والسياسي في أوساط أهل السنة أفراداً أو حركات وجماعات.
وهذا أمر يشاهد الجميع تطبيقاته في لبنان بواسطة حزب الله، أو العراق عبر الأحزاب والقوى الشيعية المواليه لإيران، أوسلوكيات بعض القوى الشيعية في البحرين والكويت.
أما على صعيد التبشير بالتشيع في أوساط أهل السنة، فوكالات الأنباء والصحف والفضائيات لا تكاد تخلو من ذكر أخبار هذا التشيع في سوريا ومصر والأردن وفلسطين والسودان وأيضا بعض الدول المسلمة في أفريقيا وآسيا، وقد لوحظ على المتشيعين كثرة ترددهم على إيران أو مراكز نفوذها كلبنان وسوريا، وهناك وقائع عديدة أثبتت ارتباط كثير من هؤلاء المتشيعين بالأجهزة الأمنية الإيرانية أو وكلائها مثل حزب الله ، كما في اعتقالات السلطات المغربية لقيادات بحزب البديل الحضاري ومراسل قناة المنار الشيعية بالمغرب مؤخراً بتهمة تشكيل تنظيم عسكري بدعم من حزب الله بلبنان.
والعارفون بطبيعة التشيع يدركون أن التشيع يقوم على فصل المتشيع عن محيطه الذي نشأ وترعرع فيه إلى وسط آخر وهو التشيع، عبر هدم أي مرجعية سوى مرجعية آل البيت التي لا يمكن معرفتها إلا بواسطة مجتهد شيعي حي!!(58/151)
وهذا المرجع لا يمثل نفسه بل يمثل الله!! كما أعلن وكشف عن ذلك قبل شهرين رئيس المجلس الإسلامي العلمائي بالبحرين الشيخ عيسى قاسم،من أن الدليل بعد الأئمة المعصومين، هم الفقهاء العدول، ومن ردّ عليهم ردّ على الأئمة عليهم السلام، ومن رد على الأئمة، رد على رسول الله (ص)، والراد على النبي راد على الله!
ولتأكيد فصل هذا المتشيع عن محيطه يتم التأكيد على عدم جواز التعبد بالمذاهب الأربعة السنية بالرغم من كل مؤتمرات ولقاءات التقريب، وذلك من أكثر مراجع الشيعة المعاصرين اعتدالاً وبعداً عن المشروع الإيراني!! وهو المرجع اللبناني الكبير محمد حسين فضل الله.
حيث أصر فضل الله في مكاشفاته مع الأستاذ عبد العزيز القاسم، بجريدة عكاظ السعودية (28/2/2008) على الفتوى التي نشرها في كتابه "مسائل عقدية" بعدم جواز التعبّد بالمذاهب الأربعة قائلاً "لا يجوز التعبد بأي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت عليهم السلام، لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة". ص110.
وهذا الفصل بين المتشيع ومحيطه يبدأ في النواحي الفكرية والدينية كما ترسخه القنوات الفضائية الشيعية بالتركيز على أن من لا يشهد بالولاية لعلي بن أبي طالب فليس مؤمناً!! ويمتد فصل المتشيع عن محيطه هذا ليصل إلى الموقف السياسي، ولعل أوضح مثال على هذا هو العقيدة السياسية لحزب الله اللبناني، والتي تجعل من حسن نصر الله أمين عام الحزب تابعا لرئيس دولة أخرى وهي إيران عبر كونه وكيل المرجع الديني علي خامنئي والمفوض من قبله بقبض الخمس وإيصالها له، أو صرفها فيما يراه الخامنئي مناسبا، كما أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يقرر في كتابه "حزب الله" مبحث ولاية الفقيه (ص 72) أن "الولي الفقيه (خامنئي) هو الذي يملك صلاحية قرار الحرب أو السلم".(58/152)
أما الأمين العام لـ «حزب الله - إيران» سيد محمد باقر خرازي فقد أعلن هدف إيران من دعم بعض القوي السنية في فلسطين بقوله:«قدمنا كل أشكال الدعم لقوى التحرر الإسلامية، لكن ما الذي حصلت عليه إيران؟ وإذا كنا نقدم اليوم الدعم لفلسطين فيجب على فلسطين أن تسير في طريق أهل بيت النبوة، وإذا لم يحصل ذلك فما هو الفرق بينها وبين إسرائيل؟ ويمكن مشاهدة ذلك على الرابط التالي:
http://www.shia-news.com/ShowNews.asp?Code=86121304"
والتكتيك المتمثل بتسخير التشيع لخدمة المشروع الإيراني يعد من أخطر الأساليب الحديثة التي تتوسل بها إيران لخدمة مشروعها، والتي تشمل الغزو التجاري حيث يوجد في دولة الإمارات 10 آلاف شركة إيرانية ! وتشمل تأسيس أحزاب ومؤسسات شيعية في البلاد العربية من قبل إيرانيين متجنسين أو متشيعين من أهل البلد نفسه في زمن مؤسسات المجتمع المدني!! كما تشمل توطين الإيرانيين في دول الخليج من حملة الجنسيات الغربية.
وتتعاظم خطورة استخدام التشيع لمصلحة المشروع الإيراني في هذا الوقت الحرج والحساس بإعلان موقع شيعة نيوز www.shia-news.com/ShowNews.asp?Code=86121501
من أن الحكومة الإيرانية رصدت ميزانية ضخمة جداً لتبليغ التشيع وإرسال مبلغين والفعاليات المذهبية لعام 1387هـ ش ( التقويم الإيراني يبدأ من مقتل علي بن أبي طالب) بلغت قيمتها 215.620 مليار تومان إيراني (حوالي 2.3 مليار دولار)، بزيادة قدرها سبعة أضعاف ميزانية العام الماضي 1386هـ ش.(58/153)
وهذه الميزانية الضخمة والتي لم يعرفها تاريخ التبشير بالتشيع تنبئ بجهود ضخمة قادمة لنشر التشيع، مما سيذكي الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، وقد عودتنا إيران أن تذرف الدموع على خطر الصراع الشيعي السني ومن ثم تقوم بإدامته ونشره وتوسيعه عبر سياساتها على أرض الواقع بما يخدم مشروعها للهيمنة والتوسع، كما في تنديدها مؤخراً بموقف الحكومة الكويتية من تأبين مغنية بدلاً من أن تطالب قيادة حزب الله الكويتي بمراعاة مشاعر الأغلبية السنية في الكويت الذين سبق لمغنية أن اعتدى عليهم بخطف طائرة الجابرية وقتل اثنين من ركابها.
إن بيد إيران إشعال صراع شيعي سنى في المنطقة وبيدها منعه عبر ترشيد سلوكها السياسي ووقف النشاط التبشيري الشيعي في أوساط الشيعة العرب وأهل السنة، فهل تفعل إيران؟(58/154)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد التاسع والخمسون – جمادى الأولى 1429هـ
* فاتحة القول…الملهاة المبكية ..................... ................................... ..........................…3
* فرق ومذاهب…سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة – (البروتستانت العرب) .........................…5
* سطور من الذاكرة…الشيعة تعظم قاتل عمر ..........................................................................…8
* دراسات …- جهود علماء العراق في الرد على الشيعة ..................................................
- أهل السنة في البحرين بين العجز الرسمي والتشتت .....................................…14
35
* كتاب الشهر …في منهجية الشيعة للتقريب المذهبي .........................................................…29
* قالو ….....................................................................................................…41
* جولة الصحافة ……
…- البعث الشيعي في سوريا .......................................... .........................…47
…- تشييع عشرات الآلاف من السوريين .......................................................…55
…- المد الشيعي في سوريا ......................................................................…58
…- المصلح فتح الله غولن .. بناء الجسور بين الإسلام والحداثة .........................…60
…- حركة فتح الله غولن تسعى لتكون في طليعة الإسلام الكوني .........................…67
…- التشيع بين الأكراد في سورية .............................................................…69
…- الجذور التاريخية للتشيع في سورية.......................................................…73
…- حرب المجموعات الخاصة بين واشنطن وطهران ......................................…78(59/1)
…- حماس .. عتاب وتنبيه .....................................................................…83
…- حماس وإيران والشيعة مرة أخرى .......................................................…88
…- شواهد تؤكد اعتناق رئيس جزر القمر للمذهب الشيعي سراً .........................…91
…- كيف سينقل حزب الله معركته إلى داخل فلسطين؟.. ..................................…95
…- حوار مع إبراهيم يازدي .. أول وزير خارجية بعد ثورة خميني ....................…98
…- حماس ودوامة الابتزاز الجهنمية الإيرانية ................................................
…102
الملهاة المبكية!!
تعد الأمثال الشعبية مصدراً عميقاً للخبرة والرؤية التاريخية الواعية، حيث أنها تتلخص فيها العبر والدروس الضخمة في كلمات بسيطة وقليلة، ولذلك ورد المثل في القرآن والسنة وكانت دراسة الأمثال والحكم نبعا يغرف منه العقلاء ليزدادوا بها بصيرة ونضجاً.
ومن يطالع الأخبار من العراق وحول العراق في الأسابيع الماضية يقفز لذهنه مجموعة من الأمثال الشعبية مثل "اختلفوا فافتضحوا" و"ما شافوهم بسرقوا شافوهم بتقاسموا"!!
لقد بذل الكثير من المخلصين جهوداً ضخمة لكشف الدور القذر الذي تقوم به الميلشيات الشيعية في العراق من خيانة للوطن والدولة بالسرقة والنهب للموارد النفطية وإعاقة مؤسسات الدولة وتسخيرها لأجندتها الخاصة وفرض قانونها الخاص على الشارع بدلاً من القانون العام، وفي المقابل كم بذل هؤلاء المخلصون من وقت ومال وجهد لإقناع الرأي العام بفساد حكومتي المالكي والجعفري الشيعيتين وأنهما يغضان الطرف عمّا يجرى لأنه وافق هواهما وقد استفادتا منه.(59/2)
ولكن هذه الجهود لم يكتب لكثير منها النجاح، ولكن حين نسمع التصريحات المتبادلة بين نوري المالكي رئيس الحكومة حول سرقات وتعديات ميلشيات جيش المهدي في البصرة، وردود قيادات جيش المهدي بارتهان الحكومة لإيران وأنها هي مصدر الفساد، لا يبقى شك لعاقل بصدق تلك الرؤية التي صرخ بها المخلصون ولكن لم يفهمها الكثيرون إلا بعد "خراب البصرة" كما في المثل!!
وكذلك كم حذر العقلاء من الدور الإيراني القذر في العراق وخارجه ونبّه عليه الأخيار ولكن "لا حياة لمن تنادي" ولكن حين أصبح " حيلهم بينهم " كشفت العورات، فها هو صلاح العبيدي الناطق باسم التيار الصدري يتهم إيران بتقاسم النفوذ مع أمريكا في العراق!! وقبله بيومين اتهم قاسم عطا الناطق الرسمي لخطة فرض القانون الأمنية في بغداد إيران بالمسؤولية عن الأحداث الأمنية التي شهدتها مؤخرا العاصمة بغداد ومدينة البصرة الجنوبية!!
وهذا اعتراف من طرفي شيعة العراق بتورط إيران في دور قذر وأناني مشبوه في العراق لعل بعض الناس يصحو ولو على حد تعبير الشاعر:
نصحتهم نصحي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد!!
ويبقى لدينا ما حذر منه المشفقون من أن عقلية الحكم والسلطة الشيعية هي عقلية انتهازية ومصلحية ودموية لا تقبل الآخر بأي حال أو شكل من الأشكال، حتى لو كان هذا الآخر شيعياً، ولم يتعلم كثير من الناس من جريمة اغتيال عبد المجيد الخوئي جهاراً نهاراً في مكان يدعي الشيعة طهارته وقدسيته!!
فلم يراع مقتدى الصدر حرمة حتى للدم الشيعي بقتل أتباعه الخوئي! و لم تراع الحكومة هذا الدم عندما تغاضت عن المطالبة بالصدر يومذاك، وعادت اليوم تحرض آل الخوئي على المطالبة بحقهم!!(59/3)
وتكرر هذا عندما حاصر أتباع التيار الصدري مسكن مرجع شيعة العراق السيستاني حين تضاربت المصالح، وعاد مقتدى الصدر اليوم ليضع مصير جيش المهدي بين يدي المراجع!! فأي مصداقية يتحلى بها هؤلاء؟؟ وهم يدعون زورا وبهتانا أنهم أتباع آل البيت!!
وها هم الشيعة اليوم يتصارعون على السلطة والنفوذ، وتستنجد الحكومة الشيعية بأمريكا على جيش المهدي كما استنجدوا بها من قبل ضد نظام صدام، والعاقل يدرك أنهم في المرة القادمة سيستنجدون بإيران ضد أهل السنة في العراق!!
أما إذا تساءل البعض عن مصير الصراع بين الفرقاء الشيعة في العراق اليوم فإن من المحتمل أن يعود مقتدى أو من ينوب عنه ليكون شريكاً مهماً وأساسياً في الحكومة، ليصدق حينئذ فيهم المثل الشعبي الآخر "افتضحوا فاصطلحوا"!!
وبذلك نكون - نحن السادة المتفرجين - محتارين: هل نبكى لهذه المأساة والفجيعة التي تخطف الأرواح والعقول، أم نضحك على هذه المهزلة المخزية؟؟
حتى صدق على العراق قول المتنبي في وصف مصر:
وكم بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكى
سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة العربية
تمهيد:(59/4)
نقوم بالتعريف بعدد من المجموعات المسيحية الموجودة في المنطقة العربية كالأقباط في مصر، والموارنة في لبنان، والكلدانيين في العراق...إلخ، كون هذه المجموعات تعيش في المنطقة، وبعضها يتولى سدة الحكم كما في لبنان، إضافة إلى أن علاقاتها مع المسلمين كثيراً ما يشوبها الاضطراب والصدام كما في مصر. ثمة أسباب أخرى تدفعنا لطرق موضوع الجماعات المسيحية منها أن هذه المجموعات لا تعيش بمعزل عن المسلمين، فهي جزء من المجتمع وتلعب أدوارا سياسية واجتماعية واقتصادية، وربما عسكرية، ونحن نرى الآن في لبنان مثلاً أن الشيعة الممثلين بحزب الله وحركة أمل يقيمون تحالفاً مع بعض الأطراف المارونية المسيحية (عون، فرنجية) في مواجهة تحالف آخر يرأسه تيار المستقبل (السني) المتحالف مع بعض الأطراف المارونية (الجميل، جعجع) إضافة إلى التيار الدرزي الذي يمثله وليد جنبلاط.
كما أننا لا نغفل عن أن هذه المجموعات المسيحية، أو غيرها من الأقليات يراد لها أن تكون عنصر اضطراب في المجتمعات الإسلامية، إذ يتم في كثير من الأحيان دعمها ورعايتها واستغلالها من قبل الغرب لإضعاف المجتمع الإسلامي، وضرب سكانه بعضهم ببعض، لاسيما عندما يتم المبالغة في أعداد ونسب هذه الأقليات، لإظهار أنها مضطهدة مهمشة ولا تحصل على الحقوق والامتيازات التي توازي أعداد أفرادها. ومما يجدر ذكره أيضاً أن هذه المجموعات ليست كتلة واحدة متفقة ومنسجمة، إذ أن داخل كل جماعة مسيحية ـ شأن الجماعات والأديان الأخرى ـ توجهات وتيارات دينية وسياسية عديدة، تصل فيها الأمور في غالب الأحيان إلى مستوى الصراع والتخوين وربما التكفير.
7- البروتستانت العرب
تعتبر البروتستانتية ثالث أكبر المذاهب المسيحية بعد الكاثوليكية والأرثوذكسية، وتنتشر بشكل خاص في شمال أوروبا والولايات المتحدة واستراليا، وقد تأسس هذا المذهب في القرن السادس عشر الميلادي، على يد مارتن لوثر (1483 ـ 1546م).(59/5)
كان لوثر في بادئ الأمر رجل دين يتبع المذهب الكاثوليكي، وسلطة البابا، حتى العام 1517م، ففي ذلك العام، أرسل البابا ليو العاشر موفدين إلى أنحاء أوروبا كي يبيعوا إلى أتباعه (صكوك الغفران) من الخطايا، لأن البابا كان بحاجة إلى المال لبناء كنيسة القديس بطرس في روما، عندها تعمّق لدى مارتن لوثر الاعتقاد بفساد الكنيسة والبابا، فاعترض على صكوك الغفران، وسلطة البابا وعصمته، وعصمة المجامع الكنسية العامة التي يعتقد بها الكاثوليك.
شكل اعتراض لوثر على البابا وسياساته بداية انشقاق على الكنيسة الكاثوليكية، ونشوءاً لمذهب مسيحي جديد عرف باسم "البروتستانتية"، ويطلق على أتباعه اسم: البروتستانت، وتعني هذه الكلمة: المعترضون أو المحتجّون. أي المعترضون على البابا والكنيسة، كما يطلق على أتباع هذا المذهب أيضا اسم الانجيليين، لاعتقادهم بأن الإنجيل هو أساس معتقداتهم، وليس تفسيرات رجال الدين، كما تعتقد المذاهب الأخرى، وخاصة الكاثوليك.
كانت أفكار مارتن لوثر في هذه المرحلة تدور حول أمور ثلاثة:
1.…ليس للبابا سلطة على الكنيسة الجامعة، وليس للكنيسة أن تحتفظ بممتلكات مادية.
2.…خلاص المسيحي يكون بالإيمان فقط، وليس بالأعمال.
3.…الكتاب المقدس (العهد القديم التوراة، والعهد الجديد الإنجيل) هو ينبوع الإيمان وحده، ولكل إنسان الحق في تفسيرة، وليس لرجال الدين فقط.
تعرض لوثر بسبب هذه الأفكار إلى الطرد من الكنيسة وحرق كتبه، ومحاربته، لكنه حظي ببعض الحماية والمساعدة من بعض الأمراء المحليين في بلدِه ألمانيا، ومنها بدأت تنتقل أفكاره إلى أوروبا، وتحدث انقلاباً كبيراً فيها.
ففي فرنسا على سبيل المثال، انتقلت أفكار لوثر على يد يوحنا كالفن (1509ـ 1564م)، وبذل أتباع هذا المذهب جهوداً في نشره والترويج له رغم ما كانوا يلاقونه من مصاعب واضطهاد من السلطات الدينية والسياسية الكاثوليكية.(59/6)
ومع ذلك يتفق البروتستانت مع الكاثوليك في انبثاق الروح القدس من الأب والابن كما يوافقونهم في أن للمسيح طبيعتين (إلهية وبشرية) ومشيئتين.
ثم افترقت البروتستانتية إلى مذاهب وفرق عديدة أبرزها: اللوثرية، والمعمدانية، والكالفينية، والانجليكانية، والإنجيلية،.....الخ.
دخول البروتستانتية إلى العالم العربي
أما في العالم العربي، فقد نجحت جهود المنصّرين البروتستانت في القرن التاسع عشر في إدخال مذهبهم إلى هذه المنطقة، ونجحوا في استمالة مجموعات من المسيحيين إلى مذهبهم، كما نجحوا - للأسف - في تنصير بعض المسلمين.
ومما ساعد البروتستانت في مهمتهم هذه، الفرمان الذي أصدره السلطان العثماني سنة 1851م بالاعتراف الرسمي بمذهبهم.
وما زال البروتستانت نشيطين في نشر مذهبهم، ورصد الإمكانيات المادية الضخمة للتنصير والعمل تحت ستار العمل الخيري والإغاثي( ).
ويُعتقد بأن أول من دخل إلى بلاد الشام مرسلاً من أمريكا من المنصّرين البروتستانت: القس إسحاق برد، والقس وليم غودل سنة 1823 م، وأخذوا يؤسسون - هُم ومن جاء بعدهم - المطابع المدارس والمراكز والكليات، مثل المدرسة الانجليزية في بيروت سنة 1860م، والكلية الأميركية في بيروت أيضاً سنة 1873م، ومشتشفى العصفورية في جوار بيروت سنة 1900م، وميتم صيدا المعروف بدار السلام سنة 1901،... وقبل ذلك كله أحضر القس برد، والقس غودل مطبعة من مالطا إلى بيروت سنة 1834م.
أما في مصر فبدأ دخول البروتستانت في منتصف القرن التاسع عشر عندما جاء أحد البروتستانت الأمريكيين ويُدعى "لانش" وأقام في الإسكندرية ثم لحقه مرسل من اسكتلندا يُدعى "يوحنا هوج" وبعد فترة من الزمان جاء إلى القاهرة سنة 1862م. ثم استقر يوحنا هوج في أسيوط منذ سنة 1865م وبدأ عمله التبشيري.
أعدادهم في البلاد العربية(59/7)
تختلف المصادر المسيحية اختلافاً كبيراً في تقدير أعداد البروتستانت الموجودين في البلاد العربية، ففيما تذهب موسوعة "المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي" الصادرة سنة 1990م إلى "أن البروتستنتيين في العالم العربي هم في حدود مليون و 350 ألف نسمة، منهم حوالي المليون في السودان وحده، و 200 ألف في مصر و 70 ألفاً في سوريا ولبنان، وبضعة آلاف في باقي الدول العربية، يضاف إليهم 150 ألفاً من الأقباط الإنجيليين، وعشرة آلاف من الأرمن الإنجيلين" ص 139، ترى موسوعة عالم الأديان الصادرة سنة 2005م أن الدراسات تذكر "أن مجمل عدد البروتستانت العرب المقيمين في البلدان العربية، لا يتجاوز المائة وخمسين ألف نمسة موزّعين بأكثريتهم على السودان ولبنان وسوريا ومصر" ص 143.
من مشاهيرهم في البلاد العربية
من لبنان: المعلم بطرس البستاني، (1819- 1883) الماروني الأصل، صاحب دائرة المعارف"، وأيوب ثابت، الذي عيّن رئيساً لدولة لبنان بين 18 آذار و 31 تموز 1943...
ومن فلسطين: د. إدوارد سعيد (1935 - 2003)، الأكاديمي والكاتب المعروف وأستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، بالولايات المتحدة، وإميل حبيبي (1921 - 1996) وهو أديب وصحافي وسياسي من فلسطين المحتلة عام 48، وأحد أعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني، وبعد قيام إسرائيل على أنقاض فلسطين عام 48 نشط حبيبي في إعادة الوحدة للشيوعيين في إطار الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان أحد ممثليه في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بين 1952 و1972 .
ومن مشاهيرهم أيضا: القس الكويتي عمانوئيل غريب، راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في الكويت، وهو أول قس خليجي معاصر يشغل هذا المنصب، كما أنه أول قس معاصر يرتدي زي الكنيسة إضافة إلى الكوفية خلال أداء الطقوس الدينية الكنسية.
للاستزادة:
1.…موسوعة عالم الأديان (ج16) ـ إشراف: ط. مفرج.(59/8)
2.…المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي ـ إشراف: ناجي نعمان.
3.…موسوعة الأديان (الميسرة) ـ إصدار دار النفائس.
4.…المواقع البروتستانتية وموسوعة ويكيبيديا على شبكة الإنترنت.
الشيعة تعظم قاتل عمر
عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المقربين، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد ذكر له النبي صلى الله عليه وسلم فضائل عديدة، منها قوله: "لو كان بعدي نبيّ لكان عمر"( )، وقوله صلى الله عليه وسلم "قد كان قبلكم في الأمم محدَّثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر"( ).
لكن عمر الفاروق رضي الله عنه له شأن آخر عند الشيعة، فهو أحد أعداء الله! وأخبث الخلق! وأظلم خلق الله لمحمد وآله الطاهرين، كما يزعمون ويعتقدون!
أما استشهاده رضي الله عنه، ومقتله على يد أبي لؤلؤة المجوسي، فهو عند أهل السنة مصيبة حلّت بالمسلمين، إذ يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: "ما أتيت على ملأ من المسلمين إلاّ يبكون كأنما فقدوا اليوم أبناءهم".
أما عند الشيعة، فمقتل عمر مناسبة سعيدة، ويوم فرحة وسرور، ولعلّ من المناسب قبل معرفة رأي الشيعة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي قاتله - عليه من الله ما يستحق - أن نعرف شيئاً عن هذا المجوسي، والسبب الذي دفعه لارتكاب جريمته هذه.
أبو لؤلؤة عند أهل السنة؟
فأبو لؤلؤة (واسمه فيروز) مجوسي، سباه المسلمون في نهاوند( )، ثم قدم المدينة، وكان غلاماً للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه. وكان عمر يمنع قدوم السبي إلى المدينة، إلاّ أن المغيرة أقنعّ عمر بأن أبا لؤلؤة صاحب مهارات ومواهب متعددة، فهو نجار نقاش حداد، وأن قدومه إلى المدينة فيه نفع للمسلمين.(59/9)
ارتكب أبو لؤلؤة جريمته هذه لسببين، أحدهما عام والآخر خاص. أما العام فيعبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام، كان مجوسياً من عباد النيران،... فقتل عمر بغضاً في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاماً للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم"( ).
ويؤكد أحد مفكري الشيعة، وهو الدكتور علي شريعتي، هذا الأمر، ويعتبر أن "التشيع الصفوي" يبغض عمر أكثر من أبي بكر، لأن عمر أقصى يزدجرد (ملك الفرس) وأنهى سلطنته الساسانية، في حين أن العداء - من وجهة نظر شريعتي - يجب أن يكون أولاً لأبي بكر، ثم لعمر، لأن الشيعة يعتبرون أن أبا بكر هو الذي أقصى عليّاً من الخلافة وغصب أرض فدك( ) منه( ).
أما السبب الخاص، فيتحدث عنه الإمام ابن كثير بقوله: "وكان المغيرة قد ضرب عليه (أي على أبي لؤلؤة) في كل يوم درهمين، ثم سأل من عمر أن يزيد في خراجه فإنه نجار نقاش حدّاد، فزاد في خراجه إلى مائة في كل شهر.
وقال له (أي عمر): لقد بلغني أنك تحسن أن تعمل رحاً تدور بالهواء؟
فقال أبو لؤلؤة: أما والله لأعملن لك رحاً يتحدث عنها الناس في المشارق والمغارب (ففهم عمر أن أبا لؤلؤة يتوعده)، وكان هذا يوم الثلاثاء عشية، وطعنه صبيحة الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة"( ) من سنة ثلاث وعشرين للهجرة.
وفي صفة مقتله رضي الله عنه، يقول ابن كثير: "... إنه رضي الله عنه لما فرغ من الحج سنة ثلاث وعشرين ونزل بالأبطح، دعا الله عز وجل، وشكا إليه أنه قد كبرت سنّه، وضعفت قوته، وانتشرت رعيته، وخاف من التقصير، وسأل الله أن يقبضه إليه، وأن يمنّ عليه بالشهادة في بلد النبي صلى الله عليه وسلم.
كما ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يقول: "اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك، وموتاً في بلد رسولك". فاستجاب له الله هذا الدعاء، وجمع له بين هذين الأمرين: الشهادة في المدينة النبوية، وهذا عزيز جداً.(59/10)
ولكن الله لطيف بمن يشاء تبارك وتعالى، فاتفق له أن ضربه أبو لؤلؤة فيروز، المجوسي الأصل، الرومي الدار، وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الصبح من يوم الأربعاء، لأربع بقين من ذي الحجة من هذه السنة، (23هـ) بخنجر ذات طرفين، فضربه ثلاث ضربات. وقيل ست ضربات، إحداهن تحت سرته فقطعت السفاق، فخرّ من قامته. واستخلف عبد الرحمن بن عوف (ليؤم الناس في هذه الصلاة) ورجع العلج (أبو لؤلؤة) لا يمر بأحد إلاً ضربه، حتى ضرب ثلاثة عشر رجلاً مات منهم ستة، فألقى عليه عبد الله بن عوف برنساً فانتحر نفسه (أي انتحر لما قبض عليه) لعنه الله.
وحمل عمر إلى منزله والدم يسيل من جرحه... ثم صلى بعض الوقت، ثم سأل عمن قتله من هو؟ فقالوا له: أبو لؤلؤة، غلام المغيرة بن شعبة.
فقال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي على يدي رجل يدّعي الإيمان، ولم يسجد لله سجدة"( ).
أبو لؤلؤة عند الشيعة؟
أما الروايات الشيعية عن عمر وقاتله، فيشيب لها الرأس، ويكفي أن نورد ما ذكرته "منتديات يا حسين"، فقد جمعت آراء القوم ومصادرهم في ذلك، وجاء فيها: أبو لؤلؤة هو من تشرف بقتل أخبث خلق الله من الأولين والآخرين، وأظلم خلق الله لمحمد وآله الطاهرين، من آذى رسول الله في بضعته الزهراء وآله الميامين، وقد فرج الله عن آل محمد على يديه ووفّقه لقتل ذلك اللعين.
وقد ادعى البعض أن أبا لؤلؤة مات نصرانياً، وادعى غيرهم أنه مات مجوسياً، وقسم ثالث أنه مات يهودياً، وقد جانب الجميع الصواب في ذلك، إذ كان أبو لؤلؤة من أكابر المسلمين والمجاهدين، بل ومن خلّص أتباع أمير المؤمنين (علي) عليه السلام، وقد بشر أمير المؤمنين بدخول أبي لؤلؤة الجنة، وسيتضح ذلك فيما يلي:
إثبات فضل أبي لؤلؤة:
•…راجع كتاب "الهداية الكبرى" للحسين بن حمدان الخصيبي (ص162).
•…"مدينة المعاجز" السيد هاشم البحراني (ج 2 ص44).
•…"مدينة المعاجز" السيد هاشم البحراني (ج2 ص243).(59/11)
•…"بحار الأنوار" العلامة المجلسي (ج30 ص 276)، نقلاً عن كتاب: "مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام" (70 – 79).
•…"مستدرك سفينة البحار" الشيخ علي النمازي (ج9 ص219).
•…"مجمع النورين" الشيخ أبو الحسن المرندي (ص221).
تهديده لعمر بن الخطاب عليه من الله ما يستحق وإثبات إسلامه:
•…كتاب "مستدرك سفينة البحار" للشيخ علي النمازي (ج9 ص 214).
كيف قتل أبو لؤلؤة عمر ....
•…كتاب "مجمع النورين" للشيخ أبي الحسن المرندي (ص222).
هذا ويقع قبر أبي لؤلؤة في مدينة كاشان في إيران، ويزوره المؤمنون الموالون في هذه المناسبة كل عام ويحتفلون عنده، ويعرف في إيران باسم (بابا شجاع الدين أبو لؤلؤ)".
أما في موسوعة" ويكيبيديا"، فنجد عن أبي لؤلؤة ما يؤكد كلام الشيعة، حيث جاء فيها: "يعتبره تيار من الشيعة مسلماً من شيعة علي، قال الميرزا عبد الله الأفندي: "إن فيروز قد كان من أكابر المسلمين، والمجاهدين، بل من خلص أتباع أمير المؤمنين عليه السلام". وقال: "والمعروف كون أبي لؤلؤة من خيار شيعة علي"، وتذكر بعض الروايات أنه نجى بعد مقتل عمر وهرب إلى مدينة قاشان الإيرانية حيث مات فيها.
وتدعي عائلة "عظيمي" في مدينة قاشان في إيران الانتساب إليه، ويزعم أبناؤها أنهم من ذريته، ويسميه الشيعة في قاشان بابا شجاع الدين، ويوجد مقام في مدينة قاشان في إيران يُزعم أنه مقام أبي لؤلؤة"( ).
إذا بات واضحاً الفرح الذي يظهره الشيعة بمقتل عمر على يد المجوسي إذ تظهر الصور المتاحة على شبكة الإنترنت، مقام أبي لؤلؤة، وجموع الشيعة تؤمه وتعظمه( ). وقد أوردت "شبكة البصرة" وغيرها تفاصيل مشاريع في عهد الجمهورية الإسلامية لترميم مزار أبي لؤلؤة( ).(59/12)
ويقول بعض الشيعة، من أمثال ابن مطهر الحلي في كتابة "منهاج الكرامة في إثبات الإمامة" أن قتل عمر جاء بعد دعوة فاطمة بنت النبي رضي الله عنها على عمر لأنه - كما يزعم الشيعة - اغتصب أرضها وأحرق دارها.
وقد ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على افتراءات الشيعة والحلّي برد موجز، فقال: "وما فعله أبو لؤلؤة كرامة في حق عمر رضي الله عنه، وهو أعظم مما فعله ابن ملجم بعلي رضي الله عنه، وما فعله قتلة الحسين رضي الله عنه، فإن أبا لؤلؤة كافر قتل عمر، كما يقتل الكافر المؤمن، وهذه الشهادة أعظم من شهادة من يقتله مسلم، فإن قتيل الكافر أعظم درجة من قتيل المسلمين، وقتل أبي لؤلؤة لعمر كان بعد موت فاطمة بمدة خلافة أبي بكر وعمر إلاّ ستة أشهر، فمن أين يُعرف أن قتله كان بسبب دعاء حصل في تلك المدة"؟!( ).
التسخيري ومزار أبي لؤلؤة
وبالرغم من وضوح مسألة أبي لؤلؤة عند الشيعة، إلاّ أن بعض علمائهم، وخاصة المعاصرين، يحاول التفلت والالتفاف، وإنكار ما لا يسع إنكاره.
ففي العشرين من يناير/ كانون الثاني 2007، عقد في العاصمة القطرية، الدوحة، مؤتمر للحوار بين المذاهب الإسلامية. وفي ذلك المؤتمر، طلب بعض علماء السنة من المراجع الشيعية، وعلى رأسهم رئيس الوفد الإيراني محمد علي تسخيري، وهو في نفس الوقت رئيس مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران، إزالة مقام أبي لؤلؤة، الموجود في مدينة كاشان لتحقيق التقارب وإزالة معيقاته بين السنة والشيعة.
لم يجد التسخيري أمامه إلاّ التقية للتعامل مع هذا الموضوع، فقال: "إن أبا لؤلؤة رجل مجرم أقيم عليه الحد في المدينة المنورة، ودفن فيها، ولم تنقل جثته إلى إيران".(59/13)
ليت التسيخري سكت عند هذا الحد، إنما حاول التقليل من هذه المسألة، فقال: "والقبر الموجود في كاشان مجرد مكان وهمي ليس له اعتبار، ولا يزوره أحد". ويضيف: "لا يهتم بهذا المزار أو المشهد إلاّ بعض المتطرفين في ثقافتهم، ونحن غير مسؤولين عنه، ولا نرى أحداً في إيران يهتم به، ومع هذا للأسف يثير أعداء الثورة الإسلامية ومثيرو الفرقة بين التشيع والتسنن، قضية سخيفة لا قيمة لها"( ).
للاستزادة:
1.…"منهاج السنة النبوية" شيخ الإسلام ابن تيمية.
2.…"مختصر منهاج السنة النبوية" للشيخ عبد الله الغنيمان.
3.…"البداية والنهاية" الإمام ابن كثير.
4.…"التشيع العلوي والتشيع الصفوي" د. علي شريعتي.
5.…"منتديات يا حسين".
جهود علماء العراق في الرد على الشيعة
عبدالعزيز بن صالح المحمود
القسم الرابع
الشيعة وتأسيس الدولة العراقية الحديثة
ملخص ما سبق:
في القسم الأول تناول الكاتب تاريخ تشييع بعض مناطق وعشائر الجنوب والوسط في العراق، وأسبابه. وفي القسم الثاني تناول ثلاث مسائل:
-…سبب إهمال هذا التراث في الرد على الشيعة وعدم ذيوعه وانتشاره.
-…عرض لمؤتمر النجف الذي عقد برعاية حاكم إيران آنذاك نادر شاه، ونتائجه الإيجابية للعراق، إلا أن يد العجم الغادرة لم ترد لهذا المؤتمر النجاح، فقامت بإغتيال نادر شاه، وأجهضت جهودا قيمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
-…جهود جل علماء العراق في الفترة من بداية نشوء الدولة الصفوية وحتى تكوين الدولة العراقية الوطنية الحديثة سنة 1921م، ذاكراً أسماءهم ومؤلفاتهم والإشارة لكونها مطبوعة أو مخطوطة.
وفي القسم الثالث تطرق الكاتب إلى وضع الشيعة والتشيع في العراق في نهاية الدولة العثمانية وأثناء احتلال الإنكليز للعراق لغاية بدايات تكوين الحكومة العراقية سنة 1921م .(59/14)
وفي هذه الحلقة يواصل الكاتب استعراض أوضاع شيعة العراق في مرحلة بداية الدولة الحديثة وجهود الحكومة الملكية في العراق تجاه الممارسات والقوى الطائفية الشيعية.
(القسم الرابع)
أحوال الشيعة في بداية تأسيس الحكومة العراقية وموقف السُنة منهم:
ذكرنا سابقا أن ثمة صراعاً برز بين العلماء والمراجع الشيعة أنفسهم الإيرانيين والعرب، مارس فيه كل فريق منهم تشويه الآخر، واستطاع مراجع الشيعة العرب كسب تأييد رؤساء العشائر العربية، حين تضررت مصالح العشائر الريفية في نفس المرحلة نتيجة للضريبة الحكومية الجديدة على بعض المحاصيل الزراعية، فطلبوا من المراجع الوقوف معهم لتخفيف حجم الضريبة، فأيدهم المراجع العرب ورفض المراجع الإيرانيون وغير العرب ذلك بحجة أن العشائر لم تقف معهم في محنتهم عند إبعادهم إلى إيران.
توثقت العلاقة بين المراجع العرب والعشائر لا سيما المرجع أحمد كاشف الغطاء، وأصبحت له منزلة عالية عند القبائل والعشائر، إلا أن وفاته سنة 1926م قلبت الأمور ضد العشائر العربية وعادت السيطرة الإيرانية وغير العربية من جديد( ).
لعبت حكومة الملك فيصل الأول دوراً ذكيا في تقوية المراجع العرب، فدعمت المرجع العربي الشيعي محمد حسين كاشف الغطاء (ت: 1954م)، ومحمد علي بحر العلوم (ت: 1936م) وكان كاشف الغطاء مرشحاً للوصول إلى زعامة المرجعية الشيعية، ومحاطاً بعناية الملك فيصل حتى بعثه ممثلا للعراق في مؤتمر القدس سنة 1931م، وعين بحر العلوم عينا من أعيان الحكومة، وقويت الصلات بين الحكومة ومراجع العرب الشيعة (( .
كانت الحكومة العراقية تشعر بخطر المجتهدين الإيرانيين وغير العرب على العراق عامة وشيعة العراق خاصة؛ لذلك قامت بإبعاد المراجع الإيرانيين وغير العرب( ) الذين شكلوا مصدر قلق لاستقرار العراق بسبب تعلقهم ببلدهم الأصلي إيران وارتباطهم بمصالح إيران لا العراق.(59/15)
من جهة أخرى سعت الحكومة العراقية بعد ذلك للحد من نفوذ مجتهدي الشيعة العرب بين عشائر الجنوب بوسائل سلمية ونافعة لعموم المجتمع الشيعي والعراقي نذكر منها:
أولاً: إدخال التعليم المدني المعاصر، وليس الديني الذي كان هو التعليم الوحيد في مناطق الجنوب، مما رفع حالة الجهل والقبول بالخرافة والبدع. وارتبط العمل في أجهزة ودوائر الدولة العراقية بالتعليم غير الديني حيث كان لابد من سلوك التعليم المدني للوصول للوظيفة، وكان العمل في أجهزة الدولة هدفا لكل العراقيين.
وساعد تثقيف وتعليم أهالي الجنوب على تقليل سلطة (السادة) ورجال الدين الشيعة (الموامنة) الذين كان لهم دور في تشيع الجنوب وفي بقاء التشيع قوة اجتماعية بين العشائر. وأصبحت الدولة ودوائرها الرسمية هي البديل عن هؤلاء في عقود الزواج وفي حل المشاكل العشائرية، وهو الدور الذي كان يضطلع به السادة والموامنة.
ثانياً: إقامة علاقة قوية بين شيوخ العشائر والدولة كحافز اقتصادي، إذ أصبح أكثر شيوخ العشائر ملاكا لأراض زراعية واسعة في الجنوب، مقابل ذلك كان شيخ العشيرة هو من يحفظ الأمن والاستقرار في منطقته مع منحه صلاحيات واسعة في منطقته.
ثالثاً: إعطاء بعض رؤساء العشائر سلطة سياسية سواء في الحكومة أو في البرلمان، كما أن الأشراف (السادة) في العراق لم تكن لهم في العراق قدرة اقتصادية أو سياسية ، فأصبحت طبقة شيوخ العشائر هي الداعم الاقتصادي والسياسي للأشراف( ).
وهذا الجهد الملكي في تحجيم التشيع في العراق لم يُنتبه له أغلب الباحثين، فجهود مقاومة التشيع لم تكن محصورة عند أهل الدين والعلماء والدعاة والمفكرين السُنة، بل كانت هناك جهود أعم من ذلك وأشمل لمقاومة التشيع وخطر المجتهدين الإيرانيين وغير العرب، الذين استخدموا التشيع لخدمة دولة إيران، وأرادوا تسخير كل طاقات العراق لمصلحة إيران، كما يفعل اليوم.(59/16)
وهذه السياسة الملكية تجاه العشائر الجنوبية كانت أنجح بكثير من السياسة التي طبقها العثمانيون والقائمة على نظرية التفريق بين العشائر، فقد تقوت العشائر الجنوبية ولكن قوتها كانت داعما للدولة وليس أداة هدم لها، في حين أن سياسة العثمانيين تشبه سياسة شاه إيران المتمثلة في ضرب القبائل وشيوخها بعضهم ببعض وتحطيمهم (فرق تسد).
وخلاصة جهود الدولة في المرحلة الأولى تتلخص في أمرين:
الأول: منع سيطرة المراجع غير العراقيين وغير العرب على الشيعة، ولعل سبب هذا الاتجاه هو الفرق بين سلوك كل منهما فالمرجع العراقي أو العربي لا يحمل حقد الشعوبية التي تنظر إلى العرب نظرة دونية، كما أن العادات العربية تمنعه أحيانا من بعض السلوكيات المشينة التي يأباها العربي مثل زواج المتعة وغيره، إضافة لبعض المثل العربية؛ مثل النخوة والشهامة والكرم والتي هي صفات عربية أصيلة، إذا في المعادلة أو المشكلة الشيعية عنصران ديني وعرقي (قومي) ومن لم يفهمها لا يفهم كثيرا من السلوكيات الإيرانية، فمحرك العنصر الإيراني هو قومي وديني (التشيع) فمن نجا من الأول بقي فيه الثاني، ومن نجا من الثاني بقي فيه الأول.
الثاني: محاولة إبعاد سيطرة المراجع العرب على العشائر واعطاء دور للعشيرة في السيطرة على الجنوب .
ونتج عن هذه السياسة ضعف نسبي في نفوذ رجال الدين الشيعة، وصعود نفوذ رجال العشيرة، وأصبح التشيع وانتشاره محدودا إن لم يتوقف في العراق بعد تشكيل الحكومة العراقية سنة 1921م.(59/17)
وهذا التحول الاقتصادي والسياسي لشيوخ العشائر حوّل بوصلتهم نحو العاصمة بغداد وليس إلى كربلاء والنجف اللتين كان يدار فيهما كل شيء للعشائر، ومع توقف الزيارات الخارجية وتقليل مجيء الإيرانيين قلّ وضعف نفوذ مدينتي النجف وكربلاء. بل إن انتماء رؤساء العشائر للأحزاب السياسية في وقتها كحزب الاتحاد الدستوري وغيره قرّب رؤساء العشائر ببغداد والنخب السياسية، وأبعدهم عن رجال الدين الشيعة بشكل ملحوظ.
هذا من جانب، ومن جانب آخر مهم لم تعد هناك رغبة قوية لدى شيوخ العشائر بتكوين قوى مسلحة، وأصبح التنافس السياسي للوصول للسلطة هو الهدف الأول لهم، مما أضعف فكرة القيام بثورة أخرى يستغلها مراجع الشيعة سواء كانوا عربا أم إيرانيين.
كما عملت الحكومة بشكل ذكي على تشكيل قوة السراكيل (الموظف المراقب لشؤون العمل الزراعي) وهي طبقة من الناس تدير بشكل مباشر شؤون العشيرة الزراعية، وقوة لحفظ الأمن بدل شيخ العشيرة؛ الذي أصبح موجودا في بغداد لمتابعة التعاملات السياسية والاقتصادية، لذا تولدت قوة جديدة، وهي أيضا بديل عن قوة مراجع الشيعة.
وقوة السراكيل كانت موجودة في عهد العثمانيين ولكنها كانت قوة موظف همّه جمع الضرائب، أما في العهد الملكي فتغيّرت وأصبحت قوة فاعلة على الأرض.
النجف وكربلاء
هاتان المدينتان ليستا مدنا مقدسة عند الشيعة فحسب، بل هما مدينتا المؤامرات الشيعية على العراق، وفيهما تحاك كل المشاكل لمنع استقرار البلد حتى يكون العراق بلدا شيعيا، وإليهما يدخل الإيرانيون وغير العرب للعراق بحجة الزيارة وتعقد المؤامرات، ومنهما انطلقت المعارضة العراقية بعد سنة 1980م ومن يومها تشكلت بؤر شيعية ساعدت على احتلال العراق وقيادته أسوأ قيادة في تاريخه.(59/18)
وحتى يظل الحال على ما هو عليه من سيطرة المراجع على زمام الجنوب، فإن الأمر يحتاج إلى بقاء هذه المدن بؤرة اقتصادية مالية قوية لجذب كل رؤساء وشيوخ العشائر إليها. لذلك فبقاء هذه المدن قوية هو ضعف للعراق ، وضعف هذه المدن هو استقرار للعراق، وهذه قاعدة مهمة لمن أراد أن يفهم وضع العراق.
كانت هذه المدن تستمد قوتها الاقتصادية من الزيارات الدينية الشيعية من جميع أنحاء العالم، وهذا يتحول بدوره إلى قوة اقتصادية للمراجع، وكلما أصبح النفوذ المالي للمراجع أقوى، أصبحت قدرتهم على تحريك الشارع الشيعي أكبر .
لقد كانت هذه المدن بؤرة لتواجد الإيرانيين في العراق، ففي إحصاء سنة 1919م كان عدد الإيرانيين في كربلاء 80 ألف إيراني، وهذا يعني أنهم يشكلون 75% من سكان المدينة. أي أن مدينة عراقية ثلاثة ارباع سكانها ليسوا منها، بل ليسوا عراقيين!!
وليس هذا فحسب بل كان كل من يريد التهرب من الخدمة العسكرية ينكر جنسيته العراقية ويعد إيرانياً!!
لقد كان في كربلاء عدد كبير من المدارس الإيرانية والموظفين الإيرانيين العاملين في القنصلية الإيرانية لإدارة شؤون رعاياها من قبل الإيرانيين وغير العرب، كما وجد عدد من التجار. وبعد كل ذلك كان يوجد كم كبير من المخبرين ورجال المخابرات الإيرانية. كما أن تواجد الإيرانيين والشيعة غير العرب في النجف أقل من كربلاء، وكذلك في مدينة الكاظمية وفي مدينة سامراء.(59/19)
تولدت لدى الحكومة العراقية الملكية رغبة قوية بتحجيم الوجود الفارسي أو الأصح الوجود غير العربي في هذه المدن، لذا أصدرت الحكومة سلسلة من القرارات في سنة 1924م لحصر حملة الجنسية العراقية، فقد خُيّر حملة الجنسية الإيرانية سواء كانوا من أصل إيراني، أو عراقي حملوا الجنسية الإيرانية بغرض التهرب من الخدمة العسكرية إبان الحكم العثماني، خيّر كل هؤلاء بين أن يصبحوا رعايا عراقيين بتخليهم عن الجنسية الإيرانية ، أو اعتبارهم إيرانيين ، و التعامل معهم كمقيمين وليسوا كعراقيين. وكان ثمة قانون آخر وهو منع تشغيل من يحمل جنسية غير عراقية في دوائر الدولة، سيما ممن لا يجيدون التكلم باللغة العربية و كان هذا سنة 1927م.
كما أن تطورا آخر حصل سنة 1935م بقانون منع مزاولة العمل في العراق لغير العراقيين، وشمل هذا عشرات المهن التي كان الإيرانيون يزاولونها في العراق( ).
كانت هذه القرارت تهدف إلى تحجيم التواجد الإيراني الذي شكل مصدر ازعاج وقلق للعراق. كما نتج عن هذه القوانين كسر احتكار وسيطرة الإيرانيين على سوق العمل في كثير من مجالات العمل داخل العراق واستبدالهم بطبقة عاملة عربية عراقية.
وشملت القوانين أيضا رعاية الأضرحة في النجف وكربلاء، ففي سنة 1948م صدر قانون بمنع سيطرة الإيرانيين وغير العرب عليها وأنيطت أمورها لوزارة الأوقاف. كما سيطرت الحكومة على الأموال الموجودة في الأضرحة والتي كانت عصب قوة المراجع الشيعة.(59/20)
كل هذه القوانين والإجراءات تمت ليس بهدف سيطرة السنة على الشيعة – كما يدعي الشيعة اليوم- بل لمنع النفوذ الإيراني، ومنع سيطرة العمائم الإيرانية والموجهة من داخل إيران لضرب استقرار العراق؛ وهذه الخلفية التاريخية تفسر لنا بوضح تام السبب الذي يجعل الساسة العراقيين الشيعة يركزون على تعزيز مكانة رجل الدين، وعلى تعظيم كربلاء والنجف، وحرصهم اليوم على إقامة مطار قربهما، وتفعيل جباية الخمس وزيارة المراقد، ذلك أنها تشكل طرقا مختلفة لعودة الهيمنة الإيرانية والشيعية على العراق.
ونستطيع القول: أنه كلما انتعشت هذه المدن (كربلاء والنجف) اقتصاديا، كثرت المؤامرات على العراق، وكلما بقيت هذه المدن بحجمها الطبيعي استقر العراق أكثر وأكثر.
كما يعطينا هذا تفسيرا لهذا الزخم الإعلامي لتضخيم هذه المدن؛ فهي توصف بالمقدسة، كما توصف النجف بالأشرف دائما على لسان كل مسؤول، وتوجه لها الإنظار في كل مناسبة دينية عند الشيعة، وهذا كله مدروس لإعطاء هذه المدن دورا متميزا غرضه ما ذكرنا آنفا.
لقد اربكت هذه الإجراءات والقوانين التي سنّتها الحكومة العراقية كثيرا من مجتهدي الشيعة، الذين أحسوا مبكرا بأن سياسة الحكومة آنذاك خطر على وجودهم، مما جعلهم يشكون لوزير الخارجية الإيراني فيروز عندما زار العراق سنة 1920م( ) من أن وضعهم في العراق قلق، وأن مستقبل التشيع العراقي في خطر، كما ازداد قلق المراجع بسبب خشيتهم من تأثير هذه الإجراءات الحكومية على مواردهم المالية في العراق (وهي ضخمة)، مما يعرض موقعهم الديني والإجتماعي المرموق بين شيعة العراق للزوال.
لقد شكّل تأسيس الدولة العراقية مشكلة للمراجع وتقييدا لنفوذهم في العراق لذا وقفوا ضده وحاربوه بكل السبل.
وعندها بدأت إيران بإيجاد بديل عن النجف وكربلاء داخل بلادها وكان هذا أوان ظهور مدينة قم كمركز ديني جديد للشيعة في عشرينيات القرن المنصرم، لتكون تحت سيطرتها التامة.(59/21)
كان هناك دافع آخر (اقتصادي) لدى الحكومة الإيرانية لتهيئة بديل عن كربلاء و النجف، وهو إيقاف الهبات المالية (الخمس) وغيرها من الذهاب للعراق، وتحويلها إلى قم( )، وبذلك تضاربت مصالح علماء الشيعة في العراق وإيران بعد اختلاف المركزين (قم – النجف وكربلاء).
إيران والحكومة العراقية الجديدة:
تعد قوة العراق - سواء كانت اقتصادية أو سياسية- أمراً مزعجاً لإيران دائما؛ لأنها تعيق تحقيق حلم إيران بالسيطرة على العراق أو إضعافه على الأقل، ولتحقيق هذا تستخدم إيران ورقة التشيع، فلو ترك شيعة العراق لوحدهم – وهيهات – لهان الخطب وكان الأمر أيسر، لكن بين العراق وإيران تاريخ مر، يجب أن يعرفه كل دارس لتاريخ وواقع العراق اليوم؛ فعندما تشكلت الحكومة العراقية الملكية سنة 1921م رفضت إيران الاعتراف بها، سيما وأنها فشلت في ثورة العشرين (الثورة الشيعية التي كان هدفها تحويل العراق لبلد شيعي كما سبق توضيحه).
وفي عام 1924م ربطت إيران اعترافها بالعراق بثلاثة أمور:
1.…إعفاء مواطنيها من الخدمة العسكرية (لأن العراق فرض عليهم الخدمة إذا بقوا فيه).
2.…أن يتولى القنصل الإيراني إدارة شؤون الإيرانيين في العراق وأملاكهم.
3.…أن يحاكم المتهمون الإيرانيون بقضايا جنائية أو مدنية أمام محاكم خاصة، وليس أمام المحاكم العراقية.
وجراء الضغط الدولي على إيران للاعتراف بدولة العراق، قلّلت إيران من شروطها، وذلك سنة 1928م، بعد أن كانت رفضت الاعتراف بالعراق كدولة، لأن هدفها- كما ذكرنا - هو إضعاف العراق وحكومته بعد أن شعرت بأن سيطرة المراجع بدأت تتقلص شيئا فشيئا.(59/22)
وكردة فعل، حاولت إيران أن تزعزع العراق اقتصاديا من خلال تحريض القوى الاقتصادية والدينية الدائرة في الفلك الإيراني داخل العراق على مغادرة العراق مع سحب رؤوس أموالها الضخمة، لا سيما بعد ظهور قانون الجنسية الجديد الذي حجّم دور الإيرانيين، فتناقصت نسبة الإيرانيين في كربلاء حتى وصلت سنة 1957م إلى 12% ( ).
الشيعة وتأسيس الجيش العراقي
بسبب أوضاع المنطقة الشمالية غير المستقرة، ومحاولات تركيا فصل الموصل عن العراق، وظهور مطالب الاكراد بالانفصال وتكوين دولة مستقلة، وبسبب الجنوب العراقي غير المستقر لأكثر من 500 سنة مضت، وتدخلات المراجع الشيعة في شؤون العراق، كل هذه الأمور وغيرها دعت الحكومة العراقية إلى تشكيل جيش من الشعب العراقي لحفظ الأمن والاستقرار، والعمل على الاستقلال التام. فقد أعلن عن تشكيل الجيش العراقي بتاريخ 6 كانون الثاني سنة 1921م وكان أول فوج تشكل هو فوج موسى الكاظم كنوع من تودد الحكومة الجديدة للشيعة بعد ثورة العشرين...
ومن الطبيعي أن تكون نواة الجيش من بقايا العسكر والضباط العثمانيين وغالبيتهم من السنة سواء كانوا عربا أو أتراكا( ).
والذي لا يصدق أن الشيعة ليس لهم انتماء لأوطانهم – وأقصد المراجع ومن يسايرهم – فليتابع معي موقف الشيعة من الجيش في بداية تكوين الحكومة العراقية وهذا الموقف تداوله كل الشيعة (المراجع العرب وغيرهم والمثقفين) :
•…تحجج الشيعة في الجنوب بأنه لا داعي لتأسيس الجيش، وأن ما ينفق على الجيش الأفضل إنفاقه على اعمار الجنوب، وأن من الممكن الدفاع عن البلاد بدون جيش على حد تعبير بعض الكتاب الشيعة في الصحف( ).(59/23)
•…كما وقف الشيعة منتقدين للتجنيد الالزامي متوافقين مع رغبة بريطانيا ؛ إذ أنّ المندوب السامي البريطاني ابدى معارضته للتجنيد الإلزامي كذلك، بل إن طه الهاشمي( ) اتهم البريطانيين بأنهم كانوا وراء الشيعة لمنع التجنيد الالزامي، وهذا أمر معروف لدى الباحثين في الشأن العراقي( ) وطلب الشيعة من مراجع النجف السعي لوقف قانون التجنيد الإلزامي، وتم عقد مؤتمر في سنة 1924م لمحاربة هذا القانون..
والدافع من وراء هذه المعارضة هو إن الشيعة (المراجع ومن سار في ركبهم) يريدون بقاء البلاد غير مستقرة ليتسنى لهم الثورة متى شاءوا من غير قوة تردعهم( )، كما أن طبيعة شيوخ العشائر الجنوبية تميل الى عدم الطاعة، والتمرد على كل سلطة لتبقى السلطة لشيخ العشيرة فقط . هذه الأمور ساعدت على رفض هذا القانون.
إن روح التمرد هذه وعدم الإنضباط رغبة شيعية بحتة، ومصداقا لما أقول انظر اليوم ماذا يفعل جيش المهدي بالعراق، حتى وصل به الحال أنه يحارب حكومته الشيعية، لأنه يريد أن تبقى الأمور غير مستقرة دائما.
وهناك أمر آخر وهو أن العصيان على قانون التجنيد الإلزامي اتخذ عند الشيعة ذريعة لمساومة الحكومة على مطالب أكثر كما عبر عن ذلك أكثر من سياسي شيعي( ).
فقدت الثقة بين السنة والشيعة بسبب المواقف الشيعية من الدولة والجيش، وأصبح أهل السنة لا يثقون بأي حاكم شيعي بسبب تبعيته للإيرانيين من جانب، وبسبب رغبة الشيعة في العيش كمعارضين أو أن يكون الحكم لهم وحدهم، ومن يتمعن فيما جرى للعراق عندما حكمه الشيعة بعد الاحتلال الأمريكي في 9/4/2003 و ما يفعله الشيعة اليوم في البحرين ولبنان يدرك صدق ما أقول.(59/24)
هذا الشعور تجاه الشيعة لم يكن عند المتدينين السنة فحسب بل عمّ جميع الوطنيين من التيار القومي والعلماني، مما يوضح أن ظاهرة الشيعة وعدم صلاحيتهم لحكم أي بلد هي ظاهرة أدركها كل العراقيين السنة ولكنها ومع مرور الزمن غابت عن ذهنية الفرد العراقي فوقع في شرك الوحدة الوطنية الزائفة وتناسى العقلية الشيعية، حتى سقط العراق بيد الأمريكان وظهر للجميع حقيقة مقاصد الشيعة.
وضع الشيعة في عام 1927م ومحاولة تقسيم العراق:
على إثر الازمات بين الشيعة والحكومة اجتمع في سنة 1927م كبار الساسة الشيعة والمجتهدون في النجف للإستعانة بالبريطانيين وبالذات المندوب السامي البريطاني هنري دوبس لتغيير الحكومة، أو المطالبة بتقسيم البلاد وتشكيل حكومة شيعية في مناطق الجنوب منفصلة عن العراق، إلا أن عوام الشيعة في الجنوب رفضوا مقترح الانفصال؛ لأنهم عشائر حديثة عهد بالتشيع ولا يزال هناك ثمة رابط بينهم وبين أقربائهم السنة، إضافة لروح العروبة وحب العراق كوطن لهم منذ مئات السنين.
تصاعدت اعتراضات وقلاقل الشيعة في مناطق عدة كما تصاعدت مطالبهم بتمثيل أكبر في الحكومة، بيد أن عددا لا بأس به من ساسة الشيعة مثل جعفر أبو التمن فضح توجهات المراجع..
وقال: إن المراجع هم مَن منع الشيعة بفتاوى من الدخول في الحكومة فلما قامت الحكومة واستقرت طالبوا بمطالب، وكذلك لما قامت الحكومة ادّعوا أن الإنكليز وراء الحكومة فلما ضاقت عليهم الأمور استعانوا بالانكليز ضد حكومتهم العراقية!!
إضافة لذلك لم تكن عند الشيعة قيادة سياسية موحدة وكان بعض الشيعة يرفض قيادة المجتهدين، لما سببوه من مشاكل للشيعة بسبب فتاواهم ، وكانت رؤية بعض الشيعة سلوك مسلك البرلمان باعتباره الطريق الصحيح للحصول على الحقوق( ).(59/25)
إن محاولات تقسيم العراق اليوم من قبل عبد العزيز الحكيم وابنه ليست وحيدة أو جديدة أو وليدة، بل إن الشيعة منذ عشرينيات القرن الماضي وهم يسعون لهذا! لذلك لا يثق أي عراقي شريف (من أي اتجاه كان) بالتوجهات الدينية الشيعية، والعتب كل العتب على المؤرخين العراقيين الذين لم يوضحوا لشعبهم في العراق ولا خارجه الطموحات الحقيقة للمراجع الشيعة، منذ محاولات التهديد بالإنفصال سنة 1927م، وهي خير دليل على ما نقول.
ثورة 1935م الشيعية:
أعلن استقلال العراق في عصبة الأمم سنة 1932م وقد نظر الشيعة بتوجس لهذا الإستقلال؛ لأنهم أحسوا بقرب انتهاء النفوذ البريطاني على العراق والذي كانوا يعولون عليه لنيل مطالبهم كما هو حالهم اليوم، يسبون الشيطان الأكبر ومن ثم يتحالفون معه!!
فبكل وقاحة ودون حياء كتب شيعة من العراق ولبنان في عدة مجلات بأسماء مجهولة منها مجلة "العرفان" البيروتية مطالبات بحماية الشيعة؛ منها مقال بعنوان (الشيعة في بلادهم) بتوقيع (عربي) ومقال (اضطهاد الشيعة في العراق) بدون توقيع، وكتب ابن الرافدين مقال (الشيعة في العراق) كل هذه المقالات بأسماء غير معروفة، تحرض وتخوف من استقلال العراق قبل صدور الاستقلال ( )، وتشكلت لجنة شيعية تحت اسم (اللجنة التنفيذية لشيعة العراق) ورفعت مطالبها للهيئات الأجنبية في العراق، ونشرت في مجلة العرفان البيروتية العدد 23 سنة 1932م، وأثيرت اضطرابات تبين استعدادهم للعنف من أجل تحقيق ما يصبون اليه، ووصفوا الحكومة العراقية بإنها حكومة احتلال .
وبعملية خبيثة من بريطانيا لإثارة المزيد من البلابل، صدرت نتائج الإحصاء العراقي الذي يدّعي أن الشيعة أكثرية ( )، وزاد الوضع سوءا بوفاة الملك فيصل الأول سنة 1933م.(59/26)
وكانت الحكومة العراقية مضطربة، فقد اقدمت في سنة 1934م على أعمال غير مدروسة، منها قيام حكومة علي جودت الأيوبي بحل البرلمان، فقامت بعض الاضطرابات استغلتها احزاب وشخصيات سنية وشيعية، منهم التاجر الشيعي المعروف عبد الواحد سكر. ونتيجة لهذه الأوضاع وسوء التصرف سقطت حكومة الأيوبي ثم تلتها حكومة المدفعي وسقطت أيضا، ثم شكل الملك غازي بن فيصل حكومة ياسين الهاشمي( ).
ازدادت المعارضات الشيعية في البلد مع دخول سنة 1935م، وكان التجار والسياسيون الشيعة يتسابقون في تمثيل المكون الشيعي لنيل مكاسب ذاتية، وكانت الهوسات (رقصات الحرب في الجنوب العراقي) منتشرة في الجنوب، وهي إرهاصات ابتداء الحرب والاستعداد لها، وكان بعض السنة العرب- مع الأسف - يؤيدون هياج الشيعة لإسقاط الحكومة للحصول على مكاسب خاصة، بيد أن هذا التهيج للشيعة فتح شرا على البلاد وثورة عارمة ندموا عليها فيما بعد.
ومرة أخرى زجّ التجار الشيعة بورقة المرجعية لتوجيه الشيعة، فاجتمع عبد الواحد سكر بمجتهدي الشيعة العرب (محمد كاشف الغطاء وعبد الكريم الجزائري وجواد الجواهري) وجرت مشاورات واجتماعات بين التجار والمرجعيات لتقديم مطالبات والضغط على الدولة، بل على رأس الدولة الملك غازي، وهذا الأمر لم يحظ بقبول كل الشيعة سيما الذين بقوا في البرلمان؛ لأن هذا الأمر منح التاجر الثري عبد الواحد سكر صفة تمثيل الشيعة، لذلك لم يقفوا معه، لكنهم خافوا أن يفقدوا مكانتهم بين الشيعة بسبب عدم وقوفهم مع سكر، فتوجهوا إلى كاشف الغطاء مبدين استعدادهم للاستقالة من البرلمان ما لم تتحقق مطالب الشيعة، والذين تقدموا بها هم مجموعة من المحامين الشيعة المعروفين في بغداد.(59/27)
كانت مطالب الشيعة مطالب دينية للطائفة، مثل أن يدرس الفقه الجعفري في الجامعات، وقيام محاكم شرعية وفق مذهب الشيعة وغيرها من المطالب التي تخص جنوب العراق، وأيد هذه المطالب الجانب البريطاني الذي كان منزعجا من استقلال العراق، وفي نفس الوقت خائفا من النفوذ الأمريكي المتصاعد( ).
هذه المطالب أيدها التجار الشيعة المعادون لسكر؛ لذا رفض سكر هذه المطالب لأنها تثير فتنة طائفية، بيد أن المطالب قدمت من قبل كاشف الغطاء لرئيس الوزراء ياسين الهاشمي، ثم من أجل الضغط بشدة على الحكومة أصدر كاشف الغطاء فتوى تحرم على الشيعة المشاركة بأي حزب سياسي، بيد أن الهاشمي رفض هذه المطالب( ) ووعد كثيرا من رؤساء العشائر في الجنوب بتمثيل أكبر في البرلمان، كما عطلت الحكومة أحزابا مهمة _ تحوي سنة وشيعة _ من العمل لأنها لعبت دورا في زعزعة الأمن من أجل غايات سياسية تضر بالبلاد، بيد أن التجار الشيعة اعتبروا أن هذه الإجراءات دلالة على ضعف الدولة فأصروا على مطالبهم .
وبسبب إعتقال الشرطة لعالم شيعي يدعى أحمد أسد الله حرض العشائر على الثورة والتمرد في منطقة الرميثة في الجنوب العراقي، ثارت عشائر المنطقة ضد الحكومة عسكريا منها، عشيرة بني ازيرج والبو حسن والظوالم، وقاموا بفصل سكك الحديد( )، لذا قصفتهم الطائرات العراقية وتفاقم الوضع، مما جعل المجتهدين الشيعة الأربعة يدعون الحكومة للتفاوض، لكن الحكومة رفضت، لأن المجتهدين والتجار الشيعة يلعبون بمصير شيعة الجنوب فيصطنعون المشاكل ثم إذا احسوا بالضعف طلبوا المفاوضات، وقامت الحكومة بنفي المحامين الشيعة في بغداد ، الذين كان لهم دور تحريضي خبيث في توسيع دائرة التمرد.(59/28)
توسعت الثورة في مناطق المنتفق( ) في الجنوب العراقي وقطعت سكة الحديد بين الناصرية والبصرة واحتلت مدن عراقية في الجنوب وامتدت الثورة، وكادت تصل إلى مدينة الحلة لولا عزل القوات الحكومية لها وخشيت الحكومة من تفاقم الوضع فعملت بذكاء( ) على شق الصف الشيعي، ففاوضت بعضهم وحاربت البعض الآخر..
وشارك في المفاوضات شخصيات شيعية معروفة مثل صالح جبر ومحسن شلاش، وهي شخصيات شيعية استلمت مناصب وزارية ( )، وكان الهاشمي مصرا على تلبية مطالب الشيعة ولكن ليس على يد المراجع؛ لأنه يدرك دور المرجعية التخريبي والذي يقف دائما ممهدا لتدمير العراق وأهله مستغلا المذهب لذلك.
هدأت الأوضاع وكشفت الثورة أن ثمة مصالح بين الشيعة أنفسهم لاستغلال الجنوب الشيعي باسم التشيع؛ فمرة يستغله المراجع، ومرة التجار، ومرة يستغلونه لإسقاط الحكومة، وهكذا لعب قادة وساسة وعلماء الشيعة بالعراق بلعبة المطالب الشيعية ليحولوا الجنوب العراق إلى منطقة غير مستقرة ومتخلفة وفقيرة دونا عن مناطق العراق الأخرى، وهذا كله بسبب غياب القائد الشيعي المخلص لأبناء الجنوب، ونفس الاتجاه: المرجعية ترتع بأموال الخُمس بينما الفقراء في جنوب العراق يتضورون جوعا وفقرا وحرمانا، لذلك شعر بعض عقلاء الشيعة بهذه الحركات ورفضوا هذه الثورات، ومن هؤلاء التاجر والسياسي جعفر أبو التمن، والأديب محمد رضا الشبيبي واعتبروا هذه الحركات دعوات طائفية مخلة بالمواطنة، وأن المطالب الشيعية لها طرق غير الثورة.(59/29)
إنّ حِرص المراجع الشيعة العرب على موقع الممثل والمؤثر السياسي، جعل من اتباعهم ورقة يلعبون بها فيهيجون الجماهير ويوردونهم المهالك حتى يبقوا هم دائما في سدة الحكم والقيادة، وهذا ما يفسر اليوم كثرة مطالبة آل الحكيم وجميع الأحزاب الشيعية بدور المرجعية وأهميتها حتى وضعوا لها فقرة خاصة في الدستور العراقي الجديد. وانتقد كثير من الشيعة كاشف الغطاء، الذي استخدم الثورة والعنف المسلح، مستغلا رؤساء العشائر لذلك. وفهمت الحكومة لعبة المراجع، وبذكاء يحسب لها، استطاعت فصل دور المراجع عن شيوخ العشائر، عبر منح عشائر الجنوب صلاحيات اقطاعية ومالية كبيرة، واصبحت هوية الجنوب عشائرية غير خاضعة لسلطة المرجعيات، وبهذا أراحت العراق من مشاكل امتدت أكثر من 40 عاما( )، وهدأ الجنوب، وازدادت نسبة التعليم وأصبح الصراع بين الشيعة والسنة يأخذ طابعا مدنيا لا عسكريا. ولم يرجع نفوذ المراجع إلى الجنوب إلا في منتصف السبيعينيات.
الفترة بين سنة 1935 – 1958 م:
في هذه المرحلة ازداد عدد الشيعة المتعلمين، وتقلد بعض الشخصيات الشيعية وزارات حساسة مثل وزارة المعارف التي تقلدها عبد الكريم الأزري ومحمد فاضل الجمالي، وهما من الشيعة العلمانيين، وظل هذا المنصب حكرا على الشيعة منذ سنة 1931م ولغاية 1943م.
أدى انتشار التعليم الحديث في أوساط الشيعة إلى الحد من سيطرة العمائم السوداء والخضراء والبيضاء على عقول الشيعة وأصبح لدى الشيعة فئة مثقفة دخلت في كل الأحزاب الشيوعية والعلمانية والعروبية وتخلصت من دياجير الخرافة والظلمات الشيعية لأن هذه الأحزاب تتبع الفكر المادي العقلاني بعكس التيار الشيعي المغرق بالخرافة والأسطورة، وإن لم يكن هذا التخلص كليا إلا أن التحول كان كفيلا بخلط الشيعة مع السنة العراقيين ودمجهم، بخلاف ما كان يريده مراجع الشيعة من عزلهم عن شركائهم في الوطن بحجة مغايرة المذهب.(59/30)
واتخذ صراع الشيعة مع السنة شكلا من الرقي بعيداً عن وسائل الهمجية والثورة، التي يتبعها المراجع سواء كانوا إيرانيين أم عربا( ).
وحين استقل العراق، أبقت فيه بريطانيا قواعد عسكرية لها، وكانت بريطانيا تضع العراق تحت المراقبة وتتدخل في سياسته، وقد حاول الملك غازي التخلص من ذلك الوضع لكنه لم يتمكن، فقتل بمؤامرة سنة 1939م ووضع ابنه فيصل الثاني ملكا على البلاد، ولأنه كان صغيرا وضع خاله عبد الإله وصيا عليه، وكان عبد الإله هو حاكم البلاد الفعلي وكان عميلا انكليزيا صرفا، لذلك قام نفر من الضباط والساسة السنة بمحاولة انقلاب عسكري، سمي بثورة مارس سنة 1941م بقيادة رشيد عالي الكيلاني ومجموعة من الضباط الأحرار السنة كصلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد وغيرهما، وحاول السنة إشراك الشيعة معهم بالثورة ضد بريطانيا والتخلص من الوصي عبد الإله وتشكيل حركة وطنية شاملة، فعرضوا على (محمد الصدر) وهو شخصية شيعية سياسية معروفة تولي الوصاية على الملك، لكنه رفض بحجة أنه كان صديقا لعبد الإله، وكان مجلس الأمة جاهزا لقرار عزل عبد الإله، وهكذا وقف الشيعة مرة أخرى ضد المصلحة الوطنية.
فرح الشيعة بفشل ثورة مارس وهروب رشيد عالي الكيلاني، لأن الكيلاني كان قاسيا عليهم عندما كان وزيرا للداخلية في حكومة الهاشمي، فهو أعرف الناس بالشيعة ومكائدهم، ولذلك نقده الشاعر الشيعي عبد الحسين الأزري بقصيدته المعروفة ( ).(59/31)
عاد البريطانيون بعد انتهاء الثورة إلى السيطرة على العراق، وتم اعدام بعض قادة الثورة الذين لم يتمكنوا من الهرب، واستغل الشيعة هذا الوضع فطلبوا من البريطانيين زيادة مشاركتهم في الحكومة والبرلمان، فاجتمع محمد الصدر رئيس مجلس الأعيان مع( سي جي ادموندس) المستشار البريطاني لوزارة الداخلية العراقية، لتبليغه باستياء الشيعة في الجنوب وقال عن السنة يومها: (ليس في عروقهم حب حقيقي للعراق)( ) واشتكى للبريطانيين من السنة وتكلم عن الوطنية!! أقو : سبحان الله! يصطاد الشيعة دائما في الماء العكر، وعند كل جرح يصيب الأمة كما فعلوا إبان الحصار (1990-2003م) وإبان دخول المحتل، فبينما يريد العراقيون السنة خروج البريطانيين من بلادهم يشتكي الشيعي للبريطاني من السنة!
والسؤال المطروح : هل للشيعة وطن يحبونه ؟ كلا والله بل هم لا يحبون إلا أنفسهم وطائفتهم، ولولا التقية لخرجت أحقادهم للعيان كما فعلوا في حكومتي الجعفري والمالكي في الوقت الحاضر.
حصل الشيعة على مكاسب إضافية في الدولة العراقية، فقد عين الشيعي صالح جبر رئيسا للوزراء سنة 1947م بعد أن كان وزيرا للداخلية في سنة 1941م.
بيد أن صالح جبر كان من حزب نوري سعيد السني، وكان جبر شديد العمالة للأنكليز- ويعرف ذلك كل العراقيين - وبدأ جبر يكثر من الخبراء البريطانيين في الدولة العراقية وحاول عقد معاهدة مع البريطانيين، إلا أن مظاهرات صاخبة خرجت في بغداد تصرخ (يسقط الرافضي) كناية عن حكم صالح جبر وذلك سنة 1948م وأدت المظاهرات إلى استقالة جبر، فقام الشيعة بثورة لصالح جبر وليس لصالح الوطن( ) ،بيد أن جبر سقط ، ثم حاول أن ينشئ كيانا سياسيا مستقلا عن نوري سعيد يحظى بتأييد النواب الشيعة سيما نواب مناطق الفرات الأوسط.(59/32)
واستطاع جبر اسقاط حكومة نوري سعيد، وقامت حكومة توفيق السويدي التي عين فيها صالح جبر وزيرا للداخلية، وحصل الشيعة على وزارات الداخلية والمالية والاقتصاد، وخططوا للسيطرة على وزارة المعارف، وبدأت مؤامرات وحملات شيعية لإبعاد السنة من الحكومة، وكان طائفية صالح جبر واضحة فعمل علانية للسيطرة الشيعية على العراق بواسطة تعيين الشيعة في المناصب العليا في الدولة، وازداد التوتر العام بين السنة والشيعة خلال السنتين 1950 – 1951م.
وبلعبة سياسية ذكية من نوري سعيد أقيمت انتخابات جديدة سنة 1953م وشعر جبر بأن البساط سحب منه فقرر مقاطعة الانتخابات وخسر أتباعه، وفاز نوري سعيد وشجب الشيعة تصرف جبر لأنه أفقدهم الشيء الكثير، ومات جبر كمدا من ذكاء نوري سعيد سنة 1957م.
الشيعة والحزب الشيوعي:
ظهر الحزب الشيوعي في العراق في أواخر العشرينيات من هذا القرن، إلا أن مرحلة الأربعينيات والخمسينيات شهدت قمة نشاط الشيوعية، وكان أكثر من ينتمي لهذا الحزب هم الشيعة، ولعل السبب وراء هذا الإنتماء هو: أن الشيوعية والشيعة كلاهما نظام متمرد على الواقع المجتمعي. وكلاهما يؤمن بالدم والثورة. وكلاهما ينطلق من عقدة اضطهاد.
وكانت الشيوعية تقاوم المد القومي وتحاربه لأنها فكرة أممية، والشيعة يعادون العروبة من وجهة نظر شعوبية. وكان السنة هم من يدافع عن العروبة ويريدون التوحد ضمن كيان عربي في حين وقف الشيوعيون والشيعة بوجه أي انتماء عربي.
وفي نفس الوقت شعر المراجع الشيعة المجتهدون في إيران والعراق بقلق تجاه انتشار الشيوعية في أوساط الشيعة في البلدين، لذلك تشجع المجتهدون لمحاربة الشيوعية ، وكان المجتهدون في العراق يوصون الحكومة العراقية بتتبع خطى الشاه رضا بهلوى في محاربة الشيوعية .(59/33)
أصبح هناك رغبة شيعية وإيرانية وبريطانية في محاربة الشيوعية في الخمسينيات، و تعززت الرغبة في عودة المدارس الدينية للعراق لمواجهة المد الشيوعي، فتعززت سلطة النجف وكربلاء من جديد، وقام المجتهدون ببث الأفكار الشيعية مثل زيارة الأضرحة، وسُمح لمهدي الخالصي بالعودة للعراق لتشجيع هذا الدور، ولأن الشيوعية أصبحت خطرا بالنسبة للكيان الغربي الرأسمالي، شجعت بريطانيا كل الجماعات الدينية في الشرق (سنية أو شيعية) للوقوف أمام التمدد الشيوعي .
وأصبح للشيعة موقفان، فمن ينتمي للحزب الشيوعي دوافعه مختلفة عمن يحارب الشيوعية، وكلاهما ينطلق من منطلق يختلف عن الآخر .
هذه هي خلاصة التحركات الشيعية في العراق منذ سنة 1920 م، سنة تأسيس الدولة العراقية الحديثة وتكوين الملكية العراقية إلى ظهور الجمهورية العراقية سنة 1958م.
ولا يسعني في نهاية هذا القسم إلا أن أذكر كلمة لعلامة العراق محمود شكري الألوسي وردت في مجلة المنار بحق وضع العراق وشيعته، إذ يقول:"ومن العجب أنّ الرافضي – محسن الأمين العاملي - ادّعى أنّ فرقته أطوع الناس للحكومة مع أن سيفها لم يزل على رقابهم، ولم يمض يوم من الأيام إلا والحرب معهم قائمة على ساقها، فكم ألجأوا الحكومة إلى خسائر ونفوس، وجميع القبائل الذين ترفضوا – تشيعوا – هم أعدى الناس لدولة الإسلام.
وفي هذا الإسبوع ورد تلغراف يخبر عن هجوم جمع منهم على شطرة المنتفق( )، وقتلهم جمعا من الضباط وعددا كثيرا من الأفراد .
وحروبهم في العمارة شهيرة، وكذلك قبائل الديوانية، والنجف، والسماوة، وكربلاء، ولم يزالوا قائمين على ساق الحرب مع الحكومة، واختلال العراق دائما إنما هو من الأرفاض – الشيعة - فقد تهرّى أديمهم من سمّ ضلالهم، ولم يزالوا يفرحون بنكبات المسلمين حتى أنهم اتخذوا يوم انتصار الروس على المسلمين عيدا سعيدا، وأهل إيران زينوا بلادهم يومئذ فرحا وسرورا .(59/34)
ولو بسطنا القول في هذا الباب وذكرنا حروبهم ومخازيهم لاستوجب إفراد مجلد كبير، والمنكر لذلك كالمنكر للشمس رأد الضحى" ا.هـ
خلاصة هذا القسم (القسم الرابع) ونتائجه:
هذا جزء من تاريخ شيعة العراق مليء بالمؤامرات والثورات، مرورا بثورة العشرين، وبأول محاولة للإنفصال سنة 1927م وبثورة سنة 1935م، وبمحاولات صالح جبر السياسية، والدور السيء الذي لعبته المرجعية الإيرانية، وكذلك المرجعية العربية، وقد مرّ بنا موقفهم من تأسيس الجيش العراقي، ومن استقلال العراق، وكيف ارهقوا العراق ومنعوا استقراره، قبل قيام الدولة العراقية الحديثة كما تجلى ذلك أيام الدولة العثمانية، وبعد قيام دولة العراق سنة 1921م .
ولقد سمعنا مرارا مطالب الشيعة في العراق بحقوقهم كشيعة، سمعنا هذا من قبل المراجع والمتدينين، والعلمانيين وعامة الشيعة، وأريد تسليط الضوء على هذه المطالب:
* يطالب الشيعة بحقوق دينية كشيعة، والسؤال ما هي حقوق الشيعة كدين أو كمذهب؟
يريد الشيعة من السنة اعتبارهم مذهبا كبقية مذاهب السنة، ولكنهم في نفس الوقت ينفصلون كليا في عبادتهم، فمساجدهم مستقلة عن مساجد السنة، وهم لا يقفون خلف السنة، وصلاة الجماعة شبه منعدمة عندهم، وصلاة الجمعة ظلت متوقفة إلا عند جماعة الخالصي، فأي وحدة يريدون وهم في واد، والمسلمون السنة في واد آخر، وكل أتباع المذاهب المنتشرة في أرجاء المعمورة سواء كانت زيدية أو إباضية يصلون مع أهل السنة في مساجد واحدة، إلا الشيعة الإمامية فهم يريدون أن ينفصلوا عن السنة ثم يطالبون بالوحدة معهم.
ومازال الشيعة في العراق لهم مساجدهم وحسينياتهم ولم تحاسبهم حكومة العراق السنية على ذلك، ولقد ادركنا الجنوب العراقي وفيه مناطق كاملة لا يوجد فيها أي مسجد شيعي، فإذا سعى السنة لبناء مسجد في تلك المناطق هبت العمائم لبناء حسينيات خوفا من انتشار التسنن!(59/35)
ثم ثبت بمرور الوقت أن الحسينيات ومساجد الشيعة هي أوكار مستغلة لتهييج الشيعة ضد استقرار وأمن العراق، وقد ذكرنا آنفا كلام علامة العراق الألوسي الذي يبين كيف أنهك شيعة العراق بلاد العراق، وكيف أن مساجدهم إنما تخرج كل حاقد معمم.
* كما أن من مطالب الشيعة الغراء! ترسيخ وحماية المراسم الحسينية من لطم وضرب بالقامات والسلاسل، وشتم الصحابة وقراءة الأغاني واللطميات في رثاء الحسين رضي الله عنه في شهر محرم، ولقد اهتم الشيعة بهذا الجانب أكثر من الصلاة والصوم والزكاة بكثير، بل أن الشيعي يتعلم الزيارة وآدابها وأقوالها أكثر مما يتعلم الصلاة. ولعلّي لا أبالغ إذا قلت أن نسبة المصلين بين أهل الجنوب متدنية جدا، بينما كل الشيعة يعرفون الزيارة وهي عندهم أهم بكثير من العبادات والعقيدة.
إذاً فقضية اللطميات هي من كبرى مطالب الشيعة في العراق. وعلى حكومة العراق أن تحتفل وتعطل في العام أكثر من شهرين لوفاة ومولد كل إمام، كما على الدولة العراقية أن تدخل حالة الاستنفار والطوارئ للمنع والحد من أي نشاط معاد للزوار الشيعة حتى لا تثور فتنة؟!
* كما يطالب الشيعة بإنشاء محاكم شرعية وفق المذهب الجعفري! وهذا أمره يسير جدا، وقد عمل به من زمن البعثيين.
* كما يطالب الشيعة بتمثيل سياسي أكبر، وأقول لقد ثبت لكل العراقيين أن الشيعة لا يمكن الركون لهم في قيادة البلاد، ففي مرحلة من تاريخ العراق حرّكتهم مراجعهم الدينية الإيرانية لمصالح إيران، وفي مرحلة أخرى حركتهم أحقادهم للانفصال من العراق( )، وتعاونوا من كل مستعمر ضد بلدانهم، فكيف يُطمأن لهم بعدُ ذلك، فها هو أمثلهم طريقة حسن نصر الله زعيم حزب الله يحطم بلده لبنان من أجل هدف إيراني.
وهاهم شيعة العراق أودوا بالعراق إلى الهاوية لأنهم أرادوا الحكم، فقد ثبت لكل عاقل أن هم الوطنية يحمله السُنة، وهمّ تحطيم البلاد يحمله الشيعة.(59/36)
والشيعة من أبعد الناس عن الحس الوطني والعروبي القومي، فميلهم لإيران واضح وولاؤهم في العراق ولبنان والبحرين والكويت هو لإيران فقط.
وهذا الحكم هو الغالب سيما لمن تديّن منهم، أما العلمانيون والشيوعيون والمثقفون فبعضهم لم يتأثر بالتشيع فأبقت فيه فطرته وثقافته غير الشيعية بعضا من النبل والوطنية وحب البلاد وصيانتها، وهذا قليل قليل، والنادر لا يقاس عليه. والله من وراء القصد.
أما الجهود الفردية والفكرية فسنتطرق لها في القسم الخامس بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.
(الملحق)
خرافة أكثرية الشيعة في العراق
الكثير من المواقع الرسمية الغربية والعربية المختصة بالتوزيع السكاني والجغرافي في العالم تشير إلى أن السنة هم الأكثرية في العراق، وليسوا الأقلية، مثل:
•…موسوعة (Wikipedia)، التي ورد فيها إن السنة العرب يشكلون (35 %) من سكان العراق. ومع الأكراد السنة فيكونون أكثر من الشيعة!
•…أما موقع وزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة المخابرات الأمريكية وموسوعة (frontier world) فإنها تجمع على أن نسبة السنة العرب في العراق تتراوح بين (32 % - 37 %)، كما يشير قاموس الشرق الأوسط الخاص بدول الشرق الأوسط ، إلى إن نسبة العرب السنة تتراوح مابين ( 32 % - 37 % ) من سكان العراق.
•…كما نشرت وكالة (قدس برس) للأنباء ثلاثة إحصائيات وصفتها بأنها عالية الدقة والحياد في تقرير لها بتاريخ ( 28/ 1/ 2004 م ).
الأولى: إحصائية المنظمة الإنسانية الدولية (هيوما نيتارين كورد ينيو فور) التي وضعت أصلاً لتوجيه العمل الإنساني في العراق في ظل الحصار الدولي الذي كان مفروضاً عليه من (1990) حتى (2003) ، تظهر الإحصائية إن عدد أبناء السنة العرب يزيد على الشيعة في العراق بـ (950,819) ألف نسمة.(59/37)
الثانية: تستند إلى البطاقة التموينية لعام (2003 م) وإحصائيات وزارتي التجارة والتخطيط في عهد النظام السابق، وإلى إحصاء سلطة الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق في الشمال، إذ تؤكد الإحصائية أن عدد السنة هو (377, 922,15) مليون نسمة ، وذلك بنسبة (58 %) من أجمالي سكان السنة من العرب والأكراد ، أي أن السنة العرب يشكلون (40 %) من سكان العراق ، والأكراد يشكلون (18%) في حين عدد الشيعة هو ( 347, 946, 10) ملايين نسمة وذلك بنسبة (40 %) بينما يشكل غير المسلمين (2 %).
الثالثة: إحصائية أعدت بالاستناد إلى معطيات التقرير السنوي للجهاز المركزي للإحصاء العراقي بنسخة دائرة الرقابة الصحية التابعة لوزارة الصحة العراقية .
وكذلك استندت إلى دراسة الأكاديمي العراقي ( د . سليمان الظفيري)، حتى توصلت الإحصائية الثالثة إلى أن نسبة السنة العرب والأكراد من مجموع سكان العراق المسلمين تبلغ (53 %) في حين تبلغ نسبة الشيعة (47 %). هذا وإن كتاب ( مختصر جغرافية العراق) المطبوع سنة (1922 م) يؤكد أغلبية السنة ، وأنهم يمثلون نسبة ( 48,8 %) .
كما هو واضح في دراسة الكاتب الانكليزي (البرت منتشاشفيلي) في كتابه (العراق في سنوات الانتداب البريطاني) والذي ذكر أن أغلبية سكان العراق هم من السنة التي تمثل نسبة (52 %) .(59/38)
وفي دراسة للدكتور (طه الدليمي) تعتمد على مقاربة عددية لإحصاء رسمي جرى عام (1996م) وعلى عدد الحصص التموينية التي كانت توزع على جميع سكان العراق قبل الاحتلال، توصل بعد إحصاء دقيق لجميع محافظات العراق إلى أن عدد أهل السنة هو (11) مليون، وعدد الشيعة هو (9) ملايين، أي أن عدد أهل السنة يزيد على عدد الشيعة في العراق بمقدار مليونين ، هذا يعني أن نسبة أهل السنة في العراق هي بين (52 % - 54 %)، ونسبة الشيعة في العراق هي بين (42 %-45%)، ونسبة الأقليات في العراق بين (3% - 4%) وعلى هذا فإن نسبة أهل السنة في العراق تبلغ (53 %) ونسبة الشيعة في العراق تبلغ (43 %) ونسبة الأقليات (4%).
وهذا ما كشفته الانتخابات البرلمانية حسب الأرقام والنسب المعلنة في انتخابات عام 2005 كما نشرته مجلة (الحوار، العدد 32 / آذار / 2005 م) بقلم (أحمد المشهداني).
وقد قامت مؤسسة "الرائد" الإعلامية في بغداد بإعداد فريق عمل خاص لإعداد إحصائية محايدة تكون أقرب ما يكون للواقع والحقيقة، فتوصلت إلى أن مجموع الشيعة هو (396, 478, 11) مليونا، أي أن نسبتهم ( 41 %) وإن مجموع أهل السنة هو ( 593, 182, 15) مليون نسمة، أي أن نسبتهم (56 %) وأن مجموع غير المسلمين هو (178, 814) ألف نسمة، فيكون نسبتهم في العراق هو (3%).
هذه كلها صورة لأعداد أبناء الطائفتين ونسبتهما، من بين الشعب العراقي بالاعتماد على إحصاءات ومؤشرات عديدة، فإن هذه الإحصاءات اقتربت من الحقيقة إلى حد كبير وتساهم في إزالة ما استقر في ذهن الكثير من الناس داخل العراق وخارجة. وتقريبهم إلى الحق والواقع والحقيقة والدقة ، بعيداً عن المبالغات والتهويل والافتراء، وتهزم دعاة الفتنة والطائفية.
مستند هذه الخرافة:(59/39)
بعد أن تبين لنا أكذوبة الأقلية السُنّية والأكثرية الشيعية بقي أن نعرف ومن وجهة نظر موضوعية: هل استندت هذه الأكذوبة على دراسة أو إحصائية معتبرة، الجواب بالتأكيد: لا ! .. وبعد البحث والتمحيص بما يصلح أن يكون مستنداً لها نجد أن هناك مصدرين غير معتبرين يمكن أن يُحتج بهما وقد خالفا الكثير من الدراسات والإحصائيات السابقة واللاحقة لهما:
الأول: مشروع تعداد متعجل قامت به قوات الاحتلال البريطاني عقب احتلاها للعراق سنة 1917م ذُكر فيه أن الشيعة يشكلون أغلبية سكان العراق وبأنهم يمثلون 55% من سكانه بينما العرب السُنّة يمثلون 19% والكرد 18% والطوائف الأخرى بنسبة%8 .
الثاني: دراسة لرجل يهودي يُدعى "حنا بطاطو" في كتابه "العراق الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية" وبطاطو كان أحد أساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت ما بين (1963-1967) حيث زعم أن الشيعة أغلبية كبيرة في العراق .. ولم يعطِ أي دليل على هذا الزعم وكان استقراؤه غير علمي خالف فيه الكثير من الخبراء الاجتماعيين العراقيين والعرب وحتى الأجانب، بل خالف الدلائل والأبحاث والإحصائيات التي جرت في العراق والتي تشير إلى عكس النتيجة التي ذكرها.(59/40)
وبنظرة موضوعية يسيرة يمكن إسقاط هذين المصدرين من الاعتداد إذا علمنا أن المصدر الأول خالفه إحصاء نفوس العراق سنة 1920م والذي اُجري في ظل حكومة الاحتلال البريطاني نفسه ونشر في كتاب "مختصر جغرافية العراق" المطبوع سنة 1922م، والذي يؤكد أغلبية السُنّة وأنهم يمثلون نسبة (48.8%)، كما يناقضه أيضاً ما جاء في دراسة الكاتب الانكليزي "البرت منتشاشفيلي" في كتابه "العراق في سنوات الانتداب البريطاني" والذي ذكر أن التركيب الطائفي لسكان العراق بأغلبية سُنّية تمثل (52%) وهذا إذا استبعدنا النية المبيتة في سياسة الاحتلال البريطاني بتضخيم الأقليات وإعطائها ثقلاً وحجماً أكبر ضمن سياسة (فرق تسد) المعتمدة لديهم.
أما المصدر الثاني فمع مخالفته ما ذكرنا والإحصائيات اللاحقة التي سنذكرها فهو لم يعتمد على أية وثيقة تثبت زعمه وإنما اعتمد الاستقراء وما يسمعه في مقابلاته الشخصية (عن مجلة الرائد العراقية/العدد 21).
أهل السنة في البحرين
بين العجز الرسمي والتشتت الشعبي
د. فاروق الشمري
[خاص بالراصد]
مقدمة:
أتاح المشروع الإصلاحي الذي دشنه ملك مملكة البحرين في فبراير 2001م بالتصديق على ميثاق العمل الوطني، وما أعقبه من تعديل دستوري وإعلان البلاد مملكة دستورية في فبراير 2002م، الفرصة أمام كافة التيارات الفكرية والسياسية البحرينية لممارسة نشاطها بشكل علني، والتعبير عن طموحاتها عبر المؤسسات المختلفة التي ظهرت كنتاج للإصلاح السياسي والاقتصادي الذي يشهده النظام السياسي البحريني.
إلا إن هذه الفرصة أثارت العديد من التحديات داخل المجتمع البحريني، وأخطر هذه التحديات هو بروز الصراع الطائفي بين السنة من جهة، والطائفة الشيعية من جهة أخرى، ويعود هذا الصراع إلى وجود أجندة غير معلنة لدى تيارات شيعية صفوية تسعى إلى السيطرة على كامل المجتمع البحريني، وقد تمتد طموحاتها لتولي مقاليد الحكم في البلاد.(59/41)
وتزامن كل ذلك مع المتغيرات التاريخية التي تشهدها منطقة الخليج العربي من سقوط النظام العراقي السابق، وتمكن الشيعة من السيطرة على الحكم في العراق بدعم من الإدارة الأمريكية وحلفائها، وهو ما تزامن مع هزيمة التيار الإصلاحي في إيران في الانتخابات التشريعية التي أجريت في فبراير 2004م وسيطرة التيار المحافظ المتطرف، ثم هيمنته على مؤسسة الرئاسة بعد تولي الرئيس محمود أحمد نجاد مقاليد السلطة في طهران خلال شهر يوليو 2005م.
من هنا فإن تهميش السنّة وتراجع دورهم في البحرين هو جزء من مشكلة إقليمية أكبر، حيث يواجه أبناء الطائفة السنية في العراق المشكلة نفسها، مما يعني أن ثمة علاقة واضحة بين تهميش السّنة في بلدان الخليج، وتهميشهم في البحرين تحديداً. وبالتالي فإن هناك تحدياً خطيراً يواجهه المجتمع البحريني مع تزايد دور الشيعة وتراجع دور السّنة في النظام السياسي البحريني، خصوصاً وأن المشكلة تتعلق بالأمن الوطني للبلاد، واحتمال تغيير نظامها السياسي على المدى الطويل من خلال العلاقات القائمة بين شيعة البحرين، وكل من الشيعة في لبنان والعراق والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية والكويت، والتي أطلق عليها ملك الأردن، عبدالله الثاني، اسم الهلال الشيعي( ).
أبعاد الخطر الصفوي على مملكة البحرين
نستطيع أن نُجملّ الخطر الصفوي على مملكة البحرين في النقاط الآتية:
1.…إسقاط حكم آل خليفة.. (السُّني).
2.…إقامة نظام شيعي موالٍ للنظام الثوري الخميني في إيران.
3.…التخلي عن عضوية مجلس التعاون الخليجي، والارتباط بالجمهورية الإيرانية.( )
4.…طرد أهل السنة من البلاد، أو تشييعهم بالقوة.
5.…جعل البحرين منطلقاً لتشييع بقية دول الخليج العربية، وإقامة دولة (البحرين الكبرى) الرافضية الصفوية.(59/42)
هذه الأهداف الخمسة، هي ما تهدف إليها التيارات الصفوية في البحرين ومنطقة الخليج، وقد أعلن المدعو ياسر الحبيب، (الكويتي الهارب إلى لندن) عن بعض أهداف التيار الصفوي لصحيفة (الوطن) الكويتية، فقال: "تؤمن جماعة خُدام المهدي بفكرة (البحرين الكبرى)، وتنطلق جهودها الحركية بالعمل على إقامة هذا الإقليم. وفي هذا الصدد يقول ياسر الحبيب أيضا: لا شك أن أعادة مجد البحرين الكبرى، وذات الحكم الشيعي الممتد يشمل البحرين وساحل الخليج بدءاً من الكويت شمالاً وحتى جنوب عُمان هو بلا شك سيضيف وزناً عظيماً للخارطة الشيعية العالمية، وقد يكون هذا صعباً لكنه ليس مستحيلاً إذا علت الهمة، ولا أقل من تطبيق الربط الثقافي والبرمجة الفكرية والسياسية بين هذه الأوصال الشيعية المقطعة)( ). ولا شك أن الصفوية الجديدة في البحرين تسعى بكل جد واجتهاد لتحقيق هذه الأهداف الخطيرة على مستقبل البحرين وأهلها.
كيف واجهت الدولة في مملكة البحرين هذا الخطر الصفوي؟
من أسفٍ أن مملكة البحرين وحكومتها ومؤسساتها المختلفة، اقتصرت في مواجهتها للخطر الصفوي على الجانب (الأمني).. والأمني فقط.. دون سائر المواجهات الضرورية الأخرى.
فمنذ قيام ثورة الخميني ونجاحها في الوصول إلى مقاليد الحكم والسلطة في إيران سنة 1979م، وامتداد خطرها إلى مملكة البحرين، والدولة في البحرين تواجه هذه الأخطار الصفوية بالأساليب الأمنية التي لا تقضي على أصل المشكلة أو تنهيها، وإنما تُسكتها. وتُسكنها لفترة قصيرة ثم تبرز المشكلة من جديد.
فالأساليب الأمنية - وحدها - لا تكفي لمواجهة الأخطار الصفوية الرافضية (المتجددة) وعلى كل الأصعدة. فقد تغلغل الصفويون في كل مفاصل الدولة باعتراف شيخهم (علي أحمد سلمان) في قناة أبو ظبي الفضائية عام 2006م.(59/43)
نعم.. استطاعت الصفوية الجديدة التغلغل والامتداد لكل مفاصل الدولة وشرايينها ومؤسساتها.. بل وحتى لمؤسسات الدولة الأمنية ذاتها، من مثل الجيش والشرطة والحرس الوطني، إضافة إلى سيطرتها على (التعليم) و(الاقتصاد) و(الزراعة) و(الاتصالات) إلى آخره.
كما أصبحت المآتم و(الحسينيات) بأعداد ضخمة جداً حيث عدد المرخص منها بشكل رسمي (1122) حسينية! أما غير المرخص بصورة رسمية فحوالي (5000) مأتم وحسينية!! وهي تعد مراكز وبؤر تَهديد فعلي للدولة ولنظام الحكم السنّي في البحرين.
فهذه الحسينيات مراكز (تحريض) دائم على الدولة، فمنها تخرج المظاهرات والاعتصامات، ومنها توزع المنشورات، وفيها يُخزن السلاح، كما لاحظت ذلك وكتبت عنه الكاتبة الشيعية (سميرة رجب)( ).
تعرضت الصفوية الجديدة في البحرين لضربات أمنية عديدة منذ السبعينيات، ولكن كل هذه الضربات لم تقض عليها، لأنها تغلغلت في مفاصل الدولة، كما قال الشيخ (علي أحمد سلمان).
أسباب عجز الدولة.. ومظاهره..
تعددت أسباب عجز الدولة في التصدي للخطر الصفوي الجديد، منها على سبيل المثال وليس الحصر:
أوّلاً: عدم وجود خطة استراتيجية مكافئة وقديرة وشاملة لمواجهة الخطط الصفوية.
ثانياً: السماح للصفويين الجدد بالتغلغل في مؤسسات الدولة ومراكز صنع القرار فيها.
ثالثاً: تجنيس أعداد ضخمة من الشيعة من إيران، والسعودية والعراق، في فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات.
وتفريغ البلاد من القبائل والعشائر العربية السنية، مما جعل الساحة البحرينية خلواً للعناصر الشيعية الرافضية تفعل ما تشاء طوال هذه العقود، وهي العناصر التي اعتمدت عليها الدولة في وزاراتها ومؤسساتها المختلفة و لم تظهر..
ولم تعرف الدولة خطورتها إلا في عام 1981، عندما قامت الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين بالإعداد والتخطيط لعملية انقلاب عسكرية( ).(59/44)
رابعاً: لم تستفد الدولة ولا المسؤولون فيها من النصائح الكثيرة التي قدمها المخلصون من أهل السنّة والجماعة في البحرين بضرورة التصدي لهذا الخطر الصفوي الداهم.. والقائم والذي يسعى لتقويض نظام الحكم، فكل صيحات (النصح) ذهبت أدراج الرياح.
خامساً: استخدمت الصفوية الجديدة (التقية السياسية) مع رجالات الحكم في البحرين لطمئنتهم. وفي الوقت ذاته تسعى لإهلاكهم وإسقاطهم، وقد نجحت هذه السياسة المتلوّنه لحدٍ بعيد.
سادساً: لا تملك الدولة مشروعاً متطوراً للنهوض بالجبهة السنُّية في البلاد.
سابعاً: الخوف الدائم من (إيران)، والذي انعكس بدوره على سياسة الإرضاء.. والاسترضاء لكسب ودّ الرافضة.. والصفوية الجديدة وطابورها الخامس، حتى وصلت هذه السياسة إلى الافراج عن (القتلة).. والإرهابين، وتعويضهم مادياً ومعنوياً... مما جعل كاتباً صحفياً يقول: (أن يستمر أقطاب الحكم وأطرافه وأصحاب القرار في.. المملكة، بتوالي اللقاءات وتقديم الهبات والعروض والمناصب والمسئوليات على أشخاص يقال عنهم في العلن إنهم "زعماء الفتنة والتحريض" فيما يتم اللقاء معهم والتودد إليهم في السر بعرض العطايا والأموال والأراضي والفلل والمناصب العليا العامة (كنائب محافظ أو وزير أو غيرها من المناصب العامة)، فهذا تأكيد بأن أصحاب القرار والحكم في... المملكة يعتبرون الشعب... مجرد (ساسان ديفة)... كلمة هندية معناها الأدوات والأغراض أو الأشخاص العالطة والمعطلة - .... إن كان من يحرض على القتل والتحريض والتخريب وقلب نظام الحكم يكون ثوابه اليوم اللقاء معكم والجلوس عندكم واستلام العطايا والمناصب منكم... إن ما تقومون به أثار التساؤلات والاستفهامات والاستغرابات، مما يجعل بعض الشعب مضطراً لأن يطالب بإعادة ترتيب البيت والمستقبل بكم أو حتى بدونكم..!!)( ) اهـ.(59/45)
ولعل هذا الأمر (الخوف) من إيران أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل أصحاب القرار في البحرين، من ملك ورئيس وزراء وولي عهد يعجزون عن اتخاذ قرار صائب ضد الصفوية الجديدة والحاقدة. فكيف.. وقد انضم للخطر الإيراني.. الخطر العراقي الصفوي بعد سقوط النظام السابق ووصول الرافضة إلى سدة الحكم والسلطة؟!
القرار السياسي الرسمي العاجز.. لا يعكس إلاّ الفشل
هذه السياسة الرسمية العاجزة، أدت إلى الفشل الذريع في حلّ الملفات الساخنة، وأهمها ملف (الطائفية).. وخطر الصفوية الجديدة، وجعلت الصف السنّي في البحرين يتساءل وباستغراب: لماذا يعجز القادة السياسيون في هذا البلد عن اتخاذ المواقف التاريخية الصائبة والسليمة في علاج هذه المسألة الخطيرة؟
هل لكونهم (عاجزين) أو أنهم غير (راغبين) في حل هذه القضية الخطيرة؟
إن شبح الحرب الأهلية الطائفية تطل برأسها على البحرين، وما يحدث في العراق بعد الاحتلال قد يحدث في مملكة البحرين، فكمية السلاح المهرب من إيران والعراق.. وأعداد الصفويين الجدد الذين تدربوا في إيران أو على يد حزب الله اللبناني، على استعمال هذا السلاح، وعن طرق ووسائل التجسس، وضروب المظاهرات والاعتصامات.. كل هذه المؤشرات تدل على أن الصفويين الجدد ينوون إشعال الحرب الأهلية.. والطائفية في هذه المملكة الصغيرة.
عجز أهل السنّة في البحرين وتشتتهم
يرجع عجز أهل السنُّة في البحرين وتشتتهم إلى عدة أمور.. منها:(59/46)
أولاً: عدم وجود مرجعية دينية أو سياسية (سنُّية) تسعى للحفاظ على مصالحهم ومصالح ذراريهم من بعدهم. فلا يوجد اليوم عند السنة في البحرين (مرجعية) تتكلم بلسانهم وترفع قضاياهم وهمومهم للقيادة السياسية في البلد. وسبب إنعدام المرجعية السنية هي الدولة التي حرصت ومنذ عقود متطاولة على عدم بروز أو ظهور أي من القيادات السنية. وكلما ظهرت مرجعية دينية أو سياسية عند أهل السُّنة يتم ضربها أو إجهاضها، أو تهميشها وإبعادها من الساحة السنية.. أو عن البلد كله.
حدث هذا في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم. وحتى هذا اليوم لا يُسمح بظهور قيادة سنية.. أو مرجعية سنية، سياسية كانت أو دينية. لتبقى المرجعية هي الدولة.. هي الأسرة الحاكمة.
ثانياً: اعتقاد عموم أهل السنُّة في البحرين بأن نظام الحكم مادام سُّنياً فلا خوف عليهم. وهو اعتقاد خاطئ من أساسه وفي أصله. فالأمور دول ـ كما يقال ـ ونظام الحكم السنّي في البحرين يهتز.. ويتزلزل بفعل الضربات الصفوية الدائمة والقوية.. والوطن على كف عفريت، ولا ندري - والعلم عند الله - هل يبقى الحكم في يد أهل السنّة.. أم يسقط في قبضة الرافضة والصفوية في المستقبل القريب وليس البعيد؟
ثالثاً: والسبب الأخطر عدم وجود (قضية) عند أغلب سُنّة البحرين، في الوقت الذي يؤمن الرافضة والصفوية الجديدة (بقضاياهم) وهمومهم ويسعون لتحقيقها وتطبيقها على أرض الواقع.
فإذا كان الموقف الرسمي في البحرين عاجزاً، فإن الموقف الشعبي السنّي أصبح مشتتاً وضائعاً، بسبب عدم وجود قضية يلتف حولها، أو يعيش من أجلها.
رابعاً: كما أن أهل السنة في البحرين لا يوجد لديّهم جمعيات أو منظمات مكافئة لجمعيات ومنظمات الرافضة التي تتلقى الدعم المباشر وغير المباشر من إيران (الثورة) وإيران (الدولة).(59/47)
فأقوى التنظيمات السنية في مملكة البحرين هو (الإخوان المسلمون) الذين تمثلهم (جمعية الإصلاح) وجناحها السياسي (المنبر الوطني الإسلامي)، وعدد من ينتسب إلى الإخوان المسلمين أو من يناصرهم ويشايعهم لا يزيد عن خمسة آلاف إنسان.
هذا في الوقت الذي استطاعت (جمعية الوفاق الوطني الإسلامية) أن تضم لصفوفها ما يربو على سبعين ألف منتسب، وهي جمعية شيعية واحدة من عددٍ من الجمعيات والمنظمات الرافضية.
خامساً: وأحد مظاهر العجز والتشتت عند أهل السنُّة، يتمثل بدعوة بعضهم للهجرة والهروب إلى خارج البحرين، إلى الدول الخليجية العربية الأخرى، أو الهروب والهجرة إلى كندا واستراليا وإلى الدول الاسكندنافية، مما يعطي انطباعاً على عدم ولائهم للأرض التي ولدوا فيها.. وعاشوا عليها.. ودفن آباؤهم وأجدادهم في أحشائها.
كما يدل.. على الضياع والتشتت.. والضعف الذي يعيشه عموم أهل السُّنة في مملكة البحرين، وضياع (البوصلة) والهدف عندهم.
أما علاج هذه القضية، وبقية القضايا.. فسوف نتركه للمقال القادم إن شاء الله.
?
في منهجية الشيعة للتقريب المذهبي
[السبحاني ومسألة "التثويب" نموذجاً]
محمد العواودة
Awawdeh_98@yahoo.com
القليل من الناس يعرفون ما تخفيه تلك الصورة الجميلة البهية التي يظهر بها علماء الشيعة في مؤتمرات "التقريب بين المذاهب" وهم يظهرون بمظهر الحريص على وحدة الصف الإسلامي، حتى يتسنى لهم من هذا الحرص الموهوم دس سموم التشيع في دسم هذا التقريب لتثبيت معتقدهم في النيل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا وأهل السنة عموما. ولذلك لم تعد أساليب المراوغة والحيل التي لا تفارق مناهج الشيعة في طرح أرائهم العقدية والفقهية وحتى السياسية من الأساليب المستغربة للكثير من المتابعين للشأن الشيعي.(59/48)
في هذا السياق يكشف الأستاذ علاء الدين البصير، في كتابه "جعفر السبحاني في الميزان" (مركز التنوير للدراسات الإنسانية، 2007 ) جانبا مهما من إحدى المحاولات الشيعية تلك ، وهي ما ابتدعه السبحاني أحد أئمة التقريب في المذهب الشيعي في مسألة التثويب، وهي قول المؤذن في صلاة الصبح "الصلاة خير من النوم" واستغلها للانتصار للآراء الأكثر انحرافا في المذهب الشيعي، بعد أن قرب السبحاني وأسس، أو خرب ودلس، في هذه المسألة البسيطة ليجعل منها قضية كبيرة ينال بها من أصحاب رسول الله رضوان الله عليهم الذين تعلقت بهم المسألة سيما عمر بن الخطاب المستهدف الأول دائما في عقائد الشيعة الشنيعة.
فمن الثابت عندنا أهل السنة شرعية التثويب في أذان الفجر بلا خلاف، وللسنة فيما ذهبوا إليه أدلة معتبرة وأسانيد مقررة تثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع هذه السنة، وقد تناولتها معظم كتب السنن بالشرح والتفصيل، وقد اتفق بعض علماء الشيعة مع علماء أهل السنة على جواز هذه المسألة وأنكرها آخرون منهم؛ لأنها تتنافى مع مبدأهم العقدي وهو النيل من عمر رضي الله عنه بشكل أساس ومن أبرزهم المجلسي صاحب "كتاب الأنوار" الذي مهد لإلصاق بدعيتها به رضي الله عنه، وعبد الحسين شرف الدين، الذي تناول قضية التثويب باستفاضة محاولا بشتى الوسائل تأكيد ما ذهب إليه المجلسي ممحورا هذه القضية على أثر مقطوع رواه عن مالك في بلاغات "الموطأ".(59/49)
وقد بنى علماء الشيعة افتراءاتهم على هذا البلاغ في اتهامهم لعمر في ابتداع التثويب وتحرير استدلالهم به، بأن المؤذن عندما جاء ليبلغ سيدنا عمر بصلاة الصبح وجده نائما؛ فصاح بهذه العبارة "الصلاة خير من النوم" فانتبه لها عمر مستشعرا قوة أثرها في الإيقاظ والتنبيه، ولذا أمره أن يجعلها في أذان الصبح لتكون منبهة وموقظة للناس، ما يعني بحسب زعمهم انه لم يكن لها وجود قبل هذه اللحظة، فأمْره بوضعها في الأذان دليل على ابتداعها من عنده، مستمسكين بهذا الأثر الضعيف وتفسيراتهم المنحرفة له تفسيرا يخدم مقالتهم، تاركين خلفهم أكثر من ستين حديثا وردت في المسألة عند أهل السنة وكأنها هي الرواية الوحيدة.
برز اسم جعفر السبحاني كواحد من أهم علماء الشيعة المعاصرين في إيران والذي اعتنى بهذه المسألة وحقق فيها تحقيقا مفصلا محاولا إكسابها صفة الشرعية لتدعيم قول من سبقه، ولتقوية ما عليه مذهبه من انحرافات والزج بها في أتون التقريب المزعوم بإثبات بدعيتها موهما أنها وردت على ألسنة أهل السنة ذاتهم من طريق كتبهم وأقوال علمائهم؛ مستنتجا وفق معايير خاصة وضعها، إلى أن المبتدع يحتمل أن يكون كل من عائلتي الصحابيين "أبي محذورة وعبد الله بن زيد" ليحمل في النهاية هذه القضية كدليل على ضلال أهل السنة بتمسكهم ببدعيات أصحاب رسول الله عليه السلام وتفضيلها على العمل بالسنة النبوية الصحيحة. وقد اتخذ السبحاني في تثبيت هذا الوهم طريقين باعتبار أنهما مثلبين على أهل السنة: فيقرر في الأول، انه لا يمكن إثبات سنية التثويب برواية صحيحة تخلو من التعارض المانع لقبول دلالاتها، مبتدعا في ذلك أيضا قواعد غريبة وعجيبة في الجرح والتعديل.(59/50)
وفي الثاني، ذهابه إلى حشد أقوال وروايات تشير بظاهرها إلى الحكم على التثويب بالبدعة، مستخدما إياها لأجل تدعيم قوله من جهة وإيصال رسالة للغير مفادها أن الشيعة ليسوا منفردين في هذا الحكم، وقد جمعها في ثماني نقاط تحت عنوان "تصريح أعلام الأمة على كونها بدعة" ذكرها البصير واثبت تهافتها وفند علميتها كما فعل فيما ذهب إليه المجلسي وعبد الحسين.
يرى البصير، أن هذين الطريقين اللذين ابتدعهما السبحاني ليس إلا امتدادا لعموم المنهج الشيعي في الاستدلال على أهل السنة، إذ يعرف الشيعة أن لا صحة لمروياتهم عند أهل السنة ولا قدر لها ولا كرامة؛ لأنها في الغالب لا ترتقي إلى مصاف الصحيح إلا في القليل النادر، فرواياتهم وبشهادة علمائهم لا تخلو في معظمها من أصحاب العقائد الفاسدة، كما أن مصنفاتهم الحديثية هي في اغلبها منقولة عن الباقر والصادق، وقليلة هي تلك الأحاديث المنقولة عن بقية الأئمة والقليل من تلك الأحاديث المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن علي وزوجه وابنيهما رضي الله عنهم أجمعين، وإذا كانت الأحاديث منقولة عندهم عن الصادقين، فهي باعتبار المحدثين ضعيفة، فالشيعي عموما أمام الروايات السنية قد وقع في محاذير عدة لا يكاد يتفطن لها إلا من عرف خبث طوية القوم وسوء مقصدهم.(59/51)
عرض البصير لمنهجية السبحاني في بحثه لترسيخ بدعية التثويب سابقة الذكر، وفي كيفية تحقيقه للمسائل وماهية الوسائل التي اعتمدها في جمعه للمسائل التي تناولها وقضى بها الحكم أو التحقيق، وهو ما يكشف عن حقيقة هذا العابث المدلس وفضحه وقد عرض البصير للركائز الرئيسية التي اتكأ عليها السبحاني في تركيز ترهاته وتخريباته وشناعاته في النيل من أصحاب رسول الله عليه السلام، معتمدا في ذات الوقت على هذه الركائز لاعتماد حكمه المنبثق من ميوله ومهنته المعتادة من كذب وتدليس وغش وتلاعب على الشرع والتناقض في عرضه للأمور، وقد تجلت هذه الركائز فيما ذكره السبحاني في كتابه "الاعتصام بالكتاب والسنة" موهما انه خالف عبد الحسين في تهمته لعمر واتهم بدلا منه عائلة عبد الله بن زيد وعائلة أبي محذورة مع أن الصحيح هو موافقته لعبد الحسين وأضاف إليه وضع العائلتين الكريمتين المذكورتين في دائرة الاتهام.
لقد استخدم السبحاني في تدعيم أقواله كل الوسائل المشروعة وغير مشروعة لتضعيف الأحاديث والنيل من رواتها؛ حيث تنتفي القواعد والضوابط عندما تكون الجهة التي يتم تناولها صحابة رسول الله ومنهج أهل السنة؛ ليتلقى ذلك أتباع متشوقون ومتعطشون للافتراء من غير تدبر وتعقل، وفي ذات الوقت التشدق بمنهج التقريب المعهود عنه، أو تقية التقريب في الحقيقة؛ لإنفاذ خزعبلاتهم في الوعي السني بمهارة فائقة وترسيخ افتراءاتهم المخالفة للواقع.(59/52)
إن أهم ما يتوصل إليه البصير في هذا الكتاب ويلفت إليه بقوة ويحذر منه، هو خطورة منهجية السبحاني في نشر التشيع بأسلوب حديث ومميز من خلال استخدامه التقريب كرافعة لهذا الضلال والدفع بسياقات يمكن تسويقها على البسطاء من أهل السنة، وتمريرها في منتديات وكتب التقريب كمسائل محترمة من عالم محترم يحب الخير لأهل السنة ويطالبهم بالكف عن التراشق بسهام الاتهام مع الشيعة والتحرر من عقدة الطائفية وأساليبها الجاهلية. ينتهي البصير على هامش تقديمه لمنهجية السبحاني التكفيرية المتقدمة إلى عرض سريع في آخر الكتاب لتناقضات علماء الشيعة الذين امتهنوا التقريب لتسويق أباطيلهم إذ ويمدون يد التواصل من جهة، ويتمسكون بنشر أباطيلهم من جهة أخرى، ودون تنازلهم عن أي من معتقدهم أو فتوى من فتاوى عمائمهم، كالقول بعدم جواز التعبد بالمذاهب الأربعة السنية على الأقل، أو توقف دولة إيران - التي استضافت احد مؤتمرات التقريب - عن العمل الدءوب في نشر المذهب الشيعي في البلاد السنية وترجمة الكتب الخلافية وتوزيعها مجانا، أو إذكائها الخلاف الطائفي وتأجيج الصراعات المسلحة كما هو ظاهر اليوم في باكستان والعراق وبعض دول الخليج واليمن ولبنان.
هذا، بينما لا يوجد في طهران عاصمة الدولة الشيعية الإيرانية مسجد سني واحد، بل في المقابل تحتضن قبر أبي لؤلؤة المجوسي قاتل عمر رضي الله عنه، جاعلة منه كعبة ومزارا للتبرك ونيل الثواب العظيم ومناطا لدخول جنات الخلد، ناهيك عما يرسخه إعلامهم وتبثه فضائياتهم من سموم بدعوى مظلومية أهل البيت رضي الله عنهم لتنفيذ مشاريعهم الإجرامية بأهل السنة على قاعدة "وجوب القصاص من الخلف فيما أخطأ به السلف" ثم يقولون لك أهلا بالتقريب!!!.
ورع جداً
قالوا: "اقتيد قائد الشرطة الجنرال رضا زارعي إلى الحبس، بعدما ضبط متلبسا في الشهر الماضي مع 6 فتيات عاريات، خلال مداهمة للشرطة لبيت سري للدعارة".
العربية نت 15/4/2008(59/53)
قلنا: اتهموه زورا، فقد كان في متعة جماعية!!
إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن!!
قالوا: "جاء قرار مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين بالتراجع عن استضافة مؤتمر البهائيين في مقر النقابة لنصائح من مغبة الدخول في أزمة مع الحكومة، التي تتخذ موقفاً متشددا من البهائيين".
المصريون 12/4/2008
قلنا: في صلاح الحاكم والعالِم صلاح العالَم.
غزو إيراني جديد!
قالوا: "تعرضت حالة التحالف بين التيار القومي والإسلامي إلى انكسارين خطيرين: الأول كان في اختراق الإيرانيين لخطاب التحالف وتحويله عن وجهته الرئيسية وهي صناعة شبكة من التوافقات الفكرية والسياسية والحضارية للتيارين داخل الوطن العربي ليكون قاعدة صلبة للانجاز الداخلي ولمواجهة قوى الشر الأجنبية سواء كانت دولية أو إقليمية وبالذات تفريق أبناء الوطن على أسس طائفية أو عرقية و من ثم حرف توجيهه لأهداف هذا المحور أو ذاك وبالتالي قاد هذا الاختراق إلى تواصل شخصيات من التيارين في الوطن العربي إلى شبكة من العلاقات مع الدولة الإيرانية وتبني خطابها والترويج له بدل تواصلهما داخل الإطار العربي ومواجهة كل القوى الاستعمارية بالدعم الثقافي النشط والواضح لمشروع التحرر الوطني في فلسطين والعراق وتعزيز الممانعة المستقلة عن واشنطن وطهران".
مهنا الحبيل - المصريون 28/4/2008
قلنا: صدق الفاروق حين قال: اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز التقي!!
أيهما أكثر إجراما؟
قالوا: "قال مصدر أمني مطلع أن رموز الصدريين الشيخ صلاح العبيدي والسيد حازم الأعرجي وبهاء الأعرجي وفتاح الشيخ وأحمد الشيباني يتلقون رواتب منتظمة من الأمريكيين".
محسن الجابري- وكالة براثا- 30/04/2008
قلنا: إن كان صادقاً فهم مجرمون وإن كان كاذباً فهو المجرم.
عودة غير ميمونة(59/54)
قالوا: "رفض (أبو درع) البقاء في قم بإيران بعدما رأى مدينته تحترق بنار القوات الأميركية والقوات الموالية لها"، مشيرة إلى أنه الآن ينظم عمليات التصدي للهجوم في مدينة الصدر ويقود المقاتلين هناك".
الحياة 29/4/2008
قلنا: نخشى أن يصاب (أبو درع) بالحَوَل، فيقتل أهل السنة بدلا من الأمريكان.
ونعم الولاء!
قالوا: "دعا الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الحكومة لإعادة النظر في قرار إبعاد أفراد الجيش والشرطة الذين سلموا أسلحتهم إلى جيش المهدي لأنه إنما كان طاعة لأوامر مراجعهم وقادتهم وحوزتهم، ومن وازع ديني ووطني ليس إلاّ".
وكالات الأنباء
15/4/2008
قلنا: ومن ثم يشكك بعض الأغبياء والسذج من أهل السنة بتبعية وولاء الشيعة للمرجعية الدينية قبل كل شيء!!
من فمك!
قالوا: "الحكومة العراقية تعلم جيداً أن الأسلحة تأتي من إيران إلى مجموعات مختلفة في المحافظة".
محافظ البصرة محمد الوائلي
الشرق الأوسط 30/4/2008
قلنا: حين تعارضت المصالح فضح الشيعة بعضهم البعض، فهل يفهم المتفرجون!!
تغيير شكل!!
قالوا: "يبدو أن إيران ركزت جهودها على تدريب مجموعات من المقاتلين الشيعة العراقيين داخل إيران".
نيويورك تايمز
27/4/2008
قلنا: خرجوا من الباب فعادوا من الشباك!!
هذا عاقلهم ومعتدلهم!!
قالوا: "يعرف الجميع أن ما يصيب العراقيين من مآسٍ وآلام وفوضى تدميرية، تتحمّل مسؤوليته القوّات الأميركية المحتلة، التي خلقت هذا الواقع، وعملت على رعايته لحساب خططها الساعية للسيطرة على منابع النفط، والإمساك بالمواقع الإستراتيجية في المنطقة".
محمد حسين فضل الله
الوسط البحرينية 26/4/2008
قلنا: لماذا التغاضي عن الدور الإيراني القذر والذي فاق الدور الأمريكي باعتراف أطراف شيعية، ولكن مصلحة الشيعة أهم من الصدق مع أهل السنة!!
"مكر تزول منه الجبال"(59/55)
قالوا: "تعقد يوم 21/4/2008م أولى جلسات النظر في الدعوى المرفوعة أمام محكمة دبي ضد قناة المجد الفضائية من قبل الباحث القانوني أمين طاهر البديوي. وتتضمن الدعوى اتهام قناة المجد بالإساءة والتطاول على الطائفة الشيعية . وتعود قضية الاتهام إلى عام 2007م وبعد إعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين حيث عمدت القناة إلى استضافة عدد من المشايخ، وقامت بإجراء مقابلات على الهواء مباشرة حيث قام ضيوف القناة بمهاجمة طائفة الشيعة والتطاول عليهم".
منتديات الوئام
قلنا: بهذه الجدية أمكن للشيعة تكميم أهل السنة وبتكاسل أهل السنة ملأ الشيعة الفضاء بفضائياتهم!!
لهذا يحبونه وينشرون تراثه!!
قالوا: "كانت الجلسة الأولى عما يمكن تسميته بالبعد الإنساني عند الرومي أو مفهومه الإنساني للدين الذي يلتقي فيه الجميع، ففي هذه الجلسة كان يشارك مثلاً الأب جوزيف شابو من مطرانية السريان الأرثوذكس، ومفتي حلب د. محمود عكام. فالأب شابو أبرز في ورقته مفهوم الرومي لوحدة الأديان أو الدين الإنساني الذي يجمع الجميع على عبادة الحق بوسائل مختلفة (مسلم أنا ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي، توكلت عليك أيها الحق الأعلى فلا تنأ عني). وركزت على هذا الأمر أيضاً الباحثة التونسية المعروفة زهيه جويرو في ورقتها "مفهوم الدين عند جلال الدين الرومي"، التي بيّنت فيها أيضاً أن الدين عند الرومي يتسع ليشمل كل من يؤمن بالحق وبالوصول إلى الحق".
د. محمد الأرناؤط - الغد 3/5/2008
قلنا: تمييع عقيدة الولاء والبراء خطوة مهمة لكسر الوحدة الإسلامية واختراق جدار الأمة.
…
البعث الشيعي في سوريا
(1919-2007)
[دراسة علمية تتناول تنامي النفوذ الإيراني في سورية]
المعهد الدولي للدراسات السورية
لتحميل التقرير كاملاً (154 صفحه):
http://forsyria.org/newsletterpdf/ShiiasmInSyria.pdf
[ملخص الدراسة منقول عن موقع حركة العدالة والبناء السورية](59/56)
أخذ موضوع النشاط الشيعي التبشري في سورية يحظى باهتمام محلي وإقليمي ودولي، ذلك أن خطورة التبشير الشيعي في نظرنا ليس من كونه نشاطاً دينياً صرفاً، بل في كونه جزءاً من فعل سياسي يتعلق بتغيّرات القوى التي أصابت المنطقة، والتطورات التي لحقت بالمحور السوري-الإيراني في ظل التهديدات الجدية التي تعصف بنظام الأسد بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري وقيام المحكمة الدولية.
وإننا ننظر بعين القلق إلى ما يمكن أن يحدثه هذا التشييع من آثار سياسية وأمنية سلبية على الشعب السوري بكافة فئاته وشرائحه. خاصة مع اقتران هذا الفعل السياسي والأمني بنمو متزايد ومطّرد للنفوذ الإيراني في الشأن الداخلي السوري وما يمثل ذلك من تهديد للوحدة الوطنية وللنسيج الوطني وللهوية الثقافية والتراثية لشعب عريق كالشعب السوري.
لقد كُتب ونُشر وأذيع الكثير من المقالات والتقارير في وسائل الإعلام المختلفة عن التمدد الشيعي ونشاط مبشريه في سورية، وأصبح هذا الموضوع أحد أكثر القضايا إثارة في الشارع السوري، وسارع كثير من الأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة إلى التحذير من ظاهرة التشييع السياسية، ومع ذلك تجنبت حركة العدالة والبناء الخوض في هذا الموضوع الذي يتشابك فيه الديني بالسياسي، ويذوب الخط الفاصل بينهما، فالمسألة لا تعنيها إلا من حيث أنها مسألة سياسية وأمنية، وهي لا تريد أن تنزلق إلى قضايا دينية بحتة دون التحقق من أن ما يجري على هذا الصعيد هو فعل سياسي مخطط وله أثر سلبي على الشعب السوري، لذا كان لابد من التحقق من حجم الموضوع ومساره على أرض الواقع دون مبالغات تشوه الحقائق أو انتقاص مخل.(59/57)
لقد كانت حركة العدالة والبناء ترقب عن كثب هذا الموضوع، وهي على علم تام بالممارسات الطائفية للنظام القائم في دمشق، ولكنها حتى تستطيع أن تحدد موقفها من هذه القضية الشائكة فقد عهدت إلى جهة أكاديمية مستقلة محترفة للبحث العلمي للقيام بهذه الدراسة داخل سورية.
وقد استغرق إنجاز هذه الدراسة عاماً كاملاً، اعتُمِد فيها - بشكل أساسي - على الجولات الميدانية الاستطلاعية والوثائق الحكومية الرسمية التي كشفت بشكل قاطع عن رعاية الجهات الأمنية والسياسية لظاهرة التشييع. واليوم وبعد إنجاز الدراسة تجد حركة العدالة والبناء أن من حق شعبنا وشعوب المنطقة ومن حق العالم المعني باستقرار الشرق الأوسط أن يعرف حقيقة ما يجري في سورية فيما يخص تمدد الهلال الشيعي الإيراني فيها.
مجال الدراسة:
يشمل مجال الدراسة الجغرافي المحافظات السورية كافة، ومن الناحية الزمنية فإن الدراسة تركِّز بشكل أساسي على الفترة الزمنية الممتدة بين 2000- 2007، أي منذ تولي بشار الأسد رئاسة الجمهورية، لكنها تشمل أيضاً دراسة للوجود والتبشير الشيعي الحديث بدءاً من ظهور الدولة الوطنية وحتى نهاية عهد حافظ الأسد (19702000-)، ذلك أنه من غير الممكن فهم التغيرات الديموغرافية وتفسير النشاط التبشيري في الفترة (2000-2007) بدون معرفة تاريخ الوجود الشيعي وتغيراته قبل ذلك.
منهج الدراسة:
استغرقت الدراسة وجمع المعلومات عاماً كاملاً (تشرين الأول/أكتوبر 2006- تشرين الأول/أكتوبر2007)، وقامت على أساس تعدد منهجي:
1.…الجولات الميدانية الاستطلاعية: التي شملت المحافظات المذكورة في الدراسة.(59/58)
2.…تحليل المضمون: وثائق رسمية حكومية وبيانات سياسية، وشهادات شهود عيان. وفيما يخص شهادات شهود العيان والمصادر المطلعة والتقارير الصحفية فإنه تم التثبت من معلوماتها عبر المقارنة، وغالباً تم التأكد من المعلومة من مصدر مستقل، ومن أكثر من مصدر. أما الوثائق الحكومية فقد تأكدنا من صحتها عبر مصادر متعددة مستقلة، وعبر تقاطع نصوصها مع بعضها، وعبر تقاطعها مع سير الأحداث والوقائع زمن صدورها.
3.…وفي موضوع التوثيق فقد حرصت الدراسة على توثيق المعلومات من مصادرها التي تعتبر مرجعاً أصلياً وموثوقاً في موضوعها، فعلى سبيل المثال تم الاعتماد في توثيق الأحداث التي تتعلق بالأقلية الشيعية في سورية والوجود الشيعي الجديد على مصادر شيعية أو حكومية رسمية.
مصادر المعلومات في الدراسة:
1-…الجولات الميدانية
2-… وثائق رسميَّة
3-… شهادات متشيعين وشهود عيان
4-… الدراسات السابقة
5-… التقارير الصحفية
6-… المقابلات مع شخصيات ذات علاقة بموضوع الدراسة
7-… الدراسات العامة عن التاريخ السياسي والاجتماعي لسورية بعد الاستقلال
8-… الدراسات السياسية المتخصصة بعهدي: حافظ الأسد (1970-2000)، والأسد الابن في الفترة (200-2007).
المسار العام للدراسة:
نظراً لصعوبة فهم حركة التشيع الراهنة بمعزل عن تاريخ الوجود الشيعي في سورية، فقد تناولت الدرسة أصل الوجود الشيعي في سورية ما قبل 1970، والتغييرات التي طرأت على بنيته الاجتماعية والفكرية، ونحن نعتقد أنه من المهم للغاية وضع المعنيين بهذا الموضوع في السياق التاريخي.(59/59)
بحثت الدراسة في البدايات الفعلية للمد الشيعي في عهد حافظ الأسد، وانعكاسها على التشييع في الطائفة العلوية، وتأثير تشكيل المحور السوري الإيراني غداة قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979، وعشية حرب الخليج الأولى. وكشفت الدراسة أنه بدأ في عهد الأسد الأب احتلال الشيعة للمقامات السنية (السيدة زينب، عمار بن ياسر، والسيدة رقية، وحجر بن عدي) وتأسيس مراكز تبشير شيعي فيها بدعم من ملالي ثورة إيران والمراجع الدينية العراقية (الشيرازية).
كما كشفت الدراسة أن حافظ الأسد كان حريصاً على تشييع الطائفة العلوية لإخراجها من عزلتها الفكرية والاجتماعية وليس لأسباب دينية، وفي هذا السياق كان الأسد يدعم باستمرار التيار الشيعي في الطائفة العلوية، الذي حقق انتشاراً كبيراً، لكن الأسد الأب كان حريصاً على عدم تسييس التشيع وتصدير أفكار الثورة الإيرانية إلى سورية، ففي الوقت الذي كان يدعم التحول العلوي باتجاه العودة إلى أصله الشيعي كان يكبح فيه عمل المؤسسات الإيرانية ويخضعها للمراقبة والتقييد من جهة أخرى.
بحثت الدراسة بشكل مفصل أبعاد قضية التشييع في عهد بشار الأسد، ودور النظام السياسي والجهاز الأمني في دعم وحماية التبشير الشيعي في المجتمع السوري، والظروف السياسية والاجتماعية المحلية والدولية التي أدت إلى انفجار قضية التشيع في سورية، وتتناول بالبحث انعكاسات التحول الاستراتيجي في المحور الإيراني - السوري في ظل أزمة الملف النووي الإيراني وخروج الجيش السوري من لبنان غداة انطلاق التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
وكشفت الدراسة عن تحول التشيع الديني في عهد الأسد الأب إلى تشيع سياسي في عهد الأسد الابن، ودعم التشيع السياسي أمنياً وسياسياً، مما أدى إلى انتشار غير مسبوق للحوازات التعليمية والمؤسسات الدينية (مثل الحسينيات والمساجد).(59/60)
فعلى سبيل المثال، تم إنشاء ما بين عام 2001 وعام 2007 في منطقة "السيدة زينب" قرب دمشق أكثر من اثنتي عشرة "حوزة شيعية" وثلاث كليات للتعليم الديني الشيعي. أي أنه خلال ست سنوات فقط تم إنشاء ثلاثة أضعاف ما أنشئ خلال ربع قرن! بالإضافة إلى غض النظر عن تدفق الأموال من الحكومة الإيرانية والمستشارية الثقافية الإيرانية والمراجع الدينية الإيرانية.
كما أكدت الدراسة استمرار ظاهرة احتلال المقامات، وظهور ذلك كنمط جديد لتأسيس مراكز للتبشير، ونسوق مثالاً على ذلك مقامالسقط محسن بن الحسين في حلب، والسيدة سكينة بنت علي في منطقة داريا قرب دمشق، وزينالعابدين في طيبة الإمام في حماة. كما كشفت الدراسة إلى أن ظاهرة التشييع السياسي برزت في عهد بشار الأسد كظاهرة غير مسبوقة في منطقة الجزيرة (الحسكة والرقة ودير الزور)، حيث يتركز معظم النشاط التبشيري الشيعي اليوم.
نتائج الدراسة:
لقد أفضت مجموعة المعلومات المتحصلة من المصادر إلى جملة من المعطيات الرقمية، وبعد عدد من عمليات المقارنة أمكن للدراسة أن تصل إلى وضع جدول يوضح الانتشار جغرافياً وديموغرافياً في إطار تحديدات زمنية تسهل فهم الانتشار وتفسيره.
المتشيعون ونسب التشيع حسب الطوائف:
عدد المتشيعين الإجمالي في سورية في الوسط الاجتماعي السني وحده (ضمن المجال الزمني 1919-2007) هو 16000 شخصاً كحد أقصى، منهم 8040 تشيعوا في الفترة بين 1999-2007، أي بنسبة 50% من مجموع المتشيعين السنة السورين تشيعوا في عهد بشار الأسد.
ومجموع المتشيعين من كل الطوائف في الفترة (1919-2007) سورية هو 75878، يتوزعون كالتالي: نسبة المتشيعة من السنَّة هو 21%، ونسبة المتشيعة من الإسماعيلين هي 9% ونسبة المتشيعة من العلويين هي 70%.
معدلات الانتشار:(59/61)
تعتبر الفترة الذهبية للتشيع هي الفترة الممتدة بين 1970-2007، فما قبلها لا يعتبر التشيع ظاهرة، ولم يتعد عدد الذين تشيعوا بضعة مئات، فإذا قدر عددهم بما دون الألف، فإن عدد السُّنة الذين تشيعوا في عهد حافظ الأسد (أي في الفترة 1970-1999) يقدر بـ 6960 كحد أقصى، بما نسبته 43%، وعدد السنَّة الذين تشيعوا في الفترة 1999- 2007 يقدر بـ 8040 كحد أقصى بما نسبته 50%.
وعلى هذا الأساس فإن المعدل السنوي للتشيع في الوسط السني حتى ما قبل عام 1970 كان 20 شخصاً في السنة، وفي عهد حافظ الأسد 1970-1999 كان المعدل 232 سنياً في السنة، أي أنه تضاعف قرابة 12 مرة عن الفترة التي سبقته.
وفي عهد بشار الأسد ضمن الفترة 1999-2007 فإن معدل الانتشار كان 1005 سنياً سنوياً، أي أن المعدل السنوي تضاعف عن عهد أبيه بما يعادل 4.3 مرة، وتضاعف بـ51 مرة عن معدل ما قبل 1970.
وبالنظر إلى الطوائف الأخرى فإن إجمالي عدد المتشيعين في عهد حافظ الأسد هو 52596 شخصاً سورياً من مختلف الطوائف، وبالتالي فإن معدل الانتشار السنوي في عهد الأسد الأب كان 1753 شخصاً في السنة. أما في عهد بشار الأسد تشيع 22282 شخصاً سورياً من إجمالي الطوائف (السن والعلوية والإسماعيلية)، وبالتالي فإن المعدل السنوي لانتشار التشيع في مختلف الطوائف السورية هو 2785 سورياً في السنة، ووفقا لهذا الحساب فإنه يعني أن نسبة التشيع من مختلف الطوائف زادت في عهد حافظ الأسد عما قبله بـ 89 مرة! وفي عهد بشار الأسد تضاعفت النسبة 1.6 مرة عن عهد أبيه، و142 مرة عما كان في 1970 فما قبل!
الإنتشار الجغرافي:(59/62)
إن تحول التشيع إلى ظاهرة يرجع إلى تشكُّل تيار شيعي في الطائفة العلوية بدعم من حافظ الأسد الذي كان قريباً من أنصار هذا التيار، وإلى تدخل الملالي الإيرانيين العراقيين واللبنانيين في عملية التشييع في سورية، وإلى تزايد اهتمامهم بالطائفة العلوية ودفعها إلى اعتناق التشيع والخروج من الأفكار العلوية المنشقة.
في حين يبدو أن ابتداء التشيع في الوسط الإسماعيلي بشكل قوي يوازي معدله في الوسط السني يعني أن تغييرات طرأت على الطائفة الإسماعيلية، بعضها يرجع إلى العمالة في لبنان، والبعض الآخر يرجع إلى عمليات حزب الله في مناوشاته ضد الإسرائيلين في منتصف التسعينيات.
أما الوسط السني فيرجع أساساً إلى العمالة في لبنان ونشاط شبكة مبشرين مؤلفة من المتشيعة الجدد والشيعة السوريين، والملالي الإيرانيين ومؤسساتهم الثقافية، والمبشرين العراقيين الموفدين من المراجع الشيعية (وخصوصاً الشيرازية) ومؤسساتهم، والتسهيلات الحكومية التي بدأت تظهر شيئاً فشيئاً مع تزايد دور بشار الأسد وتقوية نفوذه في منتصف التسعينات.
في عهد بشار الأسد تحول التشيع إلى "تشييع" الأمر الذي يعكس تزايد انتشار التشيع وتضاعف معدله عن عهد أبيه، فقد منح بشار الأسد المؤسسات الشيعية ونشاطاتها تسهيلات غير معهودة من قبل، وهي تسهيلات تبدأ من المستوى الأمني وتنتهي بالمستوى السياسي والإداري، الأمر الذي أعطى التشييع دفعة لم تكن قط في السنوات السابقة.
غير أن الملاحظ هو أن تزايداً غير اعتيادي طرأ على نسب التشيع من السُنّة، ففي ثمان سنوات فقط تشيع ما يزيد على ضعف وثلث الضعف عن عدد الذين تشيعوا في ثلاثين سنة خلتها!…(59/63)
كما أن انتشار التشيع جغرافياً تركز في عهد الأسد الأب في الساحل السوري 55% بالدرجة الأولى، وفي إدلب بالدرجة الثانية15 %، وحلب بالدرجة الثالثة 10%، لكنه في عهد بشار الأسد انتقل بشكل دراماتيكي إلى الجزيرة السورية، التي قفز فيها نسبة انتشار التشيع إلى 55% بعد أن كان في عهدالأسد الأب لا يتجاوز 6%!
يعود هذا التحول إلى عدد من المعطيات تتعلق بالعمالة في لبنان، وانتشار الأمية، والعامل السياسي المتمثل في الرغبة الإيرانية في توسيع ولائها الاجتماعي وتجذير هلالها الشيعي في سورية السنية، فالمنطقة تعتبر بادية سورية تنتشر فيها القبائل، ولهذه القبائل امتدادها في العراق والسعودية والأردن، وبعض هذه القبائل تشيع قسمها العراقي.
وبالإجمال فإن البادية المحاذية لشيعة العراق تمثل امتداداً جغرافياً لها، وهذا ما يجعلها مغرية جداً للراغبين في بسط الهلال الشيعي عبر سورية.
كما أن الروابط القبلية تساعد على الانتشار بشكل واسع خصوصاً مع شيوع الأمية بنسب كبيرة في المجتمع البدوي، وهو أمر يجعل للقبيلة سلطاناً يفوق سلطان العقل وأحياناً الدين، لقد اتُّبعت استراتيجة واضحة في تشييع القبائل من خلال ربطها بأصولها من آل البيت، خصوصاً وأن كثيراً من القبائل تدعي نسبتها لآل البيت.
إن تصاعد المد الشيعي في عهد بشار الأسد يرجع أيضاً إلى معطيات جديدة في الإستراتيجية المتبعة للتشيع، فبالإضافة إلى استغلال الروابط القبلية والظروف الثقافية لمجتمع الجزيرة السورية فإن تدفق الدعم اللوجستي الإيراني (المالي والمعنوي) والحماية الأمنية لنظام الأسد كانا سنداً قوياً لهذا المد ليعتمد المال والسياسة كأساس لانتشاره بسرعة أكبر بكثير من تلك التي كانت في العهد السابق.
تفسير النتائج:(59/64)
إذا كان معدل التشيع في مختلف الطوائف الآن هو 2785 سورياً في السنة منهم 1005 سنَّياً، فإنه وعلى فرض استمرار هذا المعدل وثباته (والواقع أن انتشار الأديان كظواهر اجتماعية ينتقل عبر متواليات حسابية وليس عبر تزايد عددي تقليدي خصوصاً في ظل مجتمعات متماسكة اجتماعياً ما تزالالأسرة الممتدة تمثل أساس العلاقات الاجتماعية، وغالباً تتعداها إلى القبلية) فإنه خلال عشرين سنة سيكون عدد المتشيعين السوريين حوالي 550000 ألفاً.
ولكن عدد السكان في سورية سيكون وقتها قد تجاوز الثلاثين مليوناً. وحتى لو تضاعف هذا المعدل ثلاث مرات فإن عدد المتشيعة في سورية سيصل إلى مليونين خلال عشرين سنة، وخمسمائة ألف خلال خمس سنوات، وهذا يعني أن خطر التغيير الديموغرافي في سورية غير وارد بعدُ في المدى المنظور من الولاية الثانية لبشار الأسد على الأقل.
لكن الخطر الأمني وارد بقوة، فمن المهم ملاحظة أن تركيز التبشير الشيعي في رقعتين جغرافيتين أساسيتين: الساحل السوري ومنطقة الجزيرة، وهذا يدل على أن هاتين الشريحيتن مرشحتان للعب دور رئيس في حماية النظام والدفاع عنه، الشريحة الأولى في الساحل السوري لأسباب طائفية وامتيازات اجتماعية وخوف وجودي، والشريحة الثانية لانتشار الأمية والفقر فيها وسهولة إخضاع أفرادها للقوة وإجبارهم على ممارسات غير شرعية ضد الشعب ويضاف الآن إلى كل ذلك عنصر جديد هو التغلغل الشيعي في القبائل، وحيث يعتبر عهد الأسد الابن العهد الذهبي للتشيع في الجزيرة فإن مصالح المبشرين مرتبطة آلياً بوجود النظام.
وتنبه الدراسة إلى أن المتشيعين الجدد يمكن أن يكونوا عناصر محتملين لحماية النظام والدفاع عنه مع المتشيعة الجدد المنتشرين في كل أنحاء سورية.(59/65)
الأقلية الصغيرة جداً لا تملك بطبيعة الحال طموحات سياسية بقدر ما تملك طموحات اجتماعية، لكن عندما تكبر فإنها بالتأكيد سيكون لها طموحاتها، فإذا حصل ما سبق - وهو أمر وارد - فإن معدلات التشيع ستكون مخيفة؛ إذ من الممكن أن تنتقل إلى معدلات كبيرة جداً قد تصل إلى عشرة أضعاف وهذا يجعل السيناريو مختلفاً، إذ من الممكن حينها أن تصل أعداد المتشيعين إلى ما يزيد عن مليون متشيع! وهذا سيجعل الأقلية الشيعية بحجم الأقلية الكردية، وبما أن امتداد الشيعة الديموغرافي يتركز أساساً في العراق ولبنان، البلدان اللذان يمثلاً الجزء الأهم من الهلال الشيعي، فإن المتشيعة السوريين قد يقومون بتشكيل أحزاب مناضلة تأثراً بأشقائهم في العقيدة (حزب الله وفيلق بدر وجيش المهدي)، فإن حصل هذا فإنها ستكون بالتأكيد متأثرة بالميلشيات الشيعية المذكورة وكلها تعتبر أحزاب متشابهة من جهة نظرتها وولائها السياسي لإيران دون أوطانها.
الخطر قد لا يكمن هنا فحسب، فماذا لو تم تشكيل حزب مناضل بمعونة رسمية من النظام السوري وبالاستعانة بخبرات حزب الله، ثم موِّه شكلياً بأشخاص من المجتمع السني وتم إطلاق يده على حدود الجولان؟ هل من الممكن أن يتكرر سيناريو حزب الله فيصبح حزب الله السوري متحكماً في القرار السوري الداخلي على سورية، كما يستولي شقيقه حزب الله اللبناني على قرار لبنان ويعيق إرادة الأكثرية اللبنانية، ويصبح النفوذ الإيراني في سورية حقيقة أبدية؟
حتى لو كان هذا السيناريو غير محتمل، فهل يمكن أن نتوقع أن يتحول المتشيعون الجدد إلى عناصر أمنية عند تعرض النظام لاحتجاج داخلي كما تحول عناصر حزب البعث في الثمانينات إلى عناصر أمنية؟ خصوصاً أن كثيراً من النخبة السياسية وضباط الأمن العلويين منحازون بشكل كبير أو ينتمون للتيار الشيعي في الطائفة العلوية، حينها سيتحول هؤلاء إلى عناصر شغب تبث الفوضى في المجتمع السوري لصالح النظام.(59/66)
لو بقيت معدلات التشيع على حالها، ولم تتضاعف أبداً ـ وهو أمر غير محتمل في ظل الظروف الراهنة ـ فإن دخول عنصر التشيع الإيراني والعراقي فضلاً عن الوجود الشيعي العراقي في سورية والذي يصل إلى قرابة 500 ألف شيعي وفي ظل دعم لوجستي إيراني وأمني سوري من المحتمل يتحول هؤلاء إلى اللعبة السياسية ويصبحوا إحدى الأدوات الجديدة للنظام في صراعه مع المعارضة الوطنية الديمقراطية، خصوصاً إذا أقر قانون الأحزاب.…
أخيراً: حتى الآن وفي إطار المدى المنظور فإن خطر التغيير الديموغرافي في سورية بسبب التشيع غير وارد. لكن الخطر السياسي والأمني وارد بقوة. والخطر الأمني ليس على الشعب السوري فحسب بل على النظام نفسه، فالأقلية الشيعية موالية لإيران مولاة سياسية وعقدية، وعندما تتغير المصالح مع إيران وتتبدل العلاقات؛ عندها علينا السؤال: ما الدور السياسي والأمني الذي يمكن أن يلعبه جماعة إيران في سورية؟
كان أحرى بنظام يدعي البراءة والجهل التام بمجريات هذه القضية ذات الحساسية الخاصة أن يستجيب لدعوة بعض أعضاء حزب البعث البارزين في الثاني عشر من شباط/فبراير عام 2007 إلى "إجراء دراسة علمية من قبل مركز دراسات سوري مستقل، يقوم بزيارات ميدانية ويقدم تقريراً شفافاً مدعماً بالمعلومات والصور عما يثار، بحيث يمكن في النهاية التوصل إلى معرفة حقيقة ما يجري، ويتم عرضه على قيادة حزب البعث، بحيث يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة والتصدي لمن يثير الفتنة سواء أكانت هذه الظاهرة موجودة أو يتم تضخيمها لأهداف معروفة".…(59/67)
لقد انتظرنا ريثما يتم إنجاز هذه الدراسة حتى نحدد موقفنا من القضية، وحتى يكون موقفنا مبنياً على أسس علمية لا أهواء سياسية، وبعد أن أعلنا نتائج هذه الدراسة العلمية فإننا نحذر النظام من المضي في الممارسات الطائفية وتفتيت الوحدة الوطنية للشعب السوري والدعم غير المحدود وغير المشروط للنفوذ الإيراني في شؤوننا الداخلية، وندعو رجال الدين من مختلف الطوائف في سورية أن يقوموا بخطوات عملية على غرار بيان علماء الشام الشهير ولكن لمواجهة الخطر الإيراني والعدوان على عقائد الناس لأغراض سياسية، كما ندعوا الطائفة العلوية الكريمة إلى مواجهة هذه المحاولات المتكررة لتشييعها، خاصة وأننا نعلم أن القسم الأكبر من الطائفة غير راض عن هذا التوجه التبشيري.
وندعوا الشعب السوري للضغط على قياداته وعلمائه وأصحاب الرأي فيه لصد هذه الهجمة وصون الوحدة الداخلية. كما أننا نذكر العلماء في سورية بواجبهم، وهم أعلم به منا. كما أننا ندعو القيادات السياسية المعتدلة في المنطقة والدول المعنية بخطر النفوذ الإيراني أن تبدأ باتخاذ خطوات عملية لمواجهة خطر المد الشيعي في سورية وجوارها. وتعلن الحركة ههنا أنها تعمل على بناء استراتيجية لمواجهة هذا الخطر بالاعتماد على خبرات علمية وسياسية سيتم الإعلان عنها قريباً.…
[دراسة]
تشييع عشرات الآلاف من السوريين
"المصريون" بتاريخ 29 - 4 - 2008(59/68)
كشفت دراسة وثائقية جديدة أعدتها حركة العدالة والبناء السورية المعارضة عن تطورات خطيرة في سياقات تشييع المجتمع السوري عن طريق الاختراق الإيراني والطائفي العراقي، مؤكدة على أن هذا التوجه يحظى بتأييد وتسهيلات أمنية وسياسية من قبل نظام البعث السوري، حيث تتحكم الأقلية العلوية في جميع مراكز القوة والنفوذ في المؤسسات العسكرية والاستخبارية والأمنية، فضلا عن مراكز القوة في المؤسسات السياسية، وتقول الدراسة التي حصلت المصريون على نسخة كاملة منها: لقد أفضت مجموعة المعلومات المتحصلة من المصادر إلى جملة من المعطيات الرقمية، وبعد عدد من عمليات المقارنة أمكن للدراسة أن تصل إلى وضع جدول يوضح الانتشار جغرافياً وديموغرافياً في إطار تحديدات زمنية تسهل فهم الانتشار وتفسيره.…
وفي بيانها لنسب التشيع حسب التقسيم الطائفي تقول الدراسة : عدد المتشيعين الإجمالي في سورية في الوسط الاجتماعي السني وحده (ضمن المجال الزمني 1919-2007) هو (16000) شخصاً كحد أقصى، منهم 8040 تشيعوا في الفترة بين 1999-2007، أي بنسبة 50% من مجموع المتشيعين السنة السورين تشيعوا في عهد بشار الأسد. ومجموع المتشيعين من كل الطوائف في الفترة (1919-2007) سورية هو 75878، يتوزعون كالتالي: نسبة المتشيعة من السنَّة هو 21%، ونسبة المتشيعة من الإسماعيلين هي 9% ونسبة المتشيعة من العلويين هي 70%.
وتكشف الدراسة عن معدلات انتشار الظاهرة حيث تقول : تعتبر الفترة الذهبية للتشيع هي الفترة الممتدة بين (1970-2007)، فما قبلها لا يعتبر التشيع ظاهرة، ولم يتعد عدد الذين تشيعوا بضعة مئات، فإذا قدر عددهم بما دون الألف، فإن عدد السُّنة الذين تشيعوا في عهد حافظ الأسد أي في الفترة (1970-1999) يقدر بـ 6960 كحد أقصى، بما نسبته 43%، وعدد السنَّة الذين تشيعوا في الفترة 1999- 2007 يقدر بـ 8040 كحد أقصى بما نسبته 50%.(59/69)
وعلى هذ الأساس فإن المعدل السنوي للتشيع في الوسط السني حتى ما قبل عام 1970 كان 20 شخصاً في السنة، وفي عهد حافظ الأسد 1970-1999 كان المعدل 232 سنياً في السنة، أي أنه تضاعف قرابة 12 مرة عن الفترة التي سبقته، وفي عهد بشار الأسد ضمن الفترة 1999-2007 فإن معدل الانتشار كان 1005 سنياً سنوياً، أي أن المعدل السنوي تضاعف عن عهد أبيه بما يعادل 4.3 مرة، وتضاعف بـ51 مرة عن معدل ما قبل 1970.
وبالنظر إلى الطوائف الأخرى فإن إجمالي عدد المتشيعين في عهد حافظ الأسد هو 52596 شخصاً سورياً من مختلف الطوائف، وبالتالي فإن معدل الانتشار السنوي في عهد الأسد الأب كان 1753 شخصاً في السنة. أما في عهد بشار الأسد تشيع 22282 شخصاً سورياً من إجمالي الطوائف (السنة والعلوية والإسماعيلية)، وبالتالي فإن المعدل السنوي لانتشار التشيع في مختلف الطوائف السورية هو 2785 سورياً في السنة، ووفقا لهذا الحساب فإنه يعني أن نسبة التشيع من مختلف الطوائف زادت في عهد حافظ الأسد عما قبله بـ 89 مرة! وفي عهد بشار الأسد تضاعفت النسبة 1.6 مرة عن عهد أبيه، و142 مرة عما كان في 1970 فما قبل!
وفي رصدها للخريطة الجغرافية لانتشار حركة التشييع في سوريا تقول الدراسة : إن تحول التشيع إلى ظاهرة يرجع إلى تشكُّل تيار شيعي في الطائفة العلوية بدعم من حافظ الأسد الذي كان قريباً من أنصار هذا التيار، وإلى تدخل الملالي الإيرانيين العراقيين واللبنانيين في عملية التشييع في سورية، وإلى تزايد اهتمامهم بالطائفة العلوية ودفعها إلى اعتناق التشيع والخروج من الأفكار العلوية المنشقة.
في حين يبدو أن ابتداء التشيع في الوسط الإسماعيلي بشكل قوي يوازي معدله في الوسط السني يعني أن تغييرات طرأت على الطائفة الاسماعيلية، بعضها يرجع إلى العمالة في لبنان، والبعض الآخر يرجع إلى عمليات حزب الله في مناوشاته ضد الإسرائيلين في منتصف التسعينيات.(59/70)
أما الوسط السني فيرجع أساساً إلى العمالة في لبنان ونشاط شبكة مبشرين مؤلفة من المتشيعة الجدد والشيعة السوريين، والملالي الإيرانيين ومؤسساتهم الثقافية، والمبشرين العراقيين الموفدين من المراجع الشيعية (وخصوصاً الشيرازية) ومؤسساتهم، والتسهيلات الحكومية التي بدأت تظهر شيئاً فشيئاً مع تزايد دور بشار الأسد وتقوية نفوذه في منتصف التسعينات.
في عهد بشار الأسد تحول التشيع إلى "تشييع" الأمر الذي يعكس تزايد انتشار التشيع وتضاعف معدله عن عهد أبيه، فقد منح بشار الأسد المؤسسات الشيعية ونشاطاتها تسهيلات غير معهودة من قبل، وهي تسهيلات تبدأ من المستوى الأمني وتنتهي بالمستوى السياسي والإداري، الأمر الذي أعطى التشييع دفعة لم تكن قط في السنوات السابقة.
غير أن الملاحظ هو أن تزايداً غير اعتيادي طرأ على نسب التشيع من السُنّة، ففي ثمان سنوات فقط تشيع ما يزيد على ضعف وثلث الضعف عن عدد الذين تشيعوا في ثلاثين سنة خلتها!
كما أن انتشار التشيع جغرافياً تركز في عهد الأسد الأب في الساحل السوري 55% بالدرجة الأولى، وفي إدلب بالدرجة الثانية 15%، وحلب بالدرجة الثالثة 10%، لكنه في عهد بشار الأسد انتقل بشكل دراماتيكي إلى الجزيرة السورية، التي قفز فيها نسبة انتشار التشيع إلى 55% بعد أن كان في عهد الأسد الأب لا يتجاوز 6%!
يعود هذا التحول إلى عدد من المعطيات تتعلق بالعمالة في لبنان، وانتشار الأمية، والعامل السياسي المتمثل في الرغبة الإيرانية في توسيع ولائها الاجتماعي وتجذير هلالها الشيعي في سورية السنية، فالمنطقة تعتبر بادية سورية تنتشر فيها القبائل، ولهذه القبائل امتدادها في العراق والسعودية والأردن، وبعض هذه القبائل تشيع قسمها العراقي. وبالإجمال فإن البادية المحاذية لشيعة العراق تمثل امتداداً جغرافياً لها، وهذا ما يجعلها مغرية جداً للراغبين في بسط الهلال الشيعي عبر سورية.(59/71)
كما أن الروابط القبلية تساعد على الانتشار بشكل واسع خصوصاً مع شيوع الأمية بنسب كبيرة في المجتمع البدوي، وهو أمر يجعل للقبيلة سلطاناً يفوق سلطان العقل وأحياناً الدين، لقد اتُّبعت استراتيجة واضحة في تشييع القبائل من خلال ربطها بأصولها من آل البيت، خصوصاً وأن كثيراً من القبائل تدعي نسبتها لآل البيت.
إن تصاعد المد الشيعي في عهد بشار الأسد يرجع أيضاً إلى معطيات جديدة في الاستراتيجية المتبعة للتشيع، فبالإضافة إلى استغلال الروابط القبلية والظروف الثقافية لمجتمع الجزيرة السورية فإن تدفق الدعم اللوجستي الإيراني (المالي والمعنوي) والحماية الأمنية لنظام الأسد كانا سنداً قوياً لهذا المد ليعتمد المال والسياسة كأساس لانتشاره بسرعة أكبر بكثير من تلك التي كانت في العهد السابق.…
وتضيف الدراسة: لكن الخطر الأمني وارد بقوة، فمن المهم ملاحظة أن تركيز التبشير الشيعي في رقعتين جغرافيتين أساسيتين: الساحل السوري ومنطقة الجزيرة، وهذا يدل على أن هاتين الشريحتين مرشحتان للعب دور رئيس في حماية النظام والدفاع عنه، الشريحة الأولى في الساحل السوري لأسباب طائفية وامتيازات اجتماعية وخوف وجودي، والشريحة الثانية لانتشار الأمية والفقر فيها وسهولة إخضاع أفرادها للقوة وإجبارهم على ممارسات غير شرعية ضد الشعب.
ويضاف الآن إلى كل ذلك عنصر جديد هو التغلغل الشيعي في القبائل، وحيث يعتبر عهد الأسد الابن العهد الذهبي للتشيع في الجزيرة فإن مصالح المبشرين مرتبطة آلياً بوجود النظام. وتنبه الدراسة إلى أن المتشيعين الجدد يمكن أن يكونوا عناصر محتملين لحماية النظام والدفاع عنه مع المتشيعة الجدد المنتشرين في كل أنحاء سورية.(59/72)
الأقلية الصغيرة جداً ـ تضيف الدراسة ـ لا تملك بطبيعة الحال طموحات سياسية بقدر ما تملك طموحات اجتماعية، لكن عندما تكبر فإنها بالتأكيد سيكون لها طموحاتها، فإذا حصل ما سبق ـ وهو أمر وارد ـ فإن معدلات التشيع ستكون مخيفة؛ إذ من الممكن أن تنتقل إلى معدلات كبيرة جداً قد تصل إلى عشرة أضعاف وهذا يجعل السيناريو مختلفاً، إذ من الممكن حينها أن تصل أعداد المتشيعين إلى ما يزيد عن مليون متشيع!
وهذا سيجعل الأقلية الشيعية بحجم الأقلية الكردية، وبما أن امتداد الشيعة الديموغرافي يتركز أساساً في العراق ولبنان، البلدان اللذان يمثلاً الجزء الأهم من الهلال الشيعي، فإن المتشيعة السوريين قد يقومون بتشكيل أحزاب مناضلة تأثراً بأشقائهم في العقيدة (حزب الله وفيلق بدر وجيش المهدي)، فإن حصل هذا فإنها ستكون بالتأكيد متأثرة بالميلشيات الشيعية المذكورة وكلها تعتبر أحزاب متشابهة من جهة نظرتها وولائها السياسي لإيران دون أوطانها.
المد الشيعي في سوريا
(فصل من الدراسة)
المصريون: بتاريخ 30 - 4 - 2008
لم يتجاوز عدد المتشيعين في المجال الزمني 1919-1970 ألف شخص كحد أقصى، أي أنه طول نصف قرن لم يكن بالإمكان الحديث عن ظاهرة تشيُّع، بقدر ما يمكن فيه الحديث عن تشيُّع فردي متباعد الزمان والمكان، ولعل هذا يرجع إلى سببين:
أولهما أن الأقلية الشيعية السورية أقلية صغيرة جداً، تميل للانطواء والحفاظ على النفس في ظروف عرفت بقوة التيار الديني السني وتأثيره الكبير في الحياة العامة.
وثانيهما أن فكرة عودة الفرع العلوي النصيري إلى أصله الشيعي لم تكن قد جذبت اهتمام المراجع الدينية، فبقيت نخبويةً، وبقي هذا التيار على اتصال محدود بالمراجع الشيعية الإيرانية والعراقية، وصلته ضعيفة بالشيعة السوريين، فضلاً عن ضعف الأقلية الشيعية السورية وهذا جعله تياراً ضعيفاً، يضم بعض الأفراد "الإصلاحيين" الذين يرغبوب بإخراج الطائفة من عزلتها عبر تشييعها.(59/73)
غير أن التشيُّع في المجال الزمني 1970-1999 ـ كما تشير الأرقام ـ يدل على انتشار بالغ للتشيع، فقد بلغ المعدل السنوي لانتشار التشيع 1704 شخصاً في السنة، ينقسمون كالتالي: 232 سنياً في السنة، 1350 علوياً في السنة، 68 إسماعيلياً في السنة. ويرتفع معدل هذا الانتشار بشكل بالغ في الطائفة العلوية النصيرية. إن تحول التشيع إلى ظاهرة يرجع إلى تشكُّل تيار شيعي في الطائفة العلوية النصيرية بدعم من حافظ الأسد الذي كان قريباً من أنصار هذا التيار، وإلى تدخل الملالي الإيرانيين العراقيين واللبنانيين في عملية التشييع في سورية، وإلى تزايد اهتمامهم بالطائفة العلوية ودفعها إلى اعتناق التشيع والخروج من الأفكار النصيرية المنشقة.
في حين يبدو أن ابتداء التشيع في الوسط الإسماعيلي بشكل قوي يوازي معدله في الوسط السني يعني أن تغييرات طرأت على الطائفة الاسماعيلية، بعضها يرجع إلى العمالة في لبنان، والبعض الآخر يرجع إلى نجاحات حزب الله في معاركه ضد الإسرائيلين في منتصف التسعينيات.
أما التشيع داخل الوسط السني فيرجع أساساً إلى العمالة في لبنان ونشاط شبكة مبشرين مؤلفة من المتشيعة الجدد والشيعة السوريين، والملالي الإيرانيين ومؤسساتهم الثقافية، والمبشرين الموفدين من المراجع الشيعية (وخصوصاً الشيرازية) ومؤسساتهم، والتسهيلات الحكومية التي بدأت تظهر شيئاً فشيئاً مع تزايد دور بشار الأسد وتقوية نفوذه في منتصف التسعينات.(59/74)
في عهد بشار الأسد تحول التشيع إلى "تشييع" الأمر الذي يعكس تزايد انتشار التشيع وتضاعف معدله عن عهد أبيه، فقد منح بشار الأسد المؤسسات الشيعية ونشاطاتها تسهيلات غير معهودة من قبل، وهي تسهيلات تبدأ من المستوى الأمني وتنتهي بالمستوى السياسي والإداري، الأمر الذي أعطى التبشير دفعة لم تكن قط في السنوات السابقة. غير أن الملاحظ هو أن تزايداً غير اعتيادي طرأ على نسب التشيع ضمن الوسط السُّني، فخلال ثمان سنوات فقط تشيع ما يزيد عن ضعف وثلث الضعف عن عدد الذين تشيعوا في ثلاثين سنة هي جملة عهد الأسد الأب! فقد بلغت معدلات التشيع في الوسط السني في عهد حافظ الأسد 1970-1999 حوالي 232 سنياً في السنة، وفي عهد بشار الأسد ضمن الفترة 1999-2007 كان معدل الانتشار 1005 سنياً سنوياً، أي أن المعدل السنوي تضاعف عن عهد الأسد الأب في 1970-1999 بما يعادل 4 مرات، وتضاعف بـ51 مرة عن معدل ما قبل 1970.
كما أن انتشار التشيع جغرافياً تركز في عهد الأسد الأب في الساحل السوري بالدرجة الأولى 55%، وفي إدلب بالدرجة الثانية 15%، وحلب بالدرجة الثالثة 10%، لكنه انتقل بشكل دراماتيكي إلى الجزيرة السورية، التي قفزت فيها نسبة انتشار التشيّع في عهد بشار الأسد إلى 55% بعد أن كان في عهد الأسد الأب لا يتجاوز 6%! يعود هذا التحول إلى عدد من المعطيات تتعلق بالعمالة في لبنان، وانتشار الأمية، والعامل السياسي المتمثل في الرغبة الإيرانية في توسيع ولائها الاجتماعي وتجذير هلالها الشيعي في سورية السنية، فالمنطقة تعتبر بادية سورية تنتشر فيها القبائل، ولهذه القبائل امتدادها في العراق والسعودية والأردن، وبعض هذه القبائل تشيع قسمها العراقي، وبالإجمال فإن البادية المحاذية لشيعة العراق تمثل امتداداً جغرافياً لها، وهذا ما يجعلها مغرية جداً للراغبين في بسط الهلال الشيعي عبر سورية.(59/75)
كما أن الروابط القَبَلية تساعد على الانتشار بشكل واسع خصوصاً مع شيوع الأمية بشكل واسع في المجتمع البدوي، وهو أمر يجعل للقبيلة سلطاناً يفوق سلطان العقل وأحياناً الدين، لقد اتُّبِعَت استراتيجة واضحة في تشييع القبائل من خلال ربطها بأصولها من آل البيت، خصوصاً وأن كثير من القبائل تدعي نسبتها لآل البيت، وقد تعدّى الأمر في بعض القبائل مثلاً (كقبيلة البكارة) إلى تأويل نسبها وربطه بالأئمة الاثني عشرية (الإمام الباقر مثلاً)، ومحاولة تجذير المسألة تاريخياً بزعم أنّ الجزيرة شيعية تاريخياً!
إن تصاعد المد الشيعي في عهد بشار الأسد يرجع أيضاً إلى معطيات جديدة في الاستراتيجية المتبعة للتّشيّع، فبالإضافة إلى استغلال الروابط القبلية والظروف الثقافية لمجتمع الجزيرة السورية فإن تدفق الدعم اللوجستي الإيراني (المالي والمعنوي) والحماية الأمنية لنظام الأسد كانا سنداً قوياً لهذا المد لِيُعتمد المال والسياسة كأساسين لانتشاره بسرعة أكبر بكثير من تلك التي كانت في العهد السابق.
المصلح فتح الله غولَن
بناء الجسور بين الإسلام والحداثة
بكيم أغاي - موقع قنطرة
ترجمة علي مصباح
فتح الله غولَن مؤسس حركة تعليم إسلامية منتشرة عبر أرجاء العالم، يرى في الأخلاق والمعرفة محركا لإرساء إسلام حديث يتلاءم والعلمانية. يقدم هنا تحليلا للعالم الفكري لهذا المفكر الإصلاحي التركي.
يجري البحث بكثافة في الوقت الحالي عن مفكرين إصلاحيين في العالم الإسلامي. وفي إطار هذا البحث يطرح السؤال عن المميزات التي ينبغي أن تتوفر في مفكر إصلاحي من هذا النوع، وما الذي يجعل من شخص "مفكرا إصلاحيا إسلاميا".(59/76)
فمن ناحية هناك مسلمون يصنفون أنفسهم كإصلاحيين إسلاميين (كـ"مسلمين أوروبيين" مثلا)، لكنهم لا يحظون بالاعتبار سوى من قبل أقلية قليلة من المسلمين. ومن ناحية أخرى هناك أولئك الذين يصنفهم الناس كذلك، لكنهم لا يرون في أنفسهم مصلحين للإسلام، بل يسعون فقط إلى القيام بتأويل "إسلامي صحيح".
إلى هذا الصنف الثاني ينتمي فتح الله غولَن الأب الروحي للحركة الإسلامية الأكثر نشاطا لأواخر القرن العشرين. ومع ذلك ظل لا يحظى هو وأتباعه بكثير من الاهتمام من طرف التحاليل التي تناولت الفكر الإسلامي في تركيا إلى حد الآن.
ترتكز المعاينات اللاحقة في أغلبها على تحليل للعالم الفكري لفتح الله غولَن ومدى انتشار أفكاره والأشكال التنظيمية لحركة أتباعه. وهو ما يتطلب ضرورة وصف علاقات التفاعل بين الخطاب المعرفي لفتح الله غولَن ونسيج الهيكلة التنظيمية المرنة لأتباعه.
وسيتم في ما يلي التطرق إلى شخصية فتح الله غولَن نفسه وفي الوقت ذاته إلى طرح سؤال ما إذا كنا لا نبحث في أغلب الأحيان عن المصلحين في الموضع الخاطئ داخل مجمل الفضاء الإسلامي.…
فتح الله غولَن كـ"مسلم نموذجي"
فتح الله داعية إسلامي متقاعد، ولد سنة 1938 بالقرب من أرضروم بشرق الأناضول ويقيم حاليا في الولايات المتحدة. كان خلال السبعينات والثمانينات يتنقل عبر كل أرجاء تركيا كداعية موظف من طرف الحكومة، وقد تمكن منذ ذلك الزمن من كسب جمهور واسع من الأتباع.
خلال التسعينات، وفي مواجهة التأثير المتزايد للاتجاهات الإسلامية داخل المشهد السياسي التركي، أصبح غولَن يقدم من طرف الأحزاب البرجوازية المحافظة كـ"مسلم نموذجي" يطرح خلاصة تؤالف بين القيم الإسلامية ومبدأ الفصل بين الدين والدولة الذي تقره الكمالية. وفي سنة 1999 وقع بدوره ضحية لحملة حكومية كانت تصنفه كعنصر إسلامي خطير. ومع مرور الزمن خمدت هذه الاتهامات. وهو يقيم حاليا في الولايات المتحدة الأميركية.(59/77)
شبكة النشاط التعليمي
يُعد فتح الله غولَن مؤسسا لحركة تعليمية إسلامية قد تمكنت خلال الثلاثين سنة الماضية من تكوين شبكة من المدارس داخل تركيا وخارجها، لكنه ظل غير مرتبط شخصيا بنشاطاتها. بل إن تابعيه هم الذين انخرطوا بدافع إسلامي في العمل من أجل تعليم حديث "غير ديني" ويساهمون بصفة نشطة في تأسيس مراكز تعليمية خاصة معترف بها حكوميا، ومن دون مواد دينية محورية.
في هذه المدارس تمثل اللغة الإنكليزية في أغلب الأحيان لغة التدريس الأولى. وقد ضربت نشاطاتها في أصقاع العالم وكان من نتائجها بروز رؤية إسلامية تطورت داخل الأوساط الإسلامية المحافظة وفي سياق النمط العلمانية التركي.
وهي لا تعُد جزء من الإسلام الإصلاحي الحديث المعلن عنه من طرف الحكومة التركية وكما يدرس داخل المدارس العليا للعلوم الدينية، بل إنها نشأت جزئيا في إطار المعارضة للمفهوم الحكومي للإسلام.
ومما يجعل تركيز نشاطات هذه المدارس على المواد التعليمية "غير الدينية" أكثر إثارة للدهشة هو أن مفهوم الحكومة التركية العلمانية ذاتها للسياسة الثقافية الخارجية في آسيا الوسطى على سبيل المثال أو حتى في ألمانيا، يرتكز بالأساس على النشاطات الدينية كبناء الجوامع أو تكوين المؤسسات التعليمية الدينية.
فهم تقليدي للإسلام
يُعرف فتح الله غولَن في الأوساط العمومية التركية بنشاطاته في المجال الديني متعدد المشارب وبموقفه المناصر لتلاؤم الإسلام واللائكية – العلمانية - وبشجبه العلني للعنف الذي يرتكب باسم الإسلام، وبصفة أخص بموقفه من أهمية التعليم والمعرفة في الإسلام.(59/78)
إلا أن من يطلع على شيء من مؤلفاته المتنوعة سيدرك بسرعة أن الرجل لا يدافع عن تيولوجيا خاصة به أو أية تيولوجيا ثورية جديدة. إذ أن فهمه للإسلام ينحو نحو التيار المحافظ السائد، و براهينه تقليدية، إلا أن نشاطات أتباعه تبهر مع ذلك كل الملاحظين. وقد نجح هؤلاء منذ الثمانينات إلى الآن في تأسيس 150 مدرسة خاصة و150 Dersanes (وهي مراكز يتم داخلها إعداد المرشحين لاجتياز اختبار من أجل دخول الجامعات) وكذلك عدد من المبيتات لإيواء التلامذة والطلاب.
يعتمد البرنامج التثقيفي لفتح الله غولَن في انتشاره منذ الثمانينات بصفة خاصة على شبكة إعلامية متكاملة منها وكالة أنباء وقناة تلفزيونية وصحيفة يومية والعديد من المجلات ودور النشر. وتقدم هذه الوسائط تقارير إعلامية أيضا عن نشاطات الأتباع. وتعمل كل منشآت الأتباع بصفة مستقلة الواحدة عن الأخرى رسميا، إلا أنها على مستوى الإشراف مرتبطة ببعضها البعض داخل إطار شبكة تكوين موحدة.
مشاريع تعليم عالمية ناجحة
بعد سقوط "الستار الحديدي" شجع فتح الله غولَن أتباعه على نقل أفكاره إلى الخارج أيضا. وقد استطاع أن يعتمد في ذلك على رجال أعمال كانوا يرغبون في مساندة أفكاره هناك في الخارج. و مثلت المناطق التابعة للاتحاد السوفييتي سابقا ومنطقة البلقان مركز اهتمام خاص لهذا النشاط. ثم انضافت إليها منشآت تعليمية لأتباع غولَن في الصين والبوسنة والهرسك والدانمارك وألمانيا وبريطانيا وكمبوديا وهولندا وفرنسا والفلبين وتنزانيا والشيشان(الفيدرالية الروسية) وتايلندا، وكلها منشآت ليس لها ارتباط بوزارة التعليم التركية.(59/79)
تظل البلدان العربية هي الاستثناء الملحوظ في هذا البرنامج، حيث أن تدخلا تركيا في مثل هذه الميادين المركزية من نوع النظام التعليمي لا يمكن توقعه البتة هناك. أما في ألمانيا فإن للحركة بما كونته من مراكز المساندة التعليمية نشاطات في كل المدن الكبرى تقريبا، كما تسعى لفتح مدارس خاصة دون أن تكون مرتبطة في ذلك بمركز رسمي، لكن ذلك لا يعني أن النشاطات ليست منسقة في إطار شبكة العمل الشاملة.
إنها المرة الأولى التي يكون فيها لمجموعة إسلامية مثل هذا التأثير في النظام التعليمي العلماني لتركيا، وهي المرة الأولى أيضا التي يكون فيها لبرنامج تعليمي من تركيا أن يطبق بمثل هذا النجاح في الخارج أيضا. لا غرابة إذن أن تختلف الآراء حول غولَن وأتباعه، ذلك أنهم يتخطون الحدود التي ظلت مسطرة بطريقة ثابتة لمدة طويلة من الزمن بين القطاعات الاجتماعية "الإسلامية" والأخرى "العلمانية".
يعود أصل المؤسسات التعليمية إلى فكرة إسلامية، لكنها تتمتع باعتراف الحكومة العلمانية التركية وتتكيف مع أنظمة تعليم –علمانية كلها تقريبا- لبلدان مختلفة وتركز في أغلبها على اللغة الإنكليزية كمادة محورية.
في تركيا تقدم مدارس الشبكة وفقا للبرنامج التعليمي العام درسا دينيا بمعدل ساعة في الأسبوع، وفي العديد من البلدان الأخرى لا توجد أية دروس دينية في المدارس. هذه المدارس (باستثناء مدارس الأئمة الخطباء) ليست مدارس دينية بالمعنى الضيق للكلمة.
"الخطاب الغولَني"
هذا التفاني الذي يبديه غولَن في سبيل التعليم ومواقفه تجاه الإسلام والسياسة، وكذلك مواقف وسائل الإعلام التابعة للشبكة تعرب كلها عن حوافز جديدة تعتمل داخل الوسط الإسلامي في تركيا.…
إننا نشاهد عددا من تلك الحوافز الظاهرية المتأتية من القيم التي يثمنها غولَن ومن نشاطات أتباعه. فهل يجعل منه هذا مصلحا إسلاميا؟ كي نجيب عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى العالم الفكري لغولَن.(59/80)
لكن هذا يتطلب منا أن نجري تفرقة بين التيولوجيا الإصلاحية والفكر الإسلامي المجدد. و"الخطاب الغولَني" يتكون من عناصر متعددة لا يمكننا هنا سوى ملامستها بعجالة. وإحدى مميزات "الخطاب الغولَني" هو تعدد مدلولات مقولاته و الصياغات المتنوعة لأفكاره بحسب المتلقي.…
وفي هذا المضمار فإن إضافته لا تكمن في تأويل جديد للقرآن، بل في ملاءمة تركيب جديد لعناصر مختلفة متفق عليها عموما بهدف صياغة مقولات جديدة. وتتمثل الخطوط العريضة لخطابه في الآتي:
الحفاظ على الإسلام داخل الحداثة
أولاً: أفكار المفكر النشيط سعيد نورسي (المتوفي سنة 1960). وترتكز رؤيته للإسلام على جملة من الفرضيات:
-…إن الدولة العلمانية الحديثة خصم قوي، وإن كل مواجهة مفتوحة معه تعود بالضرر على المصالح الإسلامية لأن الدولة ستواجهها بالقمع. والواضح بالنسبة لنرسي هو أن الله يحاكم الفرد عن حياته الخاصة. وعليه فإن كل حركة تجديد إسلامية مطالبة بالتركيز على إرشاد الأفراد، وينبغي القبول بالنظام الحكومي إطارا منظما للسلوكات الفردية، كيما يتفرغ الإنسان إلى مهمات أكثر أهمية.
-…يعيش الإنسان حاليا في عصر العلوم الطبيعية والتكنولوجيا التي ليس هناك من بديل عنها. وبالتالي فإما أن يساهم المرء في صياغة العصر بطريقة دينية أو أنه سيخسر كل مقدرة على التدخل البناء. ويوضح فتح الله هذه المسألة كما يلي:
"إن المتذمرين لم يصنعوا تاريخا أبدا." وبذلك يضع نفسه في موقف المناهض لطرق التدخل الثورية.
وكبديل عن الانسحاب من المجتمع العلماني يطرح مسألة الانخراط الفعال في المجتمع (وبذلك المساهمة في إعادة تنظيمه في الآن نفسه).
-…لا مكان للجدالات التيولوجية في عصر يجد الدين نفسه فيه مهددا بكليته. وعلى التيولوجيا تبعا لذلك أن تكون تعبيرا عن الوفاق وأن تقصي من دائرة اهتماماتها المسائل الجزئية.
القومية التركية والإسلام(59/81)
ثانياً: إن العامل الجوهري في النجاح الذي لاقاه فتح الله غولَن في تركيا يتمثل في الخلاصة التأليفية التي يدافع عنها بين القومية التركية والإسلام. وقد تبنى هذا التوفيق أتباعه بالنسبة لبلدان أخرى أيضا، مما مكّن في الآن ذاته من توسيع أفق المبدأ القومي. ويرى غولَن وأتباعه إلى عالم الدول القومية كأمر واقع مثله مثل العولمة. وهم لا يعتقدون اليوم (الأمر الذي لم يكن هكذا بالنسبة لغولَن في الثمانينات) بأنه بالإمكان الحفاظ على الهوية الإسلامية الخاصة عن طريق الانغلاق عن العالم.…
يعتبر غولَن أن رؤيته الخاصة قادرة على فرض نفسها، ويدافع تبعا لذلك عن مبدأ الحدود المفتوحة كي تتم إعادة الاعتبار إلى الإسلام. وعلى المرء في رأيه أن يتعامل مع العولمة كإمكانية يجب توظيفها، لأنه لا يمكن التصدي لها ومقاومتها.
كما يرى أن الإسهام في تحديد نظام العالم لا يتحقق عن طريق العلوم الدينية، بل عبر مؤسسات تعليمية لائكية واستعمال وسائل إعلام حديثة وكذلك عن طريق المشاركة وممارسة تأثير داخل عالم الأعمال.
أما بخصوص ما يفترضه الإسلام من واجبات على الإنسان فالمسائل محددة بوضوح في نظره، وفي هذا المجال يتحرك غولَن داخل دائرة الإجماع المحافظ. لكن مزيدا من المعرفة يظل ضروريا حسب رأيه وذلك بهدف التخلص من التبعية المادية والإديولوجية للغرب (التوجه المادي والوضعي). وينتقد غولَن هذه التبعية تماما كما ينتقد الإسلام السياسي. لكنه يرى أنه لا يمكن صيانة الاستقلالية الثقافية القومية إلا عن طريق صياغة خاصة للحداثة، وليس عن طريق رفضها.
أولوية الأخلاق والمعرفة على السياسة(59/82)
ثالثاً: في هذا المضمار تظل دعاوي فتح الله غولَن غير مجددة. إنه يدعو إلى أحكام معاملاتية من الإسلام التقليدي : الجهاد (الاجتهاد للسير"على السبيل اللإلهي") والإرشاد والتبليغ وبصفة خاصة "الخدمات"؛ أو أعمال سلمية في سبيل الله، ويبرر ذلك بقياسات برهانية من الفقه الإسلامي السائد.
إن ما يجلب الانتباه هو هذا الطابع التقليدي لحججه بخصوص ما يعتبر إسلاميا صحيحا، والذي يتعايش لديه مع طرق جديدة لوضع هذا الإسلام موضع التطبيق. وبهذا يكون المعلم في نظره نبيا يحقق عن طريق نشر معارفه ممارسة المبادئ الإسلامية المذكورة أعلاه.
ومن الأهمية بمكان بالنسبة لغولَن أن تظل المبادئ الإسلامية ثابتة، لكن مع تجسيدها بصفة ملموسة في واقع العصر. وهكذا يمكن للدروس القرآنية أن تكون في ظروف محددة أفضل ما يمكن أن يستثمر لخدمة الإسلام. لكن في زمن يوجد فيه "في كل زاوية جامع" ستكون هناك نشاطات إسلامية أكثر أهمية؛ هذا هو ما يكرز به غولَن وأتباعه.
هكذا ينجح غولَن في كسب كفاءات من الوسط الإسلامي المحافظ لخدمة مجالات عملية إسلامية جديدة، وذلك باستعماله لمصطلحات إسلامية تقليدية، وبتعريفها بطريقة تقليدية خالصة، لكنه في الآن ذاته يضعها على محك الممارسة بتوظيفات ابتكارية لصالح الواقع الحاضر.
ولا يتفادى غولَن الخوض في المسائل النقدية والتناقضات بين التشريعات الإسلامية والأخرى العلمانية وتناقضات تصورات الحكم الإسلامية، مستندا في ذلك على مرجعيات العلماء المصلحين من الأتراك والإيرانيين والعرب الذين أولوا التاريخ والنصوص القرآنية تأويلا جديدا.
ويسوق غولَن حجته بطريقة بسيطة للغاية وهي القائلة بأن مسائل الأخلاق والتعليم أكثر أهمية بالنسبة لإسلام اليوم من المسائل السياسية، وأن للمسلمين في وقتنا الحاضر مشاكل أخرى عليهم أن يواجهوها بدلا من مسألة تركيز نظام الشريعة.
تفادي الخسائر(59/83)
رابعاً: يطور غولَن أخلاقيات عمل توسع من مجال العمل الإسلامي ليحتضن مجالات جديدة من ناحية، وترفع من ناحية أخرى العمل والنجاعة إلى مصاف المبدأ السلوكي. في هذا الإطار يصبح كل عمل ينذره صاحبه باتجاه غاية إسلامية (حتى وإن لم يساهم المرء سوى بجزء بسيط من ذلك العمل) نوعا من العمل العبادي، ويكتسي النشاط التعليمي وكل نشاط يسانده صبغة القيمة الإسلامية العليا.
خامساً: أما عن تصورات الكيفية التنظيمية التي يمكن بها تطبيق المبادئ الإسلامية على أحسن وجه فتتحدد بحسب الرأي القائل بضرورة الحرص على تفادي عدم النجاعة وكل الخسائر الناجمة عن المشاحنات وذلك في كل الأحوال.
يكتسي عدم النجاعة وفقا لهذه الرؤيا طابع الأمر المكروه إسلاميا. وإضافة إلى هذا تسن استراتيجيات تحدد للمسلم الكيفية التي يؤدي بها واجباته تجاه الله. وتخدم هذه الاستراتيجيات المعالجة الناجعة للقضايا الإسلامية وللمشاريع العملية والعبادة الفردية.
ويعمل غولَن على نشر الأشكال التنظيمية لأتباعه (نظام الجماعة) كوسيلة تمكن في الوقت الحاضر من ربط السعادة الروحية للفرد بقضايا المجموعة والأهداف المجتمعية العامة. وبذلك "يؤسلم" الأشكال التنظيمية لأتباعه واستراتيجياتهم العملية؛ ولا بد أن تكون هذه الأشكال التنظيمية والاستراتيجيات مرنة كي ما يتسنى استقطاب أكثر ما يمكن من الناس لمساندة أهداف الجماعة.
ويرى غولَن أن مجتمعا ما لا يمكن أن يغير إلا عن طريق أفراده. وتعليم هذا "الجيل الجديد" هو الهدف التي اتخذته الجماعة شعارا لها.
براغماتية "مؤسلمة"
6- يتّبع غولَن وأتباعه فهما تقليديا صرفا للإسلام. لكنهم في علاقاتهم بالآخرين يرون أنه من المهم أن يبلّغوا ولو جزء من تصوراتهم للعموم(حتى وإن اقتضى الأمر أن يدعوا جزء من دوافعهم الإسلامية يندحر إلى مواقع خلفية) بدلا من تدخل إسلامي مفتوح لا يكون له أي تأثير خارج نطاق الحلقات الإسلامية.(59/84)
إن العامل المحدد في نجاح أفكار غولَن هي هذه التوليفة بين الحجج التقليدية والمحافظة من جهة والمقترحات الجديدة من جهة ثانية بخصوص التطبيقات التي سمحت بالتواصل مع شرائح اجتماعية جديدة.
خلال تحقيقاتي الميدانية صرح لي أحد القريبين من أوساط الجماعة إنه قبل جيل واحد ما كان لأحد من الوسط الذي ينتمي إليه أن يقبل من وجهة نظر إسلامية تقليدية بأن يرسل ابنته إلى مدرسة ذات تعليم متقدم، لكنه غدا في الأثناء يُسمح لها حتى بمواصلة الدراسة الجامعية بسبب الاقتناع بالعلاقة الوطيدة بين الإسلام والمعرفة. إن هذا الأمر لم يكن له أن يتحقق إلا عن طريق توظيف نظام الحجج التقليدية المتداولة.
داخل الإطار البرهاني الإسلامي لغولَن يجد الناس مكانا لهم من جديد. وقد وفق في جعل أهدافه تبلغ أذهان أناس لم يستطع الإصلاح الإسلامي الذي كان يروج له من قبل الدولة أن يجعلهم يتحركوا قيد أنملة عن تصوراتهم القديمة، لكنهم مع ذلك وفي الوقت نفسه يعطون أولوية لمسائل الحياة اليومية ولتعليم الأطفال والممارسة الدينية على المستوى الفردي، وليس للإسلام السياسي.…
هذا الأمر يلقي ضوءً جديدا على سؤال: ما هي مكونات الإصلاح الإسلامي؟ هل يتطلب هذا الأمر تغيير الإسلام، أو بالأحرى تغيير الإنسان؟ إن تجربة فتح الله غولَن تثبت أنه لا بد من أخذ الطريقة الثانية بعين الاعتبار عند تحليل المسارات التجديدية في العالم الإسلامي، حتى وإن لم تكن نظريته الدينية نظرية إصلاحية بالمعنى الضيق للكلمة.
* بكيم أغاي: درس التاريخ وعلم النفس والدراسات الإسلامية في جامعتي بون والقاهرة ويعمل حاليا أستاذا مساعدا في جامعة بون
حركة فتح الله غولن تسعى لتكون في طليعة الإسلام الكوني
الإيكونوميست (تقرير خاص) الغد - 19/3/2008
ثمة حركة تتخذ من تركيا مقرها الرئيس، وتبدو أكثر عقلانية من معظم نظيراتها، وتسعى من أجل الاعتراف بها لتكون الشبكة الإسلامية الرائدة على مستوى العالم.(59/85)
إنها مسافة طويلة من سهول الأناضول إلى الحرم الجامعي في قلب لندن، حيث يقوم علماء الدين البارزين بتقديم أوراق متبصرة. كما تبدو الأراضي المرتفعة التي كانت تشكل في السابق الحدود السوفياتية مع الصين، المنطقة التي يتوق فيها الأولاد اللامعون للتعليم، تبدو بعيدة كل البعد عن المبنى المكون من ثلاثة طوابق في بنسلفانيا، حيث يعيش أستاذ معتزل وجليل للدين الإسلامي.
إن ما يربط بين هذه الأماكن هي واحدة من أكثر الشبكات قوة وأفضلها اتصالاً، والتي تتنافس للتأثير على المسلمين حول الكرة الأرضية، خاصة في أماكن بعيدة عن أرض الإسلام الأم. وقد أصبح هذا الرجل الحكيم الذي يتخذ من بنسلفانيا مقراً له، ويدعى فتح الله غولن، ويتولى مسؤولية هذه الشبكة، أصبح واحداً من أكثر الشخصيات الإسلامية أهمية في العالم، ليس في بلده تركيا فحسب، وإنما أيضاً في العديد من الأماكن الأخرى، ولو بشكل أقل: في آسيا الوسطى والهند والصين وإندونيسيا وإفريقيا.
بسبب من إيمانه المعلن بالعلم، وبالحوار بين الأديان، وبالديمقراطية القائمة على تعدد الأحزاب، حظي السيد غولن بإطراء العديد من الأوساط غير الإسلامية. إنه واعظ محرك للعواطف بكثافة، والذي تلقى مواعظه التي تخالطها الدموع آذانا صاغية بعمق من مستمعيه. لكن الحركة التي يقودها تبدو برغماتية وكثيرة الشبه بالعمل التجاري بشكل ملحوظ.
باعتبارهم قوة عالمية، ينشط الغولنيين (نسبة إلى السيد غولن) بشكل خاص في مجال التعليم، ويدعون بأنهم أسسوا أكثر من 500 مكان للتعليم في 90 بلداً. وكانت أربع جامعات ومجلس العموم البريطاني قد استضافت، بشكل مشترك، مؤتمراً نظمه أتباع غولن في لندن في تشرين الأول-أكتوبر الماضي، وأصدر منظمو المؤتمر مجلداً مصقولاً في 750 صفحة، والتي تشتمل على وثائق المؤتمر.(59/86)
في وطنها الأم، تعتبر حركة غولن نظيراً معاكساً للنزعة القومية المتطرفة. لكن الحركة تتخذ في الأماكن البعيدة عن الوطن نكهة القومية التركية. وفي الجنوب السوفياتي السابق، تقوم بمحاربة الزاوية "التركية" في مناطق حيث تتعايش ثقافات روسيا والصين وإيران بصعوبة.
يقول مرقاب تركي: "إذا ما تقابلت مع شاب مؤدب من آسيا الوسطى، يتحدث الإنجليزية والتركية جيداً، فإنك تدرك أنه انتظم في مدرسة غولن". وفي قرغيزيا، على سبيل المثال، تدير الحركة جامعة، ونحو دزينة من المدارس الثانوية التي تتفوق في المسابقات الدولية.
وحتى في الباكستان، يتعلم تلاميذ مدارس غولن الأغاني التركية، بالإضافة إلى الاستفادة من مختبرات العلوم اللامعة.
لعل من المدهش بما فيه الكفاية، أن حركة غولن قد حققت تواجداً كبيراً في شمالي العراق عبر تأسيس مدارس ومستشفى، و(قريباً) جامعة. وعلى الرغم من أن هذه الحقبة من النزاع التركي-الكردي ليست هي البيئة الأسهل لعمل مؤسسة تتخذ من تركيا مقراً لها، فإن الحركة استطاعت عن جدارة بناء علاقات مع كافة المجموعات الإثنية والدينية في المنطقة.
لقد تراكم النفوذ الذي جمعته حركة غولن بهدوء، ليكون بمثابة المفاجأة لبعض المراقبين المخضرمين للإسلام. وعند سؤالهم عن تسمية أكثر الشبكات الإسلامية نشاطاً في العالم، يعتقد العديد من المفكرين أنها حركة الإخوان المسلمين التي امتد انتشارها ووصولها مسافة بعيدة عن مصر، حيث كانت قد بدأت في عشرينيات القرن الماضي كحركة مقاومة للشرّين التوأمين المتمثلين في العلمانية والاستعمار. ويبقى صحيحاً -في كل بلد غربي بما في ذلك الولايات المتحدة حيث ينشط المسلمون سياسياً، أن تأثير الإخوان المسلمين، أو المنظمات التي انبثقت عنها على الأقل، يبقى واقعاً ملموساً.(59/87)
من بين الحركات التابعة أيديولوجياً لحركة الإخوان المسلمين، هناك المجموعة الإسلامية الأكبر في فرنسا، وهي فيدرالية تستهدف تنسيق النشاطات الإسلامية في عموم أوروبا، بالإضافة إلى "مجلس الفتاوى" الذي يقدم الإرشاد الأخلاقي للمسلمين الأوروبيين. أما في بريطانيا، فإن المعسكر المؤيد للإخوان المسلمين قد انشق إلى جناح متدين وجناح أكثر ميلاً نحو السياسة، مثل المبادرة البريطانية الإسلامية المشغولة حالياً بتنظيم احتجاجات على الممارسات الإسرائيلية في غزة.
على السطح، تبدو حركة غولن أكثر قبولاً من وجهة نظر غربية من الأخوان المسلمين، أو أي شبكات أخرى تتنافس على نيل قصب السبق بالاضطلاع بدور مشابه. وبالرغم من أن حركة الإخوان المسلمين تطلب من الناس الاستفادة بالكامل من الديمقراطية العلمانية، فإنها تصر أيضا على أن الشكل المثالي للحكم هو النمط الإسلامي. أما الغولينيون، فيقولون إن اعتناقهم للديمقراطية هو بجماع القلب، وليس أمراً تكتيكياً. وإذا كانت ثمة جماعة بعينها من الناس الذين يشكون في هذا، فهم الأتراك العلمانيون؛ حيث ينظر العديدون منهم إلى الغولنيين بوصفهم "حرباوات"، والذين لا يكشفون عن وجههم الحقيقي المحافظ سوى في عمق الأناضول فقط.
ومع ذلك، وإذا ما ظلت رسالة غولين تلقى قبولاً جيداً في الغرب، فإن ذلك يعود في جزء منه إلى أن الرسالة القادمة من الشبكات المسلمة الأخرى (مع وضع الحركات التي تتماهى مع الإرهاب صراحة)، غالباً ما تكون رسائل قاتمة. ولك أن تأخذ، على سبيل المثال، حزب التحرير الناشط في 40 بلداً، بما في ذلك بريطانيا وأستراليا.(59/88)
إن خطه يدعو إلى وجوب تجنب المسلمين للديمقراطية جملة وتفصيلاً، على أرضية أن النظام الوحيد الذي يستحق الدعم هو الخلافة الكونية. ومن الممكن أن يروق جوهره الكلي، والتضامن الذي يدعيه بين صفوف المسلمين المحاربين في عموم العالم، يمكن أن يروق للكثيرين من الطلبة القابلين للتأثر بالانطباعات. لكن هناك منافساً آخر له، وهو حركة إسلامية انبعاثية تدعى جماعة التبليغ المتجذرة في جنوب آسيا، والناشطة أيضا في أوروبا، خاصة بريطانيا. بالمقارنة مع كافة هذه الجماعات، تعرض حركة غولن لرسالة موجهة إلى الشباب المسلمين، والتي تبدو أكثر ايجابية: إنها تطلب إليهم تبني فرص العالم الغربي، في نفس الوقت الذي تصر فيه على الاحتفاظ بأساسيات الإسلام.
التشيع بين الأكراد في سورية
نشر موقع كرد روج
http://www.kurdroj.com/exbar/2007/01-06/shiia.qamishlo-17.04.07.htm(59/89)
بدأت منذ فترة ليست ببعيدة في كردستان سورية وتحديداً في منطقة الجزيرة شمال شرق سورية ذات الأغلبية الكردية محاولات جادة من قبل أطراف مختلفة لنشر المذهب الشيعي في تلك المناطق وخاصة بين أبناء الكرد من سكانها حيث أفادت مراسلتنا (ف ج) أن التشيع قد أصبح ظاهرة خطيرة في سورية بشكل عام وفي منطقة الجزيرة بشكل خاص حيث أكدت بأنها قد حصلت على معلومات تؤكد بأن هناك جهات إيرانية تقف وراء هذه العملية وبمباركة وتأييد من المخابرات السورية وأن الشخص المكلف بإدارة هذا الملف هو الملحق الثقافي الإيراني ومقره مدينة حلب وهو رجل معمم و أحد الآيات ويدعى عبد الصاحب الموسوي وهو رجل محنك يتقن اللغة العربية بطلاقة حيث أنه من العرب الأهوازيين في إيران، كما أضافت مراسلتنا أن المسؤولين عن نشر التشيع قاموا بتجنيد الكثير من الناس وتدريبهم من خلال إرسالهم إلى إيران خصيصاً لتعلم المذهب الشيعي ونشره بين الناس وذلك عبر منحهم المنح الدراسية المجانية ، أو عن طريق إرسالهم في رحلات عائلية إلى قرى الجنوب اللبناني.
كما وأشارت بأن المسؤولين عن نشر المذهب الشيعي يحظون بدعم السلطات السورية التي تقوم بتوفير الغطاء الأمني من خلال السماح لهم باستخدام أي مسجد من مساجد المحافظة لأي نشاط من نشاطاتهم الكثيرة والمتعددة، ويتمتعون بحرية التنقل. كما أنهم يمتلكون إمكانات مادية كبيرة حيث يدفعون مبالغ لمن يعتنق المذهب إضافة إلى تخصيص راتب شهري يتراوح بين 5,000 إلى 10,000 ليرة سورية حوالي 200 دولار شهرياً.
ويتم التركيز على تجنيد أو ضم الشباب والأشخاص العاطلين عن العمل حيث يكون اصطيادهم أسهل, نظراً لحاجتهم الماسة إلى المال. كما وأشارت مراسلتنا (ف ج) في تقريرها إلى أن القائمين على نشر المذهب الشيعي في المنطقة يقومون بشراء الكثير من الأراضي في المنطقة لإقامة حسينيات عليها.(59/90)
وآخر هذه الأراضي التي تم شراؤها كانت في مدينة قامشلو الكردية على طريق الحزام المؤدي من طريق الحسكة إلى حي الهلالية بحجة بناء جامع ومستوصف بالإضافة إلى بناء حسينية أهل البيت في منطقة النشوة بالحسكة حيث تبين في ما بعد أن من قام بتمويل بناء هذه الحسينية رجل أعمال شيعي من الكويت. هذا وأفادت مراسلتنا إن تلك الجهات تقوم بتوزيع المنشورات على المحلات في مدينة الحسكة تدعو الناس إلى التخلي عن معتقداتهم وثوابتهم والتحوّل إلى التشيّع مقابل راتب شهري يبلغ ستة آلاف ليرة سورية نحو مئة دولار أمريكي.
إلى ذلك أفاد السيد( ن ا ) أحد الذين كان قد عُرض عليهم اعتناق المذهب الشيعي ونشره والذي إلتقته مراسلتنا حيث قال:( كانت هناك ومنذ القدم فكرة تكوين الدولة الفاطمية المعتنقة للمذهب الشيعي وبتنسيق من النظام السوري والنظام الإيراني وبالتحالف مع التيارات الشيعية الموجودة داخل الدول غير الشيعية مثل حزب الله داخل لبنان وبعض من رجال الأعمال من المنطقة الشرقية السعودية ونظراً لسوء الأحوال داخل سوريا نتيجة الضغط الخارجي يحاول هذا النظام إرساء قاعدة شعبية له داخل المجتمع الكردي في سوريا عبر نشر المذهب الشيعي والتزام المتشيع بالولاء التام للمرجعية وقد بادر النظام إلى فكرته القديمة باعتناق الكثير من السنة المذهب الشيعي لتبقى له قاعدة يستطيع التحرك من خلالها لزعزعة الأوضاع في المنطقة ومن أجل بقاءه على الحكم .
واليوم نرى بأنهم يدعمون الكثير من العوائل الكردية داخل الجزيرة في سبيل تغيير مذهبهم إلى المذهب الشيعي لذا نرى ونلمس من خلال هذه المبادرة بأنها ظاهرة خطيرة جداً بالنسبة إلى مستقبل المجتمع الكردي داخل سوريا و من ذلك نناشد إخواننا بالمزيد من الحيطة وعدم الانجرار إلى هذا المشروع الخطير والذي يعمل على إنشاء الحسينيات داخل المدن الكردية).(59/91)
وأضاف بأنه يشك أن هناك مؤامرة خطيرة على المنطقة وسكانها من الكرد خاصة، حيث أكد بأن المشروع لا يهدف فقط إلى نشر التشيع بل يعتقد أن هناك نية لدى هذه الجهات لإنشاء ميليشيا على غرار جيش المهدي في العراق تكون مهمتها حماية النظام وتنفيذ مهام أخرى على غرار حزب الله اللبناني، حيث تشير معلومات شبه مؤكدة حصلت عليها مراسلتنا وتقاطعت مع معلومات أخرى حصلت عليها كرد روج من مصدر صحفي فرنسي أن هناك علاقة ما لشخص يدعى زيدان غزالي أحد أقرباء الجنرال رستم غزالي في سورية بملف التشيع حيث تشير المعلومات أن المدعو زيدان غزالي يشرف بشكل غير مباشر على ملف نشر التشيع بالتنسيق مع عبد الصاحب الموسوي والمخابرات السورية لنشر التشيع وتنظيم التمويل المالي اللازم لهذه العملية وأيضا المسائل الإدارية والإستخباراتية كما أنه قد تأكد بأنه قد تشيع شخصيا وهو يمارس نشاطه انطلاقا من حسينية علي بن أبي طالب في درعا ويتلقى تعليماته مباشرة من السفير الإيراني محمد حسن أختري.(59/92)
كما أكدت المصادر أنه كان عضواً في جمعية المرتضى التي أسسها جميل الأسد شقيق الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في الثمانينات من القرن الماضي والجدير بالذكر أن جميل الأسد كان قد بدء حركة التشيع في الساحل السوري وخصوصا بين أبناء الطائفة العلوية في بداية الثمانيات من القرن الماضي وكان يقوم بإرسال مجموعات منهم لتعلم المذهب الإمامي والعودة إلى سورية لنشر التشيع بين أبناء الطائفة العلوية في جبال الساحل السوري وقام ببناء حسينيات في هذه الجبال التي لم يكن يوجد فيها إلا المزارات الخاصة بهم ولم يجد التشيع ترحيب بينهم لذلك قام بتعين شيخ شيعي على جامع الزهراء التابع للطائفة العلوية في مدينة بانياس الساحل ويقوم الآن شخص علوي تشيع يدعى غيث عمور في مدينة بانياس بقيادة عملية التشيع في هذه المدينة بعد وفاة جميل الأسد وكان قبل أن يشيعه جميل الأسد رجلاً علمانيا وصاحب محل فيديو غيث ومن أعضاء القومي السوري وهو الآن يعمل فقط على نشر المذهب الشيعي بين سكان المنطقة.
إلى ذلك أفاد مصدر موثوق اتصلت به كرد روج أن السلطات قد قامت قبل فترة باعتقال عدد من أفراد عائلة رفيعة التي تعتنق المذهب السني بسبب معارضتهم لنشر المذهب الشيعي في المنطقة وكانت التهمة انتمائهم إلى تنظيم جند الشام وذلك لفترة ثلاثة أسابيع تقريباً حيث أفرجت عنهم فيما بعد. ويُذكر أن أحد المسؤولين عن نشر التشيع داخل المنطقة الكردية يدعى معصوم ب وهو معروف الآن بين الكرد بتشيعه ونشره للمذهب بين أبناء المنطقة.…(59/93)
تجدر الإشارة إلى أن رئاسة حزب البعث الحاكم في سوريا يتربع على عرشها عائلة الأسد وهي من الطائفة النصيرية ( العلوية ) وهم يسكنون جبال الساحل السوري فهذه الفرقة وإن كانت نشأت وتفرعت من الشيعة أصلاً وتتفق معها في كثير من عقائدها فلا يشملها الآن مصطلح الشيعة بل هي ديانة مستقلة بذاتها وهم لا يشكلون أكثر من 8-9 بالمائة من سكان سورية. وهؤلاء العلويون النصيرية ليست لهم دعوة إلى دينهم ليس لهم إلا أشياء نظرية رمزية وعقائد باطنية خفية خاصة بهم ليس لها أثر في الخارج.
لكن بعد تسلم حافط الأسد لسدة الحكم في سوريا وبعد الاعتراضات التي صدرت من بعض العلماء بسبب انتمائه الديني بدأ حافظ الأسد بارتياد المساجد وإنشاء مآدب للإفطار للعلماء إغراء لهم وإسكاتا لأفواههم بناء على المثل الشامي المعروف (طعمي التم تستحي العين) وقام بإنشاء جمعية المرتضى من خلال أخيه جميل والتي انتشرت فروعها في جميع أنحاء سوريا، وبعد دراسات معمقة طلب حافظ الأسد من آية الله محمد حسين فضل الله بالعمل على الساحة السورية وبالفعل دبت حركة من النشاط الملحوظ على الساحة بعد أن افتتح مكتباُ له في منطقة السيدة زينب بدمشق العاصمة (وقد كانت له في مكتبه العديد من اللقاءات وحتى مع القوى السياسية السورية ومن ضمنها بعض الأحزاب الكردية)..
على إثرها بدأت القناة السورية ببث حلقات للشيخ القصصي الشيعي العراقي عبد الحميد المهاجر والذي استجمع حوله الغوغاء من خلال قصصه المدمعة ، لكن بعد تسلم بشار الأسد تراجع دور فضل الله قليلا وبدأت السفارة الإيرانية بالعمل النشط ومن خلال ملحقها الثقافي بحلب.(59/94)
وأساليبهم للوصول إلى مبتغاهم هي متقاربة في كل أنحاء العالم لعل أهمها الدندنة حول حب آل البيت وذكر مزاياهم سواء صحت أو لم تصح مستغلين حب المسلمين لآل البيت ثم يبدؤون باستغلال الظلم الذي تعرض له أهل البيت بعد وفاة الرسول ، وهنا يصبح مستمعهم الساذج مؤهلاً للتقبل , وهم في كل ذلك لا يتورعون عن افتراء الكذب واختلاق الحوادث والوقائع التي لم تكن أصلاً إذ أنهم يستحلون الكذب من أجل نشر عقيدتهم.
ومن أساليبهم العملية الناجعة الاتصال برؤساء العشائر والعائلات الكبيرة الغنية ذات المكانة في المجتمع وأكثر تركيزهم على القبائل التي تدّعي أن لها نسباً إلى آل البيت، كما يقومون بدعوة الناس إلى حضور الاحتفالات في مراكزهم حيث يبثون سمومهم في قلوب الناس مستعينين ببعض المنحرفين والوصوليين من المشايخ الصوفية لإلقاء المحاضرات والخطب وتأييد دعاوى الشيعة وينتهي الاحتفال بتقديم وجبة دسمة لتشجيع المنهومين على العودة وإشاعة أن الشيعة كرماء أسخياء مع الاحتفاء البالغ بكبار الضيوف ويحرصون على أن تشمل الدعوة الرجال والنساء وفي كل مراكزهم يوجد قسم كبير للنساء ودوماً تكون الدعوة إلى هذه المهالك عامة ولكن يخصُّون أئمة المساجد والشخصيات الهامة ببطاقات دعوة خاصة بأسمائهم فإذا ما أرادوا دعوة شيخ أو إمام مسجد أو من يطمعون بنصرته أو يسعون لاستمالته فإنهم يكتبون له بطاقة منمّقة أنيقة صادرة من أكبر مسؤوليهم كسفير إيران مثلاً أو نائبه في المدن الأخرى كحلب ويبالغون في الثناء على الشخص المدعو فيكتبون له مثلاً:
الشيخ العلامة إمام مسجد كذا الخ أو الأستاذ الشيخ فلاناً يتشرف سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعوتكم لحضور الاحتفال بمناسبة كذا. ومعلوم أن الثناء يخدع ويغرّ صاحبه كما قال الشاعر:
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرُّهنَّ الثناء(59/95)
فإذا ما سمع ضعيف النفس هذا الإطراء أُسقط في يده وتأسّف على مكوثه كل هذه المدة بين ظهراني السنة دون أن يعرفوا قدره وفضله ويكتشفوا مواهبه ومزاياه ويصير لسان حاله :
أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
وتجدر الإشارة إلى أن الفكر الشيعي هو الوحيد الذي يصرح بعدائه للكرد وعدم مخالطتهم أو الزواج منهم كما جاءت في مراجعهم فقد ورد: "ولا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء"، كتاب "الكافي" للكليني (5/352).
كما روى الكليني في كتابه المشهور "الكافي" عن أبي الربيع الشامي قال سألت أبا عبد الله فقلت: إن عندنا قوما من الأكراد وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم، فقال:" يا أبا الربيع لا تخالطوهم فان الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم".…
انظر: "الكافي" (5/158)، "رياض المسائل" للسيد علي الطباطبائي (ج1 ص520)، "جواهر الكلام" الشيخ الجواهري (ج 3 ص116)، "من لا يحضره الفقيه"، الشيخ الصدوق (ج 3 ص164)، "تهذيب الأحكام" الشيخ الطوسي (7/405)، "بحار الأنوار" العلامة المجلسي (ج 001 ص83)، "تفسير نور الثقلين" الشيخ الحويزي (ج 1 ص601).
قال الطوسي «وينبغي أن يتجنب مخالطة السفلة من الناس والأدنين منهم، ولا يعامل إلا من نشأ في خير، ويجتنب معاملة ذوي العاهات والمحارفين. ولا ينبغي أن يخالط أحداً من الأكراد، ويتجنب مبايعتهم ومشاراتهم ومناكحتهم» "النهاية" الشيخ الطوسي (ص373).
قال ابن إدريس الحلي: « ولا ينبغي أن يخالط أحداً من الأكراد، ويتجنب مبايعتهم، ومشاراتهم، ومناكحتهم. قال محمد بن إدريس: وذلك راجع إلى كراهية معاملة من لا بصيرة له، فيما يشتريه، ولا فيما يبيعه، لأن الغالب على هذا الجيل، والقبيل، قلة البصيرة، لتركهم مخالطة الناس، وأصحاب البصائر» "السرائر" لابن إدريس الحلي (2/233).(59/96)
وقال يحيى بن سعيد الحلي: « ويكره مخالطة الأكراد ببيع وشراء ونكاح» "الجامع للشرايع" (ص245).
وعن الصادق (ع): "لا تنكحوا من الأكراد أحداً فانهن حبس من الجن كشف عنهم الغطاء» "تذكرة الفقهاء" العلامة الحلي (ج2 ص ).
الجذور التاريخية للتشيع في سورية
ترجع جذور التّشيع في سورية إلى القرن الأول الهجري. إلا أنه أخذ في الانتشار في القرن الرابع الهجري، مع سيطرة الدولة الحمدانية (الشيعية) على حلب، واستمر خلال عهد الدولة الفاطمية، التي حكمت مصر، ومدت سيطرتها إلى بلاد الشام خلال القرن الخامس الهجري.
بيد أن التّشيع أخذ ينحسر منذ تلك الحقبة، بسبب محاربته من قبل الدولة الأيوبية، والدولة العثمانية لاحقاً، إلى أن أصبحت الشيعة الإمامية في سورية اليوم يمثلون أقلية صغيرة.
ورغم أن العلويين يعدون فرقة متفرعة من الشيعة، والذين يعرفون أيضاً بالنصيريين، نسبة إلى المجدد في فكر الطائفة أبو شعيب محمد بن نصير، الذي عاش في القرن الثالث الهجري، فإنهم يتمايزون عن الشيعة الإمامية، ولا ينطبق عليهم وصف "الشيعة".
ويبدو أن قلة عدد الطائفة الشيعية في سورية، أسهم في ألا يمثلوا عصبية متميزة، مثل دول أخرى في المنطقة. كما أن انتماء النظام الحاكم في سورية، منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، إلى الفرقة العلوية، القريبة إلى الطائفة الشيعية، جعل الشيعة الإمامية تعيش في ظل العلوية وفي كنفها.
هذا فضلاً عن عامل آخر لا يقل أهمية، وهو أن النظام لا يتسامح إزاء إدماج الدين في السياسة (وتجربة الإخوان المسلمين في سورية أوضح دليل على ذلك)، ولذا فإن الشيعة كطائفة نأت بنفسها عن السياسة، وظلت في إطار التدين المحافظ، الذي يرضى عنه النظام.(59/97)
وفي الواقع، فإن الحقوق الدينية للشيعة الإمامية محترمة، ورغم الأيديولوجية العلمانية للنظام، إلا أنه حريص على ضمان ولاء المؤسسات الدينية المتعددة له، "للتعويض عن هشاشة مساندته الشعبية"، بحسب رأي المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات.
الوضع الديمغرافي/ الديني
ليس من السهل الاستناد إلى إحصائيات دقيقة عن أعداد المجموعات الدينية في سورية، بسبب حساسية السلطة تجاه مثل هذه البيانات، إلا أن تقرير "الحرية الدينية في العالم" لعام 2006، الذي يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية، يذكر أن العلويين والإسماعيليين والشيعة يشكلون ما نسبته 13 في المائة من عدد سكان سورية، أي قرابة 2.2 مليون من إجمالي عدد السكان، الذي يبلغ 18 مليون نسمة.
أما التقرير الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة عام2005، بعنوان "الملل والنحل والأعراق"، فيشير إلى أن الشيعة يمثلون واحد في المائة من عدد السكان، في حين يشكل العلويون من 8 إلى 9 في المائة.
بينما تشير المصادر الشيعية على شبكة الإنترنت إلى أن شيعة سورية يمثلون نحو 2 في المائة من إجمالي السكان. كما أن مصادر المعارضة السورية في الخارج تؤكد أن العلويين لا تتجاوز نسبتهم الـ 6 في المائة.
وبالإضافة إلى الشيعة المواطنين العرب، تعيش على الأراضي السورية جالية إيرانية (شيعية) تتركز في دمشق. كما يوجد عدد كبير من الشيعة العراقيين الذين أخذوا بالتوافد إلى البلد منذ السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، هرباً من بطش النظام العراقي السابق. وقد زاد عدد هؤلاء بعد غزو العراق عام 2003، نتيجة لانعدام الاستقرار والأمن والتناحر الطائفي في بلدهم.
وتشير الأرقام الرسمية إلى وجود 1.2 مليون لاجئ عراقي (من جميع الطوائف والإثنيات) في الأراضي السورية.(59/98)
بينما تشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة للاجئين أن عدد العراقيين يبلغ حوالي 800 ألف عراقي. ويتركز الشيعة العراقيون في منطقة السيدة زينب، التي تقع جنوبي العاصمة السورية دمشق.
ويقطن شيعة سورية بعض أحياء العاصمة دمشق، وبعض قرى وبلدات حمص وحلب. ومن أبرز الأحياء الدمشقية التي يتركز فيها الشيعة "حي الأمين" (وسمي بهذا الاسم نسبة إلى العلامة السيد محسن الأمين الحسيني العاملي، المتوفى عام 1371 هـ، والمدفون في جوار الحضرة الزينبية، لمكانته العلمية المرموقة). ويوجد في هذا الحي مسجد الإمام علي بن أبي طالب، ومسجد الزهراء، والمدرسة المحسنية.
ويوجد في سورية أحد مزارات الشيعة الرئيسية، وهو مرقد السيدة زينب، الذي يزوره الكثير من شيعة الخليج والعراق وإيران، وحوله الكثير من الحسينيات والحوزات العلمية. أما مقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين، الذي يقع بالقرب من الجامع الأموي، فهو ثاني مزار بعد السيدة زينب أهمية. ومن المزارات الشيعية الأخرى، مقاما السيدتين سكينة وأم كلثوم ابنتي الحسين.…
والشيعة في سورية لا يتبعون مرجع تقليد واحداً، فهم يتوزعون بين تقليد آية الله العظمى علي السيستاني في النجف، وآية الله العظمى علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران، والمرجع السيد محمد حسين فضل الله في لبنان.
الواقع السياسي/ الاجتماعي
بصورة عامة، لا يوجد تمييز مجتمعي ضد الشيعة، فهم مندمجون في المجتمع، وبينهم وبين الطوائف المسلمة الأخرى مصاهرة وتزاوج. ومعظم الشيعة في سورية هم من أصول عربية، ومن العائلات الشيعية المعروفة نظام ومرتضى وبيضون والروماني.
وهناك أفراد من عائلات شيعية تقلدوا مناصب عليا في الدولة، مثل وزير الإعلام السابق مهدي دخل الله. كما أن صائب نحاس، رجل الأعمال السوري البارز، هو من عائلة شيعية.(59/99)
وفيما يتعلق في الواقع السياسي، فالحكم في سورية قائم على نظام الحزب الواحد، لذا يحظر القانون إقامة الأحزاب السياسية التي لا تنتمي إلى اللون الأيديولوجي نفسه لحزب الدولة.
ونظراً إلى أن النظام يشدد على الفصل بين الدين والسياسة، فإن الشيعة ليس لهم تشكيلات سياسية خاصة بهم.
التشيع: حقيقة أم مبالغة؟
من القضايا التي خلقت جدلاً واسعاً في الساحة السورية في الآونة الأخيرة، ما أثاره الداعية السعودي الشيخ سلمان العودة (المشرف العام على "مؤسسة الإسلام اليوم" السعودية)، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2006، عن "انتشار كبير للمد الشيعي في بلاد الشام، وسورية على وجه الخصوص." وجاءت تصريحات العودة بعد قيام مؤسسات إيرانية ببناء مرقدي الصحابي عمار بن ياسر، والتابعي ويس القرني في محافظة الرقة (شمال شرقي دمشق)، وافتتاح مكتب ثقافي إيراني فيها أيضاً.…
إلا أن رموزاً دينية شيعية وسنية ردوا على تصريحات العودة، واعتبروها تنطوي على "مبالغة،" وأوضحوا أنه إذا كان هناك من تشيع، فهو لا يعدو حالات فردية، و تتهم شخصيات سورية المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق بأن دورها لا ينحصر فقط في النشاطات الثقافية المتعارف عليها، بل إنها ترعى عملية التشيع في سورية، ولاسيما أن المستشاريات الثقافية الإيرانية تتبع في الحقيقة سلطة مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في طهران، مع أنها ملحقة اسمياً بالسفارات الإيرانية.
فالدكتور وهبة الزحيلي، الفقيه والمفكر الإسلامي المعروف، أشار إلى أن المستشارية تستخدم "الإغراءات المادية، من مال وبيوت وسيارات، من أجل جلب الناس إلى اعتناق التشيع"، وأن "مئات من السوريين في دير الزور والرقة ودرعا وغوطة دمشق، قد استجابوا فعلاً لإغراءات المستشارية الإيرانية وتشيعوا"، بحسب تقرير صحفي نشر بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2006، على موقع "أخبار الشرق"، التابع لمركز الشرق العربي بلندن.(59/100)
كما و صرح مراقب الإخوان المسلمين في سورية، علي صدر الدين البيانوني، لوكالة "قدس برس"، قائلاً إن "كل ما يجري من حركة تشييع في سورية هو (...) محاولة لإثارة البلبلة من أجل تغيير تركيبة المجتمع السوري."
كما أن نائب الرئيس السوري "المنشق"، عبد الحليم خدام، في تصريحات صحفية، وعبر البيانات الصادرة عن جبهة الخلاص الوطني (المعارضة للنظام السوري)، انتقد السفير الإيراني في دمشق، واتهمه بممارسة نشاطات تشييع في سورية.
وقال خدام في مقابلة مع "يونايتد برس إنترناشيونال" إن السفير الإيراني "يستغل حالة الفقر الموجودة في البلاد، ويأتي إلى منطقة ويقول إن الصحابي فلان ابن فلان مر بها، ويجب أن نبني فيها مقاماً، فيبني مقاماً وحوزة، ويوزع أموالاً على بعض الفقراء. وهو عمل يريد من ورائه بناء حزب إيراني في سورية، عبر ما يمكن أن تسمى عملية التشييع."
بل إن "هاجس التشيع" أثاره مثقفون سوريون مع نائب وزير الخارجية الإيراني، منوشهر محمدي، خلال جلسات حوارية جرت في دمشق.
ويذكر المراقبون أن العلاقات الوثيقة التي تربط سورية بإيران، والتحالف الاستراتيجي بين البلدين منذ العام 1980، أتاح لإيران أن تنشط في الساحة السورية. فالاحتفالات واللقاءات التي تنظمها المستشارية في دمشق، بالمناسبات الوطنية (مثل الاحتفال السنوي بانتصار الثورة الإسلامية في إيران)، والدينية (مثل الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين بعاشوراء)، يحضرها مسؤولون سوريون وإيرانيون على مستوى عالٍ.
وعند الحديث عن العلاقات السورية - الإيرانية، وصلتها بالموضوع الشيعي في سورية، لا يمكن إغفال عنصر "حزب الله" (اللبناني الشيعي)، الذي يرتبط بإيران عقائدياً واستراتيجياً.(59/101)
فخلال هيمنة سورية على لبنان، قدمت الرعاية للحزب، ووفرت له الدعم السياسي والعسكري والأمني. وفي المقابل، فإن الحزب شكَّل حليفاً رئيسياً لها، وبالتالي كان لابد من أن ينعكس هذا على وضع الشيعة في سورية نفسها.
كما أن الصورة الشعبية للحزب، الناتجة عن دوره في "مقاومة" إسرائيل، أوجدت في الشارع السوري تعاطفاً مع الشيعة بشكل عام. وقد أشارت تقارير صحفية خلال الحرب اللبنانية - الإسرائيلية في الصيف الماضي (حرب الثلاثة والثلاثين يوماً)، إلى تحول عدد من طائفة السنة إلى المذهب الشيعي في سورية، نتيجة للتأثر، بما يسمى "إنجازات" حزب الله، و"انتصاره" في الحرب، والإعجاب بشخصية حسن نصر الله، زعيم حزب الله. إلا أن مثل هذا التشيع لحظي، وهو أقرب إلى الانفعال العاطفي، أكثر منه تحولاً مذهبياً مستنداً إلى اقتناع حقيقي وراسخ.
أبرز الشخصيات الشيعية العامة
من أهم رموز الشيعة في سورية، زعيم الطائفة الجعفرية في سورية آية الله السيد علي السيد حسين مكي؛ والعلامة السيد عبد الله نظام، الذي يعد من أبرز علماء الشيعة في الشام؛ والشيخ نبيل الحلباوي، إمام مسجد مقام السيدة رقية.
هذه النغمة المدروسة أكسبت الغولنيين الكثير من المعجبين. لكن ذلك لا يعني أن كافة الحكومات الغربية تقبل تلقائياً ادعاءات الحركة بالاعتدال. ويقول أحد أعضاء هذه الحركة بحسرة: "إننا نعرف بأننا تحت مراقبة الأجهزة الأمنية الغربية". وذلك صحيح تماماً، لكن هذه الأجهزة لم تستطع حتى الآن تعقب أي صلات خفية للحركة مع التطرف".
حرب المجموعات الخاصة بين واشنطن وطهران
جهاد سالم - الوطن العربي 30/ 4/ 2008
هل كان تفجير حسينية "سيد الشهداء" في شيراز، ليل الثاني عشر من إبريل "نيسان" الجاري، المؤشر الأول والأخير لانطلاق استراتيجية أميركية جديدة للتعامل مع إيران خلال الفترة المتبقية من عهد بوش؟!(59/102)
القنبلة التي انفجرت وسط ثمانمائة شخص جاءوا يتابعون محاضرات حجة الإسلام محمد أنجوينجاد المعروف بتهجمه الدائم على السنة والبهائيين والأقليات الدينية في إيران، وراح ضحيتها 12 قتيلا وأكثر من 200 جريح، حسب الرواية الرسمية أثارت قلقاً كبيراً لدى المسؤولين الإيرانيين وكان لها وقع المفاجأة التي انعكست ارتباكا واضحاً تجاه قراءتها وتفسيرها.
وكان لافتا أن ملالي طهران لم يسارعوا كالعادة إلى اتهام "أعداء الثورة" أو "قوى الاستكبار العالمي" و "عملاء الشيطان الأكبر" بل اختاروا التراجع عن الحديث عن قنبلة لإلقاء المسؤولية على حادث عرضي تسبب به انفجار قذئف كانت معروضة في الحسينية وتعود إلى الحرب العراقية ـ الإيرانية!!
وعلى الرغم من أن شهود العيان وحجة الإسلام نفسه تحدثوا عن انفجار قنبلة وأعلنت إحدى الحركات السنية المعارضة مسؤوليتها أصر الإيرانيون على النفي الرسمي رغم صعوبة تصديقه وتسويقه. وبعد يوم واحد عندما احترقت طائرة سوخوى في مطار مهر أباد في طهران اعتبر الأمر أيضاً نتيجة "عطل فني".
التقارير التي أعدت تعليقاً على الحادثتين جاءت تحمل ربما ما يبرر حالة الارتباك الرسمية الإيرانية. فهذه التقارير ربطت بين هذين الحادثين والشهادتين اللتين قدمهما كل من الجنرال بترايوس والسفير كروكر أمام الكونجرس عن دور إيران في العراق واتهامهما طهران بممارسة حرب بالوكالة ضد الأميركيين في العراق عبر التنظيمات الشيعية المسلحة المؤيدة لها وتحت إشراف قيادة وضباط "فيلق القدس".
وفي معلومات "الوطن العربي" أن تقارير كانت قد وصلت إلى الإيرانيين وسبقت شهادتي المسؤولين الأميركيين في العراق والتقرير السري الذي رفعته المخابرات الأميركية عن الوضع في العراق ورفضت الإدارة تسريب أية تفاصيل عنه.(59/103)
وتحدثت هذه التقارير عن مشاورات سياسية وأمنية وعسكرية أميركية مكثفة عقدت في الأسابيع الماضية بين المسؤولين الأميركيين في واشنطن وبغداد بهدف إعداد استراتيجية جديدة للتعامل مع إيران إلى حين نهاية ولاية جورج بوش في العشرين من يناير "كانون الثاني" المقبل.
وكشف خبير أميركي مطلع على هذه المشاورات لـ "الوطن العربي" أن الإدارة الأميركية قد اختارت تفادي المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران، ورغم الحرص على إبقاء الخيار العسكري على الطاولة والقوات الأميركية جاهزة لشن حرب واسعة ضد إيران في أية لحظة إلا أن إجماعاً تحقق- رغم اعتراض الصقور الذي يقودهم ديك تشيني - على وضع الحسم العسكري في أخر الاحتمالات، إلا إذا لجأ الإيرانيون إلى عملية استفزازية أو أكثر تدفع نحو الحرب، وعلى تفادي إثارة أزمة جيو سياسية قد تقود إلى الحرب.
ويبدو أن بوش اختار الحفاظ على الاستقرار في العراق وضمان الإنجازات المالية، ولكن في الوقت ذاته رفض أي تراجع أميركي أمام الهجمة الإيرانية سواء في العراق أم في لبنان أم على مستوى المنطقة. وأكد على ضرورة مواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط والتصدي لمحاولاتها الهيمنة سواء في العراق أم خارجة.
ويؤكد هذا الخبير أن استراتيجية أميركية جديدة ولدت على ضوء هذه المشاورات تسعى إلى تفادي الحرب الواسعة والمواجهة العسكرية المباشرة ولكن تتصدى في الوقت نفسه الممارسات الإيرانيين في العراق، وفي لبنان وبتعاونهم مع سورية، وكذلك داخل أية دولة تعتبر حليفة وصديقة للأميركيين في المنطقة حيث ازدادت مؤخراً المشروع الأميركي". ولفت الخبير أن الرئيس الأميركي اختصر مؤخراً هذه الاستراتيجية عندما دعا إيران إلى الاختيار بين التعاون الإقليمي السلمي والرد الأميركي "لحماية مصالحها وقواتنا وحلفائنا".
السن بالسن..(59/104)
معلومات "الوطن العربي" تشير إلى أن هذا الرد الأميركي هو محور الاستراتيجية الجديدة التي ظهر مؤشرها الأخير في شيراز، وهي استراتيجية يصفها المطلعون عليها بأن ركيزتها الأساسية هي أسلوب المعاملة بالمثل والسن بالسن والعين وتبني الحرب بالوكالة والعمليات السرية.
وبكلام آخر الرد على تدخل إيران ـ وسورية ـ لزعزعة استقرار العراق ولبنان عبر زعزعة استقرار كل من إيران وسورية ومواجهة العمليات التي تنفذها تنظيمات مسلحة وممولة من طهران ودمشق بعمليات مماثلة ضدهما تنفذها جماعات وتنظيمات مسلحة وممولة مدربة من قبل المخابرات الأميركية.. أي تبني حرب المجموعات الخاصة واستخدام الأقليات ضد إيران وسورية والدخول في مواجهات بالوكالة مع التنظيمات التابعة لهذين ونقل الحرب إلى داخلها عبر تأليب الأقليات وتسليح المعارضة وإنشاء ما يمكن تسميته مجموعات خاصة أميركية تتصدى للمجموعات الخاصة الإيرانية والسورية.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن إيران كانت قد تابعت باهتمام بالغ لقاءات نظمت في الكونجرس في شهر مارس "آذار" الماضي وجمعت ممثلين عن كل الأقليات في إيران تحت عنوان "حقوق الإنسان والأقليات الأمنية والدينية في إيران".
وتولت تنظيم هذه اللقاءات "مجموعة عمل إيران" في الكونجرس التي استمعت لشهادات من أذريين وبلوش وأكراد وعرب وبهائيين عما تتعرض له الأقليات من قمع وحرمان في إيران. وتزامنت لقاءات الكونجرس هذه مع حملة منظمة للدفاع عن الأقليات في إيران وأخرى تدعو الإدارة الأميركية إلى دعم هذه الأقليات ومساندتها على إطاحته عبر إثارة اضطرابات داخلية.(59/105)
وعلى الرغم من أن الإدارة الأميركية لم تعلن تبنيها لهذه الدعوات واكتفت بالإعلان عن رصد ميزانية لتوجيه برامج إذاعية باللغة الأذرية إلى داخل إيران إلا أن بعض التقارير السرية عن استراتيجية أميركية جديدة تجاه طهران أسهمت في إثارة قلق الإيرانيين واهتمامهم بمؤشرات العودة إلى أسلوب تحريك الداخل دعم الأقليات بل وإعداد تنظيمات مسلحة جديدة مهمتها خوض الحرب بالوكالة مع إيران ومواجهتها بأسلوبها.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن واشنطن لجأت سراً إلى إعادة تفعيل مجموعة العمل الخاصة بسورية وإيران التي سبق أن أقٌفلتها قبل عدة أشهر لكن المجموعة الجديدة ليست تابعة لا للخارجية ولا للبنتاجون بل لوحدة العمليات السرية في لـ "سى. أي. إية" التي أنشأت مقراً لهذه المجموعة في مدينة السليمانية في كردستان العراق حيث بدأت بالعمل بالتعاون مع المخابرات العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان.
وتؤكد التقارير أن هذه المجموعة تتولى منذ أكثر من شهرين إعادة تحريك الأقليات الإيرانية وتسليح وتمويل جماعات انفصالية مسلحة من العرب والأكراد والبلوش والأذريين وتعتمد على شكل خاص على فصائل سبق أن أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات داخل إيران ومواجهة قوات الحرس الثوري وأبرزها جماعة "مجاهدين خلق" التي مازالت المخابرات الأميركية تضمن لها الحماية في معسكر أشرف في العراق، ومجموعة "حزب الحياة الحرة" الكردية المعروف باسم "بيجاك" والتي تعتبر الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني، وبدأت تحظى مؤخراً بدعم كبير من المخابرات الأميركية التي يقال إن خبراء من الـ "سى. آي. إيه" كلفت بتأهيل عناصر هذه الجماعة وتدريبهم في معسكر خاص يقع في أربيل.(59/106)
وتشير المعلومات أيضاً إلى أن المخابرات الأميركية قد فتحت خطوط اتصال ودعم مع المتمردين البلوش وتحديداً تنظيم جند الله الناشط جنوب غرب إيران في إقليم بلوشستان في الوقت الذي تتولى المخابرات البريطانية مساعدة الأميركيين على إعادة تأهيل فصائل مسلحة تنشط في الأهواز.
دعم الأكراد
وتشير أخر التقارير إلى أن المخابرات الأميركية بدأت تولي اهتماماً خاصاً بدعم الجماعات المسلحة الكردية بهدف استخدام هؤلاء الأكراد كورقة حفظ أساسية ليست فقط ضد إيران بل أيضاً ضد سورية. وفي معلومات هذه التقارير أن فصيلين كرديين ـ سوريين على الأقل يتعاونان حالياً في شكل مكثف مع وحدة العمليات السرية في الـ "سى. أي. إيه" التي افتتحت لهما معسكراً في كردستان العراق في منطقة محاذية للحدود مع سورية ويجري الحديث عن رصد مبالغ مالية ضخمة لتعبئة الأكراد السوريين وإعداد مجموعات مسلحة قادرة على تنفيذ عمليات داخل سورية.
وتضيف التقارير المخصصة لاستراتيجية الحرب بالوكالة التي قررت واشنطن خوضها أن تربية "المجموعات الخاصة" والفصائل المسلحة المتحالفة مع الأميركيين لا تقتصر فقط على إيران والعراق وسورية بل تصل على لبنان وفلسطين إذ تلفت إلى أن الاستراتيجية الأميركية للمعاملة بالمثل تنسحب على كل الساحات والمناطق التي لجأت فيها إيران إلى نشر وإنشاء "مجموعات خاصة" وتنظيمات مسلحة تعمل لحساب المشروع الإيراني ويشرف على تسليحها وتمويلها "فيلق القدس".(59/107)
والمطلعون على هذه الخطة الأميركية يؤكدون أن ما حصل في حسينية شيراز ليس سوى الفصل الأول من خطة تشمل غالبية منطقة الشرق الأوسط، وتقضى بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم بدون خوض مواجهة مباشرة وعبر حرب بالوكالة بحيث لا تظل الساحة مفتوحة فقط أمام الفصائل المسلحة التابعة لإيران وسورية، وعلى ضوء ذلك تؤكد هذه المصادر أن استراتيجية المعاملة بالمثل مرشحة لتشهد في الأشهر المقبلة تصعيداً كبيراً على أكثر من جبهة سواء في الاغتيالات أو عمليات التفجير وهي عمليات يتوقع العارفون أن تترجم ميدانياً بنقل الحرب إلى داخل الدول والتنظيمات المتهمة بالعمل ضد المشروع الأميركي.
مجموعات الانتقام
وإذا كانت واشنطن قد اختارت عدم التصعيد في المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران حتى من خلال مطاردة ضباط الحرس الثوري العاملين في العراق، إلا أن الاستراتيجية الجديدة ستعتمد على فصائل مسلحة معارضة مدعومة وممولة ومسلحة أميركيا على غرار "المجموعات الخاصة" التي أنشأتها إيران في العراق من أجل تنفيذ عمليات داخل إيران سورية للانتقام من استمرار التدخل السوري في العراق ولبنان. وتلفت جهات استخبارية مطلعة إلى أن بعض التقارير السرية قد اعتبرت عملية اغتيال عماد مغنية في دمشق ترجمة للاستراتيجية الأميركية الجديدة، إذ أن هؤلاء الخبراء وضعوا عملية اغتيال مسؤول حزب الله في إطار الانتقام من العمليات التي ينفذها عملاء إيران وسورية في عدة دول في المنطقة.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن تقريراً استخبارياً أوروباً اعتبر أن عملية اغتيال مغنية في دمشق جاءت رداً انتقامياً على محاولة اغتيال مسؤول أمني أميركي كبير في بيروت يوم الخامس عشر من يناير "كانون الثاني" الماضي وهي العملية التي قيل إنها استهدفت سيارة تابعة للسفارة الأميركية.(59/108)
وفي أي حال تؤكد المصادر المطلعة على تفاصيل استراتيجية واشنطن على المدى القصير وإلى حين انتهاء عهد بوش أن اتصالات مكثفة بدأت منذ أشهر بين المخابرات الأميركية وفصائل مسلحة وحركات معارضة لكل من إيران وسورية وأن عمليات تسليح وتمويل وتعاون قادت إلى نجاح واشنطن في إنشاء "مجموعات خاصة" ووحدات مسلحة معادية للمجموعات والفصائل المسلحة التي ترعاها وتمولها تسلحها كل من طهران ودمشق، وأن هذه المجموعات باتت قادرة على خوض الحروب بالوكالة وتنفيذ عمليات تفجير واغتيالات من شأنها نقل الحرب إلى الطرف الأخر وهو ما يعني عملياً أن مسلسل الاغتيالات الذي استهدف الأغلبية في لبنان مرشح للانتقال إلى صفوف المعارضة، وأن مرحلة تصفية حسابات مقبلة على أكثر من جبهة مرشحة لخوض هذه الحرب الإيرانية والسورية من جهة والأميركية من جهة أخرى بالوكالة وعلى مستوى منخفض، أي بدون الوصول إلى مواجهة مباشرة وحرب مفتوحة ولكن مع خطر تفجير أكثر من حرب أهلية.
ويبدو واضحاً أن طهران استشعرت هذا الخطر مع عملية حسينية شيراز التي شكلت تهديداً بنقل نوعية في الحرب التي تخوضها "بالوكالة" مع الأميركيين في العراق ولبنان في شكل خاص عبر التلويح بالانتقام من "مجالس الصحوة" في العراق إلى الجماعات المسلحة المعارضة داخل إيران.(59/109)
وتشير المعلومات إلى أن هذه العملية دفعت الإيرانيين إلى العمل على تسريع صفقات المساومة والتفاوض مع الأميركيين حيث يقال إن العرض الإيراني بالتخلي عن جيش المهدي استهدف تحديداً مساومة الأميركيين على التخلي عن "مجالس الصحوة" و "مجاهدين خلق" والتوقف عن خطة دعم أكراد إيران والبلوش والعرب والأذريين. ومن الواضح بالنسبة للعديد من الخبراء المطلعين أن استراتيجية الحرب بالوكالة المرشحة للتوسع في ميادين المواجهة بين طهران وواشنطن تخفى رغبة كل طرف برفض المواجهة المباشرة وفي الوقت ذاته عدم الاستسلام و... تحسين أوراق التفاوض برسم الرئيس الأميركي الجديد. وفي الانتظار تتزايد المخاوف من أن تخرج حرب "المجموعات الخاصة" بكل طرف عن السيطرة فتكون الحروب الأهلية البديل لتفادي الحرب المباشرة، وهو ما ينذر بانعكاسات خطيرة في دول مثل لبنان والعراق تهدد عدواها دول الجواد وفي مقدمتها سورية وإيران!
حماس .. عتاب وتنبيه
ربيع الحافظ – معهد الشرق العربي 25/4/2008
عندما كانت المنافي السياسية هي المغنم والعيش تحت ظل الاحتلال الصهيوني هو المغرم كانت حماس هي المدرسة والجامعة والمستوصف ودار الأيتام والبلدية والقضاء. كانت هي الدولة تشريفاً لا تكليفاً من دون عناوين ومناصب وجاه، في يوم نفض فيه الآخرون أيديهم من الوطن وراحوا ينعمون على رمال البحر المتوسط الناعمة، قبل أن ينكشف لهم كنز سياسي أسمه الانتفاضة الفلسطينية فعادوا يهرعون. اصطف العرب والمسلمون بأموالهم وأنفسهم وأقلامهم وحناجرهم إلى جانب حماس، وهتفوا لكل حجر قذفه أطفال فلسطين على الاحتلال. هذه حقائق نحفرها في الذاكرة وعلى ألواح الحجر، ولكن لنا بموازاتها كلام آخر لحماس وللتاريخ.(59/110)
في عام 2001 سقطت أفغانستان تحت الاحتلال الأمريكي بعون من إيران، وفي 2003 سقط العراق تحت الاحتلال المزدوج الأمريكي – الإيراني. مثل سقوط العراق ولادة مدرسة مقاومة ببراعات قتالية أسدلت الستار على مقاومة فيتنام ودخلت المعاهد العسكرية، بل دخلت ورش تصميم السلاح الذي فشل أمام تقنياتها.
كانت المقاومة العراقية ضرورة إستراتيجية لمنطقة غاب عنها لاعبها الأكبر فترة 13 عاماً وتفردت بها إيران. كانت سني المقاومة الخمسة أكاديمية أحيت معادلات إقليمية تاريخية ثبت أهمية إحيائها، وشهادة جامعية لشعوب المنطقة صوبت مفاهيم فكرية أغفلتها الثقافات الوطنية الحديثة، وكشفت ثغوراً خطيرة في الأمن القومي العربي لاسيما دور الأقليات. اعتبرت الدول الكبرى معركة المقاومة العراقية المعركة التي ستحدد معالم خريطة القرن الواحد والعشرين.
حملت النتائج المبكرة للمقاومة العراقية بشائر لشعوب المنطقة، ولم يمضِ وقت طويل حتى انطلقت في أفغانستان مقاومة بفنون قتالية وإعلامية لم يكن صعباً التعرف على نسبها الذي لم يتردد قادتها في رده إلى أصله، وتقاطع الخطاب الإعلامي رغم البعد الجغرافي وتباين البيئات والمدارس الفكرية.
وفي المقابل كان العام الأول من المقاومة العراقية كافياً لملاحظة غياب حماسة في ساحة حماس تجاه مقاومة شعب امتزج دمه مع الدم الفلسطيني على ثرى فلسطين، ويرقد شهداؤه إلى جانب الشهداء الفلسطينيين في جنين وغيرها. أدفأ من طالبان وفتور من حماس؟
كانت حماس ترتقب البشائر من موضع آخر كان يكفي أن يثور أياماً ـ ويهمد أعواماً ـ لتنتفض حماس وتنتفض شبكتها الإعلامية الفاعلة. كان واضحاً أن حماس قد حطت في مدار سياسي وآيديولوجي آخر قطعت فيه أشواطاً بعيدة.(59/111)
أخوة العروبة والإسلام في حماس: لا يهمنا التدخل في شؤونكم، ولكنكم تقولون للإيرانيين شيئاً، وتقولون لرفاقكم الإسلاميين في جلسات خاصة شيئاً مختلفاً، وتقولون على الشاشات شيئاً ثالثاً، والحقيقة هي أنكم متحالفون مع النظام المجوسي الغاصب لبلدنا، بكل ما يحمله هذا التحالف من أذى وتعمية على إدارة معركتنا.
أيها الإخوة: إذا كان بلفور قد أهدى بلادكم إلى اليهود، فقد أهدى بوش بلادنا إلى المجوس. وإذا كانت العصابات الصهيونية اقترفت مجزة دير ياسين بثاً للرعب في أوساط المدنيين، فقد أحال المجوس قرى ومدن العراق قاطبة أديرة ياسين يلزم فيها الناس المنازل خشية الخطف والذبح. وإذا بلغ عدد من استشهد في تلك المجزرة 93 شيخ وامرأة وطفل، فإنه يقتل في كل يوم في العراق ومنذ نيسان 2003 ستة أضعاف شهداء دير ياسين، أي 543 في اليوم الواحد والمجموع مليون.
وإذا كانت أخواتنا الفلسطينيات يضعن حملهن على المعابر التي يقفلها الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر، فإن العراقيات يحجمن عن الحمل خشية الولادات المشوهة بسبب تلوث اليورانيوم الأبدي. وإذا غرقت غزة في الظلام أسبوعاً و أسبوعين في العام وأوشكت المشافي على التوقف، فإن العراق غارق في الظلمة منذ خمسة سنوات دون انقطاع، ومن دون تدفئة في زمهرير الشتاء أو تبريد في قيض الصيف، ومشافيه جدران وأسقف فقط لا يقصدها الناس خشية الذبح على أيدي المليشيات المجوسية التي تسيطر عليها.
لسنا سواء. فحياة فلسطينيي 1948 تحت حكم اليهود المباشر، الذين يذهبون ويجيئون ويعملون ويدرسون أرحم من العيش في بغداد تحت حكم المجوس. ثم ألم يأتي الصهاينة إلى العراق ونبشوا أرض بابل استكمالاً لنبش جبل الهيكل المزعوم؟ هل بات سراً أن تدمير العراق واغتيال عقوله وحرق تراثه كان من أجل الكيان الصهيوني؟ أليست المعركة واحدة إنسانياً وآيديولوجياً؟ لماذا إذاً تخذلون إخوانكم في العراق وقد كانوا لقضيتكم ظهيرا؟(59/112)
هل الذي يسري في عروقكم دم والذي يسري في عروقنا ماء؟ بصراحة، لسنا واثقين من الإجابة.
في قاعة حفلة زفاف كريمة السيد خالد مشعل في دمشق قبل أيام يُمازح السفير الإيراني الضيف بعبارة شيخ الإرهابيين (أي شيخ المقاومين)، ويقلد النظام السوري وسام الصمود والمقاومة. السؤال: فهل من حرمة لمشاعر مئات الألوف من العراقيين على بعد بضعة أميال من القاعة، الذين هجرتهم مليشيات حكومة شيخ الإرهابيين؟
ثم هل من حرمة لأرامل وثكالى العراق حين أقمتم سرادق العزاء لعماد مغنية الذي قاتل العراق من الخندق الإيراني في حرب الثمانية أعوام، والذي هندس الحرب الطائفية وتدمير مساجد بغداد؟ هل الذين قتلهم مغنية ذباب؟
أمِن قسوة في هذه التساؤلات وأنتم الذين ينكأ جرحكم (وجرحنا) وتلتهب مشاعركم ـ حتى هذا اليوم ـ لسماع كلمة مديح تكال لمسؤول في أحداث أيلول الأسود 1970؟
نريدها صريحة: إذا كان حق للفلسطيني على العراقي (وهو كذلك) أن لا يضع يده في يد صهيوني، وأنه عار وشنار أن تطأ قدمه أرض فلسطين المغتصبة حرمة لأرواح ودماء وأعراض آبائنا وأمهاتنا وأخواتنا، فحق للعراقي على الفلسطيني أن لا يضع يده في يد مجوسي، أو تطأ قدمه أرض تل أبيب الشرق (طهران) فضلاً أن يقبل يد هرتزل ولاية الفقيه ويشهد له بإمامة المسلمين احتراماً لأرواح ودماء العراقيين والأيتام والمشردين.
كم تندر العرب بمقولة صدام حسين: العراق حارس البوابة الشرقية؟ وها هي المقاومة العراقية تثبت صحة المقولة، وهي بذلك لها فضل على قادة حماس قبل غيرهم الذين ما كانت لتقلهم أرض في الشرق الأوسط الجديد الذي تبخر، ولها عليهم حق بأن لا يكونوا درعاً لإيران يصد عنها نبال الحقيقة، وكم أنصف يساريون وشيوعيون عرب وعجم المقاومة العراقية في مناسبات إعلامية وسط صمت ممثلي حماس أو تلعثمهم بكلمات لرفع العتب.(59/113)
ليس العراقيين وحدهم. لقد قابلت الشعوب العربية بصمت دخولكم تحت جناح المعسكر الإيراني الشعوبي المقوض لأمن المنطقة والمشيع للفساد العقائدي والخلقي في مجتمعاتها. صمت السوريون الذين ملأ النظام الطائفي حليفكم وجه بلادهم العربي السني النضر بثوراً مجوسية وأقصاها عن دورها الطبيعي.
وصمت أهل السنة في لبنان الذين أمم حليفكم "حزب الله" مقاومتهم ثم عاد وخرب البلاد باسم المقاومة وحولها شوارعها وأسواقها إلى ثكنات، وصمتت أرض الكنانة أمام مشاغبات حليفتكم إيران لإحياء الأمجاد العبيدية و"استعادة" الأزهر الشريف، وصمت أهل السنة في إيران وعرب الأحواز أمام تمزيق الشعوبية الفارسية لكيانهم وطمس عروبتهم. لكنه صمت حياء من الأرض المباركة وأولى القبلتين.
أيؤبن المرء قاتله؟ أيوادّ المسلم شاتم دينه؟ أيتفرج العربي على الشعوبية تسري في جسده؟
أيتكتم على مصيبة قومه؟ أيقطع المناضل طريق رفاق دربه؟
أيعظم الحر غاصب غيره؟
أيسكت الإنسان على تدمير مدن أخيه بني الإنسان وتحريقه حياً في سجنه؟
لكنها أقساط قرض ربوي يسددها مدين صغير مسكين إلى دائن مرابٍ كبير شرير، أقساط لا توشك أن تنتهي حتى تربو، تستنزفه حتى الإفلاس والعجز عن السداد، حينها يبيعه الدائن إلى دائن جديد، فلا يسترد المسكين يوماً حريته.
تحوّل قضية الأرض المباركة من قضية مسلمين، إلى قضية عرب، إلى قضية فلسطينيين، ثم إلى قضية حماس وفتح زائداً حصار رسمي عربي، هذا التحول جرد القضية من مقومات وأوراق سياسية أساسية، ونقلها من رؤى واستراتيجيات أمة إلى حسابات أقليات، لتغدو قضية الأرض المباركة التي هان أمامها مال ونفس العربي والمسلم عنواناً بلا مقومات، وتصبح ليس أكثر من تصريف شؤون مأساة إنسانية على الصعيد الاجتماعي، وإدارة لتنافس فلسطيني – فلسطيني على زعامة المفاوضات مع إسرائيل على الصعيد السياسي.(59/114)
لم يعد ضمن مساحة ومقومات غزة ورام الله معارك استراتيجية، ولا معارك آيديولوجية، إلا أللهم بين غزة ورام الله، فكل أم فلسطينية أوعى بطبيعة الصراع مع اليهود من أي وزير عربي، وثدياها خير مدرسة آيديولوجية للأجيال، وأرحام الفلسطينيات هو السلاح الذي هزم الوكالة اليهودية العالمية في معركة التغيير السكاني لفلسطين.
جنرالات المعركة الديموغرافية الذين طردوا الفلسطينيين من أرضهم في 1948 و 1967، وجنرالات المعركة الآيديولوجية الذين سحقوا مخيماتهم في لبنان في السبعينيات والثمانينيات، ثم عادوا وفتنوهم بآيديولوجياتهم في التسعينيات، هؤلاء الجنرالات في موقع آخر اليوم لفصل جديد، يجتثون مجتمعات الفلسطينيين من الجوار الإسرائيلي والجوار الفارسي ويلقون بها ما وراء المحيطات، تلك هي أحياء بغداد الفلسطينية، يلتقي في شوارعها جنود إسرائيليون ومليشيات شيعية طائفية عراقية ولبنانية وإيرانية في عملية ترويع وإبادة تحت شعار "أخرجوا العرب من العراق" خطط لها عماد مغنية، ونفذها جيش المهدي، وتفرجت عليها إيران ومرجعيات النجف، وتكتمت على حقيقتها حماس، بل أبنت مهندسها.
بموازاة التحول العميق في المسار الفلسطيني، يستمر منحى حماس الباهظ الثمن عربياً، وبات عرب وسوريون يسمعون من نجوم إعلامية "حماسية" في جلسات خاصة مقولات (تعضدها الأفعال) مثل: "أنا مش مهم عندي يتحرر الجولان"، ويظهر المنحى تراجعاً للآيديولوجية الإسلامية إلى ما دون الآيديولوجية القومية، وحلول فكر ونظريات وحسابات ووسائل أقليات، فاسحة الطريق أمام المواطن السوري لطرح سؤال: أحرام على بلابله الدوح حرام على الطير من كل جنس؟ وشعار: أنا كذلك مش مهم عندي تحرر غزة؟
أمام هذا التحول العميق يحل التململ العربي محل "صمت الحياء".(59/115)
أيها الإخوة: بين حلفائكم (إيران، سوريا، حزب الله) قاسم مشترك أعظم هو الولوغ في دماء أهل السنة، ودولة بحجم إيران لا تنتظر من حركة بحجم وإمكانيات حماس أكثر من بطاقة تزكية عند المعابر الأخلاقية على مسرح عملياتها في المحيط العربي، ثم ينفد مفعول البطاقة..
ومن أراد التحقق فليراجع حال النفر من أهل السنة في العراق الذين قبلوا الدخول في عملية سياسية وصاروا بطاقة النظام الأمرو- صهيو- مجوسي لاجتياز معابر الدستور وقانون النفط وتقسيم البلاد. المشكلة هي أنهم بطاقة عبور محلية وأنتم بطاقة عبور إقليمية إلى جوف المجتمعات العربية والفساد أعم وأطم، وقد وطأت المجوسية أرض فلسطين. وبعد تسوية الخلافات بين شريكي الشرق الأوسط الجديد أمريكا وإيران فلن تساوي غزة عند الأخيرة أكثر من مخيم تل الزعتر الذي دمره النظام السوري.
تحالفكم مع الثالوث كارثي النتائج. فهل عرف العالم كتلة سياسية بحجم الوطن العربي يدار مشهدها السياسي والأمني والإعلامي من شريط حدودي؟ حتى لو كان هذا الشريط دولة مستقلة ذات سيادة مثل لوكسمبرغ أو حتى بلجيكا اللتان تشكلان امتداداً للنسيج الأوربي، فكيف بشريط تحركه آيديولوجية أقلية تختلف مع نسيج محيطها بالتاريخ والجغرافيا والدين والحضارة، وآخر مشتق من النسيج محاصر ويتنفس برئة الأول، والنتيجة هي حكم الأقلية بتزكية الأكثرية، ولا عجب إن رمى حزب الله من شريطه ألعاباً نارية على شريط شمال (إسرائيل) نسيى الإعلام العربي شيئاً اسمه احتلالاً أمريكياً ومقاومة عراقية، وصواباً قال كاتب لبناني مسيحي في هذا المعنى: أهل السنة قاريون والشيعة قرويون. الكارثة أعظم عندما يتبع القاري القروي أو يصبح قروياً.…(59/116)
نحن المسلمون أمميون، صراعنا آيديولوجي لا عنوان جغرافي له، والنصر إن لم يتحقق على الأرض المباركة فعلى ثرى العراق، وإن لم تشأ الأقدار فبلاد الشام أو غيرها، ولكن من أبجديات الصراع حضور المناورة السياسية والعسكرية، وغزة بهذا المفهوم ليست أهم من العراق. بهذا المفهوم نحن لا نتحدث بالنيابة عن العرب أو السوريين بشكل خاص، ولكن العراقيين الذين لم يتبقَ لهم على أرضهم مواطئ أقدام كثيرة، لا يمكنهم التفريط بامتداهم الاستراتيجي والعبث بنسيجه السياسي والمذهبي وسط معركة مسخ الهوية الإقليمية الجارية في المنطقة، والقبول بضياعه في مقايضات مجحفة. هذا الامتداد هو بلاد الشام.
لو نجح الاحتلال الأمريكي - الإيراني في جعل الفلوجة والأعظمية والموصل وسامراء جيوب معزولة كما هو حال غزة، والتفت إلى مصر لتفتيتها، فمن حق المصريين أن يقولوا للعراقيين الذين كانت بلادهم في الأمس القريب زعيمة المنطقة بدون منازع وقبل أن يسمع العالم بزعامة تركيا وإيران، وكانت الأكثر تكاملاً بين الدول العربية، وجيشها السادس في العالم، والتي وصلت الفضاء، من حق المصريين أن يقولوا: كانت بلادكم مركزاً للصراع وقد انتقل إلى مكان آخر. لا تكن قلة حيلتكم معبراً للمفسدين إلى مجتمعات جواركم. الحذر من تحالفات مع قوى تبدو صديقة وتضمر أجندات مختلفة. إياكم من شعارات تربك أجواء المعركة الحقيقية. لا تتصدوا لقضايا أمة بمقومات كانتونات فتخسرون وتخسر معكم الأمة، وهم في ذلك محقون.
حماس وإيران والشيعة مرة أخرى!!!
أسامة شحادة(59/117)
حركة حماس حركة إسلامية جهادية لها احترامها وتقديرها لما تقوم به من دور هام في حماية الدين والمقدسات أولاً وحماية المسلمين والأرض ثانياً ، ومن حق حماس على كل محبيها نصحها وتنبيهها إلى ما يظن أنه خطأ أو تجاوز وقصور، والقاعدة المعروفة " كل عامل ومجتهد يقع منه الخطأ"، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"( ).
سبق لي أن كتبت منذ فترة مقالا بعنوان: " الإخوان- حماس وإيران والسؤال الحائر؟"( )، قصدت من خلاله تنبيه حماس لخطورة أن تكون جسراً للتشيع إلى فلسطين وقضيتها، دون أن يطلب منهم التشيع بذواتهم ولكن غض الطرف عن جهات أخرى ستعمل على نشر التشيع في فلسطين وعلى رأس هذه الجهات القيادة السياسية – في الداخل والخارج - لحركة الجهاد الفلسطينية. ويبدوا أن حماس لم تنتبه لهذا الخطر، أو أنها تعرفه لكنها تجتهد أن حجمه بسيط ولا يشكل مصدر خطورة شديدة .
ولكن ما جرى في الفترة القريبة من ترويج مبطن قامت به حماس لإيران وحزب الله والتشيع في بعض المناسبات العامة والتي كانت حماس ومؤيدوها هم المنظمين لها ، وأيضاً بعض التصريحات الأخيرة لرئيس المكتب السياسي لحماس الأستاذ خالد مشعل وغيره جعلتنى أعاود الكتابة مرة أخرى حول الموضوع .
من هذه الممارسات ما لوحظ من تواجد إيراني وشيعي مضخم ومبالغ فيه كثيراً كما رصده مراسل "لجنة الحقيقة للدفاع عن عقيدة أهل السنة في فلسطين"( )، في ملتقي القدس الدولي باسطنبول في شهر 11/2007، والذي عقد بمبادرة من مؤسسة القدس الدولية التي يرأس الدكتور يوسف القرضاوي مجلس أمنائها ، مما يعزز القناعات أن نية إيران والشيعة سرقة جهود أهل السنة في قضية فلسطين ببعض الملصقات والبوسترات والأوراق الملونة، ولكن في مواقف النصرة والمساعدة الحقيقية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني لن تجد دورا لإيران والشيعة في تحقيقها كما سيأتي بعد قليل.(59/118)
وتكرر هذا الأمر - الحضور المكثف الإيراني والشيعي – في "المؤتمر الوطني الفلسطيني"، والذي دعت إليه حماس، وبعيداً عن تسييس المؤتمر وخضوعه لإجندة سورية عبر إلغاء المؤتمر ثم عقده بسبب المناكفة مع السعودية حول الملف اللبناني.
بعيداً عن ذلك شهد المؤتمر إعطاء إيران والشيعة حجماً كبيراً ، مما ذكرنا بصنيع المنظمات الفلسطينية اليسارية والتي كانت تضخم وتلمع حجم الدور الروسي في دعم القضية الفلسطينية رغم كل الخيانات التي قامت بها روسيا تجاه القضية الفلسطينية ومن أهمها أنها كانت أول دولة تعترف بإسرائيل بعد أن فرضت على العالم قيامها، وهي من قام بعد ذلك بإمداد هذا الكيان بالرجال والعتاد وتطويع كل القيادات الفلسطينية والعربية الثورية لتضليل الجماهير وسوقها لحتفها وهي تهتف للجلاد كما في صنيع جمال عبد الناصر في حروبه مع إسرائيل!!
هذا المؤتمر الذي حضره شخصيات وهيئات من مصر ولبنان وإيران غاب عنه جماعة الإخوان في سوريا ، ويقولون لنا هذا هو الدعم الشريف والنزيه لحماس وفلسطين!!
ورغم سيطرة حماس على قطاع غزة لا تزال تتواصل الجهود العلنية لنشر التشيع في غزة، ومن ذلك توزيع العديد من الكتب الدعائية للفكر الشيعي مثل : كتاب " لأكون مع الصادقين" للتيجاني وكتاب "ليالي بيشاور" و كتاب "ولاية الفقيه" وكتاب "مختارات من أقوال الخميني" ، كما تم توزيع نشرة معنونة بـ"عاشوراء مدرسة البطولة والفداء" في يوم عاشوراء الماضي.
وحين تم اغتيال المسؤول الأمنى لحزب الله تسابق – للأسف – قادة حماس على رثائه وتأبينه وأقاموا له حفل تكريم في غزة !!
عماد مغنية الذي كان وراء العديد من الجرائم بحق الإسلام والمسلمين في السعودية والكويت ولبنان والعراق ، كما أنه كان وراء دعم ورعاية إيران لجيش المهدى التابع لمقتدى الصدر، الجزار الذي أمعن في قتل المسلمين من أهل السنة في العراق ولم ينجوا منه حتى فلسطينيو العراق!!(59/119)
ولا نعرف في أي سياق نضع تصريح أحمد يوسف مستشار رئيس الحكومة الفلسطينية إسماعيل هنية ، الذي قال:"ما العيب أن تكون شيعياً؟ فالشيعة هم عز هذا الزمان"!! هل نضعه في سياق الدبلوماسية والمزايدة أم نأخذه على ظاهره لأن ما تعلمناه أن السياسي المسلم يوري ولا يكذب كما يفعل بقية الساسة!!
ومثل هذه التصريحات تجعل الإنسان يظن أن حماس هي الطفل المدلل لدى إيران والشيعة، خاصة إذا قرأت تصريح الأستاذ خالد مشعل " إننا نتلقى أموالا من مصدر واحد وهو إيران"!!( ).
رغم أن الأستاذ مشعل قال في مقابلة أخرى في نفس الفترة تقريباً : " الله تبارك وتعالى تفضل علينا ومن علينا بدعم شعوب الأمة الخيرة، مما أغنانا عن أن نطلب من أحد من الدنيا....الأغنياء والتجار ورجال الأعمال وأصحاب الأموال ما قصروا في دعمنا طوال العشرين سنة الماضية"( ).
وهنا اختفت إيران من الدعم ، هل لأن المقابلة مع مجلة سعودية سلفية ؟؟ هذا لا يليق بالأستاذ خالد مشعل كسياسي مسلم أو كمجاهد في سبيل الله.
المراقب لهذه التصرفات المريبة لا يشك أن العلاقة الإيرانية الحمساوية هي علاقة نصرة وتحالف مطلقة، ولكن الحقيقة المرة هي خلاف ذلك !!
فمع كل هذا التغاضي – وليس التواطي! – من حماس ومع كل ما جنته إيران وحزب الله والتشيع من مكاسب دعائية بين المسلمين بسبب اقترانها بحماس، لم تستطع حماس أن تنقذ أهلنا في العراق من براثن الميلشيات الشيعية !!(59/120)
ففي مقابلة لمجلة البيان( ) مع الأستاذ خالد مشعل، وسئل عن مأساة ومجزرة الميلشيات الشيعية ضد فلسطينيي العراق إعترف مشعل أنه " لما بدأ الظلم يصيبهم، ولما بدء القتل من الميلشيات الظالمة؛ حاولنا من خلال علاقاتنا السياسية أن نوفر لهم الحماية، لكن للأسف لم ننجح! واستمر القتل والإيذاء، ولذلك اضطررنا إلى أن نبحث مشروعاً آخر، وهو إيوائهم في بلاد مختلفة ". وهنا نعتب على الأستاذ مشعل لماذا لم تسمى المجرم باسمه؟ مشاعر من تراعي؟ أهلك يقتلون ويشردون وتعجز عن تسمية المجرمين باسمهم "الميلشيات الشيعية" أو "جيش المهدي"، المدعوم من إيران وحزب الله وعماد مغنية !! ماذا تركت للساسة العرب؟؟
هذه هي الحقيقة التي يجب أن تعلن للناس والفلسطينيين، لم تجدى علاقات حماس مع إيران ولا حزب الله ولا عماد مغنية في حماية أهلنا في العراق من الميلشيات الشيعية، وكأن المطلوب من حماس هو البذل والعطاء للشيعة فقط دون أن تتمكن من أخذ شيء من هؤلاء الباطنيين!!
حتى الدولارات التي وصلت من إيران تبين أنها مزيفة!! مما زاد في توتير العلاقات بين مصر وحماس.
ما نريد أن نوصله لحماس إن ما تقومون به من دعاية – ولو بشكل غير مباشر – لإيران وحزب الله والتشيع هو خطأ جسيم، ذلك أنكم توصلون رسالة علنية ومفتوحة عبر كافة وسائل الإعلام ولكافة المسلمين أن هؤلاء مؤيدون ومناصرون للجهاد والمقاومة في فلسطين ، ولا فرق بين سني وشيعي!
ولكن الوقائع على الأرض والتصرفات الحقيقية من طرفكم ومن طرف إيران هي عكس ذلك، فإيران وحزب الله وجيش المهدي وامثاله ودعاة التشيع يمارسون القتل والتهجير ونشر التشيع!!
وبعض قادة حماس في الداخل والخارج يصرخون ويسبون ويلعنون إيران والشيعة وحزب الله ويكشفون لك الكثير مما تجهله من ممارسات سيئة وحاقدة تجاه أهل السنة !!!(59/121)
وكذلك كثير من قادة الإخوان المسلمين وخاصة في لبنان، فتراهم خلف الميكروفونات وعدسات التصوير يمجدون ويمدحون إيران وحزب الله، ولكن حين تخلو بهم تسمع الوجه الآخر للشريط!
وننصح هؤلاء الإخوة والقادة في حماس والإخوان بألا تحملوا على رقابكم إثم تضليل الأمة وخداعها ، اتقوا الله في أنفسكم وإخوانكم ، لقد عرفنا الكثير من أخيار الأمة الذين يحاجوننا بتصريحاتكم الكاذبة والله ، وبعد حين سيجتمع ببعضكم فتكشفون له الحقيقة فيصدم !! ولكن بعد أن تكون إيران والتشيع قد كسبت الأرض والفكر ، فهل تتوبون من قريب؟؟؟
نريد من حماس أن تكشف لنا عن مكاسبها من وراء العلاقة – السياسية على أقل تقدير- بإيران والقوي الشيعية؟
نريد من حماس أن تفسر لنا زيادة وتيرة نشر التشيع في فلسطين في هذه الفترة التي تمسك بها على زمام الأمور في غزة؟
نريد من حماس أن تطالب إيران وحزب الله علناً بتعويضات عن خسائر وأضرار فلسطينيو العراق بسبب حلفائهم جيش المهدي ، كما طالب الحكيم العراقي بدفع العراق تعويضات لإيران!!
نريد من حماس أن تحصل لنا من الشيعة على وثيقة يجرمون ويدينون فيها من يطعن في القرآن وأمهات المؤمنين والخلفاء الثلاثة من رموز الشيعة المعاصرين وهم كثر – لا كثرهم الله- !
فإن عجزت يا حماس عن الإجابة السديدة والسليمة ، فننصح لك أن دعي عنك هذا الترويج لإيران والتشيع – ولو بشكل غير مباشر – حتى لا يضيع جهادك سدىّ، وكنت كغيرك ممن يريدها علمانية وأنت تصيرينها شيعية - وأعيذك من ذلك- !!
شواهد تؤكد اعتناق رئيس جزر القمر للمذهب الشيعي سرا ..
النفوذ الإيراني وصل إلي جمهورية جزر القمر العربية
الأهرام 30 /4/2008(59/122)
ظاهرة جديدة يلمحها من يزور جزر القمر هذه الأيام , وهي انتشار النفوذ الإيراني هناك بشكل ملفت للأنظار ، ووفقا للمراقبين فإن وجود الإيرانيين , وقيامهم بأنشطة مختلفة داخل الدولة لم يكن مألوفا قبل فوز الرئيس الحالي أحمد عبدالله سامبي بالانتخابات الرئاسية في عام 2006، وقدوم وفد إيراني كبير ورفيع المستوي مكون من 53 شخصا بينهم ثلاثة وزراء وعدد من رجال الدين لتهنئته ..
سياسيون بارزون في جزر القمر يربطون الوجود الإيراني بتعاطف الرئيس سامبي مع إيران التي تلقي فيها علوما دينية في فترة شبابه , ويتمادي بعضهم ليتهم الرئيس باعتناق المذهب الشيعي سرا والسعي لنشره في الدولة العربية السنية , وهو ما نفاه الرئيس في أكثر من مناسبة .
الوجود الإيراني في جزر القمر حاليا ينحصر في أربعة مجالات أخطرها مؤسسة الرئاسة ، حيث تتولي عناصر إيرانية مسئولية الإشراف علي تأمين الرئيس أحمد عبدالله سامبي , ووفقا لما أكده أحد السياسيين القمريين ; فإن تلك العناصر مسئولة عن تأمين الرئيس داخل الدولة وفي الرحلات الخارجية التي يقوم بها أيضا .
إضافة إلي ذلك أقامت إيران مركزا طبيا تابعا للهلال الأحمر الإيراني ومكانه في العاصمة بجوار السفارة الليبية وأمام فندق لو موروني , ومركزا ثقافيا بوسط المدينة , ومركزا آخر للمساعدات الإنسانية واسمه رسميا لجنة إمداد الإمام الخميني في جزر القمر المتحدة ومقره علي الطريق الرئيسي المؤدي لمطار العاصمة . وتستعد إيران حاليا ـ كما أفادت بعض المصادر ـ لافتتاح سفارة لها قريبا .
النشاط الرئيسي للمركز الطبي يدور بالطبع حول تقديم أشكال الرعاية الصحية لأفراد الشعب القمري مجانا , أما لجنة إمداد الإمام الخميني فتقوم بأنشطة إنسانية مختلفة أهمها تنظيم دورات تدريبية مدتها 3 شهور لتعليم الشباب القمري الحرف المختلفة ( نجارة كهرباء , خياطة ) وكيفية استخدام أجهزة الكمبيوتر .(59/123)
وقد قامت اللجنة منذ إنشائها حتى الآن بتنظيم أربع دورات شارك فيها 800 من القمريين , بمعدل 200 مشارك في كل دورة . أما النشاط الآخر فهو رعاية الأسر الفقيرة وتقديم الدعم المادي والعيني لهم ويبلغ عدد الأسر المستفيدة من المساعدات التي تقدم كل شهرين 500 أسرة قمرية .
الرئيس درس في إيران
وربما كانت حاجة الدولة الفقيرة لأي مساعدات خارجية في غياب الدعم العربي هو السبب وراء قبول سامبي بالوجود الإيراني لمساندة شعبه الفقير الذي يعاني مشكلات اقتصادية خانقة ويحتاج لأبسط
مقومات الحياة , إلا أن بعض القمريين ومنهم معارضون لحكم سامبي يرون الأمر بشكل آخر ويتهمونه بالتعاطف مع إيران التي درس فيها علوما دينية في فترة سابقة .
ورحلة الرئيس لتلقي العلم في الخارج مرت بأربع دول كان أولاها السعودية للدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قبل أن تقوم السلطات السعودية بإلغاء منحته التعليمية وتطالبه بالعودة لوطنه . والأسباب التي دفعت السلطات السعودية لهذا الإجراء غير واضحة بشكل رسمي , ولكن مصادر قريبة من الرئيس وعليمة بما حدث هناك أكدت أن تغيبه عن الدروس بشكل غير مقبول كان وراء القرار .
وبدلا من أن يعود سامبي إلي الوطن توجه إلي العاصمة الكينية نيروبي ثم إلي السودان لاستكمال الدراسة هناك لمدة لم تزد علي العام تلقي بعدها منحة للدراسة في إيران . وذهب معه إلي إيران مواطن قمري آخر يدعي أمان , وحين اكتشف رفيقه أن الدروس التي يتلقونها هناك تخالف المذهب الشافعي رفض الاستمرار في الدراسة وعاد لوطنه .
ولكن سامبي استمر لمدة 3 سنوات عاد بعدها لجزيرة أنجوان القمرية , ليمارس نشاطا في الدعوة الدينية داخل منزله , إلي جانب نشاط اقتصادي جعله من كبار رجال الأعمال في جزيرته , وليلقبه أهالي الجزيرة بآية الله سامبي . ويقول الرئيس إنه كان رافضا اللقب في البداية ثم رأي أنه لا ضير من ورائه فقبل به .
ثورة رجال الدين(59/124)
أثارت بعض الأنشطة التي يقوم بها المركز الثقافي الإيراني غضب رجال الدين في جزر القمر بعد أن لمحوا فيها محاولات لنشر المذهب الشيعي في البلاد . وفي شهر فبراير 2007 اجتمع ستون من علماء السنة في العاصمة موروني ودعوا إلي حظر ممارسة الشعائر الشيعية في الجزر . جاء هذا الاجتماع بعد أيام من إحياء بعض القمريين , للمرة الأولي في جزر القمر , ذكري مقتل الإمام الحسين في يوم عاشوراء بشكل علني .
وطالب هؤلاء العلماء الذين تجمعوا في مدرسة قرآنية في موروني وعلي رأسهم قاضي قضاة العاصمة سعيد محمد جيلاني بطرد الأجانب الذين يساعدون علي نشر المذهب الشيعي في جزر القمر . وطالبوا الرئيس سامبي بحماية الشعائر السنية , إلا أن القرار السيادي كان بالإبقاء علي المركز الثقافي والحد من نشاطه بما لا يثير حفيظة المعترضين .
ولا يزال رجال الدين السنيين في جزر القمر ينظرون بتوجس لأنشطة المؤسسات الإيرانية العاملة علي أرض الدولة غير مقتنعين بأن الأهداف الحقيقية إنسانية بحتة وبعيدة عن نشر المذهب الشيعي في البلاد .
هل اعتنق المذهب الشيعي؟
يري كثير من الأوساط السياسية في جزر القمر أن علاقة الرئيس سامبي بإيران تتجاوز التعاطف والاحترام المتبادل ويتهمونه باعتناق المذهب الشيعي سرا مستعينا بمبدأ التقية الشيعي الذي يسمح بإظهار ما يخالف الحقيقة إذا ما كانت هناك ضرورة لذلك . ويؤكد أحد القمريين , ممن أقاموا في دولة الإمارات العربية لفترة من الزمن , أن الرئيس أقام لفترة في دبي وكان يؤدي الصلوات في المسجد الشيعي ( الحسينية ) المواجه للمستشفي الإيراني بمنطقة الجميرا .(59/125)
ويؤكد اعتناق الرئيس المذهب الشيعي موقع إليكتروني علي شبكة الإنترنت تابع للشيعة , والفقرة التالية أنقلها حرفيا عن هذا الموقع : ويعتبر سامبي أحد أبرز رجال الدين الأجانب من القارة الإفريقية ممن تتلمذوا علي يد المرجع الديني سماحة آية الله العظمي السيد محمد تقي المدرسي ( دام ظله ) طوال سنوات في حوزة الإمام القائم ( عج ) وذلك بعد أن استبصر علي يد سماحته وانتقل من المذهب السني إلي مذهب أهل البيت عليهم السلام وتحول بذلك إلي مبلغ كبير للتشيع في جزر القمر . …
ولفظ عج الذي ورد في الفقرة السابقة يعني عجل الله فرجه الشريف وهو دعاء شيعي يأتي دائما تاليا لذكر الإمام الغائب الذي اختفي منذ أكثر من 1150 عاما ويتوقعون عودته في يوم من الأيام ليملأ الأرض عدلا . والأسباب التي تدعو المعارضين لاتهام الرئيس بالتعاطف مع إيران , وربما التشيع , كثيرة .. أولها طريقة لباسه قريبة الشبه برجال الدين الإيرانيين , ثانيا اهتمامه الشخصي بالعلاقات مع إيران حتي إنه عين قريبا له سفيرا لبلاده في طهران . وأخيرا إشرافه بشكل شخصي علي الأنشطة الإيرانية في بلاده حتي إن المركز الطبي الإيراني بدأ نشاطه دون اللجوء لوزارة الصحة للحصول علي ترخيص أو موافقة . وقد أكد لي أحد المسئولين عن لجنة إمداد الإمام الخميني ـ التقيت به مصادفة في مطار موروني ـ أن قدومهم للبلاد كان بطلب مباشر من الرئيس أحمد عبدالله سامبي . …
ولكن الرئيس القمري يرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا ويؤكد دائما , وفي مناسبات عدة , أنه من أتباع المذهب الشافعي مثل غالبية القمريين , وإن كان محبا لآل البيت . والله أعلم بما في الصدور .
أنجوان .. المحطة القادمة(59/126)
لا يقتصر نشاط لجنة إمداد الإمام الخميني علي جزيرة القمر الكبري فقط حيث تقع العاصمة , وإنما يقوم المسئولون عن اللجنة بزيارات دورية لجزيرة موهيلي ويخططون لتوسيع نشاطها بشكل كبير في جزيرة أنجوان , كما أكد أحد المسئولين عن اللجنة , خلال الفترة القادمة . ويؤكد المؤرخون القمريون أن جزيرة أنجوان , حيث ينوي الإيرانيون التوسع مستقبلا , كانت تاريخيا معقلا للفكر الشيعي قبل سقوط البلاد في قبضة الاستعمار الفرنسي . ويقول المؤرخون إن جماعة من مدينة شيراز الإيرانية أتت إلي الجزيرة منذ عدة قرون واتخذتها موطنا قبل أن تحدث صدامات بينهم وبين أهل الجزيرة الأصليين انتهت بانتصار الشيرازيين وهجرة المنهزمين لمناطق أخري . ولعل الاهتمام الإيراني بالجزيرة مرجعه الرغبة في إحياء الوجود الشيعي هناك مرة ثانية . …
الحقيقة التي لا تقبل الشك هنا هي أن إيران لديها اهتمام خاص بجزر القمر ولديها من المؤسسات والأنشطة علي أرض الدولة العربية الإفريقية الصغيرة ما يؤكد هذا الاهتمام . وبصرف النظر عن الأسباب التي دعت ذلك , وما إذا كان الرئيس سامبي متعاطفا مع إيران أم تربطه بها علاقات تتجاوز المشاعر الطيبة فإن علي العرب أن يقرروا موقفهم من هذا الأمر وهل يقبلون به أم لا؟ وفي كل الأحوال فإن وجود سفارة واحدة فقط لدولة عربية هي ليبيا غير مقبول ولابد من زيادة الوجود العربي هناك بافتتاح مزيد من البعثات الدبلوماسية المقيمة في العاصمة موروني . ولابد من نظرة اهتمام بالأحوال الاقتصادية لهذه الدولة الفقيرة التي لا تزيد ميزانيتها السنوية علي 70 مليون دولار .
كيف سينقل "حزب الله" معركته إلى داخل فلسطين؟
الوطن العربي 2/4/2008(59/127)
كشف مصدر أمني غربي يلعب دوراً في التنسيق المعلوماتي بين أجهزة دولته والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، عن جوانب من مخطط، "حزب الله" لتجنيد ناشطين فلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وضمهم إلى "حزب الله ـ فلسطين". وقال هذا المصدر إنه بناء على معلومات نقلت إليه فإن "حزب الله" اللبناني يعتمد حالياً الأسلوب الذي اعتمد لاستمالة القبائل العراقية عن طريق الرشاوي، لاجتذاب أعضاء في "شهداء الأقصى" القريب من "فتح" وضمهم إلى التنظيم الجديد الذي سيساهم في توسيع رقعة المواجهة مع إسرائيل، بعد أن تخلى الحزب جزئياً عن جهود مماثلة في قطاع غزة، معتبراً أن تحالفه مع "حماس" و "الجهاد الإسلامي" يكفي لتحقيق أغراضه في هذه المرحلة، وإلى أن تتبلور الأوضاع.
وحسب هذا المصدر فإن "حزب الله" رصد مبالغ طائلة لشراء ولاء قياديين في "شهداء الأقصى" وعسكريين في هذا التنظيم الذي ظهر من رحم انتفاضة الأقصى واتخذ مواقف مستقلة عن القيادات التقليدية لحركة "فتح"، وتحولت إلى جناح عسكري احتل مكانة متقدمة في المقاومة، واتبعت أسلوب التصفية الجسدية للمتعاونين مع إسرائيل" وتبنت حملة مكافحة الفساد في أجهزة السلطة لوطنية، بحيث اكتسب هذا التنظيم شعبية واحتراماً ي فلسطين المحتلة وخارجها.
كل هذه الإيجابيات، هي التي دفعت "حزب الله" على التركيز على القادة والعناصر الفاعلة في هذا التنظيم لشراء ولائهم، خاصة أن السبيل مفتوح معنوياً لذلك، لأن "كتائب شهداء الأقصى" تنظر بإعجاب إلى أسلوب "حزب الله" في مواجهة إسرائيل خلال حرب الصيف في جنوب لبنان.(59/128)
وحسب اعتقاد المصدر الأمني، وبناء على معلومات تلقاها من الجانب الإسرائيلي، فإن المسؤول عن هذه العملية هو القيادي في "حزب الله" الحاج إبراهيم عقيل، صاحب تاريخ حافل في المواجهة مع إسرائيل، حيث كان قائد قطاع جنوب لبنان خلال فترة الشريط الحدودي وقاد العمليات التي أسفرت عن الانسحاب الإسرائيلي عام 2000. ثم تولى، حسب المصدر، إنشاء "الوحدة 1800" التي تولت مسؤولية تجنيد نشطاء فلسطينيين للعمل تحت راية "حزب الله" ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ويرجح المصدر أن تكون هذه الوحدة تحظى بدعم قيادة "قوات القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني، وأن التعاون بين الجانبين أدى إلى نجاح "الوحدة 1800" في القيام بعمليات كبيرة، منها تجنيد قيس عبيد من بلدة الطيبة في الجليل، الذي تمكن من إقناع الحنان تتنباوم بالسفر إلى بيروت، حيث تم اختطافه. ويقول المصدر إن إمكانيات كبيرة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات خصصت لشراء ولاء القادة والخبراء في "كتائب الأقصى". ويعتقد أن كل قائد وحده يحصل على 40 ألف دولار شهرياً للإنفاق على وحدته وشراء أسلحة.
وتعتقد المصادر أن إيران قررت نقل المعركة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد اختارت "حزب الله" اللبناني للقيام بهذه المهمة. نظراً لسمعته الطبية بين الفلسطينيين، وهي تهدف من ذلك إلى التخلص من الصورة التي لصقت بها، وهي أن هدفها إثارة فتنة مذهبية بين العرب للسيطرة عليهم، وليس تحرير فلسطين. ولذلك فإنها تسعى حالياً لتحسين صورتها بين العرب، عن طريق دعم النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وأن ينتزع "حزب الله الفلسطيني" موقع الطليعة في هذا النضال، كما انتزع "حزب اللبناني" موقع الطليعة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بجنوب لبنان.
تمويل شراء الولاء(59/129)
وبحسب المصدر، فإن "حزب الله" يدرب حالياً عناصر فلسطينية في معسكراته في البقاع، وفي معسكرات إيرانية قرب طهران، بدعم من قوات القدس، لإدخال تكتيكات جديدة على العمل العسكري الفلسطيني، وهي تكتيكات بعيدة عن الأسلوب الراهن. ومن شأنهما إلحاق خسائر بالقوات الإسرائيلية. وتهدف أيضاً إلى تمكين الفلسطينيين من الدخول في قتال مواجهة مع الإسرائيليين لفترة زمنية قد تطول أو تقصر، بدل أسلوب "اضرب واهرب" المتبع حالياً.
وقد طرح المصدر الأمني تساؤلات حول مصدر تمويل هذه العملية، ويعترف بأن جزءاً من هذه الأموال يتم تهريبه من إيران إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومعظمه دولارات مزورة بإتقان، كتلك التي ظهرت مع عناصر "حماس" التي دخلت إلى مصر في مرحلة اقتحام معبر رفع الحدودي.
لكن المصدر الأمني يشير إلى أسلوب جديد لتمويل خطة "حزب الله" في الأراضي الفلسطينية، وهو عائد لتهريب المخدرات من لبنان إلى إسرائيل، وكانت قوات من الجيش والشرطة الإسرائيليين ضبطت منذ أيام 32.8 كيلوجرام من الهيروين بقيمة 20 مليون شيكل (حوالي 5.7 مليون دولار) عند الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وسط اتهامات لـ "حزب الله" بأنه يسعى لإغراق السوق الإسرائيلية بالمخدرات.(59/130)
واعتقلت القوات الإسرائيلية، قرب قاعدة بيرانيت العسكرية، وهي مقر فرقة الجليل الواقعة قبالة بلدة بنت جبيل، مواطنين عربيين من قريتي الراملة وبيت جن وبحوزتهما حقائب فيها كمية من المخدرات، وهذه أكبر كمية مخدرات يتم ضبطها في هذه المنطقة الحدودية، بحيث قال مصدر عسكري إسرائيلي: إنه صار واضحاً أن الوضع في لبنان يسمع بنشاط تجار المخدرات على طول الشريط الحدودي، وبالطبع هناك أشخاص في .. يريدون بيع المخدرات في السوق الإسرائيلية. مشيراً إلى أن تجار المخدرات اللبنانيين لم يتخطوا الحدود إلى إسرائيل. ويأتي ضبط كمية المخدرات غداة الكشف عن اعتقال ثلاثة أشخاص بينهم عربيان تم تقديم لائحة اتهام ضدهما بتهمة تهريب مخدرات من لبنان إلى إسرائيل، فيما المعتقل الثالث هو ضابط في الجيش الإسرائيلي متهم بالتخابر مع "حزب الله وتسليمه معلومات حول تحركات الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى تسهيل المخدرات في مقابل مبالغ مالية تلقاها من قبل الحزب.
وتتهم مصادر أمنية إسرائيلية "حزب الله" بمحاولة إغراق إسرائيل بالمخدرات. وأضافت أنه منذ انتهاء حرب يوليو "تموز" تزايدت وتيرة عمليات تهريب المخدرات من لبنان إلى إسرائيل، حتى أنها أصبحت حشيش وإنما عشرات الكيلوجرامات من اليهروين". وبحسب المصادر الأمنية الإسرائيلية، فإن قسماً من تجار المخدرات اللبنانيين يرتدون زياً عسكرياً وأن من يقف وراء عمليات تهريب المخدرات هي "القيادي في حزب الله قيس عبيد". ويقول هؤلاء إن عبيد مواطن عربي من مدينة الطيبة في المثلث فر من إسرائيل وانضم لـ "حزب الله" ,اصبح لاحقاً حلقة الوصل بين "حزب الله" وخلايا مسلحة في الأراضي الفلسطينية، كما أنه كان المدبر لأسر الضابط الإسرائيلي الحنان تتنباوم في لبنان عام 2000.(59/131)
وحسب المصادر الأمنية الإسرائيلية أن عمليات تهريب كميات كبيرة من المخدرات الخطيرة إلى إسرائيل هي جزء من حرب "حزب لله" لتسميم المجتمع الإسرائيلي بأساليب أخرى، إضافة إلى النشاط التخريبي المعادي. وأضافت المصادر أنه فقط في الأشهر الأخيرة تم ضبط 50 كيلوجراماً من الهيروين، فيما طوال عام 2005 تم ضبط كيلوجرام واحد.
غير أن المصدر يعتبر أن هدف تهريب المخدرات إلى إسرائيل لا يهدف إلى "تسميم" المجتمع الإسرائيلي، بل إلى تمويل خطة "حزب الله" لتجنيد مناصرين في الضفة. حيث أن حصيلة بيع المخدرات توجه لتمويل هذه العملية، بدل عمليات تهريب الدولارات من الخارج.
ومن هنا فإن المصدر الأمني الغربي يتوقع تصعيداً في العمليات النوعية ضد إسرائيل انطلاقاً من منطقة الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية.. ويخلص القول إلى أن حركة "فتح" كبرى التنظيمات الفلسطينية انتبهت إلى هذا المخطط، وتحاول مواجهته عن طريق تخصيص مساعدات قيمتها 150 مليون دولار، وتعزيز الجهود للحفاظ على جهوزيتها العسكرية، وذلك حتى لا تفقد الضفة كما فقدت غزة.
ومن المؤكد أن إقامة عدد من المشروعات الاقتصادية هناك , إضافة لبعض المساعدات , يعد ضرورة لعلاج مشكلة لا تزال في المهد قبل أن تستفحل لتصبح نقطة جديدة من نقط التوتر العربي -الإيراني لسنا في حاجة إليها .
حوار مع إبراهيم يازدي.. أول وزير خارجية بعد ثورة خميني
تمام البرازي
الوطن العربي 16/ 4/2008
[نموذج على العقلية الإيرانية تجاه العرب ولو كانت معارضة لنظام الملالي! الراصد]
إبراهيم يازدي أول وزير للخارجية إيران بعد سقوط الشاه في 1979، قدم استقالته بعد احتلال السفارة في طهران .
يبدو كأنك لا تريد الإطاحة بالنظام الإيراني؟(59/132)
- إننا كإصلاحيين نريد خلق قوة سياسية يمكن أن تضغط على السلطة لتحقيق الحرية وممارسة حقوق الإنسان.. لا تنسى أننا أجبرنا الخميني على القبول بالدستور الذي ساهم في وضعه مهدي بازركان والمثقفون، ولكنهم بعد الموافقة عليه أضافوا له قضية ولاية الفقيه..
هل تؤيد التعدد الإيراني في العراق وسورية ولبنان عبر حزب الله..؟
ـ يجب على العرب ألا يشعروا بالتهديد من توحد الشيعة.. فالشاه كانت تخفيه الجامعة العربية.. لا شيء خطأ في توحد الشيعة، ويجب ألا يخاف السنة العرب من توحد الشيعة.. مع أن هناك متطرفين من الشيعة والسنة.. ولا يوجد تهديد لإخواننا السنة في الخليج "الفارسي"..
تعني "الخليج العربي".. وهل تتذكر أن الخميني وعد أن يسميه الخليج الإسلامي عندما كان في فرنسا..؟
- في المنطقة هناك خليج عمان وبحر العرب فما المشكلة في تسمية الخليج الفارسي..
لكنكم طالبتم البحرين في الماضي والآن حصلتم على العراق..؟
- عندما استلمت وزارة الخارجية بعد الثورة عينت سفيراً لإيران في البحرين، وحتى عندما زارني وزير خارجية الكويت وسألني عن موقفنا من سياستنا حيال البحرين قلت له لقد أرسلنا سفيرنا للبحرين لأننا لا نريد تغيير الوضع القائم لأن ذلك سيفتح المجال لكل المطالبات فمثلا العراق يعتبر الكويت جزءا منه وهناك نزاع حول واحة البريمى، والإيرانيون يطالبون بالبحرين والإمارات تطالب بالجزر الثلاث…
لكن أحمدي نجاد يرفض حتى التحكيم حول الجزر الثلاث؟
- لا يمكنني أن أعلق على ما قاله نجاد. ولكن ما أقوله إن الدول العربية أنشأت مجلس التعاون الخليجي بدون إيران.. فهل يمكن تحقيق الأمن في منطقة الخليج بدون إيران.. فلماذا لا تدعون إيران لمجلس التعاون الخليجي..
لكنكم تحتلون الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي؟ وقد احتل شاه إيران هذه الجزر وانتم مستمرون في سياسة الشاه التوسعية في الخليج العربي؟(59/133)
- لا.. لا شاه إيران لم يحتل الجزر الثلاث بل عندما قرر البريطانيون الانسحاب من الخليج قدموا تنازلات للشاه بأن يعترف الشاه باستقلال البحرين ويعترفوا بسيادة إيران على أبو طنب الكبرى والصغرى وتتقاسم إيران مع دولة الإمارات السيادة على جزيرة أبو موسى، وهذا مسجل في الأمم المتحدة، ولقد رأيت ذلك بعيني في الأمم المتحدة..
ماذا عن الوجود الإيراني في سورية؟
- من الخطأ استثمار الأموال الطائلة في سورية ولكن أعتقد أن دعم إيران للنظام السوري شيء آخر ولست ضده.
لكن ماذا عن الحرس الثوري الإيراني في سورية...؟
- إذا كانت قوات الحرس الثوري الإيراني في سورية فعلى الحكومة السورية رفض تواجدهم في سورية..
ماذا عن العراق وخاصة أن حكام العراق من المالكي والصدر والحكيم هم ألعوبة بيد إيران؟
- لا أعتقد أنهم ألعوبة بيد إيران بل تعاونوا مع إيران خلال حكم صدام وكانت تدعمهم إيران كما كانت الولايات المتحدة تدعم بن لادن في أفغانستان عندما كان يقاتل الروس.. ولا يقول أحد إن بن لادن كان ألعوبة بيد أميركا.. ولا تنسى أن الشيعة في العراق يعتبرون أنفسهم شيعة عرباً وليسوا شيعة إيرانيين.. والحل في العراق بانسحاب القوات الأميركية بعد تحقيق الأمن بالتعاون مع إيران..
تقول إن الأكراد إيرانيون.. كيف ذلك؟
- بالطبع الأكراد أصلهم إيراني والملا مصطفى البرزاني قال مرة أن أي كردي لا يعتبر نفسه إيرانيا فإنه ليس كرديا.
إذن لا تعترفون بالأقليات الكردية والأذرية والتركمانية والبلوشية والعربية في إيران والتي تشكل أكثر من نصف سكان إيران؟
- كلهم إيرانيون وكفى من هذه الأسئلة..
تقول إن هجوم أميركا ضد إيران وضربها للمنشآت النووية هو بمثابة دعم للنظام الإيراني.. ألا ترى أنه سينهار؟
- لا.. لن ينهار النظام الإيراني.. ويمكن أن تحدث صفقة بين إيران والولايات المتحدة حول العراق مثلا، وثانيا في أفغانستان أيضا.(59/134)
ويمكن أن يسقط الأميركيون شرط تخصيب اليورانيوم.. مع إنني أطالب الحكومة الإيرانية بوقف تخصيب اليورانيوم ونحن لسنا بحاجة للطاقة النووية.. لكن يجب أن تعرف أن الإيرانيين وطنيون، ولا يحبون أي تدخل أجنبي في السياسة الإيرانية. والمقاطعة الاقتصادية ضد إيران تضر الشعب الإيراني وليس الطبقة الحاكمة..
هل يمكن لإيران أن تتحول إلى الديمقراطية حقاً بدون ثورة؟
- لا نحتاج إلى ثورة أخرى والمشكلة أن الحاكمين في إيران لا يفهمون الشؤون الدولية، وما زالوا يتصرفون وكأن الحرب الباردة قائمة ويريدون لعب روسيا والصين دوراً أميركا.. ويرسلون رسائل متضاربة ولا يعرفون ما هي المصلحة القومية الإيرانية، وفي نفس الوقت يخسرون الدعم الشعبي، خاصة أن الذين ولدوا بعد الثورة أصبحت أعمارهم الآن 30 عاما، وأحمدي نجاد جاء من الحرس الثوري وفشل في إدارة اقتصاد البلاد.. ولكن يبقى أن هناك أملاً في التغيير من الداخل.
حماس ودوامة الابتزاز الجهنمية الإيرانية
أحمد الظرافي
منذ مدة ليست بالقصيرة والشائعات تتردد - هنا وهناك - حول انتشار التشيع في أوساط حركتي حماس والجهاد الإسلامي - بشكل خاص - وتنظيمات الأخوان المسلمون - بشكل عام - وهذه الشائعات أو التقارير حول انتشار التشيع في أوساط هذه الجماعات – وإن كانت تتصاعد أحيانا وتخفت أحيانا أخرى – إلا أنها قد اشتهرت وأمست وكأنها نار على علم - في الوقت الراهن - ولم تعد تخفى على أحد. – ومحور حديثي هنا حول حركتي حماس والجهاد تحديدا – وإن كان تشيع الأخيرة سياسيا – فيما يبدو - قد أصبح أمرا مفروغا منه تقريبا من وجهة نظري وإن كان قادتها لازالوا يكابرون ويستخدمون التقية للتخفي والمراوغة – نعم شعار الجهلاء ولكن ؟(59/135)
والشائعات أو التقارير التي أتحدث عنها ها هنا - لا علاقة لها بالصراع الجاري والمحموم بين حركتي فتح وحماس ، وهي غير مرتبطة بالدعاية المسعورة التي تشنها حركة فتح والسلطة الفلسطينية ضد حركة حماس ، تحت شعار " شيعة ، شيعة " فما تقوم به كل من حركة فتح والسلطة الفلسطينية – في الوقت الراهن - من دعاية وإشاعات ومن وصم حركة حماس بالتشيع – ليس نابعا من عوامل دينية ، وليس حرصا على عقيدة أهل السنة والجماعة - عقيدة التوحيد - التي هي عقيدة أهل فلسطين ومعظم المسلمين في العالم- وإنما تلك الدعاية أو الشائعات هي لأسباب سياسية ومن قبيل الحرب الإعلامية والنفسية لاستفزاز حركة حماس والضغط عليها ، ونكايةً بها لدى المسلمين من أتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم وتأليبهم ضدها ، حتى تقل قيمتها في نظرهم ، نظرا للسمعة السيئة والمشينة التي أصبح عليها الشيعة نتيجة لجرائمهم الفظيعة وأعمالهم السوداء ضد أهل السنة في العراق ، وأيضا لصب الزيت على النار فيما يتعلق بعلاقة حركة المقاومة الإسلامية " حماس " مع الأنظمة العربية المعنية ولاستدرار واستجداء دعم تلك الأنظمة بهذه الطريقة المشينة .(59/136)
فأنا – بصريح العبارة - لم أكتب هذه السطور متأثرا بالدعاية الفتحاوية تلك ضد حماس ولا انتصارا لحركة فتح أو السلطة، وإلى الجحيم حركة فتح العلمانية هي والسلطة الفلسطينية العميلة ورئيسها البهائي الإيراني الأصل محمود ميرزا عباس .. ومعاذ الله أن يكون هدفي هو التشهير بحركة حماس أو الانتقاص من جهاد كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أومن بطولاته ضد الكيان الصهيوني – كلا كلا ، فكتائب عز الدين القسام كانت ولا زالت وستظل تاج على رءوسنا ومحل فخرنا ، إنما أنا أتعرض هنا للجناح السياسي من حماس - ومعظم المصائب إنما تأتي من السياسة والسياسيين - أقول أنني لم أكتب هذه السطور متأثرا بالدعاية الفتحاوية ولا بغيرها من الدعايات المغرضة وإنما متأثرا بما قرأت من مصادر أخرى منها مصادر مستقلة ، ومنها مصادر غير مستقلة - من الناحية الموضوعية – ولكنها جادة وغير مغرضة – ومتأثرا أيضا – وهذا هو الأهم - بانطباعاتي وتحليلاتي الشخصية على ما شاهدته وما أشاهده وأراه واسمعه حول تصرفات وأفعال قادة حركة حماس وحول العلاقات بينها وبين إيران حسب الأمور الظاهرة التي تجري على أرض الواقع . حماس والثالوث الرهيب تعتبر حركة المقاومة الإسلامية " حماس " من الناحية الفكرية والسياسية ، امتداد لتنظيم جماعة الإخوان المسلمون التي أسسه الإمام حسن البنا في مصر عام 1928 وتمتاز هذه الجماعة بعلاقتها الودية مع الشيعة، كما يُعرف عنها تعاطفها الكبير مع إيران وانبهارها بالثورة الخمينية عام 1979. سابقا – وافتتانها بحزب الله حاليا – لحد الهوس - كما أن من أحد أهم أولوياتها مبدأ التقارب مع الشيعة ، وإيمانها الكبير بذلك لدرجة توصف بالتساهل وعدم الاحتراس - كما ينبغي - تجاه العقائد والخزعبلات الشيعية ، وذلك بحجة تذليل التقارب بين المسلمين ، وبزعم الحرص على توحيد الكلمة والصف إزاء العدو المشترك وهو الكيان الصهيوني وحليفتها(59/137)
الولايات المتحدة الأمريكية التي تسميها إيران "الشطان الأكبر " حتى أن إخوان الأردن ومصر – على سبيل المثال – لم يعترضوا على خطط إنشاء حسينيات ومساجد خاصة بالشيعة في القاهرة وعمان، كما لم يبدر منهم أي جهد أو موقف يذكر في مكافحة انتشار الجمعيات والكتب والمطبوعات والجرائد والمجلات التي تروج لمذهب الرفض الفاسد في بلدانهم ، وكأن ذلك أمر لا يعنيهم ، أو بالأحرى وكأنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة ، بل أن الأخوان المسلمون في مصر كانوا من أول المباركين لإنشاء حزب سياسي شيعي في مصر السنية – رغم أن نسبة الشيعة فيها لاتصل إلى 1% . وقد كافأتهم إيران على ذلك بأن استغلت تلك العلاقة في بث سمومها وأفكارها المنحرفة والضالة بينهم ، وقد كللت جهودها في ذلك بالنجاح نسبيا ، فأمكنها - طبعا بالمال - استقطاب عدد كبير نسبيا من الانتهازيين وضعفاء النفوس منهم ، وقامت بتوظيفهم لخدمة أهدافها الخبيثة ، وآخر أخطاء الإخوان - في هذا الصدد - هي اكتشاف جماعة إخوان الأردن تشيع مجموعة من أعضائها – والذين لا يعلم عددهم إلا الله والعارفون – ولكن التقارير تؤكد أنهم كثيرون - وهذا خبر معروف وأذاعته الكثير من وسائل الإعلام ، ولا داعي هنا لمزيد من التفاصيل حوله . وإذا كانت تلك الاختراقات الشيعية لجماعة الإخوان المسلمون هي انعكاس طبيعي وإفراز رئيسي لعلاقة جماعة الإخوان المسلمون بالشيعة وإيران - رغم استقلالها عنهم ، وعدم ارتباطها المباشر بهم من النواحي التمويلية والتنظيمية والسياسة – فما بالك بتداعيات علاقة حركة حماس بهم – وهي الحركة القريبة منهم والمرتبطة بهم تمويليا وتنظيميا وسياسيا . فحركة حماس تقف في خندق واحد مع ثلاثة أطراف شيعية ترتبط ببعضها بحلف استراتيجي مقدس – وكل طرف منها تطفح نفسه بالخبث والحقد والعداء للسنة ، وصاحب سوابق دموية في علاقته بهم ، ولديه رصيد كبير من الدهاء والمواربة واللف والدوران – ويتمثل هذا(59/138)
الثالوث الرهيب والمرعب في: النظام الإيراني الفارسي الأثنى عشري ، والنظام السوري البعثي النصيري ، وتنظيم حزب الله اللبناني الشيعي . ومن المعروف أن معظم الدعم المادي في الوقت الراهن يأتي حركة حماس من المال الإيراني " الحلال " ولا يمكن لنظام طهران القومي الفارسي البغيض ، المتلبس بعباءة التشيع الإمامي الأثنى عشري ، والمشبع بالحقد التاريخي على العرب وعلى أهل السنة - لا يمكن له أن يقوم بدعم حركة حماس – وهي المحسوبة على العرب وأهل السنة - هكذا لوجه الله ، بدون ثمن أو مقابل ، أو دون أن تكون له مصالح عاجلة أو آجلة ، مباشرة أو غير مباشرة ، من وراء دعمه المادي والمعنوي لها ، ولا يمكن أن يكون ذلك الدعم غير مرتبط بضغوط أو شروط أو بأنواع أخرى من الابتزاز تطلب من قادة الحركة التنازل بها لصالح هذا النظام . "فما من مصلٍ إلا ويطلب مغفرة " – كما في المثل - وما من ممول إلا وله أهداف ومصالح ، وحكومة الرافضة في طهران ليست ملاكا نزل من السماء وهي بالتالي ليست استثناء من حكومات العالم ، بل أن لهذه الحكومة التي ألزمت نفسها بتصدير ثورتها وبنشر التشيع في العالم الإسلامي السني - من خلال خطة إستراتيجية وجدول زمني طويل الأمد - معنية أكثر من غيرها من تلك الحكومات بابتزاز كل طرف خارجي يرتبط بها ولاسيما إن كان هذا الطرف يحصل على دعمها ويرتبط بها من منطلق ضعف وعلاقته بها هي علاقة التابع بالمتبوع – مثل حركة حماس - وبما يؤدي إلى تحقيق مصالحها ذات العلاقة. ويعتبر هذا الوقت هو أنسب الأوقات لابتزاز حركة حماس وممارسة الضغوط عليها من قبل تلك الأطراف الثلاثة المتحالفة - وخاصة بعد أن انضمت إلى هذا التحالف الثلاثي الشيطاني حركة الجهاد الإسلامي ولتشكل عامل ضغط جديد على حركة حماس. الحكام العرب هم السبب وفي الواقع أن هذا ما يجري حاليا على أرض غزة ، وسأقول لكم كيف ؟ ولكني سأبدأ القصة من بدايتها ليعلم الجميع مدى ما يتمتع(59/139)
به الفرس من دهاء ونذالة وخسة وصفات شريرة وكيف أنهم في ذلك لا يقلون عن بني صهيون أحفاد القردة والخنازير- هذا إن لم يكن الفرس متفوقين عليهم – ثم إلى أين أوصل ذلك حركتي الجهاد وحماس ؟ كما يعلم الجميع أن نجم كل من حركة المقاومة الإسلامية " حماس " وحركة الجهاد الإسلامي ، أخذا في التألق بشكل متزامن تقريبا ، في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي ، وكما يعلم الجميع أيضا أن النظام العربي الرسمي – وخاصة بعد احتلال العراق للكويت عام 1990 وتداعياته تنازل عن كل المبادئ القومية التي كان يتشدق بها ، وسلم كل أوراقه بخصوص القضية الفلسطينية للولايات المتحدة الأمريكية لتحل القضية مع منظمة التحرير الفلسطينية بالطريقة المناسبة – للكيان الصهيوني طبعا – ومن هنا وجدت إيران الفرصة سانحة ودخلت على الخط . والواقع أن إيران كانت قد دخلت على هذا الخط قبل ذلك بعدة سنوات ، إنما بعد سنة 1990 انفتحت أمامها جميع مصاريع الأبواب التي كانت مغلقة في وجهها من قبل- مع تزايد تواطىء نظام حافظ أسد النصيري الجاثم في دمشق معها أعطاها فرصة ذهبية للمزايدة باسم المقاومة والقدس والأقصى وتحرير فلسطين وشحم الطريق أمامها للاقتراب من قيادتي حركتي حماس والجهاد الإسلامي أكثر فأكثر – أو بالأحرى الاستفراد بهما وخاصة حركة الجهاد الإسلامي - وإغراء كل منهما – على حدة – بمعسول الكلام والوعود والتظاهر بالحماس الكبير لدعمهما وتبني خيارهما في الجهاد والمقاومة ، وكان طبيعيا أن تستجيب الحركتان للإغراءات الإيرانية بل أن تهرولا نحو طهران .وأن تثني كل منهما على النظام الإيراني وثورته الإسلامية وتكيلان له ولها آيات الشكر والثناء والمديح ، وهل هناك من يرفض اليد التي تمد له بالعون والمساعدة – وهو في مثل الظرف العصيب الذي كانت تمر به الحركتان لا سيما وهو يشتبك في معركة جهاد مصيرية ومشروعة وعادلة مع الكيان الصهيوني المحتل. ثم ما(59/140)
الضير في ذلك ؟ أليست قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين – وإيران هي أحدى الدول الإسلامية بل أنها الدولية الإسلامية الوحيدة التي تدعي أنها خرجت من رحم الإسلام – الشيعي طبعا - وبالتالي فمن حقها أن تدعم الجهاد والمجاهدين على أرض فلسطين ، أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين . والمهم أن حكومة طهران زادت من تقريب قيادتي الحركتين إليها ، وزادت – في نفس الوقت من الدعم المادي لكل منهما ، تمشيا مع المستجدات الجديدة فيما بعد مؤتمر مدريد ، واتفاقية أوسلوفي عام 1993 ، وذلك لكي يتم مواصلة الجهاد والمقاومة المشروعة ضد الصهاينة بالرغم من اتفاقية السلام المزعومة الموقعة بين الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية ، ونكاية بالرئيس ياسر عرفات والزعماء العرب المنخرطين في عملية السلام المشبوهة مع الصهاينة ، ومزايدة عليهم . ولم تقصر الحركتان بل أبلت كل منهما أحسن البلاء في مقاومة الصهاينة وفي توجيه الضربات الموجعة لحشودهم – ولكن هل هذا هو ما يعني طهران أم أن لها دوافع أخرى من وراء دعم حركتي حماس والجهاد؟ المكر الفارسي السيء والسؤال هنا: لماذا فعلت حكومة طهران الفارسية في فلسطين ما لم تفعله في لبنان – على سبيل المثال - ؟ أي لماذا سعت حكومة الرافضة في طهران لدعم حركتي حماس والجهاد في وقتٍ واحد ؟ بينما هي في لبنان لم تقم بدعم سوى حركة مسلحة واحدة وهي حزب الله ؟ وليس ذلك فحسب بل أن حكومة طهران - وفي سبيل التمكين لحزب الله - بذلت كل ما في وسعها ، لتمزيق وتهميش حركة أمل الشيعية ، ولسحب البساط من تحت أقدامها وفرشه تحت أقدام حزب الله ، وهو ما جعل هذه الحركة تتحول نتيجة لذلك من منافس خطير لحزب الله على الساحة اللبنانية ، إلى مجرد رمز معنوي لا وزن له ولا قيمة ، مقارنة بحزب الله ، بل أنها في الواقع أصبحت ذنب من أذناب حزب الله . وحتى نبيه بري زعيم حركة أمل أصبح ذنبا من أذناب حسن نصر الله الأمين(59/141)
العام لحزب الله. إذن لماذا لم تطبق حكومة طهران الشيء ذاته على الساحة الفلسطينية، فتقوم بدعم حركة مقاومة واحدة بدلا من أن تدعم حركتين في نفس الوقت ؟ ألم يكن كافيا وجود حركة إسلامية واحدة في فلسطين لمقاومة الصهاينة ، كي يوجه ذلك الدعم إليها أسوة بحزب الله في لبنان ؟ الجواب: هنا - يظهر المكر الفارسي السيئ ، ويتجلى دهاء وخبث آيات الرفض في قم وطهران ، فإن حزب الله حزب شيعي - إيراني أساسا - وهو يعتز بعلاقته بحكومة الرافضة في طهران ويعمل من تلقاء نفسه على تحقيق مصالحها وهو يعمل على تنفيذ توجيهاتها مباشرة بدون الحاجة لأي ضغوط أو ابتزاز ، وليس من صالح الطرفين - لا إيران ولا حزب الله - أن يوجد شريك منافس له في العمل على الساحة اللبنانية طالما وهو يفي بالغرض- . أما حركتا حماس والجهاد فإن الموقف بالنسبة لهما مختلف تماما ، فهما حركتان سنيتان ، وبالتالي لا بد من استخدام الدهاء في التعامل معهما - وبما يحقق مصالح حكومة طهران الفارسية - ولو أن حكومة طهران الفارسية قد أكتفت بدعم حركة مقاومة واحدة من هاتين الحركتين في فلسطين لكانت خياراتها في التأثير عليها محدودة ، ولكانت فرصتها في ممارسة الضغوط والابتزاز عليها قليلة أيضا أو ربما غير مجدية . وأما إذا كان هناك حركتان في وقت واحد وعلى ساحة واحدة وتهدفان إلى غاية واحدة ، فإن الفرص والخيارات ستكون أكبر وهذا ما خطط له نظام الرافضة الفارسي في طهران وهو ما حدث بالضبط . ومن الفرص المباشرة المتاحة للابتزاز - في هذا الصدد - هو استخدام كل حركة منهما كوسيلة ضغط على الحركة الأخرى وابتزازها ، فمرة تستخدم حركة الجهاد للضغط على حركة حماس ومرة تستخدم حركة حماس للضغط على حركة الجهاد وذلك سعيا للحصول من هذه أو تلك على بعض التنازلات. التي تصب في خدمة المشروع الفارسي الشيعي . بيد أنه ولكي يُكتب النجاح لذلك الضغط أو الابتزاز، كان لا بد من إشعال جذوة التنافس بين(59/142)
الحركتين في ضرب الأهداف الحيوية الصهيونية، وفي تكرار العمليات العسكرية ضدها. وديمومتها، وإشعار قيادتي كل منهما أن العائد أو الحافز أو الدعم الإيراني سواء المادي أو المعنوي سيكون أكبر للطرف المتميز بالعمليات النوعية الأكثر جرأة والأكثر نكايةً ببني صهيون. بل في مناسبات معينة – وعندما تكون الضغوط الأمريكية والغربية كبيرة على طهران - قد يصل الأمر إلى التهديد - أو بالأحرى - التلويح بإيثار هذه الحركة على تلك ، أو تلك على هذه – وطبيعي أن لا يكون ذلك تصريحا بل تلميحا وتعريضا بإتباع أساليب دبلوماسية ملتوية غاية في الدهاء وقادة طهران وآياتها لا يعجزهم المنطق ولا ينقصهم الدهاء . الشرنقة تلتف حول عنق الجهاد ومما لاشك فيه أن التأثير في ممارسة الضغط ، والابتزاز يكون أقوى في هذه الحالة إي في حالة شعور أحد الأطراف أو الطرف الأضعف تحديدا - أنه على مفترق طرق أو محشورا في زاوية ضيقة وبصورة تجعله يشعر أنه قد يكون أو لا يكون ، ومثل هذا الموقف يفضي إلى الليونة في الموقف والخضوع للابتزاز ومن ثم القبول بتقديم بعض التنازلات – لا سيما وأن الساحة لا تخلو من طامحين للزعامة والذين هم على استعداد للتنازل عن بعض المبادىء والثوابت ، في سبيل تلك الزعامة .. وقد تكون هذه التنازلات – في بداية الأمر - تافهة أو عادية أو ليست خطيرة أو ذات أهمية كبيرة ، لكن الأهم والذي لاشك فيه أنها ستفتح الباب لمزيد من التنازلات . والمعروف أن من فرط في الصغيرة سيفرط غدا بالكبيرة. ونظرا للخبرة الفارسية السابقة الكبيرة ، ولمعرفة نظام الآيات في حكومة طهران الفارسية من أين يؤكل الكتف – كان طبيعيا أن يبدأ هذا النظام بترويض حركة الجهاد الإسلامي وممارسة الضغوط عليها للعوامل التالية :(59/143)
أولا: لأن هذه الحركة كانت هي الأكثر قربا منهم حيث تم تأسيسها بعد تشاور وتنسيق معهم عام 1981، لدرجة أنهم – أي القادة الإيرانيين – كانوا هم من أختار لها الاسم الذي عرفت به والذي جاء على غرار اسم حركة الجهاد التي اغتالت الرئيس المصري أنور السادات العدو اللدود للخميني ولثورته.
ثانيا: ولأن قيادة الجناح السياسي لهذه الحركة – وفي مقدمتهم زعيمها ومؤسسها فتحي الشقاقي رحمه الله – كانوا متيمين إلى درجة الهيام بالثورة الإيرانية وبالخميني ونظام الخميني ، وكانوا من أبرز المنظرين والمسوقين لتلك الثورة وفي كل محفل ، سواء بأقلامهم أو بألسنتهم ، وكانت علاقة الود والتعاطف كبيرة بينهم وبين الشيعة عموما.(59/144)
ثالثا : ولأن حركة الجهاد الإسلامي لم تكن في قوة وصلابة حركة حماس. ولم تكن ضربات جناحها المسلح ( سريا القدس ) وعملياته العسكرية بنفس مستوى ونوعية ضربات وعمليات الجناح المسلح لحركة حماس ( كتائب الشهيد عز الدين القسام ).- أي أن حركة حماس كانت بشكل عام – هي القوة الضاربة على أرض الميدان في فلسطين مقارنة بحركة الجهاد الإسلامي. إضافة إلى اعتزاز قيادة حركة حماس بهويتها السنية وعدم استعدادها على المساومة عليها – في تلك الفترة على الأقل - وتلك العوامل الثلاثة وغيرها قد هيأت الفرصة لحكومة طهران الفارسية لتكثيف ضغوطها على حركة الجهاد الإسلامي – والتي كانت بدورها غير مستعدة للاستغناء عن الدعم المالي المقدم من حكومة طهران الفارسية ، فذلك الدعم ضروري لإثبات وجودها في الساحة الفلسطينية ، وتأكيد قوتها في مضاهاة حركة حماس في عملياتها ضد الكيان الصهيوني ولكي تحظى بالشعبية التي تحظى بها حركة حماس في الشارع العربي والإسلامي والذي كان يتابع بشغف العمليات الفدائية التي يقوم بها المجاهدون ضد الكيان الصهيوني . بيد أن الحركة وبالأحرى زعيمها فتحي الشقاقي - وطبقا لبعض المصادر - حاول إبعاد الحركة عن إيران في الأشهر الأخيرة من حياته ، بيد أن القدر عاجله ولم يمهله ، وتلك حكمة الله ، فقد اغتيل الشقاقي في العاصمة المالطية لافاليتا ظهر يوم الخميس الموافق 26/10/1995- وهو في طريقه إلى دمشق بعد زيارته للجماهيرية العربية الليبية - التي كان حكام إيران الفرس يتميزون غيظا من علاقته بها - من المستفيد من اغتيال الشقاقي ؟ والسؤال الآن لماذا اغتيل فتحي الشقاقي ؟ ومن المستفيد من عملية الاغتيال هذه ؟ الجواب مع أن عملية اغتيال فتحي الشقاقي زعيم حركة الجهاد الإسلامي ومؤسسها ، قد نسبت للموساد الإسرائيلي انتقاما لمن قتل من الصهاينة نتيجة لعمليات سرايا القدس الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي ضدهم . أقول مع أن عملية(59/145)
الاغتيال تلك قد نسبت للموساد الإسرائيلي إلا أن بعض المتابعين لهذا الشأن لا يبرؤون نظام الآيات في طهران من الضلوع بشكل أو أخر في هذه العملية الإجرامية . ومن الأمور الذي تعزز الشكوك حول احتمال تواطىء مخابرات نظام طهران الفارسي مع الموساد الصهيوني في هذه العملية الإجرامية ما يلي :
أولا: أن عملية الاغتيال الإجرامية تلك جاءت بعد ثمانية أشهر من آخر سفرة للشقاقي إلى طهران في شهر رمضان من عام 1415هـ ، وهي الزيارة التي حصل فيها الطلاق – المفترض - والغير معلن بين الشقاقي والقادة الإيرانيين. علما بأن الشقاقي - وحرصا منه على استقلال حركته - كان قد نجح "في تكوين علاقات جديدة مع دول عربية تغنيه عن اعتماده الكلي على الدعم الإيراني" و بالتحديد مع ليبيا والسودان ، لدرجة أصبح معها الدعم الليبي للحركة أكثر من الدعم الإيراني بأضعاف.
ثانيا: أن الأمين العام الجديد للحركة والذي حل محل الشقاقي – وهو رمضان عبد الله شلح ، كان من الجناح الموالي لنظام طهران الفارسي ، بل قيل أن طهران كانت هي التي قد أعدته لتبوأ هذا المنصب ، - وهذا يدل على أنه كان هناك عملية التفاف إيرانيه على الشقاقي ، واختراق لقيادة الحركة في حياة الشقاقي ذاته ، وتولي رجالات إيران زمام أمور الحركة إلى جانب رجلها رمضان شلح .(59/146)
ثالثا : إذا نظرنا لهذه الجريمة البشعة من زواية المستفيد منها ، لأتضح لنا أن وراء هذه الأكمة ما وراءها ، وهو أن الكيان الصهيوني لم يكن هو المستفيد الوحيد من التخلص من فتحي الشقاقي زعيم حركة الجهاد الإسلامي ، وإنما إيران استفادت أيضا ، بل أن الفائدة التي جنتها إيران ربما تفوق ما جناه الكيان الصهيوني . فماذا استفادت إيران يا ترى ؟ لقد استفادت إيران الكثير من هذه العملية ، فقد استجابت القيادة الجديدة بكل سهولة لكافة الشروط والضغوط التي سبق وإن مارستها حكومة طهران على الأمين العام السابق ، علاوة على عودة الحركة من جديد لتطبيع علاقاتها مع نظام الآيات ومع حكومة طهران الفارسية ، بل والارتماء في أحضان النظام الإيراني بشكل شبه كامل – إن جاز التعبير - شلح وتشليح حركة الجهاد : ومن الشروط التي طلب الآيات في طهران من حركة الجهاد الإسلامي تنفيذها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة – وذلك لكي تظل متمتعة بالدعم الإيراني المادي والمعنوي ما يلي :
- قطع علاقة قيادة الحركة بالنظام الليبي .
- إلغاء منصب المرشد العام من الهيكل التنظيمي للحركة ، واعتبار خامنئي - المرشد العام للثورة الإيرانية - مرشدا عاما لها ، أسوة بحزب الله الشيعي في لبنان .
- ضرورة تصعيد خطاب الحركة الإعلامي المعادي للرئيس ياسر عرفات – بشكل خاص - وللسلطة الوطنية الفلسطينية بشكل عام .
- إلغاء كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب ( السني ) من المنهاج الفكري للحركة واستبداله بكتب القادة الإيرانيين ( المحرضة على الرفض والطاعنة صراحة في الصحابة وأمهات المؤمنين وفي التاريخ الإسلامي عامة ).(59/147)
- نزع الطابع العروبي عن الحركة ، وتلبيسها طابع إسلامي صرف – وهذا الشرط قد يكون مقبولا لو كان المقصود بالعروبة أن تكون نقيضا للإسلام - ولم يكن الأمر كذلك بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي – إنما المشكلة هي حساسية إيران التاريخية إزاء العرب ، وكانت العملية في جوهرها استدراج فارسي خبيث لتلبيس الحركة بالإسلام الشيعي المزيف – وهذا ما لمسه فتحي الشقاقي وما تعرض له هو نفسه في فترة علاقته بإيران خلال زياراته المتكررة لطهران واحتكاكه بالمسئولين والقادة الإيرانيين فيها .
وهذه الشروط وغيرها قد مرت بسهولة ودون مشاكل تذكر في عهد الأمين العام الجديد رمضان عبد الله شلح - الأمر الذي يعني بصريح العبارة أن شلح قد قام بتشليح حركة الجهاد الإسلامي ، أي - بعبارة أخرى – سمح بتفريغها من محتواها ومضمونها السني ، وفتح الباب على مصراعيه أمام تشيع الجناح السياسي للحركة . والمهم أنه منذ ذلك الوقت دخلت الحركة مرحلة جديدة، هي مرحلة التشيع بشكل تدريجي منظم ومدروس مما أفضى في نهاية المطاف إلى ركوب عدد من قادة الحركة موجة التشيع، ، - ولو أن الحركة لا زالت حتى الآن تنافح وتنفي ما يشاع حول تشيعها – رغم أن الحقائق كثيرة على الأرض في هذا الصدد –.
تداعيات تشيع الجهاد على حماس:(59/148)
هكذا تمكنت حكومة طهران الفارسية في تحقيق ما كانت تصبو إليه من حركة الجهاد الإسلامي – وهو نجاحها في تشييع الحركة - وآن الأوان الآن كي تدفع حركة حماس الثمن الذي يخصها والذي كان مؤجلا حتى الآن. كيف ؟ الحقيقة أن تشيع حركة الجهاد الإسلامي سيضع - أو بالأحرى قد وضع – قيادة حركة حماس في ورطة كبيرة وفي مأزق خطير ، ذلك أن نجاح إيران في تشيع معظم القادة السياسيين لحركة الجهاد الإسلامي لم يكن هو الهدف في حد ذاته ، فهدف إيران أبعد من ذلك بكثير ألا وهو نشر التشيع والحسينيات في عموم فلسطين وفي غزة بصورة رئيسية – وهذا ما يجري حاليا – وقد أنيطت هذه المهمة ببعض القادة من الجهاد الإسلامي وبغيرهم ، والذين سبق لهم أن حسموا أمرهم وامتطوا صهوة التشيع ، وقد مثل هؤلاء - ولازالوا يمثلون – حصان طروادة بالنسبة للعقائد والأفكار الشيعية الفارسية لاجتياز الحدود والوصول إلى عمق فلسطين ، فبواسطتهم نجح آيات الرافضة في اختراق مدن ومخيمات قطاع غزة ، حيث يسود الازدحام والفقر والجهل والشعور باليأس – والعياذ بالله – نتيجة لتخلي أنظمة العرب عنهم وتنصلهم من كل مسئولية إزاءهم ، وهذه العوامل تشكل أخصب بيئة لبث سموم الرفض والتشيع والعقائد والأفكار الفارسية الفاسدة ، وفي الأثر " كاد الفقر أن يكون كفرا " وهو ما تلهث حكومة الرافضة في طهران. حاليا على استغلاله وتسابق الزمن من أجله . وطبقا للعديد من المصادر فإن المتشيعين من حركة الجهاد الإسلامي يبذلون جهودا كبيرا في الوقت الراهن لنشر التشيع في غزة بتمويل إيراني سافر وبطرق منهجية منظمة مختلفة غاية في الخطورة ، وعلاوة على ذلك ، ورد أن عبد الله الشامي القيادي البارز بالجناح السياسي للحركة والناطق الرسمي باسمها في قطاع غزة ، قد خرج عن تقيته وأسفر عن وجهه الحقيقي.الكالح . بمعنى آخر أنه انتقل من الطور العمل السري في نشر التشيع إلى الطور العلني ، إذ ورد أنه حول خطبة الجمعة في(59/149)
مسجد سيد قطب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة إلى مناسبة للمدائح والإشادات التي يكيلها كيلا للمقبور خميني - بشكل خاص - وللثورة الإيرانية بشكل عام ، ترويجا وتسويقا وتبشيرا ، وذلك على الملأ من جماهير أهل السنة – في سابقة خطيرة استفزت مشاعر الكثير من طلبة العلم - دون أن يجد هذا الضال المضل المأجور - عليه من الله ما يستحق – من يردعه أو يوقفه عند حده من علماء غزة. والأخطر في هذا الأمر أن حركة حماس – وهي المسئولة حاليا عن إدارة قطاع غزة - لم تنفر للتصدي لهذا المخطط الجهنمي اللعين قبل أن يستفحل ، ولم يستفزها ما يحدث أو يثير غيرتها كي تهب وتنتصر لسنيتها ودينها . لكن لماذا هذا التقاعس يا ترى ؟ الجواب معروف طبعا ، وهو أن لذلك ارتباط بحساسية العلاقة بين حماس وطهران ، فهذا الملف يتعلق بمصالح إيرانية حيوية، فهل بوسع القيادة السياسية لحركة حماس أن تقف في وجه المصالح الإيرانية والمتمثلة في هذا المخطط الشرير ؟ أتساءل هل بوسع قيادة حركة حماس أن تقف حجرة عثرة في وجه مصالح نظام طهران ، وطهران هي الداعم الرئيسي لها ؟ وفي ظل وجود قيادتها السياسية في سورية النصيرية ، وقي لبنان – في ضيافة حزب الله الشيعي - الجواب يمكن لحماس أن تلتزم الصمت إزاء ما يحدث ، ويمكن لها - ونظرا لحساسية وخصوصية علاقتها بطهران - أن تنأى بنفسها عن التدخل في هذا الأمر - بشكل مباشر - لا سلبا ولا إيجابا. – بيد أن هذا في حد ذاته يعتبر خضوعا لابتزاز وتنازلا من جانب الحركة .وأي تنازل ؟ حيث أن هذا الأمر يتعلق بالهوية والعقيدة وهو مما لا ينبغي السكوت عليه – بل أنه قد ينطبق عليه –- الحديث القائل " الساكت على الحق شيطان أخرس " وخاصة أذا كان صاحب الأمر ، ومادام انفتح هذا الباب فلن يغلق ، إلا إذا قررت حركة حماس الاستغناء عن الدعم الإيراني تماما – وهذا غير ممكن في الوقت الراهن لعوامل مادية ولعوامل أخرى متشابكة بها .(59/150)
هوية حماس السنية على المحك هذا في الواقع هو أبرز تداعيات تشيع حركة الجهاد الإسلامي على حركة حماس . فيا مسلمون ويا أهل السنة ويا أمة العرب تأملوا و يا أولي الأبصار اعتبروا ، إلى أي مدى ؟ وإلى دوامة جهنمية أوصل الدهاء الإيراني حركة حماس - بعد أن نال غرضه من حركة الجهاد الإسلامي – ومن يدري فلعلنا نستيقظ ذات يوم لنسمع أن الشيعة في غزة قد أصبحوا أشد على أهل السنة من الصهاينة أنفسهم . وهل هذا معقول ؟ الجواب طبعا معقول ولن أسوق العراق كمثال على ذلك وإنما سآتي بمثال آخر وهو نيجيريا – فهذه دولة أفريقية معظم سكانها مسلمون بيد أن الكلمة العليا فيها للأقلية وهم نصارى ، وهم معروفون بعدائهم الكبير للمسلمين وبجرائمهم المستمرة ضدهم ، والمشكلة أن إيران – وفي إطار خطتها الإستراتيجية لنشر التشيع - تمكنت من اختراق مسلمي هذه الدولة ونجحت في تشييع بعض القبائل الجهولة فيها ، ويقال أن هؤلاء الذين امتطوا موجة التشيع في نيجيريا – وطبقا لما أوردته مجلة السنة عن مراسل غربي – قد أصبحوا أجرأ وأشد على أهل السنة فيها من النصارى أنفسهم – فلا حول ولا قوة إلا بالله .(59/151)
والمصيبة أن حركة حماس في الوقت الذي تغض الطرف فيه عن المحاولات المبذولة والأساليب المختلفة لنشر التشيع في قطاع غزة تقوم – يا للمفارقة ويا للعجب العجاب – بالوقوف في وجه المد السلفي الذي بدأ انتشاره وبدأ يتبلور بشكل ملحوظ وملموس في غزة في الفترة الأخيرة . فلمصلحة من تفعل ذلك حركة حماس يا ترى ؟ وهل هي متواطئة في نشر التشيع في غزة ؟ قد يستغرب الكثيرون أن يكون لدى القيادة السياسية لحركة حماس مثل هذه الحساسية أو النظرة السلبية نحو من يحمل أو يتبنى العقيدة السلفية، ولكن هذا هو ما يحدث حقيقة ألآن - بشكل أو آخر- على أرض الواقع في مجتمعات قطاع غزة منذ سيطرة الحركة عليه في يونيو2007. ومما لا شك فيه – وإذا صحت المعلومات المتوافرة حول هذه القضية - فأن المستفيد قطعا ليس حركة حماس ، وإنما حكومة الرافضة في طهران وهذا مما يثلج صدور الآيات فيها، باعتبار أنه خطوة تمهيدية ، في اتجاه تحقيق مصالحها الخبيثة المتمثلة في تشييع غزة إذ من شأن ذلك إتاحة المجال لأعوانها عباد الدينار والدرهم سواء من أتباع حركة الجهاد الإسلامي أو من غيرهم - ليعملوا بحرية أكثر من ذي قبل في تنفيذ المهمات والمخططات الموكلة إليهم والمرتبطة بهذا الشأن – ومعروف أن ذلك غير وارد في حالة وجود نفوذ للسلفيين – لمواقفهم الصريحة والصارمة والجريئة ضد البدع والخزعبلات الشيعية ، وعدم تساهلهم في كل ما يمس عقيدة التوحيد- . صحيح أن المعلومات لا تزال شحيحة حول هذا الأمر، ولا سيما من مصادر مستقلة ، ولكن المتابع لما ينشر في المنتديات والشبكات يطلع على معلومات غاية في الخطورة ومن ذلك ما يلي : قيام حكومة حركة حماس بهدم مدرسة سعد بن أبي وقاص الشرعية التابعة لجمعية بن باز الخيرية في رفح في تل السلطان ، وهي – طبقا لما ورد في شبكة الإخلاص - مدرسة حديثة لم يكن قد تم الانتهاء من بناء سورها وهذا السور هو الذي قامت بهدمه حركة حماس - ومعروف من الذي(59/152)
لديه الحساسية من ابن باز ومن محمد بن عبد الوهاب؟ من ؟ سوى الرافضة والصوفية القبوريين – هذا رغم أن المدرسة – وفقا للمصدر السابق - كانت ستقوم بجهود وتبرعات مواطني غزة أنفسهم – وليس ذلك أحداث عرضية أو فردية – كما قد يظن البعض - وإنما يبدو أن ذلك يتم بطريقة منظمة – وإن كانت غير محمومة بل هادئة إلى حدٍ ما . تقوم حركة حماس بعقد دورات تحذر فيها من منهج السلف لأتباعها- أنظروا إلى أين وصلت حركة حماس - ومن ذلك عقد دورة تحت عنوان : الدعوة السلفية الفكرة والنشأة ، المأرب والأهداف ، فهمهم شبه الصحيح " لفقه العبادات والمعاملات" فهمهم المنحرف لفقه السياسة الشرعية . خطرهم علينا في فلسطين، مناقشة موضوع ولي الأمر، الحزبية ، صور الشهداء ، كيفية التعامل معهم من منطلق إسلامي. وهذا طبقا لما ورد في هذا الموقع www.alquma.net كما أنني رصدت أمور أخرى – على علاقة مباشرة بهذه القضية - ولكني سأتجاوز عنها في الوقت الراهن. والحقيقة أن مثل هذا وغيره يقود إلى القول أن هوية حركة حماس السنية قد أصبحت على المحك ، فاللهم سلم سلم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل في حكام العرب .(59/153)